‫نشأة القانون اإلداري‪:‬‬

‫ترجع نشأة القانون اإلداري في فرنسا حينما قامت الثورة الفرنسية في عام ‪1789‬م‬
‫عندما أراد قواد الثورة تطبيق مجموعة من اإلصالحات‪ ،‬ولكنهم كانوا يخشون أن تقف‬
‫المحاكم القضائية عقبة في سبيل هذه اإلصالحات وحجتهم أن هذه المحاكم كانت تتدخل‬
‫في شئون اإلدارة وأمام هذا الموقف قررت الثورة حرمان المحاكم من مراقبة أعمال‬
‫اإلدارة العامة واستندت في هذا إلي تفسير خاطئ لمبدأ الفصل بين السلطات مؤداة أنه ال‬
‫يجوز للحاكم التدخل في أعمال اإلدارة كما ال يجوز لإلدارة أن تتدخل في أحكام القضاء ‪،‬‬
‫بل أن رجال الثورة أعطوا اإلدارة حق الفصل في المنازعات التي تكون طرفًا فيها سمَّى‬
‫هذا النظام في ذلك الوقت بإسم (اإلدارة القاضية)‪.‬‬
‫إال أن هذا النظام قد وجهت له بعض العيوب أمكن تالفيها بإنشاء مجلس الدولة‬
‫ومجالس األقاليم‪)1()1(.‬‬
‫لذلك يمكن القول بأن فرنسا أول دولة عرفت نظام مجلس الدولة ‪ ،‬والذي يتمتع‬
‫بإختصاص عام في المنازعات اإلدارية ‪ ،‬ويملك حق إنشاء مبادئ وأحكام القانون اإلداري‬
‫‪ ،‬ولقد ساعدته في هذه المهمة صالته المستمرة باإلدارة وخبرته بطبيعة العمل اإلداري‬
‫التي أكتسبها من خالل أدائه لدوره كناصح أو كمستشار لإلدارة‪)2()2(.‬‬
‫وقد نقلت مصر عن فرنسا نظام مجلس الدولة ‪ ،‬حيث تم إنشاء مجلس الدولة‬
‫المصري علي غرار مجلس الدولة الفرنسي ولم يمنح اختصاصًا عامًا في نظر المنازعات‬
‫اإلدارية ‪ ،‬إنما قيدت النصوص القانونية الصادرة بشأنه بمسائل معينة‪ ،‬إال أنه يالحظ أن‬
‫(‪)3‬‬
‫هذه النصوص المحددة إلختصاص المجلس شملت في الواقع معظم المنازعات اإلدارية‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫راجع الدكتور يسري محمد العصار – محاضرات في القانون اإلداري – جامعة القاهرة ط ‪1989‬م ص‪.17‬‬ ‫(‪)1()1‬‬

‫د‪ .‬يسري العصار – المرجع السابق ص‪.89‬‬ ‫(‪)2()2‬‬

‫د‪ .‬محمد فؤاد مهنا – المرجع السابق ص‪.89‬‬ ‫(‪)3()3‬‬

 ‫القانون اإلداري في النظام األنجلوساكسوني‪:‬‬
‫نهتم بدراسة القانون اإلداري في إنجلترا وأمريكا باعتبارهما ينتميان إلي الفقه‬
‫األنجلوسكسوني وهو الفقه الذي نشأ منه القانون السوداني‪.‬‬
‫كثير من الفقهاء يربطون بين وجود قضاء إداري مستقل عن القضاء العادي – له‬
‫حق الفصل في المنازعات اإلدارية دون التقيد بمبادئ وأحكام القانون الخاص القائم في‬
‫الدولة – ووجود قانون إداري مستقل في تلك الدولة أما إذا لم يوجد مثل هذا القضاء‬
‫اإلداري المستقل فإن وجود قانون إداري أمر مشكوكًا فيه(‪.)4()4‬‬
‫والقانون اإلداري بالمعنى السابق‪ ،‬هو نظام قانوني له نظرياته الخاصة ومبادئه‬
‫الخاصة التي تحكم نشاط السلطات اإلدارية بوجه عام‪ ،‬ويقرر هذا القانون للسلطة اإلدارية‬
‫حقوقًا وامتيازات ليست مقررة لألفراد‪.‬‬
‫ومثل هذا القانون بالتحديد السابق ال وجود له في إنجلترا وأمريكا‪ ،‬لالختالف‬
‫الجوهري بين المبادئ الدستورية والقانونية التي يقوم عليها نظام الحكم واإلدارة في هاتين‬
‫الدولتين من ناحية وفي فرنسا من ناحية أخرى‪ ،‬األمر الذي يجعل من المتعذر نشوء‬
‫قانون إداري علي غرار القانون اإلداري الفرنسي في كل من إنجلترا وأمريكا‪ ،‬ذلك ألن‬
‫المبدأ األساسي الذي يقوم عليه نظام الحكم واإلدارة في إنجلترا وأمريكا يقتضي إنفراد كل‬
‫سلطة بوظائفها دون أن يشاركها في مباشرة هذه الوظيفة غيرها من السلطات بمعنى أن‬
‫السلطة القضائية تختص بالوظيفة القضائية وتتمتع في مباشرة وظيفتها بحق السيادة وبهذه‬
‫الصفة تفرض سلطاتها علي السلطة اإلدارية واألفراد على السواء وفقًا لمبادئ وقواعد‬
‫قانون واحدة(‪.)1()1‬‬
‫ولكن ليس معنى ذلك أنه ال يوجد في إنجلترا أمريكا هيئة واحدة قض‪XX‬ائية تنظ‪XX‬ر في‬
‫المسائل والمنازعات اإلدارية وأنه ال توج‪XX‬د في ه‪XX‬اتين ال‪XX‬دولتين قواع‪XX‬د قانوني‪XX‬ة تنظم الس‪XX‬لطة‬
‫اإلدارية وتحدد اختصاصاتها وحقوقها وسلطاتها‪.‬‬

‫المرجع السابق ص ‪.87‬‬ ‫(‪)4()4‬‬

‫راجع المصدر السابق ص ‪.91‬‬ ‫(‪)1()1‬‬

‫‪-1‬ففي أمريكا توجد جهات إدارية لها بعض اإلختصاصات القضائية غير أن هذه الجهات‬
‫اإلدارية – تعتبر في عالقتها بالقضاء العادي مجرد محاكم درجة أولى أو محاكم ابتدائية‬
‫وال يمكن إعتبارها قضاءًا إداريًا مستقًال عن القضاء العادي الموحد‪.‬‬
‫ومن امثلة تلك اللجان ؛ لجنة التجارة ؛ لجنة العمل الفيدرالي ؛ لجنة التامين االجتماعي‪.‬‬