Professional Documents
Culture Documents
الفكر السياسي في عصر النهضة
الفكر السياسي في عصر النهضة
.1األمير:
يرى ميكيافلي أن الدولة الوضعية املوحدة و القوية ال يمكنها أن تقوم بدون وجود حاكم فرد
يتمتع بخصائص متميزة يتولى مهمة إقامتها و الحفاظ عليها من بين الخصائص و الصفات التي يجب
أن تتوفر في هذا األمير يذكر ميكيافلي ما يلي:
أن يكون بعيدا عن الفضائل و معايير الخير قريبا من الرذائل و معايير الشر.
أن يكون له القدرة على ارتكاب املعاص ي و اآلثام إذا اقتضت مصلحة البالد ذلك.
أن يكون قاسيا غير رحيم ،و أن يجعل رعاياه في حالة خوف دائم من العقاب.
أن يكون مستعدا للتخلي عن عهوده و أن ال يلتزم بها ،إال إذا كان ذلك في مصلحة بالده.
أن يكون محبوبا و يخافه الناس ،و في حالة استحالة الجمع بينهما فيجب أن يكون األمير ُمخافا
ُمهابا بدال من أن يكون محبوبا.
أن يتظاهر بالتدين و التقوى ،ألن الدين هو وسيلة في يد الحاكم للتحكم و السيطرة على والء
املحكومين ،و هو أداة لتحقيق الوحدة و تماسك الدولة.
.2الجيش:
2
يرى ميكيافلي أن الدولة القوية املوحدة ال يمكن أن تقام بدون وجود جيش وطني خاص ،لذلك
دعا إلى تفكيك جيوش املرتزقة و التخلي عنها ،ألنها كانت تحارب باسم امللوك و نيابة عنهم لكن والءها
قائم على املال و ليس قائم على الوالء للدولة أو األمير ،لذلك دعا إلى تأسيس جيش وطني له الوالء
التام للملك و الدولة و يمكن االعتماد عليه أثناء الحروب ،ألن جنوده بإمكانهم التضحية من أجل
الوطن و األمير على عكس املرتزقة الذين ال وطن لهم و ال والء لهم إال للمال.
.1الكنسية:
لقد كان ميكيافلي يؤمن بأهمية الدين لحياة الفرد االجتماعية و أنه عامل وحدة للعنصر
اإلنساني ،لكنه عارض أي دور للدين في السياسة ،فقد هاجم الكنيسة و تدخلها في مناحي الحياة
خاصة السياسية منها ،و اعتبرها السبب الرئيس ي في تدهور الروح الدينية و بعد الناس عن الدين في
ايطاليا بسبب فسادها و تخلفها و محاربتها للتقدم و اإلبداع ،كما أنها السبب الرئيس ي في انقسام
املجتمع و الحروب بسبب بعدها عن الجانب الروحي و اهتمامها بالجانب املادي الدنيوي رغم أنها أداة
خالص روحي في األساس ،كما أن والء املحكومين لها باعتبارها تمثل العالم املسيحي يتعارض مع قيام
الدولة الوطنية ذات الوالء الواحد املوحد ،و بذلك فهي تمثل عامل تفتت يجب القضاء على نفوذها و
حصره في العبادة داخلها فقط.
.2الطبقة اإلقطاعية:
يرى ميكيافلي أن وجود منافسين داخليين لسلطة الحاكم يفشل و يضعف الدولة ،و أن أخطره
هؤالء هم النبالء اإلقطاعيون ،لذلك دعا إلى ضرورة تصفية سلطتهم كشرط أساس ي لقيام الدولة
الوضعية املوحدة ،فطاملا أن هؤالء النبالء يملكون قالعا و أتباعا فإنهم يشكلون خطرا و عائقا أمام
سلطة و قوة األمير و دولته ،خصوصا إذا ما تولى هذا األمير الحكم عن طريقهم أو بمساعدتهم ،لذلك
3
اقترح ميكيافلي طريقتين للحد من سلطتهم و خطرهم ،بأن يجعلهم معتمدين على عطفه و إحسانه من
جهة ،و من جهة ثانية بأن يجعلهم تحت رقابته و يميز بين أوالئك الذين يرتبطون به دون أن تكون لهم
مصالح خاصة ،و بين أوالئك الطامعين الذين يجب الحذر منهم و تصنيفهم في خانة األعداء دون إبداء
ذلك لهم.
لقد اتخذ ميكيافلي موقفا سلبيا من النبالء و رجال الدين و اعتبرهم عائقا أمام تقدم الدولة و
وحدتها ألنهم في رأيه كسالى عاطلين عن العمل غير مفيدين للدولة و ال يساهمون في بنائها ،و هم
يعيشون طفيليين فيها يستنزفون الخزينة و يبذرون املال على حياة الترف و البذخ ،لذلك فهم أشد
خطرا من أعداء الخارج خاصة عندما تتهدد مصالحهم الخاصة في ظل مصلحة الدولة العامة ،لذلك
دعا األمراء إلى التخلص منهم أو على األقل إضعافهم و إخضاعهم لسلطة الدولة.
شهد القرنان السادس عشر و السابع عشر صراع حول النفوذ بين اإلمبراطور ممثال للسلطة
الزمنية العاملية و بابا الكنيسة ممثال للسلطة الدينية العاملية و النبالء اإلقطاعيين ممثلين للسلطة
املحلية اإلقليمية في القارة األوربية ،ما نتج عنه ضعف و انحالل هته األشكال الثالث من السلطة
السياسية و بروز امللوك و األمراء و تطلعهم لتوسيع سلطاتهم و تقوية دولهم و تحقيق استقاللها،
حيث نظر الكثير من املفكرين لقيام سلطة وطنية مركزية قوية و مطلقة ،كان من أهمهم الفرنس ي
جان بودان في أوائل القرن السادس عشر بنظريته حول السيادة.
4
1596بالطاعون عن عمر يناهز السادسة و الستون عاما ،من أهم مؤلفاته :كتاب منهج لتيسير فهم
التاريخ ،و كتاب الجمهورية.
تعني السيادة استقالل الدولة و حكومتها و قراراتها عن أي سلطة و إرادة أي جهة داخلية أو
خارجية ،و تتمتع هذه الدولة و الحكومة ذات السيادة بسلطة عليا مطلقة ،شاملة ،عامة ،دائمة،
موحدة ( غير منقولة ،غير مجزأة ،غير منقوصة أو محدودة) تمارس على إقليمها و رعاياها.
يعرفها بودان بقوله أنها " السلطة العليا التي يخضع لها الرعايا و جميع املواطنين و ال تتقيد
بالقانون" ،و يفسرها على أنها ضرورة الزمة للمحافظة على النظام السياس ي ،و ليست عقابا دينيا من
هللا للبشر على الخطيئة األولى ،و يحدد وظيفتها األساسية في وضع القوانين ،و يرى أن السيد األعلى أي
األمير صاحب السيدة ،ال يعترف بش يء أعظم منه إال هللا ،لذلك فهو ال يفسر أفعاله و ال يدافع عنها
أمام أحد إال هللا وحده.
يرى بودان أن السيادة املطلقة ينبع وجودها من ذاتها فهي ليست منبثقة من أي سلطة أخرى ،فهي
ترتكز في وجودها على اتحاد أفرادها في الخضوع للقانون الطبيعي لتشكيل مجتمع يتسلح بالسلطة
املطلقة التي تجتمع فيها كل أشكال السلطة في الدولة ،و بهذا املعنى يصبح ملفهوم السيادة بعدين:
داخلي و خارجي ،يتمثالن في التخلي عن التصور اإلمبراطوري للنظام العالمي و على التصور الديني
ململكة املسيح ،و واقع النظام اإلقطاعي املسيطر على بعض األقاليم.
5
-2خصائص و مميزات السيادة عند بودان:
سلطة عليا :مالزمة للدولة و غير قابلة للتنازل عنها أو تخويلها ألي جهة أخرى.
سلطة مطلقة :ألنها تعلو على كل سلطة و ال تنافسها أي سلطة في الدولة.
سلطة شاملة :حيث يخضع لها كامل إقليم الدولة و جميع مواطنيها.
سلطة دائمة :فهي مالزمة لقيام الدولة فتوجد بوجودها و تدوم بديمومتها و تنتهي بانتهائها.
سلطة ال تتجزأ :فالسيادة واحدة في الدولة الواحدة و ال يمكن تجزئتها بين األقاليم و بين
الحاكمين ،فهي ترتبط بسيد واحد صاحب السيادة له وحده سلطة تشريع القوانين و متابعة
تنفيذها.
-3سيادة األميرفي دولة بودان:
يجعل بودان األمير في دولته صاحبا للسيادة أي املخول الوحيد بممارستها ،حيث تحدد
واجباته بناءا على ذلك في:
أكد بودان على جعل القانون بيد السيد املطلق ،ألن أول و أبرز ما يجسد سلطته و يعبر عن قوته
هو احتكاره لسلطة تشريع القوانين و تعديلها و تغييرها كلما اقتضت الضرورة ،لكن و مع ذلك أوضح
بودان أهمية القانون الطبيعي ألنه الوحيد الذي يقيد السلطة املطلقة للملك.
6
يرى بودان أن وجود هذه الدولة املوحدة ذات سيادة ال يعني بالضرورة وجود نظام حكم واحد في
جميعها ،بل يرى بوجود أنواع متعددة من أنظمة الحكم فيها تبعا لطبيعة املركز املتمتع بالسيادة أو
صاحب السيادة فيها ،حيث يكون الحكم ديمقراطيا حين تكون السيادة غائبة أو هي لجميع الناس،
بينما يكون الحكم أرستقراطيا عندما يتمتع بالسيادة قلة أرستقراطية مهيمنة ،في حين يكون نظام
الحكم ملكيا وراثيا مطلقا عندما يتمتع بالسيادة في الدولة حاكم فرد بالوراثة.
امتدح بودان النظام األرستقراطي ألنه نظام قلة يعبر عن النخبة في الشعب ،لكنه يفضل النظام
امللكي الوراثي استنادا إلى األسباب التالية:
امللكية الوراثية املطلقة تمنع حدوث الفوض ى ،فالجسم الواحد ال يملك إال رأسا واحدا.
امللكية الوراثية املطلقة تمنع حدوث النزاع حول العرش ألن نظام الوراثة املتبع فيها يضمن انتقال
سلمي طبيعي للسلطة.
امللكية املطلقة تلتزم بالقوانين اإللهية و الطبيعية ،ألنها مسؤولة فقط أمام هللا.
امللكية الوراثية املطلقة هو نظام الحكم الذي ساد في معظم أنحاء األرض و ألطول مدة من الزمن،
و أقر به التاريخ مثلما أقر بالسلطة األبوية.
7