Professional Documents
Culture Documents
التفسير الاتحليلي لسورة المائدة
التفسير الاتحليلي لسورة المائدة
الفوج 2
حبث حول
أسامة قينع
حتت اشراف األستاذ :ساردي حممد
1عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ، -دار السالم للنشر و التوزيع ،تفسير سورة المائدة -اآلية 110
يذكر تعاىل ما امَت به على عبده ورسوله عيسى ابن مرَي -عليه السالم -مما أجراه على يديه من املعجزات
وخوارق العادات ،فقال تعاىل ( :إذ قال هللا َي عيسى ابن مرَي اذكر نعمِت عليك ) أي :يف خلقي إَيك من أم
بال ذكر ،وجعلي إَيك آية وداللة قاطعة على كمال قدريت على األشياء (وعلى والدتك ) حيث جعلتك هلا برهاان
على براءهتا مما نسبه الظاملون اجلاهلون إليها من الفاحشة (إذ أيدتك بروح القدس ) وهو جربيل - ،عليه السالم
، -وجعلتك نبيا داعيا إىل هللا يف صغرك وكربك ،فأنطقتك يف املهد صغريا ،فشهدت برباءة أمك من كل عيب
،واعرتفت يل ابلعبودية ،وأخربت عن رسالِت إَيك ودعوتك إىل عباديت ; وهلذا قال تعاىل( :تكلم الناس يف املهد
وكهال ) أي :تدعو إىل هللا الناس يف صغرك وكربك .وضمن "تكلم " تدعو ; ألن كالمه الناس يف كهولته ليس
أبمر عجيب.
وقوله :وإذ علمتك الكتاب واْلكمة ) أي :اخلط والفهم ) والتوراة وهي املنزلة على موسى بن عمران الكليم ،
ذلك. من أعم هو ما به ويراد اْلديث يف التوراة لفظ يرد وقد
وقوله ( :وإذ َتلق من الطني كهيئة الطري إبذن ) أي :تصوره وتشكله على هيئة الطائر إبذن لك يف ذلك فيكون
طائرا إبذن ،أي :فتنفخ يف تلك الصورة الِت شكلتها إبذن لك يف ذلك ،فتكون طريا ذا روح إبذن هللا وخلقه.
وقوله ( :وتربئ األكمه واألبرص إبذن ) قد تقدم الكالم على ذلك يف سورة آل عمران مبا أغىن عن إعادته.
وقوله ( :وإذ َترج املوتى إبذن ) أي :تدعوهم فيقومون من قبورهم إبذن هللا وقدرته ،وإرادته ومشيئته.
وقد قال ابن أيب حامت :حدثنا أيب ،حدثنا مالك بن إمساعيل ،حدثنا حممد بن طلحة -يعِن ابن مصرف -عن
أيب بشر ،عن أيب اهلذيل قال :كان عيسى ابن مرَي - ،عليه السالم ، -إذا أراد أن حييي املوتى صلى ركعتني ،
يقرأ يف األوىل ( :تبارك الذي بيده امللك ) ) سورة امللك ،ويف الثانية( :امل .تنزيل الكتاب ))سورة السجدة .
فإذا فرغ منهما مدح هللا وأثىن عليه ،مث دعا بسبعة أمساءَ :ي قدَيَ ،ي خفيَ ،ي دائمَ ،ي فردَ ،ي وترَ ،ي أحدَ ،ي
صمد -وكان إذا أصابته شدة دعا بسبعة أخرَ :ي حيَ ،ي قيومَ ،ي هللاَ ،ي رمحنَ ،ي ذا اجلالل واإلكرامَ ،ي نور
السماوات واألرض ،وما بينهما ورب العرش العظيمَ ،ي رب .وهذا أثر عجيب جدا
.وقوله (:وإذ كففت بِن إسرائيل عنك إذ جئتهم ابلبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إال سحر مبني )أي :
واذكر نعمِت عليك يف كفي إَيهم عنك حني جئتهم ابلرباهني واْلجج القاطعة على نبوتك ورسالتك من هللا إليهم
،فكذبوك واهتموك أبنك ساحر ،وسعوا يف قتلك وصلبك ،فنجيتك منهم ،ورفعتك إيل ،وطهرتك من دنسهم
،وكفيتك شرهم .وهذا يدل على أن هذا االمتنان كان من هللا إليه بعد رفعه إىل السماء الدنيا ،أو يكون هذا
االمتنان واقعا يوم القيامة ،وعرب عنه بصيغة املاضي داللة على وقوعه ال حمالة .وهذا من أسرار الغيوب الِت أطلع
هللا عليها رسوله حممدا -صلى هللا عليه وسلم.2
تفسري القرطيب:
قوله تعاىل :إذ قال هللا َيعيسى ابن مرَي اذكر نعمِت عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس يف
املهد وكهال وإذ علمتك الكتاب واْلكمة والتوراة واإلجنيل وإذ َتلق من الطني كهيئة الطري إبذن فتنفخ فيها فتكون
طريا إبذن وتربئ األكمه واألبرص إبذن وإذ َترج املوتى إبذن وإذ كففت بِن إسرائيل عنك إذ جئتهم ابلبينات
فقال الذين كفروا منهم إن هذا إال سحر مبني
قوله تعاىل :إذ قال هللا َي عيسى ابن مرَي اذكر نعمِت عليك هذا من صفة يوم القيامة كأنه قال :اذكر يوم جيمع هللا
الرسل وإذ يقول هللا لعيسى كذا ; قاله املهدوي .و (عيسى ) جيوز أن يكون يف موضع رفع على أن يكون ابن مرَي
نداء اثنيا ،وجيوز أن يكون يف موضع نصب ; ألنه نداء منصوب كما قال:
َي حكم بن املنذر بن اجلارود وال جيوز الرفع يف الثان إذا كان مضافا إال عند الطوال.
قوله تعاىل :اذكر نعمِت عليك إمنا ذكر هللا تعاىل عيسى نعمته عليه وعلى والدته وإن كان هلما ذاكرا ألمرين :
أحدمها :ليتلو على األمم ما خصهما به من الكرامة ،وميزمها به من علو املنزلة .
الثان :ليؤكد به حجته ،ويرد به جاحده .مث أخذ يف تعديد نعمه فقال :إذ أيدتك يعِن قويتك ; مأخوذ من األيد
وهو القوة ،وقد تقدم .ويف روح القدس وجهان :أحدمها :أهنا الروح الطاهرة الِت خصه هللا هبا كما تقدم يف قوله
وروح منه.
الثان :أنه جربيل عليه السالم وهو األصح ،كما تقدم يف "البقرة “.تكلم الناس يعِن وتكلم الناس يف املهد صبيا،
ويف الكهولة نبيا ،وقد تقدم ما يف هذا يف (آل عمران) فال معىن إلعادته .كففت معناه دفعت وصرفت بِن إسرائيل
عنك حني مهوا بقتلك إذ جئتهم ابلبينات أي الدالالت واملعجزات ،وهي املذكورة يف اآلية .فقال الذين كفروا يعِن
الذين مل يؤمنوا بك وجحدوا نبوتك .إن هذا أي املعجزات إال سحر مبني وقرأ محزة والكسائي "ساحر " أي :إن
هذا الرجل إال ساحر قوي على السحر.3
2أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ،تفسير القرآن العظيم ،الطبعة االولى ،دار ابن حزم،بيروت ،2000سورة المائدة
3أبي عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ،الجامع ألحكام القرآن ،الجزء السابع ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة االولى ،2006سورة المائدة -
آمنها َوا ْش َه ْد ِِبَنهنَا ُم ْسلِ ُمو َن)(111 ِ
ني أَ ْن آمنُوا ِِب َوبَِر ُس ِويل قَالُوا َ
ت إِ ََل ا ْْلََوا ِريِ َ
َوإِ ْذ أ َْو َح ْي ُ
تفسري السعدي:
واذكر نعمِت عليك إذ يسرت لك أتباعا وأعواان .فأوحيت إىل اْلواريني أي :أهلمتهم ،وأوزعت قلوهبم اإلميان يب
وبرسويل ،أو أوحيت إليهم على لسانك ،أي :أمرهتم ابلوحي الذي جاءك من عند هللا ،فأجابوا لذلك وانقادوا،
وقالوا :آمنا ابهلل ،واشهد أبننا مسلمون ،فجمعوا بني اإلسالم الظاهر ،واالنقياد ابألعمال الصاْلة ،واإلميان الباطن
4
املخرج لصاحبه من النفاق ومن ضعف اإلميان.
وقوله (:وإذ أوحيت إىل اْلواريني أن آمنوا يب وبرسويل )وهذا أيضا من االمتنان عليه -عليه السالم -أبن جعل
له أصحااب وأنصارا .مث قيل :املراد هبذا الوحي وحي إهلام ،كما قال( :وأوحينا إىل أم موسى أن أرضعيه) اآلية
القصص ،7 :وهذا وحي إهلام بال خوف ،وكما قال تعاىل( :وأوحى ربك إىل النحل أن اَتذي من اجلبال بيوَت
ومن الشجر ومما يعرشون .مث كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذلال) اآلية النحل. 69 ،68 :وهكذا قال
بعض السلف يف هذه اآلية ( :وإذ أوحيت إىل اْلواريني أن آمنوا يب وبرسويل قالوا آمنا ) أي :ابهلل وبرسول هللا
أهلموا. ما فامتثلوا ذلك أهلموا : ) أي مسلمون أبننا واشهد (
قال اْلسن البصري :أهلمهم هللا .عز وجل ذلك ،وقال السدي :قذف يف قلوهبم ذلك.
وحيتمل أن يكون املراد :وإذ أوحيت إليهم بواسطتك ،فدعوهتم إىل اإلميان ابهلل وبرسوله ،واستجابوا لك وانقادوا
5
وَتبعوك ،فقالوا ( :آمنا واشهد أبننا مسلمون )
تفسري القرطيب:
قوله تعاىل :وإذ أوحيت إىل اْلواريني أن آمنوا يب وبرسويل قالوا آمنا واشهد أبننا مسلمون
قوله تعاىل :وإذ أوحيت إىل اْلواريني أن آمنوا يب وبرسويل قد تقدم القول يف معان هذه اآلية ،والوحي يف كالم
العرب معناه اإلهلام ويكون على أقسام :وحي مبعىن إرسال جربيل إىل الرسل عليهم السالم ،ووحي مبعىن اإلهلام
كما يف هذه اآلية ; أي أهلمتهم وقذفت يف قلوهبم ; ومنه قوله تعاىل :وأوحى ربك إىل النحل وأوحينا إىل أم موسى
ووحي مبعىن اإلعالم يف اليقظة واملنام قال أبو عبيدة :أوحيت مبعىن أمرت ،وإىل صلة يقال :وحى وأوحى مبعىن
العجاج: وقال هلا أوحى ربك أبن : تعاىل هللا قال ;
4عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ، -دار السالم للنشر و التوزيع ،تفسير سورة المائدة – اآلية111
5أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ،تفسير القرآن العظيم ،الطبعة االولى ،دار ابن حزم،بيروت ،2000سورة المائدة
تعتت وما األرض إبذنه فاستقرت القرار هلا وحى
أي :أمرها ابلقرار فاستقرت ،وقيل :أوحيت هنا مبعىن أمرهتم وقيل :بينت هلم .واشهد أبننا مسلمون على
األصل ; ومن العرب من حيذف إحدى النونني ; أي :واشهد َي رب ،وقيلَ :ي عيسى أبننا مسلمون هلل.6
اَّللِ قَ َ
ال ا ْْلََوا ِريُّو َن صا ِري إِ َىل ه
واْلواريون هم :األنصار ،كما قال تعاىل كما قال عيسى ابن مرَي للحواريني َ (:م ْن أَنْ َ
ك أَ ْن يُنَ ِزَل َعلَْي نَا َمائِ َدةً ِم َن ال هس َم ِاء ) أي:
يع َربُّ َ ِ
يسى ابْ َن َم ْرََيَ َه ْل يَ ْستَط ُ
ِ ِ اَّللِ ) ( إِ ْذ قَ َ
ال ا ْْلََواريُّو َن ََي ع َ ص ُار ه
ََْن ُن أَنْ َ
مائدة فيها طعام ،وهذا ليس منهم عن شك يف قدرة هللا ،واستطاعته على ذلك .وإمنا ذلك من ابب العرض واألدب
منهم .وملا كان سؤال آَيت االقرتاح منافيا لالنقياد للحق ،وكان هذا الكالم الصادر من اْلواريني رمبا أوهم ذلك،
ِِ
اَّللَ إِ ْن ُكنْ تُ ْم ُم ْؤمن َ
ني ) فإن املؤمن حيمله ما معه من اإلميان على مالزمة وعظهم عيسى عليه السالم فقال( :اته ُقوا ه
التقوى ،وأن ينقاد ألمر هللا ،وال يطلب من آَيت االقرتاح الِت ال يدري ما يكون بعدها شيئا.7
هذه قصة املائدة ،وإليها تنسب السورة فيقال " :سورة املائدة “.وهي مما امَت هللا به على عبده ورسوله عيسى،
-عليه السالم ، -ملا أجاب دعاءه بنزوهلا ،فأنزهلا هللا آية وداللة معجزة ابهرة وحجة قاطعة.
وقد ذكر بعض األئمة أن قصة املائدة ليست مذكورة يف اإلجنيل ،وال يعرفها النصارى إال من املسلمني ،فاهلل أعلم
.فقوله تعاىل ( :إذ قال اْلواريون ) وهم أتباع عيسى -عليه السالم ( َ - :ي عيسى ابن مرَي هل يستطيع ربك
)هذه قراءة كثريين ،وقرأ آخرون " :هل تستطيع ربك " أي :هل تستطيع أن تسأل ربك (أن ينزل علينا مائدة
من السماء.
واملائدة هي :اخلوان عليه طعام .وذكر بعضهم أهنم إمنا سألوا ذلك ْلاجتهم وفقرهم فسألوا أن ينزل عليهم مائدة
كل يوم يقتاتون منها ،ويتقوون هبا على العبادة قال ( :اتقوا هللا إن كنتم مؤمنني ) أي :فأجاهبم املسيح - ،
6أبي عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ،الجامع ألحكام القرآن ،الجزء السابع ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة االولى ،2006سورة المائدة -
7عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ، -دار السالم للنشر و التوزيع ،تفسير سورة المائدة -اآلية -
اآلية 112
عليه السالم ، -قائال هلم :اتقوا هللا ،وال تسألوا هذا ،فعساه أن يكون فتنة لكم ،وتوكلوا على هللا يف طلب
الرزق إن كنتم مؤمنني.8
تفسري القرطيب:
قوله تعاىل :إذ قال اْلواريون َيعيسى ابن مرَي هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا هللا إن
كنتم مؤمنني.
قوله تعاىل :إذ قال اْلواريون َي عيسى ابن مرَي على ما تقدم من اإلعراب .هل يستطيع ربك .قراءة الكسائي وعلي
وابن عباس وسعيد بن جبري وجماهد "هل تستطيع " ابلتاء "ربك " ابلنصب ،وأدغم الكسائي الالم من هل يف
التاء ،وقرأ الباقون ابلياء " ،ربك " ابلرفع ،وهذه القراءة أشكل من األوىل ; فقال السدي :املعىن هل يطيعك
ربك إن سألته أن ينزل فيستطيع مبعىن يطيع ; كما قالوا :استجاب مبعىن أجاب ،وكذلك استطاع مبعىن أطاع ،
وقيل املعىن :هل يقدر ربك وكان هذا السؤال يف ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم ابهلل عز وجل ; وهلذا قال
عيسى يف اجلواب عند غلطهم وجتويزهم على هللا ما ال جيوز :اتقوا هللا إن كنتم مؤمنني أي :ال تشكوا يف قدرة هللا
تعاىل.
قلت :وهذا فيه نظر ; ألن اْلواريني خلصان األنبياء ودخالؤهم وأنصارهم كما قال :من أنصاري إىل هللا قال
اْلواريون َنن أنصار هللا ،وقال عليه السالم :لكل نيب حواري وحواري الزبري ومعلوم أن األنبياء صلوات هللا
وسالمه عليهم جاءوا مبعرفة هللا تعاىل وما جيب له وما جيوز وما يستحيل عليه وأن يبلغوا ذلك أممهم ; فكيف خيفى
ذلك على من ابطنهم واختص هبم حىت جيهلوا قدرة هللا تعاىل ؟ إال أنه جيوز أن يقال :إن ذلك صدر ممن كان
معهم ،كما قال بعض جهال األعراب للنيب صلى هللا عليه وسلم :اجعل لنا ذات أنواط كما هلم ذات أنواط ،وكما
قال من قال من قوم موسى :اجعل لنا إهلا كما هلم آهلة على ما أييت بيانه يف "األعراف " إن شاء هللا تعاىل ،وقيل
:إن القوم مل يشكوا يف استطاعة الباري سبحانه ألهنم كانوا مؤمنني عارفني عاملني ،وإمنا هو كقولك للرجل :هل
يستطيع فالن أن أييت وقد علمت أنه يستطيع ; فاملعىن :هل يفعل ذلك ؟ وهل جييبِن إىل ذلك أم ال؟ وقد كانوا
عاملني ابستطاعة هللا تعاىل لذلك ولغريه علم داللة وخرب ونظر فأرادوا علم معاينة كذلك ; كما قال إبراهيم صلى
هللا عليه وسلم :رب أرن كيف حتي املوتى على ما تقدم ،وقد كان إبراهيم علم لذلك علم خرب ونظر ،ولكن أراد
املعاينة الِت ال يدخلها ريب وال شبهة ; ألن علم النظر واخلرب قد تدخله الشبهة واالعرتاضات ،وعلم املعاينة ال
يدخله شيء من ذلك ،ولذلك قال اْلواريون :وتطمئن قلوبنا كما قال إبراهيم :ولكن ليطمئن قليب.
8أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ،تفسير القرآن العظيم ،الطبعة االولى ،دار ابن حزم،بيروت ،2000سورة المائدة
قلت :وهذا أتويل حسن ; وأحسن منه أن ذلك كان من قول من كان مع اْلواريني ; على ما أييت بيانه وقد أدخل
ابن العريب املستطيع يف أمساء هللا تعاىل ،وقال :مل يرد به كتاب وال سنة امسا وقد ورد فعال ،وذكر قول اْلواريني :
هل يستطيع ربك ورده عليه ابن اْلصار يف كتاب شرح السنة له وغريه ; قال ابن اْلصار :وقوله سبحانه خمربا عن
اْلواريني لعيسى :هل يستطيع ربك ليس بشك يف االستطاعة ،وإمنا هو تلطف يف السؤال ،وأدب مع هللا تعاىل
; إذ ليس كل ممكن سبق يف علمه وقوعه وال لكل أحد ،واْلواريون هم كانوا خرية من آمن بعيسى ،فكيف يظن
هبم اجلهل ابقتدار هللا تعاىل على كل شيء ممكن ؟ ! وأما قراءة "التاء " فقيل املعىن هل تستطيع أن تسأل ربك ،
هذا قول عائشة وجماهد -رضي هللا عنهما ; قالت عائشة رضي هللا عنها :كان القوم أعلم ابهلل عز وجل من أن
يقولوا هل يستطيع ربك قالت :ولكن "هل تستطيع ربك " ،وروي عنها أيضا أهنا قالت :كان اْلواريون ال
يشكون أن هللا يقدر على إنزال مائدة ولكن قالوا " :هل تستطيع ربك " وعن معاذ بن جبل قال :أقرأان النيب
صلى هللا عليه وسلم "هل تستطيع ربك " قال معاذ :ومسعت النيب صلى هللا عليه وسلم مرارا يقرأ ابلتاء "هل
تسطيع ربك " وقال الزجاج :املعىن هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله ،وقيل :هل تستطيع أن تدعو ربك أو
تسأله ; واملعىن متقارب ،وال بد من حمذوف ،كما قال :واسأل القرية وعلى قراءة الياء ال حيتاج إىل حذف .قال
اتقوا هللا أي اتقوا معاصيه وكثرة السؤال ; فإنكم ال تدرون ما حيل بكم عند اقرتاح اآلَيت ; إذ كان هللا عز وجل
إمنا يفعل األصلح لعباده .إن كنتم مؤمنني أي :إن كنتم مؤمنني به ومبا جئت به فقد جاءكم من اآلَيت ما فيه
غىن.9
ين)(113 "قَالُوا نُ ِري ُد أَن َّنهْ ُكل ِم ْن ها وتَطْمئِ هن قُ لُوب نَا ونَ ْعلَم أَن قَ ْد ص َدقْتَ نَا ونَ ُكو َن َعلَي ها ِمن ال ه ِ ِ
شاهد َ َْ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ
تفسري السعدي:
فأخرب اْلواريون أهنم ليس مقصودهم هذا املعىن ،وإمنا هلم مقاصد صاْلة ،وألجل اْلاجة إىل ذلك ف {قَالُوا نُِر ُ
يد
أَ ْن ََنْ ُك َل ِمنْ َها } وهذا دليل على أهنم حمتاجون هلاَ { ،وتَطْ َمئِ هن قُلُوبُنَا } ابإلميان حني نرى اآلَيت العيانية ،فيكون
اإلميان عني اليقني ،كما كان قبل ذلك علم اليقني .كما سأل اخلليل عليه الصالة والسالم ربه أن يريه كيف حييي
ال بَلَى َولَكِ ْن لِيَطْ َمئِ هن قَ ْلِيب ) فالعبد حمتاج إىل زَيدة العلم واليقني واإلميان كل وقت ،وهلذا
ال أ ََوَملْ تُ ْؤِم ْن قَ َ
املوتى (قَ َ
9أبي عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ،الجامع ألحكام القرآن ،الجزء السابع ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة االولى ،2006سورة المائدة -
ين ِِ ِ
ص َدقْ تَ نَا } أي :نعلم صدق ما جئت به ،أنه حق وصدقَ { ،ونَ ُكو َن َعلَْي َها م َن الشهاهد َ
قال { َ :ونَ ْعلَ َم أَ ْن قَ ْد َ
} فتكون مصلحة ملن بعدان ،نشهدها لك ،فتقوم اْلجة ،وحيصل زَيدة الربهان بذلك.10
(قالوا نريد أن َنكل منها ) أي َ :نن حمتاجون إىل األكل منها (وتطمئن قلوبنا ) إذا شاهدان نزوهلا رزقا لنا
من السماء (ونعلم أن قد صدقتنا ) أي :ونزداد إمياان بك وعلما برسالتك (ونكون عليها من الشاهدين ) أي :
11
ونشهد أهنا آية من عند هللا ،وداللة وحجة على نبوتك وصدق ما جئت به.
تفسري القرطيب:
قوله تعاىل :قالوا نريد أن َنكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين
قوله تعاىل :قالوا نريد أن َنكل منها نصب أبن .وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين
عطف كله بينوا به سبب سؤاهلم حني هنوا عنه ،ويف قوهلم َ :نكل منها وجهان :أحدمها :أهنم أرادوا األكل منها
للحاجة الداعية إليها ; وذلك أن عيسى عليه السالم كان إذا خرج اتبعه مخسة آالف أو أكثر ،بعضهم كانوا
أصحابه ،وبعضهم كانوا يطلبون منه أن يدعو هلم ملرض كان هبم أو علة ،إذ كانوا زمىن أو عمياان ،وبعضهم كانوا
ينظرون ويستهزئون ،فخرج يوما إىل موضع فوقعوا يف مفازة ،ومل يكن معهم نفقة فجاعوا وقالوا للحواريني :قولوا
لعيسى حىت يدعو أبن تنزل علينا مائدة من السماء ; فجاءه مشعون رأس اْلواريني وأخربه أن الناس يطلبون أبن
تدعو أبن تنزل عليهم مائدة من السماء ،فقال عيسى لشمعون " :قل هلم اتقوا هللا إن كنتم مؤمنني " فأخرب بذلك
مشعون القوم فقالوا له :قل له :نريد أن َنكل منها اآلية .الثان َ :نكل منها لننال بركتها ال ْلاجة دعتهم إليها
،قال املاوردي :وهذا أشبه ; ألهنم لو احتاجوا مل ينهوا عن السؤال وقوهلم :وتطمئن قلوبنا حيتمل ثالثة أوجه :
أحدها :تطمئن إىل أن هللا ت عاىل بعثك إلينا نبيا .الثان :تطمئن إىل أن هللا تعاىل قد اختاران لدعوتنا .الثالث :
تطمئن إىل أن هللا تعاىل قد أجابنا إىل ما سألنا ; ذكرها املاوردي وقال املهدوي :أي :تطمئن أبن هللا قد قبل
صومنا وعملنا .قال الثعليب :نستيقن قدرته فتسكن قلوبنا .ونعلم أن قد صدقتنا أبنك رسول هللا ونكون عليها
من الشاهدين هلل ابلوحدانية ،ولك ابلرسالة والنبوة ،وقيل :ونكون عليها من الشاهدين لك عند من مل يرها إذا
12
رجعنا إليهم
10عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ، -دار السالم للنشر و التوزيع ،تفسير سورة المائدة -اآلية -
113
11أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ،تفسير القرآن العظيم ،الطبعة االولى ،دار ابن حزم،بيروت ،2000سورة المائدة
12أبي عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ،الجامع ألحكام القرآن ،الجزء السابع ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة االولى ،2006سورة المائدة -
سم ِاء تَ ُكو ُن لَنا ِعي ادا ِألَ هولِنا و ِ
آخ ِرََن َوآيَةا ِم َ ِ ِ قَ َ ِ
نك ۖ َو ْار ُزقْنَا َ َ َ يسى ابْ ُن َم ْرََيَ الله ُه هم َربهنَا أَن ِز ْل َعلَْي نَا َمائ َدةا م َن ال ه َ ال ع َ
ِ
ني)(114 َنت َخ ْريُ ال هرا ِزق َ
َوأ َ
تفسري السعدي:
فلما مسع عيسى عليه الصالة والسالم ذلك ،وعلم مقصودهم ،أجاهبم إىل طلبهم يف ذلك ،فقال { :الله ُه هم َربهنَا أَنْ ِزْل
ك } أي :يكون وقت نزوهلا عيدا ومومسا ،يتذكر به يدا ِأل هَولِنَا و ِ
آخ ِرَان َوآيَةً ِمْن َ
ِ
َعلَْي نَا َمائِ َدةً ِم َن ال هس َماء تَ ُكو ُن لَنَا عِ ً
َ
هذه اآلية العظيمة ،فتحفظ وال تنسى على مرور األوقات وتكرر السنني .كما جعل هللا تعاىل أعياد املسلمني
ت َخريُ
ومناسكهم مذكرا آلَيته ،ومنبها على سنن املرسلني وطرقهم القومية ،وفضله وإحسانه عليهم{ َ .و ْارُزقْ نَا َوأَنْ َ
ِ
ني } أي :اجعلها لنا رزقا ،فسأل عيسى عليه السالم نزوهلا وأن تكون هلاتني املصلحتني ،مصلحة الدين أبن الهرا ِزق َ
تكون آية ابقية ،ومصلحة الدنيا ،وهي أن تكون رزقا.13
(قال عيسى ابن مرَي اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا ألولنا وآخران )قال السدي :أي نتخذ
ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه َنن ومن بعدان ،وقال سفيان الثوري :يعِن يوما نصلي فيه ،وقال قتادة
:أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم ،وعن سلمان الفارسي :عظة لنا وملن بعدان .وقيل :كافية ألولنا وآخران.
(وآية منك ) أي :دليال تنصبه على قدرتك على األشياء ،وعلى إجابتك دعويت ،فيصدقون فيما أبلغه عنك )
وارزقنا ) أي :من عندك رزقا هنيئا بال كلفة وال تعب (وأنت خري الرازقني)14
تفسري القرطيب:
قوله تعاىل :قال عيسى ابن مرَي اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا ألولنا وآخران وآية منك
الرازقني خري وأنت وارزقنا
قوله تعاىل :قال عيسى ابن مرَي اللهم ربنا األصل عند سيبويه َي هللا ،وامليمان بدل من "َي " .ربنا نداء اثن ال
جييز سيبويه غريه وال جيوز أن يكون نعتا ; ألنه قد أشبه األصوات من أجل ما ْلقه .أنزل علينا مائدة املائدة اخلوان
الذي عليه الطعام ; قال قطرب :ال تكون املائدة مائدة حىت يكون عليها طعام ،فإن مل يكن قيل :خوان وهي
13عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ، -دار السالم للنشر و التوزيع ،تفسير سورة المائدة -اآلية -
اآلية 114
14أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ،تفسير القرآن العظيم ،الطبعة االولى ،دار ابن حزم،بيروت ،2000سورة المائدة
فاعلة من ماد عبده إذا أطعمه وأعطاه ; فاملائدة متيد ما عليها أي :تعطي ،ومنه قول رؤبة -أنشده األخفش:
هتدي رءوس املرتفني األنداد إىل أمري املؤمنني املمتاد أي املستعطى املسئول ; فاملائدة هي املطعمة واملعطية اآلكلني
الطعام ،ويسمى الطعام أيضا مائدة جتوزا ; ألنه يؤكل على املائدة ; كقوهلم للمطر مساء ،وقال أهل الكوفة :
مسيت مائدة ْلركتها مبا عليها ; من قوهلم :ماد الشيء إذا مال وحترك قال الشاعر:
مائل األيك من غصن هبا مييد محامة تغنت إن ابك لعلك
آخر: وقال
متيد الفضاء األرض يب فكادت بعده الكنان قتل وأقلقِن
وم نه قوله تعاىل :وألقى يف األرض رواسي أن متيد بكم ،وقال أبو عبيدة :مائدة فاعلة مبعىن مفعولة ،مثله عيشة
راضية مبعىن مرضية و ماء دافق الطارق :أي :مدفوق .قوله تعاىل :تكون لنا عيدا (تكون ) نعت ملائدة وليس
جبواب.
وقرأ األعمش "تكن " على اجلواب ; واملعىن :يكون يوم نزوهلا عيدا ألولنا أي :ألول أمتنا وآخرها ; فقيل :إن
املائدة نزلت عليهم يوم األحد غدوة وعشية ; فلذلك جعلوا األحد عيدا ،والعيد واحد األعياد ; وإمنا مجع ابلياء
وأصله الواو للزومها يف الواحد ; ويقال :للفرق بينه وبني أعواد اخلشب وقد عيدوا أي :شهدوا العيد ; قاله
اجلوهري ،وقيل :أصله من عاد يعود أي :رجع فهو عود ابلواو ،فقلبت َيء النكسار ما قبلها مثل امليزان
وامليقات وامليعاد فقيل ليوم الفطر واألضحى :عيدا ألهنما يعودان كل سنة .وقال اخلليل :العيد كل يوم جيمع
كأهنم عادوا إليه ،وقال ابن األنباري :مسي عيدا للعود يف املرح والفرح ; فهو يوم سرور اخللق كلهم ; أال ترى أن
املسجونني يف ذلك اليوم ال يطالبون وال يعاقبون ; وال يصاد الوحش وال الطيور ; وال تنفذ الصبيان إىل املكاتب ،
وقيل :مسي عيدا ألن كل إنسان يعود إىل قدر منزلته ; أال ترى إىل اختالف مالبسهم وهيئاهتم ومآكلهم فمنهم
من يضيف ومنهم من يضاف ،ومنهم من يرحم ومنهم من يرحم ،وقيل :مسي بذلك ألنه يوم شريف تشبيها
ابلعيد :وهو فحل كرَي مشهور عند العرب وينسبون إليه ،فيقال :إبل عيدية ; قال (رذاذ الكليب) :
الداننري فيها أرهنت عيدية انجية البلدان هبا جتوب ظلت
وقد تقدم ،وقرأ زيد بن اثبت "ألوالان وأخراان " على اجلمع .قال ابن عباس :أيكل منها آخر الناس كما أيكل
منها أوهلم .وآية منك يعِن داللة وحجة وارزقنا أي :أعطنا .وأنت خري الرازقني أي :خري من أعطى ورزق ;
ألنك الغِن اْلميد.15
15أبي عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ،الجامع ألحكام القرآن ،الجزء السابع ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة االولى ،2006سورة المائدة -
اَّلل إِِِن من ِزُُلا علَي ُكم ۖ فَمن ي ْك ُفر ب ع ُد ِمن ُكم فَِإِِن أُع ِذبه ع َذاِب هَّل أُع ِذبه أ ِ
َح ادا م َن ال َْعال َِم َ
ني)(115 َ ُُ َ ا َ ُُ َ ْ ال هُ ُ َ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ ْ قَ َ
تفسري السعدي:
ني } ألنه شاهد اآلية ِ ِ اَّلل إِِن من ِزُهلا علَي ُكم فَمن ي ْك ُفر ب ع ُد ِمْن ُكم فَإِِن أُع ِذبه ع َذااب َال أ ِ
ُعذبُهُ أَ َح ًدا م َن الْ َعالَم َ
َ ُُ َ ً َ ْ ال هُ ُ َ َ َ ْ ْ َ ْ َ ْ َ ْ قَ َ
الباهرة وكفر عنادا وظلما ،فاستحق العذاب األليم والعقاب الشديد .واعلم أن هللا تعاىل وعد أنه سينزهلا ،وتوعدهم
-إن كفروا -هبذا الوعيد ،ومل يذكر أنه أنزهلا ،فيحتمل أنه مل ينزهلا بسبب أهنم مل خيتاروا ذلك ،ويدل على ذلك ،أنه
مل يذكر يف اإلجنيل الذي أبيدي النصارى ،وال له وجود .وحيتمل أهنا نزلت كما وعد هللا ،وهللا ال خيلف امليعاد،
ويكون عدم ذكرها يف ا ألانجيل الِت أبيديهم من اْلظ الذي ذكروا به فنسوه .أو أنه مل يذكر يف اإلجنيل أصال ،وإمنا
ذلك كان متواراث بينهم ،ينقله اخللف عن السلف ،فاكتفى هللا بذلك عن ذكره يف اإلجنيل ،ويدل على هذا املعىن
ين } وهللا أعلم حبقيقة اْلال.16 ِِ ِ
قوله{ َ :ونَ ُكو َن َعلَْي َها م َن الشهاهد َ
تفسري ابن كثري
أي :فمن كذب هبا من أمتك َي عيسى وعاندها (فإن أعذبه عذااب ال أعذبه أحدا من العاملني ) أي :من عاملي
زمانكم ،كقوله ( :ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [ ) غافر ، ] 46 :وكقوله ( :إن املنافقني
] .145 : النساء [) النار من األسفل الدرك يف
وقد روى ابن جرير ،من طريق عوف األعرايب ،عن أيب املغرية القواس ،عن عبد هللا بن عمرو قال :إن أشد
الناس عذااب يوم القيامة ثالثة :املنافقون ،ومن كفر من أصحاب املائدة ،وآل فرعون.
اْلواريني: على املائدة نزول يف السلف عن رويت أخبار ذكر
قال أبو جعفر بن جرير ،حدثنا القاسم ،حدثنا اْلسني ،حدثِن حجاج ،عن ليث ،عن عقيل عن ابن عباس
:أنه كان حيدث عن عيسى ابن مرَي أنه قال لبِن إسرائيل :هل لكم أن تصوموا هلل ثالثني يوما ،مث تسألوه
فيعطيكم ما سألتم؟ فإن أجر العامل على من عمل له .ففعلوا ،مث قالوا َ :ي معلم اخلري ،قلت لنا :إن أجر
العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثالثني يوما ،ففعلنا ،ومل نكن نعمل ألحد ثالثني يوما إال أطعمنا حني
نفرغ طعاما ،فهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال عيسى ( :اتقوا هللا إن كنتم مؤمنني .قالوا
نريد أن َنكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين .قال عيسى ابن مرَي اللهم
16عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ، -دار السالم للنشر و التوزيع ،تفسير سورة المائدة -اآلية -
اآلية 115
ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا ألولنا وآخران وآية منك وارزقنا وأنت خري الرازقني .قال هللا إن
منزهلا عليكم فمن يكفر بعد منكم فإن أعذبه عذااب ال أعذبه أحدا من العاملني ) قال :فأقبلت املالئكة تطري
مبائدة من السماء ،عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة ،حىت وضعتها بني أيديهم ،فأكل منها آخر الناس كما
أكل منها أوهلم
كذا رواه ابن جرير ورواه ابن أيب حامت ،عن يونس بن عبد األعلى ،عن ابن وهب ،عن الليث ،عن عقيل ،
َنوه. فذكر ، حيدث عباس ابن كان : قال ، شهاب ابن عن
وقال ابن أيب حامت أيضا :حدثنا سعد بن عبد هللا بن عبد اْلكم ،حدثنا أبو زرعة وهب هللا بن راشد ،حدثنا
عقيل بن خالد ،أن ابن شهاب أخربه عن ابن عباس ; أن عيسى ابن مرَي قالوا له :ادع هللا أن ينزل علينا مائدة
من السماء ،قال :فنزلت املالئكة مبائدة حيملوهنا ،عليها سبعة أحوات ،وسبعة أرغفة ،فأكل منها آخر الناس
كما أكل منها أوهلم
وقال ابن أيب حامت :حدثنا أيب ،حدثنا اْلسن بن قزعة الباهلي ،حدثنا سفيان بن حبيب ،حدثنا سعيد بن أيب
عروبة ،عن قتادة ،عن خالس ،عن عمار بن َيسر ،عن النيب -صلى هللا عليه وسلم -قال " :نزلت املائدة
من السماء ،عليها خبز وْلم ،وأمروا أن ال خيونوا وال يرفعوا لغد ،فخانوا وادخروا ورفعوا ،فمسخوا قردة وخنازير
"
وكذا رواه ابن جرير ،عن اْلسن بن قزعة مث رواه ابن جرير ،عن ابن بشار ،عن ابن أيب عدي ،عن سعيد ،عن
قتادة ،عن خالس ،عن عمار ،قال :نزلت املائدة وعليها مثر من مثار اجلنة ،فأمروا أال خيونوا وال خيبئوا وال
يدخروا .قال :فخان القوم وخبئوا وادخروا ،فمسخهم هللا قردة وخنازير.
وقال ابن جرير :حدثنا ابن املثىن ،حدثنا عبد األعلى ،حدثنا داود ،عن مساك بن حرب ،عن رجل من بِن
عجل ،قال :صليت إىل جنب عمار بن َيسر ،فلما فرغ قال :هل تدري كيف كان شأن مائدة بِن إسرائيل؟
قال :قلت :ال قال :إهنم سألوا عيسى ابن مرَي مائدة يكون عليها طعام أيكلون منه ال ينفد ،قال :فقيل هلم
:فإهنا مقيمة لكم ما مل َتبؤوا ،أو َتونوا ،أو ترفعوا ،فإن فعلتم فإن معذبكم عذااب ال أعذبه أحدا من العاملني ،
قال :فما مضى يومهم حىت خبؤوا ورفعوا وخانوا ،فعذبوا عذااب مل يعذبه أحد من العاملني .وإنكم -معشر العرب
-كنتم تتبعون أذانب اإلبل والشاء ،فبعث هللا فيكم رسوال من أنفسكم ،تعرفون حسبه ونسبه ،وأخربكم أنكم
ستظهرون على العجم ،وهناكم أن تكتنزوا الذهب والفضة .وأَي هللا ،ال يذهب الليل والنهار حىت تكنزومها
أليما. عذااب هللا ويعذبكم
وقال :حدثنا القاسم ،حدثنا حسني ،حدثِن حجاج ،عن أيب معشر ،عن إسحاق بن عبد هللا ،أن املائدة
نزلت على عيسى ابن مرَي ،عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات ،أيكلون منها ما شاؤوا .قال :فسرق بعضهم
فرفعت. ". غدا تنزل ال لعلها ": وقال منها
وقال العويف ،عن ابن عباس :نزلت على عيسى ابن مرَي واْلواريني ،خوان عليه خبز ومسك ،أيكلون منه أينما
نزلوا إذا شاؤوا .وقال خصيف ،عن عكرمة ومقسم ،عن ابن عباس :كانت املائدة مسكة وأرغفة .وقال جماهد
:هو طعام كان ينزل عليهم حيث نزلوا .وقال أبو عب د الرمحن السلمي :نزلت املائدة خبزا ومسكا .وقال عطية
شيء. كل طعم فيه مسك املائدة : العويف
وقال وهب بن منبه :أنزهلا من السماء على بِن إسرائيل ،فكان ينزل عليهم يف كل يوم يف تلك املائدة من مثار
اجلنة ،فأكلوا ما شاؤوا من ضروب شىت ،فكان يقعد عليها أربعة آالف ،فإذا أكلوا أبدل هللا مكان ذلك ملثلهم
وجل. عز هللا شاء ما ذلك على فلبثوا .
وقال وهب بن منبه :نزل عليهم قرصة من شعري وأحوات ،وحشا هللا بني أضعافهن الربكة ،فكان قوم أيكلون مث
خيرجون ،مث جييء آخرون فيأكلون مث خيرجون ،حىت أكل مجيعهم وأفضلوا.
وقال ا ألعمش ،عن مسلم ،عن سعيد بن جبري :أنزل عليها كل شيء إال اللحم.
وقال سفيان الثوري ،عن عطاء بن السائب ،عن زاذان وميسرة وجرير ،عن عطاء ،عن ميسرة قال :كانت
املائدة إذا وضعت لبِن إسرائيل اختلفت عليهم األيدي بكل طعام إال اللحم.
حامت. أيب ابن رواه . األرز من املائدة خبز كان : عكرمة وعن
وقال ابن أيب حامت :أخربان جعفر بن علي فيما كتب إيل ،حدثنا إمساعيل بن أيب أويس ،حدثِن أبو عبد هللا عبد
القدوس بن إبراهيم بن عبيد هللا بن مرداس العبدري -موىل بِن عبد الدار -عن إبراهيم بن عمر ،عن وهب بن
منبه ،عن أيب عثمان النهدي ،عن سلمان اخلري ; أنه قال :ملا سأل اْلواريون عيسى ابن مرَي املائدة ،كره ذلك
جدا وقال :اقنعوا مبا رزقكم هللا يف األرض ،وال تسألوا املائدة من السماء ،فإهنا إن نزلت عليكم كانت آية من
ربكم ،وإمنا هلكت مثود حني سألوا نبيهم آية ،فابتلوا هبا حىت كان بوارهم فيها .فأبوا إال أن أيتيهم هبا ،فلذلك
اآلية. قلوبنا ) وتطمئن منها َنكل أن نريد (: قالوا
فلما رأى عيسى أن قد أبوا إال أن يدعو هلم هبا ،قام فألقى عنه الصوف ،ولبس الشعر األسود ،وجبة من شعر
،وعباءة من شعر ،مث توضأ واغتسل ،ودخل مصاله فصلى ما شاء هللا ،فلما قضى صالته قام قائما مستقبل
القبلة وصف قدميه حىت استوَي ،فألصق الكعب ابلكعب وحاذى األصابع ،ووضع يده اليمىن على اليسرى فوق
صدره ،وغض بصره ،وطأطأ رأسه خشوعا ،مث أرسل عينيه ابلبكاء ،فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر
من أطراف ْليته حىت ابتلت األرض حيال وجهه من خشوعه ،فلما رأى ذلك دعا هللا فقال ( :اللهم ربنا أنزل
علينا مائدة من السماء ) فأنزل هللا عليهم سفرة محراء بني غمامتني :غمامة فوقها وغمامة حتتها ،وهم ينظرون
إليها يف اهلواء منقضة من فلك السماء هتوي إليهم وعيسى يبكي خوفا للشروط الِت اَتذها هللا عليهم -فيها :أنه
يعذب من يكف ر هبا منهم بعد نزوهلا عذااب مل يعذبه أحدا من العاملني -وهو يدعو هللا من مكانه ويقول :اللهم
اجعلها رمحة ،إهلي ال جتعلها عذااب ،إهلي كم من عجيبة سألتك فأعطيتِن ،إهلي اجعلنا لك شكارين ،إهلي أعوذ
بك أن تكون أنزلتها غضبا وجزاء ،إهلي اجعلها سالمة وعافية ،وال جتعلها فتنة ومثلة.
فما زال يدعو حىت استقرت السفرة بني يدي عيسى واْلواريني وأصحابه حوله ،جيدون رائحة طيبة مل جيدوا فيما
مضى رائحة مثلها قط ،وخر عيسى واْلواريون هلل سجدا شكرا مبا رزقهم من حيث مل حيتسبوا وأراهم فيه آية
عظيمة ذات عجب وعربة ،وأقبلت الي هود ينظرون فرأوا أمرا عجيبا أورثهم كمدا وغما ،مث انصرفوا بغيظ شديد
وأقبل عيسى .واْلواريون وأصحابه حىت جلسوا حول السفرة ،فإذا عليها منديل مغطي .قال عيسى :من أجرؤان
على كشف املنديل عن هذه السفرة ،وأوثقنا بنفسه ،وأحسننا بالء عند ربه؟ فليكشف عن هذه اآلية حىت نراها
،وَنمد ربنا ،ونذكر ابمسه ،وَنكل من رزقه الذي رزقنا .فقال اْلواريون َ :ي روح هللا وكلمته ،أنت أوالان بذلك
،وأحقنا ابلكشف عنها .فقام عيسى - ،عليه السالم ، -واستأنف وضوءا جديدا ،مث دخل مصاله فصلى
كذلك ركعات ،مث بكى بكاء طويال ودعا هللا أن أيذن له يف الكشف عنها ،وجيعل له ولقومه فيها بركة ورزقا .
مث انصرف فجلس إىل السفرة وتناول املنديل ،وقال " :ابسم هللا خري الرازقني " ،وكشف عن السفرة ،فإذا هو
عليها مسكة ضخمة مشوية ،ليس عليها بواسري ،وليس يف جوفها شوك ،يسيل السمن منها سيال قد نضد حوهلا
بقول من كل صنف غري الكراث ،وعند رأسها خل ،وعند ذنبها ملح ،وحول البقول مخسة أرغفة ،على واحد
رماانت. مخس اآلخر وعلى ، مثرات اآلخر وعلى ، زيتون منها
فقال مشعون رأس اْلواريني لعيسى َ :ي روح هللا وكلمته ،أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام اجلنة؟ فقال :أما آن
لكم أن تعتربوا مبا ترون من اآلَيت ،وتنتهوا عن تنقري املسائل؟ ما أخوفِن عليكم أن تعاقبوا يف سبب نزول هذه
اآلية! فقال مشعون :وإله إسرائيل ما أردت هبا سؤاال َي ابن الصديقة .فقال عيسى - ،عليه السالم : -ليس
شيء مما ترون من طعام اجلنة وال من طعام الدنيا ،إمنا هو شيء ابتدعه هللا يف اهلواء ابلقدرة العالية القاهرة ،فقال
له :كن .فكان أسرع من طرفة عني ،فكلوا مما سألتم ابسم هللا وامحدوا عليه ربكم ميدكم منه ويزدكم ،فإنه بديع
شاكر. قادر
فقالوا َ :ي روح هللا وكلمته ،إان َنب أن ترينا آية يف هذه اآلية .فقال عيسى :سبحان هللا! أما اكتفيتم مبا رأيتم
يف هذه اآلية حىت تسألوا فيها آية أخرى؟ مث أقبل عيسى - ،عليه السالم ، -على السمكة ،فقال َ :ي مسكة ،
عودي إبذن هللا حية كما كنت .فأحياها هللا بقدرته ،فاضطربت وعادت إبذن هللا حية طرية ،تلمظ كما يتلمظ
األسد ،تدور عيناها هلا بصيص ،وعادت عليها بواسريها .ففزع القوم منها واَنازوا .فلما رأى عيسى ذلك منهم
قال :ما لكم تسألون اآلية ،فإذا أراكموها ربكم كرهتموها؟ ما أخوفِن عليكم أن تعاقبوا مبا تصنعون! َي مسكة ،
عودي إبذن هللا كما كنت .فعادت إبذن هللا مشوية كما كانت يف خلقها األول.
فقالوا لعيسى :كن أنت َي روح هللا الذي تبدأ ابألكل منها ،مث َنن بعد فقال عيسى :معاذ هللا من ذلك! يبدأ
ابألكل من طلبها .فلما رأى اْلواريون وأصحاهبم امتناع نبيهم منها ،خافوا أن يكون نزوهلا سخطة ويف أكلها
مثلة ،فتحاموها .فلما رأى ذلك عيسى دعا هلا الفقرا ء والزمىن ،وقال :كلوا من رزق ربكم ،ودعوة نبيكم ،
وامحدوا هللا الذي أنزهلا لكم ،فيكون مهنؤها لكم ،وعقوبتها على غريكم ،وافتتحوا أكلكم ابسم هللا ،واختموه
حبمد هللا ،ففعلوا ،فأكل منها ألف وثالمثائة إنسان بني رجل وامرأة ،يصدرون عنها كل واحد منهم شبعان يتجشأ
،ونظر عيسى واْلواريون فإذا ما عليها كهيئته إذ أنزلت من السماء ،مل ينتقص منها شيء ،مث إهنا رفعت إىل
السماء وهم ينظرون فاستغىن كل فقري أكل منها ،وبرئ كل زمن أكل منها ،فلم يزالوا أغنياء صحاحا حىت خرجوا
الدنيا. من
وندم اْلواريون وأصحاهبم الذين أبوا أن أيكلوا منها ندامة ،سالت منها أشفارهم ،وبقيت حسرهتا يف قلوهبم إىل
يوم املمات ،قال :فكانت املائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبلت بنو إسرائيل إليها من كل مكان يسعون يزاحم بعضهم
بعضا :األغنياء والفقراء ،والصغار والكبار ،واألصحاء واملرضى ،يركب بعضهم بعضا .فلما رأى ذلك جعلها
نوائب ،تنزل يوما وال تنزل يوما .فلبثوا يف ذلك أربعني يوما ،تنزل عليهم غبا عند ارتفاع الضحى فال تزال موضوعة
يؤكل منها ،حىت إذا قاموا ارتفعت عنهم .إبذن هللا إىل جو السماء ،وهم ينظرون إىل ظلها يف األرض حىت توارى
عنهم.
قال :فأوحى هللا إىل نبيه عيسى - ،عليه السالم ، -أن اجعل رزقي املائدة ،لليتامى والفقراء والزمىن دون األغنياء
من الناس ،فلما فعل ذلك ارَتب هبا األغنياء من الناس ،وغمطوا ذلك ،حىت شكوا فيها يف أنفسهم وشككوا
فيها الناس ،وأذاعوا يف أمرها القبيح واملنكر ،وأدرك الشيطان منهم حاجته ،وقذف وسواسه يف قلوب املرَتبني
حىت قالوا لعيسى :أخربان عن املائدة ،ونزوهلا من السماء أحق ،فإنه قد ارَتب هبا بشر منا كثري؟ فقال عيسى ،
-عليه السالم : -هلكتم وإله املسيح! طلبتم املائدة إىل نبيكم أن يطلبها لكم إىل ربكم ،فلما أن فعل وأنزهلا
عليكم رمحة ورزقا ،وأراكم فيها اآلَيت والعرب كذبتم هبا ،وشككتم فيها ،فأبشروا ابلعذاب ،فإنه انزل بكم إال
هللا. يرمحكم أن
وأوحى هللا إىل عيسى :إن آخذ املكذبني بشرطي ،فإن معذب منهم من كفر ابملائدة بعد نزوهلا عذااب ال أعذبه
أحدا من العاملني .قال فلما أمسى املرَتبون هبا وأخذوا مضاجعهم يف أحسن صورة مع نسائهم آمنني ،فلما كان
الكناسات. يف األقذار يتبعون فأصبحوا ، خنازير هللا مسخهم الليل آخر يف
هذا أث ر غريب جدا .قطعه ابن أيب حامت يف مواضع من هذه القصة ،وقد مجعته أان له ليكون سياقه أمت وأكمل ،
أعلم. وتعاىل سبحانه وهللا
وكل هذه اآلاثر دالة على أن املائدة نزلت على بِن إسرائيل ،أَيم عيسى ابن مرَي ،إجابة من هللا لدعوته ،وكما
دل على ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيم ( :قال هللا إن منزهلا عليكم ) اآلية.
وقد قال قائلون :إهنا مل تنزل .فروى ليث بن أيب سليم ،عن جماهد يف قوله ( :أنزل علينا مائدة من السماء
شيء. ينزل ومل ، ضرب مثل هو : )قال
رواه ابن أيب حامت وابن جرير .مث قال ابن جرير :حدثِن اْلارث ،حدثنا القاسم -هو ابن سالم -حدثنا حجاج
،عن ابن جريج ،عن جماهد قال :مائدة عليها طعام ،أبوها حني عرض عليهم العذاب إن كفروا ،فأبوا أن تنزل
عليهم.
وقال أيضا :حدثنا ابن املثىن ،حدثنا حممد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،عن منصور بن زاذان ،عن اْلسن ; أنه
تنزل. مل : املائدة يف قال
وحدثنا بشر ،حدثنا يزيد ،حدثنا سعيد ،عن قتادة قال :كان اْلسن يقول :ملا قيل هلم ( :فمن يكفر بعد
منكم فإن أعذبه عذااب ال أعذبه أحدا من العاملني ) قالوا :ال حاجة لنا فيها ،فلم تنزل.
وهذه أسانيد صحيحة إىل جماهد واْلسن ،وقد يتقوى ذلك أبن خرب املائدة ال تعرفه النصارى وليس هو يف كتاهبم
،ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما يتوفر الدواعي على نقله ،وكان يكون موجودا يف كتاهبم متواترا ،وال أقل من
اآلحاد ،وهللا أعلم .ولكن الذي عليه اجلمهور أهنا نزلت ،وهو الذي اختاره ابن جرير ،قال :ألنه تعاىل أخرب
بنزوهلا بقوله تعاىل ( :إن منزهلا عليكم فمن يكفر بعد منكم فإن أعذبه عذااب ال أعذبه أحدا من العاملني ) قال :
وصدق. حق ووعيده هللا ووعد
وهذا القول هو -وهللا أعلم -الصواب ،كما دلت عليه األخبار واآلاثر عن السلف وغريهم .وقد ذكر أهل
التاريخ أن موسى بن نصري انئب بِن أمية يف فتوح بالد املغرب ،وجد املائدة هنالك مرصعة ابلآللئ وأنواع اجلواهر
،فبعث هبا إىل أمري املؤمنني الوليد بن عبد امللك ،ابن جامع دمشق ،فمات وهي يف الطريق ،فحملت إىل أخيه
سليمان بن عبد امللك اخلليفة بعده ،فرآها الناس وتعجبوا منها كثريا ملا فيها من اليواقيت النفيسة واجلواهر اليتيمة
.ويقال إن هذه املائدة كانت لسليمان بن داود ،عليهما السالم ،فاهلل أعلم.
وقد قال اإلمام أمحد :حدثنا عبد الرمحن ،حدثنا سفيان ،عن سلمة بن كهيل ،عن عمران بن اْلكم ،عن ابن
عباس قال :قالت قريش للنيب -صلى هللا عليه وسلم : -ادع لنا ربك أن جيعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك قال
" :وتفعلون؟ " قالوا :نعم .قال :فدعا ،فأَته جربيل فقال :إن ربك يقرأ عليك السالم ،ويقول لك :إن
شئت أصبح هلم الصفا ذهبا ،فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذااب ال أعذبه أحدا من العاملني ،وإن شئت
والرمحة" . التوبة ابب بل ": قال . والرمحة التوبة ابب هلم فتحت
مث رواه أمحد وابن مردويه واْلاكم يف مستدركه ،من حديث سفيان الثوري ،به.17
تفسري القرطيب:
قوله تعاىل :قال هللا إن منزهلا عليكم فمن يكفر بعد منكم فإن أعذبه عذااب ال أعذبه أحدا من العاملني
قوله تعاىل قال هللا إن منزهلا عليكم هذا وعد من هللا تعاىل أجاب به سؤال عيسى كما كان سؤال عيسى إجابة
للحواريني ،وهذا يوجب أنه قد أنزهلا ووعده اْلق ،فجحد القوم وكفروا بعد نزوهلا فمسخوا قردة وخنازير .قال
ابن عمر :إن أشد الناس عذااب يوم القيامة املنافقون ومن كفر من أصحاب املائدة وآل فرعون ; قال هللا تعاىل :
فمن يكفر بعد منكم فإن أعذبه عذااب ال أعذبه أحدا من العاملني واختلف العلماء يف املائدة هل نزلت أم ال ؟
فالذي عليه اجلمهور -وهو اْلق -نزوهلا لقوله تعاىل :إن منزهلا عليكم ،وقال جماهد :ما نزلت وإمنا هو ضرب
مثل ضربه هللا تعاىل خللقه فنهاهم عن مسألة اآلَيت ألنبيائه .وقيل :وعدهم ابإلجابة فلما قال هلم :فمن يكفر
بعد منكم -اآلية -استعفوا منها ،واستغفروا هللا وقالوا :ال نريد هذا ; قاله اْلسن ،وهذا القول والذي قبله
خطأ ،والصواب أهنا نزلت .قال ابن عباس :إن عيسى ابن مرَي قال لبِن إسرائيل ( :صوموا ثالثني يوما مث سلوا
هللا ما شئتم يعطكم ) فصاموا ثالثني يوما وقالوا َ :ي عيسى لو عملنا ألحد فقضينا عملنا ألطعمنا ،وإان صمنا
وجعنا فادع هللا أن ينزل علينا مائدة من السماء ،فأقبلت املالئكة مبائدة حيملوهنا ،عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات
،فوضعوها بني أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل أوهلم ،وذكر أبو عبد هللا حممد بن علي الرتمذي اْلكيم
يف "نوادر األصول " له :حدثنا عمر بن أيب عمر قال حدثنا عمار بن هارون الثقفي عن زكرَيء بن حكيم اْلنظلي
17أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ،تفسير القرآن العظيم ،الطبعة االولى ،دار ابن حزم بيروت ،2000سورة المائدة
عن علي بن زيد بن جدعان عن أيب عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال :ملا سألت اْلواريون عيسى ابن
مرَي -صلوات هللا وسالمه عليه -املائدة قام فوضع ثياب الصوف ،ولبس ثياب املسوح -وهو سرابل من مسوح
أسود وْلاف أسود -فقام فألزق القدم ابلقدم وألصق العقب ابلعقب ،واإلهبام ابإلهبام ،ووضع يده اليمىن على
يده اليسرى ،مث طأطأ رأسه ،خاشعا هلل ; مث أرسل عينيه يبكي حىت جرى الدمع على ْليته ،وجعل يقطر على
صدره مث قال :اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا ألولنا وآخران وآية منك وارزقنا وأنت خري
الرازقني قال هللا إن منزهلا عليكم اآلية فنزلت سفرة محراء مدورة بني غمامتني غمامة من فوقها وغمامة من حتتها ،
والناس ينظرون إليها ; فقال عيسى ( :اللهم اجعلها رمحة وال جتعلها فتنة إهلي أسألك من العجائب فتعطي
) فهبطت بني يدي عيسى عليه السالم وعليها منديل مغطى ،فخر عيسى ساجدا واْلواريون معه ،وهم جيدون
هلا رائحة طيبة مل يكونوا جيدون مثلها قبل ذلك ،فقال عيسى ( :أيكم أعبد هلل وأجرأ على هللا وأوثق ابهلل فليكشف
عن هذه السفرة حىت َنكل منها ونذكر اسم هللا عليها وَنمد هللا عليها ) فقال اْلواريون َ :ي روح هللا أنت أحق
بذلك فقام عيسى -صلوات هللا عليه -فتوضأ وضوءا حسنا وصلى صالة جديدة ،ودعا دعاء كثريا ،مث جلس
إىل السفرة ،فكشف عنها ; فإذا عليها مسكة مشوية ليس فيها شوك تسيل سيالن الدسم ،وقد نضد حوهلا من
كل البقول ما عدا الكراث ; وعند رأسها ملح وخل ،وعند ذنبها مخسة أرغفة على واحد منها مخسة رماانت ،
وعلى اآلخر مترات ،وعلى اآلخر زيتون .قال الثعليب :على واحد منها زيتون ،وعلى الثان عسل ،وعلى الثالث
بيض ،وعلى الرابع جنب ،وعلى اخلامس قديد .فبلغ ذلك اليهود فجاءوا غما وكمدا ينظرون إليه فرأوا عجبا ;
فقال مشعون -وهو رأس اْلواريني َ : -ي روح هللا أمن طعام الدنيا أم من طعام اجلنة ؟ فقال عيسى صلوات هللا
عليه ( :أما افرتقتم بعد عن هذه املسائل ما أخوفِن أن تعذبوا ) .فقال مشعون :وإله بِن إسرائيل ما أردت بذلك
سوءا .فقالوا َ :ي روح هللا لو كان مع هذه اآلية آية أخرى ; قال عيسى عليه السالم " َ :ي مسكة احيي إبذن هللا
"فاضطربت السمكة طرية تبص عيناها ،ففزع اْلواريون فقال عيسى ( :ما يل أراكم تسألون عن الشيء فإذا
أعطيتموه كرهتموه ما أخوفِن أن تعذبوا ) وقال ( :لقد نزلت من السماء وما عليها طعام من الدنيا وال من طعام
اجلنة ولكنه شيء ابتدعه هللا ابلقدرة البالغة فقال هلا :كون فكانت ; ) فقال عيسى ( َ :ي مسكة عودي كما كنت
) فعادت مشوية كما كانت ; فقال اْلواريون َ :ي روح هللا كن أول من أيكل منها ،فقال عيسى ( :معاذ هللا إمنا
أيكل منها من طلبها وسأهلا ) فأىب اْلواريون أن أيكلوا منها خشية أن تكون مثلة وفتنة ; فلما رأى عيسى ذلك
دعا عليها الفقراء واملساكني واملرضى والزمىن واجملذمني واملقعدين والعميان وأهل املاء األصفر ،وقال ( :كلوا من
رزق ربكم ودعوة نبيكم وامحدوا هللا عليه ) وقال ( :يكون املهنأ لكم والعذاب على غريكم ) فأكلوا حىت صدروا
عن سبعة آالف وثالمثائة يتجشؤون فربئ كل سقيم أكل منه ،واستغىن كل فقري أكل منه حىت املمات ; فلما رأى
ذلك الناس ازدمحوا عليه فما بقي صغري وال كبري وال شيخ وال شاب وال غِن وال فقري إال جاءوا أيكلون منه ،
فضغط بعضهم بعضا فلما رأى ذلك عيسى جعلها نواب بينهم فكانت تنزل يوما وال تنزل يوما ،كناقة مثود ترعى
يوما وتشرب يوما ،فنزلت أربعني يوما تنزل ضحى فال تزال حىت يفيء الفيء موضعه ،وقال الثعليب :فال تزال
منصوبة يؤكل منها حىت إذا فاء الفيء طارت صعدا فيأكل منها الناس ،مث ترجع إىل السماء والناس ينظرون إىل
ظلها حىت تتوارى عنهم ،فلما مت أربعون يوما أوحى هللا تعاىل إىل عيسى عليه السالم (َي عيسى اجعل مائديت
هذه للفقراء دون األغنياء ) ،فتمارى األغنياء يف ذلك وعادوا الفقراء ،وشكوا وشككوا الناس ; فقال هللا َي
عيسى ( :إن آخذ بشرطي ) فأصبح منهم ثالثة وثالثون خنزيرا أيكلون العذرة يطلبوهنا ابألكباء ،واألكباء -
هي الكناسة واحدها كبا -بعدما كانوا أيكلون الطعام الطيب وينامون على الفرش اللينة ،فلما رأى الناس ذلك
اجتمعوا على عيسى يبكون ،وجاءت اخلنازير فجثوا على ركبهم قدام عيسى ،فجعلوا يبكون وتقطر دموعهم
فعرفهم عيسى فجعل يقول ( :ألست بفالن ) ؟ فيومئ برأسه وال يستطيع الكالم ،فلبثوا كذلك سبعة أَيم -
ومنهم من يقول :أربعة أَيم -مث دعا هللا عيسى أن يقبض أرواحهم ،فأصبحوا ال يدرى أين ذهبوا ؟ األرض
ابتلعتهم أو ما صنعوا؟! .
قلت :يف هذا اْلديث مقال وال يصح من قبل إسناده ،وعن ابن عباس وأيب عبد الرمحن السلمي كان طعام املائدة
خبزا ومسكا ،وقال ابن عطية :كانوا جيدون يف السمك طيب كل طعام ; وذكره الثعليب ،وقال عمار بن َيسر
وقتادة :كانت مائدة تنزل من السماء وعليها مثار من مثار اجلنة ،وقال وهب بن منبه :أنزله هللا تعاىل أقرصة من
شعري وحيتاان ،وخرج الرتمذي يف أبواب التفسري عن عمار بن َيسر قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :
أنزلت املائدة من السماء خبزا وْلما وأمروا أال خيونوا وال يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخوا قردة
وخنازير قال أبو عيسى :هذا حديث قد رواه أبو عاصم وغري واحد عن سعيد بن أيب عروبة عن قتادة عن خالس
عن عمار بن َيسر موقوفا وال نعرفه مرفوعا إال من حديث اْلسن بن قزعة ،حدثنا محيد بن مسعدة قال حدثنا
سفيان بن حبيب عن سعيد بن أيب عروبة َنوه ومل يرفعه ،وهذا أصح من حديث اْلسن بن قزعة وال نعلم للحديث
املرفوع أصال ،وقال سعيد بن جبري :أنزل على املائدة كل شيء إال اخلبز واللحم ،وقال عطاء :نزل عليها كل
شيء إال السمك واللحم ،وقال كعب :نزلت املائدة منكوسة من السماء تطري هبا املالئكة بني السماء واألرض
اللحم. إال طعام كل عليها
قلت :هذه الثالثة أقوال خمالفة ْلديث الرتمذي وهو أوىل منها ; ألنه إن مل يصح مرفوعا فصح موقوفا عن صحايب
كبري .وهللا أعلم ،واملقطوع به أهنا نزلت وكان عليها طعام يؤكل وهللا أعلم بتعيينه ،وذكر أبو نعيم عن كعب أهنا
نزلت اثنية لبعض عباد بِن إسرائيل ،قال كعب :اجتمع ثالثة نفر من عباد بِن إسرائيل فاجتمعوا يف أرض فالة مع
كل رجل منهم اسم من أمساء هللا تعاىل ; فقال أحدهم :سلون فأدعو هللا لكم مبا شئتم ; قالوا :نسألك أن تدعو
هللا أن يظهر لنا عينا ساحة هبذا املكان ; ورَيضا خضرا وعبقرَي ،قال :فدعا هللا فإذا عني ساحة ورَيض خضر
وعبقري .مث قال أحدهم :سلون فأدعو هللا لكم مبا شئتم ; فقالوا :نسألك أن تدعو هللا أن يطعمنا شيئا من مثار
اجلنة فدعا هللا فنزلت عليهم بسرة فأكلوا منها ال تقلب إال أكلوا منها لوان مث رفعت ; مث قال أحدهم :سلون
فأدعو هللا لكم مبا شئتم ; فقالوا :نسألك أن تدعو هللا أن ينزل علينا املائدة الِت أنزهلا على عيسى قال :فدعا
اخلرب. متام وذكر ; رفعت مث حاجتهم منها فقضوا فنزلت
مسألة :جاء يف حديث سلمان املذكور بيان املائدة وأهنا كانت سفرة ال مائدة ذات قوائم ،والسفرة مائدة النيب
صلى هللا عليه وسلم وموائد العرب ،خرج أبو عبد هللا الرتمذي اْلكيم :حدثنا حممد بن يسار ،قال حدثنا معاذ
بن هشام ،قال حدثِن أيب ،عن يونس ،عن قتادة ،عن أنس قال ما أكل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على
خوان قط وال يف سكرجة وال خبز له مرقق .قال :قلت ألنس :فعالم كانوا أيكلون ؟ قال :على السفر ; قال
اإلسكاف. الفرات أبو هو هذا يونس : بشار بن حممد
قلت :هذا حديث صحيح اثبت اتفق على رجاله البخاري ومسلم ،وخرجه الرتمذي قال :حدثنا حممد بن بشار
قا ل حدثنا معاذ بن هشام فذكره وقال فيه :حسن غريب .قال الرتمذي أبو عبد هللا :اخلوان هو شيء حمدث
فعلته األعاجم ،وما كانت العرب لتمتهنها ،وكانوا أيكلون على السفر واحدها سفرة وهي الِت تتخذ من اجللود
وهلا معاليق تنضم وتنفرج ،فباالنفراج مسيت سفرة ألهنا إذا حلت معاليقها انفرجت فأسفرت عما فيها فقيل هلا
السفرة وإمنا مسي السفر سفرا إلسفار الرجل بنفسه عن البيوت ،وقوله :وال يف سكرجة ; ألهنا أوعية األصباغ ،
وإمنا األصباغ لأللوان ومل تكن من مساهتم األلوان ،وإمنا كان طعامهم الثريد عليه مقطعات اللحم ،وكان يقول :
اهن سوا اللحم هنسا فإنه أشهى وأمرأ فإن قيل :فقد جاء ذكر املائدة يف األحاديث ; من ذلك حديث ابن عباس
قال :لو كان الضب حراما ما أكل على مائدة النيب صلى هللا عليه وسلم ; خرجه مسلم وغريه .وعن عائشة -
رضي هللا عنها -قالت :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :تصلي املالئكة على الرجل ما دامت مائدته موضوعة
خرجه الثقات ; وقيل :إن املائدة كل شيء ميد ويبسط مثل املنديل والثوب ،وكان من حقه أن تكون مادة الدال
مضعفة ،فجعلوا إحدى الدالني َيء فقيل :مائدة ،والفعل واقع به فكان ينبغي أن تكون ممدودة ; ولكن خرجت
يف اللغة خمرج فاعل كما قالوا :سر كامت وهو مكتوم ،وعيشة راضية وهي مرضية ،وكذلك خرج يف اللغة ما هو
فاعل على خمرج مفعول فقالوا :رجل مشئوم وإمنا هو شائم ،وحجاب مستور وإمنا هو ساتر ; قال فاخلوان هو
املرتفع عن األرض بقوائمه ،واملائدة ما مد وبسط والسفرة ما أسفر عما يف جوفه ،وذلك ألهنا مضمومة مبعاليقها
،وعن اْلسن قال :األكل على اخلوان فعل امللوك ،وعلى املنديل فعل العجم ،وعلى السفرة فعل العرب وهو
السنة ،وهللا أعلم.18
18أبي عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ،الجامع ألحكام القرآن ،الجزء السابع ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة االولى ،2006سورة المائدة -