Professional Documents
Culture Documents
Le Periple de Dumuzi de Tammuz A Ashura
Le Periple de Dumuzi de Tammuz A Ashura
املقدمة
حمرك الوجودتعُد املعرفة-يف بعدها الكوين -نقطة التقاء بني روافد خمتلفة وإذا ما كان التّاريخ ّ
احملرك-أي املعطى التّارخيي -حمكوم جبملة اإلنساين وشاهدا على شكل إقامة اإلنسان يف الكون فإن هذا ّ
من الرؤى اليت تربطها به صالت تضيق دائرهتا أو تتسع حبسب املهيئات املوضوعية ومن ذلك عالقة التّاريخ
ابحلكمة أو ابلعلم أو ابلدين والثيولوجيا واالثنولوجيا وغريها من أشال التمثّل املعريف .وتبقى عالقة التّاريخ
ابألسطورة مميّزة لقربه منها واحتضانه هلا .وتفسري ذلك التداخل الذي جنده بني اخلطاب التّارخيي واخلطاب
األسطوري.
ولسنا نبالغ إذا ما قلنا إ ّن التّاريخ-على علميته ودقّته أحياان -ال يعدو أن يكون ضراب من التمثّل
األسطوري للظواهر .فيجد ال ّدارس نفسه أمام اتريخ أسطوري أو أسطورة اترخييّة.
التصور الشعيب بل األسطورة قد تستند إىل نواة فليست األسطورة خرافة كما يذهب إىل ذلك ّ
وموِزي على أسطوريتها معطى اترخييّة ممّا جيعلنا يف صميم احلقائق التّارخييّة-إن وجدت -وتعترب رحلة ُد ُ
اترخييا قابال لل ّدرس .وما يربطها ابلتّاريخ هو ّأّنا اختذت مسارا .واملسار من خصائص الفكر التّارخيي.
فسر يف مشارب خمتلفة الرمز األسطوري يُ َّ وحبكم انفتاح التّاريخ على األشكال األخرى للمعرفة فإن ُد ُ ِ
وموزي ّ
وحتولت إىل
استقرت يف اجملال األديب ّ فهو :معطى اترخيي ،وفكرة فلسفيّة ،وطَقس ديين وإحالة تصويرية ّ
عامل اإلنشاء الشعري والروائي واملسرحي.
الس َري ،منها سرية متُّوز اليت هي مادة مقالنا هذا ،وهي احتوى كتاب الفالحة النّ بطية على عديد ِ
َ
خصها ابن وحشيّة ،مرتجم الكتاب ،حباشية .ال تكمن طرافة هذه احلاشية يف ما زعمه السرية الوحيدة اليت ّ
ابن وحشيّة من نقله سرية اببلية قدمية فحسب ،بل يف تواصل هذه السرية وسفرها إىل بلدان أخرى يف
شكل ذكران .لكن رغم طرافة هذه املزاعم فإن كتاب الفالحة النبطيّة مل حيض ابملكانة املستح ّقة لدى
علماء اآلشورايت ،فهم ال يُ َع ِّولون يف كتابة اتريخ ّ
الشرق القدمي إال على ما وجدوه َمْن ُحوات أو َمكْتُواب على
األلواح املسمارية ،وإن عادوا إىل املصادر القدمية ،فإّنا ال تعدو أن تكون مادة لتأكيد ما جاء يف األلواح
الشرق
الرتاث البابلي القدمي يف العراق و ّ أو نفيه ،ويف أحسن األحوال للبحث عن براهني تؤكد رسوخ ّ
اخلزان الذي
األدىن .لذلك غالبا ما تكون نظرهتم سلبية جتاه املصادر اليواننية والالتينية ،فهي عندهم مبثابة ّ
الدجل ،فإن كانت هذه صورة املصادر القدمية لدى علماء امتأل ابخلرافات واألساطري والغرائب والعجائب و َ
أتقدم ابلشكر اجلزيل لصديقي وزميلي حممد املزوغي ملرجعته اللغوية هلذا العمل . 1
اآلشورايت ،فكيف ستكون صورة مصادر القرون الوسطى .هنا تتنزل دراستنا حلاشية ابن وحشيّة قصد
التعرف على جوانب من احلضارة التنبيه إىل قيمة كتاب الفالحة النبطيّة ابعتباره ُم َد َّونَة قد تساعد يف ّ
البابلية القدمية.
قسمت هذا العمل إىل ثالثة عناصر رئيسة ،سأسعى يف العنصر األول إىل تقدمي األسباب اليت ّ
الشرق القدمي.
تغري صورة كتاب الفالحة النبطيّة وأن جتعل من بعض مقاطعه مادة لدرس اتريخ ّ مبكن أن ّ
أما العنصر الثّاين فسوف أخصصه للتعرف على أصل سرية متُّوز ،ألتتبّع يف العنصر الثالث سفر متُّوز يف
املكان والزمان.
الس ْيب يف القرن السادس ق.م،.استبدلت الكنعانية اليت كانت لغتهم ابآلرامية
ملا اندمج اليهود يف اجملتمع البابلي بعد َّ
2
ّ
الشرقية ،فامتزج تراثهم الشفهي البدوي البدائي ابلرتاث البابلي القدمي ،وقد أمثرت هذه الزجية احلضارية جتميع العقيدة ّ
ِ
اليهودية يف مؤلف واحد ابللغة اآلراميّة ،هو العهد القدمي ،ومسيت األسفار اخلمس األوىل منه التوراة ،ونُسبَت إىل موسى.
األول ( 261-281ق.م) فقد التقى هذا األخري بكاهن اإلله ِِ ِ
الرافدين إىل مملكة هلينيّة مع أنطيوكوس ّ ّ
الرافدين القدمية . ِ ِ
روسوس الك ْلداين ،وهو بَ ُروشا الك ْلداين ،الذي نقل له أخبار اببل وبالد ّ َم ْرُدوخ ،يُدعى بَ ُّ
4
السلوقية ،فقد طلب بطليموس الثّاين يف سنة واثلث هذه األخبار ما هو متّصل برتمجة التوراة يف فلسطني ّ
270ق.م .من سبعني عاملا يهوداي من سكان اإلسكندرية ترمجة التوراة إىل اليواننية واليت أصبحت تعرف
السْبعِينِيَّة.5
فيما بعد ابلنسخة َّ
ليسرت ّأول النقلة
6
الصنف الثّاين من املصادر اليت نقلت أخبارا عن بَ ُروشا ،كان اسكندر ﭘو ُ يتكون ّ ّ
ُّ 8 ِ
وقد نقل عنه أ ََزبْيُوس ،الذي نقل عنه فيما بعد ﭬ ُريﭬ يُوس س ﭭ َكلوس .واألخبار اليت أوردها كل من 7
3نسبة إىل سلوقوس ،أحد ضباط اإلسكندر الكبار .رفض يف البداية االستقرار يف اببل ليؤسس فيما بعد عاصمة جديدة
مسّاها أنطاكية.
ِ
روسوس الك ْلداين أنّه عاش قبل الطوفان ،وأ ّن اآلهلة
أجل احلكماء السبعة ،يقول بَ ُّ
آداﭘ ا ،أحد ّمن بني هذه األخبار ،خرب َ
4
339-265 7ب.م.
)Γεώργιος Σύγκελλος( 8عاش يف أواخر القرن الثامن بعد املسيح.
9عاش يف القرن اخلامس قبل املسيح.
األول قبل املسيح.
عاش يف القرن ّ
10
أسسوا ساللة اببل العاشرة (626-732 آشور ،بلغ عدد ملوكها 49ملكا من 2059إىل 160ق.مّ ،.
ق.م ،).من صلبهم برز مؤسس ساللة اببل احلادي عشر َاببُوﭘوالسار الذي حارب اآلشوريني .لكن صورة
لدنِية يف املصادر اليواننية والالتينية ابل َك َهانَة الك ْلدانِيِني سوف تُ َشوه بعد سقوط اببل ،فالتصقت لفظة ِ
الك َ ّ
ِ
السحر والتَ ْن ِجيم ،رغم وجود إشارات لرباعتهم يف علم الفلك والرايضيات ،لكنها اندرة.14 ِ
و ّ
اآلرامية والّتاث ِ
الك ْل َداين ر
الس ْرَاينيَة القدمية و النّ بَطيَّة
ذكر ابن وحشيّة يف كتاب الفالحة النّ بَطية أنّه نقل علوم النّ بَط من ُ
واننِية" ،قلم احلكمة" القدمية ،واعتربته كتب الطبقات من فصحاء النّ بَط بلغة ال َك ْس َدانِيِني ،وأنهّ كان يُتقن اليُ َ
لس ْرَاينيَة والنّ بَطيَّة؟ وما املقصود بكلمة "قدمية" كما يقول ابن وحشيّة نفسه .لكن ماذا يقصد ابن وحشيّة اب ُ
السبيل الوحيد للتعرف الرافدين ،فهي ّ تطور الكتابة يف بالد ّ ؟ قد ال نفهم كالم ابن وحشيّة إذا مل نتَّتبع ّ
الرتاث البابلي القدمي. على املصادر اليت اعتمدها ابن وحشيّة لنقل ّ
الرافدين االنتقال من الكتابة املسمارية إىل الكتابة اآلراميّة ،تلك الكتابة اليت استنبطتها عرف بالد ّ
قبائل شبه بدويّة ،تعرف ابآلراميني ،ورد ذكرها يف احلوليات اآلشورية – البابلية منذ أواسط األلف الثانية
استقروا يف منطقة اهلالل اخلصيب زمن ضعف الدولة اآلشورية واحنالهلا يف القرنني احلادي قبل املسيحّ ،
لكن نفوذهم الثقايف كان حامسا الشرق القدمي ّ عشر والعاشر قبل املسيح .مل يهيمن اآلراميون سياسيا على ّ
بفضل االنتشار السريع للغتهم وكتابتهم ،فقد تفوقت على الكتابة املسمارية لتبنيها الكتابة األجبدية
وم ِريّة الصعبة .مل يقتصر دورها على منافسة لغة الس َ
الصورية ُالكنعانية ،فهي كتابة سهلة مقارنة ابلكتابة ّ
15
الرافديين القدمي، الرتاث ّ الرافدين وكتابتها ،بل أصبحت بعد سقوط اببل الوعاء الذي ُخِّزن فيه ّ بالد ّ
السومري-األ ّكدي والكلداين-اآلشوري.مل تكن اآلراميّة لساان واحدا ،كان اهلالل اخلصيب الفيصل اجلغرايف
الشرقية ،و غربه تنتشر اآلراميّة الغربية. يف تقسيمها ،تنتشر شرقه اآلراميّة القدمية ،لذلك تسمى اآلراميّة ّ
الصراع اللغوي بني احلضارات الساميّة القدمية ،جملرة مركز اببل لل ردراسات اإلنسانية ،جملد ،2العدد ،1حزيران ّ
15
قرب َحّران ،هناك القته أقوام عديدة من بينها مجاعة َحّرانية ،استغرب املأمون من لباسهم األسود وشعرهم الطويل يف
وخريهم بني اعتناق اإلسالم أو التوحيد ،فنصحهم
خصل فسأهلم إن كانوا من أهل الكتاب فلم جييبوا فاعتربهم من الوثنيني ّ
أحد شيوخ َحّران أبن يقولوا حنن صابئة ومنذ ذلك الوقت ّاختذوا هذا االسم.
األول ،1993 ،ص.5 ابن وحشيّة ،الفالحة النبطيرة ،حتقيق توفيق فهد ،دمشق ،ج ّ
19
عاالطيا ال َك ْس َد ِاين ،20أو الكزداين ،21املعروف اببن وحشيّة .ينتمي إىل الطائفة ال َك ْسدانِيّة ،من سكان
مدينة قِ ِّسني 22و مدينة ُجْن بُال .23أرجع ابن النّدمي نسب ابن وحشيّة إىل سنحاريب .24ال جند يف املصادر
حت تلك اليت نقلها ابن وحشيّة أو تلك اليت ألّفها ،معلومات ختص اتريخ ميالده أو اتريخ العربية ،أو ّ
وفاته ،ابستثناء بعض املعلومات املقتضبة عن اتريخ الرتمجة واإلمالء ،جاء فيها أن ابن وحشيّة نقل كتاب
الفالحة النّ بَطية يف سنة 291للهجرة ، 904-903/وأنّه أماله على أيب طالب أمحد بن احلسني من علي
من أمحد من حممد من عبد امللك الزايت يف سنة 318للهجرة .25930/وردت معلومات مقتضبة يف
كتاب شوق املستهام يف معرفة رموز األقالم ،فيها اتريخ رحلة ابن وحشيّة إىل دمشق يف سنة 241
للهجرة ،26855/أو تلك اليت ختص تكوينه العلمي يف َحّران.27
29
كان ابن وحشيّة أحد فصحاء النّ بَط بلغة ال َك ْس َدانِيِني" ،28نقل كتبا كثرية من النّ بَطيَّة إىل العربية
:كتاب الفالحة النّ بَطيَّة ،وكتاب دواانى البابلي يف أسرار الفلك و األحكام على احلوادث من حركات
الك ْل َدانِيِني
النجوم ،30وكتاب األسرار ،و كتاب السحر الكبري ،وكتاب السحر الصغري ،و كتاب مذاهب ِ
يف األصنام ،و كتاب اإلشارة يف السحر ،و كتاب أسرار الكواكب ،31وكتاب األصول الكبري يف الصنعة ،و
كتاب األصول الصغري يف الصنعة ،و كتاب املذاكرات يف الصنعة.32
تكمن أمهية نقول ابن وحشيّة أوال يف قيمة امل َد ّونة اليت اعتمدها واثنيا يف الطريقة اليت اتبعها يف
استقاه من مصادر آرامية قدمية ،وما هو بيزنطي-يوانين التأليف بني ما هو نبطي يعود إىل الشرق القدميُ ،
ّ
20ابن الندمي (أبو الفرج) ،الفهرست ،حتقيق غوستاف فلوجل ،ص .311
21نفس املصدر ،ص .358والكزداين يقابلها استعمال كرداين يف كتاب الفالحة النبطيرة.
22ابن الندمي ،نفس املصدر ،ص .311
23نفس املصدر ،ص .358
24نفس املصدر ،ص .311
25ابن وحشيّة ،نفس املصدر ،ص .5
26الطرابلسي (بوراوي) ،نفس املرجع ،ص .228
27نفس املرجع ،ص ص .233-231
28نفس املرجع ،ص .229
29نفس املرجع ،ص 229واليت بعدها.
30قال عنه ابن وحشيّة" :كتااب عظيم القدر نفيس يتألف من حنو ألفي ورقة ،من الورق املسمى الرق أبحسن خط و
أصحه و أقومه و أبينه" .ابن وحشيّة ،نفس املصدر ،ص.8
31ابن الندمي ،نفس املصدر ،ص .312
32نفس املصدر ،ص .358
صبِغ ابألفالطونية املحدثة ،استقاه من مصادر احتوت على مقاطع منحولة .33ارتبطت نقول ابن وحشيّة ُ
ِ ُ
بدوافع ذاتية ،فقد كان يسعى إىل إعادة إحياء جمد طائفته ،ومل ُخيْف ذلك ،يف فرتة احتدت فيها الصراعات
أين وجدت يف هذا الكتاب يف مجلة ما الشعوبية ،فقد جاء على لسانه خماطبا أاب طالب " :اعلم اي بين ّ
ِ
وجدت من كتب ال َك ْس َدانيِني مرتمجا برتمجة معناها ابلعربية كتاب فالحة األرض و إصالح ّ
الزُروع و الشجر
و الثمار و دفع اآلفات عنها .و خطر ببايل اختصاره مث فكرت فإذا ذلك خطأ غري صواب ،من أجل أن
قصدي إمنا إيصال علوم هؤالء القوم ،أعين النّ بَط الكسدانيني منهم ،وذلك إنين وصلت إىل كتبهم يف زمان
حت مل يبق إال ذكرهم فقط وذكر بعض علومهم ،ذكرا كاخلرافات بال معرفة .فلما قد درس فيه ذكرهم ّ
رأيت ذلك اجتهدت يف طلب كتبهم فوجدهتا عند قومهم بقااي الكسدانيني وكنت على دينهم وسنتهم
ولغتهم ،ووجدت ما وجدت عندهم من الكتب ،وهم يف ّناية الكتمان واإلخفاء واجلحود هلا و اجلزع يف
الس ْرَاينية القدمية ،ما مل أره مع كثري
جل قد رزقين من املعرفة بلغتهم ،اليت هي ُ
عز و ّ إظهارها .و كان هللا ّ
أحد .وذلك إنين منهم ومكنين هللا تعاىل من املال والداننري ،فله احلمد ،فوصلت إىل ما أحببت من كتبهم
هبذه الوجوه اليت عددته ،فاستعملت املداراة والبذل ولطيف احليلة ،إىل أن وصلت إىل ما أمكن من
كتبهم ...إذ كانت الكافة من هؤالء القوم ،الذي هم بقاايهم كالبقر و احلمري والعاجزين عن فهم شيء
من علوم أسالفهم .فجعلت أنقل كتااب بعد كتاب".
مل يكن كتاب الفالحة النبطيّة جمرد نقول قدمية يف الفالحة بل كان حقال شاسعا غرست فيه كنوز
الزرع والغرس على عديد الشرق القدمي ،فقد احتوى الكتاب يف ثنااي تعاليم ّ معرفية وعقائدية تعود إىل ّ
حت
املقاطع اليت هلا صلة ابلسحر واخلرافات والتنجيم واألساطري ،ال جندها ال يف املصادر العربية وال ّ
التعرف عليها إذا ما سلّمنا ّأّنا ال تعدو أن تكون سوى نتاج شابه الس ْرَاينية .لذلك قد يكون من الصعب ّ ُ
التحريف والتزوير مع األفالطونية احملدثة ،لذلك فإن السبيل الوحيد للتحقق من مصداقية مزاعم ابن وحشيّة
للرتاث ال َك ْس َد ِاين القدمي ،مقارنة هذه املقاطع ابملصادر املكتوبة ،نعين األلواح املسمارية ،اليت ترجم
عن نقله ّ
أغلبها ،ومن بني هذه املقاطع ،حاشية أورد فيها ابن وحشيّة سرية متُّوز وعلّق عليها.
صنّف املنحول أكثر دقة وعمقا من األصل ،إىل درجة أن ادعى واضعو هذه املنتخبات ملكية أفكار بل أصبح املُ َ
33
املؤلّف .قد يكون ابن وحشيّة نقل قراءة أحد وجهاء الثقافة البيزنطية ابنتحال عديد املقاطع من كتب الفالحة ،قراءة تقوم
على ثالث مراحل :استخراج صحفا من هوامش الكتب ،اثنيا استخراج من هذه الصحف عديد احلواشي ،واثلثا مجع
هذه احلواشي يف مادة ِ
مستقلّة عن النص األصلي.
" إن هذا الشهر املسمى متُّوز هو ،فيما ذكر النّ بَط ،حبسب ما وجدت يف كتبهم،
اسم رجل كانت له قصة عجيبة طويلة ،وقتل ،زعموا قتالت قبيحة بعضها بعقب
بعض ،وأ ّن شهورهم هذه كل واحد منها اسم رجل فاضل عامل كان يف القدمي من
النّ بَط الذين كانوا سكان إقليم اببل قبل ال َك ْسدانِيِني .وذلك أن متُّوز هذا ليس من
ال َك ْسدانِيِني وال الكنعانيني وال العربانيني وال اجلرامقة ،إمنا هو من احلساسن
األولني...و الصابئيون كلهم يف زماننا من البابليني واحلراننيني مجيعا ،إىل وقتنا هذا،
وحون و يَْب ُكون على متُّوز يف الشهر املسمى متُّوز ،يف عيد هلم فيه منسوب إىل متُّوز يَنُ ُ
و يُ َع ِّد ُدون تَ ْع ِديدا عظيما ،و خاصة النّساء فإّنن يقمن هاهنا و حبَّران مجيعا،
فينوحون و يبكون على متُّوز و يهذون يف أمره هذايان طويال .إال ّ
أين تَبَ يَّ نَت أنّه ليس
لتموز ،و ال ما العِلَّة يف نَ ْو ِحهم عليه .فلما نقلت
عند أحد من الفريقني خرب صحيح ُّ
هذا الكتاب َمّر ِيب فيه أن متُّوز رجل كانت له قصة و أنّه قُتِل قتلة قبيحة فقط ،ال
زايدة على هذا من أمره ،ويل عندهم علم من أمره أكثر من أن يقولوا :هكذا وجدان
أسالفنا ينوحون و يبكون يف هذا العيد املنسوب إىل متُّوز .وأان أقول أن هذا ِذ ْكَران
لتموز كان يف القدمي و بَِق َى إىل اآلن و درس خربه لبعد زمانه .فليس بعلم يعملونه ُّ
قصته ومل انحوا عليه .و للنصارى ِذ ْكَران أحد من هؤالء يف زماننا هذا ما كانت ّ
يعملونه لرجل يسمى ُج ْورِجيس ،يزعمون أنّه قتل قتالت عدة قبيحة مث يعيش،
زعموا ،بعقب كل قتلة منها ،مث يقتل أيضا اثنية مث يعيش ،و كذلك اثلثة و مرارا ،مث
أنّه ما يف آخرها يف قصة يطول شرحها .و هي ُم َد َّونة يف كتاب يف أيدي النصارى و
هم يعملون له ِذ ْكَراان يسمون ِذ ْكَران ُج ْورِجيس .فقصة متُّوز هذا الذي قدمنا ذكره مثل
قصة ُج ْورِجيس سواء فال أدري أوقع إىل النصارى قصة متُّوز النيب اليت كانت قدميا،
بتموز أّنا جلُ ْورِجيس، فأبدلوا مكاّنا اسم ُج ْورِجيس كذلك ،مث ساقوا القصة املعمولة ُّ
و خالفوا الصابئني يف الوقت ،ألن الصابئني يعملون ِذ ْكَران متُّوز أول يوم من شهر
متُّوز ،و النصارى يعملون جلُ ْورِجيس يف آخر نيسان ،أو قبل آخره قليال .فقد وقفنا
صة ُج ْورِجيس يف تعذيبه و قتل امللوك له مرارا هي قصة متُّوز بعينها ،لكن اآلن أن قّ ّ
النصارى سرقوها من الصابئني و جعلوا ُج ْورِجيس أحد حواري املسيح ،و أنّه دعا
ملكا من امللوك إىل دين النصرانيّة فعذبه ذلك امللك بتلك القتالت اليت قتلته .و
الذي عندي أان ،مبقدار علمي ،أ ّن القصتني مجيعا كذب وحمال ال جيوز أن يكون
حقا .فهذا الذي ما وجدته يف كتاب الفالحة من أمره .مث وقع يل بعد ذلك كتاب
من كتب النّ بَط فيه شرح قصة متُّوز ،أنّه دعا ملكا إىل عبادة السبعة واالثين عشر ،وأ ّن
امللك قتله وعاش بعد القتلة له ،مث قتل قتالت بعد ذلك قبيحة يف كلّها يعيش ،مث
قصة ُج ْورِجيس اليت يف أيدي النصارى سواء هي هي. مات يف آخرها .فإذا هي ّ
لتموز ِذ ْكَراان هو عندهم عيد متُّوز و النصارى يقيمون جلُ ْورِجيس
فالصابئون يقيمون ُّ
ِذ ْكَراان هو عندهم عيد ُج ْورِجيس و تذكرة له" .
34
اندرا ما كان ابن حشية يعلّق على املواد اليت نقلها من النّ بَطية إىل العربية ،ومن غري املستبعد أن
تكون هذه التعاليق أقحمت بناءا على أسئلة أو استفسار طرحها أبو طالب الذي مجع الكتاب بعد وفاة
صاحبه ابن وحشيّة .تكمن أمهية هذه احلاشية أوال يف إبراز جوانب من شخصيّة ابن وحشيّة وتكوينه
ِ
س ابن وحشيّة جوابه على ّنج العلمي .فعن سؤال قد يكون طرحه أبو طالب ،هل ُوج َد متُّوز فعال؟ َهْن َد َ
يفصل بني األسطوري والتارخيي ،فكان بناء احلاشية على مراحل.
مراحل بناء ابن وحشيّة لسرية متُّوز:
السراينيّة اليت ورد فيها ذكر متُّوز.
-مجع املصادر املكتوبة اآلراميّة و ُ
-مجع املعلومات الشفاهية ،تلك اليت استقاها من حبوثه امليدانية ،قد ال نبالغ إذا ما وصفناها
لتموز وآخر ابالثنوغرافية حيث نقل من خالهلا ابن وحشيّة ما شاهده يف ِذ ْكَران كان يقام ُّ
جلُ ْورِجيسُ ،م ْستَ ْج ِواب يف ال ِّذ ْكَران األول أانسا كانوا ُحييُون موت متُّوز.
-مقارنة مواد مدونته املكتوبة والشفاهية وتقدمي مالحظاته واستنتاجاته.
املالحظات:
-ضرورة التمييز أوال بني طوائف الصابئة ،بني صابئة َحّران واببل والبطائح ،وأ ّن صابئة البطائح ال
35
الرافدين :طقوس جين التّمر ،طقوس الزواج املقدس ،42طقوس االحتفاالت يف الشهر السادس ،أي بالد ّ
شهر متُّوز ،إيذاان بنهاية فصل الصيف ،فصل القحط واجلدب والغُ ّمة حيث ُْحي َمل صنمه من مدينة أوروك
الرافدين من الثقافة الشفهية إىل ثقافة التدوين ،اجتازت حدود املعبد والقصر ،ودخلت نقلت الكتابة املسمارية بالد ّ
37
الشوارع واألزقّة والبيوت واألسواق ،فتفرع املكتوب إىل واثئق إدارية ،ونصوص ملكية ،ومؤلفات أدبية من تراتيل وتعويذات
األك ِدية بلهجاهتا ،البابلية
وم ِريّة على املكتوب إىل أن َغلَبَ ْت َها اللغة َّ
الس َ
وابتهاالت وتسابيح وشرائع .طغت يف البداية اللغة ُ
لدانِيَة. و اآلشورية و ِ
الك َ
38عرفت مدينة لَﭭش ظهور صنف أديب جديد حوايل سنة 2340ق.مُِ .مسّي أدب احلزن واملراثي حيث امتزجت فيه
األغاين ابلبكاء والنّواح بعد أن ُد ِّمرت املدينة واعترب ذلك عقااب من اآلهلة وسخطا عليها.
كان مدينته .أنظرVanden Berghe (L.), Réflexions .: وموِزي كان ملكا أهله س ّهناك طرح يرى أن ُد ُ
39
اليت هي أساس بناء هذه السرية .جاء يف ملحمة التكوين ،أ ّن العامل ،قبل التكوين ،كان فارغاً من كل
شيء عدا املياه األزلية ،من هذه املياه خرجت اإلهلة َمنُّو ،األم األوىل اليت مل تُولَد ومل تَلِد ومل يكن أحد
حتركت َمنُّو وصارعته ،فكان ميالد معهاِ ،
السكون هو السائد إىل أن ّ فجعل من املاء الرمحي كل شيء .كان ّ ُ
ِ
السماء وقاعدته األرض ،هو الكون وامسه آ ْن-كي ،آ ْن هو إله ِ
جبل يَعُوم وسط ذلك البحر األزيل ،ق َّمتُه ّ
صقني ،فأمثر ذلك ولدا هو أَنْلِيل ،إله اهلواء. السماء وكِي هي إهلة األرض .كاان يف مضاجعة دائمة ،م ْلتَ ِ
ُ ّ
ِ
السماء ،وأنزل ّأمه، عندما أصبح أَنْليل شااب سئم العيش مع أبويه ،فدفع أببيه ،آ ْن ،إىل األعلى ،فكانت ّ
حرك أَنْلِيل املطر فنكح اإلله آ ْن اإلهلة "كي" ،فَ ُولِد اإلله أَنْ ِكي ،إله املاء كي إىل األسفل ،فكانت األرضّ .
ِ
واحلكمة ،وخرج من املاء كل شيء حي ،وكان اخلصب .اكتمل التكوين مبيالده وانتظم الكون ،كون يسبح
يف فلك أم اآلهلة َمنُّو إىل أبد اآلبدين ،قبّة مساوية يف األعلى حتيط ابألرض ،واألرض قرص يسبح يف حبر
حييط هبا ،ويف األسفل توجد عوامل اجلحيم ،عامل الالعودة ،حييط به ّنر عظيم وبواابت سبع ،تؤدي كلها إىل
قصر اإلهلة أريشك جال واإلله نركال ،هذا العامل ختلد إليه أرواح املوتى من البشر.
وموِزي/متُّوز راعيا ،افتنت جبمال اإلهلة َإانانَِّ /ع ْشتَار ،إهلة احلب، كان ُد ُ
ذهب إىل أخيها أُوتُو ،إله الشمس ،طالباً يدها ،لكنّها رفضت ،فقد كان قلبها على
هوى فالح .45قرر دوموِزي/متُّوز الب وح بسر حبه هلا دون وساطة ،و ِ
اعدا َّإايها بتَ ْلبِية ََ ّ َْ ّ ُُ
43من بني الطقوس تنظيف صنم دموزي وإان ّان يف هذا الشهر.
44تعود هذه املراثي إىل احلقبة البابلية احلديثة ،من القرن احلادي عشر ق.م إىل القرن السادس ق.م ،كتبت ابللغة
وم ِريّة واللغة األ ّكدية .انظر كذلكBottéro (J.), Une fenêtre vers la Mésopotamie : un .: الس َ
ُ
fragment d’un mythe de Catabase autour du dieu du vin( ?), pp.19-22.
قالت ِع ْشتَ َ
ار/إان َّان لشقيقها: 45
الر ِ
اعيأان ،ال لن أتزوج من َّ
وثيابه اخلشنة لن أرتدي
كل رغباهتا ،فَ َعلِ َقْته ،لكنه ظل خيشى غرميه الفالح .كاان على وشك االقتتال لوال
عشيقته اشرتطت موافقة والديها 47على الزواج. خلُق الفالح الذي تَنَ َّحى ،46لكن ِ
ُ
ِ
بعد زواجها قررت َإانانَّ /ع ْشتَار ،دون سبب ،النزول إىل العامل األسفل،
نواميسه ال تسري على العامل العلوي ،ملكته إيريشكيجال ،شقيقة َإانانَِّ /ع ْشتَار
ابلزايرة ،لكن َإانانَِّ /ع ْشتَار مل ختشى النزول ،كانت
ال ُك ْربى .كانت على علم مسبّق ّ
تعول كثريا على مساعدة اآلهلة هلا ،خاصه اإلله أَنْ ِكي ،إله احلكمة .نزلت َإانانَّ/ ّ
ِع ْشتَار مرتدية اتجا ومالبس وأساور إىل العامل السفلي ذي األبواب السبع ،كان
عليها أن تستجيب لألوامر ،فتلك نواميس عوامل اجلحيم ،قام حارس األبواب بتنفيذ
فجرد َإانانَِّ /ع ْشتَار من مالبسها كلّما عربت ابب من األبواب أوامر إيريشكيجالَّ ،
صوبت نظرات املوت ،فتحولت حت وصلت عارية أما إيريشكيجال ،عندها ّ السبعّ ،
َإانانَِّ /ع ْشتَار إىل جثة معلقة على َوتَد ،عندها وتوقفت ُم َتعة اجلسد فتوقفت احلياة،
ومات مع َإانانَِّ /ع ْشتَار كل شيء حي.
تَ َد َّخل إله احلكمة إلنقاذ َإانانَِّ /ع ْشتَار ،لكن إريشكيجال اشرتطت أن
تُ َع ّوض أختها بَِرِهينَة مقابل مغادرة عامل الالعودة .قصدت َإانانَِّ /ع ْشتَار عديد املدن،
حبثا عن بديل ،لكنها يف كل مرة كانت تضعف أمام بكاء وتَ َّو ُسل الرهائن ،ذهبت
إىل مدينة زوجها ،فوجدته جالسا على العرش ِحبُلَ ِل العيد واألفراح ،48اغتاظت َإانانَّ/
وموِزي أن ترعى ماشيته يف مراعيه وضياعه. جاء يف بعض الرواايت أ ّن الفالح اقرتح على ُد ُ
46
47تعود أقدم نسخة ل"نزول َإَن اَن إىل عوامل اجلحيم" إىل األلف الثالث قبل املسيح ،وفيها ما يفيد أن َإانانَِّ /ع ْشتَار هي
وموِزيَ/متُّو َ ،وَهبَت فَ َر َجها كي يكون حرَاث له .فقد جاء يف أغاين حب ِ
وموِزيَ/متُّو ،بل من فرط عشقها ل ُد ُ
اليت َعل َقت ُد ُ
سومرية تعود إىل األلف الثّاين ق.م ،طغت عليها اإلابحية ،أن مواعيد الغرام كثرت بني العشيقني ،و يف إحدى
األمسيات الغراميّةَ ،مّر الوقت دون أن يشعر العشيقان بذلك ،فخافت َإانانَِّ /ع ْشتَار العودة إىل البيت ،فهي ال تقدر على
مواجهة ّأمها ،فاتفقا االثنني على حيلة ،أن تكذب َإانانَِّ /ع ْشتَار على ّأمها وت ّدعى ّأّنا كانت مع صديقة هلا يف حديقة
العشَّاق ،كانت ابلرقص والغناء وأ ّن الوقت فاهتما دون أن يشعرا .لكن مل َختْ ُل مواعيد الغرام من خصام ُ عامة لالستمتاع ّ
الراعي ،فيشتد الشجار بينهما ،وتزيد اإلهلة يف تعاليها على عشيقها ِ
َإانانَّ /ع ْشتَار تذكر عشيقها دوما ّأّنا إهلة وهو ّ
وموِزيَ/متُّو ذات يوم حبيبته يف منزهلا حامال هدااي، لكن ُحبّه كان أقوى من كل شيء .زار اإلله ُد ُ وموِزيَ/متُّو ،فيغضب ّ ُد ُ
ِ
إال أنّه وجد الباب ُم ْغلَقا فناداها شاكيا ،كانت َإانانَّ /ع ْشتَار مع صديقاهتا ،لكنّها استعدت الستقبال عشيقها ،اغتسلت
وحلِ ّي مث طلبت من صديقاهتا العزف والغناء .وأخريا تزوج ِ
الصابون وتَ َك ّحلت ولَب َست أفضل ما لديها من ثياب ُ ابملاء و ّ
العاشقان ودخال «بيت احلياة».
بظل شجرة وموزيَ/متُّو حيتمي ّ السومريّة ،تعود إىل احلقبة األ ّكدية ،أ ّن ِع ْشتَ َ
ار/إان َّان وجدت ُد ُ ِ
ورد يف أحدى اخلوامت ُ
48
الرواية األكدية فقد جاء فيها أ ّن أريشكيجال هي اليت َدبََّرت املكيدة ،أب ّن أمرت أن يُ َعطَّر َمتُّو وأن تُ َّفاحة عظيمةّ ،أما ّ
حيُاط بقيّنات ،وأن يبدو سعيدا.
ِع ْشتَار ،فأعلمته أنّه بَ ِديلَها يف العامل السفلي ،لكنّه مل يَتَ َّو َسل هلا ومل يَتَ َذلّل أمامها،
فازداد سخطها على زوجها ،فصوبت عليه نظرة املوت وسلَّمته إىل الشياطني ليأخذوه
إىل العامل السفلي.
جاء يف النص السومري:
وموِزي الراعي وهكذا سلّمت َإان َّان املقدسة ُد ُ
السماء صوب إله الشمس قائالً: أخذ املسكني يستغيث رافعاً يديه إىل ّ
الس َمن إىل بيت ّأمك أان من حيمل َّ
الس َمن إىل بيت ننكال أان من حيمل َّ
ي يَ َدى أفعى اجعل يَ َد َّ
واجعل قَ َد َم َّي قَ َد َمي أفعى
ودعين اهرب من الشياطني وال تدعهم ميسكونين
حت وصل إىل بيت وضل متُّوز هائما ّ ّ وموِزي، استجابت اآلهلة لدعاء ُد ُ
فعذبُوها ،لكنها مل َختُنأخته ،فَبَ َكت وعددت خوفا عليه ،قصدت الشياطني األخت َّ
وموِزي/متُّوز على أخته فاستسلم للشياطني ،لكنه طلب العون من أخيها .أشفق ُد ُ
وح ّوله إىل غزال .لكن هروبه مل يدم طويال ،فمصري جديد من اإلله أُوتُو ،فاستجاب َ
كان قد ُكتِب من قبل ،لن يفلت من قبضة الشياطني ،فاستسلم ،لكنّه انشد وهو
هائم يف املروج:
أقيمي املراثي ،أقيمي املراثي
أيتها املروج ،أقيمي املناحة ،أقيمي العزاء
ولتذرف عيناي الدموع على املروج مثل ّأمي
49
ولتذرف عيناي الدموع على املروج مثل أخيت الصغرية
وموِزي/متُّوز عندما يقع بني أيدي الشياطني ،فكانت احملنة، تبدأ مأساة ُد ُ
حت قبل نزوله للجحيم .لكن أخته تقوم ابلتضحية الكربى عندما تعرض فقد َع ّذبُوه ّ
على الشياطني أن َحتُ ّل َحمَلّه يف عامل الالعودة بديال عنه ،فكان احلكم ّنائيا أبن يقيم
نصف سنة يف عامل األموات وأتخذ أخته مكانه يف النصف الثّاين.50
49اعتمدان على ترمجة كل من وديع بشور املثولوجيا السورية أساطري آرام ،وفاضل عبد الواحد وكتابه عشتار ومأساة
ََتُّو .انظر كذلك أعمال كرمير (صمويل) ،من ألواح سومر ،ترمجة طه ابقر ومراجعة أمحد فخري ،بغداد ،د.ت ،ص ص
.282-261
50تتكون الرواية السومرية من 400سطر والرواية األ ّكديّة 138سطر .انظر كذلكJoannès (F.), .:
Dictionnaire de la civilisation mésopotamienne, Paris, 2001.
وما يبقى غري ال رِذ ْك َران ذي اخللود والدوام
نسجت خيوط أسطورة متُّوز على بَكَْرة َغ ْزل الفصول األربعة ،فتولّدت الطّقوس ،عندما يغيب متُّوز
ود الكون الغُ ّمة ،51عندها ميتأل
ص َفّر النّبات وميوت احليوان وتَ ْعبس الطبيعة ،وتَ ُس ُيعم اجلَ ْدب وال َق ْحط ،يَ ْ
قلب ِع ْشتَار حزان على حبيبها ،ويصبح حزّنا حزان مجاعيًا ،وولّد هذا احلزن صنفا أدبيا جديدا ،مل يشهده
العامل من قبل ،هو أدب املراثي ،ف َُرتََّّن أغاين احلزن ،وتنوح األخت:
صدر عنها نواح مر على السيد املعذب
اواه اي أخي ،أواه ،أيها الفت الذي مل تكن أايمه طويلة
أواه اي أخي الفت الذي ال زوج له وال ولد
أواه اي أخي الفت الذي ال صديق له وال رفيق
أواه اي أخي الفت الذي ال جيلب العزاء ألمه
فتنوح الزوجة:
راح قليب إىل السهل انئحاً انئحاً
راح قليب إىل مكان الفت
راح قليب إىل مكان
إىل العامل السفلي ،مرقد الراعي
راح قليب إىل السهل انئحاً انئحاً
الصراع ضد املوت والبحث عن اخللود.فُِقد الصراع ض ّد املوت والبحث عن اخللود أكثر حضورا يف الفرتة الشفويةّ ، كان ّ
51
عد إىل دراسة فراس السواح عن رمزية أسطورة عشتار وَمتُّو .السواح (فراس) ،لغز عشتار ،دمشق ،د.ت. 52
عمان ،1999 ،ص ص .92-89 انظر املاجدي (خزعل) ،اآلهلة الكنعانيرةّ ،
54
ِ
ومتسكت به ،ورفضت إعادته إىل أَفْ ُروديت .رفعت الربّتان أمرمها إىل اإلله َزيُ ْ
وس،
استمع لكل منهما ،ورغب يف إرضائهما ،فقضى أن ميضي أ َُدونِيس سنوايً أربعة أشهر
ون ِِيس ما يشاء. وديت وأربعة أشهر عند ب رِسي ُفون ،وأربعة أشهر خيتار أَد ِ عند أَفْ ر ِ
ُ َْ ُ
للصيد ،هامجه خنزير ّبري وأحدث له جرجا بليغا ،هرعت ِ
خرج أ َُدونيس ذات يوم ّ
وديت إىل حبيبها اجلريح وبَ َكْته .
55 أَفْ ر ِ
ُ
ِ ِ
رغم التشابه بني سرية أ َُدونِيس ومتُّوز فإن ابن وحشيّة مل يعلّق على ذلك .لكن التشابه مل
السرية فحسب بل الطّقوس أيضا .هذه الطقوس تقام يف اليوم التّاسع عشر من متُّوز ،وهو نفس ِ
يشمل ّ
وماين يُولْيَانُوس ،حني دخل مدينة أنطاكية ،56راثء النّساء من الر َ
اليوم الذي قد يكون مسع فيه اإلمرباطور ُّ
الشاب .تدوم االحتفاالت يومني ،تقام املراثي اللّيلية يف اليوم57
وه ّن ينُ ْحن على اإلله ّ على سطوح منازهل ّن ُ
األول ،تبكي النّساء على أدونيس يف موكب حاشد تسوده رقصات احلزن وأغانيه ودموع الباكيات ونوح
النادابت والعويل ولطم الصدور ،58وكانت النّساء دون الرجال ه ّن الاليت يَْب ِكني أدونيس ،ويُ َق ّدم يف هذه
ون ِِيس حيث يقع االختيار على رجل اللّيلة القرابن املأمتي .يعم الفرح يف اليوم الثّاين ،مب ّشرا بوالدة أَد ِ
ُ ُّ ُّ
ون ِِيس عند الطواف. للعب دور أَد ِ
ُ
ُّ ِ ِ ُّ
لكن البكاء والنواح ليس الطقس الوحيد الذي يشرتك فيه متُّوز مع أ َُدونِيس بل هناك طقس آخر
ون ِِيس حيث تزرع يقام يف ليلة اليوم األول من االحتفاالت حيث تَصنَع النّساء فيه ما يسمى جبنان أَد ِ
ُ َُّ
ُّ
السالل واألحواض البزور للتعرف على أي النّبااتت تضررت بعد مثانية أايم .هذا الطقس يتّفق النّساء يف ّ
حت تَْن بُت ،بعد ذلك يكون مع ما ذكره ابن وحشيّة عن زرع البزور يف ويف وقت حمدد ،تُ ْس َقى املاء ّ
الت ّكهن:
الش ْعرى اليمانية ،وتظهر من حتت شعاع "وذكر أن بطلوع برج السرطان تطلع ِّ
كل سنة ،وأن ما للش ْعرى اليمانية قوة تظهر يف مجيع النّبات والبزور يف ّ الشمس ،وأن ِّ
ضرته الشعرى اليمانية يف تلك السنة مل خيصب ومل يفلح ،وما مل تضره وتقصده
أخصب ومنا وزكا .قال فليؤخذ من كل شيء من احلبوب والبزور النوى من الشجر
حب من احلبوب مجلة وكل بزر ،فيزرع يف موضع حب العنب ،ومن كل ّ ومن داخل ّ
55
.14 ،3
56ما يؤكد اتريخ التّاسع عشر من َمتُّو هو ما ذكره البريوين يف كتابه اآلاثر الباقية عن القرون اخلالية" :وليايل حمسوبة
بعد أايمها...وألجله ظن من يقدم الليايل على األايم أن ليلة اليوم الثامن عشر هي التاسع عشر فجعل أول البواحري من
اليوم التاسع عشر وآخرها اليوم اخلامس والعشرين .البريوين ،اآلاثر الباقية عن القرون اخلالية ،ليبزيغ ،1923 ،ص .268
57أميانوس مارسلنوس األنطاكي.15 ،9 ،22 ،
58عد إىلCumont (F.), Adonis et canicule, Syria, tome 16 fascicule 11 1935, pp.46- :
50, p.46.
حت ينبت ،فما ينبت منه قواي قد أعد لذلك يف الوقت الذي ذكر ،ويسقى املاء ّ
وأسرع نشؤه فهو الذي خيصب يف تلك السنة ،وما خرج ضعيفا أو أبطأ الذي ال
جربنا سنني متوالية فرأيناه قريبا من الصحة ،ألنه
خيصب يف تلك السنة وال يفلح .وقد ّ
ال خيلف إال يف القليل اليسري ال يعت ّد به إال يف الكثري" .
59
هذا ما جنده كذلك عند البريوين يف كتابه اآلاثر الباقية عن القرون اخلالية" :ذكر أصحاب
حت إذا كانت الليلة اخلامسة وزِرع عليه من كل زرع ونبات ّ التجارب أنّه إذا تقدم قبل ذلك فعمد إىل لوح ُ
والعشرين من متُّوز ،وهي آخرها ،وضع اللّوح ابرزا لطلوع الكواكب وغروهبا ،حبيث ال حيول بينه وبني
أص َفر وما ال يصلح َريْعه منها يبقىالزُروع يصبح ْ السماء شيء ،فإن كل ما يزكو يف تلك السنة من ُّ ّ
أخضر ،وكذلك كانت القبط تفعل ذلك" .
60
61تعود أسطورة التنّني إىل رواايت القرن السادس ب.م ،.جاء فيها أ ّن ابنة أحد امللوك َهتَ ّددها تنّني ،فظهر له الق ّديس
جاورجيوس وقتله واألمرية واقفة مرتعدة من التنّني وأبواها يُ ْشرفان عليها من فوق األسوار.
بعض اإلشارات يف مصادر مل تنقل هذا اجلانب األسطوري ،أقدمها وثيقة تعود إىل حوايل العام
495بعد املسيح ،تعرف ب ( )Decretum Gelasium de libris recipiendisوتُْن َسب إىل
أُ ْس ُقف رومية جيالسيوس .62ورد يف كتاب أفسافيوس القيصري عن "اتريخ الكنيسة" ذكر لشهيد
سمه أفسافيوس ،لكن البعض رأى فيه الق ّديس جاورجيوس ،63هذا اخلرب نقله فيما بعد ِ
مل يُ ّ
ضطَِه َِ ِدين" .أما املصدر األخري فيعود إىل الوسيط املب ّكر ألّفه الَ ْكطَانْسيُوس يف كتابه "موت امل ْ
ُ مسَْ َعان املرتجم.64
الس ْرَاينية .رواية أوىل ِ
يبدو أن ابن وحشيّة وجد روايتني عند نقله سرية ُج ْورجيس من املصادر ُ
يواننية تعود إىل القرن اخلامس بعد املسيح ،نقلت فيما بعد إىل الالتينية ،ومن النسخة الالتينية تَ َوَّز َعت
على عديد املخطوطات يف صيغ عديدة .أما الرواية الثانية فقد تكون نفس الرواية اليت اعتمدها مسَْ َعان
املرتجم.
القْب ِطية ،فإّنا حتدثت عن إمرباطور فارسي يدعى ففيما يتعلق ابلرواية القدمية وهي الرواية ِ
السجن دانيانوس ،كان قد هدد النّصارى يف حياهتم إن مل يَ ْرتَ ُّدوا .رفض َجا ِورجيُوس أن ْيرت ّد ،فَ ُز ّج به يف ّ
طيلة سبع سنوات ،عرف خالهلا شت أنواع التعذيب .قتل ثالث قتالت قبيحة ،65لكنه عاش بعد كل
قتلة ،واستشهد يف القتلة الرابعة.
أما رواية مسَْ َعان املرتجم فقد احتوت على عناصر اترخيية ،فقد ذكر أن الق ّديس َجا ِورجيُوس ُولد
أبوين مسيحيّني شريفني .رحل هو و ّأمه بعد وفاة والده إىل فلسطني.كان َجا ِورجيُوس ِ
يف بالد ال َقبَادق من َ
قوي البنية ،جتنّد وصار ضابطاً كبرياً .وبفضل جرأته وسريته احلميدة انل حظوة لدى اإلمرباطور ّ
حق ،بني النّاس ،لكن أعماهلم ال يعرفها أحد مكرمة ،عن ّ غري صحيحة ،لكنّها أحصت الق ّديس يف عداد "الذين أمساؤهم ّ
غري هللا".
63يوسابيوس القيصري ،اتريخ الكنيسة ،مكتبة احملبّة ،القاهرة ،الطبعة الثالثة ،1998 ،الكتاب الثامن ،الفصل اخلامس:
معني ،مل يكن خامل الذكر ،بل ذا مركز رفيع، ()1حاملا أُذيع األمر امللكي ض ّد الكنائس يف نيكوميداي ،تق ّدم شخص ّ
ومزقه إرابً كشيء دنس معل ِّقاً عالنيةّ ،
حركته الغرية اإلهلية واشتعلت فيه نريان اإلميان ،وأمسك ابألمر امللكي إذ كان َّ ّ
احتل الثّاين رابع مكان يف
ّ و ا
ً ن س اجلميع أكرب لاألو
ّ كان )3( املدينة نفس يف امللوك من اثنان كان إذ هذا ّمت وقد) 2 ( وقح.
حتمل تلكاحلكم بعده )4( .على أن هذا الشخص ،وقد كان ّأول شهداء ذلك املكان ،بعد أن أبرز نفسه هبذه الكيفيةّ ،
حت املوت".وظل حمتفظاً ابلثبات وهبجة الروح ّ اآلالم اليت كان حمتّماً أن تنتج عن جرأة كهذهّ ،
الرْهبَنة ،عكف على ولد يف مدينة القسطنطينية يف عهد اإلمرباطور الون السادس ( 912-886م) ،اعتزل واختار َّ
64
قاتال وق ّدمه للق ّديس لكي يشربه ،أما الق ّديس فباإلميان شربه ومل ينله أذى ،أمر امللك بعصر القديس يف معصرة هبا أسنان
حديديّة.
وتبوأ مراكز مرموقة .فلما محل اإلمرباطور على املسيحيّني طرح َجا ِورجيُوس عن نفسه ِ
ديُوقالسيَانُوس ّ
عالمات الرفعة واعرتض لدى اإلمرباطور .فكان أن ألقوه للحال يف السجن .حاولوا استمالته لكنهم فشلوا،
فع ّذبوه تعذيباً شديداً ،لكن إميانه مل يتزعزع ،فجالوا به عرب املدينة وقطعوا رأسه.
قد يكون االعتماد على روايتني خمتلفتني هو الذي يُ َف ّسر سبب تقسيم ابن وحشيّة روايته إىل
جزئيني ،أورد يف اجلزء األول اجلانب األسطوري ،وحاول يف اجلزء الثّاين البحث عن ما هو اترخيي يف
صر لكن مل يذكر امسه ،وجعل ُج ْورِجيس من احلواريني ،وهو ما ال جنده السرية ،فذكر امللك الذي رفض التنَ ُ
ِ
ّ
الس ْرَاينية .لكن ما مييز رواية ابن وحشيّة هو حديثه عن ِذ ْكَران يقام جلُ ْورِجيس يف آخر نيسان، يف املصادر ُ
وهو ما يتفق مع ِذ ْكَران الكنيسة جلَا ِورجيُوس ،فإىل يومنا هذا يقام هذا ال ّذكران يف يوم 23نيسان يف
الشرقي.
التقومي الغريب ،ويف 6أاير يف التقومي ّ
العزاء ال ِر
شيعي يف ثوب ََتُّوز
كنّا قد أشران إىل ندرة تعاليق ابن وحشيّة على ما نقله من النبطيّة إىل العربية ،وإن َعلّق عل شيء
ترمجه يف كتاب الفالحة النبطيّة ،فال يعدو أن يكون ،يف غالب األحيان ،سواء تذكري بطريقته يف الرتمجة،
التعرف على أمساء بعض النّبااتت ،أو لتفسري األمساء القدمية لبعض املدن ،لكنّه اندرا ما كان كصعوبة ّ
السحر .وهنا يطرح وجود هذا حت ّ يعلّق على مقاطع نقلها إىل العربيّة َهت ّم العقائد أو ال ّدين أو الكهانة أو ّ
بتموز إشكاال كبريا ،زاده تعليق ابن وحشيّة غموضا ،فهو املصدر الوحيد الذي نقل سرية املقطع اخلاص ُّ
متُّوز وحاول البحث عن جذورها ،وهو كذلك املصدر الوحيد الذي ذكر طقوس البكاء والنواح والتعديد،
الشيعة؟ قد جيد طرح هذا فكيف مل يتفطّن ابن وحشيّة إىل التشابه الكبري بني ِذ ْكران َمتُّوز والتّعزية لدى ّ
السؤال ما يربره إذا ما علمنا أ ّن أاب طالب ،66الذي أملى عليه ابن وحشيّة الكتاب ،ينحدر من عائلة
شيعية إمساعيلية ،اشتهر أفرادها بتوليهم الوزارات ،لذلك قد ال نفهم سبب صمت ابن وحشيّة عن ذكر
الشيعة .هل كان خياف َرَّدة فعل صاحبه ،أم أن ابن وحشيّة ،وكعادته ،أوصل الرسالة طقوس التّعزية لدى ّ
بطريقة غري مباشرة ،معتمدا على أسلوب اإلحياء؟
تدفعنا هذه األسئلة إىل تقدمي الفرضيات التالية:
الفرضية األوىل :احتمال أ ّن يكون كالم ابن وحشيّة عن تشابه التّعزية وذكران متُّوز قد حذفه أبو
طالب .هذه الفرضية جائزة لكنها ُم ْستَ ْب َعدة لألسباب التالية :لو كانت أليب طالب النيّة يف حذف كل ما
ال يتناسب وأراء طائفته اإلمساعيلية ،لكان من السهل عليه حذف احلاشية أبكملها .زد على ذلك فإ ّن أاب
طالب كان قد أظهر ،يف مواضع أخرى من الكتاب ،نزاهة كبرية يف نقل كل ما أماله عليه ابن وحشيّة.67
66علي بن أيب طالب بن احلسني بن علي بن أمحد بن حممد بن عبد امللك الزايت.
67يتجلى ذلك يف ابب احلديث عن الكروم ،فقد قال ":وجدت هذا الكتاب يف أصل كتاب ابن وحشيّة يف هذا املوضع
بياضا حنو العشرين ورقة ،وذلك أن ابن وحسية مل ميلل هذا الكتاب على كإمالء غريه من الكتب اليت نقلها إىل العربيّة ،إمنا
كتبت إبمالئه منه حنو من مثانني ورقة من كتايب أان خاصة من هذا الكتاب ،مث وصى زوجته عند وفاته أن تدفع إيل كتبه
مل يكن أبو طالب جمرد حاك لكتاب الفالحة النّ بَطيَّة ،68بل كان يسعى للمعرفة ،كانت له رغبة قويّة يف
االطالع على العلوم ،وهذا ليس ابألمر الغريب إذا ما عرفنا أن عائلته كانت تشجع على نقل العلوم،69
وصيَة ،71كان لذلك فإن صحبة الرجلني بنيت على أساس ذلك االلتقاء الفكري بني اإلمساعيلية 70والغنُ ِ
ُ
صحبة إىل شراكة ،الشراكة يف املعرفة دون قيود .فقد جمرد ُ
هلذا االلتقاء دور كبري يف انتقال عالقتهم من ّ
وجدت اإلمساعيلية ضالتها يف الغنُ ِ
وصيَة لالطالع على الفلسفة والعلوم اليواننيّة واإليرانيّة ،لكنّها مل تتأثّر
السبَئِيّة
ابلعلوم فحسب بل أتثرت ذلك ابلعقائد ،مثل عقيدة البعث ،قد يكون من املفيد هنا التذكري أبن َ
كانت أول فرقة شيعية رفضت قبول موت اإلمام علي بن أيب طالب واعتقدت يف عودته ،فقد كانت تقول
بعودة علي بن أيب طالب بعد املوت لينشر العدل بني النّاس ،72غري أن هذا القول مل يكن مبنيا على أسس
اليت خلفها ،فدفعت إىل كتبه ويف مجلتها كتاب الفالحة هذا ،فنسخت من أصل كتابه فكان يف ذلك األصل يف هذا
املوضع بياض مقدار عشرين ورقة ،و أظن التبييض يف كتاب أىب بكر بن وحشيّة ألحد أمرين إما أن يكون شيئا من
مرتوك يف الكتاب املكتوب ابلنبطيّة فرتكه ابن وحشيّة مبيضا كما وجده مبيضا يف األصل النّبَطي ،أو يكون وجده فصال
مكتواب يف اخلمر وصفة إصالحه ومنافعه فكره أن ينقله من النبطيّة إىل العربيّة ألنه يف شرح شيء حمرم الن أاب بكر بن
وحشة كان مييل إىل مذهب الصوفية ويسلك طريقهم فكره أن يؤخذ بعد وفاته كالما طويال جمودا يف شي حمرم فرتك نقله
لذلك ،فهذا ما ظننته ظنا ،وقد جيوز أن يكون لشيء اثلث ال أدري ما هو ،إال أنّه مل يذكر ذلك ملا كان حيا" .الطرابلسي
(بوراوي) ،نفس املرجع ،ص .261
68الطرابلسي (بوراوي) ،نفس املرجع ،ص .224
69نفس املرجع ،ص .261
ابلشيعة بعد نكسة ذي النفس الزكية ووفاة اخلليفة املهدي ،لكن احلركة سوف تعرف االنشقاق خالل ازداد البطش ّ
70
السري ،ظهرت عديد الطوائف منها اإلمساعيلية و االثين عشرية ،كان اخلالف بني هاتني الطائفتني حول تَ ْس ِميَة العمل ّ
السابع للحركة ،لكن صراع اإلمامة حتول فيما بعد إىل صراع عقائدي .عد إىل دفرتي (فرهاد) ،اإلمساعيليون، اإلمام ّ
ترمجة سيد الدين القصريي ،بريوت ،الطبعة الثانية ،ص ص .92-89
71اشتقت تسمية الغنُوصية من الكلمة اليواننية غنُوص ،ودأب املختصون على ترمجتها ابلعرفانية ،والغنوصية تعين املعرفة
احلدسية الباطنية ،أي معرفة النفس لذاهتا وخالصها و خالصها من اخلطيئة احلادثة ،أي خالصها من العامل املادي الذي
الرافدين بني أربع فرق وجد عن خطأ .فكان لزاما على النفس اإلنسانيّة أن تعلو ألصلها اإلهلي .انتشر هذا الفكر يف بالد ّ
غنُوصية ،من بينها فرقة املْن َدائيّة ابلبطائح ،واحلَّرانية حبَّران ،لعبت هذه األخرية الدور الكبري يف ظهور فرق إسالمية غنُوصية،
ُ
لعل أبرزها اإلمساعيلية ،وتزامن ذلك مع ازدهار حركة الرتمجة والنّقل .عد إىل جاد (أمحد حممد) ،أثر األفالطونية احملدثة ّ
على بناء اإلهليات عند اإلمساعيلية ،القاهرة.2004 ،
Virroleaud (Ch.), La legende Hosséïn et le mythe d’Adonis-Tammouz, 72عد إىل.:
p.184.
عقائدية وفكرية متينة ،فكان على الشيعة انتظار إطالع اإلمساعيلة على الفلسفة الغنُ ِ
وصيَة احلَّرانية لبناء
عقيدة الغيبة.73
الفرضية الثانية :احتمال عدم وجود طقوس التّعزية زمن ترمجة الكتاب يف القرن يف الثالث
للهجرة .هذا القول جائر إذا ما علما أ ّن طقوس التّعزية احلالية مل تتّخذ شكلها النهائي إال مع الدولة
الص َفوية ( )1722-1501يف بالد فارس ،وأن طابعها احلايل يعود إىل بداية القرن التاسع عشر مع الدولة َ
القاجارية .لكن هذه الفرضية مستبعدة لألسباب التالية :السبب األول هو أن املصادر ،رغم ندرهتا 74
الش ْعبِيّة الفلكلورية ،تشري إىل وجود طقوس تعزية إيرانية قدمية شبيهة بذكران متُّوز والعزاءمقارنتها ابلرواايت ّ
الشيعي ومسرح التّعزية يف إيران يف التّاريخ القدمي ،
75
الشيعي .األمثلة عديدة :التشابه بني مسرح التّعزية ّ
السرية منذ الفرتة البارثية حيث كان الراوي يسمى نَ ّقال ،ما ذكره البريوين ":اليوم العاشر منه ِ
وجود أدب ّ
76
الشيعة فإ ّّنم ينوحون ويبكون أسفا لقتل سيّد الشهداء فيه ويُظهرون ذلك مبدينة السالم حرم)...و ّأما ّ
(املُ ّ
وأمثاهلا من املدن والبالد ويزورن فيه الرتبة املسعودة بكربالء" ،ما ذكر ابن األثري عن إقامة إبقامة مواكب
العزاء ألهل بغداد يف عهد الدولة البُ َويْ ِهيَة بعد مساح معز الدولة بذلك يف سنة .963
السبب الثّاين :موقف ابن وحشيّة من ِذ ْكَران ُج ْورِجيس واهتامه النصارى بسرقة حمنة متُّوز يثري
الشك يف مقاصد ابن وحشيّة ،قد ُخيفي هذا االهتام تلميحا ُمبطّنا لكثرة حاالت التشابه بني حمنة متُّوز ّ
ِ ِ
وحمنة احلسني .أوال التشابه يف عقيدة امل َخلّص اليت انتقلت من متُّوز امل َخلّص من القحط واجلدب واملوت
إيليا عند اليهود يف العهد القدمي ،إىل آدم عند الصابئة املندائية ،إىل ُ وابعث النبات واحلياة ،إىل شيث بن ُ
ّ
الشيعة االثين ِ
اليَ ُسوع عند النّصارى ،سواء كان يف ثوب إلياس أو ُج ْرجيس ،واحلسن العسكري عند ّ
عشرية .اثنيا تشابه املواكب االحتفالية فقد كانت تقام يف اببل احتفاالت رأس السنة اجلديدة ،جتوب فيه
املواكب الدينية شارع املوكب يف الربيع للبكاء على اإلله متُّوز وترتيل املراثي احلزينة ،مث خترتق بوابة ِع ْشتَار
حيث تقام املهرجاانت طيلة اثين عشر يوماُ ،جيَ ّسد موت متُّوز يف اليوم السابع ،لتختم االحتفاالت يف
اليوم الثّاين عشر يف معبد َم ْرُدوخ .يف حني كانت جتوب مواكب العزاء احلسيين شوارع مدينة السالم وأمثاهلا
هناك تشابه كبري بني أسطورة آدونيس وسرية احلسني يف الفلكلور ِّ
الشيعي ،اعتقد الكنعانيون أ ّن دم آدونيس حتول إىل 73
الشيعة ترى أ ّن دم احلسني حتول إىل شقائق النُّعمان ،واخلزامى ،والورد ،و احلدقى .عد إىل تقدمي:
وردة أو شقائق النُّعمان ،و ّ
Virroleaud (Ch.), La légende de Hosséïn et le mythe d’Adonis-Tammouz, p.187.
74
75راجعChelkowiski (P.), Ta’ziya : Rituel and Drama in Iran, New York 6719 , p.32. :
.University Press, 1979.
76عد إىل العمل Malekpur (J.), Adabiyāt-e nemāyeshi dar Irān, théaran,1984.الذي ربط بني
الشكل املسرحي للتعزية وطقوس ُدوموزي الرافدينية.
من املدن والبالد ،يف األايم العشرة األوىل من شهر حمرم من كل سنة77،هي أايم حزن وبكاء .تتخلل هذه
املواكب ،زايرة ضريح احلسني ،وإضاءة الشموع ،وقراءة سرية اإلمام احلسني بن علي ،78وإقامة اجملالس
احلسينية وإقامة مسرح التّعزية.
يبدو أن هذه الفرضيات قد ال حترران من دائرة التخمينات ،ولو أن التشابه كبري بني ذكران متُّوز
وعاشوراء ،قد يكون التخلص من الفرضيات ونقيضها مير عرب العودة إىل أسلوب ابن وحشيّة يف نقل َ
السرية وعدم إغفال انتمائه املذهيب والفكري .فلو عدان إىل ما جاء يف آخر التعليق حني قال أليب طالب:
" مث وقع يل بعد ذلك كتاب من كتب النّ بَط فيه شرح قصة متُّوز ،أنّه دعا ملكا إىل عبادة السبعة واالثين
عشر ،وأ ّن امللك قتله وعاش بعد القتلة له ،مث قتل قتالت بعد ذلك قبيحة يف كلّها يعيش ،مث مات يف
السرية للمذهب ،من خالل اللجوء إىل أسلوب آخرها" .هنا يتجلى بوضوح الفكر الغنُوصي والعقيدة ّ
الرمزية إلبالغ رسالته بطريقة ُمبَطَّنَة .يبدو يف الظاهر أ ّن املقصود "بعبادة السبعة" الكواكب السبع اإلحياء و ّ
يف اببل ،أو عبادة الثَُرَّاي ،أو قدتكون إشارة إىل اليوم السابع من االحتفاالت اليت تقام لتَ ُّموز ،لكن يبدو يف
السبعية الشيعية اليت انفصلت عن اإلمساعيلية ،قد يكون الدليل على ذلك ذكر الباطن أن املقصود هنا فرقة ّ
االثين عشرية ،فقد يكون املقصود يف الظاهر جممع اآلهلة يف الفرتة البابلية القدمية ،أو اإلله َم ْرُدوخ الذي
احتفال يف اليوم الثّاين عشر ،لكن األكثر احتماال هو التلميح للفرقة الشيعية االثين عشرية ٌ كان يقام له
واليت انفصلت بدورها عن اإلمساعيلية.
77تُطلق على اليوم العاشر من شهر ُحمَّرم ،وهو يوم مقتل احلسني بن علي بن أيب طالب وأهل بيته يف كربالء على يد
جيش يزيد بن معاوية يف السنة الواحدة والستني هجريّة ،بعد حصار دام ثالثة أايم.
78تُ ْسَرد األحداث كما يلي :كان اإلمام حسني يعمل على نشر القضيّة ،أي دين اإلسالم ،فأتى يزيد بن معاوية ،وهو
س ّكري ينتهك حرمة النّساء وال صلة له يف ال ّدين ،وطلب ّإما أن يبايعه أو أن يعلن احلرب عليه .رفض احلسني ودخل يف
صلُوا إىل مكان ابلقرب من كربالء ،حاصرهم فيه مواجهة معه .مشى احلسني وعائلته وأهله وأصحابه يف الصحراء إىل أن َو َ
جيش يزيد بن معاوية ،ومنع عنهم املياه مل ّدة يومني .خالل فرتة احلصار ،نزل أصحاب احلسني وأوالده وأخوه العباس إىل
املعركة لكنّهم استشهدوا ،ويف اليوم األخري نزل احلسني مع ابنه الرضيع (علي األصغر) فقتال ابألسهم ،وبقيت جثته يف
أرض املعركة ،فيما بقي ابنه زين العابدين يف اخليمة نتيجة اشتداد مرضه فحافظ على نسل احلسني .بعد استشهاد
وحتومن حوله ،عندها أتى الشمر فأبعد النّساء وقطع رأس احلسني وعلّقه على السيف، احلسني ،خرجت النّساء من اخليمّ ،
فيما حرق جنود يزيد بن معاوية اخليم ،وذحبوا الرجال ،وسبوا النّساء وساروا هبم يف الصحراء .يف هذه األثناء دفن زين
تنص على ضرورة دفن اإلمام منصا أن العقيدة ّ العابدين األجساد يف كربالء ومن ضمنها جثة والده اإلمام حسني ،خصو ً
إمام آخر .يف هذا الوقت وصلت النّساء إىل قصر يزيد بن معاوية ،هنا اعرتضت السيّدة زينب وصرخت أبّنن أحفاد
هز معاوية ،فأمر إبرساهلن إىل سوراي ،حيث عشن الرسول ولسن سبااي ،ال يبعن وال يشرتين ،وألقت خطاهبا الشهري الذي ّ
أصرت زينب على العودةالذل واالضطهاد ،قبل أن ميشني ابجتاه احلجاز .يف طريق العودة إىل احلجاز ّ يف أكواخ وعانني ّ
املنورة ،وكان ذلك ابلتزامن مع أربعني احلسني
إىل كربالء لتدفن رأس احلسني مع جسده ،قبل أن تذهب إىل املدينة ّ
فأقيمت جمالس عزاء ،مثّ دخلت السيّدة زينب إىل املدينة وروت ما حصل معهم.
هذا األسلوب جنده يف موضع آخر ويف تعليق نسبه ابن وحشيّة ألحد مؤلفي كتاب الفالحة
النبطيّة عن سبب بكائه يف ِذ ْكَران متُّوز ،قال قُواثمى ":فهذه أحاديث قد َد َّونوها ،يَْت لُوّنا يف اهلياكل بعقب
وإين إذا حضرت مع النّاس يف اهليكل ،خاصة يف عيد متُّوز الصلوات ويَب ُكون ويَنُوحون من ذلك كثرياِّ .
صته وبَ ُكوا ،فاين أبكي معهم دائما ،مساعدة له ورقة مين لبكائهم ،ال إمياان ِ
الذي يكون يف شهره ،وتلوا ق ّ
صته ،فإذا تَلَ َوها وبكوا بكيت معهم بكاء خالف مين مبا يذكون من ذلك ،فأما ينبوشاذ فين أومن بِِق َّ
بكائي على متُّوز ،والعلة يف هذا أن عهد ينبوشاذ إىل زماننا هذا أقرب من عهد متُّوز ،فخربه أثبت واصح،
وقد جيوز أن يكون بعض قصة متُّوز صحيحة،لكن لبعد زمانه من زماننا شككت يف بعض خربه".
تبدو األمور أكثر وضوحا اآلن ،إن تعليق ابن وحشيّة على سرية متُّوز كان القصد منه تنبيه صاحبه
الشيعة ،قد يكون تفطّن ابن وحشيّة إىل حرج أيب طالب إىل التشابه الكبري بني ذكران متُّوز والتّعزية لدى ّ
فلمح له بكالم نسبه إىل قواثمى ،ليبني له ثالثة أمور :أوال ،أ ّن الراثء والبكاء من طبع من هذا التشابهّ ،
اإلنسان الرتباطها ابملشاعر ،فال خجل وال عيب أن تبكي يف ِذ ْكَران شخص ال جتمعك به أيّة صلة ،ألن
البكاء يذكرك مبن تريد البكاء عليه .اثنيا ،ال عيب يف حضور ذكران متُّوز ،فإن بكيت على متُّوز فإن تبكي
على احلسني لقرب زمانه منك .األمر الثالث ،ال فائدة من البحث عن جذور طقوس البكاء ،وال يهم
تشابه طقوس متّوز مع طقوس عاشوراء ،املهم هي احلاجة إىل البكاء.
اخلاَتة
كان ابن وحشيّة أول من تتّبع سفر متُّوز من بالد الراقدين إىل البلدان األخرى ،وحاول فهم العالقة اليت
تربط السرية ابلطّقوس ،ألنّه كان يبحث عن إجابة لسؤال ُحم ّري :كيف هلذه السرية أن تدوم وتتواصل عرب
األزمان؟ وكانت إجابته واضحة ودقيقة ،أن هذه السرية بنيت على مأساة ،هذه املأساة ولدت صنفا أدبيا
جديدا ،مل تعرفه اإلنسانية من قبل ،هو أدب الراثء ،والراثء اقرتن ابلبكاء ،والبكاء مشاعر إنسانية ،كانت
الشرق القدمي ،ألن لكل منها مأساة،ومزي ،طقوس كانت قد تبنتها شعوب ّ هذه املشاعر جوهر ذكران ُد ُ
ومزي وتواصلها من متُّوز إىل
ولكل منها الرغبة يف البكاء على ذكرِ ،هذا ما يفسر خلود أسطورة ُد ُ
وموِزي:79
عاشوراء .هذا الوصف للمأساة جنده يف أشعار اببلية َرثَت ُد ُ
جند صدى هذا األدب الفريد من نوعه يف كتاابت أحد ّرواد األدب الوجودي يف تونس حيث
تستوقفنا هنا قولة األديب حممود املسعدي" :األدب مأساة أو ال يكون ،مأساة اإلنسان يرتدد بني
األلوهية واحليوانية ،تزف به يف أودية الوجود عواصف آالم العجز والشعور ابلعجز :العجز أمام القضاء،
أمام املوت ،أمام احلياة ،أمام الغيب ،أمام اآلهلة ،أمام نفسه."...