مـأزق الهوية والانتماء في أفلام سينما المهجر بوشارب، مرزاق علواش، لياس سالم. the Dilemma of Identity and Belonging in the Films of Diaspora Cinema Bouchareb Merzak Allwash Lias Salem.

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 18

‫المجلد‪ /06‬الع ــدد‪ ،)2021( 02 :‬ص ‪.. -..

‬‬ ‫مجلـة الكلم‬

‫مـأزق الهوية واالنتماء في أفالم سينما المهجر بوشارب‪ ،‬مرزاق علواش‪ ،‬لياس سالم‪.‬‬
‫‪The Dilemma of Identity and Belonging in the Films of Diaspora Cinema:‬‬
‫‪Bouchareb, Merzak Allwash, Lias Salem.‬‬

‫‪1‬‬
‫بومسلوك خديجة‬
‫‪1‬جامعة عبد الحميد بن باديس‪ /‬مستغانم (الجزائر)‪kboumeslouk@yahoo.fr‬‬

‫تاريخ االستالم‪ 2021/10/27 :‬تاريخ القبول‪ 2021/12/08 :‬تاريخ النشر‪2021/12/23 :‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫تعترب ادلخطوطة اذلوياتية حجر األساس يف فعل ادلواطنة‪ ،‬وتكاد أغلب األفبلـ السينمائية تعكس ىذا‬
‫العنصر يف الفيلم‪ ،‬سواء من جهة اإلنتاج الذي ػلدد البلد‪ ،‬أو من حيث التناوؿ التيمي الذي يرسم بدوره‬
‫صفة األنا واالنتماء يف كثَت من أنواع األفبلـ‪ :‬التارؼلية‪ ،‬احلربية‪ ،‬الثورية‪ ،‬السَت ‪....‬‬
‫وانطبلقا من ىذا ادلعطى السينمائي‪ ،‬سأحاوؿ أف أتعرض يف حبثي إلشكالية األنا واآلخر يف أفبلـ‬
‫(أنديجان وخارجون عن القانون‪/‬رشيد بوشارب‪ -‬نورمال‪ /‬مرزاق علواش‪ -‬الوىراني‪ /‬لياس سالم)‪،‬‬
‫وىي من عصارة سينما ادلهجر اليت يتجلى عربىا مأزؽ اذلوية واالنتماء بعمق‪ ،‬حيث يبحث ادلخرج عن‬
‫(أناه) الضائع بُت وطنُت (موطن ادلنشأ‪ /‬موطن اإلقامة)‪ ،‬وثقافتُت سلتلفتُت‪ ،‬وتارؼلُت متعاكسُت‪ ،‬يف‬
‫تناقض يعكسو مضموف الفيلم الذي حاوؿ ىؤالء ادلخرجُت إعادة تركيبو من أفق ىوياٌب مشوه ػليل إىل‬
‫مأزؽ (األنا) ادلرتبط بتصورات رلتمعية وحضارية ؿ(اآلخر) الذي ال ؽلكن أف يكوف (األنا) بأي حاؿ من‬
‫األحواؿ‪.‬‬

‫المؤلف المرسل‪ :‬بومسلوك خديجة‬


‫‪654‬‬
.‫ لياس سالم‬،‫ مرزاق علواش‬،‫مـأزق الهوية واالنتماء في أفالم سينما المهجر بوشارب‬

‫ وتكاد أغلب األفبلـ السينمائية تعكس ىذا‬،‫تعترب ادلخطوطة اذلوياتية حجر األساس يف فعل ادلواطنة‬
‫ أو من حيث التناوؿ التيمي الذي يرسم بدوره‬،‫ سواء من جهة اإلنتاج الذي ػلدد البلد‬،‫العنصر يف الفيلم‬
.... ‫ السَت‬،‫ الثورية‬،‫ احلربية‬،‫ التارؼلية‬:‫صفة األنا واالنتماء يف كثَت من أنواع األفبلـ‬
‫ سأحاوؿ أف أتعرض يف حبثي إلشكالية األنا واآلخر يف أفبلـ‬،‫وانطبلقا من ىذا ادلعطى السينمائي‬
،)‫ لياس سالم‬/‫ الوىراني‬-‫ مرزاق علواش‬/‫ نورمال‬-‫رشيد بوشارب‬/‫(أنديجان وخارجون عن القانون‬
‫ حيث يبحث ادلخرج عن‬،‫وىي من عصارة سينما ادلهجر اليت يتجلى عربىا مأزؽ اذلوية واالنتماء بعمق‬
‫ يف‬،‫ وتارؼلُت متعاكسُت‬،‫ وثقافتُت سلتلفتُت‬،)‫ موطن اإلقامة‬/‫(أناه) الضائع بُت وطنُت (موطن ادلنشأ‬
‫تناقض يعكسو مضموف الفيلم الذي حاوؿ ىؤالء ادلخرجُت إعادة تركيبو من أفق ىوياٌب مشوه ػليل إىل‬
‫مأزؽ (األنا) ادلرتبط بتصورات رلتمعية وحضارية ؿ(اآلخر) الذي ال ؽلكن أف يكوف (األنا) بأي حاؿ من‬
.‫األحواؿ‬
.‫ ادلوطن‬-‫ الوطن‬-‫ الوىراين‬-‫ اندغلاف‬-‫ االنتماء‬-‫ سينما ادلهجر‬-‫ اذلوية‬-‫ اآلخر‬-‫ األنا‬:‫كلمات مفتاحية‬

Abstract The identity manuscript is the cornerstone of the act of


citizenship, and almost all cinematic films reflect this element in the film,
whether in terms of production that defines the country, or in terms of the
timid approach, which in turn draws the character of ego and belonging in
many types of films: historical, war, revolutionary, Sir.... Based on this
cinematic point, I will try to present in my research the problem of the ego
and the other in the films (Andijan and Outlaws / Rachid Bouchareb -
Normal / Merzak Allwash - El Wahrani / Lias Salem),It is one of the sap of
diaspora cinema, through which the dilemma of identity and belonging is
deeply manifested, as the director searches for the lost (self) between two
homelands (home of origin / domicile of residence) and two different
cultures and opposite histories in a contradiction reflected in the content of
the film that these directors tried to reconstruct from the distorted horizon
of my identities, referring to To the predicament of (the ego) associated

457
‫بومسلوك خديجة‬

‫‪with societal and civilized perceptions of the (other) who. cannot be (the‬‬
‫‪ego) in any way‬‬
‫‪Keywords: ego - the other - identity - diaspora cinema - affiliation -‬‬
‫‪Andijan - Orani - home - homeland.‬‬

‫‪ .1‬مقدمة‪:‬‬
‫تعد سينما ادلهجر يف ادلشهد السينمائي اجلزائري حاليا موجة فنية قائمة بذاهتا‪ ،‬استعر ذليبها مع‬
‫مطلع األلفية اجلديدة يف ظل مفهوـ ىوية كوكبية تساوي بُت األنا واآلخر‪ ،‬يف زلاولة لتقليص ادلسافة‬
‫والشرخ اذلوياٌب بُت‪( :‬الوطن األصل) و(الوطن ادلهجر)‪ .‬ونظرا خلطورة ىذا الطرح الذي ؽلس بعامل‬
‫اخلصوصية الثقافية واذلوياتية الوطنية‪ ،‬سأرصد يف منت ىذا ادلقاؿ رلموع خصائص سبيز الرؤى الفنية‬
‫دلخرجي سينما ادلهجر ادلعاصرين‪ ،‬الذين أتصور بأهنم ؽلثلوف عصارة السينما ادلهجرية‪ ،‬وذلك لطبيعة‬
‫أفبلمهم ادلتميزة تيميا وفنيا‪ ،‬وادلتوجة يف عديد ادلهرجانات السينمائية‪ .‬إذ أركز يف ربليلي على اخلطاب‬
‫التيمي الذي ػلمل بُت طياتو كثَتا من ادلساحات ادللغمة وادلتناوبة بُت ادلشاىد الفيلمية اليت زبفي إشكاؿ‬
‫اذلوية بوضوح‪ ،‬والذي حاوؿ ىؤالء إجبلءه عرب رؤاىم اليت أتصور بأهنا سبيل إىل التموضع يف مفًتؽ طرؽ‬
‫ال ترسم مسلكا طبيعيا دلفهوـ اذلوية اجلزائرية‪ .‬وسأناقش ىذا التأزـ عرب ثبلثة عناصر ىي‪:‬‬
‫‪ -‬أفالم بوشارب الحربية (الثورية) و ثنائية الهوية واالغتراب ‪.‬‬
‫‪ -‬قراءة في فيلم نورمال لمرزاق علواش من أفق ىوياتي‪.‬‬
‫‪ -‬فيلم الوىراني للياس سالم‪ :‬محاولة تشويو الثوري‪ ،‬ونسف المخطوطة الهوياتية‪.‬‬
‫‪ /1‬أفالم بوشارب الحربية (الثورية) و ثنائية الهوية واالغتراب ‪.‬‬
‫يعد رشيد بوشارب ظلوذجا استثنائيا يف موجة سلرجي سينما ادلهجر‪ ،‬انطبلقا من أف أعمالو صارت تثَت‬
‫لغطا غَت اعتيادي يف وسائل اإلعبلـ الفرنسية‪ ،‬و ذلك لتناولو للبعد الثوري يف أفبلمو اجلديدة خبلؿ‬
‫األلفية اجلديدة‪ ،‬و اليت أرى بأهنا تريد أف ربقق سباسا مع روح ادلرحلة الذىبية للسينما اجلزائرية خبلؿ‬

‫‪458‬‬
‫مـأزق الهوية واالنتماء في أفالم سينما المهجر بوشارب‪ ،‬مرزاق علواش‪ ،‬لياس سالم‪.‬‬

‫السبعينات‪ ،‬و لكن مع فارؽ سأحاوؿ أف أرصده‪ ،‬و يتمثل يف‪ :‬ما موقع ىذه األعماؿ بُت مركب اذلوية و‬
‫عنصر اإلغًتاب‪.‬‬
‫يعكس كل من فيلم أىالي ‪ Indigène‬و فيلم خارجون عن القانون ‪ Hors la loi‬سجاال‬
‫تارؼليا ىوياتيا‪ ،‬وسجبل ذاتيا للمخرج رشيد بوشارب الذي حاوؿ عرب فيلميو ترسيخ جسور إنتمائو وىويتو‬
‫اليت تربط بُت األرض ادلستعمرة (فرنسا) اليت ولد فيها عاـ ‪3591‬ـ و األرض ادلستعمرة (اجلزائر) اليت‬
‫عاش فيها أسبلفو‪ .‬و يف كل من الفيلمُت يبحث عن عبلقة ثنائية ؽلتزج فيها األنا باآلخر‪ ،‬وتنقسم فيها‬
‫ذاتيتو بُت بعد ىوياٌب واندماج يف رلتمع ػلس فيو بالبعد و مسة اإلغًتاب ‪.‬‬
‫يف فيلم أىالي ‪6002‬ـ يبحث بوشارب عن أناه يف مؤسسة اآلخر (فرنسا) اليت ال تقيم أي اعتبار‬
‫لتضحيات األجداد و اآلباء األفارقة دفاعا عن اجلمهورية الفرنسية خبلؿ احلرب العادلية الثانية‪ ،‬و الذين‬
‫كاف من بينهم والده‪ ،‬حيث دافع ىؤالء و ضحوا بأرواحهم أماـ اآللة احلربية النازية ليجد أبناؤىم أنفسهم‬
‫ضحايا سبييز عنصري‪ ،‬ورمى هبم وطنهم اجلديد فرنسا إىل غيتوىات ‪ ghetto‬الضواحي اليت انتفضت‬
‫ضد سياسة ساركوزي‪ .‬ذلك أف اخلطاب الكولونيايل ىو جهاز يدير معرفة اإلختبلفات العرقية الثقافية‬
‫والتارؼلية ‪ 2‬وينكرىا كما يقوؿ ىومي ك بابا‪ ،‬وتتمثل وظيفتو االسًتاتيجية ادلسيطرة يف خلق فضاء لشعوب‬
‫خاضعة‪ ،‬ألف غاية ىذا اخلطاب ىي أف يؤوؿ ادلستعمرين بوصفهم شعوبا من أظلاط منحطة بسبب أصلهم‬
‫العرقي‪3.‬وأتصور بأف نظرة ادلستعمر اإلحتقارية قد سبتد إىل الزمن ما بعد الكولونيايل‪ ،‬لتطاؿ اآلخر ادلدمج‬
‫يف رلتمع فرنسا اإلستعماري الذي ما فتئ ينظر للمهاجرين اجلزائريُت واألفارقة نظرة دونية‪ .‬ويقود ىذا‬
‫الوضع إىل ىويات ىجينة و إنتقالية رباوؿ فرض نفسها يف رلتمع اآلخر‪.‬‬
‫إف بوشارب يف أىالي يستنجد باألنا ادلوسع مغاربيا وإفريقيا لدحض ادلمارسات اليت يشنها ضده‬
‫اآلخر و الذي ىو وطنو و أناه‪ ،‬حيث يسعى لتحقيق شعار الثورة الفرنسية (أخوة‪ ،‬حرية‪ ،‬مساواة)‪ ،‬وادلتتبع‬
‫ذلذا الفيلم يقتنع بالطرح اجلمايل للمخرج وذكائو يف تشكيل زوبعة سياسية بعد الفيلم دفعت دبسؤويل‬
‫الدولة الفرنسية إىل إعادة تثمُت تضحيات آباءىم ماليا (األورو)‪ .‬لقد عكس فيلم أىالي إضطرابا على‬

‫‪2‬هومي ك بابا‪ ،‬موقع الثقافة‪ ،‬تر‪ 6‬ثائر ديب‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ -‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،2002 ،1‬ص ‪.141‬‬
‫‪459‬‬
‫بومسلوك خديجة‬

‫مستوى اإلنتماء جعل ادلخرج يتنكر ألناه الفرنسي مستنجدا بأناه ادلغاريب‪ ،‬طارحا بذلك توسعا ىوياتيا‬
‫جعلنا طللط بُت األنا و اآلخر‪ ،‬وال نقف عند حدود اذلوية واإلغًتاب‪ ،‬وكأف ادلخرج خلص نضاؿ‬
‫ادلهاجرين األبناء عرب استحضار انتماء ترسب يف الذاكرة و عمل على إحيائو يف وطن جديد‪.‬‬
‫لقد حاوؿ ادلخرج عرب فيلمو إعادة اإلندماج يف فن وطنو (فرنسا) بآليات أخرى دفعتو إىل معارضة‬
‫واقعو ىناؾ‪ ،‬حبثا عن ىوية مدعمة تسًتجع أصولو القومية والعرقية و الثقافية‪ ،‬ىذا الشعور الذي يبُت عن‬
‫شحذ عرب مرور الزمن و تراخي الروابط مع بلد ادلنشأ‪ ،‬و الوعي ادلتزايد لئلختبلؼ كما يقوؿ مونتينيي‪ .3‬و‬
‫أماـ ىذا الواقع الفٍت السينمائي تزداد حَتتنا أماـ نقطة اإلنقساـ ىوياتيا‪ ،‬و اإلنقبلب على الذات ادلهاجرة‬
‫اليت تعيش الضياع بُت ىوية ماضوية مفقودة‪ ،‬و ىوية اآلخر ادلكتسبة‪ .‬إف اإلستنجاد بًتكيب ىوياٌب أصلي‬
‫بغرض إفتكاؾ إعًتاؼ ىوياٌب جديد و فاعل إلرضاء اآلخر‪ ،‬غلعلنا نتأكد من أف فيلم بوشارب مل يكن‬
‫حبثا عن جذور‪ ،‬بقدر ما ىو لعبة للبحث عن حيز جديد يف ىوية ادلستعمر‪ ،‬بغرض إكتساب اإلعًتاؼ‬
‫وفضل ىذه الفئة على الدولة الكولونيالية‪.‬‬
‫يقوؿ صاموئيل ىنتنغتون‪":‬إف الشعوب تفهم نفسها و تعرؼ نفسها يف شكل النسب العرقي‪ ،‬الديانة‪،‬‬
‫اللغة‪ ،‬التاريخ‪ ،‬القيم‪ ،‬العادات و ادلؤسسات‪ .‬إهنم يتماثلوف مع اجلماعات الثقافية‪ :‬القبيلة‪ ،‬اجلماعات‬
‫العرقية‪ ،‬اجلماعات الدينية‪ ،‬الدوؿ‪ ،‬ويف أوسع ادلعاين احلضارات‪...‬إننا نعرؼ من ضلن فقط عندما نعرؼ‬
‫من لسنا ضلن"‪ .4‬إف ىذا التماثل مع األنا اذلوياٌب لن صلد لو أثرا يف فيلم األىالي ‪ ،‬بل يسعى ادلخرج إىل‬
‫سباثل مع اآلخر معاكس دلركبات اذلوية‪ ،‬مفضبل تبياف فضلو كأقليات يف الذوذ عن كياف الدولة‬
‫الكولونيالية‪ ،‬سلًتقا بذلك قوانُت التشابو مع األصل اذلوياٌب و باحثا عن جسر يربطو باآلخر الذي ىو يف‬
‫األصل عنصر إغًتايب‪.‬‬

‫‪ 3‬تاريخ اآلداب األوربية ج‪ ،1‬تر‪ 6‬صياح الجهيم‪ - ،‬مونتينيي"اإلرث اآلتي من خارج أوربا"‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪ ،2002 ،‬ص‬
‫‪.12‬‬
‫‪4‬‬
‫صموائيل ىنتنغتوف‪ ،‬صداـ احلضارات‪ ،‬تر‪ :‬مالك عبيد أبو شهيوة‪ -‬زلمود زلمد خلف‪ ،‬دار اجلماىَتية للنشر‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ط‪ ،3555 ،3‬ص ‪.31‬‬

‫‪460‬‬
‫مـأزق الهوية واالنتماء في أفالم سينما المهجر بوشارب‪ ،‬مرزاق علواش‪ ،‬لياس سالم‪.‬‬

‫لقد فضل ادلخرج عدـ التميز عن رلتمعو الفرنسي‪ ،‬و ضلى ضلو اإلدماج والتشابو بعيدا عن الشعور‬
‫الواعي إلمتبلؾ اذلوية والذي يقوـ على مبلحظتُت متبلزمتُت ؼلتصرعلا إريكسن ‪ Erikson E.h‬يف‬
‫إدراؾ اإلنساف لتشاهبو مع ذاتو وإستمرارية وجوده يف الزماف وادلكاف‪ ،‬وإدراؾ يف نفس الوقت أف اآلخرين‬
‫يعًتفوف لو هبذا التشابو وهبذه اإلستمرارية‪ ،‬فمخرجنا دبنطق اإلدماج والكونية فضل أف يشبو اآلخر وينقطع‬
‫عن ىذه اإلستمرارية‪.5‬‬
‫يف فيلمو الثاين خارجون عن القانون ‪ Hors la loi‬عاـ ‪6030‬ـ‪ ،‬ػلاوؿ بوشارب أف ػلتكر‬
‫حلظة تارؼلية أخرى دلواصلة نضالو اإلبداعي داخل وطنو (فرنسا)عرب استدعاء روح الثورة اجلزائرية‪ ،‬ولكن‬
‫أتصور ىنا بأف األمر سلتلف عن فيلم األىالي مجلة وتفصيبل‪....‬إف فيلم خارجون عن القانون أخذ حيزا‬
‫إعبلميا فاؽ بكثَت مستواه اجلمايل‪ ،‬حيث سرد ادلخرج زلطات من تاريخ اجلزائر احلديثة من عاـ ‪3569‬ـ‬
‫إىل تاريخ اإلستقبلؿ مرورا بأحداث ‪ 4‬ماي ‪3599‬ـ وسنوات ثورة التحرير بفرنسا‪ ،‬وكل ىذا يف شكل‬
‫ومضات تارؼلية تربط نضاؿ عائلة جزائرية بالثورة سطحيا بعد سفرىا لئلقامة بفرنسا‪ ،‬مركزا على نضاؿ‬
‫الفدائيُت ادلغًتبُت‪ ،‬وادلثَت يف العمل ىو إهتاـ أجهزة الشرطة الفرنسية دبجازر ‪ 33‬أكتوبر ‪3523‬ـ‪.‬‬
‫وصادؼ عرض ىذا الفيلم فيلما فرنسيا آخر يتحدث عن تصفية مبشري تبحرين يف فًتة ادلأساة‬
‫الوطنية يف اجلزائر رجال و آلهة ‪ Des hommes et des Dieux‬شلا زاد من ترويج فيلم‬
‫بوشارب‪ .‬وطغى على ادلشهد السينمائي الفرنسي ثنائية سينمائية لفيلمُت أحدثا ضجة يف رلاؿ اإلثارة‬
‫واالهتاـ السياسي‪.‬‬
‫أظن بأف منطق التمايز واللعبة اإلعبلمية اليت صاحبت فيلم أىالي إستهوت رشيد بوشارب‪ ،‬الذي‬
‫خاض ذبربة متمايزة يف فيلم خارجون عن القانون حبثا عن ضجة إعبلمية أخرى أكثر من عمل فٍت‬
‫سينمائي ينشد اإلكتماؿ و الفنية‪ .‬وأقوؿ هبذا الرأي من منطلق مشاىدٌب للفيلم و ربطو خبصوصية األفبلـ‬
‫الثورية اجلزائرية‪ ،‬ألف التناوؿ الفيلمي ؼلتلف سباما عن فيلم أىالي الذي يناضل فيو رلموع ادلهاجرين حبثا‬

‫‪5‬‬
‫زلمد مسلم‪ ،‬العودلة و اذلوية‪ ،‬دار الغرب‪ ،‬وىراف‪ ،6006 ،‬ص ‪.9-9‬‬

‫‪461‬‬
‫بومسلوك خديجة‬

‫عن موقع يف اجملتمع الفرنسي‪ ،‬بينما خارجون عن القانون يعكس نضاال يتعلق بأمة أخرى ىي األمة‬
‫األصل‪.‬‬
‫إذا إفًتضنا بأف ادلخرج إطلرط ضمنيا يف تيار مابعد الكولونيالية والذي ػلدده آالن لوسون يف كوهنا‬
‫نظرية أدبية ال ربدىا بالضرورة أطر زمنية‪ ،‬ألهنا تنشر توجهاهتا وتياراهتا عرب الزماف وادلكاف يف سياؽ شبو‬
‫متناغم من ادلسرحيات والروايات والقصائد الشعرية واألفبلـ‪ ،‬واليت ىي دبثابة تعبَت نصي‪ /‬ثقايف عن مقاومة‬
‫اإلستعمار يف شىت صوره‪ ،‬والكشف عن البنيات وادلؤسسات الباقية من القوة الكولونيالية‪ 6.‬فإننا نتساءؿ‬
‫عن حدود ىذا التناغم يف فيلم بوشارب‪.‬‬
‫قد يكوف ادلخرج حاوؿ إستعراض جرؽلة الشرطة الفرنسية يف ‪ 33‬أكتوبر ‪3523‬ـ‪ ،‬ولكن التناغم‬
‫الذي ػلكم صَتورة الفعل الفٍت والثوري قد غاب عنو إلستعمالو نفس اخليار التمثيلي ‪ casting‬لفيلم‬
‫أىالي‪ ،‬حيث فقدنا اذلوية الوطنية احمللية لصاحل توسيع ىوياٌب مغاريب (تونس و ادلغرب) أعاد بوشارب‬
‫إستنساخو مرة أخرى ‪ .‬إف حوار الفيلم الضائع وسط تلهيج ولكنة ىجينة أضر كثَتا بأحداث الفيلم‬
‫وقصتو ‪ ،‬ففي الوقت الذي كنا نتتبع فيو مأساة عائلة سطايفية مهاجرة تعيش نضاذلا وفصوؿ كفاحها على‬
‫األرض الفرنسية‪ ،‬كنا نضيع بُت حوارات ىذه العائلة اليت تبدت أي شيء غَت عائلة جزائرية‪ ،‬ؼ‪ :‬مسعود‬
‫(التونسي)‪ ،‬واألـ (شافية بوذراع)‪ ،‬وعبد القادر (ادلغريب)‪ ،‬مل يًتكوا حدودا للتناغم والتوافق على ادلستوى‬
‫العائلي وىو ما جعلنا نتيو يف ملفوظ مستهجن أخل بسيناريو الفيلم منذ البداية‪ .‬وقد ركزنا على ىذا‬
‫اجلانب الذي نرى بأنو أفقد الفيلم روحو اذلوياتية و الثورية‪ ،‬وعكس غورا ذاتيا مل يدع دلوضوعية بناء‬
‫الشخصيات أي سبظهر‪.‬‬
‫إف خارجون عن القانون الذي استعاف دبمثلُت غَت جزائريُت أوقع لغة احلوار الفيلمي يف متاىة ذلجات‬
‫الدوؿ ادلغاربية الشقيقة‪ ،‬وىو ما زاد ذلجة الفيلم بعدا عن ادلتلقي اجلزائري ىذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫إبتعد الفيلم هنائيا عن روح الثورة داخليا و كأننا ننتظر حبل لئلستعمار من األراضي الفرنسية‪ ،‬فمن‬

‫‪6‬‬
‫نبيل راغب‪ ،‬موسوعة النظريات األدبية‪ ،‬الشركة ادلصرية العادلية للنشر‪ -‬لوصلماف‪ ،‬ط‪ ،3‬القاىرة‪ ،6001 ،‬ص ‪.990-995‬‬

‫‪462‬‬
‫مـأزق الهوية واالنتماء في أفالم سينما المهجر بوشارب‪ ،‬مرزاق علواش‪ ،‬لياس سالم‪.‬‬

‫أحداث ‪ 33‬أكتوبر يقفز بوشارب إىل يوـ اإلستقبلؿ‪ .‬يف حُت أف قوة أفبلمنا الثورية السابقة سبيزت‬
‫بالوحدة اليت تربط فنية الفيلم جبمالية الفيلم الثوري‪.‬‬
‫لقد عشنا يف ىذا الفيلم إغًتابا من نوع آخر‪ ،‬أحسسنا فيو بشساعة البوف اإلنتمائي إىل ثورتنا وذاكرتنا‪،‬‬
‫ألف التوسيع اذلوياٌب أفقد الفيلم الثوري طرحو ادلوضوعي ووحدتو اجلمالية‪ .‬إف بوشارب ادلنقسم بُت‪:‬‬
‫فرنسيتو وجزائريتو ومغاربيتو مل يعرؼ كيف يفصل ىذا التنوع اذلوياٌب لصاحل مجالية سينمائية رباكي الثورة‬
‫اجلزائرية‪ ،‬ألف اإلغًتاب ىو اآلخر البلمنتمي إيل والذي ال أنتمي إليو‪ ،‬والوطن ىو تلك األنا اليت أنتمي‬
‫إليها وتنتمي إيل‪ ،‬وعرب ىذا اإلنتماء ندرؾ النقيض اإلغًتايب اآلخر‪ ،‬والذي بدوره وعرب ال إنتماءنا إليو‬
‫يتعمق فينا اإلنتماء للوطن‪ 7.‬إف ىذه التساؤالت كاف على سلرجنا أف يفصل فيها قبل أف ؼلوض ذبربة فيلم‬
‫حوؿ الثورة اجلزائرية‪.‬‬
‫إنٍت أتصور بأننا بعيدا عن الضجة اإلعبلمية ادلصاحبة آنذاؾ للفيلم‪ ،‬نستطيع اليوـ أف نشاىده هبدوء‪،‬‬
‫ونقف عند كثَت من ادلطبات اليت وقع فيها ادلخرج الذي وفق نسبيا يف إسًتجاع أناه يف فيلم أىالي‪،‬‬
‫وأخفق يف فيلم خارجون عن القانون ألننا عندما نشاىده ضلس بكل بساطة باغًتاب عن الثورة اجلزائرية‪،‬‬
‫وابتعاد ادلبدع عن أناه القدمي زلاوال مصادرة الثورة إىل اجلزائر من أناه اجلديد‪ ،‬وىذا عبث ىوياٌب ألف األنا‬
‫ترسب ثقايف وحضاري وتارؼلي ال يقبل القسمة على إثنُت وال شراكة للتاريخ فيو لبلدين‪.‬‬
‫‪ /6‬قراءة في فيلم نورمال لمرزاق علواش من أفق ىوياتي‪.‬‬
‫لقد أثار فيلم نورمال لمرزاق علواش جدال واسعا‪ ،‬وتعرض النتقادات عنيفة لدى عرضو دبهرجاف وىران‬
‫للفيلم العريب يف دورتو اخلامسة ‪ ،2011‬بدعوى أنو يهُت اجلزائريُت‪ ،‬ويظهرىم غارقُت يف اجلنس واخلمر‪،‬‬
‫حيث قاطع الصحافيوف واجلمهور ادلخرج وادلمثلُت‪ ،‬بزعم أف العمل يبُت الصورة السيئة للجزائريُت‪ .‬لكنو‬
‫شارؾ يف مهرجاف تطوان‪ ،‬وأعترب الفيلم اجلزائري الوحيد‪ ،‬الذي يناقش موضوعا راىنا عن اجملتمع اجلزائري‪،‬‬
‫العريب ‪.‬‬ ‫الربيع‬ ‫ظل‬ ‫يف‬ ‫الببلد‬ ‫تشهدىا‬ ‫اليت‬ ‫اجلديدة‬ ‫احلركية‬ ‫وىو‬

‫‪7‬‬
‫عامر صاحل‪ ،‬يف سيكولوجيا الغربة و اإلغًتاب‪www.Akhbar.org ،‬‬

‫‪463‬‬
‫بومسلوك خديجة‬

‫وكاف الفيلم قد ناؿ إعجابا عربيا واسعا‪ ،‬لكونو يقدـ صورة جديدة للسينما اجلزائرية والعربية عموما‪،‬‬
‫فهو يطرح أزمة شاب سلرج وزوجتو‪ ،‬ػلاوالف إصلاز فيلم يتناوؿ أوضاعهما‪ ،‬لكن الثورات العربية ذبعلهما‬
‫يقرراف إعادة تصوير بعض ادلشاىد‪ ،‬بناء على ما ػلدث وغلمعاف ادلمثلُت للنقاش حولو‪ .‬كما يدين الفيلم‬
‫‪-‬بطريقة قد تبدو مباشرة ػ الزيف االجتماعي‪ ،‬وعدـ قدرة األفراد يف اجملتمع اجلزائري على مواجهة أنفسهم‬
‫باحلقائق اليت يعيشوهنا‪ ،‬ويتوقف العمل عند خيبة أمل الشباب الساعي للتعبَت حبرية عن أفكاره الفنية‪،‬‬
‫وانسداد مجيع األبواب يف وجهو‪ ،‬نتيجة الفساد والبَتوقراطية وعدـ تكافؤ الفرص وسػوء اإلدارة يف اجملتمع‬
‫اجلزائري‪.‬‬
‫يبدو أف الورطة الفنية اليت وقع فيها ادلخرج اجلزائري يف فيلم نورمال ربولت إىل نقطة قوتو وكانت وراء‬
‫فوزه جبائزة أفضل فيلم روائي عريب دبهرجاف الدوحة ترايبكا السينمائي يف اختتاـ دورتو الثالثة ‪. 2012‬‬
‫فقد ربولت حَتتو اإلبداعية السابقة بشأف ما ؽلكن أف يفعل دبسودة فيلم غَت مكتملة إىل نشوة بالفرح‬
‫واالنتصار‪ ،‬وخاصة إىل فيلم سينمائي مكتمل على ادلستوى الفٍت‪.‬‬
‫نورمال (الكلمة اليت تعٍت طبيعيا أوعاديا) ىو ما اختاره ادلخرج اجلزائري ادلغًتب وادلثَت للجدؿ غالبا‪،‬‬
‫عنوانا يعرب بو عن منطقية اإلرىاصات اليت يعيشها اجلزائريوف حاليا‪ ،‬ومن أوىل لقطات الفيلم نستشعر‬
‫ذلك الغضب والغلياف‪ ،‬وتتكثف اللقطات ادلتتابعة الحقا لنلتحق بزوجُت شابُت يطمحاف إلكماؿ إنتاج‬
‫فيلمهما من خبلؿ طلب دعم من وزارة الثقافة‪ ،‬وىو الطلب الذي رفض‪ ،‬حبجة عرضو ألشياء تسيء‬
‫للجزائر‪ ،‬وللحديث ادلتشعب ادلنتقد للحكومة‪.‬‬
‫ويف مونتاج ّأويل يدعو الزوجاف أصدقاءىم ادلمثلُت ادلشاركُت يف الفيلم ليشاىدوا ادلسودة األولية ولَتوا معا‬
‫ما ؽلكن فعلو كتتمة ذلذا ادلشروع الذي نشاىده بدورنا معهم‪ ،‬حيث ينتقد ىؤالء الشباب من خبلؿ ىذا‬
‫الفيلم احتضاف اجلزائر لفعاليات ادلهرجاف الثقايف األفريقي ‪ ،2009‬فتخصيص ميزانية ضخمة ذلذا احلدث‬
‫كاف زلل سخط من طرؼ الكثَتين خاصة يف ظل الظروؼ ادلعيشية الصعبة والبطالة ادلتفشية‪ .‬يتوقف‬
‫الفيلم وال غلد دعما لو‪ ،‬كاف يريد أف يقوؿ إف الوضع اجلزائري ال ػلتمل ادلهرجانات يف ظل ما نعانيو‪،‬‬
‫صور حَتتو يف فيلم وربطها براىن الثورات العربية وبالغلياف ادلوقوت‬
‫لكنو مل غلد اإلمكانات إلكمالو‪ّ .‬‬
‫‪464‬‬
‫مـأزق الهوية واالنتماء في أفالم سينما المهجر بوشارب‪ ،‬مرزاق علواش‪ ،‬لياس سالم‪.‬‬

‫الذي تشهده اجلزائر‪ ،‬والذي عرب عنو بأزيز الهليكوبتر العسكرية القوي‪ ،‬وبصوت صفارات إنذار الشرطة‬
‫يف إشارة للحضور الطاغي للسلطة وسياستها اإلقصائية والراصدة لؤلجواء‪ ،‬خوفا من انتفاضة شعبية على‬
‫الطريق‪.‬‬ ‫قارعة‬
‫ؽلرر مرزاق علواش طبعا كل أفكاره الثورية بطريقة انسيابية‪ .‬ػلدث خصاـ بُت األصدقاء بسبب‬
‫لقطات محيمية صورت خبلؿ الفيلم‪ ،‬وىي اللقطة‪ /‬اجلسر اليت يرمز من خبلذلا علواش إىل صعوبة العثور‬
‫على شلثلة تقبل أف سبثل الدور كامبل بكل جرأة يف ظل احملاكمات اليت يرفعها اآلخروف‪ ،‬ويف ظل كل‬
‫التناقض ادلوجود‪ .‬كأف تقوـ ادلخرجة بتصوير عمل "جريء" لكنها ترفض أف تقوـ ىي بذات الدور أو أف‬
‫يقوـ بو صديقها‪ .‬ؽلرر ادلخرج أيضا رسالة احلجاب الظريف يف اجلزائر‪ ،‬أين تلبس الفتاة احلجاب يف مناطق‬
‫معينة وتنزعو يف أماكن أخرى يف ازدواجية غَت مفهومة‪ .‬دوف أف ينسى احلديث على اجلهات الرمسية لتقدمي‬
‫الدعم الكايف لؤلعماؿ الثقافية والفنية‪.‬‬
‫كاف للثورة يف فيلم نورمال حضورا موازيا بالكامل على طوؿ فًتة الفيلم‪ .‬الثورة يف كل شيء وعلى‬
‫كل شيء‪ ،‬من التقاليد البالية إىل الثورة دبعناىا النضايل السياسي‪ ،‬ليعرج أيضا من خبلؿ نقاش عفوي‬
‫وزلت ّدـ صوره بُت ىؤالء األصدقاء الشباب بشأف ما ؽلكن تقدؽلو للوطن وبأية طريقة‪.‬‬
‫يصرخ أحدىم دفاعا عن نفسو بأنو ليس رلربا للخروج إىل الشارع من أجل الثورة‪ ،‬وأف فيلمو السينمائي‬
‫قادر على تبليغ الرسالة كاملة‪ ،‬فيما يصر آخروف على أف الثورة تعٍت تعبَتا جسديا عن الرفض لكل الراىن‬
‫تنديدية‪.‬‬ ‫ومسَتات‬ ‫سلمية‬ ‫مظاىرات‬ ‫خبلؿ‬ ‫من‬
‫انتقلت كامَتا علواش من وجو آلخر ومعو تعددت اآلراء اليت كشفت ىواجس اجلزائريُت اآلنية‬
‫وتفكَتىم ادلختلف وسط كل الثورات العربية القائمة ىنا وىناؾ‪ .‬فعدـ اقتناع البعض بالثورة مرده إىل‬
‫انتفاضة الشباب قبل عقدين من اآلف (أحداث ‪ )1988‬وما تبلىا من إجهاض للتجربة الدؽلقراطية مع‬
‫موت اآلالؼ من ادلدنيُت وما مرت بو اجلزائر من دمار على عدة مستويات‪ ،‬وعليو فمن الطبيعي أو‬
‫نورمال أف ػلدث ىذا االنقساـ يف عدـ يقينية التصرؼ ادلشًتؾ‪ .‬وقد بدت واضحة جدا عفوية اجلداؿ‬
‫بُت ىؤالء ادلمثلُت‪ ،‬وىو ما راىن عليو ادلخرج منذ البداية‪ ،‬وقاؿ إف ذكاءىم كاف دافعا لًتؾ مطلق احلرية‬

‫‪465‬‬
‫بومسلوك خديجة‬

‫ذلم يف التعبَت عن ىواجسهم الذاتية مع تأطَت بسيط مسبق من طرفو‪ .‬ورغم تلك العفوية البادية يعرب‬
‫الكثَت من اجلزائريُت عن استيائهم دلبالغة علواش يف احلوار‪ ،‬خاصة يف أجزاء ال زبدـ عمليا فكرة الفيلم‪،‬‬
‫وكذلك اإلػلاءات من بينها مشهد ادلرأة اجلزائرية وىي تتخلى عن حجاهبا عندما تستقل سيارة تاكسي‪،‬‬
‫اجلزائري‪.‬‬ ‫للشباب‬ ‫تصويره‬ ‫وكيفية‬
‫يريد علواش من خبلؿ ىذا الفيلم أف ينقل صورة اجملتمع الفرنسي نفسها ويسقطها على اجملتمع‬
‫اجلزائري وقد دأب على ذلك يف أفبلـ سابقة مثل باب الواد سيتي وغَته‪ .‬فيلم علواش ‪-‬الذي بدأ‬
‫ببلفتة كبَتة مكتوب عليها بلوف أمحر صارخ جزائر حرة ديمقراطية وانتهى هبا أيضا‪ -‬ظل مفتوحا على‬
‫كل االحتماالت والنهايات‪ ،‬نظرا للرؤية الضبابية السائدة يف البلد حسب علواش‪.‬‬
‫إف فيلم نورماؿ و الذي أنتج يف ‪ 2011‬إستغرؽ مدة ‪1‬سا و‪46‬د زلدثا شرخا ىوياتيا مستوى التلقي‬
‫ألف ادلخرج أراد أف يبُت للعامل الغريب أف الشباب اجلزائري ادلتمسخ‪ -‬كلو وبدوف استثناء‪ -‬عقديا يفكر‬
‫كيف ؽلكنو أف يعرب عن ذاتو ويتفرنس عن طريق القبل واجلنس واخلمر‪ ،‬ورغم الرقابة ادلفروضة عليو فهو‬
‫ينتقد ويلعن الدولة‪ /‬اجملتمع‪ /‬العادات والتقاليد‪ /‬الدين‪ ،‬فعلواش يف ىذا الفيلم يظهر الشباب اجلزائري غَت‬
‫مسلم ‪ /‬غَت زلافظ‪ /‬متمزؽ‪ ،‬يبحث فقط عن ذاتو من خبلؿ الفن والذي منع من شلارستو بسبب الرقابة‬
‫عليو ردبا قد ال أتفق مع ادلخرج ألف الفيلم موجو جملتمع غَت رلتمعنا اجلزائري ادلسلم من جهة‪ ،‬كما أنو‬
‫ضعيف تقنيا و فنيا‪ ،‬فادلتفرج ذلذا الفيلم ػلس وكأنو أماـ فيلم ىاوي ال يستطيع سلرجو أف يتحكم فيو‬
‫تأطَتيا‪ ،‬مونتاجيا من جهة أخرى‪ .‬وللحديث عن جانبو التقٍت رصدت مجلة من ادلبلحظات ‪:‬‬
‫‪ -‬سيناريو الفيلم ضعيف‪ ،‬تلقائي يف كثَت من األحياف و كأننا أماـ كتابة آنية للتصوير فقط‪ ،‬سبثلت‬
‫يف احلوارات الساذجة والثقيلة‪.‬‬
‫‪ -‬التأطَت ادلشهدي‪ :‬ينتقل بنا ادلخرج من لقطة إىل أخرى و من مشهد آلخر بدوف مربر منطقي أو‬
‫مونتاج مًتابط و متسلسل‪ ،‬لقطات طويلة جدا و كأننا يف بدايات السينما‪(.‬بداية الفيلم‪ +‬لقطة‬
‫الطاكسي)‬
‫‪ -‬ربركت الكامَتا يف اذباىات غَت مربرة تقنيا (مشهد البحر ‪1‬سا‪24‬د‪43‬ثا) ‪.‬‬

‫‪466‬‬
‫مـأزق الهوية واالنتماء في أفالم سينما المهجر بوشارب‪ ،‬مرزاق علواش‪ ،‬لياس سالم‪.‬‬

‫و أخَتا خلصت أف مرزاق علواش ومنذ فيلم عمر قاتالتو وىو ػلمل فكرة سيئة عن اجلزائريُت ودائما‬
‫يُصورىم يف صور غَت الئقة‪ ،‬فمن الشاذ جنسيا يف فيلم شوشو والذي تقمص الدور الرئيسي فيو غاد‬

‫المالح ‪ Gad Elmaleh‬إىل باب الواد سيتي الذي ّ‬


‫صور اجلزائري على أنو يرضى بالذؿ من أجل‬
‫الذىاب للضفة األخرى‪ .‬بالغ ىذا ادلخرج يف إىانة اجلزائر واجلزائريُت وتصوير بلد ادلليوف ونصف مليوف‬
‫احملرمات‪.‬‬
‫شهيد على أنو رلرد شارع متسخ سكانو ؽلارسوف كل أنواع ّ‬
‫‪ /3‬فيلم الوىراني للياس سالم‪ :‬محاولة تشويو الثوري‪ ،‬ونسف المخطوطة الهوياتية‪.‬‬
‫لقد تغَت نسق الفيلم الثوري بعد العشرية السوداء‪ ،‬وراح بعض ادلبدعُت يدعوف بأف التقديس الذي ميز‬
‫سينما السبعينات البد أف يتجاوز لصاحل واقعية سينمائية أكثر إنتقادا‪ ،‬وليس واقعية ثورية‪ .‬ويدخل فيلم‬
‫الوىراني متجاوزا ىذا اإلطار ضلو ىجائية عصفت بقدسية الرمز الثوري‪ ،‬وعبثت بالعمق اذلوياٌب لصاحل‬
‫ادعاءات فنية وتقنية مابعد حداثية وعودلية تريد تغليب السمة السينمائية على االنتماء‪.‬‬
‫إف قراءة فيلم الوىراني اليت سأقدمها يف ىذا ادلقاؿ تعتمد اجلانب التيمي للفيلم‪ ،‬والذي أرى بأنو‬
‫مكمن اخلطورة على مستوى التلقي بالنسبة ذلذا الفيلم اإلشكايل‪ ،‬حيث أثار منذ ظهوره زوبعة إعبلمية‬
‫كبَتة‪ ،‬واستهجانا من لدف كثَت من األوساط الثقافية والسياسية اليت ألقت بالبلئمة على وزارة الثقافة اليت‬
‫شاركت يف إنتاج فيلم مسيئ لصورة الثورة اجلزائرية من غَت مراقبة جانبو ادلضموين‪ .‬لقد عصف اخلطاب‬
‫الفيلمي للوىراين بادلدونة اذلوياتية بشكل مثَت مل يبق أية مربرات للياس سامل الذي أراد أف يوجو ىذا الفيلم‬
‫(أكثر من اإلبداع)‪ ،‬وذلك باعتباره السيناريست وادلخرج وبطل الفيلم‪ .‬وأرى بأف تناوؿ ىذا الفيلم نقديا‬
‫ؽلر عرب ثبلث مراحل أخلصها كالتايل‪:‬‬
‫‪ -1‬جدل اإلنتاج‪:‬‬

‫ترؾ الفيلم إنطباعا سيئا لدى بعض اذليئات الرمسية (وزارة اجملاىدين واألسرة الثورية) وكذلك يف بعض‬
‫األوساط النقدية اليت رأت فيو إساءة للثورة واجملاىد‪ ،‬وتناقضت الوصاية شلثلة يف وزارة الثقافة بُت مهلل‬
‫ومتملص بعد الورطة اليت وضعها فيها ىذا الفيلم‪ .‬ولكنٍت ال أتعجب من ىذا األمر‪ ،‬وىذا انطبلقا من أف‬
‫طبيعة اإلنتاج وشلوليو ىي اليت ربدد وجهة الفيلم تيميا وإيديولوجيا‪ ،‬وعلينا أف نقر بأف مساعلة اإلنتاج‬
‫‪467‬‬
‫بومسلوك خديجة‬

‫الوطنية اليت مل تتعدى ‪ % 21‬أسهمت يف تقليص التوجيو ادلضموين للفيلم الذي منح لياس سالم مساحة‬
‫شاسعة من احلرية والتوجيو ادلضاد لقيمنا يف الضفة األخرى‪ ،‬وىذا اعتبارا أف اآلخر ؽلتلك ‪ % 79‬من‬
‫سبويل الفيلم‪ .‬ىذا الدعم اإلنتاجي الذي مسح ألحد منتسيب سينما ادلهجر بتشكيل رؤى سينمائية تذرعت‬
‫جبماليات اللقطات وادلونتاج يف ىذا الفيلم على حساب اجلانب ادلضموين والفكري‪.‬‬
‫‪ -2‬الوىراني بين كماشة الالتقديس وسينما المهجر‪:‬‬

‫ػلاوؿ كثَتوف إغلاد سلرج لكبوة لياس سالم يف ىذا الفيلم بدعوى السينمائية وإعلاؿ ادلضموف‪ ،‬وىو ما‬
‫أتعارض معو مجلة وتفصيبل‪ ،‬ألف إهتاـ أفبلـ الفًتة الذىبية خبلؿ الستينيات والسبعينيات بتقديس الثورة‬
‫وأدجلة ادلد الثوري بدعوى تقدمي أفبلـ مضادة تنفي ادللحمية الثورية وذبنح إىل اإلرباؾ الذي يشوب نوع‬
‫فيلم السَت‪ ،‬قد يكوف خطَتا جدا على مركب اذلوية‪ .‬فالبلتقديس الذي ؼلل بتوازف ادلفهوـ الثوري أجده يف‬
‫فيلم الوىراين ىجائيا‪ ،‬وربامبل على ادلرموز الثوري واذلوياٌب‪ ،‬ألف ادلخرج قدـ ظلوذجا سيئا وواحدا من غَت‬
‫شخصية مقابلة تكافئو بقيم أصيلة توازف مصفوفة القيم ادلضادة القادمة من توجيو مجاعة سينما ادلهجر‪،‬‬
‫وىذا ما أفقد الفيلم توازنو‪.‬‬
‫إف تركيب مضموف الفيلم من أفق ىوياٌب يقودنا إىل مأزؽ األنا عند لياس سالم‪ ،‬والذي يشًتؾ فيو مع‬
‫رلموعة سلرجي سينما ادلهجر الذين ػلاولوف ذباوز مركب اذلوية بتصور بديل داخل اخلطاب الفيلمي وبكل‬
‫أدوات احلرفية السينمائية (السيناريو‪ ،‬التمثيل‪ ،‬اإلخراج)‪ .‬يرى ‪ ": Geniviere‬أف اجلالية ادلهاجرة تعيش‬
‫آليات ضغوط اذليمنة اإلجتماعية‪ ،‬و أف اجليل الثاين على عكس اجليل األوؿ ليست لديو نفس ادلشاريع‪،‬‬
‫و إنو يعيش اضطرابا كبَتا وأف ظلطو الثفايف واالجتماعي يف صراع مستمر‪ 8 ".‬ىذا اجليل من السينمائيُت‬
‫أمثاؿ‪ :‬رشيد بوشارب‪ ،‬مرزاق علواش‪ ،‬ومعهم لياس سالم يعيشوف ذباذب األنا واآلخر‪ ،‬ويوجهوف قيميا‬
‫من طرؼ اآلخر ادلستعمر للتملص من كل القيم اليت ؽلثلها الوطن األصل والذي يعيشوف الغربة واالغًتاب‬
‫أيضا بعيدا عن مدونتو اذلوياتية يف رلتمع آخر يوجههم إىل عدائية االنتماء‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫زلمد مسلم‪ ،‬اذلوية والعودلة‪ ،‬ص ‪.94‬‬

‫‪468‬‬
‫مـأزق الهوية واالنتماء في أفالم سينما المهجر بوشارب‪ ،‬مرزاق علواش‪ ،‬لياس سالم‪.‬‬

‫ىذا االنتماء الذي تفطن إليو ادلناضل والطبيب فرانز فانون أثناء تواجد اآلخر (ادلستعمر) بُت‬
‫ظهرانينا‪ ،‬مبينا اسًتاتيجية العدو يف إبعاد اذلوية يف قولو‪ " :‬ودلا كاف الطب النفسي تلك التقنية الطبية اليت‬
‫هتدؼ إىل سبكُت اإلنساف من أف يكف عن كونو غريبا عن بيئتو‪ ،‬فقد أخذت على عاتقي أف أثبت أف‬
‫العريب‪ ،‬ادلغًتب على الدواـ يف بلده‪ ،‬يعيش يف حالة من اختبلؿ اآلنية ادلطلق ‪ ...‬فالبنية االجتماعية‬
‫القائمة يف اجلزائر تقف يف وجو أية زلاولة ألف يسند ادلرء ظهره إىل حيث ينتمي‪ 9".‬وأتصور بأف ىذه‬
‫اإلسًتاتيجية العدائية لئلنتماء الزالت تصاغ يف الدوائر الثقافية لآلخر‪ ،‬وتطبق عندنا بأيدي اجليل الثاين‬
‫شلن يعرفوف دبخرجي سينما ادلهجر‪ .‬فهل ىي سينما جزائرية ثورية جديدة بنوع السَت وبرؤية اآلخر؟‬
‫‪ -3‬المدونة الهوياتية ومأزق األنا عند لياس سالم‪:‬‬

‫يصدـ ادلتلقي لفيلم الوىراني بالصورة السلبية للكفاح والنضاؿ الثوري‪ ،‬ويفجع أماـ هتاوي الرمز‬
‫(اجملاىد) داخل بنية فنية ىجائية أخفت مجالية الفيلم على ادلستوى التقٍت‪ .‬وأماـ ىكذا تناوؿ مضموين‬
‫ربوؿ ىذا العرض السينمائي إىل فيلم إشكايل يشوش على الذاكرة الثورية خصوصا‪ ،‬ومركبات األمة‬
‫واجملتمع اجلزائريُت عموما‪ ،‬ىذا إذا أخذنا يف احلسباف أف مشهدية ىذا الفيلم تستحضر تداعيا ىوياتيا إف‬
‫شعوريا أو الشعوريا‪.‬‬
‫يتجلى مأزؽ األنا عند لياس سالم وخلل اذلوية يف تصوره جملتمع ما بعد اإلستقبلؿ وقراءتو للرمز‬
‫الثوري دبوضوع تناوؿ فيو مسار اجملاىد جعفر‪/‬الوىراني‪ ،‬الذي ساير نزوات صديقو السياسي حميد وسط‬
‫جو سلمور وداعر وسياسوي تغيب فيو كل القيم اليت استبدلت بأفق أسود من االنتهازية والفساد‬
‫واإلقصاء‪ .‬لقد رىب جعفر إبنو الذي مل يكن سوى لقيطا من جندي فرنسي رلهوؿ إغتصب زوجتو ادلتوفاة‪،‬‬
‫وأخفى عنو ىذه احلقيقة اليت اكتشفها الطفل عندما صار شابا‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ىومي ؾ بابا‪ ،‬موقع الثقافة‪، ،‬ص ‪.54‬‬

‫‪469‬‬
‫بومسلوك خديجة‬

‫إف حكاية كهذه يستحيل أف تتم هبذه الطريقة لدى رلتمع جزائري زلافظ غداة اإلستقبلؿ‪ ،‬لقد ذىب‬
‫لياس سالم بعيدا يف منطقو ادلضاد للهوية والذي الؽلكن تقبلو وفق التشابو والوحدة اليت تربطنا هبذا اجملتمع‬
‫آنذاؾ‪ .‬إف مبدأ التنظيم الذي بواسطتو ػلافظ الفرد على بقائو كشخصية متماسكة مع ماىيتو و استمراريتو‬
‫يف ذبربتو الذاتية و واقعيتو مع اآلخر كما يؤكد على ذلك إريكسون‪ ،‬ذبعلنا نرفض ىذا ادلنطق‪ ،‬فاألنا ىو‬
‫البنية الداخلية اليت تصاحب الفرد طيلة الطفولة‪ ،‬وتساعده على أنواع التقمص ادلختلفة اليت تسمح لو‬
‫باإلدماج التدرغلي لصور الذات اليت يعرفها ماالوسكا على أهنا الشعور بالذات‪ ،‬أي سلتلف تصورات‬
‫‪10‬‬
‫الشعور باالستمرارية وبالتشابو وبالوحدة اليت سبيز اذلوية‪.‬‬
‫انطبلقا من ىذا التعريف احملدد للهوية فإف الوىراني ال يشبهٍت ىو وشخصياتو‪ ،‬وال ضلن نشبههم‪ ،‬وىنا‬
‫ربدث مقاومة وجدانية أثناء التلقي تذوذ عن الرمز وعن صورة اذلوية اليت تتلخص يف قيمتُت‪:‬‬
‫‪ -‬قيمة أو صورة يكوهنا الفرد عن نفسو‪.‬‬
‫‪ -‬قيمة وصورة اجتماعية يكوهنا عنا اآلخر‪.‬‬

‫وعندما تتطابق ىذاف الصورتاف يستحضر مفهوـ اذلوية‪ ،‬وعندما تتعارضاف ػلدث تباعد أو شرخ (حالة‬
‫لياس سالم)‪.‬عندما نكوف صورة وشعورا ذلويتنا بكل أبعادىا فإننا نريد أف يعًتؼ لنا اآلخر هبذه الصورة‪،‬‬
‫واآلخر ؽلثل بالنسبة لنا حيزا سلالفا نتعرؼ من خبللو على صورتنا احلقيقية‪ ،‬لقد ارتكب لياس سالم خطأ‬
‫فضيعا عندما حاوؿ أف يلغي ىذه ادلساحة الفاصلة‪ ،‬والسؤاؿ‪ :‬من ضلن؟ من ىم؟‬
‫ال ؽلكنٍت كمتلق أف أمسح أف ربل يف رلتمعي ورموزه قيم مستوردة أو مفروضة مكاف قيمنا األصيلة‪ .‬لقد‬
‫سجلت مجلة مآخذ على الفيلم فيما ؼلص مدونتنا اذلوياتية أوردىا على الشكل التايل‪:‬‬
‫‪ -‬ربوؿ اجلزائر (ثورة‪ /‬إستقبلؿ) إىل سلمرة كبَتة‪ ،‬إذ ىناؾ أزيد من ‪ 11‬مشهدا جللسات مخر متواصلة تكاد‬
‫تغطي ربع زمن الفيلم أو يزيد‪.‬‬
‫‪ -‬سب رلاين للذات اإلذلية ( ‪ 9‬مرات أو يزيد)‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫زلمد مسلم‪ ،‬اذلوية والعودلة‪ ،‬ص ‪.62‬‬

‫‪470‬‬
‫مـأزق الهوية واالنتماء في أفالم سينما المهجر بوشارب‪ ،‬مرزاق علواش‪ ،‬لياس سالم‪.‬‬

‫‪ -‬مشهد إستهزائي من اللغة العربية الفصحى‪.‬‬


‫‪ -‬جلسة شواء ومخر تبُت منحٌت اذلوية (شرخ اذلوية بالنسبة ذلذا ادلخرج) مبنية على تقسيم جغرايف (يا‬
‫للعجب)‪ ،‬إذ نسمع يف أحد احلوارات‪ :‬لم نقم بثورة لصالح الدين واإلسالم ‪ ....‬نحن جزائريون‪،‬‬
‫متوسطيون‪ ،‬مغاربيون‪ ،‬أفارقة‪ ،...‬ىل ًب إقصاء اإلسبلـ والعروبة يف سلامر الوىراني للياس سامل‪.‬‬
‫غلهل الوىراني وصاحبو وسائق السيارة أف قرية قديل كانت تسمى يف العهد اإلستعماري ‪Saint‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ،Cloud‬و مل ػلمل ادلخرج نفسو عناء االجتهاد للبحث عن جزئية يراىا األعمى‪ ،‬يف حُت رأى سلططو‬
‫ادلدمر للهوية‪.‬‬
‫‪ -‬يورد الفيلم يف أحد حواراتو ما يلي‪ ... :‬الشعب الجزايري عمره ما ثار ضد فرانسا‪ ،‬ثار ضد‬
‫اإلستعمار ‪.....‬؟؟؟؟؟‬

‫إف لياس سالم شخص مدمج يف خطاب كولونيايل عاـ ساؽ جزءا منو إىل السينما‪ ،‬وىو يف ىذا اجملاؿ‬
‫ينتمي ومدمج كما يقوؿ ىومي ك بابا يف جهاز يدير معرفة االختبلفات العرقية‪ /‬الثقافية‪ /‬التارؼلية‬
‫وإنكارىا‪ .‬وتتمثل وظيفتو اإلسًتاتيجية ادلسيطرة يف خلق فضاء ؿ " شعوب خاضعة "‪ 11....‬وأتصور بأف‬
‫فيلم الوىراني ادلثَت للجدؿ مل يكن ليخرج عن ىذه الوظيفة واالسًتاتيجية اليت سبارس جانبها الدعائي‬
‫بوسائل سينمائية على حساب وحدة وجدة التيمة وادلوضوع‪.‬‬
‫‪ .4‬خاتمة‪:‬‬
‫وختاما طللص إىل أف ىذه النماذج الثبلث لسينما ادلهجر سبظهرت سينمائيا يف شكل مضامُت‬
‫تفتقد انسجاـ وروح اذلوية‪ ،‬وذبنح إىل نزعة االنقساـ واذلوس االنتمائي الذي يشكل مأزقا ىوياتيا لكل‬
‫سلرج‪ ،‬ولكن بدرجات سلتلفة‪ .‬إف زلاولة لياس سالم نسف ادلخطوطة اذلوياتية عن طرؽ تشويو ثوري‬
‫مفتعل‪ ،‬جعل فيلمو يتيو يف طرح إغًتايب بعيد عن ادلتلقي الوطٍت الذي ػلس بالتآمر بعيدا عن التماىي مع‬

‫‪11‬‬
‫ىومي ؾ بابا‪ ،‬موقع الثقافة‪ ،‬ص ‪.393‬‬

‫‪471‬‬
‫بومسلوك خديجة‬

‫الفيلم‪ ،‬ومل يكن مرزاق علواش يف نورمال ببعيد عن ىذا الطرح حينما حاوؿ أف يقارب رلتمعُت سلتلفُت‬
‫سباما (اجلزائر‪ /‬فرنسا) على مستوى القيم مستغبيا ادلتلقي بركوب العادي لًتسيخ البلعادي وىو خيانة‬
‫رلتمعية عظمى دلفهوـ اذلوية‪ .‬أما رشيد بوشارب‪ ،‬فهو ادلخرج األكثر جدية يف فيلميو غَت أنو أخفق‬
‫حينما أضاع اخليط الثوري يف فيلم خارجون عن القانون‪ ،‬حيث خانو توسيعو اذلوياٌب رغم اسًتجاعو ألناه‬
‫يف فيلم أىالي‪ ،‬وظهر منقسما بُت فرنسيتو وجزائريتو اليت نلمس أثرىا جببلء يف فيلميو األكثر رسوخا يف‬
‫الفن السابع‪ ،‬وجاء طرحو مفتقدا لرؤية سينمائية متكاملة‪.‬‬

‫‪ .5‬قائمة المراجع‪:‬‬
‫‪ ‬فيلم أنديجان‪ /‬أىالي لرشيد بوشارب‪.‬‬
‫‪ ‬فيلم خارجون عن القانون‪ /‬رشيد بوشارب‪.‬‬
‫‪ ‬فيلم نورمال‪ /‬مرزاق علواش‪.‬‬
‫‪ ‬فيلم الوىراني‪ /‬لياس سالم‪.‬‬
‫‪ -1‬ىومي ؾ بابا‪ ،‬موقع الثقافة‪ ،‬تر‪ :‬ثائر ديب‪ ،‬ادلركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ -‬بَتوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.2006‬‬
‫‪ -2‬تاريخ اآلداب األوربية ج‪ ،1‬تر‪ :‬صياح اجلهيم‪ - ،‬مونتينيي"اإلرث اآلٌب من خارج أوربا"‪ ،‬وزارة‬
‫الثقافة‪ ،‬دمشق‪.2002 ،‬‬
‫‪ -3‬صموائيل ىنتنغتوف‪ ،‬صداـ احلضارات‪ ،‬تر‪ :‬مالك عبيد أبو شهيوة‪ -‬زلمود زلمد خلف‪ ،‬دار‬
‫اجلماىَتية للنشر‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ط‪.1999 ،1‬‬
‫‪ -4‬زلمد مسلم‪ ،‬العودلة و اذلوية‪ ،‬دار الغرب‪ ،‬وىراف‪.2002 ،‬‬
‫‪ -5‬نبيل راغب‪ ،‬موسوعة النظريات األدبية‪ ،‬الشركة ادلصرية العادلية للنشر‪ -‬لوصلماف‪ ،‬ط‪ ،1‬القاىرة‪،‬‬
‫‪.2003‬‬
‫‪ -6‬عامر صاحل‪ ،‬يف سيكولوجيا الغربة و اإلغًتاب‪www.Akhbar.org ،‬‬

‫‪472‬‬
‫مـأزق الهوية واالنتماء في أفالم سينما المهجر بوشارب‪ ،‬مرزاق علواش‪ ،‬لياس سالم‪.‬‬

‫‪473‬‬

You might also like