أحداث تطوان يوم 8 فبراير 1948 بين الروايتين المغربية والإسبانية

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 15

‫أحداث تطوان يوم ‪ 8‬فبراير ‪ 1948‬بين الروايتين المغربية واإلسبانية‬

‫ذ محمد األندلسي‪ :‬باحث في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر ‪ -‬تطوان‬

‫تقديم‪:‬‬

‫شهدت مدينة تطوان عاصمة املنطقة اخلليفية أو منطقة احلماية اإلسبانية يوم ‪ 8‬فرباير ‪1948‬م أحداثا‬

‫دامية على أثر املظاهرة الشعبية والسلمية اليت انطلقت من زاوية سيدي علي بن ريسون يف اجتاه املشور (القصر‬

‫اخلليفي)‪ ،‬احتجاجا على القرار الذي اختذته السلطات اإلسبانية مبنع جمموعة من أعضاء حزب اإلصالح الوطين‬

‫–الذين ك انوا يف جولة باملشرق الع ريب للتعريف بالقض ية املغربية‪ -‬بعد وص وهلم إىل مدينة طنج ة الدولية عن‬

‫طريق الربتغال‪ ،‬من الدخول إىل مدينة تطوان َم قر إقامتهم‪ .‬ويتعلق األمر باألستاذ عبد اخلالق الطريس رئيس‬

‫احلزب‪ ،‬والطيب بنون ة الك اتب الع ام للح زب‪ ،‬واحمم د أمحد بن عب ود م دير مكتب املغ رب الع ريب يف الق اهرة‬

‫ورئيس الوف د اخلليفي ل دى اللج ان الثقافي ة للجامع ة العربي ة وامله دي بنون ة ال ذي ق دم من الوالي ات املتح دة‬

‫األمريكي ة‪ .‬وق د واجهت س لطات احلماي ة اإلس بانية ه ذه املظ اهرة الس لمية بق وة الس الح والعن ف املف رط‪ ،‬مما‬

‫خَّل ف ع ددا من القتلى وعش رات اجلرحى‪ ،‬واعتق االت واسعة يف ص فوف الوطنيني وعلى رأسهم ك ل أعضاء‬

‫اللجنة التنفيذية حلزب اإلصالح الوطين بتطوان‪.‬‬

‫هذه األحداث الدموية كان هلا صدى كبري يف كل البلدان العربية الذي أدانتها وعرَّب ت عن تضامنها‬

‫م ع املغ رب يف مواجه ة السياس ة القمعي ة لالس تعمار اإلس باين يف مشال البالد‪ .1‬ومن جانبه ا ح اولت الص حافة‬

‫اإلس بانية احمللي ة الص ادرة يف مدين ة تط وان أو تل ك الص ادرة يف مدري د‪ ،‬التقلي ل من خط ورة ه ذه األح داث‪،‬‬

‫‪ - 1‬نشرت جريدة العرب األسبوعية‪ ،‬خرب احتمال عدول امللك عبد اهلل بن احلسني ملك اململكة األردنية اهلامشية‪ ،‬عن زيارته املرتقبة إىل إسبانيا‬
‫بدعوة من اجلنرال فرانكو‪ ،‬بسبب اعتداء "جنود الطاغية فرانكو" على العرب يف تطوان‪ .‬كما ذكرت أن وفدا من شباب العرب يف باريس قدموا‬
‫مذكرة احتجاجية شديدة اللهجة إىل إدارة اجلريدة‪ ،‬وبعثوا بنسخة أخرى إىل أمني اجلامعة العربية ورؤساء احلكومات العربية‪ ،‬أدانوا فيها االعتداء‬
‫الشنيع اليت تعرض له العرب يف تطوان والذي "ُيظِه ُر وجه االستعمار املقيت‪ ،‬ويف وقت يتحدث فيه ساسة الدول – زورا وهبتانا‪ -‬عن تقرير املصري‪،‬‬
‫وعن احلرية‪ ،‬فإذا كان املغريب ال يستطيع العودة إىل وطنه‪ ،‬وإذا كان العراقي مينع من دخول بالده‪ ،‬فأين احلرية املتشدق هبا ‪ . "...‬أنظر‪ :‬جريدة‬
‫العرب األسبوعية‪ ،‬العدد التاسع ‪ 17‬ربيع الثاين ‪1367‬هـ‪ 27 /‬فرباير ‪1948‬م‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وحتميل املسؤولية الكاملة يف وقوعه ا للمخزن اخلليفي‪ ،‬واهتام حزب اإلصالح الوطين وبشكل خاص زعيمه‬

‫األستاذ عبد اخلالق الطريس بالتحريض ضد إسبانيا والدعاية حلركة اجملاهد حممد بن عبد الكرمي اخلطايب الذي‬

‫أعلن من مصر عن تأسيس جلنة حترير املغرب العريب‪.2‬‬

‫ولفهم الطبيعة السياسية هلذه األحدث‪ ،‬تكفي اإلشارة إىل سياسة التصعيد والقمع اليت تبنتها السلطات‬

‫االس تعمارية اإلس بانية اجتاه احلرك ة الوطني ة يف الش مال بع د هناي ة احلرب العاملي ة الثاني ة‪ ،‬وبش كل خ اص اجتاه‬

‫ح زب اإلص الح الوط ين وزعيم ه األس تاذ عب د اخلالق الط ريس‪ ،‬وال يت اس تهدفت إض عاف احلزب وت أثريه يف‬

‫أوس اط الس كان‪ ،‬من خالل التنكي ل بقيادات ه السياس ية‪ ،‬وف رض احلص ار على نش اطاته ال يت تش كل خط را على‬

‫الوجود االستعماري اإلسباين يف املنطقة‪.‬‬

‫ومن أج ل تبي ان حقيق ة م ا ج رى ي وم ‪ 8‬ف رباير ‪ ،1948‬ووض عه يف س ياقه ال دويل واإلقليمي‪ ،‬أثرن ا‬

‫مقارن ة الرواي ة املغربي ة بنظريهتا اإلس بانية‪ُ ،‬معتم دين يف ذل ك على املذكرات والرس ائل الشخص ية لبعض ش هود‬

‫العيان ممن كانوا يف قلب األحداث سواء يف مدينة طنجة كاألستاذ الشهيد احممد أمحد بن عبود‪ 3‬أو يف مدينة‬

‫تطوان كاألستاذ حممد داود‪ 4‬واألستاذ حممد ابن عزوز حكيم‪ ،5‬ويف اجلانب اآلخر اعتمدنا على بعض الوثائق‬

‫احملفوظ ة يف أرش يف اجلنرال ب اريال‪ ،‬وعلى الص حف واجلرائ د اإلس بانية ال يت غَّطت ه ذه األح داث‪ ،‬وبش كل‬

‫خ اص على جري دة "‪ "Diario de África‬الناطق ة باس م اإلقام ة العام ة اإلس بانية بتط وان‪ ،‬وجري دة "‬

‫‪ "ABC‬املدريدية‪ ،‬وكذلك جريدة « ‪ » El Telegrama del Rif‬الصادرة يف مدينة مليلية احملتلة‪ .‬فما‬

‫السياق التارخيي ألحداث ‪ 8‬فرباير ‪ 1948‬بتطوان؟ وكيف تناولت الروايتان املغربية واإلسبانية هذه األحداث؟‬

‫‪ - 2‬حممد خرشيش‪ :‬جلنة حترير املغرب العريب وتطوير العمل املغاريب‪ ،‬ضمن أعمال الندوة الدولية‪ ،‬نشاط احلركة الوطنية املغاربية يف املشرق العريب‬
‫(‪ 1949 – 1945‬م)‪ ،‬تنسيق حممد الشريف وحممد ياسني اهلبطي‪ ،‬منشورات مؤسسة الشهيد احممد أمحد بن عبود‪ ،‬تطوان‪ ،2020 ،‬ص‪.49 .‬‬
‫‪ - 3‬رسائل الشهيد احممد أمحد بن عبود‪ ،‬بني ‪ 8‬فرباير و‪ 12‬مارس ‪ ،1948‬أوردها الدكتور احممد بن عبود يف‪ :‬مكتب املغرب العريب يف القاهرة‪،‬‬
‫دراسة ووثائق‪ ،‬منشورات الشهيد احممد أمحد بن عبود‪ ،‬مجعية تطاون أمسري‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬تطوان‪ ،2015 ،‬ص‪.122 – 108 .‬‬
‫‪ - 4‬حسناء حممد داود‪ :‬على رأس الثمانني‪ ،‬منشورات مجعية تطاون أمسري‪ ،‬تطوان‪ ،2011 ،‬ص‪.232 – 227 .‬‬
‫‪ - 5‬يف ركاب زعيم الوحدة؛ يوميات أمني سر األستاذ عبد اخلالق الطريس‪ ،‬تطوان‪ ،1999 ،‬ج‪.1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ – 1‬السياق التاريخي ألحداث تطوان سنة ‪1948‬م‪:‬‬

‫الشك أن أحداث ‪ 8‬فرباير ‪1948‬م بتطوان من النتائج املباشرة لسياسة العنف والقسوة والتشدد اليت‬

‫طّبقه ا املقيم الع ام اجلنرال ب اريال (‪ )1951-1945‬يف مواجه ة املد الوط ين بع د احلرب العاملي ة الثاني ة‪ ،‬فهي‬

‫تتويج للمواجهة بينه وبني الوطنيني الشماليني‪ ،‬وبشكل خاص أعضاء حزب اإلصالح الوطين‪ ،6‬األمر الذي دفع‬

‫بالعدي د من املس ؤولني اإلس بان املعارض ني لسياس ة املقيم الع ام ب اريال إىل توجي ه ِس هام نق دهم هلا‪،‬‬

‫وكمث ال على ذل ك م ا ذك ره "الس نيور ل ويس إي ريس"‪ ،‬امللح ق التج اري باملفوض ية اإلس بانية بطنج ة‪ ،‬يف‬

‫حديثه مع األستاذ عبد اخلالق الطريس عن حوادث تطوان قائال‪" :‬إن املسؤول عن هذه الفضائح إمنا هو باريال‬

‫املغرور ومجاعته [‪ ]...‬فهو يظن أنه استطاع أن يكون إمرباطورية ويريد أن خيضع له فيها كل واحد‬

‫[‪ ]...‬إن مطامح هذا الرجل ال حد هلا‪ ،‬وأقول لك على وجه الِس ِّر أنه يطمع يف أن يكون يف حمل فرانكو‪،‬‬

‫‪.7‬‬ ‫وهذه السياسة اخلرقاء اليت يتبعها يف املنطقة قد لفَت فرانكو نظره إىل فسادها"‬

‫ومن أجل فك طوق احلصار الشديد املضروب على نشاط األحزاب السياسية يف املنطقة اخلليفية من‬

‫قبل السلطات اإلسبانية‪ ،‬اجته زعماء احلركة الوطنية صوب املشرق العريب وبالتحديد إىل مصر اليت احتضنت‬

‫اجلامعة العربية احلديثة العهد بالتأسيس (‪1945‬م)‪ ،‬فشاركوا إىل جانب إخواهنم يف املنطق ة السلطانية وباقي‬

‫البلدان املغاربية‪ ،‬يف مؤمتر املغرب العريب الذي عقد بالقاهرة يف شهر فرباير ‪1947‬م‪ ،‬لتنسيق العمل املشرتك‬

‫املغ اريب ملواجه ة االس تعمار األجن يب‪ ،‬وال ذي انبث ق عن ه تأس يس مكتب املغ رب الع ريب يف الق اهرة‪ .8‬وك ان أهم‬

‫عمل قام به هذا املكتب بعد تأسيسه هو التخطيط لعملية حترير الزعيم حممد بن عبد الكرمي اخلطايب يف بور‬

‫‪6‬‬
‫‪- Roció Velasco de Castro : Los incidentes de febrero de 1948 en Tetuán, in « Un siglo de‬‬
‫‪movilización social en Marruecos », Editado para Feliu Laura y otros, Ediciones Bellaterra,‬‬
‫‪Barcelona, España, 2019, p 217.‬‬
‫‪ - 7‬رسائل الشهيد احممد أمحد بن عبود‪ ،‬ص‪.109 .‬‬
‫‪ - 8‬احممد بن عبود‪ :‬مكتب املغرب العريب يف القاهرة‪ ،‬دراسة ووثائق‪ ،‬ص‪.9 .‬‬

‫‪3‬‬
‫سعيد يوم ‪ 1‬يونيو ‪ .91947‬ومبجرد جلوئه إىل القاهرة‪ ،‬انضم اخلطايب ملكتب املغرب الع ريب‪ ،‬مما أعطاه دينامية‬

‫جديدة بالنظر إىل رمزيته ومكانته املتميزة ومساره الكفاحي االستثنائي ونضاله املستميت يف مواجهة القوتني‬

‫االستعماريتني فرنسا وإسبانيا‪ ،‬فكان صاحب املبادرة الستحداث "جلنة حترير املغرب العريب" مث "جيش التحرير‬

‫املغاريب"‪.10‬‬

‫وعلى املس توى الوط ين‪ ،‬ك ان للزي ارة التارخيي ة للس لطان حمم د اخلامس إىل مدين ة طنج ة ي وم ‪ 9‬أبري ل‬

‫‪ ،1947‬ومواقف ه االس تقاللية املس اندة واملؤي دة للحرك ة الوطني ة‪ ،‬دوٌر كب ري يف حتول اإلداريتني االس تعماريتني‬

‫الفرنس ية واإلس بانية إىل سياس ة القم ع والعن ف واالعت داء على الوطن يني املغارب ة‪ ،‬يف تنس يق حمكم بينهم ا‪ ،‬كم ا‬

‫يتضح ذلك من حديث لويس إيريس مع الطريس‪ ،‬حيث قال‪" :‬إن ما يعمله باريال اليوم إمنا هو من تعليمات‬

‫اجلنرال جوان"‪.11‬‬

‫إن نشاط أعضاء حزب اإلصالح الوطين يف املشرق العريب‪ ،‬والنجاح الكبري الذي حققوه على مستوى‬

‫التعريف بالقضية املغربية وتدويلها‪ ،‬وهيكلة العمل الوطين املغاريب املشرتك وَم ْأَس َس ِتِه‪ ،‬واتصاهلم بالزعيم الريفي‬

‫حممد بن عبد الكرمي اخلطايب‪ ،‬الشك أنه أزعج السلطات االستعمارية يف املغرب وسبب هلا قلقا كبريا‪ ،‬فأخذت‬

‫تتحني الفرص للتنكيل بالوطنيني والشعب املغريب املتعاطف معهم‪ ،‬فكانت أحداث تطوان تتوجيا لسياسة القمع‬

‫واالعتداء اليت واجهت هبا السلطات اإلسبانية املطالب االستقاللية للحركة الوطنية‪.‬‬

‫‪ – 2‬أحداث تطوان ‪ 1948‬بين الرواية المغربية والرواية اإلسبانية‪.‬‬

‫‪ – 2 – 1‬الرواية المغربية‪:‬‬

‫‪ - 9‬احممد بن عبود‪ :‬نضال الوطنيني املغاربيني يف القاهرة يف األربعينات‪ :‬الشهيد احممد أمحد بن عبود منوذجا (‪ ،)1949 -1946‬ضمن أعمال‬
‫الندوة الدولية‪ :‬نشاط احلركة الوطنية املغاربية يف املشرق العريب (‪ ،)1949 -1945‬ص‪.20 .‬‬
‫‪ - 10‬حممد خرشيش‪ :‬جلنة حترير املغرب العريب ورهان تطور العمل املغاريب‪ ،‬ص‪.49 -46 .‬‬
‫‪ - 11‬رسائل الشهيد احممد أمحد بن عبود‪ ،‬ص‪.109 .‬‬

‫‪4‬‬
‫ينطلق األستاذ حممد داود يف ُم ذكراته‪ ،‬اليت َس َّج َل فيها أحداث تطوان‪ ،‬من حتديد تاريخ وصول أعضاء‬

‫ح زب اإلص الح الوط ين إىل مدين ة طنج ة ق ادمني من مص ر ع رب مدين ة لش بونة الربتغالي ة‪ ،‬وذل ك ي وم ‪ 4‬ف رباير‬

‫‪1948‬م‪ ،‬مث يذكر أنه كان من املقرر وصول الزعماء الوطنيني إىل مدينة تطوان مساء يوم اخلميس ‪ 5‬فرباير‪،‬‬

‫حيث اس تعد الن اس الس تقباهلم واالحتف ال بع ودهتم‪ ،‬إال أن س لطات احلماي ة اإلس بانية َم َنعتهم من عب ور نقط ة‬

‫الرُب ج احلدودي ة بني مدين ة طنج ة الدولي ة ومنطق ة احلماي ة اإلس بانية‪ ،‬وَح َّد َد أمساء الوطن يني ال ذين ُمِنُع وا وهم‪:‬‬

‫األستاذ عبد اخلالق الطريس‪ ،‬واحممد بن أمحد بن عبود‪ ،‬واملهدي بنونة‪ ،‬وأخيه الطيب بنونة‪ .‬ومبجرد وصول‬

‫اخلرب إىل أعض اء احلزب مبدين ة تط وان‪ ،‬ش رعوا يف تعبئ ة الن اس انطالق ا من املس اجد وحتريض هم على اإلض راب‬

‫احتجاجا على نفي الطريس ورفاقه‪ ،‬لُتْم ِس ي املدينة يوم ‪ 6‬فرباير كلها مغلقة‪ ،‬ويف اليوم املوايل ‪ 7‬فرباير توقفت‬

‫الدراس ة جبمي ع املعاه د واملدارس‪ .12‬ويف ي وم األح د ‪ 8‬ف رباير اس تمر الت وتر‪ ،‬فق َّر َر ح زب اإلص الح الوط ين‬

‫االجتماع باجلامع الكبري‪ ،‬إال أن قوة من البوليس واجلنود واملخازنية املسلحني منعوا الناس من دخول املسجد‪،‬‬

‫"فذهب الناس للزاوية الريسونية‪ ،‬وأخذوا بقراءة طه‪ ،‬وأثناء ذلك هجم عليهم املخازنية والبوليس‪ ،‬فخرجوا يف‬

‫مظ اهرة‪ ،‬فلم ا وص لوا إىل الس وق الف وقي والَّطَر ْنَك ات‪ ،‬اص طدموا ب البوليس واجلواس يس أع وان "بلي دة" رئيس‬

‫االستعالمات‪ ،‬فصار هؤالء يضربون الناس باملسدسات والسكاكني‪ ،‬وجرح أناس كثريون‪ ،‬ومات عبد اللطيف‬

‫املدوري يف احلني بض رب س كني ومسدس ات‪ ،‬ويق ال إن هن اك أموات ا آخ رين [‪ ]...‬وتف رقت املظ اهرة وألقت‬

‫الس لطة القبض يوم ه على أعض اء جلن ة ح زب اإلص الح الوط ين"‪ .13‬وذك ر األس تاذ داود أمساء أعض اء احلزب‬

‫الذين اعتقلوا‪ ،‬مث بعد ذلك َحَص َر عدد الشهداء يف شهيد واحد هو عبد اللطيف املدوري‪ ،‬واجلرحى يف اثنني‬

‫هم‪ :‬حممد الرايس الفرخاين وحممد البويفروري‪.14‬‬

‫‪ -‬حسناء حممد داود‪ :‬على رأس الثمانني‪ ،‬ص‪.228 – 227 .‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص‪.228 .‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪ -‬نفسه‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪5‬‬
‫أما رواية الشهيد احممد أمحد بن عبود فتنطلق من سرد تفاصيل األحداث ابتداء من يوم وقوعها أي‬

‫يوم ‪ 8‬فرباير‪ ،‬حيث قال‪" :‬اتصل يب احلاج أمحد الطريس (أخ عبد اخلالق الطريس) يف األتيل من تطوان تلفونيا‬

‫وق ال‪ :‬اجتم ع اليوم الن اس يف زاوي ة س يدي علي بن ريس ون يف الساعة ‪ 12‬وخرج وا من هن اك يف مظ اهرة يف‬

‫اجتاههم إىل املشور‪ ،‬وملا وصلت املظاهرة إىل السوق الفوقي اعرتضتها قوة من البوليس واجليش‪ ،‬واعتدوا على‬

‫الناس بإطالق النار‪ ،‬ويف نفس الوقت كان عدد كبري من البوليس السري ُمْنبِّثني بني املتظاهرين‪ ،‬فبدأوا يعتدون‬

‫على الن اس بالس الح األبيض‪ ،‬وق د قتل وا أربع ة‪ ،‬هم‪ :‬عب د اللطي ف املدوري‪ ،‬وغم اري‪ ،‬وريفي‪ ،‬والش ارف‪،‬‬

‫وألقى البوليس القبض على مجيع أعضاء اللجنة التنفيذية حلزب اإلصالح الوطين"‪ .15‬ليبدأ بعد ذلك االتصال‬

‫باخلليف ة م والي احلس ن بن امله دي من أج ل الت دخل والض غط على اإلقام ة العام ة اإلس بانية إلطالق س راح‬

‫السجناء الذين وصل عددهم حسب ابن عبود إىل ‪ 200‬معتقل من بينهم أربعة نساء‪ ،‬أما عدد اجلرحى فقد‬

‫بلغ ‪ 17‬جرحيا‪ .16‬تعرض السجناء حسب رواييت داود وابن عبود للتعذيب والضرب املربح "وبدأوا َيُس وُقون‬

‫الناس إىل مركز البوليس‪ ،‬وهناك ُيْس َتَلُم وَن بالضرب املربح [‪ ]...‬مث يأمرون املضروب خبلع الطربوش الوطين‬

‫وإلقائ ه على األرض [‪ ]...‬وك ان الض رب يف الغ الب يوج ه إىل الوج ه‪ ،‬ح ىت أن بعض الش باب‪ ،‬ومنهم جنل‬

‫رئيس حمكم ة االس تئناف ا ري ر‪ ،‬ض اعت مع امل وجه ه"‪ .17‬ومت ت وزيعهم بني س جن الباش ا وس جن األج انب‬
‫ُمل‬
‫بتط وان وس جن "الالنش و" (‪ )Al Hacho‬مبدين ة س بتة احملتل ة‪ ،‬حيث س جن أعض اء اللجن ة التنفيذي ة حلزب‬

‫اإلصالح الوطين‪ ،‬وعددهم ‪ .1810‬واشرتط املقيم العام اإلسباين اجلنرال باريال على اخلليف ة‪ ،‬من أجل إطالق‬

‫سراح مساجني سبتة‪ ،‬عزل احممد أمحد بن عبود من اللجنة الثقافية لدى اجلامعة العربية‪ .19‬ويذكر بن عبود يف‬

‫‪ -‬رسائل الشهيد احممد أمحد بن عبود‪ ،‬ص‪.108 .‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص‪.110 – 109 .‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص‪.113 .‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪ -‬حسناء حممد داود‪ :‬على رأس الثمانني‪ ،‬ص‪.230 – 229 .‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص‪.230 .‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪6‬‬
‫رس ائله أن اإلس بان عرض وا على املس جونني يف س بتة مقاب ل إطالق س راحهم‪ ،‬التوقي ع على تعه د‪ ،‬لكنهم‬

‫امتنع وا‪ .20‬وت ذكر الرواي ة الرمسية للمخ زن اخلليفي أن املظ اهرة ُو وجهت ب إطالق الرص اص مما أس فر عن قت ل‬

‫ثالث ة من األه ايل واث نني من الب وليس واث نني من أرم ادا‪ ،‬ويب دو أن الكسكاس ي جاس وس "بيل دة" رئيس‬

‫االستعالمات هو الذي بدأ بإطالق الرصاص‪ .‬وعند استفسار اخلليف ة للمقيم العام اإلسباين عن املسؤول عن‬

‫إعطاء األوامر بإطالق النار‪ ،‬أجاب بأنه الباشا "أشعاش"‪ ،21‬وبعد استفسار الباشا أنكر ذلك مجلة وتفصيال‪.22‬‬

‫وَك َر ِّد فع ل على ه ذا االهتام وه ذه اإلهان ة‪ ،‬وعلى ه ذه املذابح واالعتداءات غ ري املربرة‪ ،‬قَّدم الباش ا "أشعاش"‬

‫استقالته إىل اخلليفة الذي نصحه بالعدول عنها‪ ،‬واتصل اخلليفة باملقيم العام اإلسباين وأخربه بأنه "سيرتك البلد‬

‫إذا مل ُتَس َّلْم السلطة يف احلال إىل الباشا"‪ ،23‬فأمر املقيم العام النيابة بتسليم السلطة يف احلال إىل الباشا الذي أعيد‬

‫إليه اعتباره‪ ،‬بعدما "استوىل اإلسبان على السلطة املباشرة وأشبعوا رغبتهم يف االعتداء على الناس‪ ،‬مث ألصقوا‬

‫كل شيء بالباشا"‪.24‬‬

‫وقد أورد األستاذ حممد بن عزوز حكيم يف يومياته تفاصيل هامة عن أحداث تطوان الدامية ُمَض َّم َنًة يف‬

‫املذكرة االحتجاجية اليت بعثها حزب اإلصالح الوطين إىل اجلنرال فرانكو رئيس الدولة اإلسبانية‪ ،‬واليت انتقد‬

‫فيها السياسة التعسفية اليت اتبعها املقيم العام اجلنرال باريال منذ توليه املنصب‪ ،‬مث استعرض تسلسل األحداث‬

‫‪ -‬رسائل الشهيد احممد أمحد بن عبود‪ ،‬ص‪.111 .‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪ -‬هو حممد بن حممد أشعاش‪ ،‬ينتمي إىل أسرة أشعاش التطوانية الشهرية اليت تقلدت مناصب خمزنية يف القرن التاسع عشر مثل الوالية واألمانة‬ ‫‪21‬‬

‫والسفارة‪ .‬ولد بتطوان عام ‪1314‬هـ‪1896 /‬م‪ُ ،‬عنِّي حمتسبا بتطوان يف ‪ 22‬شتنرب ‪1934‬م‪ ،‬ويف فاتح أبريل ‪1937‬م أعفي من احلسبة وُعني باشا‬
‫عاصمة تطوان‪ ،‬فاشتهر بالنزاهة واحلزم والصرامة يف الضرب على أيدي املفسدين واللصوص‪ ،‬فاصطدم بسبب سياسته هاته مع األعيان‪ .‬استمر يف‬
‫الباشوية إىل أن ُع زل بسبب مواقفه الوطنية اليت مل تعجب اإلدارة اإلسبانية خصوص ا بعد أن توترت الصالت بينه ا وبني حزب اإلصالح الوطين‬
‫بسبب منعها الطريس من دخول مدينة تطوان وما أعقب ذلك من حوادث ومظاهرات وقتل وسجن ونفي‪ .‬كان عزله يوم ‪ 11‬يوليوز ‪1951‬م‪.‬‬
‫تويف يف رابع حمرم ‪1371‬هـ‪ 8 /‬أكتوبر ‪1951‬م‪ .‬أنظر‪ :‬حممد داود‪ :‬تاريخ تطوان‪ ،‬مراجعة وتصحيح حسناء داود‪ ،‬منشورات مؤسسة حممد داود‬
‫للتاريخ والثقافة‪ ،‬دار أيب رقراق للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،2014 ،1‬ج‪ ،11‬ص‪ /.403 -402 .‬حممد بوخبزة‪ :‬مادة أشعاش‪ ،‬معلمة املغرب‪ ،‬اجلمعية‬
‫املغربية للتأليف والرتمجة والنشر‪ ،‬مطابع سال‪ ،1989 ،‬ج‪ ،2‬ص‪.463 .‬‬
‫‪ - 22‬نفسه‪ ،‬ص‪.112 .‬‬
‫‪ - 23‬نفسه‪ ،‬ص‪.113 – 112 .‬‬
‫‪ - 24‬نفسه‪ ،‬ص‪.113 .‬‬

‫‪7‬‬
‫ال يت جنمت عنه ا انتفاض ة تط وان‪" :‬وعن دما ع اد رئيس احلزب من رحلت ه يف املش رق الع ريب ملواص لة العم ل من‬

‫أجل املغرب وقبل أن يدخل املنطقة صرح يف طنجة للصحفيني بكل ما يعتقد أنه مفتاح ألبواب اخلري عند من‬

‫ينوي عمل اخلري غري أهنم أَّو لوا كالمه بتأويالت ال يرضاها وتالعبوا بعباراته ليصوروه سفاكا للدماء ومثريا‬

‫للفنت" ‪ .25‬وك رد فع ل للس لطات اإلس بانية على تص رحيات األس تاذ الط ريس للص حافة‪ ،‬أص در املقيم الع ام‬

‫اإلسباين أوامره مبنع الطريس واحممد بن عبود واملهدي بنونة من الدخول إىل منطقة احلماية اإلسبانية‪ ،‬فكان‬

‫احتجاج سكان تطوان يف شكل إضراب عام دام ثالثة أيام متتالية؛ "ويف اليوم الثالث جاءت السلطة لتحول‬

‫بني الن اس ودخ ول املس اجد لتالوة الق رآن‪ ،‬وحترش ت هبم فخرج وا حمتجني يف مظ اهرات س لمية‪ ،‬فاعرتض تهم‬

‫السلطة بالسالح وأطلقت النار على العزل‪ ،‬فسقط الشهداء وأصيب الكثريون باجلروح وألقي القبض على حنو‬

‫أربعمائ ة من األه ايل‪ ،‬ويف مق دمتهم اللجن ة املركزي ة للح زب وكث ري من الوجه اء ورج ال الفك ر‪ ،‬وذاق وا من‬

‫عذاب السجن والضرب ألوانا‪ .‬وبعد أن أطلق اجلميع بقيت هيئة احلزب يف سجن اجملرمني بسبتة مدة طويل ة‪ ،‬مث‬

‫نقلت إىل زنزانات سجن تطوان‪ ،‬وأخريا حكم على أفرادها أمام حمكمة عسكرية إسبانية"‪َ .26‬ق َّد َر األستاذ ابن‬

‫عزوز حصيلة ضحايا املظاهرة الدموية بتطوان بـ ‪ 21‬شهيدا و‪ 232‬جرحيا و‪ 1214‬معتقال‪.27‬‬

‫يب دوا جلي ا أن ه ذه الرواي ات الثالث ألح داث ‪ 8‬ف رباير بتط وان‪ ،‬ج اءت منس جمة ومكِّم ل ة لبعض ها‬

‫البعض‪ ،‬فمن خالل رواي يت الش هيد ابن عب ود واألس تاذ داود نس تنتج أن ِنَّي َة س لطات احلماي ة اإلس بانية ك انت‬

‫ُمَبَّيَت ًة للتنكيل برجال احلركة الوطنية واالنتق ام منهم‪ ،‬ويتضح ذلك بش كل جلي من خالل االستعمال املفرط‬

‫للق وة‪ ،‬واالس تعداد والتخطي ط القبلي لقمح املظ اهرة الس لمية‪ ،‬من خالل َبِّث اجلواس يس والعي ون املس لحني يف‬

‫ك ل أرج اء املدين ة‪ ،‬وقط ع املواص الت بني تط وان وأحوازه ا‪ ،28‬حتس با النض مام القبائ ل إىل املظ اهرة‪ ،‬فيتس ع‬

‫‪ -‬حممد ابن عزوز حكيم‪ :‬يف ركاب زعيم الوحدة‪ ،‬يوميات أمني سر األستاذ عبد اخلالق الطريس‪ ،‬تطوان‪ ،1999 ،‬ج‪ ،1‬ص‪.40 .‬‬ ‫‪25‬‬

‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص‪.41 .‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص‪.55 .‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪ -‬رسائل الشهيد احممد بن عبود‪ ،‬ص‪.110 .‬‬ ‫‪28‬‬

‫‪8‬‬
‫نطاقها ويصعب على السلطات اإلسبانية السيطرة عليها وإمخادها‪ .‬والقيام بقطع أسالك التيار الكهربائي عن‬

‫املدينة استعدادا لشن محلة واسعة من االعتقاالت يف صفوف الوطنيني والشعب‪ .29‬ويؤكد األستاذ داود على‬

‫أن املتظاهرين الذين خرجوا يف املظاهرة كانوا ُع َّز ًال من أي سالح "وعلمت أن املتظاهرين مل يكن أحد منهم‬

‫حيمل أي سالح وال هراوة"‪ .30‬وبالتايل فال ُم َبِّر َر ملواجهتهم بالرصاص والسكاكني‪.‬‬

‫أما الرواية الرمسية حلزب اإلصالح الوطين املستخلصة من املذكرة االحتجاجية اليت وجهها إىل اجلنرال‬

‫فرانكو‪ ،‬فقد حاولت إحاطة رئيس الدولة اإلسبانية بالسياق العام الذي وقعت فيه أحداث تطوان‪ ،‬واملتمثل يف‬

‫سياس ة القم ع واالض طهاد والبطش والعن ف املتبع ة من ط رف املقيم الع ام اجلنرال ب اريال اجتاه احلرك ة الوطني ة‬

‫ومطالبها االستقاللية‪ ،‬واجتاه سكان املنطقة الذين عانوا من التجهيل واإلفقار وامليز خاصة يف سنوات القحط‬

‫واجملاع ة ال يت ض ربت منطق ة الري ف س نة ‪ .311945‬وُتس جل تل ك الرواي ة مس ؤولية الس لطات اإلس بانية يف‬

‫اس تفزاز الس كان واالعت داء على ُح رم ة املس اجد والزواي ا‪ ،‬مث مواجه ة املظ اهرة الس لمية بالرص اص واألس لحة‬

‫البيضاء‪ ،‬والتنكيل باملعتقلني وحماكمتهم حماكمات تعسفية تفتقد إىل شروط العدالة‪ ،‬وإصدار أحكام قاسية يف‬

‫حقهم مشلت السجن والغرامات املالية الكبرية واإلقامات اجلربية‪.‬‬

‫أم ا بالنس بة ملظ اهر االختالف يف الرواي ات الثالث‪ ،‬فيمكن حص رها يف ع دم االتف اق على احلص يلة‬

‫النهائي ة من القتلى واجلرحى‪ ،‬وَم َر ُّد ذل ك يف اعتقادن ا يرج ع إىل أن زمن كتاب ة ه ذه املذكرات يتط ابق م ع زمن‬

‫وق وع األح داث‪ ،‬وبالت ايل مل يكن هن اك فاص ل زم ين يس مح للش اهَد ْين (حمم د داود واحمم د بن عب ود) انتظ ار‬

‫تبل ور الواقع ة وم ا ستس فر عن ه من نت ائج وخملف ات‪ .‬يف حني ق دم املؤرخ ابن ع زوز حكيم احلص يلة النهائي ة‬

‫ألحداث تطوان واليت جتاوزت بكثري احلصيلة املقدمة من طرف داود وابن عبود‪.‬‬

‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص‪.113 .‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪ -‬على رأس الثمانني‪ ،‬ص‪.228 .‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪ -‬ابن عزوز‪ :‬يف ركاب زعيم الوحدة‪ ،‬ص‪.55 .‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪9‬‬
‫وعموما فإن الروايات الثالث ُتكِّم ل بعضهما البعض وتوضح بشكل دقيق ومفصل ما جرى يوم ‪8‬‬

‫فرباير ‪ 1948‬بتطوان‪.‬‬

‫‪ – 2 – 2‬الرواية اإلسبانية‪:‬‬

‫اعتمدنا ‪-‬كما سبق التنويه إىل ذلك‪ -‬يف استخالص الرواية اإلسبانية ألحداث يوم ‪ 8‬فرباير بتطوان‬
‫وإع ادة تركيبه ا‪ ،‬على بعض وث ائق اجلنرال ب اريال وعلى م ا نشرته الص حف اإلس بانية وخاص ة جري دة "دي اريو‬
‫دي أفريكا" الناطقة باسم اإلقامة العامة اإلسبانية بتطوان‪.‬‬

‫تض من أرش يف اجلنرال ب اريال –املن دوب الس امي اإلس باين يف تط وان – وثيق ة مهم ة ت ؤرخ ألح داث‬
‫تطوان من وجهة نظر إسبانية‪ ،‬وهي عبارة عن مذكرة كتبها السيد أونيبا (‪ ،)Sr Onieva‬الذي كان شاهدا‬
‫على تل ك األح داث‪ ،‬بعن وان "ح وادث الوطن يني يف تط وان وموق ف اجلنرال ب اريال"‪ ،32‬ذك ر فيه ا إش ارات عن‬
‫أصل هذه األحداث وسببها املتمثل يف منع الطريس‪ ،‬الذي عاد من الشرق األوسط (القاهرة) بدون وثائق إدارية‪،‬‬
‫من العبور من مركز الشرطة بالربج‪ ،‬فرجع إىل مدينة طنجة الدولية‪ .‬وكنتيجة لذلك بدأت يف تطوان‬
‫"حرك ة ص ماء"‪ ،‬ت رمجت يف إغالق املدراس اإلس المية مبب ادرة من األس اتذة وبتح ريض من الوطن يني‪ ،‬ال ذين‬
‫اجتمعوا يف دار الوزاين حيث هيئوا الضطرابات يوم األحد ‪ 8‬فرباير‪.‬‬

‫يق ول أونيبا أن ه ذهب رفق ة زوجت ه يف ذلك اليوم بع د منتص ف النه ار إىل احلي املغ ريب‪ ،‬وب القرب من‬
‫مسجد (زاوية) الريسوين الحظ الناس جتري وقوات املخازني ة تالحقهم باهلراوات‪ ،‬وعند اقرتابه من املسجد‬
‫أخ ربه أح د احلراس ب أن أح د عناص ر املخازني ة ق د أص يب جبروح من ط رف الوطن يني املتظ اهرين ال ذين ك انوا‬
‫موجودين داخل املسجد يصرخون كاحلمقى‪ .‬مث يتحدث يف مذكرته عن إغالق قوات املخازنية لكل املداخل‬
‫املؤدي ة إىل املس جد‪ ،‬مما جعل ه يتج ه ص وب خمرج احلي م رورا بالغرس ة الكب رية حيث رأى مظ اهرة أخ رى‬
‫باهلتافات املتعالية‪ ،‬مما فرض عليه االحتماء خبردة املبيعات تفاديا للرشقات‪ ،‬وبوصوله إىل احلي التجاري‪ ،‬رأى‬
‫باشا تطوان وحيدا‪ ،‬عبوس الوجه‪ ،‬متوجه حنو منطق ة الشغب‪ .‬وبوص وله إىل ساحة إسبانيا عهد بزوجته إىل‬
‫الفندق‪ ،‬ومشى إىل اإلقامة العامة‪ ،‬ودخل إىل مكتب اجلنرال باريال الذي كان وحيدا‪ ،‬مث وصل عنده أشخاص‬
‫أحاطوه علما مبا جيري‪ ،‬فاستمع إليهم هبدوء تام‪ ،‬مث أعطى أوامره باهلاتف‪ ،‬وكانت تعليماته كاآليت‪" :‬استعداد‬

‫‪- Notas del Sr Onieva, Sucesos nacionalistas en Tetuán y actitud del General Varela, Dossier‬‬
‫‪32‬‬

‫‪Alto Comisario de España en Marruecos, febrero de 1948, carpeta 38 – 24.‬‬

‫‪10‬‬
‫اجلميع‪ ،‬مبن فيهم اجليش"‪ ،‬وَنَّبه إىل ضرورة تفادي اللجوء إىل العنف وإحداث الضرر دومنا حاجة إىل ذلك‪ .‬مث‬
‫جاء خمرب وأعلمه بأن هناك قتيل مغريب واحد بالسالح األبيض وجريح واحد‪ ،‬فسأل أونيبا املخرب عن الذي‬
‫تس بب يف مقت ل املغ ريب فأجاب ه بأن ه مغ ريب آخ ر‪ .‬وأم ام رمي ق وات املخازني ة من ط رف املتظ اهرين‪ ،‬أطلق وا‬
‫رصاصات حتذيرية يف اهلواء‪ .‬مث جاء خمرب آخر وأخرب باعتقال زعماء املظاهرة وأن عددا من املتظاهرين اجتهوا‬
‫ص وب قص ر اخلليف ة‪ .‬ف أمر املقيم الع ام ب اريال اجلنرال (‪ )Medina Santa Maria‬باقتي اد املوق وفني إىل‬
‫سجن الالنشو (‪ )El Hacho‬بسبتة‪ ،‬ووضعهم يف زنزانات انفرادية ومنع التواصل فيما بينهم ومنع الزيارات‬
‫عنهم‪ .‬مث خيتم مذكرت ه بقول ه أن املدين ة اس تعادت اهلدوء يف مجي ع أجزائه ا يف املس اء عن د متام الس اعة الس ابعة‬
‫والنصف‪.‬‬

‫يتضح من خالل مذكرة أونيبا أن مظاهرة تطوان يوم ‪ 8‬فرباير عرفت مواجهة بني املتظاهرين وعناصر‬
‫املخ زن اخلليفي ال ذي يرأس ه الباش ا أش عاش‪ ،‬يف حني يغيب يف املش هد تواج د ق وات األمن واجليش اإلس باين‪،‬‬
‫وهذا يتناقض مع التعليمات اليت أصدرها املقيم العام اجلنرال باريال الذي أمر بوضع كل القوات يف حالة تأهب‬
‫واس تعداد‪ .‬كما ح اول أونيب ا أن يق دم لنا ص ورة تعكس االتزان وض بط النفس واهلدوء ال ذي حتلى به اجلنرال‬
‫باريال يف التعامل مع هذه األحداث "اجلنرال كان هادئا طوال الوقت يف التعامل مع األحداث‪ ،‬ومل أراه يف أيه‬
‫‪33‬‬
‫وحرص ه الش ديد على تف ادي اس تخدام الق وة والعن ف يف مواجه ة‬ ‫مناس بة أظه ر الغض ب على وجه ه"‬
‫املظاهرة الشعبية‪ ،‬وأن املتظاهرين كانوا يف حالة هستريية جعلتهم يصطدمون بقوات األمن ويبادرون برميها‬
‫ورشقها‪.‬‬

‫لق د تعَّم دت الرواي ة الرمسية اإلس بانية ألح داث تط وان التنص ل من أي ة مس ؤولية فيم ا وق ع من قم ع‬
‫واستعمال مفرط للقوة يف مواجهة مظاهرة سلمية خرج فيها مواطنون ُع َّز ل‪ ،‬وعلى إلقاء املسؤولية كاملة على‬
‫عاتق السلطات املغربية (الباشا أشعاش وقوات املخازنية)‪ ،‬وعلى املتظاهرين أنفسهم الذين أخلوا بالنظام العام‬
‫وق اموا باس تفزاز ق وات األمن‪ .‬ففي الرس الة ال يت وجهه ا اجلنرال ب اريال إىل رئيس الدول ة اإلس بانية بت اريخ ‪7‬‬
‫ف رباير‪ ،‬والتلغ راف املوج ه إىل جملس رئاس ة ال وزراء بت اريخ ‪ 8‬ف رباير‪ ،‬ح اول التقلي ل من أمهي ة األح داث وع دد‬
‫القتلى‪ ،‬وحتميل املتظاهرين مسؤولية ما وقع‪ ،‬وانتقاد عجز السلطات املغربية على التعامل مع الوضعية‪ ،‬وإصرار‬
‫السلطات اإلسبانية على استعادة النظام والطمأنينة يف املنطقة‪.34‬‬

‫‪33‬‬
‫‪- Idem, p 2.‬‬

‫‪11‬‬
‫وب العودة إىل املق ال ال ذي نش رته جري دة دي اريو دي أفريك ا بعن وان "ح وادث يف املدين ة" جندها حتِّم ل‬
‫مس ؤولية ُو ق وع ه ذه األح داث إىل التص رحيات احملرض ة على العن ف ال يت أدلت هبا "جمموع ة طنج ة"‪ ،‬يف املؤمتر‬
‫الصحفي الذي عقدته يف فندق "املنزه" باملدينة الدولية‪ ،‬واليت أسهمت يف إثارة جمموعة من الشباب الوطنيني‬
‫"غ ري املس ؤولني" يف مدين ة تط وان‪ ،‬للخ روج يف مظ اهرة غ ري ُمرخص ة من قب ل الس لطات‪ .‬وهبذا الص دد تق ول‬
‫اجلري دة ب أن الط ريس حتدث يف ذل ك املؤمتر الص حفي ال ذي حض ره الص حفيون الطنجي ون وامللح ق الص حفي‬
‫ملفوض ية أمريك ا الش مالية "بطريق ة مث رية ون ربة قوي ة‪ ،‬وأعلن‪" :‬احلري ة الفوري ة والكامل ة للمغ رب"‪ ،‬وه َّد َد‬
‫باس تعمال العن ف يف حال ة ع دم االع رتاف ب ذلك"‪ .35‬واعت ربت الص حيفة اإلس بانية ذل ك املؤمتر الص حفي جمرد‬
‫دعاية حاول من خالهلا الطريس إظهار تبعيته للزعيم حممد بن عبد الكرمي اخلطايب وتبين دعوته التحررية‪ ،‬من‬
‫خالل إثارته للعنف والتمرد واهلجوم على النظام احلايل للدولتني احلاميتني‪ .36‬وتقول الرواية اإلسبانية أن سبب‬
‫منع الطريس وابن عبود من الدخول إىل مدينة تطوان هو عدم احرتامهم للقوانني والقواعد اجلاري هبا العمل‬
‫واملتمثلة يف أخذ التأشرية عند اخلروج من املنطقة اإلسبانية وعند الدخول إليها‪" ،‬يف الواقع‪ ،‬حضر [الطريس]‬
‫اجلمعة املاضية مرفوقا مبحرضني آخرين من بينهم ابن عبود إىل املركز احلدودي يف املنطقة اإلسبانية الربج‪ ،‬عبد‬
‫اخلالق ورفاق ه يتب اهون بع دم اخلض وع يف ن زوحهم من وص وب املنطق ة اإلس بانية حيث يقيم ون‪ ،‬للق وانني‬
‫والقواعد املق ررة‪ ،‬إذ مل يأخذو تأشرية السلطات وال طريقا قانونيا‪ ،‬باإلض افة إىل أن بعضا من رفاق الطريس‬
‫خضعوا للقوانني‪ ،‬ومُس ح هلم بالعبور حبرية‪ .‬الطريس وابن عبود ُمِنَع ا يف احلدود من طرف الشرطة بسبب خطأ‬
‫يف القواع د أو غياب يف الوثائق الشخص ية"‪ .37‬بعد ه ذا الق رار الذي اختذته الس لطات اإلس بانية مبنع الطريس‬
‫وابن عبود من الدخول إىل تطوان‪ ،‬تضيف الصحيفة اإلسبانية‪ ،‬أن الطريس أمر أنصاره يف تطوان‪ ،‬الذين كانوا‬
‫يستعدون لالحتفال بعودته‪ ،‬بالتظاهر واالحتجاج يوم األحد ‪ 8‬فرباير‪ ،‬حيث خرج ما يناهز ‪ 200‬متظاهر يف‬
‫مركز املدينة "احلي املسلم"‪ ،‬مث تستعرض الصحيفة جمريات األحداث كاآليت‪" :‬التظاهرة أثناء سريها بالشوارع‬
‫أجربت املؤسسات على اإلغالق‪ ،‬وأنتجت عدة حوادث مع املارة املغاربة املساملني الذين مل يرغبو يف االنضمام‬

‫‪34‬‬
‫‪- Carta del Alto Comisario al Jefe del Estado español, 7 de febrero de 1948, p.3 y Telegrama‬‬
‫‪cifrado del Alto Comisario a la Presidencia del Consejo de Ministros, 8 de febrero de 1948.‬‬
‫‪Roció Velasco de Castro: Idem, p. 227.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪- Diario de África: “Incidentes en la Medina”, Año 6, N° 679, Martes 10 de Febrero de‬‬
‫‪1948 .‬‬
‫‪36‬‬
‫‪- - Diario de África: “Incidentes en la Medina”.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪- Idem.‬‬

‫‪12‬‬
‫إليه ا‪ .‬وبالوص ول إىل حمي ط القص ر اخلليفي‪ ،‬ت دخل احلرس املغ ريب لقط ع املم ر على التظ اهرة‪ ،‬مما نتج عن ه‬
‫االعتداءات األوىل‪ .‬املتظاهرون يف جمموعة من ‪ 20‬فردا‪ ،‬رموا شرطي مغريب حاول هتدئتهم‪ ،‬وجرحوه جروح‬
‫دقيق ة‪ .‬املخازني ة ص دوا االعت داء‪ ،‬مث أج ربوا على إطالق بعض الرصاص ات من املسدس ات ض د بعض احملتجني‬
‫ال ذين يس عون إىل مواجه ة ق وات النظ ام‪ .‬قت ل أح د احملتجني وج رح ثالث ة آخ رين‪ .‬خلفت املالحق ات‬
‫واالعتداءات اليت وقعت يف شوارع املدينة جروح لعدة أشخاص ولكن غري بليغة‪ .‬مت استعادة اهلدوء مباشرة‬
‫وفورا وبشكل هنائي"‪ .38‬مث حاولت الصحيفة اإلسبانية الربط بني هذه األحداث وفشل الطريس يف احلصول‬
‫على دعم جامعة الدول العربية ملشاريعه يف مواجهة سلطات احلماية‪ .‬واختتم املقال بالتأكيد على أن أحداث‬
‫تطوان مل تكن لتقع لوال التحريض واإلثارة اليت قام هبا الطريس يف مؤمتر "املنزه" بطنجة‪ ،‬ولوال عدم امتثاله‬
‫لألحكام والقوانني املنظمة للعبور من وإىل املنطقة اإلسبانية‪.39‬‬

‫أما جريدة ‪ ABC‬املدريدية فقد وَّج هت سهام نقدها للصحافة العربية اليت ضخمت أحداث تطوان‬
‫ونفختها حسب تعبريها‪ ،‬حيث أطلق املعلقون العنان ملخيالهتم يف تفسري األحداث وتأويلها بل وحتريفها عن‬
‫الواقع احلقيقي‪ ،‬وحاولت التقليل من خطورة هذه األحداث وتداعياهتا على عالئق الود والصداقة اليت جتمع‬
‫إسبانيا بالدول العربية وباملغرب‪ ،‬مؤكدة أن مثل هذه احلوادث تتكرر بشكل يومي يف مجيع أحناء العامل "وقعت‬
‫يف تطوان أحداث بالبداهة ميكن القول عنها أهنا ليست باخلطرية جدا وال بالقليلة األمهية باملقارنة مع األحداث‬
‫اجلارية اليت تنتج كل مرة يف العديد من املظاهرات [‪ ]...‬وهنا نؤكد على تكرار هذه احلوادث بشكل يومي يف‬
‫ك ل التجمع ات احلض رية ع رب الك وكب‪ .‬ل و ك ان املعلق ون على وعي وليس ت ل ديهم ني ة يف توس يع األح داث‬
‫وتضخيمها"‪ .40‬واعتربت الصحيفة املدريدية أن مظاهرة تطوان مل تكن مظاهرة شعبية بقدر ما هي تعرب‬
‫عن رد فعل حزب اإلصالح الوطين فقط‪ ،‬وأن الشعب املغريب أداهنا عرب ممثليه الشرعيني "إن تظاهرة تطوان‬
‫اليت أحملنا هلا مل يشارك فيها ال الشعب املغريب وال األعيان‪ ،‬واإلدانات اليت قدمت واضحة وقطعية" ‪.41‬‬

‫وأكدت جريدة ‪ El Telegrama del Rif‬أن أحدث تطوان‪ ،‬هلا عالقة مباشرة بالتصرحيات‬
‫التحريض ية للط ريس أم ام الص حافة يف طنج ة‪ ،‬كم ا ح اولت رب ط ذل ك بلقائ ه ب الزعيم حمم د بن عب د الك رمي‬

‫‪38‬‬
‫‪- Idem.‬‬
‫‪39‬‬
‫‪- Idem.‬‬
‫‪40‬‬
‫‪- “Los sucesos de Marruecos”, ABC, Año cuadrage – Simoprimero, N° 13086, 9 de Febrero‬‬
‫‪de 1948,p 1.‬‬
‫‪41‬‬
‫‪- Idem.‬‬

‫‪13‬‬
‫اخلطايب "الشيخ املنفي" الذي جلأ إىل مصر وبدأ باالتصال بالوطنيني املغاربة من أجل تفجري الوضع يف املغرب‬
‫باالتف اق م ع الط ريس‪ .42‬كم ا ب َّر َر ت ق رار املن ع يف ح ق الط ريس ورفاق ه بال دخول إىل تط وان بع دم‬
‫ُم صادقته على وثائق السفر عند خروجه من املغرب وذهابه إىل مصر‪ .‬وذكرت الصحيفة بأن املتظاهرين هم من‬
‫ب دأ ب اهلجوم على املخازني ة ال ذين ح اولوا منعهم من التظ اهر يف حمي ط القص ر اخلليفي‪ ،‬مما خل ق ق تيال‬
‫واح دا وأربع ة ج رحى يف ص فوف املغارب ة وثالث ة ج رحى من بني رج ال الش رطة‪ .43‬ولتربئ ة إس بانيا من أي ة‬
‫مسؤولية يف هذه األحداث‪ ،‬قالت الصحيفة اإلسبانية بأن فرقة املخازنية تابعة للحكومة اخلليفية وليس‬
‫إلسبانيا أو اجليش اإلسباين ‪.44‬‬

‫يبدو جليا أن الرواية اإلسبانية ألحداث تطوان‪ ،‬حتاول أن تضعها يف سياق النشاط السياسي الذي قام‬
‫به أعضاء حزب اإلصالح الوطين باملشرق وخاصة مبصر‪ ،‬حيث جندها تؤكد على حماوالت الطريس كسب‬
‫التأيي د وال دعم الع ريب للقض ية املغربي ة‪ ،‬وعلى اتص اله ب الزعيم حمم د بن عبد الك رمي اخلط ايب‪ ،‬األم ر ال ذي ك ان‬
‫يسبب قلقا كبريا للسلطات االستعمارية اإلسبانية يف املغرب‪ .‬ومن جهة ثانية حُت ِّم ل الرواية اإلسبانية مسؤولية‬
‫ُو قوع هذه األحداث الدموية إىل تصرحيات الطريس احملرضة على العنف‪ ،‬وذلك بعد منعه من العودة إىل مدينته‬
‫تط وان‪ .‬وأن املتظ اهرين هم من ب دأ ب اهلجوم واس تعمال العن ف ض د ق وات حف ظ النظ ام ال يت اض طرت إىل‬
‫م واجهتهم بالرص اص‪ .‬ومن جه ة أخ رى َغَّيَبْت الص حافة اإلس بانية مص ري املعتقلني املغارب ة على خلفي ة ه ذه‬
‫األحداث‪ ،‬ومل تعر املوضوع أدىن اهتمام‪.‬‬

‫خالصة‪:‬‬

‫رغم اجتهاد السلطات اإلسبانية يف حماولة التقليل من أمهية أحداث تطوان وخطورهتا‪ ،‬لتفادي ت داعياهتا‬
‫على الص عيد ال دويل وتأثريه ا على ص ورة إس بانيا اخلارجي ة وسياس تها العربي ة‪ ،‬إال أن ح زب اإلص الح الوط ين‬
‫اس تطاع ف ك ط وق التع تيم اإلعالمي والرقاب ة ال يت ك انت تفرض ها الس لطات اإلس بانية على الص حافة الوطني ة‪،‬‬
‫وجنح يف إعطاء بعد دويل هلذه األحداث من خالل مراسلة جامعة الدول العربية والفاتيكان من أجل االحتج اج‬
‫على سياسة القمع والتنكيل اليت تعامل هبا السلطات اإلسبانية الوطنيني يف املنطقة الشمالية‪ .‬فجاء رد اجلامعة‬

‫‪42‬‬
‫‪- “La Mehaznia disuelve un conato de manifestación de un grupo de exaltados”, El Telegrama‬‬
‫‪del Rif ,Numero 13948, 11 de Febrero de 1948, p 6.‬‬
‫‪43‬‬
‫‪- Idem.‬‬
‫‪44‬‬
‫‪- Idem.‬‬

‫‪14‬‬
‫بعق د م ؤمتر ص حفي أعلنت في ه تض امنها املطل ق م ع س كان مدين ة تط وان‪ ،‬ون َّددت ب القمع ال ذي ووجهت ب ه‬
‫املظ اهرة الس لمية للوطن يني‪ .45‬ورغم السياس ة ال يت اعتم دهتا إس بانيا يف نش ر االف رتاءات واس تعمال ال ذرائع‬
‫اإلدارية يف حماولة لتشويه صورة زعماء احلركة الوطنية املغربية وعلى رأسهم األستاذ عبد اخلالق الطريس‬
‫زعيم حزب اإلصالح الوطين من خالل اإلشارة إىل سلسلة من األحكام والتهم اليت دأبت على تلفيقها له (سكري‬
‫‪ -‬مقامر ‪ -‬متعاون مع أملانيا النازية) ‪ .46‬فإن حزب اإلصالح استطاع إعادة تنظيم هياكله واستعادة قوته‬
‫ونفوذه السياسي يف املنطقة ابتداء من سنة ‪.1951‬‬

‫إن أح داث تط وان يف ف رباير ‪ 1948‬مل تكن يف األص ل احتجاج ا ذو طبيع ة اجتماعي ة‪ ،‬رغم األزم ة‬
‫االقتصادية اليت كانت تعرفها مناطق احلماية اإلسبانية‪ ،‬فهي تندرج ضمن دينامية أخرى‪ ،‬تتمثل يف النضال من‬
‫أج ل االس تقالل ال ذي ق اده أعض اء ح زب اإلص الح الوط ين يف اخلارج كم ا يف ال داخل‪ ،‬من خالل التعري ف‬
‫بالقضية املغربية يف أكرب احملافل السياسية يف ذلك الوقت وهي اجلامعة العربية ومنظمة األمم املتحدة‪ ،‬وكشف‬
‫قناع األخوة العربية – اإلسبانية الذي ختفي وراءه إسبانيا الفرانكوية سياستها االستعمارية القمعية اليت تشرتك‬
‫فيها مع فرنسا من خالل التنسيق والتعاون بني املندوب السامي اإلسباين اجلنرال باريال واملقيم العام الفرنسي‬
‫جوان‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪- Roció Velasco de Castro: Ibid., p. 230.‬‬
‫‪46‬‬
‫‪- Idem.‬‬

‫‪15‬‬

You might also like