أليات تطبيق المقاربة التداولية في تعليم اللغة العربية وأنشطتها

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 13

‫آليات تطبيق المقاربة التداولية في تعليم اللُّغة العربيَّة وأنشطتها‬

‫الدكتور‪ :‬سمير معزوزن‬


‫أستاذ محاضر قسم "ب"‬
‫المركز الجامعي عبد الحفيظ بو الصوف – ميلة‪-‬‬
‫البريد االلكتروني‪samirmazouzen@yahoo.fr :‬‬

‫الملخص باللُّغة العربيَّة‪:‬‬

‫يروم هذا البحث – كما يظهر ذلك من خالل عنوانه‪ -‬أن يسلط الضَّوء على آليات تطبيق المقاربة التَّداولية‬
‫في تعليم اللُّغة العربيَّة وأنشطتها وفق المقاربة بالكفاءات‪ .‬حيث يتجلَّى لنا فضل المقاربة التَّداولية في كونها‬
‫ألنها تربط تعليم اللُّغة بمختلف السِّياقات االجتماعية الِّتي يعيش‬
‫نظر َّ‬
‫تستجيب لمفاهيم المقاربة بالكفاءات وآلياتها‪ ،‬ا‬
‫فيها المتعلِّم‪ ،‬ومختلف مشاكل التَّواصل ومعوقاته الِّتي تعترضه‪ .‬وهذا التَّحدي األكبر الِّذي يواجه تطبيق هذه‬
‫أن مكتسبات المتعلِّم اللُّغويَّة ال تنسجم مع‬
‫المقاربة في أرض الواقع‪ ،‬بحكم ما يكشفه لنا الميدان يوميا‪ُ ،‬يظهر َّ‬
‫محيطه االجتماعي ومستجدات العصر‪.‬‬

‫كلمات مفتاحية‪ :‬المقاربة التَّداولية؛ المقاربة بالكفاءات؛ تعليم اللُّغة؛ األنشطة اللُّغوية؛‬

‫الملخص باللُّغة اإلنجليزية‪:‬‬


‫‪Abstract :‬‬

‫‪The research aims to highlight Mechanisms of applying the deliberative approach in‬‬
‫‪the teaching of the Arabic language and its activities according to the competency‬‬
‫‪approach. Where we find the advantage of the approach of deliberative in that it‬‬
‫‪responds to the concepts of approach competencies and mechanisms, since they link‬‬
‫‪language education in various social contexts in which the learner and the various‬‬
‫‪problems of communication and obstacles that face it. The greatest challenge facing‬‬
‫‪this approach in practice, as the field reveals to us daily, shows that the learner's‬‬
‫‪linguistic gains are not in line with his social environment and the latest developments‬‬
‫‪of the times.‬‬

‫‪ teaching the langauge‬؛‪ Competency approach‬؛‪Keywords: Trading Approach‬‬


‫؛ ‪Linguistic activities‬‬
‫‪22‬‬
‫‪ – 1‬مقدمة‪:‬‬

‫لعل من نافلة القول التأكيد على أن تطبيق المقاربة التَّداولية في الوقت الراهن أصبح ضرورة حتمية ال مناص‬
‫ألنها المقترح البديل في تعليم اللُّغة العربيَّة وأنشطتها‪ .‬إذ َّ‬
‫إن تطبيقها يوفر لنا الكثير من المعارف بأقل‬ ‫منها؛ َّ‬
‫جهد‪ ،‬وفي وقت قصير‪ ،‬وتُدرب المتعلِّم على تعلم اللُّغة واكتسابها وفق إستراتيجيات دقيقة‪ .‬واذا تحقَّق الفعل‬
‫فإنه سرعان ما تترسخ المكتسبات اللُّغويَّة في ذهن المتعلِّم وتتجسد في سلوكه‬‫التَّعليمي في مثل هذه المعطيات‪َّ ،‬‬
‫قوال وفعال‪ .‬بين هذا وذاك‪ ،‬نسعى من خالل هذا المقال إلى اإلجابة عن التَّساؤل التَّالي‪ :‬كيف تخدم المقاربة‬
‫التَّداولية تعليم اللُّغة العربيَّة وأنشطتها في ميدان التَّواصل‪ ،‬وما مدى فعاليتها في التَّعليم؟‬

‫‪ – 1‬المقاربة التَّداولية ومرتكزاتها اللسانية‪:‬‬

‫‪ – 1 - 1‬المفهوم‪:‬‬

‫نرى َّأنه من الضَّرورة القصوى قبل الحديث عن مفهوم اللِّسانيات التَّداولية في بعدها االصطالحي وكل ما‬
‫يرتبط بها من أسس ومنطلقات‪ ،‬ضرورة ولوجنا أوال – ولو باقتضاب ُموجز‪ -‬للحديث عن المفهوم االصطالحي‬
‫الدراسات الحديثة – فيما اتجهت إليه‪ -‬إلى التَّأكيد على المقاربة تعني" كيفية دراسة مشكل أو‬
‫للمقاربة‪ .‬اتجهت ِّ‬
‫معالجة أو بلوغ غاية‪ ...‬وترتكز كل مقاربة على استراتيجية عمل (‪.")1‬‬

‫وعليه‪ ،‬تعني المقاربة الِّتي ُيقابلها المصطلح األجنبي (‪ )Approche‬هو االقتراب من الحقيقة المطلقة وليس‬
‫الوصول إليها‪ ،‬كما َّأنها من جهة أخرى تعني خطة عمل أو إستراتيجية لتحقيق هدف ما (‪ .)2‬ومن هنا‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫أن كل نظرية ال يمكن أن تسلم من النسبية‪ ،‬األمر الِّذي ُيفسره ُّ‬
‫تعدد المقاربات للمشكل الواحد‬ ‫المقاربة تعبر على َّ‬
‫أو الظَّاهرة نفسها‪ .‬وبإعادتنا تركيب اللفظ لالزمته (المقاربة التَّداولية) نستطيع القول َّ‬
‫أن هذه الالزمة تعني بصورة‬
‫الدنو من الجانب التَّداولي بعيدا عن الحكم المسبق عليه‪.‬‬
‫إيحائية ُّ‬

‫وحد التَّعريفات المتداولة‬


‫َّإنه من الصُّعوبة بمكان الوقوف على تعريف جامع مانع للتداولية (‪ُ )Pragmatique‬ي ِّ‬
‫ويراعي التَّطورات الحاصلة في هذا المجال‪ ،‬ويكفينا هم االنتصار لهذا التَّعريف أو ذاك‪ .‬نرى َّأنه لسنا في حاجة‬
‫كبيرة إلى أن نسوق الكثير من التَّعاريف حول مفهوم اللِّسانيات التَّداولية‪ ،‬لهذا ارتأت دراستنا هذه التركيز على‬
‫أهمها‪ .‬وحسبنا أن نشير في مستهل هذا التَّقديم إلى التَّعريف الِّذي قدمه فانديك (‪ ،)Van Dick‬حيث يرى" َّ‬
‫أن‬
‫"‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫التَّداولية علم ُيعنى بتحليل األفعال اللُّغوية ووظائفها‪ ،‬وتهدف إلى اإلسهام في االتصال والتَّفاعل اإليجابي‬

‫كثير في‬
‫ا‬ ‫أن اللِّسانيات التَّداولية جاءت كرد فعل لتوجهات اللِّسانيات البنوية الِّتي بالغت‬
‫ومما ال شك فيه‪َّ ،‬‬
‫تصوراتها الصُّورية للُّغة‪ ،‬وتركيزها على دراسة اللُّغة كبنية أو كنظام معزول عن سياقه‪ ،‬واستقصاء المعنى من‬
‫‪23‬‬
‫الدراسة باعتباره عارض وثانوي‬‫الدراسة واالقتصار على الجملة كأعلى مستوى من التَّحليل‪ ،‬وابعاد الكالم من ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وفردي‪ .‬وهذا " الغلو في االعتماد عند وصف الظواهر اللُّغويَّة على التقابل المشهور (الثنائيات) الِّذي وضعه دي‬
‫"‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫سوسير بين اللُّغة والكالم‪ ،‬حيث أبعد الكالم الِّذي يشمل االستعمال الحقيقي للُّغة ونظامها‬

‫أن اللِّسانيين التَّداوليين‪ ،‬وان كانوا حقيقة ال ينكرون جهود اللِّسانيين‬


‫وفي هذا السِّياق أيضا‪ ،‬تجدر اإلشارة‪َّ ،‬‬
‫أن جل أبحاثهم تبقى شكلية صورية وغير كافية" وتبقى منقوصة وال تكتمل إال بوضعها على‬ ‫البنويين اللُّغوية‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫محك االستعمال‪ ،‬فاالستعمال وحده القادر على توجيهها وتسديدها‪ ،‬وهو الِّذي يمنحها ا‬
‫كثير من الحيوية واالنطالق‬
‫"‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫والقبول‬

‫‪ – 2 – 1‬المرتكزات اللسانية‪:‬‬

‫‪ – 1 – 2 – 1‬نظرية التلفظ (‪:)Théorie de l’énonciation‬‬

‫يرتبط مصطلح التلفظ بفعل االستخدام الفردي للِّسان‪ ،‬بينما الملفوظ يعني نتيجة هذا الفعل‪ .‬حيث يرى" إميل‬
‫أن التَّلفظ (‪ )Enonciation‬هو تطبيق اللُّغة في الميدان عن طريق عملية‬ ‫بنفنيست" (‪َّ ")E. Benveniste‬‬
‫استعمال فردية لها (‪ .")6‬لقد عمل" إميل بنفنيست" على وضع اإلرهاصات والدعائم األولى لنظرية التلفظ من خالل‬
‫بلورة معطيات لسانية لنظريته في هذا السِّياق‪ .‬وعليه‪ ،‬باعتبار اللُّغة نظاما مخزنا موجود في دماغ المتكلمين‪ ،‬فال‬
‫يمكنها أن تتحول إلى كالم واقعي وحقيقي أو إلى نص أو إلى خطاب إالَّ عن طريق التلفظ‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فعملية التلفظ تبقى عملية فردية في كل الظروف والحاالت‪ .‬وترتبط نظرية التلفظ بمجموعة من‬
‫المباحث‪ ،‬كمرجعيات التلفظ الِّتي تشير إلى العناصر األساسية للملفوظية‪ :‬المتحدث والمتحدث إليه وزمان ومكان‬
‫الملفوظية‪ ،‬واإلشارات الِّتي تتمثل في الضَّمائر وظروف َّ‬
‫الزمان والمكان وأسماء اإلشارة‪ ...‬دون أن ننسى طبعا‬
‫االفتراض المسبق الِّذي يفسر عملية التَّخاطب‪ ،‬ومدى فهم المتكلمين لبعضهم البعض‪ .‬ولنا أن نسوق في السِّياق‬
‫مثاال‪ ،‬كقول المعلِّم للتِّلميذ‪ ":‬أغلق النافذة" يفترض أن النافذة مفتوحة و َّأنه هناك مجموعة من األسباب تفرض على‬
‫التِّلميذ غلقها (البرد‪ ،‬الضوضاء‪.)...‬‬

‫‪ – 2 – 2 – 1‬نظرية األفعال الكالمية (‪:)Théorie des actes de parole‬‬

‫ارتبطت نظرية األفعال الكالمية في العصر الحديث بالفيلسوف "جون أوستين"(‪ )John Austin‬من خالل‬
‫بحوثه حول األفعال الكالمية‪ ،‬خصوصا ما أورده من أن لكل فعل لغوي ثالث خصائص هي‪( :‬فعل دال لفظي)‬
‫و(فعل إنجازي وظيفي) و(فعل تأثيري)‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫غير َّأنه ال َّ‬
‫بد من توضيح‪َّ ،‬‬
‫أن المقصود من الفعل الكالمي" كل ملفوظ ينهض على نظام شكلي داللي إنجازي‬
‫تأثيري‪ ،‬وفضال عن ذلك‪ُ ،‬ي ُّ‬
‫عد نشاطا ماديا نحويا‪ ،‬يتوسل أفعاال قولية لتحقيق أغراض إنجازية (كالطلب‪ ،‬الوعد‬
‫واألمر والوعيد) وغايات تأثيرية تخص ردود فعل يطمح إلى أن يكون فعال تأثيريا؛ أي يطمح إلى أن يكون ذا‬
‫"‪ .‬وقد أضاف "أوستين" في نهاية دراسته‬ ‫تأثير في المخاطب اجتماعيا أو مؤسساتيا‪ ،‬ومن ثم إنجاز شيء ما‬
‫(‪)7‬‬

‫لألفعال الكالمية ثالثة أفعال فرعية‪ :‬فعل القول اللَّفظي‪ ،‬الفعل المتضمن في القول‪ ،‬الفعل الناتج عن القول‪.‬‬

‫‪ - 3 – 2 – 1‬نظرية الحجاج (‪:)Théorie d’argumentation‬‬

‫ُيعتبر مصطلح الحجاج من المصطلحات األكثر شيوعا وتداوال بيننا‪ ،‬حيث يحضر بكثرة في كل تعامالتنا‬
‫نظر لتعدد أوجه التَّعاريف‬
‫ولكنه من الصَّعب علينا اإلحاطة به من حيث التَّعريف االصطالحي‪ ،‬ا‬
‫وأنشطتنا اليومية‪َّ .‬‬
‫الصدد‪ ،‬نجد في قاموس (‪ )Le grand Robert‬مصطلح (‪ )Argumentation‬هو "فن‬ ‫َّ‬
‫المقدمة له‪ .‬وفي هذا َّ‬
‫استعمال الحجج أو االعتراض بها في مناقشة معينة‪ ،‬والفعل حاجج (‪ )Argumenter‬هو الدفاع عن اعتراض‬
‫أو أطروحة بواسطة حجج (‪ .")8‬يرى "بيرلمان" (‪َّ ")Perlman‬‬
‫إن هدف نظرية الحجاج هو دراسة التقنيات الخطابيَّة‬
‫تقدم لهم (‪ ." )9‬ذلك – طبعا‪ -‬باالعتماد على‬ ‫الِّتي تسمح بإثارة أو تعزيز موافقة األشخاص على القضايا الِّتي َّ‬
‫مجموعة من األساليب الحجاجية الِّتي يتم اقتراضها من المنطق والبالغة واللُّغة العادية المتداولة‪.‬‬

‫‪ – 4 – 2 – 1‬نظرية التَّواصل (‪:)Théorie de communication‬‬

‫لقد تبدى لنا من خالل كتاب فردنان دي سوسير " محاضرات في اللِّسانيات العامة" َّ‬
‫أن التَّواصل من منطلق‬
‫تفسيره لدورة الكالم تفترض وجود شخصين على األقل من أجل استواء عملية التَّواصل‪ ،‬وهذه العملية تنطلق من‬
‫المرسل إلى المرسل إليه‪ ،‬ثَُّم يصبح المرسل إليه مرسال والمرسل مرسال إليه‪ .‬وعليه فالتَّواصل عبارة عن عملية‬
‫نقل األفكار والمعلومات والمعارف والمشاعر واألحاسيس والتَّجارب بين األفراد والجماعات‪ ،‬وا َّما أن يكون هذا‬
‫التَّواصل شخصيا ذاتيا أو جماعيا‪.‬‬

‫ويفترض التَّواصل " باعتباره نقال واعالما‪ ،‬مرسال ورسالة ومتقبال وشفرة‪ ،‬يتفق في تسنينها كل من المتكلم‬
‫الرسالة (‪ .")10‬كما تقوم نظرية التَّواصل على مجموعة من المفاهيم‬
‫والمستقبل(المستمع)‪ ،‬وسياقا مرجعيا ومقصدية ِّ‬
‫تصور عاما للعملية‬
‫ا‬ ‫الِّتي أرسى قواعدها العالم اللُّغوي " رومان جاكبسون" (‪ )Roman Jacobson‬الِّذي وضع‬
‫النحو التَّالي‪ ":‬يقوم المرسل بإرسال رسالة إلى المتلقي‪ ،‬ولكي تعبر ِّ‬
‫الرسالة عن المعنى المراد‬ ‫التَّبليغية‪ ،‬وتتم على َّ‬
‫فالبد من سياق تأتي فيه‪ ،‬أو مرجع السِّياق اللَّفظي أو قابل ألن يصبح لفظيا يدركه‬
‫َّ‬ ‫وتؤدي دورها اإلبالغي‪،‬‬
‫أخير َّ‬
‫البد من‬ ‫المتلقي‪ ،‬كما َّ‬
‫البد من نظام ترميز(‪ )Un code‬مشترك كليا أو جزئيا بين المرسل أو المتلقي‪ ،‬و ا‬

‫‪25‬‬
‫قناة أو موصل(‪ )Contact‬بين المرسل والمتلقي يسمح لهما بإقامة عملية االتصال والمحافظة على االستمرار‬
‫"‪ .‬وبعد ذلك أصبحت نظرية التَّواصل من مرتكزات التَّحليل التَّداولي‪.‬‬ ‫(‪)11‬‬
‫فيها‬

‫‪ – 2‬التَّداولية والديداكتيك‪:‬‬

‫الديداكتيك سايرت وواكبت التغيرات والمستجدات الحاصلة في اللِّسانيات التَّداولية‪،‬‬


‫أن ِّ‬
‫َّإنه ال يخفى على أحد‪َّ ،‬‬
‫وعملت على االستثمار في معطياتها ونتائجها‪ ،‬وهذا من خالل العمل على صياغة ووضع مناهج تعليمية تركز‬
‫على الجانب الوظيفي في تعليم اللُّغات‪ ،‬وتفعيل المقاربة التَّداولية في تعليم اللُّغة العربيَّة وأنشطتها‪.‬‬

‫وبناء على ما سبق ذكره‪ ،‬يمكن اعتبار اللِّسانيات التَّداولية أحد المرتكزات الِّتي تراهن عليها ِّ‬
‫الديداكتيك في بناء‬
‫مقارباتها التَّواصلية واعتماد مفاهيم واجراءات تعمل على تنمية الملكات التَّبليغية للمتعلِّمين إلى جانب تعزيز‬
‫الداللية لحواراتهم والقدرة على تشكيل‬ ‫النحوية والقواعد الخطابية الِّتي تضمن السَّالمة َّ‬
‫النحوية و ِّ‬ ‫امتالكهم للكفايات َّ‬
‫خطابات مقنعة تُؤثر في المتلقي وتحقق مقاصدهم (‪.)12‬‬

‫أن مقولة " التَّحكم في اللُّغة كوسيلة تواصل" هدف يصعب تحقيقه عمليا وتجسيده‬
‫وعليه‪ ،‬يرى أهل االختصاص َّ‬
‫ألن في نظرهم ال يكفي للمتعلِّم أن يكون ا‬
‫قادر على قراءة جمل قراءة‬ ‫نظر للغموض الِّذي يكتنفه‪َّ .‬‬
‫بيداغوجيا‪ ،‬ا‬
‫صحيحة وكتابتها بطريقة سليمة‪ ،‬مثلما هو الشأن مع طرائق التَّدريس التَّقليدية‪ ،‬وال يكفي أيضا أن يكون ا‬
‫قادر‬
‫الشفوية الِّتي تستمد مبادئها من‬
‫الشأن مع الطريقة َّ‬
‫على تكوين جمل بسرعة آلية استجابة لدوافع مفتعلة‪ ،‬مثلما هو َّ‬
‫َّ‬
‫النظرية السُّلوكية (‪.)13‬‬

‫وفي هذا المسار‪ ،‬فتعليم اللُّغة وفق اللِّسانيات التَّداولية يجب أن يرتبط باستعمال الجمل والعبارات المناسبة‬
‫لسياق لغوي معين‪ ،‬والمناسبة أيضا لمواقف تواصلية محددة‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬ينبغي على المتعلِّم أن يكون ا‬
‫قادر‬
‫على صياغة جمل في شكل وحدات تواصلية أوسع‪ ،‬مثل نص أو حوار‪ ،‬وذلك في إطار موقف تواصلي محدد(‪.)14‬‬
‫وبعد هذا‪ ،‬لم يعد تدريس اللُّغة مجرد نقل معارف إلى ذاكرة المتعلِّم وحشو ذهنه بها‪َّ ،‬إنما أصبح التَّدريس عبارة‬
‫عن تشارك بين الطرفين المعلِّم (مرسل) والمتعلِّم (المرسل إليه)‪ ،‬ومن خالل خبرة المعلِّم الِّتي اكتسبها في ميدان‬
‫عمله من جهة‪ ،‬وخبرة التِّلميذ المتواضعة من جهة أخرى‪.‬‬

‫أن حاجة المتعلِّم – اليَّوم‪ -‬لم تعد فقط في التَّعرف على كيفية بناء العبارات المثالية في المواقف‬ ‫وجدير ِّ‬
‫بالذكر‪َّ ،‬‬
‫المثالية لألشخاص المثاليين‪ ،‬بعيدة تماما عن الواقع اللُّغوي المعيش وتعامالته اليومية وطقوس التَّحاور والعبارات‬
‫االصطالحية الِّتي تعيد ظاهرة اللُّغة إلى معناها الحقيقي في غالب األحيان‪ ،‬بقدر ما هي حاجته إلى تعلُّم ما‬
‫يمكنه من ممارسة واستعمال هذه اللُّغة وظيفيا‪ ،‬وما قد يفي بحاجاته التَّواصلية التَّعبيرية (‪.)15‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ – 3‬استفادة تعليمية اللُّغات من نظرية األفعال الكالمية‪:‬‬

‫أن تعليمية اللُّغات استفادت ا‬


‫كثير من اللِّسانيات‬ ‫الدراسات الِّتي قدمت في هذا السِّياق‪َّ ،‬‬
‫من المسلم به من خالل ِّ‬
‫التَّداولية‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بنظرية أفعال الكالم‪ .‬حيث توصل أهل االختصاص من خاللها إلى تحليل السُّلوك‬
‫اللُّغوي اإلنساني الِّذي يتكون من أفعال كالمية ينجزها المتكلم‪.‬‬

‫النموذج التَّداولي من االستفادة من نظرية األفعال‬ ‫وبهذا الِّذي أسلفنا بسطه‪ ،‬ال تغفل تعليمية اللُّغات وفق َّ‬
‫الكالمية " فإذا أدى المعلِّم دور المرسل والمتعلِّم دور المرسل إليه‪ ،‬يكون الفعل التَّعليمي فعال تقريريا‪ .‬أما في حالة‬
‫تبادل األدوار‪ ،‬فيصبح المتعلِّم مرسال‪ ،‬والمعلم مرسال إليه‪ ،‬يكون الفعل التَّعليمي إنجازيا‪ .‬وكل من الفعلين التقريري‬
‫واإلنجازي يعد من الوظائف التَّداولية للخطاب (‪ ." )16‬وفي هذا السِّياق من باب التمثيل‪ ،‬ال التَّفصيل في العرض‬
‫الشرح‪ ،‬يمكننا أن نسوق المثال التَّالي‪ :‬اسم الفاعل – الفعل التقريري منه‪ :‬ذكر المعلِّم لعنوان َّ‬
‫الدرس‪ .‬والفعل‬ ‫و َّ‬
‫اإلنجازي منه‪ :‬قدرة المتعلِّم على تصنيفه باعتبار تسميته‪ ،‬إذ َّإنه يحمل اسمه في مسماه‪.‬‬

‫الصحيح‪ ،‬ما لم يراع‬


‫فمن هذا المنطلق‪ ،‬يمكننا أن نؤكد أن أي فعل كالمي ال يمكن أن يحصل على الوجه َّ‬
‫الموقف أو الوضعية الِّتي أنجز فيها‪ .‬مما يعني َّ‬
‫أن الفعل الكالمي يتم تحقيقه بواسطة عدة صيغ مختلفة‪ ،‬ما يعني‬
‫أيضا عدم وجود تطابق في حاالت عديدة بين الصيغة اللُّغوية والفعل الكالمي الِّذي تنجزه (‪ .)17‬وعليه‪ ،‬فيما يتعلق‬
‫بتعليم اللُّغة العربيَّة‪ ،‬مثال‪ ،‬بإمكاننا أن ندرس كان وأخواتها أو أي مبحث نحوي أو بالغي‪ ،‬بتعليم التَّالميذ مختلف‬
‫صيغ طلب إرشادات‪ ،‬ونلفت انتباههم إلى أن كل صيغة يتطلبها مقام معين‪ ،‬وبذلك نمكنهم من تحصيل كفاية‬
‫بدل حفظ قواعد وتراكيب جامدة معزولة عن سياقها (‪.)18‬‬

‫يتعرف على الوظائف الخطابيَّة‬ ‫وهكذا تتبين لنا‪َّ ،‬أنه عن طريق نظرية األفعال الكالمية يستطيع المتعلِّم أن َّ‬
‫المختلفة للُّغة‪ ،‬مما يجعله يتمكن من اآلليات الخطابيَّة الِّتي تجعل خطابه قويا ومؤثرا‪ .‬واختيار التَّعابير الِّتي تعبر‬
‫عن مقصوده بكل حرية وقناعة منه‪ ،‬حسب المقام وظروف الخطاب‪ ،‬وهذا ما يجعل تعبيره يرقى إلى مستوى‬
‫أعلى مما كان عليه‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فليس من المعقول أن ال يقوم المختص بوضع المناهج التَّعليمية بعملية جرد دقيقة لمختلف هذه األفعال‪،‬‬
‫وتحديد الكيفيات الِّتي يتحقَّق بها كل فعل أثناء التَّفاعل اللُّغوي بين المتكلمين‪ ،‬ثم اعتمادها في تحديد مضامين‬
‫الدروس مراعيا في ذلك حاجات كل فئة من المتعلِّمين لهذه األفعال (‪.)19‬‬
‫ُّ‬

‫‪27‬‬
‫‪ – 4‬اللسانيات التَّداولية وتعليمية اللُّغة العربيَّة وأنشطتها‪:‬‬

‫أن اللِّسانيات التَّداولية استطاعت أن تفرض نفسها كمنهج يستخدم لقراءة ُّ‬
‫النصوص األدبيَّة‬ ‫وغني عن البيان‪َّ ،‬‬
‫أن التداولية تبحث في كيفية تأويل‬ ‫وتحليل الخطاب التَّواصلي بين المرسل والمرسل إليه‪ .‬وهذا على اعتبار‪َّ ،‬‬
‫الخطاب وفي عالقة الملقي بالمتلقي‪ ،‬وتنقب عن العالئق الِّتي تربط العالمات اللُّغوية بمستخدميها؛ أي األفعال‬
‫ق(المتعلِّم) وتشغل‬
‫ق(المعلِّم) ومتل ٍ‬‫الكالمية التَّواصلية (المتكلم‪ -‬السَّامع)‪ ،‬وعملية التَّعليم تقوم على التَّواصل بين مل ٍ‬
‫المواقف الكالمية‪ ،‬ما يجعلنا نستفيد من التَّداولية كمبحث لساني في تعليمية اللُّغة العربيَّة (‪.)20‬‬

‫أن عملية التَّعليم في أنجع سبلها ما هي إال عملية تواصل ناجح بين المرسل(المعلِّم) والمرسل‬ ‫البد من التَّذكير‪َّ ،‬‬
‫و َّ‬
‫إليه(المتعلِّم) وتبادل األدوار المرسل(المتعلِّم) والمرسل إليه(المعلِّم)‪ ،‬والِّذي ينهض على المجهودات الِّتي يبذلها كل‬
‫من الطرفين‪ ،‬وهذا من خالل توفير كل آليات التأثير واإلقناع واإلعجاب وتوفير عنصر التشويق‪ .‬ويمكننا توضيح‬
‫– كل ما آنف ذكره – وفق الخطاطة التَّالية‪:‬‬

‫الرسالة (الخطاب التَّعليمي)‬

‫المرسل إليه(المتعلم)‬ ‫المرسل (المعلم)‬

‫األنشطة التَّعليمية‬

‫تقويم نقدي‬ ‫عروض‬ ‫نحو بالغة‬ ‫نشاط أدبي‬

‫‪ -‬خطاطة المقاربة التداولية –‬

‫أن اللِّسانيات التَّداولية تساعد القارئ على فهم أعمق َّ‬


‫للنص واكتشاف قيمه‪.‬‬ ‫إن ما يمكن اإلشارة إليه – ههنا‪َّ -‬‬
‫َّ‬
‫وذلك طبعا باالستناد إلى إستراتيجيات الحجاج من روابط وعالقات وساللم (تعلم ‪ -‬إقناع)‪ .‬ويجب علينا أيضا‬
‫النموذج التَّداولي من كمية (استعمال القدر الكافي من الكالم لإلفهام والفهم) ونوعية‬ ‫أن نستغل ما يوفره لنا هذا َّ‬
‫كمف ِهم والمتعلِّم كفاهم) وهيئة (كــالم منتـ ـظـم واضـح مـع ح ـ ـوامـل خــارج ــية كـ ــالح ــركات‬ ‫ِّ‬
‫(تقديم الحجة) من قبل المعلم ُ‬
‫واإلشارات) (‪.)21‬‬

‫‪ - 1 – 4‬تعليمية نشاط القواعد‪:‬‬


‫‪28‬‬
‫أن تدريس نشاط القواعد بصفة عامة يرتبط أساسا بعصمة ألسنة التَّالميذ من‬
‫يجدر التَّنبيه في هذا المقام‪َّ ،‬‬
‫الدقة في التَّعبير‪ .‬ويتم تدريس نشاط القواعد في ضوء المقاربة بالكفاءات على شكل بينة‬
‫الخطأ واعانتهم على ِّ‬
‫كلية مترابطة يرتبط فيها نشاط القواعد مع بقية األنشطة التَّعليمية األخرى (البالغة‪ ،‬العروض‪ ،‬التَّقويم َّ‬
‫النقدي) في‬
‫الصرف والبالغة والعروض كلها‬ ‫النصية‪" .‬فمكتسبات َّ‬
‫النحو و َّ‬ ‫النص األدبي عمال بمتطلبات المقاربة َّ‬ ‫معالجة َّ‬
‫مكتسبات يوظفها المتعلِّم الكتشاف ما في َّ‬
‫النص األدبي من كنوز‪ ،‬وفي عالمه المعقد من كوامن المعاني واألفكار‬
‫"‪.‬‬ ‫(‪)22‬‬
‫والنظرات‬

‫واذا كانت أنشطة اللُّغة العربيَّة في المقاربتين السَّابقتين– بيداغوجيا المضامين وبيداغوجيا األهداف‪ -‬قد كرست‬
‫الصرف والبالغة‬ ‫األدبية‪ .‬وقد نتج عن هذا التَّصور تلميذ يعرف قواعد َّ‬
‫النحو و َّ‬ ‫َّ‬ ‫هوة وفجوة بين علوم اللُّغة وفنونها‬
‫ولكنه ال يستطيع استثمار مكتسباته اللُّغويَّة في كتابة نص منسجم ومتسق‪ ،‬وبلغة عربية سليمة وخالية من‬
‫األخطاء‪ .‬وعليه‪ ،‬سعت المقاربة بالكفاءات إلى جعل أنشطة المتعلِّم تتكامل وتتعاضد وفق خاصية اإلدماج الِّتي‬
‫نلمس فيها الكفاءة المستهدفة الحقيقية للمتعلِّم‪.‬‬

‫النحوية للمتعلِّم "فاألمر لم‬


‫أن اللِّسانيات التَّداولية ال تركز على تلقين القاعدة َّ‬ ‫غير أنه ال َّ‬
‫بد من توضيح أمر‪َّ ،‬‬
‫يعد متعلقا بتلقين بنية نحوية معينة‪ ،‬بل َّإنه مرتبط بتوفير وسائط لسانية تتيح للمتعلِّم االختيار بين مختلف األقوال‬
‫" المأخوذ من كتاب " المشوق" والكيفية الِّتي‬ ‫(‪)24‬‬
‫وذلك حسب المقام (‪ .")23‬وسنقدم فيما يلي درس "اسم المفعول‬
‫يجب أن يقدمه المعلِّم للمتعلِّم وفق اللِّسانيات التَّداولية‪:‬‬

‫‪ -‬الدَّرس‪ :‬اسم المفعول‬

‫‪ -‬تصنيفه‪ :‬اسم‬

‫‪ -‬نوعه‪ :‬مشتق‬

‫‪ -‬صياغته‪ :‬من الثالثي على وزن مفعول‪ ،‬ومن غير الثالثي بإبدال حرف المضارعة ميما مضمومة وفتح ما‬
‫قبل آخره‪.‬‬

‫قدم المعلِّم درسه في ضوء اللِّسانيات التَّداولية‬ ‫‪ -‬تلخيص أحكام القاعدة‪ :‬دمج عناصر َّ‬
‫الدرس الجزئية‪ ،‬ويمكن أن ُي ِّ‬
‫وفق الخطوات التَّالية‪:‬‬

‫‪ -‬المعلِّم‪ :‬إلى كم تنقسم الكلمة العربيَّة؟‬

‫‪ -‬المتعلِّم‪ :‬إلى ثالثة أقسام‪ :‬اسم وفعل وحرف‬

‫‪29‬‬
‫‪ -‬المعلِّم‪ :‬بماذا يتميز كل منهم عن اآلخر؟‬

‫‪ -‬المتعلِّم‪ :‬يذكر المتعلِّم مميزات كل نوع عن اآلخر حسب مكتسباته ومعارفه اللُّغوية السَّابقة‪.‬‬

‫وقد توصل المتعلِّم عن طريق هذا الحوار إلى بناء أحكام القاعدة عن طريق تطبيقه لقواعد اللِّسانيات التَّداولية‬
‫التَّالية‪:‬‬

‫‪ -‬الكمية‪ :‬حيث لم يتجاوز كل من المعلِّم والمتعلِّم القدر الكافي من األسئلة واإلجابات دون زيادة أو نقصان‪.‬‬

‫النوعية‪ :‬وتوصل المتعلِّم إلى تصنيف " اسم المفعول" ضمن األسماء‪ ،‬حيث استطاع أن يصنفه ضمن األسماء‬ ‫‪َّ -‬‬
‫دون أن يطرح عليه المعلِّم األسئلة عن طريق (ال‪ ،‬التنوين‪ ،‬النداء‪)...‬‬

‫‪ -‬الهيئة‪ :‬ويكون ذلك بالكالم الواضح الِّذي يبعد عنه اللُّبس‪ ،‬ويجب أن تخدم كل الكلمات الِّتي يتلفظ بها المعلِّم‬
‫َّ‬
‫الدرس المطروح" اسم المفعول"‪.‬‬

‫‪ -‬الفعل التَّقريري‪ :‬ذكر المعلِّم عنوان َّ‬


‫الدرس " اسم المفعول"‪.‬‬

‫‪ -‬الفعل اإلنجازي‪ :‬تصنيف المتعلِّم َّ‬


‫للدرس باعتبار مسماه‪.‬‬

‫‪ – 2 – 4‬تعليم نشاط البالغة‪:‬‬

‫قبل الولوج كالما عن تعليم نشاط البالغة وفق اللِّسانيات التَّداولية‪ ،‬يحسن بنا أوال أن نتبين أهمية تعليم هذا‬
‫الذوق األدبي للتَّالميذ‪ ،‬بالتَّالي يكون درس البالغة خير مساعد‬ ‫النشاط‪ .‬تتجلى أهمية تعليمه في كونه ينمي َّ‬‫َّ‬
‫للمتعلِّم على فهم األدب وتذوق معانيه وادراك بعض خصائصه والوقوف على أسرار جماله (‪.)25‬‬

‫أن الممارسات التَّعليمية – اآلن‪ -‬حالت دون تحقيق األهداف المرجوة من تعليم نشاط‬ ‫غير أن الظاهر للعيان‪َّ ،‬‬
‫إن الطَّريقة السَّائدة حاليا في تعليم األنشطة البالغية‪ ،‬تُعنى بالتَّعريفات‪ ،‬وأمثلة خاصة أشبه ما‬
‫البالغة‪ .‬حيث َّ‬
‫النحو العربي‪ ،‬وكأن المعلِّم حينما يحلل نصا جميال ينشغل بالتَّعريفات ويركز جل اهتماماته على‬
‫تكون بقواعد َّ‬
‫ص من جمال للوصول بهم إلى تحسس الجمال‬ ‫المصطلحات دون االهتمام بإرشاد التَّالميذ إلى إدراك ما في َّ‬
‫الن ّ‬
‫بكل ما يقرؤون ويكتبون (‪.)26‬‬

‫الدرس البالغي التَّعليمي‬


‫مباشر يفسر لنا عتمة وانغالق َّ‬
‫ا‬ ‫ومما ال ريب فيه‪ ،‬أن يكون هذا الخلل في التَّصور سببا‬
‫من حيث تجريديته التَّاريخية‪ ،‬وقواعديته المعيارية المتأنية من انقطاعه عن االستعمال الخالق للُّغة‪ ،‬هذا من‬

‫‪30‬‬
‫جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية‪ ،‬النقص الملحوظ لدى تالمذتنا في امتالك الكفاية التَّداولية من مثل‪ :‬التَّعليق‪ ،‬والتَّعليل‪،‬‬
‫والحجاج بوصفها من أهم آليات البالغة الجديدة (‪.)27‬‬

‫كثير بإدراك الجمال في العبارات والكالم وفن اإلقناع وتقديم الحجج والبراهين‪،‬‬‫واذا كان درس البالغة يرتبط ا‬
‫ولذلك نجد البالغة اليوم في ارتباط وثيق بالتَّداولية‪ .‬ولعل هذه العالقة تمتد جذورها إلى العالقة الِّتي تجمع بين‬
‫البالغة وعلم اللُّغة بصفة عامة‪ .‬وسنحاول أن نتطرق فيما يأتي إلى الكيفية الِّتي يمكننا فيها أن نطبق قواعد‬
‫التَّداولية على درس البالغة (االستعارة المكنية)‪:‬‬

‫‪ -‬قال الحجاج في التَّهديد‪:‬‬

‫وحان قطافها واني لص ِ‬


‫احب َها‬ ‫ؤوسا قد ْأي َن َع ْت‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫إني ألرى ر ً‬

‫يفهم من قول الحجاج في التَّهديد‪" :‬إني ألرى ر ً‬


‫ؤوسا قد أينعت" َّأنه شبه ُّ‬
‫الرؤوس بالثمار‪ ،‬فأصل الكالم "إني‬
‫أن الرؤوس‬‫ؤوسا قد أينعت"‪ ،‬على تخيل َّ‬
‫ؤوسا كالثمار قد أينعت"‪ ،‬ثم حذف المشبه به فصار "إني ألرى ر ً‬ ‫ألرى ر ً‬
‫قد تمثلت في صورة ثمار‪ ،‬ورمز المشبه به (المحذوف) بشيء من لوازمه‪ ،‬وهو أينعت‪.‬‬

‫ؤوسا قد أينعت" هي " الرؤوس ثمار"‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬


‫إن القضية األولى التي يمكن استخراجها من صدر البيت" إني ألرى ر ً‬
‫والقضية الثَّانية "الثمار قد أينعت"‪ .‬واقتضى القياس أن نستخرج الصُّورة البيانية وفق تسلسل منطقي وحجاجي من‬
‫القضيتين‪ ،‬وبذلك تكون المقاربة التَّداولية قد ساعدتنا في فهم المعنى وتقويته وتقريبه إلى ذهن المستمع وفق‬
‫مقتضيات الكالم " الرؤوس ثمار"‪ ،‬وكأن المستمع وافق َّ‬
‫الشاعر على ذلك المقتضى‪.‬‬

‫ثم كلمة ال مناص من إيرادها‪ ،‬هو أن تالمذتنا – اليوم‪ -‬يالحظ َّأنهم لم يفهموا حقيقة وظيفة َّ‬
‫الدرس البالغي‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬وجب علينا أن نفعل كل اإلستراتيجيات واألسس والمبادئ الِّتي يمكنها أن تخرج درس البالغة من البوتقة‬
‫الِّتي انحصر فيها والجفاف الِّذي أصيب به‪ ،‬إلى الجمال والتَّذوق حتَّى يمارسه التِّلميذ ممارسة فعلية‪.‬‬

‫‪ – 5‬اللسانيات التَّداولية والمقاربة بالكفاءات‪:‬‬

‫أن أنشطة اللُّغة من نحو وصرف وبالغة وعروض في المقاربة بالكفاءات كانت تُدرس بشكل‬ ‫غني عن البيان‪َّ ،‬‬
‫منفصل ومجزء ومفتت‪ .‬وعليه‪ ،‬فتعلُّم هذه األنشطة ال يكون ناحجا وفق المقاربة التَّداولية إالَّ إذا أوجدنا العالقة‬
‫الموجودة بينها‪ .‬ومثال ذلك‪ ،‬العالقة الموجودة بين عناصر الجملة الفعلية‪ ،‬الِّتي يمكن ربطها بفرع آخر‪ ،‬وليكن‬
‫الجانب البالغي مثال‪ .‬ولهذا‪ ،‬فتحقق الكفاءة ال يتم إال إذا نجح المتعلِّم في توظيف صورة بيانية من إنتاجه‬
‫الخاص‪ ،‬ووفق ما توصل إليه من دمج للمعارف في الخطاب الِّذي ينتجه‪ .‬فاألمر لم يعد يتعلق بتلقين بنية نحوية‪،‬‬

‫‪31‬‬
‫بل إنه يتعلق بتوفير الوسائل اللِّسانية الِّتي تتيح للمتعلِّم إجراء اختيار بين مختلف األقوال‪ ،‬وذلك بحسب المقام(‪.)28‬‬
‫ويمكننا توضيح سير العملية التَّعليمية وفق التَّصور التَّداولي في ضوء المقاربة بالكفاءات بالخطاطة التَّالية‪:‬‬

‫المقاربة التَّداولية‬

‫المتعلم‬ ‫المعلم‬

‫يكتشف‪ ،‬يتبادل األدوار‪ ،‬حيلل‪ ،‬ينقد‪،‬‬ ‫ربط الوضعيات التعليمية بالسياق‪،‬‬


‫يدمج مكتسباته اللغوية يف حل‬ ‫استخدام أسلوب احلجاج و اإلقناع‪،‬‬
‫وضعيات مشكلة‪ ،‬ينتج النص احلجاجي‬ ‫استعمال حركة اجلسم واإلشارات‬

‫‪ -‬خطاطة تبين سير العملية التعليمية وفق تصور المقاربة التداولية ‪-‬‬

‫‪ – 6‬خاتمة‪:‬‬

‫أن تطبيق المقاربة التَّداولية أصبح ضرورة حتمية في الوقت الراهن؛ َّ‬
‫ألنها المقترح‬ ‫وصفوة القول في األخير‪َّ ،‬‬
‫البديل في تعليمية اللُّغة العربيَّة‪ .‬فهي تدرب المتعلِّم على تعلُّم اللُّغة في ضوء التَّواصل واالستعمال‪ ،‬ووفق‬
‫إستراتيجيات دقيقة تعتمد على الحجاج الِّذي يرمي إلى التأثير في المتعلِّم بأفعال تقريرية تارة وانجازية تارة أخرى‪،‬‬
‫قائمة في ذلك على التَّداول والتبادل بين المعلِّم والمتعلِّم‪ .‬وعليه‪ ،‬فالمتعلِّم ال يحتاج إلى تعلُّم القواعد واآلليات الِّتي‬
‫تحكم اللُّغة‪ ،‬واَّنما يحتاج إلى توظيف اللُّغة ليعبر عن نفسه وعن العالم‪ ،‬باستخدام األفعال اللُّغوية الِّتي تعتمد‬
‫على‪ :‬الوعد‪ ،‬والتَّحذير‪ ،‬والنقد‪ ،‬واإلقناع‪ ،‬والرفض‪ ،‬والتوجيه‪ ...‬إلى غير ذلك من الوظائف التَّواصلية الِّتي يستعين‬
‫بها المتعلِّم لنقل مقاصده‪ .‬واذا تحقق الفعل التَّعليمي في كنف المعطيات اآلنفة ِّ‬
‫الذكر‪َّ ،‬‬
‫فإنه سرعان ما يجسدها‬
‫المتعلِّم في سلوكه قوال وفعال‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ -‬الهوامش‪:‬‬

‫(‪ –)1‬عبد اللطيف الفاربي‪ ،‬عبد العزيز الغرصاف‪ ،‬محمد آيت موحي‪ ،‬عبد الكريم غريب‪ :‬معجم علوم التربية‪:‬‬
‫مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك‪ ،‬سلسلة علوم التربية‪ ،‬دار الخطابي للطبع والنشر‪ ،‬المغرب‪ ، 1994 ،‬ص‪21‬‬
‫(‪ –)2‬عبد اهلل صوالح ومحمد الضب‪ :‬لماذا بيداغوجيا المقاربة بالكفاءات؟‪ ،‬المركز الوطني للوثائق التربوية‪،‬‬
‫الجزائر‪ ، 2003،‬ص‪11 - 10‬‬
‫(‪ –)3‬محمود أحمد نحلة‪ :‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬ط‪ ، 1‬مصر ‪، 2002 ،‬‬
‫ص‪11‬‬
‫(‪ – )4‬خولة طالب االبراهيمي‪ :‬مبادئ في اللسانيات‪ ،‬دار القصبة‪،‬ط‪ ، 1‬الجزائر‪ ، 2000 ،‬ص‪177‬‬
‫(‪ -)5‬محمد األخضر الصبيحي‪ :‬اللسانيات التداولية وأثرها في تعليمية اللغات‪ ،‬مجلة منتدى األستاذ‪ ،‬دورية أكاديمية‬
‫محكمة‪ ،‬تصدر عن المدرسة العليا لألساتذة بقسنطينة‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬أفريل‪ ، 2007 ،‬ص‪41‬‬
‫)‪ –(6‬فان دايك‪ :‬النص والسياق‪ ،‬تر‪ :‬عبد القادر فنيني‪ ،‬مكتبة الدار البيضاء ‪ ،‬المغرب‪ ،2000،‬ص‪266‬‬
‫)‪ -(7‬مسعود صحراوي‪ :‬التداولية عند العلماء العرب‪ ،‬دار طليعة لطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ، 1‬بيروت‪ ، 2005 ،‬ص‪40‬‬
‫‪(8) – Le grand Robert : Dictionnaire de la langue francaise,t1,paris ;1989 ;p535‬‬
‫(‪ – )9‬محمود طلحة‪ :‬تداولية الخطاب السردي‪ ،‬دراسة تحليلية في وحي القلم للرافعي‪ ،‬عالم الكتب الحديث للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪ ، 1‬إربد‪ ، 2012،‬ص‪103‬‬
‫)‪ –(10‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ :‬استراتيجيات الخطاب‪ ،‬دار الكتاب الجديد‪،‬ط‪ ، 1‬بيروت‪ ،‬لبنان‪، 2004 ،‬‬
‫ص‪183‬‬
‫)‪ – (11‬أحمد منور ‪ :‬مفهوم الخطاب الشعري عند رومان جاكبسون‪ ،‬مجلة اللغة واألدب‪ ،‬معهد اللُّغة العربيَّة وآدابها‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬د ت ‪ ،‬ص‪86‬‬
‫(‪ –)12‬درقاوي كلثوم‪ :‬أثر نظرية الفعل الكالمي في امتالك الكفاية التَّداولية لدى متعلمي الطور األول مجلة لغة – كالم‪،‬‬
‫مختبر اللغة والتواصل بالمركز الجامعي بغليزان‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬السنة الثالثة‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬العدد‪ :‬األول مارس‬
‫‪ ، 2017‬ص‪108‬‬
‫)‪ –(13‬أمحمد بكار‪ :‬التداولية وتعليمية اللغات وتعلمها‪ ،‬مجلة الباحث‪ ،‬المدرسة العليا لألساتذة‪ ،‬بوزريعة ‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د ت‪،‬‬
‫د ع ‪ ،‬ص‪226‬‬
‫‪)14 (- Roulet Eddy :langue maternelle et langues secondes ; vers une pédagogie intégrée,‬‬
‫‪Hatier,1980,p81‬‬
‫)‪ -(15‬درقاوي كلثوم‪ :‬أثر نظرية الفعل الكالمي في امتالك الكفاية التداولية لدى متعلمي الطور األول‪ ،‬ص‪108‬‬
‫)‪ –(16‬الجياللي دالش‪ :‬مدخل الى اللسانيات التداولية‪ ،‬تر‪ :‬محمد يحياتن‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬د ت‪ ،‬ص‪- 09‬‬
‫‪10‬‬
‫)‪ -(17‬أمحمد بكار‪ :‬التداولية وتعليمية اللغات وتعلمها‪ ،‬ص‪232‬‬
‫(‪ –)18‬محمد األخضر الصبيحي‪ :‬اللسانيات التداولية وأثرها في تعليمية اللغات ‪ ،‬ص‪49‬‬

‫‪33‬‬
‫)‪ -(19‬أمحمد بكار‪ :‬التداولية وتعليمية اللغات وتعلمها‪ ،‬ص‪233‬‬
‫(‪ –)20‬عبد اهلل بوقصة‪ :‬اللغة العربية في ضوء اللسانيات اللسانيات التداولية‪ ،‬مجلة الموروث‪ ،‬جامعة الشلف‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫العدد‪ ، 2014 ، 03 :‬ص‪339‬‬
‫)‪ –(21‬الجياللي دالش‪ ،‬مدخل إلى اللسانيات التداولية‪ ،‬ص‪09‬‬
‫(‪ –)22‬و ازرة التربية الوطنية‪:‬المشوق في األدب والنصوص والمطالعة الموجهة‪ ،‬الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية‪،‬‬
‫الجزائر‪ ، 2009 – 2008 ،‬ص‪04‬‬
‫)‪ -(23‬الجياللي دالش‪ ،‬مدخل إلى اللِّسانيات التَّداولية‪ ،‬ص‪46‬‬
‫)‪ -(24‬المشوق في األدب و ُّ‬
‫النصوص والمطالعة الموجهة‪ ،‬ص‪192‬‬
‫)‪ -(25‬و ازرة التربية الوطنية‪ :‬منهاج اللغة العربية للسنة األولى ثانوي – جذع مشترك آداب‪ -‬ديوان المطبوعات المدرسية‪،‬‬
‫مارس ‪ ، 2005‬ص‪23‬‬
‫(‪ – )26‬أسماء كاظم أفندي‪ ،‬إيمان حسن علي‪ :‬أثر استخدام خرائط المفاهيم في اكتساب المفاهيم البالغية لدى طالبات‬
‫المرحلة اإلعدادية‪ ،‬مجلة الفتح‪ ،‬جامعة ديالي‪ ،‬ع‪ ، 2012، 50‬ص‪1‬‬
‫( ‪ – )27‬الهواري بلقندوز‪ :‬اللغة العربية الوظيفية ومجتمع المعرفة‪ ،‬جامعة سعيدة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دت ‪ ،‬ص‪04‬‬
‫)‪ -(28‬الجياللي دالش‪ ،‬مدخل إلى اللِّسانيات التَّداولية‪،‬ص‪46‬‬

‫‪34‬‬

You might also like