Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 12

‫الفصل الثاني‪ :‬آليات الحد من قصور الحقوق المالية الناشئة عن الطالق‪:‬‬

‫إن محدودية الحقوق المالية الناشئة عن الطالق للمفارقة وأبنائها‪ ،‬تفترض ضرورة إيجاد آليات‬
‫كفيلة للحد منها وذلك بهدف ضمان فاعليتها على أرض الواقع‪ ،‬لذا كان على المشرع التدخل‬
‫إو رساء جملة من الهيئات التي يمكن لها أن تستوعب الصعوبات التي تنعكس على هذه الحقوق‬
‫وتذليلها بهدف الحفاظ عليها‪.‬‬

‫وكاستجابة لهذه الطلبات المتعددة والمتكررة والملحة‪ ،‬ارتأى المشرع إحداث صندوق ضمان‬
‫النفقة وجراية الطالق بمقتضى القانون عدد ‪ 65‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ ، 11999-7-5‬كما‬
‫هو معمول به في بعض البلدان العربية أو الغربية‪ 2‬فاقتضى الفصل األول في فقرته الثانية من‬
‫القانون عدد ‪ 65‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 5‬جويلية ‪ ،1993‬إحداث صندوق يسمى‪" :‬صندوق‬
‫ضمان النفقة وجراية الطالق" ويعهد بالتصرف فيه إلى الصندوق الوطني للضمان االجتماعي‬
‫نظ ار لتواجد فروعه بكامل تراب الجمهورية ولتميزه بالمرونة في التصرف وبالخبرة في‬
‫استخالص الديون‪ .3‬ويتبين من هذا أن صندوق ضمان النفقة ال يتمتع بالشخصية المعنوية وال‬
‫بذمة مالية مستقلة‪ ،‬فال يمكنه أن يكون طرفا في أي نزاع قضائي إال ممثال بواسطة الصندوق‬
‫الوطني للضمان االجتماعي‪ .4‬وقد حدد المشرع التونسي مجال تدخله إو جراءاته بصفة تتمكن‬
‫منها الزوجة المفارقة من ضمان نفقتها ونفقة أبنائها وموارده المالية التي تضمن استم ارريته‬
‫(المبحث األول)‪.‬‬

‫وباعتبار أن مصلحة األسرة والحفاظ عليها يبقى الهدف األسمى الذي يرنو إليه المشرع‬
‫التونسي وذلك ثابت من خالل السياسة اإلصالحية التشريعية التي انتهجها منذ إرساء مجلة‬
‫األحوال الشخصية كان ال بد من تفعيل أساليب بديلة في فض المنازعات األسرية وذلك سواء‬

‫‪1‬‬
‫تم إحداث صندوق النفقة وجراية الطالق بمقتضى القانون عـدد‪ 65‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 1993-7-5-‬وقد دخل حيز التنفيذ ابتداء من يوم ‪-13‬‬
‫‪ ،1993-9‬في حين تعلق األمر عددـ ‪ 1655‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 9‬أوت ‪ 1993‬والمنقح بدوره بمقتضى األمرين عدد ‪ 671‬لسنة ‪ 1998‬المؤرخ‬
‫في ‪ 16‬مارس ‪ 1998‬واألمر عدد ‪ 826‬لسنة ‪ 2006‬المؤرخ في ‪ 2‬مارس ‪ 2006‬بإجراءات تدخل صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪ .‬الرائد الرسمي‬
‫للجمهورية التونسية‪ 28 ،‬مارس ‪ 2006‬عدد ‪ 25‬ص ‪.1217‬‬
‫‪2‬‬
‫مثال "بنك الناصر" بمصر‪ ،‬وصندوق "المنح العائلية" بفرنسا‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪ :‬مداوالت مجلس النواب عدد ‪ 40‬في ‪ ،19936-15-‬ص ‪.39‬‬
‫‪4‬‬
‫أنظر الفصل ‪ 8‬من القانون عدد ‪ 65‬لسنة ‪.1993‬‬
‫على مستوى هيئات قضائية أوجدها المشرع التونسي والممثلة أساسا في قاضي األسرة‪ 5‬وما له‬
‫من صالحيات مبناها الصلح والتوفيق بين األزواج‪. 6‬‬

‫المبحث األول‪ :‬إحداث صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‬

‫حرص المشرع التونسي على حماية مؤسسة النفقة نظ ار لصبغتها المعاشية المتأكدة من خالل‬
‫التنقيحات واإلضافات التشريعية العديدة‪ ،‬لكن التطبيق أظهر قصو ار وعدم فعالية في حالة‬
‫انحالل الروابط العائلية وما لذلك من نتائج وخيمة على أفراد األسرة عموما واألطفال خصوصا‪.‬‬

‫ومن منطلق الوعي بالصعوبات التي تواجهها المفارقة بطالق في تدبر معيشتها ومجابهة‬
‫تكاليف اإلنفاق على نفسها وعلى أبنائها عند تلدد المحكوم عليه بالوفاء بالنفقة وبجراية الطالق‬
‫المحكوم بها لفائدتها ولفائدة محضونيها‪ ،‬جاء قرار إحداث صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‬
‫بمقتضى القانون عدد ‪ 65‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪" 1993-7-5‬بمثابة تكافال من المشرع مع‬
‫هذا الصنف من المطلقات الالتي يعجزن عن تنفيذ أحكام النفقة وجراية الطالق والتي تبقى حب ار‬
‫على ورق بالرغم من تمييز المشرع للنفقة بالنسبة لتنفيذها مدنيا"‪.7‬‬

‫ان بعث هذه المؤسسة االجتماعية الهامة يترجم عن الرعاية التشريعية بالمرأة واألبناء‪ ،8‬وحتى‬
‫تتضح لنا وظيفة صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪ ،‬وجب ضبط مجال إو جراءات تدخل‬
‫الصندوق بشكل يكفل سرعة تدخله ونجاعته من جهة (الفقرة األولى) واإلبقاء من جهة أخرى‬
‫على وظيفته الحقيقية باعتباره مجرد ضامن في خالص المستحقات من النفقة وجرايات الطالق‬
‫وليس حاال محل المحكوم عليهم بأداء تلك المستحقات والحفاظ على ثبات موارده وتحقيق‬
‫توازنه المالي بصورة دائمة ومتواصلة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مجال إو جراءات تدخل صندوق ضمان النفقة و جراية الطالق‬

‫‪5‬‬
‫رضا خماخم‪ :‬التوجهات الحديثة للنظام القضائي في تونس‪ ،‬منشورات مركز الدراسات القانونية والقضائية بو ازرة العدل‪ ،‬ص ‪.207‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Vincent Jean et Guinchard Serge : Procédure civile, 25 éditions, Dalloz, p296.‬‬
‫‪7‬‬
‫حسيبة العربي‪ :‬الضمانات القانونية لمستحقي النفقة وجراية الطالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪8‬‬
‫نهلة جلول‪ :‬حماية األسرة والطفولة في القانون التونسي‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2005‬ص ‪.193‬‬
‫‪- Samia Daoula: La consécration de principe de l'intérêt de mineur dans le code de statut personnel, RJL Avril‬‬
‫‪2007, p17.‬‬
‫حدد القانون عدد ‪ 65‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 1993-7-5‬المتعلق بإحداث صندوق ضمان‬
‫النفقة وجراية الطالق مجال تدخله من خالل ضبط األشخاص المستفيدين بخدماته (أ) وكذلك‬
‫الشروط اإلجرائية التي تخول االنتفاع به (ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬مجال تدخل الصندوق‬


‫‪9‬‬
‫عند تحديده لمجال تدخل الصندوق‪ ،‬ضبط المشرع التونسي ضمن أحكام الفصلين األول‬
‫والثاني‪ 10‬من قانون عدد ‪ 65‬لسنة ‪ 1993‬األشخاص المنتفعين بخدمات الصندوق في‬
‫المطلقات وأوالدهن‪ 11‬باعتبار أن الهدف من بعث الصندوق يتمثل في ضمان مورد عيش‬
‫المطلقة وأطفالها الذين يجدون أنفسهم نتيجة تلدد المدين عاجزين عن تلبية أبسط مقومات‬
‫العيش‪.12‬‬

‫فالمطلقات يتمتعن بخدمات الصندوق في خصوص النفقة إلى نهاية أمد العدة والمحددة بثالثة‬
‫أشهر بعد حكم الطالق الذي استوفى كافة أوجه الطعن فيه‪ .‬كما تتمتع المفارقة بطالق‬
‫بخدمات الصندوق ما دام الموجب القانوني قائما إذا كانت من المحكوم لها بجراية عمرية‬
‫تعويضا عن ضررها المادي الناشئ عن الطالق‪ ،‬فالنص اشترط أن يكون طلب االنتفاع‬
‫بخدمات الصندوق صاد ار عن مطلقة انحل عقد نكاحها بحكم من المحكمة‪.13‬‬

‫وقد طرح إشكال تطبيقي حول ما إذا كان التمتع بالجنسية التونسية يمثل شرطا ضروريا لتدخل‬
‫الصندوق أم ال؟‬

‫في هذا اإلطار أوضحت و ازرة الشؤون االجتماعية أنه يكفي أن يكون طالب الخدمة مقيما‬
‫بالتراب التونسي بقطع النظر عن جنسيته ومعنى ذلك أن المطلقة التونسية والتي يكون زوجها‬

‫‪9‬‬
‫جاء بالفصل األول أن" إحداث صندوق لضمان تسديد الّن فقة أو جراية الطالق المحكوم بها لفائدة المطلقات وأوالدهن حسب الشروط المنصوص عليها‬
‫بهذا القانون‪."...‬‬
‫‪10‬‬
‫يشير الفصل الثاني من القانون عدد ‪ 65‬لسنة ‪ 1993‬إلى أنه‪" :‬يمكن للمطلقات وأوالدهن الصادرة لفائدتهم أحكام باتة متعلقة بالنفقة أو بجراية‬
‫الطالق وتعذر تنفيذها لتلّد د المدين أن يتقدموا الصندوق النفقة وجراية الطالق بمطلب للحصول على المبالغ المستحقة‪."...‬‬
‫‪ 11‬كما جاء في الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 53‬مكّر ر من مجلة األحوال الشخصية ما يلي‪ ":‬ويتولى صندوق النفقة وجراية الطالق دفع مبالغ النفقة أو‬
‫جراية الطالق الصادرة بها أحكام باتة تعذر تنفيذها لفائدة المطلقات وأوالدهن من المحكوم عليه بسبب تلدده‪ ،‬وذلك وفقا للشروط المنصوص عليها‬
‫بالقانون المحدث للصندوق‪ ،‬ويحتل هذا األخير محل المحكوم لهم في استخالص المبالغ التي دفعها"‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫مداوالت مجلس النواب‪ ،‬الرائد الرسمي عدد ‪ 40‬المؤرخ في ‪ 15‬جوان ‪ ،1993‬ص ‪.33‬‬
‫‪13‬‬
‫رضا خماخم‪ :‬مجلة األحوال الشخصية وحقوق الطفل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.107‬‬
‫المفارق من ذوي جنسية أجنبية يمكنها االنتفاع بخدمات الصندوق وكذلك الشأن بالنسبة‬
‫للمطلقة األجنبية والتي يكون مفارقها وأبنائها من ذوي الجنسية التونسية‪.14‬‬

‫وتبّن ي هذا الموقف فيه داللة واضحة على رغبة المشرع في تغليب المصلحة االجتماعية على‬
‫معيار الجنسية وذلك حفاظا على النظام العام االجتماعي التونسي‪.15‬‬

‫وال يتدخل صندوق النفقة وجراية الطالق لتخويل المطلقات وأبنائهن من االنتفاع بخدماته إال‬
‫من تاريخ تقديم الطلب للجهة المكلفة بالتصرف في أمواله وهو ما يجعلنا نتساءل حول‬
‫إجراءات هذا التدخل‪16‬؟‬

‫ب ‪ -‬إجراءات تدخل الصندوق‬


‫‪17‬‬
‫فضال عن الشروط الجوهرية والمتمثلة في وجوب صدور حكم بات بالنفقة أو الجراية وتلدد‬
‫المدين في اإلذعان لذلك الحكم مع توفر الركن المعنوي‪ 18‬المتمثل في القصد الصادر عن‬
‫الجاني على عدم اإلنفاق مع القدرة عليه وذلك للتنكيل بمستحقها إو معان اإلضرار به ‪ ،19‬فإنه‬
‫طبقا ألحكام الفصل الثاني من القانون المحدث لصندوق ضمان النفقة وجراية الطالق يتعين‬
‫على طالب التدخل لالنتفاع بخدماته تقديم مطلب إلى المكتب الجهوي للصندوق الوطني‬
‫للضمان االجتماعي الكائن بدائرة المحكمة االبتدائية التي رفعت لدى وكيل الجمهورية بها‬
‫شكوى إهمال عيال كما نص على ذلك الفصل األول من األمر عدد ‪ 1655‬لسنة ‪1992‬‬
‫المؤرخ في ‪ 9‬أوت ‪ 1963‬والمتعلق بإجراءات تدخل صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫محمد الحبيب الشريف‪ :‬النظام العام العائلي التجليات‪ .‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.433‬‬
‫‪15‬‬
‫حنان بن عبد اهلل‪ :‬صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق مرجع سابق‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪16‬‬
‫سامي بن فرحات‪ :‬كيف يمكن للمطلقات وأبنائهن التمتع بامتيازات الصندوق‪ :‬التنقيحات الجديدة في التشريع التونسي‪ ،‬الشركة التونسية للنشر ‪،1994‬‬
‫ص‪ .33‬يراجع أيضا‪:‬‬
‫‪Abdelhamid Saidane: commentaire de l'article 53 bis du code de statut personnel, Mémoire faculté de droit et des‬‬
‫‪sciences politique de Tunis, 1973.‬‬
‫‪17‬‬
‫لم يضبط المشرع التونسي مفهوم التلدد لكن بالعودة للفصلين ‪ 268‬و‪ 269‬من م‪.‬ا‪.‬ع اللذان نصا أن‪ ":‬المدين يعتبر مماطال إن تأخر عن الوفاء بما‬
‫التزم به في الكل أو البعض لسبب غير صحيح" و"بمضي األجل المعين في العقد"‪ ،‬وبتطبيق هذين التعريفين على الفصل ‪ 53‬مكرر من م‪.‬أ‪.‬ش فإن‬
‫المفارق بطالق يعد متلددا إذا تعمد عدم الوفاء بدين النفقة والجراية رغم قدرته عليه وأعاله بذلك قانونا مع استم ارريته في االمتناع عن األداء‪.‬‬
‫‪ 18‬وهو ما أيده فقه القضاء الفرنسي الذي اعتبر أن حالة التلدد "ال تثبت إال إذا تعلقت بالمدين قضية إهمال عيال"‪ ،‬يراجع في ذلك‪:‬‬
‫‪-Cassation Criminel 27-06-1995, bulletin criminel, revue sciences criminelles 1996, p364.‬‬
‫‪19‬‬
‫حسيبة العربي‪ :‬التشريعات االجتماعية المتعلقة بحماية األسرة في مجلة األحوال الشخصية وصندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.23‬‬
‫إن إسناد مهمة التصرف في صندوق ضمان النفقة والجراية إلى الصندوق الوطني للضمان‬
‫االجتماعي يمكن تبريره بتواجد فروعه بكامل تراب الجمهورية وتميزه بالمرونة في التصرف‬
‫والخبرة في استخالص الديون‪.20‬‬

‫إضافة لتقديم المطلب يجب على الزوجة المفارقة بطالق حتى تنتفع بخدمات الصندوق أن‬
‫تكّو ن ملفا لدى ذلك الصندوق ويجب أن يشمل الملف على الوثائق التالية‪ :21‬نسخة من الحكم‬
‫القاضي بالنفقة أو بجراية الطالق ‪ -‬محضر إعالم المدين بالحكم ‪ -‬محضر محاولة تنفيذ‬
‫الحكم ‪ -‬شهادة في تقديم شكوى إهمال عيال تتسلمها المطلقة عند حضورها لدى السيد مساعد‬
‫وكيل الجمهورية ‪ -‬مضمون من دفاتر الحالة المدنية لكل من المحكوم لفائدتهم بالنفقة أو‬
‫بجراية الطالق ‪ -‬نسخة من الحكم المسند للحضانة إن وقع إسنادها لغير األبوين ‪ -‬شهادة‬
‫نشر فيها تاريخ الجلسة وعدد الشكاية من كتابة المحكمة المنشورة لديها القضية‪.‬‬

‫بموجب تنقيح ‪ 23‬مارس ‪ 2006‬عوضت شهادة في تقديم شكوى بشهادة في نشر قضية إهمال‬
‫عيال لدى قاضي الناحية المختص ترابيا بناء على أنه يمثل النيابة العمومية داخل تراب‬
‫الجمهورية وهو الذي يبحث في الشكوى ثم يقضي في شأنها إلى جانب الرغبة في التخفيف عن‬
‫المطلقة في خصوص الشهائد اإلدارية وفي األعباء المالية ألن كل شهادة خاضعة لطابع‬
‫الجبائي‪ ,22‬مع العلم وأن شهادة النشر تتضمن عدد القضية واسم المتهم والتهمة المنسوبة إليه‬
‫وعدد الشكاية وتاريخ تقديمها لمكتب الضبط وتاريخ الجلسة‪ .‬إال أن تقديم شهادة نشر غير‬
‫كافية لوحدها لتواصل دفع المستحقات‪ ,‬فحسب الفقرة الثانية من الفصل ‪ 6‬من أمر ‪ 9‬أوت‬
‫‪" 1993‬على المنتفعين بالنفقة أو بجراية الطالق والذين لهم قضايا إهمال عيال الزالت منشورة‬
‫لدى المحاكم تقديم شهادة في مآل القضية وذلك مرة كل ثالثة أشهر‪ ،‬وكلما اقتضت الحاجة‬
‫ذلك"‪ ،‬وهو ما يعني أن المطلقة التي تم صرف الجراية لها تبقى على اتصال بالصندوق لتوافيه‬
‫بمآل الدعوى الجزائية في إهمال عيال التي على ضوئها يتقرر إبقاء هذا التدخل أو إيقافه‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن تنقيح ‪ 2006‬أضاف كذلك إلى جملة الوثائق المذكورة سابقا شهادة في‬
‫عدم الطعن باالستئناف أو بالتعقيب في حكم الطالق ونسخة من الحكم البات القاضي بالنفقة‬

‫‪20‬‬
‫رضا خماخم‪ :‬أحكام النفقة في م‪.‬أ‪.‬ش بعد تنقيح ‪ ،1993-7-12‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫‪21‬‬
‫الفصل ‪ 2‬من امر ‪ 9‬اوت ‪.1993‬‬
‫‪22‬‬
‫حسيبة العربي‪ :‬التشريعات االجتماعية المتعلقة بحماية األسرة في مجلة األحوال الشخصية وصندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.22‬‬
‫وبجراية الطالق وهي وثائق على المطلقة اإلدالء بها حرصا من المشرع على أن صرفها ال‬
‫يكون إال للمستحقين الذين أثبتوا استحقاقهم لها واقعا وقانونا‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر فإن الصندوق يتولى صرف المبالغ المحكوم بها مشاهرة خمسة عشر يوما‬
‫بعد تقديم المطلب‪ ،‬وفق ما جاء بالفقرة األخيرة من الفصل الثاني من القانون المحدث‬
‫للصندوق‪ .23‬ويستمر في صرف المبالغ إلى زوال موجبها طبقا لما ينص عليه الفصل التاسع‬
‫من نفس القانون‪ :‬يتوقف صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق عن صرف مبالغ النفقة أو‬
‫جراية الطالق في كل الحاالت التي لم يعد هناك موجب لصرفها"‪ .‬والتي تعرض إليها الفصل‬
‫السابع من األمر المنظم إلجراءات تدخل صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪ ،‬كصورة الحكم‬
‫بعدم سماع الدعوى في قضية إهمال عيال‪ ،‬أو تزوج المطلقة من جديد‪ ،‬أو انتقال الحضانة إلى‬
‫غيرها‪ ،‬أو بلوغ أوالدها سن الرشد أو بعد هذه السن إلى نهاية مراحل تعلمهم على أن ال‬
‫يتجاوزوا الخامسة والعشرين من عمرهم‪ ,‬غير أن الصندوق يتمادى في صرف النفقة للبنت إذا‬
‫لم يتوفر لها الكسب أو لم تجب نفقتها على زوجها‪ ،‬وكذلك لألبناء المعوقين العاجزين عن‬
‫الكسب بغض النظر عن سنهم" ‪.24‬‬

‫ما نالحظه من خالل هذه الفقرة األخيرة من الفصل ‪ ،7‬التطابق الكلي مع مقتضيات الفصل‬
‫‪ 36‬من مجلة األحوال الشخصية الذي يوجب إنفاق األب على أوالده المعوقين بغض النظر‬
‫عن سنهم وكذلك على بناته الالتي لم يتوفر لهن الكسب أو لم تجب نفقتهن على أزواجهن‪.‬‬

‫وخالصة القول فإن عدم دفع النفقة وجراية الطالق المترتب عنه جريمة إهمال عيال قد تجاوزه‬
‫المشرع التونسي من المجال القانوني إلى المجال االجتماعي بإحداث هذا الصندوق الذي جنب‬
‫الكثير من المطلقات وأوالدهن ويالت الخصاصة والتشرد واالنحراف والضياع وحفظ لهم‬
‫كرامتهم ومستقبلهم‪ ،‬وضمن لهم عيشا مستقرا‪ ،‬وبالتالي كرس الحماية القانونية لألسرة واقعا‬
‫واجتماعا وعزز وسائل التماسك األسري‪ .‬وفي هذا الصدد قالت إحدى القاضيات‪ ..." :‬إحداث‬
‫الصندوق يكتسي أهمية اجتماعية بالغة‪ ...‬لقد أصبح القاضي أكثر اطمئنانا وأكثر راحة ألنه‬

‫‪23‬‬
‫والتي تنص على أنه‪ ":‬يتولى الصندوق صرف مبالغ النفقة أو الجراية لمستحقيها مشاهرة في أجل ال يتجاوز الخمسة عشر يوما من تاريخ تقديم‬
‫المطلب المستوفي للشروط القانونية"‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 7‬من األمر عدد ‪ 671‬لسنة ‪ ،1998‬المؤرخ في ‪ 16‬مارس ‪ 1998‬والمتعلق بتنقيح األمر عدد ‪ 1655‬لسنة ‪،1993‬‬
‫المؤرخ في ‪ 9‬أوت ‪.1993‬‬
‫يعرف أن المرأة المطلقة لن تضيع ولن يضيع أبناؤها‪ .25"...‬لذا يعتبر صندوق ضمان النفقة‬
‫وجراية الطالق مكسبا اجتماعيا رائدا‪ ،‬ال يوجد في جل الدول المتقدمة وهو إنجاز حضاري هام‬
‫يندرج ضمن منظومة حقوق اإلنسان ويستجيب لروح التشريع اإلسالمي المؤسس على فعل‬
‫الخير ومعاضدة الضعفاء إو عالء روح التكافل والتعاون‪ ،‬وبالتالي نحت مالمح مجتمع متوازن‬
‫ومتماسك‪ .‬وبذلك يكون المشرع أيضا قد استجاب لموروثه الحضاري في تدعيم حماية األسرة‬
‫وفي الوقت ذاته واكب التزاماته الدولية المتعلقة بالحقوق االجتماعية واالقتصادية وبحقوق المرأة‬
‫والطفل على وجه الخصوص‪.26‬‬

‫وبتقديم الطالب الوثائق المذكورة يصبح األمر موكوال إلدارة الصندوق القومي للضمان‬
‫االجتماعي بدراسة المطلب ويتخذ عند توفر الشروط القانونية قرار بتحمل مبالغ النفقة أو جراية‬
‫الطالق ويشرع في صرف هذه المبالغ لمستحقيها في األجل المحدد بواسطة حواالت بريدية‬
‫شهرية وفي المقابل يحتفظ بحق الرجوع على المدين إذ أن ديمومة الصندوق ومن ورائه ديمومة‬
‫الحماية التي يوفرها للمرأة وحقوقها المالية في ارتباط وثيق بتوازنه المالي‪.27‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التوازن المالي لصندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‬

‫تمثل الحاجة أساس بعث الصندوق فضال عن أن المقصود هو حاجة المفارقة وأبنائها ال حاجة‬
‫الزوج الملزم باألداء وبالتالي فإن تدخل الصندوق بالدفع ال يعفي المفارق الذي يبقى مطالبا‬
‫بإرجاع المبالغ التي سبقت لفائدة المفارقة وأبنائها وذلك حفاظا على ديمومة الصندوق من ناحية‬
‫(أ) إو لى التضييق من مجال تدخله من ناحية أخرى (ب)‪.‬‬

‫‪ - 1‬طرق تمويل الصندوق‬

‫بعيدا عن مناقشة الطبيعة القانونية للعالقة التي تربط صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‬
‫بالصندوق الوطني للضمان االجتماعي‪ ،28‬فإن الفوائد العملية من تكليف هذا األخير بالتصرف‬
‫في صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق متعددة ولعل أهمها يتمثل في استغالل البنية التحتية‬

‫‪25‬‬
‫رجاء قاسم قاضية مشاركة في ندوة حول مكاسب المرأة التونسية في سياقها االجتماعي والحضاري"‪ ،‬جريدة الحرية‪ ،‬ليوم ‪.1992-09-01‬‬
‫‪26‬‬
‫محمد الحبيب الشريف‪ :‬صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪ ،‬ص ‪. 59-58‬‬
‫محمد الحبيب الشريف‪ :‬مجلة األحوال الشخصية‪ ،‬تعليق ص ‪.407‬‬
‫‪27‬‬
‫محمد اللجمي‪ :‬قانون األسرة‪ ،‬تونس ‪ ،2008‬ص ‪.522‬‬
‫‪28‬‬
‫حسيبة العربي‪ :‬التشريعات االجتماعية المتعلقة بحماية األسرة في مجلة األحوال الشخصية وصندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.24‬‬
‫والموارد البشرية التي يملكها األول لفائدة الثاني وهو ما من شأنه أن يوفر على صندوق ضمان‬
‫النفقة وجراية الطالق كل األعباء المالية المترتبة عن التسيير من جهة أولى ويضمن جودة‬
‫الخدمات المقدمة من جهة أخرى‪.‬‬

‫أما في خصوص المصادر المباشرة للتمويل فقد عددها الفصل ‪ 7‬من القانون عدد ‪ 65‬لسنة‬
‫‪ 1993‬يمكن تصنيفها إلى مصدرين‪ :‬مصدر تمويل خارجي من مساهمة الدولة ومن الهبات‬
‫والعطايا ومصدر تمويل داخلي من المبالغ المستخلصة وفوائض التأخير وغرامات التعويض مع‬
‫مداخيل االستثمار‪.‬‬

‫وبالنظر إلى أن التزام الصندوق مبني على التزام الضامن الشخصي‪ ,29‬فإن له الحق في‬
‫الحلول محل الدائن في حقوقه المتعلقة بذلك الدين ليتسنى له الرجوع على المدين عمال بأحكام‬
‫الفصل ‪ 226‬من م‪.‬ا‪.‬ع‪ .‬إال أن المشرع لم يكتف بهذا الحل العام الذي قد يثير تطبيقه‬
‫العديد من الصعوبات‪ ،30‬بل أفرد حلول الصندوق بفصل خاص هو الفصل ‪ 3‬من القانون‬
‫المحدث له حيث خول له أن يحل محل مستحقي النفقة أو الجراية فيما لهم من الحقوق على‬
‫الشخص المطالب بالمبالغ المحكوم بها وخول له استخالص تلك المبالغ في حدود ما قام‬
‫بدفعه"‪.‬‬

‫وبالتأمل في القواعد العامة لإلحالة التي يشير إليها المشرع في الفصل ‪ 228‬من م‪.‬ا‪.‬ع نجدها‬
‫تقصي النفقة وجراية الطالق من مجال الحلول إذ يشترط الفصل ‪ 213‬من م‪.‬ا‪.‬ع أن يكون‬
‫الدين المحال قابال للتصرف فيه‪ .31‬ولئن لم يحل نفس الفصل ‪ 228‬إلى الفصل ‪ 201‬من نفس‬
‫المجلة والذي يشترط أال يكون موضوع اإلحالة حقا ذا صبغة شخصية بحتة وأن يكون قابال‬
‫للعقلة فإن هناك نصوصا صريحة تمنع عقلة دين النفقة‪.32‬‬

‫‪29‬‬
‫يصنف جانب من الفقه مؤسسة الحلول الشخصي سواء كان اتفاقيا أو بمفعول القانون ضمن التأمينات الشخصية‪ ،‬راجع في ذلك‪ :‬محمد بقبق‪:‬‬
‫الحلول الشخصي أداة ائتمان‪ ،‬المجلة القانونية التونسية ‪ ،1996‬ص‪ .55‬ويراجع في خصوص هذه المسألة‪:‬‬
‫‪Meurisse (M): Une institution pleine d'avenir : la subrogation de l'article 1251-3, Gazette du Palais 12 Mars 1968,‬‬
‫‪p 67.‬‬
‫‪30‬‬
‫يورد الفصل ‪ 226‬من م‪.‬ا‪.‬ع قائمة بحاالت الحلول بموجب القانون‪ ،‬وقد تثير هذه القائمة إشكاال بشأن ما إذا كان بإمكانها أن تشمل حلول صندوق‬
‫ضمان النفقة ام ال‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫في حين أن دين النفقة دين متعلق بشخص الدائن وبالتالي ال يجوز التصرف فيه من ذلك مثال الفصول ‪ 378‬و‪ 1464‬من م‪.‬ا‪.‬ع الذي يمنع إمكانية‬
‫الصلح في خصوص دين النفقة‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫من ذلك الفصل ‪ 331‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪.‬‬
‫غير أن هذه الشروط العامة لإلحالة ال يمكن أن تشكل عائقا أمام تمتع صندوق النفقة وجراية‬
‫الطالق بحق الحلول إذا ما اعتبرنا قانون ‪ 5‬جويلية ‪ 1993‬الذي يستثني تطبيق القواعد العامة‬
‫ويضع محلها قواعد خاصة ليتمكن الصندوق من استرجاع المبالغ التي دفعها للمطلقة وأبناءها‪.‬‬

‫ومن مظاهر الطابع الخاص للقواعد المنظمة لحلول الصندوق هو أنه خالفا للقواعد العامة‬
‫للحلول التي ال تخول للحال أن يرجع على المدين إال في حدود ما دفعه‪ ،‬فإن الفقرة األولى من‬
‫الفصل ‪ 5‬من نفس القانون جاءت تنص أنه "توظف على مقدار النفقة أو جراية الطالق‬
‫المحكوم بها والذي لم يقع تسديده من طرف المحكوم عليه إلى صندوق ضمان النفقة وجراية‬
‫الطالق غرامة تأخير تحمل على المدين لفائدة الصندوق وتحتسب على أساس الفائض القانوني‬
‫المعمول به في المادة المدنية بداية من تاريخ إنذار المدين من طرف الصندوق المذكور"‪.‬‬

‫ويرجع توظيف هذه الغرامة لسببين‪ :33‬األول يتمثل في الضغط على المدينين لكيال يطول‬
‫تلددهم إذ كلما حصل ذلك زادت قيمة دينهم بما يجعل من مصلحتهم اإلسراع بالتنفيذ أما‬
‫السبب الثاني فهو اقتصادي ويرمي إلى تفادي النقص في القيمة الحقيقية للمبالغ المدفوعة‬
‫بمرور الزمن‪.‬‬

‫ولضمان حق الصندوق في استخالص مبالغ النفقة وجرايات الطالق متع القانون ديون‬
‫الصندوق باالمتياز العام لخزينة الدولة وخول له استخالص تلك الديون بواسطة بطاقات جبر‬
‫أو بطاقات إلزام‪ 34‬والتي تصبح نافذة المفعول حاال بإمضاء وزير الشؤون االجتماعية وأن‬
‫االعتراض عليها ممن صدرت ضده ال يوقف تنفيذها‪.‬‬

‫ويرجع إضفاء صبغة الدين العمومي على المبالغ التي دفعها الصندوق إلى الطبيعة القانونية‬
‫للصندوق الوطني للضمان االجتماعي من ناحية وباعتبار أن ميزانية الدولة تساهم مباشرة في‬
‫تمويل صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪ 35‬من ناحية أخرى‪ ،‬بل يمكن القول أن مساهمة‬

‫‪33‬‬
‫محمد الحبيب الشريف‪ :‬صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪34‬‬
‫بطاقة اإللزام هي عبارة عن سند تنفيذي تصدره وتوقعه اإلدارة بمفردها‪ ،‬أما بطاقة الجبر فهي سندات تصدرها اإلدارة في نفس الصيغ التي تصدر‬
‫فيها بطاقة اإللزام لكنها تختلف عن هذه األخيرة بكونها ملزمة إال بعد أن تعرض على القضاء ليكسبها بالصيغة التنفيذية‪ :‬يراجع الفصل ‪ 4‬من القانون‬
‫المحدث للصندوق‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫الفصل ‪ 7‬من القانون المحدث للصندوق‪.‬‬
‫الدولة تعتبر هي المصدر الفعلي الوحيد تقريبا لتمويل الصندوق وذلك أمام ضعف نسبة‬
‫استرداد الصندوق للمبالغ المسبقة للمستفيدين‪.36‬‬

‫في الواقع فإن المشرع التونسي عند إحداثه للصندوق وتشدده في وضع الشروط الالزم توفرها‬
‫لتدخل صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق لم يكن غافال عن العبء المالي الذي سيتحمله‬
‫هذا األخير‪ ،‬مما جعله يسعى إلى الحد من مجال تدخله قدر اإلمكان‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الحد من مجال تدخل الصندوق‬

‫يعد حصر المنتفعين بخدمات الصندوق في المطلقات وأوالدهن دون غيرهم من األشخاص‬
‫الصادرة لفائدتهم أحكام باتة بالنفقة المظهر البارز للحد من مجال تدخله وينجر عن هذا‬
‫التضييق من حيث األشخاص استبعاد كل من األصول واألحفاد والمتحصلين على حكم بالنفقة‬
‫على أساس الفصل ‪ 49‬من م‪.‬أ‪.‬ش‪.‬‬

‫كما تخرج عن نطاق تدخل الصندوق جميع أحكام النفقة الصادرة حال قيام الزوجية سواء لفائدة‬
‫الزوجة أو األبناء‪ ،‬ومن هذا المنطلق‪ ،‬فإن التضييق في مجال تدخل الصندوق يشمل زوجة‬
‫التي يقضي لها بالنفقة من محكمة الناحية وعالقتها الزوجية متواصلة لتخلي الزوج عن واجب‬
‫اإلنفاق المحمول عليه على أساس الفصل ‪ 23‬من م‪.‬أ‪.‬ش أو يقضي لها بالنفقة في الق اررات‬
‫الفورية التي يتخذها قاضي األسرة عند فشل مساعيه الصلحية أو النفقة المحكوم بها في اطار‬
‫ق اررات الحماية الصادرة عنه فتكون مستثناة من مجال تدخل الصندوق وبالتالي من االنتفاع‬
‫بخدماته‪.‬‬

‫ويبدو أن تضييق مجال تدخل الصندوق على هذا النحو يرجع أساسا إلى الرغبة في تالفي‬
‫إثقال كاهل الصندوق ماديا إذ أن توسيع مجال تدخل الصندوق يتطلب توفير موارد مالية هامة‬
‫قد يصعب على الصندوق توفيرها‪.37‬‬

‫وباعتبار أن مجال تدخل الصندوق ينحصر في صدور حكم باتا بالنفقة أو الجراية بعد انحالل‬
‫الرابطة الزوجية بموجب الطالق‪ ،‬فقد طرح اإلشكال حول مدى اعتبار نفقة الزوجة واألوالد‬

‫‪36‬‬
‫في إطار إحصائية رسمية أفادت أنه إلى حد موفى شهر ماي ‪ 1997‬لم يتمكن الصندوق من استخالص سوى ‪ 5.7‬بالمائة من جملة المبالغ‬
‫المستحقة و قد فسر األستاذ الحبيب الشريف هذه النسبة بكون "الصندوق ال يتدخل إال في الحاالت المستعصية و بعد استنفاد جميع إمكانيات التنفيذ من‬
‫قبل المستفيدين بالجراية أو بالنفقة"‪ ،‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫‪37‬‬
‫حنان بن عبد اهلل‪ :‬صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫الصادر بها قرار فوري أو مطلب حماية عن قاضي األسرة حكما باتا باعتبار أنها تنفذ على‬
‫المسودة وال تقبل االستئناف والتعقيب وكذلك حكم النفقة الصادر عن قاضي الناحية على‬
‫أساس الفصل ‪ 39‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت الذي ينفذ على المسودة بقطع النظر عن الطعن فيه‬
‫باالستئناف؟‬

‫إن حكم قاضي الناحية وحده يوجب تدخل الصندوق متى توفرت بقية شروط االستفادة بخدمات‬
‫الصندوق خاصة سابقية صدور حكم بات بالطالق‪ ،‬أما القرار الفوري أو مطلب الحماية المتخذ‬
‫من طرف قاضي األسرة فهو ال يستوجب تدخل الصندوق وذلك لعدم توفر صفة المطلقة لدى‬
‫الزوجة عند اتخاذه معتب ار البعض أن المطلقة وأوالدها بإمكانهم االنتفاع بخدمات الصندوق‬
‫سواء كان الحكم القاضي لها وألوالدها بالنفقة سابق الصدور عن حكم طالقها أو الحقا‪ .‬فالعبرة‬
‫في صدور الحكمين بصفة باتة قبل تقديم المطلب بقطع النظر عن األسبق من حيث تاريخ‬
‫الصدور هل هو حكم الطالق بات أو حكم النفقة البات أيضا‪. 38‬‬

‫وتجدر اإلشارة أن عمل الصندوق سار على التأويل الضيق لعبارة النفقة وهو ما طرح إشكاال‬
‫حول مدى تكفل الصندوق بدفع مبالغ منحة السكن المقررة لفائدة الحاضنات المفارقات بطالق؟‬

‫ولئن أحاط القانون عدد ‪ 20‬والمؤرخ في ‪ 4‬مارس ‪ 2008‬حق السكنى بحماية جزائية نص‬
‫عليها بالفصل ‪ 56‬مكرر من م‪.‬أ‪.‬ش معتمدا في ذلك نفس العقوبات المقررة لجريمة عدم دفع‬
‫مال النفقة والجراية الواردة بالفصل ‪ 53‬مكرر من م‪.‬أ‪.‬ش ولئن اتحدت طبيعة منحة السكن مع‬
‫النفقة والجراية فإنه لم ينص صراحة على تدخل صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ألداء‬
‫منحة السكن وهو ما يقصيها من مجال تدخل الصندوق‪.39‬‬

‫إو لى جانب تقييد مجال تدخل الصندوق من حيث األشخاص المنتفعين به واألحكام التي تدخل‬
‫في نطاقه‪ ،‬فإن اشتراط عنصر القصد اإلجرامي لتوفر جريمة إهمال عيال التي تعد بدورها‬
‫شرطا أساسيا لقيام الصندوق بدفع مبالغ النفقة أو جراية الطالق المحكوم بها يعتبر تضييقا في‬
‫مجال تدخل الصندوق‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫محمد الحبيب الشريف‪ :‬صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪39‬‬
‫مع أن البعض اعتبر أنه طالما كانت الغاية التشريعية من وراء إحداث الصندوق حماية الروابط العائلية عامة و مصلحة األبناء خاصة من التشرد‬
‫واالنحراف بعد انفصام العالقة الزوجية فإنه يمكن اعتبار منحة السكن فرعا من فروع الطالق تدخل بذلك ضمن النفقة والجراية العمرية مما يجعل‬
‫الصندوق متكفال بأدائها إيمانا من المشرع التونسي بأهمية المسكن في تحقيق الطمأنينة واالستقرار داخل األسرة وتدعيما منه ألبناء الطالق إو حاطتهم‬
‫بكافة الضمانات الكفيلة بتنشئتهم على أمس أخالقية سليمة ومبادئ إنسانية قويمة‪ .‬يراجع في ذلك‪ :‬حنان حمزة الحليوي‪ :‬االلتزامات المالية الناشئة من‬
‫الطالق‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2009-2008‬ص‪.90‬‬
‫ثم ان إقصاء حالة عدم تنفيذ حكم النفقة أو جراية الطالق بسبب عسر المدين من مجال تدخل‬
‫الصندوق إلى طرح اإلشكال حول ما إذا كان االنتفاع بخدمات الصندوق مقصو ار على‬
‫المطلقات وأطفال ميسوري الحال‪40‬؟‬

‫تجدر اإلشارة بداية أن توفر اليسر يكون من جهة المدين ال من جهة الدائنين الذين ال تختلف‬
‫حاجتهم نتيجة التلدد في دفع معين النفقة أو جراية الطالق عن حاجة غيرهم من دائني‬
‫الشخص المعسر هذا عالوة عن أن غموض مفهوم اإلعسار‪ 41‬وصعوبة إثباته يحدان كثي ار من‬
‫استعماله كسبب من أسباب اإلعفاء من المسؤولية الجزائية المقررة في الفصل ‪ 53‬مكرر من‬
‫م‪.‬أ‪.‬ش‪ . 42‬لعل كل هذه الصعوبات في تحديد مفهوم اإلعسار هي التي حدت بمحكمة التعقيب‬
‫إلى اعتبار شهادة الفقر المسلمة من العمدة إو ن كانت تفيد العجز عن اإلنفاق فإنها ال تعني‬
‫بالضرورة انتفاء عنصر القصد في جريمة إهمال عيال ألنه كان بإمكان المدين البحث‬
‫‪43‬‬
‫والحصول على عمل‪.‬‬

‫وبالرغم من كل هذه االحتياطات فإن الموازنة المالية للصندوق لم تسلم من العجز من جراء‬
‫ضعف نسب استخالص المبالغ المدفوعة‪ ،‬وتبعا لذلك ولكيال تبلغ الوضعية المالية للصندوق‬
‫نقطة الالعودة تدخل المشرع بمقتضى األمر عدد ‪ 826‬لسنة ‪ 2006‬المؤرخ في ‪ 23‬مارس‬
‫‪ 442006‬لتحديد المدة القصوى لتحمل الصندوق بالمبالغ المحكوم بها بثمانية أشهر في السنة‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫سامي بن زينب‪ :‬الجرائم العائلية‪ ،‬مذكرة شهادة الدراسات المعمقة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2001-2000‬ص‪.139‬‬
‫‪41‬‬
‫حاتم عبد الحميد الرواتبي‪ :‬بحوث في التأمينات العينية والشخصية‪ ،‬مؤلف جماعي‪ ،‬المطبعة العصرية‪ ،‬تونس‪ ،1999،‬ص ‪.279‬‬
‫‪42‬‬
‫ومثال ذلك ما أورده السيد عادل البراهمي في إحدى مقاالته متسائال‪ :‬هل يمكن اعتبار العامل اليومي معس ار وهو الذي يعمل طو ار وتعطل عن العمل‬
‫طو ار أخر؟ ألن يأخذ القاضي وضعيته تلك بعين االعتبار عند تقديره لمبلغ النفقة أو جراية الطالق؟ يراجع عادل البراهمي‪ :‬صندوق ضمان النفقة وجراية‬
‫الطالق‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،‬فيفري ‪ ،1998‬ص‪.53‬‬
‫‪43‬‬
‫قرار تعقيبي جزائي عـدد ‪ 9382‬مؤرخ في ‪ 14‬جانفي ‪ ،1973‬ن‪.‬م‪.‬ت لسنة ‪ ،1973‬جزء ‪ 1‬ص‪.203‬‬
‫‪44‬‬
‫وهو األمر المتعلق بتنقيح األمر عدد ‪ 1655‬لسنة ‪ 1993‬المتعلق بإجراءات تدخل صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق‪ ،‬الرائد الرسمي عدد ‪-25‬‬
‫‪ 28‬مارس ‪ ،2006‬ص ‪.1217‬‬

You might also like