Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 20

‫تدهورالخطط الدينية و أثره خالل العصراملريني الثاني‬

‫(‪869-759‬هـ‪1465-1358/‬م)‬

‫د‪ .‬محمد عيد أحمد(*) أ‪.‬د‪ /‬حسين مارد(**) أ‪.‬د‪ /‬سوزي أباظة (***)‬

‫تعرضت الحياة الدينية بالمغرب األقصى خالل العصر المريني الثاني للتدهور‪ ،‬وبرز‬
‫ذلك بوضوح من خالل انتشار مظاهر الفساد في الخطط الدينية؛ حيث انتشرت ظاهرة الرشوة‬
‫واالستيالء على أموال الغير عند قلة من العاملين في الجهاز القضائي‪ ،‬كما ازدادت أعداد‬
‫القائمين على أمر الفتوى من غير أن يؤهلوا لذلك‪ ،‬وسعوا إلى طلب المال والتكسب بأية وسيلة‪،‬‬
‫وكذلك أخرجت خطة الحسبة من دائرة القضاء وانفرد بها ضعاف الدين ‪ ،‬كما تعرضت مؤسسة‬
‫األوقاف لإلهمال‪ ،‬وتم االستيالء على أموالها من قِبل ذوي الجاه والسلطان ‪،‬وكذلك عانت‬
‫مؤسسة المساجد من ضعف مردودية األوقاف المحبسة عليها‪ ،‬فضالً عن معاناتها من فساد‬
‫بعض العاملين فيها ‪ ،‬وتحكم السلطة في شؤونها‪ ،‬وفضالً عن ذلك تزايد نفوذ أرباب الزوايا في‬
‫المجتمع المريني ‪ ،‬بعد أن خرجوا عن نطاقهم الديني المحدود‪ ،‬وأصبحوا يقفون مواقف هي أقرب‬
‫إلى السياسة منها إلى الدين ‪ ،‬فضالً عن امتالء معظم تلك الزوايا بالكثير من الصوفية والمريدين‬
‫الذين كان يغلب على أعمالهم التشدد ومخالفة أحكام الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬التدهور ‪ -‬الفساد – العصر المريني الثاني ‪ -‬الخطط الدينية – القضاء –‬
‫الفتوى – الحسبة – األوقاف – المساجد – الزوايا ‪.‬‬

‫(*) مدرس مساعد – كلية الدراسات األفريقية العليا – جامعة القاهرة‬


‫(**) أستاذ التاريخ اإلسالمي ‪ -‬كلية الدراسات األفريقية العليا – جامعة القاهرة‬
‫(***) أستاذ التاريخ اإلسالمي ‪ -‬كلية الدراسات األفريقية العليا – جامعة القاهرة‬

‫جملد (‪ – )44‬عدد (‪ )3‬يوليو ‪2022‬م‬


Abstract:

Religious life in the Far Maghreb was subjected to a deterioration


during the second Marinid era. This was clearly demonstrated by the
spread of corruption in religious plans. As the phenomenon of bribery and
the appropriation of others’ money spread among a few workers in the
judicial system, the number of those in charge of the fatwa matter without
being qualified for it increased, and they sought to ask for money and
earn by any means. The endowment institution has been neglected, and
its money has been seized by people of prestige and power, and the
mosques institution has also suffered from the poor profitability of
endowments imprisoned on it, in addition to its suffering from the
corruption of some of its employees, and the authority’s control of its
affairs, in addition to that, the increasing influence of corner owners in
the Marinid society After they departed from their limited religious scope,
and began to take positions that are closer to politics than to religion, in
addition to the fact that most of these corners are filled with many Sufis
and followers whose actions were dominated by extremism and violating
the provisions of Islamic Sharia
Keywords:deterioration - corruption - the second Marinid era - religious
plans - the judiciary - fatwa - Hisba - endowments - mosques -
angles.

‫جملة الدراسات اإلفريقية‬


‫حظيت الحياة الدينية خالل العصر المريني األول باهتمام السلطة المرينية ؛ حيث وصل‬
‫بنو مرين إلى الحكم في غياب دعوة خاصة تساندهم(‪)1‬؛ ولذلك سعى المرينيون إلى الحصول‬
‫ونصبوا أنفسهم حماة للمقدسات‬
‫على تزكية مختلف الفعاليات الدينية لتوجهات الدولة واختياراتها‪ّ ،‬‬
‫(‪ ،)2‬إال أن الحياة الدينية خالل العصر المريني الثاني‪ ،‬أصابها التدهور؛ ولعل ذلك يرجع إلى‬
‫تدخل سالطين بني مرين في المناصب الدينية(‪ ،)3‬التي كان قد أوصى عبد الحق (‪-592‬‬
‫‪614‬هـ‪1217 -1195/‬م) جد المرينيين بجعلها من اختصاص الرعية(‪،)4‬باإلضافة إلى أن معظم‬
‫هذه المناصب الدينيَّة خضعت للرغبة الجامحة في توليها من ِقبل عدد كبير من الفقهاء‪ ،‬فدخلوا‬
‫بكل الطرق ولو بواسطة الرشاوى(‪)5‬؛ فأصبحت أكثر‬
‫في منافسة غير شريفة للحصول عليها ّ‬
‫الخطط الدينية ينطبق عليها قول أسماء شريفة على مسميات خسيسة(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬محمد القبلي‪:‬المجتمع والحكم والدين بالمغرب في نهاية "العصر الوسيط" ‪ ،‬منشورات المعهد الملكي‬
‫للبحث في تاريخ المغرب‪،‬الرباط‪ ،‬طـ ‪2٠٠7 ،1‬م‪ ،‬ص ‪ 346‬؛ ألفرد بل‪ :‬الفرق اإلسالمية في الشمال‬
‫األفريقي من الفتح العربي إلى اليوم‪ ،‬ترجمة عبد الرحمن بدوي‪،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪1987 ،‬م‪،‬ص‬
‫‪317‬؛محمد الفاسي‪ :‬نشأة الدولة المرينية ومميزات العصر المريني األدبية‪ ،‬مجلة البينة‪ ،‬و ازرة الدولة للشئون‬
‫اإلسالمية‪ ،‬السنة األولى‪ ،‬العدد ‪ ،8‬المغرب‪1962 ،‬م‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ :‬ابن مرزوق‪ :‬المسند الصحيح الحسن في مآثر ومحاسن موالنا أبي الحسن‪ ،‬تحقيق ماريا باخيسوس‬
‫بيغيرا‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪1981 ،‬م‪ ،‬ص ‪11٠- 1٠9‬؛ عبد القادر زمامة‪ :‬بنو مرين‬
‫بفاس‪ ،‬مجلة البحث العلمي‪ ،‬مجلد ‪ ،14‬العدد ‪ ،27‬المغرب‪1977 ،‬م‪ ،‬ص ‪267‬؛‬
‫‪Bel (Alfred): la religion musulmane en berbérie: esquisse d'histoire et de sociologie‬‬
‫‪religieuses: tome I: etablissement et développement de l'islam en berbérie du viie‬‬
‫‪au xxe siècle,Librairie Orientaliste Paul Geuthner; 1st edition , Paris,1938, Tome I‬‬
‫‪, PP.291 – 292;Schmitt (Jean-Claude): La fabrique des saints. In: Annales.‬‬
‫‪Économies, Sociétés, Civilisations, Année 39, N 2, 1984, p p. 289-290.‬‬
‫‪(3) Khaneboubi (Ahmed): Les premiers sultans mérinides (1269-1331). Histoire‬‬
‫‪politique et sociale, « Histoire et perspectives méditerranéennes »,édition‬‬
‫‪L'Harmattan, Paris,1987,P. 101 .‬‬
‫(‪ )4‬ابن مرزوق‪ :‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪. 233‬‬
‫(‪ )5‬الدباغ‪:‬معالم اإليمان في معرفة أهل القيروان‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪1968 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪244 – 243‬‬
‫؛ محمد العادل لطيف‪ :‬أسس ودعائم ظاهرة الصلحاء ببالد المغرب في العصر الوسيط‪،‬مؤمنون بال حدود‬
‫للدراسات واألبحاث‪ ،‬قسم الدراسات الدينية‪،‬الرباط‪،‬أكدال‪،‬المغرب‪2٠17 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 6‬‬
‫(‪ )6‬محمد بن عرفة‪ :‬المختصر الفقهي‪ ،‬تحقيق حافظ عبد الرحمن محمد خير‪ ،‬مؤسسة خلف أحمد الخبتور‬
‫الرعيني‪:‬مواهب الجليل لشرح مختصر خليل‪،‬‬
‫طاب ُّ‬
‫لألعمال الخيرية‪،‬طـ ‪2٠14 ،1‬م‪،‬ج‪،9‬ص ‪94‬؛ابن الح ّ‬

‫جملد (‪ – )44‬عدد (‪ )3‬يوليو ‪2022‬م‬


‫وتعددت الخطط الدينية التي أصابها التدهور خالل العصر المريني الثاني ‪ ،‬ومن أبرزها‬
‫خطط القضاء‪ ،‬والفتوى‪ ،‬والحسبة ‪ ،‬واألوقاف‪ ،‬فضالً عن تدهور أوضاع المساجد والزوايا‪.‬‬

‫كانت السمة الغالبة على أكثر قضاة الدولة المرينية شدة الصالح(‪،)1‬إال أن هذه الصورة‬
‫وإن صحت عموماً فقد وجدت بعض الحاالت التي تناقضها خالل العصر المريني الثاني؛ حيث‬
‫تكشف لنا النوازل عن مظاهر فساد بعض القضاة في بالد المغرب األقصى خالل العصر‬
‫اإلسالمي ‪،‬ومنها التي اتهم فيها قضاة باالغتناء في مناصبهم‪ ،‬بالتطاول على أرض أو عقار في‬
‫ملك بعض المسلمين واستغاللها في مختلف الوجوه(‪،)2‬أو استعمال الوسائط بينه وبين المتقاضين‪،‬‬
‫وفيما يأخذه من مال عن األحكام بسبب كتابته لحكم(‪،)3‬أو اقتسام ثمن كتابة الوثائق مع‬
‫الشاهدين(‪،)4‬أو البحث عن فرصة لتولي خطة القضاء ببلد معين ثبت بعد التقصي أن للمرشح‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬وأفتى الفقهاء في هذه المسائل بضرورة عزل القضاة الذين تم‬ ‫فيه مصالح وقرابة ومعارف‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫اتهامهم‪ ،‬دون تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم‪ ،‬إذا ثبتت إدانتهم‬

‫تحقيق زكريا عميرات‪،‬دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬الرياض‪2٠٠2 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪84‬؛‬
‫الونشريسي‪ :‬المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية واألندلس والمغرب‪ ،‬نشر محمد‬
‫حجي وآخرين‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬طـ ‪1981 ،2‬م‪ ،‬ج ‪ ،1٠‬ص ‪ 81‬؛المنهج الفائق والمنهل‬
‫الدوكالي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫الرائق والمعنى الالئق بآداب الموثق وأحكام الوثائق‪ ،‬تحقيق عبد الباهر ّ‬
‫بيروت‪2٠٠6 ،‬م‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫(‪ )1‬الحريري‪ :‬تاريخ المغرب اإلسالمي واألندلس في العصر المريني‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪ ،‬طـ ‪1987 ،2‬م‪،‬‬
‫ص‪.271‬‬
‫(‪ )2‬الونشريسي‪:‬المعيار‪،‬ج ‪،1٠‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )3‬المصدر السابق‪ ،‬ج ‪،6‬ص ‪152‬؛ج ‪،1٠‬ص ‪557 ،84‬؛ ج‪ ،8‬ص ‪.351‬‬
‫(‪ )4‬المصدر السابق ‪،‬ج ‪،1٠‬ص ‪.211‬‬
‫(‪ )5‬المصدر السابق ‪،‬نفس الجزء‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫ابن رشد‪ :‬فتاوى بن رشد‪،‬تحقيق المختار بن الطاهر التليلي ‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬بيروت‪،‬طـ ‪،1‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫‪1987‬م‪،‬ج ‪،3‬ص ‪1611‬؛الونشريسي‪:‬مصدر سابق‪،‬ج ‪،1٠‬ص ‪5٠‬؛ محمد فتحة‪ :‬النوازل الفقهية‬
‫والمجتمع‪ :‬أبحاث في تاريخ المغرب اإلسالمي من القرن‪ 6‬إلى ‪9‬هـ‪ 12/‬ـ ‪15‬م)‪ ،‬منشورات كلية اآلداب‬
‫والعلوم اإلنسانية ‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪1999 ،‬م ‪ ،‬ص‪.37 ، 35‬‬

‫جملة الدراسات اإلفريقية‬


‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫والتعدي على أموال‬ ‫المتوفى عام ‪ 914‬هـ‪15٠8 /‬م‪ ،‬إلى ظاهرة الرشوة‬ ‫وأشار الونشريسي‬
‫الغير‪ ،‬التي استشرت عند قلة من القضاة‪ ،‬من ضعاف النفوس‪ ،‬وكذلك بعض الطلبة المشاورين‬
‫للقضاة الذين كانوا يعملون وسطاء بين الناس والقضاة؛ حيث اعتاد معظمهم على أخذ المال من‬
‫العامة ليتوسطوا لهم لدى القضاة عند صدور األحكام(‪.)3‬‬
‫كما لم يتمكن الضعفاء من أصحاب الشكوى من الوصول لبعض القضاة؛ ألنهم كانوا‬
‫يتخذون لهم أعو ًانا في منتهى القسوة يقفون على أبوابهم‪ ،‬وكثير منهم ال يسمحون ألحد بالدخول‬
‫على القاضي‪ ،‬إال بعد أن يدفع لهم المال‪ ،‬أو يتحمل االنتظار واإلهانة(‪.)4‬‬
‫وفي سياق الرأي القائل باالنتشار الضعيف للشرع في البادية(‪ ،)1‬أشار الوزان المتوفى‬
‫عام ‪ 96٠‬هـ‪1552 /‬م‪ ،‬إلى تدهور القضاء في البادية المغربية(‪)2‬؛حيث ذكر أنه ال يكاد يوجد‬

‫(‪ )1‬هو أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي‪،‬سمى بالونشريسي نسبة إلى جبال ونشريس‬
‫التي ولد بها عام ‪834‬هـ‪143٠/‬م ‪،‬ثم انتقل في صغره إلى تلمسان ‪ ،‬وأخذ العلم عن شيوخها‪،‬وتعرض‬
‫لحادث مع سلطان تلمسان‪،‬ففر إلى فاس عام ‪874‬هـ‪1469/‬م‪،‬وقد عمل في مدارس فاس‪،‬وأهمها المدرسة‬
‫المصباحية‪،‬له تصانيف عدة أهمها المعيار المعرب‪،‬الذي احتوى على فتاوى أهل أفريقية واألندلس‬
‫والمغرب‪،‬توفى عام ‪914‬هـ‪15٠4/‬م‪ .‬أنظر‪ :‬ابن مريم‪ :‬البستان في ذكر األولياء والعلماء بتلمسان‪،‬راجع‬
‫أصله محمد بن أبي شنب‪ ،‬المطبعة الثعالبية‪ ،‬الجزائر‪19٠8 ،‬م‪،‬ص ‪35‬؛ ابن القاضي‪ :‬درة الحجال في‬
‫أسماء الرجال‪،‬تحقيق محمد األحمدي أبو النور‪،‬مكتبة دار التراث (القاهرة)‪ ،‬المكتبة العتيقة (تونس)‪ ،‬طـ ‪،1‬‬
‫‪1971‬م‪ ،‬جـ ‪ ،3‬ص ‪ 93 – 91‬؛ابن عسكر‪ :‬دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن‬
‫العاشر ‪ ،‬تحقيق محمد حجي‪ ،‬دار المغرب للتأليف والترجمة‪ ،‬الرباط‪ ،‬طـ‪1977 ، 1‬م‪ ،‬ص ‪ 47‬؛التنبكتي‪:‬‬
‫كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج‪،‬تحقيق محمد مطيع‪،‬و ازرة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪2٠٠٠‬م‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص ‪.13٠‬‬
‫(‪ )2‬الرشوة‪ :‬الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة‪،‬فالراشي من يعطي من يعينه على الباطل‪،‬والمرتشي اآلخذ‪،‬والرائش‬
‫الذي يسعى بينهما‪،‬يستزيد لهذا وينقص لهذا‪ ،‬والرشو من فعل الرشوة ‪،‬والمراشاة المحاباة ‪ .‬أنظر ابن األثير‪:‬‬
‫النهاية في غريب الحديث واألثر‪ ،‬تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود أحمد الطناحي‪،‬المكتبة اإلسالمية‪،‬‬
‫بيروت‪1979 ،‬م‪،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 226‬؛ عبد هللا عبد المحسن الطريقي‪ :‬جريمة الرشوة في الشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬طـ ‪ ،1982 ،3‬ص ‪. 49‬للمزيد حول الرشوة‪ .‬أنظر‪ :‬سعيد بنحمادة‪ :‬الرشوة والمجتمع في المغرب‬
‫واألندلس خالل العصر الوسيط‪ ،‬دورية كان التاريخية‪ ،‬مؤسسة كان التاريخية؛ السنة ‪ ،5‬العدد ‪،17‬‬
‫‪2٠12‬م‪ ،‬ص ‪ 92 – 85‬؛ محمد جسوس‪" :‬مالحظات حول ظاهرة الرشوة بالمغرب" ‪ ،‬جريدة االتحاد‬
‫االشتراكي‪1992 ،‬م‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫(‪ )3‬المعيار‪ ،‬ج ‪،8‬ص ‪351‬؛ ج ‪،1٠‬ص ‪.122 – 12٠‬‬
‫(‪ )4‬المصدر السابق ‪،‬ج ‪،8‬ص ‪.35٠‬‬

‫جملد (‪ – )44‬عدد (‪ )3‬يوليو ‪2022‬م‬


‫في قبيلة بأسرها قاض يستطيع الفصل في نازلة(‪)3‬؛ففي منطقة الحوز المراكشي فإن بلدة " إداو‬
‫عال " لم يكن يوجد بها " قاض وال فقيه وال من يعرف العقيدة الدينية "(‪،)4‬ولم يكن بجبل سمد‪،‬‬
‫بنواحي مراكش‪ ،‬من يحكم بين الناس(‪.)5‬‬
‫ولم تخل وظيفة الشهود العدول(‪ )6‬من المفاسد خالل العصر المريني الثاني(‪)7‬؛ فكثي اًر ما‬
‫سئل الفقهاء عن صالحية بعض المتعرضين للشهادة‪ ،‬ألن ما يملكون من مال يعد مغصوباً‬
‫بحكم أنه ورث عن أشخاص كانوا من جباة المخزن المريني‪ ،‬أو كونهم عرفوا بمعاشرة بعض أهل‬
‫الجور‪ ،‬وقد أتت الفتاوى لتؤكد عدم جواز شهادتهم(‪.)8‬‬
‫وذكر لسان الدين الخطيب المتوفى عام ‪ 776‬هـ‪1374 /‬م‪ ،‬في رسالته الشهيرة " مثلى‬
‫الطريقة في ذم الوثيقة "‪ ،‬جملة من المؤاخذات على الشهود العدول أوردها في عدد من األبواب‪،‬‬
‫منها ما يتعلق بأجرة الشهادة عند العلماء‪ ،‬وما يتعرض له الشهود من ابتزاز أموال المتعاقدين‪،‬‬
‫وأخذ األجرة من أراذل الناس‪ ،‬وقعود الموثق منتصبا طوال النهار بقارعة الطريق فتقع عينه على‬

‫(‪ )1‬المصدر السابق‪،‬ج ‪ ،11‬ص ‪214‬؛عمر بنميرة‪ :‬النوازل والمجتمع‪ :‬مساهمة في دراسة تاريخ البادية بالمغرب‬
‫الوسيط (القرنان ‪ 8‬ـ ‪9‬هـ‪ 14/‬ـ ‪15‬م)‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬طـ ‪ ،1‬مطبعة‬
‫األمنية‪ ،‬الرباط‪2٠12 ،‬م ‪ ،‬ص ‪ 58 – 57‬؛‬
‫‪Kably (Mohamed): société,Pouvoir et religion au Maroc à la fin du Moyen Age, XIVͤe‬‬
‫‪–XVe siѐcles, Islam dʼhier et dʼ aujourd ̓hui,Maisonneuve et Larose, Paris,1986,‬‬
‫‪P.227.‬‬
‫(‪ )2‬وصف إفريقيا‪ ،‬ترجمة عن الفرنسية محمد حجي‪ ،‬محمد األخضر‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ 1983 ،‬م‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪.1٠9‬‬
‫(‪ )3‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪.59‬‬
‫(‪ )4‬المصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪.11٠‬‬
‫(‪ )5‬المصدر السابق ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪.1٠9‬‬
‫(‪ )6‬الشاهد العدل‪:‬هو الشاهد الذي تتوفر فيه الشروط المؤهله للشهاده ‪ ،‬وهى أن يكون مسلماً بالغاً عاقالً ‪،‬‬
‫سالماً من أسباب الفسق ‪ ،‬متيقظاً غير مغفل ‪ ،‬ويطلق العدل أيضاً في مصطلح الفقهاء على الرجل‬
‫الصحيح الروايه ‪.‬أنظر‪ :‬ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ‪2٠٠1،‬م‪،‬ص‬
‫‪177‬؛ حسن الباشا ‪ :‬الفنون اإلسالمية والوظائف على اآلثار العربية‪،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1966‬م‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪.775 ، 774‬‬
‫(‪ )7‬ابن الحاج‪ :‬المدخل‪،‬مكتبة دار التراث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪164‬؛ الونشريسي‪ :‬المنهج الفائق‪،‬ص ‪.25‬‬
‫(‪ )8‬محمد فتحة‪:‬النوازل الفقهية والمجتمع‪ ،‬ص‪.47‬‬

‫جملة الدراسات اإلفريقية‬


‫المنكر والعورات(‪)1‬؛ ما دفع بعض الفقهاء إلى إصدار فتاوى توافق كالم ابن الخطيب في كثير‬
‫من الوجوه‪ ،‬بل وتعدته أحياناً‪ ،‬إلى ضرورة إسقاط عدالتهم(‪.)2‬‬
‫وهكذا تدهور النظام القضائي خالل العصر المريني الثاني‪ ،‬وشابه الكثير من مظاهر‬
‫الفساد؛ ولعل مرد ذلك يرجع إلى ما كانت تمر به الدولة المرينية من اضطراب خالل العصر‬
‫المريني الثاني‪ ،‬مما جعلها تتهاون في مراقبة المنتمين لهذا النظام‪ ،‬وعدم الجلوس لسماع شكاوى‬
‫العامة‪ ،‬مثلما كان يفعل سالطين بني مرين األوائل(‪.)3‬‬

‫في المغرب األقصى خالل العصر المريني الثاني؛ نتيجة كثرة‬ ‫(‪)4‬‬
‫تدهورت خطة الفتوى‬
‫القائمين على أمر الفتوى من غير أن يؤهلوا لذلك(‪ ،)5‬وخاصة في المناطق النائية(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬مثلى الطريقة في ذم الوثيقه‪ ،‬مطبعة دار المنصور للطباعة والوراقة ‪ ،‬الرباط‪ ،‬طـ ‪1973 ،3‬م‪،‬ص ‪– 322‬‬
‫‪.326‬‬
‫(‪ )2‬الونشريسي‪ :‬المعيار‪،‬ج ‪،1٠‬ص ‪،184 – 143‬ص ‪.177‬‬
‫(‪ )3‬القلقشندي‪ :‬صبح األعشى في صناعة اإلنشا‪ ،‬المطبعة األميرية‪ ،‬القاهرة‪1917 ،‬م ‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪2٠٠‬؛ابن‬
‫مرزوق‪ :‬مصدر سابق ‪،‬ص ‪175 -143،173‬؛ابن بطوطة‪ :‬تحفة النظار في غرائب األمصار وعجائب‬
‫األسفار‪ ،‬تقديم وتحقيق عبد الهادي التازي‪ ،‬مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية‪ ،‬الرباط‪1997 ،‬م‪،‬ص‬
‫‪669‬؛ابن رضوان‪ :‬الشهب الالمعة في السياسة النافعة‪ ،‬تحقيق علي سامي النشار‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪1984 ،‬م‪،‬ص ‪325‬؛محمد فتحة‪:‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.32 ،29‬‬
‫(‪ )4‬الفتوى وقيل اإلفتاء هو اإلخبار عن حكم شرعي بمقتضى األدلة الشرعية‪،‬والمفتي فقيه عالم يفتي في أمور‬
‫دينهم ودنياهم‪.‬من أسئلة مكتوبة أو شفوية‪،‬تتعلق بحياة الناس الدينية والعلمية‪.‬وهذه األسئلة تعرف بأسماء‬
‫متعددة منها النوازل‪ ،‬والفتاوى واألجوبة‪ ،‬والمسائل‪ ،‬واألحكام‪ ،‬وكلها مفاهيم تؤدي معاني متقاربة‬
‫المقصد‪.‬أنظر‪ :‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر ‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪ 147‬ابن‬
‫خلدون‪:‬المقدمة‪ ،‬ص ‪173‬؛أبو القاسم محمد بن عظوم‪:‬متطلبات الشهادة على المشهود عليه‪،‬تحقيق محمد‬
‫الطاهر الزقي‪،‬مكتبة الرشدي‪ ،‬شركة الرياض للنشر ‪ ،‬الرياض‪1998 ،‬م ‪،‬ص ‪ 35‬؛ عبد العزيز خلوف‪:‬‬
‫قيمة فقه النوازل التاريخية‪ ،‬مجلة البحث العلمي‪،‬العدد ‪ ،3٠-29‬المملكة المغربية‪2٠٠3 ،‬م‪ ،‬ص‪.232‬‬
‫(‪ )5‬ابن رشد‪:‬مصدر سابق ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪15٠4، 1495‬؛ الونشريسي‪:‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ص‪-5٠2‬‬
‫‪5٠3‬؛ج ‪،1٠‬ص ‪ 35 – 33‬؛ج ‪،12‬ص ‪ 188‬؛‬
‫(‪ )6‬محمد حجي‪ :‬نظرات في النوازل الفقهية ‪،‬منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر‪،‬طـ ‪،1‬‬
‫‪1999‬م‪ ،‬ص ‪. 85‬‬

‫جملد (‪ – )44‬عدد (‪ )3‬يوليو ‪2022‬م‬


‫ومما زاد من الوضع سوءا وجود قلة من المفتيين من ضعاف النفوس‪ ،‬ممن كانوا يسعون‬
‫ً‬
‫إلى طلب المال والتكسب بأية وسيلة‪ ،‬دون اعتبار لما تفرضه الشريعة والمبادئ األخالقية‬
‫القويمة؛ فعلى سبيل المثال كان هؤالء يفتون " برجعة المطلقة ثالثا في كلمة واحدة "(‪.)1‬‬
‫وغالب الظن أن تنظيم قطاع المفتيين وهيكلته(‪،)2‬كان يمثل فرصة لبعض السالطين كي‬
‫يوجهوا الفتيا في إطار أجهزة المخزن؛ فالعاملون بالفتيا يخضعون لمراقبة السلطان‪ ،‬أو من ينتدبه‬
‫لذلك اعتبا اًر للمصلحة العامة بحيث ينحي منهم من ال يستحق ويزجر(‪،)3‬وهذا التوجه يمثل‬
‫حاالت فردية واستثنائية جدا(‪.)4‬ومن تلك األمثلة‪ ،‬ما أفتى به بعض الفقهاء للسلطان المريني أبي‬
‫سعيد الثاني عثمان (‪823 -8٠٠‬هـ‪142٠- 1398 /‬م )‪ ،‬ببيع بعض أمالك األوقاف لتمويل‬
‫حروبه؛ إذ قام أحد مستشاري الملك وأفتاه بأن هذه األمالك الموقوفة إنما أسست بفضل الصدقات‬
‫التي قدمها أسالفه من الملوك‪ ،‬فيستحسن والحالة هذه بيع تلك األمالك الموقوفه لصد العدو‪،‬‬
‫حتى إذا وضعت الحرب أوزارها قام بشراء تلك األمالك الموقوفه من جديد‪ ،‬وهكذا بيعت األمالك‬
‫الموقوفة‪ ،‬ولم يستطع الملك شراء أية أمالك جديدة نتيجة لوفاته (‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬المعيار‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪. 121٠ – 12٠‬‬


‫(‪ )2‬للمزيد عن الفتوى والمفتيين بالمغرب‪،‬أنظر‪:‬محمد بنشريفة‪ :‬أوائل اإلفتاء والمفتيين بالمغرب‪،‬مؤتمر" اللقاء‬
‫العلمي التاريخ وأدب النوازل‪ :‬دراسات تاريخية مهداة للفقيد محمد زنيبر"‪ ،‬الجمعية المغربية للبحث التاريخي‪،‬‬
‫الرباط‪1989 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 57 – 33‬‬
‫(‪ )3‬محمد فتحة‪:‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪85‬؛ حميد الفاتحي‪ :‬الفقهاء في المغرب المريني‪ ،‬محاولة في إعادة تركيب‬
‫مضامين التراجم‪ ،‬سلسلة شرفات‪،99‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬منشورات الزمن‪ ،‬الدار البيضاء‪2٠18 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪87‬؛‬
‫‪Tyan (Émile):Histoire de V organisation judiciaire en pays de Islam,Leiden,‬‬
‫‪1960 , P.223.‬‬
‫(‪ )4‬محمد فتحة‪:‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪87‬؛حامد العبد هللا‪" :‬جدلية العالقة بين الدين والسياسة‪:‬دراسة في االتجاه‬
‫التوفيقي في الفكر السياسي اإلسالمي" ‪ ،‬مجلة العلوم االجتماعية‪ ،‬السنة ‪ ،24‬العدد ‪1996 ، 3‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.34‬‬
‫(‪ )5‬الوزان‪ :‬مصدر سابق‪،‬ج ‪،1‬ص ‪228‬؛ مارمول كربخال‪ :‬أفريقيا‪ ،‬ترجمه عن الفرنسية محمد حجي وآخرين‪،‬‬
‫دار نشر المعرفة‪ ،‬الرباط ‪1989‬م ‪،‬ج ‪،2‬ص ‪147‬؛المنوني‪ :‬ورقات عن حضارة المرينيين‪ ،‬منشورات كلية‬
‫اآلداب بالرباط‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1996‬م ‪ ،‬ص ‪125‬؛حسين مراد‪ :‬األوقاف‬
‫مصد اًر لدراسة مجتمع فاس في العصر المريني (‪ 656‬ـ ‪869‬هـ‪ 1258/‬ـ ‪1465‬م)‪ ،‬القاهرة‪ 2٠٠2 ،‬م‪،‬ص‬
‫‪.142 ،141‬‬

‫جملة الدراسات اإلفريقية‬


‫وحينما حدث خالف بين سلطان غرناطة محمد الخامس (‪76٠-755‬هـ‪-1354/‬‬
‫‪1359‬م) ولسان الدين ابن الخطيب‪ ،‬لجأ هذا األخير إلى الدولة المرينية بالمغرب األقصى؛‬
‫فسعى السلطان محمد الخامس إلرغام السلطة المرينية للتخلص منه‪ ،‬وتم ذلك عن طريق الجهاز‬
‫(‪)1‬‬
‫؛وعوض أن‬ ‫القضائي وسلطة الفقهاء الذين حاسبوه على أقواله وأفعاله وما بدا لهم في عقيدته‬
‫يأخذ هؤالء بعين االعتبار موقع ابن الخطيب في الدولة واألسباب الداعية إلى مؤاخذته‪ ،‬نجدهم‬
‫خاطئا فهذا مشكل آخر‪،‬‬
‫ً‬ ‫يعبرون عن كثير من التبعية للجهاز الحاكم‪ ،‬ليس ألن موقفهم الشرعي‬
‫وإنما لكونهم أفتوا بمروقه وهو موقف كان بإمكانهم القول بضده‪ ،‬لو أن الظروف كانت مغايره‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫بل لربما لم يجرؤ أحد على إثارته أصالً‬
‫وهكذا تدهورت خطة الفتوى في المغرب األقصى خالل العصر المريني الثاني؛ فصار‬
‫مدعو العلم من الجهلة يفتون في عظيم النوازل حسب أغراضهم بما قد سمعوه فلم يفهموه أو‬
‫قاسوه فحرفوه‪ ،‬وصاروا يخالفون الشرع ويحللون الفطر في رمضان للقادر والصحيح المقيم‪،‬‬
‫سوء أن كثي اًر من الناس أخذوا بآرائهم وساروا خلفهم(‪.)3‬كما أدخلوا في فتواهم‬
‫والذي زاد األمر ً‬
‫االختيارات والترجيحات لبعض األقوال الضعيفة‪ ،‬استنادا للعرف والضرورة (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ابن خلدون‪ :‬العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان‬
‫األكبر‪ ،‬لبنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1992 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪453 - 452‬؛ المقري‪ :‬نفح الطيب من‬
‫غصن األندلس الرطيب‪ ،‬تحقيق إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ 1988 ،‬م ‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪– 124‬‬
‫‪13٠‬؛ أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض‪ ،‬تحقيق مصطفى السقا وآخرين‪ ،‬مطبعة فضالة المحمدية‪،‬‬
‫الرباط ‪1978‬م ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪212،23٠‬؛مصطفى نشاط‪ :‬السجن والسجناء نماذج من تاريخ المغرب‬
‫الوسيط‪،‬المجلس الوطني لحقوق اإلنسان وملتقى الطرق "‪، "la croisée des chemins‬مطابع أفريقيا‬
‫والشرق ‪،‬المغرب‪2٠12 ،‬م‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫(‪ )2‬محمد فتحة‪:‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.89‬اتبع أبو عنان نفس األسلوب في حق خصومه من بني عبد الواد‪،‬فبعدما‬
‫تمكن من أسر سلطانهم أبي سعيد " عرضه على الفقهاء وأرباب الفتيا " للبت في أمره‪،‬فصدرت الفتوى بقتله‬
‫العتباره من أهل الحرابة‪.‬ابن خلدون‪:‬مصدر سابق‪،‬ج ‪،7‬ص ‪.288‬‬
‫(‪ )3‬الونشريسي‪:‬مصدر سابق‪،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.5٠3 – 5٠2‬‬
‫(‪ )4‬العقباني‪ :‬تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشريعة وتغيير المناكر‪ ،‬تحقيق على الشنوفي‪ ،‬المعهد‬
‫الفرنسي للدراسات الشرقية‪ ،‬دمشق‪1967 ،‬م‪،‬ص ‪1٠4-1٠3‬؛عبد السالم العسري‪ :‬نظرية األخذ بما جرى‬
‫به العمل في المغرب‪ ،‬منشورات و ازرة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬المملكة المغربية‪1996،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪131‬؛هاشم العلوي القاسمي‪ :‬تقديم كتاب تحفة أكياس الناس ‪ ،‬منشورات و ازرة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪،‬‬
‫المملكة المغربية‪2٠٠1 ،‬م‪ ،‬ص ‪12‬؛ محمد المصلح ‪ :‬جوانب من منهج تنزيل األحكام على الوقائع عند‬

‫جملد (‪ – )44‬عدد (‪ )3‬يوليو ‪2022‬م‬


‫تدهورت والية الحسبة خالل العصر المريني الثاني تدهو اًر ملحوظاً؛حيث أخرجت من‬
‫دائرة القضاء وانفرد بها ضعاف الدين(‪)1‬؛فبعد أن كانت الحسبة ال يتوالها سوى العارفين بأحكام‬
‫الشريعة(‪،)2‬قام السالطين ووزراءهم بتوليتها لكل من طلبها مهما كان حاله‪ ،‬فوصل إليها من ال‬
‫يعرفون عن العلم شيئاً(‪)3‬؛ونتيجة لذلك ظهرت العديد من المخالفات التي تدل على تراجع دور‬
‫المحتسب ومعاونيه؛كوجود الميازيب التي تجري بالغسالة والنجاسة‪،‬والتي تصيب أماكن يمر‬
‫المارة بها‪ ،‬فتلوث ثيابهم(‪،)4‬كما كان على المحتسب أن يمنع بيع آالت اللهو المحرمة؛ كالبوق‬
‫‪،‬والعود ‪،‬والكير ‪،‬والتماثيل المجسدة‪ ،‬ولكنه – بحسب المصادر ‪ -‬لم يوفق في الحد من هذه‬
‫التجارة (‪.)5‬‬
‫أيضا الرشوة بين مجموعة من أمناء األسواق(‪،)6‬الذين كانوا يتولون جباية‬ ‫وشاعت ً‬
‫المكوس‪ ،‬أو الضرائب‪ ،‬من الباعة ‪،‬والتجار ‪،‬والصناع باألسواق(‪ ،)1‬بل بلغ الفساد مداه بقبول‬

‫فقهاء الغرب اإلسالمي ‪ ،‬مجلة المجلس‪ ،‬المجلس العلمي األعلى بالمملكة المغربية‪ ،‬المجلد ‪ ،4‬العدد‪،1٠ ،‬‬
‫‪ ،11‬المغرب‪2٠11 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 6٠ – 54‬‬
‫(‪ )1‬العقباني‪:‬مصدر سابق‪،‬ص ‪ 224 – 223‬؛‬
‫‪Arie (Rachel):trois traits hispaniques de hisba,Hesperis,Vol I,1960,P.150.‬‬
‫الشيرزي‪ :‬نهاية الرتبة في طلب الحسبة ‪،‬تحقيق السيد الباز العريني‪ ،‬دار الثقافة ‪ ،‬بيروت‪،‬ط ‪،1982 ،2‬ص‬
‫ا‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪.6‬‬
‫(‪ )3‬الونشريسي‪:‬مصدر سابق‪،‬ج ‪،2‬ص ‪492 – 491‬؛الوزان‪ :‬مصدر سابق‪،‬ج ‪ ،1‬ص ‪197 ،196‬؛‬
‫العقباني‪:‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 225‬؛محمد المنوني‪ :‬خطة الحسبة في المغرب‪ ،‬مجلة المناهل‪ ،‬و ازرة الشؤون‬
‫الثقافية‪ ،‬السنة ‪ ،6‬العدد ‪ ،14‬المغرب‪1979 ،‬م‪،‬ص ‪.212‬‬
‫(‪ )4‬الونشريسي‪ :‬مصدر سابق ‪،‬ج ‪،2‬ص ‪،5٠٠‬ج ‪ ،8‬ص ‪.431‬‬
‫(‪ )5‬العقباني‪:‬مصدر سابق‪،‬ص ‪ 244 – 242‬؛ السقطي‪ :‬آداب الحسبة ‪ ،‬تحقيق ليفي بروفنسال‪ ،‬مطبعة إرنست‬
‫لورو ‪ ،‬باريس ‪1931 ،‬م‪،‬ص ‪68 -67‬؛الوزان‪:‬مصدر سابق‪،‬ص ‪2٠5،214 – 2٠4‬؛محمد المنوني‪:‬‬
‫مرجع سابق‪،‬ص‪ 232 ،213-212‬؛‬
‫‪Provençal (Lévi): Séville musulmane au début du XIIe siècle.Le traité d'Ibn Abdun‬‬
‫‪sur la vie urbaine et les corps de métiers/ traduit avec une introduction et des notes‬‬
‫‪,Librairie Orientale et Américaine G. P. Maisonneuve, Paris,1947, P. 205 ;Rachei‬‬
‫‪Arie: op.cit, ,P.367.‬‬
‫(‪ )6‬كان لكل حرفة أمين يترأسها‪،‬و يعتبر المرجع بالنسبة للمحتسب في المنازعات التي تحصل داخلها‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫الونشريسي‪ :‬المعيار‪ ،‬جـ ‪ ،4‬ص ‪ ،93‬جـ ‪ ،5‬ص ‪ 392 ، 326‬؛ العقباني‪ :‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪. 254 ،245‬‬

‫جملة الدراسات اإلفريقية‬


‫الرشوة من اليهود الذين كانوا يزيفون النقود ؛ فكانوا يدفعون الرشاوى والهدايا لكي يتخلصوا من‬
‫العقاب؛ مما أدى إلى فساد أمور العامة(‪.)2‬‬
‫ويستمر غياب دور المحتسب عن األسواق بصورة ملفتة للنظر؛ حيث صارت بعض‬
‫األسواق مثل سوق الغزل ‪،‬يختلط فيه النساء مع الرجال‪،‬وبعض السماسرة غير المؤتمنين‪،‬و ً‬
‫أحيانا‬
‫كان هؤالء النسوة يقمن بمحادثة هؤالء ومزاحهم‪،‬وهذا من المنكرات التي تساعد على ارتكاب‬
‫المحارم(‪،)3‬فكان على المحتسب أن يعين للنساء موضع ًا مستت اًر‪ ،‬يخضعهن للخلوة في قضاء ما‬
‫يحتجن إليه إذ اضطررن لذلك‪ ،‬بحيث ال يخالطهن من يتصرف لهن من الرجال(‪.)4‬‬
‫وهكذا تم تغييب دور المحتسب خالل العصر المريني الثاني‪،‬وتحولت الحسبة من إطارها‬
‫القائم على محاربة المنكرات‪،‬والحفاظ على سالمة المجتمع من التجاوزات‪ ،‬إلى وظيفة سياسية‬
‫تسهم في بناء توازنات السلطة القائمة(‪.)5‬‬

‫تعرضت األوقاف(‪)6‬خالل العصر المريني الثاني للتدهور؛فقد وردت إشارات عديدة في‬
‫كتب النوازل عن أهل الظلم والتعدي الذين سطوا على األموال الزائدة عن حاجة‬

‫(‪ )1‬المعيار‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 58‬‬


‫)‪ (2‬يوسف بن الحكيم ‪ :‬الدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة ‪ ،‬تحقيق حسين مؤنس‪ ،‬مجلة المعهد المصري‬
‫للدراسات اإلسالمية في مدريد‪ ،‬المجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،2 ،1‬أسبانيا‪1958 ،‬م‪،‬ص ‪.96‬‬
‫)‪ (3‬جرت العادة بفاس وباقي بالد المغرب‪ ،‬أن يقوم بعض الباعة من المسلمين واليهود بالبيع للنساء في الدور‬
‫وليس في األسواق‪ ،‬وكانت النساء يخرجن إليهم للشراء سافرات الوجه عندما يشتد الحر في‬
‫الصيف‪.‬الونشريسي‪ :‬مصدر سابق ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.197‬‬
‫)‪ (4‬المصدر السابق ‪،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.5٠٠‬‬
‫(‪ )5‬مصطفى نشاط‪ :‬إطالالت على تاريخ المغرب ‪ ،‬ص ‪. 89‬‬
‫(‪ )6‬األوقاف‪ :‬تحبيس ما يمكن االنتفاع به مع بقاء عينه ليصرف في جهة خير ‪ .‬الرازي‪ :‬مختار الصحاح‪:‬‬
‫مؤسسة علوم القرآن‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1986،‬م‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪915‬؛ ابن منظور‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص‬
‫‪429‬؛ الزبيدي‪ :‬تاج العروس في شرح القاموس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪1996 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ 527‬؛‬
‫الكتاني‪ :‬التراتيب اإلدارية والعماالت والصناعات والمتاجر والحالة العلمية التي كانت على عهد تأسيس‬
‫المدنية اإلسالمية في المدينة المنورة العلمية‪،‬تحقيق عبد هللا الخالدي‪،‬دار األرقم بن أبي األرقم للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع ‪ ،‬بيروت‪ ،‬طـ ‪ ، 2‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص ‪ 4٠1‬؛ حسين مراد ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 13‬‬

‫جملد (‪ – )44‬عدد (‪ )3‬يوليو ‪2022‬م‬


‫األوقاف‪،‬وصرفوها في وجوه فاسده(‪ ،)1‬وفي بعض الحاالت كانوا يرغمون النظار على القيام‬
‫ببعض األشغال التي تعد من صميم اختصاص السلطة المرينية(‪)2‬؛لذلك تم وقف العديد من‬
‫األمالك خالل العصر المريني الثاني دفعا للضرر‪ ،‬أو خوفاً من فرض هيمنة أهل الجاه أو‬
‫السلطان أو الشر عليها(‪.)3‬‬
‫كما اعتاد سالطين الدولة المرينية خالل العصر المريني الثاني‪ ،‬السلف من أموال‬
‫األوقاف(‪ ،)4‬وغالب الظن أن هذه األموال لم تكن ترد(‪ ،)5‬كما شارك الثوار على الدولة أيضاً في‬
‫التعدي على أموال األوقاف(‪.)6‬‬
‫وكان يتم وضع األوقاف – أحياناً ‪ -‬تحت إدارة أشخاص ال يصلحون لذلك(‪)7‬؛األمر‬
‫الذي كان يسمح بتوريث الوظائف ‪ ،‬مما أدى إلى أنهم كانوا يعجزون عن القيام بأعبائها حتى لو‬
‫أرادوا ذلك(‪)8‬؛ولذلك كانت كيفية المحاسبة في األوقاف‪،‬ومظاهر " تفريط الناظر " من العناصر‬
‫التي تناولها الفقهاء‪ ،‬الذين أفتوا بعزل النظار إذا ثبت تقصيرهم(‪.)9‬‬

‫(‪ )1‬الونشريسي‪ :‬مصدر سابق‪،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.217‬‬


‫(‪ )2‬المصدر السابق ‪،‬ج ‪ ،7‬ص‪.222‬‬
‫(‪ )3‬المصدر السابق ‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص‪ 174 ،119 ،8٠ ،49‬؛ إبراهيم حركات ‪ :‬المجتمع اإلسالمي والسلطة في‬
‫العصر الوسيط‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪1998 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 172‬؛ عمر بنميرة ‪:‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‬
‫‪247 – 171،246 ،169‬؛ عبيد بوداود ‪ :‬الوقف في بالد المغرب اإلسالمي ما بين القرنين السابع والتاسع‬
‫الهجريين (ق ‪ 13‬ـ ‪15‬م) ودوره في الحياة االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬مكتبة الرشاد للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ 2٠11 ،‬م ‪،‬ص ‪.218‬‬
‫(‪ )4‬الونشريسي‪ :‬مصدر سابق ‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪. 298 ،185‬‬
‫(‪ )5‬الوزان‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪. 225‬‬
‫(‪ )6‬الونشريسي‪ :‬مصدر سابق ‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.18‬‬
‫(‪ )7‬المصدر السابق ‪،‬ج ‪،7‬ص ‪. 9٠‬‬
‫(‪ )8‬محمد بن عبد العزيز بنعبد هللا‪ :‬الوقف في الفكر اإلسالمي‪ ،‬مطبعة فضالة المحمدية‪ ،‬المغرب ‪ 1996‬م ‪،‬‬
‫ج ‪ ،2‬ص ‪.128‬‬
‫(‪ )9‬الونشريسي‪ :‬مصدر سابق ‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ 3٠2 ،91 ،83‬؛ الوزان‪ :‬مصدر سابق ‪ ،‬ج ‪،1‬ص ‪.3٠2، 83‬‬

‫جملة الدراسات اإلفريقية‬


‫أوقف سالطين الدولة المرينية خالل العصر المريني األول العديد من األمالك على‬
‫المساجد لضمان عمرانها واالعتناء بها(‪،)1‬و كان العاملون في المساجد يحصلون على مرتباتهم‬
‫من تلك األوقاف(‪،)2‬ولكن خالل العصر المريني الثاني‪،‬عانى العاملون في المساجد من ضآلة‬
‫المرتبات(‪)3‬؛ ومما يؤكد ذلك ما طرح من نوازل حول تناقص مرتبات هؤالء العاملين والخصومات‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫التي كانت تتم بسبب الخالف حول أسبقية أخذ المرتبات إبان نضوب إيرادات األوقاف‬
‫وشهد جامع القرويين تراجعا عمرانيا ملحوظا خالل العصر المريني الثاني(‪)5‬؛ حيث‬
‫(‪)6‬‬
‫‪،‬كما ضعف عائد األوقاف المحبسة عليه؛ فعلى‬ ‫غابت الشروط األمنية المحفزة على البناء‬
‫سبيل المثال كان لجامع القرويين فرًنا موقوًفا عليه لكنه تهدم لسوء اإلدارة وتفريط النظار‪،‬حتى‬
‫أصبحت ترمى فيه األزبال(‪،)7‬وأيضاً دار إبن بشير الواقعة بدرب ابن حيون(‪ )8‬في فاس‪،‬والتي‬
‫تعرضت للخراب‪ ،‬وأراد ناظر الوقف بيعها ويشتري بثمنها وقفاً آخر (‪،)9‬وكذلك تقلصت أوقاف‬

‫(‪ )1‬حوالة أحباس فاس‪ ،‬مخطوطة مصورة على ميكروفيلم بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم ‪ ،164‬ص ‪ 144‬ـ‬
‫‪ 156‬؛ الونشريسي‪ :‬مصدر سابق ‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪ 321 ، 286 ،2٠9 ،62 ،4٠ ،17‬؛ الوزان ‪ :‬مصدر‬
‫سابق ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ 292 ،261 ،178‬؛‬
‫‪Bel (Alfred):Inscribtions Arabes de Fѐs‚ Gournal Asiatiqu‚Tome10‚paris‚1917,‬‬
‫‪P.119, 120.‬‬
‫(‪ )2‬الونشريسي ‪ :‬مصدر سابق ‪،‬ج ‪،7‬ص ‪،6 – 5‬ص ‪،113‬ص ‪،275‬ص ‪294‬؛ المنوني‪:‬فاس الجديد مقر‬
‫الحكم المريني‪،‬مجلة البحث العلمي‪،‬عدد ‪،12، 11‬السنة ‪،4‬المركز الجامعي للبحث العلمي‪،‬جامعة محمد‬
‫الخامس ‪،‬الرباط ‪1987‬م‪،‬ص ‪.192 ،181‬‬
‫(‪ )3‬الغبريني‪:‬عنوان الدراية فيمن ٌعرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية‪ ،‬تحقيق عادل نويهض‪ ،‬منشورات‬
‫دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬طـ ‪1979 ،2‬م‪ ،‬ص ‪.288‬‬
‫(‪ )4‬الونشريسي‪ :‬مصدر سابق ‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪. 363‬‬
‫(‪ )5‬حسين مراد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫(‪ )6‬مصطفى نشاط‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫(‪ )7‬محمد بن عبد العزيز بنعبد هللا‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.128‬‬
‫(‪ )8‬درب ابن حيون‪:‬درب شهير بحومة بو طويل أمام جدار جامع القرويين ‪ ،‬وكان في األصل يعرف بدرب‬
‫الغماري‪.‬الكتاني‪ :‬سلوة األنفاس ومحادثة األكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس‪،‬تحقيق عبد هللا‬
‫الكامل الكتاني و حمزة بن محمد الطيب الكتاني و محمد حمزة بن علي الكتاني ‪،‬دار الثقافة‪،‬الدار‬
‫البيضاء‪،‬طـ ‪2٠٠4 ،1‬م‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 211‬‬
‫(‪ )9‬الونشريسي‪ :‬مصدر سابق ‪،‬ج ‪،7‬ص ‪.21٠، 2٠9‬‬

‫جملد (‪ – )44‬عدد (‪ )3‬يوليو ‪2022‬م‬


‫المسجد األعظم بمدينة مكناس خالل العصر المريني الثاني(‪ ،)1‬بعدما كان أكثر المساجد‬
‫أوقافاً(‪.)2‬‬
‫ظار الوقف خالل العصر المريني الثاني على متابعة وضعية‬ ‫ولم يحرص بعض ٌن ّ‬
‫ظار في‬
‫األمالك الموقوفة على المساجد‪،‬وخاصة األراضي الزراعية؛فكثي اًر ما تأخر هؤالء الن ّ‬
‫استخالص واجبات الكراء والغالت عن تلك األراضي‪،‬مما كان يؤدي إلى قلة مردودها(‪،)3‬كما‬
‫تركت بعض األراضي الموقوفة على المساجد بدون زراعة لسنين عدة‪،‬لتفقد المساجد المحبس‬
‫عليها هذه األراضي اإليجار الذي كانت تحصل عليه منها قبل خرابها(‪،)4‬ونتيجة لضعف مردود‬
‫بعض المساجد‪ ،‬طرحت على الفقهاء مسألة تحويل أحباس تلك المساجد إلى المساجد العامرة (‪،)5‬‬
‫وقد أشارت بعض النوازل إلى خراب بعض القرى وهجرة أهلها منها تاركين القرية وفيها مسجد‬
‫(‪)6‬‬
‫‪.‬‬ ‫خرب له أحباس‬
‫وثمة مظهر آخر من مظاهر التدهور التي لحقت بالمساجد‪،‬ونعني به فساد بعض‬
‫العاملين في المساجد‪،‬وخاصة األئمة؛ ويمكن أن نستدل في هذا الصدد ببعض األسئلة التي‬
‫كانت توجه للمفتين حول إمامة من ال يحجب امرأته عن الناس‪،‬ومن يضرب الحظ(‪.)7‬‬
‫وكذلك حرص بعض أئمة المساجد على البقاء طويال في وظيفته لالستفادة – على ما‬
‫يبدو – مادياً من المنصب‪ ،‬ولو بطرق ملتوية(‪)8‬؛ فأصبحت أموال األوقاف مستباحة من قبل‬

‫(‪ )1‬ابن غازي‪ :‬الروض الهتون في أخيار مكناسة الزيتون‪،‬تحقيق عطا أبو ريه‪،‬وسلطان بن مليح األسمري‪،‬‬
‫مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طـ ‪2٠٠7 ،1‬م‪،‬ص ‪،39‬رقية بلمقدم‪ :‬أوقاف مكناس في عهد موالي‬
‫إسماعيل‪ ،‬جزآن‪ ،‬مطبوعات و ازرة األوقاف المغربية‪ ،‬الرباط ‪1993‬م ‪،‬ج ‪،1‬ص ‪.166‬‬
‫(‪ )2‬الونشريسي‪:‬مصدر سابق‪،‬ج ‪،7‬ص ‪.1٠‬‬
‫(‪ )3‬المصدر السابق‪،‬ج‪ 7‬ص ‪.78 ،77‬‬
‫(‪ )4‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.138‬‬
‫(‪ )5‬المصدر السابق ‪،‬ج ‪،7‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ )6‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪. 62‬‬
‫(‪ )7‬الونشريسي‪:‬مصدر سابق ‪،‬ج ‪،1‬ص ‪.131،133‬‬
‫(‪ )8‬مصطفى نشاط‪":‬المرينيون وجامع القرويين"‪،‬ضمن محطات في تاريخ المغرب الفكري والديني‪ ،‬أعمال‬
‫مجموعة األبحاث في التاريخ الديني (‪ ،)1‬سلسلة ندوات ومناظرات (‪ ،)8‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬عين الشق‪،‬‬
‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬الدار البيضاء‪1996 ،‬م‪،‬ص ‪.35‬‬

‫جملة الدراسات اإلفريقية‬


‫هؤالء األئمة(‪،)1‬وتعدى األمر ببعضهم إلى التعامل بالربا(‪ ،)2‬وكثرت في هذه الفترة أسئلة الناس‬
‫(‪)3‬‬
‫من السالطين‬ ‫حول اإلمام الذي يكذب في خطبته خاصة أن بعضهم اختص في مدح الظلمة‬
‫و العمال (‪)4‬؛حيث عمدت السلطة المرينية إلى التحكم في تسيير الجوامع والمساجد بواسطة‬
‫فقهاء موالين لها‪،‬وخاصة جامع القرويين(‪،)5‬وهذه الظاهرة األخيرة تفسر بعض أسباب رفض‬
‫الفقهاء مسؤولية إمامة الجامع‪ ،‬لتخوفهم من الوقوع في أي محظور‪ ،‬فالفقيه أبو الحجاج يوسف‬
‫(‪)6‬‬
‫(ت ‪761‬هـ‪136٠/‬م) لم يقبل خطة اإلمامة والخطابة بالقرويين إال على‬ ‫بن عمر األنفاسي‬
‫مضض(‪.)7‬‬
‫ولعل تورط بعض أئمة القرويين في مثل هذه العمليات المشبوهة وجريهم وراء أعطيات‬
‫(‪)8‬‬
‫(ت ‪792‬هـ‪1389 /‬م) إلى التنديد بما آلت إليه‬ ‫السلطة‪ ،‬هو الذي دفع ابن عباد الرندي‬

‫(‪ )1‬الونشريسي‪:‬المعيار‪،‬ج ‪،7‬ص ‪. 335، 334‬‬


‫)‪ (2‬الب ْرزِلي‪ :‬فتاوى الب ْرزِلي " جامع مسائل األحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام "‪ ،‬تحقيق محمد الحبيب‬
‫الهيلة‪،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬طـ ‪2٠٠2 ،1‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.229‬‬
‫)‪ (3‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.323‬‬
‫)‪ (4‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.323‬‬
‫)‪ (5‬يمكن الرجوع بخصوص هذا الموضوع إلى‪ :‬مصطفى نشاط‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 26 – 9‬‬
‫(‪ )6‬أبو الحجاج يوسف بن عمر األنفاسي المالكي ‪،‬فقيه‪ ،‬ولي إمامة جامع القرويين بفاس‪،‬ومن آثاره‪ :‬تقييد على‬
‫رسالة أبي زيد القيراوني‪ .‬أنظر ‪:‬الجزنائي‪ :‬جني زهرة األس في بناء مدينة فاس‪ ،‬تحقيق عبد الوهاب بن‬
‫منصور‪ ،‬المطبعة الملكية‪ ،‬الرباط‪،‬طـ‪2،1991‬م ‪ ،‬ص ‪ 52‬؛ابن مريم‪ :‬البستان‪ ،‬ص ‪– 297‬‬
‫‪299‬؛التنبكتي‪:‬كفاية المحتاج‪،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 266‬؛ ابن مخلوف ‪:‬شجرة النور الزكية في طبقات‬
‫المالكية‪،‬المطبعة السلفية ومكتبتها‪ ،‬القاهرة‪193٠ ،‬م‪،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 233‬؛الزركلي‪ :‬األعالم‪،‬دار العلم للمالين‪،‬‬
‫بيروت ‪ ،‬طـ ‪2٠٠2 ،15‬م‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪244‬؛عمر كحالة‪ :‬معجم المؤلفين‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت ‪،‬‬
‫‪1993‬م‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪.32٠‬‬
‫(‪ )7‬الجزنائي‪ :‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫(‪ ) 8‬ابن عباد الرندي‪ :‬أبو عبد هللا محمد بن ابي إسحاق إبراهيم بن ابي بكر بن عباد الرندي‪ ،‬من أهل رنده‪ ،‬ولد‬
‫عام ‪733‬هـ‪1332 /‬م‪،‬خطيب جامع القرويين‪،‬كان حسن السمت طويل الصمت‪،‬كثير الوقار والحياء جميل‬
‫اللقاء ‪،‬توفى بفاس عام ‪792‬هـ‪1389 /‬م ‪ .‬أنظر ‪ :‬الزبادي ‪ :‬إفادة المرتاد في التعريف بابن عباد ‪ ،‬معهد‬
‫مخطوطات جامعة الدول العربية ‪ ،‬تاريخ رقم (‪ ، )1348‬ورقة ‪ 141 - 129‬؛ ابن األحمر‪ :‬بيوتات فاس‬
‫الكبرى‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار المنصور للطباعة والوراقة‪1972 ،‬م‪،‬ص ‪97‬؛ابن قنفذ‪:‬أنس الفقير وعز الحقير‪ ،‬اعتنى‬
‫بنشره وتصحيحه محمد الفاسي‪ ،‬وأدولف فور‪ ،‬منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي‪،‬مطبعة‬
‫أكدال‪،‬الرباط‪1965،‬م‪،‬ص ‪8٠-79‬؛ابن الخطيب ‪:‬الكتيبة الكامنة في من لقيناه باألندلس من شعراء المائة‬

‫جملد (‪ – )44‬عدد (‪ )3‬يوليو ‪2022‬م‬


‫اإلمامة خالل العصر المريني الثاني‪ ،‬ووصف هذه الحالة بقوله‪ " :‬بأن المنابر قد سلمت في‬
‫عهده للحمير‪ ،‬ومن ليس لهم فطنة لمصالح الناس في دينهم "(‪ ،)1‬ولعل في ذلك إشارة إلى األئمة‬
‫الجدد الذين عينتهم الدولة المرينية لالستفادة من أحباس المساجد(‪.)2‬‬
‫وفيما يتعلق بتدهور أوضاع الزوايا‪ ،‬نستطيع القول أن كلمة الزاوية(‪)3‬استعملت خالل‬
‫العصر المريني األول للداللة على مؤسسات إحسانية كانت تشيد بأرباض المدن أو في الفلوات‬
‫(األرض الواسعة المقفرة)‪،‬برسم استقبال الواردين عليها إليوائهم والقيام بضيافتهم(‪،)4‬ولكنها‬
‫أصبحت خالل العصر المريني الثاني تعني أيض ًا وسيلة من وسائل اإلنتاج(‪)5‬؛حيث صارت‬
‫الزوايا تحظى برواتب جارية ‪،‬وأراض منحتها لهم الدولة وأعفتها من الجبايات‪،‬فاستغل شيوخ‬

‫الثامنة‪،‬تحقيق إحسان عباس‪،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪1983 ،‬م‪،‬ص ‪،44-4٠‬رقم ‪5‬؛ابن القاضي‪ :‬جذوة‬
‫االقتباس في ذكر من حل من األعالم مدينة فاس ‪ ،‬الرباط ‪1973‬م ‪،‬ج‪ ،1‬ص ‪315،316‬؛الناصري‪:‬‬
‫االستقصا ألخبار دول المغرب األقصى‪ ،‬تحقيق جعفر الناصري‪ ،‬ومحمد الناصري‪ ،‬دار الكتاب‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪1954 ،‬م‪،‬ج‪،4‬ص ‪.84‬‬
‫(‪ )1‬الرسائل الكبرى المسماة نزهة الناظر المتأمل وقيد السائر المستعجل‪ ،‬تحقيق وتعليق محمد بن عزوز‪ ،‬مركز‬
‫التراث الثقافي المغربي بالدار البيضاء‪ ،‬ودار ابن حزم ببيروت‪ ،‬طـ ‪1،2٠11‬م‪ ،‬ص ‪.232‬‬
‫(‪ )2‬مصطفى نشاط‪ :‬جوانب من المسكوت عنه في الكتابة التاريخية المرينية " نموذج‪ :‬الذخيرة السنية في تاريخ‬
‫الدولة المرينية"‪،‬حوليات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬العدد ‪،7‬‬
‫‪199٠‬م‪ ،‬ص ‪.2٠8‬‬
‫(‪ )3‬الزاوية‪:‬هي بناء يؤدي عدة وظائف دينية واجتماعية فهو مكان للصالة والتعبد وقراءة القرآن ومدارسة العلوم‬
‫ومأوى الفقراء والطالب وغالباً ما يشمل على ضريحاً ألحد األولياء‪.‬عبد العلي الودغيري األلفاظ المغربية ـ‬
‫األندلسية في معيار الونشريسي‪ ،‬مجلة كلية اآلداب‪ ،‬الرباط‪ ،‬العدد ‪ ،67‬سنة ‪1992‬م ‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫(‪ )4‬ابن مرزوق‪:‬مصدر سابق‪،‬ص ‪.413‬للمزيد عن الزوايا خالل العصر المريني األول‪ ،‬راجع‪ :‬الونشريسي‪:‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪ 162 ،38‬؛محمد المنوني‪:‬ورقات عن حضارة المرينيين‪،‬ص ‪26‬؛ محمد بن‬
‫شقرون‪ :‬مظاهر الثقافة المغربية دراسة في األدب المغربي في العصر المريني ‪،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪1986،‬م‪،‬ص ‪54‬؛ محمد حجي‪:‬المؤسسات الدينية بالمغرب في القرنين السادس والسابع عشر‪،‬‬
‫مجلة المناهل‪ ،‬و ازرة الشؤون الثقافية ‪،‬السنة ‪ ،7‬العدد ‪ ، 18‬المغرب‪198٠ ،‬م‪،‬ص ‪.119‬‬
‫(‪ )5‬أنظر‪ :‬محمد العادل لطيف‪ :‬مرجع سابق‪،‬ص ‪. 37 – 36‬‬
‫‪Hammoudi (Abdallah): Sainteté, pouvoir et société : Tamgrout aux XVIIe et XVIIIe‬‬
‫‪siècles. In: Annales. Économies, Sociétés, Civilisations. 35ᵉ année, N. 3-4, 1980.‬‬
‫‪pp. 615-641.‬‬

‫جملة الدراسات اإلفريقية‬


‫الرباطات‪،‬والزوايا ذلك األمر للدخول مع الفالحين في شركات فالحية(‪ ،)1‬وقدم الفالحون في‬
‫إطارها نصيبهم من البذور‪،‬والعمل(‪ ،)2‬وكذلك حصلت الزوايا على أموال الصدقات‪ ،‬التي يسعى‬
‫إليها اتباع الطريقة سعياً عبر أرجاء البالد(‪ ،)3‬باإلضافة إلى التمويالت الخارجية من قبيل‬
‫مختلف أنواع العطاءات من فتوح‪،‬أو هدايا ‪،‬أو إعفاءات مادية ‪،‬وفوائد متأتية من الممتلكات‬
‫المحبسة(‪.)4‬‬
‫إن هذه التطورات التي تمت في إطار الصالح قد دفعت الناس إلى السؤال في‬
‫الموضوع‪ ،‬الذي بدا لهم غير منسجم مع معاني الورع والزهد(‪)5‬؛حيث تضاعفت ثروات الزوايا‬

‫(‪ )1‬ابن مرزوق‪ :‬مصدر سابق‪،‬ص ‪254‬؛ ابن الخطيب‪ :‬نفاضة الجراب في عاللة اإلغتراب‪ ،‬نشر وتعليق أحمد‬
‫مختار العبادي‪ ،‬مراجعة عبد العزيز األهواني‪ ،‬دار النشر المغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪1985 ،‬م‪ ،‬ج‬
‫‪ ،2‬ص ‪ 7٠ – 69‬؛الونشريسي‪ :‬مصدر سابق ‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪171‬؛الب ْرزِلي‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪36‬؛‬
‫لمياء لغزاوي‪ :‬وقفات تاريخية في كتب المناقب‪:‬أنموذج المستفاد للتميمي‪ ،‬مجلة عصور‪ ،‬العدد ‪،2٠‬‬
‫منشورات مخبر البحث التاريخي مصادر وتراجم جامعة وهران‪ ،‬الجزائر‪2٠13 ،‬م‪ ،‬ص ‪.197 – 159‬‬
‫(‪ )2‬ابن مرزوق‪ :‬مصدر سابق ‪،‬ص ‪. 254‬‬
‫(‪)3‬البادسي‪ :‬المقصد الشريف و المنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف ‪ ،‬تحقيق سعيد إعراب‪ ،‬المطبعة‬
‫الملكية‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط‪1993،2‬م ‪،‬ص ‪117‬؛ابن الخطيب‪ :‬نفاضة الجراب ‪،‬ج ‪ ،2‬ص ‪7٠ – 69‬؛بن زروق‪:‬‬
‫عدة المريد الصادق؛تحقيق الصادق بن عبد الرحمن الغرياني‪،‬دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بيروت‪،‬طـ ‪2٠٠6 ،1‬م‪،‬ص ‪.1٠٠ ،98‬‬
‫(‪ )4‬ابن القاضي‪ :‬جذوة االقتباس‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 452‬؛ الكتاني‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 232‬؛ الونشريسي‪:‬‬
‫مصدر سابق ‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ 51‬؛ محمد عادل عبد العزيز‪ :‬التربية اإلسالمية في المغرب أصولها المشرقية‬
‫وتأثيراتها األندلسية‪،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬القاهرة‪1987 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 4٠‬؛لمياء الغزاوي‪ :‬إضاءات‬
‫تاريخية حول اإلمكانيات المالية والمادية لصلحاء مدينة فاس الوسيطية وأوليائها‪:‬مقاربة بروسوبوغرافية‪،،‬‬
‫مجلة الجمعية المغربية للبحث التاريخي‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ‪ ،‬عدد مزدوج (‪، )8-7‬الرباط ‪،‬‬
‫‪2٠1٠-2٠٠9‬م‪ ،‬ص ‪ 154‬؛‬
‫‪Shatzmiller (Maya) :Waqf Khayrî in Fourteenth-Century Fez: Legal, Social and‬‬
‫‪Economic Aspects,Journal Anaquel de estudios árabes, Nº 2, Madrid, 1991,P. 293‬‬
‫‪- 295.‬‬
‫(‪ )5‬محمد الشريف‪ :‬عودة الجدل بين المتصوفة والفقهاء في العصر الوسيط انتقاد آليات تمويل الطوائف‬
‫الصوفية‪ ،‬مجلة المناهل‪ ،‬عدد ‪ ، 92-91‬السنة ‪ ، 32‬مطبعة دار الرباط‪2٠12 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 249‬‬

‫جملد (‪ – )44‬عدد (‪ )3‬يوليو ‪2022‬م‬


‫لمؤسسات الدولة‪ ،‬وأصبحت بعض هذه الزوايا هي‬
‫َّ‬ ‫مؤسسة ضريبيَّة موازية‬‫شكل ّ‬ ‫وأصبحت ت ّ‬
‫الراعية لالقتصاد المحّلي(‪.)1‬‬
‫أن إنشاء بعض الزوايا السلطانية خالل العصر المريني كان جزًءا ال يتج أز‬‫وبالرغم من ّ‬
‫‪2‬‬
‫أن تلك الزوايا‬‫من سياسة الدولة المرينية في احتكار السلطة الدينية والسياسية بالمغرب ‪،‬إال ّ‬
‫( )‬

‫استغلت ما تمر به الدولة المرينية من تدهور‪ ،‬في أواخر العصر المريني الثاني‪ ،‬وصارت‬
‫دويالت صغيرة تقوم بمهمة تسيير شؤون المنطقة التي تتصرف فيها(‪،)3‬و أصبح داخل معظم‬
‫زاويا تلك الفترة مشروع حركة سياسية تريد الوصول إلى السلطة(‪)4‬؛فنتيجة لما تمتع به بعض‬
‫شيوخ الزوايا من نفوذ روحي ومالي‪ ،‬فقد اكتسبوا عوائد الوجهاء وذوي السلطان‪ ،‬إلى حد أنهم‬
‫أصبحوا يتشبهون بالحكام في حلهم وترحالهم‪ ،‬وصارت الصدقات التي يحصلون عليها وسيلة‬
‫لتقليد السالطين واكتساب الوالء(‪)5‬؛وخير مثال على ذلك أنه في خالل مدة حكم السلطان عبد‬

‫‪(1( Rosenberger B.& Triki H.: Famines et épidémies au Maroc aux XVIè et XVIIè‬‬
‫‪siècles, in: Hespéris, T.XIV, 1973, p.146.‬‬
‫(‪ )2‬الحسن اليوسي‪ :‬المحاضرات‪ ،‬مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر‪ ،‬الرباط‪1976 ،‬م‪،‬ص‬
‫‪46‬؛عبد هللا نجمي‪:‬التصوف والبدعة بالمغرب‪ ،‬طائفة العكاكزة‪ ،‬ق ‪17-16‬م‪ ،‬منشورات كلية اآلداب‪،‬الرباط‪،‬‬
‫‪2٠٠1‬م؛عبد اللطيف الشاذلي‪ :‬التصوف والمجتمع‪ :‬نماذج من القرن العاشر الهجري‪ ،‬منشورات جامعة‬
‫الحسن الثاني ‪ ،‬سلسلة أطروحات ورسائل رقم ‪ ،4‬مطابع سال‪ ،‬الدار البيضاء‪1989 ،‬م‪ ،‬ص‪23٠‬؛ أحمد‬
‫البوزيدي‪ :‬التصوف في المغرب المريني وجدل المشروعية‪ ،‬ضمن التصوف السني في تاريخ المغرب ‪،‬‬
‫منشورات الزمن‪،‬الدار البيضاء‪2٠1٠ ،‬م‪ ،‬ص ‪ 1٠7‬؛ أحمد الوارث‪:‬الزوايا السلطانية في العهد‬
‫المريني‪:‬محاولة في التركيب‪ ،‬مجلة التراث المغربي األصيل ‪،‬العدد ‪ ،1‬المغرب‪2٠13،‬م‪ ،‬ص ‪23‬؛‬
‫‪Laroui (Abdallah) :Les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain:‬‬
‫‪1830-1912 Centre, Culturel Arabe, Casablanca، 1993, p.143.‬‬
‫(‪)3‬عبد السالم شقور‪ :‬شعر المتصوفة المغاربة في عصر بني مرين‪ ،‬مجلة دعوة الحق‪ ،‬و ازرة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪ ،3٠٠‬السنة ‪ ،34‬الرباط‪1993 ،‬م‪،‬ص ‪.63‬كانت لبعض الزوايا آالف الهكتارات من‬
‫األراضي الخصبة والواحات الضخمة الخاضعة لنظام األحباس أو األوقاف‪ ،‬والمئات من قطعان الماشية‬
‫ومحتسب وعبيد يشتغلون لديها إضافة إلى العديد من الالجئين المنبوذين من قبائلهم أو الفارين من السلطة‬
‫المركزَّية‪.‬أنظر‪:‬‬
‫‪Hammoudi (Abdallah).: op.cit, p.626-628.‬‬
‫‪(100) Bellaire (Michaux): Les confréries religieuses Au Maroc, Archives Marocaines,‬‬
‫‪Vol V XXVII, Librairie Ancienne Honoré, Paris 1927, p.25;Drouin Jeannine: un‬‬
‫‪cycle hagiographique orale dans le moyen Atlas, imprimerie nationale, Paris,‬‬
‫‪1975, p.19.‬‬
‫(‪ )5‬ابن قنفذ‪ :‬أنس الفقير‪،‬ص ‪ .5٠ – 45‬وللمزيد حول تلك النقطة‪،‬أنظر‪:‬‬
‫‪Denise Aigle :« Sainteté et miracles en Islam médiéval: l'exemple de deux saints‬‬
‫‪fondateurs iraniens» ,Extrait de : "Miracles, prodiges et merveilles au Moyen‬‬

‫جملة الدراسات اإلفريقية‬


‫الحق (‪869-823‬هـ‪1465-142٠/‬م)‪ ،‬تزايد نفوذ أرباب الزوايا في المجتمع المريني‪ ،‬بعد أن‬
‫خرجوا عن نطاقهم الديني المحدود‪ ،‬وأصبحوا يقفون مواقف هي أقرب إلى السياسة منها إلى‬
‫الدين؛فقد كان شيوخ الزوايا أول من تم ذكرهم في وثيقة توزيع المياه بفاس‪،‬باعتبارهم من أهل‬
‫صادر‬
‫ًا‬ ‫البصر الموثوق في شهادتهم وخبرتهم‪،‬لذلك اعتبر الحكم الصادر في تلك الوثيقة‬
‫منهم‪،‬ولما ال وهم الذين يصوغونه ويشهدون عليه ويكتبونه(‪.)1‬‬
‫الروحية‬
‫ّ‬ ‫أن ظاهرة الزوايا كانت تعكس االحتياجات‬ ‫ويرى الباحث أنه بالرغم من َّ‬
‫للسكان(‪ ،)2‬لكنها كانت تعكس أيض َا حالة اليأس والعسر واالنحراف الذي أصاب المجتمع(‪)3‬؛فقد‬
‫امتألت معظم تلك الزوايا أواخر العصر المريني الثاني بالكثير من الصوفية والمريدين الذين كان‬
‫يغلب على أعمالهم التشدد ومخالفة السنة؛ حيث ارتاح أغلبهم إلي العزلة‪ ،‬وذموا الزواج‪ ،‬ومجدوا‬
‫العري ‪،‬والجوع‪،‬وخاصة في الزوايا المنتشرة في المناطق النائية والقرى البعيدة عن المناطق‬
‫الحضرية(‪.)4‬‬
‫أن السلطة المرينية أصبحت خالل العصر المريني الثاني تتدخل‬ ‫وإجماالً نستطيع القول ّ‬
‫في تعيين كل المناصب بما فيها المناصب الدينية(‪ ،)5‬ولم تعد معايير تقلد هذه المناصب تخضع‬
‫كثي ار لالستحقاق العلمي‪،‬بقدر ما أصبحت ترتبط بمدى مواالة أصحابها للتوجه السياسي المريني‪،‬‬
‫األمر الذي حولهم إلى مجرد مأجورين لدى السلطة(‪.)6‬كما أنها أهملت العناية بالمؤسسات الدينية‬
‫‪ ،‬مما شجع معظم العاملين فيها على الفساد ‪ ،‬فتدهورت أوضاعها‪.‬‬

‫‪Age", Société driens médiévistes de l'enseignement supérieur public, XXVe‬‬


‫‪Congrès, Orléans, juin 1994. - (Publications de la Sorbonne), Paris,1995,‬‬
‫‪p.51;Ferhat H., & Triki H.: op.cit, p.39.‬‬
‫(‪ )1‬محمد مزين‪:‬وثيقة جديدة حول توزيع المياه بفاس المدينة القديمة (عدوة األندلس) في أواخر العصر المريني‪،‬‬
‫مجلة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬جامعة محمد بن عبد هللا فاس‪ ،‬العددان ‪ ،3 – 2‬فاس‪-1979 ،‬‬
‫‪198٠‬م‪،‬ص ‪.391‬‬
‫‪(2) Amry (Nelly): Le samā‘ dans les milieux soufis du Maghreb (VIIe-Xe/XIIIe-XVIe‬‬
‫‪siècles) : pratiques, tensions et codification , in: Al-Qantara,Publisher:Consejo‬‬
‫‪Superior de Investigaciones Científicas CSIC, Vol 30, No 2, 2009, pp.491-528.‬‬
‫)‪ (3‬إبراهيم القادري بوتشيش‪ :‬اإلسالم السري في المغرب العربي‪،‬سينا للنشر‪،‬طـ ‪ ،1‬القاهرة‪1995،‬م‪ ،‬ص ‪131‬‬
‫– ‪.147‬‬
‫(‪ )4‬الونشريسي‪:‬مصدر سابق‪،‬ج ‪،11‬ص ‪.42‬‬
‫)‪ (5‬أنظر‪ :‬محمد القبلي‪ :‬مرجع سابق‪،‬ص ‪2٠3‬؛ الحسين إسكان‪ :‬تاريخ التعليم بالمغرب خالل العصر الوسيط‬
‫(‪ 1‬ـ ‪ 9‬هـ‪ 7 /‬ـ ‪15‬م)‪ ،‬المعهد الملكي للثقافة األمازيغية‪ ،‬الرباط‪2٠٠4 ،‬م ‪ ،‬ص ‪79 – 78‬؛‬
‫‪Khaneboubi (Ahmed): op.cit, P. 101 .‬‬
‫)‪ (6‬مصطفى نشاط‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 2٠ ، 19‬؛‬
‫‪Kably (Mohamed): op.cit, P.265 .‬‬

‫جملد (‪ – )44‬عدد (‪ )3‬يوليو ‪2022‬م‬


‫عرضت هذه الدراسة لموضوع ‪ :‬تدهور الخطط الدينية بالمغرب األقصى وأثره خالل‬
‫العصر المريني الثاني (‪869-759‬هـ‪1465-1358/‬م)وقد تمخضت هذه الدراسة عن نتائج‬
‫عديدة ‪ ،‬أهمها ‪ :‬إبراز العديد من مظاهر تدهور النظام القضائي‪ ،‬ووظيفة الشهود العدول ‪.‬‬
‫وأوضحت الدراسة كثرة القائمين على أمر الفتوى من غير أن يؤهلوا لذلك‪ ،‬وخاصة في‬
‫المناطق النائية‪.‬‬
‫أن خطة الحسبة أخرجت من دائرة القضاء وانفرد بها ضعاف الدين‪.‬‬
‫وأكدت الدراسة على ّ‬
‫وبينت الدراسة أن األوقاف كانت تخضع إلدارة أشخاص ال يصلحون لذلك‪ ،‬كما شارك‬
‫السالطين والثوار في التعدي على أموال األوقاف‪.‬‬
‫أن معظم المساجد‪ ،‬كانت تعاني من ضعف عائدات األوقاف المحبسة‬ ‫وأوضحت الدراسة ّ‬
‫عليها‪،‬و أنها لم تعد قادرة على توفير األموال الالزمة لدفع أجور العاملين فيها‪ ،‬أو النهوض‬
‫بالنواحي العمرانية‪ ،‬فضالً عن فساد بعض العاملين فيها‪،‬وخاصة بعض األئمة ‪.‬‬
‫أن نفوذ أرباب الزوايا قد تزايد في المجتمع المريني خالل العصر المريني‬
‫وبينت الدراسة ّ‬
‫الثاني ‪ ،‬بعد أن خرجوا عن نطاقهم الديني المحدود‪ ،‬وأصبحوا يقفون مواقف هي أقرب إلى‬
‫السياسة منها إلى الدين ‪ ،‬فضالً عن امتالء معظم تلك الزوايا بالكثير من الصوفية والمريدين‬
‫الذين كان يغلب على أعمالهم التشدد ومخالفة السنة‪.‬‬
‫أن معايير تقلد المناصب الدينية خالل العصر المريني الثاني لم‬
‫وتوصلت الدراسة إلى ّ‬
‫تعد تخضع كثي ار لمبدأ الكفاءة الدينية والعلمية ‪،‬بقدر ما أصبحت ترتبط بمدى مواالة أصحابها‬
‫للتوجه السياسي المريني ‪.‬‬

‫جملة الدراسات اإلفريقية‬

You might also like