القصيدة الثالثة والتسعون

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 11

‫(القصيدة الثالثة والتسعون)‬

‫بتمامهـــــــا‬
‫الموافق ‪ 10‬ديسمبر ‪1987‬م‬ ‫الخميس ‪ 18‬ربيع ثانى ‪1408‬هـ عدد أبياتها (‪)21‬‬
‫ـ مناسبتها لما قبلها ‪ :‬فى البيتين التاليين من القصيدة (‪:)92‬‬
‫‪ 15‬ـ وذلك القــــــــول قد فصلت مجمله *** وقاية من فتــــــون أورثت جدًال‬

‫‪ 16‬ـ مفرقــــــات نلقيهـــــــــــــا أحبتنا *** ليأمنوا جهل خواض إذا جهــــل‬
‫وقد أشار فيهما سيدى فخر الدين بأداة اإلشارة (ذلك) للبعيد حيث أن القول المشار اليه يحتوى على سر وصف قصائد ديوان شراب‬
‫الوصل الذى (تم تفصيل مجمله) على مدى ثالثة أعوام وأربعة أشهر وتسعة أيام حيث بدأ فى القصيدة (‪ )32‬المؤرخة بتاريخ ‪/22‬‬
‫‪ 7/1984‬قوله رضى هللا عنه‪:‬‬
‫ختامًا بدأت القـــــول أنعت آيتى *** وحق عليها أن تلى من يلونهــــا‬
‫فمن هو فى شوق يبيت لوصلها *** ألصبح يجنى سرها من بطونهــا‬
‫يقلب فيها طرفــــــــــــه ثم قلبه *** لينسج منهــــــــــا حلة ترتدونها‬
‫حتى البيت العاشر‪:‬‬
‫كتاب كريم جدها من أب لهــــــا *** وموئلها من بطنه تشرحونهـــــا‬
‫وهنا يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه(وذلك القول قد فصلت مجمله وقاية من فتون أورثت جدًال) حيث أتيت بكلمات مفرقات تحمل‬
‫معانى ماأقول عن الذى أرمى الى معناه أو إثباته ‪ ,‬لُن لقيها أحبتنا وقد قلت فى أول قصائد الديوان ‪:‬‬
‫وأكشف لألحباب عن علمى الذى *** جواهره فى كل صدر كمينـــــــة ‪1 /234‬‬
‫بقر الغيوب وكشف مكنوناتهـــــا *** شأنى وحاشا الوصف بالنسيان ‪2 /32‬‬
‫ولى من سرها كشف الخبايـــــــا *** ودون الكل قد وضع الخمـــــــار ‪31 /19‬‬
‫ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة ‪ :‬فى البيت (‪ )20‬الذى يقول‪:‬‬
‫إذا نحن إبتغينا فتق رتق *** فما تفصيلها وهى النواة ؟‬
‫بمعنى إذا أردنا (فتق رتق) أى شرح وتفصيل ما أجملته النواة (الذات) التى تحتوى على (حقيقة أول الخلق فى إطالقه ألفًا ـ ألف أول‬
‫الخلق فى أزل اآلزال) إبتداءًا من نقطة الباء التى هى(نقطة البدء والتمكين) التى فيها الرمز واإلعجاز أجمعه ‪ ,‬فهى التى ال يستطيع‬
‫أحد فض ختامها لكونها لم تتنزل لمرتبة الواصفين والناعتين لما بها ‪ ,‬لكن هداها ومضة بشهابها ‪ ,‬ولذلك فهى حقيقة ال تدرك وال‬
‫توصف ‪ ,‬إذ أن جميع األشياء كانت مندرجة فيها كإندراج الشجرة فى النواة ‪ ,‬لذلك قال رضى هللا عنه (فما تفصيلها وهى النواة ؟)‬
‫فالذات مثل النواة ‪ ,‬والعلم فيها هو الكتاب المبين مرآة للذات ‪ ,‬والذات هى أم الكتاب ‪ ,‬فيكون العلم هو أول ما تعين به الذات ‪ ,‬والكتاب‬
‫المبين من الحقائق اإللهية ‪ ,‬باعتبار تفصيل ما اندرج فى الذات فيها ‪ ,‬وظهور ما كمن فيها ‪ ,‬إذ جميع االشياء فيها كانت مندرجة‬
‫كاندراج الشجرة فى النواة ‪.‬‬
‫ثم يقول سيدى فخر الدين بين ذات الحق وذات اإلنسان الكامل المشار اليه بأول الخلق فى إطالقه فيه مضاهاة ‪.‬‬
‫ـ (ولكن إن تفتق ما أكنت فإن الجمع منا للشتات) واذا تقرر هذا فلنرجع الى ما كنا بسبيله ونقول كما أن بين ذات الحق وذات االنسان‬
‫الكامل وعلم الحق وعلمه مضاهاة ‪ ,‬وأن كل ما فيها مجمل ‪ ,‬فهو فيه مجمل ‪ ,‬وكل ما فيها مفصل فهو فيه مفصل ‪ ,‬فكذلك بين القلم‬
‫وروح االنسان الكامل ‪ ,‬وبين اللوح وقلب االنسان ‪ ,‬وبين الكرسى ونفس االنسان مضاهاة ‪ ,‬وكل واحد منهما مرآة لما يضاهيه ‪ ,‬وكل‬
‫ما فى القلم مجمل ‪ ,‬فهو فى روحه مجمل ‪ ,‬وكل ما فى اللوح مفصل‪,‬فهو فى قلبه مفصل‪,‬وكل ما فى العرش مجمل ‪ ,‬فهو فى نفسه‬
‫مفصل ‪,‬واالنسان كتاب جامع لجميع الكتب اإللهية والكونية‪,‬وكما قلنا فى حق الحق أن علمه بذاته مستلزم بعلمه لجميع االشياء‪,‬وأنه‬
‫يعلم جميع األشياء من علمه بذاته ألنه هو جميع األشياء إجماًال وتفصيًال‪,‬فمن عرف نفسه فقد عرف ربه وعرف جميع االشياء‪.‬‬
‫(تبرئة الذمة ص ‪)287‬‬
‫‪-------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫جاء فى الناموس األعظم والقاموس األقدم فى معرفة قدره صلى هللا عليه وسلم تبرئة الذمة ص‪:40‬‬
‫أخبرنا ترجمان األزل فى مشهده المنن ‪ ,‬عن العلل ‪ ,‬أن صفات هللا األسنى وأسمائه الحسنى ‪ ,‬تقابلت فى معانى الكماالت ‪ ,‬إلظهار‬
‫حقائق الذات ‪ ,‬فأظهرت كل صفة ما يخصها من الجمال والجالل ‪ ,‬وأبرز كل إسم ما يقتضى معناه من الكمال ‪ ,‬وبقيت الذات اإللهية‬
‫على ماهى عليه من البطون ‪ ,‬على حقيقة الكنزية فى الكمون ‪ ,‬فاجتمعت حقائق تلك األسماء والصفات ‪ ,‬حيث ال أين فى مشهد معنوى‬
‫للذات ‪ ,‬يقول كل منها أنا وإن أظهرنا هذا الكمال ‪ ,‬وأبرزنا هذا الجمال والجالل ‪ ,‬فانما أخبرنا عن قطرة من بحر ‪ ,‬وحدثنا عن ذرة فى‬
‫قفر‪ ,‬وهيهات هيهات ‪ ,‬أين منا ما حوته الذات ‪ ,‬فكيف السبيل الى ظهور الشؤون اإللهية الذاتية ‪ ,‬المتعالية عن الحقائق األسمائية‬
‫والصفاتية ‪ .‬وهنا يبدأ سيدى فخر الدين رضى هللا عنه القصيدة بقوله ‪:‬‬
‫‪1‬ـ علوم الذات دون الِس تِر وهـــــم *** لها ُسُبحات وجه مهلكات‬
‫‪2‬ـ فمـــــا للــــذات إن حققـت ذات *** تحيط بما لديها فهـى ذات‬
‫‪3‬ـ وما الٌسُبحات إال محض نـــور *** كنار كان منها البينــــــات‬
‫معانى المفردات‪:‬‬
‫الذات الصرف ‪ :‬غنى عن الصفات واألسماء واألفعال ‪.‬‬
‫الصفات ‪ :‬أول ظهور من الذات ‪ ,‬والذات اتصفت بالصفات ‪ ,‬ومن الصفات ظهرت األسماء ‪ ,‬من األسماء ظهر الوجود اللى هو مرتبة‬
‫األفعال ‪ ,‬مش من الذات الصرف‪.‬‬
‫األسماء اإللهية ‪ :‬هى العدة التى ظهرت بها أعيان الوجود كلها ‪.‬‬
‫اإلسم هللا ‪ :‬اإلسم الرئيس وكل األسماء مربوطة به ‪ ,‬ومنه اإليجاد واإلمداد للوجود ‪.‬‬
‫وكل إسم هو وجه لإلسم هللا (كل شىء هالك إال وجهه) (كل من عليها فان) كل ما ظهر من الوجود هالك فانى واإلسم هللا حكمه البقاء‬
‫‪.‬‬
‫علوم الذات ‪ :‬تتحدث عن السر المضمر فى طى سروتنا ‪.‬‬
‫الستر‪ :‬هوالستارالذى يحجب األشياء ‪ ,‬ودون الستر ‪ :‬إماطة الستر عن األشياء ‪ ,‬تجعلها واضحة ‪.‬‬
‫ُسُبحات وجه مهلكات ‪ُ :‬سُب حات بضم السين والباء‪ :‬تعنى األنوار والجالل والعظمة ‪ ,‬والحديث لسيدنا جبريل قال إن هلل دون العرش‬
‫سبعين حجابًا لودنونا من أحدهما ألحرقتنا ‪ ,‬وقال ابن ُشَمْي ل‪ :‬حجابه النور والنار‪ ,‬لو كشفه ألحرقت ُسُب حات وجه هللا كل شىء أبصره ‪,‬‬
‫ٌسُب حات وجه هللا ‪ :‬جالله وعظمته ‪ ,‬وُسُب حات الوجه محاسنه ‪ ,‬ألنك إذا رأيت حسن الوجه قلت ‪ :‬سبحان هللا ‪ ,‬وقيل سبحات وجه كالم‬
‫معترض بين الفعل والمفعول ‪ :‬أى لو كشفها ألحرقت كل شىء أبصره‪(.‬ل‪.‬ع ‪)1915‬‬
‫الوهم ‪ :‬هو التخيل الذى يحتاج تبيينه ‪ ,‬البينات‪ :‬مفردها البينة أى الحجة الواضحة ‪ ,‬والحجة القائمة هى الشيخ المربى الذى هو حجة‬
‫قائمة ال يستطيع المريد انكارها عند الحساب ‪.‬‬
‫‪------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫الشرح والتفصيل‪:‬‬
‫علوم الذات دون الستر وهم *** لها ُسُبحات وجه مهلكات‬
‫إذا كان الحديث عن الذات الصرف يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه أن الذات الصرف غنى عن الصفات وبالتالى هى فى غنى عن‬
‫األسماء واألفعال ‪ ,‬وقد عرفناك فى أوائل كتاب تبرئة الذمة أن األنبياء عليهم الصالة والسالم خلقوا من األسماء الذاتية فهى محاتدهم ‪,‬‬
‫واألولياء خلقوا من األسماء الصفاتية فهى محاتدهم ‪ ,‬وبقية الموجودات مخلوقة من األسماء الفعلية فهى محاتدهم ‪ ,‬ورسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم مخلوق من ذاته فمحتده الذات ‪ ,‬لذا فعلوم الذات دون الستر وهم أى من الخيال حيث أن الوهم تجانبه الحقيقة ‪ ,‬فللذات‬
‫ُسُب حات وجهه مهلكات لكل من يقترب منها ‪ ,‬فهى دائرة مغلقة ما فيها مطمع لبشرإن كان وما ممكن الوصول اليها ‪ ,‬ويَؤ كد ذلك قوله‬
‫رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫فما للذات إن حققت ذات تحيط بما لديها من علوم وغيرها ‪ ,‬فهى ذات وبس ‪.‬‬
‫ويقول أيضًا ‪ :‬أن السبحات لها نور محض يهدى اليها كل مهتد ‪ ,‬ويشبه ذلك النور نار مهلكات لكل ضال ومضٌل بوهمه وجهله بمعرفة‬
‫حقيقتها ‪ ,‬فمن شأنها أن تولى كل منكٌر ومكذٌب بهالكهم فال تبقى منهم أحدًا ‪ ,‬مثلهم كمثل قوم عاد وثمود وغيرهم ‪.‬‬
‫وعليه فالذات هنا ‪ :‬ذات أول موجود أول شىء خلقه هللا قبل األشياء فى أزل اآلزال ‪ ,‬وليست ذات البارى التى هى الذات الصرف ‪.‬‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه إن التحدث عن حقيقة علوم ذات الذى هو أول الخلق المبينة بسورة الرحمن والمشار اليها فى‬
‫القصيدة النونية‪:‬‬
‫فلتسمعوا قولى صحيحًا مسندًا *** إن البيان بسورة الرحمن‬
‫سبحان من خلق الحقيقــة أوًال *** نور النبى معلــــم القرآن‬
‫دون الستر وهم ‪ :‬أى أن الحديث عن الذات الصرف ليس لنا فيها كالم ‪ ,‬ألن لها ُسُب حات وجه مهلكات ‪ ,‬أما الحديث عن حقيقة ذات‬
‫الذى هو أول الخلق من غير حجاب يحتاج لصلة وثيقة بصاحب الحقيقة للمعرفة به حيث أنه غنى وعلمه بنفسه غير علمنا وال علم‬
‫غيرنا المبنى على الجهل ‪ ,‬والحديث من وراء الحجاب يحتاج الى وميض نور يبين أسرار تلك العلوم التى سورت عجبًا تنوع فى‬
‫المرائى ُيشبه الحلل ‪.‬‬
‫والستر جمعه أستار‪ ,‬واألستار توضع على األشياء الثمينة (المنازل) والمنازل هى منازل قدرت للذكر أجمعه ‪ ,‬وإماطة تلك األستار عن‬
‫المنازل التى ينزل بها السائرين معجز‪ ,‬لذا يقول رضى هللا عنه فى القصيدة (‪:)72‬‬
‫إماطة أستار المنازل معجـز *** بداية عبد يجهل الجمع بدءهـــا‬
‫بداية فتق المرتقات وفصلها *** عطية رب الجود والبدء والبها‬
‫أى أن رفع األستار عن تلك المنازل هو بداية ذلك العبد الذى يجهل الجمع بدءها ‪ ,‬فهذا العبد هو اإلنسان المشار اليه فى القصيدة‬
‫األحدية بالقول‪:‬‬
‫من حبا شيخك شيخًا واصًال *** يا مريدى قل هو هللا أحـــــد‬
‫إنه إنسان عين شاهـــــــدت *** نوره فى حضرة البر الصمد‬
‫وبداية فتق مرتقات الحقيقة وفصلها عطية رب الجود صاحب البدء والبها ‪.‬‬
‫لها ُسُب حات وجه مهلكات ‪ ,‬أى لها نور فيه الهدى للسائرين ‪ ,‬ونار مهلكات للقواعد المنكرين ‪ ,‬فلو دنوا منها ألحرقتهم ‪ ,‬فهى لو‬
‫كشفت ألحرقت كل شىء أبصرها ‪.‬‬
‫والذات هنا هى الذات المحمدية اللطيفة األحدية ‪ ,‬شمس سماء األسرار التى يقول عنها سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫فذاتى شمس لو تجلت ألحرقت *** ولكن بفضل هللا أضحت مضيئة ‪1 /24‬‬
‫صواعقها لوال العناية أحرقــت *** وكل كتاب جل يحمــــــل نصها ‪72 /14‬‬
‫من أجل ذلك يقول رضى هللا عنه (وإنى وابراهيم فى األصل واحد) فكلمة ذاتى هى ذاته وهو اإلنسان المشار اليه بإنسان عين شاهدت‬
‫نوره فى حضرة البر الصمد ‪.‬‬
‫ـ فما للذات إن حققت ودققت ذات تحيط بما لديها ‪ ,‬أى أن الذات الصرفة غنية عن المعرفة فال يحاط بما لديها فهى ذات ‪ ,‬والذات هى‬
‫الحقيقة التى سرها مضمر فى طى سروتنا هو المصطفى للجمع التى تشير اليه القصيدة (‪:)35‬‬
‫وجدى المصطفى للجمع يقدمهم ***وسره مضمر فى طى سروتنا‬
‫وما تلك السبحات إال محض نور كنار كان منها البينات أى الحجة القائمة على الذين جحدوا حقيقة العبد واإلنسان الذى شاهدت نوره‬
‫فى حضرة البر الصمد ‪ ,‬بصفته الكتاب الجامع (خاتم األولياء)خليفة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (خاتم األنبياء) الكتاب المشار اليه‬
‫فى القصيدة (‪:)87‬‬
‫ماكتاب هللا إال جمعنا *** إنما األحباب آيات به‬
‫والذى أشارت اليه سورة البينة التى يقول فيها الحق تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫{وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إال من بعد ما جاءتهم البينة} الكتاب فى اآلية على العموم القرآن الكريم كتاب هللا المنزل وعلى‬
‫الخصوص الكتاب المنزل من وراء الحجاب أو من خلف الحجاب ليبين الحقيقة التى يقول عنها سيدى فخر الدين (فإن سناها من سنا‬
‫األحدية) والبينة التى جاءتهم هو ديوان شراب الوصل الذى يبين حقيقة الذى جاء من أجله وبعد رجائه الحديث ‪ ,‬وإشارة هذا الكتاب‬
‫جاءت به سورة البقرة بقوله سبحانه {ألم ذلك الكتاب ال ريب فيه هدى للمتقين} ومن تفسير سيدى فخر الدين لذلك األلف (الكتاب الذى‬
‫ال ريب فيه هدى للمتقين) هو الخلق من حيث هو أول شىء خلقه الحق فى أزل اآلزال ‪,‬‬
‫‪4‬ـ لها فى الخلق شأن أى شأن *** توليهم فال يبقى الفتات‬
‫أى أن علوم الذات تلك ‪,‬هى الحقائق الحقية التى تتحدث عن هذا الكتاب ‪ ,‬كتاب األلف الذى فيه الهدى والنور‪ ,‬وهذا الكتاب كتاب جامع‬
‫من مسمياته (كتاب هللا جمعنا) وحضرة قاب قوسيها الهدى ال ينتهى ‪ ,‬من أجل ذلك قال رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫ماكتاب هللا إال جمعنــا *** إنما األحبــــــــــاب آيات به ‪87 /1‬‬
‫ماكتاب هللا إال حضرة *** قاب قوسيها الهدى ال ينتهى ‪87 /2‬‬
‫لها فى الخلق (شأن أى شأن)‪ :‬علوم الذات من معانيها (الحقية) قول الحق سبحانه{الحاقة ‪,‬ما الحاقة ‪,‬وما أدراك ما الحاقة ‪ ,‬كذبت‬
‫ثمود وعاد بالقارعة ‪,‬فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ‪,‬وأماعاد فأهلكوا بريح صرصرعاتية ‪,‬سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا‬
‫فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ‪,‬فهل ترى لهم من باقية} وهذا المعنى أتى به اإلمام ابن عجيبة فى كتابه البحر‬
‫المديد فى تفسير القرآن المجيد‪:‬‬
‫الحاقة هى تجلى الحقيقة األحدية لقلوب العارفين ‪,‬ألنها تحق الحق وتزهق الباطل حيث تظهر ما بها من حقائق األشياء على ماهى‬
‫عليه فى األصل ‪ ,‬وقال الورتجى الحاقة يوم تحق حقائق األمور عيانًا ‪ ,‬ال يبقى فيها ريب أهل الظنون ‪ ,‬ينكشف الحق ألهل الحق ‪,‬‬
‫ويتبين للجاهلين أعالم الوالية العارفين (ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة) فال يدريها إال أهل الكمال ‪.‬‬
‫(لها فى الخلق شأن أى توليهم فال يبقى الفتات) أى تهلكهم فال يبقى منهم أحدًا ‪ ,‬والتى توليهم هم المنكرون والمكذبون لها ‪ ,‬فمثلهم‬
‫مثل عاد وثمود فتهلكهم فى مهاوى الفروقات برجفة الوسواس والخواطر‪ ,‬أو إرسال رياح الفتن الباطنية والظاهرية ‪ ,‬التى سخرها‬
‫عليهم سبع ليال بعدد الجوارح السبعة ‪ ,‬وثمانية أيام قال فيهم االمام القشيرى ‪:‬‬
‫هم أيام كاشفات لسبع صفات طبيعية وهى (الغضب والشهوة والحقد والحسد والبخل والجبن والعجب والَش َر ْه ) حسوما أى تحسم‬
‫وتقطع أمور الحق وأحكامه من الخيرات ‪ ,‬وكل من جاء بعدهم على منوال فرعون والمؤتفكات بالخاطئة ‪.‬‬
‫‪5‬ـ على التحقيق ـ العلمًا سمعنا ـ *** رأينا ما تدوم به الحيـــــاة‬
‫‪6‬ـ شربناها كؤوسًا مدهقــــــــات *** فهــن المحكمات المنزالت‬
‫فالماء عامة هو ما تدوم به الحياة ‪ ,‬ولكن على التحقيق يسمى ماء الغيب (ماء غيب بدى ونحن الورود) فلما كشف لنا عن هذا الماء‬
‫المعين الذى فيه السر واالسرار التى أودعت غيبًا خفيًا ‪ ,‬فكنا الذين وردوه وبذلك رأينا السر الذى تدوم به الحياة ‪ ,‬ولمعرفة هذا السر‬
‫فلنقرأ قوله‪:‬‬
‫أودع السر والسرائر غيبًا *** كاظم علمه ونعم الكظيم ‪12 /12‬‬
‫من رآنى لديه فاز بســـرى *** فى جنى جنتيه سر كتيم ‪12 /13‬‬
‫إذن ماهو سر األسرارالذى أودع (غيبًا)؟ ومن هو كاظم علمه ونعم الكظيم ؟ المشار اليه بقوله (كاظم علمه) هو غيب وسره أيضًا‬
‫غيب ‪ ,‬فهو طلسم غيب الغيب سر الهوية ‪ ,‬المذكور فى توسل السادة البرهانية (الهى بكنز الذات ذى األحدية ‪ ,‬بطلسم غيب الغيب سر‬
‫الهوية) فمن رآنى لديه هو الفائز بتلك الجائزة وهى (المعرفة) بسرالعطاء الكامل وكل من عرف ذلك السر يصبح كامًال ويحق له ابالغ‬
‫غيره بقوله رضى هللا عنه‪:‬‬
‫من كمال العطاء من فيض وهب *** أيها الناس جاءكم ابراهيم‬
‫فإسألوه النجـــــــاة من يوم حشر *** يوم ال يسأل الحميم حميـم‬
‫فالمعرفة بهذا السر فيها الشراب الذى تحيا به األرواح وتدوم به الحياة وقد سماه صاحبه رضى هللا عنه (شراب الوصل) الذى يتحدث‬
‫عن الحقيقة التى أشارت اليها التائية بقوله رضى هللا عنه‪:‬‬
‫أنا فى أنا إنــى وإنــى فى أنا *** رحيقى مختوم بمسك الحقيقة ‪1 /1‬‬
‫وأنى حق والحقيقة أودعـــت *** غيابة جب يوسفى بفطنــــــة ‪1 /56‬‬
‫وكان أبو العينين وارد مائهـا *** فأدلى بدلو قال تلك بشــارتى ‪1 /57‬‬
‫وجىء بهــا مصرا وبيعت رخصية *** وذا عجب أن يذهدوا فى البشــارة ‪1 /58‬‬
‫أنا الحق فى الدنيا أنا الحق فى اللقـا *** إذا األرض مدت والسموات حقت ‪1 /184‬‬
‫وما الجب اال جب مـــــا كان قبلهـا *** وما الماء اال ما بــه األرض مدت ‪1 /185‬‬
‫وما يوسفى غيرهـــــــــــــا لجمالها *** وما هى فى التحقيق اال طريقتـــى ‪1 /186‬‬
‫وفى هذه األبيات يبين سيدى فخر الدين أن تلك الحقيقة المشاراليها (بالحقيقة أوًال) هى رحيقى المختوم بالمسك التى تتحدث‬
‫عن(طريقة مسك الختام)التى سرها أودع عبرالزمان غيابة جب يوسفى بفطنة ‪ ,‬وأن الذى أخرجها من ُج بها وارد مائها سيدى أبو‬
‫العينين القائل تلك بشارتى ‪ ,‬وجاء بها الى مصر وبيعت بثمن بخس دراهم معدودة ‪ ,‬وعدد تلك الدراهم تعادل تسعة قروش والعجب كل‬
‫العجب فى أن القروش التسعة هم بعدد حروف إسم موالنا الشيخ (م ح م د ع ث م ا ن) القائل أنا الحق فى الدنيا هنا وكذلك هناك فى‬
‫اللقا ‪ ,‬أى أنا مظهر ما كان فى حيز الكتمان ‪ ,‬من العلوم التى انفطرت بها سماء عالم األمر وهو أحد عالمان (عالم األمرـ عالم الخلق)‬
‫حيث تفجرت تلك العلوم (ياقوتة حمراء)انشقت بعد ذلك عنها السماء فأصبحت (درة بيضاء) وأمدت السماوات األرض بمائها (ماء‬
‫الغيب) الذى أتى من عالم األمر الى عالم الخلق ‪ ,‬ومن تلك الحقيقة تنزلت علوم على سيدنا آدم فأعجزت الخالئق ‪ ,‬وظلت فى ُج بها‬
‫حتى ظهور زمن سيدى أبو العينين الذى أخرجها ليمد الكون بها على لسان من قال أنا مظهر ما كان فى الكتمان (الُج ب) ليعلم أهل‬
‫التحقيق بأنها الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية التى أوصى بها سيدى فخر الدين بنيه من بعده قائًال‪:‬‬
‫أوصيك برهانية فإسمع لها *** مسك الختام وبغية للواصلين ‪7 /10‬‬
‫ثم يقول رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫وإشرب بماء من منابـــــع سرنـــــا *** إذ كل مـــاء ليس بالمـــــاء المهين ‪7 /15‬‬
‫ودع الذى مات الغــــــــرام بصدره *** وبدا صريع الهجر ذا غـــــل دفين ‪7 /16‬‬
‫واعلم ُبَن ُى بأن قولــــــــــــى صادق *** فأنا وآلى بالحقــــــــــــائق ناطقين ‪7 /17‬‬
‫يا بنى إضرب بسيف العزم كل مهمة ‪ ,‬بمعنى اعلن وال تحسب مالمة غيرنا بأن الطريقة البرهانية هى أصل الطرائق كلها ‪ ,‬ولكن اجعل‬
‫كالمك لينًا فى حضور الصالحين ألنهم يعلمون ذلك فهم على معرفة بقدرها حيث أنها من علوم الكتم وهم مأخوذ عليهم بالكتم حتى‬
‫يأتى زمانها ووقت ظهورها وهو زمن سيدى أبو العينين ‪ ,‬واعلم بنى بأنها شراب جئنا به من منابع سره لنسقى أحبتنا ‪ ,‬ودع عدونا‬
‫الذى مات الغرام بصدره وأصبح من أهل الهجر الذى هجرناه فبدى صريع الهجر ذا غل دفين ‪ ,‬وعليك أن تعلم بأن قولى هذا صادق‬
‫مصدوق فنحن أهل الحقائق الذين أنطقنا الحق بكتاب الحق الذى لدينا (ولدينا كتاب ينطق بالحق) فأنا وآلى بالحقائق ناطقين ‪.‬‬
‫وشراب الوصل هو ماء الغيب الذى تدوم به الحياة ‪ ,‬وخصصته بقصيدة كاملة وهى القصيدة (‪:)56‬‬
‫شراب الوصل مختوم وسرى *** شفــــــــاء ال شربتم غيرمنا ‪56 /1‬‬
‫بيوت الفيض فى العلياء مألى *** حديد القلب بالتقــــــوى ألًن ا ‪56 /4‬‬
‫عيون الفيض مفتوحـــــات مٍد *** بطيب العيش واإلمداد طبنا ‪56 /5‬‬
‫وأستار أميطت عن علـــــــوم *** بفضل هللا لإلرفـــــاد ُح سنا ‪56 /6‬‬
‫ـ ويقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه أن علوم تلك الحقيقة شربناها كؤوسًا مدهقات ‪ ,‬عندما تجلى علينا صاحب السر{بدر الهداية ‪,‬‬
‫مصب ينابيع العلوم بأثرها} فُك شف لنا السر الذى سرى بالسر فى كل ذرة ‪ ,‬ومن أجله أنشأت توسًال أسميته (توسل السادة البرهانية)‬
‫حيث تفردت به دون غيرى من أهل الطرق جميعًا ‪ ,‬توسلت فيه قائًال‪ :‬بسر التدانى والتدلى وُأنسه ‪ ,‬وقدس شهود والوصال َو ُو صلِة ‪,‬‬
‫أنلنى شهود الحسن فى حضرة الرضا ‪ ,‬وأشرق شموس القرب فى أفق مهجتى ‪ ,‬ووال كؤوس الحب فى حانة الصفا ‪ ,‬وألبسنى من‬
‫نعماك أبهج حلة ‪.‬‬
‫فكانت تلك كؤوس للحب وكؤوس للمودة وكؤوس للغرام بالوصل ‪ ,‬فهى كؤوس أدهقتها المشارب ‪ ,‬فهن وعاء للمحكمات المنزالت من‬
‫الحضرة األحمدية التى ‪:‬‬
‫يعيش لديها العبد والعز سرمد *** تحف به أسرارهــا والمواهب ‪91 /18‬‬
‫هنالك يفنى عن صفات وإنمـا *** ينال بقـاء فهو إذ ذاك صاحب ‪91 /19‬‬
‫فإن لديها يسلب اإلسم والكنى *** فتلك كؤوس أدهقتها المشارب ‪91 /20‬‬
‫فى األبيات الثالثة الوصف التفصيلى لحياة العبد فيها حيث يعيش العبد فى عزة سرمدية ‪ ,‬حيث تحف به أسرارها والمواهب ‪ ,‬وفيها‬
‫نوال البقاء بعد الفناء عن الصفات ‪ ,‬ويعيش العبد بصحبة العزيز وللمعيشة فيها ُيسَلب العبد اإلسم والكنى ‪ ,‬من أجل ذلك يقول سيدى‬
‫فخر الدين واصفًا حال العبد ‪:‬‬
‫سما فتسمى فى الحضيرات بإسمها *** لذلك أضحى واحد الواحدية ‪1 /408‬‬
‫‪7‬ـ فلوال أننا فيهـــــــــا إحتمينا *** ألفنت حيث ال تغنى الصفات‬
‫وحول الحماية يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫آل بيت المصطفى أهــــل الحمى *** لو دعى الداعى الى شىء نكر ‪13 /17‬‬
‫ماغير ابراهــــيم عبد ذو حمـــى *** هو مجتبى حتى يقوم مقامــــى ‪15 /3‬‬
‫وله رجــــاء عندنا ومكانـــــــــة *** وبه يلــوذ المحتمى والرامـــــى ‪15 /4‬‬
‫إذا ُح ًم القضــــاء وكان أمـــــــر *** هنالك ال حمًى إال حمانـــــــــــا ‪89 /18‬‬
‫ومن يرجوا الحماية من خطوب *** فأركان الحماية فى حمــــــــاها ‪29 /26‬‬
‫والمقصود هنا أننا نحن آل بيت المصطفى أهل الحمى ‪ ,‬والمنكر فضلنا هو كل من إدعى غيرذلك ‪ ,‬فصاحب الحمى هو جدى (حظى‬
‫ورزقى)المصطفى المشار اليه فى القصيدة (‪:)35‬‬
‫وجدى المصطفى للجمع يقدمهم *** وسره مضمر فى طى سروتنا ‪35 /28‬‬
‫فإذا ُح ًم القضاء ونفذ أمر هللا فينا ‪ ,‬هنالك فال حمًى وال ملجأ وال منجا وال مالذ إال اليه ‪ ,‬فصاحب االسم الشريف ابراهيم بيت الحمى‬
‫الذى يلوذ به المحتمى والرامى ‪ ,‬والمعرفة بذاته فيها الحماية من نوائب الدهر‪ ,‬لذلك جاء قول موالنا الشيخ فلوال أننا فيها إحتمينا ‪,‬‬
‫لكنا فى فناء حيث ال تغنى الصفات ‪ ,‬وحول (ال تغنى الصفات)‪:‬‬
‫يقول سيدى فخر الدين أن الذات غنى عن الصفات أى أن إتصال الصفة بالنسبة للذات العلية مثل واو الهو بالنسبة للهو ‪ ,‬مامحتاج‬
‫ليُه الذات تبارك وتعالى ‪ ,‬ألن أول مراتب الظهور من الذات العلية هو مرتبة الصفات ‪ ,‬حيث الذات إتصفت بصفات ‪ ,‬من الصفات‬
‫ظهرت األسماء ومن األسماء ظهر الوجود ‪ ,‬فالصفة ال موصول بالموصوف وال مفترق منه ‪ ,‬حيث ضرب موالنا مثال افترض (أنا‬
‫نجار‪ ,‬النجارة هى الصفة اللى أنا محترفها ‪ ,‬صفة متصف بيها ‪ ,‬يعنى فى ذاتى حاجة إسمه نجار)‪.‬‬
‫ثم يوضح سيدى فخر الدين العملية بالكامل بالجزء األول من سلسلة علموا عنى اعتبارًا من ص ‪ 90‬الدرس الثالث من الجزء األول ‪.‬‬
‫{من محض الفضل ظهر الوجود من األسماء‪ ,‬ولوال وجود األسماء لما كان وجود الوجود‪ ,‬ولوال وجود الصفات لما كان وجود‬
‫األسماء‪ ,‬ولوال وجود الذات فممن تتصف الصفات ؟ فالبد من ذات واجب الوجود‪ ,‬وبعد ده كله موطن العزة أعجب وأعجب ‪ ,‬العزيز‬
‫يعنى آيه ؟ منيع الحمى ‪ ,‬محدش يقدر يروح فى حلته ‪ ,‬معناه بالصغيركده ‪ ,‬إذا واحد راح حًلِته العزة انتفت ‪ ,‬فعليه العزة حاجة ذاتية‬
‫إلهية ‪ ,‬والغنى صفة إلهية قديمة ‪ ,‬كل أسماء المولى تبارك وتعالى قديمة والصفات قديمة‪ .......‬قدم الذات ‪ ,‬لكن مافى صفة أصًال‬
‫تفارق الذات وال هى موصلة بالذات ‪ ,‬بتظهر الصفة عند إرادة الفعل من البشر‪ ,‬من المولى تبارك وتعالى ‪ ,‬من الصفة يظهر اإلسم ‪,‬‬
‫من اإلسم يظهر الفعل ‪ ,‬فيكون معناه اإلسم اإللهى زى الذات بالنسبة لغيره ‪ ,‬علشان احنا بنعمل بذاتنا كلها ‪,‬‬
‫واحد عايز يتوضأ راح يتوضى بجسمه كله‪ ,‬عايز يصلى يصلى بجسمه كله ‪ ,‬فكان الصفة هى الذات عندنا ‪ ,‬الذات ‪ ,‬الذات عند غير هللا‬
‫زى اإلسم بالنسبة هلل ‪ ,‬اإلسم اإللهى يعمل لوحده ‪ ,‬يعنى فيه كل لوازمه ‪ ,‬الحى من شأنه يقوم بمادة اإلحياء على اإلطالق‪ ,‬ومافى‬
‫موجود أبدًا على اإلطالق (الملك وال نبى وال صحابى وال ولى ال أيًا ماكان من الوجود) ما موجود إال هللا ‪ ,‬فمن كده تأكد أن ذات البارى‬
‫تبارك وتعالى فى مرتبته األوالنية حى ‪ ,‬بعدين عليم ‪ ,‬بعدين متكلم ‪ ,‬الصفات الثالثة دول عند الصوفية مفاتيح الغيب ‪ ,‬بعد كده العزة ‪,‬‬
‫مع العزة الغنى ‪ ,‬فالصفات دول صفات ذاتية إلهية قديمة ‪ ,‬ما ممكن اإلنتفاء عنها ‪ ,‬فلذلك المولى تبارك وتعالى ما محتاج ألى شىء ‪,‬‬
‫من محض الفضل زى ما قلت لكم ‪ ,‬أصلها الُهو ُهَو هاء عليها ضمة عملوا الواو فيها لإلشباع ‪ ,‬ما محتاجة ليها الهاء أبدًا ‪,‬‬
‫إلظهارالضمة عملوا الواو مع الُه و كما وأنه فى اإلشارة لغيب األحدية عملوا فى ياء إنى ‪ ,‬إنى كناية عن غيب األحدية ‪ ,‬يقولوا‬
‫الرؤساء (ما ياء إنى غير واو الُه و) مضافة ساكت ‪ ,‬فربنا جل وعال غنى مطلقًا ‪ ,‬عزيز جدًا}‬
‫‪8‬ـ ليبقى للعزيز حجاب عـــــــز *** فيفنى المؤمنون وهم سمــات‬
‫وبعد قول سيدى فخر الدين لو ظن ظان بأن الذات محتاجة للصفات انتفى الغنى (حيث ال ُت غنى الصفات) أى لو حد قال الذات محتاجة‬
‫للصفات ‪ ,‬انتفت الغنى‪ ,‬معناه ما غنى ‪ ,‬علشان آيه؟ وضرب مثل بنفسه رضى هللا عنه ‪ :‬علشان الصفة ظهر منه إسم ‪ ,‬واإلسم ظهر‬
‫منه محمد عثمان ‪ ,‬فى الحال ده مش فيه افتقار ؟ فى الحالة دى نقول الذات انتفى منها الغنى ‪ ,‬فلما لم يفهم احد قال نقول تانى مثًال أنا‬
‫محمد عثمان قاعد كده ساكت ‪ ,‬محتاج لكرسى ‪ ,‬محتاج لتربيزة ‪ ,‬ما تقولوا أيوه ياال ‪ ...‬رسميًا ما تفارق الموصوف ‪ ,‬لكن ما متباينة‬
‫فيه ‪ ,‬مع إنها ما تفارق الموصوف ‪ ,‬ما متباينة فيه ‪ ,‬وبعدين تبارك هللا رب العالمين ‪ ,‬ربنا غنى حتى عن األسماء والصفات ‪ ,‬ثم يقول‬
‫والعلم اإللهى ما معناه زى علمنا وال زى علم غيرنا ‪ ,‬كان جاهل بشىء وتعلمه ‪ ,‬أل ‪ ,‬علمه بنفسه هو نفس علمه بغيره ‪ ,‬بعدين الصفة‬
‫أصًال ال تفارق الموصوف ‪ ,‬وال متباينة فى الموصوف ‪ ,‬اتصال الصفات بالنسبة للذات العلية زى واو الُهو بالنسبة للُهو ‪ ,‬فما محتاج‬
‫ليُه الذات تبارك وتعالى ‪ ,‬ثم يقول رضى هللا عنه لوال وجود الذات الصفات تتصف بمن ؟ فال بد من ذات واجب الوجود ‪ ,‬وبعد ده كله‬
‫موطن العزة أعجب وأعجب ‪ ,‬وفى موطن العزة يبقى للعزيز حجاب عز ‪ ,‬العزيز يعنى منيع الحمى ‪ ,‬محدش يقدر يروح فى حلته ‪,‬‬
‫معناه إذا واحد قدر(يروح حلة العزيز) العزة انتفت (فعليه العزة حاجة ذاتية إلهية)(والغنى صفة إلهية قديمة) كل االسماء قديمة‬
‫والصفات قديمة بقدم الذات ‪ ,‬لكن مافى صفة أصًال تفارق الذات وال هى موصولة بالذات ‪,‬‬
‫بتظهر الصفة عند ارادة الفعل من البشر ‪ ,‬من المولى تبارك وتعالى ‪ ,‬من الصفة يظهر اإلسم ‪ ,‬من اإلسم يظهر الفعل ‪ ,‬فيكون ما معناه‬
‫األسم اإللهى زى الذات بالنسبة لغيره ‪ ,‬علشان احنا بنعمل بذاتنا كلها (وضرب مثل للمتوضىء والمصلى بيعمل كله بجسمه) فمن‬
‫البشر يكون المؤمنون الذين يقول عنهم سيدى فخر الدين بعد الترحل فى األسماء واحد بعد واحد حتى ينتهى السير فى هللا ‪ ,‬ثم الترحل‬
‫فى الصفات ‪:‬‬
‫ليبقى للعزيز حجاب عز *** فيفنى المؤمنون وهم سمات‬
‫‪9‬ـ فصرنا بعدمــــا ذقنا صدورًا *** ُتلقيها العلوم الُم لِقيــــــــــــات‬
‫فترحلنا بين المراتب حتى وصولنا الى موطن العزة الذى فيه العجب كل العجب حيث ذقنا شراب الوصل بكؤوسَا مدهقات ‪ ,‬وصرنا‬
‫صدورًا ُتَلِقيها المالئكة الملقيات علومها الملقيات‪,‬‬
‫‪10‬ـ رياح تنزع االغيـــــار عنا *** أجل والِس ْت َر ُتبقى النازعــات‬
‫كما تأتى علينا مالئكة النازعات بالرياح التى تنزع عنا األغيار‪ ,‬واالغيار(كل ما سوى هللا) ‪ ,‬وتضع علينا سترها (حجابها) الذى يمنع‬
‫األغيار من التسلل الى قلوبنا ‪ ,‬وبها تثبت األقدام حيث المزالق فال يبقى فى قلوبنا سوى المعصوم والبارى ‪.‬‬
‫‪11‬ـ فُتلِقى الروح من أمر علينا *** فنحن لها العروش الباقيات‬
‫وفى نهاية السير يتم الوصول الى العرش حيث ذو العرش ويتحقق معنى اآلية (‪ )15‬من سورة غافر {رفيع الدرجات ذو العرش يلقى‬
‫الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التالق} فرفيع الدرجات ذو العرش المجيد هوالذى يلقى الروح من أمره علينا‬
‫فتكون قلوبنا له العروش الباقيات ‪ ,‬ويتم ذلك في يوم التالقى‪:‬‬
‫كذلك يلقى الروح من أمره على *** فؤاد عبيد فى مرائى جليـــــة ‪1 /412‬‬
‫حسرة يوم اللقـــــــا فى ساحتـى *** ونذير يـــوم ال تغنــى النــذر ‪13 /22‬‬
‫ما من عبيد يرتجيـــــــــــه وآله *** إال رجـــا يوم اللقـــــــا يلقــاه ‪19 /5‬‬
‫فكل قطب من األقطاب أو ملك *** يزفنا حيث وفينــــا أهلتنـــــــا ‪35 /26‬‬
‫ويوم حان اللقـــــا جمعًا رأيتهم *** مواكبًا يمموا أخرى مقامتنــــا ‪35 /27‬‬
‫وجدى المصطفى للجمع يقدمهم *** وسره مضمر فى طى سروتنا ‪35 /28‬‬
‫ويوم الفصل ميقات التالقــــــى *** وبالقسطاس نحكـــــــم عادلينا ‪57 /10‬‬
‫‪12‬ـ لنحمل ما تحًم لنا سخـــــاًء *** ونشكر حين تدركنا الهبات‬
‫ولطالما نحن العروش الباقيات فنحمل كل ما نتلقاه سخاءًا من عطايا المنعم المتفضل صاحب نعمة اإليجاد واإلمداد ‪ ,‬كما أننا نقدم‬
‫الشكر على الهبات حين تدركنا ‪ ,‬وذلك من كمال العطاء من فيض وهب (الوهاب) الذى جاءت اإلشارة اليه بالقصيدة العطية ‪:‬‬
‫من كمال العطاء من فيض وهب *** أيها الناس جاءكم ابراهيم‬
‫النذير الذى (ينذريوم التالق) المشارإليه فى القصيدة (‪:)79‬‬
‫إ‬ ‫نذيرًا قد جعلنا قبــــــل هـذ‪/‬ا*** ولكن عن كالمى تصرفون‬
‫بر‬ ‫فسلم يا بنى وال تكــــــا‪/‬بـر *** وإن الموثقين لكاذبــــــــون‬
‫ا‬ ‫أراهم كلما خلصوا نجيــــ‪/‬ا *** وإنى مظهر ما يكتمــــــون‬
‫هـ‬ ‫ألن اإلفك قد درجوا عليــ‪/‬ه *** وإنى مبطل ما يأفكـــــــون‬
‫يـ‬ ‫ويظلم بعضهم أبناء عهد‪/‬ى *** وإنى ناصر من يظلمــــون‬
‫اسم موالنا الشيخ ابراهيم(النذير) من اآلية لينذر يوم التالق‪.‬‬ ‫م‬ ‫فيا أبناء عهدى إن سألتـــ‪/‬م *** سلونى ليتكم لو تسألــــــون‬
‫‪13‬ـ فإن الحى قيوم عليــــــــنا *** فال نوم بذاك وال سنــــــات‬
‫فهو الحى القائم على أهل حضرة الجمع التى ليس فيها نوم وال سنات من النوم ‪ ,‬فكل من فيها فى حياة رغدة ويقظة تامة حيث أنها‬
‫موطن مشاهدة ‪.‬‬
‫‪14‬ـ إذا ما مرة طلعت علينــــا *** ُيغيبنا الحياُء فال التفـــــــات‬
‫فإذا طلعت علينا شمس ذاته بحسنها الخالب غيبتنا حيث إنطمست عيوننا وجعلتنا ال نستطيع اإللتفات لغيرها ‪.‬‬
‫‪15‬ـ إذا هى أوثقتنا فى حماهــا *** بمحض عطائها نحن الثقات‬
‫فإذا هى أوثقتنا فى حماها وثبتت أقدامنا بالمعرفة التى فيها النجاة من المزالق ويكون ذلك بعطائها المحض وشرابها الصافى المبرد‬
‫الذى كل من يشربه يوقى النفاق وما له تقتير فيكون الحجة القائمة على حقيقة علومها ويصبح من ثقاتها ‪.‬‬
‫‪16‬ـ إذا ما أطلعتنـــــــا فإجتناٌء *** وإن نحن اًط لعنا فالُفتـــــات‬
‫ويقول سيدى فخر الدين أنها إذا ما أطلعتنا على ما بها من األسرار يكون ذلك هو اإلجتناء الذى فيه معرفة سر النجاة (السر الكتيم)‬
‫الذى نجنيه من جنتيه ومن جنى النونية التى يقول فيها رضى هللا عنه‪:‬‬
‫هذا عطاء هللا من عليائــــــــــــه *** هذا إصطفاء السيد البرهــــانى ‪2 /1‬‬
‫ما كل من كتم الشهادة آثــــــــــم *** او كل من وأد البريئة جـــــانى ‪2 /2‬‬
‫يجنى األحبة ســـرها وسرورها *** وبطائن األســــــــــرار متكآتى ‪26 /2‬‬
‫فمن هو فى شوق يبيت لوصلها *** ألصبح يجنى سرها من بطونها ‪32 /2‬‬
‫فكل مشتاق مكدًا مواصال ليل نهاره فى طلب الحصول على معرفة السر الكتيم فى بطون الهوية حيث وجده فى القصيدة العطية التى‬
‫يقول فيها سيدى فخر الدين‪:‬‬
‫أودع السر والسرائر غيبًا *** كاظم علمة ونعم الكظيم ‪12 /12‬‬
‫من رآنى لديه فـاز بسرى *** فى جنى جنتيه سـركتيم ‪12 /13‬‬
‫ثم يكمل موالنا البيت قائًال وإن نحن إطلعنا على ما لديها من أسرار فال نجنى منها سوى الفتات ‪.‬‬
‫‪17‬ـ إذا نحن إجتهدنا ما ثبتنــــا *** وإن هى ثبتتنا فالًث بـــــات‬
‫ثم يقول ان الوصول الى تلك الحقيقة يحتاج الى اإلجتهاد فى التحصيل للوصول الى معرفة ما بها من األسرار فإذا نحن إجتهدنا فى‬
‫السعى الى حماها ما وصلنا وإن وصلنا ما ثبتنا ‪ ,‬وإن هى أوثقتنا وثبتتنا فيكون ذلك هو الثبات ‪.‬‬
‫‪18‬ـ إذا يومًا أطعنا ما إستطعنا *** وإن هى طًو عتنا فالنجــاة‬
‫وإن ذات يوم من األيام إجتهدنا فى كل ما يوصل اليها من خيراألعمال طاعة من عند أنفسنا ما إستطعنا الوصول اليها ‪ ,‬وإن هى التى‬
‫طوعتنا للوصول اليها فيكون ذلك هو النجاة التى يتحدث عنها سيدى فخر الدين فى القصيدة العطية فى قوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫من كمال العطاء من فيض وهب *** أيها الناس جاءكم ابراهيم‬
‫فإسألوه النجاة من يوم حشـــــــر *** يوم ال يسأل الحميم حميم‬
‫فالنبيون والمالئك جمعــــــــــــًا *** أمهم جدنا الرؤوف الرحيم‬
‫سوف يكفيك ما تخــــــاف إلهى *** يا مريدى هو السميع العليم‬
‫أى أن سيدى فخر الدين يبلغ الناس جميعًا وليس أبناء الطريقة فقط قائًال أن كمال عطاء الحق من فيض وهب الوهاب هو مجىء‬
‫سيدى الشيخ ابراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى ‪ ,‬ثم يقول ها هو أمامكم يا أهل الزمان فاسألوه النجاة الحقيقية من هول يوم‬
‫المحشر ‪ ,‬حيث أن فى مثل هذا اليوم سيكون الكل مشغول بنفسه وال يسأل الحميم حميم ‪ ,‬وأراد سيدى الشيخ ابراهيم أن يطمئن الناس‬
‫على مدى األيام لما ُس ئل عن معنى كلمة (إسألوه) قال رضى هللا عنه (حبوه)‪.‬‬
‫فهو متقدم الجماعة يوم قيام الساعة وهوالمقصود بقول سيدى فخر الدين ‪:‬‬
‫وجدى المصطفى للجمع يقدمهم *** وسره مضمر فى طى سروتنا ‪35 /28‬‬
‫وإشارة يوم الحشر تظهر من الحروف التالية (ا)المصطفى (لـ) للجمع (يـ) يقدمهم (و) وسره (م)مضمر = اليــــــــــوم فهذا اليوم يوم‬
‫لقائه ‪ ,‬فالنبيون والمالئكة يجتمعون فيه وهو الذى يؤمهم فى حضرة هذا الجمع ‪ ,‬وسوف يكفيك يا مريدى كل ما تخاف منه فهو‬
‫السميع العليم ‪.‬‬
‫‪19‬ـ إذا عنها روينا ما رأينــــا *** وإن هى لًق نتنا فالــــــٌر واة‬
‫إذا عنها روينا مارأينا فماذا نقول ‪:‬‬
‫معشر الثقالن آه لو رأيتـــــــم *** مارأينا ماثنــــــــــاكم عنه ثانى ‪65 /14‬د‬
‫أو نزلتم فى مقــــــام مثل هذا *** فى التقـــارب ما طفقتم تشركان ‪65 /15‬‬
‫أو بلغتم من معانى ما شهدنــا *** بعض شىء ما رضيتم بالتوانى ‪65 /16‬‬
‫فإعقلوها ما إستطعتم إن فيها *** جلوتى حق بغيث تجريـــــــــان ‪65 /17‬‬
‫فإذا كان ذلك قولنا فكيف يكون تلقينها أسرار مابها ‪ ,‬فإذا هى لقنتنا نكون نحن الرواة عنها وليس غيرنا ‪ ,‬من أجل ذلك يقول سيدى‬
‫فخر الدين ‪:‬‬
‫رويت عن المحبوب ما قد رأيته *** وسر أبى العينين متن روايتى ‪1 /17‬‬
‫أال فخذوا عنى اآلحاد معنعنًا *** أصح روايات الحديث روايتى ‪1 /18‬‬
‫رأيت عيانا ما رويت لعاشق *** تروى فهامت روحة بالروية ‪1 /128‬‬
‫فخذوا كتابى مثلما الراوى روى *** عضوا عليه تلقنــوا اإللهـام ‪68 /17‬‬
‫دين الـى أجـــــــــل مسمى بيننا *** بشهادة الراوى ليكتب عقدها ‪78 /22‬‬
‫لسانى أصبح الراوى عليـــــــه *** أمينًا ليتكـــم لو تعقلـــــــــون ‪79 /19‬‬
‫وسرى آمن الراوى عليـــــــــه *** يقينًا فوق ما تتخيلـــــــــوه ‪79 /20‬‬
‫كالم قاله الراوى كالمـــــــــى *** وتلقينى وأنتم تجهلـــــــــون ‪79 /26‬‬
‫‪20‬ـ إذا نحن ابتغينــا فتق رتق *** فما تفصيلها وهى الًن واة ؟‬
‫بمعنى إذا أردنا (فتق رتق) أى شرح وتفصيل ما أجملته النواة (الذات) التى تحتوى على(حقيقة أول الخلق فى إطالقه ألفًا ـ ألف أول‬
‫الخلق فى أزل اآلزال) إعتبارًا من نقطة الباء التى هى (نقطة البدء والتمكين) التى فيها الرمز واإلعجاز أجمعه ‪ ,‬فهى التى ال يستطيع‬
‫أحد فض ختامها لكونها لم تتنزل لمرتبة الواصفين والناعتين لما بها ‪ ,‬حيث أن هداها ومضة بشهابها ‪ ,‬ولذلك فهى حقيقة ال تدرك وال‬
‫توصف ‪ ,‬إذ أن جميع األشياء كانت مندرجة فيها كإندراج الشجرة فى النواة ‪ ,‬لذلك قال رضى هللا عنه (فما تفصيلها وهى النواة ؟)‬
‫ولقد جاء ذلك التفصيل من خالل ما جاء على لسان سيدى على زين العابدين فى ما أسماه (مرآة العارفين فى ملتمس زين العابدين)‬
‫ص ‪ 286‬و ‪ 287‬من كتاب تبرئة الذمة ‪.‬‬
‫أن العالم عالمان ‪ ,‬عالم األمر وعالم الخلق ‪ ,‬وكل واحد منهما كتاب هللا تعالى ‪ ,‬ولكل كتاب فاتحة ‪ ,‬وجميع ما فى الكتاب مفصل فى‬
‫الفاتحة بحمد ‪ ,‬وباعتبار اجمال ما فصل فى الكتاب فيها سميت بأم الكتاب ‪ ,‬وباعتبار تفصيل ما اجمل فيها ‪ ,‬وفيما يلى مرتبتها ‪ ,‬سمى‬
‫مرتبة التفصيل بالكتاب المبين ‪ ,‬وكل موجود فى العالم حرف باعتبار ‪ ,‬وكلمة باعتبار ‪ ,‬وصورة باعتبار ‪ ,‬ومفرد باعتبار ‪ ,‬ومركب‬
‫باعتبار ‪ ,‬ألننا إذا نظرنا فى ذات كل موجود من غير أن ننظر الى وجهها وخواصها وعوارضها ولوازمها ‪ ,‬وجدناها مجردة عن الكل ‪,‬‬
‫وباعتبارتجردها عن الكل سميناها حرفا ‪ ,‬واذا نظرنا الى وجهها وخواصها وعوارضها ولوازمها واضافاتها اليها ‪ ,‬فباعتبار اضافة‬
‫الكل اليها سميناها كلمة ‪ ,‬وباعتبار كل موجود من المضافات المنسوبات وعدم تمييز بعضها عن البعض بل تداخل بعضها فى البعض‬
‫فسميت ألفاظًا مركبة ‪ ,‬باعتبار تميز كليات المراتب بعضها عن البعض ووقوع كل موجود فى المرتبة سميت سورة ‪.‬‬
‫واذا فهمت هذا فاعلم أيضًا أن الحق مبدأ الكل ومعاده (واليه يرجع االمر كله) والى هللا تعالى عاقبة االمور ‪ ,‬فالبد أن يكون الكل فيه‬
‫قبل كونه ‪ ,‬والبد أن يكون فى الكل هو ‪ ,‬واذا ثبت هذا ثبت أنه كان وال شىء معه ‪ ,‬وهو اآلن كما كان ‪ ,‬فذات الحق سبحانه وتعالى‬
‫باعتبار اندراج الكل فيها هى أم الكتاب ‪ ,‬وعلمه هو الكتاب المبين ‪ ,‬باعتبار تفصيل ما اندرج فى الذات التى قلنا فيها ‪ ,‬وظهور ما كمن‬
‫فيها ‪ ,‬فعلمه بذاته مستلزم لعلمه بجميع األشياء ‪ ,‬اذ جميع االشياء فيها كانت مندرجة كاندراج الشجرة فى النواة ‪,‬‬
‫فالعلم الذى قلنا أنه هو الكتاب المبين مرآة للذات ‪ ,‬فالذات التى قلنا فيها أنها أم الكتاب ‪ ,‬فالذات ظاهر فيها ألن العلم هو أول ما تعين‬
‫به الذات ‪ ,‬فالذات هى أم الكتاب من الحقائق األزلية ‪ ,‬والعلم هو الكتاب المبين من الحقائق اإللهية ‪ ,‬كما أن القلم هو أم الكتاب من‬
‫الحقائق الكونية ‪ ,‬واللوح المحفوظ هو الكتاب المبين من الحقائق الكونية ‪ ,‬فبين الذات والقلم مضاهاه من جهة اإلجمال والكل ‪ ,‬وتكون‬
‫األشياء فيهما على الوجه الكلى ‪ ,‬وكذلك بين القلم واللوح مشابهة من جهة التفصيل ومن جهة ظهور األشياء فيهما على الوجه‬
‫الجزئى ‪ ,‬فالقلم من هذا الوجه فى المرتبة الكونية مرآة الذات ‪ ,‬فما فى الذات مندرج على الوجه الكلى واالجمال ‪ ,‬فهو فى القلم موزع‬
‫على الوجه الكلى واالجمال واللوح وأيضًا من هذا الوجه فى المرتبة الكونية مرآة للعلم ‪ ,‬فما فى العلم ظاهر على الوجه الجزئى‬
‫والتفصيلى ‪ ,‬فهو فى اللوح ظاهرعلى الوجه الجزئى والتفصيلى ‪.‬‬
‫فكما علمت أن لعالم األمر كتابًا مجمًال ملقبًا بام الكتاب ‪ ,‬وكتابًا مفصًال موسومًا بالكتاب المبين ‪ ,‬والكتاب المجمل هو العقل ‪ ,‬والكتاب‬
‫المبين هو النفس ‪ ,‬فاعلم بذلك أن لعالم الملك كتابًا مجمًال هو العرش ‪ ,‬وكتابًا مفصًال هو الكرسى ‪ ,‬فباعتبار اندراج ما يريد أن يفصل‬
‫فى الكرسى ما كان فى العرش يقال له ام الكتاب ‪ ,‬وباعتبار تفصيل ما كان فى العرش‪ ,‬مجمًال فى الكرسى يقال له الكتاب المبين ‪ ,‬فبيت‬
‫القلم والعرش مضاهاة من جهة االجمال ‪ ,‬وتكون االشياء فيهما على الوجه الكلى ‪ ,‬وكذلك ما بين اللوح والكرسى مناسبة من جهة‬
‫مظهريتهما للتفصيل ومن جهة تقسيم األمر الواحد فيهما بالقسمين ‪ ,‬من جهة ظهور االشياء فيهما على الوجه الجزئى والتفصيلى ‪,‬‬
‫فالعرش من هذا الوجه فى المرتبة الحسية مرآة القلم وما فى القلم مندرج على الوجة الكلى واالجمالى ‪ ,‬فهو العرش مندرج على‬
‫الوجه الكلى واالجمالى ‪ ,‬والكرسى أيضًا من هذا الوجه فى المرتبة الحسية مرآة اللوح ‪ ,‬فما فى اللوح ثابت على الوجه الجزئى‬
‫والتفصيلى ‪ ,‬وهو فى الكرسى ثابت على الوجه الجزئى والتفصيلى ‪.‬‬
‫‪21‬ـ ولكن إن تفتق مــــا أكنت *** فإن الجمع منــــــا للشتات‬
‫ثم يقول سيدى فخر الدين عن ذات الحق وذات اإلنسان الكامل المشار اليه بأول الخلق (ولكن إن تفتق ما أكنت فإن الجمع منا للشتات)‬
‫واذا تقرر هذا فلنرجع الى ما كنا بسبيله ونقول كما أن بين ذات الحق وذات االنسان الكامل وعلم الحق وعلمه مضاهاة ‪ ,‬وأن كل ما‬
‫فيها مجمل فهو فيه مجمل وكل ما فيها مفصل فهو فيه مفصل ‪ ,‬فكذلك بين القلم وروح االنسان الكامل ‪ ,‬وبين اللوح وقلب االنسان ‪,‬‬
‫وبين الكرسى ونفس االنسان مضاهاة ‪ ,‬وكل واحد منهما مرآة لما يضاهية ‪ ,‬وكل ما فى القلم مجمل فهو فى روحه مجمل ‪ ,‬وكل ما فى‬
‫اللوح مفصل فهو فى قلبه مفصل ‪ ,‬وكل ما فى العرش مجمل فهو فى نفسه مفصل ‪ ,‬واالنسان كتاب جامع لجميع الكتب اإللهية‬
‫والكونية ‪ ,‬وكما قلنا فى حق الحق أن علمه بذاته مستلزم بعلمه لجميع االشياء ‪ ,‬وأنه يعلم جميع األشياء من علمه بذاته ألنه هو جميع‬
‫األشياء إجماًال وتفصيًال ‪ ,‬فمن عرف نفسه فقد عرف ربه وعرف جميع االشياء ‪.‬‬

You might also like