Professional Documents
Culture Documents
أليات تطبيق المقاربة التداولية في تعليم اللغة العربية وأنشطتها
أليات تطبيق المقاربة التداولية في تعليم اللغة العربية وأنشطتها
أليات تطبيق المقاربة التداولية في تعليم اللغة العربية وأنشطتها
يروم هذا البحث – كما يظهر ذلك من خالل عنوانه -أن يسلط الضَّوء على آليات تطبيق المقاربة التَّداولية
في تعليم اللُّغة العربيَّة وأنشطتها وفق المقاربة بالكفاءات .حيث يتجلَّى لنا فضل المقاربة التَّداولية في كونها
ألنها تربط تعليم اللُّغة بمختلف السِّياقات االجتماعية الِّتي يعيش
نظر َّ
تستجيب لمفاهيم المقاربة بالكفاءات وآلياتها ،ا
فيها المتعلِّم ،ومختلف مشاكل التَّواصل ومعوقاته الِّتي تعترضه .وهذا التَّحدي األكبر الِّذي يواجه تطبيق هذه
أن مكتسبات المتعلِّم اللُّغويَّة ال تنسجم مع
المقاربة في أرض الواقع ،بحكم ما يكشفه لنا الميدان يومياُ ،يظهر َّ
محيطه االجتماعي ومستجدات العصر.
كلمات مفتاحية :المقاربة التَّداولية؛ المقاربة بالكفاءات؛ تعليم اللُّغة؛ األنشطة اللُّغوية؛
The research aims to highlight Mechanisms of applying the deliberative approach in
the teaching of the Arabic language and its activities according to the competency
approach. Where we find the advantage of the approach of deliberative in that it
responds to the concepts of approach competencies and mechanisms, since they link
language education in various social contexts in which the learner and the various
problems of communication and obstacles that face it. The greatest challenge facing
this approach in practice, as the field reveals to us daily, shows that the learner's
linguistic gains are not in line with his social environment and the latest developments
of the times.
لعل من نافلة القول التأكيد على أن تطبيق المقاربة التَّداولية في الوقت الراهن أصبح ضرورة حتمية ال مناص
ألنها المقترح البديل في تعليم اللُّغة العربيَّة وأنشطتها .إذ َّ
إن تطبيقها يوفر لنا الكثير من المعارف بأقل منها؛ َّ
جهد ،وفي وقت قصير ،وتُدرب المتعلِّم على تعلم اللُّغة واكتسابها وفق إستراتيجيات دقيقة .واذا تحقَّق الفعل
فإنه سرعان ما تترسخ المكتسبات اللُّغويَّة في ذهن المتعلِّم وتتجسد في سلوكهالتَّعليمي في مثل هذه المعطياتَّ ،
قوال وفعال .بين هذا وذاك ،نسعى من خالل هذا المقال إلى اإلجابة عن التَّساؤل التَّالي :كيف تخدم المقاربة
التَّداولية تعليم اللُّغة العربيَّة وأنشطتها في ميدان التَّواصل ،وما مدى فعاليتها في التَّعليم؟
– 1 - 1المفهوم:
نرى َّأنه من الضَّرورة القصوى قبل الحديث عن مفهوم اللِّسانيات التَّداولية في بعدها االصطالحي وكل ما
يرتبط بها من أسس ومنطلقات ،ضرورة ولوجنا أوال – ولو باقتضاب ُموجز -للحديث عن المفهوم االصطالحي
الدراسات الحديثة – فيما اتجهت إليه -إلى التَّأكيد على المقاربة تعني" كيفية دراسة مشكل أو
للمقاربة .اتجهت ِّ
معالجة أو بلوغ غاية ...وترتكز كل مقاربة على استراتيجية عمل (.")1
وعليه ،تعني المقاربة الِّتي ُيقابلها المصطلح األجنبي ( )Approcheهو االقتراب من الحقيقة المطلقة وليس
الوصول إليها ،كما َّأنها من جهة أخرى تعني خطة عمل أو إستراتيجية لتحقيق هدف ما ( .)2ومن هناَّ ،
فإن
أن كل نظرية ال يمكن أن تسلم من النسبية ،األمر الِّذي ُيفسره ُّ
تعدد المقاربات للمشكل الواحد المقاربة تعبر على َّ
أو الظَّاهرة نفسها .وبإعادتنا تركيب اللفظ لالزمته (المقاربة التَّداولية) نستطيع القول َّ
أن هذه الالزمة تعني بصورة
الدنو من الجانب التَّداولي بعيدا عن الحكم المسبق عليه.
إيحائية ُّ
كثير في
ا أن اللِّسانيات التَّداولية جاءت كرد فعل لتوجهات اللِّسانيات البنوية الِّتي بالغت
ومما ال شك فيهَّ ،
تصوراتها الصُّورية للُّغة ،وتركيزها على دراسة اللُّغة كبنية أو كنظام معزول عن سياقه ،واستقصاء المعنى من
23
الدراسة باعتباره عارض وثانويالدراسة واالقتصار على الجملة كأعلى مستوى من التَّحليل ،وابعاد الكالم من ِّ ِّ
وفردي .وهذا " الغلو في االعتماد عند وصف الظواهر اللُّغويَّة على التقابل المشهور (الثنائيات) الِّذي وضعه دي
". ()4
سوسير بين اللُّغة والكالم ،حيث أبعد الكالم الِّذي يشمل االستعمال الحقيقي للُّغة ونظامها
– 2 – 1المرتكزات اللسانية:
يرتبط مصطلح التلفظ بفعل االستخدام الفردي للِّسان ،بينما الملفوظ يعني نتيجة هذا الفعل .حيث يرى" إميل
أن التَّلفظ ( )Enonciationهو تطبيق اللُّغة في الميدان عن طريق عملية بنفنيست" (َّ ")E. Benveniste
استعمال فردية لها ( .")6لقد عمل" إميل بنفنيست" على وضع اإلرهاصات والدعائم األولى لنظرية التلفظ من خالل
بلورة معطيات لسانية لنظريته في هذا السِّياق .وعليه ،باعتبار اللُّغة نظاما مخزنا موجود في دماغ المتكلمين ،فال
يمكنها أن تتحول إلى كالم واقعي وحقيقي أو إلى نص أو إلى خطاب إالَّ عن طريق التلفظ.
ومن هنا ،فعملية التلفظ تبقى عملية فردية في كل الظروف والحاالت .وترتبط نظرية التلفظ بمجموعة من
المباحث ،كمرجعيات التلفظ الِّتي تشير إلى العناصر األساسية للملفوظية :المتحدث والمتحدث إليه وزمان ومكان
الملفوظية ،واإلشارات الِّتي تتمثل في الضَّمائر وظروف َّ
الزمان والمكان وأسماء اإلشارة ...دون أن ننسى طبعا
االفتراض المسبق الِّذي يفسر عملية التَّخاطب ،ومدى فهم المتكلمين لبعضهم البعض .ولنا أن نسوق في السِّياق
مثاال ،كقول المعلِّم للتِّلميذ ":أغلق النافذة" يفترض أن النافذة مفتوحة و َّأنه هناك مجموعة من األسباب تفرض على
التِّلميذ غلقها (البرد ،الضوضاء.)...
ارتبطت نظرية األفعال الكالمية في العصر الحديث بالفيلسوف "جون أوستين"( )John Austinمن خالل
بحوثه حول األفعال الكالمية ،خصوصا ما أورده من أن لكل فعل لغوي ثالث خصائص هي( :فعل دال لفظي)
و(فعل إنجازي وظيفي) و(فعل تأثيري).
24
غير َّأنه ال َّ
بد من توضيحَّ ،
أن المقصود من الفعل الكالمي" كل ملفوظ ينهض على نظام شكلي داللي إنجازي
تأثيري ،وفضال عن ذلكُ ،ي ُّ
عد نشاطا ماديا نحويا ،يتوسل أفعاال قولية لتحقيق أغراض إنجازية (كالطلب ،الوعد
واألمر والوعيد) وغايات تأثيرية تخص ردود فعل يطمح إلى أن يكون فعال تأثيريا؛ أي يطمح إلى أن يكون ذا
" .وقد أضاف "أوستين" في نهاية دراسته تأثير في المخاطب اجتماعيا أو مؤسساتيا ،ومن ثم إنجاز شيء ما
()7
لألفعال الكالمية ثالثة أفعال فرعية :فعل القول اللَّفظي ،الفعل المتضمن في القول ،الفعل الناتج عن القول.
ُيعتبر مصطلح الحجاج من المصطلحات األكثر شيوعا وتداوال بيننا ،حيث يحضر بكثرة في كل تعامالتنا
نظر لتعدد أوجه التَّعاريف
ولكنه من الصَّعب علينا اإلحاطة به من حيث التَّعريف االصطالحي ،ا
وأنشطتنا اليوميةَّ .
الصدد ،نجد في قاموس ( )Le grand Robertمصطلح ( )Argumentationهو "فن َّ
المقدمة له .وفي هذا َّ
استعمال الحجج أو االعتراض بها في مناقشة معينة ،والفعل حاجج ( )Argumenterهو الدفاع عن اعتراض
أو أطروحة بواسطة حجج ( .")8يرى "بيرلمان" (َّ ")Perlman
إن هدف نظرية الحجاج هو دراسة التقنيات الخطابيَّة
تقدم لهم ( ." )9ذلك – طبعا -باالعتماد على الِّتي تسمح بإثارة أو تعزيز موافقة األشخاص على القضايا الِّتي َّ
مجموعة من األساليب الحجاجية الِّتي يتم اقتراضها من المنطق والبالغة واللُّغة العادية المتداولة.
لقد تبدى لنا من خالل كتاب فردنان دي سوسير " محاضرات في اللِّسانيات العامة" َّ
أن التَّواصل من منطلق
تفسيره لدورة الكالم تفترض وجود شخصين على األقل من أجل استواء عملية التَّواصل ،وهذه العملية تنطلق من
المرسل إلى المرسل إليه ،ثَُّم يصبح المرسل إليه مرسال والمرسل مرسال إليه .وعليه فالتَّواصل عبارة عن عملية
نقل األفكار والمعلومات والمعارف والمشاعر واألحاسيس والتَّجارب بين األفراد والجماعات ،وا َّما أن يكون هذا
التَّواصل شخصيا ذاتيا أو جماعيا.
ويفترض التَّواصل " باعتباره نقال واعالما ،مرسال ورسالة ومتقبال وشفرة ،يتفق في تسنينها كل من المتكلم
الرسالة ( .")10كما تقوم نظرية التَّواصل على مجموعة من المفاهيم
والمستقبل(المستمع) ،وسياقا مرجعيا ومقصدية ِّ
تصور عاما للعملية
ا الِّتي أرسى قواعدها العالم اللُّغوي " رومان جاكبسون" ( )Roman Jacobsonالِّذي وضع
النحو التَّالي ":يقوم المرسل بإرسال رسالة إلى المتلقي ،ولكي تعبر ِّ
الرسالة عن المعنى المراد التَّبليغية ،وتتم على َّ
فالبد من سياق تأتي فيه ،أو مرجع السِّياق اللَّفظي أو قابل ألن يصبح لفظيا يدركه
َّ وتؤدي دورها اإلبالغي،
أخير َّ
البد من المتلقي ،كما َّ
البد من نظام ترميز( )Un codeمشترك كليا أو جزئيا بين المرسل أو المتلقي ،و ا
25
قناة أو موصل( )Contactبين المرسل والمتلقي يسمح لهما بإقامة عملية االتصال والمحافظة على االستمرار
" .وبعد ذلك أصبحت نظرية التَّواصل من مرتكزات التَّحليل التَّداولي. ()11
فيها
– 2التَّداولية والديداكتيك:
وبناء على ما سبق ذكره ،يمكن اعتبار اللِّسانيات التَّداولية أحد المرتكزات الِّتي تراهن عليها ِّ
الديداكتيك في بناء
مقارباتها التَّواصلية واعتماد مفاهيم واجراءات تعمل على تنمية الملكات التَّبليغية للمتعلِّمين إلى جانب تعزيز
الداللية لحواراتهم والقدرة على تشكيل النحوية والقواعد الخطابية الِّتي تضمن السَّالمة َّ
النحوية و ِّ امتالكهم للكفايات َّ
خطابات مقنعة تُؤثر في المتلقي وتحقق مقاصدهم (.)12
أن مقولة " التَّحكم في اللُّغة كوسيلة تواصل" هدف يصعب تحقيقه عمليا وتجسيده
وعليه ،يرى أهل االختصاص َّ
ألن في نظرهم ال يكفي للمتعلِّم أن يكون ا
قادر على قراءة جمل قراءة نظر للغموض الِّذي يكتنفهَّ .
بيداغوجيا ،ا
صحيحة وكتابتها بطريقة سليمة ،مثلما هو الشأن مع طرائق التَّدريس التَّقليدية ،وال يكفي أيضا أن يكون ا
قادر
الشفوية الِّتي تستمد مبادئها من
الشأن مع الطريقة َّ
على تكوين جمل بسرعة آلية استجابة لدوافع مفتعلة ،مثلما هو َّ
َّ
النظرية السُّلوكية (.)13
وفي هذا المسار ،فتعليم اللُّغة وفق اللِّسانيات التَّداولية يجب أن يرتبط باستعمال الجمل والعبارات المناسبة
لسياق لغوي معين ،والمناسبة أيضا لمواقف تواصلية محددة .وبعبارة أخرى ،ينبغي على المتعلِّم أن يكون ا
قادر
على صياغة جمل في شكل وحدات تواصلية أوسع ،مثل نص أو حوار ،وذلك في إطار موقف تواصلي محدد(.)14
وبعد هذا ،لم يعد تدريس اللُّغة مجرد نقل معارف إلى ذاكرة المتعلِّم وحشو ذهنه بهاَّ ،إنما أصبح التَّدريس عبارة
عن تشارك بين الطرفين المعلِّم (مرسل) والمتعلِّم (المرسل إليه) ،ومن خالل خبرة المعلِّم الِّتي اكتسبها في ميدان
عمله من جهة ،وخبرة التِّلميذ المتواضعة من جهة أخرى.
أن حاجة المتعلِّم – اليَّوم -لم تعد فقط في التَّعرف على كيفية بناء العبارات المثالية في المواقف وجدير ِّ
بالذكرَّ ،
المثالية لألشخاص المثاليين ،بعيدة تماما عن الواقع اللُّغوي المعيش وتعامالته اليومية وطقوس التَّحاور والعبارات
االصطالحية الِّتي تعيد ظاهرة اللُّغة إلى معناها الحقيقي في غالب األحيان ،بقدر ما هي حاجته إلى تعلُّم ما
يمكنه من ممارسة واستعمال هذه اللُّغة وظيفيا ،وما قد يفي بحاجاته التَّواصلية التَّعبيرية (.)15
26
– 3استفادة تعليمية اللُّغات من نظرية األفعال الكالمية:
النموذج التَّداولي من االستفادة من نظرية األفعال وبهذا الِّذي أسلفنا بسطه ،ال تغفل تعليمية اللُّغات وفق َّ
الكالمية " فإذا أدى المعلِّم دور المرسل والمتعلِّم دور المرسل إليه ،يكون الفعل التَّعليمي فعال تقريريا .أما في حالة
تبادل األدوار ،فيصبح المتعلِّم مرسال ،والمعلم مرسال إليه ،يكون الفعل التَّعليمي إنجازيا .وكل من الفعلين التقريري
واإلنجازي يعد من الوظائف التَّداولية للخطاب ( ." )16وفي هذا السِّياق من باب التمثيل ،ال التَّفصيل في العرض
الشرح ،يمكننا أن نسوق المثال التَّالي :اسم الفاعل – الفعل التقريري منه :ذكر المعلِّم لعنوان َّ
الدرس .والفعل و َّ
اإلنجازي منه :قدرة المتعلِّم على تصنيفه باعتبار تسميته ،إذ َّإنه يحمل اسمه في مسماه.
يتعرف على الوظائف الخطابيَّة وهكذا تتبين لناَّ ،أنه عن طريق نظرية األفعال الكالمية يستطيع المتعلِّم أن َّ
المختلفة للُّغة ،مما يجعله يتمكن من اآلليات الخطابيَّة الِّتي تجعل خطابه قويا ومؤثرا .واختيار التَّعابير الِّتي تعبر
عن مقصوده بكل حرية وقناعة منه ،حسب المقام وظروف الخطاب ،وهذا ما يجعل تعبيره يرقى إلى مستوى
أعلى مما كان عليه.
وعليه ،فليس من المعقول أن ال يقوم المختص بوضع المناهج التَّعليمية بعملية جرد دقيقة لمختلف هذه األفعال،
وتحديد الكيفيات الِّتي يتحقَّق بها كل فعل أثناء التَّفاعل اللُّغوي بين المتكلمين ،ثم اعتمادها في تحديد مضامين
الدروس مراعيا في ذلك حاجات كل فئة من المتعلِّمين لهذه األفعال (.)19
ُّ
27
– 4اللسانيات التَّداولية وتعليمية اللُّغة العربيَّة وأنشطتها:
أن اللِّسانيات التَّداولية استطاعت أن تفرض نفسها كمنهج يستخدم لقراءة ُّ
النصوص األدبيَّة وغني عن البيانَّ ،
أن التداولية تبحث في كيفية تأويل وتحليل الخطاب التَّواصلي بين المرسل والمرسل إليه .وهذا على اعتبارَّ ،
الخطاب وفي عالقة الملقي بالمتلقي ،وتنقب عن العالئق الِّتي تربط العالمات اللُّغوية بمستخدميها؛ أي األفعال
ق(المتعلِّم) وتشغل
ق(المعلِّم) ومتل ٍالكالمية التَّواصلية (المتكلم -السَّامع) ،وعملية التَّعليم تقوم على التَّواصل بين مل ٍ
المواقف الكالمية ،ما يجعلنا نستفيد من التَّداولية كمبحث لساني في تعليمية اللُّغة العربيَّة (.)20
أن عملية التَّعليم في أنجع سبلها ما هي إال عملية تواصل ناجح بين المرسل(المعلِّم) والمرسل البد من التَّذكيرَّ ،
و َّ
إليه(المتعلِّم) وتبادل األدوار المرسل(المتعلِّم) والمرسل إليه(المعلِّم) ،والِّذي ينهض على المجهودات الِّتي يبذلها كل
من الطرفين ،وهذا من خالل توفير كل آليات التأثير واإلقناع واإلعجاب وتوفير عنصر التشويق .ويمكننا توضيح
– كل ما آنف ذكره – وفق الخطاطة التَّالية:
األنشطة التَّعليمية
واذا كانت أنشطة اللُّغة العربيَّة في المقاربتين السَّابقتين– بيداغوجيا المضامين وبيداغوجيا األهداف -قد كرست
الصرف والبالغة األدبية .وقد نتج عن هذا التَّصور تلميذ يعرف قواعد َّ
النحو و َّ َّ هوة وفجوة بين علوم اللُّغة وفنونها
ولكنه ال يستطيع استثمار مكتسباته اللُّغويَّة في كتابة نص منسجم ومتسق ،وبلغة عربية سليمة وخالية من
األخطاء .وعليه ،سعت المقاربة بالكفاءات إلى جعل أنشطة المتعلِّم تتكامل وتتعاضد وفق خاصية اإلدماج الِّتي
نلمس فيها الكفاءة المستهدفة الحقيقية للمتعلِّم.
-تصنيفه :اسم
-نوعه :مشتق
-صياغته :من الثالثي على وزن مفعول ،ومن غير الثالثي بإبدال حرف المضارعة ميما مضمومة وفتح ما
قبل آخره.
قدم المعلِّم درسه في ضوء اللِّسانيات التَّداولية -تلخيص أحكام القاعدة :دمج عناصر َّ
الدرس الجزئية ،ويمكن أن ُي ِّ
وفق الخطوات التَّالية:
29
-المعلِّم :بماذا يتميز كل منهم عن اآلخر؟
-المتعلِّم :يذكر المتعلِّم مميزات كل نوع عن اآلخر حسب مكتسباته ومعارفه اللُّغوية السَّابقة.
وقد توصل المتعلِّم عن طريق هذا الحوار إلى بناء أحكام القاعدة عن طريق تطبيقه لقواعد اللِّسانيات التَّداولية
التَّالية:
-الكمية :حيث لم يتجاوز كل من المعلِّم والمتعلِّم القدر الكافي من األسئلة واإلجابات دون زيادة أو نقصان.
النوعية :وتوصل المتعلِّم إلى تصنيف " اسم المفعول" ضمن األسماء ،حيث استطاع أن يصنفه ضمن األسماء َّ -
دون أن يطرح عليه المعلِّم األسئلة عن طريق (ال ،التنوين ،النداء)...
-الهيئة :ويكون ذلك بالكالم الواضح الِّذي يبعد عنه اللُّبس ،ويجب أن تخدم كل الكلمات الِّتي يتلفظ بها المعلِّم
َّ
الدرس المطروح" اسم المفعول".
قبل الولوج كالما عن تعليم نشاط البالغة وفق اللِّسانيات التَّداولية ،يحسن بنا أوال أن نتبين أهمية تعليم هذا
الذوق األدبي للتَّالميذ ،بالتَّالي يكون درس البالغة خير مساعد النشاط .تتجلى أهمية تعليمه في كونه ينمي ََّّ
للمتعلِّم على فهم األدب وتذوق معانيه وادراك بعض خصائصه والوقوف على أسرار جماله (.)25
أن الممارسات التَّعليمية – اآلن -حالت دون تحقيق األهداف المرجوة من تعليم نشاط غير أن الظاهر للعيانَّ ،
إن الطَّريقة السَّائدة حاليا في تعليم األنشطة البالغية ،تُعنى بالتَّعريفات ،وأمثلة خاصة أشبه ما
البالغة .حيث َّ
النحو العربي ،وكأن المعلِّم حينما يحلل نصا جميال ينشغل بالتَّعريفات ويركز جل اهتماماته على
تكون بقواعد َّ
ص من جمال للوصول بهم إلى تحسس الجمال المصطلحات دون االهتمام بإرشاد التَّالميذ إلى إدراك ما في َّ
الن ّ
بكل ما يقرؤون ويكتبون (.)26
30
جهة ،ومن جهة ثانية ،النقص الملحوظ لدى تالمذتنا في امتالك الكفاية التَّداولية من مثل :التَّعليق ،والتَّعليل،
والحجاج بوصفها من أهم آليات البالغة الجديدة (.)27
كثير بإدراك الجمال في العبارات والكالم وفن اإلقناع وتقديم الحجج والبراهين،واذا كان درس البالغة يرتبط ا
ولذلك نجد البالغة اليوم في ارتباط وثيق بالتَّداولية .ولعل هذه العالقة تمتد جذورها إلى العالقة الِّتي تجمع بين
البالغة وعلم اللُّغة بصفة عامة .وسنحاول أن نتطرق فيما يأتي إلى الكيفية الِّتي يمكننا فيها أن نطبق قواعد
التَّداولية على درس البالغة (االستعارة المكنية):
ثم كلمة ال مناص من إيرادها ،هو أن تالمذتنا – اليوم -يالحظ َّأنهم لم يفهموا حقيقة وظيفة َّ
الدرس البالغي.
وعليه ،وجب علينا أن نفعل كل اإلستراتيجيات واألسس والمبادئ الِّتي يمكنها أن تخرج درس البالغة من البوتقة
الِّتي انحصر فيها والجفاف الِّذي أصيب به ،إلى الجمال والتَّذوق حتَّى يمارسه التِّلميذ ممارسة فعلية.
أن أنشطة اللُّغة من نحو وصرف وبالغة وعروض في المقاربة بالكفاءات كانت تُدرس بشكل غني عن البيانَّ ،
منفصل ومجزء ومفتت .وعليه ،فتعلُّم هذه األنشطة ال يكون ناحجا وفق المقاربة التَّداولية إالَّ إذا أوجدنا العالقة
الموجودة بينها .ومثال ذلك ،العالقة الموجودة بين عناصر الجملة الفعلية ،الِّتي يمكن ربطها بفرع آخر ،وليكن
الجانب البالغي مثال .ولهذا ،فتحقق الكفاءة ال يتم إال إذا نجح المتعلِّم في توظيف صورة بيانية من إنتاجه
الخاص ،ووفق ما توصل إليه من دمج للمعارف في الخطاب الِّذي ينتجه .فاألمر لم يعد يتعلق بتلقين بنية نحوية،
31
بل إنه يتعلق بتوفير الوسائل اللِّسانية الِّتي تتيح للمتعلِّم إجراء اختيار بين مختلف األقوال ،وذلك بحسب المقام(.)28
ويمكننا توضيح سير العملية التَّعليمية وفق التَّصور التَّداولي في ضوء المقاربة بالكفاءات بالخطاطة التَّالية:
المقاربة التَّداولية
المتعلم المعلم
-خطاطة تبين سير العملية التعليمية وفق تصور المقاربة التداولية -
– 6خاتمة:
أن تطبيق المقاربة التَّداولية أصبح ضرورة حتمية في الوقت الراهن؛ َّ
ألنها المقترح وصفوة القول في األخيرَّ ،
البديل في تعليمية اللُّغة العربيَّة .فهي تدرب المتعلِّم على تعلُّم اللُّغة في ضوء التَّواصل واالستعمال ،ووفق
إستراتيجيات دقيقة تعتمد على الحجاج الِّذي يرمي إلى التأثير في المتعلِّم بأفعال تقريرية تارة وانجازية تارة أخرى،
قائمة في ذلك على التَّداول والتبادل بين المعلِّم والمتعلِّم .وعليه ،فالمتعلِّم ال يحتاج إلى تعلُّم القواعد واآلليات الِّتي
تحكم اللُّغة ،واَّنما يحتاج إلى توظيف اللُّغة ليعبر عن نفسه وعن العالم ،باستخدام األفعال اللُّغوية الِّتي تعتمد
على :الوعد ،والتَّحذير ،والنقد ،واإلقناع ،والرفض ،والتوجيه ...إلى غير ذلك من الوظائف التَّواصلية الِّتي يستعين
بها المتعلِّم لنقل مقاصده .واذا تحقق الفعل التَّعليمي في كنف المعطيات اآلنفة ِّ
الذكرَّ ،
فإنه سرعان ما يجسدها
المتعلِّم في سلوكه قوال وفعال.
32
-الهوامش:
( –)1عبد اللطيف الفاربي ،عبد العزيز الغرصاف ،محمد آيت موحي ،عبد الكريم غريب :معجم علوم التربية:
مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك ،سلسلة علوم التربية ،دار الخطابي للطبع والنشر ،المغرب ، 1994 ،ص21
( –)2عبد اهلل صوالح ومحمد الضب :لماذا بيداغوجيا المقاربة بالكفاءات؟ ،المركز الوطني للوثائق التربوية،
الجزائر ، 2003،ص11 - 10
( –)3محمود أحمد نحلة :آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر ،دار المعرفة الجامعية ،ط ، 1مصر ، 2002 ،
ص11
( – )4خولة طالب االبراهيمي :مبادئ في اللسانيات ،دار القصبة،ط ، 1الجزائر ، 2000 ،ص177
( -)5محمد األخضر الصبيحي :اللسانيات التداولية وأثرها في تعليمية اللغات ،مجلة منتدى األستاذ ،دورية أكاديمية
محكمة ،تصدر عن المدرسة العليا لألساتذة بقسنطينة ،العدد الثالث ،أفريل ، 2007 ،ص41
) –(6فان دايك :النص والسياق ،تر :عبد القادر فنيني ،مكتبة الدار البيضاء ،المغرب ،2000،ص266
) -(7مسعود صحراوي :التداولية عند العلماء العرب ،دار طليعة لطباعة والنشر ،ط ، 1بيروت ، 2005 ،ص40
(8) – Le grand Robert : Dictionnaire de la langue francaise,t1,paris ;1989 ;p535
( – )9محمود طلحة :تداولية الخطاب السردي ،دراسة تحليلية في وحي القلم للرافعي ،عالم الكتب الحديث للنشر
والتوزيع ،ط ، 1إربد ، 2012،ص103
) –(10عبد الهادي بن ظافر الشهري :استراتيجيات الخطاب ،دار الكتاب الجديد،ط ، 1بيروت ،لبنان، 2004 ،
ص183
) – (11أحمد منور :مفهوم الخطاب الشعري عند رومان جاكبسون ،مجلة اللغة واألدب ،معهد اللُّغة العربيَّة وآدابها،
الجزائر ،د ت ،ص86
( –)12درقاوي كلثوم :أثر نظرية الفعل الكالمي في امتالك الكفاية التَّداولية لدى متعلمي الطور األول مجلة لغة – كالم،
مختبر اللغة والتواصل بالمركز الجامعي بغليزان ،الجزائر ،الجزائر ،السنة الثالثة ،المجلد الثالث ،العدد :األول مارس
، 2017ص108
) –(13أمحمد بكار :التداولية وتعليمية اللغات وتعلمها ،مجلة الباحث ،المدرسة العليا لألساتذة ،بوزريعة ،الجزائر ،د ت،
د ع ،ص226
)14 (- Roulet Eddy :langue maternelle et langues secondes ; vers une pédagogie intégrée,
Hatier,1980,p81
) -(15درقاوي كلثوم :أثر نظرية الفعل الكالمي في امتالك الكفاية التداولية لدى متعلمي الطور األول ،ص108
) –(16الجياللي دالش :مدخل الى اللسانيات التداولية ،تر :محمد يحياتن ،ديوان المطبوعات الجامعية ،د ت ،ص- 09
10
) -(17أمحمد بكار :التداولية وتعليمية اللغات وتعلمها ،ص232
( –)18محمد األخضر الصبيحي :اللسانيات التداولية وأثرها في تعليمية اللغات ،ص49
33
) -(19أمحمد بكار :التداولية وتعليمية اللغات وتعلمها ،ص233
( –)20عبد اهلل بوقصة :اللغة العربية في ضوء اللسانيات اللسانيات التداولية ،مجلة الموروث ،جامعة الشلف ،الجزائر،
العدد ، 2014 ، 03 :ص339
) –(21الجياللي دالش ،مدخل إلى اللسانيات التداولية ،ص09
( –)22و ازرة التربية الوطنية:المشوق في األدب والنصوص والمطالعة الموجهة ،الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية،
الجزائر ، 2009 – 2008 ،ص04
) -(23الجياللي دالش ،مدخل إلى اللِّسانيات التَّداولية ،ص46
) -(24المشوق في األدب و ُّ
النصوص والمطالعة الموجهة ،ص192
) -(25و ازرة التربية الوطنية :منهاج اللغة العربية للسنة األولى ثانوي – جذع مشترك آداب -ديوان المطبوعات المدرسية،
مارس ، 2005ص23
( – )26أسماء كاظم أفندي ،إيمان حسن علي :أثر استخدام خرائط المفاهيم في اكتساب المفاهيم البالغية لدى طالبات
المرحلة اإلعدادية ،مجلة الفتح ،جامعة ديالي ،ع ، 2012، 50ص1
( – )27الهواري بلقندوز :اللغة العربية الوظيفية ومجتمع المعرفة ،جامعة سعيدة ،الجزائر ،دت ،ص04
) -(28الجياللي دالش ،مدخل إلى اللِّسانيات التَّداولية،ص46
34