Professional Documents
Culture Documents
النسخ والتعارض في القرآن الكريم
النسخ والتعارض في القرآن الكريم
.1اإلزالة والرفع ،ومنه :نسخت الشمس الظل ،إذا أزالته ،ومنه قوله تعاىلَ :فَيْنَس ُخ الَّل ُه
َم ا ُيْلِق ي الَّش ْيَطاُن َّمُث ْحُيِكُم الَّلُه آَياِتِه.
.2اإلثبات ،يقال :نسخت الكتاب ،إذا جعلت منه نسخة أخرى أثبته فيها ،ومنه قوله
تعاىلِ :إَّنا ُك َّنا َنْس َتْنِس ُخ َم ا ُك ْنُتْم َتْع َم ُلوَن .
واجلم ع بني ه اتني املعنيني :أن يف النسخ مع ىن اإلزال ة بالنسبة للمنسوخ ،ومع ىن اإلثب ات
بالنسبة للناسخ.
النسخ في االصطالح:
هو إزالة ما استقر من احلكم الشرعي خبطاب وارد مرتاخيًا لواله لكان السابق ثابتًا.
وق الوا :أال ت رون إىل حممد ي أمر أص حابه بأمٍر (اْلَيْو َم) مث ينه اهم عن ه غ دا وي أمر خبالفه،
ويق ول اْلَيْو َم ق وال ويرج ع عن ه غ دا ،ماه ذا من ش أن األنبي اء ،وم ا ه ذا الق رآن إال من كالم
حممد ،يقوله من تلقاء نفسه ،وهو كالم يناقض بعضه بعضا،
حينئذ نزلت آية :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت خبري منها أو مثلها أمل تعلم أن اهلل على
كل شيء قدير أمل تعلم أن اهلل له ملك السماوات واألرض)2:106,107( ...
ومل ينكر النسخ إال طوائف متأخرة ممن ينتسب إىل اإلسالم.
الثالثة :قوله تعاىلْ :مَيُح وا الَّل ُه َم ا َيَش اُء َو ُيْثِبُت َو ِعْنَد ُه ُأُّم اْلِكَت اِب ( .سورة الرعد) ،أكثر
العلم اء محل وا ه ذه اآلي ة على نسخ الش رائع ،فكل ش ريعة تنسخ األخ رى ،وش ريعتنا ناس خة
جلميع الشرائع مبعىن أهنا نسخت كث ًريا من األحكام اجلزئية اليت ال تتفق مع مصاحلنا الدنيوية
واألخروية.
-وأم ا العق ل :فه و أن العق ل ال مين ع ج وازه ب ل يقتض يه .وذل ك ألن اهلل تع اىل يش ّر ع
األحكام لتحقيق مصاحل العباد ،ومصاحل العباد قد ختتلف باختالف األزمان،
وليس مما مينعه العقل أن يعلم اهلل تعاىل املصلحة يف عمل يف زمن من األزمان ويعلم عدم
املص لحة في ه يف زمن آخ ر ،وعلم اهلل تع اىل يف احلالتني ق دمي ،في أمر ب ه يف ال زمن األول وينهى
عنه يف الزمن اآلخر ،وهو سبحانه وتعاىل أعلم مبصاحل العباد.
-وأم ا الواق ع الت ارخيي -أيًض ا -يؤكد وق وع الَّنْس ِخ بنوعي ه :نسخ الش رائع السابقة
باإلسالم ،ونسخ احلكم يف شريعة اإلسالم حبكم آخر متأِّخ ٍر عنه ،والوقوع خري شاهد على
اجلواز.
الَّنْس خ ال يكون إاّل يف األحكام الش رعية العملي ة الثابت ة ب النِّص ،غ ري املؤقت ة ب وقت وال
مؤَّبدة نًّص ا ،وليست من القواعد الكلية.
فالَّنْس ُخ ال يت أَّتى يف األحكام الش رعية العملي ة ال يت مل ي رد فيه ا نٌّص من الق رآن وال من
الُّس َّنة؛ كاألحكام اليت يكون دليلها اإلمجاع (كأذان اجلمعة الثاين) ،أو القياس (كحكم النبيذ،
وهو حكم اخلمر بالقياس).
وال يف األحكام املنص وص على تأبي دها؛ ألن الَّنْس َخ فيه ا يتن اقض م ع التأبي د ،بش رط أن
يكون التأبيد منصوًص ا عليه( ،كالصلوات اخلمسة).
وال يلح ق الَّنْس خ القواع د الكلي ة ال يت تن درج حتته ا الف روع اجلزئي ة؛ ألن ه ذه القواع د
مقاييس تبىن عليها األحكام ،مثل الضرورة تبيح احملظورات.
فال نسخ إًذا يف األمور االعتقادية املتعلقة بذات اهلل تعاىل وصفاته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم
اآلِخ ر .وال يف األصول األخالقية؛ ألهنا من األمور املَّتَف ِق عليها يف الشرائع السماوية .وال يف
أصول العبادات واملعامالت؛ ألن الشرائع كلها ال ختلو من هذه األصول ،وهي متفقة فيها.
وال يدخل الَّنْس خ اخلرب الصريح الذي ليس مبعىن الطلب ،كالقصص ،والوعد والوعيد.
-عن عائشة رضي اهلل عنها قالت :كان فيما أنزل من القرآن :عشر رضعات معلومات
حيرمن ،فنسخن خبمس معلومات ،فتويف رسول اهلل ص ّلى اهلل عليه وس ّلم وهّن فيما يق رأ من
القرآن( .صحيح مسلم)
-سورة األحزاب كانت تعادل سورة البق رة أول األمر ،مث تصري إىل قدرها احلايل هبذا
النوع من النسخ.
َعْن ِز ٍّر َق اَل َ :ق اَل يِل ُأُّيَب ْبُن َك ْع ٍب َ :ك َأِّيْن َتْق َر ُأ ُس وَر َة اَأْلْح َز اِب َأْو َك َأِّيْن َتُع ُّد َه ا؟ َق اَل :
ُقْلُت َلُهَ :ثاَل ًثا َو َس ْبِعَني آَيًةَ ،فَق اَل َ :قُّط َ ،لَقْد َر َأْيُتَه ا َو ِإَّنَه ا َلُتَعاِدُل ُس وَر َة اْلَبَق َر ِةَ ،و َلَقْد َقَر ْأَنا ِفيَه ا
الَّش ْيُخ َو الَّش ْيَخ ُة ِإَذا َز َنَي ا َفاْر ُمُجوَمُها اْلَبَّت َة َنَك ااًل ِم ْن الَّل ِه َو الَّل ُه َعِليٌم َح ِكيٌم (مسند أمحد –
)20261
-ومن ه أيض ا نسخ حكم آي ة تق دمي الص دقة قب ل مناج اة الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم،
كما قال علي رضي اهلل عنه :آَيٌة يِف ِكَتاِب الَّلِه ع َّز وج َّل ْمَل َيْع َم ْل َهِبا َأَح ٌد َقْبِلي َو اَل َيْع َم ُل َهِبا
َأَح ٌد َبْع ِديَ ،ك اَن ِعْن ِدي ِديَن اٌر َ ،فَص َر ْفُتُه ِبَعَش َر ِة َدَر اِه َم َ ،فُك ْنُت ِإَذا َن اَج ْيُت َرُس وَل الَّل ِه َص َّلى
الَّلُه َعَلْيِه َو َس َّلَم َتَص َّد ْقُت ِبِدْر َه ٍم َ ،فُنِس َخ ْت َ ،و ْمَل َيْع َمْل َهِبا َأَح ٌد َقْبِلي َو اَل َيْع َم ُل َهِبا َأَح ٌد َبْع ِدي،
َّمُث َتاَل َه ِذِه اآْل َي َةَ :ي ا َأُّيَه ا اَّل ِذيَن آَم ُن وْا ِإَذا َن اَج ْيُتُم الَّر ُس وَل َفَق ِّد ُموْا َبَنْي َي َد ْي ْجَنَو اُك ْم َص َدَقًة.
(تفسري ابن كثري)
-عن عم ر بن اخلط اب رض ي اهلل عن ه أن ه ق ال :كان فيم ا أن زل من الق رآن :الش يخ
والشيخة إذا زنيا فارمجومها البتة نكاال من اهلل واهلل عزيز حكيم( .صحيح البخاري وصحيح
مسلم)
واملراد بالش يخ والش يخة الّثّيب من الرج ال والنساء ،وه ذا احلكم -رجم الّثّيب من
الرج ال والنساء إذا زىن -ث ابت وحمكم ومعم ول ب ه .ولكن ه ذه اآلي ة مل يب ق هلا وج ود بني
دفيت املصحف وال على ألسنة القراء ،وال جتوز هبا الصالة ،وال يتعّبد بتالوهتا.
مثال النسخ إىل بديل :نسخ استقبال بيت املقدس باستقبال الكعبة املشرفة( .سورة البقرة)
مثال النسخ إىل غري بديل :نسخ تقدمي الصدقة قبل مناجاة الرسول صلى اهلل عليه وسلم.
(سورة اجملادلة)
مث ال النسخ إىل م ا ه و أغل ظ منه ا :نسخ التخي ري بني ص وم رمض ان والفدي ة إىل تع يني
الصوم كما يف نسخ قوله تعاىل :وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني إىل قوله تعاىل :فمن
شهد منكم الشهر فليصمه( .سورة البقرة)
مثال النسخ إىل ما هو أخف منها :نسخ قوله تعاىل :فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا
مائتني بقوله تعاىل :إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتني( .سورة األنفال)
مجهور العلماء يقولون جبواز نسخ السنة بالقرآن سواء كانت متواترة أو خرب آحاد ،مثال
ذلك:
التوج ه إىل بيت املق دس ،فإن ه ثبت بالسنة ،ونسخ بق ول اهلل تع اىل :فوِّل وجه ك ش طر
املسجد احلرام (سورة البقرة)144:
فاجمليزون يقولون :إنه ال مانع عقال وال شرعا من ذلك ،فالكل وحي من اهلل تعاىل ،وإن
كان للقرآن خصائص وللسنة خصائص ،لكنهما من مشكاة واحدة كما قال اهلل تعاىل :وما
ينط ق عن اهلوى إن ه و إال وحي ي وحي (النجم – ،)3,4وص ح عن الن يب ص لى اهلل علي ه
وسلم أنه قال :أال إين أوتيت القرآن ومثله معه .وإليه ذهب اإلمام مالك واحلنفية وغريهم.
والقائلون بعدم اجلواز هم اإلمام الشافعي واإلمام أمحد وأكثر أهل الظواهر ،وهلم أدلة يف
القرآن ،منها:
قوله تعاىل :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت خبري منها أو مثلها أمل تعلم أن اهلل على كل
ش يء ق دير أمل تعلم أن اهلل ل ه مل ك السماوات واألرض وم ا لكم من دون اهلل من ويل وال
نصري (البقرة)106,107:
.1قال تعاىل :نأت خبري منها أو مثلها ،والسنة ليست خريا من القرآن وال مثله.
.2قول ه تع اىل :ن أت يفي د أن اآليت ه و اهلل ،والسنة مل ي أت هبا اهلل ،إمنا ال ذي أتى هبا
رسوله.
.3قول ه تع اىل :أمل تعلم أن اهلل على كل ش يء ق دير أمل تعلم أن اهلل ل ه مل ك السماوات
واألرض يفي د أن النسخ ال يص در إال عمن ل ه اإلقت دار الش امل واملل ك الكام ل والسلطان
املطلق ،وهو اهلل وحده.
اجلواب للوجه الثاين :أن السنة وحي من اهلل ،وما الرسول صلى اهلل عليه وسلم إال مبّل غ
ومعرّب عنها فقط ،فاآليت هبا على احلقيقة هو اهلل وحده.
اجلواب للوج ه الث الث :أن الناس خ يف احلقيق ة ه و اهلل وح ده ،والسنة إذا نسخته فإمنا
تنسخه من حيث إهنا وحي صادر منه تعاىل.
مثال ذلك:
.1قول ه تع اىل :كتب عليكم إذا حض ر أح دكم املوت إن ت رك خ ريا الوص ية للوال دين
واألق ربني ب املعروف نسخه ح ديث الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم :إن اهلل أعطى كل ذي ح ق
حقه ،فال وصية لوارث.
.2قوله تعاىل :قل ال أجد فيما أوحي إيل حمرما على طاعم يطعمه إال أن يكون ميتة أو
دما مسفوحا أو حلم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغري اهلل به نسخه حديث النيب صلى اهلل
عليه وسلم بالنهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي خملب من الطيور.
فوائد النسخ
.1إظه ار امتث ال العب اد أوام ر ال رب ج ل وعال ،ت ارة ي نزل ال وحي ب احلكم الش اق على
املكّلفني ألجل اختبارهم وامتحان صدق إمياهنم .كما مضى يف آية :لّل ِه َم ا يِف الَّس َم اَو اِت َو َم ا
يِف اَأْلْر ِض َو ِإن ُتْبُد وا َم ا يِف َأنُف ِس ُك ْم َأْو ْخُتُفوُه َحُياِس ْبُك م ِبِه الَّلُه (سورة البقرة)284 :
ونسخها بآية :اَل ُيَك ِّل ُف الَّل ُه َنْف ًس ا ِإاَّل ُو ْس َعَه ا (سورة البقرة ،)286 :فخفف اهلل تعاىل
عن األمة ،ومل يؤاخذهم مبا ال طاقة هلم به.
.2الت درج يف األحكام التش ريعية كنسخ األحكام ال يت أب احت بعض األم ور ال يت كان
عليه ا املسلمون إىل احلرم ة ،حلداث ة الن اس باجلاهلي ة ،وال خيفى م ا في ه من ت أليف قل وهبم
باإلسالم ،وهتيئتهم ملا أريدوا له من نصر دين اهلل ،مثال ذلك :التدرج يف حترمي اخلمر.
.3التخفيف على العباد ،وهذا هو الغالب أي :إظهار نعمة اهلل عز وجل مبا يرفع به من
احلرج والضيق بنوع سابق من أنواع التكليف ،مثال ذلك :عدة املرأة ،فقد كان بداية عاًم ا
َّف َن ِم نُك َذ وَن َأْز ا ا ِص َّيًة َأِّلْز اِج ِه م َّم َتاًع ا ِإىَل ا ِل ِذ
َحْلْو َو َو ًج َو ْم َو َي ُر كاماًل ،كما يف اآليةَ :و اَّل يَن ُيَتَو ْو
ِم ِذ ِإ
َغْيَر ْخ َر اٍج } (س ورة البق رة .)240 :فنسخ اهلل تع اىل ذل ك بقول هَ :و اَّل يَن ُيَتَو َّفْو َن نُك ْم
َو َيَذ ُر وَن َأْز َو اًج ا َيَتَر َّبْص َن ِبَأنُف ِس ِه َّن َأْر َبَعَة َأْش ُه ٍر َو َعْش ًر ا (سورة البقرة.)234 :
.4تطييب نفس النيب صلى اهلل عليه وسلم ونفوس أصحابه بتمييز هذه األمة على األمم
وإظهار فضلها .مثال ذلك :تغيري القبلة من بيت املقدس إىل الكعبة املشرفة.
لقد ثبت عن الصحابة والتابعني ومن بعدهم من األئمة اجملتهدين القول بوقوع النسخ يف
الق رآن الكرمي ،ول ذلك ق الوا :ال جيوز ألح د أن يفّس ر كت اب اهلل تع اىل إال بع د أن يع رف
الناسخ منه واملنسوخ ،ومل يقبلوا قول من جهل النسخ فيه أو أنكره ،بل شّد دوا النكري عليه.
روى البخاري عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال :قال عمر رضي اهلل عنه :أقرؤنا أّيب،
وأقضانا علّي ،وإنا لندع من قول أّيب ،وذاك أن أبّي ا يقول :ال أدع شيئا مسعته من رسول اهلل
صّلى اهلل عليه وسّلم ،وقد قال اهلل تعاىل{ :ما َنْنَس ْخ ِم ْن آَيٍة َأْو ُنْنِس ها} [البقرة.]106 :
فهذا احلديث يدّل على أن عمر رضي اهلل عنه استدّل باآلية على وقوع النسخ يف القرآن،
وأنه ينكر على أّيب رضي اهلل عنه عدم تركه شيئا مسعه من رسول اهلل صّلى اهلل عليه وسّلم.
وروي أن علّي ا رضي اهلل عنه م ّر على قاض فقال له :أتعرف الناسخ من املنسوخ؟ قال:
ال .قال علّي رضي اهلل عنه :هلكت وأهلكت.
التعارض في القرآن :أن تتقابل آيتان حبيث مينع مدلول إحدامها مدلول األخرى ،مثل أن
تكون إحدامها مثبتة لشيء واألخرى نافية فيه.
وال ميكن أن يقع التعارض بني آيتني مدلوهلما خربي ،ألنه يلزم كون إحدامها كذبا ،وهو
مستحيل يف أخبار اهلل تعاىل ،كما قال اهلل تعاىلَ :و َمْن َأْص َد ُق ِم َن الَّل ِه َح ِديثًا (النساء)87 :
َو َمْن َأْص َد ُق ِم َن الَّلِه ِقيًال (النساء)122 :
وال ميكن أن يقع التعارض بني آيتني مدلوهلما حكمي؛ ألن األخرية منهما ناسخة لألوىل،
كما قال اهلل تعاىلَ :م ا َنْنَس ْخ ِم ْن آَيٍة َأْو ُنْنِس َه ا َنْأِت َخِبٍرْي ِم ْنَه ا َأْو ِم ْثِلَه ا (البقرة ،)106 :وإذا
ثبت النسخ كان حكم األوىل غري قائم ،وال معارض لألخرية.
وقد ذكر العلماء رمحهم اهلل أمثلة كثرية ملا يوهم التعارض ،بينوا اجلمع يف ذلك.
ومن أمجع م ا رأين ا يف ه ذا املوض وع كت اب "دفع إيه ام االض طراب عن آي الكت اب"
للشيخ حممد األمني الشنقيطي رمحه اهلل تعاىل .فمن أمثلة ذلك:
.1قوله تعاىل يف القرآنُ :ه دًى ِلْلُم َّتِق َني (البقرة )2 :وقوله تعاىل فيهَ :ش ْه ُر َرَم َض اَن اَّلِذي
ُأْن ِز َل ِفي ِه اْلُق ْر آُن ُه دًى ِللَّن اس (البق رة ،)185 :فجع ل هداي ة الق رآن يف اآلي ة األوىل خاص ة
باملتقني ،ويف الثانية عامة للناس،
واجلم ع بينهم ا أن اهلداي ة يف األوىل هداي ة التوفي ق واالنتف اع ،واهلداي ة يف الثاني ة هداي ة
التبيان واإلرشاد.
ِد ِإ
ونظ ري ه اتني اآلي تني قول ه تع اىل يف الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لمَّ :ن َك ال َتْه ي َمْن
َلِكَّن الَّل ِدي َش ا (القص ص ،)56:وقول ه في هِ :إَّن َك َل ِدي ِإىَل ِص اٍط
َر َتْه َو َه َيْه َمْن َي ُء َأْح َبْبَت َو
ُمْس َتِق يٍم (الشورى،)52 :
.2قول ه تع اىلَ :ش ِه َد الَّل ُه َأَّن ُه ال ِإَل َه ِإاَّل ُه َو َو اْلَم الِئَك ُة َو ُأوُل و اْلِعْلِم (آل عم ران)18 :
َّل ِه ِإ ِم ِإ ٍه ِإاَّل َّل
وقول ه تع اىلَ :و َم ا ْن َل ال ه (آل عم ران )62 :وقول ه تع اىلَ :فال َتْد ُع َم َع ال هَل ًا آَخ َر
ِم ِب ِم
َفَتُك وَن َن اْلُم َع َّذ َني (الش عراء )213:وقول ه تع اىلَ :فَم ا َأْغ َنْت َعْنُه ْم آَهِلُتُه ُم اَّليِت َي ْد ُعوَن ْن
ُدوِن الَّلِه ِم ْن َش ْي ٍء َلَّم ا َج اَء َأْم ُر َر ِّبَك َو َم ا َز اُدوُه ْم َغْيَر َتْتِبيٍب (هود :من اآلية ،)101
ففي اآلي تني األول يني نفي األلوهي ة عم ا س وى اهلل تع اىل ،ويف األخ ريني إثب ات األلوهي ة
لغريه.
واجلمع بني ذلك :أن األلوهية اخلاصة باهلل عز وجل هي األلوهية احلق ،وأن املثبتة لغريه
ا ُّق َأَّن ا ْد وَن ِم وِنِه اْل اِط
َب ُه ُد ْن ُع َي َم َو َحْل ُه َه هي األلوهية الباطلة؛ لقوله تعاىلَ :ذِلَك ِبَأَّن الَّل
ُل َو َو
َو َأَّن الَّلَه ُه َو اْلَعِلُّي اْلَك ِبُري (احلج.)62:
.3قوله تعاىلُ :قْل ِإَّن الَّل َه ال َيْأُمُر ِباْلَف ْح َش اِء (ألعراف )28 :وقوله تعاىلَ :و ِإَذا َأَر ْد َنا َأْن
ُنْه ِلَك َقْر َيًة َأَمْر َنا ُمْتَر ِفيَه ا َفَف َس ُقوا ِفيَه ا َفَح َّق َعَلْيَه ا اْلَق ْو ُل َفَد َّم ْر َناَه ا َتْد ِم ريًا (اإلسراء ،)16:
ففي اآلية األوىل نفي أن يأمر اهلل تعاىل بالفحشاء ،وظاهر الثانية أن اهلل تعاىل يأمر مبا هو
ِفْس ٌق .
واجلم ع بينهم ا أن األم ر يف اآلي ة األوىل ه و األم ر الش رعي ،واهلل تع اىل ال ي أمر ش رعا
ى ِن اْلَف اِء ِء ِذ
بالفحشاء لقوله تعاىلِ :إَّن الَّل َه َيْأُمُر ِباْلَع ْد ِل َو اِأْل ْح َس اِن َو ِإيَت ا ي اْلُق ْر ىَب َو َيْنَه َع ْح َش
َو اْلُم ْنَك ِر َو اْلَبْغِي َيِعُظُك ْم َلَعَّلُك ْم َت َذ َّك ُر وَن (النح ل ،)90:واألم ر يف اآلي ة الثاني ة ه و األم ر
الكوين ،واهلل تعاىل يأمر كونا مبا شاء حسب ما تقتضيه حكمته لقوله تعاىلِ :إَمَّنا َأْم ُر ُه ِإَذا َأَر اَد
َش ْيئًا َأْن َيُقوَل َلُه ُك ْن َفَيُك وُن ) (يس.)82:
ومن رام زيادة أمثلة فلريجع إىل كتاب الشيخ الشنقيطي رمحه اهلل تعاىل املشار إليه آنفا.