Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 12

‫الناسخ والمنسوخ في القرآن‬

‫النسخ في اللغة‪ :‬يطلق على املعنيني املتقابلني‪:‬‬

‫‪ .1‬اإلزالة والرفع‪ ،‬ومنه‪ :‬نسخت الشمس الظل‪ ،‬إذا أزالته‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪َ :‬فَيْنَس ُخ الَّل ُه‬
‫َم ا ُيْلِق ي الَّش ْيَطاُن َّمُث ْحُيِكُم الَّلُه آَياِتِه‪.‬‬

‫‪ .2‬اإلثبات‪ ،‬يقال‪ :‬نسخت الكتاب‪ ،‬إذا جعلت منه نسخة أخرى أثبته فيها‪ ،‬ومنه قوله‬
‫تعاىل‪ِ :‬إَّنا ُك َّنا َنْس َتْنِس ُخ َم ا ُك ْنُتْم َتْع َم ُلوَن ‪.‬‬

‫واجلم ع بني ه اتني املعنيني‪ :‬أن يف النسخ مع ىن اإلزال ة بالنسبة للمنسوخ‪ ،‬ومع ىن اإلثب ات‬
‫بالنسبة للناسخ‪.‬‬

‫النسخ في االصطالح‪:‬‬

‫هو إزالة ما استقر من احلكم الشرعي خبطاب وارد مرتاخيًا لواله لكان السابق ثابتًا‪.‬‬

‫جواز النسخ وأدلته‬

‫لقد استنكر اليهود أن يبدل اهلل آية بآية أو حكما حبكم‪،‬‬

‫وق الوا‪ :‬أال ت رون إىل حممد ي أمر أص حابه بأمٍر (اْلَيْو َم) مث ينه اهم عن ه غ دا وي أمر خبالفه‪،‬‬
‫ويق ول اْلَيْو َم ق وال ويرج ع عن ه غ دا‪ ،‬ماه ذا من ش أن األنبي اء‪ ،‬وم ا ه ذا الق رآن إال من كالم‬
‫حممد‪ ،‬يقوله من تلقاء نفسه‪ ،‬وهو كالم يناقض بعضه بعضا‪،‬‬

‫حينئذ نزلت آية‪ :‬ما ننسخ من آية أو ننسها نأت خبري منها أو مثلها أمل تعلم أن اهلل على‬
‫كل شيء قدير أمل تعلم أن اهلل له ملك السماوات واألرض‪)2:106,107( ...‬‬
‫ومل ينكر النسخ إال طوائف متأخرة ممن ينتسب إىل اإلسالم‪.‬‬

‫واستدَّل مجهور العلماء على جواز الَّنْس ِخ بالنقل والعقل والتاريخ‪.‬‬

‫‪ -‬أما النقل فمنه اآليات التالية يف القرآن الكرمي‪:‬‬


‫ِم ِل‬ ‫ِم‬ ‫ِت‬ ‫ِم ٍة ِس‬
‫األوىل‪ :‬قوله تع اىل‪َ :‬م ا َنْنَس ْخ ْن آَي َأْو ُنْن َه ا َن ْأ َخِبٍرْي ْنَه ا َأْو ْث َه ا َأْمَل َتْع َلْم َأَّن الَّل َه‬
‫َعَلى ُك ِّل َش ْي ٍء َقِديٌر ‪( .‬سورة البقرة)‬

‫ٍرَت‬ ‫ِإ‬ ‫ٍة َّل‬ ‫ِإ‬


‫الثاني ة‪ :‬قول ه تع اىل‪َ :‬و َذا َب َّد ْلَنا آَي ًة َم َك اَن آَي َو ال ُه َأْع َلُم َمِبا ُيَنِّز ُل َق اُلوا َمَّنا َأْنَت ُمْف َب ْل‬
‫َأْك َثُر ُه ْم اَل َيْع َلُم وَن ‪( .‬سورة النحل)‬

‫الثالثة‪ :‬قوله تعاىل‪ْ :‬مَيُح وا الَّل ُه َم ا َيَش اُء َو ُيْثِبُت َو ِعْنَد ُه ُأُّم اْلِكَت اِب ‪( .‬سورة الرعد)‪ ،‬أكثر‬
‫العلم اء محل وا ه ذه اآلي ة على نسخ الش رائع‪ ،‬فكل ش ريعة تنسخ األخ رى‪ ،‬وش ريعتنا ناس خة‬
‫جلميع الشرائع مبعىن أهنا نسخت كث ًريا من األحكام اجلزئية اليت ال تتفق مع مصاحلنا الدنيوية‬
‫واألخروية‪.‬‬

‫‪ -‬وأم ا العق ل‪ :‬فه و أن العق ل ال مين ع ج وازه ب ل يقتض يه‪ .‬وذل ك ألن اهلل تع اىل يش ّر ع‬
‫األحكام لتحقيق مصاحل العباد‪ ،‬ومصاحل العباد قد ختتلف باختالف األزمان‪،‬‬

‫وليس مما مينعه العقل أن يعلم اهلل تعاىل املصلحة يف عمل يف زمن من األزمان ويعلم عدم‬
‫املص لحة في ه يف زمن آخ ر‪ ،‬وعلم اهلل تع اىل يف احلالتني ق دمي‪ ،‬في أمر ب ه يف ال زمن األول وينهى‬
‫عنه يف الزمن اآلخر‪ ،‬وهو سبحانه وتعاىل أعلم مبصاحل العباد‪.‬‬
‫‪ -‬وأم ا الواق ع الت ارخيي ‪-‬أيًض ا‪ -‬يؤكد وق وع الَّنْس ِخ بنوعي ه‪ :‬نسخ الش رائع السابقة‬
‫باإلسالم‪ ،‬ونسخ احلكم يف شريعة اإلسالم حبكم آخر متأِّخ ٍر عنه‪ ،‬والوقوع خري شاهد على‬
‫اجلواز‪.‬‬

‫ما يقع فيه النسخ؟‬

‫الَّنْس خ ال يكون إاّل يف األحكام الش رعية العملي ة الثابت ة ب النِّص ‪ ،‬غ ري املؤقت ة ب وقت وال‬
‫مؤَّبدة نًّص ا‪ ،‬وليست من القواعد الكلية‪.‬‬

‫فالَّنْس ُخ ال يت أَّتى يف األحكام الش رعية العملي ة ال يت مل ي رد فيه ا نٌّص من الق رآن وال من‬
‫الُّس َّنة؛ كاألحكام اليت يكون دليلها اإلمجاع (كأذان اجلمعة الثاين)‪ ،‬أو القياس (كحكم النبيذ‪،‬‬
‫وهو حكم اخلمر بالقياس)‪.‬‬

‫وال يتأَّتى يف األحكام املؤقتة بوقت؛ ألهنا تنتهي بوقتها‪.‬‬

‫وال يف األحكام املنص وص على تأبي دها؛ ألن الَّنْس َخ فيه ا يتن اقض م ع التأبي د‪ ،‬بش رط أن‬
‫يكون التأبيد منصوًص ا عليه‪( ،‬كالصلوات اخلمسة)‪.‬‬

‫وال يلح ق الَّنْس خ القواع د الكلي ة ال يت تن درج حتته ا الف روع اجلزئي ة؛ ألن ه ذه القواع د‬
‫مقاييس تبىن عليها األحكام‪ ،‬مثل الضرورة تبيح احملظورات‪.‬‬

‫فال نسخ إًذا يف األمور االعتقادية املتعلقة بذات اهلل تعاىل وصفاته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم‬
‫اآلِخ ر‪ .‬وال يف األصول األخالقية؛ ألهنا من األمور املَّتَف ِق عليها يف الشرائع السماوية‪ .‬وال يف‬
‫أصول العبادات واملعامالت؛ ألن الشرائع كلها ال ختلو من هذه األصول‪ ،‬وهي متفقة فيها‪.‬‬
‫وال يدخل الَّنْس خ اخلرب الصريح الذي ليس مبعىن الطلب‪ ،‬كالقصص‪ ،‬والوعد والوعيد‪.‬‬

‫أنواع النسخ باعتبار الحكم والتالوة‬

‫وهي ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ .1‬نسخ احلكم والتالة معا‪ .‬مثال ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬كان فيما أنزل من القرآن‪ :‬عشر رضعات معلومات‬
‫حيرمن‪ ،‬فنسخن خبمس معلومات‪ ،‬فتويف رسول اهلل ص ّلى اهلل عليه وس ّلم وهّن فيما يق رأ من‬
‫القرآن‪( .‬صحيح مسلم)‬

‫‪ -‬سورة األحزاب كانت تعادل سورة البق رة أول األمر‪ ،‬مث تصري إىل قدرها احلايل هبذا‬
‫النوع من النسخ‪.‬‬

‫َعْن ِز ٍّر َق اَل ‪َ :‬ق اَل يِل ُأُّيَب ْبُن َك ْع ٍب ‪َ :‬ك َأِّيْن َتْق َر ُأ ُس وَر َة اَأْلْح َز اِب َأْو َك َأِّيْن َتُع ُّد َه ا؟ َق اَل ‪:‬‬
‫ُقْلُت َلُه‪َ :‬ثاَل ًثا َو َس ْبِعَني آَيًة‪َ ،‬فَق اَل ‪َ :‬قُّط ‪َ ،‬لَقْد َر َأْيُتَه ا َو ِإَّنَه ا َلُتَعاِدُل ُس وَر َة اْلَبَق َر ِة‪َ ،‬و َلَقْد َقَر ْأَنا ِفيَه ا‬
‫الَّش ْيُخ َو الَّش ْيَخ ُة ِإَذا َز َنَي ا َفاْر ُمُجوَمُها اْلَبَّت َة َنَك ااًل ِم ْن الَّل ِه َو الَّل ُه َعِليٌم َح ِكيٌم (مسند أمحد –‬
‫‪)20261‬‬

‫‪ .2‬نسخ احلكم مع بقاء التالوة‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬


‫َّف َن ِم ْنُك َذ وَن َأْز واج ًا ِص َّيًة َأِلْز واِج ِه تاع ًا ِإىَل ا ِل‬ ‫ِذ‬
‫َحْلْو‬ ‫ْم َم‬ ‫َو‬ ‫ْم َو َي ُر‬ ‫‪ -‬قول ه تع اىل‪َ :‬و اَّل يَن ُيَتَو ْو‬
‫َغْيَر ِإْخ راٍج (البق رة‪ .)240 :‬فإن ه ذه اآلي ة مثبت ة يف املص حف م ع أن احلكم الث ابت هبا ‪-‬‬
‫وجوب الرتّبص حوال كامال ملن تويف عنها زوجها ‪ -‬منسوخ بقوله تعاىل‪َ :‬و اَّل ِذيَن ُيَتَو َّفْو َن‬
‫ِم ْنُك ْم َو َيَذ ُر وَن َأْز واجًا َيَتَر َّبْص َن ِبَأْنُفِس ِه َّن َأْر َبَعَة َأْش ُه ٍر َو َعْش رًا (البقرة‪.)234 :‬‬

‫‪ -‬ومن ه أيض ا نسخ حكم آي ة تق دمي الص دقة قب ل مناج اة الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم‪،‬‬
‫كما قال علي رضي اهلل عنه‪ :‬آَيٌة يِف ِكَتاِب الَّلِه ع َّز وج َّل ْمَل َيْع َم ْل َهِبا َأَح ٌد َقْبِلي َو اَل َيْع َم ُل َهِبا‬
‫َأَح ٌد َبْع ِدي‪َ ،‬ك اَن ِعْن ِدي ِديَن اٌر ‪َ ،‬فَص َر ْفُتُه ِبَعَش َر ِة َدَر اِه َم ‪َ ،‬فُك ْنُت ِإَذا َن اَج ْيُت َرُس وَل الَّل ِه َص َّلى‬
‫الَّلُه َعَلْيِه َو َس َّلَم َتَص َّد ْقُت ِبِدْر َه ٍم ‪َ ،‬فُنِس َخ ْت ‪َ ،‬و ْمَل َيْع َمْل َهِبا َأَح ٌد َقْبِلي َو اَل َيْع َم ُل َهِبا َأَح ٌد َبْع ِدي‪،‬‬
‫َّمُث َتاَل َه ِذِه اآْل َي َة‪َ :‬ي ا َأُّيَه ا اَّل ِذيَن آَم ُن وْا ِإَذا َن اَج ْيُتُم الَّر ُس وَل َفَق ِّد ُموْا َبَنْي َي َد ْي ْجَنَو اُك ْم َص َدَقًة‪.‬‬
‫(تفسري ابن كثري)‬

‫‪ .3‬نسخ التالوة مع بقاء احلكم‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬عن عم ر بن اخلط اب رض ي اهلل عن ه أن ه ق ال‪ :‬كان فيم ا أن زل من الق رآن‪ :‬الش يخ‬
‫والشيخة إذا زنيا فارمجومها البتة نكاال من اهلل واهلل عزيز حكيم‪( .‬صحيح البخاري وصحيح‬
‫مسلم)‬

‫واملراد بالش يخ والش يخة الّثّيب من الرج ال والنساء‪ ،‬وه ذا احلكم ‪ -‬رجم الّثّيب من‬
‫الرج ال والنساء إذا زىن ‪ -‬ث ابت وحمكم ومعم ول ب ه‪ .‬ولكن ه ذه اآلي ة مل يب ق هلا وج ود بني‬
‫دفيت املصحف وال على ألسنة القراء‪ ،‬وال جتوز هبا الصالة‪ ،‬وال يتعّبد بتالوهتا‪.‬‬

‫أنواع النسخ باعتبار وجود البديل وعدم وجوده‬

‫مثال النسخ إىل بديل‪ :‬نسخ استقبال بيت املقدس باستقبال الكعبة املشرفة‪( .‬سورة البقرة)‬
‫مثال النسخ إىل غري بديل‪ :‬نسخ تقدمي الصدقة قبل مناجاة الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫(سورة اجملادلة)‬

‫أنواع النسخ باعتبار الغلظة والخفة‬

‫مث ال النسخ إىل م ا ه و أغل ظ منه ا‪ :‬نسخ التخي ري بني ص وم رمض ان والفدي ة إىل تع يني‬
‫الصوم كما يف نسخ قوله تعاىل‪ :‬وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني إىل قوله تعاىل‪ :‬فمن‬
‫شهد منكم الشهر فليصمه‪( .‬سورة البقرة)‬

‫مثال النسخ إىل ما هو أخف منها‪ :‬نسخ قوله تعاىل‪ :‬فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا‬
‫مائتني بقوله تعاىل‪ :‬إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتني‪( .‬سورة األنفال)‬

‫نسخ السنة بالقرآن وعكسه‬

‫مجهور العلماء يقولون جبواز نسخ السنة بالقرآن سواء كانت متواترة أو خرب آحاد‪ ،‬مثال‬
‫ذلك‪:‬‬

‫التوج ه إىل بيت املق دس‪ ،‬فإن ه ثبت بالسنة‪ ،‬ونسخ بق ول اهلل تع اىل‪ :‬فوِّل وجه ك ش طر‬
‫املسجد احلرام (سورة البقرة‪)144:‬‬

‫ولكنهم اختلفوا يف نسخ القرآن بالسنة بني اجلواز واملنع‪:‬‬

‫فاجمليزون يقولون‪ :‬إنه ال مانع عقال وال شرعا من ذلك‪ ،‬فالكل وحي من اهلل تعاىل‪ ،‬وإن‬
‫كان للقرآن خصائص وللسنة خصائص‪ ،‬لكنهما من مشكاة واحدة كما قال اهلل تعاىل‪ :‬وما‬
‫ينط ق عن اهلوى إن ه و إال وحي ي وحي (النجم – ‪ ،)3,4‬وص ح عن الن يب ص لى اهلل علي ه‬
‫وسلم أنه قال‪ :‬أال إين أوتيت القرآن ومثله معه‪ .‬وإليه ذهب اإلمام مالك واحلنفية وغريهم‪.‬‬
‫والقائلون بعدم اجلواز هم اإلمام الشافعي واإلمام أمحد وأكثر أهل الظواهر‪ ،‬وهلم أدلة يف‬
‫القرآن‪ ،‬منها‪:‬‬

‫قوله تعاىل‪ :‬ما ننسخ من آية أو ننسها نأت خبري منها أو مثلها أمل تعلم أن اهلل على كل‬
‫ش يء ق دير أمل تعلم أن اهلل ل ه مل ك السماوات واألرض وم ا لكم من دون اهلل من ويل وال‬
‫نصري (البقرة‪)106,107:‬‬

‫‪ .1‬قال تعاىل‪ :‬نأت خبري منها أو مثلها‪ ،‬والسنة ليست خريا من القرآن وال مثله‪.‬‬

‫‪ .2‬قول ه تع اىل‪ :‬ن أت يفي د أن اآليت ه و اهلل‪ ،‬والسنة مل ي أت هبا اهلل‪ ،‬إمنا ال ذي أتى هبا‬
‫رسوله‪.‬‬

‫‪ .3‬قول ه تع اىل‪ :‬أمل تعلم أن اهلل على كل ش يء ق دير أمل تعلم أن اهلل ل ه مل ك السماوات‬
‫واألرض يفي د أن النسخ ال يص در إال عمن ل ه اإلقت دار الش امل واملل ك الكام ل والسلطان‬
‫املطلق‪ ،‬وهو اهلل وحده‪.‬‬

‫اجلواب للوج ه األول‪ :‬النسخ يف اآلي ة أعم من أن يكون يف األحكام أو يف التالوة‪،‬‬


‫واخلريية واملثلية أعم من أن تكونا يف املصلحة أو يف الثواب‪ ،‬فقد تكون السنة الناسخة خريا‬
‫من القرآن املنسوخ من هذه الناحية‪.‬‬

‫اجلواب للوجه الثاين‪ :‬أن السنة وحي من اهلل‪ ،‬وما الرسول صلى اهلل عليه وسلم إال مبّل غ‬
‫ومعرّب عنها فقط‪ ،‬فاآليت هبا على احلقيقة هو اهلل وحده‪.‬‬

‫اجلواب للوج ه الث الث‪ :‬أن الناس خ يف احلقيق ة ه و اهلل وح ده‪ ،‬والسنة إذا نسخته فإمنا‬
‫تنسخه من حيث إهنا وحي صادر منه تعاىل‪.‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬

‫‪ .1‬قول ه تع اىل‪ :‬كتب عليكم إذا حض ر أح دكم املوت إن ت رك خ ريا الوص ية للوال دين‬
‫واألق ربني ب املعروف نسخه ح ديث الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم‪ :‬إن اهلل أعطى كل ذي ح ق‬
‫حقه‪ ،‬فال وصية لوارث‪.‬‬

‫‪ .2‬قوله تعاىل‪ :‬قل ال أجد فيما أوحي إيل حمرما على طاعم يطعمه إال أن يكون ميتة أو‬
‫دما مسفوحا أو حلم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغري اهلل به نسخه حديث النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم بالنهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي خملب من الطيور‪.‬‬

‫فوائد النسخ‬

‫‪ .1‬إظه ار امتث ال العب اد أوام ر ال رب ج ل وعال‪ ،‬ت ارة ي نزل ال وحي ب احلكم الش اق على‬
‫املكّلفني ألجل اختبارهم وامتحان صدق إمياهنم‪ .‬كما مضى يف آية‪ :‬لّل ِه َم ا يِف الَّس َم اَو اِت َو َم ا‬
‫يِف اَأْلْر ِض َو ِإن ُتْبُد وا َم ا يِف َأنُف ِس ُك ْم َأْو ْخُتُفوُه َحُياِس ْبُك م ِبِه الَّلُه (سورة البقرة‪)284 :‬‬

‫ونسخها بآية‪ :‬اَل ُيَك ِّل ُف الَّل ُه َنْف ًس ا ِإاَّل ُو ْس َعَه ا (سورة البقرة‪ ،)286 :‬فخفف اهلل تعاىل‬
‫عن األمة‪ ،‬ومل يؤاخذهم مبا ال طاقة هلم به‪.‬‬

‫‪ .2‬الت درج يف األحكام التش ريعية كنسخ األحكام ال يت أب احت بعض األم ور ال يت كان‬
‫عليه ا املسلمون إىل احلرم ة‪ ،‬حلداث ة الن اس باجلاهلي ة‪ ،‬وال خيفى م ا في ه من ت أليف قل وهبم‬
‫باإلسالم‪ ،‬وهتيئتهم ملا أريدوا له من نصر دين اهلل‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬التدرج يف حترمي اخلمر‪.‬‬

‫‪ .3‬التخفيف على العباد‪ ،‬وهذا هو الغالب أي‪ :‬إظهار نعمة اهلل عز وجل مبا يرفع به من‬
‫احلرج والضيق بنوع سابق من أنواع التكليف‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬عدة املرأة‪ ،‬فقد كان بداية عاًم ا‬
‫َّف َن ِم نُك َذ وَن َأْز ا ا ِص َّيًة َأِّلْز اِج ِه م َّم َتاًع ا ِإىَل ا ِل‬ ‫ِذ‬
‫َحْلْو‬ ‫َو‬ ‫َو ًج َو‬ ‫ْم َو َي ُر‬ ‫كاماًل ‪ ،‬كما يف اآلية‪َ :‬و اَّل يَن ُيَتَو ْو‬
‫ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِإ‬
‫َغْيَر ْخ َر اٍج } (س ورة البق رة‪ .)240 :‬فنسخ اهلل تع اىل ذل ك بقول ه‪َ :‬و اَّل يَن ُيَتَو َّفْو َن نُك ْم‬
‫َو َيَذ ُر وَن َأْز َو اًج ا َيَتَر َّبْص َن ِبَأنُف ِس ِه َّن َأْر َبَعَة َأْش ُه ٍر َو َعْش ًر ا (سورة البقرة‪.)234 :‬‬

‫‪ .4‬تطييب نفس النيب صلى اهلل عليه وسلم ونفوس أصحابه بتمييز هذه األمة على األمم‬
‫وإظهار فضلها‪ .‬مثال ذلك‪ :‬تغيري القبلة من بيت املقدس إىل الكعبة املشرفة‪.‬‬

‫أهمية علم الناسخ والمنسوخ في القرآن‬

‫لقد ثبت عن الصحابة والتابعني ومن بعدهم من األئمة اجملتهدين القول بوقوع النسخ يف‬
‫الق رآن الكرمي‪ ،‬ول ذلك ق الوا‪ :‬ال جيوز ألح د أن يفّس ر كت اب اهلل تع اىل إال بع د أن يع رف‬
‫الناسخ منه واملنسوخ‪ ،‬ومل يقبلوا قول من جهل النسخ فيه أو أنكره‪ ،‬بل شّد دوا النكري عليه‪.‬‬

‫روى البخاري عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال عمر رضي اهلل عنه‪ :‬أقرؤنا أّيب‪،‬‬
‫وأقضانا علّي ‪ ،‬وإنا لندع من قول أّيب‪ ،‬وذاك أن أبّي ا يقول‪ :‬ال أدع شيئا مسعته من رسول اهلل‬
‫صّلى اهلل عليه وسّلم‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل‪{ :‬ما َنْنَس ْخ ِم ْن آَيٍة َأْو ُنْنِس ها} [البقرة‪.]106 :‬‬

‫فهذا احلديث يدّل على أن عمر رضي اهلل عنه استدّل باآلية على وقوع النسخ يف القرآن‪،‬‬
‫وأنه ينكر على أّيب رضي اهلل عنه عدم تركه شيئا مسعه من رسول اهلل صّلى اهلل عليه وسّلم‪.‬‬

‫وروي أن علّي ا رضي اهلل عنه م ّر على قاض فقال له‪ :‬أتعرف الناسخ من املنسوخ؟ قال‪:‬‬
‫ال‪ .‬قال علّي رضي اهلل عنه‪ :‬هلكت وأهلكت‪.‬‬

‫لذلك اعتنوا علماء السلف واخللف بالنسخ وتأليفهم فيه‪.‬‬


‫موهم التعارض في القرآن‬
‫(‪)அல்குர்ஆனில் முரண்பாடு? போன்ற வீண் சந்தேகம், பக்கம்: 51, 52‬‬

‫التعارض في القرآن‪ :‬أن تتقابل آيتان حبيث مينع مدلول إحدامها مدلول األخرى‪ ،‬مثل أن‬
‫تكون إحدامها مثبتة لشيء واألخرى نافية فيه‪.‬‬

‫ال تعارض في اآليات الخبرية والحكمية‬

‫وال ميكن أن يقع التعارض بني آيتني مدلوهلما خربي‪ ،‬ألنه يلزم كون إحدامها كذبا‪ ،‬وهو‬
‫مستحيل يف أخبار اهلل تعاىل‪ ،‬كما قال اهلل تعاىل‪َ :‬و َمْن َأْص َد ُق ِم َن الَّل ِه َح ِديثًا (النساء‪)87 :‬‬
‫َو َمْن َأْص َد ُق ِم َن الَّلِه ِقيًال (النساء‪)122 :‬‬

‫وال ميكن أن يقع التعارض بني آيتني مدلوهلما حكمي؛ ألن األخرية منهما ناسخة لألوىل‪،‬‬
‫كما قال اهلل تعاىل‪َ :‬م ا َنْنَس ْخ ِم ْن آَيٍة َأْو ُنْنِس َه ا َنْأِت َخِبٍرْي ِم ْنَه ا َأْو ِم ْثِلَه ا (البقرة‪ ،)106 :‬وإذا‬
‫ثبت النسخ كان حكم األوىل غري قائم‪ ،‬وال معارض لألخرية‪.‬‬

‫ماذا نفعل إذا رأينا في القرآن ما يوهم التعارض؟‬


‫إذا رأين ا م ا ي وهم التع ارض من ذل ك حناول اجلم ع بينهم ا‪ ،‬فإن مل يت بني لن ا وجب علين ا‬
‫التوقف‪ ،‬ونكل األمر إىل عامله‪.‬‬

‫وقد ذكر العلماء رمحهم اهلل أمثلة كثرية ملا يوهم التعارض‪ ،‬بينوا اجلمع يف ذلك‪.‬‬

‫ومن أمجع م ا رأين ا يف ه ذا املوض وع كت اب "دفع إيه ام االض طراب عن آي الكت اب"‬
‫للشيخ حممد األمني الشنقيطي رمحه اهلل تعاىل‪ .‬فمن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫‪ .1‬قوله تعاىل يف القرآن‪ُ :‬ه دًى ِلْلُم َّتِق َني (البقرة‪ )2 :‬وقوله تعاىل فيه‪َ :‬ش ْه ُر َرَم َض اَن اَّلِذي‬
‫ُأْن ِز َل ِفي ِه اْلُق ْر آُن ُه دًى ِللَّن اس (البق رة‪ ،)185 :‬فجع ل هداي ة الق رآن يف اآلي ة األوىل خاص ة‬
‫باملتقني‪ ،‬ويف الثانية عامة للناس‪،‬‬

‫واجلم ع بينهم ا أن اهلداي ة يف األوىل هداي ة التوفي ق واالنتف اع‪ ،‬واهلداي ة يف الثاني ة هداي ة‬
‫التبيان واإلرشاد‪.‬‬
‫ِد‬ ‫ِإ‬
‫ونظ ري ه اتني اآلي تني قول ه تع اىل يف الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم‪َّ :‬ن َك ال َتْه ي َمْن‬
‫َلِكَّن الَّل ِدي َش ا (القص ص‪ ،)56:‬وقول ه في ه‪ِ :‬إَّن َك َل ِدي ِإىَل ِص اٍط‬
‫َر‬ ‫َتْه‬ ‫َو‬ ‫َه َيْه َمْن َي ُء‬ ‫َأْح َبْبَت َو‬
‫ُمْس َتِق يٍم (الشورى‪،)52 :‬‬

‫فاألوىل هداية التوفيق‪ ،‬والثانية هداية التبيني‪.‬‬

‫‪ .2‬قول ه تع اىل‪َ :‬ش ِه َد الَّل ُه َأَّن ُه ال ِإَل َه ِإاَّل ُه َو َو اْلَم الِئَك ُة َو ُأوُل و اْلِعْلِم (آل عم ران‪)18 :‬‬
‫َّل ِه ِإ‬ ‫ِم ِإ ٍه ِإاَّل َّل‬
‫وقول ه تع اىل‪َ :‬و َم ا ْن َل ال ه (آل عم ران‪ )62 :‬وقول ه تع اىل‪َ :‬فال َتْد ُع َم َع ال هَل ًا آَخ َر‬
‫ِم‬ ‫ِب‬ ‫ِم‬
‫َفَتُك وَن َن اْلُم َع َّذ َني (الش عراء‪ )213:‬وقول ه تع اىل‪َ :‬فَم ا َأْغ َنْت َعْنُه ْم آَهِلُتُه ُم اَّليِت َي ْد ُعوَن ْن‬
‫ُدوِن الَّلِه ِم ْن َش ْي ٍء َلَّم ا َج اَء َأْم ُر َر ِّبَك َو َم ا َز اُدوُه ْم َغْيَر َتْتِبيٍب (هود‪ :‬من اآلية ‪،)101‬‬
‫ففي اآلي تني األول يني نفي األلوهي ة عم ا س وى اهلل تع اىل‪ ،‬ويف األخ ريني إثب ات األلوهي ة‬
‫لغريه‪.‬‬

‫واجلمع بني ذلك‪ :‬أن األلوهية اخلاصة باهلل عز وجل هي األلوهية احلق‪ ،‬وأن املثبتة لغريه‬
‫ا ُّق َأَّن ا ْد وَن ِم وِنِه اْل اِط‬
‫َب‬ ‫ُه‬ ‫ُد‬ ‫ْن‬ ‫ُع‬ ‫َي‬ ‫َم‬ ‫َو‬ ‫َحْل‬ ‫ُه‬ ‫َه‬ ‫هي األلوهية الباطلة؛ لقوله تعاىل‪َ :‬ذِلَك ِبَأَّن الَّل‬
‫ُل‬ ‫َو‬ ‫َو‬
‫َو َأَّن الَّلَه ُه َو اْلَعِلُّي اْلَك ِبُري (احلج‪.)62:‬‬

‫‪ .3‬قوله تعاىل‪ُ :‬قْل ِإَّن الَّل َه ال َيْأُمُر ِباْلَف ْح َش اِء (ألعراف‪ )28 :‬وقوله تعاىل‪َ :‬و ِإَذا َأَر ْد َنا َأْن‬
‫ُنْه ِلَك َقْر َيًة َأَمْر َنا ُمْتَر ِفيَه ا َفَف َس ُقوا ِفيَه ا َفَح َّق َعَلْيَه ا اْلَق ْو ُل َفَد َّم ْر َناَه ا َتْد ِم ريًا (اإلسراء ‪،)16:‬‬

‫ففي اآلية األوىل نفي أن يأمر اهلل تعاىل بالفحشاء‪ ،‬وظاهر الثانية أن اهلل تعاىل يأمر مبا هو‬
‫ِفْس ٌق ‪.‬‬

‫واجلم ع بينهم ا أن األم ر يف اآلي ة األوىل ه و األم ر الش رعي‪ ،‬واهلل تع اىل ال ي أمر ش رعا‬
‫ى ِن اْلَف اِء‬ ‫ِء ِذ‬
‫بالفحشاء لقوله تعاىل‪ِ :‬إَّن الَّل َه َيْأُمُر ِباْلَع ْد ِل َو اِأْل ْح َس اِن َو ِإيَت ا ي اْلُق ْر ىَب َو َيْنَه َع ْح َش‬
‫َو اْلُم ْنَك ِر َو اْلَبْغِي َيِعُظُك ْم َلَعَّلُك ْم َت َذ َّك ُر وَن (النح ل‪ ،)90:‬واألم ر يف اآلي ة الثاني ة ه و األم ر‬
‫الكوين‪ ،‬واهلل تعاىل يأمر كونا مبا شاء حسب ما تقتضيه حكمته لقوله تعاىل‪ِ :‬إَمَّنا َأْم ُر ُه ِإَذا َأَر اَد‬
‫َش ْيئًا َأْن َيُقوَل َلُه ُك ْن َفَيُك وُن ) (يس‪.)82:‬‬

‫ومن رام زيادة أمثلة فلريجع إىل كتاب الشيخ الشنقيطي رمحه اهلل تعاىل املشار إليه آنفا‪.‬‬

You might also like