Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 61

‫الرتجيح بني أقوال املعدلني واجلارحني‬

‫يف أيب حنيفة النعامن بن اثبت‬

‫كتبه‪ :‬أبو جعفر عبد اهلل بن فهد اخلُليفي‬


‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله وصحبه ومن وااله‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فهذا بحث علمي في مسألة (ما قيل في أبي حنيفة النعمان بن ثابت جرحا وتعديال) واعلم رحمك هللا أن داعي هذا البحث‬
‫عدة أمور‪- :‬‬
‫األول‪ :‬أن هذه املسألة حيرت الكثير من طلبة العلم إذ أنهم يرون الناس قد انقسموا في هذا الرجل ما بين مادح مطري‪،‬‬
‫وقادح مزري بأشد ألفاظ القدح فجاء هذا البحث ليكون محاولة جادة لحل االشكال‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن اعتراض املعاصرين على كالم السلف في هذه املسألة صار سمة بارزة في عمل كثير من املحققين فبعض املعلقين‬
‫على السنة لعبد هللا بن أحمد اعترض عليه في شأن أبي حنيفة ‪ ،‬وعدد من املعلقين على تأويل مختلف الحديث اعترض عليه‬
‫في شأن أبي حنيفة وبعض املعلقين على عقيدة حرب الكرماني اعترض عليه في شأن أبي حنيفة وبعض املعلقين على السنة‬
‫لاللكائي اعترض عليه في شأن أبي حنيفة‪ ،‬فكان ال بد من بيان مأخذ هؤالء األئمة ومناقشة هذا املأخذ وبيان قوته من‬
‫ضعفه‪ ،‬فإن مما يوقع الحيرة في نفوس الكثير من طلبة العلم تغليط كل هؤالء األئمة وإظهارهم في صورة التحامل على إمام‬
‫جليل من أعيان أئمة اإلسالم‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬هذه املسألة صارت أداة في يد عدد من الطاعنين في أئمة اإلسالم فكتب حسن بن فرحان املالكي في كتابه ( قراءة في‬
‫ً‬
‫كتب العقائد ) طعنا في عبد هللا بن أحمد لذكره مثالب أبي حنيفة في كتاب السنة ‪ ،‬وكذلك كتب املعتزلي األردني نايف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫محمود ذياب طعنا في أهل الحديث لهذا السبب ‪ ،‬وقبلهما كتب الهالك محمد الزاهد الكوثري طعنا في عدد من أعيان األمة‬
‫في كتابه ( تأنيب الخطيب ) بسبب هذه املسألة ‪،‬ولسان حال الكوثري أنه ال يمكن تعديل أبي حنيفة إال بالطعن في املتكلمين‬
‫ً‬
‫فيه فركب هذا املركب الصعب ذبا عن إمام مذهبه ‪ ،‬وطعن عبد الفتاح أبو غدة في تعليقه على االنتقاء في ابن حبان‬
‫ووصفه بالجنون ملا ذكره في ترجمة أبي حنيفة ‪ ،‬وطعن بشار عواد معروف وشعيب األرناؤوط في أهل الحديث ووصفوهم‬
‫بالظلم عند تعليقهم على ترجمة إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة في تحرير تقريب التهذيب‪.‬‬
‫واستغل هذه املسألة في الدعوة إلى مسلكه التمييعي حاتم العوني‪ ،‬فدعا إلى هجر كالم السلف في األشاعرة كما هجرنا كالم‬
‫السلف في أبي حنيفة‪ ،‬وهذه األمور كلها تدفعنا إلى النظر الجاد في املسألة لنعلم بما سنجيب هؤالء‪.‬‬
‫ً‬
‫الرابع‪ :‬أن هذه املسألة عند كثيرين صارت محل والء وبراء وتضليل وتبديع‪ ،‬وعند وجود النزاع ال بد من بحث املسألة علميا‬
‫ً‬
‫بشكل جاد ليحل النزاع علميا‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬يالحظ في كثير من األبحاث العصرية في هذه املسألة أنها مبنية على مقدمة نفسية عند الباحث وهي أن هذا الرجل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إمام جليل متفق على إمامته ثم يتعامل مع اآلثار الواردة في ثلبه بناء على هذه املقدمة ‪ ،‬فترى تكلفا عجيبا في تضعيف اآلثار‬
‫الثابتة وتأويلها بتأويالت بعيدة فكان ال بد من عالج هذا األمر ‪ ،‬وقد ترتب على التسامح في هذه املسألة املجاملة في أمر سنة‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم فضاق صدر كثيرين بتضعيف أبي حنيفة في الحديث وكما ردوا جرحه في غير الحديث ردوا جرحه‬
‫في الحديث ‪ ،‬فترى املعلقين على املسند مع طول باعهم في باب علم الحديث إذا جاءوا على حديث في سنده أبو حنيفة‬

‫‪1‬‬
‫ً‬
‫وحماد بن أبي سليمان‪ ،‬يضعفون الخبر بحماد ويتركون أبا حنيفة مع أن حمادا أوثق بكثير من أبي حنيفة بل حتى املعلقان‬
‫على زاد املعاد يحسنان حديث أبي حنيفة!‬
‫السادس‪ :‬ترتب على التسامح في هذه املسألة قول كثيرين أن مرجئة الفقهاء من أهل السنة ‪ ،‬لئال يلزم من تبديعهم تبديع‬
‫إمامهم أبي حنيفة ‪ ،‬وكذلك ترتب عليه التسهيل في مسألة الخالف بين أهل الحديث وأهل الرأي بل واعتبار املدرستين‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وجهان لعملة واحدة مع أن الناظر في الخالف القديم بين الفريقين يرى تباينا منهجيا وتضليال متبادال ‪ ،‬فكان ال بد من تحرير‬
‫هذه املسائل فال زال املرجئة موجودين وال زال أهل الرأي موجودين ‪ ،‬وال شك أننا إذا حكمنا بخروج فئة معينة من السنة‬
‫فإنه يترتب على ذلك االجراءات املعروفة عن أئمة اإلسالم في وقاية املجتمع من خطرهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وقبل الدخول في البحث أود التنبيه على أنني لن آلو جهدا في استقصاء عامة ما قيل في الجرح والتعديل مع النظر في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األسانيد وتحليل املتون مستعيذا باهلل عز وجل من الهوى ومستعدا تمام االستعداد للتراجع عن أي مقدمة أو نتيجة علمية‬
‫اعتقدتها في يوم من األيام‪ ،‬وثبت لي بعد البحث الخطأ فيها‪ ،‬وقبل الشروع في أصل البحث ال بد من ذكر عدة مقدمات علمية‬
‫ً‬
‫لضبط املسألة علميا‪- :‬‬

‫املقدمة العلمية األولى‪ :‬الجرح املفسرمقدم على التعديل املجمل‬

‫قال (محمد عجاج الخطيب) في كتابه [أصول الحديث ص ‪ ]280‬وهو يعدد أقوال أهل العلم في حال تعارض الجرح‬
‫والتعديل‪ ":‬القول األول‪ :‬تقديم الجرح على التعديل ولو كان املعدلون أكثر ألن الجارح اطلع على ما لم يطلع عليه املعدل‬
‫وهذا قول جمهور أهل العلم "‪ ،‬ثم قال‪ ":‬والقول األول هو الذي ذهب إليه املحدثون املتقدمون واملتأخرون "‬
‫[وانظر مقدمة ابن الصالح ص ‪.]249‬‬
‫نقلت بنت الشاطئ هذا النص في [تعليقها على مقدمة ابن الصالح ص‪ ]293‬حيث قالت‪ :‬قال القاض ي عياض‪ " :‬اختلف‬
‫ً‬
‫املحدثون والفقهاء واألصوليون في باب الخبر والشهادة إذا عدل معدلون رجال وجرحه آخرون فالجرح أولى وحكوا في ذلك‬
‫إجماع العلماء والحجة في أن املجرح زاد ما لم يعلم املعدل وهو بين وال خالف في هذا إذا كان عدد املجرحين أكثر "‬
‫قال األلباني في [سلسلة األحاديث الضعيفة تحت حديث رقم ‪:]14‬‬
‫" قال الدارقطني‪ :‬تفرد به الواقدي وهو ضعيف‪.‬‬
‫و ذكر نحوه ابن امللقن في [خالصة البدر املنير (ق‪] 118 / 1).‬‬
‫قلت‪ :‬بل هو متروك فقد كذبه اإلمام أحمد والنسائي وابن املديني وغيرهم ‪.‬‬
‫و ال تغتر بتوثيق بعض املتعصبين له ممن قدم لبعض كتبه‪ ،‬و غيره من الحنفية‪،‬‬
‫فإنه على خالف القاعدة املعروفة عند املحدثين‪ :‬الجرح املبين مقدم على التعديل‬
‫و لذا حكم الكوثري بوضعه كما سيأتي تحت الحديث (‪ ." )25‬أ ه ـ‬

‫‪2‬‬
‫املقدمة العلمية الثانية ‪ :‬يلزم من رد الجرح املفسربدون بينة الطعن في الجارح وال يلزم من رد التعديل املجمل الطعن في‬
‫املعدل‬

‫الجرح املفسر يرد بإثبات تراجع املجروح أو عدم صحة القول عنه ‪ ،‬أو أن القول الذي قال فيه صواب‪ ،‬وأما رد جرح الجارح‬
‫العارف بأسباب الجرح والتعديل بدون إثبات ش يء من هذا فإن هذا يترتب عليه الطعن في هذا اإلمام نفسه‪.‬‬
‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ ُْ‬
‫قال الخطيب البغدادي في الكفاية (‪َ ": )115/1‬وأخ َب ُار امل َع ِّد ِّل َع ِّن ال َع َدال ِّة الظ ِّاه َر ِّة ال َي ْن ِّفي ِّص ْد َق ق ْو ِّل ال َج ِّار ِّح ِّف َيما أخ َب َر ِّب ِّه ‪,‬‬
‫َف َو َج َب ل َذل َك َأ ْن َي ُكو َن ْال َج ْر ُح َأ ْو َلى م َن َّ‬
‫الت ْع ِّد ِّيل"‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬

‫ً‬
‫قال السخاوي في فتح املغيث "وغاية قول املعدل إنه لم يعلم فسقا ولم يظنه فظن عدالته‪،‬إذ العلم بالعدم ال يتصور‬
‫ً‬
‫والجارح يقول‪ :‬أنا علمت فسقه ‪،‬فلو حكمنا بعدم فسقه كان الجارح كاذبا‪،‬ولو حكمنا بفسقه كانا صادقين(أي املعدل‬
‫والجارح)فيما أخبرا به"‬
‫ً‬
‫فاملسألة التي بين أيدينا خطيرة ‪ ،‬وليحذر املرء من أن يقول قوال يترتب عليه تفسيق أئمة اإلسالم‬
‫ً‬
‫وجعل قبول الجارح طعنا في املعدل عكس للقواعد العلمية وتالعب بين‪.‬‬

‫املقدمة العلمية الثالثة‪ :‬إذا اختلف كالم العلماء لم يكن قول أحدهم حجة على اآلخرإال ببينة‬

‫َْ َ َ َْ ُ َ ْ ْ َ ُ ْ َ‬ ‫ُْ ْ َ ْ‬ ‫َ َ َ َ َ ُْ ْ َْ‬


‫ام ال ُفال ِّن ُّي ؟‬ ‫قال شيخ اإلسالم كما في مجموع الفتاوى (‪ ": )215/20‬و ِّإذا ِّقيل ِّلهذا املسته ِّدي املستر ِّش ِّد ‪ :‬أنت أعلم أم ِّ‬
‫اإلم‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َْ ََ‬ ‫ْ َ َ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ ُ َ َ َ ً َ َ ً َ َّ ْ‬
‫اإل َم َام ال ُفال ِّن َّي ق ْد خال َف ُه ِّفي َه ِّذ ِّه امل ْسأل ِّة َم ْن ُه َو ن ِّظ ُير ُه ِّم ْن األ ِّئ َّم ِّة َول ْست أ ْعل ُم ِّم ْن َهذا َوال‬ ‫اسدة ؛ ِّألن ِّ‬ ‫كانت ه ِّذ ِّه معارضة ف ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ َ ُْ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َُ َ ْ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬
‫ود وأبي َو ُم َع ٍاذ َون ْح ِّو ِّه ْم إلى األ ِّئ َّم ِّة َوغ ْي ِّر ِّه ْم‬ ‫هذا ول ِّكن ِّن ْس َبة هؤال ِّء إلى األ ِّئ َّم ِّة ك ِّن ْس َب ِّة أ ِّبي َبك ٍر وع َم َر وعث َمان وع ِّل ٍي و ْاب ِّن َم ْس ُع ٍ‬
‫الر ُسو ِّل‬ ‫َّللا َو َّ‬‫َ َّ‬ ‫ُّ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ َ ُ‬ ‫ض ُه ْم ل َب ْعض َأ ْك َف ٌاء في َم َو د َ‬ ‫َف َك َما َأ َّن َه ُؤَال ِّء َّ‬
‫الص َح َاب َة َب ْع ُ‬
‫النز ِّاع ؛ و ِّإذا تنازعوا ِّفي ش ْي ٍء َردوا ما تنازعوا ِّف ِّيه إلى ِّ‬ ‫ِّار ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫الن ُ َ َ ُ َ‬ ‫األئ َّمة َو َق ْد َت َر َك َّ‬ ‫َ ْ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ ُ َ َْ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َْ َ ْ َ‬
‫ود ِّفي‬ ‫اس ق ْول ع َم َر و ْاب ِّن َم ْس ُع ٍ‬ ‫اضع أخ َر ‪ :‬فكذ ِّلك مو ِّارد ال ِّنز ِّاع بين ِّ ِّ‬ ‫و ِّإن كان بعضهم قد يكون أعلم ِّفي مو ِّ‬
‫َ ُ َ‬ ‫اح َت َّج ب ْال ِّك َتاب َو ُّ‬ ‫األ ْش َعري َو َغ ْيره َملَّا ْ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ُّ ْ ُ ُ َ َ َ ُ َ ْ َ ْ ُ َ ُ َ ُ َ َ َ ُ َ ْ َ‬
‫الس َّن ِّة َوت َركوا ق ْو َل ُع َم َر ِّفي‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫مسأل ِّة تيم ِّم الجن ِّب وأخذوا ِّبقو ِّل من هو دونهما كأ ِّبي موس ى‬
‫ان‬‫ال ‪َ " :‬هذه َو َهذه َس َو ٌاء " ‪َ .‬و َق ْد َك َ‬ ‫َّللا َع َل ْي ِّه َو َس َّل َم َق َ‬ ‫ص َّلى َّ ُ‬
‫النب َّي َ‬ ‫الس َّنة َأ َّن َّ‬
‫ان َم َع ُه م ْن ُّ‬ ‫صابع َو َأ َخ ُذوا ب َق ْول ُم َعاو َي َة ملَا َك َ‬ ‫د َية ا ْ َأل َ‬
‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ ُ َ َ َ ْ ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫الناس ُي َن ِّ ُ ْ َ َ َّ‬
‫وش ُك أ ْن تن ِّز َل َعل ْيك ْم ِّح َج َارة ِّم ْن‬ ‫ُ‬
‫اس ‪ :‬ي ِّ‬ ‫اس ِّفي املتع ِّة فقال له ‪ :‬قال أبو بك ٍر وعمر فقال ابن عب ٍ‬ ‫اظر ابن عب ٍ‬ ‫ِّ‬
‫ض َّ‬ ‫َب ْع ُ‬
‫َّ َ َ ُ ُ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ ْ‬
‫ال أ ُبو َبك ٍر َو ُع َم ُر ؟ "‬ ‫َّللا صلى َّللا علي ِّه وسلم وتقولون ق‬ ‫السم ِّاء أقول قال رسول ِّ‬
‫فإذا جاز أن يدرك املفضول الحق وال يدركه الفاضل في مسألة بعينها فكيف بمسألة تتابع فيها السلف على قول معين ‪،‬‬
‫فخالف جماعة ممن تأخر‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وغ ف َيها ْاإل ْن َك ُار َّإال ب َب َيان ْال ُح َّجة َوإ َ‬ ‫ََ َ ُ ْ َ َ َ ُ ُ‬
‫يض ِّاح‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وقال شيخ اإلسالم كما في مجموع الفتاوى (‪ ": )213 /35‬ومسا ِّئل ِّاالج ِّته ِّاد ال يس‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫امل َح َّجة ‪َ :‬ال ْ ْ َ ُ ْ ُ َ َّ ُ ْ ُ ْ َ ُ َ َ ْ‬ ‫َْ‬
‫يد ؛ ف ِّإ َّن َهذا ِّف ْع ُل أ ْه ِّل ال َج ْه ِّل َواأل ْه َو ِّاء ك ْيف َوالق ْو ُل ِّب َت ْح ِّر ِّيم ذ ِّل َك ِّفي َهذا‬ ‫َّ ْ‬
‫ض التق ِّل ِّ‬‫اإلنكار املجرد املست ِّند إلى مح ِّ‬‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الت ِّاب ِّع َين‬
‫ص َحابه َو َّ‬ ‫َّللا َع َل ْيه َو َس َّل َم َوملَا ُعل َم م ْن َحال َأ ْ‬‫ص َّلى َّ ُ‬
‫ف ملَا ُعل َم م ْن ُس َّنة َر ُسول ََّّللا َ‬ ‫َّ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ ٌ َ ٌ ًّ ُ َ ٌ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الزم ِّان وقبله قول ض ِّعيف ِّجدا مخ ِّال ِّ ِّ ِّ‬
‫َ‬
‫ل ُه ْم ِّب ِّإ ْح َس ِّان"‬
‫فكذلك من يأتي بكالم بعض املعاصرين ويريد أن يجعله حجة قاطعة على من أخذ بكالم السلف هو فاعل لفعل أهل الجهل‬
‫واألهواء ففي حال الخالف ال يكون قول العالم على العالم حجة إال ببينة‪ ،‬فكيف إذا كان العالم املرجح قوله هو ُ‬
‫أعلم ُّ‬
‫وأجل‬
‫وأقدم ُ‬
‫وأورع فمن في عصرنا يقارن بأحمد ابن حنبل أو سفيان الثوري أو األوزاعي؟‬ ‫ُ‬

‫املقدمة العلمية الرابعة‪ :‬اإلجماعات ال تتعارض‬

‫قال شيخ اإلسالم في اقتضاء الصراط املستقيم (‪ ": )169 /2‬أنه من املمتنع أن تتفق األمة على استحسان فعل لو كان حسنا‬
‫لفعله املتقدمون ‪ ،‬ولم يفعلوه ‪ ،‬فإن هذا من باب تناقض اإلجماعات ‪ ،‬وهي ال تتناقض ‪ ،‬وإذا اختلف فيه املتأخرون‬
‫فالفاصل بينهم ‪ :‬هو الكتاب والسنة ‪ ،‬وإجماع املتقدمين نصا واستنباطا"‬
‫وعلى هذا إذا رأينا من ادعى اإلجماع على جرح أبي حنيفة كما ادعاه ابن أبي داود وحرب الكرماني وابن عبد البر وابن الجوزي‬
‫_ وسيأتي ذكر نصوصهم _ كان من املمتنع إذا صححنا هذا اإلجماع أن ينعقد إجماع على خالف هذا اإلجماع وإجماع‬
‫ً‬
‫املتقدمين مقدم على إجماع املتأخرين _الذي يكون متوهما في العادة ‪.‬‬

‫املقدمة العلمية الخامسة‪ :‬األقوال ال تموت بموت أصحابها‬

‫قال ابن عثيمين في شرحه على منظومة القواعد‪ ":‬س‪ :‬هذا يقول‪ :‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هل من املمكن أن يكون هناك إجماع في‬
‫هذا الزمان؟ وكيف يكون ذلك؟‬
‫ج‪ :‬اإلجماع ال يكون في هذا الزمان إذا كان هناك خالف سابق؛ ألنه ال إجماع مع خالف سابق‪ ،‬فإذا اختلفت األمة على قولين‪،‬‬
‫ثم أجمع املتأخرون على أحد القولين‪ ،‬فإن ذلك ال يعد إجماعا؛ ألن األقوال ال تموت بموت قائليها‪ ،‬وعلى هذا فال ُيتصور‬
‫ورود هذا السؤال لعدم إمكانه‪ .‬نعم"أ‪.‬ه‪.‬‬
‫والقول بأن اإلجماع انعقد بعد املائة الفالنية على تعديل شخص أو جرحه إنما يبنى على القول بإمكان انعقاد إجماع ملزم‬
‫بعد خالف قديم بغير نص واضح‪ ،‬وهذا القول خالفه جمع من العلماء وهذا تقرير ابن عثيمين أمامك وكذلك خالفه شيخ‬
‫َّ َ َ َ‬ ‫َ َ ُْ ُ ْ َ‬
‫ف ف ِّإ َّن ُه ال ُي ْم ِّك ُن‬
‫اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬قال شيخ اإلسالم في الفرقان بين الحق والباطل ص‪ِّ ": 10‬ب ِّخال ِّف ما يع َرف ِّمن ِّنز ِّاع السل ِّ‬
‫َ ْ ُ َ َ َّ ُ َ ُ ْ ْ َ َ َّ َ ُ َ ُّ َّ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ ُ َ َ َ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ْ َ‬
‫اع ‪ .‬ف ِّمث ُل َهذا َم ْب ِّني‬ ‫ص و ِّإذا ِّقيل ‪ :‬قد أجمع الت ِّابعون على أح ِّد قولي ِّهم فارتفع ِّ‬
‫النز‬ ‫اإلجم ِّاع و ِّإنما يرد ِّبالن ِّ‬ ‫أن يقال ‪ :‬إنه ِّخالف ِّ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ ْ َ َ‬ ‫َع َلى ُم َقد َم َت ْين‪ْ " :‬‬
‫إح َد ُاه َما " ال ِّعل ُم ِّبأ َّن ُه ل ْم َي ْب َق ِّفي األ َّم ِّة َم ْن َي ُقو ُل ِّبق ْو ِّل اآلخ ِّر َو َهذا ُم َت َع ِّذ ٌر‪.‬‬ ‫ِّ ِّ‬

‫‪4‬‬
‫اع ْاملُ َت َأخر َ‬
‫اع ال َّس َلف ُي ْمك ُن ْال َق ْو ُل به َإذا َكا َن َم َع ُه ُح َّج ٌة؛ ْإذ َع َلى خ َالفه‪َ ،‬ون َز ُ‬ ‫ور َفن َز ُ‬ ‫َّ َ ُ َ َّ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ ْ‬
‫ين‬ ‫ِِّّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫النزاع َمش ُه ٌ ِّ‬ ‫الثا ِّنية " أن ِّمثل هذا هل يرفع ِّ‬
‫َّ َ َ َ ٌ َ ْ‬
‫ف خطأ قط ًعا‪َ .‬و "‬ ‫ل‬‫لس‬ ‫ا‬ ‫اع‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫وص َع َلى خ َالفه َو ُم َخ َال َف ُة ْ‬
‫إج‬ ‫ُ‬ ‫ص‬ ‫اع َع َلى خ َالفه َك َما َد َّل ْت ُّ‬
‫الن ُ‬ ‫َال ُي ْمك ُن َأل َّن َكث ًيرا م ْن ُه َق ْد َت َق َّد َم ْاإل ْج َم ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫َّ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َّ َ ُ َ َ ُ َّ َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ َ ْ ٌ ُ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ َ ُ ُ َ َ ْ َ َ َْ‬ ‫ٌ‬ ‫َْ ً ََ ْ َْ َ َ ْ ََ‬
‫الد ِّين إال وقد تكلم ِّفيها السلف فال بد أن يكون لهم قول يخ ِّالف ذ ِّلك القول أو يوا ِّفقه وقد بسطنا‬ ‫أيضا " فلم يبق مسألة ِّفي ِّ‬
‫َ َ َْ‬
‫ِّفي غ ْي ِّر َهذا امل ْو ِّض ِّع"‬
‫ً‬
‫وكالم شيخ اإلسالم واضح في أنه قد يقال بالقول املروي عن السلف وإن لم تعلم قائال به من الخلف ألن الخلف يتعذر جمع‬
‫ً‬
‫كالمهم أصال فدعوى إجماعهم بعيدة‪ ،‬وهذا واضح في منهج شيخ اإلسالم العلمي فإنه قد ذهب إلى جواز التسري باإلماء‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املشركات مخالفا بذلك للمذاهب األربعة املشهورة ومتابعا لطاووس التابعي‪ ،‬وقوله في الطالق معروف‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وعندنا من املعاصرين األلباني قال في الذهب املحلق قوال ادعى أن سلفه فيه أبو هريرة _ والصواب أنه ليس سلفا له _‬
‫وكذا قال في االعتكاف بقول اشتهر هجره عن املسلمين منذ قرون‪ ،‬وإنما قال به متابعة للمروي عن حذيفة ابن اليمان‪،‬‬
‫ويا ليت شعري من يقول (انعقد اإلجماع بعد املائة السابعة) هل وقف على كل املؤلفات بعد املائة السابعة ثم بعد وقوفه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عليها قرأها حرفا حرفا فما وجد فيها من يوافق شيئا من نصوص السلف في الرجل؟‬
‫ً‬
‫هذا متعذر جدا كما قال شيخ اإلسالم‪ ،‬وعليه من قال بقول سفيان واألوزاعي وابن املبارك ومالك وأحمد وغيرهم في أبي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حنيفة ال ينبغي إظهاره بصورة مخالف اإلجماع‪ ،‬ألن هناك قوال قديما فكيف إذا كان هذا القول القديم قد ادعي عليه‬
‫اإلجماع! فكيف إذا لم يكن هناك إجماع من املعاصرين أو املتأخرين فهذا مقبل الوادعي له كتاب مستقل في املسألة اسمه (‬
‫نشر الصحيفة )‪ ،‬فحتى لو رجح مرجح التعديل لم يجز له تضليل الجارح الذي اعتمد على اجتهاد سائغ من عالم معتبر‬
‫فكيف بقرابة املائة عالم‪ ،‬وإذا كانت صدورنا قد اتسعت ألهل الرأي مع كل مخالفاتهم للسنن وكل ما قال أئمة اإلسالم فيهم‬
‫ً‬
‫واتسعت للمرجئة مع مخالفتهم للكتاب والسنة اإلجماع فأدخلناهم في أهل السنة وجئنا إلى رجل من كبارهم فجعلناه إماما‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫في السنة أفال تتسع صدرونا ملن جرح أبا حنيفة ولم يخالف كتابا وال سنة وال إجماعا بل وافق أئمة أعالما نحن نقر بأنهم‬
‫أجل من ذلك الرجل الذي ينافح عنه بعضنا ‪ ،‬وإذا كان أئمة أهل السنة قد تكلموا في ذلك الرجل حمية على السنة ومن لم‬
‫ً‬
‫يوافقهم يعتذر لهم بذاك فلم ترتفع الحمية من األرض فال زال في املسلمين بقية ‪ ،‬وباب االعتذار ألهل السنة ال زال مفتوحا‪.‬‬

‫املقدمة العلمية السادسة‪ :‬أئمة الجرح والتعديل قولهم مقبول في الرواية والعقائد‬

‫من القواعد الخبيثة التي ظهرت في هذا العصر قول بعضهم أن قواعد الجرح والتعديل ال تطبق عند الكالم على عقائد‬
‫الناس‪ ،‬وأن أئمة الجرح والتعديل إنما يتكلمون في أمور الرواية ال شأن لهم في أمر العقيدة‪ ،‬وهذا باطل وفي مسألتنا‬
‫ً‬
‫املبحوثة هنا أستغرب من عدد الباحثين قبولهم كالم األئمة في حديث أبي حنيفة تسليما لنقدهم في هذا الباب وتركهم‬
‫للكالم في عقيدته مع أن املتكلم في هذا وذاك واحد ِّفل َم يقبل كالمه هذا ويترك في ذاك؟‬

‫‪5‬‬
‫وهذه املقدمات العلمية نبهت عليها ألن عامة من يبحث في هذه املسألة يتجاهلها بشكل غريب‪ ،‬مع أنه ربما لو بحث مسألة‬
‫أخرى لرأيته يقول بها‪.‬‬
‫وقبل الشروع في البحث أود أن أذكر عدة كلمات أرجو أن تكون منك على ذكر طوال البحث‪:‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َْ ْ َ‬ ‫َ‬


‫اس َت َج ُازوا الط ْع َن َعلى أ ِّبي َح ِّن َيفة ِّل َر ِّد ِّه ك ِّث ًيرا‬
‫يث ْ‬ ‫الكلمة األولى ‪ :‬قال ابن عبد البر في االنتقاء (‪ ": )149/1‬ك ِّث ٌير ِّمن أه ِّل الح ِّد ِّ‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ ْ ُ َ َّ ُ َ َ ْ َ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫يث َو َم َعا ِّني ال ُق ْر ِّآن ف َما شذ َع ْن ذ ِّل َك‬ ‫ِّمن أخ َب ِّار اآلحا ِّد ال ُعدو ِّل ألنه كان َيذه ُب ِّفي ذ ِّلك ِّإلى ع ْر ِّض َها على َما اجت َم َع عل ْي ِّه ِّمن األح ِّاد ِّ‬
‫الس َّنة اإل َيم ُ‬ ‫ال م ْن َأ ْهل ُّ‬ ‫َ ً َُ َ ْ َ‬ ‫الص َ َ ْ َ َ ُ َ‬ ‫ات م َن َّ‬ ‫َّ ُ َ َ ُ َ ًّ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ً َ ُ ُ َّ َ ُ‬
‫ان‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الة وغي ِّرها ال تس َّمى ِّإيمانا وك ُّل من ق َ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َرده وس َّماه شاذا وكان مع ذ ِّلك أيضا يقول الطاع ِّ‬
‫َ َ‬ ‫َْ ٌ َ َ َ ٌ ُْ ُ َ َ َ‬
‫ون ق ْول ُه َو ُي َب ِّد ُعون ُه ِّبذ ِّل َك "‬‫قول وعمل ين ِّكر‬
‫فهذا نقل إجماع على التبديع بلفظ التبديع الصريح فهو يقول ( كل ) ويقول ( يبدعونه )‪.‬‬

‫الكلمة الثانية‪ :‬قال حرب الكرماني في عقيدته‪ ":‬هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب األثر وأهل السنة املعروفين بها املقتدى بهم‬
‫شيئا من هذه املذاهب‪ ،‬أو طعن‬‫فيها‪ ،‬وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف ً‬

‫فيها‪ ،‬أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق‪ ،‬وهو مذهب أحمد وإسحاق بن‬
‫إبراهيم بن مخلد‪ ،‬وعبد هللا بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور‪ ،‬وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم فكان من‬
‫قولهم"‬
‫فهنا ينقل إجماع أهل العلم في عصره‪ ،‬ثم قال في عقيدته ‪ ":‬وأصحاب الرأي‪ :‬وهم مبتدعة ُّ‬
‫ضالل أعداء السنة واألثر يرون‬
‫ً‬
‫واستحسانا‪ ،‬وهم يخالفون اآلثار‪ ،‬ويبطلون الحديث‪ ،‬ويردون على الرسول‪ ،‬ويتخذون أبا حنيفة ومن قال‬ ‫ً‬
‫وقياسا‬ ‫الدين ر ًأيا‬
‫بقوله ً‬
‫إماما يدينون بدينهم‪ ،‬ويقولون بقولهم فأي ضاللة بأبين ممن قال بهذا أو كان على مثل هذا‪ ،‬يترك قول الرسول‬
‫وردا"‪ ،‬فهذا إجماع آخر‬ ‫ً‬
‫وطغيانا ً‬ ‫وأصحابه ويتبع رأي أبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬فكفي بهذا ً‬
‫غيا‬

‫الكلمة الثالثة ‪ :‬قال ابن الجوزي في املنتظم (‪ ": )23/3‬وبعد هذا فاتفق الكل على الطعن فيه _ يعني أبا حنيفة _ ‪ ،‬ثم‬
‫انقسموا على ثالثة أقسام‪ :‬فقوم طعنوا فيه ملا يرجع إلى العقائد و الكالم في األصول‪ .‬وقوم طعنوا في روايته وقلة حفظه‬
‫وضبطه‪ .‬وقوم طعنوا لقوله الرأي فيما يخالف األحاديث الصحاح" فهذا نقل إجماع على الطعن ينقله حافظ واسع االطالع‬
‫ً‬
‫جدا وهو ابن الجوزي‪.‬‬

‫سمعت ْابن أبي َدا ُود َي ُقول الوقيعة ِّفي أبي حنيفة إجماع من العلماء‬
‫ُ‬ ‫الكلمة الرابعة ‪ :‬قال ابن عدي في الكامل (‪": )241/8‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ألن إمام البصرة أيوب السختياني وقد تكلم فيه وإمام الكوفة الث ْوري وقد تكلم فيه وإمام الحجاز َم ِّالك وقد تكلم فيه وإمام‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫مصر الل ْيث ْبن سعد وقد تكلم فيه وإمام الشام األ ْوز ِّاعي وقد تكلم فيه وإمام خراسان َعبد َّللا ْبن امل َبارك وقد تكلم فيه‬
‫ال" فهذا إجماع رابع‪.‬‬ ‫فالوقيعة فيه إجماع من العلماء في جميع األفاق أو كما َق َ‬
‫ِّ‬

‫‪6‬‬
‫الكلمة الخامسة‪ :‬قال املعلمي في التنكيل (‪ ": )391/1‬وزعمه أن الحكاية موضوعة مجازفة منه وكالم أئمة السنة في ذلك‬
‫العصر في قول أبي حنيفة متواتر حق التواتر"‪ ،‬فهذا رجل واسع االطالع يدعي تواتر ذم األئمة لرأي أبي حنيفة‬

‫الكلمة السادسة‪ :‬قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ :335‬حدثني أبو الفضل‪ ،‬حدثني أسود بن سالم‪ ،‬قال‪ :‬إذا جاء األثر‬
‫ألقينا رأي أبي حنيفة وأصحابه في الحش ‪ ،‬ثم قال لي أسود‪ :‬عليك باألثر فالزمه أدركت أهل العلم يكرهون رأي أبي حنيفة‬
‫ويعيبونه‪.‬‬
‫ً‬
‫أسود بن سالم أدرك سفيان بن عيينة وحماد بن زيد وغيرهم وكان معروفا بالخير فهذا نقل اتفاق آخر‪.‬‬
‫نقلت هذه الكلمات ليذوب ما في قلوب الكثيرين ممن قد يطلعون على هذا البحث من الفكرة املسبقة تجاه آثار السلف في‬
‫ذم هذا الرجل ‪ ،‬وليعلموا أن الطرف اآلخر عنده أدلته وإجماعاته واآلن لنعتبرها مسألة خالفية ونبحثها كما تبحث كل‬
‫ً‬
‫مسألة خالفية ولنبدأ أوال بذكر أسباب جرح أبي حنيفة عند من جرحه ‪ ،‬ثم نتبع ذلك بأقوال املعدلين له ونناقش أقوال‬
‫الفريقين ثم بعد ذلك نخلص إلى النتائج‪-:‬‬

‫أسباب جرح أبي حنيفة‬


‫السبب األول‪ :‬الحط على النبي صلى هللا عليه وسلم‬

‫قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ :265‬حدثني إبراهيم‪ ،‬ثنا أبو صالح محبوب بن موس ى الفراء‪ ،‬عن يوسف بن أسباط‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال أبو حنيفة‪ :‬لو أدركني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ألخذ بكثير من قولي‪.‬‬
‫أحمد بن علي األبار عند الخطيب في تاريخه ‪ ،‬وأسند‬ ‫ُ‬ ‫عبد هللا بن أحم َد‬ ‫وهذا إسناد قوي إلى يوسف بن أسباط وقد تابع َ‬
‫َ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ال‪ :‬أخ َب َرنا أ ْح َمد‬ ‫الخطيب هذا الخبر عن يوسف من سند آخر‪ ،‬قال الخطيب في تاريخ بغداد (‪ : )530 /15‬أخ َب َرنا ابن رزق‪ ،‬ق‬
‫َ‬
‫ال‪َ :‬ح َّدث َنا محبوب بن موس ى‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ال‪َ :‬ح َّد َث َنا َأ ْح َمد بن علي األبار‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪َ :‬ح َّد َث َنا إبراهيم بن سعيد‪َ ،‬ق َ‬ ‫بن جعفر بن سلم‪َ ،‬ق َ‬
‫َّ‬ ‫َ َّ َّ ُ َ‬ ‫َ‬
‫َّللا َعل ْي ِّه َو َسل َم وأدركته ألخذ بكثير من قولي‪.‬‬ ‫سمعت يوسف بن أسباط‪ ،‬يقول‪ :‬قال أ ُبو حنيفة‪ :‬لو أدركني رسول هللا صلى‬
‫أخبرني علي بن أحمد الرزاز قال‪ :‬أخبرنا علي بن محمد بن سعيد املوصلي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسن بن الوضاح املؤدب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ َّ َّ ُ َ‬
‫َّللا َعل ْي ِّه َو َسل َم أو‬ ‫حدثنا املسيب بن واضح قال‪ :‬حدثنا يوسف بن أسباط‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو حنيفة‪ :‬لو أدركني رسول هللا صلى‬
‫أدركته ألخذ بكثير من قولي‪.‬‬
‫وللمدافعين عن أبي حنيفة في مقابل هذا األثر مسلكان‪:‬‬
‫املسلك األول‪ :‬مسلك التضعيف والطعن في يوسف بن أسباط‪،‬‬
‫وهذا مسلك غير مقبول فإنه زاهد معروف وإنما يخطئ في املرفوع وأما خبر يرويه عن أبي حنيفة مباشرة فهذا يبعد فيه‬
‫ً‬
‫الخطأ‪ ،‬وسبب دخول الوهم على يوسف بن أسباط أنه دفن كتبه وأما هذا الخبر فواضح أنه تلقاه سماعا‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫املسلك الثاني‪ :‬تأويل هذا الخبر بأن أبا حنيفة يعني أنه لو كان في عصر النبي صلى هللا عليه وسلم لكانت السنة تأتي بموافقة‬
‫قوله ألن قوله هو القياس والسنة ال تخالف القياس‪ ،‬وهذا التأويل ال يخرج العبارة عن شناعتها فظاهرها باطل واأللفاظ‬
‫التي يظهر منها إيهام الباطل تنكر على قائلها كما أنكر النبي صلى هللا عليه وسلم قول الصحابي ( ما شاء هللا وشئت )‪ ،‬ثم إن‬
‫العبارة حتى مع هذا التأويل ال زالت شنيعة إذ كيف يجزم بأن رأيه الذي ال يعرف فيه سنة هو قول النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم والسنة حتى عند أهل الرأي قد تأتي بخالف القياس‪ ،‬والقياس إنما هو ظن في أكثره ناش ئ عن نظر الفقيه لعله ‪ ،‬وقد‬
‫تكون هناك علة أخرى خفيت عليه شبه الحكم املقيس أقوى‪ ،‬وإيراد عبد هللا بن أحمد وهو اإلمام ابن اإلمام لهذه العبارة في‬
‫فصل عقده لثلب هذا الرجل ‪ ،‬يدل على أنه يستشنع العبارة‪.‬‬

‫السبب الثاني من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬السخرية من السنة‬

‫قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ :315‬حدثنا محمد بن هارون‪ ،‬نا أبو صالح ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت الفزاري ‪ ،‬يقول حدثت أبا حنيفة‬
‫‪ ،‬بحديث عن النبي صلى هللا عليه وسلم في رد السيف فقال هذا حديث خرافة ‪.‬‬
‫وقال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 269‬حدثني إبراهيم ‪ ،‬ثنا أبو توبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق الفزاري ‪ ،‬قال حدثت أبا حنيفة ‪ ،‬عن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بحديث في رد السيف فقال ‪ :‬هذا حديث خرافة " وهذا خبر ثابت‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ ُ َ َّ ْ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫ً‬
‫ص َمة ْب ُن ُم َح َّم ٍد قاال نا‬ ‫وقال ابن عبد البر في االنتقاء نقال عن الساجي ص‪ ": 151‬وحدثنا س ِّعيد بن محم ِّد ب ِّن عم ٍرو و ِّع‬
‫ال ُق ْل ُت َألبي َحن َيف َة َناف ٌع َعن ْابن ُع َم َر َأ َّن َّ‬
‫الن ِّب َّي‬ ‫األ ْس َو ِّد َعن بشر بن ْالفضل َق َ‬ ‫َ َ َ َُ َ ْ ْ ُ َ َ‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫العظي‬ ‫عبد‬ ‫بن‬ ‫اس‬ ‫ْال َع َّ‬
‫ب‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ود ًّيا َرضخ َرأ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ْ َّ َ َ َ‬
‫س‬ ‫س أن َي ُه ِّ‬ ‫َ‬
‫علي ِّه السالم قال (البيعان ِّبال ِّخي ِّار مالم يفترقا اال بيع ال ِّخيار) قال هذا ِّرجز‪ ،‬فقلت ‪ -‬قتادة عن أن ٍ‬
‫ان" ورجاله ثقات إال شيخي الساجي ما عرفتهما‬ ‫ال َه َذا َه َذ َي ٌ‬‫الم َ ْرأ َس ُه َب ْي َن َح َج َرْين‪َ -‬ف َق َ‬‫الس ُ‬‫النب ُّي َع َل ْي ِّه َّ‬‫ض َخ َّ‬‫َجارَي ًة َب ْي َن َح َج َرْين َف َر َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ً‬
‫وللخبر سند آخر إلى العباس عند الخطيب فيه ابن عقدة وهو متهم بالكذب‪ ،‬وقد أورد ابن حبان أخبارا عديدة عن أبي‬
‫حنيفة في هذا الباب في كتابه املجروحين عامتها نحتاج إلى النظر في أسانيدها وهللا يحب اإلنصاف‪ ،‬وقال عبد هللا بن أحمد في‬
‫السنة ‪ : 448‬حدثني أبو الحسن بن العطار محمد بن محمد سمعت أحمد يعني ابن شبويه ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت وكيعا ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫قال أبو حنيفة البن املبارك ‪ :‬ترفع يديك في كل تكبيرة كأنك تريد أن تطير ؟ فقال له ابن املبارك ‪ :‬إن كنت أنت تطير في األولى‬
‫فإني أطير فيما سواها ‪ .‬قال وكيع جاد ما حاجه ابن املبارك مرة أو مرتين ‪ ،.‬وقال البيهقي في الكبرى ‪ : 2371‬أخبرنا أبو عبد‬
‫هللا الحافظ أنبأ الحسن بن حليم الصائغ بمرو ثنا أبو املوجه أخبرني أبو نصر محمد بن أبي الخطاب السلمي وكأن رجال‬
‫صالحا قال أخبرني علي بن يونس ثنا وكيع قال ‪ :‬صليت في مسجد الكوفة فإذا أبو حنيفة قائم يصلي وابن املبارك إلى جنبه‬
‫يصلي فإذا عبد هللا يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع وأبو حنيفة ال يرفع فلما فرغوا من الصالة قال أبو حنيفة لعبد هللا يا أبا‬
‫عبد الرحمن رأيتك تكثر رفع اليدين أردت أن تطير‪ ،‬فقال له عبد هللا ‪،‬يا أبا حنيفة قد رأيتك ترفع يديك حين افتتحت‬

‫‪8‬‬
‫الصالة فأردت أن تطير فسكت أبو حنيفة قال وكيع فما رأيت جوابا أحضر من جواب عبد هللا ألبي حنيفة" وهذا من أبي‬
‫حنيفة سخرية منه بالسنة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإن قيل‪ :‬قد ال يعلم أنها سنة فيقال‪ :‬فهال سأل قبل أن يسخر وهو يرى إماما معروفا يفعل ذلك‪ ،‬ثم ملاذا بلغت السنة ابن‬
‫املبارك ولم تبلغ أبا حنيفة وهما مجتمعان في مكان واحد وهذه السنة متواترة وملاذا لم يرجع أبا حنيفة بعد جواب ابن‬
‫املبارك هذا؟‬
‫وقال مقبل الوادعي في نشر الصحيفة‪( - 43 ":‬عبد الوارث بن سعيد التنوري)‬
‫* قال عبد هللا رحمه هللا (ج‪1‬ص‪ :)226‬ثنا أبو الفضل ثنا مسلم بن إبراهيم نا عبد الوارث بن سعيد قال نا سعيد قال‪:‬‬
‫ً‬
‫جلست إلى أبي حنيفة بمكة فذكر شيئا فقال له رجل‪ :‬روى عمر بن الخطاب رض ي هللا عنه كذا وكذا قال أبو حنيفة‪ :‬ذاك‬
‫قول الشيطان‪ ،‬وقال له آخر أليس يروى عن رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم‪« :‬أفطر الحاجم واملحجوم»‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫هذا سجع فغضبت وقلت‪ :‬إن هذا مجلس ال أعود إليه فمضيت وتركته"‬
‫وقد جرحه بالسخرية من السنة أبو زرعة الرازي‪ ،‬قال أبو زرعة الرازي كما في سؤاالت البرذعي وهو يتحدث عن أبي حنيفة‬
‫(‪ ": )719 /2‬ويقول ‪ :‬القرآن مخلوق ويرد على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ويستهزئ باآلثار ويدعو إلى البدع والضالالت ثم‬
‫يعني بحديثه ما يفعل هذا إال غبي جاهل أو نحو ما قال" وهذا جرح ال يمكن دفعه في الحقيقة إال باملكابرة إذ لم يحك عنه‬
‫رجوع عن ذلك‪ ،‬وقد كفره أبو زرعة بهذا فقال ‪ ":‬وذكر أحاديث قد أوهم فيها وأنكرها من رواياته ثم قال لي من قال القرآن‬
‫مخلوق فهو كافر ‪-‬فيعني بما اسند الكفار‪ ،"-‬ويعني بالكفار أبو حنيفة ورجل آخر معه‪ ،‬وهذا تكفير من أبي زرعة ألبي حنيفة‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ ُّ‬
‫وكذا قول مالك ( ليس من أهل الدين) يفيد هذا املعنى‪ ،‬قال ابن عبد البر في االنتقاء ص‪ ": 150‬وذكر الس ِّاجي ِّفي ِّكت ِّ‬
‫اب‬
‫َ‬ ‫َ ْ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُّ َّ ْ َ َ ُ َ ُ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫اب أ ِّبي َح ِّن َيفة‬ ‫حنيفة أنه استتيب في خل ِّق القر ِّآن فتاب والس ِّاجي ِّممن كان ينا ِّفس أصح‬ ‫ال ِّعل ِّل ل ُه في َباب أبى‬
‫َ َ‬
‫الم ِّه ف َهذا‬ ‫ف في إ ْ‬
‫س‬
‫َْ ٌ ََ ُْ َ‬
‫ل‬ ‫ت‬ ‫اخ‬ ‫د‬ ‫ق‬‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ث‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ان ْب ُن َثاب ٍت َأ ُبو َحن َيف َة ُج ُّل َ‬
‫ح‬ ‫الض َع َفاء َو ْاملَ ْت ُروك َين ُّ‬
‫الن ْع َم ُ‬ ‫ال ْاب ُن ْال َج ُارود في ك َتابه في ُّ‬
‫َو َق َ‬
‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫َ ْ ُ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َّ َ‬
‫التأ ُّم َل َما ِّف ِّيه"‬ ‫و ِّمثله ال يخفي على من أحسن النظر و‬
‫ً‬
‫ما قاله ابن الجارود صحيح سليم في االختالف في إسالمه ولم يصنع ابن عبد البر شيئا سوى الدفع بالصدر على عادته في‬
‫ً‬
‫كتابه املذكور‪ ،‬وأما االستتابة من الكفر فحادثة متواترة تاريخيا ردها مجازفة باردة‪.‬‬

‫السبب الثالث من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬رد سنة النبي صلى هللا عليه وسلم‬

‫وكثير من الناس يقول في أبي حنيفة أنه لم تبلغه األدلة لذا خالف السنة‪ ،‬وهذا القول يحتاج إلى وقفة فإن سفيان الثوري‬
‫قرين أبي حنيفة لم يسجل عليه تلك املخالفات للسنة وما من فقيه إال وله مخالفات للسنة ألنها لم تبلغه فلماذا أولع الناس‬
‫في أبي حنيفة ال بد من أمر زائد‪ ،‬قال ابن الجوزي في املنتظم (‪ ": )26/3‬وقد كان بعض الناس يقيم عذره ويقول‪ :‬ما بلغه‬
‫الحديث‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫وذلك ليس بش يء لوجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه ال يجوز أن يفتي من يخفي عليه أكثر األحاديث الصحيحة‪ .‬والثاني‪ :‬أنه كان إذا أخبر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫باألحاديث املخالفة لقوله لم يرجع عن قوله" وكالم ابن الجوزي هذا قوي جدا خصوصا أنه قد ثبت عنه السخرية من بعض‬
‫األخبار‪ ،.‬وقد أثبت عليه رد السنة اإلمام األوزاعي وهو معاصر له‪ ،‬قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 202‬حدثني محمد بن‬
‫هارون أبو نشيط ‪ ،‬ثنا أبو صالح الفراء ‪ ،‬سمعت الفزاري يعني أبا إسحاق ‪ ،‬قال ‪ :‬قال لي األوزاعي ‪ :‬إنا لننقم على أبي حنيفة‬
‫أنه كان يجيء الحديث عن النبي صلى هللا عليه وسلم فيخالفه إلى غيره ‪.‬‬
‫َ ْ َ َ ْ ْ َ‬
‫وقد أثبت عليه رد السنة بعد بلوغها إليه اإلمام أحمد ابن حنبل‪ ،‬قال الخطيب في تاريخه (‪ : )176 /2‬أخ َب َرنا أ ُبو َبك ٍر ال َب ْرقا ِّن ُّي‬
‫ال َس ِّم ْع ُت عمي‪ -‬يعني‬ ‫ال ُقر َئ َع َلى إسحاق النعالي وأنا أسمع حدثكم عبد هللا ابن إسحاق املدايني قال نا حنبل ْبن إ ْس َحاق َق َ‬
‫َ َ‬
‫ِّ‬ ‫ق ِّ‬
‫أحمد بن حنبل‪ -‬يقول وكان يعقوب أبو يوسف متصفا في الحديث‪ ،‬فأما أبو حنيفة ومحمد بن الحسن فكانا مخالفين لألثر‪،‬‬
‫وهذان لهما رأي سوء‪ .‬يعني أبا حنيفة‪ ،‬ومحمد بن الحسن‪.‬‬
‫ً‬
‫وقوله (مخالفين لألثر) يعني بعد بلوغه وإال فأبو يوسف أيضا كان يخالف األثر إذا لم يبلغه بل وكل الفقهاء وقعوا في ذلك‪،‬‬
‫وقال كما في مسائل ابن هانيء ‪ ":1930‬تركنا أصحاب الرأي ‪ ،‬وكان عندهم حديث كثير ‪ ،‬فلم نكتب عنهم ‪ ،‬ألنهم معاندون‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َْ ْ َ‬ ‫َ‬
‫اس َت َج ُازوا الط ْع َن َعلى أ ِّبي‬‫يث ْ‬ ‫للحديث ‪ ،‬ال يفلح منهم أحد "‪ ،.‬قال ابن عبد البر في االنتقاء (‪ ": )149/1‬ك ِّث ٌير ِّمن أه ِّل الح ِّد ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ ْ ُ َ َّ ُ َ َ ْ َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫يث َو َم َعا ِّني ال ُق ْر ِّآن‬
‫ح ِّنيفة ِّل َر ِّد ِّه ك ِّث ًيرا ِّمن أخ َب ِّار اآلح ِّاد ال ُعدو ِّل ألنه كان َيذه ُب ِّفي ذ ِّلك ِّإلى ع ْر ِّض َها على َما اجت َم َع عل ْي ِّه ِّمن األح ِّاد ِّ‬
‫َ َ َ َّ َ ْ َ َ َ َّ ُ َ َ َّ ُ َ ًّ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ً َ ُ ُ َّ َ ُ َ َّ َ َ ْ َ َ ُ َ َّ َ ً َ ُ ُّ َ ْ َ َ َ‬
‫ال ِّم ْن أ ْه ِّل‬ ‫الة وغي ِّرها ال تسمى ِّإيمانا وكل من ق‬ ‫فما شذ عن ذ ِّلك رده وسماه شاذا وكان مع ذ ِّلك أيضا يقول الطاعات ِّمن الص ِّ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َْ ٌ َ َ َ ٌ ُْ ُ َ َ َ‬
‫ون ق ْول ُه َو ُي َب ِّد ُعون ُه ِّبذ ِّل َك "‪ ،‬فهؤالء خمسة من الحفاظ وهم األوزاعي وأحمد وابن الجوزي‬ ‫اإليمان قول وعمل ين ِّكر‬ ‫ُّ َّ‬
‫السن ِّة ِّ‬
‫وابن عبد البر وأبو زرعة _ وتقدم ذكر نصه _ يثبتون على هذا الرجل رد السنة بعد بلوغها إليه ‪ ،‬وأبو زرعة الرازي كان من‬
‫قوال على أبي حنيفة فقوله معتمد‪ ،‬وكون‬ ‫ً‬
‫أهل الرأي في أول أمره ‪ ،‬ولو روى عن أبي حنيفة لروى بواسطتين فقط فإذا أثبت‬
‫ً‬
‫أبي حنيفة كان له منهج خاص في قبول األخبار فليس هذا عذرا له فإنه لم يكن من أهل الحديث حتى يكون له منهجه ‪ ،‬ولو‬
‫ً‬
‫اعتذرنا له بمنهجه الشاذ للزمنا االعتذار للمعتزلة أيضا في منهجهم الشاذ‪ ،‬والعجيب أنه حتى بعد رد أبي حنيفة لألحاديث‬
‫ً‬
‫واستهزائه بها جاء من يعتذر له بأنه كان صدوقا والكذب انتشر في الكوفة لذا كان يرد األحاديث‪ ،‬وهذا عذر أقبح من ذنب‬
‫ً‬
‫_كما يقال_ فهذا معناه أنه تسلق سلم النقد وكذب الثقات وضعف األحاديث الصحيحة ولم يكن أهال لذلك لذا كثر غلطه‬
‫ً‬
‫بل كان يخرص خرصا وهو نفسه كان ضعيفا فكيف ينقد روايات غيره‪ ،‬ولو لم يصح عندك الحديث فهذا ال يبيح لك‬
‫السخرية منه ألنه قد يكون له طريق صحيح لم تقف عليه‪ ،‬وقد ثبتت سخرية أبي حنيفة من أحاديث رد السيف فهل هذه‬
‫لم يروها إال الكذابون؟‪ ،‬وهؤالء فقهاء الكوفة كالحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وسفيان الثوري‬
‫ً‬
‫الذي كان معاصرا ألبي حنيفة لم يؤثر عن أحد منهم تكذيب األحاديث الصحيحة والسخرية منها فلم أبو حنيفة وحده تفرد‬
‫بهذا؟ والكوفة كانت مألى بالثقات الحفاظ كشعبة وسفيان ومنصور واألعمش والحكم بن عتيبة وغيرهم كثير‪ ،‬وكان حديث‬
‫ابن مسعود وحذيفة وسلمان وعمار وسعد بن أبي وقاص كله عند أهل الكوفة‪ ،‬وملاذا ينكر وكيع على أبي حنيفة كثرة‬
‫مخالفة األحاديث ‪،‬الثابتة ووكيع كوفي ويعرف حال أهل الكوفة؟ ومن يعرف مذهب أبي حنيفة وكثرة االحتجاج بالواهيات‬
‫ً‬
‫فيه يعلم أن هذا العذر ليس قائما البتة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وابن أبي شيبة في املصنف عقد بابا في الرد على أبي حنيفة‪ ،‬وابن أبي شيبة كوفي وعامة السنن التي ذكرها مستدركا على أبي‬
‫حنيفة كوفية املخرج‪ ،‬ولو كانت هذه األعذار مستقيمة العتذر بها السلف ألبي حنيفة فهم أعدل الناس وأعذرهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا كنا نعتذر ملن يستهزئ بالسنة‪ ،‬فال يعظمن أبا حنيفة إلى درجة أننا ال نقبل عذر من جرحه متابعا ملن جرحه من العلماء‪،‬‬
‫ولو جاءتني بعض فتاوى أهل العلم التي ال أقبلها وقلت فيها (هذا رجز) و (هذا خرافة) هل سأجد من يعتذر لي؟‬

‫السبب الرابع من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬القول بخلق القرآن‬

‫وقد تقدم نص أبي رزعة في إثبات هذا القول على أبي حنيفة‪ ،‬قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪" : 215‬حدثني أبي ‪ ،‬ثنا شعيب‬
‫بن حرب ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت سفيان الثوري ‪ ،‬يقول ‪ :‬ما أحب أن أوافقهم على الحق ‪.‬‬
‫قلت ألبي رحمه هللا يعني أبا حنيفة ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬رجل استتيب في اإلسالم مرتين ‪ .‬يعني أبا حنيفة ‪.‬‬
‫قلت ألبي رحمه هللا‪ :‬كأن أبا حنيفة املستتيب ؟ قال ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫سمعت أبي رحمه هللا‪ ،‬يقول ‪ :‬أظن أنه استتيب في هذه اآلية { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } قال أبو حنيفة ‪ :‬هذا‬
‫مخلوق ‪ ،‬فقالوا له ‪ :‬هذا كفر فاستتابوه" وهذا إسناد صحيح ‪ ،‬واستتابة أبي حنيفة من الكفر متواترة وقد تأول عمرو بن‬
‫ً‬
‫عبد املنعم هذه االستتابة على استتابته من اإلرجاء ‪ ،‬وهذا تأويل فاسد إذ أن اإلرجاء ليس كفرا ‪ ،‬ولم يرد عن أحد من‬
‫ً‬
‫السلف أنه عرض شخصا على السيف من أجل اإلرجاء ‪ ،‬وملا هو بالذات من دون بقية املرجئة يستتاب ؟!‬
‫وقال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ " : 218‬حدثني عبيد هللا بن معاذ العنبري ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت أبي يقول ‪ :‬سمعت سفيان الثوري‬
‫‪ ،‬يقول ‪:‬استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين " وقال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 255‬حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي ‪ ،‬ثنا‬
‫هيثم بن جميل ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت لشريك بن عبد هللا استتيب أبو حنيفة ؟ قال ‪ :‬علم ذلك العواتق في خدورهن ‪.‬‬
‫وقال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 257‬حدثني هارون بن سفيان ‪ ،‬حدثني الوليد بن صالح ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت شريكا ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫استتيب أبو حنيفة من كفره مرتين من كالم جهم ومن اإلرجاء " وهذه الرواية تبطل تأويل عمرو عبد املنعم سليم لذا أعلها‬
‫بجهالة هارون بن سفيان والجواب ‪ :‬شيوخ عبد هللا بن أحمد ثقات إذ أنه لم يكن يكتب إال عمن أذن له فيه أبوه‬
‫قال ابن حجر في تعجيل املنفعة (‪ " :)15/1‬كان عبد هللا ابن أحمد ال يكتب إال عمن أذن له أبوه في الكتابة عنه وكان ال يأذن‬
‫له أن يكتب إال عن أهل السنة حتى كان يمنعه ان يكتب عمن أجاب في املحنة "‬
‫َ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َّ ْ ُ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َّ‬
‫ال‪ :‬س ِّمعت أبا ع ْب ِّد ِّ‬
‫َّللا‪،‬‬ ‫َّللا بن أحمد ب ِّن حنب ٍل‪ ،‬قال‪ :‬س ِّمعت هارون بن سفيان‪ ،‬ق‬ ‫وقال الخالل في السنة ‪ :810‬وأخبرنا عبد ِّ‬
‫ُ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫هللا َع َل ْي ِّه َو َس َّل َم‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ص َّلى ُ‬
‫ص َحاب َر ُسول ََّّللا َ‬ ‫يث َّالتي ف َيها ِّذ ْك ُر َأ ْ‬
‫َ ُ ُل َ َ َ َ َ ْ َ َ َ‬
‫ال‪َ :‬ه ِّذ ِّه أ َح ِّاديث امل ْوتى‪.‬‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫يقو ‪ :‬وذكر ه ِّذ ِّه األح ِّاد‬
‫فعبد هللا يروي عن أبيه بواسطته وال يرض ى عبد هللا أن يجعل بينه وبين أبيه إال الثقات‬
‫وقال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 284‬حدثني أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ‪ ،‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا‬
‫شريك ‪ ،‬وحسن بن صالح ‪ :‬أنهما شهدا أبا حنيفة وقد استتيب من الزندقة مرتين‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وقال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 301‬حدثني أبي رحمه هللا ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت ابن عيينة ‪ ،‬يقول ‪ :‬استتيب أبو حنيفة مرتين‪.‬‬
‫وقال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 319‬حدثنا موس ى األنصاري ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت أبا خالد األحمر ‪ ،‬يقول ‪ " :‬استتيب أبو حنيفة‬
‫من األمر العظيم مرتين " وهذه كلها أسانيد صحاح‪.‬‬
‫وقال عمرو بن عبد املنعم في ص‪ 18‬في الدفاع عن أبي حنيفة‪ ":‬وذكر الساجي‪ :‬قال‪ :‬حدثنا أبو حاتم الرازي‪ :‬حدثنا عباس بن‬
‫يس ى ْب ُن ُم َ‬
‫وس ى‬ ‫ِّ‬
‫آن َم ْخ ُلو ٌق َو ْ‬
‫اس َت َت َاب ُه ع َ‬ ‫يب َأ ُبو َح ِّن َيف َة َأل َّن ُه َق َ‬
‫ال ْال ُق ْر ُ‬ ‫اس ُت ِّت َ‬
‫عبد العظيم عن محمد بن يونس ‪ :‬إ َّن َما ْ‬
‫ِّ‬
‫قلت ‪ :‬محمد بن يونس لم أجد من ترجمه "‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬عافاك هللا من بلية العجلة ‪ ،‬محمد ابن يونس هو محمد بن حاتم بن يونس املصيص ي منسوب إلى جده ثقة عابد‬
‫وهو من شيوخ عباس بن عبد العظيم فالسند صحيح‪ ،‬ثم أورد ما روى أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (‪: )65/1‬فأخبرني محمد‬
‫بن الوليد قال‪ :‬سمعت أبا مسهر يقول‪ :‬قال سلمة بن عمرو القاض ي على املنبر‪ :‬ال رحم هللا أبا حنيفة‪ ،‬فإنه أول من زعم أن‬
‫القرآن مخلوق‪ ،‬وأعقبه بالطعن في سلمة بن عمرو بالجهالة ! وأن التوثيق الوارد في حقه في تاريخ دمشق ال يعتمد‬
‫ً‬
‫وهذا تناكد فالرجل يروي عنه أبو مسهر إمام أهل الشام وكان قاضيا واألصل فيمن يتولى مثل هذا املنصب العدالة في تلك‬
‫َ ْ َ‬
‫األزمان ‪ ،‬ولم يعقبوا على خبره بنقد‪ ،‬وقال الخطيب في تاريخه ‪ :36‬أخبرنا العتيقي‪ ،‬أخ َب َرنا جعفر بن ُم َح َّمد بن علي الطاهري‪،‬‬
‫َ‬
‫حدثنا أبو القاسم البغوي ‪ ،‬حدثنا زياد بن أيوب‪َ ،‬ح َّدث ِّني حسن بن أبي مالك‪ -‬وكان من خيار عباد هللا‪ -‬قال‪ :‬قلت ألبي‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫اض ي‪ :‬ما كان أ ُبو حنيفة يقول في القرآن؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬كان يقول القرآن مخلوق‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ .‬فأنت يا أبا يوسف؟‬ ‫يوسف الق ِّ‬
‫اض ي البرتي فقال لي‪ :‬وأي حسن كان وأي حسن كان؟! يعني الحسن بن‬
‫َْ‬ ‫َُ‬
‫فقال ال‪ .‬قال أبو القاسم‪ :‬فحدثت بهذا الحديث الق ِّ‬
‫َ‬
‫أبي مالك‪ .‬قال أ ُبو القاسم‪ :‬فقلت للبرتي هذا قول أبي حنيفة؟ قال‪ :‬نعم املش يءوم‪ .‬قال‪ :‬جعل يقول أحدث بخلقي" وطعن‬
‫عمرو بن عبد املنعم بهذا الخبر بحسن بن أبي مالك‪ ،‬وفاته أمران‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن حسن بن أبي مالك وصف في السند بأنه من خيار عباد هللا ‪ ،‬ومثل هذا يقبل في خبر مقطوع‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن البغوي نقل عن البرتي وهو فقيه حنفي تصديقه للخبر في مذهب أبي حنيفة‪ ،‬وإذا كان أبو يوسف والبرتي يثبتان‬
‫عليه القول بخلق القرآن فهذا يعارض نفي الطحاوي في عقيدته وقولهما مقدم‪ ،‬وقد اعتمد عمرو بن عبد املنعم ما أخرج‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ال النخعي‪َ :‬ح َّد َث َنا َأ ُبو َب ْكر املروذي َق َ‬
‫الخطيب في تاريخه (‪َ -32 : )274/13‬و َق َ‬
‫ال‪َ :‬س ِّم ْع ُت أ َبا َع ْبد َّللا أ ْح َمد ْبن حنبل َي ُقو ُل‪ :‬لم‬
‫الق ْرآن مخلوق"‪ ،‬النخعي هو علي بن محمد النخعي حنفي من أهل الرأي وثقه الخطيب‬ ‫يصح عندنا َأ َّن َأ َبا حنيفة َك َ‬
‫ان َي ُقو ُل ُ‬

‫وانفرد بعدة أخبار في مناقب أبي حنيفة ال يرويها إال هو ‪ ،‬ومنها هذا الخبر إذ ال يوجد في ش يء من الكتب هذه الرواية عن‬
‫أحمد إال من طريق هذا الرجل فهذا محل ريبة‪ ،‬وإذا خالفت روايته رواية عبد هللا ابن اإلمام أحمد رجحت رواية عبد هللا‪.‬‬
‫قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 215‬حدثني أبي ‪ ،‬ثنا شعيب بن حرب ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت سفيان الثوري ‪ ،‬يقول ‪ :‬ما أحب أن‬
‫أوافقهم على الحق ‪ .‬قلت ألبي رحمه هللا يعني أبا حنيفة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬رجل استتيب في اإلسالم مرتين يعني أبا حنيفة‪ ،‬قلت‬
‫ألبي رحمه هللا‪ :‬كأن أبا حنيفة املستتيب ؟ قال ‪ :‬نعم سمعت أبي رحمه هللا ‪ ،‬يقول ‪ :‬أظن أنه استتيب في هذه اآلية (‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) قال أبو حنيفة ‪ :‬هذا مخلوق ‪ ،‬فقالوا له ‪ :‬هذا كفر فاستتابوه‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وقد قال عمرو ( هذا الحكم ظني فال يعتمد )‪ ،‬واإلمام أحمد إنما شك في اآلية ولم يشك في أصل القصة وظن إمام حافظ‬
‫كاإلمام أحمد يساوي يقين غيره ‪ ،‬وقد تقدم معنا ما تواتر من أن الرجل استتيب من الكفر مرتين‪ ،‬ثم إن عجبي ال يكاد ينتهي‬
‫ممن يحتج بهذا الخبر في تاريخ بغداد ( يعني قول أحمد ) ويترك ما في تاريخ بغداد من قول أحمد‪ ،‬قال الخطيب في تاريخه ‪:94‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫أخ َب َرنا البرقاني‪ ،‬حدثني محمد بن العباس أبو عمرو الخزاز ‪َ ،‬ح َّدث َنا أ ُبو الفضل جعفر بن ُم َح َّمد الصندلي‪ -‬وأثنى عليه أبو‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عمرو جدا‪َ -‬ح َّدث ِّني املروذي أ ُبو بكر أ ْح َمد بن الحجاج سألت أبا عبد هللا‪ -‬وهو أ ْح َمد بن حنبل‪ -‬عن أبي حنيفة وعمرو بن‬
‫عبيد‪ .‬فقال‪ ":‬أبو حنيفة أشد على املسلمين من عمرو بن عبيد‪ ،‬ألن له أصحابا" وهذا إسناد صحيح‪.‬‬
‫فبما إنه قد ثبت عنه القول بخلق القرآن ‪ ،‬فهل ثبت عنه الرجوع ؟ قد أورد الخطيب عدة أخبار عنه في رد القول بخلق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫القرآن‪ ،‬قال الخطيب في تاريخه (‪َ : )516 /15‬فأ ْخ َب َرَنا ُم َح َّمد بن َأ ْح َمد بن رزق‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪َ :‬ح َّدث َنا َعلي بن أ ْح َمد بن ُم َح َّمد‬
‫الح َسن النرمقي‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ال‪َ :‬سم ْع ُت َأ ْح َمد بن َ‬ ‫الع َّطار بالري‪َ ،‬ق َ‬
‫الرازي َ‬ ‫َّ‬ ‫ان‬ ‫ال‪َ :‬ح َّد َث َنا َأ ُبو َع ْبد هللا ُم َح َّمد بن َش ْي َ‬
‫ب‬ ‫الق ْزويني‪َ ،‬ق َ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫الق ْرآن كالم هللا غير مخلوق‪.‬‬ ‫َسم ْع ُت الحكم بن بشير‪َ ،‬ي ُقو ُل‪َ :‬سم ْع ُت ُس ْف َيان بن َسعيد الثوري‪ ،‬والنعمان بن ثابت‪ ،‬يقوالن‪ُ :‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫النرمقي والرازي ما وجدت لهما ترجمة‪.‬‬
‫َ‬
‫ال‪َ :‬ح َّدث َنا‬ ‫الح َسن بن َأبي َع ْبد هللا السمناني‪َ ،‬ق َ‬ ‫وقال الخطيب في تاريخه َح َّد َث َنا ْال َقاض ي َأ ُبو َج ْع َفر السمناني‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪َ :‬ح َّد َث َنا َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ََ‬ ‫وسف‪َ ،‬ق َ‬ ‫َ‬
‫ال‪َ :‬ح َّد َث َنا شجاع الثلجي‪َ ،‬قا َل‪َ :‬ح َّد َث َنا ُم َح َّمد بن سماعة‪ ،‬عن أبي ُي ُ‬ ‫الح َس ْين بن رحمة الويمي‪َ ،‬ق َ‬ ‫ُ‬
‫ال‪ :‬ناظرت أبا حنيفة‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ال‪ُ :‬‬ ‫ال‪ :‬من َق َ‬ ‫ستة أشهر‪َ ،‬ح َّتى َق َ‬
‫الق ْرآن مخلوق ف ُه َو كافر" السمناني الثاني وابن رحمة ما وجدت لهما ترجمة‪.‬‬
‫َ‬
‫ال‪َ :‬ح َّدث َنا‬ ‫ال‪َ :‬ح َّد َث َنا َأ ْح َمد بن الصلت‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪َ :‬أ ْخ َب َرَنا الحريري‪َ ،‬أ َّن النخعي‪ ،‬حدثهم َق َ‬
‫قال الخطيب في تاريخه َأ ْخ َب َرَنا الخالل‪َ ،‬ق َ‬
‫الق ْرآن مخلوق ف ُه َو مبتدع‪ ،‬فال يقولن أحد بقوله‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫ال‪ُ :‬‬ ‫وسف‪ ،‬عن َأبي حنيفة‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪ " :‬من َق َ‬ ‫ب ْشر بن الوليد‪ ،‬عن َأبي ُي ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫يصلين أحد خلفه"‪ ،‬أحمد بن الصلت يضع األخبار في مناقب أبي حنيفة‬
‫ضا َع ْن بشر ْبن الحارث‪ ،‬ويحيى ْبن معين‪ ،‬وعلي ابن املديني‪ ،‬أخبارا جمعها بعد أن صنعها ِّفي مناقب‬ ‫قال الخطيب ‪ ":‬ويحكى َأ ْي ً‬
‫َ‬
‫أ ِّبي حنيفة"‪ ،‬وقال البيهقي في األسماء والصفات ‪ : 538‬وقرأت في كتاب أبي عبد هللا محمد بن محمد بن يوسف بن إبراهيم‬
‫الدقاق بروايته عن القاسم بن أبي صالح الهمذاني ‪ ،‬عن محمد بن أيوب الرازي ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت محمد بن سابق ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫سألت أبا يوسف ‪ ،‬فقلت ‪ " :‬أكان أبو حنيفة يقول القرآن مخلوق ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬معاذ هللا ‪ ،‬وال أنا أقوله ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أكان يرى رأي‬
‫جهم ؟ فقال ‪ :‬معاذ هللا وال أنا أقوله"‪ ،‬رواته ثقات‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال أيضا ‪ : 539‬وأنبأني أبو عبد هللا الحافظ ‪ ،‬إجازة ‪ ،‬أنا أبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي ‪ ،‬ثنا عبد هللا بن أحمد بن‬
‫عبد الرحمن بن عبد هللا الدشتكي ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت أبي يقول ‪ :‬سمعت أبا يوسف القاض ي ‪ ،‬يقول ‪ " :‬كلمت أبا حنيفة رحمه‬
‫هللا تعالى سنة جرداء في أن القرآن مخلوق أم ال ؟ فاتفق رأيه ورأيي على أن من قال ‪ :‬القرآن مخلوق ‪ ،‬فهو كافر " قال أبو عبد‬
‫هللا رواة هذا كلهم ثقات‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫فإن صح هذا فقد رجع عن القول بخلق القرآن ولكن ال بد هنا من ثالثة وقفات‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬أن الرجل قد أظهر التوبة من التجهم ثم عاد لذا كانت استتابته مرتين‬
‫الثانية ‪ :‬أن أبا يوسف قد ناظره سنة كاملة ليقنعه بفساد هذا القول وهذا يدل على عدم تحقيق في هذا الباب‬
‫ً‬
‫الثالثة ‪ :‬قد صح عن أبي زرعة أنه قال في أبي حنيفة ( جهمي )‪ ،‬وصح ذلك عن ابن معين أيضا‪.‬‬
‫َ َ َ ْ َ َ‬ ‫قال الخطيب في تاريخه (‪َ : )573 /15‬أ ْخ َب َرَنا العتيقي‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪َ :‬ح َّد َث َنا تمام بن ُم َح َّمد بن َع ْبد هللا َّ‬
‫ال‪ :‬أخ َب َرنا أ ُبو‬‫الر ِّازي بدمشق‪ ،‬ق‬
‫الب ْغ َدادي‪َ ،‬ي ُقو ُل‪َ :‬سم ْع ُت َي ْح َيى بن معين‪َ ،‬ي ُقو ُل‪َ " :‬ك َ‬ ‫َ‬ ‫الب َجلي‪َ ،‬ق َ َ ْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫امليمون َع ْبد َّ ْ َ‬
‫ان‬ ‫ِّ‬ ‫ال‪ :‬س ِّمعت نصر بن ُمح َّمد َ ِّ‬ ‫َ‬
‫الرحمن بن عبد هللا ِّ‬
‫َ َ‬ ‫الح َسن كذابا َو َك َ‬
‫ان جهميا‪َ ،‬وكا َن أ ُبو حنيفة جهميا ولم يكن كذابا "وهذا إسناد صحيح ‪.‬‬ ‫ُم َح َّمد بن َ‬

‫نصر اسمه (مضر) تصحف كما نبه عليه املعلمي ‪ ،‬فقد يكون ثبت عند هؤالء األئمة أمر لم نطلع عليه وأنا متوقف في هذه‬
‫املسألة‪.‬‬
‫ً‬
‫وأبو زرعة وابن معين لهما خصوصية في حال أبي حنيفة فابن معين كان تلميذا ملحمد بن الحسن الشيباني وقرأ عليه كتاب‬
‫ً‬
‫الجامع وأدرك عددا ممن أدرك أبا حنيفة ‪ ،‬بل ادعى جماعة أنه كان على مذهبه في الفقه‪ ،‬وأما أبو زرعة فكان هو نفسه من‬
‫أهل الرأي ‪ -‬ثم رجع إلى مذهب أهل الحديث ‪ -‬وغايته أن يروي عن أبي حنيفة بواسطتين ‪ -‬وشيوخه كلهم ثقات ‪ -‬فإذا أثبت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هو وابن معين على أبي حنيفة شيئا كان دفعه شاقا على الدافع‪ ،‬وعادة الباحثين في هذا الباب أنهم يقولون‬
‫( املثبت مقدم على النافي ) ‪ ،‬فيقدم قول ابن معين وأبي زرعة على قول أحمد ( إن صح ) ألن أحمد ناف وهما مثبتان ‪ ،‬ولكن‬
‫ً‬
‫هذه القاعدة من القواعد التي غيبت أيضا في بحث أبي حنيفة ‪ ،‬بل غاية أمر أحمد إذا قال ( لم يصح ) أنه يضعف راوي تلك‬
‫الحكاية أو يجهله فإذا عدله أبو زرعة وابن معين ارتقا إلى الحجية‪.‬‬

‫السبب الخامس من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬قوله باإلرجاء الغالي‬

‫قال يعقوب بن سفيان في املعرفة والتاريخ (‪ : )369 /1‬حدثنا أبو بكر الحميدي ثنا حمزة بن الحارث مولى عمر بن الخطاب‬
‫ً‬
‫عن أبيه قال‪" :‬سمعت رجال يسأل أبا حنيفة في املسجد الحرام عن رجل قال أشهد أن الكعبة حق ولكن ال أدري هي هذه أم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال‪ ،‬فقال‪ :‬مؤمن حقا‪ .‬وسأله عن رجل قال أشهد أن محمدا بن عبد هللا نبي ولكن ال أدري هو الذي قبره باملدينة أم ال‪ .‬قال‪:‬‬
‫ً‬
‫مؤمن حقا ‪ -‬قال أبو بكر الحميدي‪ :‬ومن قال هذا فقد كفر "‪،‬‬
‫قال أبو بكر‪ :‬وكان سفيان يحدث عن حمزة بن الحارث حدثنا مؤمل ابن إسماعيل عن الثوري بمثل معنى حديث حمزة‪.‬‬
‫وهذا ثابت عنه‪ ،‬قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ :316‬حدثني محمد بن هارون‪ ،‬نا أبو صالح‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الفزاري وحدثني‬
‫إبراهيم بن سعيد‪ ،‬نا أبو توبة‪ ،‬عن أبي إسحاق الفزاري‪ ،‬قال‪ " :‬كان أبو حنيفة يقول إيمان إبليس وإيمان أبي بكر الصديق‬
‫رض ي هللا عنه واحد‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬يا رب‪ ،‬وقال إبليس‪ :‬يا رب " وهذا إسناد صحيح وهذا إرجاء جهم‪.‬‬
‫وقد روى الشيباني عن أبي حنيفة أنه كان يكره أن يقال (إيماني كإيمان جبريل) يعني من باب التواضع والشيباني متهم‬
‫بالكذب وال ندري أي قولي أبي حنيفة املتأخر إن صح هذا‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫السبب السادس من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬قوله بإرجاء الفقهاء‬

‫وهذا أمر ثابت عنه متواتر ال داعي إلثباته عنه‪ ،‬غير أنه قد ذهب بعض أهل العلم في عصرنا إلى أن مرجئة الفقهاء من أهل‬
‫السنة‪ ،‬وخالفهم غيرهم من أهل العلم‪ ،‬وصار بعض من يرى أن مرجئة الفقهاء من أهل السنة ينكر على من ذهب إلى أنهم‬
‫من أهل البدع‪ ،‬فبدا لي أن أطنب في هذه املسألة‪ ،‬وقبل البدء ال بد من بيان أمرين مهمين‪:‬‬
‫ً‬
‫األول‪ :‬هو أن مرجئة الفقهاء أقدم فرق املرجئة ظهورا إذ أنها ظهرت قبل ظهور الجهم بن صفوان الذي أحدث قول الجهمية‬
‫في اإلرجاء‪،‬‬
‫قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 594‬حدثني أبي ‪ ،‬نا هاشم بن القاسم ‪ ،‬عن محمد يعني ابن طلحة ‪ ،‬عن سلمة بن كهيل ‪،‬‬
‫قال ‪:‬وصف ذر اإلرجاء وهو أول من تكلم فيه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إني أخاف أن يتخذ هذا دينا ‪ ،‬فلما أتته الكتب من اآلفاق قال‬
‫ً‬
‫فسمعته يقول بعد ‪ :‬وهل أمر غير هذا ؟ " وذر بن عبد هللا هذا كوفي ‪ ،‬وهو أعلى طبقة من الجهم فإنه من كبار أتباع‬
‫التابعين ‪ ،‬وكان عنده من العلم ما حمل بعض الفقهاء كحماد بن سليمان وغيره على اتباعه ‪ ،‬بخالف الجهم بن صفوان فإن‬
‫الناس كانوا نافرين عنه لقبح مقاالته وقلة علمه‪ ،‬وأما مرجئة الكرامية ومرجئة األشاعرة فما ظهرت إال بعد ذلك بزمن ‪ ،‬وإن‬
‫ً‬
‫كان قول األشعرية في اإليمان مقاربا لقول الجهم بل هو قول جهم على التحقيق‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬أن قول الجهمية في اإليمان كفري عندنا وعند مرجئة الفقهاء‪،‬‬
‫قال ابن نصر املروزي في تعظيم قدر الصالة (‪ ": )324 /2‬قد جامعتنا في هذا املرجئة كلها على أن اإلقرار باللسان من اإليمان‬
‫إال فرقة من الجهمية كفرت عندنا ‪ ،‬وعند املرجئة بزعمهم أن اإليمان هو املعرفة فقط بعد شهادة هللا على قلوب من‬
‫سماهم كافرين بأنهم عارفون فضادوا خبر هللا ‪ ،‬وسموا الجاحد بلسانه العارف بقلبه مؤمنا ‪ ،‬وأقرت املرجئة إال هذه الفرقة‬
‫أن اإلقرار من اإليمان وليس هو منه عمل القلب"‬
‫وبنا ًء على الحقيقتين السابقتين فإن املرجئة إذا أطلقوا إنما يراد بهم مرجئة الفقهاء‪ ،‬ألنهم أقدم في الظهور‪ ،‬وألن أهل العلم‬
‫اعتادوا على تمييز الجهمية بلقب (الجهمية)‪ ،‬ألن ضاللهم أوسع من الضالل في مسائل اإليمان‪ ،‬ثم إن ضاللهم في مسائل‬
‫اإليمان له خصوصية يرفضها حتى مرجئة الفقهاء‪ ،‬ومما يدل على أن السلف إذا أطلقوا ( املرجئة ) أرادوا بذلك مرجئة‬
‫ال ‪َّ :‬الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ ْ َّ ُ َ ْ ُ َ‬
‫ين‬ ‫َّللا س ِّئ َل ع ِّن امل ْر ِّجئ ِّة ‪َ ,‬من ه ْم ؟ ق َ ِّ‬
‫الفقهاء ما روى الخالل في السنة ‪ :976‬أخبرِّني أحمد بن أصرم ‪ ,‬أن أبا عب ِّد ِّ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َُ ُ َ‬
‫ان ق ْو ٌل‪.‬‬ ‫يقولون ‪ِّ :‬‬
‫اإليم‬
‫أقول ‪ :‬ومرجئة الجهمية ال يدخلون ( القول ) في مسمى اإليمان ‪ ،‬فهم ليسوا مقصودين بهذا ‪ ،‬بل ما أراد إال مرجئة الفقهاء‬
‫فإن مرجئة الكرامية لم يدركوا أحمد‬

‫‪15‬‬
‫واآلن مع اآلثارالسلفية في شأن املرجئة‬

‫األ ْع َمش ‪َ ،‬ق َ‬‫َ َ َ َّ َ َ َ ْ ُ ُ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ ُ َ َّ ُ ْ ُ َّ ْ‬


‫ال ‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫ِّ‬ ‫ع‬ ‫‪،‬‬ ‫د‬‫ِّ‬ ‫و‬ ‫س‬‫األ‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ور‬ ‫ص‬ ‫ن‬‫م‬ ‫ا‬‫ن‬‫ث‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ِّ‬ ‫ل‬ ‫‪ -1‬قال ابن سعد في الطبقات ‪ :9192‬أخبرنا محمد بن الص‬
‫َ‬
‫ض إ َل َّي م ْن أ ْهل ْالك َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ُ َ َ َ َ َّ َّ ُ ْ َ ْ َ‬
‫اب"‬ ‫ت‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫غ‬ ‫َّللا ِّإنهم أب‬
‫" ذ ِّكر ِّعند ِّإبر ِّاهيم املر ِّجئة فقال ‪ :‬و ِّ‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫إسناد صحيح ‪ ،‬وإبراهيم النخعي أعلى طبقة من ذر الهمداني الذي أحدث اإلرجاء ولم يدرك بدعة الجهمية لذا‬ ‫أقول ‪ :‬وهذا‬
‫ال يحفظ له كال ٌم فيها ‪ ،‬بل يريد هنا إرجاء الفقهاء الذي وقع فيه فيما بعد تلميذه حماد بن أبي سليمان ‪ ،‬ويبعد أن يطلق‬
‫ً‬
‫قوم يراهم من أهل السنة‪.‬‬ ‫النخعي كلمة شديدة كهذه في ٍ‬
‫يم ‪َ " :‬ال ُت َجال ُس ُ‬
‫وه ْم َي ْع ِّني‬ ‫ال َل َنا إ ْب َراه ُ‬
‫ال ‪َ :‬ق َ‬ ‫ال ‪َ :‬ح َّد َث َنا ُم ِّحل َق َ‬ ‫هللا َق َ‬ ‫َ َْ َ َ ُ ْ ُ َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫‪ -2‬قال ابن سعد في الطبقات ‪ :9188‬أخب َرنا ُمح َّمد بن ع ْب ِّد ِّ‬
‫ُْ َ َ‬
‫امل ْر ِّجئة" أقول ‪ :‬واألمر بهجرانهم على مقالتهم يدل على أنهم عنده من أهل البدع‪.‬‬
‫‪ -3‬قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 541‬حدثني أبي ‪ ،‬نا إسماعيل ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬قال ‪ :‬قال سعيد بن جبير غير سائله وال‬
‫ذاكرا ذاك له ‪ ":‬ال تجالس طلقا يعني أنه كان يرى رأي املرجئة " وسعيد بن جبير من شيوخ ذر الذين نسب إلى إحداث‬
‫الر ْح َمن‪َ ،‬ق َ‬ ‫َ َّ َ َ َ ُ َ ْ َّ‬
‫َّللا‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪ :‬ثنا َع ْب ُد َّ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اإلرجاء‪ ،‬قال الخالل في السنة وهو يحكي كتاب اإليمان لإلمام أحمد ‪ : 1354‬حدثنا أبو عب ِّد‬
‫َ ُّ َ ْ ُ ْ ُ َّ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ ْ ُ ُ َ ْ َ َ َ َ َّ ْ َ َ ْ‬ ‫ان‪َ ،‬ع ْن َع َط ِّاء ْبن َّ‬ ‫َح َّد َثني ُس ْف َي ُ‬
‫الس ْيق ِّل‬ ‫الرأ ُي ق ْد أ ْح َدث َت َب ْع ِّدي؟ والزبير بن‬ ‫السا ِّئ ِّب‪ ،‬قال‪ :‬قال س ِّعيد بن جبي ٍر ِّلذ ٍر‪ :‬ما هذا‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ُيغ ِّنيك ْم ِّبالق ْر ِّآن؟‬
‫‪ -4‬قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 624‬حدثني أبي ‪ ،‬نا عبد هللا بن نمير ‪ ،‬عن جعفر األحمر ‪ ،‬قال ‪ " :‬قال منصور بن‬
‫املعتمر ‪ -‬في ش يء ‪ :‬ال أقول كما قالت املرجئة الضالة املبتدعة " وهذا تصريح بتبديعهم‪.‬‬
‫‪ -5‬قال الاللكائي في السنة أخبرنا محمد بن املظفر املقرئ ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا الحسين بن محمد بن حبش املقرئ ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا‬
‫أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ‪ ،‬قال ‪ ":‬سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين ‪ ،‬وما أدركا عليه‬
‫ً‬
‫العلماء في جميع األمصار ‪ ،‬وما يعتقدان من ذلك ‪ ،‬فقاال‪ -‬فذكرا اعتقادا‪ -‬ومما جاء فيه ‪ ":‬فمن قال ‪ :‬إنه مؤمن حقا فهو‬
‫مبتدع ‪ ،‬ومن قال ‪ :‬هو مؤمن عند هللا فهو من الكاذبين ‪ ،‬ومن قال ‪ :‬هو مؤمن باهلل حقا فهو مصيب ‪ .‬واملرجئة واملبتدعة‬
‫ضالل" أقول ‪ :‬وهذه مقالة جميع املرجئة‪.‬‬
‫‪ -6‬قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 534‬حدثني أبي ‪ ،‬نا حجاج ‪ ،‬سمعت شريكا ‪ :‬وذكر املرجئة ‪ ،‬فقال‪ " :‬هم أخبث قوم‬
‫ً‬
‫وحسبك بالرافضة خبثا ولكن املرجئة يكذبون على هللا تعالى" وكان شريك شديدا على املرجئة ‪ ،‬حتى أنه لم يقبل شهادة أبي‬
‫َ‬ ‫اق ْب ُن َرا َه َو ْي ِّه ‪َ ,‬ق َ‬‫ال ‪َ :‬ح َّد َث َنا إ ْس َح ُ‬ ‫َ َ ْ َ ََ ُ َ ْ َ ُ ْ ُ َ‬
‫األ ْش َع ِّث ‪َ ,‬ق َ‬
‫ال ‪َ :‬ح َّدث َنا َي ْح َيى ْب ُن‬ ‫ِّ‬ ‫يوسف‪ ،‬قال الخالل في السنة ‪ :1024‬وأخبرنا سليمان بن‬
‫ُ‬ ‫يل َل ُه ‪ُ :‬ت َر ُّد َش َه َاد ُت ُه ‪َ ,‬ف َق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال َل ُه ‪ُ :‬ق ْم ‪َ ,‬وأ َبى أ ْن ُيج َيز َش َها َد َت ُه ‪َ ,‬ف ِّق َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َُ ُ ُ َ‬
‫ف ِّع ْن َد َشري ٍك ب َش َه َاد ٍة ‪َ ,‬ف َق َ‬
‫ال ‪ :‬أ ِّج ُيز‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫آدم ‪ ,‬قال ‪ :‬ش ِّهد أبو يوس‬
‫اإل َيم ِّان ؟‪.‬‬ ‫َّ َ ُ َ ْ َ ْ َ‬ ‫َ َ ََ َ ُ َُ ُ‬
‫شهادة رج ٍل يقول ‪ :‬الصالة ليست ِّمن ِّ‬

‫‪16‬‬
‫ََ‬ ‫اق َو َس َأ َل ُه َر ُج ٌل ‪َ ,‬ق َ‬ ‫‪ -7‬قال الخالل في السنة ‪َ :974‬أ ْخ َب َرِّني َح ْر ُب ْب ُن إ ْس َما ِّع َ‬
‫يل ‪َ ,‬ق َ‬
‫الر ُج ُل َي ُقو ُل ‪ :‬أنا ُم ْؤ ِّم ٌن‬ ‫ال ‪َّ :‬‬ ‫ال ‪َ :‬سم ْع ُت إ ْس َح َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َح ًّقا ؟ َق َ‬
‫ال ‪ُ :‬ه َو كا ِّف ٌر َح ًّقا‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ‪َ :‬ح َّد َث َنا زَي ُاد ْب ُن َأ ُّي َ‬
‫وب ‪َ ,‬ق َ‬ ‫َّللا ْب ُن َد ُاو َد ‪َ ,‬ق َ‬ ‫َ ْ َ َ َ ْ ُ َّ‬
‫ال ‪َ :‬س ِّم ْع ُت أ ْح َم َد ْب َن َح ْن َب ٍل ‪َ ,‬ي ُقو ُل ‪ :‬ال ُي ْع ِّج ُب َنا أ ْن ن ُقو َل ‪ُ :‬م ْؤ ِّم ٌن‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫‪ :975‬أخبرِّني عبد‬
‫َ َ‬ ‫ََُ‬
‫َح ًّقا ‪َ ,‬وال نك ِّف ُر َم ْن قال ُه"‪.‬‬
‫ً‬
‫أقول ‪ :‬قول إسحاق بالتكفير ال أعلم أحدا تابعه عليه ‪ ،‬واملقالة التي ذكرها مقالة جميع فرق املرجئة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد عقد الخالل فصال في مناكحة املرجئة والاللكائي فصال في هجرانهم وأوردا ما جاء عن السلف في ذم مرجئة الفقهاء ‪ ،‬مما‬
‫يدل على أنهم من أهل البدع عندهم فإذا قلنا أنهم يهجرون وقولهم بدعة لم يكن لقولنا أنهم ( من أهل السنة ) بعد ذلك‬
‫معنى‪.‬‬
‫وقال ابن بطة في اإلبانة الكبرى (‪ ": )97/3‬واملرجئة تزعم أن الصالة والزكاة ليستا من اإليمان ‪ ،‬فقد أكذبهم هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وأبان خالفهم ‪ .‬واعلموا رحمكم هللا أن هللا عز جل لم يثن على املؤمنين ‪ ،‬ولم يصف ما أعد لهم من النعيم املقيم ‪ ،‬والنجاة‬
‫من العذاب األليم ‪ ،‬ولم يخبرهم برضاه عنهم إال بالعمل الصالح ‪ ،‬والسعي الرابح ‪ ،‬وقرن القول بالعمل ‪ ،‬والنية باإلخالص ‪،‬‬
‫حتى صار اسم اإليمان مشتمال على املعاني الثالثة ال ينفصل بعضها من بعض ‪ ،‬وال ينفع بعضها دون بعض ‪ ،‬حتى صار‬
‫اإليمان قوال باللسان ‪ ،‬وعمال بالجوارح ‪ ،‬ومعرفة بالقلب خالفا لقول املرجئة الضالة"‪ ،‬فنعتهم بالضالل‪.‬‬
‫ظ ُس َل ْي َم َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ُ َ ْ ْ َ ُّ ُّ َ ُ َ ْ َ ُ ْ ُ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َ ْ َ َ ْ ُ َ ُّ َ َ َ َ ْ ُ‬
‫ان ‪,‬‬ ‫‪ -8‬قال الخالل في السنة ‪ :1146‬أخبرنا أبو بك ٍر املر ِّوذي ‪ ,‬وسليمان بن األشع ِّث ‪ ,‬وأحمد بن أصرم املزِّني ‪ ,‬وهذا لف‬
‫َ َ َ َ َ َ َ ً َ َ ُ َ َّ َ ْ‬ ‫َ َ ُ ْ ُ َ ْ َ ُ َ َّ َ ْ َ ْ ُ‬
‫صلى خل َف ُه‪.‬‬ ‫ال ‪ :‬قلت ألح َمد ‪ :‬يصلى خلف امل ْر ِّج ِّئ ؟ قال ‪ِّ :‬إذا كان د ِّ‬
‫اعية فال ي‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ ْ ٌ َ َ َ َ ً‬ ‫َ‬
‫اع َية‪.‬‬‫اإليمان قول ِّإذا كان د ِّ‬ ‫اعيل ‪ ,‬قال ‪ :‬س ِّمعت أحمد ‪ ,‬يقول ‪ :‬ال يصلى خلف من زعم أن ِّ‬ ‫‪ :1147‬وأخبرِّني حرب بن ِّإسم ِّ‬
‫أقول ‪ :‬وأحمد هنا ال يعني إال مرجئة الفقهاء ‪ ،‬فإن الجهمية عنده كفار ال تختلف عنه الرواية في ترك الصالة خلفهم متى قدر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سواء كانوا دعاة أو غير دعاة‪ ،‬قال العقيلي في الضعفاء (‪ : )444/4‬حدثنا عبد هللا بن أحمد قال سألت أبي‬ ‫املرء على ذلك‬
‫عن أسد بن عمرو وأبي يوسف فقال أصحاب أبي حنيفة ال ينبغي أن يروى عنهم "‪ ،‬أقول ‪ :‬أبو يوسف صدوق في نفسه ‪،‬‬
‫ائد على الضعف ‪ ،‬وهو البدعة وعدم االحتياج لحديثه‪.‬‬
‫ألمر ز ٍ‬
‫فالترك له إنما كان ٍ‬
‫فإن قيل ‪ :‬لعله أخذ عليهم الرأي؟‪ ،‬قلت ‪ :‬هذا أبلغ في تقرير الحجة ألن اإلرجاء أشد من القول بالرأي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َّ َ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ َ ْ َّ َ َ َ ُ‬ ‫َ ُ ْ ُ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ‬ ‫ََ َْ‬
‫ان ش َب َابة َي ْد ُعو ِّإلى‬ ‫‪ -9‬قال الخالل في السنة ‪ :981‬وأخب َرِّني ُمح َّمد بن جعف ٍر ‪ ,‬أن أبا الح ِّار ِّث حدثهم ‪ ,‬قال ‪ :‬قال أبو عب ِّد ِّ‬
‫َّللا ‪ :‬ك‬
‫َ ُ َ ْ ٌل َ َ َ ٌ َ َ َ َ َ َ‬
‫ال ‪ :‬فق ْد َع ِّم َل ِّب ِّل َسا ِّن ِّه ‪,‬‬ ‫اإليمان قو وعمل ‪ ,‬ف ِّإذا ق‬ ‫‪:‬‬ ‫ان َي ُقو ُ‬
‫ل‬ ‫ان َي ُقو ُل َهذه ْاملَ َق َال َة ‪َ ,‬ك َ‬‫اإل ْ َجاء ‪َ ,‬و َك َت ْب َنا َع ْن ُه َق ْب َل َأ ْن َن ْع َل َم َأ َّن ُه َك َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ر ِّ‬
‫يء‪.‬‬‫َق ْو ٌل َر ِّد ٌ‬
‫َ ْ َ َ َ ُ َ َّ ُ ْ ُ َ َ َ َ َّ َ َ َ ُ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ َّ َ َ َ َ ُ َ َ َ‬
‫يل ل ُه ‪ :‬ش َب َابة ‪ ,‬أ ُّي ش ْي ٍء ت ُقو ُل ِّف ِّيه ؟‬ ‫َّللا ‪ ,‬و ِّق‬
‫‪ :982‬أخبرنا محمد بن ع ِّل ٍي ‪ ,‬قال ‪ :‬حدثنا أبو بك ٍر األثرم ‪ ,‬قال ‪ :‬س ِّمعت أبا عب ِّد ِّ‬
‫ال‬‫األ َقاويل ‪َ ,‬ما َسم ْع ُت َأ َح ًدا َع ْن ِّم ْث ِّل ِّه ‪َ ,‬ق َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫ََ َ َ َ َُ َ َ َْ ُ َ َْ َ َ َ‬
‫ال ‪َ :‬وق ْد ُح ِّك َي َع ْن ش َب َابة ق ْو ٌل أخ َبث ِّم ْن َه ِّذ ِّه‬ ‫اإلرجا ِّء ‪ ,‬ق‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫فقال ‪ :‬شبابة كان يدعو ِّإلى ِّ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ْ ٌل َ َ َ ٌ َ َ َ ُ ُ َن َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َُ َ َ َ ََ ْ َ َ َ َ‬
‫ال فق ْد َع ِّم َل ِّب َج ِّار َح ِّت ِّه أ ْي ِّب ِّل َسا ِّن ِّه ‪ .‬فق ْد َع ِّم َل‬ ‫اإليمان قو وعمل كما يقولو ‪ :‬ف ِّإذا ق‬ ‫‪ :‬قال شبابة ‪ِّ :‬إذا قال فقد ع ِّمل ‪ ,‬قال ‪ِّ :‬‬
‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ٌ‬ ‫َ َ َ َّ َ ُ َّ َ َ َ ُ َ ْ َّ‬
‫َّللا ‪َ :‬هذا ق ْو ٌل خ ِّبيث ‪َ ,‬ما َس ِّم ْع ُت أ َح ًدا َي ُقو ُل ِّب ِّه ‪َ ,‬وال َبلغ ِّني‪.‬‬ ‫ِّب ِّلسا ِّن ِّه ِّحين تكلم ‪ ,‬ثم قال أبو عب ِّد ِّ‬
‫َ‬

‫‪17‬‬
‫أقول ‪ :‬وقول شبابة هذا ٌ‬
‫قريب من قول مرجئة الفقهاء مع حيلة ‪ ،‬واإلمام أحمد ترك الكتابة عنه‪.‬‬
‫وس ْر ُد نصوص السلف في هذا الباب يطول ‪ ،‬واملراد هنا اإلشارة املفهمة‪ ،‬وحتى من جهة النظر يلزم تبديعهم ‪ ،‬فأهل السنة‬
‫َ‬
‫ً‬
‫يبدعون من يفضل عليا على الشيخين ويبدعون من ينكر خالفة علي أو عثمان ‪ ،‬واألدلة على زيادة اإليمان ونقصانه ودخول‬
‫العمل في مسمى اإليمان أكثر وأظهر من األدلة على فضل الشيخين على علي ‪ ،‬وعلى ثبوت خالفة علي‪ ،‬وجاء في ذيل طبقات‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫عمي بخطه‪ :‬قال القاسم بن محمد أبو الحارث‪ :‬حدثنا يعقوب بن إسحاق‬ ‫الحنابلة (‪ ": )53/1‬ووجدت في كتب اإلمام ِّ‬
‫فض ُل عمر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫البغدادي‪ ،‬سمعت هارون الحمال يقول‪ :‬سمعت أحمد بن حنبل‪ ،‬وأتاه رجل فقال‪ :‬يا أبا عبد َّللا‪ :‬إن ههنا رجل ي ِّ‬
‫تعده"‪.‬‬ ‫بن عبد العزيز على معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬فقال أحمد‪ :‬ال تجالسه‪ ،‬وال تؤاكله وال تشاربه‪ ،‬وإذا مرض فال ُ‬
‫َّللا ‪َ :‬ج َاء ِّني ِّك َت ٌ‬‫َ ْ َ َ َ َ ُ َ ْ ْ َ ُّ ُّ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ ْ َ َ ْ َّ َ ُ ُ َ َ َّ‬
‫اب ِّم َن‬ ‫َّللا ‪ ,‬يقول أل ِّبي ع ْب ِّد ِّ‬‫وقال الخالل في السنة ‪ :658‬أخبرنا أبو بك ٍر املر ِّوذي ‪ ,‬قال ‪ :‬س ِّمعت هارون بن عب ِّد ِّ‬
‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َ ُ ُ ُ َ َ ُ َ ُ ُْْ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َّ َّ َ َّ َ ْ ً َ ُ‬
‫اض ُه ْم ِّفي َهذا امل ْو ِّض ِّع ‪ُ ,‬ي ْج َف ْون َح َّتى َي ُت ُوبوا‪.‬‬
‫اعت َر ُ‬
‫ِّ‬
‫ال ‪َ :‬ما ْ‬
‫َ‬ ‫ق‬‫و‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫ِّ‬ ‫غ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫ين‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ؤ‬ ‫امل‬ ‫ال‬‫خ‬ ‫ة‬ ‫ي‬‫او‬
‫ِّ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫‪:‬‬ ‫وا‬ ‫ال‬ ‫الرق ِّة أن قوما ق‬
‫َّللا ‪َ :‬ما َت ُقو ُل‬‫َ َّ َ ُ ْ َ َ َ َّ َ ْ َ ً َ َ َ َّ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫‪َ :659‬أ ْخ َب َرني ُم َح َّم ُد ْب ُن َأبي َه ُار َ‬
‫ال ‪ :‬وج ْهنا ُرقعة ِّإلى أ ِّبي ع ْب ِّد ِّ‬ ‫ون ‪َ ,‬و ُم َح َّم ُد ْب ُن َج ْع َف ٍر ‪ ,‬أ َّن أ َبا ال َح ِّار ِّث حدثهم ق‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الس ْيف َغ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال ‪َ :‬ال أ ُقو ُل إ َّن ُم َعاو َي َة َك َات ُب ْال َو ْحي ‪َ ,‬و َال أ ُقو ُل إ َّن ُه َخ ُ ْ ُ ْ َ َ َّ ُ َ َ َ‬ ‫َّللا ِّف َيم ْن َق َ‬
‫َرح َم َك َّ ُ‬
‫ص ًبا ؟‬ ‫ال املؤ ِّم ِّنين ‪ ,‬ف ِّإنه أخذها ِّب َّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫َ َ ُ ْ َ ُ ْ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ ُ َ ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ ُ َ ْ َ ٌ ُ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َق َ ُ َ‬
‫َّللا ‪ :‬هذا قول سو ٍء ر ِّديء ‪ ,‬يجانبون هؤال ِّء القو ِّم ‪ ,‬وال يجالسون ‪ ,‬ونب ِّين أمرهم ِّللن ِّ‬
‫اس‪.‬‬ ‫ال أبو ع ْب ِّد ِّ‬
‫فإذا كان من ينكر أن معاوية خال املؤمنين يبدع فكيف بمن يقول أن الصالة والزكاة ليستا من اإليمان وينكر زيادة اإليمان‬
‫ونقصانه؟!‪.‬‬
‫وهنا ال بد من تنبيهين ‪:‬‬
‫التنبيه األول ‪ :‬قول شيخ اإلسالم كما في مجموع الفتاوى (‪ ": )394 /7‬وهذه الشبهة التي أوقعتهم مع علم كثير منهم وعبادته‬
‫وحسن إسالمه وإيمانه ولهذا دخل في إرجاء الفقهاء جماعة هم عند األمة اهل علم ودين ولهذا لم يكفر أحد من السلف‬
‫أحدا من مرجئة الفقهاء بل جعلوا هذا من بدع األقوال واألفعال ال من بدع العقائد فإن كثيرا من النزاع فيها لفظي"‪ ،‬ليس‬
‫ً‬ ‫فيه نفي تبديعهم ‪ ،‬وإنما نفي تكفيرهم ونفي األعلى ٌ‬
‫إثبات ضمني لألدنى هذا أوال‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثانيا ‪ :‬قول الشيخ (فإن كثيرا من النزاع فيها لفظي ) نص في أن ليس كل النزاع معهم لفظي ‪ ،‬بل قال ( كثيرا ) ‪ ،‬ولم يقل ( كل‬
‫صد ُ‬ ‫ْ ُ َ ْ ْ ُ َ َّ َ َ ُ ُ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫يق‬ ‫النزاع )‪ ،‬وقال شيخ اإلسالم كما في مجموع الفتاوى ( ‪ِّ ": )748 /10‬ب ِّخال ِّف امل ْر ِّجئ ِّة ِّمن الفق َه ِّاء ال ِّذين يقولون‪ :‬هو ت ْ ِّ‬
‫األئ َّمة َوإ َّن َما َب َّد ُع ُ‬‫َ َّ َ ُ َ َ ْ ُ َ ْ ُ ْ َ َ ٌ ْ ْ َ‬ ‫ْال َق ْلب َوالل َ‬
‫وه ْم"‪ ،‬فصرح بتبديع السلف لهم‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِّ‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ر‬‫ف‬‫ِّ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ء‬‫ِّ‬ ‫ال‬‫ؤ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫؛‬ ‫ان‬‫س‬
‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫وقال شيخ اإلسالم كما في مجموع الفتاوى (‪ ": )486 /12‬واما املرجئة فال تختلف نصوصه انه ال يكفرهم فإن بدعتهم من‬
‫جنس اختالف الفقهاء في الفروع وكثير من كالمهم يعود النزاع فيه إلى نزاع في األلفاظ واألسماء ولهذا يسمى الكالم في‬
‫مسائلهم باب األسماء وهذا من نزاع الفقهاء لكن يتعلق بأصل الدين فكان املنازع فيه مبتدعا"‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الط ْع َن َع َلى َأبي َحن َيف َة ل َرده َكث ًيرا م ْن َأ ْخ َبار َ‬
‫اآلح ِّاد‬
‫َّ‬
‫وا‬ ‫از‬ ‫اس َت َج ُ‬
‫يث ْ‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫قال ابن عبد البر في االنتقاء (‪َ ": )149/1‬كثي ٌر م ْن َأ ْهل ْال َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫َ ًّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اج َت َم َع َع َل ْيه م َن األ َ‬ ‫ان َي ْذ َه ُب في َذل َك إ َلى َع ْرض َها َع َلى َما ْ‬ ‫ْال ُع ُدول َأل َّن ُه َك َ‬
‫يث َو َم َعا ِّني ال ُق ْر ِّآن ف َما شذ َع ْن ذ ِّل َك َر َّد ُه َو َس َّما ُه شاذا‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫اد‬ ‫ح‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫ان ق ْو ٌل َو َع َم ٌل ُي ْنك ُر َ‬ ‫الس َّنة اإل َيم ُ‬ ‫ال م ْن أ ْهل ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الة َوغ ْير َها ال ت َس َّمى إ َيم ًانا َوك ُّل َم ْن ق َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ات م َن َّ‬ ‫اع ُ‬ ‫َّ‬
‫ضا َي ُقو ُل الط َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ان َم َع ذل َك أ ْي ً‬ ‫َو َك َ‬
‫ون‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الص‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ق ْول ُه َو ُي َب ِّد ُعون ُه ِّبذ ِّل َك "‪ ،‬فصرح بتبديع أبي حنيفة خصوصا بهذه املسألة إجماعا‪.‬‬
‫َّ َ ُ ْ َ َّ َ ُ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َ َّ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫اإل َيم ِّان‬ ‫وقال شيخ اإلسالم كما في مجموع الفتاوى (‪ ": )556/7‬و " السلف " اشتد ن ِّكيرهم على املر ِّجئ ِّة ملا أخرجوا العمل ِّمن ِّ‬
‫اس ِّفي‬ ‫الن ُ‬ ‫الناس م ْن َأ ْف َحش ْال َخ َطأ َب ْل َال َي َت َس َاوى َّ‬ ‫إيمان َّ‬ ‫اس ِّفي ِّه َوَال َرْي َب َأ َّن َق ْو َل ُه ْم ب َت َساوي َ‬ ‫ان َي َت َم َاث ُل ال َّن ُ‬‫إن ْاإل َيم َ‬ ‫َو َق ُالوا َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ ْ َ ْ َََ َُ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫ْ َ ْ ََ‬ ‫ْ ُ ََ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬
‫وه ك ِّث َير ٍة"‪ ،‬وهذا قول مرجئة الفقهاء وهو الذي صرح‬ ‫ص ِّد ِّيق وال ِّفي الح ِّب وال ِّفي الخش َي ِّة وال ِّفي ال ِّعل ِّم؛ بل يتفاضلون ِّمن وج ٍ‬ ‫الت ْ‬
‫َ‬ ‫به الطحاوي في عقيدته‪ ،‬وقال شيخ اإلسالم كما في مجموع الفتاوى (‪ ": )414 /35‬و " ْالب ْد َع ُة " َّال ِّتي ُي َع ُّد ِّب َها َّ‬
‫الر ُج ُل ِّم ْن أ ْه ِّل‬ ‫ِّ‬
‫َ ْ َ َ َّ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫الر َ‬
‫َّ‬ ‫الس َّنة؛ َكب ْد َعة ْال َخ َوارج َ‬ ‫ُّ‬ ‫الس َّنة ُم َخ َال َف ُت َها ل ْلك َتاب َ‬
‫ُّ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ ََ َ ْ َ َ ْ ْ ْ‬
‫ض والقد ِّري ِّة واملر ِّجئ ِّة"‬ ‫ِّ ِّ‬‫ف‬ ‫ا‬‫و‬ ‫و‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫و‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ب‬
‫األهو ِّاء ما اشتهر ِّعند أه ِّل ال ِّع ِّ ِّ‬
‫م‬ ‫ل‬
‫فعد بدعتهم من البدع التي يعتبر فيها الرجل من أهل األهواء‬

‫التنبيه الثاني ‪ :‬قد ورد عن بعض مرجئة الفقهاء أنهم يرون السيف ‪ ،‬بل نسب ذلك بعض الناس للفرقة كلها ‪ ،‬وعلى هذا ال‬
‫ٌ‬
‫فيصل بين أهل السنة والبدعة‪.‬‬ ‫يجوز أن يقال فيمن يرى السيف أنه سني إذا صح عنه ذلك إذ أن القول بالسيف‬
‫قال اآلجري في الشريعة ‪ : 1986‬وحدثنا الفريابي قال ‪ :‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال ‪ :‬حدثنا سعيد بن عامر قال ‪ :‬حدثنا‬
‫سالم بن أبي مطيع قال ‪ " :‬كان أيوب يسمي أصحاب البدع خوارج ‪ ،‬ويقول ‪ :‬إن الخوارج اختلفوا في االسم واجتمعوا على‬
‫السيف"‬
‫السبب السابع من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬دعوته إلى اإلرجاء‬

‫علم أن داعية البدعة أمره أشد من الواقع فيها بدون دعوة‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (‪)386 /7‬‬ ‫ُلي ْ‬
‫اس‬ ‫ض َرره َع ْن َّ‬
‫الن‬ ‫" َو َه َذا َم ْذ َه ُب ُف َق َهاء َأ ْهل ْال َحديث َك َأ ْح َم َد َو َغ ْيره‪َ :‬أ َّن َم ْن َك َ‬
‫ان َداع َي ًة َإلى ب ْد َعة َفإ َّن ُه َي ْس َتح ُّق ْال ُع ُق َوب َة ل َد ْفع َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ْ َ ً َ َ ُ ُ َ ْ ُ َ ََ َ ُ ُ َ ُ َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َْ‬
‫الد ِّين ال ُي ْؤخذ َع ْن ُه ال ِّعل ُم َوال ُي ْس َت ْق َض ى َوال ت ْق َب ُل‬ ‫اط ِّن ُمجت ِّهدا وأق ُّل عقوب ِّت ِّه أن ي ْهج َر فال يكون له َم ْرت َبة ِّفي ِّ‬ ‫و ِّإن كان ِّفي الب ِّ‬
‫َ ُ َ َ‬
‫ش َه َادت ُه َون ْح ُو ذ ِّل َك"‪ ،‬وقال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 352‬حدثني سويد بن سعيد ‪ ،‬نا عبد هللا بن يزيد ‪ ،‬قال ‪ :‬دعاني أبو‬
‫حنيفة إلى اإلرجاء "‪ ،‬وأثبت عليه الدعوة إلى اإلرجاء ابن حبان في املجروحين‬
‫ُّ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫الدن َيا غيره أخطأ‬ ‫الح ِّديث صناعته حدث ِّب ِّمائة َوثال ِّث َين َح ِّديثا مسانيد َما ل ُه َح ِّديث ِّفي‬ ‫قال ابن حبان في املجروحين ‪ ":‬لم يكن َ‬

‫استحق‬ ‫ص َوابه ْ‬‫طؤ ُه على َ‬ ‫عشرين َحديثا إ َّما َأن يكون أقلب إ ْس َناده َأو غير َمتنه من َح ْي ُث َال يعلم َف َل َّما غلب َخ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ِّم ْن َها ِّفي مائة و‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْْ‬
‫ترك ِّاال ْح ِّت َجاج ِّب ِّه ِّفي األخ َبار َومن ِج َهة أخ َرى ال يجوز ِاال ْح ِت َجاج ِب ِه ِألنه كان َداعيا ِإلى اإلرجاء والداعية ِّإلى البدع ال يجوز أن‬
‫صار َو َسا ِّئر‬
‫َْ‬
‫األ ْم َ‬ ‫يح َتج به ع ْند َأئ َّم َتنا قاطبة َال أعلم َبينهم فيه خال ًفا على َأن َأئ َّمة ْاملُسلمين َوأهل ْال َورع في َّ‬
‫الدين ِّفي َج ِّميع‬ ‫ْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫ً‬ ‫َْ‬ ‫َّ ْ َ‬ ‫ََ ْ‬
‫احد"‪ ،‬وأثبته أيضا أبو زرعة وقد تقدم نقل نصه‪.‬‬ ‫األقطار جرحوه وأطلقوا عل ْي ِّه القدح ِّإال الو ِّاحد بعد الو ِّ‬

‫‪19‬‬
‫السبب الثامن من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬قوله بالسيف‬

‫قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 185‬حدثني أبو الفضل الخراساني ‪ ،‬حدثني إبراهيم بن شماس السمرقندي ‪ ،‬قال قال‬
‫رجل البن املبارك ونحن عنده‪ ،‬إن أبا حنيفة كان مرجئا يرى السيف ‪ .‬فلم ينكر عليه ذلك ابن املبارك‪.‬‬
‫وقال عبد هللا في السنة ‪ : 186‬حدثني أبو الفضل الخراساني ‪ ،‬ثنا الحسن بن موس ى األشيب ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت أبا يوسف ‪،‬‬
‫يقول ‪ ":‬كان أبو حنيفة يرى السيف قلت ‪ :‬فأنت ؟ قال ‪ :‬معاذ هللا "‪.‬‬
‫وهذا النص بعد وفاة أبي حنيفة وأبو يوسف نصه مقدم على كالم الطحاوي الذي لم يدرك أبا حنيفة‪.‬‬
‫وقال عبد هللا في السنة ‪ : 314‬حدثني محمد بن هارون أبو نشيط ‪ ،‬حدثني أبو صالح يعني الفراء قال ‪ :‬سمعت أبا إسحاق‬
‫الفزاري ‪ ،‬يقول ‪ ":‬كان أبو حنيفة مرجئا يرى السيف "‪.‬‬
‫وقال عبد هللا في السنة ‪ : 327‬حدثني أبو الفضل الخراساني ‪ ،‬نا أحمد بن الحجاج ‪ ،‬نا سفيان بن عبد امللك ‪ ،‬حدثني ابن‬
‫املبارك ‪ ،‬قال ‪ " :‬ذكرت أبا حنيفة عند األوزاعي وذكرت علمه وفقهه فكره ذلك األوزاعي وظهر لي منه الغضب وقال ‪ :‬تدري‬
‫ما تكلمت به تطري رجال يرى السيف على أهل اإلسالم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬إني لست على رأيه وال مذهبه ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد نصحتك فال تكره‬
‫فقلت قد قبلت "‪ ،‬وقال ابن أبي حاتم تقدمة الجرح والتعديل ص‪ 269‬نا محمد بن احمد بن ابي عون النسائي نا احمد بن‬
‫حكيم أبو عبد الرحمن هذا الباب بتمامه من م فقط وكأنه املروزي نا احمد بن سليمان نا االصمعي عبد امللك بن قريب قال‬
‫‪ " :‬كنت عند هارون امير املؤمنين وأبو يوسف بجنبه إذ دخل عليه أبو اسحاق الفزاري فأقيم من بعيد قال فنظر إليه‬
‫هارون فقال انا هلل وانا إليه راجعون وقع الشيخ موقع سوء ‪ ،‬قال وإذا الرجل عزيم صريم‪.‬‬
‫قال فقال له هارون ‪ :‬انت الذي تحرم لبس السواد ؟ قال فقال معاذ هللا يا امير املؤمنين انا من اهل بيت سنة وجماعة ولقد‬
‫خرجت مرة في بعض هذه الثغور وخرج اخي مع ابراهيم إلى البصرة فقال لي استاذ هذا [ يعني أبا حنيفة أستاذ أبي يوسف ] ‪:‬‬
‫ملخرج اخيك مع ابراهيم احب الي من مخرجك ‪ .‬وهو يرى السيف فيكم ‪ ،‬فلعل هذا الجالس بجنبك اخبرك بهذا ‪ ،‬على هذا‬
‫وعلى استاذه لعنة هللا وغضبه‪ ،‬قال فما زال هارون يقول له ‪ :‬ادن ‪ -‬حتى اقعده فوق ابي يوسف ‪ ،‬وابو يوسف منكس رأسه‬
‫‪ -‬قال فقال له يا ابا اسحاق قد امرنا لك بثالثة آالف دينار وبغل وفرس‪.‬‬
‫فيا ليت شعري البرتي ينكر عليه القول بخلق القرآن وأبو يوسف ينكر عليه القول بالسيف وسيأتي قول الشيباني فيه‬
‫ً‬
‫(جاهل بالكتاب جاهل بالسنة) فهذا قول أصحابه فيه فهل نحن أعظم توقيرا له من أصحابه؟!‬

‫‪20‬‬
‫السبب التاسع من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬قوله بالحيل‬

‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ال‪ :‬أخ َب َرنا ُم َح َّمد بن عبد هللا الشافعي‪ ،‬قا َل‪:‬‬‫قال الخطيب في تاريخه (‪ : )556 /15‬أخ َب َرنا ُم َح َّمد بن عبيد هللا الحنائي‪ ،‬ق‬
‫َ‬
‫ال‪َ :‬ح َّدث َنا عبد هللا ابن املبارك‪ ،‬قال‪ " :‬من نظر في‬ ‫ال‪َ :‬ح َّد َث َنا َأ ُبو توبة الربيع بن نافع‪َ ،‬ق َ‬
‫اعيل السلمي‪َ ،‬ق َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ َ َ َ‬
‫حدثنا ُمح َّمد بن ِّإس َم ِّ‬
‫كتاب الحيل ألبي حنيفة أحل ما حرم هللا‪ ،‬وحرم ما أحل هللا "‪ ،‬وهذا إسناد صحيح‪.‬‬
‫َ‬ ‫ال‪َ :‬أ ْخ َب َرَنا ُم َح َّمد بن عبد هللا بن خلف الدقاق‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪َ :‬ح َّدث َنا ُع َمر بن‬ ‫أيضا َأ ْخ َب َرَنا إبراهيم بن ُع َمر البرمكي‪َ ،‬ق َ‬
‫ً‬
‫وقال الخطيب‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُم َح َّمد الجوهري‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪َ :‬ح َّدث َنا أ ُبو بكر األثرم‪ ،‬قال‪َ :‬ح َّدث ِّني زكريا بن سهل املروزي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الطالقاني أبا إسحاق‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫سمعت ابن املبارك‪ ،‬يقول‪ " :‬من كان كتاب الحيل في بيته يفتي به أو يعمل بما فيه فهو كافر‪ ،‬بانت امرأته‪ ،‬وبطل حجه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقيل له‪ :‬إن في هذا الكتاب إذا أرادت املرأة أن تختلع من زوجها ارتدت عن اإلسالم حتى تبين‪ ،‬ثم تراجع اإلسالم‪ ،‬فقال عبد‬
‫هللا‪ :‬من وضع هذا فهو كافر‪ ،‬بانت منه امرأته‪ ،‬وبطل حجه‪ ،‬فقال له خاقان املؤذن‪ :‬ما وضعه إال إبليس‪ ،‬قال‪ :‬الذي وضعه‬
‫عندي أبلس من إبليس"‬
‫َ ْ َ‬
‫وقال زكريا‪ :‬أخ َب َرنا الحسين بن عبد هللا النيسابوري‪ ،‬قال‪ :‬أشهد على عبد هللا‪ ،‬يعني‪ :‬ابن املبارك شهادة يسألني هللا عنها‪ ،‬أنه‬
‫قال لي‪ :‬يا حسين‪ ،‬قد تركت كل ش يء رويته عن أبي حنيفة‪ ،‬فأستغفر هللا وأتوب إليه‪.‬‬
‫َ‬
‫ض ُسن ِّن‬ ‫َّ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ‬ ‫َ ْ ُ َ ْ َ َ ََ َ ْ َ َ ْ َْ َ ْ َ‬
‫اب الرأ ِّي‪ ،‬فقال‪ :‬يحتالون ِّلنق ِّ‬
‫وقال أبو داود في مسائله عن أحمد ‪ :1784‬س ِّمعت أحمد‪ " ،‬ذكر ال ِّحيل ِّمن أم ِّر أصح ِّ‬
‫َّ‬ ‫َّ َ َّ َّ ُ َ‬
‫َّللا َعل ْي ِّه َو َسل َم"‪.‬‬ ‫ُ‬
‫َرسو ِّل ِّ‬
‫َّللا صلى‬
‫وقد أثبت على أبي حنيفة القول بالحيل شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا تعالى‪ ،‬قال شيخ اإلسالم في القواعد النورانية‬
‫ص‪ ": 89‬ومن أصولها أن أبا حنيفة أوسع في إيجابها من غيره فإنه يوجب في الخيل السائمة املشتملة على اآلثار ويوجبها في‬
‫كل خارج من األرض ويوجبها في جميع أنواع الذهب والفضة من الحلى املباح وغيره ويجعل الركاز املعدن وغيره فيوجب فيه‬
‫الخمس لكنه ال يوجب ما سوى صدقة الفطر والعشر إال على مكلف ويجوز االحتيال إلسقاطها"‪ ،‬وذكر ابن القيم في بدائع‬
‫الفوائد أن من أصول أبي حنيفة القول بالحيل‪ ،‬والحيل ال زالت موجودة ويعمل فيها في مذهبهم‪.‬‬
‫قال ابن القيم في إغاثة اللهفان ص‪ ": 338‬ومن مكايده التي كاد بها اإلسالم وأهله‪ :‬الحيل واملكر والخداع الذى يتضمن‬
‫تحليل ما حرم هللا‪ ،‬وإسقاط ما فرضه‪ ،‬ومضادته في أمره ونهيه‪ ،‬وهى من الرأي الباطل الذى اتفق السلف على ذمه‬
‫فإن الرأي رأيان‪ :‬رأي يوافق النصوص وتشهد له بالصحة واالعتبار‪ ،‬وهو الذي اعتبره السلف‪ ،‬وعملوا به‪ .‬ورأي يخالف‬
‫النصوص وتشهد له باإلبطال واإلهدار‪ ،‬فهو الذي ذموه وأنكروه‪ ،‬وكذلك الحيل نوعان‪ :‬نوع يتوصل به إلى فعل ما أمر هللا‬
‫تعالى به‪ ،‬وترك ما نهى عنه والتخلص من الحرام‪ ،‬وتخليص الحق من الظالم املانع له‪ ،‬وتخليص املظلوم من يد الظالم‬
‫ً‬
‫الباغى‪ ،‬فهذا النوع محمود يثاب فاعله ومعلمه‪ ،‬ونوع يتضمن إسقاط الواجبات‪ ،‬وتحليل املحرمات‪ ،‬وقلب املظلوم ظاملا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والظالم مظلوما‪ ،‬والحق باطال والباطل حقا‪ ،‬فهذا النوع الذى اتفق السلف على ذمه‪ ،‬وصاحوا بأهله من أقطار األرض"‬
‫فهنا ابن القيم يصرح بأن السلف اتفقوا على ذم الحيل والرأي املحدث والصيح بأهله في أقطار البلدان‪ ،‬فمن هؤالء إن لم‬
‫يكونوا أبا حنيفة وأصحابه ؟‬

‫‪21‬‬
‫وقد تكلم شيخ اإلسالم في بيان الدليل على بطالن التحليل على موضوع الحيل وتوسع في نقضه وبيان ضاللة أهله وهو‬
‫ً‬
‫في هذا الكتاب إنما يناقش مذهبا ألبي حنيفة‪.‬‬
‫ال َسم ْع ُت ُم َح َّم َد ْب َن َأ ْح َم َد بن َحكيم َّ‬
‫الش ْي َبا ِّني‬ ‫قال ابن حبان في املجروحين (‪َ : )71/3‬و َأ ْخ َب َرَنا ُم َح َّمد بن عبد َّ‬
‫الر ْح َمن ْال َف ِّقيه َق َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُْ َ َ ُ ُ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ ُ ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫اب ال ِّح َي ِّل ُي ِّر ُيد أ ْن َي ْع َم َل ِّب َما ِّفي ِّه ف ُه َو‬‫َي ُقول سمت أ َبا ِّإ ْس َحاق الطالقا ِّني َي ُقول َس ِّمعت بن املبار ِّك يقول " من كان ِّعنده ِّكت‬
‫َ َ َ َ ْ ُ َ َّ ُ‬ ‫الن َل ْو َأ َّن َر ُجال َظ َاه َر م َن ْام َ َرأته َف ْارَت َّد َعن ْ‬ ‫ال‪َ :‬ق َ‬
‫ال ُف ٌ‬ ‫َكا ِّف ٌر َو َب َان ْت ِّم ْن ُه ْام َ َرأ ُت ُه َو َب َط َل َح ُّج ُه ُث َّم َق َ‬
‫الم سقط عنه كف َارة ِّ‬
‫الظ َه ِّار‬ ‫اإلس ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َ َّ َ ُ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫ال ل ُه َر ُج ٌل اف َع ْل َهذا ِّلك ْي ت ْس ُقط َع ْن ُه الك َّف َارة ف ُه َو كا ِّف ٌر َو َبان ْت ِّم ْن ُه ْام َرأت ُه َو َبط َل َح ُّج ُه" انتهى‪،‬‬ ‫ولو أن رجال ابت ِّلي ِّبهذا وق‬
‫وهذه الكلمة أوردها ابن حبان في ترجمة أبي حنيفة فتأمل‪.‬‬
‫والحيل في حقيقتها تحليل ملا حرم هللا عز وجل ‪ ،‬ومن نظر في حيل القوم في باب الفروج اقشعر جلده ‪ ،‬وهي سير على طريق‬
‫اليهود الذين اعتدوا في السبت‪ ،‬واعجب ممن يحارب القوانين الوضعية ويحارب فقه التيسير وأهله ثم يسكت عن أهل‬
‫الحيل وهم أخطر وقولهم أشنع‪ ،‬وبعض الرافضة اليوم يفتي بالحيل فأخذ ذلك عليهم بعض املتخصصين في الرد على‬
‫الرافضة ‪ ،‬والقت نفرة عظيمة من العامة فكيف لو علموا أن هذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه ؟ وقد ذم السلف من يتتبع‬
‫ً‬
‫الرخص والقول بالحيل اختراع للرخص وليس فقط تتبعا لها‪ ،‬ولهذا كان ابن الهمام الحنفي يفتي بجواز تتبع الرخص كما في‬
‫ً‬
‫فتح القدير طردا ألصوله‪.‬‬

‫السبب العاشرمن أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬قوله بالرأي‬

‫َ‬ ‫ْ ُّ ْ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ َ ْ ٌ ََ ْ َ‬
‫الس َّن ِّة املط َّه َر ِّة ِّبال ُب ْر َه ٍان َوال ُح َّج ٍة‬ ‫اصل ُه َر ُّد ك ِّث ٍير ِّمن‬
‫اس ٍد ح ِّ‬ ‫يل على َرأ ٍي ف ِّ‬ ‫قال الشوكاني في نيل األوطار (‪ ": )355/3‬وهذا تع ِّو‬
‫ْ‬ ‫الشار ُع َال ُي ْجز ُئ َك َذا َال ُي ْق َب ُل َك َذا َال َي ِّص ُّح َك َذا ‪َ ،‬و َي ُقو ُل ْاملُ َت َم ِّس ُكو َن ِّب َه َذا َّ‬
‫َني َرة َف َك ْم َم ْوطن م ْن ْاملَ َواطن َي ُقو ُل فيه َّ‬
‫الرأ ِّي ُي ْج ِّز ُئ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ٍ ِّ‬ ‫ِّ ٍ‬
‫ً‬ ‫َ ُ ْ َ ُ َ َ ُّ َ ْ َ َ َ َّ َ َّ َ ُ ْ َ ْ َّ ْ‬
‫ويقبل وي ِّصح و ِّ ِّملث ِّل هذا حذر السلف ِّمن أه ِّل الرأ ِّي" ‪ ،‬أقول ‪ :‬هنا الشوكاني ينقل تحذير السلف من أهل الرأي ‪ ،‬مقرا له بل‬
‫ً‬
‫كثير من السنة‪ ،‬نقلت هذا الكالم ردا على من زعم أن ذم أهل الرأي قد هجره أهل العلم‬ ‫ويذكر وجهه ‪ ،‬ويرمي أهل الرأي برد ٍ‬
‫‪ ،‬والسؤال هنا ‪ :‬من هم أهل الرأي ؟ فالجواب ‪ :‬ال ينطبق مسمى أهل الرأي على أحد من املذاهب الفقهية املتبوعة إال‬
‫ً‬
‫الحنفية ‪ ،‬لو نظرت في الجواهر املضية في طبقات الحنفية لوجدت عبد القادر القرش ي كثيرا ما يصف أصحابه ب(إمام أهل‬
‫الرأي ) ‪ ،‬وقد صرح الشوكاني بأن الحنفية هم أهل الرأي في السيل الجرار حيث قال" "‪ :‬فهذه األحاديث متعاضدة على تقديم‬
‫الكفارة على الحنث قال ابن املنذر رأى ربيعة واألوزاعي ومالك والليث وسائر فقهاء األمصار غير أهل الرأي يعني الحنفية أن‬
‫الكفارة تجزئ‪ "،‬والشوكاني نفسه وقع في أمور من أقبحها قوله بالوقف في القرآن ووقيعته في معاوية واملغيرة بن شعبة‬
‫وتفضيله علي على بقية الصحابة‪ ،‬وهو هنا إنما ينقل كالم السلف ‪ ،‬وكل من نظر في كالمهم بعين اإلنصاف خرج بالنتيجة‬
‫نفسها التي خرج بها الشوكاني‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫وهنا سؤال ‪ :‬هل أهل الرأي من أهل الحديث أم هم قسيم أهل الحديث أي أن الناس قسمان أهل رأي وأهل الحديث ؟‬
‫ً‬
‫من املعلوم أن عددا من أهل العلم فسروا أحاديث الطائفة املنصورة والفرقة الناجية بأنهم أهل الحديث حتى قال قائلهم (‬
‫إن لم يكونوا أهل الحديث فال أدري من هم ) ‪ ،‬فإذا كان أهل الرأي من أهل الحديث فهم داخلون في هذه الفضيلة ‪ ،‬وإن لم‬
‫يكونوا كذلك فليس لهم من مسمى الطائفة املنصورة والفرقة الناجية نصيب‪ ،‬والحق أنهم قسيم أهل الحديث ‪ ،‬وقسيم‬
‫ً‬
‫الش يء ال يكون قسما منه ‪ ،‬بل ال زالت النفرة عظيمة بينهم والناس يقولون ( هذا من أهل الرأي ) ويقولون ( هذا من أهل‬
‫الحديث ) بل يقولون ( فالن ترك مذهب أهل الرأي وصار من أهل الحديث( قال شيخ اإلسالم كما في مجموع الفتاوى‬
‫ان َع َلى َم ْذ َهب َأ ْهل َّ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ ْ َ‬‫يل َفإ َّن ُه َك َ‬ ‫(‪"َ : )404/30‬و َأ َّما ْ‬
‫يث"‪ ،‬فهذا نص على أن مذهب‬‫الرأ ِّي ث َّم انتق َل إلى َمذه ِّب أه ِّل الح ِّد ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫إس َم ِّ ُ‬
‫اع ِّ‬
‫ً‬
‫أهل الرأي غير مذهب أهل الحديث‪ ،‬وقال الخطيب في الفقيه واملتفقه مبينا سبب عداوة أهل الرأي ألهل الحديث‬
‫)‪ " (2/365‬أما طعن املتخصصين من أهل الرأي واملتكلمين ‪ ،‬فأنا أبين السبب فيه ليعرفه من لم يكن يدريه أما أهل الرأي‬
‫فجل ما يحتجون به من األخبار واهية األصل ‪ ،‬ضعيفة عند العلماء بالنقل ‪ ،‬فإذا سئلوا عنها بينوا حالها ‪ ،‬وأظهروا فسادها ‪،‬‬
‫فشق عليهم إنكارهم إياهم ‪ ،‬وما قالوه في معناها ‪ ،‬وهم قد جعلوها عمدتهم ‪ ،‬واتخذوها عدتهم ‪ ،‬وكان فيها أكثر النصرة‬
‫ملذاهبهم ‪ ،‬وأعظم العون على مقاصدهم ومآربهم ‪ ،‬فغير مستنكر طعنهم عليهم ‪ ،‬وإضافتهم أسباب النقص إليهم ‪ ،‬وترك‬
‫قبول نصيحتهم في تعليلهم ‪ ،‬ورفض ما بينوه من جرحهم ‪ ،‬وتعديلهم ‪ ،‬ألنهم قد هدموا ما شيدوه وأبطلوا ما أموه منه‬
‫وقصدوه ‪ ،‬وعللوا ما ظنوا صحته واعتقدوه"‪.‬‬
‫وها‪َ ،‬وَال ُي َ‬ ‫َ َّ َّ َ َ ْ َ ُ َّ َّ َ َ ُّ َ ْ َ‬
‫األ ْل َفاظ َّالتي َذ َك ُر َ‬
‫وج ُد ِّفي‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫قال شيخ اإلسالم كما في الفتاوى الكبرى (‪ : )139/5‬ف ِّإن الش ِّارع لم يدل الناس قط ِّبه ِّذ ِّه‬
‫َ َ ْ َ َ َّ َ َ ُ ُ ً‬
‫وه َد ِّليال‬ ‫ص ِّح ٍيح‪ ،‬ونح ِّو ذ ِّلك ِّمما جعل‬ ‫سب َ‬ ‫يح؛ َأ ْو َل ْي َ‬
‫صح ٌ‬
‫ِّ‬
‫وط ْال َب ْيع‪َ ،‬أ ْو الن َكاح‪َ ،‬ك َذا‪َ ،‬و َك َذا‪َ ،‬وَال َهذه ْالع َب َاد ُة‪َ ،‬أ ْو ْال َع ْق ُد َ‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ ُ ُ‬
‫ر‬ ‫ش‬ ‫ه‬‫ِّ‬ ‫م‬
‫ِّ‬ ‫ال‬
‫ََ‬
‫ك‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ ُّ َ َ َ ٌ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َّ ْ ْ َ َ‬ ‫ََ‬
‫الرأ ِّي َوالكال ِّم‪" ،‬فقرنهم بأهل الكالم‪.‬‬ ‫الصح ِّة والفس ِّاد‪ ،‬بل ه ِّذ ِّه كلها ِّعبارات أحدثها من أحدثها ِّمن أه ِّل‬ ‫على ِّ‬
‫فإذا علمت هذا فمسمى الطائفة املنصورة والفرقة الناجية ال يدخل فيه أهل الكالم وأهل الرأي وأهل التصوف ‪ ،‬وإن كان في‬
‫أفرادهم من هو فاضل معذور ‪ ،‬ولكن الكالم هنا على الحكم العام‪ ،‬قال عبد الحليم ابن تيمية والد شيخ اإلسالم في املسودة‬
‫(‪[ ": )256/1‬والد شيخنا] فصل‪ :‬في قول أحمد‪" :‬ال يروى عن أهل الرأي" تكلم عليه ابن عقيل بكالم كثير قال في رواية عبد‬
‫هللا أصحاب الرأي ال يروى عنهم الحديث قال القاض ي وهذا محمول على أهل الرأي من املتكلمين كالقدرية ونحوهم‪ ،‬قلت ‪:‬‬
‫ليس كذلك بل نصوصه في ذلك كثيرة وهو ما ذكرته في املبتدع ‪ ،‬أنه نوع من الهجرة فانه قد صرح بتوثيق بعض من ترك‬
‫الرواية عنه كأبي يوسف ونحوه ولذلك لم يرو لهم في االمهات كالصحيحين"‬
‫أقول ‪ :‬هذا نص مهم يبين فيه والد شيخ اإلسالم أن اإلمام أحمد كان يدعو إلى ترك الرواية عن أهل الرأي وإن كانوا ثقات ‪،‬‬
‫وأن هذا من باب هجران املبتدع ‪ ،‬ويمثل بأبي يوسف القاض ي ‪ ،‬وشيخ اإلسالم هنا يقر والده وال يعلق على كالمه بش يء‬
‫ونص أحمد املشار إليه هو ما روى العقيلي في الضعفاء (‪ )59/1‬حدثنا آدم بن موس ى قال ‪ :‬سمعت محمد بن إسماعيل‬
‫البخاري قال ‪ :‬أسد بن عمرو أبو املنذر البجلي كوفي صاحب رأي ليس بذاك عندهم ‪ .‬حدثنا عبد هللا بن أحمد قال ‪ :‬سألت‬
‫أبي عن أسد بن عمرو صدوق ؟ قال ‪ :‬أصحاب أبي حنيفة ليس ينبغي أن يروى عنهم ش يء "‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫فهذا نص أحمد وهذا شرح أصحابه ( من املتأخرين ) لكالمه رحمه هللا تعالى ‪ ،‬وليعلم أن أبا يوسف القاض ي من أفضل أهل‬
‫الرأي‪ -‬على باليا عظيمة وقع فيها ‪ ، -‬فقد خالف إمامه في مسائل كثيرة كان الحق فيها معه ‪ ،‬ولم يصح عنه قول الجهمية بل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صح عنه أنه ذم الجهمية واملقاتلية كما في تاريخ بغداد ‪ ،‬وكان ينكر القول بالسيف ‪ ،‬وكان صدوقا في الحديث لم يكن ضعيفا‬
‫‪ ،‬ومع ذلك امتثل أصحاب الصحيحين وصية اإلمام أحمد بترك الرواية عن أهل الرأي كما ذكر والد شيخ اإلسالم بل وامتثلها‬
‫ً‬
‫أصحاب الكتب الستة إذ لم يخرجوا لكبار أصحاب الرأي شيئا بل عامة أصحاب السنن واملسانيد‪.‬‬
‫فإن قال قائل ‪ :‬أليس قد خرجوا لبعض أهل البدع ممن هم ليسوا في العلم والفضل كأهل الرأي ؟‪ ،‬فالجواب ‪ :‬بلى ‪ ،‬وذلك له‬
‫تخريجان‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األول ‪ :‬أن يقال أنهم خرجوا ملن ال يرونه داعية ‪ ،‬وقد رأوا هؤالء دعاة إما إلى اإلرجاء أو إلى الرأي املذموم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يكون أهل الرأي لقلة عنايتهم باآلثار ال يحتاج إليهم ‪ ،‬مع ما هم عليه من الحال غير املرضية عند السلف لهذا‬
‫هجروا روايتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وليعلم أن أهل الرأي يعظمون أبا يوسف جدا ويعدونه اإلمام الثاني في مذهبهم ‪ ،‬ومن أخذ بقوله وخالف قول اإلمام لم يكن‬
‫ً‬
‫عندهم خارجا من املذهب ‪ ،‬فإذا كان األمر كذلك فال شك أن يكرهون ذلك الكالم الذي قاله والد شيخ اإلسالم‪.‬‬
‫وقال ابن القيم في إعالم املوقعين (‪ ": )207/4‬وال خالف عنه ‪ -‬يعني أحمد ‪ -‬في أنه ال يستفتي أهل الرأي املخالفون لسنة‬
‫رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وباهلل التوفيق وال سيما كثير من املنتسبين إلى الفتوى في هذا الزمان وغيره وقد رأى رجل‬
‫ربيعة بن أبي عبد الرحمن يبكي فقال ما يبكيك فقال استفتي من ال علم له وظهر في اإلسالم أمر عظيم قال ولبعض من يفتي‬
‫ههنا أحق بالسجن من السراق"‪.‬‬
‫ً‬
‫أقول ‪ :‬هنا ابن القيم ينقل عن اإلمام أحمد كراهيته الستفتاء أهل الرأي ويقره فليس كالم أحمد مهجورا كما يزعم بعضهم ‪،‬‬
‫وإذا كان أحمد ال يرى الرواية عنهم فكيف يرى أخذ كالمهم في الفتيا؟! ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال عبد هللا بن أحمد في مسائله عن أبيه ‪َ ": 1585‬سألت ابي َعن الرجل ُي ِّريد ان ي ْسأل َعن الش ْيء من ْامر دينه ِّم َّما يبتلى ِّب ِّه‬
‫الحديث َّ‬ ‫ََ ْ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الط َالق َو َغيره َوفي مصر من اصحاب َّ ْ َ‬ ‫َّ‬
‫الض ِّعيف‬ ‫الرأي ومن اصحاب الح ِّديث ال يحفظون وال يعرفون ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫من االيمان ِّفي‬
‫َ َ َْ‬ ‫َّ‬ ‫الرأي َا ْو َله ُؤَالء اعني اصحاب ال َحديث على َما قد َك َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ َ ْ َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫يسأل‬ ‫ان من قلة معرفتهم قال‬ ‫ِّ‬ ‫يسأل الصحاب‬ ‫َوال االسناد القوي ف ِّلمن‬
‫الحديث خير من َ ْأي ابي َ‬ ‫ضعيف َ‬ ‫الرأي َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫اصحاب َ‬
‫حنيفة"‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اصحاب‬ ‫ل‬ ‫أ‬‫الح ِّديث ال يس‬
‫ال‪:‬‬ ‫وقال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة في ترجمة الحافظ أحمد بن الفرات الرازي (‪ ": )54/1‬ونقل َع ْن إمامنا أشياء منها َق َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ال أ ْح َمد من دل َعلى صاحب رأي ليفتيه فقد أعان َعلى هدم اإلسالم"‪.‬‬ ‫ق‬
‫وقد ورد نحو هذا عن اإلمام الشافعي‪ ،‬قال أبو إسماعيل الهروي في ذم الكالم ‪َ : 351‬أ ْخ َب َرَنا َأ ْح َم ُد ْب ُن ُم َح َّم ِّد ْبن َّ‬
‫الس ْي َر َجا ِّن ِّي‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫يس ى ال َق َّر ِّاب ُّي َه َر ِّو ُّي ِّب َبل ٍخ َس ِّم ْع ُت ُه َي ُقو ُل‬ ‫أخ َب َرنا أ ْح َم ُد ْب ُن َع ِّل ٍي ال ُّسل ْي َما ِّن ُّي ال َحا ِّفظ ِّب ِّب ِّيك ْن َد َح َّدث َنا أ ُبو َج ْع َف ٍر أ ْح َم ُد ْب ُن ُم َح َّم ِّد ْب ِّن ِّع‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ ْ ُ َ ْ َّ َ ْ ُ َّ َّ َ ُ ُ َ َ ُّ َ َ ْ َ ْ َّ ْ َ‬ ‫ُ ُْ َ َ‬
‫الرأ ِّي أ ْن ُي ْف ِّت َي ف ِّإ ْن َح َّل ف ِّل ُم َح َّم ِّد ْب ِّن‬ ‫يد س ِّمعت البوي ِّطي س ِّمعت الشا ِّف ِّعي يقول ال ي ِّحل ِّألح ٍد ِّمن أه ِّل‬ ‫َس ِّم ْعت عث َمان ْبن َس ِّع ٍ‬
‫ْ‬
‫ال َح َسن"‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ً‬
‫وقد نص شيخ اإلسالم ابن تيمية على أنهم من أقل الناس نفعا في باب اإلفتاء ‪ ،‬مع كثرة عددهم وقوة سلطانهم ‪،‬‬
‫قال شيخ اإلسالم في االستقامة ص‪ ":12‬الوجه الثالث أن النصوص دالة على عامة الفروع الواقعة كما يعرفه من يتحرى‬
‫ذلك ويقصد اإلفتاء بموجب الكتاب والسنة وداللتها وهذا يعرفه من يتأمل كمن يفتى في اليوم بمائة فتيا أو مائتين أو‬
‫ثالثمائة وأكثر أو أقل وأنا قد جربت ذلك ومن تدبر ذلك رأى أهل النصوص دائما أقدر على اإلفتاء وأنفع للمسلمين في ذلك‬
‫من أهل الرأي املحدث فإن الذى رأيناه دائما أن أهل رأي الكوفة من أقل الناس علما بالفتيا و أقلهم منفعة للمسلمين‬
‫مع كثرة عددهم وما لهم من سلطان وكثرة بما يتناولونه من األموال الوقفية والسلطانية وغير ذلك ثم إنهم في الفتوى من‬
‫أقل الناس منفعة قل أن يجيبوا فيها وإن أجابوا فقل أن يجيبوا بجواب شاف وأما كونهم يجيبون بحجة فهم من أبعد الناس‬
‫عن ذلك"‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم كما في [ جامع املسائل املجموعة الثامنة ص‪ – 74‬ط دار عالم الفوائد ت ‪ /‬محمد عزيز شمس‪] :‬‬
‫الهجرة املشروعة كقوله تعالى ‪ { :‬والرجز فاهجر } وقوله ‪ { :‬وإذا رأيت الذين يخوضون } وقوله { ‪ :‬وتولى عنهم }‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقوله ‪ { :‬واهجرهم هجرا جميال } ‪ ,‬وهجرة الصحابة إلى الحبشة ثم إلى املدينة ‪ ,‬وهجرة املسلم من دار الكفر إلى دار اإلسالم ‪,‬‬
‫وهجرة الناس من دار الفجور والبدعة إلى دار البر والسنة ‪ ,‬وهجرة املعلنين باملعاص ي واملظهرين للبدع ‪ ,‬كما أمر النبي – صلى‬
‫هللا عليه وسلم – بهجرة الثالثة الذين خلفوا ‪ ,‬وأمر عمر بهجر صبيغ بن عسل ‪ ,‬وأمر األئمة بهجران الدعاة إلى البدع بحيث‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ال يتخذون حكاما وال شهودا وال أئمة وال مفتين وال محدثين ‪ ,‬وال يجالسون وال يخاطبون ‪ ,‬ونحو ذلك ‪ ,‬كل هذا له مقصودان ‪:‬‬

‫أحدهما ‪ :‬اشتمال ذلك على أداء الواجبات وترك املحرمات ‪ ,‬فإن هجران الذنوب تركها ‪ ,‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫املهاجر من هجر ما نهى هللا عنه ‪ ,‬والهجرة من دار الحرب ليتمكن املسلم من إقامة دينه ولوائه الجهاد ‪،‬ولئال يقع فيما هم‬
‫ً‬
‫فيه ‪ ,‬وكذلك هجران قرناء السوء ‪ ,‬لئال يرى القبيح ويسمعه فيكون شريكا لهم كما قال تعالى ‪ { :‬إنكم إذن مثلهم }‪ ،‬ولئال‬
‫يوقعوه في بعض ذنوبهم فإن املرء على دين خليله ‪ ,‬فلينظر أحدكم من يخالل ‪ ,‬فاألول يكون بترك مخالطتهم وقت الذنوب ‪,‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإن خولطوا في غيرها للضرورة ‪ ,‬والثاني يكون بترك عشرتهم مطلقا ‪ ,‬فإن املعاشرة قد تجر إلى القبيح ‪ ,‬فمن كان مضطرا إلى‬
‫ً‬
‫معاشرتهم أو كان هو الحاكم عليهم دينا ودنيا فهذا ال ينهى عن املعاشرة ‪ ,‬بخالف ‪ [ ..........‬قال املحقق ‪ :‬كلمة غير واضحة ]‬
‫الذين قد يفسدون عقله أو دينه أو نحو ذلك‪.‬‬
‫املقصود الثاني ‪ :‬تضمنها نهي املهجور وتعزيره وعقوبته فيكون جز ًاء له ‪ [ ...‬قال املحقق ‪ :‬كلمة مطموسة ] ولغيره من ضربائه ‪,‬‬
‫كسائر أنواع التعزير والعقوبات املشروعة ‪ ,‬فهذه الهجرة من جنس العقوبات والتعزيرات لتنكيل املهجور وغيره على ذلك‬
‫الذنب ‪ ,‬وتلك الهجرة من جنس التقوى واالحتراز عن مواقعة املحظورات البدعية والفجورية ‪ ,‬فاألولى تحقيق التقوى ‪,‬‬
‫والثانية تحقيق الجهاد ‪ ,‬فاألولى من فعل الذين هاجروا ‪ ,‬والثانية من فعل الذين جاهدوا { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا‬
‫بأموالهم وأنفسهم في سبيل هللا ‪ ,‬والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض } ولهذا ال يصلح ‪[ ....‬قال املحقق‪ :‬كلمة‬
‫مبتورة ]إال مع املكنة والقدرة‪ ،‬كما ال تصلح املعاقبة إال للقادر املتمكن بخالف األولى ‪ ,‬ولهذا كانت األولى مشروعة بمكة ‪,‬‬
‫والثانية إنما شرعت باملدينة بعد تبوك ملا كان اإلسالم في غاية القوة‪،‬‬

‫‪25‬‬
‫فإن الثانية تتضمن ترك السالم عليه وترك عيادته وتقديمه في ش يء من املراتب الدينية ‪ ,‬كاإلمامة والحكم والشهادة‬
‫والحديث والفتوى‪ ،‬وهذا إذا كان ممن يؤثر في املهجور حصول املنفعة ‪ ,‬وربما كان فيه منفعة ومضرة فيراعى ما غلب منهما ‪,‬‬
‫وقد يختلف ذلك باختالف األحوال واألوقات ‪ ,‬وتختلف فيه االجتهادات ‪ ,‬وقد يستغنى عن الهجرة بالتأليف ‪ ,‬فالغرض النهي‬
‫عن املنكر بأقرب الطرق وتحصيل املعروف على أكمل الوجه ‪ ,‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫وأهل السنة والحديث يهجرون الداعية إلى البدع من الكالم أو الرأي أو العبادة ‪ ,‬ولهذا كان أهل السنة قد تجنبوا فيها‬
‫الرواية عن الدعاة إلى البدع عندهم من أهل الكالم كعمر بن عبيد وغيره ‪ ,‬ومن أهل الرأي كأهل الرأي من أهل الكوفة ‪,‬‬
‫وهو فعل أحمد ابن حنبل معهم ‪ ,‬وهذا تفصيله مذكور في غير هذا املوضع ‪ .‬اهـ‪ ،‬وما ذكره شيخ اإلسالم من أن أحمد كان‬
‫يهجر أهل الرأي ثابت عنه بل كان ينهى عن الرواية عنهم ‪ ،‬قال العقيلي في الضعفاء (‪ : )59/1‬حدثنا عبد هللا بن أحمد قال ‪:‬‬
‫سألت أبي عن أسد بن عمرو صدوق ؟ قال ‪ :‬أصحاب أبي حنيفة ليس ينبغي أن يروى عنهم ش يء ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬فإذا كان هذا مذهب أحمد في كتابة الحديث عنهم فما عساه أن يقول في التمذهب بمذهبهم وكتابة رأيهم ‪ ،‬الذي‬
‫يجوزه بعض من يدعو إلى اتباع األئمة ولو صدق باتباعهم لعلم أن الرواية ال تختلف عن أئمة الحديث في ترك اإلفتاء بقول‬
‫ً‬
‫أهل الرأي ‪ ،‬فضال عن التسوية بينهم وبين أهل الحديث بقولك ( املذاهب الفقهية املعتبرة ) فتبدأ بأهل الرأي وتختم بأهل‬
‫الحديث‪ ،‬وقد نص الشيخ هنا على تبديع أهل الرأي وهذه نقلها حرب مسألة إجماع‪.‬‬
‫يث ‪ُ ،‬ث َّم ُي َعر ُ‬ ‫َ ْ ُ َ ُّي َ ُ َّ َ ُّ َ َ ُ ُّ َ َ َ َ َ َ ْ ُّ َّ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ‬
‫ض‬ ‫ِّ‬ ‫قال الزيلعي في نصب الراية (‪ ": )271/2‬والبخ ِّار ك ِّثير التتب ِّع ِّملا يرد على أ ِّبي ح ِّنيفة ِّمن السن ِّة ‪ ،‬فيذكر الح ِّد‬
‫َ‬ ‫الناس ‪َ :‬ك َذا َو َك َذا ‪ُ ،‬يش ُير ب َب ْعض َّ‬ ‫ض َّ‬ ‫َّللا َع َل ْي ِّه َو َس َّل َم ‪َ :‬ك َذا َو َك َذا ‪َ ،‬و َقا َل َب ْع ُ‬ ‫ص َّلى َّ ُ‬ ‫ال َر ُسو ُل ََّّللا َ‬ ‫ب ِّذ ْكر ِّه ‪َ ،‬ف َي ُقو ُل ‪َ :‬ق َ‬
‫اس إل ْي ِّه ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الن‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫الص َالة منْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يث ال َج ْهر بالب ْس َمل ِّة ‪َ ،‬وه َو َيقو ُل في أ َّول ِّكتاب ِّه ‪َ " :‬ب ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َو ُي َشن ُع ملخالفة ال َحد َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِّ ِّ‬
‫اب َّ‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫يث عل ْي ِّه ‪ ،‬وك ْيف ُيخ ِّلي ِّكت َابه ِّمن أح ِّاد ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫ال ل ْي َس ْت م ْ‬ ‫َ‬ ‫إن األ ْع َم َ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الر َّد َعلى أبي َحن َيفة ؟ ق ْول ُه ‪َّ :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ا ْإل َيم ِّان " ‪ ،‬ث َّم َي ُسوق أ َح ِّاديث ال َباب ‪َ ،‬و َي ْق ِّص ُد َّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإل َيم ِّان"‬
‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫صر ب َب ْغ َد َاد‪َ ،‬و َن َشأ ب َن ْي َس ُاب ْور‪َ،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬
‫ُ َّ‬
‫ات) أل ِّبي ِّإسحاق‪ :‬و ِّلد محمد بن ن ٍ ِّ‬ ‫وقال الذهبي في سير أعالم النبالء (‪ِّ ": )38 /14‬وفي (الط َبق ِّ‬
‫َ َّ َّ ُ َ‬
‫َّللا َعل ْي ِّه‬ ‫الن ِّب ِّي ‪ -‬صلى‬ ‫الشافعي‪َ ،‬ف َب ْي َنا َأ َنا َقاع ٌد في َم ْسجد َّ‬ ‫ال‪َ :‬ل ْم َي ُك ْن لي ُح ْس ُن َ ْأي في َّ‬
‫ر‬ ‫توط َن َس َم ْر َق ْن َد‪ُ ،‬رو َي َع ْن ُه َأ َّن ُه‪َ ،‬ق َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫واس‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ََ ََ َ‬ ‫َّللا َع َل ْيه َو َس َّل َم ‪ -‬في املَ َنام‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َ ُس ْو َل هللا ! َأ ْك ُت ُب َ ْأ َي َّ‬ ‫ص َّلى َّ ُ‬ ‫َ َ َّ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ‬
‫الشا ِّف ِّع ِّي؟ فطأطأ َرأ َس ُه ِّش ْب َه‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫النب َّي ‪َ -‬‬
‫ِّ‬
‫فرأ ْي ُت َّ‬ ‫وسلم ‪ -‬أغفيت‪،‬‬
‫ُّ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ َ ُ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ُ َ َّ ْ‬
‫ص َر‪ ،‬فك َت ْب ُت‬ ‫الرأي‪ُ ،‬ه َو رد َعلى َم ْن خالف ُس َّن ِّتي)‪، .‬فخ َر ْج ُت ِّفي أث ِّر َه ِّذ ِّه الرؤيا ِّإلى ِّم‬ ‫الغضب ِّان وقال‪( :‬تقول رأي؟ ليس هو ِّب‬
‫الشا ِّف ِّع ِّي"‪ ،‬وإنما اشتهر الشافعي بالرد على أهل الرأي‪.‬‬ ‫ُك ُت َب َّ‬

‫وقال العقيلي في الضعفاء (‪ : )221/3‬وحدثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلمة الرازي قال ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن عمر‬
‫األصبهاني رستة قال ‪ :‬سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول ‪ :‬حدثني معاذ بن معاذ قال ‪ " :‬كنت عند سوار بن عبد هللا ‪ ،‬فجاء‬
‫الغالم فقال ‪ :‬زفر بالباب ‪ ،‬فقال ‪ :‬زفر الرأي ال تأذن له فإنه مبتدع ‪ ،‬فقال له بعض جلسائه ‪ :‬ابن عمك قدم من سفر لم‬
‫تأته ومش ى إليك ‪ ،‬لو أذنت له ؟ فأذن له ‪ ،‬فدخل فسلم ‪ ،‬فما رأيته رد عليه ‪ ،‬وأراه مد يده إليه فلم يناوله يده ‪ ،‬وما رأيته‬
‫نظر إليه حتى قام وخرج"‪ ،‬أقول ‪ :‬فبدعه بالرأي كما قال شيخ اإلسالم‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫اج َذا َث َروة َوت َج َ ة‪َ ،‬وبر َو َم ْع ُر ْوف‪َ ،‬و َل ُه َت َع ُّب ٌد َو َت َه ُّج ٌد‪ ،‬إ َّال َأ َّن ُه َك َ‬
‫ان‬ ‫الس َّر ُ‬ ‫وقال الذهبي في سير أعالم النبالء (‪َ ": )396 /14‬و َق ْد َك َ‬
‫ان َّ‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِّ ار ٍ ِّ ٍ‬
‫َّ ْ َ ُ ْ َ‬
‫هللا َيغ ِّف ُر ل ُه‪-.‬‬‫اب الرأ ِّي ‪ -‬و‬ ‫صَ‬
‫ح‬ ‫ُم َناف ًرا ل ْل ُف َق َه ِّاء َأ ْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ً‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية كما في رسالته التي طبعت مؤخرا بعنوان (فضائل األئمة األربعة)! ص‪:" 11‬وأما أهل الرأي ‪ :‬فهم‬
‫وإن كان لهم جمل من الكالم في ذلك ‪ ،‬فليس لهم قواعد محررة ال في أصول الدين وال في أصول فقه ‪ ،‬ولهذا كان املتبعون لهم‬
‫فيهم من جميع أهل األهواء" ‪ ،‬هذا النص النفيس ليس في مجموع الفتاوى ‪ ،‬وقال في هذه الرسالة عن أبي حنيفة في ص‪": 14‬‬
‫ألن أصوله ال تنفي البدع وإن لم يثبتها" ‪ ،‬فمن كانت أصوله ال تنفي البدع ال شك أنها ليست أصول أهل السنة‪.‬‬
‫َّ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َّ َ ْ َ َ َّ ْ َ َ ْ َ َ ُ ْ ُ ُّ َ ْ َ َ َ ْ َ َ‬
‫الرأ ِّي ‪،‬‬ ‫ص َّرف ِّفي األ ْحك ِّام ِّب‬ ‫اإلضاف ِّة هم كل من ت‬ ‫وقال الطوفي في شرح مختصر الروضة ‪ ":‬واعلم أن أصحاب الرأ ِّي ِّبحس ِّب ِّ‬
‫يح ِّه‬ ‫ق‬ ‫اجت َهاده َع ْن َن َظر َو َرأي ‪َ ،‬و َل ْو ب َت ْحقيق ْاملَ َناط َو َت ْ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫ين َال َي ْس َت ْغني في ْ‬ ‫امل ْج َتهد َ‬ ‫َ ُْ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫اح‬ ‫و‬ ‫َف َي َت َنا َو ُل َجم َيع ُع َل َماء ْاإل ْس َالم ؛ َأل َّن ُك َّل َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ٍ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اع ِّفي ِّص َّح ِّت ِّه‪".‬‬ ‫َّالذي َال ن َز َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َو َأ َّما ب َح َسب ْال َع َلم َّية ‪َ ،‬ف ُه َو في ُ‬
‫ف َعل ٌم َعلى أ ْه ِّل ال ِّع َر ِّاق ‪َ ،‬و ُه ْم أ ْه ُل الكوف ِّة ‪ ،‬أ ُبو َح ِّن َيفة َو َم ْن ت َاب َع ُه ِّم ْن ُه ْم ‪َ ،‬و ِّإ َّن َما ُس ِّم َي‬ ‫ِّ‬ ‫ل‬ ‫الس‬ ‫ف‬‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الرأي َوالق َياس ; إ َّما ل َع َدم ُبل ْ َّ ُ ْ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫يث إلى َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ً َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َّ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ ْ َ َّ‬ ‫َ‬
‫اب ‪ ،‬أو‬ ‫وغ ِّهم ِّإياه ‪ ،‬أو ِّلكو ِّن ِّه على ِّخال ِّف ال ِّكت ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫هؤال ِّء أهل الرأ ِّي ‪ِّ ،‬ألنهم تركوا ك ِّثيرا ِّمن األح ِّاد ِّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ َ َ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ص ِّل ‪ ،‬أ ْو ِّلك ْو ِّن ِّه خ َب َر َو ِّاح ٍد ِّف َيما ت ُع ُّم ِّب ِّه ال َبل َوى ‪ ،‬أ ْو ِّلك ْو ِّن ِّه َو ِّار ًدا ِّفي ال ُح ُد ِّود‬ ‫ِّلك ْو ِّن ِّه ِّر َو َاية غ ْي ِّر ف ِّق ٍيه ‪ ،‬أ ْو ق ْد أنك َر ُه َر ِّاوي األ‬
‫َ ْ َ َّ َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َّ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ َّ ُ َ َ‬
‫َّللا ت َعالى ‪-‬‬ ‫اع ِّد ل ِّزمهم ترك العم ِّل ِّبأح ِّاديث ك ِّثير ٍة حتى خرج أحمد ‪ -‬ر ِّحمه‬ ‫ات على أص ِّل ِّهم ِّفي ذ ِّلك ‪ ،‬و ِّبمقتض ى ه ِّذ ِّه القو ِّ‬ ‫والكفار ِّ‬
‫َ‬
‫ض ُه ْم ِّفي التش ِّن ِّيع َعل ْي ِّه َح َّتى‬
‫َّ ْ‬ ‫«جامعه» َن ْح َو م َائة َأ ْو َخ ْمسم َائة َحديث ص َحاح َخ َال َف َها َأ ُبو َحن َيف َة ‪َ ،‬و َب َال َغ َب ْع ُ‬ ‫ف َيما َذ َك َر ُه ْال َخ َّال ُل في َ‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َُ‬ ‫َّ ْ ُ ْ َّ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ َّ ُ َ‬ ‫ف ك َت ًابا في ْالخ َالف َب ْي َن َّ‬ ‫َ َّ َ‬
‫ف َح َّتى َبلغوا ِّفي ِّه‬ ‫السل ِّ‬ ‫َّللا َعل ْي ِّه َو َسل َم ‪َ -‬وأ ِّبي َح ِّن َيفة ‪َ ،‬وكث َر َعل ْي ِّه الطعن ِّمن أ ِّئم ِّة‬ ‫الن ِّب ِّي ‪ -‬صلى‬ ‫صن ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫وه ‪َ ،‬و َت ْنز َيه ُه َع َّما إ َل ْيه َن َس ُب ُ‬
‫وه"‬ ‫ص َم َت ُه م َّما َق ُال ُ‬ ‫َّللا إ َّال ع ْ‬ ‫س بذ ْكره ‪َ ،‬و َأ َبى َّ ُ‬ ‫الن ْف ُ‬ ‫َم ْب َل ًغا َوَال َت ِّط ُ‬
‫يب َّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ً‬
‫أقول ‪ :‬كالم الطوفي في تلخيص أسباب تركهم للعمل في األحاديث الصحيحة ‪ ،‬حسن جدا ‪ ،‬وال شك أن هذه قواعد محدثة‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫تشبه قواعد املتكلمين في رد األحاديث ‪ ،‬ونقله عن اإلمام أحمد أنهم خالفوا مائة أو خمسمائة حديثا ثابتا أيضا نفيس ‪،‬‬
‫وقوله أن أئمة السلف كثر طعنهم عليه هو الواقع الذي ال ينكره إال مكابر‪ ،‬غير أن رده لكالمهم بما يوهم أنهم افتروا عليه‬
‫وه ) فهذا مرفوض من الطوفي ‪ ،‬والطوفي هذا متهم بالرفض على حنبليته‪ ،‬وهو من تالميذ شيخ‬ ‫بقوله َ(و َت ْنز َيه ُه َع َّما إ َل ْيه َن َس ُب ُ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم ولكنه على غير عقيدته وله في شرح مختصر الروضة كالم نجس في املغيرة بن شعبة‪ ،‬فليته صان عرض الصحابي‬
‫ً‬
‫كما صان عرض إمام أهل الرأي ‪ ،‬وقد كتب بعض أهل عصرنا كتابا يبرئه فيه من تهمة الرفض التي أثبتها عليه ابن رجب في‬
‫ذيل طبقات الحنابلة ‪ ،‬وكالمه في املغيرة يوحي أنه مائل إلى هذا املذهب الخبيث‪.‬‬
‫وبعد هذا كله نعرف سبب تبديع األئمة ألهل الرأي كما نقل حرب الكرماني وتقدم نصه‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫وقد ذكر ابن الجوزي األخبار التي خالف فيها أهل الرأي أحاديث الصحيحين في ترجمة أبي حنيفة‬
‫قال ابن الجوزي في املنتظم (‪ ": )23/3‬فأما املسائل التي خالف فيها الحديث فكثيرة‪ ،‬إال أن من مشهورها الذي خالف فيه‬
‫الصحاح‪:‬مسألة بول الغالم الذي لم يأكل الطعام يرش‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يغسل وفي الصحيحين أن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم أتي بصبي لم يأكل الطعام فبال‪ ،‬فدعا بماء فرشه عليه‪ ،.‬مسألة ال يجوز تخليل الخمر‪ ،‬وإذا خللت لم تطهر‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز وتطهر‪ .‬وفي صحيح مسلم‪ :‬من حديث أنس‪ :‬أن أبا طلحة سأل النبي صلى هللا عليه وسلم عن أيتام‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ورثوا خمرا فقال‪:‬أهرقها‪ .‬قال‪ :‬أفال أجعلها خال؟ قال‪ :‬ال‪ ،.‬مسألة يجوز اآلذان للفجر قبل طلوعه‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يجوز‪.‬‬
‫بليل‪ ،‬فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم‪" .‬‬
‫وفي الصحيحين‪ :‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أنه قال‪ " :‬إن بالل يؤذن ٍ‬
‫مسألة إذا لم تقدر على الركوع والسجود لم يسقط عنه القيام‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يسقط وفي صحيح البخاري‪ :‬عن عمران‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ " :‬صل قائما‪ ،‬فإن لم تستطع فقاعدا‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جنب‪" .‬‬
‫مسألة يسن رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يسن‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث ابن عمر‪ :‬أن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم كان إذا افتتح الصالة رفع يديه حتى تحاذي منكبيه‪ ،‬وإذا أراد أن يركع‪ ،‬وبعد رفع رأسه من الركوع‪،‬‬
‫وال يرفع بين السجدتين‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث مالك بن الحويرث مثله‪ .‬وقد رواه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫نحو عشرين صحابي‪.‬‬
‫مسألة إذا طلعت الشمس وهو في صالة الصبح أتم‪ ،‬وقال أبو حنيفة تبطل صالته‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث أبي هريرة‪ :‬أن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها‪ ،‬ومن أدرك من الصبح‬
‫ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصالة‪".‬‬
‫مسألة يجوز الوتر بركعة‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬بثالث‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث ابن عمر‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫كان يوتر بركعة‪.‬‬
‫مسألة تسن الصالة لالستسقاء‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال تسن‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم صلى صالة‬
‫االستسقاء‪.‬‬
‫مسألة ويجوز تحويل الرداء في صالة االستسقاء وقلبه‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يسن‪ .‬وقد صح أن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم فعل ذلك‪ ،.‬مسألة يستحب في غسل امليت ش يء من كافور في الغسلة األخيرة‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يستحب وفي‬
‫ً‬
‫الصحيحين‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال للواتي غسلن ابنته‪ " :‬اجعلن في الغسلة األخيرة كافورا‪" .‬‬
‫مسألة يسن استالم الركن اليماني في الطواف‪ ،‬وقال أبو حنيفة ال يسن‪ .‬وفي صحيح مسلم‪ :‬من حديث ابن عمر‪ :‬أن رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم كان ال يستلم إال الحجر األسود والركن اليماني‪.‬‬
‫مسألة إشعار البدن‪ ،‬وتقليدها سنة‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يكره اإلشعار؛ فإنه مثلة‪ .‬وقد صح أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫أشعر بدنته وقلدها‪ ،.‬مسألة يجوز بيع العرايا‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يجوز‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث زيد بن ثابت‪:‬‬
‫أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم رخص في بيع العرايا‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫مسألة إذا اشترى مصراة ثبتت له خيار الفسخ‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يثبت‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث أبي هريرة‪ :‬أن رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬ال تصروا الغنم‪ ،‬ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها‪ ،‬وإن‬
‫ً‬
‫تمر‪".‬‬
‫سخطها ردها وصاعا من ٍ‬
‫ً‬
‫مسألة ال يجوز بيع الكلب وإن كان معلما‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث ابن مسعود أن رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مسألة إذا أراق على ذمي خمرا أو قتل له خنزيرا لم يضمن‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬يضمن‪ .‬وقد صح عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ :‬إن هللا حرم الخمر وثمنها‪.‬‬
‫مسألة ال يقتل املسلم بالكافر‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬يقتل بالذمي‪ .‬وفي صحيح البخاري من حديث علي رض ي هللا عنه ‪:‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ " :‬ال‬
‫يقتل مسلم بكافر‪" .‬‬
‫ً‬ ‫مسألة يجب القصاص في القتل باملثل‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يجب إال فيما له ٌ‬
‫حد‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث أنس‪ :‬أن يهوديا‬
‫رضخ رأس امرأة بين حجرين فقتلها‪ ،‬فرضخ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم رأسه بين حجرين‪.‬‬
‫مسألة إذا ضربت حامل فماتت ثم انفصل عنها جنين ميت وجبت فيه الغرة‪ ،‬وقال أبو حنيفة ال ش يء في الجنين‪ ،‬وفي‬
‫ً‬
‫الصحيحين‪ :‬عن املغيرة أنه قال‪ :‬قض ى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بالغرة عبدا أو أمة‪.‬‬
‫بشرط في اإلحصان‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬هو شرط‪ .‬وقد صح عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه رجم‬
‫ٍ‬ ‫مسألة اإلسالم ليس‬
‫ً‬
‫يهوديا ويهودية‪.‬‬
‫مسألة النصاب في السرقة ربع دينار أو ثالثة دراهم وقال أبو حنيفة‪ :‬دينار أو عشرة دراهم‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث‬
‫ً‬
‫عائشة‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعدا‪.‬‬
‫مسألة إذا اطلع في بيت إنسان على أهله فله أن يرمي عينه‪ ،‬فإن فقأها فال ضمان عليه‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬لزمه الضمان‪ .‬وفي‬
‫الصحيحين‪ :‬من حديث سهل بن سعد قال‪ :‬اطلع رجل في حجرة من حجر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ومعه مدرى يحك‬
‫به رأسه‪ ،‬فقال‪ " :‬لو أعلمك تنظر لطعنت به في عينيك " ‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ " :‬من اطلع على قوم في بيتهم بغير إذنهم فقد حل له أن يفقأوا عينه‪".‬‬
‫مسألة اإلمام مخير في األسرى بين القتل واالسترقاق واملن الفداء‪ ،‬قال أبو حنيفة ال يجوز املن والفداء‪ .‬وقد صح عن رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم أنه من على ثمامة بن أثال‪ ،‬وفدى األسرى يوم بدر‪.‬‬
‫مسألة هدايا األمراء كبقية أموال الفيء ال يختصون بها‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يختصون بها‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث أبي‬
‫ً‬
‫حميد‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم استعمل رجال فجاء فقال‪ :‬هذا لكم وهذا أهدي إلي‪ .‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ " :‬ما بال العامل نبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي‪ ،‬أفال جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم ال‪ ،‬والذي‬
‫نفس ي بيده ال يأتي ٌ‬
‫أحد منكم بش يء إال جاء به يوم القيامة على رقبته‪" .‬‬

‫‪29‬‬
‫مسألة ال يجوز الذكاة بالسن والظفر‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬بها إذا كانا منفصلين‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث رافع بن خديج‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إن مالقو العدو غدا وليست معنا مدي‪ .‬فقال‪ " :‬ما أنهر الدم‪ ،‬وذكر اسم هللا عليه فكل ليس السن‬
‫والظفر‪" .‬‬
‫مسألة يحل أكل الضب‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال تحل‪ .‬وقد صح عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه لم يحرم الضب‪ ،‬وإنما‬
‫قذره‪ ،‬فإن خالد بن الوليد قال له وقد قدم إليه‪ :‬أحرام هو؟ قال‪ " :‬ال‪ ،‬ولكنه ال يكون بأرض قومي فأجدني أعافه " فأكل‬
‫خالد ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم ينظر‪.‬‬
‫مسألة يحل أكل لحوم الخيل‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال تحل‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث جابر‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫نهى عن لحوم الحمر‪ ،‬وأن في لحوم الخيل‪.‬‬
‫مسألة النبيذ حرام‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إنما يحرم املسكر منه‪ .‬وقد صح أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬كل مسكر‬
‫حرام " ‪ .‬وفي حديث عائشة عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ " :‬ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام‪" .‬‬
‫مسألة حكم الحاكم ال يحيل الش يء عن صفته‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يحيله في العقود والفسوخ‪ .‬وفي الصحيحين‪ :‬من حديث أم‬
‫سلمة ‪:‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه سمع خصومة بباب حجرته‪ ،‬فخرج إليهم فقال " ‪:‬إنما أنا بشر مثلكم‪ ،‬وإنه يأتيني‬
‫الحكم فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه قد صدق‪ ،‬فأقض ي له بذلك‪ ،‬فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي‬
‫قطعة من النار‪ ،‬فليأخذها أو فليتركها‪" .‬‬
‫مسألة يجوز الحكم بشاهد ويمين في املال وما يقصد به املال‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يجوز‪ .‬وقد روى جابر بن عبد هللا أن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قض ى باليمين مع الشاهد‪ .‬ورواه عمر‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وابن‬
‫عمرو‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬وأبو حزم‪ ،‬وأنس‪ ،‬وبالل بن الحارث‪ ،‬واملغيرة بن شعبة‪ ،‬وسلمة بن قيس في آخرين ‪.‬فهذا من مشهور‬
‫املسائل واملتروك أضعافه‪ ،‬ولكونه خالف مثل هذه األحاديث الصحاح سعوا باأللسن في حقه‪ ،‬فلم يبق معتبر من األئمة إال‬
‫ً‬
‫تكلم فيه‪ ،‬وال يؤثر أن يذكر ما قالوا والعجب منه إذا رأى حديثا ال أصل له هجر القياس ومال إليه؛ كحديث‪ :‬نقض الوضوء‬
‫بالضحك‪ .‬فإنه ش يء ال يثبت‪ ،‬وقد ترك القياس ألجله"أ‪.‬ه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فهنا ابن الجوزي يسجل عليهم تناقضا صارخا ففي الوقت الذين يردون به بعض أحاديث الصحيحين بحجة مخالفتها‬
‫للقياس كحديث املصراة‪ ،‬يقولون بأخبار واهية مع مخالفتها للقياس كخبر القهقهة من الوضوء وخبر الوضوء من النبيذ‬
‫وهذه التناقضات أمارة هوى‪ ،.‬وليعلم أن مشكلة أبي حنيفة ليست التوسع في القياس فقط‪ ،‬بل مشكلته التوسع في‬
‫ً‬
‫االستحسان أيضا والتوسع في الحيل وغيرها من األمور‪ ،‬فلعل هذه األسباب العشرة هي التي أدت إلى إغالظ بعض األئمة‬
‫القول فيه‪.‬‬
‫قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 203‬حدثني محمد بن هارون ‪ ،‬ثنا أبو صالح ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت الفزاري ‪ ،‬يقول ‪ :‬كان األوزاعي‬
‫وسفيان يقوالن ما ولد في اإلسالم على هذه األمة أشأم من أبي حنيفة ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫الر ْح َم ِّن ْب َن َم ْه ِّد ٍي َي ُقو ُل ‪َ :‬ما َه َبط ْت ِّف ْت َنة‬
‫وقال املروذي في أخبار الشيوخ وأخالقهم ‪َ 276‬س ِّم ْع ُت ُب ْن َد ًارا َي ُقو ُل ‪َ :‬س ِّم ْع ُت َع ْب َد َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫األ ْرض َأ َ‬
‫َ َّ َ َ َ‬
‫ض ُّر ِّم ْن أ ِّبي َح ِّن َيفة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّمن السم ِّاء ِّإلى‬

‫‪30‬‬
‫َ َّ َ َ ُ َ ْ َ ُ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ ُ ُ َ‬
‫ور ْب ُن أ ِّبي‬ ‫هللا بن أحمد ب ِّن حنب ٍل‪ ،‬حدث ِّني منص‬ ‫وقال أبو نعيم في الحلية (‪ : )325 /6‬حدثنا سليمان بن أحمد‪ ،‬ثنا عبد ِّ‬
‫َ َ َ ْ َ ْ َْ‬ ‫ين َو َم ْن َك َ‬ ‫ال‪َ :‬ك َاد الد َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َُ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ ََ‬ ‫َُ‬
‫الدين فليس ِّمن أه ِّل ِّه‬ ‫ِّ‬ ‫اد‬ ‫ِّ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ة‬‫يف‬ ‫ن‬‫ِّ‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ِّ‬ ‫ذ‬‫و‬ ‫‪-‬‬ ‫‪،‬‬ ‫س‬ ‫مز ِّاح ٍم‪ ،‬قال‪ :‬س ِّمعت م ِّالك بن أ ٍ‬
‫ن‬
‫ال‪َ :‬سم ْع ُت َّ‬ ‫األ ْع َلى‪َ ،‬ق َ‬‫ُ ُ ُ ْ ُ َْ َ‬ ‫َ‬
‫الشا ِّف ِّع َّي‪َ ،‬ي ُقو ُل‪" :‬‬ ‫ِّ‬ ‫وقال ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه ص‪ : 154‬ثنا أ ِّبي‪ ،‬ثنا يونس بن عب ِّد‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ان َي ْن َبغي ل َ‬ ‫ال لي ُم َح َّم ُد ْب ُن ْال َح َسن‪َ :‬ما َك َ‬ ‫ُ ْ ُ ُ َ َّ ْ ْ َ َ َ ْ ً َ َ َ َ َ ً َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫اح ِّب َنا أ ْن َي ْسك َت َي ْع ِّني أ َبا‬ ‫ص‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫قلت ِّملحم ِّد ب ِّن الحس ِّن يوما‪ ،‬وذكر م ِّالكا وأبا ح ِّنيفة‪ ،‬ف ِّ‬
‫ق‬
‫َّ َ َ َّ‬ ‫ص ََ َ ْ َ ً َ َ َ ً َ‬ ‫ص ُ َ ْ ُ ْ ُ ُ َ ً ُ ْ ُ َ َ ْ ُ َ َّ َ َ َ ْ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ال‪ :‬الل ُه َّم‬ ‫َّللا؟ ق‬
‫اب ِّ‬ ‫احبنا يع ِّني م ِّالكا كان ع ِّاملا ِّب ِّكت ِّ‬ ‫اح ِّبك ْم أن يف ِّت َي ي ِّريد ما ِّلكا‪ ،‬قلت‪ :‬نشدتك َّللا‪ ،‬أتعل ُم أن ِّ‬ ‫ح ِّنيفة‪ ،‬وال ِّل ِّ‬
‫َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َّ َ‬
‫ال‪ :‬الل ُه َّم ن َع ْم‪.‬‬ ‫صاح َب َنا َكا َن َعاملًا ب َحد ِّ ُ‬ ‫َ َ ُ ْ ُ َ َ َ ْ ُ َ َّ َ َ َ ْ َ َ َّ َ‬
‫َّللا صلى َّللا علي ِّه وسلم؟ ق‬ ‫يث َرسو ِّل ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫نع ْم "‪ .‬قلت‪ :‬فنشدتك َّللا‪ ،‬أتعل ُم أن ِّ‬
‫ال‪ :‬ال‪.‬‬ ‫ان َعا ِّقال؟ َق َ‬ ‫ال‪َ :‬ن َع ْم‪ُ .‬ق ْل ُت‪َ :‬أ َك َ‬ ‫َّللا َع َل ْي ِّه َو َس َّل َم؟ َق َ‬ ‫ص َّلى َّ ُ‬ ‫ص َحاب َر ُسول ََّّللا َ‬ ‫اختالف َأ ْ‬ ‫ُْ ُ ََ َ َ ً ْ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫قلت‪ :‬وكان ع ِّاملا ِّب ِّ ِّ‬
‫َّ َ َّ َ َ َّ َ َ َ‬
‫ال‪ :‬ن َع ْم‪.‬‬ ‫َّللا عز وجل؟ ق‬ ‫ان َجاهال بك َ‬ ‫صاح َب َك َي ْعني َأ َبا َحن َيف َة‪َ ،‬ك َ‬ ‫َّللا‪َ ،‬أ َت ْع َل ُم َأ َّن َ‬
‫ُق ْل ُت‪َ :‬ف َن َش ْد ُت َك َّ َ‬
‫اب ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ت‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ص َّلى َّللا َعل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬و َجاهال باختالف أ ْ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫يث َر ُسول ََّّللا َ‬ ‫ُْ ُ ََ َ َ‬
‫صلى َّللا َعل ْي ِّه َو َسل َم؟ ‪ ،‬قا َل‪:‬‬ ‫ص َحاب َر ُسول َّللا َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫َ‬
‫قلت‪ :‬وكان ج ِّاهال ِّبح ِّد ِّ‬
‫اح ُب َك‬ ‫َُ َ َ ً َُ ْ ُ َ‬ ‫ص َ َ ٌ َ ُْ ُ ُْ َْ‬ ‫َ‬ ‫ان َعاقال؟‪َ ،‬ق َ َ َ ُ ْ ُ َ َ ْ َ ُ‬ ‫َن َع ْم‪ُ ،.‬ق ْل ُت‪َ :‬أ َك َ‬
‫اح ِّبنا ثالث ال تصلح الفتيا ِّإال ِّب َها‪ ،‬وي ِّخ ُّل و ِّاحدة‪ ،‬ويخ ِّطئ ص ِّ‬ ‫ال‪ :‬نع ْم‪ ،.‬قلت‪ :‬فتجت ِّمع ِّفي ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫صاحب ُك ْم َأ ْن َي َت َك َّل َم‪َ ،‬وال ل َ‬ ‫َ َ ٌ ََُ َ ََْ‬ ‫َ ً ََُ ُ‬
‫اح ِّب َنا أ ْن َي ْسك َت؟!‪.‬‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ص‬ ‫َ‬
‫ثالثا‪ ،‬ويكون ِّف ِّيه و ِّاحدة‪ ،‬فتقول‪ :‬ال ينب ِّغي ِّل ِّ ِّ‬
‫وقال الكوسج في مسائله عن أحمد [‪ ]-3441‬قلت‪ :‬يؤجر الرجل على بغض أصحاب أبي حنيفة؟ قال‪ :‬إي وهللا‪.‬‬
‫وقال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 291‬حدثني محمد بن أبي عتاب األعين ‪ ،‬ثنا منصور بن سلمة الخزاعي ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت‬
‫حماد بن سلمة ‪ ،‬يلعن أبا حنيفة ‪ ،‬قال أبو سلمة ‪ :‬وكان شعبة يلعن أبا حنيفة"‪ .‬وهذه كلها صحاح عن قائليها ومثلها قول‬
‫ً‬
‫حماد بن سلمة والحميدي ( أبو جيفة )‪ ،‬وفي الحقيقة لم أجد أحدا في كتب املجروحين اجتمع فيه من أسباب الجرح ما‬
‫اجتمع في هذا الرجل ‪ ،‬بل لم أجد من تكلم فيه هذا العدد الهائل من األئمة الذين أوصلهم الشيخ الوادعي إلى قرابة املائة إال‬
‫ً‬
‫هذا الرجل‪ ،‬بل لم َأر أحدا اجتمع عليه مالك والسفيانان والحمادان واألوزاعي وابن املبارك وأحمد والشافعي والبخاري إال‬
‫هذا الرجل‪ ،‬بل حتى أصحابه فالشيباني ينعته ب( الجاهل ) وأبو يوسف ينكر عليه القول بالسيف ‪ ،‬والبرتي ينكر عليه‬
‫القول بخلق القرآن‪ ،‬فال أدري بعد هذا كله كيف يجعل هذا الرجل بعد هذا كله محنة يجرح املتكلم فيه ؟!‬

‫السبب الحادي عشرمن أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬ضعفه في الحديث‬

‫قال الشيخ األلباني في سلسلة األحاديث الضعيفة (‪ ": )665/1‬وتوضيحا لذلك أقول ‪ :‬ذكرت هناك أن اإلمام رحمه هللا قد‬
‫ضعفه من جهة حفظه ‪:‬البخاري ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن عدي وغيرهم من أئمة الحديث ‪ ،‬فأذكر هنا نصوص األئمة‬
‫املشار إليهم وغيرهم ممن صح ذلك عنهم ‪ ،‬ليكون القارئ على بينة من األمر ‪ ،‬وال يظن أحد منهم أن فيما ذكرنا هناك ما‬
‫يمكن أن يدعي مدع أنه اجتهاد منا ‪ ،‬وإنما هو االتباع ألهل العلم واملعرفة واالختصاص ‪ ،‬وهللا عز وجل يقول ‪ { :‬فاسألوا أهل‬
‫الذكر إن كنتم ال تعلمون } ‪ ،‬ويقول ‪ { :‬فاسأل به خبيرا } ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ - 1‬قال اإلمام البخاري في " التاريخ الكبير " ( ‪ : ) 81 / 2 / 4‬سكتوا عنه ‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقال اإلمام مسلم في " الكنى واألسماء " ( ق ‪ : ) 1 / 31‬مضطرب الحديث ليس له كبير حديث صحيح ‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقال النسائي في آخر " كتاب الضعفاء واملتروكين " ( ص ‪ : ) 57‬ليس بالقوي في الحديث ‪ ،‬وهو كثير الغلط على قلة روايته ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وقال ابن عدي في " الكامل " ( ‪ : ) 2 / 403‬له أحاديث صالحة ‪ ،‬وعامة ما يرويه غلط وتصاحيف وزيادات في أسانيدها‬
‫ومتونها ‪ ،‬وتصاحيف في الرجال ‪ ،‬وعامة ما يرويه كذلك ‪ ،‬ولم يصح له في جميع ما يرويه ‪ ،‬إال بضعة عشر حديثا ‪ ،‬وقد روى‬
‫من الحديث لعله أرجح من ثالثمائة حديث ‪ ،‬من مشاهير وغرائب ‪ ،‬وكله على هذه الصورة ‪ ،‬ألنه ليس هو من أهل الحديث ‪،‬‬
‫وال يحمل عمن يكون هذه صورته في الحديث ‪.‬‬
‫‪ - 5‬قال ابن سعد في " الطبقات " ( ‪ : ) 256 / 6‬كان ضعيفا في الحديث ‪.‬‬
‫‪ - 6‬وقال العقيلي في " الضعفاء " ( ص ‪ : ) 432‬حدثنا عبد هللا بن أحمد قال ‪ :‬سمعت أبي يقول ‪ :‬حديث أبي حنيفة ضعيف ‪.‬‬
‫‪ - 7‬وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( ‪ : ) 450 / 1 / 4‬حدثنا حجاج ابن حمزة قال ‪ :‬أنبأنا عبدان بن عثمان قال ‪:‬‬
‫سمعت ابن املبارك يقول ‪ :‬كان أبو حنيفة مسكينا في الحديث ‪.‬‬
‫‪ - 8‬وقال أبو حفص بن شاهين ‪ :‬وأبو حنيفة ‪ ،‬فقد كان في الفقه ما ال يدفع من علمه فيه ‪ ،‬ولم يكن في الحديث باملرض ي ‪،‬‬
‫ألنه لألسانيد نقادا ‪ ،‬فإذا لم يعرف اإلسناد ما يكتب وما كذب نسب إلى الضعف ‪.‬‬
‫كذا في فوائد ثبتت في آخر نسخة " تاريخ جرجان " ( ص ‪. ) 511 - 510‬‬
‫‪ - 9‬قال ابن حبان ‪ :‬وكان رجال جدال ظاهر الورع لم الحديث صناعته حدث بمئة وثالثين حديثا مسانيد ما له حديث في‬
‫الدنيا غيرها أخطأ منها في مئة وعشرين حديثا إما أن يكون أقلب إسناده أو غير متنه من حيث ال يعلم فلما غلب خطؤه على‬
‫صوابه استحق ترك االحتجاج به في األخبار ‪.‬‬
‫‪ - 10‬وقال الدارقطني في " سننه " وقد ساق عن أبي حنيفة عن موس ى بن أبي عائشة عن عبد هللا بن شداد عن جابر مرفوعا‬
‫‪ " :‬من كان له إمام فقراءة اإلمام له قراءة " ‪ ،‬فقال الدارقطني عقبه ( ص ‪ : ) 123‬لم يسنده عن موس ى بن أبي عائشة غير أبي‬
‫حنيفة ‪ ،‬والحسن بن عمارة ‪ ،‬وهما ضعيفان ‪.‬‬
‫‪ - 11‬وأورده الحاكم في " معرفة علوم الحديث " في جماعة من الرواة من أتباع التابعين فمن بعدهم ‪ ،‬لم يحتج بحديثهم في‬
‫الصحيح ‪ ،‬وختم ذلك بقوله ( ص ‪ : ) 256‬فجميع من ذكرناهم ‪ ،‬قوم قد اشتهروا بالرواية ‪ ،‬ولم يعدوا في طبقة األثبات‬
‫املتقنين الحفاظ ‪.‬‬
‫‪ - 12‬وذكر الحافظ عبد الحق األشبيلي في " األحكام " ( ق ‪ ) 2 / 17‬حديث خالد بن علقمة عن عبد خير عن على في وضوئه‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬فمسح برأسه مرة ‪ ،‬وقال عقبه ‪ :‬كذا رواه الحفاظ الثقات عن خالد ‪ ،‬ورواه أبو حنيفة عن خالد فقال‬
‫‪ :‬ومسح رأسه ثالثا ‪ .‬وال يحتج بأبي حنيفة لضعفه في الحديث ‪.‬‬
‫‪ - 13‬وأورده ابن الجوزي في كتابه " الضعفاء واملتروكين " ( ‪ ) 163 / 3‬ونقل تضعيف النسائي وغيره ممن تقدم ذكره وعن‬
‫الثوري أنه قال ‪ :‬ليس بثقة وعن النضر ابن شميل ‪ :‬متروك الحديث ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ - 14‬قال الذهبي في " ديوان الضعفاء " ( ق ‪ : ) 2 - 1 / 215‬النعمان اإلمام رحمه هللا ‪ ،‬قال ابن عدي ‪ :‬عامة ما يرويه غلط‬
‫وتصحيف وزيادات ‪ ،‬وله أحاديث صالحة ‪ ،‬وقال النسائي ‪ :‬ليس بالقوي في الحديث كثير الغلط والخطأ على قلة روايته ‪،‬‬
‫وقال ابن معين ‪ :‬ال يكتب حديثه "‪ ،‬وهذا النقل عن ابن معين معناه عنده أن أبا حنيفة من جملة الضعفاء ‪ ،‬وهو يبين لنا أن‬
‫توثيق ابن معين لإلمام أبي حنيفة الذي ذكره الحافظ في " التهذيب " ليس قوال واحدا له فيه ‪ ،‬والحقيقة أن رأى ابن معين‬
‫كان مضطربا في اإلمام ‪ ،‬فهو تارة يوثقه ‪ ،‬وتارة يضعفه كما في هذا النقل ‪ ،‬وتارة يقول فيما يرويه ابن محرز عنه في " معرفة‬
‫الرجال " ( ‪ : ) 1 / 6 / 1‬كان أبو حنيفة ال بأس به ‪ ،‬وكان ال يكذب ‪ ،‬وقال مرة أخرى ‪ :‬أبو حنيفة عندنا من أهل الصدق ‪ ،‬ولم‬
‫يتهم بالكذب "أ‪.‬ه‬
‫ُْ‬ ‫َ ْ ُ َ ُْ َ َ َ‬
‫ود ْب َن غ ْيال َن ‪َ ,‬ي ُقو ُل‪َ :‬س ِّم ْع ُت امل ْق ِّر َّي ‪َ ,‬ي ُقو ُل‪:‬‬ ‫أقول ‪ :‬فمثله متروك‪ ،‬وقال الترمذي في العلل الكبير (‪ :)388 /1‬س ِّمعت محم‬
‫ُ ُ ُ ُ َ ٌَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َس ِّم ْع ُت أ َبا َح ِّن َيفة ‪َ ,‬ي ُقو ُل‪َ :‬ع َّامة َما أ َح ِّدثك ْم خطأ"‪ ،‬واالعتراف سيد األدلة كما يقال والرجل متروك كما قال النضر بن شميل‬
‫وينظر (نشر الصحيفة) للوادعي‪ ،‬بل الصواب في أبي حنيفة أنه متهم بالكذب اتهمه بذلك اإلمام أحمد أبو زرعة ومسلم‪ ،‬أما‬
‫الحسن ال ِّتر ِّمذي‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫سمعت َأحمد بن َ‬ ‫ُ‬ ‫اإلمام أحمد فقال العقيلي في الضعفاء ‪َ -6135‬حدثنا ُسليمان بن ُ‬
‫داود القزاز‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫كذ ُب"‪ ،‬وهذا إسناد صحيح إلى اإلمام أحمد وقد صححه بديع الدين السندي في‬ ‫سمعت أحمد بن ح َنبل‪ ،‬يقول‪ :‬أبو حنيفة ي ِّ‬
‫كتابه نقض قواعد التهانوي‪ ،‬وأما أبو زرعة الرازي فقال البرذعي في سؤاالته عن أبي زرعة ‪ ":‬وجعل يحرد على إبراهيم ويذكر‬
‫أحاديث من رواية ابي حنيفة ال أصل لها فذكر من ذلك حديث علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه الدال على الخير‬
‫كفاعله وأنكر عليه حديثا آخر يرويه عن سنان اإليمان شرائع اإليمان وذكر أحاديث قد أوهم فيها وأنكرها من رواياته ثم‬
‫قال لي من قال القرآن مخلوق فهو كافر ‪-‬فيعني بما اسند الكفار‪ -‬أي قوم هؤالء"‪ ،‬وهذا الحديث اتهم مسلم أبا حنيفة بأنه‬
‫زاد فيه زيادة لتقوية مذهبه في اإلرجاء‪ ،‬قال اإلمام مسلم في التمييز ص‪ ": 35‬فأما رواية أبي سنان‪ ،‬عن علقمة‪ ،‬في متن هذا‬
‫الحديث إذ قال فيه‪ :‬إن جبريل عليه السالم حيث قال‪ :‬جئت أسألك عن شرائع اإلسالم‪ .‬فهذه زيادة مختلقة‪ ،‬ليست من‬
‫الحروف بسبيل‪ .‬وإنما أدخل هذا الحرف ‪ -‬في رواية هذا الحديث‪ -‬شرذمة زيادة في الحرف مثل ضرب النعمان بن ثابت‬
‫ً‬
‫وسعيد بن سنان ومن نحا في اإلرجاء نحوهما‪ .‬وإنما أرادوا بذلك تصويبا في قوله في اإليمان‪ .‬وتعقيد اإلرجاء‪ ،‬ذلك ما لم يزد‬
‫قولهم إال وهنا‪ ،‬وعن الحق إال بعدا‪ ،‬إذ زادوا في رواية األخبار ما كفي بأهل العلم" فهنا مسلم ينسبه إلى أقبح الكذب وهو‬
‫الكذب في نصرة البدعة‪ ،‬وقد اتهم عدد من األئمة أبا حنيفة بسرقة الحديث وهو ضرب من ضروب الكذب‪ ،‬قال ابن أبي‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫وز َجاني‪ ،‬فيما ك َت َب ِّإل َّي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫الج ْ‬ ‫الرحمن‪َ ،‬أ َ‬
‫خبرنا إبراهيم بن يعقوب ُ‬ ‫حاتم في الجرح والتعديل (‪َ : )450 /8‬حدثنا َعبد َّ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫عت جريرا يقول‪ :‬قال محمد بن جابر َ‬ ‫إسحاق بن اهويه‪ ،‬قال‪َ :‬سم ُ‬
‫اليمامي‪ :‬سرق أبو حنيفة كتب حماد مني‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حدثنا أحمد بن منصور املروزي‪ ،‬قال‪ :‬س ِّمعت سلمة بن سليمان قال‪ :‬قال عبد هللا‪ ،‬يعني ابن املبارك‪ِّ :‬إن أصحابي ليلومونني‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫في الرواية َعن أبي حنيفة‪ ،‬وذاك أنه أخذ كتاب محمد بن جابر‪ ،‬عن حماد بن أبي سليمان‪ ،‬فروى عن حماد‪ ،‬ولم يسمعه‬
‫منه‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫وليس هذا من التدليس بل الظاهر أنه كان يصرح بالسماع لهذا وصفوه بالسرقة‪ ،‬والسرقة من الكذب‪ ،‬وكذا اتهمه وكيع‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بالكذب‪ ،‬قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (‪َ : )499/8‬حدثنا أبي‪َ ،‬حدثنا الحميدي‪َ ،‬حدثنا وكيع‪َ ،‬حدثنا أبو حنيفة أنه‬
‫سمع عطاء ‪ِّ ,‬إن كان سمعه"‪ ،‬وهذه كلها أسانيد صحاح إلى قائليها‪.‬‬
‫فهؤالء ستة من األئمة يتهمونه بالكذب وهذا قد يستغربه القارئ فإن هذا مما كتم في حملة تعديل أبي حنيفة! ‪ ،‬وكتمان‬
‫الحق فأدى ذلك إلى املجاملة في السنة فمن الناس من يقوي بأبي حنيفة في الشواهد ‪ ،‬ومن الناس من يقيم حديثه بذاته !‬
‫وإنا هلل وإنا إليه راجعون فبأي وجه سيقابل الكاتمون النبي صلى هللا عليه وسلم يوم القيامة‪ ،‬بل ماذا سيقولون هلل عز‬
‫اس ِّفي‬ ‫ين َي ْك ُت ُمو َن َما َأ ْن َزْل َنا م َن ْال َبي َنات َو ْال ُه َدى م ْن َب ْعد َما َب َّي َّن ُاه ل َّ‬
‫لن‬ ‫نصيبا من قوله تعالى ‪( :‬إ َّن َّالذ َ‬
‫ً‬
‫وجل؟‪ ،‬وال شك أن لهم‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ ُ ُ َّ ُ ْ‬
‫َّللا َو َيل َع ُن ُه ُم الال ِّع ُنون)‪ ،‬هذا في الكاتم فكيف املتكلم بالباطل ؟ ‪ ،‬وقد طبع اآلثار ألبي يوسف واآلثار‬ ‫اب أول ِّئك يلعنهم‬
‫ال ِّكت ِّ‬
‫ملحمد بن الحسن وفي مقدمة كل منهما الرد على أهل الحديث ‪ ،‬ودعوى استقامة حديث أبي حنيفة وأن الذين عدلوه أكثر‬
‫من الذين جرحوه وهللا املستعان ‪ ،‬بل في مقدمة اآلثار ألبي يوسف دعوى أن أبا حنيفة محسود !‬
‫وليعلم أنه لم يخرج له أي حديث في كتب اإلسالم املشهورة كالصحاح والسنن واملسانيد بخالف الذين تكلموا فيه كسفيان‬
‫الثوري واألوزاعي والذين تعج الكتب برواياتهم‪.‬‬
‫وهنا تنبيه مهم وهو أن قول األلباني ‪ ":‬وإنما هو االتباع ألهل العلم واملعرفة واالختصاص ‪ ،‬وهللا عز وجل يقول ‪ { :‬فاسألوا‬
‫أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون } ‪ ،‬ويقول ‪ { :‬فاسأل به خبيرا } " ينطبق على من أخذ بكالم األئمة في عقيدة الرجل وفقهه‪.‬‬

‫واآلن مع كالم املعدلين ألبي حنيفة‬


‫النقطة األولى‪ :‬إنكاراستتابته من الكفر‬

‫َ َّ َ َ َ َ ُ ْ ُ ُ ْ َ َ َ َ ُ َ ْ ُ َ ُ ُ ُ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َ‬
‫ال نا أ ُبو‬ ‫الرواية األولى ‪ :‬قال ابن عبد البر في االنتقاء ص‪ 149‬حدثنا حكم بن من ِّذ ٍر قال نا أبو يعقوب يوسف بن أحمد ق‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ رو َّ ُّ َ َ َ‬ ‫َّ ُّ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُْ ْ‬ ‫ْ ُ َ َ َْ ُ َ َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ال نا‬ ‫ال نا أ ِّبي ق‬ ‫ال نا عبيد هللا بن عم الر ِّقي ق‬ ‫الء الر ِّقي قال نا أ ِّبي ق‬ ‫ِّ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫الل‬ ‫مح َّم ٍد عبد الرحمن بن أس ٍد الف ِّقيه قال ِّ‬
‫ه‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َّ ُّ َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ُ َ َ ُ ْ َ‬ ‫ُ َ ُ َّ‬
‫است َت َاب ُه‪.‬‬ ‫َّللا ْب ُن َع ْم ٍرو الر ِّقي قال ض ِّرب أبو ح ِّنيفة على القض ِّاء فلم يفعل فف ِّرح ِّبذ ِّلك أعداؤه وقالوا‬ ‫عب ْيد ِّ‬
‫عبد الرحمن بن أسد لم أجد له ترجمة واستتابة أبي حنيفة ثابتة كما تقدم بل متواترة‪.‬‬
‫ال َنا ُم َح َّم ُد ْب ُن ُي ُون َ‬
‫س‬ ‫ضل َق َ‬ ‫ْ َْ ْ‬ ‫َ َ َُ َ ْ ُ َ َُ ُ ََْ‬
‫الرواية الثانية ‪ :‬قال ابن عبد البر في االنتقاء ص‪ 149‬قال أبو يعقوب ونا أبو قتيبة سلم ابن الف ِّ‬
‫الث ْوري َأ َّن ُه َق َ‬
‫ال‬
‫َّ ُ َ ً َ ْ و َ ْ ُ ْ َ َ َّ‬
‫ان‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ر‬‫ي‬ ‫ا‬ ‫اذ‬‫ع‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫الرحمن‬ ‫عبد‬ ‫ا‬‫ب‬‫يل َل ُه َيا َأ َ‬ ‫ال َسمعت عبد هللا ْب َن َد ُاو َد ْال ُخ َرْيب َّي َي ْو ًما َو ِّق َ‬ ‫ْال ُك َد ْي ِّم ُّي َق َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ص ِّال ِّح ْب ِّن َح ٍي َو ُه َما ِّم َن‬‫وفة َعلي َو ْال َح َس ُن ْاب َنا َ‬ ‫َْ َ َ ُْ َ‬ ‫َ ُ َ َ َّ َ‬ ‫يب َأ ُبو َحن َيف َة َم َّرَت ْين َف َق َ َ ُ‬ ‫اس ُت ِّت َ‬‫ْ‬
‫َّللا ك ِّذ ٌب قد كان ِّبالك ِّ ِّ‬ ‫ال ع ْبد هللا بن داود ه ِّذه و ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ان من َهذا ش يء َما َر ِّضيا ِّب ِّه َوق ْد ك ْن ُت ِّبالكوف ِّة َد ْه ًرا ف َما‬
‫َ‬ ‫ْال َو َرع ب ْاملَ َكان َّالذي َل ْم َي ُك ْن م ْث َل ُه َو َأ ُبو َحن َيف َة ُي ْفتى بحضرتهما َو َلو َك َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫سمعت هذا"‪ .‬ومحمد بن يونس الكديمي كذاب‪ ،‬وهذه الرواية إن صحت فهي سوأة في حق عبد هللا بن داود فمثل سفيان ال‬
‫يكذب‪ ،‬والحسن بن صالح كان يرى السيف وسفيان يجرحه فكيف يعتد به؟!‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫وقد صح عن الحسن بن صالح الكالم في أبي حنيفة‪ ،‬قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ :320‬حدثني عبد الرحمن بن صالح‪ ،‬نا‬
‫يحيى بن آدم‪ ،‬قال‪ :‬ذكر أبا حنيفة الحسن بن صالح فقال‪ :‬وددت أنه ُوف َق فأخبرت شريكا ‪ ،‬فقال ‪ :‬لم قال وددت أنه وفق ال‬
‫يتعلم مما يحسنون شيئا ‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬رواية ابن املبارك عنه‬
‫ً‬
‫ويذكرون عن ابن املبارك أبياتا في الثناء عليه‪ ،‬وقد أنكروا على ابن املبارك روايته عنه‪:‬‬
‫اق ْب َن‬ ‫ال ‪َ :‬سم ْع ُت إ ْس َح َ‬ ‫اس ُم ْب ُن ُم َح َّم ِّد ْبن ْال َحار ِّث‪َ ،‬ف َس َأ ْل َن ُاه َع ْن َها َف َق َ‬ ‫َ َ َ َََْ َْ‬
‫قال املروذي في أخبار الشيوخ ‪ " 275‬فق ِّدم علينا الق ِّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ َ َ ْ َ ُ ُل ُ ْ ُ َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ ُ ْ ُ ُ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ ُ ُ َ ْ َّ ْ ْ ُ َ َ َ ْ ْ‬
‫اس َتخ َر ْج ُت ِّم ْن َها َما ُي َوا ِّف ُق‬ ‫َّللا ب ِّن املبار ِّك‪ ،‬ف‬ ‫احب رأ ٍي‪ ،‬فلما أردت الخروج ِّإلى الح ِّج ع ِّمدت ِّإلى كت ِّب عب ِّد ِّ‬ ‫راهوي ِّه يقو ‪ :‬كنت ص ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ين ُه ْم ِّبال ِّح َج ِّاز َوال ِّع َر ِّاق‪،‬‬ ‫األ َحاديث‪َ ،‬ف َب َل ْغ ُت َن ْح َو َثالث م َائة َحديث‪َ ،‬ف ُق ْل ُت ‪َ :‬أ ْس َأ ُل َع ْن َها َم َشاي َخ َع ْبد ََّّللا َّالذ َ‬ ‫َْ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫رأي أ ِّبي ح ِّنيفة ِّمن‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الر ْح َمن ْبن َم ْه ِّدي‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ص َر َة‪َ ،‬ج َل ْس ُت إ َلى َع ْب ِّد َّ‬ ‫ف أ َبا َحن َيف َة‪َ ،‬ف َل َّما َق ِّد ْم ُت ْال َب ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُ ُّ َ َّ ُ َ ْ َ َ ْ َ ُئ َ ٌ ْ ُ َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ال ِّلي ‪ِّ :‬م ْن‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وأنا أظن أنه ليس يجت ِّر أحد أن يخ ِّال‬
‫َ ْ َ َ ْ َ َ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ ْ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ٌ ُ َ َ َ ْ ُ َّ ُ ْ‬
‫َّللا؟ قل ُت ‪:‬‬ ‫أين أنت؟ فقلت ‪ِّ :‬من أه ِّل مرو‪ ،‬فترحم على اب ِّن املبار ِّك‪ ،‬وكان ش ِّديد الح ِّب له‪ ،‬فقال ‪ :‬هل معك مرِّثية رِّثي ِّبها عبد ِّ‬
‫ص ِّار ِّي‪:‬‬ ‫األ ْن َ‬‫َ‬
‫اض ٍح‬ ‫و‬‫َن َع ْم‪َ ،‬ف َأ ْن َش ْد ُت ُه َق ْو َل َأبي ُت َم ْي َل َة َي ْح َيى ْبن َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬

‫ْ َ‬
‫اج ِّع ال َح ْدث ِّان‬
‫ْ َ‬
‫ف‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫يع‬ ‫ط‬
‫َ‬
‫ق‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫اع َيان إ ْذ َن َّب َ‬ ‫َط َّر َق َّ‬
‫الن‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اع َي ِّان َم ْن تن ِّع َيا؟ قاال أ َبا َع ْب ِّد َربنا َّ‬ ‫ُق ْل ُت ل َّ‬
‫الر ْح َم ِّان‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫لن‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ ُْ ََُ ُ ُ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َف َأ َث َ‬
‫اب ذو أ ْح َز ِّان‬ ‫ِّ‬ ‫ص‬ ‫امل‬ ‫اد‬‫ؤ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ِّ‬ ‫ز‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ِّ‬ ‫ا‬‫ت‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ذ‬
‫ِّ‬ ‫ال‬ ‫ار‬
‫ُ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ً َ َ ْ ً ُ ُ ُ َ ُ ْ َ ْ‬
‫الن‬
‫ثم فاضت عيناي وجدا وشجوا ِّبدم ٍوع يح ِّادر الهط ِّ‬

‫َ ُْ‬ ‫ََ ُْ‬ ‫ال‪َ :‬ف َما َز َ‬ ‫يد َة إ َلى ِّآخر َها‪َ ،‬ق َ‬
‫َََ َ َْ َ‬
‫ال ْاب ُن َم ْه ِّد ٍي َي ْب ِّكي‪َ ،‬وأنا أن ِّش ُد ُه‪َ ،‬ح َّتى ِّإذا َما قل ُت‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫وذكر الق ِّص ِّ‬
‫ََ ْ ُ‬ ‫يد َة‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪ :‬إ َّن َب ْع َد َه َذا َأ ْب َي ًاتا ِّح َس ًانا‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫اس ُك ْت‪َ ،‬ف َق ْد َأ ْف َس ْد َت ْال َقص َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ْ ُّ ْ َ ُ ْ َ َ ً‬
‫ال‪َ :‬د ْع َها‪ ،‬أتذك ُر‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ال لي‪ْ :‬‬
‫و ِّبرأ ِّي النعم ِّان كنت ب ِّصيرا‪ ، ....‬ق ِّ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ُ َ ُ َ َّ ً َ ْ ْ‬ ‫ر َوا َي َة َع ْبد ََّّللا َع ْن َأبي َحن َيف َة في َم َ‬
‫ض ال ِّع َر ِّاق ِّإال ِّر َو َاي َت ُه َع ْن أ ِّبي َح ِّن َيفة َول َو ِّد ْد ُت أ َّن ُه ل ْم َي ْر ِّو َع ْن ُه‪،‬‬ ‫ر‬‫أ‬
‫ِّ ِّ‬‫ب‬ ‫ة‬ ‫ل‬
‫ز‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ف‬‫ر‬‫ِّ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ا‬‫م‬ ‫؟!‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ب‬
‫ِّ‬ ‫ق‬‫ِّ‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الرأي‪َ ،‬ف َقدْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ ُ َّ َ َ َ َّ َّ ُ َ َ َ َ َ َّ ُ َّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ُ ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يد‪ ،‬ما تح ِّمل على أ ِّبي ح ِّنيفة كل هذا‪ ،‬أملا أنه كان يتكلم ِّب ِّ‬ ‫وأ ِّني كنت أفت ِّدي ذ ِّلك ِّب ُم ْعظ ِّم َم ِّالي‪ ،.‬فقلت‪َ :‬يا أ َبا َس ِّع ٍ‬
‫َ َ ْ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫الرأي؟! َف َق َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ ُ ْ َ ُ َ َ ْ َ ُّ َ َ َ َّ ُ َ َّ ْ‬
‫الء! َما أش َب َه أ َبا َح ِّن َيفة ِّفي أ ْه ِّل ال ِّعل ِّم‬ ‫ال‪ :‬أتق ِّرن أ َبا ح ِّنيفة ِّإلى هؤ ِّ‬ ‫س‪ ،‬وسفيان‪ ،‬واألوز ِّاعي يتكلمون ِّب ِّ‬ ‫كان م ِّالك بن أن ٍ‬
‫َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ ُ ُّ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ُ َّ َ َ ْ ُ َ ْ ُ َ َ َّ ُ َ ْ َ‬
‫اإل ِّبل كلها ترعى ِّفي و ٍاد آخر‪ ،.‬قال ِّإسحاق‪ :‬ثم نظرت بعد ف ِّإذا الناس ِّفي أم ِّر أ ِّبي‬ ‫ِّإال ِّبناق ٍة ش ِّارد ٍة ف ِّارد ٍة ترعى ِّفي و ٍاد جد ٍب‪ ،‬و ِّ‬
‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬
‫ان‪ ".‬أقول‪ :‬هذه قصة صحيحة‪ .‬وملا كان ابن املبارك إماما زاهدا ورعا رجاعا إلى الحق‬ ‫اس َ‬ ‫الف َما ُك َّنا َع َل ْيه ب ُخ َر َ‬ ‫َ َ َ ََ‬
‫ح ِّنيفة على ِّخ ٍ‬
‫ِِّّ‬
‫رجع عن الرواية عن أبي حنيفة ‪ ،‬قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 294‬حدثني أبو الفضل الخراساني ‪ ،‬ثنا إبراهيم بن‬
‫شماس السمرقندي ‪ ،‬ثنا عبد هللا بن املبارك ‪ ،‬بالثغر عن أبي حنيفة ‪ ،‬قال ‪ :‬فقام إليه رجل يكنى أبا خداش ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أبا‬
‫عبد الرحمن ال ترو لنا عن أبي حنيفة ‪ ،‬فإنه كان مرجئا فلم ينكر ذلك عليه ابن املبارك ‪ ،‬وكان بعد إذا جاء الحديث عن أبي‬
‫حنيفة ورأيه ضرب عليه ابن املبارك من كتبه وترك الرواية عنه ‪ ،‬وذلك آخر ما قرأ على الناس بالثغر ‪ ،‬ثم انصرف ومات ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬وكنت في السفينة معه ملا انصرف من الثغر ‪ ،‬وكان يحدثنا فمر على ش يء من حديث أبي حنيفة ‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫فقال لنا ‪ :‬اضربوا على حديث أبي حنيفة فإني قد خرجت على حديثه ورأيه ‪ ،‬قال ‪ :‬ومات ابن املبارك في منصرفه من ذلك‬
‫الثغر ‪ ،‬قال ‪ :‬وقال رجل البن املبارك ونحن عنده ‪ :‬إن أبا حنيفة كان مرجئا يرى السيف فلم ينكر ذلك عليه ابن املبارك‪.‬‬
‫وهذا إسناد صحيح ويدل على عدم رجوع أبي حنيفة عن هذه املقالة إلى موته‪.‬‬
‫وقال عبد هللا في السنة ‪ : 327‬حدثني أبو الفضل الخراساني ‪ ،‬نا أحمد بن الحجاج ‪ ،‬نا سفيان بن عبد امللك ‪ ،‬حدثني ابن‬
‫املبارك ‪ ،‬قال ‪ :‬ذكرت أبا حنيفة عند األوزاعي وذكرت علمه وفقهه فكره ذلك األوزاعي وظهر لي منه الغضب وقال ‪:‬‬
‫تدري ما تكلمت به تطري رجال يرى السيف على أهل اإلسالم‪ ،‬فقلت ‪:‬إني لست على رأيه وال مذهبه‪ ،‬فقال‪ :‬قد نصحتك فال‬
‫تكره فقلت قد قبلت‪.‬‬

‫النقطة الثالثة‪ :‬ثناء يحيى القطان عليه‬

‫ص"‬ ‫الف ُر ْوع َع َلى َم ْذ َهب َأبي َحن ْي َف َة ‪-‬ف ْي َما َب َل َغ َنا‪ -‬إ َذا َل ْم َيجد َّ‬
‫الن َّ‬ ‫ان في ُ‬‫قال الذهبي في سير أعالم النبالء (‪َ ": )597 /7‬و َك َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الرواية التي اعتمدها الذهبي قد وقع في متنها تصرف‪ ،‬قال الدوري في تاريخه عن ابن معين ‪َ : 2530‬سمعت يحيى َي ُقول َقالَ‬
‫ِّ‬
‫َ ْ‬ ‫الش ْيء من أى أبي َ‬ ‫ُ َ َ َ َّ‬ ‫ْ َّ َ‬
‫حنيفة فاستحسناه ف ُقل َنا ِّب ِّه"‪ ،‬فقوله ( ربما ) يدل على قلة‬ ‫ر‬ ‫يحيى بن سعيد القطان ال نكذب هللا ربما رأينا‬
‫ذلك األمر وهذا ال يدل على تمذهب بل يدل على عكسه‪ ،‬ويحيى بن معين صح عنه تجهيم أبي حنيفة‪.‬‬
‫قال العقيلي في الضعفاء (‪ : )491/8‬حدثناه محمد بن عيس ى قال ‪ :‬حدثنا صالح قال ‪ :‬حدثنا علي بن املديني قال ‪ :‬سمعت‬
‫يحيى بن سعيد يقول ‪ :‬مر بي أبو حنيفة وأنا في سوق الكوفة ‪ ،‬فقال لي ‪ :‬تيس القياس هذا أبو حنيفة ‪ ،‬فلم أسأله عن ش يء ‪،‬‬
‫قال يحيى ‪ :‬وكان جاري بالكوفة فما قربته وال سألته عن ش يء ‪ .‬قيل ليحيى ‪ :‬كيف كان حديثه ؟ قال ‪ :‬لم يكن بصاحب‬
‫الحديث"‪ ،‬وهذا إسناد صحيح كله أئمة فكيف يصح بعد هذا الشتم والسب ألبي حنيفة أن يقال أنه حنفي ! إن هذا إال قلة‬
‫تحقيق‪.‬‬
‫النقطة الرابعة‪ :‬قول الشافعي (الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة)‬

‫وهذه العبارة تنسب للشافعي وما رأيتها مسندة عنه وإنما تعزى لكتاب املناقب البن أبي حاتم وليس هذا لفظها فيه‪:‬‬
‫َّ ْ‬
‫الرأي‪ ،‬إال َو ُه َو ِّع َي ٌ‬
‫ال‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫«ما َأ َح ٌ‬
‫د‬ ‫الشافع َّي‪َ ،‬ي ُقو ُل‪َ :‬‬ ‫ان ْاملُ َر ِّاد ُّي‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪َ :‬سم ْع ُت َّ‬ ‫الربي ُع ْب ُن ُس َل ْي َم َ‬
‫َّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫قال ابن أبي حاتم في املناقب ثنا ِّ‬
‫َ َ ْ‬
‫َعلى أ ْه ِّل ال ِّع َر ِّاق‪،‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ َّ ُ ْ ُ ُ َ ْ َ َ َ َّ ً ُ ْ َ َ ْ ُ َّ َّ َ ُ ُ َّ ُ َ ٌ َ َ ْ‬
‫ال َعلى أ ْه ِّل ال ِّع َر ِّاق‪ِّ ،‬في ال ِّف ْق ِّه"‪ ،‬فلم يذكر أبا حنيفة‬ ‫وقال الرِّبيع بن سليمان مرة أخرى‪ :‬س ِّمعت الشا ِّف ِّعي يقول‪ " :‬الناس ِّعي‬
‫غير أن شيخ اإلسالم تأول هذا النص أنه في تفريع املسائل ال معرفة الدالئل يعني أنهم أول من رتب الفقه الترتيب املعروف‬
‫اآلن‪ ،‬وفي هذا الكتاب عن الشافعي نصوص عديدة في ذم أبي حنيفة ال أدري ملاذا تجتنب قال ابن أبي حاتم في املناقب‬
‫اب‬ ‫ض ُع َأ َّو َل ْاملَ ْس َأ َل ِّة َخ َط ًأ‪ُ ،‬ث َّم َي ِّق ُ‬
‫يس ْال ِّك َت َ‬ ‫الشافع َّي َي ُقو ُل‪َ :‬أ ُبو َحن َيف َة َي َ‬ ‫ان ْاملُ َر ِّاد ُّي‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪َ :‬سم ْع ُت َّ‬ ‫الرب ُيع ْب ُن ُس َل ْي َم َ‬
‫َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ص‪ : 129‬ثنا ِّ‬
‫ُ َّ َ‬
‫كل ُه َعل ْي َها‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫الشافع َّي َي ُقو ُل‪ :‬ما َأ ْع َل ُم َأ َح ًدا َو َ‬
‫ض َع‬ ‫ال‪َ :‬سم ْع ُت َّ‬ ‫َ‬
‫األ ْيل ُّي‪َ ،‬ق َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫يد ِّ‬ ‫ال أ ِّبي‪ :‬ثنا ه ُارون ْبن َس ِّع ٍ‬ ‫وقال ابن أبي حاتم في املناقب ص‪ : 130‬ق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ‬
‫الك ُت َب أ َد َّل َعلى َع َو ِّار ق ْوِّل ِّه ِّم ْن أ ِّبي َح ِّن َيفة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ َ‬ ‫ثنا َأ ْح َم ُد ْب ُن ِّس َنان ْال َو ِّاس ِّط ُّي‪َ ،‬ق َ‬
‫يس ال َّشا ِّف ِّع َّي‪َ ،‬ي ُقو ُل‪َ :‬ما أش ِّب ُه َرأ َي أ ِّبي َح ِّن َيفة ِّإال ِّبخ ْي ِّط َس َّح َار ٍة‪،‬‬
‫ال‪َ :‬سم ْع ُت ُم َح َّم َد ْب َن إ ْدر َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫يء أ ْخ َ‬ ‫َ‬ ‫ص َف َر‪َ ،‬و َت ُم ُّد ُه َه َك َذا َف َيج ُ‬ ‫َ‬
‫يء أ ْ‬ ‫َت ُم ُّد ُه َه َك َذا َف َيج ُ‬
‫ض َر‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الرأي إال بخ ْي ِّط َس َّح َار ٍة‪ ،‬ت ُم ُّد ُه َهكذا ف َيج ُ‬ ‫ْ‬ ‫اب َّ‬ ‫ص َح َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الشافع َّي َي ُقو ُل‪َ :‬ما أشب ُه أ ْ‬ ‫ال‪َ :‬سم ْع ُت َّ‬ ‫ثنا َأ ْح َم ُد ْب ُن ِّس َنان َم َّرة أخ َرى‪ ،‬ق َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫يء‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫يء أ ْخ َ‬ ‫ص َف َر‪َ ،‬و َت ُم ُّد ُه َه َك َذا َف َيج ُ‬ ‫َأ ْ‬
‫ض َر‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫َ ْ َ َ ُ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َّ َّ َ ُ ُ َ َ ْ ُ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ ََ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم في املناقب ص‪ : 132‬أخبرنا أ ِّبي‪ ،‬ثنا حرملة بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬س ِّمعت الشا ِّف ِّعي يقول‪ " :‬رأيت أبا ح ِّنيفة ِّفي‬
‫َ‬ ‫اب َو ِّس َخ ٌة َرَّث ٌة‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫الن ْوم‪َ ،‬ع َل ْي ِّه ِّث َي ٌ‬
‫ال‪َ :‬ما ِّل َي َول َك؟ "‬ ‫ِّ‬
‫َّ‬

‫النقطة الخامسة ‪ :‬قولهم كان وكيع بن الجراح على مذهبه‬

‫ً‬
‫نسب عمرو بن عبد املنعم لوكيع أنه كان على مذهب أبي حنيفة اعتمادا على رواية منكرة في االنتقاء البن عبد البر في ص ‪14‬‬
‫َ‬
‫ال‪َ :‬ح َّدث َنا َو ِّك ٌيع‪،‬‬ ‫عمدا ما صح عن وكيع في مباينته ملذهب أهل الرأي‪ ،‬قال الترمذي في جامعه ‪َ : 906‬ح َّد َث َنا َأ ُبو ُك َرْيب َق َ‬ ‫ً‬
‫وترك‬
‫ٍ‬
‫َ ْ‬ ‫َّ َ َّ َ َ‬ ‫َ َّ َّ َّ َ َّ َّ ُ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ ْ َ َّ‬ ‫َ ْ َ‬
‫َّللا َعل ْي ِّه َو َسل َم قل َد ن ْعل ْي ِّن‪َ ،‬وأش َع َر‬ ‫اس‪« ،‬أن الن ِّبي صلى‬ ‫عن ِّهش ٍام الدستوا ِّئ ِّي‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أ ِّبي حسان األعر ِّج‪ ،‬عن اب ِّن عب ٍ‬
‫َّ ْ ُ َ‬
‫ٌ‬ ‫يث ْابن َع َّ‬ ‫ُ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َّ َ َ َ َ ْ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫اس َح ِّديث َح َس ٌن‬ ‫ٍ‬ ‫ب‬ ‫ِّ‬ ‫د‬
‫ِّ‬ ‫«ح‬ ‫‪:.‬‬ ‫ة‬ ‫م‬‫ر‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ب‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ر‬ ‫و‬‫س‬ ‫مل‬
‫ِّ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫اب‬
‫ِّ‬ ‫الب‬ ‫ي‬ ‫ف‬‫ِّ‬ ‫و‬ ‫»‬ ‫م‬ ‫الد‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫اط‬‫م‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬
‫ِّ‬ ‫ف‬ ‫ي‬‫ل‬ ‫الح‬ ‫ي‬ ‫ذ‬‫ِّ‬ ‫ب‬ ‫ن‬
‫ِّ ِّ‬ ‫م‬ ‫األ ْي َ‬ ‫الش ِّق‬‫الهد َي ِّفي ِّ‬
‫َّ َ‬ ‫َّ َ َّ َّ ُ َ‬
‫َّللا َعل ْي ِّه َو َسل َم َوغ ْي ِّر ِّه ْم»‬ ‫اب الن ِّب ِّي صلى‬ ‫صَ‬
‫ح‬ ‫الع َم ُل َع َلى َه َذا ع ْن َد َأ ْهل الع ْلم م ْن َأ ْ‬ ‫اس ُم ُه ُم ْسل ٌم َ«و َ‬ ‫َ ٌ َ َ ُ َ َّ َ َ‬
‫األ ْع َر ُج‪ْ :‬‬ ‫ص ِّحيح» وأبو حسان‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ََ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ ُ ُ َ‬ ‫الث ْوري‪َ ،‬و َّ‬ ‫َ َ ْو َ ْ َ َ َ ُ َ َ ْ ُل َّ‬
‫يعا َي ُقو ُل ِّح َين‬ ‫يس ى َي ُقو ُل‪َ :‬سم ْع ُت َوك ً‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ف ْب َن ع َ‬
‫ِّ‬ ‫الشا ِّف ِّع ِّي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬و ِّإسحاق» س ِّمعت يوس‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اإلشعار وهو قو‬ ‫‪« ،‬ير ن ِّ‬
‫َ‬
‫الرأي في َه َذا‪َ ،‬فإ َّن اإل ْش َع َار ُس َّن ٌة‪َ ،‬و َق ْو ُل ُه ْم ب ْد َع ٌة» ‪َ .‬و َسم ْع ُت أ َبا َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ََ َ َ َ َ ََ َ َ َْ ُُ َ َْ ْ‬
‫السا ِّئ ِّب‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫روى هذا الح ِّديث‪ ،‬فقال‪« :‬ال تنظروا ِّإلى قو ِّل أه ِّل َّ ِّ ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ْ َ ْ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ‬ ‫ََ َ ُ َْ ُ ْ َْ ُ‬ ‫ُ‬
‫َّللا َعل ْي ِّه َو َسل َم‪َ ،‬و َي ُقو ُل أ ُبو َح ِّن َيفة ُه َو‬ ‫َّللا صلى‬ ‫ال ِّل َرج ٍل ِّعنده ِّم َّمن ينظ ُر ِّفي الرأ ِّي‪ :‬أشعر رسول ِّ‬ ‫َي ُقو ُل‪ " :‬ك َّنا ِّع ْن َد َو ِّك ٍيع‪ ،‬فق‬
‫ال‪:‬‬ ‫ض ًبا َش ِّد ًيدا‪َ ،‬و َق َ‬ ‫يعا َغض َب َغ َ‬ ‫ال‪َ :‬ف َ َرأ ْي ُت َوك ً‬ ‫ال‪ :‬اإل ْش َع ُار ُم ْث َل ٌة‪َ ،‬ق َ‬ ‫الن َخ ِّعي َأ َّن ُه َق َ‬ ‫الر ُج ُل‪َ :‬فإ َّن ُه َق ْد ُرو َي َع ْن إ ْب َراه َ‬
‫يم َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُم ْث َل ٌة؟ َق َ‬
‫ال‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ُ ُ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َّ َ َ ْ ُ ْ َ َ ُ َّ َ َ ْ ُ َ َ َّ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫َّللا صلى َّللا علي ِّه وسلم وتقول قال ِّإبر ِّاهيم‪ ،‬ما أحقك ِّبأن تحبس‪ ،‬ثم ال تخرج حتى تن ِّزع عن قوِّلك هذا‬ ‫أقول لك قال رسول ِّ‬
‫"‪ ،‬فيسميهم أهل الرأي ويحض على ترك النظر في أقوالهم فكيف يكون منهم؟!‪.‬‬
‫قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 348‬حدثت عن يزيد بن عبد ربه ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت وكيع بن الجراح ‪ ،‬حين قدم علينا حمص‬
‫سنة ثالث وتسعين يقول ‪ :‬إياكم ورأي أبي حنيفة فإني سمعته يقول ‪ :‬قبل أن نأخذ في القياس ‪ ،‬البول في املسجد أحسن من‬
‫بعض القياس "‪ ،‬وهذا إسناد صحيح فشيوخ عبد هللا كلهم ثقات‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ال َنا َأ ُبو َّ‬
‫السا ِّئب َق َ‬
‫ال َس ِّم ْع ُت َو ِّك َيع ْب َن ال َج َّر ِّاح َي ُقو ُل‬ ‫الساج ُّي َق َ‬ ‫بل قال ابن عبد البر نفسه في كتاب االنتقاء ص‪َ ": 151‬و َذ َك َر َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ف م َائ َت ْي َحد ٍ َ ْ ُ‬‫َ َ ْ ُ ََ َ َ َ َ َ َ‬
‫َّللا صلى هللا َعل ْي ِّه َوسلم"‪ ،‬ولو صح عن أحد من املحدثين أنه كان على‬ ‫يث عن َرسو ِّل ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وجدت أبا ح ِّنيفة خال ِّ‬
‫مذهب أهل الرأي فإن هذه تعد زلة ال تصحح ما هم عليه من الخطل‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫النقطة السادسة‪ :‬االحتجاج بالفقه األكبروالفقه األبسط‬

‫يحتج كثيرون على تبرئة أبي حنيفة من بعض ما نسب بكتابي الفقه األكبر والفقه األبسط وكالهما ال يثبت ولو ثبتا لكانا‬
‫دليل إدانة !‪ ،‬وإليك بيان ذلك‪:‬‬
‫جاء في كتاب الفقه األكبر املنسوب ألبي حنيفة ص‪ ": 301‬وصفاته الذاتية والفعلية‪ ،‬أما الذاتية فالحياة والقدرة والعلم‬
‫والكالم والسمع والبصر واإلرادة‪ ،‬وأما الفعلية فالتخليق والترزيق واإلنشاء واإلبداع والصنع وغير ذلك من صفات الفعل لم‬
‫يزل وال يزال بأسمائه وصفاته"‪.‬‬
‫القول بأن صفة الكالم ذاتية مشكل بل باطل ألن صفة الكالم ذاتية فعلية ‪ ،‬فاهلل يتكلم بما شاء متى شاء والقول بأنها ذاتية‬
‫َ ُ َ ُ ُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫إنما يجري على أصول الكالبية ‪ ،‬قال هللا تعالى ‪ِّ ( :‬إ َّن َما أ ْم ُر ُه ِّإذا أ َر َاد ش ْي ًئا أ ْن َي ُقو َل ل ُه ك ْن ف َيكون)‪.‬‬
‫والقول بأن صفة الكالم ذاتية إنما يجري على أصول الكالبية القائلين بالكالم النفس ي فالكالم عندهم ال يتعلق باملشيئة‬
‫وحتى السمع والبصر هي قديمة النوع حادثة اآلحاد ‪ ،‬قال صالح آل الشيخ في شرح العقيدة الواسطية ‪ ":‬األشاعرة واملاتريدية‬
‫وجماعات يقولون سمعه قديم يثبتون السمع ولكن السمع عندهم ليس بحادث ‪ ،‬السمع قديم‪، .‬فسمع الكالم في القدم‬
‫لعلمه به هكذا يزعمون‪ ، .‬وهذا الكالم فيه التكذيب للقرآن ولوال التأويل لكانوا كفارا بذلك ‪ ،‬ألن هللا جل وعال يقول ( َو َّ ُ‬
‫َّللا‬
‫َ ْ َ َ َّ ُ َ َّ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َّللا ق ْو َل ال ِّتي ت َج ِّادل َك)‪ ،‬وإذا كان السماع في املاض ي قبل مجيء الكالم وقبل حصوله وقبل‬ ‫َي ْس َم ُع ت َح ُاو َرك َما) وقال ( قد س ِّمع‬
‫َ‬
‫حصول املجادلة بين املرأة وبين رسول هللا صلى هللا عليه وسلم هل يصح أن يقال ق ْد َس ِّم َع بصيغة املاض ي ؟‬
‫َ‬
‫وإنما يقال ق ْد َس ِّمع إذا كان األمر قد وقع وانتهى‪ ،‬ولهذا قال نجد في النصوص لفظ املاض ي ولفظ املضارع‪ ،‬فقد يكون في‬
‫إثبات السمع القديم البصر القديم دون البصر الحادث والسمع الحادث والكالم الحادث فيه نفي لدالالت النصوص وفيه‬
‫َْ َ َ‬
‫سمع في القدم قبل حدوث الكالم ؟‬ ‫تكذيب لها ألن هللا جل وعال يقول ?قد س ِّمع? وهؤالء يقولون سمعه قديم‪ ،‬كيف ِّ‬
‫َ‬
‫هذا ال يصح أن يقال ق ْد َس ِّم َع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قال جل وعال ( َو َّ ُ‬
‫َّللا َي ْس َم ُع ت َح ُاو َرك َما) هذا فعل مضارع داللته على الحال يعني يسمع تحاوركما اآلن‪.‬‬
‫قد قالت عائشة (سبحان من وسع سمعه األصوات أتت املجادلة إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تجادله في زوجها وليس‬
‫بيني وبينها إال جدار لم أسمعها) ‪ ،‬هللا يسمع ‪ ،‬حين الكالم سمع ذلك جل وعال‪ .‬وهذا ما يثبته أهل السنة والجماعة ‪ ،‬هذا وال‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َّ َّ َ َ‬
‫َّللا َي ْعل ُم ِّس َّر ُه ْم َون ْج َو ُاه ْم?‬ ‫شك يعظم الصفة في نفس املؤمن ألنه يعلم أن هللا جل وعال يسمع سره ونجواه ?ألم يعلموا أن‬
‫يسمع جل وعال السر والنجوى فال يخفي عليه ش يء ‪ ،‬سمعه وسع األصوات ‪ ،‬ما من ش يء ُي ْس َمع إال وهللا جل وعال يسمعه ‪،‬‬
‫يسمع صوت دبيب النمل فوق الصفا ‪ ،‬وهذه الصفة يجب اإليمان بها كما ذكرت بدالالتها"‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أقول ‪ :‬وهذا الكالم الذي ذكره في صفة السمع والبصر يقال أيضا في صفة اإلرادة إذ أن لها آحادا حادثة قال هللا تعالى ‪ِّ ( :‬إ َّن َما‬
‫ً‬ ‫َ ُ َ ُ ُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫أ ْم ُر ُه ِّإذا أ َر َاد ش ْي ًئا أ ْن َي ُقو َل ل ُه ك ْن ف َيكون) ‪ ،‬وقد نقل شيخ اإلسالم ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية كالما البن رشد‬
‫الفيلسوف ينقض فيه مذهب املتكلمين القائل بأن هللا عز وجل أراد بإرادة قديمة جميع املحدثات‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫وقال صالح الفوزان في التعليقات املختصرة على العقيدة الطحاوية "‪ :‬وأما أفعاله سبحانه‪ ،‬فهي قديمة النوع حادثة اآلحاد"‪،‬‬
‫وعلى قول الشيخ هذا يصح إطالق ( قديمة النوع حادثة اآلحاد ) في جميع الصفات الفعلية ‪ ،‬من هذا تعلم خطأ الدكتور‬
‫محمد الخميس حين أورد هذا النص في كتابه اعتقاد األئمة األربعة على أنه اعتقاد سلفي ‪ ،‬وكذلك أحمد النجار في كتاب له‬
‫في القواعد في األسماء والصفات ‪ ،‬وهناك نصوص أخرى مشكلة أو باطلة في كتاب الفقه األكبر املنسوب ألبي حنيفة ‪ ،‬فمن‬
‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬
‫ذلك قوله ‪ ":‬ولفظنا ِّبال ُق ْر ِّآن َمخلوق وكتابتنا ل ُه مخلوقة وقراءتنا ل ُه مخلوقة َوال ُق ْرآن غير َمخلوق"‪ ،‬وهذا قول اللفظية الذين‬
‫بدعهم السلف ‪ ،‬وهذا من براهين بطالن نسبة هذه الرسالة ألبي حنيفة فإنه لم يدرك مبحث اللفظ هذا ‪ ،‬ومن ذلك قوله في‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ْ َّ َ‬
‫فية َوال يكون َبينه َو َبين خلقه َم َسافة"‪ ،‬فنفي‬ ‫الفقه األكبر ‪َ ":‬و َي َر ُاه ْاملُ ْؤم ُنو َن وهم في ْال َّ‬
‫جنة بأعين رؤوسهم ِّبال تش ِّبيه وال كي‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وجود املسافة إنما يجري على أصول القائلين بأنه يرى إلى غير جهة وهو قول األشعرية الجهمية ومذهب السلف أن اإلثبات‬
‫والنفي بحسب الوارد بالنصوص ‪ ،‬وقد شبه النبي صلى هللا عليه وسلم رؤية هللا عز وجل برؤية القمر ‪ ،‬والقمر يرى بالبصر‬
‫َ َ‬ ‫الص َغائر والكبائر َو ْال ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬
‫كفر والقبائح َوقد كانت‬ ‫السالم كلهم منزهون عن َّ ِّ‬ ‫وهو فوقنا ‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪ ":‬واألنبياء َعل ْي ِّهم الصالة و‬
‫ِّم ْن ُهم زالت وخطايا"‪ ،‬والقول بتنزيه األنبياء عن الصغائر هو قول األشاعرة ‪ ،‬وقد بينت بطالنه في الرد على الداني آل زهو‪.‬‬
‫َّ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫الس َالم َحبيبه َو َعبده َو َر ُسوله َونبيه َوصفيه ونقيه َولم يعبد َّ‬ ‫الص َالة َو َّ‬ ‫وقوله ‪َ ":‬و ُم َحمد َع َل ْي ِّه َّ‬
‫الص َنم َولم ُيشرك ِّباّلل ت َعالى‬ ‫ِّ‬
‫َْ‬ ‫َ ْ َ َ َ َّ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫َّللا َما تق َّد َم ِّم ْن ذن ِّب َك َو َما‬ ‫ص ِّغ َيرة َوال ك ِّب َيرة قط"‪ ،‬هذا يخالف القرآن في قوله تعالى ‪ِّ ( :‬ليغ ِّفر لك‬ ‫طرفة عين قط َولم يرتكب َ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َّ ُ َ َ َ َّ َّ ُ َ ْ ْ َ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫اس َتغ ِّف ْر ِّلذن ِّب َك َوِّلل ُم ْؤ ِّم ِّن َين‬ ‫تأ َّخ َر َو ُي ِّت َّم ِّن ْع َم َت ُه َعل ْي َك َو َي ْه ِّد َي َك ِّص َراطا ُم ْس َت ِّق ًيما)‪ ،‬وقوله تعالى ( فاعلم أنه ال ِّإله ِّإال َّللا و‬
‫َّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ْ ُ ْ َ َ َّ ُ َ ْ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُ‬
‫ود ِّه الل ُه َّم‬‫ات وَّللا يعل ُم ُمتقل َبك ْم و َمثواك ْم)‪ ،‬ويخالف األحاديث الكثيرة ومنها قول النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ِّ ( :‬في سج ِّ‬ ‫واملؤ ِّمن ِّ‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ ْ ُ َّ َّ‬ ‫ْ‬
‫اغ ِّف ْر ِّلي ذن ِّبي كل ُه ِّدق ُه ‪َ ،‬و ِّجل ُه ‪َ ،‬وأ َّول ُه َو ِّآخ َر ُه َو َعال ِّن َي َت ُه َو ِّس َّر ُه) رواه مسلم‪.‬‬
‫ْ‬
‫احف َمك ُتوب وآيات ال ُق ْرآن ِّفي‬
‫ْ‬ ‫َ ُ َ َْ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُْ‬
‫وكذلك قوله في الفقه األكبر ‪ ":‬والق ْرآن منزل على َرسول هللا صلى هللا عل ْي ِّه وسلم وهو ِّفي املص ِّ‬
‫َ َْ ْ ُ‬ ‫ُْ‬ ‫َْ ْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫معنى ْال َك َالم َ‬
‫كلها مستوية ِّفي ال َف ِّضيلة َوال َعظ َمة اال ان لبعضها ف ِّضيلة الذكر وفضيلة املذكور مثل َآية الك ْر ِّس ي ِّألن املذكور‬
‫َ َ‬ ‫َْ ْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِّف َيها جالل هللا ت َعالى وعظمته َو ِّص َفاته فاجتمعت ِّف َيها فضيلتان ف ِّضيلة الذكر وفضيلة املذكور ولبعضها ف ِّضيلة الذكر‬
‫ْ‬
‫كلها مستوية ِّفي العظمة َوالفضل‬ ‫الص َفات َ‬ ‫ْ َّ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫كفار َو َل ْي َ‬
‫قصة ْال َّ‬ ‫َفحسب مثل َّ‬
‫س للمذكور ِّف َيها فضل وهم الكفار وكذ ِّلك األسماء و ِّ‬
‫ينها"‪ ،‬والقول بأن آيات القرآن مستوية في الفضيلة هو قول األشاعرة ويدفع ذلك حديث أبي في فضل آية الكرس ي‬ ‫َال َتفاوت َب َ‬
‫‪ ،‬واألحاديث في فضل سورة اإلخالص وما ذكره في الفضل تأويل لحقيقة الفضيلة‪ ،‬وكذلك القول بأن أسماء هللا مستوية في‬
‫َ ْ َ َُ ْ ْ‬
‫اإلق َرار والتصديق) وهذا تعريف‬ ‫الفضل هو قول األشعري ويدفعه األخبار الواردة في اسم هللا األعظم ‪ ،‬وقوله ( و ِّ‬
‫اإليمان هو ِّ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫مرجئة الجهمية واملعروف أن أبا حنيفة كان من مرجئة الفقهاء ‪ ،‬وقوله ‪َ ( :‬و َل ْي َ‬
‫س قرب هللا ت َعالى َوال بعده من ط ِّريق طول‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫امل َسافة وقصرها َول ِّكن على معنى الك َر َامة والهوان واملطيع قريب ِّم ْن ُه ِّبال كيف والعاص ي بعيد ِّم ْن ُه ِّبال كيف والقرب والبعد‬
‫فية) ‪،‬وهذا تأويل للقرب والبعد بل هو قرب وبعد‬ ‫جنة َو ْال ُو ُقوف يين َي َد ْي ِّه ب َال َك ْي َّ‬
‫واإلقبال َيقع على املناجي َو َك َذل َك جواره في ْال َّ‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫حقيقي ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ان ْبن ُم ْحرز ْاملَازِّني َق َ‬ ‫ص ْف َو َ‬ ‫ال َأ ْخ َب َرني َق َت َاد ُة َع ْن َ‬ ‫يل َح َّد َث َنا َه َّم ٌام َق َ‬ ‫َ َّ َ َ َ ْ ُ ْ‬
‫ال‬ ‫ِّ ٍ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اع َ‬‫قال البخاري في صحيحه ‪ : 2441‬حدثنا ُموس ى بن ِّإس َم ِّ‬
‫َّ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ َ ٌ َ ْ َ َ َ َ ُ ٌ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ُ َ َّ َ َّ َّ ُ َ‬
‫َّللا َعل ْي ِّه َو َسل َم َي ُقو ُل‬ ‫َّللا صلى‬ ‫بينما أنا أم ِّش ي مع اب ِّن عمر ر ِّض ي َّللا عنهما ِّآخذ ِّبي ِّد ِّه ِّإذ عرض رجل فقال كيف س ِّمعت رسول ِّ‬
‫ََ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ُ ُ َّ َّ َ ُ ْ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ َ‬
‫ض ُع َعل ْي ِّه ك َن َف ُه َو َي ْست ُر ُه ف َي ُقو ُل أت ْع ِّرف‬ ‫َّللا صلى َّللا علي ِّه وسلم يقول ِّإن َّللا يد ِّني املؤ ِّمن في‬ ‫ِّفي النجوى فقال س ِّمعت رسول ِّ‬
‫ُّ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َّ ُ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ َ ََ ُ َْ َ َ َ‬
‫الدن َيا َوأنا‬ ‫ال َست ْرُت َها َعل ْي َك ِّفي‬ ‫ذن َب كذا أت ْع ِّرف ذن َب كذا ف َي ُقو ُل ن َع ْم أ ْي َر ِّب َح َّتى ِّإذا ق َّر َر ُه ِّبذن ِّوب ِّه َو َرأى ِّفي نف ِّس ِّه أنه هلك ق‬
‫َ ْ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ ْ َ ُ َ ْ ُ َ ُ َ َ َ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ُ َ َّ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ َّ َ‬
‫َّللا َعلى‬‫أغ ِّفرها لك اليوم فيعطى ِّكتاب حسنا ِّت ِّه وأما الكا ِّفر واملنا ِّفقون فيقول األشهاد {هؤال ِّء ال ِّذين كذبوا على ِّرب ِّهم أال لعنة ِّ‬
‫َّ‬
‫الظ ِّ ِّامل َين}‪.‬‬
‫ال ‪َ :‬ح َّد َث َنا ُس ْف َي ُ‬
‫ان ‪,‬‬ ‫ال ‪َ :‬ح َّد َث َنا َو ِّك ٌيع ‪َ ,‬ق َ‬ ‫ال ‪َ :‬ح َّد َث َنا َأ ُبو َب ْكر ْب ُن َخ َّال ٍد ْال َباهل ُّي ‪َ ,‬ق َ‬‫وقال الخالل في السنة ‪َ :320‬ح َّد َث َنا َأ ُبو َب ْكر ‪َ ,‬ق َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫ال ‪َ :‬ذك َر ُّ‬
‫الد ُن َّو َح َّتى َي َم َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صور ‪َ ,‬ع ْن ُم َجاه ٍد ‪َ ,‬ع ْن ُع َب ْي ِّد ْبن ُع َم ْير ‪{َ :‬وإ َّن ل ُه ِّع ْن َد َنا ل ُزلفي} َق َ‬ ‫َ ْ َْ ُ‬
‫ض ُه‪.‬‬
‫س َب ْع َ‬
‫ٍ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫عن من ٍ‬
‫َ‬ ‫ال ‪َ :‬ح َّد َث َنا َأبي ‪َ ,‬ق َ‬
‫ال ‪َ :‬ح َّدث َنا‬ ‫يك ‪َ ,‬ق َ‬ ‫َ َّ َ َ َ ُ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ َ َّ ُ ْ ُ ْ َ َ َ َّ َ َ َ ْ ُ َّ ْ َ ْ ُ َ‬
‫‪ :321‬حدثنا أبو بك ٍر ‪ ,‬قال ‪ :‬حدثنا محمد بن ِّبش ٍر ‪ ,‬قال ‪ :‬حدثنا عبد الرحم ِّن بن ِّ ٍ‬
‫ر‬ ‫ش‬
‫ِّ‬
‫َ َ َ َ َ ُّ ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ‪َ :‬ح َّد َث َنا ُم َجاه ٌد ‪َ ,‬ق َ‬
‫ور ‪َ ,‬ق َ‬
‫الدن َّو ِّم ْن ُه‪.‬‬ ‫ال ‪َ :‬س ِّم ْع ُت ُع َب ْي َد ْب َن ُع َم ْي ٍر ‪َ ,‬و ُس ِّئ َل َع ْن ق ْوِّل ِّه ‪َ { :‬و ِّإ َّن ل ُه ِّع ْن َدنا ل ُزلفي } قال ‪ :‬ذكر‬ ‫ِّ‬
‫ص ٌ‬ ‫َم ْن ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والخالصة أن امللحوظات على هذا الكتاب ليست محصورة في باب اإليمان والواقع أنه يبعد جدا صحة نسبة هذا الكتاب‬
‫لرجل عاش في ذاك الزمان‪ ،‬وقد أحسن الدكتور الخميس حيث لم يورد عامة هذه العبارات في كتابه ( اعتقاد األئمة األربعة )‬
‫ً‬
‫وأخطأ في إيراده العبارة املتعلقة بكون صفة الكالم والسمع والبصر صفات ذاتية علما أنه أخطأ في إهماله ملسألة النبوات في‬
‫الجمع وقد صنف الكتاب ليثبت أن اعتقاد األئمة األربعة واحد إال في مسائل اإليمان غير أن كتاب الفقه األكبر الذي‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬
‫اعتمده ينغص على ذلك كثيرا ‪ ،‬بل وحتى كتاب الفقه األبسط ففيه في الفقه األبسط "‪َ :‬يد هللا فوق أ ْيديهم ليست كأيدي‬
‫َ‬
‫خلقه َول ْي َست جارحة"‪ ،‬وهذه عقيدة الكالبية في صفة اليد يثبتون هلل يدا واحدة وال يقولون بالتثنية ‪ ،‬وينفون الجارحة‬
‫وعقيدة أهل السنة أنهم ال ينفون وال يثبتون ما لم يرد به النص ‪ ،‬وليس في الفقه األبسط إثبات ش يء من الصفات الفعلية‬
‫ً‬
‫كاملجيء والنزول وغيرها ‪ ،‬وكتاب الفقه األبسط أيضا ال يثبت‬

‫النقطة األخيرة ‪ :‬االعتماد على العقيدة الطحاوية‬

‫وهذه يعتمدون عليها لتبرئته من القول بالسيف والتجهم‪ ،‬وهذا مسلك ضعيف في الذب عنه إذ أن الطحاوي لم يدرك أبا‬
‫حنيفة ‪ ،‬والقول بالسيف أثبته عليه أبو يوسف وابن املبارك بل كان يذكر أمامهما بهذا بعد وفاته فال يدافعان عنه بش يء‬
‫ولو وقع التراجع الشتهر‪ ،‬وهذا الجصاص الحنفي في كتابه أحكام القرآن يثبت على أبي حنيفة القول بالسيف‪ ،‬ومن أهل‬
‫الحديث عبد هللا بن اإلمام أحمد والعقيلي وهما معاصران للطحاوي أثبتا هذا وأسنداه‪ ،‬والذي تقتضيه القواعد العلمية أنه‬
‫ال يجزم برجوع أبي حنيفة إال بأمرين‪:‬‬
‫األول ‪ :‬صحة الرواية عنه بعدم القول بالسيف ‪ ،‬وهذا متعذر مع إعضال رواية الطحاوي‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬معرفة تاريخ هذا القول وأنه متأخر عن القول بالسيف وهذا متعذر بل ال وجود له‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫وكذلك أمر التجهم فإن أبا زرعة أثبته على أبي حنيفة وهو معاصر للطحاوي‪ ،‬وكذلك أثبته ابن معين وهو أكبر من الطحاوي‬
‫ً‬
‫وأقرب طبقة ألبي حنيفة فال بد من إثبات األمرين السابقين في هذه أيضا‪ ،‬وقد تقدم قول أبي يوسف في رجوع أبي حنيفة عن‬
‫القول بخلق القرآن‪ ،‬وهللا أعلم فقد روي عنه أن أبا حنيفة موت على القول بخلق القرآن ‪.‬‬

‫وقفة مع ابن عبد البر‬


‫ً‬
‫كثيرا ما يعتمد املدافعون عن أبي حنيفة على بعض ما قال ابن عبد البر في كتابه االنتقاء والذي احتفي به عبد الفتاح أبو‬
‫غدة ‪ ،‬ويهملون ما ذكره من االتفاق على تبديعه‪ ،‬ومناقشة ابن عبد البر فيما أورد يطول ‪ ،‬وقد تقدم الكالم على نقاط‬
‫مفصلية في البحث ‪ ،‬ولكن ال بد من اإلشارة إلى بعض املواطن‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن ابن عبد البر شيعي وقد ظهر هذا املسلك في كتبه حتى إنه جازف وادعى أن خبر ابن عمر في املفاضلة بين الصحابة‬
‫خالف اإلجماع !‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ َْ َ َ َ َ َ ً َ ْ َ ْ ُ َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وعة ِّع ْن َد أ ِّئ َّم ِّة‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية في منهاج السنة (‪َ ": )373/7‬و ُه َو َي ْر ِّوي ِّفي األرب ِّعين أح ِّاديث ض ِّعيفة‪ ،‬بل موض‬
‫َ َّ‬
‫يث كالن َسا ِّئ ِّي‪َ ،‬و ْاب ِّن‬ ‫ْ َْ ْ ْ ْ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ َ َ َ َ َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْال َح ِّد ِّ َ َ ْ‬
‫اس ِّطين‪ ،‬وامل ِّار ِّقين ل ِّكن تش ُّي َعه‪ ،‬وتش ُّي َع أ ْمث ِّال ِّه ِّمن أه ِّل ال ِّعل ِّم ِّبالح ِّد ِّ‬
‫يث‪ ،‬كقوِّل ِّه ِّب ِّقت ِّال الن ِّاك ِّثين‪ ،‬والق ِّ‬
‫ُ َ‬
‫يث َم ْن ُي َف ِّضل ُه َعل ْي ِّه َما"‬ ‫ََ َ ْ َ ُ ََ ُ ُ َُ ْ َ‬ ‫َ ُُ َ َْ‬ ‫َ َْ ََ َ‬
‫ع ْب ِّد الب ِّر‪ ،‬وأ ْمث ِّال ِّه َما ال َي ْبلغ ِّإلى تف ِّض ِّيل ِّه على أ ِّبي َبك ٍر وع َم َر فال ي ْع َرف ِّفي عل َم ِّاء الح ِّد ِّ‬
‫وقد انتقد ابن الصالح ابن عبد البر على توسعه في ذكر مثالب الصحابة في كتابه االستيعاب‪ ،‬قال ابن الصالح في مقدمته‬
‫ص‪ ": 64‬هذا علم كبير قد ألف الناس فيه كتبا كثيرة‪ ،‬ومن أجلها وأكثرها فوائد " كتاب االستيعاب " ألبن عبد البر‪ ،‬لوال ما‬
‫شانه به من أيراد كثيرا مما شجر بين الصحابة‪ ،‬وحكاياته عن اإلخباريين ال املحدثين‪ .‬وغالب على اإلخباريين واإلكثار‬
‫والتخليط فيما يروونه"‪ ،‬فليته صان لسانه عن الصحابة أو اعتذر لهم كما اعتذر ألبي حنيفة‪.‬‬
‫قال األخ حمود الكثيري في بحثه في الدفاع عن الوليد بن عقبة بن أبي معيط ‪ ":‬وال يفوتني أن أعلق على بعض ما ورد في كالم‬
‫بعض أهل السير في شأن الوليد رض ي هللا عنه‪ :‬قال ابن عبد البر في ترجمة الوليد بن أبي عقبة في استيعابه‪:‬‬
‫وله أخبار فيها نكارة وشناعة تقطع على سوء حاله وقبح أفعاله‪ ،‬غفر هللا لنا وله‪ ،‬فلقد كان من رجال قريش ظرفا وحلما‬
‫وشجاعة وأدبا‪ ،‬وكان من الشعراء املطبوعين‪ ،‬وكان األصمعي وأبو عبيدة وابن الكلبي وغيرهم يقولون‪ :‬كان الوليد بن عقبة‬
‫فاسقا شريب خمر‪ ،‬وكان شاعرا كريما تجاوز هللا عنا وعنه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أخباره في شرب الخمر ومنادمته أبا زبيد الطائي مشهورة‬
‫كثيرة‪ ،‬يسمج بنا ذكرها هنا‪.‬‬
‫أقول‪ :‬لو أن ابن عبد البر دقق في هذه األخبار ومحصها وتفحصها لم يستسهل أن ينطق في حق صحابي من أصحاب رسول هللا‬
‫َ‬
‫بمثل هذا الكالم الس يء‪ ،‬أ َعلى أخبار األصمعي وأبي عبيدة والكلبي نعتمد في الكالم في عدالة رجل مسلم لم يدركوه؟! فكيف إن‬
‫كان هذا املسلم من أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم؟!‬
‫ً‬
‫وإن تعجب فاعجب من ابن عبد البر حيث اعتمد على أخبار واهيات في ترجمة الوليد رض ي هللا عنه وقال كالما يضيق‬
‫الصدر منه ولم َ‬
‫يسع حتى في الكشف عن أسانيد هذه األخبار وليته لم يثقل كتابه بها فهي وإن ثبتت ال حاجة لنا بها‪،‬‬

‫‪41‬‬
‫وفي الوقت نفسه يدفع في صدر ما ورد في حق أبي حنيفة كما في "االنتقاء" ويلمح إلى أنه محسود ويذكر ما ثبت عن السلف في‬
‫الطعن فيه بصيغة التمريض! فتأمل‪ ،‬وقد أحسن الحافظ ابن حجر حين قال في ترجمة الوليد في تهذيبه‪:‬‬
‫"وقد طول الشيخ (أي ابن الجوزي) ترجمته وال طائل فيها من كتاب ابن عبد البر ‪ ،‬وفيها خطأ وشناعة‪ ،‬والرجل فقد ثبتت‬
‫صحبته‪ ،‬وله ذنوب أمرها إلى هللا تعالى‪ ،‬والصواب السكوت‪ ،‬وهللا تعالى أعلم"‬
‫وقد انتقد ابن الصالح كتاب ابن عبد البر "االستيعاب" بسبب مثل هذه األمور فقال كما في مقدمته (‪:)395/1‬‬
‫معرفة الصحابة رض ي هللا عنهم أجمعين‪ ،:‬هذا علم كبير قد ألف الناس فيه كتبا كثيرة ‪ ،‬ومن أجلها وأكثرها فوائد كتاب "‬
‫االستيعاب " البن عبد البر لوال ما شانه به من إيراده كثيرا مما شجر بين الصحابة وحكاياته عن األخباريين ال املحدثين‪.‬‬
‫وغالب على األخباريين اإلكثار والتخليط فيما يروونه‪".‬اهـ كالمه "‬
‫الثاني ‪ :‬أن ابن عبد البر له دفاعات غريبة عن بعض املجروحين‪ ،‬كذكره في جامع بيان العلم وفضله في فصل تحاسد العلماء‬
‫ً‬
‫كالم مالك في ابن سمعان مع أن ابن سمعان متروك اتفاقا‪ ،‬وقوله في جامع بيان العلم وفضله (‪ ": )412 /3‬وأظن الشعبي‬
‫عوقب لقوله في الحارث الهمداني ‪ ،‬حدثني الحارث وكان أحد الكذابين ولم يبن من الحارث"‪ ،‬والحارث هو األعور الرافض ي‬
‫الكذاب يدافع عنه ابن عبد البر ويزعم أن الشعبي ظلمه‪ ،.‬وقوله في عبد هللا بن محمد بن عقيل ‪ ":‬هو أوثق من كل من تكلم‬
‫فيه انتهى " وعلق ابن حجر على كلمته هذه بقوله ( هذا إفراط )‪ ،‬وممن تكلم في ابن عقيل مالك وسفيان بن عيينة وعدد‬
‫كبير من األئمة ‪ ،‬فكيف يكون أوثق من كل من تكلم فيه هذه مجازفة‪ ،‬ومثلها قوله أن أبا حنيفة محسود ‪ ،‬ويا ليت شعري‬
‫حسدوه على ماذا ‪ ،‬وماذا وجدوا عنده مما فقدوا حتى يحسدونه ‪ ،‬وأغلظ كلمات ْ‬
‫قيلت في أبي حنيفة هي التي قالها سفيان‬
‫ومالك واألوزاعي وحماد بن سلمة وشعبة ومن يتهم هؤالء بالحسد أحمق يؤذي نفسه بحماقته ‪ ،‬وإذا كان حسدهم يحملهم‬
‫على كلمات مثل‪ (،‬كاد الدين كاد الدين ) ( ما ولد في اإلسالم أشأم منه )‪ ،‬و ( لعن هللا أبا حنيفة )‪ ،‬فهؤالء عدالتهم ساقطة!‬
‫ً ً‬
‫وبلغوا في الفجور مبلغا عتيا!‬
‫ونزه هللا أئمة اإلسالم عن مثل هذا االتهام الخطير‪ ،‬ومثله قوله في أبي جعفر الرازي‪ ":‬عندهم ثقة عالم بتفسير القرآن"‬
‫والرازي ضعفه كثيرون‪ ،‬وابن عبد البر نفسه أثبت على أبي حنيفة رد األخبار برأيه‬
‫قال ابن عبد البر في االستذكار (‪ ": )19/8‬رد أبو حنيفة هذه اآلثار برأيه وقال ال بأس بشرب الخليطين من األشربة البسر‬
‫والتمر والزبيب والتمر وكل ما لو طبخ على االنفراد حل كذلك إذا طبخ مع غيره وهو قول أبي يوسف اآلخر"‬
‫شبهة وجوابها‬

‫ولسائل أن يسأل ملاذا غاب هذا الكالم عن أبي حنيفة لفترة من الزمن؟‬
‫فالجواب‪ :‬القول بجرحه حتى لو رجحنا خالفه فهو قول قوي واملقاالت القوية تبقى في األمة‪ ،‬بل بقي في األمة الكثير من‬
‫ً‬
‫املقاالت الضعيفة ملجرد أنه قال بها إمام متبوع ولم نذهب بعيدا‪.‬‬
‫أبو حنيفة الذي نتحدث عنه له الكثير من املقاالت الضعيفة التي خالف فيها األحاديث الصحيحة ومع ذلك نجدها منتشرة‬
‫بين ماليين املسلمين الذين يتمذهبون بمذهبه‪ ،‬فما السر في اختفاء أو انحسار الكالم فيه فترة من الزمن؟‬

‫‪42‬‬
‫ً‬
‫السر هو سطوة أهل الرأي وتقلد كثير منهم ملنصب القضاء فصاروا يؤذون كل من يذكر شيئا من مثالبه وقد سجل التاريخ‬
‫عدة حوادث في هذا‪.‬‬
‫قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (‪ ": )189/1‬قال الضياء‪ :‬وسمعت الحافظ يقول‪ :‬كنا باملوصل نسمع الجرح والتعديل‬
‫للعقيلي‪ ،‬فأخذني أهل املوصل‪ ،‬وحبسوني‪ ،‬وأرادوا قتلي من أجل ذكر أبي حنيفة فيه‪ .‬فجاءني رجل طويل ومعه سيف‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫فقلت‪ :‬لعل هذا يقتلني وأستريح‪ .‬قال‪ :‬فلم يصنع شيئا‪ ،‬ثم إنهم أطلقوني‪.‬‬
‫واإلمام ابن البرني الواعظ‪ ،‬فأخذ ابن البرني الكراس التي فيها ذكر أبي حنيفة فاشتالها‪ ،‬فأرسلوا وفتشوا‬ ‫قال‪ :‬وكان يسمع هو ِّ‬
‫ً‬
‫الكتاب فلم يجدوا شيئا‪ .‬فهذا سبب خالصه‪ .‬وهللا أعلم"‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ندة‪َ :‬ق ِّد َم َع َل ْي َنا في َس َن ِّة (‪َ ، )433‬‬
‫بن َم َ‬ ‫وقال الذهبي في سير أعالم النبالء (‪َ ": )268 /18‬و َق َ‬
‫ال َي ْح َيى ُ‬
‫ضربه القا ِّض ي الخط ِّبي‬ ‫ِّ‬
‫الضرب َعلى ظ ْه ِّر ِّه"‪ ،‬يريد الحافظ عبد العزيز النخشبي‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫عال َمة َّ‬ ‫بعيني‬ ‫ب َس َبب اإل َمام َأبي َحن ْي َف َة‪َ َ ،‬أ ْي ُ‬
‫ت‬
‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ً‬
‫وقال الوادعي في نشر الصحيفة ص‪ ": 3‬وبما أن الحنفية لهم سلطة القضاء في كثير من األزمنة تجد كثيرا من أهل العلم ال‬
‫يستطيعون أن يصرحوا بالطعن في أبي حنيفة‪ ،‬فذلكم البيهقي في «مناقب الشافعي» ينقل عن ابن أبي حاتم الطعن في أبي‬
‫حنيفة‪ ،‬فابن أبي حاتم يصرح بأبي حنيفة والبيهقي ينقل عنه ويقول‪ :‬قال أبو فالن‪ ،‬وال يصرح بأبي حنيفة‪.‬‬
‫وذلكم الحافظ ابن حجر يقول في «التقريب» في ترجمة أبي حنيفة‪ :‬فقيه مشهور‪ ،‬فهذه حيدة من الحافظ‪ ،‬فهو لم ينبه على‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا االصطالح في املقدمة‪ ،‬وهذا الحكم الذي حكم على أبي حنيفة ال يفيد جرحا وال تعديال"‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتدعيما ملا ذكره الوادعي أقول ‪ :‬من املعلوم أن أبا حنيفة يقول بالحيل وقد جعل البخاري رحمه هللا كتابا في صحيحه لنقض‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ً‬
‫الحيل ردا على أبي حنيفة‪ ،‬قال ابن حجر في شرح البخاري (‪َ ": )417 /19‬وق ْد ِّاش َت َه َر الق ْول ِّبال ِّح َي ِّل َع ْن ال َح َن ِّف َّية ِّلك ْو ِّن أ ِّبي‬
‫ْ َ َّ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َ‬
‫ص ِّد ال َحق"‪.‬‬ ‫ص َّنف ِّف َيها ِّك َت ًابا ‪ ،‬ل ِّك َّن امل ْع ُروف َع ْن ُه َو َع ْن ك ِّثير ِّمن أ ِّئمتهم تق ِّييد أعمالها ِّبق‬ ‫ُي ُ‬
‫وسف‬
‫والواقع أن سبب اشتهار ذاك عن الحنفية أن أبا حنيفة صنف فيها ولكن ابن حجر لم يذكره ملا عرف من طبيعة ذاك‬
‫الزمان‪ ،‬على أن الكالم لم يغب في الحقيقة فإن جرح أبي حنيفة موجود في العشرات من الكتب منها تاريخ البخاري الكبير‬
‫والجرح والتعديل البن أبي حاتم واملعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان وحلية األولياء وتاريخ بغداد والعلل للمروذي والعلل‬
‫لعبد هللا بن أ حمد وأحوال الرجال للجوزجاني والسنة لعبد هللا بن أحمد والسنة لاللكائي وغيرها من الكتب‪ ،‬وهذه الكتب‬
‫وصلتنا في أيامنا هذه بما فيها من الثلب فهذا يعني أنها ال زالت تقرأ وتروى ويمتنع أال يقول بما فيها أحد‪ ،‬واألقوال التي‬
‫تنقرض إنما تنقرض لضعف مآخذها ولكونها حظيت بمناقشة علمية قوية ‪ ،‬وهذا غير متوفر هنا‪ ،‬وكثير من أهل العلم‬
‫اكتفي من جرح أبي حنيفة بقوله ( مرجئ ) وهذا من أبلغ الطعن لو تأملت فاإلرجاء بدعة ونسبته إلى اإلرجاء تبديع على أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كثيرا من أهل العلم خصوصا املعاصرين منهم ‪ ،‬ظنوا عدم صحة الكثير من املروي في ثلبه أو أنه رجع وظن بعضهم انعقاد‬
‫اإلجماع على تعديله ‪ ،‬وزامن هذا املجهود الكبير الذي بذل في طمس ما روي في ثلبه فأحدث ذلك شبهة كبيرة عند عدد من‬
‫أهل العلم وقالوا بتعديله وهم معذورون في ذلك إن شاء هللا تعالى ‪ ،‬غير أن االعتذار للعالم ال يمنع من مخالفته بالحق ‪،‬‬
‫ومن أراد أن يلزمنا بالطعن في معدل أبي حنيفة ألزمناه بالطعن في جارح أبي حنيفة وهم أكبر وأجل والطعن فيه ألزم فإن‬
‫املعدل إنما قال ما قال بتأويل ولكن بعض الجرح ال سبيل إلى رده إال بتكذيب الجارح‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫مقارنة يسيرة‬

‫ً ً‬
‫الحسن بن صالح بن حي مبتدع كان يرى السيف‪ ،‬وال أحد ينازع في ضالله أو جرحه‪ ،‬ولكنه كان زاهدا ورعا يقارن بسفيان في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التقوى والورع وكان ثقة في الحديث ولم يقل بالحيل أو الرأي ولم يصح عنه أنه رد حديثا أو استهزأ بسنة ولم يكن مرجئا‬
‫ً‬
‫وهذه كلها معكوسة في أبي حنيفة فلماذا ال يكون الحسن بن صالح هو اآلخر إماما؟ وملاذا يقبل الجرح فيه وال يقبل في أبي‬
‫حنيفة وكالهما طبقة واحدة ‪ ،‬وملاذا نذكر سابقة أبي حنيفة وال نذكر سابقة الحسن بن صالح ؟ أما من سيأخذ بكالم‬
‫السلف في جرح أبي حنيفة فال َي ِّر ُد عليه ش ٌيء من هذه اإلشكاالت‪.‬‬

‫ليس كالم أقران‬

‫جاء في أشرطة فتاوى جدة لأللباني الشريط (الشريط رقم ‪ 20‬الوجه األول ) ‪:‬‬
‫" [أحد الحاضرين] ما هو الضابط في طعن الرواة بعضهم في بعض؟‬
‫[الشيخ]في أيش؟ [أحد الحاضرين]طعن األقران بعضهم في بعض‪.‬‬
‫[الشيخ] أيه هذا كثر السؤال عنه‪ ،‬الضابط أن ينظر هل هذا الطاعن يحتمل أن يكون طعنه في معاصره بوازع عداوة‬
‫شخصية أم ال‪ ،‬فإذا كان االحتمال األول لم ُي ْق َبل وإذا كان االحتمال اآلخر ُقبل ٌ‬
‫وكل من االحتمالين ينبغي أن يدرس دراسة‬ ‫ِّ‬
‫خاصة أي ال بد من ترجيح أحد االحتمالين على اآلخر بوجود دليل مرجح‪.‬‬
‫ً‬
‫مثال‪ :‬عاملين متعاصرين بلديين احتمال أن يكون بينهما ش يء من التنافس أكثر مما لو كان املتعاصرين في بلدين بعيدين نأى‬
‫ً‬
‫أحدهما عن اآلخر هذا مما يلفت النظر أن املسألة تحتاج إلى اجتهاد‪ ،‬كذلك إذا جاء إمام بعد ذلك التعاصر و أيضا طعن‬
‫فيمن طعن فيه قرينه ومعاصره فذلك مما يرجح أن الطعن ليس بسبب املعاصرة بل بسبب أن املطعون فيه يستحق‬
‫الطعن‪ ،‬ثم يتأكد األمر فيما إذا تتابع علماء الحديث على تأييد ذلك الطعن على مر العصور فهناك نتأكد أن رد هذه‬
‫املطاعن املتوجهة للشخص الواحد إنما سببه املعاصرة ألن هذه املعاصرة لم تتحقق للذين جاءوا من بعد املتعاصرين‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا مثاله واضح جدا في اتفاق جماهير علماء الحديث على تضعيف اإلمام أبي حنيفة رحمه هللا‪ ،‬سواء من كان منهم‬
‫ً‬
‫معاصرا له أو كان ممن جاء بعده فاتفاقهم على تضعيف أبي حنيفة يبعد إعالل الطعن فيه باملعاصرة ألنه لم يستقل‬
‫بالطعن فيه بالتضعيف املعاصر له كسفيان الثوري وغيره"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وكذلك الكالم في عقيدته وفقهه يصعب أن يكون كالم أقران لعدم انفراد سفيان به‬

‫‪44‬‬
‫هل كان أبو حنيفة محنة في زمن السلف؟‬

‫السلف كانت لهم أصول واضحة في مسألة االمتحان فال يمكن إال بالسني املعروف‪ ،‬فهل يجري على أصولهم االمتحان برجل‬
‫ً‬
‫قال بخلق القرآن ثم اختلفوا هل رجع أم لم يرجع؟! والقائلون برجوعه يقرون أن إقناعه بذلك استلزم عاما من املناظرة؟‪،‬‬
‫وهل يجري على أصولهم االمتحان برجل يرى السيف غاية حجة من يبرئه االعتماد على متأخري الحنفية وترك ما رواه‬
‫املحدثون بأسانيد صحاح عنه بأنه يقول بهذا القول بل وترك شهادة صاحبه أبي يوسف الذي كان يعير في مجلس الرشيد‬
‫ً‬
‫بأن شيخه يقول بالسيف فيسكت وال ينافح ولو علم عنه رجوعا لذكره؟ وهل يجري على أصول السلف في االمتحان‬
‫ُ‬
‫االمتحان برجل له أصحاب تابعوه على‬ ‫ُ‬
‫االمتحان برجل ثبت عنه اإلرجاء والدعوة إليه؟ وهل يجري على أصولهم في االمتحان‬
‫ً‬
‫ما قال به من الضالالت ونشروها في األمة؟ بل على العكس تماما ظاهر نصوصهم جعله محنة في الجرح واإلنكار على من‬
‫يعدله‪.‬‬
‫قال الاللكائي في السنة ‪ :282‬أخبرنا محمد بن رزق هللا‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير قال‪ :‬حدثنا أبو‬
‫محمد عبد هللا بن غنام بن حفص بن غياث النخعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو سعيد يحيى بن أحمد قال‪ :‬سمعت أبا عبد هللا محمد‬
‫بن عبد هللا بن بسطام يقول‪" :‬سمعت سهل بن محمد قرأها على علي بن عبد هللا بن جعفر املديني‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫ً‬
‫قلت أعزك هللا‪ :‬السنة الالزمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها‪ ،‬ثم ذكر اعتقادا قال في آخره‪":‬‬
‫وإذا رأيت الرجل يحب أبا حنيفة ورأيه والنظر فيه فال تطمئن إليه وإلى من يذهب مذهبه ممن يغلو في أمره ويتخذه إماما "‪،‬‬
‫ً‬
‫فجعل تعديله سببا في الجرح‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وقال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (‪َ ": )247/1‬ع ْمرو ْبن معمر أ ُبو ُعث َمان روى َع ْن إمامنا أشياء‪ :‬منها ما ذكره أبو َبك ٍر‬
‫ال‪:‬‬ ‫الخالل في كتاب العلم َأ ْخ َب َرِّني سعيد ْبن ُم ْس ِّلم الطوس ي َح َّد َث َنا ُم َح َّمد ْبن الهيثم َق َ‬
‫ال‪ :‬سمعت أبا ُع ْث َمان َع ْمرو ْبن معمر َق َ‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫ْ َ ْ َّ‬ ‫َق َ َ ْ‬
‫َّللا إذا رأيت الرجل يجتنب أبا حنيفة ورأيه والنظر فيه وال يطمئن إليه وال إلى من يذهب‬ ‫ال أح َمد بن حنبل وعلي بن عب ِّد ِّ‬
‫مذهبه ممن يغلو وال يتخذه إماما فأرجو خيره"‪.‬‬
‫قال حرب الكرماني في عقيدته‪ ":‬هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب األثر وأهل السنة املعروفين بها املقتدى بهم فيها‪ ،‬وأدركت‬
‫شيئا من هذه املذاهب‪ ،‬أو طعن فيها‪ ،‬أوعاب‬ ‫من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف ً‬

‫قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق‪ ،‬وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد‪،‬‬
‫وعبد هللا بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور‪ ،‬وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم فكان من قولهم" فهنا ينقل‬
‫إجماع أهل العلم في عصره‪ ،‬ثم قال في عقيدته ‪ ":‬وأصحاب الرأي‪ :‬وهم مبتدعة ُّ‬
‫ضالل أعداء السنة واألثر يرون الدين ر ًأيا‬
‫ً‬
‫واستحسانا‪ ،‬وهم يخالفون اآلثار‪ ،‬ويبطلون الحديث‪ ،‬ويردون على الرسول‪ ،‬ويتخذون أبا حنيفة ومن قال بقوله‬ ‫ً‬
‫وقياسا‬
‫ً‬
‫إماما يدينون بدينهم‪ ،‬ويقولون بقولهم فأي ضاللة بأبين ممن قال بهذا أو كان على مثل هذا‪ ،‬يترك قول الرسول وأصحابه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وطغيانا ً‬ ‫ويتبع رأي أبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬فكفي بهذا ً‬
‫وردا"‪ ،‬فجعله إماما في ضاللة أهل الرأي‪.‬‬ ‫غيا‬

‫‪45‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقال الخطيب في تاريخ بغداد (‪َ : )558 /15‬أ ْخ َب َرَنا ْال َب ْر َقا ِّني‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪َ :‬ح َّدث ِّني ُم َح َّمد بن العباس أ ُبو عمر الخزاز‪ ،‬قا َل‪َ :‬ح َّدث َنا‬
‫ال‪:‬‬‫ال‪َ :‬ح َّد َثني املروذي َأ ُبو بكر َأ ْح َمد بن الحجاج‪َ ،‬ق َ‬
‫َأ ُبو الفضل جعفر بن ُم َح َّمد الصندلي‪ ،‬وأثنى عليه َأ ُبو عمر جدا‪َ ،‬ق َ‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫سألت أبا عبد هللا‪ ،‬وهو أ ْح َمد بن حنبل‪ ،‬عن أبي حنيفة وعمرو بن عبيد‪ ،‬فقال‪ :‬أبو حنيفة أشد على املسلمين من عمرو‬
‫بن عبيد‪ ،‬ألن له أصحابا"‪ ،‬فقرنه بعمرو بن عبيد وعمرو رأس في الضاللة‪ ،‬وأنكر األوزاعي على ابن املبارك ثناءه على‬
‫أبي حنيفة‪.‬‬
‫قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 327‬حدثني أبو الف ضل الخراساني ‪ ،‬نا أحمد بن الحجاج ‪ ،‬نا سفيان بن عبد امللك ‪،‬‬
‫حدثني ابن املبارك ‪ ،‬قال ‪ :‬ذكرت أبا حنيفة عند األوزاعي وذكرت علمه وفقهه فكره ذلك األوزاعي وظهر لي منه الغضب‪ ،‬وقال‬
‫‪ :‬تدري ما تكلمت به تطري رجال يرى السيف على أهل اإلسالم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬إني لست على رأيه وال مذهبه ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد نصحتك‬
‫فال تكره فقلت قد قبلت "‪ ،‬وأنكر ابن مهدي على ابن املبارك مجرد روايته عن أبي حنيفة‪ ،‬وأمر اإلنكار على من يروي عنه‬
‫ً‬
‫كان منتشرا‪ ،‬قال عبد هللا بن أحمد في السنة ‪ : 294‬حدثني أبو الفضل الخراساني ‪ ،‬ثنا إبراهيم بن شماس السمرقندي ‪ ،‬ثنا‬
‫عبد هللا بن املبارك ‪ ،‬بالثغر عن أبي حنيفة ‪ ،‬قال ‪ :‬فقام إليه رجل يكنى أبا خداش ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن ال ترو لنا عن‬
‫أبي حنيفة ‪ ،‬فإنه كان مرجئا فلم ينكر ذلك عليه ابن املبارك ‪ ،‬وكان بعد إذا جاء الحديث عن أبي حنيفة ورأيه ضرب عليه‬
‫ابن املبارك من كتبه وترك الرواية عنه ‪ ،‬وذلك آخر ما قرأ على الناس بالثغر ‪ ،‬ثم انصرف ومات ‪ ،‬قال ‪ :‬وكنت في السفينة‬
‫معه ملا انصرف من الثغر ‪ ،‬وكان يحدثنا فمر على ش يء من حديث أبي حنيفة ‪ ،‬فقال لنا ‪ :‬اضربوا على حديث أبي حنيفة‬
‫فإني قد خرجت على حديثه ورأيه ‪ ،‬قال ‪ :‬ومات ابن املبارك في منصرفه من ذلك الثغر ‪ ،‬قال ‪ :‬وقال رجل البن املبارك ونحن‬
‫عنده ‪ :‬إن أبا حنيفة كان مرجئا يرى السيف فلم ينكر ذلك عليه ابن املبارك‪.‬‬
‫فهذا حاله عند السلف بعد موته فهذه الكلمات عامتها إنما قيل بعد وفاته‪ ،‬فما الذي تغير ؟ على أنني ال أنكر على من يروي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عنه وال يثني عليه متأوال ومتابعا لجماعة من العلماء وإنما أنكر على من ينكر على من يقول بكالم السلف فيه فهذا ضرب‬
‫من الغلو في التعديل ال يقبله منصف‪ ،‬بل كان جماعة من أهل الحديث ال يحدثون من كان على رأيه‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال‪ :‬ق ِّر َئ َعلى أ ِّبي َع ِّل ِّي ْب ِّن‬ ‫قال الخطيب في الجامع ألخالق الراوي وآداب السامع ‪ : 757‬أنا أ ْح َم ُد ْب ُن ُم َح َّم ِّد ْب ِّن غ ِّال ٍب‪ ،‬ق‬
‫يم‬‫ال‪َ :‬سم ْع ُت َأ َبا ُم ْسهر‪َ ،‬ي ُقو ُل‪َ :‬ق ِّد َم َع َل ْي َنا إ ْب َراه ُ‬ ‫الد َم ْش ِّق ُّي‪َ ،‬ق َ‬ ‫ج‬
‫ِّ ِّ‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫ف‬ ‫الص َّواف َو َأ َنا َأ ْس َم ُع‪َ ،‬ح َّد َث ُك ْم َج ْع َف ٌر ْالف ْرَياب ُّي‪ ،‬نا رَي ُ‬
‫اح ْب ُن ْال َ‬
‫َّ ِّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ْ ْ َ ََ‬ ‫ال‪َ :‬ف َقا َل لي‪ " :‬ا ْخ ُر ْج إ َلى ال َّناس َف ُق ْل َل ُه ْم‪َ :‬م ْن َك َ‬ ‫اس َي ْس َتم ُعو َن ِّم ْن ُه َق َ‬ ‫ال‪َ :‬ف ْ‬
‫اج َت َم َع َّ‬ ‫ْب ُن ُم َح َّم ٍد ْال َف َزار ُّي َق َ‬
‫ان َي َرى َرأ َي الق َد ِّر فال‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الن ُ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫السلطان فال َي ْحض ْر َم ْج ِّل َسنا "‪ ،‬ق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض ْر َم ْج ِّل َس َنا‪َ ،‬و َمن كان َي َرى َرأ َي أبي َح ِّنيفة فال َي ْحض ْر َم ْج ِّل َسنا‪َ ،‬و َمن كان َيأ ِّتي ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َي ْح ُ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫س»‬ ‫«ف َخ َر ْج ُت َف َأ ْخ َب ْر ُت ا َّلنا َ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫قال الهروي في ذم الكالم ‪ : 1289‬سمعت محمد بن عثمان النجيمي يقول‪(( :‬كان الحسين بن الشماخ الحافظ ال يدع أحدا‬
‫ً‬
‫من أهل الرأي يكتب عنه؛ فنشده رجل من أهل املغرب باهلل وذكر له طول الرحلة؛ فروى له شيئا من مساوئ أبي حنيفة‪،‬‬
‫ولم يحدثه بحديث))‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ماذا لو رجع؟‬

‫وحتى لو صح رجوع أبي حنيفة عن القول بخلق القرآن والقول باإلرجاء والقول بالسيف واالستهزاء بالسنة ورد السنة فهل‬
‫ً‬
‫يصيره هذا إماما؟ والوقوع في كل هذه البدع الخطيرة أمارة قلة تحقيق وقلة العلم ال اتساع في العلم‪ ،‬فرجل يقع في الكفر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيستتاب فيتوب ثم يرجع فيستتاب أخرى‪ ،‬ولكي يتم إقناعه بأن القول بخلق القرآن كفر يأخذ ذلك منه عاما كامال ويشتهر‬
‫كثرة غلطه في الفقه حتى يقول البتي‪( :‬ويحه ما يخطئ مرة فيصيب)‪ ،‬وهو متروك في الحديث‪ ،‬فمن أين له أن يستحق اإلمامة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫في السنة وهو وصف ثبوتي ليس سلبيا فقط فيقال (ليس مرجئا وليس جهميا وليس كذا وكذا فهو إمام)‪.‬‬

‫بين أبي يوسف و أبي حنيفة‬

‫ً‬ ‫أبو يوسف صاحب أبي حنيفة ٌ‬


‫خير منه فقد وصفه أحمد بأنه (كان منصفا في الحديث) وفضله على الشيباني وأبي حنيفة‬
‫في باب قبول الحديث‪ ،‬ثم إنه صدوق في الحديث وأبو حنيفة متروك وقد اتهم كما تقدم‪ ،‬وملا قال أبو زرعة في أبي حنيفة‪:‬‬
‫ً‬
‫(كان جهميا) قال في أبي يوسف (ما أبعده عن التجهم)‪ ،‬ولم يكن يرى السيف وما كان عنده إال اإلرجاء والرأي فما كان‬
‫ً‬
‫موقف السلف منه؟ أحمد كان ينهى عن الرواية عنه ولم يخرج أي حديث ومع أنه كان صدوقا لم يخرج أصحاب الكتب‬
‫الستة واملسانيد املشهورة أي حديث من طريقه‪ ،‬وشريك كان ال يقبل شهادته ويقول ( ال أقبل شهادة من يقول الصالة‬
‫ليست من اإليمان )‪،‬وابن املبارك كان كلما ذكره مزقه‪ ،‬فهذا موقفهم منه مع براءته من أشنع أقوال أبي حنيفة‪ ،‬فكيف‬
‫برجل هو أستاذ أبي يوسف فيما انتقد عليه ويزيد على أبي يوسف مقاالت أخرى مستشنعة‪ ،‬وملاذا لم ينعقد اإلجماع على‬
‫إمامته وعدم جواز ذكر ما قيل فيه هو اآلخر أم أن أبا حنيفة خصه هللا عز وجل من دون كل املجروحين بأنه هو الذي‬
‫انعقد اإلجماع على تعديله بعدما ؟ أترك الجواب ألهل اإلنصاف‪.‬‬
‫وهذا زفر بن الهذيل وحاله قريب من حال أبي يوسف‪ ،‬قال العقيلي في الضعفاء (‪ : )221/3‬حدثنا محمد بن إسماعيل قال‬
‫‪ :‬حدثنا أبو الوليد الطيالس ي قال ‪ :‬حدثنا بشر بن السري قال ‪ :‬ترحمت يوما على زفر وأنا مع سفيان الثوري ‪ ،‬فأعرض‬
‫بوجهه عني"‪ ،‬وهذا إسناد قوي‪.‬‬
‫قبل أن ‪ .........‬تذكر!‬

‫أقول ملن يرد الجرح املذكور في أبي حنيفة قبل أن تردد قاعدة (الجرح املفسر مقدم على التعديل املجمل) في أي مناسبة‬
‫ً‬
‫تعرض‪ ،‬تذكر أنك ترد الجرح في املفسر في رجل اجتمع فيه من أسباب الجرح ما لم يجتمع في غيره‪ ،‬وتذكر أنك ترد جرحا‬
‫اجتمع عليه سفيان وابن املبارك واألوزاعي ومالك وأحمد والشافعي ولم يجتمعوا هذا االجتماع على رجل غيره‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫َ‬
‫قال الخطيب في تاريخه (‪َ : )516 /15‬ح َّدث َنا ُم َح َّمد بن علي بن مخلد الوراق لفظا‪ ،‬قال‪ :‬في كتابي عن أبي بكر ُم َح َّمد بن عبد‬
‫هللا بن صالح األبهري الفقيه املالكي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا بكر بن أبي داود السجستاني‪ ،‬يوما وهو يقول ألصحابه‪ :‬ما تقولون في‬
‫مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه‪ ،‬والشافعي وأصحابه‪ ،‬واألوزاعي وأصحابه‪ ،‬والحسن بن صالح وأصحابه‪ ،‬وسفيان الثوري‬
‫وأصحابه‪ ،‬وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا له‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬ال تكون مسألة أصح من هذه‪ ،‬فقال‪ :‬هؤالء كلهم اتفقوا على‬
‫تضليل أبي حنيفة"‪ ،‬إسنادها صحيح شيخ الخطيب محمد بن علي بن محمد بن مخلد منسوب إلى جده‪ ،‬واألبهري حافظ‬
‫معروف ‪.‬‬
‫قال ابن رجب في شرح علل الحديث‪ ":‬وقال إسحاق بن إبراهيم‪ (( :‬إذا اجتمع سفيان الثوري ومالك ابن أنس واألوزاعي على‬
‫أمر فهو سنة ‪ ،‬وإن لم يكن في كتاب ناطق ‪ ،‬فإنهم أئمة )) "‪ ،‬وقد اجتمعوا على جرح أبي حنيفة فقال سفيان واألوزاعي ‪:‬‬
‫" ما ولد في اإلسالم أشأم منه "‪ ،‬وأما مالك فقال ‪ ":‬كاد الدين كاد الدين كاد الدين ومن كاد الدين فليس من أهل العلم "‬

‫تكلموا في قوله ال فيه!‬

‫بعض إخواننا ‪ -‬غفر هللا له ‪ -‬جاء بغريبة من الغرائب وهي دعواه أن السلف تكلموا في قول أبي حنيفة ولم يريدوا شخصه‬
‫ً‬
‫وهذه الفلسفة ال مكان لها في الشرع فالقائل يتحمل مسؤولية القول فكلمة تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفا ‪ ،‬وكلمة‬
‫يترتب عليها حد ثمانين جلدة في ظهر الرجل ‪ ،‬وكلمة قد تخرج املرء من اإلسالم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نعم قد يقول املرء الكلمة مكرها أو خطأ أو متأوال فينصب الذم على كالمه‪ ،‬وهو يعتذر له ولكن من قال ِّب ِّعد ِّة ضالالت ثم‬
‫دعا إليها فليس هذا بابه‪ ،‬ثم إن نصوص السلف تكذب هذا الزعم فلعنه والدعاء عليه ودعوى أنه ما ولد في اإلسالم شر منه‬
‫كل ذلك يتعلق بشخصه‪ ،‬ويا ليت شعري هل يوجد غير أبي حنيفة يدعى فيه هذه الدعوى؟ وهل األقوال كيان منفصل عن‬
‫القائلين ال يتحملون تبعاتها؟‪ ،‬وإذا سمعت من يتكلم ببعض كالم السلف في أبي حنيفة فاعتذر له كما اعتذرت للسلف فقل‬
‫( يتكلم في قوله ال فيه ) ووسع باب االعتذار لكي يشمل إخوانك بارك هللا فيك‪.‬‬

‫الرحم التي نشأ فيها التجهم‬

‫ً‬
‫ليعلم أن قواعد أهل الرأي املحدثة هي التي فتحت الباب ألهل التجهم‪ ،‬فمثال قاعدتهم بأن خبر الواحد ال يقبل فيما تعم به‬
‫البلوى هي التي فتحت الباب لرد أخبار اآلحاد في العقيدة‪ ،‬وردهم لرواية الصحابي غير الفقيه فتحت باب الطعن في مرويات‬
‫ً‬
‫الصحابة في باب الصفات‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية كما في رسالته التي طبعت مؤخرا بعنوان (فضائل األئمة األربعة)!‬
‫ص‪:" 11‬وأما أهل الرأي‪ :‬فهم وإن كان لهم جمل من الكالم في ذلك‪ ،‬فليس لهم قواعد محررة ال في أصول الدين وال في أصول‬
‫فقه‪ ،‬ولهذا كان املتبعون لهم فيهم من جميع أهل األهواء‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ً‬ ‫ً َ‬
‫وهذا واضح‪ ،‬فإن بشرا امل ِّريس ي كان حنفيا وكذا ابن أبي دؤاد وابن كرام وأبو علي الجبائي والزمخشري وحتى ابن سينا كان‬
‫يظهر التحنف‪ ،‬ومن املعاصرين محمد عبده املصري‪.‬‬
‫قال اإلمام أحمد في الرد على الجهمية والزنادقة ص‪ 97‬وهو يتكلم عن الجهم ‪َّ ":‬‬
‫وتأول القرآن على غير تأويله‪ ،‬وكذب‬
‫بأحاديث رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وزعم أن من وصف هللا بش يء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله‬
‫بشرا ً‬
‫كثيرا‪ ،‬وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة‪ ،‬وأصحاب عمرو بن‬ ‫كافرا‪ ،‬وكان من املشبهة‪ ،‬فأضل بكالمه ً‬
‫كان ً‬
‫عبيد بالبصرة"‪ ،‬فتأمل من اتبعه !‪ ،‬لم يتبعه أصحاب مالك أو أصحاب الشافعي أو أصحاب سفيان أو أصحاب األوزاعي إنما‬
‫اتبعه أصحاب أبي حنيفة وعمرو بن عبيد ألنهم كانوا بيئة قابلة ملثل هذه املذاهب وأصولهم ال تنفي البدع كما قال شيخ‬
‫اإلسالم‪ ،‬وقد ذكر املعلمي وهو يبرر كالم سفيان واألوزاعي الشديد في أبي حنيفة أنهم استظهروا اآلثار السلبية ألصول أبي‬
‫حنيفة وكان مصداق ما ذهبوا إليه مآل حال الحنفية بعد أبي حنيفة‪.‬‬
‫قال املعلمي في التنكيل (‪ ": )259/1‬كان الثوري واألوزاعي كجمهور األئمة قبلهما وفي عصرهما يريان االرجاء ورد السنة بالرأي‬
‫والقول ببعض مقاالت الجهمية كل ذلك ضاللة من شأنها أن يشتد ضررها على األمة في دينها ودنياها ورأيا صاحبكم واتباعه‬
‫مخطئين أو مصيبين جادين في نشر ذلك والتزال مقاالتهم تنتشر وتجر إلى ما هو شر منها حتى جرت قوما إلى القول بأن‬
‫أخبار اآلحاد مردودة مطلقا وآخرين إلى رد األخبار مطلقا كما ذكره الشافعي ثم جرت إلى القول بأن النصوص الشرعية ال‬
‫يحتج بها في العقائد ! ثم إلى نسبة الكذب إلى أنبياء هللا عز وجل وإليه سبحانه كما شرحته في قسم االعتقاديات‪.‬‬
‫شاهد الثوري واألوزاعي طرفا من ذلك ودلتهما الحال على ما سيصير إليه األمر فكان كما ظنا وهل كانت املحنة في زمن‬
‫املأمون واملعتصم والواثق إال على يدي أصحابكم ينسبون أقوالهم إلى صاحبكم؟ وفي كتاب (قضاة مصر) طرف من وصف‬
‫ذلك ‪ .‬وهل جر إلى استفحال تلك املقاالت إال تلك املحنة؟ وأي ضر نزل باألمة أشد من هذه املقاالت ؟‬
‫فأما سقوط مذهبيهما ‪ ،‬فخيرة اختارها هللا تبارك وتعالى لهما ‪ ،‬فإن املجتهد قد يخطئ خطأ ال يخلو عن تقصير ‪ ،‬وقد يقصر‬
‫ً‬
‫في زجر أتباعه عن تقليده هذا التقليد الذي نرى عليه كثيرا من الناس منذ زمان طويل ‪ ،‬الذي يتعسر أو يتعذر الفرق بينه‬
‫ً‬
‫وبين اتخاذ األحبار والرهبان أربابا من دون هللا ‪ ،‬فقد يلحق املجتهد كفل من تلك التبعات ‪ ،‬فسلم هللا تعالى الثوري واألوازعي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من ذلك ‪ ،‬فأما ما يرجى من األجر على األتباع في الحق فلهما من ذلك النصيب األوفر بما نشراه من السنة علما وعمال ‪ ،‬وهذه‬
‫األمهات الست املتداولة بين الناس حافلة باألحاديث املروية من طريقهما وليس فيها لصاحبكم ومشاهير أصحابه حديث‬
‫واحد ! وقد قال اإلمام أبو عبد هللا محمد بن إسماعيل البخاري في (تاريخه الكبير) في ترجمة الثوري ((قال لنا عبدان عن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ابن املبارك‪ " :‬كنت إذا شئت رأيت سفيان مصليا‪ ،‬وإذا شئت رأيته محدثا‪ ،‬وإذا شئت رأيته في غامض الفقه‪ .‬ومجلس‬
‫شهد (في التاريخ الصغير ص ‪ :187‬شهدته) ما صلي فيه على النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ - .-‬يعني مجلس النعمان )) ولهذه‬
‫الحكاية طرف في ( تاريخ بغداد ) و ( تقدمة الجرح والتعديل ) البن أبي حاتم وغيرهما ‪،‬وقد علمنا كيف انتشر مذهبكم ‪،‬‬
‫ً‬
‫أوال أولع الناس به ملا فيه من تقريب الحصول على الرئاسة بدون تعب في طلب األحاديث وسماعهما وحفظهما والبحث عن‬
‫رواتها وعللها وغير ذلك ‪ ،‬إذ رأوا أنه يكفي الرجل يحصل له طرف يسير من ذلك من ثم يتصرف برأيه ‪ ،‬فإذا به قد صار‬
‫ً‬
‫رئيسا‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬ولي أصحابكم قضاء القضاة فكانوا يحرصون على أن ال يولوا قاضيا في بلد من بلدان اإلسالم إال على رأيهم ‪ ،‬فرغب‬
‫الناس فيه ليتولوا القضاة ‪ ،‬ثم كان القضاة يسعون في نشر املذهب في جميع البلدان‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا ‪ :‬كانت املحنة على يدي أصحابكم واستمرت خالفة املأمون وخالفة املعتصم وخالفة الواثق ‪ ،‬وكانت قوى الدولة كلها‬
‫تحت إشارتهم فسعوا في نشر مذهبهم في االعتقاد وفي الفقه في جميع القطار ‪ ،‬وعمدوا إلى من يخالفهم في الفقه فقصدوه‬
‫بأنواع األذى الذي ولذلك تعمدوا أبا مسهر عبد األعلى بن مسهر عالم الشام وارث فقه األوزاعي وافمام أحمد ابن حنبل‬
‫حامل راية فقه الحديث وأبا يعقوب البويطي خليفة الشافعي وابن عبد الحكيم وغيره من املالكية بمصر>‬
‫وفي كتاب (قضاة مصر ) طرف مما صنعوه بمصر وفي ذلك يقول الشاعر يمدح قاضيكم بمصر‪:‬‬
‫ً‬
‫ولقد بجست العلم في طالبه ‪ ...‬وفجرت منه منابعا لم تفجر‬
‫فحميت قول أبي حنيفة بالهدى ‪ ...‬ومحمد واليوسفي األذكر‬
‫وفتى أبي ليلى وقول قريعهم ‪ ...‬زفر القياس أخي الحجاج األنظر‬
‫وحطمت قول الشافعي وصحبه ‪ ...‬ومقالة ابن علية لم تصحر‬
‫ألزقت قولهم الحصير فلم يجز ‪ ...‬عرض الحصير فإن بد لك فاشبر‬
‫واملـ ـ ـالكـ ـيـ ـ ـة ب ـع ـد ذك ـر ش ـ ـ ـائـ ـ ـ ـع ‪ ...‬أخـ ـم ـ ـلـ ـ ـتها ف ـ ـ ـكـ ـ ـ ـأنه ـ ـا لم تذكر‬

‫ثم ذكر إكراه علماء مصر على القول بخلق القرآن وغير ذلك‪ .‬راجع كتاب ( قضاة مصر ) ص ‪.452‬‬
‫ً‬
‫رابعا‪ :‬غلبت األعاجم على الدولة فتعصبوا ملذهبكم لعلة الجنسية في سبيلها وما فيه من التوسع في الرخص والحيل!‬
‫ً‬
‫خامسا ‪ :‬تتابعت دول من األعاجم كانوا على هذه الوتيرة‪.‬‬
‫ً‬
‫سادسا ‪ :‬قام أصحابكم بدعاية ال نظير لها واستحلوا في سبيلها الكذب حتى على النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ، -‬كما نراه في‬
‫كتب املناقب‪.‬‬
‫ً‬
‫سابعا ‪ :‬تمموا ذلك باملغالطات التي ضرب فيها الكوثري املثل األقص ى في ( التأنيب ) كما شرحت أمثلة من ذلك في ( الطليعة )‬
‫وفي هذا الكتاب ‪ ،‬ومر بعضها في هذه الترجمة نفسها ‪ ،‬فأما النضج الذي يدعيه األستاذ فيظهر نموذج منه في قسم‬
‫ً‬
‫الفقهيات ‪ ،‬بل في املسألة األولى منها! ‪،‬وقد كان خيرا لألستاذ وألصحابه ولنا وللمسلمين أن يطوي الثوب على غرة ويقر الطير‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫علي مكناتها ويدع ما في ( تاريخ بغداد ) مدفونا فيه ويذر النزاع الضئيل بين مسلمي الهند مقصورا عليهم ويتمثل قول زهير‪:‬‬

‫وما الحرب إال ما علمتم وذقتم ‪ ...‬وما هو عنها بالحديث املرجم‬


‫متى تبعثوها تبعثوها ذميمة ‪ ......‬وتضر إذا أضريتموها فتضرم‬
‫ً‬
‫فتعرككم عرك الرحى بثفالها ‪ ...‬وتلقح كشافا ثم تنتج فتبتسم‬
‫فتنتج لكم غلمان اسأم كلهم ‪ .....‬كأحمر عاد ثم ترضع فتنفطم‬
‫فتغلل لكم ماال تغل ألهلها ‪ ........‬قرى بالعراق من قفيز ودرهم‬

‫‪50‬‬
‫وقد جرني الغضب للسنة وأئمتها إلى طرف مما أكره‪ ،‬وأعوذ باهلل من شر نفس ي وس يء عملي‪(َ ،‬رَّب َنا ا ْغف ْر َل َنا َوإل ْخ َوان َنا َّالذ َ‬
‫ين‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ َ َ ْ َ ْ ُ ُ َ ً َّ َ َ ُ َ َّ َ َّ َ َ ُ ٌ‬ ‫ُ َ‬
‫وف َر ِّح ٌ‬
‫يم" أ‪.‬ه‪.‬‬ ‫َس َبقونا ِّب ِّ‬
‫األيم ِّان وال تجعل ِّفي قل ِّوبنا ِّغال ِّلل ِّذين آمنوا ربنا ِّإنك رؤ‬
‫فتأمل قول املعلمي (وهل جر إلى استفحال تلك املقاالت إال تلك املحنة؟ وأي ضر نزل باألمة أشد من هذه املقاالت؟)‬
‫ويعني بذلك مقاالت أبي حنيفة فهو يراها مقدمة لتلك املحنة التي عصفت باألمة وصدق فيما قال‪.‬‬
‫َ َ َ َ َ َ ُ ُ ُ ْ َْ َ ُ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وب أ ُبو‬ ‫وقال الدارمي في الرد على امل ِّريس ي وهو يخاطب امل ِّريس ي وابن الثلجي ص‪ ": 167‬كذ ِّلك روى ز ِّعيمكم األوسط يعق‬
‫ُ ُ َ‬
‫وسف"‪ ،‬فإذا كان أبو يوسف زعيمهم األوسط فمن زعيمهم األعلى ؟‬ ‫ي‬

‫محو الصحيفة!‬

‫قال أبو عمرو الداني األندلس ي في أرجوزته املنبهة"‬

‫وامح الذي في الكتب والصحيفة ‪ ...............‬من قول ذي الرأي أبي َح ِّن َيفة‬
‫وص ـ ـح ـب ـه إذ خـ ـال ـف ـ ـوا ال ـت ـن ـزيـ ـ ـال ‪ ...............‬وخـ ـالف ـوا في حكمـ ـه ال ـ ـرسـ ـوال‬

‫والداني توفي بعد األربعمائة‪ ،‬وهذه الدعوة منه لعله استفادها من كالم بعض السلف فإن اإلمام أحمد كان يكره رواية‬
‫الحديث عنهم فكيف الفقه ؟‪ ،‬وتقدم إنكارهم على ابن املبارك روايته عن أبي حنيفة‪.‬‬
‫َ‬
‫وقال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (‪ ": )228/1‬وقال عباس الدوري سمعت أ ْح َمد بن حنبل يقول عجب ألصحاب‬
‫الحديث‪ ،‬تنزل بهم املسألة فيها َع ِّن الحسن وابن سيرين وعطاء وطاووس حتى عد عدة فيذهبون إلى أصحاب الرأي‬
‫فيسألونهم أال ينظرون إلى علمهم فيتفقهون به؟"‬
‫أيضا (‪ُ ": )263 /1‬م َح َّمد ْبن َأ ْح َم َد ْبن واصل َأ ُبو ْال َع َّباس املصري‪ :‬سمع أباه ومحمد ْبن َ‬
‫ص ِّال ٍح الخياط ومحمد بن‬
‫ً‬
‫وقال‬
‫ِّ‬
‫سعدان النحوي وخلف بن هشام البزار وإمامنا في آخرين روى عنه أبو مزاحم الخاقاني وأبو الحسن بن شنبوذ وغيرهم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ َّ َ َ َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ‬
‫ال‪ :‬أ ُبو َبك ٍر الخالل سمعته يقول سمعت أبا عبد َّللا‬ ‫وذكره أ ُبو َبك ٍر الخالل فقال‪ :‬عنده َع ْن أبي عبد َّللا مسائل حسان ق‬
‫سئل َع ْن الرأي فرفع صوته وقال" ال تكتب شيئا من الرأي"‬
‫َ َ َ ْ‬ ‫ً‬
‫ال أ ُبو َبك ٍر الخالل سمعته يقول‬‫وقال أيضا (‪ُ ": )337/1‬م َح َّمد ْبن يس ْبن بشر ْبن أبي طاهر البلدي أحد األصحاب‪ ،.‬ق‬
‫َّ‬ ‫سألت أبا َع ْبد َّ َ‬
‫َّللا صاحب حديث ينظر ِّفي الرأي إنما يريد أن‬ ‫َّللا ع ِّن النظر ِّفي الرأي فقال‪ :‬عليك بالسنة فقلت‪ :‬له يا أبا عبد ِّ‬ ‫ِّ‬
‫يعرف رأي من خالفه فقال‪ :‬عليك بالسنة"‪ ،‬وقد جرى الترمذي طوال جامعه على عدم ذكر أبي حنيفة وإنما يذكر أهل الرأي‬
‫أما أبو حنيفة فال يسميه إال في موطن واحد عند ذكر نقد وكيع له‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ً‬
‫وأما اليوم فأمرهم استشرى فتدرس مذاهبهم ملناقشتها علميا فبعض خالفهم من جنس اختالف فقهاء أهل الحديث بينهم‪،‬‬
‫وبعضه مأخذهم فيه أصولهم الفاسدة‪ ،‬ويبعد عندي أن ينفردوا بالصواب من دون أهل الحديث قاطبة فإن أهل الحديث‬
‫هم الذين وصفوا بأنهم على الحق ظاهرين‪.‬‬

‫أنت تنزه ‪...‬و أنا أنزه‬

‫يقول البعض (أنا أنزه أبا حنيفة الذي اتبعه هذا العدد من املسلمين أن يقول بهذه املقاالت)!‪ ،‬ويغفل أن عامة الحنفية‬
‫ً‬
‫مرجئة فهم اتبعوه على الضاللة أصال ‪ ،‬بل وعامتهم يتركون السنن الثابتة كالجهر بالتأمين ورفع اليدين قبل الركوع وبعده‬
‫ً‬
‫والعقيقة وصالة االستسقاء وغيرها من السنن متابعة لهذا الرجل وتقليدا له فهل مثل هؤالء يصيرون حجة في الحكم على‬
‫رجل بالهداية أو الضاللة؟‪ ،‬وأنا أنزه اإلمام مالك عن أن يقول ( كاد الدين كاد الدين ) في رجل خال من أسباب الجرح‪،‬‬
‫وأنا أنزه سفيان واألوزاعي على أن يقوال في رجل ما ولد في اإلسالم شر منه وهو خال من أسباب الجرح‪ ،‬وأنا أنزه الشافعي عن‬
‫ً‬
‫أن يقول ( جاهل بالكتاب جاهل بالسنة ) في رجل فقيه كبير مجتهد‪ ،‬وأنا أنزه شعبة وحماد بن سلمة عن أن يلعنا رجال خال‬
‫من أسباب الجرح‪ ،‬وأنا أنزه حرب الكرماني وابن أبي داود وابن عبد البر وابن حبان وابن الجوزي على أن يدعيا اإلجماع على‬
‫جرح رجل غير مجروح‪.‬‬

‫تشويش ملحمد الغزالي‬

‫قال الغزالي في دستور الوحدة ص ‪( :68‬حديث اآلحاد يعطي الظن العلمي أو العلم الظني‪ ،‬ومجاله الرحب في فروع الشريعة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال في أصولها ونحن نؤكد أن خبر الواحد قديما وحديثا ما كان يفيد إال الظن‪ ،‬وأبو حنيفة له وجهة نظر معقولة عندما‬
‫استبعد خبر الواحد في إيجاب واجب أو تحريم محرم واعتبر أن ذلك يحتاج إلى القطع‪ ،‬ويمكن االحتجاج بخبر الواحد في‬
‫نطاق املندوب واملكروه‪ ،‬ومع ذلك ففي عصرنا قوم يريدون بخبر الواحد إثبات العقائد التي يكفر منكرها وهذا ضرب من‬
‫الغلو املمجوج‪ ،‬وقد ينتهي بالصد عن سبيل هللا‪ ،‬والحق أن حديث اآلحاد دليل محترم ما لم يكن هناك دليل أقوى منه‬
‫وأولى بالقبول) ا‪ .‬هـ‪ ،.‬الغزالي من أشهر املعروفين برد الحديث في هذا العصر وقد وجد في أصول أبي حنيفة في رد خبر‬
‫الواحد فيما تعم به البلوى ورد خبره إذا خالف القياس ورد خبره في الحدود متكأ ملنهجه السوء فتأمل هذا‪ ،‬وقال الغزالي في‬
‫كتابه سر تأخر العرب ص‪ ": 53‬إن الفقي حلف باهلل أن أبا حنيفة كافر"‪ ،‬ويقصد بالفقي محمد حامد الفقي رئيس جماعة‬
‫أنصار السنة املحمدية ‪ ،‬ولعل الفقي حلف باهلل على ضالله فإنه كان له عناية بكتب السلف ‪ ،‬وقد أخرج طبقات الحنابلة‬
‫َ‬
‫وفيها كالم كثير في ذم أبي حنيفة وكان يسكت عليه وال يعلق وكذلك أخرج رد الدارمي على امل ِّريس ي وما كان يعلق على‬
‫املواطن املتعلقة بأبي حنيفة ‪ ،‬وله طبعة قديمة لكتاب السنة لعبد هللا لم أقف عليها‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫والغزالي هنا يشوش على محمد حامد لينفر الناس من دعوته‪ ،‬فأعيذ إخواننا من أن يسلكوا هذا املسلك ‪ ،‬على أن الفقي‬
‫ً‬
‫عليه مآخذ عديدة ليس هذا محل بسطها‪ ،‬وال أستغرب أبدا من دفاع الغزالي عن أبي حنيفة فلو كنت مكانه لفعلت األمر‬
‫ً‬
‫نفسه فإن رد الغزالي لبعض األحاديث الصحيحة بقوله ( هذه مسرحية بايخة ) وقوله ( ضعه تحت قدمك ) يضاهي تماما‬
‫رد أبي حنيفة لبعض األحاديث الصحيحة بقوله ( خرافة ) و ( رجز )‪.‬‬

‫وحتى الصحابة لم يسلموا‬

‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َ ُ َ ْ َّ ْ َ ُّ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ َ‬
‫بن أ ْح َم َد‪َ ،‬س ِّم ْع ُت أ َبا‬ ‫قال الذهبي في سير أعالم النبالء (‪ ": )518/2‬قال الحا ِّفظ أبو سع ٍد السمعا ِّني ‪:‬س ِّمعت أبا املعم ِّر املبارك‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ َ َّ َ ْ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َّ َ ْ ُ َ‬ ‫ُْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫اض ي أ َبا الط ِّي ِّب َي ُق ْو ُل‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫الق‬ ‫بن َع ِّل ٍي الزنجا ِّني الف ِّقيه‪ ،‬س ِّمعت الف ِّقيه أبا ِّإسحاق الفيروزاب ِّادي‪ ،‬س ِّمعت‬ ‫ف َ‬ ‫اس ِّم يوس‬ ‫الق ِّ‬
‫ص َّراة ‪َ ،‬ف َط َال َب با َّلدل ْيل‪َ ،‬ح َّتى ْ‬
‫اس َت َد َّل ِّب َح ِّد ْي ِّث‬ ‫َ َ َ َ ْ َ ْ ََ ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َْ ُ ْ َ َ َ َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ُك َّنا في َم ْ‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫س النظ ِّر ِّبج ِّام ِّع املنصو ِّر‪ ،‬فجاء شاب خ َراسا ِّني‪ ،‬فسأ َل عن مسأل ِّة امل ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ل‬‫ِّ‬ ‫ج‬ ‫ِّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ َْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ان َح َنفي ًا ‪ :-‬أ ُبو ُه َرْي َر َة َغ ْي ُر َم ْق ُب ْول َ‬
‫ال ‪َ -‬و َك َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َأبي ُه َرْي َر َة َ‬
‫است َت َّم كال َم ُه َح َّتى َسقط َعل ْي ِّه َح َّية َع ِّظ ْي َمة ِّم ْن‬ ‫الح ِّد ْي ِّث ‪ ،‬فما‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫ار‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫الو‬ ‫ِّ‬
‫َ َّ ُ َ َ ْ ُ َ ََ‬ ‫َ َ َ َ َّ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َّ ُّ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ُ َ ْ َ َ ُ ُ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ْ ُ َ ََ‬ ‫َس ْقف َ‬
‫الج ِّام ِّع‪ ،‬فوثب الناس ِّمن أج ِّلها‪ ،‬وهرب الشاب ِّمنها و ِّهي تتبعه‪ ،‬ف ِّقيل له‪ :‬تب تب‪،.‬فقال‪ :‬تبت‪ ،.‬فغاب ِّت الحية‪ ،‬فلم ير لها‬ ‫ِّ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫أث ٌر" ‪ِّ ،‬إ ْس َن ُاد َها أ ِّئ َّمة‪،.‬وهذه الجسارة من أهل الرأي على أبي هريرة تفوه بها متقدموهم‪ ، :‬قال ابن القيم في مختصر الصواعق‬
‫املرسلة ص‪ ": 607‬وطائفة حادية عشر ‪ :‬ردوه _ يعني خبر الواحد _ إذا كان الراوي له من الصحابة غير فقيه بزعمهم وقبلوه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إذا كان فقيها ‪ ،‬وبمثل هذا ردوا رواية أبي هريرة إذا خالفت آراءهم ‪ ،‬قالوا لم يكن فقيها ‪ ،‬وقد أفتى في زمن عمر بن الخطاب‬
‫ً‬
‫وأقره على الفتوى ‪ ،‬واستعمله نائبا على البحرين وغيرها ‪ ،‬ومن تالميذه عبد هللا بن عباس وغيره من الصحابة ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫املسيب وغيره من التابعين ‪،‬قال البخاري ‪ :‬روى العلم عنه ثمان مائة ما بين صاحب وتابع ‪ ،‬وكان من أعلم الصحابة وأحفظهم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫له ‪ ،‬وكان قارئا للقرآن ‪ ،‬وكان عربيا والعربية طبعه ‪ ،‬وكان الصحابة يرجعون إلى روايته ويعملون بها ‪ ،‬نعم كان فقهه نوعا آخر‬
‫ً‬
‫غير الخواطر واآلراء!! ‪ ،‬قال الشافعي ‪ :‬ناظرت محمدا _ يعني الشيباني _ في مسألة املصراة فذكرت الحديث ‪ ،‬فقال هذا خبر‬
‫ً‬
‫رواه أبو هريرة ‪ ،‬وكان الذي جاء به شرا مما فر منه أو كما قال" ‪ ،‬يريد الشافعي أن طعنه في أبي هريرة شر من مخالفته للسنة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في تلك املسألة ‪ ،‬وقد غضب ابن حزم غضبا شديدا على أهل الرأي من أجل طعنهم في أبي هريرة ‪ ،‬قال ابن حزم في املحلى‬
‫(‪ ": )178/8‬وروينا من طريق أبى عبيد أنه ناظر في هذه املسألة محمد بن الحسن فلم يجد عنده أكثر من ان قال‪ :‬هذا من‬
‫حديث أبى هريرة قال على‪ :‬نعم هو وهللا من حديث أبى هريرة البر الصادق ال من حديث مثل محمد ابن الحسن الذى قيل‬
‫لعبد هللا بن املبارك‪ :‬من أفقه أبو يوسف‪.‬أو محمد بن الحسن؟ فقال‪ :‬قل‪ :‬أيهما أكذب" ‪،‬كذا ابن حزم في املحلى حيث قال‬
‫(‪ ": )372 /8‬وأما احتجاج أبى حنيفة بحديث املصراة فطامة من طوام الدهر وهو أول مخالف له وزار عليه وطاعن فيه‬
‫مخالف كل ما فيه‪ ،‬فمرة يجعله ذو التورع منهم منسوخا بتحريم الربا وكذبوا في ذلك ما للربا ههنا مدخل‪ ،‬ومرة يجعلونه كذبا‬
‫ويعرضون بأبي هريرة وهللا تعالى يجزيهم بذلك في الدنيا واآلخرة وهم أهل الكذب ال الفاضل البر أبو هريرة رض ى هللا عنه وعن‬
‫جميع الصحابة وكب الطاعن على أحد منهم لوجهه ومنخريه‪ .‬ثم ال يستحيون من أن يحتجوا به فيما ليس فيه منه ش يء" ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫وفي املجموع من أقوال الشيخ حماد األنصاري البنه عبد األول ‪ -19‬قال الوالد" ‪:‬األحناف غضاب على أبي هريرة رض ي هللا عنه؛‬
‫يرد عليهم وهلل الحمد‪ ،".‬قلت‪ :‬يعني‪ :‬أن األحاديث التي رواها ُّ‬
‫ترد على أكثر آرائهم التي تخالف األحاديث‪.‬‬ ‫أكثر ما رواه ُّ‬
‫ألن َ‬
‫ً‬
‫وفيه أيضا قوله ‪ : 274‬سمعته يقول‪" :‬إن األحناف يقولون‪ :‬إن أبا هريرة رض ي هللا عنه‪ :‬ليس بفقيه وهذه املقالة سبب قولهم‬
‫لها هو أن أبا هريرة رض ي هللا عنه صاحب حديث كثير والحديث الذي يرويه يقض ى على كثير من آرائهم"‬

‫أول من قال بالبدعة الحسنة‬

‫قال ابن املنذر في األوسط (‪ ": )6/4‬وخالف النعمان كل ما ذكرناه ‪ ،‬فحكى يعقوب عنه في الجامع الصغير أنه قال ‪ :‬التثويب‬
‫الذي يثوب الناس في صبح الفجر بين األذان واإلقامة ‪ :‬حي على الصالة مرتين ‪ ،‬حي على الفالح مرتين ‪ ،‬وكان كره التثويب في‬
‫العشاء وفي سائر الصلوات ‪.‬‬
‫قال أبو بكر ‪ :‬فخالف ما قد ثبتت به األخبار ‪ ،‬عن مؤذن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بالل ‪ ،‬وأبي محذورة ‪ ،‬ثم جاء عن‬
‫ابن عمر ‪ ،‬وأنس بن مالك ‪ ،‬وما عليه أهل الحرمين من لدن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إلى يومنا هذا ‪ ،‬يتوارثونه قرنا عن‬
‫قرن يعملون به في كل زمان ظاهرا في أذان الفجر في كل يوم ‪ ،‬ثم لم يرض خالفه ما ذكرناه حتى استحسن بدعة محدثة لم‬
‫ترو عن أحد من مؤذني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وال عمل به على عهد أحد من أصحابه ‪.‬‬
‫وفي كتاب ابن الحسن‪ :‬كان التثويب األول بعد األذان‪ :‬الصالة خير من النوم‪ ،‬فأحدث الناس هذا التثويب وهو حسن‪.‬‬
‫قال أبو بكر‪ :‬وقد ثبتت األخبار عن مؤذني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عمن ذكرنا من أصحابه أن التثويب كان في نفس‬
‫األذان قبل الفراغ منه فكان ما قال‪ :‬أن التثويب األول كان بعد األذان محاال ال معنى له‪ ،‬ثم مع ذلك هو خالف ما عليه أهل‬
‫الحجاز‪ ،‬والشام‪ ،‬ومصر‪ ،‬وخالف قول سفيان الثوري‪ ،‬ثم استحسن أقر أنه محدث‪ ،‬وكل محدث بدعة "‪ ،‬وليس هذا ببعيد‬
‫عن بدعة اإلرجاء فأهل الرأي أول من ظهر فيهم القول بخلق القرآن‪ ،‬وأول من قالوا بالبدعة الحسنة‪ ،‬وأول من أظهر رد‬
‫أحاديث أبي هريرة‪ ،‬وأول من رد األحاديث بالرأي‪ ،‬وأول من قال بالحيل‬
‫ً‬
‫وهذه البدع ال زالت منتشرة في األمة خصوصا في أتباعهم من األحناف‪ ،‬فهل هذه سابقتهم في اإلسالم التي يدعيها البعض؟‬
‫فبعض هذه تكفي لئن يأخذ املرء املسلم املحب لدينه موقف السلف منهم فكيف وقد أضيف إليها غيرها؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وكيف إذا كانوا لم يرووا حديثا واحدا في كتب اإلسالم املشهورة بل الشيباني وأبو حنيفة متروكان؟‬

‫‪54‬‬
‫َ‬
‫عندما طرد امل ِريس ي أصوله‪...‬‬

‫َْ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬


‫قال عبد القادر القرش ي في كتابه الجواهر املضية في طبقات الحنفية في ترجمة امل ِّريس ي (‪َ ": )165/1‬وله أق َوال في املذ َهب‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫غ ِّر َيبة ِّم ْن َها َج َواز أكل لحم الحمار"‪ ،‬هذا االختيار على قبحه وشذوذه يتناسب تماما مع أصول أهل الرأي‬
‫فمن أصولهم أن الحكم إذا ذكر في القرآن ثم جاءت السنة وزادت على ما في القرآن لم يقبلوا زيادة السنة بدعوى أن‬
‫َ‬
‫الزيادة نسخ والسنة ال تنسخ القرآن‪ ،‬وبهذا التقرير الغريب ردوا األحاديث الصحيحة في تغريب الزاني‪ ،‬وامل ِّريس ي نظر في‬
‫َ ْ َ ُ ُ َّ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ ً َ ْ َ ً َ ْ ُ ً َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ َ ُ َ ُ‬
‫وحا أ ْو ل ْح َم‬ ‫اع ٍم يطعمه ِّإال أن يكون ميتة أو دما مسف‬ ‫القرآن فوجد قوله تعالى (ق ْل ال أ ِّجد ِّفي ما أو ِّح َي ِّإل َّي ُمح َّر ًما على ط ِّ‬
‫َ ُ‬
‫يم)‪ ،‬وقوله تعالى ‪ُ ( :‬ح ِّر َم ْت َعل ْيك ُم‬ ‫ور َر ِّح ٌ‬ ‫اض ُط َّر َغ ْي َر َباغ َوَال َع ٍاد َفإ َّن َرَّب َك َغ ُف ٌ‬ ‫س َأ ْو ف ْس ًقا ُأه َّل ل َغ ْير ََّّللا به َف َمن ْ‬ ‫ِّخ ْنزير َفإ َّن ُه ر ْج ٌ‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ٍ ِّ ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْاملَ ْي َت ُة َوال َّد ُم َول ْح ُم الخنزير َو َما أه َّل لغ ْير َّللا به َواملنخنقة َوامل ْوقوذة َواملت َرد َية َوالنط َ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الس ُب ُع ِّإال َما ذك ْيت ْم َو َما ذ ِّب َح‬‫يحة َو َما أك َل َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الن ُ َ َ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫َع َلى ُّ‬
‫ين ك َف ُروا ِّم ْن ِّدي ِّنك ْم فال تخش ْو ُه ْم َواخش ْو ِّن ال َي ْو َم أك َمل ُت‬ ‫س الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ٌ‬
‫ص ِّب وأن تستق ِّس ُموا ِّباألزال ِّم ذ ِّلك ْم ِّفسق ال َي ْو َم ي ِّئ َ ِّ‬
‫ْ‬

‫ور‬‫َّللا َغ ُف ٌ‬ ‫صة َغ ْي َر ُم َت َجانف إل ْثم َفإ َّن َّ َ‬ ‫اض ُط َّر في َم ْخ َم َ‬ ‫يت َل ُك ُم ْاإل ْس َال َم د ًينا َف َمن ْ‬ ‫َل ُك ْم د َين ُك ْم َو َأ ْت َم ْم ُت َع َل ْي ُك ْم ن ْع َمتي َو َرض ُ‬
‫ِّ ِّ ِّ ٍ ِّ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫يم)‬ ‫َر ِّح ٌ‬
‫فلم يجد الحمر األهلية وال يوجد النهي عن الحمر األهلية إال في السنة فصارت السنة زائدة على القرآن والزيادة نسخ‬
‫َ‬
‫والسنة ال تنسخ القرآن !‪ ،‬فلو كان امل ِّريس ي أو من على مذهبه أحياء لحاججوا أهل الرأي بهذه الحجة‪.‬‬
‫ومن أصول أهل الرأي عدم قبول أخبار الواحد فيما تعم به البلوى‪ ،‬وعدم قبول خبر الواحد في الحدود وعدم قبوله إذا‬
‫فقيها‪ ،‬فللجهمي أن يقول لهم وكذلك الصفات أمرها ُّ‬ ‫ً‬
‫أجل من كل ما ذكرتم فال نقبل فيها إال‬ ‫خالف القياس وكان راويه ليس‬
‫ً‬
‫املتواتر‪ ،‬وقد سار على هذا املنهج الكوثري في رده لحديث الجارية حيث أن ادعى راويه ليس فقيها يتكلم في الصالة!‬
‫ً‬
‫وكذلك صار على هذا املنهج عبد هللا الغماري الجهمي في كتابه (الفوائد املقصودة في الزيادات الشاذة واملردودة) فرد خبرا‬
‫ألبي هريرة بحجة أنه غير فقيه وال يقبل خبره فيما خالف القياس‪.‬‬

‫اقتراح أطروحة علمية‬

‫أقترح أن تكتب أطروحة علمية في (أصول مذهب أهل الرأي التي باينوا فيها أهل الحديث وما تفرع عنها من اختيارات فقهية)‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأن يقوم بمناقشة هذه األصول واالنتصار ملذهب أهل الحديث‪ ،‬وأحسب أن بحثا كهذا سيفتح بابا من الخير في وجه‬
‫الدارسين للفقه وسيبين حقيقة الخالف في العشرات من املسائل الفقهية ويبين حجم الخالف بين أهل الحديث وأهل الرأي‬
‫بشكل يفهمه جميع طبقات املتعلمين‪ ،‬ولو عرض الباحث إلى تطور هذه األصول إلى أصول اعتزالي ٍة جهمية فخذت للفتنة‬
‫ً‬
‫الكبرى لكان حسنا‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫هذا البحث فتنة!‬

‫يرى بعض الناس أن مجرد ذكر ما جرح به أبو حنيفة فتنة‪ ،‬والواقع أن هذه الهالة من التشنج التي تحيط ببحث هذه‬
‫املسألة هي التي حالت بين كثير من الباحثين والوصل إلى الحق‪ ،‬فليس من املصلحة أن ينتشر مفهوم خاطئ في مسألة‬
‫معينة‪ ،‬ثم ال يصوب هذا املفهوم البتة ولو بطريقة علمية هادئة‪ ،‬والفتنة في فتح باب رد الجرح املفسر‪ ،‬والفتنة في تسلط‬
‫أمثال الكوثري وحسن املالكي وأبي غدة على أئمة اإلسالم يقدحون فيهم متذرعين بهذه املسألة‪ ،‬والفتنة في قول بعضهم‬
‫( الخروج بالسيف ) مسألة خالفية بين العلماء ويحتج بأبي حنيفة‪ ،‬والفتنة في تضليل من يقرأ كتاب السنة لعبد هللا بن‬
‫أحمد كما حصل لي شخصيا!‪ ،‬واألحناف ليس لهم سلطان في بالدنا والحمد هلل ‪ ،‬والفتنة إنما يؤججها من يدعي أنه يريد‬
‫ً‬
‫إخماد الفتنة فلو ترك املسألة للبحث العلمي الجاد لم تحدث فتنة ‪ ،‬ولكنه يشغب ويشوش حتى يصير األمر فتنة حقا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهذا الشيخ مقبل الوادعي صنف كتابا خاصا في هذه املسألة ودعوته من أنجح الدعوات املعاصرة‪ ،‬بل ثلب أبي حنيفة‬
‫موجود في الكثير من الكتب التي تطبع بشكل يومي والشمس ال تحجب بغربال‪ ،‬والعجيب أن كل من أراد أن يدافع عن هذا‬
‫ً‬
‫الرجل ويكتب أبحاثا يرد بها على جارحيه ال يكون بحثه فتنة‪ ،‬وأما من انتصر لقول أئمة أهل الحديث فقوله فتنة!‬
‫ومشكلتك ليست معي بل مشكلتك مع من تكلم في هذا الرجل‪ ،‬وكما حكمت على بحثي باإلعدام احكم على املصادر التي نقل‬
‫منها هذا البحث وال سبيل لك إلى ذلك لكثرة تلك املصادر‪ ،‬قال الذهبي في تاريخ اإلسالم (‪ ": )387/5‬قال الحاكم‪ :‬نا أبو أحمد‬
‫بن أبي الحسن قال‪ :‬أرسلني ابن خزيمة إلى أبي العباس السراج فقال‪ :‬قل له أمسك عن ذكر أبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬فإن أهل‬
‫ً‬
‫البلد قد شوشوا‪ .‬فأديت الرسالة فزبرني"‪ ،‬رحم هللا سلفنا ما تركوا لنا شيئا لنقوله‬

‫املسألة معكوسة!‬

‫يرى البعض أن ذكر جرح أبي حنيفة سيكون ذريعة إلى الطعن في بقية الفقهاء إذ أنه الفقيه األقدم‪ ،‬واملسألة معكوسة فإن‬
‫ً‬
‫مالكا والشافعي وأحمد ما قالوا بالسيف وال اإلرجاء وال رد األحاديث وال التوسع بالرأي وال التجهم‪ ،‬فقياس من رمي بهذه‬
‫عليهم قياس فاسد‪ ،‬وطريقتهم في الفقه هي طريقة أهل الحديث وطريقته طريقة أهل الرأي وهناك تباين منهجي واضح بين‬
‫ً‬
‫الفريقين ونفرة بينة‪ ،‬بل لو عكسنا املسألة وقلنا أن تعديله سيؤدي إلى الطعن فيهم لكان قريبا ألنهم تكلموا فيه بكالم شديد‬
‫فتكلم فيه سفيان ومالك واألوزاعي والشافعي وأحمد بكالم كثير شديد‪ ،‬وتعديله يعني اتهامهم بالظلم أو الكذب أو قصور‬
‫االطالع وهذه خيارات ال ترض ي من يوقر هؤالء األئمة‪ ،‬ووصفه بالفقيه األقدم غلط ‪ ،‬فإن فقهاء الصحابة والتابعين كثر‬
‫وإنما هو طبقة بعدهم وفي طبقته كان سفيان ومالك واألوزاعي‪ ،‬قال املعلمي في التنكيل (‪ ": )427/1‬ولعمري إن محاولة‬
‫األستاذ في دفاعه عن أبي حنيفة الطعن في أئمة اإلسالم كسفيان الثوري وأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري‬

‫‪56‬‬
‫وعبد هللا بن الزبير الحميدي واإلمام أحمد بن حنبل واإلمام أبي عبد هللا البخاري وغيرهم من األئمة لضر على أبي حنيفة‬
‫من كالم هؤالء األئمة فيه‪.‬‬
‫ولو قال قائل‪ :‬ال يتأتى تثبيت أبي حنيفة إال بإزالة الجبال الرواس ي لكان أخف على أبي حنيفة ممن يقول ال يتأتى محاولة‬
‫ذلك إال بالطعن في هؤالء األئمة‪ ،‬وإن صنيع الكوثري ألضر على أبي حنيفة من هذا كله ‪ ،‬ألن الناس يقولون الكوثري عالم‬
‫مطلع ‪ ،‬كاتب بارع ‪ ،‬إن أمكن أحدا" الدفاع عن أبي حنيفة فهو ـ ولو أمكنه ذلك بدون الطعن في هؤالء األئمة ودون ارتكاب‬
‫املغالطات الشنيعة لكان من ابعد الناس عن ذلك "‪.‬‬
‫ومعلوم أن كل ما يكتب اليوم في الدفاع عن هذا الرجل هو رد مبطن على كتاب السنة لعبد هللا بن أحمد ورد على األئمة‬
‫الذين جرحوه‪ ،‬ولو فتحنا الباب لرد أحكام أئمة الجرح والتعديل واتهامهم بأنهم ظلمة وقساة يأتون إلى رجل من خيار عباد‬
‫هللا عز وجل ومن األئمة في الخير فيصمونه بكل نقيصة‪ ،‬هذا االتهام سيفتح باب شر‪ ،‬فهذا جمال الدين القاسمي في كتاب‬
‫(قواعد في الجرح والتعديل) يتهم أهل الحديث أنهم تواطؤوا على ظلم محمد بن الحسن الشيباني ألنه من أهل الرأي‪،‬‬
‫وجاء عصريه ابن عقيل الحضرمي وادعى أن أهل الحديث ظلموا الرواة الشيعة وذلك في كتابه (العتب الجميل على أهل‬
‫الجرح والتعديل)‪ ،‬وجاء القاسمي نفسه في كتابه ( تاريخ الجهمية واملعتزلة ) وادعى أن السلف ظلموا املعطلة‪ ،‬وجاء حسن بن‬
‫فرحان املالكي وجمع ذلك كله ودونه في كتب ونشرها في اململكة ووافقه عدد من أهل الضالل ‪ ،‬وابتدأ األمر بذكر أبي حنيفة‬
‫فإذا استقر في نفوس الناس أن أهل الحديث ظلمة أكمل طريقه إلى الرافضة والجهمية ينافح عنهم‪ ،‬وال شك أن هذا أثر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خطير جدا وهللا املستعان‪ ،‬فاملسألة كبيرة جدا يا أخوة وال تحتمل التشغيب‪.‬‬

‫وصية أخوية ملن قرأ البحث‬

‫ً‬
‫لعلك لم تعجبك نتيجة البحث‪ ،‬وأزمعت أن ترد عليه وهذا يسرني حقا!‪ ،‬نعم يسرني ألن هذا سيدفعك إلى البحث وإذا بحثت‬
‫ً‬
‫ستصل إلى النتيجة عينها التي وصلت إليها‪ ،‬وإذا أردت نقل ش يء عني من هذه الرسالة فال تنقله مجردا عن حجته فال تقل‬
‫( عبد هللا يقول أبو حنيفة كذا وكذا ) ثم ال تنقل ما احتججت به وال من سبقني من األئمة فإن هذا ليس من اإلنصاف وقد‬
‫أمر هللا عز وجل بالعدل مع أهل الكفر فكيف بأخيك السني‪ ،‬وكذلك إذا أردت إخبار طالب علم أو عالم بمضمون الرسالة‬
‫كلف نفسك تصويرها وتقديمها إليه فإنك إذا كنت تثق بعلمه فلن يضره قراءة هذا البحث ‪ ،‬والبحث حتى للمخالف ال يخلو‬
‫من فائدة ‪ -‬إن شاء هللا تعالى ‪ ،-‬واعلم وفقك هللا أن هذا الذي كتبته في هذه األوراق التي ربما قرأتها أنت في جلسة واحدة ‪،‬‬
‫قد أخذ مني فترة طويلة من الزمن وقراءات كثيرة‪ ،‬فال تنس الفضل بيني وبينك إذ جهدت بتلخيص هذه املادة لك‪ ،‬واعلم‬
‫رحمك هللا أن الباحث إذا وصل إلى نتيجة من خالل بحث علمي موسع فإنه ال يكفي لثنيه عن هذه النتيجة وضع فتيا‬
‫ملعاصر‪ ،‬أو إرهابه أو سبه أو شتمه بل ال بد املناقشة العلمية الخالية من املماحكة والجدل البارد حتى تثنيه عما‬
‫توصل إليه‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الخاتمة‬

‫هذا ما أمكنني كتابته في هذه املسألة‪ ،‬وعندي كثير لم يكتب غير أن املنصف يكفيه دليل‪ ،‬والجاهل الظالم ال يكفيه ألف‬
‫دليل ومن أراد مناقشة ش يء من البحث فليتفضل بدون تشنج‪ ،‬فإن إحاطة البحث بهالة من التشنج لرد الحجة العلمية‬
‫سبيل الضعفاء‪ ،‬والحق الذين أتدين به بعد بحثي لهذه املسألة فترة ليست قصيرة من الزمن ‪ ،‬أن هذا الرجل قد اجتمع فيه‬
‫ً‬
‫من أسباب الجرح ما لم يجتمع في غيره ‪ ،‬وأنك ال تجد في كتب املجروحين رجال تكلم فيه هذا العدد الهائل من األئمة على‬
‫تباعد األقطار إال هذا الرجل ‪ ،‬ولو ثبت عنه سبب واحد منها فقط لكفي‪ ،‬وإذا شئت أن تراهم متكلمين في عقيدته وجدتهم‬
‫متكلمين بأشد الكالم ‪ ،‬وإذا شئت أن تراهم متكلمين في فقهه وجدتهم متكلمين بأشد الكالم ‪ ،‬وإذا شئت أن تراهم متكلمين‬
‫في حديثه وجدتهم متكلمين بأغلظ الكالم‪.‬‬
‫وعامة الدفاعات عنه فيها تكلف ومجانبة للقواعد العلمية‪ ،‬واملدافع تنزلق رجله من حيث ال يشعر إلى الحط على من تكلم به‬
‫من األئمة أو على األقل فتح الباب لذلك‪.‬‬
‫والذي أعتقده أن أئمة الجرح والتعديل هم أعدل الناس وأعلم الناس فلو تتابعوا على جرح رجل ولم يفسروا الجرح لم‬
‫َأر ُب ًّدا من متابعتهم فكيف وقد فسر لك الجرح بما فسر‪.‬‬
‫قال املعلمي في التنكيل‪ :]97 / 1[ :‬إذا كان هؤالء ساخطين على أبي حنيفة هذا السخط ‪-‬الذي يصوره األستاذ ‪ -‬فليت شعري‬
‫ٌ‬ ‫من بقي غيرهم من أئمة الدين يسوغ أن يقال إنه راض عن أبي حنيفة؟‪ ،‬وهل بقي إال كسير َ‬
‫وعوير‪ ،‬وثالث ما فيه خير؟!‬

‫هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬

‫‪58‬‬
‫الفهرس‬
‫املقدمة ‪1 .........................................................................................................................................................................................................‬‬
‫دواعي البحث ‪2 ...............................................................................................................................................................................................‬‬
‫املقدمة العلمية األولى‪ :‬الجرح املفسر مقدم على التعديل املجمل‪2 .............................................................................................................‬‬
‫املقدمة العلمية الثانية‪ :‬يلزم من رد الجرح املفسر بدون بينة الطعن في الجارح وال يلزم من رد التعديل املجمل الطعن في املعدل‪3 ...........‬‬
‫املقدمة العلمية الثالثة‪ :‬إذا اختلف كالم العلماء لم يكن قول أحدهم حجة على اآلخر إال ببينة‪3 ................................................................‬‬
‫املقدمة العلمية الرابعة‪ :‬اإلجماعات ال تتعارض‪4 ............................................................................................................................................‬‬
‫املقدمة العلمية الخامسة‪ :‬األقوال ال تموت بموت أصحابها‪4 .........................................................................................................................‬‬
‫املقدمة العلمية السادسة‪ :‬أئمة الجرح والتعديل قولهم مقبول في الرواية والعقائد‪5 ....................................................................................‬‬
‫كلمات بين يدي البحث‪6 ...................................................................................................................................................................................‬‬
‫أسباب جرح أبي حنيفة ‪34 _7 ...............................................................................................................................................................................‬‬
‫السبب األول‪ :‬الحط على النبي صلى هللا عليه وسلم‪7 ....................................................................................................................................‬‬
‫السبب الثاني من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬السخرية من السنة‪8 ...................................................................................................................‬‬
‫السبب الثالث من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬رد سنة النبي صلى هللا عليه وسلم ‪9 ...........................................................................................‬‬
‫السبب الرابع من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬القول بخلق القرآن‪11 ..................................................................................................................‬‬
‫السبب الخامس من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬قوله باإلرجاء الغالي‪14 ............................................................................................................‬‬
‫السبب السادس من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬قوله بإرجاء الفقهاء‪15 ...........................................................................................................‬‬
‫مع اآلثار السلفية في شأن املرجئة‪16 ................................................................................................................................................................‬‬
‫السبب السابع من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬دعوته إلى اإلرجاء‪19 .................................................................................................................‬‬
‫السبب الثامن من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬قوله بالسيف‪20 ........................................................................................................................‬‬
‫السبب التاسع من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬قوله بالحيل‪21 ........................................................................................................................‬‬
‫السبب العاشر من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬قوله بالرأي‪22 ..........................................................................................................................‬‬
‫السبب الحادي عشر من أسباب جرح أبي حنيفة‪ :‬ضعفه في الحديث‪31 .....................................................................................................‬‬
‫مع كالم املعدلين ألبي حنيفة‪40 _ 34 ................................................................................................................................................................‬‬
‫النقطة األولى‪ :‬إنكار استتابته من الكفر‪34 ....................................................................................................................................................‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬رواية ابن املبارك عنه ‪35 ......................................................................................................................................................‬‬
‫النقطة الثالثة‪ :‬ثناء يحيى القطان عليه ‪36 .............................................................. ...................................................................................‬‬
‫النقطة الرابعة‪ :‬قول الشافعي (الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة) ‪36 .................................................................................................‬‬
‫النقطة الخامسة‪ :‬قولهم كان وكيع بن الجراح على مذهبه ‪37 ...................................................................................................................‬‬
‫النقطة السادسة‪ :‬االحتجاج بالفقه األكبر والفقه األبسط ‪38 ....................................................................................................................‬‬
‫النقطة األخيرة ‪ :‬االعتماد على العقيدة الطحاوية ‪40 ..................................................................................................................................‬‬
‫وقفة مع ابن عبد البر ‪40 .............................................................................................................................................................................‬‬
‫شبهة وجوابها‪42 ..........................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪59‬‬
‫مقارنة يسيرة ‪44 ..........................................................................................................................................................................................‬‬
‫ليس كالم أقران ‪44 .................................................................................................................................................................................‬‬
‫هل كان أبو حنيفة محنة في زمن السلف؟‪45 ............................................................................................................................................‬‬
‫ماذا لو رجع؟ ‪47 .......................................................................................................................................................................................‬‬
‫بين أبي يوسف وأبي حنيفة ‪47 ..............................................................................................................................................................‬‬
‫ََ‬
‫‪47 .....................................................................................................................................................................‬‬ ‫قبل أن ‪ .........‬تذكر!‬
‫تكلموا في قوله ال فيه! ‪48 ......................................................................................................................................................................‬‬
‫الرحم التي نشأ فيها التجهم ‪48 ..............................................................................................................................................................‬‬
‫محو الصحيفة! ‪51 .................................................................................................................................................................................‬‬
‫‪52 ..........................................................................................................................................................................‬‬ ‫أنت تنزه ‪...‬وأنا أنزه‬
‫تشويش ملحمد الغزالي ‪52 .....................................................................................................................................................................‬‬
‫وحتى الصحابة لم يسلموا ‪53 ..............................................................................................................................................................‬‬
‫أول من قال بالبدعة الحسنة ‪54 ..........................................................................................................................................................‬‬
‫َ‬
‫عندما طرد امل ِّريس ي أصوله‪55 ............................................................................................................................................................... ...‬‬
‫اقتراح أطروحة علمية ‪56 .....................................................................................................................................................................‬‬
‫هذا البحث فتنة! ‪56 ..............................................................................................................................................................................‬‬
‫املسألة معكوسة! ‪56 .............................................................................................................................................................................‬‬
‫وصية أخوية ملن قرأ البحث ‪57 ...........................................................................................................................................................‬‬
‫الخاتمة ‪58 ................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪60‬‬

You might also like