Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫آليات اشتغال الذاكرة‬

‫يمكن حصر أليات اشتغال الذاكرة في العناصر األربعة التالية‪:‬‬

‫استقبال المعلومات‪ :‬سيرورة وآلية‪ ،‬من خاللها يتم التقاط املثيرات الخارجية عبر‬ ‫▪‬

‫الحواس وحفظها في السجالت الحسية ملدة وجيزة بعد إخضاعها لعملية االنتباه الذي يتم‬
‫التمييز فيه بين نوعين‪ .‬االنتباه االنتقائي يتجه نحو مثير محدد بغض النظر عن املثيرات األخرى‬
‫التي توجد في نفس الوقت‪ ،‬أما االنتباه املوزع يتوزع بين العديد من املثيرات‪ .‬فكلما كان االنتباه‬
‫انتقائيا‪ ،‬كلما كانت املعالجة املعرفية للمثيرات موجهة وعميقة‪.‬‬

‫الترميز‪ :‬سيرورة‪ ،‬تحول املستقبالت الحسية إلى تمثالت ذهنية مؤقتة أو دائمة‪،‬‬ ‫▪‬

‫فعمليات الترميز عبارة عن مصفاة معقدة تستقبل املثيرات القادمة من املحيط وتدخل عليها‬
‫التنظيم والضبط الالزمين وتخضع للمراقبة اآللية من قبل عاداتنا االجتماعية‬
‫والفرديةوحوافزنا‪ ،‬كما تخضع للمراقبة الواعية من قبل مشاريعنا وتوجهات سلوكاتنا‬
‫الواعية‪ ، Tiberghien 1991‬فأمام تعدد مصادر املعلومات التي يتلقاها نظامنا الذاكري‪ ،‬وقع‬
‫سجال بين الباحثين منذ عقود‪ ،‬حيث اعتبر كل من أتكنسون وشيفرين ( ‪Atkinson et‬‬
‫‪ )Shiffrin ,1968‬بأن املعلومات ترمز صوتيا ‪Phonétique‬في الذاكرة القصيرة املدى‪ ،‬اما بادلي‬
‫(‪ )1986‬فيشير بإمكانية ترميزها صوتيا أو لسانيا أو بصريا‪-‬مكانيا في الذاكرة العاملة وهذا ما‬
‫يفض ي إلى وجود أنواع من الترميزات‪ :‬الترميز البصري وفيه يتم تمثيل األشياء من حيث الحجم‬
‫والشكل واللون والتموقع‪ ،‬الترميز الصوتي وفيه يتم تمثيل سمات الصوت من حيث شدته‬
‫ودرجة تردده‪ ،‬الترميز الحركي وفيه يتم تمثيل تتابع الحركات‪ ،‬الترميز اللفظي وفيه يتمميز تر‬
‫املعلومات من خالل الكلمات‪.‬‬

‫أما ‪ )1972( Craik et Lockhart‬يعتبران بأن طبيعة املعالجة هي التي تحدد طبيعة الترميز‬
‫"فعمق املعالجة هي التي تحدد طبيعة الترميز الذي سيحتفظ به على شكل تمثل في الذاكرة‪ ،‬كما‬
‫يحدد ديمومة الذكرى"(‪ .)Mercier, D & Doré, P., 1992‬حيث يميزان بين مستويات متعددة‬
‫من املعالجة عند مرور املعلومات من الذاكرة القصيرة املدى إلى الذاكرة البعيدة املدى‪،‬‬
‫فاملعالجة السطحية تكمن في التحليل البسيط للخصائص املادية‪ ،‬في حين تمكن املعالجة‬
‫العميقة من التعرف على شكل املثير او داللته‪ .‬فعمق املعالجة هي التي تحدد طبيعة الترميز‬
‫والتمثل الذي سيحتفظ به في الذاكرة كما يحدد ديمومة الذكرى‪ ،‬فاملعالجة العميقة تدوم اكثر‬
‫من املعالجة السطحية ألنها تنتج ذكرى تتكون من عدة إسنادات‪ ،‬ألن هذه األخيرة اي املعالجة‬
‫السطحية ال توفر الخصائص التي تسمح بمرور املعطيات إلى الذاكرة البعيدة املدى (زغبوش‬
‫بنعيس ى ‪ .)2008‬ويمكن تصنيف الترميز عموما إلى ثالثة أصناف‪ :‬الرموز الحسية‪ ،‬الرموز‬
‫املختلطة (املعجمية والتصويرية)‪ ،‬الرموز الداللية‪.)Alain, L., 1993( .‬‬
‫التخزين‪:‬‬ ‫▪‬

‫يعد أهم مرحلة في االشتغال الذاكري ولكن ليس كل ما يتم ترميزه يخزن في الذاكرة‪ ،‬إذ‬
‫أن مصدر الجزء األكبر من التمثالت هو التالش ي واالختفاء‪ ،‬فنحن ال نخزن في الذاكرة سوى‬
‫‪ 1%‬من املعلومات‪ .‬فإذا كانت الذاكرة القصيرة املدى تخزن املعلومات من خالل آلية التكرار‬
‫الذهني‪ ،‬فإن الذاكرة البعيدة املدى تخزن املعلومات الواردة إليها من خالل آلية التدعيم‪ .‬ويمكن‬
‫أن "ينتج التدعيم عن توافق عال مع املحتوى السابق للذاكرة‪ Signore,J.I( 1991,. ".‬حيث يتم‬
‫إدماج التمثالت الجديدة في التمثالت القديمة بسهولة‪ .‬ويتخذ التخزين مدد زمنية متباينة قد‬
‫تمتد من بضع ثواني إلى مدى الحياة‪ ،‬فالذكريات املخزنة في الذاكرة البعيدة املدى تدوم سنوات‬
‫حتى لو تعرضت للتالش ي أو عوضت بمعلومات جديدة‪ ،‬بينما تدوم في الذاكرة القصيرة املدى‬
‫فقط لبضع ثوان‪ ،‬فنظرا للسعة املحدودة لهذه الذاكرة‪ ،‬فإذا لم تتم معالجة املعلومات فيها‬
‫بتفعيل آلية التكرار الذهني سيصيبها التلف وستعوض بمعلومات جديدة‬
‫االسترجاع‪:‬‬ ‫▪‬

‫حسب مرسيي ودوري‪ ،‬يعتبر " سيرورة تسمح بالنفاذ إلى املعلومات في الذاكرة البعيدة األمد في‬
‫الوقت املالئم‪ ،‬لتوفيرها في الذاكرة العاملة بهدف معالجة املعطيات املستقاة من املحيط"‬
‫(‪)Mercier & Doré., 1992‬‬
‫ويكون االسترجاع ناجعا إذا كان سياقه أشبه بسياق تكون الذكرى‪ ،‬وهذا ما يسميه "تولفينغ"‬
‫باسم "مبدأ خصوصية الترميز"‪ ،‬فعدم استرجاع املعلومات يكون في الغالب بسبب وجود الفرد‬
‫في سياقات معرفية وجدانية مختلفة عن تلك التي بنيت فيها‪ .‬واسترجاع املعلومات يتم من خالل‬
‫سيرورتي‪:‬‬
‫ـ التذكر‪ :‬الذي يسمح باسترجاع املعلومات املخزنة في الذاكرة البعيدة املدى وتوفيرها للذاكرة‬
‫العاملة‪ ،‬وهو ال يفترض وجود اتصال إدراكي بين املثير والفرد‪ ،‬حيث يسمح باسترجاع املعلومات‬
‫في غياب املوضوع‪ ،‬فإذا كان اإلنسان قادرا على تذكر ماض ليست له فيه تجربة شخصية‬
‫مباشرة‪ ،‬ماض نقل إليه من قبل األجيال السالفة حسب تعبير ‪ ،)1978(Vygotsky‬فهذه‬
‫العملية (التذكر) مرتبطة في جزء مهم منها باللغة (زغبوش بنعيس ى ‪ .)2008‬فاسترجاع املاض ي‬
‫يتم من خالل اللغة (الفاظ‪ ،‬حركات‪ ،‬صور ذهنية‪ .)...‬ويتخذ التذكر اشكاال متعددة نوجزها‬
‫فيما يلي‪" :‬التذكر الحر ويقص د به تذكر الشخص للمعلومة كما تتبادر له في الذاكرة‪ ،‬التذكر‬
‫الفوري هو تذكر الشخص فورا للمعلومة عند تقديم آخر عنصر لقائمة من العناصر‪ ،‬التذكر‬
‫املؤجل يتم بعد تنفيذ املهمة تسمى مهمة وسيطة‪ ،‬التذكر بمؤشر يتم بمساعدة عناصر على‬
‫استرجاع املعلومات‪ ،‬والتذكر التسلسلي يفرض تذكر املعلومة حسب الترتيب الذي قدمت فيه‬
‫هذه املعلومة" (‪.)Godefroid, J.O., 2008‬‬
‫ــ التعرف‪ :‬يحيل التعرف على اإلحساس الذي يكون عند الشخص حول معلومة مدركة‬
‫حديثا‪ ،‬والتي تم تخزينها سابقا‪ .‬ويعتبر التعرف أكثر تعقيدا من التذكر‪ ،‬إذ يمكننا أن نتعرف على‬
‫معلومة ال نستطيع تذكرها ‪ ،‬إن أهم ميدان عرف نشاطا مكثفا في دراسة آلية التعرف ‪ ،‬هو‬
‫ميدان التعرف على الوجوه بسبب املتغيرات الهائلة التي توظفها هذه العملية‪ ،‬وكمية املعلومات‬
‫التي تستدعيها من الذاكرة (اسم الشخص‪ ،‬طوله‪ ،‬عنوانه‪ ،‬صوته‪ ،‬أصدقاؤه‪ ،‬تاريخه‪ .)...‬وتكمن‬
‫أهمية التعرف وتفضيله عن التذكر حسب ‪ Tiberghien, 1991‬في أنه ينشط أكثر من آلية في‬
‫اشتغاله "هذا التفضيل ناتج عن الضبط الكبير للمفتاح الذي منحته الوضعية السياقية أثناء‬
‫عملية التعرف" (زغبوش بنعيس ى‪ .)2008 ،‬ويرجع عمق التعرف إلى اعتماده على سيرورتين‬
‫مختلفتين‪ :‬سيرورة ذهنية نازلة تسمح بالتعرف على األشياء وفق مانعتقده حول هذه األشياء‪،‬‬
‫وسيرورة ذهنية صاعدة تقوم على التعرف على األشياء كما هي بشكل مباشر‪.‬‬
‫التذكر والتعرف إذن سيرورتان تسمحان بالنفاذ إلى الذاكرة السترجاع املعلومة (التذكر) أو‬
‫إلدراك معلومة كانت مخزنة سابقا (التعرف)‪ .‬فالتذكر والتعرف هما آليتان السترجاع املعلومات‬
‫املخزنة في الذاكرة‪ ،‬وذلك بعد أن يتم ترميزها‪.‬‬

You might also like