Professional Documents
Culture Documents
تطلعات مستقبلية في تعليم العربية
تطلعات مستقبلية في تعليم العربية
تطلعات مستقبلية في تعليم العربية
الخاص الذي ينبع من خصوصية نسيجها اللغوي الذي يميزها عن (*)د .إسماعيل أحمد العمايرة
غيرها .وأحسب أن هذا المبدأ لم يراع في بعض جوانب التأليف أود في هذا المقام أن ألقي الضوء على أظهر التطلعات التي يتوخى
اللغوي الذي ُبنيت عليه الكتب المدرسّية .فلو كّنا نراعي ذلك لما أدت تحقيقها في مجال تعليم العربية مستقبال :
بنا الرغبة المّلحة في تفسير نصب الحال (الهدف الشكلي) إلى أن نجعل أّوًال :في مرحلة التعليم العام
من السؤال بـ "كيف" ميزانًا نبني عليه كّل مفهوم الحال " مضمونًا" كما .1العربّية لغة واسعة في ُبعديها الزماني والمكاني ،وقد تراكم في
لو كان النصب مشروطًا بمضمون " كيف". حاضرها :القديُم والحديث ،ولذا فقد بات لزامًا أن نحدد ما نريد من
انظر مثًال تحكّم " كيف" في درس الحال ،في كتاب قواعد اللغة تعّلمها ،في الصرف والنحو واألساليب .وهذا ما تسعى إليه لغات حّية
العربّية ،المقرر الحالي (ص 173وما بعدها) مع أن قواعد الحال ال يمتد عمق الثقافة اللغوّية فيها ،إلى ما يمتد إليه ُع مق الثقافة اللغوّية
شكلّيًا ال ينبغي أن تحول دون عّد جمل من نحو( :جلس الرجال العربّية .ومع ذلك فقد سعوا إلى تحديد ما يريدون في ضوء هدف
يستريحون ،أو وقفت أنتظر زيدًا ،أو قابلت المسؤول أعرض عليه واضح يرمي إلى إيجاز الطريق على المتعّلم في الوصول إلى الهدف
مشكلتي) جمًال ال تجيب عن " كيف" بالدرجة األولى ،وإ نما تجيب عن من اللغة ،وهو تحقيق التواصل بأقِل ما يمكن َتعلمه من قواعد النحو
" لماذا" ،ولكنه الخلط بين مقتضيات التفسير الشكلي والمضمون. والصرف والصوت واألساليب والمفردات ،دون حاجة إلى استعماالت
.4ال تستطيع اللغة أن تتوسع في أشكالها وقوالبها بما يجاري َتَو ّس ع مهجورة ،ال يبعث فيها الحياة أن ُيَتكّلف لها موضوع حّي .ويحضرني
مضامينها ،ولذا فقد أِلفنا في تاريخ كثير من اللغات أن تميل اللغة إلى هنا ما تكلفه مؤلفو كتاب (النحو والصرف للصف الثاني الثانوي األدبي
تحميل الشكل الواحد مجموعة من المضامين ،وأن تختصر كثيرًا من والشرعي ،المقرر الحالي([ )]1ص ِ )55-50لَيبّث الحياة في كلمتي
األشكال التي تسقط على درب التطّو ر الذي تمّر به اللغة في رحلة َك َر ب واخلولق ،حرصًا منهم على مبدأ الوفاء بحشد ما ورد في الكتب
ارتقائها .وهذا ما حدث في أبنية األفعال العربّية ،وفي ألوان من التراثية من أفعال دالة على الشروع ،فكان مثال َك َر ب عندهم هو:
الجموع ،والمصادر ،وبعض أبنية المشتقات ،وقد جرى ما يشبه ذلك َك َر َب فريُق كرة القدم الوطنُّي ُيتُّم استعداده للمشاركة في البطولة
في لغات أخرى أيضاً .فاأللمانية الدارجة اختصرت صيغ األزمنة الدولّية .ومثال اخلولق هو :اخلولق األمن الغذائي أن يشمل
القديمة فيها ،لُتَح ّم ل وظيفتها عددًا قليًال تبّقى في واقع االستعمال المجتمعات الفقيرة.
اليومي. .2نحتاج إلى وعٍي تَتمّثل فيه أهداف واضحة عملّية ،من وراء تعليم
وأما العربّية فمما زاد في قواعدها أن تقعيدها ابتداء كان يقوم على اللغة ،فالواقع الحالي َيُنّم عن أننا نركز على هدف الكتابة أكثَر من
أساس من التوسع في اختيار المستويات اللغوّية من شعرية ونثرية. تركيزنا على القراءة والتكّلم ،ومن أمثلة ذلك أن نضبط أواخر الكلمات
وللشعر خصوصياته التي كان ينبغي أن ُتْفَص َل عن المستويات العادية، عند انتهاء الُج مل ،ونقول بعدئٍذ للطفل :ال تحرك عند الوقف .وكثيرًا
التي تجمع بينه وبين النثر ،فصًال أوسع مما نصت عليه كتب الضرائر ما تحّو لت حصة التعبير إلى ممارسة كتابية صامتة ،دون أن تكون
الشعرية .ولكن عدم الفصل هذا ،جعل قواعد اللغة ُتْثَقل بكثرة القواعد فرصة للتحدث .وكثيرًا ما كانت حصة القراءة الجهرّية قاعة محكمة
من جهة ،وتتمّيع من جهة أخرى بما ال ُيعرف :أهو من خصوصيات يتجّبر فيها المّد رس بألوان من السلوك االنفعالي القاسي .وعلى العموم،
الشعر أم مما تجيزه اللغة في أوضاع االستعمال العادي .كما أن فإن الهدف المنطوق من اللغة يظل هدفًا تنقصه المهارات الجادة في
المعيارّية العربّية قامت على تأليف القواعد مما َتَنوعت فيه اللهجات، مجال القراءة الجهرّية ،والتعبير الجهري ،والمواقف المنطوقة
فتداخلت العموميات التي تجمعها ،بالخصوصيات التي يوقف إزاءها المتنوعة كالحوار ،والخطابة ،والمحاضرة .وهذا ما تعكسه مواقف
بحيرة :أهي من العموميات التي ينبغي أن ُيحرص عليها ،أم من الطلبة حتى في المراحل الجامعّية ،إذ هم يجرؤون على التعبير الكتابي
الخصوصيات التي يمكن االستغناء عنها؟ وقد ترتب على هذا ـ وفي أكثر من جرأتهم على التعبير المنطوق بالفصحى ،التي يفّر ون منها إلى
ظل غياب منهج واضح في الفرز اإلحصائي الذي يعطي األشياء قيمة التعبير باللهجات المحلّية.
تتناسب وشيوعها -أن جاءت كتبنا المدرسّية حافلة بما يلزم وبما ال .3من مقتضيات التفكير العملي لغويًا ،أّال يتحكم التفسير الشكلي للغة
يلزم ،وفي هذا ما يفسر وجود هذا "الكم" الهائل من القواعد وأوجه في مضمونها ،كما لو كانت قواعُد المضمون تتطابق دائمًا مع قواعد
التعدد التي َتْثُقل على الناشئة ،وبخاصة حين ُيفرض عليهم معرفة أبنية الشكل في اللغة ،أي لغة ،وبالتالي ُيبني على ذلك ،خطأ ،توهُم أن
أو قواعد نحويٍة ال يستطيعون توظيفها .وقد ترتب على هذا أن ُتحشد التفسير الشكلي ينبغي أن يكون خاضعًا للمنطق ذاته الذي يخضع له
لهم القواعد حشدًا عشوائيًاَ ،يْس تهدف الوفاء باستحضارها من الكتب تفسير المضمون؛ فالمضمون أقرب إلى درس المنطق الذي ال يختلف
الذي ُتمارس فيه ممارسة ال تحتاج معها إلى أي قدر من التعليم .وعلى التراثية إلى الكتب المدرسّية استحضارًا جعل الكتب المدرسّيةُ ،تقَّد م
هذا قد ُيَخ ّطأ من يقولُ :د َو لّي وُقَر ِو ّي ،وِم َهنّي ..وهكذا ،أي بأن تكون للناشئة مادة مكتظة بالقواعد ،وبخاصة في المراحل المتأخرة من
النسبة للجمع ،وذلك ألن القاعدة البصرّية العتيدة تقتضي بأن تكون الرحلة المدرسية ،بحجة أن مدارك التالميذ في الصفوف األخيرة قد
النسبة للمفرد ،مع أن القاعدة الكوفية تجيز النسبة إلى الجمع ،والعاّم ة اّتسعت بما يؤهلهم الستيعاب هذا الحشد من القواعد ،وبحجة أن الرحلة
حين تقول مثًال :مجلس األمن الُّد َو لّي ،ال تعني دولة بعينها ،وإ نما تعني المدرسّية قد آذنت باالنتهاء ،فال ُبد من إيـداع ما تبقى منها ،من قواعد
النسبة إلى مجموعة الدول ،وكذلك النسبة إلى الِم َهن فيقولون :مركز اللغة.
التدريب المِه ني ،أي الذي ُيَتدَر ب فيه على مجموعة من المهن، ولطالما أحس المدرسون بضيق الوقت المخصص للوفاء بحق تعليم
والمجلس الُقَر وي الذي تنتسب إليه مجموعة من القرى ،فلماذا ال ُيتخذ العربّية في مدارسنا .وهذا أمر خطير بحق ،فكأننا بضيق الوقت نتعمد
من ذلك توسعة على اللغة؟ فيكون الُّد ْو لّي داًال على النسبة إلى دولة أن نحشـر األشياء في عنق الزجاجة ،أو كأننا بتضييق الطريق وتكثيف
بعينها ،والُّد َو لي حين تكون النسبة إلى مجموعة من الدول. السير فيها ال نريد لحوادث المرور أن تكثر.
إن التواصل بين الفصحى والعامّية أمر مطلوب ومرغوب فيه ،وال ولو أن مستعرضًا َم ّح َص هذه القواعد لوجد إلى جانب سمة االكتظاظ
ينبغي أن ُيعادى ،وال نملك أن نفّر منه ،وهو ما حدث على َمّر فيها ،سمًة أخرى ،وهي سمة النقص ،فالكتب المدرسّية التي تعج
العصور ،وغاية ما ُيطمح فيه أن نراقب التدّر ج في رأب الُهّو ة كلما بأبواب النحو والصرف وبتفصيالت هذه األبواب التي ُخ دمت خدمة
اتسعت بينهما ،ليكون ذلك لصالح الفصحى ،وُر جحان كّفتها .وعلى هذا تراثية ،ما تزال فقيرة في مجال الدرس الصوتي ،حتى كاد نظام المقطع
كنُت استحسن من بعض الكتب المدرسّية أن تأتي بأمثلة على التصغير يكون مغيبًا منها .وقل مثل ذلك ،في تأثير بعض األصوات على بعض،
من واقع ما يجري على ألسنة العامة ،ما دام َيّتفق ونواميس الفصحى في نطق الكلمة والجملة ،وفي وضع الكلمة حين تنطق منفردة،
نحو :صويلح وسويلم وعبيد وسهيل (مذكرة في قواعد اللغة العربّية ووضعها في بيئتها من الجملة والنص.
للصف الثاني الثانوي األدبي والعلمي والتجاري ،المقرر السابق ص وقد تزداد الحاجة إلى مثل هذا في مستويات األطفال الصغار في
)109أمّا أن ُيؤتى بألفاظ من نحو ال ُيعهد تصغيره ،فيقال :كيف تطبق المراحـل الدراسّية األولى ،حين تكون أعضاء النطق لديهم في حاجة
عليه قاعدة التصغير ،فهذا يجعل اللغة صعبة ،ومراَس ها عنيدًا ،ويحيل إلى االرتقاء والنضج .بل إن بعضهم يظل يعاني لغويًا ونفسيًا
قواعدها إلى رياضة ذهنّية عسرة ،وال يخدم الفصحى .فقاعدة التصغير واجتماعيًا ،إلى مراحل متقدمة من العمر ،من بعض المشكالت النطقية
مثًال ينبغي أن تنطلق من الواقع العملي ،ال المتخيل ،الذي كان يتسلى به التي ُينتظر من الكتاب المقرر أن يساعدهم فيها ،كأن ُتَح ل مشكلة
الترف النحوي ،حين كان يقال :كيف تصغر أو تنسب إلى رجل ُسّم ي: تداخل األصوات عندهم ،أو تأثير بعضها في بعض ،فيأتي الكالم
كيف ،أو سمي :في ،أو :على…أو كيف تصغر :سفرجل ،أو إبراهيم. واضحًا بدًال من أن يظل مغمغما ُم ْلتّفًا غامضًا.
(لمزيد من التفصيل عـن التواصل بين العامّية والفصحى ،انظر كتابي: وألضرب مثًال آخر من النحو ،فعلى الرغم من وجود تفصيالت لكل
المستشرقون والمناهج اللغوية ،ص ،114الطبعة الثانية). من جملة الشرط وجملة الصلة ،وجملة الحال وغيرها ،إّال أننا ال نجد
.6نحتاج في تقديم المادة اللغوّية إلى منهجية واضحة تستسيغها درسًا واحدًا تجمعت فيه التراكيب الدالة على أنواع الزمن في العربّية.
الناشئة ،فال يكفي أن يقال :نبدأ باألسهل ثم نتدرج من ذلك إلى ويعود السبب في عدم إنصاف التعبير الزمنّي في العربّية إلى ذلك
األصعب ،فهذا ال ُيغني عن طرح بنائّي لألبواب ،كأن َيْع رف الناشئ الوفاء األعمى للمعيارّية التي ال ُيراد لها أن تخرج عن مقوالت من
شيئًا من الصرف ،كالمجرد والمزيد ،قبل أن يبدأ باستخدام المعجم، نحوُ":و لد النحو بأسنان ..ومن أراد أن يضع كتابًا في النحو بعد سيبويه
وإ ّال فسوف ُيضطر إلى ما اضطر إليه مؤلفو كتاب اللغة العربّية فليستح".
للصف السادس ،المقرر القديم ،إذ َر َّتبوا معجم المفردات الصعبة في وأحسب أن علم البالغة قد أصابه األذى أكثر مما أصاب أّي علم من
آخر الكتاب ،وفق الحرف األول فالثاني ..للكلمة ،دون النظر إلى علوم اللغة ،فإذا كان الصرف والنحو من ثوابت اللغة ،وكأن الثبوت
حروفها األصلية أو أساسها االشتقاقّي . على المعايير القديمة ال يؤذيهما كثيرًا ،فإن الثبوت على قواعد البالغة
وعلى ذلك ينبغي أن ُيبنى درس المبتدأ والخبر ،على أساس من معرفة القديمة قد أوجعها وأوهنها وَع ّقَد ها ،ألن البالغة -رغم بعض ثوابتها
الجملة االسمّية ،وأن ُيبنى درس النواسخ على أساس من معرفة المبتدأ النسبّية -تظل من المتغيرات التي تتغير بتغير الذوق العام.
والخبر ،وأن يبنى درس الفاعل على أساس من معرفة الجملة الفعلّية، .5ثمة تحسس بالغ ْن بديه إزاء العاميات ،وهو تحّس س مفرط ينبع من
وأن يبنى درس نائب الفاعل على أساس معرفٍة بالفاعل ،وأن يبنى نظرة استعالئية ،تحكم أحيانًا بأن االستعمال خطأ ،ألنه مستساغ متداول
درس الحال والتمييز والشـرط والتعجب ..على أساس من المعرفة في العامّية ،فكأنما يراد بذلك أن ُتعزل اللغة عن الوسط االجتماعي
أيدي الناشئة معجمًا مناسبًا ،يعينهم في فهم ألفاظ الحياة ،وما علموا بالجملة االسمية والجملة الفعلية ،وعلى ذلك أيضًا ينبغي أن ُينظر إلى
بذلك أن المسألة ليست في اختصار هذا المعجم الجليل ،أو سواه ،وال أن الكلمة تتألف من مقاطع ،والمقاطع من أصوات ،وهكذا ..فهذا
في تصغير طبعته وخّطه ،وإ نما في مدى مالءمته للغرض .إن مثل أساس ال بّد منه في معرفة األصول وأصول األصول ،والفروع وما
هذه األعمال ،تخديرّية ،ال ُتغني عن أن ُتؤّلف المعجمات بما يتناسب يتفرع عنها ،في النحو والصرف والصوت .فهذه النواميس اللغوّية
مع الحاجة الحقيقّية الواعية من وراء أن يقتني الصغير معجمًا يلبّي العامة ينبغي أن تراعى .وال يدخل في هذا األساس البنائي أن يؤتى
حاجة عملية لديه ،ال أن يكشف عن مفردات انسحب كثير منها من واقع بالمرفوعات جميعها ،ثم المنصوبات ثم المجرورات ،إذ األولى من ذلك
االستعمال ،منذ زمن بعيد. أن يأخذ المؤلف شيئًا من هذه وشيئًا من تلك ،وربما شيئًا رابعًا ال من
لقد أدركت عملّيًا قيمة العمل اإلحصائي في فرز القواعد اللغوّية إثر هذه وال تلك ،فالنحو أوسع من أن ُيحصر في هذه المصطلحات الثالثة:
تجربة عملّية على باب الشرط ،ثبت لي من خاللها أن عشرات من مرفوع ،ومنصوب ومجرور أو مجزوم ،أي هو أوسع من أن يحصر
القواعد التي نّص ت عليها كتب النحو ال لزوم لها ،وحسبنا أن نعلم مثًال في عامل ومعمول ،فثمة أشياء ال تعمل وال ُيعمل بها ،وثّم ة نظرات
أن من أدوات الشرط -التي ال يكاد يخلو من ذكرها كتاب نحوّي -ما أخرى تخرج عن نظّر ية العامل ،التي تفسر الشكل ،إذ قد ينظر إلى
لم نجد عليه شيئًا من الشواهد ،في عينة مستفيضة من النصوص النحو نظرة قائمة على المضمون ،أو المراوحة بين الشكل والمضمون،
المحتج بها لغويًا ،وأذكر من ذلك "أيان" التي يذكر لها النحاة شاهدًا فقد ُتبحث اللغة من باب األساليب كالنفي ،والشرط ،والزمن،
يتيمًا ،لم يرد في عينتي"،وإ ذ ما" التي يستشهد عليها النحاة بشاهدين ال واالستثناء ،والحال ،والتعجب ،واالستفهام ،والمدح والذم ،وما شاكل
ثالث لهما .كما أثبت لي الفرز اإلحصائي مثًال ،أّن الفعل الماضي أكثر ذلك .وهو أمر ممكن.
شيوعًا من المضارع المجزوم في جملة الشرط ،حتى إن نسبة شيوعه .7وثمة أساس آخر ،وهو الشيوع المبني على اإلحصاء ،فنحن ال
في بعض النصوص -ككتاب الرسالة لإلمام الشافعي ،المجلد األّو ل- نزال نرتجل في تخمين األلفاظ الشائعة ،التي نبني عليها نصوصنا
قد بلغت .%100 المدرسّية ،وحسبنا أن َنْذ كر تجربة قام بها أحد الباحثين األلمان ،إذ
.8ال يخفى أن الكتب المدرسّية -ومنها كتب تعليم العربّية -تحتاج حاول أن يقف على المشترك من األفعال الشائعة في العربية ،في كتب
إلى مزيد من التنويع في تمريناتها ،فالتنويع المدروس فيه تحريك تعليمّية ثالثة كبيرة ،جاء بعضها في مجلدات عدة ،فكان المشترك بينها
للذهن ،وُبْع د عن النمطية المملة ،كما أن فيه إثارة وتشويقًا .ولذا بات ال يتجاوز مئة وخمسين فعًال ،والبقية أفعال اختلفت فيها هذه الكتب
من لوازم الوفاء بهذا المطلب أن تقوم بعض الدراسات باّالطالع على (انظر :األفعال الشائعة في العربّية المعاصرة لهارتموت بوبتسين،
ما ُأّلف في مقررات الدول العربّية واألجنبّية ،بقصد حصر أنماط ترجمة إسماعيل عمايرة ،منشورات جامعة اإلمام محمد بن سعود
التمرينات والتدريبات اللغوّية فيها ،وبيان اإليجابيات أو السلبيات لكّل اإلسالمّية 1986م).
نمط فيها .وسيكون هذا الجهد جزءًا من البنية التحتّية التي نعتمد عليها ولو كّنا نملك دراسات إحصائية لكان في وسعنا أن نقدم المادة اللغوّية
عند الشروع في تأليف مقرراتنا ،أو تطويرها ،فنتخير منها ما نحاكيه، في صورة معجمات صغيرة تتناسب وأعمار الناشئة ،وثقافاتهم ،ولكان
أو نصوغ على منواله ،أو ُنَعّد له .وبالتالي نكون قد أغنينا تجربتنا في في وسعنا في أبواب الصرف والنحو أن نعرف بأي القواعد نبدأ وبأّيها
مجال حيوّي من مجاالت التعليم .وسيكون لهذا التنوع أثره اإليجابي نثني .وعلى هذا فما تزال مناهجنا ومقرراتنا بحاجة إلى بنية تحتّية
في إنصـاف األغراض النطقّية ،وبخاصة حين يكون من مقتضيات هذه وصفّية إحصائّية نعرف على أساسها كيف نقدم اللغة للناشئة بصورة
التمرينات استخدام األجهزة الصوتّية والمعامل اللغوّية التي تمكن مدروسة ال مرتجلة .وعلى هذا فإن المرء يعجب من هذا العبارات
التلميذ من مراقبة أدائه من حيث الوقوف على األخطاء ،ومن حيث الهّينة في كتابتها ،حين نزعم في مقدمات هذه الكتب أننا نتخّير األلفاظ
مالحظة جمال الصوت ،ومدى وضوحه ،ومناسبته لمقتضى الحال. والقواعد وفق شيوعها ،فأين نحن من الدراسات اإلحصائية الدقيقة التي
.9مما يعجب له المرء أننا نشكو من تفاوت مستويات المدرسين، تقف بنا على أرضية ُص لبة تسمح لنا باالطمئنان إلى حقيقة ما يحتاج
ولكننا َنِك ل إليهم اختبار الطلبة ،في كل صف من الصفوف المدرسّية، إليه األمر ،حتى ُتترجم هذه العبارات إلى واقع ينقلها من المزاعم
فتأتي النتائج متفاوتة أيضًا ،فثمة نوع من المدرسين يراعي جانب واألماني والتخمينات ،إلى الواقع الحقيقي القائم على أساس علمي ،كما
الذاكرة في التقويم ،فتأتي أسئلته من نحو :اذكر ،عّد د ..وثمة نوع هي الحال في مقررات تدريس اللغات الحّية.
يجمع بين أسئلة تقّو م الذاكرة والذكاء ،ويوازن بينهما ،ومنهم من َيْع رف وقد كان من سخريات األمور أن تستسهل وزارات التربية والتعليم،
أساسيات التقويم ،ومنهم من ال يعرف منها إّال اليسير ،ومن المدرسين فتؤّبط الصبية الصغار ،مختصرًا لمعجم الصحاح للجوهري ،فتظن
من ُيجزل في إعطاء الدرجات ،فيخدع الطالب ويخدع أسرته بعالمات بذلك المختصر -وقد صغروا حرفه الطباعي-أنها قد وضعت بين
ناهيك عن تعّد د أشكالها في أول الكلمة ووسطها وآخرها ،موصولة مرتفعة ،ومنهم من َتِش ّح العالمات عندهم ،فال يكاد ينجح أحد ،وقد ُتعبر
ومنفردة ،وهذا يعني أن يستوعب المتعامل مع النظام الكتابي جميع هذه الدرجة المعطاة عند بعضهم عن مضمونها أو ال تعّبر..
األشكال ،مضروبة في عدد الصوامت في العربّية. وهكذا يصبح االختبار خاضعًا العتبارات شخصّية ،قد يداخلها الهوى،
وقد ترّتب على النظام الكتابّي الموروث أن اشتركت بعض األصوات أو قلة الخبرة أو ما شاكل ذلك من أمور تجعل المرء يشك في تنجيح
المتباينة في رموز كتابية واحدة .فالياء والواو في نحوَ :ي لِد ،وولد، الطلبة أو ترسيبهم على حّد سواء.
هما صامتان لِّينان (شبه حركة) ولكن الياء والواو في نحو :بريء، وكان األولى أن تصمم اختبارات تشخيصّية تخضع العتبارات علمّية
ونوح ،هما صائتان أي كل منهما حركة طويلة ،ومع ذلك فالرمز لكل مستوى ،اختبارات جادة تشرف على إعدادها مؤسسات تعليمّية
الكتابي واحد. تربوّية نفسّية ،تقف بنا على مستوى أداء المدرس ،والمدرسة،
وقد أسمى اللغويون كل ما َح ظي من األصوات برمز كتابي ثابت (أي اختبارات مجّر بة مدروسة متطورة تختبر المنهاج والكتاب المقرر،
ُيكتب في صلب الكالم) حرفًا ،وعلى هذا فالباء والتاء حرفان ،وكذلك والعملّية التعليمّية بكل مقوماتها وأسسها وطموحاتها.
األلف في نحو :ما ،وال ،وكّال ،وما دامت الباء حرفًا ثابتًا ،وهو وينبغي أن ُتَعّد االختبارات التشخيصّية المؤسسة المجّر بة ،لكل ُم َقّر ر،
يحتمل الحركات بوصفها شيئًا متغيرًا ،كأنها من الخصائص المتغيرة ولكّل الصفوف المدرسّية .فما أقل هذه االختبارات ،التي نستطيع بها
لذلك الثابت ،فقد تخيلوا أن األلف تحتمل ذلك ،فقالوا في ما :إنها مبنّية أن نعرف مستويات المدارس والمدرسين والطلبة والكتب المدرسّية
على السكون ونسوا بذلك أنها حركة طويلة ،ال يجوز في حقها أن وغير ذلك مـن مقومـات العملّية التعليمّية اللغوّية وغير اللغوّية([.!)]2
تدعى ساكنة .وقالوا في :رأى :إنها مبنّية على الفتح المقدر على .10إن مسألة الضبط بالشكل مرهونة بطبيعة النظام الكتابي للعربّية.
األلف ،وفي عيسى ـ في النص -إنه منصوب وعالمة نصبه فتحة والعربّية في هذه المسألة واحدة من أسرة لغوّية تشابهت اللغات التي
مقدرة على األلف( .قاسوه بنحوُ :ع َمَر ). تتألف منها في أنها تهتم بالصوامت ،وتهمل كثيرًا من الصوائت ،أي
بل تخيل بعضهم أن فتحًة تسبق األلف التي تنتهي بها األسماء الخمسة الحركات ،وبخاصة الحركات القصيرة كالفتحة والضمة والكسرة ،وقد
المنصوبة ،نحو :أبًا ،وأخًا .ولعل في هذا ما يفسر سلوك الكاتب الذي تهمل الحركات الطويلة ،والحركات الفرعّية كاإلمالة وما شاكلها .وهي
يضع فتحة على الحرف الذي يسبق كل ألف ،من نحو :وسائل وخالد، سمة كتابية قديمة جدًا ،نلحظها في النصوص العربّية والعربّية
ونوايا. الجنوبّية ،واآلرامّية ،والسريانية وغيرها .وقد ظل هذا التقليد دارجًا في
واألمر نفسه قد حدث بالنسبة للواو أو الياء الصائتتين ،فما هذه اللغات ،ولم يعُد إصالح هذا النظام الكتابّي ،غير إكساب الحركات،
دامت الواو صوتًا حظي برمز كتابي كالباء ،فهي تحتمل السكون في كل هذه اللغات نوعًا من الشرعّية؛ بإيجاد رموز كتابية لها ال ترقى
احتمال الباء لها ،فقالوا في الواو المتصلة بالفعل الثالثي (واو الجماعة) إلى مستوى الصوامت ،كالباء والتاء والثاء والجيم والحاء .وإ نما
إنها ساكنة ،وكذلك ياء المخاطبة في نحو :تلعبين وفي هذا ما يفسر لنا توضع هذه الرموز الحركّية فوق الصوامت .وعلى هذا عوملت
السلوك الكتابي لكسر الباء في تلعبين ،وضم الواو في تلعبون ،فما الصوامت بوصفها أصوًال ثابتة في الكتابة ،وعوملت الصوائت
دامت الواو أو الياء حرفًا ،أي له رمز كتابي ،فهو عندهم ال يصلح أن (الحركات) بوصفها شيئًا تابعًا متغيرًا ،وكأنما هي أحوال متغيرة لما
يكون حركة ،ولذا فقد تصّو روه ساكنًا ووضعوا له السكون رمزًا ،وما هو ثابت ،فالباءـ وهي صامتة -وذات رمز كتابّي -تحتمل أن تكون
دام ساكنًا ،كان الّبد من حركة (سوى الواو أو الياء) للحرف الذي مكسورة أو مضمومة أو مفتوحة ،كما تحتمل غير ذلك من األحوال،
يسبق الواو أو يسبق الياء ،فوضعوا الكسرة أو الضمة. كأن يكون كسرها بشدة ،وكذلك ضمها ،أو فتحها.
لقد ساعدنا التطّو ر التقني الحديث في التخّلص آليًا من التغّلب على وعلى هذا فإن ضبط الصوامت بالحركة المناسبة أمر الزم إن
مشكالت كتابة الحروف في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها .فما عاد أردنا الدقة وأردنا للكتابة أن تصور النطق الصحيح للكلمة أو الجملة.
يلزم من الكاتب على جهاز الحاسوب مثًال سوى أن يضغط على غير أن هذا ـ كما أسلفنا -يترتب عليه إثقال الحروف بالحركات ،كما
الحرف ،فيتولى الجهاز تحديد شكل الحرف تلقائيًا بما يتناسب مع يعني أن تضرب عدد الصوامت بعدد ما يمكن أن ُيضبط به من رموز
البداية أو الوسط أو النهاية .وهذا إنجاز كبير وال شكَ ،بْيَد أن المشكلة فرعية ،وعلى هذا فإن الباء مثًال تحتمل أن تكون على نحٍو ما ،من
ظّلت تواجه الكتابة باليد. األشكال الكتابّية اآلتية:
وأما مشكلة الضبط بالحركات ،فما تزال ماثلة أمام الكتابة اليدوية ْب َ ،ب ُ ،ب ِ ،ب َّ ،ب ُّ ،ب ِّ ،ب ،بًا ٌ ،ب ٍ ،ب
واآللية ،وأخص الضبط بالحركات القصيرة ،وعلى هذا كان البد من
التفكير في حّل مناسب لمسألة الضبط بالشكل .وهي مسألة قديمة
من اعتبارات مختلفة .ولذا فإن هذه الضوابط قد ُيزاد إليها أو ُينقص استسهل بعضهم لحلها أن ُيغّير الخط العربي ،وهي كارثة بحق ،فلئن
منها ،في ضوء تجريبها ،وتشخيص أحوال الُقّر اء. أقدم األتراك واألندونيسيون على تغيير كتابتهم واتخاذ الكتابة الالتينّية،
.11في ضوء المنظور مما يجري حولنا بهذه السرعة المتسارعة ،في فإن العرب ال يستطيعون ذلك ،وإ ال عبثوا بما أؤتمنوا عليه ،أي الحفاظ
مجاالت الحياة جميعًا ،فإن اللغات -كالهويات الثقافّية -تعيش صراع على النصوص المقدسة التي جاءت بلسانهم ،وهذه مسألة قد يحلوا لمن
البقاء ،وتتزاحم تزاحمًا عجيبًا ،فكم من لغة كانت محلّية كاإلنجليزّية أراد أن يتناولها تناوًال سطحيًا أن يماري فيها ،وال مجال هنا ألن يفاض
والفرنسية ،ثم أصبحت عالمّية بوسائل العصر الحديث ،وبمتغيرات في الحديث عن ذلك.
أخرى في معادلة القوة والضعف الحضارّي .فإذا أردنا للغتنا أن ورأى بعضهم أن ُيطور الخط العربي لتصبح الحركات جميعها ذات
تزاِح م ،وأن تعزز مقومات وجودها ،فإن علينا أن نبذل المال والوقت رموز كتابّية تدخل في صلب الكلمة ،غير أن هذا الحّل كذلك لم تطمئن
والخبرة في سبيل تطوير الواقع كّله ،والواقِع اللغوي من ضمنه ،وأن به نفوس الناس ،ألنه يحدث تغييرًا كبيرًا على نمط الكتابة الموروثة،
نواجه تحديات العصر في مجال االتصاالت بأنواعها ،وفي كل ويصبح من الصعب به أن تقرأ النصوص التي كتبت بالنظام الكتابي
المجاالت ،وأّال نكتفي بدور اليد السفلى التي تنتظر من اللغات الموروث .وباإلجمالُ ،نظر إلى هذا الحل على أنه ـ يقل خطورة عن
المزدهرة اآلن ،بحثًا متطورًا تترجمه ،أو برنامجًا حاسوبيًا ُتعّر به ،وقد الحل السابق ،بيد أنه ينطوي على كثير من المحاذير.
يأتي التعريب مسخًا ،ال هو بالعربي وال هو باألجنّبي ،كصورة التعليم فماذا بقي بعدئٍذ ،سوى أن نضبط كل شيء ،وهذا حّل مِّك لف ،جهدًا،
المدرسي والجامعي في بالدنا .ال شك في أن مناهجنا الحديثة اختلفت ووقتًا ،وماًال ،وهو الزم في النصوص المرجعيةـ كما أسلفنا -بيد أنه ال
درجة عن وضعها قبل مئات السنين ،لكن هذا التطور -الذي قد يكون يلزم في طباعة النصوص العادية ،كلغة الصحافة والمراسالت
خطوة إلى اإلمام أو قد يكون خطوة إلى الوراء -يبقى كله خطوات والروايات وما شاكل ذلك .وعلى هذا كان الّبد من تخير مواطن اللبس
متخّلفة ،إذا ما وازنا ذلك بالخطى المتسارعة التي يسير فيها التطور حتى ُيقتصر على ضبطها ،وحتى نخفف عن الحروف المثقلة ،وعلى
العالمي ،هائجًا مائجًا ،وقد يتضمن الغث والسمين ،وما ينفع وما يضر، هذا كان يحسن بنا ما يلي:
وقد واجهته مدارسهم وجامعاتهم ،أما نحن فكثير مّنا ال يزال في خصام ا) عدم ضبط ما قبل األلف ،وما قبل الواو والياء إذا كانا حرفي مّد
مع لحظة اليقظة من نوم عميق ،متسائًال :أيهما أنفع دفء الفراش ولو وضبط ما قبلهما إذا كانا من الصوامت ،في نحوَ :بْو ح وَس يل.
بأحالم مزعجة ،أم يقظة تعتريها عقبات وواقع صعب ،وفي مجال اللغة ب) ضبط تلك المشتقات التي ال يميز بينها إّال بالحركات نحوَ :أْفَع َل ،
والتطوير التربوي يدور سؤال ربما يكون موازيًا :أيهما أجدى أَننقطع ُأْفِع َل َ ،أْفِع َل ُ ،أَفِّع ُل ،أْفَع ُل وقيس على ذلك المشتقات من نحو اسمي
إلى الماضي ،ومافيه ،أم ننقطع عنه ،ومنه ،أم نواجه الحاضر بما ينفع الزمان والمكان ،نحو اسم المكان في َم ْح َلب (مكان الحلب) واسم اآللة
من أسلحة الماضي والحاضر. في نحو ِم ْح َلب (أداة الحلب) واسمي الفاعل والمفعول مما فوق الثالثي:
ثانيا :في مرحلة التعليم الجامعي ُمْر تِج ع ـ ُمْر َتَج ع؛ واألمر :تناَو ْل ،والماضي :تناَو َل ،والمصدر :تناُو ل
لعّل من أخطر ما نعانيه في كليات اللغة العربية وأقسامها ،أننا نرّك ز والمضارعُ :تِناول؛ والمثنى :مهندَس ي المشروع والجمع :مهندسي
على الكّم على حساب الكيف .وهذا عَر ض من أعراض المرض .فقد المشروع.
اعتدنا أن نقسم مواد األدب على ما اعتدنا عليه من تقسيمنا األدب إلى ج) التعود على كتابة الشّد ة في جميع مواقعها.
عصور ،فنخوض في ِخ َض ّم من الزمان والمكان ،وتحّو لت بذلك نعمة د) االستغناء بالهمزة تحت األلف تغني عن تحريكها بالكسر في نحو:
الماضي المتصل بالحاضر ،في تاريخ حضارتنا ،إلى نقمة .فالرقعة إّن ،ويبقى أمر الحركة مجاًال للفرق بين الهمزة المضمومة والهمزة
المكانية لألدب العربي واسعة ،والعصورعديدة متماسكة ،ولكن األدب المفتوحة ،إذ تأتي الهمزة فوق األلف .ويقاس على ذلك شكل الهمزة إذا
ُفِّتَت إلى عصور كالعصر الجاهلي ،وصدر اإلسالم ،والعصر األموي، جاءت على واو ،فإنها تغني عن ضمها وجوبًا في نحو سماؤه ،أو
والعصر العباسي ،وقد ُش ِط َر هذا -بدوره -إلى عباسي أول، جاءت على ياء في نحو :سمائه.
وعباسي ثان ،وامتد التقسيم بامتداد رحلة الزمان التي استغرقت نحو ه) ضبط الجمل التي قد تقرأ على وجهين مختلفين ،ال يفرق بينهما إّال
سبعة عشر قرنًا .ومع كل تقسيم زماني يحتمل األمر تقسيمًا مكانيًا، الضبط بالشكل.
فاألدب يقسم إلى أدب في بالد الشام ،وأدب في العراق ،ومصر، و) ضبط أسماء األعالم وبخاصة األجنبية (بيْر ِج ْش تريسر) وغير
والمغرب ،واألندلس .وأما في العصر الحديث ،فبالد الشام أجزاء، المألوفة (َطَر فة) أو المتشابهة (الَّز بيدي والُّز َبْي دّي ).
فهناك األدب في لبنان ،واألدب في سورية ،وفي فلسطين واألردن. ز) وقد يبقى احتمال اللبس قائمًا ،ينهض بالكشف عنه السياق وحده،
وتوّقع مستوى المخاطب ُع ْم رًا ،وتعليمًا ،وقدرًة ذهنّية ،إلى غير ذلك
المواد المخصصة لذلك نحو %30 - 25من مجمل ما يدرسه الطالب وُقْل مثل ذلك في أجزاء الجزيرة والمغرب ،ووادي النيل .وقد عرف
في المرحلة الجامعية األولى .ومتطلبات فيها قدر من التخصيص, األدب تقسيمًا آخر ،كأدب القبائل والمدن والطبقات .وقد انسابت
تقترب بالطلبة -في العادة -من التخصصات التي ُتقّر بهم من االنتماء الخطط الدراسية في أقسام اللغة العربية ،وراء هذا التجزيء بحجة ما
إلى فروع كليتهم ،وُتَع د من مستلزمات الخريج في تلك الكلية التي له من منافع ،فاستغرق منها معظم الساعات التي يمكن للطالب أن
ينتمي إليها الطالب ،وتتبوأ هذه من الخطة العامة .%30 - 25وما يقضيها في الجامعة ،وكان ذلك على حساب مواد أخرى قَّل نصيبها
تبقى فهو مواد من صلب تخصص الطالب ،أي من .%50 - 40 كاللغة ،وبعض المواد المساندة للتخصص .وقد ترتب على ذلك أن
وربما كانت فلسفة الجامعات في ذلك ،أّن الدرجة الجامعّية األولى، سعى كثير من األقسام إلى حشد محاضرات اللغة في بضع ساعات،
عاّم ة ،وأن التخصص الدقيق يكون في الدرجتين التاليتين :الماجستير يفي بها عدد ضئيل من األساتذة ،في حين أنها بسطت محاضرات
والدكتوراه .والذي أراه :أّال تقل نسبة المواد التخصصّية في المرحلة األدب ،ووفر لها األساتذة الذين يزيدون بكثيرعن أساتذة اللغة .وفي
الجامعّية عن %60من مجمل ما يأخذه الطالب. هذا ما ُيَس ِّو غ كثرة الرسائل الجامعّية في األدب وقّلتها في اللغة ،عالوًة
فكيف -والرقعة الزمنية محدودة -نتصرف لنوازن بين الكم والكيف على صعوبة البحث اللغوّي في العادة ،وجفافه.
في بناء شخصية الطالب المتخصص في اللغة العربية وآدابها? ومع أن هذا التقسيم ال يخلو من فائدة ال تخفى -إذ هو يعطي فرصة
لقد ثبت أن الوقت ال يتسع الستيعاب كل العصور المتعددة ،واألصقاع لتركيز الضوء على فترة زمنية لها أهميتها ،أو رقعة مكانية لها
المترامية وال يتسع لمنهجية اإلغراق في التفصيالت .وإ ن المنبت في خصيصتها -غير أن له محاذيره ،إذ يصعب أن نلتمس ما ُيَس ّو غ
هذا االتجاه ،ال أرضًا قطع ،وال ظهرًا أبقى ،فال هو حافظ على مبدأ اإلغراق فيها كلها أو ٌج ّلها ،بوصفها هدفًا ُيْس عى إلى حصره وتأبيده
الكم وال على مبدأ الكيف ،وقد أخذت الشكوى تزداد يومًا بعد يوم من كمًا ،واإلحاطة به في خطة دراسية محدودة الزمن ،ناهيك عما قد
ضعف الطلبة وضعف الباحثين. انطوى عليه هذا الهدف من احتمال االنحياز إلى أهداف إقليمية ،أو
ولست معنيًا -هنا -بالحديث عن المواد غير التخصصّية ،إذ المقصود عرقية ،أو ما شاكلها .وقد رأينا من آثار ذلك كيف تتحول المحاضرة
المواد التخصصّية من الخطة العامة لدرجة البكالوريوس ،على أن عند بعض األساتذة إلى شكل من أشكال التعصب ،الذي ُتَص ّو ر فيه
المواد غير التخصصّية ،تعاني من عدم الفهم السليم لفلسفة وجودها، شخصية شاعر ما ،في صورة ترتفع به عن آدميته ،التي استمد منها
وقد ينعكس هذا على كيفّية تدريسها ،وكيفّية تلقيها ،بفتور من المدرس، مقومات فّنه ،إلى شخصية تكاد ُتؤّله ،أو ترقى لتصبح َم َلكًا يطل من
وزهد من الطالب فيها. ُس ُد م الفضاء ,فيتناوله هؤالء اآلدميون من الباحثين -ما دام قد أصبح
كان يمكن أن تقتصر كليات اللغة العربية وأقسامها ،على شطر مناسب موضوع اهتمامهم وتركيزهم -بآي المديح والثناء .وقد يكون العكس
من المواد التخصصّية ،كأن يكون الربع منها ،لتحقيق جانب االستيعاب -حين ال يكون الهوى مع ذلك الشاعر -فتهوي به الريح في مكان
والشمول ،ودراسة العصور واألماكن ،على أن ُترسم التفصيالت سحيق ،وُيقذف بكل ما َيشين.
والجزئيات بقدرها ،كما ُترسم البلدان على الخرائط ،فتبدو ُم ْح َك مة في ليس الطالب الذي ُو ِك ل أمر تخريجه إلى هذه األقسام مْلكًا لها إلى األبد،
مواقعها ،وأشكالها ونسبة مساحاتها من المساحة العامة ...وهكذا في فالزمن الذي يقضيه فيها من عمره محدود ،وهو ال يتسع إلى كل
مسيرة األدب ،ففي هذا النوع من المواد ،يظفر الطالب بتصور شمولي العصور ،وال إلى كل األماكن واألصقاع ،ولذا كان ينبغي أن ُتحكم
لكل فترة زمنية أو بيئة مكانية ،وفي خط أفقي عريض ،ال ُيرّك ز فيه الخطط بما يراعي الزمن ،فالجامعات بنظاميها ،نطام الساعات
على جغرافيا األدب ،في تفصيالتها والتواءاتها وشعابها ،فيكون الطالب المعتمدة ،ونظام السنوات ،تخصص للتخرج من المرحلة الجامعية
بذلك عرضة إلى أن يضيع في ُبَنّيات الطريق ،وإ نما ُتَقَّد م له الصورة األولى ،فترة زمنية محددة .وهي فترة مناسبة نسبيًا ،إذا ما قيس ذلك
في مخطط محكم عريض ،يشبه مخططات المدن الكبرى ،التي تقف بالفترة التي يقضيها الطلبة في العادة ،في النظام العالمي ،للحصول
بالسائح عند أظهر المعالم وأهمها. على هذه الدرجة ،وتقدر بأربع سنوات في النظام السنوي ،أو بنحو مئة
إن عقلية الغوص في متاهات التفتيت والتجزيء ،ربما تكون مسؤولة وثالثين ساعة معتمدة في نظام الساعات .ومع تعدد مجاالت الحياة،
عن افتقار حياتنا العلمية إلى أعمال منهجية ،موسوعية .فكم من بحوث وتداخل أنواع التخصص ،اتجهت الجامعات في المرحلة الجامعية
جزئية في مكتباتنا العربية ،لكنها تظل كأوراق هائمة ،ال تربطها األولى إلى أن ُي َلم من بعض العلوم األخرى بطرف ،وأصبح
بشجرة العمل الكلي رابطة ،وال تمتد منها خيوط تصلح ألن تربطها األمرُيتدرج معه في أبعاد ثالثة ،متطلبات عامة ،وترى الجامعات أنها
بعمل موسوعي جامع .ولعّل السبب في ذلك يعود إلى أن كثيرًا من أساسية في بناء أي خريج ،مهما كان تخصصه ،وقد خصصت له
باحثينا المْح دثين قد ُر ّبوا على أن يروا األشياء في صورتها الُفَس ْي فسائّية بعض الجامعات من المواد ما سمي فيها ،متطلبات جامعة ،وتحتل
بموضوع رسالتك ،وهي بعيدة عن مجال التحقيق ،فتكون اإلجابة : المجزأة ،أكثر مما ُر ّبوا على استشراف الصورة العاّم ة ،وإ يقاع
إنني حصلت عليه بصعوبة من إحدى المكتبات ،فأردت أن أثبته في الجزيئات موقعها منها.
رسالتي ،ثم سئل عن بعض ما ورد في النص ،وهو ال يتجاوز وحتى األعمال الموسوعية التي بين أيدينا -على تواضعها كّم ًا وكيفًا
صفحتين ،من غموض ،فأبدى اعتذاره عن عدم فهم النص كله ،وحسبه -ما تزال تظهر عليها السمة الفردية المحدودة ،فأين هي من
أنه أتاح لنص قديم مكتوب باليد أن يظهر في حرف مطبعي حديث. الموسوعات المؤسسية الجامعة ،التي تستوعب تاريخ الحضارة من
نعم ،إلى هذه "الدركات" تتردى الدراسات العليا أحيانًا ،وإ ن كان الطلبة ماضيها إلى حاضرها ،وتسّج ل ُخ طى مسيرتها في مجاالت اللغة
يحصلون على "الدرجات" ،ثم تأتي ،من َبْع ُد ،معاناُة األجيال من خريج واألدب والسياسة واالقتصاد .إن حياة الناشئة تفتقر إلى ما يربى فيهم
تسلح بالدرجات الُع ليا والعلم القليل. َم َلَك ة اإلطاللة الموسوعية ،التي تضع الجزء في مقامه ،وفي مكان
وكم من طالب أنهى المرحلة الجامعّية دون أن يستعير كتابًا من استحقاقه.
المكتبة؟ مقتصرًا على ما يمكن أن يجتزئه من فراغ نفسه أثناء فالغاية المتوخاة من ربع المواد المتخصصة أن يستشرف الطالب ،أكبر
المحاضرة ،حتى يحصل على بعض ما تركه صدى صوت المعلم، "َك ّم " يمكن أن يأخذه مما اتسعت به رقعة المكان والزمان ،في مواد
وتكراره ،من أصداء معلومات ال تستقر بوثوق في النفس ،لكنها تكفي، مدخلية عامة ،كتاريخ األدب ،وتاريخ النقد ،وتاريخ النحو ،وتاريخ
مع شيء من استدرار الشفقة والعطف ،لوضعه في مصاّف الناجحين. البالغة ..ويكون في الوقت نفسه ،قد تربى ،في ضوء دراسته لهذه
وكم تجّر أ بعض الباحثين الساعين نحو أعلى الدرجات العلمّية ،على المواد المدخلّية -تربية كيفية منهجية ،عرف بها كيف يكّو ن من
استخدام مصطلحات علمّية منهجّية ،دون أن يتعمق في مرادها ،كأن التفصيالت والتفاريق بناء محكمًا.
يزعم أنه سوف يسير على المنهج التاريخّي ،أو البنيوّي ،أو الوظيفّي .. على أن األهم من ذلك ،الذي ينبغي أن تخصص له ثالثة أرباع المواد،
دون أن ُي لّم بأصول هذه المناهج ،وأهدافها ،ومزاياها ،والعقبات التي هو جانب الكيف ،أو المنهجية .والمواد المنهجية غايتها التركيز على
تعترض الباحث الذي يسير عليها ،والوسائل الالزمة لسيره عليها ،إلى المنهج في تناول الظواهر وتحليلها ،ال على الكم والمعلومات ،فالطالب
غير ذلك من أمور. ُي لُّم بالمعلومات والتفصيالت والتواريخ واإلحصاءات ،لتصبح المعلومة
وكم تجرأ على كتب التراث من محققين ،أرادوا لكتب التراث أن تظهر إلى جانب المعلومة ،كاللبنة إلى جانب اللبنة في تكوين بناء له مزاياه
في مظهر الئق بها ،فما زادوها إّال غموضًا .فيا ليت أقسام اللغة وشخصيته الفنية.
العربّية تُك ّف أيدي الباحثين في جميع المراحل الجامعّية عن العبث إن العناية بالمنهج تتطلب العناية بالمعلومة ,ولكن المعلومات ال تأتي
بُح رمة التراث ،إذ ُيْقدم الطلبة على مجال التحقيق دون أن يتمّر سوا مفككة وإ نما يستدعيها المنهج في مواقعها ،حتى تصبح المعلومات في
بالقدر الكافي في هذا الفن ،الذي يحتاج إلى نضج ودراية وخبرة مجموعها ،كأنما هي حبات من الخرز ،والمنهج ينتظمها ،ويشكل منها
واسعة .فإن كثيرًا من كتب التراث المحققة المنشورة تحتاج إلى إعادة عقدًا ،بدونه يتعذر انتظام العقد حتى لو مألنا األرض خرزًا ،ولؤلؤًا.
تحقيق ،بيد أنها قبل ذلك تحتاج إلى أن ُينّظف السوق منها ،حتى ُيْقِبل وتحضرني هنا بعض األمثلة ،أتناولها من الرسائل العلمية لدرجتي
الناشر على المجازفة بإعادة نشرها دون أن يتعرض للخسارة المادّية. الماجستير والدكتوراه .فقد ُس ئل أحد الطلبة في مناقشة أطروحته لنيل
ولكم كانت المأساة التراثية كبيرة حين أقبل نفر من األساتذة الذين ال الدكتوراه ،عن إحصاءات تشكل ثلث رسالته ،عن هدفه منها ،ولماذا
خبرة لهم ،أو ال وقت لهم ،فأشرفوا على موضوعات طلبتهم في مجال أعّد ها ،فعرفت من إجابته أن ال هدف له من ذلك ،سوى أن ُيَح ّلي
التحقيق ،وقد عظم الخطب ،بحٍّق ،حين استباح هؤالء ألنفسهم حرمة رسالته بعقود من القوائم اإلحصائية التي تفتقر إلى الدقة في ذاتها،
النص في معناه تارة ،وفي لغته أخرى ،وفي إمالئه ثالثة ..وهكذا. وتفتقر إلى التوظيف مع غيرها ،وثّم ة باحث آخر من درجة الماجستير،
وكّل هذا بحجة تصويبه وخدمته والسهر عليه. يقدم معطيات إحصائية ،تأتي موشحة بعبارات من نحو" :يطرد هذا
وكم من خطط رسائل أعدت إعدادًا سريعًا ،أو اسُتْج ديت موضوعاتها األمر أو يتواتر هذا األمر مرة واحدة" ،دون أن يعي أن االطراد
استجداء ،أو ُس رقت سرقة .وما عرف الطالب أن إعداد خطة الرسالة والتواتر ال يتناسب مع المرة الواحدة .وسئل أحدهم عن عبارات من
يشبه إعداد مخطط البناء ،وأن اختيار البحث يحتاج إلى استقصاء يعدل نحو ،وهذا كثير ،أو وهذا شائع ،كيف تترجم هذه التعبيرات العائمة إلى
االستقصاء الالزم الختيار شريكة حياته .وأن موضوعه يصبح جنينًا أرقام وأنت تسير على المنهج اإلحصائي ،فلم يقدم أرقامًا دقيقة ،وإ نما
يتخلق داخله ،وأن انتماءه إليه يشبه انتماء البنوة إلى األبوة ،مع ما عبر بقوله ،بالمئات واآلالف ،في حين أن الحالة التي كان يتحدث عنها
يرافق ذلك من حب ،وأنس ،ورغبة في التضحية .إن موضوعك هو لم تحظ إحصائيًا بأكثر من ثالث جمل فقط .وثمة طالب (دكتوراه)
"أنت"ُ ،م جّس دًا في عالم يتهيأ للبقاء حين تندثر األجساد وتزول. ُيسأل في مناقشة أطروحته ،ما عالقة هذا النص التراثّي الذي حققته
الطريقة بجالء ووضوح ،كان له بعدئذ أن يطبق هذه الطريقة وهنا تظهر أهمية األستاذ الجامعي ،إن شرط األستاذ الجامعي ،شرط
بحرفيتها أو بتعديل مقصود ،على نصوص أخرى ،وعصور أخرى عسير ،حتى يستحق هذا اللقبو؛ فاألستاذ هو الذي يملك الرؤية التي
وأماكن أخرى يختارها هو ،وليس شرطًا أن يظل متبعًا ألستاذه ،بل يشكل بها مدرسة أو على األقل التي ينتمي بها إلى مدرسة ،ويكون
عليه أن يتعود درسًا يأخذه من النحلة ،تقف على كل زهرة ،ثم تشكل قادرًا على أن ُيَر ّبي فيها طالب علم وبحث .والمدرسة الفكرية ،أو
من مجمل الرحيق عسًال تطبخه هي ،فيكون خاصًا بها .فالجامعة األدبية "منهج" ،أي قدرة على سلوك الطريق الذي يؤدي إلى "الحقيقة".
مختبر ،وميدان بحث عن الحقيقة ،وأساليب الجهاد في هذه الميادين، وقد تتعدد األدوات الالزمة كاللغات والمختبرات فيحتاط لذلك .وقد
هي المناهج ،تنفرد أو تتكامل في سبيل الكشف عن الحقيقة .وفي تتعدد الطرق الالزمة للكشف عن الحقيقة ،فثمة طريق مختصرة
هذا فليقض الطلبة أوقاتهم ،وعلى هذا ينبغي أن تتمحور المواّد . وأخرى طويلة ،ولكل مزايا وعيوب ،وقد يضيء األستاذ سطحًا من
وهكذا يتعود الطالب فيأخذ من أستاذ آخر وثالث ،طريقة ثانية أسطح الظاهرة -التي يمكن تعليميًا أن نشبهها بمكعب -فال يلهيه
وثالثة ...على النصوص نفسها ،أو على نصوص سواها ،وبذا فرحه بما استضاء له منه ،عن التَح ُّّر ف لها إلضاءتها من جانب ثان
يكون قد اكتسب مجموعة من المناهج ،حتى إذا جاء إلى مرحلة وثالث ...فإن أضاء الظاهرة من بواديها استدعاه َج ذب الِع شق
التخصص الدقيق وكتابة أطروحته ،عرف شيوَخ ه وعرف كيف ليراها من دواخلها ،وهو في كل هذا يتعلم ويعلم ،كيف يستخدم
يختار موضوعه .ولست أدري أيأتي يوم على طالب الدراسات أدواته وإ مكاناته ،و كيف يتفادى الوهم ،ويتقرب من الحقيقة ،ال يثنيه
العليا ،يتوجه فيه إلى الجامعة وقد َع ِلق في ذهنه أن في هذه الجامعة، عن ذلك مصلحة ُعْج لى ،وال ِس حر ُش هرة ،وضيق تعّص ب.
وفي هذا القسم ،مدارس منهجية وأساتذة ومشروعات بحثية ،وقد ولألستاذ عينان ،عين المؤّص ل ،وهي تتطلع إلى الحقيقة ،وعين
اقترنت المدرسة بأساتذتها ومشروعاتها اقترانًا وثيقًا ،وأنجزت على المرّبي ،وهي تبحث عن وسائل إيصال الحقيقة إلى الطالب.
تطاول الزمان ،وعمق التجربة ،شيئًا ُيذكر للجامعة واألستاذ ،وأن واألستاذ هو سادن الحقيقة ،وعاشقها ،وهو والد الباحث وُم نجبه
هذا الطالب الباحث سيسلك طريقه هنا أو هناك في مدرسة هذا علمّيًا وقد أنصفت بعض األنظمة الجامعّية حين أطلقت عليه اسم
األستاذ أو ذاك ،وسيكون األستاذ خير معين له في تعريفه بمنجزات "األستاذ األب" .Doktorvaterما أكثر الذين يتهاوون أمام هذه
هذه المدرسة الفكرية ،أو اللغوّية ،وبأقرانه فيها ،وما صنعوه من الشروط الحقيقة لألستاذّية ،ويدخل في هؤالء من نَأْت بهم الشيخوخة
قبل ،وبموقعه ،وما ُينتظر منه ،فإن كان األمر أمر تحقيق التراث المبّك رة عن البحث عند الحصول على هذا اللقب .فاإلنسان مخلوق
اللغوي ،عرف الطالب منهج هذه المدرسة في ذلك وماذا أنجزت... في َك َبد ،وَك َبُد األستاذ في البحث عن الحقيقية ،فإن لم ُتمّك نه عينه من
وما عليه إنجازه ،وإ ن كان األمر منوطًا بالبالغة ،عرف ما كان مواصلة البحث عنها ،واصل البحث عنها بعين تلميذه ،وهكذا
عليه أن ينجزه بالوقوف على تراكم البحث العلمي في مجال ينتصر للحياة حتى بعد رحيله عنها.
البالغة؟ وهكذا في سائر التخصصات .إن القصور في هذا ال تقع تحتاج أقسام اللغة العربية أن يتوافر لها نفر من األساتذة الذين
تبعته على الطالب بقدر وقوعها على المؤسسة ،ممثلة في الجامعة يمتلكون الهدف والمنهج والوسيلة ،فيكون هدف المادة واضحًا ،وبه
والكلية والقسم ،بل في المؤسسة ،ممثلة في الجامعات والوزارات ُتفتتح المحاضرات ،وتكون لديهم القدرة على استخدام المنهج
المسؤولة ،على مستوى الدول الناطقة بالعربية .ويا ليت األّم ة المناسب أو المناهج المناسبة التي تسعفهم في الوصول إلى ما
تتداعى ،في أعلى مستوياتها إلصالح أوضاع التعليم اللغوّي فيها. يريدون ،وهذا ما ينبغي أن ُتَقّو م به قدرة األستاذ والطالب ،فإن كانت
ولكن هذا لن يكون حتى تدرك األّم ة أن إصالح التعليم بُر ّم ته ،ال الظاهرة تحتاج إلى الوقوف على مراحلها استخدم المنهج التاريخي،
يكون إّال بعد أن يصبح الطالب قادرًا على استيعاب العلوم بلغته وإ ن كانت تستلزم التأصيل احتاج إلى المنهج التاريخي المقارن ،وإ ن
األصلّية ،وأن تصحيح مسار التعليم اللغوي ،خطوة أولى لتصحيح كانت تحتاج إلى الشيوع احتاج إلى المنهج اإلحصائي ...ولكل
مسار التعليم كله ،بل خطوة أولى في سبيل النهوض الحضارّي .إن منهج أدواته ووسائله ،فاإلحصاء يحتاج إلى الحاسوب والبرمجة،
طلبتنا "يضيعون" وهم يتلقون تعليمهم الجامعي بلغات غير لغتهم، والتأصيل التاريخي قد يحتاج إلى اللغات ...وهكذا.
وعلى أيدي أساتذة يواجهون صعوبة في التعبير بالعربّية وبغير وأما القسم فيبني ُأُس س برامجه على ما يمكن توافره من األساتذة
العربّية عن أفكارهم .فكيف نشكو من ضعف خّر يجينا في الذين يمتلكون المنهجّية ،وحسب الطلبة من كل شيخ طريقته مطبقة
تخصصاتهم المتباينة ،دون أن نكون جاّد ين في حسم الموقف من على عصر من عصور األدب أو مطبقة على نصوص مختارة من
اللغة ،أو النحو ،أو الشعر ،أو النثر .فإن استوعب الطالب هذه
في مقدمة بحثه الفرضيات واألسئلة التي تتطلب إجابتها السير على أجل إصالح التعليم لغويًا ولو كره المترّد دون والمتشككون في
منهج دون سواه ،وأذكر أننا ناقشنا رسالة ماجستير يتطلب إنجازها ُقدرات العربّية?.
مقابلة بين اللغات ،ولكن صاحبها ال يعرف شيئًا من هذه اللغات لكنه تكاد الصورة تكون مبكية في كثير من جامعاتنا ,فطالبنا ال يعرفون
راح يصور حروف إحدى اللغات الالزمة للموازنة بخط طفولي أساتذتهم بقدراتهم ،ومناهجهم ،وإ نما يقترب الطالب من األستاذ
ينبىء بجهله التام بتلك اللغة ،لكنه أراد أن ُيزّين بحثه بحروف لغة العتقاده أنه سيحصل على الدرجة بأقل تكلفة ،وبأخف إشراف
أخرى. وتوجيه ،وإ ن لم يكن إشراف وتوجيه ،عند بعضهم ،فهو األفضل،
إن األطروحات العلمية الجادة تحتاج إلى قراءة أولية جادة ،قبل أن وهكذا يتوزع الطالب على األساتذة في كثير من األحيان ،ليس من
َيَقَّر رأي الطالب على موضوع بعينه ،وأن ُيِع َّد خطة فيه ،كما يحتاج خالل مشروعات وال مناهج وال مدارس ،وإ نما هي العالقات
الباحث إلى إشراف فعلّي ،ومتابعة متواصلة لما َيِج ّد في موضوعه، الشخصية والتماس أخصر الطرق الموصلة إلى الدرجة .وقد بلغت
غير أن األمر يأخذ أشكاًال متعددة من اإلهمال ،اعتمادًا على رأفة المهزلة حدها حين فقدت الدرجات معناها ،فأخذت مناقشات الرسائل
األستاذ و"ُحْس ن" اختياره ،أو اختيار القسم للجنة هّينة لينة الجانب العلمّية تسفر عن خريجين يحصلون على درجات الشرف والتفوق،
عند المناقشة ،حتى غدا شعار كثير من الدارسين في جامعات فإن انحدرت الدرجة التي يحصل عليها الخريج من القمة إلى ما
متعددة" :كل من دخل باب القبول في الدراسات العليا فهو آمن دون القمة بقليل ،كان اكتئاب الخريج بالغًا .ولقد أدركت بعض
ناجح" .ولذا كان األولى بالجامعات في مثل هذه الحالة أن تستغني جامعاتنا هذا التنافس المحموم على الدرجات ،دون أن يرافقه
عن المناقشات العلنية إلى مبدأ السرية في تقويم الرسائل العلمية، الحرص الكافي على اإلجادة ،فألغت الدرجة التنافسّية الدقيقة،
قياسًا على ما يحدث في "الترقيات" .إن ُم ضّي المؤسسات العلمية في واكتفت بإعطاء درجة "ناجح" فقط .وال يخفى أن هذا ُيَخ ّد ر
تأكيد هذا الوضع ُيَع ّد إسهامًا منها فيه بقصد أو بغير قصد. المرض ،بيد أنه ال يعالجه ،وقد ُيَفِّو ت من جانب آخر ،روح التنافس
ما أكثر أسباب التسّو س التي تؤدي إلى نخر المسيرة العلمية البّناء ،وفرصة المجتمع في معرفة مواقع ِخ ّر يجيه اإلبداعّية.
المرتجاة .بعضها تفرضه علينا أسباب عميقة الجذور ،غائرة المنبع، وللنفس أن تأسى ما بلغها األسى ،ونحن نّطلع على خطط الرسائل
في التاريخ ،وفي الواقع الحضاري ،وبعضها داخلية ،وأخرى الجامعية في كثير من الجامعات ،فنرى الخطة الفجة ،وقد ُطبخت في
خارجية ،وال مجال للتفصيل في هذا كله ،غير أن هذا ال يمنع من أن ليلة ،واعتراها النقص من كل جانب .إن كثيرًا من الخطط ال يدري
يشار إلى بعض هموم الدراسات الجامعية والعليا ،في أقسام اللغة صاحبها ما أبعاد موضوعه ،وال األسئلة التي ُينتظر أن يجيب عنها.
العربية وكلياتها ،بوصفها نماذج تمثل جزءًا من الواقع التعليمي في ويحلو لكثير من الطلبة أن يردد بفخر أجوف مقولة" :ولم يتطرق
تخصصات متعددة ،وإ ذا لم يكن باإلمكان أن ُيصلح كل شيء فال أقل إلى هذا أحد قبلي" ،وهو بهذا يحسب أن وجود دراسات سابقة لبحثه
من أن ُيصلح أي شيء .وعلى المرء أن ال ييأس ،ولو من فسيلة َم ْثلبة ،ال ينبغي أن يعترف بها .وما عرف أن العلم تراكمي ،وأن
واحدة بين يديه يغرسها دون يأس ،حتى لو بدا لبعضهم أن البحر قد الدراسة السابقة ال تلغي موضوعه بالضرورة ،فأمامه أن يعمق ما
فاض ،وأن الطوفان قد أغرق كل شيء .فالمأساة كبيرة ،غير أنه ال وصل إليه من قبله ،بإضافة دليل جديد إلى أدّلتهم ،أو رد دليل
يأس مع اإليمان .وال يقال :إن أمر اللغة جزء من واقع األمة ضعيف عندهم بدليل قوي عنده ،أو باتخاذ ما بنوه لبنات أخذْت
الراهن ،وعرض من أعراض تخّلفها ،فإن صلح حالها واستعادت موقعها في صرح المعرفة ،وأن موضع لبنته سوف َيُس ّد فراغًا
دورها الحضارّي ،عاد لّلغة مجدها ،فهذه المقولة ،على صحتها ،ال محددًا ،وأن فقرة الدراسات السابقة تحدد موقع بحثه من البحوث
تسوغ أّال نبدأ ،فمن بدايات النهوض الحضاري أن ُينتبه إلى الّلغة، القريبة من موضوعه ،فهي "َم ْك َس ب" لبحثه ،وليس لغمًا ينسفه ،وكم
بوصفها الوعاء الذي يستوعب الحضارة .وهذا ما فعلناه من قبل، من الطلبة َم ْن أساء فهم الدراسات السابقة من حيث المبدأ ،إذ يحشد
وتفعله األمم الحّية. بعضهم في خطة بحثه من الكتب العامة كالمعجمات والفهارس ما
ولعله يحسن في هذا المقام أن نؤكد ضرورة أن تتداعى أقسام اللغة يدل على عدم وعي بمفهوم الدراسات السابقة .وحتى استعراضهم
العربّية وكلّياتها ،في األقطار الناطقة بها ،وغير الناطقة بها ،في لما يمكن أن ُيَع َّد من الدراسات السابقة ،فإن فيه ما ينّم عن سطحية
اجتماعات وندوات تعقد عن طريق ُم ؤسسة تنبثق عنها ،لُتْح كم بالغة .وكثيرًا ما ردد الطالب عبارات جوفاء عن المنهج ،من غير
التنسيق ،مع ترك مجال للتمايز البّناء فيما بين التجارب ،فتقوم أن تحس أن أهدافهم تتطلب ذلك المنهج ،ومن غير أن يطرح أحدهم
بدورها في اختيار المواد ،وِنَس بها ،وبيان أهمّية المناهج ،والوسائل
(*) عضو مجمع اللغة العربية األردني ،وأستاذ اللسانيات في قسم اللغة التعليمّية ،والتنسيق في مجال البحث العلمّي ،وتبادل األساتذة
العربية ـ الجامعة األردنية. والباحثين ،وربط المكتبات ومصادر المعلومات بوسائل الربط
( )1يقصد المقرر في المدارس األردنية. المتطورة .فلو أّن الجامعات واألقسام فعلت هذا لتكاملت مكتباتها،
( )2اجتهدت مع بعض الزمالء ،في وضع اختبار ،نشرته الجامعة وأغنْت باحثيها ،وألحكَم ْت مشروعاتها ،وعرفت أولوّياتها ،وما
األردنّية ،بعنوان ":دليل اختبار القراءة التشخيصي" ،كما كانت لي مع ُأنجز منها وما لم ُينجز ،ولما وقعت في التكرار الُم ِم ّل للبحوث.
ابنتي حنان محاولة أخرى ُنشرت ،بعنوان":مهارات اللغة العربّية- فمتى ُيَفّع ل اتحاد الجامعات العربّية؟ ومتى ُتفّع ل مجامع اللغة
اختبار تشخيصّي في النحو والصرف والمعجم والعروض واإلمالء
العربّية ،وينسق بينها من جهة ،وبينها وبين الجامعات من جهة
والمعنى".
أخرى؟ ومتى ُيْح كم التنسيق حتى بين جامعات البلد الواحد؟ ومتى
تصدر الدورّيات المشتركة لتحمل أخبار الجامعات وإ نجازاته؟ ومتى
ُتستثمر شبكات "اإلنترنت" ووسائل االتصال الحديثة لتقريب الزمان
والمكان؟ ومتى نعي أهمّية الوسائل المتطّو رة في توصيف اللغة
وتيسير تعليمها للناطقين بها ،وللناطقين بغيرها؟ ومتى يؤّد ي
اللغويون دورهم المشترك مع تخّص صات أخرى في سبيل تقديم
العون إلى ماليين المعاقين نطقيًا متى ُتطّو ر ُم عجماتنا العاّم ة
والمتخصصة متى ُيستكثر من حلقات البحث والحوار في
المحاضرات ،ومتى تهترىء أوراق دفاتر اإلمالء القديمة التي َيعتمُد
عليها طراز من المعلمين "المحترفين"ُ ،يزِه قون بها البحث العلمي
وُيرهقون األجيال ومتى تنشط الترجمة ،وتعريب العلوم ،وتوضع
األسس والخدمات الالزمة لذلك ومتى ُتحل عقدة تقليد المغلوب
للغالب فنستعيد ثقتنا بالعربّية ،ونقبل عليها وال ُندبر عنها؟ ومتى
ُيرصد لتنمية العربّية جزء من المال المهدور من ميزانيات الدول
واألثرياء لتمويل مشروعاتها؟.
ال عزاء لإلنسان إزاء المساء الداكن الحزين الذي تقطعه العربّية في
زماننا ـ ومنذ قرون ـ سوى أن يؤّم ل في هبوب أنفاس الصبح ،يحمل
بشائَر إشراقته بعُض السائرين الساهرين بإمكاناتهم ،وإ ن كانت
محدودة ..على أّن العزاء األكبر يأتي من أن هذه اللغة محفوظة من
اهلل سبحانه ،بحفظها لكتابه الخالد ،فقد تعّهده ،سبحانه ،فقال ( :إنا
نحن نّز لنا الذكر وإ نا له لحافظون) .ولكن نواميس إرادته وحكمته
سبحانه ،تقتضي أن يكون التغيير إلى األفضل ،امتحانًا للمخلوق
الذي ينشد أن يترّبى على منهج العمل ،لتمييزه من المخلوق الذي
يترّبى على منهج الكسل( .وإ َّن الّله ال يغّيُر ما بقوٍم حّتى يغّيروا ما
بأنفسهم) (وقل اعملوا فسيرى الّله عملكم).
وختامًا ،فالمرجو أن يظّل تحسين األداء في تقديم العربّية للناشئة،
هاجسًا ُيقلقنا ،وأن تبقى العربّية أّم ًا لهذه األمة ،تغار عليها ،وتسهر
من أجل خدمتها ،وَتعتُّز بها ،فهي لغة القرآن العظيم ،ولغة العلم
والحضارة ،وهي مظهر وجوهر نَتوّح د عليه ،ونباهي به.