Professional Documents
Culture Documents
المحور الأول
المحور الأول
مقياس القانون اإلداري هو من المقاييس المقررة لطلبة الحقوق ،ضمن البرنامج المسطر لطلبة السنة
األولى ليسانس " جذع مشترك " ،وفق عرض التكوين المخصص لهذه الشعبة ،والمصادق عليه من
طرف الجهات الوصية.
غير أن البرنامج المسطر لطلبة السنة األولى ليسانس ،ال يتعدى حدود المبادئ العامة التي تتعلق
بالتنظيم اإلداري ضمن السداسي األول ،ثم النشاط اإلداري ضمن السداسي الثاني ،لتبقى الكثير من
المواضيع ذات الصلة والتي يندرج بعضها ضمن فرع القانون اإلداري تدرس في السنوات الالحقة.
وعلى هذا األساس فإن المواضيع المحددة ضمن هذه المطبوعة ،تندرج فقط في حدود التنظيم
اإلداري لكونها تتعلق بالسداسي األول فقط.
كما أن كلمة القانون تعني وفق مصدرها اليوناني العصا المسJJتقيمة ،أي انهJJا تعJJبر عن االسJJتقامة
من جهة ،وترمز لتلك العالقة القائمة بين ظاهرتين بصفة ثابته من جهة ثانيJJة ،وعليJJه فJJإن القJJانون ضJJمن
حيز دراستنا يرتبط بتلك العالقات القائمة داخJJل المجتمJJع والJJتي ينظمهJJا ،ليضJJع لهJJا الفرضJJية من جهJJة،
ويرتب لها الحكم من جهة ثانية ،فكلمJJا تحققت الفرضJJية تJJرتب الحكم ،بحيث يتكJJون من وحJJدات أساسJJية
يطلق عليها مصطلح القواعد القانونية ،والتي تمتاز بكونها قواعد عامة ومجJJردة ،يتصJJل وجودهJJا بوجJJود
المجتمع لكونها حقيقة اجتماعية ،تهتم بالسJلوك الظJاهر لألفJراد ،وتوصJف على أسJاس ذلJك بانهJا قواعJد
سلوكية ،كما أنها تقترن بجزاء يكفل احترامها يختلف باختالف موضوعها.
غير اننا عند البحث في أكثر تفصيل لما سبق ،فإنه يمكننا أن نجد بعض االستعماالت المتباينة لكلمJJة
القانون بناء على المصطلح الذي يرتبط بها ،فنقول في ذلك مثال ،القانون الوضعي ،ونعني به القانون الذي
سنه البشJر لتميJJيزه عن القJJانون الربJJاني ،حJتى وإن كJJان القJJانون الوضJJعي يأخJذ من أحاكمJJه الكثJJير من
المبادئ والقواعد ،غير أن القانون الوضعي مؤقت من حيث الزمن وإن طالت فJترة العمJل بJه لسJنوات أو
لقرون عديدة ،مقارنة بالقانون الرباني الذي يتصف بالدوام واالستمرار واألبدية ،كما أن القانون الوضJJعي
محدد المجJJال الجغJJرافي من حيث االلJJزام والتطJJبيق بحسJJب طبيعتJJه ،ونعJJني بJJه القJJانون الوطJJني ،وهJJو
مجموعة النصوص القانونية التي تطبق في الدولة ما ،بعكس القانون األجنبي ،الJJذي يكJJون قانونJJا وضJJعيا
كذلك ،غير انه يطبق في دولة أخرى ،وعليه فإنه يمكننا القول أن عبJJارة القJJانون تنصJJرف إلى الكثJJير من
المعاني فنقصد به القانون الوضعي ،القانون الوطني ،والقانون األجنبي.
كما قد تستعمل عبارة القانون للتعبير عن كل القيم المعيارية المعتمدة في دولة ما مهما كان مصدرها
أو ترتيبها في الهرم القانوني للدولة ،ومثال ذلك القانون العضوي ،القJانون ،األوامJر ،المراسJيم الرئاسJية،
المراسيم التنفيذية ،كما قد تستعمل فقط للتعبير عن النصJJوص القانونيJJة الJJتي تصJJدرها السJJلطة التشJJريعية
دون غيرها من السلطات األخرى في الدولة ،ويسمى حينها بالتشريع.
فإذا ما انطلقنا من تعرف القانون العام على أنه مجموعة القواعد القانونيJJة الJJتي تنظم العالقJJات الJJتي
تكون الدولة أو أحد فروعها طرفا فيها ،باعتبارها صاحبة سيادة وسلطة.
أو من تعريف القانون العام على أنه مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات التي تكون الدولJJة
طرفا فيها باعتبارها صاحبة سيادة وسلطة سواء كانت هذه العالقات بين الدولة وبين غيرها من الدول ،أو
المنظمات الدولية ،ونكون هنا أمام القانون العام الخارجي ،وهو موضوع يخرج عن حيز دراستنا ،أو تلJك
العالقات التي تكJون بين الدولJة أو أحJد هيئاتهJا العامJة ،أو فيمJا بين هيئاتهJا وبين األشJخاص الطبيعJة أو
األشخاص المعنوية الخاصة ،هنا نكون امام القانون العام الداخلي ،وهJو مJJا ينJJدرج ضJJمن حJيز دراسJتنا،
لكونه كفيل أن يعطي تعريفا أوليا للقانون اإلداري ،على اعتبار أنه فروع من فروع القانون العام الداخلي.
فالقانون العام الداخلي على اعتبار أنه قسم من أقسJJام القJJانون ،فإنJJه بJJدوره يتفJJرع إلى مجموعJJة من
الفروع ،نذكر منها على سبيل المثال ال الحصر القانون الدستوري ،القانون اإلداري ،والقانون الجنائي.
ومنه فإن القانون يقسم إلى قسمين /1قانون عام و /2قانون خاص ،والقJانون العJام يقسJم إلى فJروع
منها القانون اإلداري.
وعليه فإن أول تعريف يمكن القول به هو أن القانون اإلداري هو فرع من فروع القانون العام الداخلي.
ثالثا :تعريف القانون اإلداري.
يعرف القانون اإلداري بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تتعلق بتنظيم ونشاط االدارة العامـــة في
الدولة ،ويعرف كذلك بأنه القانون الذي ينظم عمل السلطة التنفيذية بكافة أجهزتها ،وعلى تدرجها وكل
النشاطات اإلدارية التي تمارسها لتنفيذ مشاريعها المختلفة.
كما يعرف أيضا بأنه فرع من فروع القانون العام الداخلي ،يتضمن القواعد القانونية التي تحكم
اإلدارة العامة في الدولة ،من حيث تكوينها ،ونشاطها ،بوصفها صاحبة سلطة ،بحيث تخضع فيها لقواعد
قانونية غير مألوفة في القانون الخاص.
من خالل هذا التعريف األخير يمكن أن نالحظ أن القانون اإلداري كأصل عام موجود في كل دولة،
مهما كانت طبيعة نظامها القضائي ،وهو المعنى المقصود بالقانون اإلداري بمفهومه العام أو الواسع.
حيث انه يستحيل تصور وجود أي دولة دون وجود إدارة عامة فيها ،تعمل على إشباع الحاجات
العامة ،وتخضع لمجموعة من النصوص القانونية في تنظمها وفي تكوينها ونشاطها دون أن تتضمن هذه
النصوص القانونية قواعد استثنائية وغير مألوفة في القانون الخاص ،وهو النظام السائد في الدول االنجلو
سكسونية ،بحيث تغيب في هذه الدول فكرة خضوع اإلدارة ألحكام قانونية متميزة عن تلك الموجودة في
القانون الذي يخضع له االفراد واألشخاص المعنوية الخاصة ،وتغيب أيضا فكرة االزدواجية القضائية،
بحيث يفصل قضاء موحد في جميع المنازعات حتى وإن كانت اإلدارة العامة طرفا فيها.
غير أن الدول التي تتبنى المفهوم الفني للقانون اإلداري وهو االتجاه الذي اقره الفقه الفرنسي على
اعتبار ان فرنسا من خالل اجتهاد مجلس الدولة فيها هي منبع القانون اإلداري بمفهومه الضيق ،فإن
القانون اإلداري يقصد به مجمـوع القواعـد القانونيـة غير المألوفة المتميزة عن قواعد القانون الخاص
والتي تتعلق باإلدارة العامة حينما تتصرف بصفتها صاحبة سلطة عامة ،كما أن االخذ بالمفهوم الضيق
للقانون اإلداري يقتضي االخذ بمبدأ االزدواجية القضائية ،أي قضاء عادي وقضاء إداري.
يمكن أن نخلص من خالل كل ما سبق إلى القول إن القانون االداري فرع من فروع القانون العام
الداخلي ،يرتبط باإلدارة العامة في الدولة ،تتضمن موضوعاته اإلدارة العامة من حيث تنظيمها ونشاطها،
باعتبارها سلطة عامة ،أو قانون اإلدارة العامة أين تكون الدولة أو إحدى هيئاتها العامة طرفا وتظهر
بوصفها صاحبة سلطة عامة ،وتتمتع بمجموعة من الحقوق واالمتيازات االستثنائية غير المألوفة – غير
الموجودة – في النظام القانون الخاص.
من خالل ما سبق يمكن أن نستشف أن القانون اإلداري ينصرف في مفهومه الواسع إلى قانون
اإلدارة العامة ،أو القانون الذي يتضمن مجموعة األجهزة والهياكل والهيئات القائمة في إطار السلطة
التنفيذية عبر كل مستوياتها ،والذي يحكم تنظيمها ونشاطها.
غير أن المفهوم الضيق للقانون اإلداري يعبر على وجه الخصوص على ميزة السلطة العامة في
أعمال اإلدارة ،لكونها تمارس مهامها بوصفها صاحبة سلطة عامة ،من خالل قواعد قانونية استثنائية
وغير مألوفة في القانون الخاص ،تضعها في مركز ممتاز مقارنة باألفراد لغرض تحقيق المصلحة العامة.
بالرجوع إلى تاريخ 05ماي 1789وهو تاريخ بداية الثورة الفرنسية ،أين عرفت هذه األخيرة
خالل السنة األولى للثورة مجموعة من األحداث المتسارعة ،نتيجة الديون المتراكمة على الحكومة ،و
الوضعية االجتماعية التي كان يعيشها عامة الشعب ،إضافة إلى الحركات اإلصالحية التي كان يتزعمها
بعض المفكرين ،عرفت إعالن حقوق اإلنسان والمواطن في أوت سنة ،1789وإلغاء نظام اإلقطاع ثم
اإلعالن عن قيام الجمهورية في سبتمبر .1792
غير أن أهم األحداث التي يمكننا ان نشير لها في هذا الحيز من الدراسة ما تضمنه القانون 16/24
المؤرخ في أغسطس 1790الصادر عن الجمعية التأسيسية ،والتي كان يطلق عليها في السابق الجمعية
الوطنية قبل التاسع من يوليو سنة ،1789التنظيم القضائي الجديد بحيث نص صراحة على أن " الوظيفة
القضائية مستقلة ،وتبقى دائما بذلك منفصلة عن الوظيفة اإلدارية ،وال يمكن في أي حال من األحوال
للقضاة أن يقوموا بعرقلة أعمال اإلدارية أو استدعاء رجالها للمثول أمامهم ألي سبب يتعلق بأداء وظائفهم
اإلدارية " ،وبذلك تم استبعاد التقاضي اإلداري من سيطرة المحاكم العادية ،وأصبحت القضايا التي تكون
اإلدارة العامة طرفا فيها ال تعرض على المحاكم العادية ،تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات ،وحماية
الستقاللية اإلدارة من السلطة القضائية .
منذ هذا التاريخ تم إلغاء ما كان يعرف في فرنسا قبل ثورة 1789بالبرلمانات القضائية ،لتبدأ أول
مرحلة من مراحل ظهور القضاء اإلداري ،والتي تعرف بمرحلة اإلدارة القاضية أو الوزير القاضي ،أين
كان ينبغي على االفراد اللجوء إلى اإلدارة من اجل مخاصمتها ،فكانت اإلدارة في هذه المرحلة هي
الخصم وهي الحكم – القاضي – في نفس الوقت.
ثم جاء ميالد المرحلة الثانية من مراحل تطور القضاء اإلداري في فرنسا في عهـد نابليون ،وهي
مرحلة القضاء المحجوز ،هذه المرحلة التي امتدت ما بين سنة 1799وإلى غاية سنة ،1872تم فيها
إنشاء مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 12ديسمبر من نفس السنة ،ثم مجالس األقاليم ،وعلى الرغم من ذلك
بقي مجلس الدولة الفرنسي محدود من حيث االختصاص القضائي ،بحيث كان يغلب على أعماله الطابع
االستشاري لرئيس الدولة ،وتخضع أحكامه وجوبا للتصديق من طرفه.
غير أن قوة وحكمة قضاة مجلس الدولة ،والثقة التي اكتسبوها ،جعلهم يكتسبون االختصاص
القضائي المفوض تدريجيا ،ثم الوصول إلى مرحلة القضاء البات.
فقد عرف القضاء اإلداري في فرنسا مرحلة جديدة من مراحل تطوره ،تعرف بمرحلة القضاء
المفوض بداية من سنة 1872أين أصبح لمجلس الدولة بموجب القانون رقم 24لسنة 1872سلطة
إصدار أحكام نهائية عند الفصل في المنازعات التي تعرض عليه ،والتي تكون اإلدارة العامة طرفًا فيها،
ولم يعد لرئيس الدولة سلطة التعقيب على هذه األحكام ،رغم هذا التطور إال أن القضاء اإلداري الفرنسي
كان ال يزال قضاء مفوضا على أساس أنه كان يمنع على االفراد الذين يرغبون في رفع دعوى قضائية
ضد اإلدارة رفع دعواهم مباشرة إلى مجلس الدولة ،إذا كان يجب عليهم اللجوء أوال إلى اإلدارة إال في
حاالت استثنائية محددة صراحة بموجب القانون السالف الذكر.
بعد القرار الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 13ديسمبر 1889والمتعلق بالقضية
الشهيرة المسماة قضية كادوا" ،" Cadotأين خاصم السيد كادو بلدية مرسيليا مباشرة امام مجلس الدولة
دون الرجوع إلى اإلدارة ،بعد رفضها التعويض المطالب به ،وفق ما كان معموال به في ظل القانون -16
24غشت ، 1790أين قبل مجلس الدولة المنازعة مباشرة وفصل فيها ،ليمثل بذلك سابقة تنتهي من
خاللها فترة إلزامية عرض المنازعات القائمة ضد القرارات اإلدارية أمام الوزراء المختصين ،اعتمادا
على نظرية الوزير القاضي ،ولتتحول تدريجيا مجالس األقاليم إلى محاكم إدارية تختص بالفصل في
المنازعات التي تخرج عن المجال المحصور لمجلس الدولة.
كلمة إدارة مشتقة أساسا من الفعل أدار ،يدير ،وهي تعني العملية الي يمكن بواسطتها تنفيذ غرض
معين واإلشراف عليه.
وعلم اإلدارة يقصد به ذلك العلم الذي يهدف إلى تنظيم العمل في المؤسسات المختلفة بغض النظر
عن نشاطها أو الميدان الذي تعمل فيه ،ويرصد األهداف الرئيسّية والفرعّية ،ويضع خطط الطريق نحو
تحقيق المهام المؤدية للوصول إلى هذه األهداف والغايات ،ويقوم على عدد من الوظائف األولّية التي
تتمّث ل في كل من التخطيط ،والتنظيم ،والتوجيه ،والرقابة ،والوظائف الثانوّية ،التي تتمّث ل في الكفاءة
واتخاذ القرارات السليمة والتطوير والقدرة على المنافسة ،فهو بذلك فرع مستقل بذاته يهدف إلى تحقيق
غايات محددة سلفا ،بطرق علمية.
غير أن اإلدارة في حد ذاتها تنقسم إلى إدارة عامة ،وإلى إدارة خاصة ،فإذا كنا نبحث في موضوع
القانون اإلداري فإننا نبحث في مجال اإلدارة العامة ،والتي يعرفها البعض على أنها أداة تنفيذ السياسية
العامة للدولة وفق المنظور التقليدي ،وتعرف كذلك بأنها مجموعة الوظائف والعمليات اإلدارية التي تهتم
بتخطيط وتنظيم وتوجيه األعمال واألنشطة التي يتم ممارستها في منظمات الدولة وأجهزتها المختلفة
لتحقيق المصلحة العامة لها ،بما يخدم تحقيق أهداف المجتمع ،مع األخذ في االعتبار العوامل والمتغيرات
البيئية والمجتمعية ،الداخلية والخارجية ،لتطوير اإلدارة العامة بما يتناسب مع هذه التطورات ،ويرى
البعض أنها علم وفن وضع السياسات العامة للدولة ،والحرص على تنفيذها.
من خالل ما سبق يمكن ان نستشف أن القانون اإلداري وعلم اإلدارة العامة حتى وإن كان كل
مستقل عن الثاني ،إال أن العالقة بينهما جد وثيقة ،ذلك أن كالهما يهتم باألساس باإلدارة العامة ،غير أن
زاوية االهتمام متباينة.
فالقانون اإلداري يتناول النصوص القانونية على تدرجها ذات الصلة بالتنظيم والنشاط اإلداري،
والمنازعات القضائية اإلدارية ،والمالية العامة ،والموظف العام...الخ.
في حين أن علم اإلدارة يتناول بالبحث والدراسة مختلف العمليات اإلدارية ،والعالقات القائمة داخل
اإلدارة ،وطرق االتصال اإلداري سواء االفقية والعمودية ،بداية بالتخطيط ،التنظيم ،القيادة ،الرقابة،
التوجيه واإلشراف ،وسبل الوصل إلى تحقيق أفضل النتائج انطالقا مختلف البدائل المقترحة ،لتحقيق كفاية
العمليات اإلدارية ،ورفع مستوى الكفاءة والفاعلية للقيام بالعمل اإلداري.
من خالل ما سبق يمكن القول إن القانون اإلداري يعجز لوحده عن تنظيم اإلدارة والبحث في تطوير
وتفسير كل اإلشكاالت المرتبطة بها ،من أجل الوصول إلى تطويرها ،وعلم اإلدارة يصبح بدون موضوع
في غياب إدارة عامة تعتمد أساسا على القانون اإلداري بمفهومه الواسع في وجودها وتنظيمها.
إن البحث في التمييز بينهما يدفعنا بداية إلى فكرة أن القانون اإلداري يرتبط أساسا باإلدارة العامة
تكوينا وتنظيما ونشاطا ،إذ ال يمكن تصور وجود إدارة عامة دون وجود القانون اإلداري بمفهومه الواسع،
فإذا كانت موضوعات القانون الدستوري تعنى وتهتم بشكل الدولة ونظام الحكم فيها ،وبيان السلطات
العامة القائمة في الدولة ،والعالقة بين هذه السلطات ،وحقوق وحريات االفراد ،فإن القانون الدستوري
يكون بذلك الضابط والمعيار األول الذي تتحدد من خالله طبيعة اإلدارة العامة في الدولة ،واالسس
المعتمدة في نشاطها ،ويكون القانون اإلداري االطار الذي تتحدد من خالله القواعد التفصيلية لمجموع
المبادئ المقررة في الدستور ،بداية بنظام الحكم ،وتحديد رأس السلطة اإلدارية في الدولة ،وطبيعة النظام
اإلداري المتبع فيها ،سواء كان مركزي ،ويقوم على الالمركزية اإلدارية ،والنظام القضائي المقرر فيها
سواء كان قائما على االزدواجية القضائية ،أو وحدة القضاء ،ومبدأ حياد اإلدارة ،ومبدأ المساواة امام
القانون ،وغيرها من المبادئ واالسس التي يحددها القانون الدستوري ،من خالل والوقية الدستورية،
ومختلف النصوص القانونية ذات الصلة.
وعليه يمكن القول إن العالقة بين القانون اإلداري والقانون الدستوري هي عالقة تكامل ،يحتل فيها
القانون الدستوري مكانة خاصة لكون نصوصه تأتي في أعلى الهرم القانون للدولة ،تستمد بعضها مباشرة
في القانون االداري ،وتمثل نصوص قانونية أخرى المبادئ التي يقوم عليها التنظيم والنشاط اإلداري في
الدولة ،لتبين كيفية تنظيم وسير األجهزة اإلدارية على مستوى الدولة وأدائها لوظيفتها اإلدارية.
وعلى هذا األساس يمكن القول إن القانون المدني مستقل ومتباين كل التباين عن القانون اإلداري.
غير ان هذا القول يشوب النقص عندما نجد ان الكثير من المبادئ المقرر في القانون اإلداري تجد
أصلها في المبادئ المقررة في القانون المدني ،بحيث تم اشتقاقها منه وتكييفها بالطريقة التي تضمن
لإلدارة ممارسة مهامها على أحسن وجه ،ومثال ذلك الشخصية المعنوية ،والمسؤولية اإلدارية والتي تجد
أساسها األول في المسؤولية المدنية ،ونظرية العقود االدارية ،فكرة االلتزام ،وقواعد التعويض وجبر
الضرر غيرها من المبادئ التي تجد أساساه األول في القانون المدني ،غير أن خصوصية النشاط اإلداري
كيفتها بما يتوافق وخصوصيتها.
فيكون بذلك القانون المدني هو الشريعة العامة التي تستمد منها باقي الفروع القانونية األخرى ومنها
القانون اإلداري الكثير من المبادئ واالسس التي تقوم عليها.
كما أن اإلدارة العامة قد تلجأ في بعض الحاالت إلعمال قواعد القانون المدني عندما تتجرد في
تصرفاتها من صفة السلطة.