Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 9

‫مدخل لدراسة القانون اإلداري‬

‫مقياس القانون اإلداري هو من المقاييس المقررة لطلبة الحقوق‪ ،‬ضمن البرنامج المسطر لطلبة السنة‬
‫األولى ليسانس " جذع مشترك "‪ ،‬وفق عرض التكوين المخصص لهذه الشعبة‪ ،‬والمصادق عليه من‬
‫طرف الجهات الوصية‪.‬‬

‫غير أن البرنامج المسطر لطلبة السنة األولى ليسانس‪ ،‬ال يتعدى حدود المبادئ العامة التي تتعلق‬
‫بالتنظيم اإلداري ضمن السداسي األول‪ ،‬ثم النشاط اإلداري ضمن السداسي الثاني‪ ،‬لتبقى الكثير من‬
‫المواضيع ذات الصلة والتي يندرج بعضها ضمن فرع القانون اإلداري تدرس في السنوات الالحقة‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن المواضيع المحددة ضمن هذه المطبوعة‪ ،‬تندرج فقط في حدود التنظيم‬
‫اإلداري لكونها تتعلق بالسداسي األول فقط‪.‬‬

‫تعريف القانون اإلداري‪:‬‬


‫يمكن أن ننطلق في دراستنا لتعريف القانون اإلداري من فكرة أن القانون يالزم حياة الفرد منذ‬
‫والدته وحتى وفاته‪ ،‬فإذا كان الفرد جزء من مجموعة أكبر ترتبط فيما بينها بعالقات متعددة ومترابطة‬
‫ومتشابكة بداية باألسرة‪ ،‬العائلة‪ ،‬العشيرة والقبيلة‪ ،‬لتتطور فيما بعد إلى المدينة‪ ،‬ثم الدولة في مفهومها‬
‫الحديث‪ ،‬فإنه من المنطقي أن يتطور القانون عموما والقانون اإلداري على وجه الخصوص مع هذا‬
‫التطور‪ ،‬لتحقيق فاعليته‪ ،‬وكفاية غاياته‪ ،‬ويأتي على رأسها تحيق العدل والمساواة بين األفراد المخاطبين‬
‫بأحكامه‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف القانون عموما‪.‬‬


‫تنصرف كلمة القانون عموما إلى ك‪J‬ل العالق‪J‬ات ال‪J‬تي تمت‪J‬از بن‪J‬وع من الثب‪J‬ات في تنظيمه‪J‬ا في ش‪J‬كل‬
‫ارتباط حتمي يقوم بين ظاهرتين أو أكثر‪ ،‬وبذلك يكون ه‪JJ‬ذا المص‪JJ‬طلح ص‪JJ‬الحا لالس‪JJ‬تعمال في ك‪JJ‬ل العل‪JJ‬وم‬
‫البشرية على تنوعها‪ ،‬فتكون للعلوم الفزيائية قوانين خاص‪JJ‬ة به‪JJ‬ا‪ ،‬وعل‪JJ‬وم الفل‪JJ‬ك والرياض‪JJ‬يات وغيره‪JJ‬ا من‬
‫العلوم األخرى‪ ،‬ومث‪J‬ال ذل‪J‬ك أن الح‪J‬رارة ينتج عنه‪J‬ا تم‪J‬دد المع‪J‬ادن الص‪J‬لبة‪ ،‬وال‪J‬بردة ي‪J‬ترتب عنه‪J‬ا تح‪J‬ول‬
‫السوائل إلى جماد عند درجة معينة من البرودة‪ ،‬وبعض السوائل تتحول إلى غازات بفع‪JJ‬ل عام‪JJ‬ل الح‪JJ‬رارة‬
‫والسرعة ترتبط بكل من عاملي المسافة وال‪JJ‬زمن‪ ،‬وهك‪JJ‬ذا دوالي‪JJ‬ك من األمثل‪JJ‬ة غ‪JJ‬ير المنتهي‪JJ‬ة‪ ،‬فتع‪JJ‬ني ب‪JJ‬ذلك‬
‫عبارة قانون كل عالقة ثابتة بين ظاهرتين‪ ،‬وتؤدي الى نفس النتيجة بصفة حتمية‪.‬‬
‫غير أن العلوم القانونية تس‪JJ‬تأثر به‪JJ‬ذا المص‪JJ‬طلح دون غيره‪JJ‬ا من العل‪JJ‬وم األخ‪JJ‬رى‪ ،‬نظ‪JJ‬را الرتباطه‪JJ‬ا‬
‫الوثيق بمصطلح القانون‪ ،‬من حيث أنها باألساس مجموعة القواعد التي تنظم س‪JJ‬لوك وعالق‪JJ‬ات األش‪JJ‬خاص‬
‫في المجتمع على وجه االلزام‪ ،‬ولتشكل بذلك علما مستقال بذاته‪ ،‬وهو ما دفع بالبعض إلى القول إن القانون‬
‫يرتبط بالمجتمع ارتباطا وثيقا‪ ،‬فال قانون بدون مجتمع‪ ،‬وال يحيا مجتمع بال قانون‪ ،‬ويقصد به هنا مجموعة‬
‫القواعد القانونية العامة المجردة‪ ،‬والتي تهدف إلى تنظيم العالقات بين األف‪JJ‬راد داخ‪JJ‬ل المجتم‪JJ‬ع‪ ،‬والمقترن‪JJ‬ة‬
‫بجزاء‪ ،‬توقعه السلطة المختصة في حالة مخالفتها‪.‬‬

‫كما أن كلمة القانون تعني وفق مصدرها اليوناني العصا المس‪JJ‬تقيمة‪ ،‬أي انه‪JJ‬ا تع‪JJ‬بر عن االس‪JJ‬تقامة‬
‫من جهة‪ ،‬وترمز لتلك العالقة القائمة بين ظاهرتين بصفة ثابته من جهة ثاني‪JJ‬ة‪ ،‬وعلي‪JJ‬ه ف‪JJ‬إن الق‪JJ‬انون ض‪JJ‬من‬
‫حيز دراستنا يرتبط بتلك العالقات القائمة داخ‪JJ‬ل المجتم‪JJ‬ع وال‪JJ‬تي ينظمه‪JJ‬ا‪ ،‬ليض‪JJ‬ع له‪JJ‬ا الفرض‪JJ‬ية من جه‪JJ‬ة‪،‬‬
‫ويرتب لها الحكم من جهة ثانية‪ ،‬فكلم‪JJ‬ا تحققت الفرض‪JJ‬ية ت‪JJ‬رتب الحكم‪ ،‬بحيث يتك‪JJ‬ون من وح‪JJ‬دات أساس‪JJ‬ية‬
‫يطلق عليها مصطلح القواعد القانونية‪ ،‬والتي تمتاز بكونها قواعد عامة ومج‪JJ‬ردة‪ ،‬يتص‪JJ‬ل وجوده‪JJ‬ا بوج‪JJ‬ود‬
‫المجتمع لكونها حقيقة اجتماعية‪ ،‬تهتم بالس‪J‬لوك الظ‪J‬اهر لألف‪J‬راد‪ ،‬وتوص‪J‬ف على أس‪J‬اس ذل‪J‬ك بانه‪J‬ا قواع‪J‬د‬
‫سلوكية‪ ،‬كما أنها تقترن بجزاء يكفل احترامها يختلف باختالف موضوعها‪.‬‬

‫غير اننا عند البحث في أكثر تفصيل لما سبق‪ ،‬فإنه يمكننا أن نجد بعض االستعماالت المتباينة لكلم‪JJ‬ة‬
‫القانون بناء على المصطلح الذي يرتبط بها‪ ،‬فنقول في ذلك مثال‪ ،‬القانون الوضعي‪ ،‬ونعني به القانون الذي‬
‫سنه البش‪J‬ر لتمي‪JJ‬يزه عن الق‪JJ‬انون الرب‪JJ‬اني‪ ،‬ح‪J‬تى وإن ك‪JJ‬ان الق‪JJ‬انون الوض‪JJ‬عي يأخ‪J‬ذ من أحاكم‪JJ‬ه الكث‪JJ‬ير من‬
‫المبادئ والقواعد‪ ،‬غير أن القانون الوضعي مؤقت من حيث الزمن وإن طالت ف‪J‬ترة العم‪J‬ل ب‪J‬ه لس‪J‬نوات أو‬
‫لقرون عديدة‪ ،‬مقارنة بالقانون الرباني الذي يتصف بالدوام واالستمرار واألبدية‪ ،‬كما أن القانون الوض‪JJ‬عي‬
‫محدد المج‪JJ‬ال الجغ‪JJ‬رافي من حيث االل‪JJ‬زام والتط‪JJ‬بيق بحس‪JJ‬ب طبيعت‪JJ‬ه‪ ،‬ونع‪JJ‬ني ب‪JJ‬ه الق‪JJ‬انون الوط‪JJ‬ني‪ ،‬وه‪JJ‬و‬
‫مجموعة النصوص القانونية التي تطبق في الدولة ما‪ ،‬بعكس القانون األجنبي‪ ،‬ال‪JJ‬ذي يك‪JJ‬ون قانون‪JJ‬ا وض‪JJ‬عيا‬
‫كذلك‪ ،‬غير انه يطبق في دولة أخرى‪ ،‬وعليه فإنه يمكننا القول أن عب‪JJ‬ارة الق‪JJ‬انون تنص‪JJ‬رف إلى الكث‪JJ‬ير من‬
‫المعاني فنقصد به القانون الوضعي‪ ،‬القانون الوطني‪ ،‬والقانون األجنبي‪.‬‬

‫كما قد تستعمل عبارة القانون للتعبير عن كل القيم المعيارية المعتمدة في دولة ما مهما كان مصدرها‬
‫أو ترتيبها في الهرم القانوني للدولة‪ ،‬ومثال ذلك القانون العضوي‪ ،‬الق‪J‬انون‪ ،‬األوام‪J‬ر‪ ،‬المراس‪J‬يم الرئاس‪J‬ية‪،‬‬
‫المراسيم التنفيذية‪ ،‬كما قد تستعمل فقط للتعبير عن النص‪JJ‬وص القانوني‪JJ‬ة ال‪JJ‬تي تص‪JJ‬درها الس‪JJ‬لطة التش‪JJ‬ريعية‬
‫دون غيرها من السلطات األخرى في الدولة‪ ،‬ويسمى حينها بالتشريع‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬موضع القانون اإلداري من تقسيمات وفروع القانون‪.‬‬


‫يقسم الفقهاء القانون عموما إلى قسمين أساسيين‪ ،‬وهما القانون الع‪JJ‬ام والق‪JJ‬انون الخ‪JJ‬اص‪ ،‬على ال‪JJ‬رغم‬
‫من أن هذا التقسيم تقليدي جدا‪ ،‬وعلى الرغم مما عرفه من انتقادات‪ ،‬إال انه يبقى التقسيم األنسب واألص‪JJ‬لح‬
‫للتمييز بين القوانين التي تظه‪J‬ر فيه‪J‬ا ص‪J‬فة الس‪J‬يادة والس‪J‬لطة‪ ،‬وتغلب على قواع‪J‬دها الص‪J‬فة اآلم‪J‬رة‪ ،‬وبين‬
‫القوانين التي تنظم العالق‪J‬ات العادي‪J‬ة بين االف‪J‬راد وال‪J‬تي تغيب فيه‪J‬ا ص‪J‬فة الس‪J‬يادة والس‪J‬لطة ويكتس‪J‬ي فيه‪J‬ا‬
‫سلطان اإلرادة – إرادة االفراد ‪ -‬مكانة خاصة ومميزة‪.‬‬

‫فإذا ما انطلقنا من تعرف القانون العام على أنه مجموعة القواعد القانوني‪JJ‬ة ال‪JJ‬تي تنظم العالق‪JJ‬ات ال‪JJ‬تي‬
‫تكون الدولة أو أحد فروعها طرفا فيها‪ ،‬باعتبارها صاحبة سيادة وسلطة‪.‬‬

‫أو من تعريف القانون العام على أنه مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات التي تكون الدول‪JJ‬ة‬
‫طرفا فيها باعتبارها صاحبة سيادة وسلطة سواء كانت هذه العالقات بين الدولة وبين غيرها من الدول‪ ،‬أو‬
‫المنظمات الدولية‪ ،‬ونكون هنا أمام القانون العام الخارجي‪ ،‬وهو موضوع يخرج عن حيز دراستنا‪ ،‬أو تل‪J‬ك‬
‫العالقات التي تك‪J‬ون بين الدول‪J‬ة أو أح‪J‬د هيئاته‪J‬ا العام‪J‬ة‪ ،‬أو فيم‪J‬ا بين هيئاته‪J‬ا وبين األش‪J‬خاص الطبيع‪J‬ة أو‬
‫األشخاص المعنوية الخاصة‪ ،‬هنا نكون امام القانون العام الداخلي‪ ،‬وه‪J‬و م‪JJ‬ا ين‪JJ‬درج ض‪JJ‬من ح‪J‬يز دراس‪J‬تنا‪،‬‬
‫لكونه كفيل أن يعطي تعريفا أوليا للقانون اإلداري‪ ،‬على اعتبار أنه فروع من فروع القانون العام الداخلي‪.‬‬

‫فالقانون العام الداخلي على اعتبار أنه قسم من أقس‪JJ‬ام الق‪JJ‬انون‪ ،‬فإن‪JJ‬ه ب‪JJ‬دوره يتف‪JJ‬رع إلى مجموع‪JJ‬ة من‬
‫الفروع‪ ،‬نذكر منها على سبيل المثال ال الحصر القانون الدستوري‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬والقانون الجنائي‪.‬‬

‫ومنه فإن القانون يقسم إلى قسمين ‪ /1‬قانون عام و‪ /2‬قانون خاص‪ ،‬والق‪J‬انون الع‪J‬ام يقس‪J‬م إلى ف‪J‬روع‬
‫منها القانون اإلداري‪.‬‬

‫وعليه فإن أول تعريف يمكن القول به هو أن القانون اإلداري هو فرع من فروع القانون العام الداخلي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تعريف القانون اإلداري‪.‬‬
‫يعرف القانون اإلداري بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تتعلق بتنظيم ونشاط االدارة العامـــة في‬
‫الدولة‪ ،‬ويعرف كذلك بأنه القانون الذي ينظم عمل السلطة التنفيذية بكافة أجهزتها‪ ،‬وعلى تدرجها وكل‬
‫النشاطات اإلدارية التي تمارسها لتنفيذ مشاريعها المختلفة‪.‬‬

‫كما يعرف أيضا بأنه فرع من فروع القانون العام الداخلي‪ ،‬يتضمن القواعد القانونية التي تحكم‬
‫اإلدارة العامة في الدولة‪ ،‬من حيث تكوينها‪ ،‬ونشاطها‪ ،‬بوصفها صاحبة سلطة‪ ،‬بحيث تخضع فيها لقواعد‬
‫قانونية غير مألوفة في القانون الخاص‪.‬‬

‫من خالل هذا التعريف األخير يمكن أن نالحظ أن القانون اإلداري كأصل عام موجود في كل دولة‪،‬‬
‫مهما كانت طبيعة نظامها القضائي‪ ،‬وهو المعنى المقصود بالقانون اإلداري بمفهومه العام أو الواسع‪.‬‬

‫حيث انه يستحيل تصور وجود أي دولة دون وجود إدارة عامة فيها‪ ،‬تعمل على إشباع الحاجات‬
‫العامة‪ ،‬وتخضع لمجموعة من النصوص القانونية في تنظمها وفي تكوينها ونشاطها دون أن تتضمن هذه‬
‫النصوص القانونية قواعد استثنائية وغير مألوفة في القانون الخاص‪ ،‬وهو النظام السائد في الدول االنجلو‬
‫سكسونية‪ ،‬بحيث تغيب في هذه الدول فكرة خضوع اإلدارة ألحكام قانونية متميزة عن تلك الموجودة في‬
‫القانون الذي يخضع له االفراد واألشخاص المعنوية الخاصة‪ ،‬وتغيب أيضا فكرة االزدواجية القضائية‪،‬‬
‫بحيث يفصل قضاء موحد في جميع المنازعات حتى وإن كانت اإلدارة العامة طرفا فيها‪.‬‬

‫غير أن الدول التي تتبنى المفهوم الفني للقانون اإلداري وهو االتجاه الذي اقره الفقه الفرنسي على‬
‫اعتبار ان فرنسا من خالل اجتهاد مجلس الدولة فيها هي منبع القانون اإلداري بمفهومه الضيق‪ ،‬فإن‬
‫القانون اإلداري يقصد به مجمـوع القواعـد القانونيـة غير المألوفة المتميزة عن قواعد القانون الخاص‬
‫والتي تتعلق باإلدارة العامة حينما تتصرف بصفتها صاحبة سلطة عامة‪ ،‬كما أن االخذ بالمفهوم الضيق‬
‫للقانون اإلداري يقتضي االخذ بمبدأ االزدواجية القضائية‪ ،‬أي قضاء عادي وقضاء إداري‪.‬‬

‫يمكن أن نخلص من خالل كل ما سبق إلى القول إن القانون االداري فرع من فروع القانون العام‬
‫الداخلي‪ ،‬يرتبط باإلدارة العامة في الدولة‪ ،‬تتضمن موضوعاته اإلدارة العامة من حيث تنظيمها ونشاطها‪،‬‬
‫باعتبارها سلطة عامة‪ ،‬أو قانون اإلدارة العامة أين تكون الدولة أو إحدى هيئاتها العامة طرفا وتظهر‬
‫بوصفها صاحبة سلطة عامة‪ ،‬وتتمتع بمجموعة من الحقوق واالمتيازات االستثنائية غير المألوفة – غير‬
‫الموجودة – في النظام القانون الخاص‪.‬‬

‫من خالل ما سبق يمكن أن نستشف أن القانون اإلداري ينصرف في مفهومه الواسع إلى قانون‬
‫اإلدارة العامة‪ ،‬أو القانون الذي يتضمن مجموعة األجهزة والهياكل والهيئات القائمة في إطار السلطة‬
‫التنفيذية عبر كل مستوياتها‪ ،‬والذي يحكم تنظيمها ونشاطها‪.‬‬

‫غير أن المفهوم الضيق للقانون اإلداري يعبر على وجه الخصوص على ميزة السلطة العامة في‬
‫أعمال اإلدارة‪ ،‬لكونها تمارس مهامها بوصفها صاحبة سلطة عامة‪ ،‬من خالل قواعد قانونية استثنائية‬
‫وغير مألوفة في القانون الخاص‪ ،‬تضعها في مركز ممتاز مقارنة باألفراد لغرض تحقيق المصلحة العامة‪.‬‬

‫نشأة وتطور القانون اإلداري‪.‬‬


‫عند البحث في نشأة وتطور القضاء اإلداري‪ ،‬فإنه ينبغي علينا العودة بداية إلى موطن ميالده ونعني‬
‫بذلك فرنسا‪ ،‬ومن خاللها القضاء الفرنسي‪ ،‬ممثال في مجلس الدولة الفرنسي‪ ،‬الذي لعب دورا كبيرا في‬
‫ظهور هذا الفرع من فروع القانون العام‪.‬‬

‫بالرجوع إلى تاريخ ‪ 05‬ماي ‪ 1789‬وهو تاريخ بداية الثورة الفرنسية‪ ،‬أين عرفت هذه األخيرة‬
‫خالل السنة األولى للثورة مجموعة من األحداث المتسارعة‪ ،‬نتيجة الديون المتراكمة على الحكومة‪ ،‬و‬
‫الوضعية االجتماعية التي كان يعيشها عامة الشعب‪ ،‬إضافة إلى الحركات اإلصالحية التي كان يتزعمها‬
‫بعض المفكرين‪ ،‬عرفت إعالن حقوق اإلنسان والمواطن في أوت سنة ‪ ،1789‬وإلغاء نظام اإلقطاع ثم‬
‫اإلعالن عن قيام الجمهورية في سبتمبر ‪.1792‬‬

‫غير أن أهم األحداث التي يمكننا ان نشير لها في هذا الحيز من الدراسة ما تضمنه القانون ‪16/24‬‬
‫المؤرخ في أغسطس ‪ 1790‬الصادر عن الجمعية التأسيسية‪ ،‬والتي كان يطلق عليها في السابق الجمعية‬
‫الوطنية قبل التاسع من يوليو سنة ‪ ،1789‬التنظيم القضائي الجديد بحيث نص صراحة على أن " الوظيفة‬
‫القضائية مستقلة‪ ،‬وتبقى دائما بذلك منفصلة عن الوظيفة اإلدارية‪ ،‬وال يمكن في أي حال من األحوال‬
‫للقضاة أن يقوموا بعرقلة أعمال اإلدارية أو استدعاء رجالها للمثول أمامهم ألي سبب يتعلق بأداء وظائفهم‬
‫اإلدارية "‪ ،‬وبذلك تم استبعاد التقاضي اإلداري من سيطرة المحاكم العادية‪ ،‬وأصبحت القضايا التي تكون‬
‫اإلدارة العامة طرفا فيها ال تعرض على المحاكم العادية‪ ،‬تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬وحماية‬
‫الستقاللية اإلدارة من السلطة القضائية ‪.‬‬

‫منذ هذا التاريخ تم إلغاء ما كان يعرف في فرنسا قبل ثورة ‪ 1789‬بالبرلمانات القضائية‪ ،‬لتبدأ أول‬
‫مرحلة من مراحل ظهور القضاء اإلداري‪ ،‬والتي تعرف بمرحلة اإلدارة القاضية أو الوزير القاضي‪ ،‬أين‬
‫كان ينبغي على االفراد اللجوء إلى اإلدارة من اجل مخاصمتها‪ ،‬فكانت اإلدارة في هذه المرحلة هي‬
‫الخصم وهي الحكم – القاضي – في نفس الوقت‪.‬‬

‫ثم جاء ميالد المرحلة الثانية من مراحل تطور القضاء اإلداري في فرنسا في عهـد نابليون‪ ،‬وهي‬
‫مرحلة القضاء المحجوز‪ ،‬هذه المرحلة التي امتدت ما بين سنة ‪ 1799‬وإلى غاية سنة ‪ ،1872‬تم فيها‬
‫إنشاء مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ ‪ 12‬ديسمبر من نفس السنة‪ ،‬ثم مجالس األقاليم‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك‬
‫بقي مجلس الدولة الفرنسي محدود من حيث االختصاص القضائي‪ ،‬بحيث كان يغلب على أعماله الطابع‬
‫االستشاري لرئيس الدولة‪ ،‬وتخضع أحكامه وجوبا للتصديق من طرفه‪.‬‬

‫غير أن قوة وحكمة قضاة مجلس الدولة‪ ،‬والثقة التي اكتسبوها‪ ،‬جعلهم يكتسبون االختصاص‬
‫القضائي المفوض تدريجيا‪ ،‬ثم الوصول إلى مرحلة القضاء البات‪.‬‬

‫فقد عرف القضاء اإلداري في فرنسا مرحلة جديدة من مراحل تطوره‪ ،‬تعرف بمرحلة القضاء‬
‫المفوض بداية من سنة ‪ 1872‬أين أصبح لمجلس الدولة بموجب القانون رقم ‪ 24‬لسنة ‪ 1872‬سلطة‬
‫إصدار أحكام نهائية عند الفصل في المنازعات التي تعرض عليه‪ ،‬والتي تكون اإلدارة العامة طرفًا فيها‪،‬‬
‫ولم يعد لرئيس الدولة سلطة التعقيب على هذه األحكام‪ ،‬رغم هذا التطور إال أن القضاء اإلداري الفرنسي‬
‫كان ال يزال قضاء مفوضا على أساس أنه كان يمنع على االفراد الذين يرغبون في رفع دعوى قضائية‬
‫ضد اإلدارة رفع دعواهم مباشرة إلى مجلس الدولة‪ ،‬إذا كان يجب عليهم اللجوء أوال إلى اإلدارة إال في‬
‫حاالت استثنائية محددة صراحة بموجب القانون السالف الذكر‪.‬‬

‫بعد القرار الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ ‪ 13‬ديسمبر ‪ 1889‬والمتعلق بالقضية‬
‫الشهيرة المسماة قضية كادوا" ‪ ،" Cadot‬أين خاصم السيد كادو بلدية مرسيليا مباشرة امام مجلس الدولة‬
‫دون الرجوع إلى اإلدارة‪ ،‬بعد رفضها التعويض المطالب به‪ ،‬وفق ما كان معموال به في ظل القانون ‪-16‬‬
‫‪ 24‬غشت ‪ ، 1790‬أين قبل مجلس الدولة المنازعة مباشرة وفصل فيها‪ ،‬ليمثل بذلك سابقة تنتهي من‬
‫خاللها فترة إلزامية عرض المنازعات القائمة ضد القرارات اإلدارية أمام الوزراء المختصين‪ ،‬اعتمادا‬
‫على نظرية الوزير القاضي‪ ،‬ولتتحول تدريجيا مجالس األقاليم إلى محاكم إدارية تختص بالفصل في‬
‫المنازعات التي تخرج عن المجال المحصور لمجلس الدولة‪.‬‬

‫عالقة القانون اإلداري بعلم اإلدارة العامة‪.‬‬

‫كلمة إدارة مشتقة أساسا من الفعل أدار‪ ،‬يدير‪ ،‬وهي تعني العملية الي يمكن بواسطتها تنفيذ غرض‬
‫معين واإلشراف عليه‪.‬‬

‫وعلم اإلدارة يقصد به ذلك العلم الذي يهدف إلى تنظيم العمل في المؤسسات المختلفة بغض النظر‬
‫عن نشاطها أو الميدان الذي تعمل فيه‪ ،‬ويرصد األهداف الرئيسّية والفرعّية‪ ،‬ويضع خطط الطريق نحو‬
‫تحقيق المهام المؤدية للوصول إلى هذه األهداف والغايات‪ ،‬ويقوم على عدد من الوظائف األولّية التي‬
‫تتمّث ل في كل من التخطيط‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬والتوجيه‪ ،‬والرقابة‪ ،‬والوظائف الثانوّية‪ ،‬التي تتمّث ل في الكفاءة‬
‫واتخاذ القرارات السليمة والتطوير والقدرة على المنافسة‪ ،‬فهو بذلك فرع مستقل بذاته يهدف إلى تحقيق‬
‫غايات محددة سلفا‪ ،‬بطرق علمية‪.‬‬

‫غير أن اإلدارة في حد ذاتها تنقسم إلى إدارة عامة‪ ،‬وإلى إدارة خاصة‪ ،‬فإذا كنا نبحث في موضوع‬
‫القانون اإلداري فإننا نبحث في مجال اإلدارة العامة‪ ،‬والتي يعرفها البعض على أنها أداة تنفيذ السياسية‬
‫العامة للدولة وفق المنظور التقليدي‪ ،‬وتعرف كذلك بأنها مجموعة الوظائف والعمليات اإلدارية التي تهتم‬
‫بتخطيط وتنظيم وتوجيه األعمال واألنشطة التي يتم ممارستها في منظمات الدولة وأجهزتها المختلفة‬
‫لتحقيق المصلحة العامة لها‪ ،‬بما يخدم تحقيق أهداف المجتمع‪ ،‬مع األخذ في االعتبار العوامل والمتغيرات‬
‫البيئية والمجتمعية‪ ،‬الداخلية والخارجية‪ ،‬لتطوير اإلدارة العامة بما يتناسب مع هذه التطورات‪ ،‬ويرى‬
‫البعض أنها علم وفن وضع السياسات العامة للدولة‪ ،‬والحرص على تنفيذها‪.‬‬

‫من خالل ما سبق يمكن ان نستشف أن القانون اإلداري وعلم اإلدارة العامة حتى وإن كان كل‬
‫مستقل عن الثاني‪ ،‬إال أن العالقة بينهما جد وثيقة‪ ،‬ذلك أن كالهما يهتم باألساس باإلدارة العامة‪ ،‬غير أن‬
‫زاوية االهتمام متباينة‪.‬‬
‫فالقانون اإلداري يتناول النصوص القانونية على تدرجها ذات الصلة بالتنظيم والنشاط اإلداري‪،‬‬
‫والمنازعات القضائية اإلدارية‪ ،‬والمالية العامة‪ ،‬والموظف العام‪...‬الخ‪.‬‬

‫في حين أن علم اإلدارة يتناول بالبحث والدراسة مختلف العمليات اإلدارية‪ ،‬والعالقات القائمة داخل‬
‫اإلدارة‪ ،‬وطرق االتصال اإلداري سواء االفقية والعمودية‪ ،‬بداية بالتخطيط‪ ،‬التنظيم‪ ،‬القيادة‪ ،‬الرقابة‪،‬‬
‫التوجيه واإلشراف‪ ،‬وسبل الوصل إلى تحقيق أفضل النتائج انطالقا مختلف البدائل المقترحة‪ ،‬لتحقيق كفاية‬
‫العمليات اإلدارية‪ ،‬ورفع مستوى الكفاءة والفاعلية للقيام بالعمل اإلداري‪.‬‬

‫من خالل ما سبق يمكن القول إن القانون اإلداري يعجز لوحده عن تنظيم اإلدارة والبحث في تطوير‬
‫وتفسير كل اإلشكاالت المرتبطة بها‪ ،‬من أجل الوصول إلى تطويرها‪ ،‬وعلم اإلدارة يصبح بدون موضوع‬
‫في غياب إدارة عامة تعتمد أساسا على القانون اإلداري بمفهومه الواسع في وجودها وتنظيمها‪.‬‬

‫عالقة القانون اإلداري ببعض الفروع القانونية األخرى‪.‬‬


‫يمكن أن نتناول على سبيل المثال ال الحصر عالقة القانون اإلداري ببعض الفروع القانونية‬
‫األخرى‪ ،‬وهذا ال يعني بأي حال من األحوال ان عالقة القانون اإلداري تنحصر فقط بهذه الفروع القانونية‬
‫دون سواها‪.‬‬

‫أوال‪ :‬عالقة القانون اإلداري بالقانون الدستوري‪.‬‬


‫القانون اإلداري والقانون الدستوري هما فرعين مختلفين من فروع القانون‪ ،‬غير أنهما ينتميان لقسم‬
‫واحد من أقسام القانون‪ ،‬وهو قسم القانون العام الداخلي‪.‬‬

‫إن البحث في التمييز بينهما يدفعنا بداية إلى فكرة أن القانون اإلداري يرتبط أساسا باإلدارة العامة‬
‫تكوينا وتنظيما ونشاطا‪ ،‬إذ ال يمكن تصور وجود إدارة عامة دون وجود القانون اإلداري بمفهومه الواسع‪،‬‬
‫فإذا كانت موضوعات القانون الدستوري تعنى وتهتم بشكل الدولة ونظام الحكم فيها‪ ،‬وبيان السلطات‬
‫العامة القائمة في الدولة‪ ،‬والعالقة بين هذه السلطات‪ ،‬وحقوق وحريات االفراد‪ ،‬فإن القانون الدستوري‬
‫يكون بذلك الضابط والمعيار األول الذي تتحدد من خالله طبيعة اإلدارة العامة في الدولة‪ ،‬واالسس‬
‫المعتمدة في نشاطها‪ ،‬ويكون القانون اإلداري االطار الذي تتحدد من خالله القواعد التفصيلية لمجموع‬
‫المبادئ المقررة في الدستور‪ ،‬بداية بنظام الحكم‪ ،‬وتحديد رأس السلطة اإلدارية في الدولة‪ ،‬وطبيعة النظام‬
‫اإلداري المتبع فيها‪ ،‬سواء كان مركزي‪ ،‬ويقوم على الالمركزية اإلدارية‪ ،‬والنظام القضائي المقرر فيها‬
‫سواء كان قائما على االزدواجية القضائية‪ ،‬أو وحدة القضاء‪ ،‬ومبدأ حياد اإلدارة‪ ،‬ومبدأ المساواة امام‬
‫القانون‪ ،‬وغيرها من المبادئ واالسس التي يحددها القانون الدستوري‪ ،‬من خالل والوقية الدستورية‪،‬‬
‫ومختلف النصوص القانونية ذات الصلة‪.‬‬

‫وعليه يمكن القول إن العالقة بين القانون اإلداري والقانون الدستوري هي عالقة تكامل‪ ،‬يحتل فيها‬
‫القانون الدستوري مكانة خاصة لكون نصوصه تأتي في أعلى الهرم القانون للدولة‪ ،‬تستمد بعضها مباشرة‬
‫في القانون االداري‪ ،‬وتمثل نصوص قانونية أخرى المبادئ التي يقوم عليها التنظيم والنشاط اإلداري في‬
‫الدولة‪ ،‬لتبين كيفية تنظيم وسير األجهزة اإلدارية على مستوى الدولة وأدائها لوظيفتها اإلدارية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عالقة القانون االدري بقانون المدني‪.‬‬


‫يعتبر القانون المدني بمثابة الشريعة العامة‪ ،‬يرتبط أساسا بتنظيم العالقات التي تكون بين االفراد أين‬
‫يكتسي سلطان اإلرادة أهمية خاصة‪ ،‬وتقوم قواعده على مبدأ الرضائية والمسواة‪ ،‬في حين ان القانون‬
‫اإلداري بمفهومه الفني يقوم على أساس امتيازات اإلدارة وسلطتها في مواجهة االفراد من اجل الوصول‬
‫إلى تحقيق المصلحة العامة‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس يمكن القول إن القانون المدني مستقل ومتباين كل التباين عن القانون اإلداري‪.‬‬

‫غير ان هذا القول يشوب النقص عندما نجد ان الكثير من المبادئ المقرر في القانون اإلداري تجد‬
‫أصلها في المبادئ المقررة في القانون المدني‪ ،‬بحيث تم اشتقاقها منه وتكييفها بالطريقة التي تضمن‬
‫لإلدارة ممارسة مهامها على أحسن وجه‪ ،‬ومثال ذلك الشخصية المعنوية‪ ،‬والمسؤولية اإلدارية والتي تجد‬
‫أساسها األول في المسؤولية المدنية‪ ،‬ونظرية العقود االدارية‪ ،‬فكرة االلتزام‪ ،‬وقواعد التعويض وجبر‬
‫الضرر غيرها من المبادئ التي تجد أساساه األول في القانون المدني‪ ،‬غير أن خصوصية النشاط اإلداري‬
‫كيفتها بما يتوافق وخصوصيتها‪.‬‬

‫فيكون بذلك القانون المدني هو الشريعة العامة التي تستمد منها باقي الفروع القانونية األخرى ومنها‬
‫القانون اإلداري الكثير من المبادئ واالسس التي تقوم عليها‪.‬‬

‫كما أن اإلدارة العامة قد تلجأ في بعض الحاالت إلعمال قواعد القانون المدني عندما تتجرد في‬
‫تصرفاتها من صفة السلطة‪.‬‬

You might also like