Professional Documents
Culture Documents
مؤسسة صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق
مؤسسة صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق
إن محدودية الحقوق المالية الناشئة عن الطالق للمفارقة وأبنائها ،تفترض ضرورة إيجاد آليات
كفيلة للحد منها وذلك بهدف ضمان فاعليتها على أرض الواقع ،لذا كان على المشرع التدخل
إو رساء جملة من الهيئات التي يمكن لها أن تستوعب الصعوبات التي تنعكس على هذه الحقوق
وتذليلها بهدف الحفاظ عليها.
وكاستجابة لهذه الطلبات المتعددة والمتكررة والملحة ،ارتأى المشرع إحداث صندوق ضمان
النفقة وجراية الطالق بمقتضى القانون عدد 65لسنة 1993المؤرخ في ، 11999-7-5كما
هو معمول به في بعض البلدان العربية أو الغربية 2فاقتضى الفصل األول في فقرته الثانية من
القانون عدد 65لسنة 1993المؤرخ في 5جويلية ،1993إحداث صندوق يسمى" :صندوق
ضمان النفقة وجراية الطالق" ويعهد بالتصرف فيه إلى الصندوق الوطني للضمان االجتماعي
نظ ار لتواجد فروعه بكامل تراب الجمهورية ولتميزه بالمرونة في التصرف وبالخبرة في
استخالص الديون .3ويتبين من هذا أن صندوق ضمان النفقة ال يتمتع بالشخصية المعنوية وال
بذمة مالية مستقلة ،فال يمكنه أن يكون طرفا في أي نزاع قضائي إال ممثال بواسطة الصندوق
الوطني للضمان االجتماعي .4وقد حدد المشرع التونسي مجال تدخله إو جراءاته بصفة تتمكن
منها الزوجة المفارقة من ضمان نفقتها ونفقة أبنائها وموارده المالية التي تضمن استم ارريته
(المبحث األول).
وباعتبار أن مصلحة األسرة والحفاظ عليها يبقى الهدف األسمى الذي يرنو إليه المشرع
التونسي وذلك ثابت من خالل السياسة اإلصالحية التشريعية التي انتهجها منذ إرساء مجلة
األحوال الشخصية كان ال بد من تفعيل أساليب بديلة في فض المنازعات األسرية وذلك سواء
1
تم إحداث صندوق النفقة وجراية الطالق بمقتضى القانون عـدد 65لسنة 1993المؤرخ في 1993-7-5-وقد دخل حيز التنفيذ ابتداء من يوم -13
،1993-9في حين تعلق األمر عددـ 1655لسنة 1993المؤرخ في 9أوت 1993والمنقح بدوره بمقتضى األمرين عدد 671لسنة 1998المؤرخ
في 16مارس 1998واألمر عدد 826لسنة 2006المؤرخ في 2مارس 2006بإجراءات تدخل صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق .الرائد الرسمي
للجمهورية التونسية 28 ،مارس 2006عدد 25ص .1217
2
مثال "بنك الناصر" بمصر ،وصندوق "المنح العائلية" بفرنسا.
3
الرائد الرسمي للجمهورية التونسية :مداوالت مجلس النواب عدد 40في ،19936-15-ص .39
4
أنظر الفصل 8من القانون عدد 65لسنة .1993
على مستوى هيئات قضائية أوجدها المشرع التونسي والممثلة أساسا في قاضي األسرة 5وما له
من صالحيات مبناها الصلح والتوفيق بين األزواج. 6
حرص المشرع التونسي على حماية مؤسسة النفقة نظ ار لصبغتها المعاشية المتأكدة من خالل
التنقيحات واإلضافات التشريعية العديدة ،لكن التطبيق أظهر قصو ار وعدم فعالية في حالة
انحالل الروابط العائلية وما لذلك من نتائج وخيمة على أفراد األسرة عموما واألطفال خصوصا.
ومن منطلق الوعي بالصعوبات التي تواجهها المفارقة بطالق في تدبر معيشتها ومجابهة
تكاليف اإلنفاق على نفسها وعلى أبنائها عند تلدد المحكوم عليه بالوفاء بالنفقة وبجراية الطالق
المحكوم بها لفائدتها ولفائدة محضونيها ،جاء قرار إحداث صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق
بمقتضى القانون عدد 65لسنة 1993المؤرخ في " 1993-7-5بمثابة تكافال من المشرع مع
هذا الصنف من المطلقات الالتي يعجزن عن تنفيذ أحكام النفقة وجراية الطالق والتي تبقى حب ار
على ورق بالرغم من تمييز المشرع للنفقة بالنسبة لتنفيذها مدنيا".7
ان بعث هذه المؤسسة االجتماعية الهامة يترجم عن الرعاية التشريعية بالمرأة واألبناء ،8وحتى
تتضح لنا وظيفة صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ،وجب ضبط مجال إو جراءات تدخل
الصندوق بشكل يكفل سرعة تدخله ونجاعته من جهة (الفقرة األولى) واإلبقاء من جهة أخرى
على وظيفته الحقيقية باعتباره مجرد ضامن في خالص المستحقات من النفقة وجرايات الطالق
وليس حاال محل المحكوم عليهم بأداء تلك المستحقات والحفاظ على ثبات موارده وتحقيق
توازنه المالي بصورة دائمة ومتواصلة (الفقرة الثانية).
الفقرة األولى :مجال إو جراءات تدخل صندوق ضمان النفقة و جراية الطالق
5
رضا خماخم :التوجهات الحديثة للنظام القضائي في تونس ،منشورات مركز الدراسات القانونية والقضائية بو ازرة العدل ،ص .207
6
Vincent Jean et Guinchard Serge : Procédure civile, 25 éditions, Dalloz, p296.
7
حسيبة العربي :الضمانات القانونية لمستحقي النفقة وجراية الطالق ،مرجع سابق ،ص.24
8
نهلة جلول :حماية األسرة والطفولة في القانون التونسي ،م.ق.ت ،أكتوبر ،2005ص .193
- Samia Daoula: La consécration de principe de l'intérêt de mineur dans le code de statut personnel, RJL Avril
2007, p17.
حدد القانون عدد 65لسنة 1993المؤرخ في 1993-7-5المتعلق بإحداث صندوق ضمان
النفقة وجراية الطالق مجال تدخله من خالل ضبط األشخاص المستفيدين بخدماته (أ) وكذلك
الشروط اإلجرائية التي تخول االنتفاع به (ب).
فالمطلقات يتمتعن بخدمات الصندوق في خصوص النفقة إلى نهاية أمد العدة والمحددة بثالثة
أشهر بعد حكم الطالق الذي استوفى كافة أوجه الطعن فيه .كما تتمتع المفارقة بطالق
بخدمات الصندوق ما دام الموجب القانوني قائما إذا كانت من المحكوم لها بجراية عمرية
تعويضا عن ضررها المادي الناشئ عن الطالق ،فالنص اشترط أن يكون طلب االنتفاع
بخدمات الصندوق صاد ار عن مطلقة انحل عقد نكاحها بحكم من المحكمة.13
وقد طرح إشكال تطبيقي حول ما إذا كان التمتع بالجنسية التونسية يمثل شرطا ضروريا لتدخل
الصندوق أم ال؟
في هذا اإلطار أوضحت و ازرة الشؤون االجتماعية أنه يكفي أن يكون طالب الخدمة مقيما
بالتراب التونسي بقطع النظر عن جنسيته ومعنى ذلك أن المطلقة التونسية والتي يكون زوجها
9
جاء بالفصل األول أن" إحداث صندوق لضمان تسديد الّن فقة أو جراية الطالق المحكوم بها لفائدة المطلقات وأوالدهن حسب الشروط المنصوص عليها
بهذا القانون."...
10
يشير الفصل الثاني من القانون عدد 65لسنة 1993إلى أنه" :يمكن للمطلقات وأوالدهن الصادرة لفائدتهم أحكام باتة متعلقة بالنفقة أو بجراية
الطالق وتعذر تنفيذها لتلّد د المدين أن يتقدموا الصندوق النفقة وجراية الطالق بمطلب للحصول على المبالغ المستحقة."...
11كما جاء في الفقرة الثالثة من الفصل 53مكّر ر من مجلة األحوال الشخصية ما يلي ":ويتولى صندوق النفقة وجراية الطالق دفع مبالغ النفقة أو
جراية الطالق الصادرة بها أحكام باتة تعذر تنفيذها لفائدة المطلقات وأوالدهن من المحكوم عليه بسبب تلدده ،وذلك وفقا للشروط المنصوص عليها
بالقانون المحدث للصندوق ،ويحتل هذا األخير محل المحكوم لهم في استخالص المبالغ التي دفعها".
12
مداوالت مجلس النواب ،الرائد الرسمي عدد 40المؤرخ في 15جوان ،1993ص .33
13
رضا خماخم :مجلة األحوال الشخصية وحقوق الطفل ،مرجع سابق ،ص.107
المفارق من ذوي جنسية أجنبية يمكنها االنتفاع بخدمات الصندوق وكذلك الشأن بالنسبة
للمطلقة األجنبية والتي يكون مفارقها وأبنائها من ذوي الجنسية التونسية.14
وتبّن ي هذا الموقف فيه داللة واضحة على رغبة المشرع في تغليب المصلحة االجتماعية على
معيار الجنسية وذلك حفاظا على النظام العام االجتماعي التونسي.15
وال يتدخل صندوق النفقة وجراية الطالق لتخويل المطلقات وأبنائهن من االنتفاع بخدماته إال
من تاريخ تقديم الطلب للجهة المكلفة بالتصرف في أمواله وهو ما يجعلنا نتساءل حول
إجراءات هذا التدخل16؟
14
محمد الحبيب الشريف :النظام العام العائلي التجليات .مرجع سابق ،ص .433
15
حنان بن عبد اهلل :صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق مرجع سابق ،ص.13
16
سامي بن فرحات :كيف يمكن للمطلقات وأبنائهن التمتع بامتيازات الصندوق :التنقيحات الجديدة في التشريع التونسي ،الشركة التونسية للنشر ،1994
ص .33يراجع أيضا:
Abdelhamid Saidane: commentaire de l'article 53 bis du code de statut personnel, Mémoire faculté de droit et des
sciences politique de Tunis, 1973.
17
لم يضبط المشرع التونسي مفهوم التلدد لكن بالعودة للفصلين 268و 269من م.ا.ع اللذان نصا أن ":المدين يعتبر مماطال إن تأخر عن الوفاء بما
التزم به في الكل أو البعض لسبب غير صحيح" و"بمضي األجل المعين في العقد" ،وبتطبيق هذين التعريفين على الفصل 53مكرر من م.أ.ش فإن
المفارق بطالق يعد متلددا إذا تعمد عدم الوفاء بدين النفقة والجراية رغم قدرته عليه وأعاله بذلك قانونا مع استم ارريته في االمتناع عن األداء.
18وهو ما أيده فقه القضاء الفرنسي الذي اعتبر أن حالة التلدد "ال تثبت إال إذا تعلقت بالمدين قضية إهمال عيال" ،يراجع في ذلك:
-Cassation Criminel 27-06-1995, bulletin criminel, revue sciences criminelles 1996, p364.
19
حسيبة العربي :التشريعات االجتماعية المتعلقة بحماية األسرة في مجلة األحوال الشخصية وصندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ،مرجع سابق ،ص
.23
إن إسناد مهمة التصرف في صندوق ضمان النفقة والجراية إلى الصندوق الوطني للضمان
االجتماعي يمكن تبريره بتواجد فروعه بكامل تراب الجمهورية وتميزه بالمرونة في التصرف
والخبرة في استخالص الديون.20
إضافة لتقديم المطلب يجب على الزوجة المفارقة بطالق حتى تنتفع بخدمات الصندوق أن
تكّو ن ملفا لدى ذلك الصندوق ويجب أن يشمل الملف على الوثائق التالية :21نسخة من الحكم
القاضي بالنفقة أو بجراية الطالق -محضر إعالم المدين بالحكم -محضر محاولة تنفيذ
الحكم -شهادة في تقديم شكوى إهمال عيال تتسلمها المطلقة عند حضورها لدى السيد مساعد
وكيل الجمهورية -مضمون من دفاتر الحالة المدنية لكل من المحكوم لفائدتهم بالنفقة أو
بجراية الطالق -نسخة من الحكم المسند للحضانة إن وقع إسنادها لغير األبوين -شهادة
نشر فيها تاريخ الجلسة وعدد الشكاية من كتابة المحكمة المنشورة لديها القضية.
بموجب تنقيح 23مارس 2006عوضت شهادة في تقديم شكوى بشهادة في نشر قضية إهمال
عيال لدى قاضي الناحية المختص ترابيا بناء على أنه يمثل النيابة العمومية داخل تراب
الجمهورية وهو الذي يبحث في الشكوى ثم يقضي في شأنها إلى جانب الرغبة في التخفيف عن
المطلقة في خصوص الشهائد اإلدارية وفي األعباء المالية ألن كل شهادة خاضعة لطابع
الجبائي ,22مع العلم وأن شهادة النشر تتضمن عدد القضية واسم المتهم والتهمة المنسوبة إليه
وعدد الشكاية وتاريخ تقديمها لمكتب الضبط وتاريخ الجلسة .إال أن تقديم شهادة نشر غير
كافية لوحدها لتواصل دفع المستحقات ,فحسب الفقرة الثانية من الفصل 6من أمر 9أوت
" 1993على المنتفعين بالنفقة أو بجراية الطالق والذين لهم قضايا إهمال عيال الزالت منشورة
لدى المحاكم تقديم شهادة في مآل القضية وذلك مرة كل ثالثة أشهر ،وكلما اقتضت الحاجة
ذلك" ،وهو ما يعني أن المطلقة التي تم صرف الجراية لها تبقى على اتصال بالصندوق لتوافيه
بمآل الدعوى الجزائية في إهمال عيال التي على ضوئها يتقرر إبقاء هذا التدخل أو إيقافه.
وتجدر اإلشارة إلى أن تنقيح 2006أضاف كذلك إلى جملة الوثائق المذكورة سابقا شهادة في
عدم الطعن باالستئناف أو بالتعقيب في حكم الطالق ونسخة من الحكم البات القاضي بالنفقة
20
رضا خماخم :أحكام النفقة في م.أ.ش بعد تنقيح ،1993-7-12مرجع سابق ،ص.114
21
الفصل 2من امر 9اوت .1993
22
حسيبة العربي :التشريعات االجتماعية المتعلقة بحماية األسرة في مجلة األحوال الشخصية وصندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ،مرجع سابق ،ص
.22
وبجراية الطالق وهي وثائق على المطلقة اإلدالء بها حرصا من المشرع على أن صرفها ال
يكون إال للمستحقين الذين أثبتوا استحقاقهم لها واقعا وقانونا.
ومهما يكن من أمر فإن الصندوق يتولى صرف المبالغ المحكوم بها مشاهرة خمسة عشر يوما
بعد تقديم المطلب ،وفق ما جاء بالفقرة األخيرة من الفصل الثاني من القانون المحدث
للصندوق .23ويستمر في صرف المبالغ إلى زوال موجبها طبقا لما ينص عليه الفصل التاسع
من نفس القانون :يتوقف صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق عن صرف مبالغ النفقة أو
جراية الطالق في كل الحاالت التي لم يعد هناك موجب لصرفها" .والتي تعرض إليها الفصل
السابع من األمر المنظم إلجراءات تدخل صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ،كصورة الحكم
بعدم سماع الدعوى في قضية إهمال عيال ،أو تزوج المطلقة من جديد ،أو انتقال الحضانة إلى
غيرها ،أو بلوغ أوالدها سن الرشد أو بعد هذه السن إلى نهاية مراحل تعلمهم على أن ال
يتجاوزوا الخامسة والعشرين من عمرهم ,غير أن الصندوق يتمادى في صرف النفقة للبنت إذا
لم يتوفر لها الكسب أو لم تجب نفقتها على زوجها ،وكذلك لألبناء المعوقين العاجزين عن
الكسب بغض النظر عن سنهم" .24
ما نالحظه من خالل هذه الفقرة األخيرة من الفصل ،7التطابق الكلي مع مقتضيات الفصل
36من مجلة األحوال الشخصية الذي يوجب إنفاق األب على أوالده المعوقين بغض النظر
عن سنهم وكذلك على بناته الالتي لم يتوفر لهن الكسب أو لم تجب نفقتهن على أزواجهن.
وخالصة القول فإن عدم دفع النفقة وجراية الطالق المترتب عنه جريمة إهمال عيال قد تجاوزه
المشرع التونسي من المجال القانوني إلى المجال االجتماعي بإحداث هذا الصندوق الذي جنب
الكثير من المطلقات وأوالدهن ويالت الخصاصة والتشرد واالنحراف والضياع وحفظ لهم
كرامتهم ومستقبلهم ،وضمن لهم عيشا مستقرا ،وبالتالي كرس الحماية القانونية لألسرة واقعا
واجتماعا وعزز وسائل التماسك األسري .وفي هذا الصدد قالت إحدى القاضيات ..." :إحداث
الصندوق يكتسي أهمية اجتماعية بالغة ...لقد أصبح القاضي أكثر اطمئنانا وأكثر راحة ألنه
23
والتي تنص على أنه ":يتولى الصندوق صرف مبالغ النفقة أو الجراية لمستحقيها مشاهرة في أجل ال يتجاوز الخمسة عشر يوما من تاريخ تقديم
المطلب المستوفي للشروط القانونية".
24
الفقرة األخيرة من الفصل 7من األمر عدد 671لسنة ،1998المؤرخ في 16مارس 1998والمتعلق بتنقيح األمر عدد 1655لسنة ،1993
المؤرخ في 9أوت .1993
يعرف أن المرأة المطلقة لن تضيع ولن يضيع أبناؤها .25"...لذا يعتبر صندوق ضمان النفقة
وجراية الطالق مكسبا اجتماعيا رائدا ،ال يوجد في جل الدول المتقدمة وهو إنجاز حضاري هام
يندرج ضمن منظومة حقوق اإلنسان ويستجيب لروح التشريع اإلسالمي المؤسس على فعل
الخير ومعاضدة الضعفاء إو عالء روح التكافل والتعاون ،وبالتالي نحت مالمح مجتمع متوازن
ومتماسك .وبذلك يكون المشرع أيضا قد استجاب لموروثه الحضاري في تدعيم حماية األسرة
وفي الوقت ذاته واكب التزاماته الدولية المتعلقة بالحقوق االجتماعية واالقتصادية وبحقوق المرأة
والطفل على وجه الخصوص.26
وبتقديم الطالب الوثائق المذكورة يصبح األمر موكوال إلدارة الصندوق القومي للضمان
االجتماعي بدراسة المطلب ويتخذ عند توفر الشروط القانونية قرار بتحمل مبالغ النفقة أو جراية
الطالق ويشرع في صرف هذه المبالغ لمستحقيها في األجل المحدد بواسطة حواالت بريدية
شهرية وفي المقابل يحتفظ بحق الرجوع على المدين إذ أن ديمومة الصندوق ومن ورائه ديمومة
الحماية التي يوفرها للمرأة وحقوقها المالية في ارتباط وثيق بتوازنه المالي.27
تمثل الحاجة أساس بعث الصندوق فضال عن أن المقصود هو حاجة المفارقة وأبنائها ال حاجة
الزوج الملزم باألداء وبالتالي فإن تدخل الصندوق بالدفع ال يعفي المفارق الذي يبقى مطالبا
بإرجاع المبالغ التي سبقت لفائدة المفارقة وأبنائها وذلك حفاظا على ديمومة الصندوق من ناحية
(أ) إو لى التضييق من مجال تدخله من ناحية أخرى (ب).
بعيدا عن مناقشة الطبيعة القانونية للعالقة التي تربط صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق
بالصندوق الوطني للضمان االجتماعي ،28فإن الفوائد العملية من تكليف هذا األخير بالتصرف
في صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق متعددة ولعل أهمها يتمثل في استغالل البنية التحتية
25
رجاء قاسم قاضية مشاركة في ندوة حول مكاسب المرأة التونسية في سياقها االجتماعي والحضاري" ،جريدة الحرية ،ليوم .1992-09-01
26
محمد الحبيب الشريف :صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ،ص . 59-58
محمد الحبيب الشريف :مجلة األحوال الشخصية ،تعليق ص .407
27
محمد اللجمي :قانون األسرة ،تونس ،2008ص .522
28
حسيبة العربي :التشريعات االجتماعية المتعلقة بحماية األسرة في مجلة األحوال الشخصية وصندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ،مرجع سابق ،ص
.24
والموارد البشرية التي يملكها األول لفائدة الثاني وهو ما من شأنه أن يوفر على صندوق ضمان
النفقة وجراية الطالق كل األعباء المالية المترتبة عن التسيير من جهة أولى ويضمن جودة
الخدمات المقدمة من جهة أخرى.
أما في خصوص المصادر المباشرة للتمويل فقد عددها الفصل 7من القانون عدد 65لسنة
1993يمكن تصنيفها إلى مصدرين :مصدر تمويل خارجي من مساهمة الدولة ومن الهبات
والعطايا ومصدر تمويل داخلي من المبالغ المستخلصة وفوائض التأخير وغرامات التعويض مع
مداخيل االستثمار.
وبالنظر إلى أن التزام الصندوق مبني على التزام الضامن الشخصي ,29فإن له الحق في
الحلول محل الدائن في حقوقه المتعلقة بذلك الدين ليتسنى له الرجوع على المدين عمال بأحكام
الفصل 226من م.ا.ع .إال أن المشرع لم يكتف بهذا الحل العام الذي قد يثير تطبيقه
العديد من الصعوبات ،30بل أفرد حلول الصندوق بفصل خاص هو الفصل 3من القانون
المحدث له حيث خول له أن يحل محل مستحقي النفقة أو الجراية فيما لهم من الحقوق على
الشخص المطالب بالمبالغ المحكوم بها وخول له استخالص تلك المبالغ في حدود ما قام
بدفعه".
وبالتأمل في القواعد العامة لإلحالة التي يشير إليها المشرع في الفصل 228من م.ا.ع نجدها
تقصي النفقة وجراية الطالق من مجال الحلول إذ يشترط الفصل 213من م.ا.ع أن يكون
الدين المحال قابال للتصرف فيه .31ولئن لم يحل نفس الفصل 228إلى الفصل 201من نفس
المجلة والذي يشترط أال يكون موضوع اإلحالة حقا ذا صبغة شخصية بحتة وأن يكون قابال
للعقلة فإن هناك نصوصا صريحة تمنع عقلة دين النفقة.32
29
يصنف جانب من الفقه مؤسسة الحلول الشخصي سواء كان اتفاقيا أو بمفعول القانون ضمن التأمينات الشخصية ،راجع في ذلك :محمد بقبق:
الحلول الشخصي أداة ائتمان ،المجلة القانونية التونسية ،1996ص .55ويراجع في خصوص هذه المسألة:
Meurisse (M): Une institution pleine d'avenir : la subrogation de l'article 1251-3, Gazette du Palais 12 Mars 1968,
p 67.
30
يورد الفصل 226من م.ا.ع قائمة بحاالت الحلول بموجب القانون ،وقد تثير هذه القائمة إشكاال بشأن ما إذا كان بإمكانها أن تشمل حلول صندوق
ضمان النفقة ام ال.
31
في حين أن دين النفقة دين متعلق بشخص الدائن وبالتالي ال يجوز التصرف فيه من ذلك مثال الفصول 378و 1464من م.ا.ع الذي يمنع إمكانية
الصلح في خصوص دين النفقة.
32
من ذلك الفصل 331من م.م.م.ت.
غير أن هذه الشروط العامة لإلحالة ال يمكن أن تشكل عائقا أمام تمتع صندوق النفقة وجراية
الطالق بحق الحلول إذا ما اعتبرنا قانون 5جويلية 1993الذي يستثني تطبيق القواعد العامة
ويضع محلها قواعد خاصة ليتمكن الصندوق من استرجاع المبالغ التي دفعها للمطلقة وأبناءها.
ومن مظاهر الطابع الخاص للقواعد المنظمة لحلول الصندوق هو أنه خالفا للقواعد العامة
للحلول التي ال تخول للحال أن يرجع على المدين إال في حدود ما دفعه ،فإن الفقرة األولى من
الفصل 5من نفس القانون جاءت تنص أنه "توظف على مقدار النفقة أو جراية الطالق
المحكوم بها والذي لم يقع تسديده من طرف المحكوم عليه إلى صندوق ضمان النفقة وجراية
الطالق غرامة تأخير تحمل على المدين لفائدة الصندوق وتحتسب على أساس الفائض القانوني
المعمول به في المادة المدنية بداية من تاريخ إنذار المدين من طرف الصندوق المذكور".
ويرجع توظيف هذه الغرامة لسببين :33األول يتمثل في الضغط على المدينين لكيال يطول
تلددهم إذ كلما حصل ذلك زادت قيمة دينهم بما يجعل من مصلحتهم اإلسراع بالتنفيذ أما
السبب الثاني فهو اقتصادي ويرمي إلى تفادي النقص في القيمة الحقيقية للمبالغ المدفوعة
بمرور الزمن.
ولضمان حق الصندوق في استخالص مبالغ النفقة وجرايات الطالق متع القانون ديون
الصندوق باالمتياز العام لخزينة الدولة وخول له استخالص تلك الديون بواسطة بطاقات جبر
أو بطاقات إلزام 34والتي تصبح نافذة المفعول حاال بإمضاء وزير الشؤون االجتماعية وأن
االعتراض عليها ممن صدرت ضده ال يوقف تنفيذها.
ويرجع إضفاء صبغة الدين العمومي على المبالغ التي دفعها الصندوق إلى الطبيعة القانونية
للصندوق الوطني للضمان االجتماعي من ناحية وباعتبار أن ميزانية الدولة تساهم مباشرة في
تمويل صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق 35من ناحية أخرى ،بل يمكن القول أن مساهمة
33
محمد الحبيب الشريف :صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ،مرجع سابق ،ص .13
34
بطاقة اإللزام هي عبارة عن سند تنفيذي تصدره وتوقعه اإلدارة بمفردها ،أما بطاقة الجبر فهي سندات تصدرها اإلدارة في نفس الصيغ التي تصدر
فيها بطاقة اإللزام لكنها تختلف عن هذه األخيرة بكونها ملزمة إال بعد أن تعرض على القضاء ليكسبها بالصيغة التنفيذية :يراجع الفصل 4من القانون
المحدث للصندوق.
35
الفصل 7من القانون المحدث للصندوق.
الدولة تعتبر هي المصدر الفعلي الوحيد تقريبا لتمويل الصندوق وذلك أمام ضعف نسبة
استرداد الصندوق للمبالغ المسبقة للمستفيدين.36
في الواقع فإن المشرع التونسي عند إحداثه للصندوق وتشدده في وضع الشروط الالزم توفرها
لتدخل صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق لم يكن غافال عن العبء المالي الذي سيتحمله
هذا األخير ،مما جعله يسعى إلى الحد من مجال تدخله قدر اإلمكان.
يعد حصر المنتفعين بخدمات الصندوق في المطلقات وأوالدهن دون غيرهم من األشخاص
الصادرة لفائدتهم أحكام باتة بالنفقة المظهر البارز للحد من مجال تدخله وينجر عن هذا
التضييق من حيث األشخاص استبعاد كل من األصول واألحفاد والمتحصلين على حكم بالنفقة
على أساس الفصل 49من م.أ.ش.
كما تخرج عن نطاق تدخل الصندوق جميع أحكام النفقة الصادرة حال قيام الزوجية سواء لفائدة
الزوجة أو األبناء ،ومن هذا المنطلق ،فإن التضييق في مجال تدخل الصندوق يشمل زوجة
التي يقضي لها بالنفقة من محكمة الناحية وعالقتها الزوجية متواصلة لتخلي الزوج عن واجب
اإلنفاق المحمول عليه على أساس الفصل 23من م.أ.ش أو يقضي لها بالنفقة في الق اررات
الفورية التي يتخذها قاضي األسرة عند فشل مساعيه الصلحية أو النفقة المحكوم بها في اطار
ق اررات الحماية الصادرة عنه فتكون مستثناة من مجال تدخل الصندوق وبالتالي من االنتفاع
بخدماته.
ويبدو أن تضييق مجال تدخل الصندوق على هذا النحو يرجع أساسا إلى الرغبة في تالفي
إثقال كاهل الصندوق ماديا إذ أن توسيع مجال تدخل الصندوق يتطلب توفير موارد مالية هامة
قد يصعب على الصندوق توفيرها.37
وباعتبار أن مجال تدخل الصندوق ينحصر في صدور حكم باتا بالنفقة أو الجراية بعد انحالل
الرابطة الزوجية بموجب الطالق ،فقد طرح اإلشكال حول مدى اعتبار نفقة الزوجة واألوالد
36
في إطار إحصائية رسمية أفادت أنه إلى حد موفى شهر ماي 1997لم يتمكن الصندوق من استخالص سوى 5.7بالمائة من جملة المبالغ
المستحقة و قد فسر األستاذ الحبيب الشريف هذه النسبة بكون "الصندوق ال يتدخل إال في الحاالت المستعصية و بعد استنفاد جميع إمكانيات التنفيذ من
قبل المستفيدين بالجراية أو بالنفقة" ،محمد الحبيب الشريف :صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ،مرجع سابق ،ص.30
37
حنان بن عبد اهلل :صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ،مرجع سابق ،ص.13
الصادر بها قرار فوري أو مطلب حماية عن قاضي األسرة حكما باتا باعتبار أنها تنفذ على
المسودة وال تقبل االستئناف والتعقيب وكذلك حكم النفقة الصادر عن قاضي الناحية على
أساس الفصل 39من م.م.م.ت الذي ينفذ على المسودة بقطع النظر عن الطعن فيه
باالستئناف؟
إن حكم قاضي الناحية وحده يوجب تدخل الصندوق متى توفرت بقية شروط االستفادة بخدمات
الصندوق خاصة سابقية صدور حكم بات بالطالق ،أما القرار الفوري أو مطلب الحماية المتخذ
من طرف قاضي األسرة فهو ال يستوجب تدخل الصندوق وذلك لعدم توفر صفة المطلقة لدى
الزوجة عند اتخاذه معتب ار البعض أن المطلقة وأوالدها بإمكانهم االنتفاع بخدمات الصندوق
سواء كان الحكم القاضي لها وألوالدها بالنفقة سابق الصدور عن حكم طالقها أو الحقا .فالعبرة
في صدور الحكمين بصفة باتة قبل تقديم المطلب بقطع النظر عن األسبق من حيث تاريخ
الصدور هل هو حكم الطالق بات أو حكم النفقة البات أيضا. 38
وتجدر اإلشارة أن عمل الصندوق سار على التأويل الضيق لعبارة النفقة وهو ما طرح إشكاال
حول مدى تكفل الصندوق بدفع مبالغ منحة السكن المقررة لفائدة الحاضنات المفارقات بطالق؟
ولئن أحاط القانون عدد 20والمؤرخ في 4مارس 2008حق السكنى بحماية جزائية نص
عليها بالفصل 56مكرر من م.أ.ش معتمدا في ذلك نفس العقوبات المقررة لجريمة عدم دفع
مال النفقة والجراية الواردة بالفصل 53مكرر من م.أ.ش ولئن اتحدت طبيعة منحة السكن مع
النفقة والجراية فإنه لم ينص صراحة على تدخل صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ألداء
منحة السكن وهو ما يقصيها من مجال تدخل الصندوق.39
إو لى جانب تقييد مجال تدخل الصندوق من حيث األشخاص المنتفعين به واألحكام التي تدخل
في نطاقه ،فإن اشتراط عنصر القصد اإلجرامي لتوفر جريمة إهمال عيال التي تعد بدورها
شرطا أساسيا لقيام الصندوق بدفع مبالغ النفقة أو جراية الطالق المحكوم بها يعتبر تضييقا في
مجال تدخل الصندوق.
38
محمد الحبيب الشريف :صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ،مرجع سابق ،ص .40
39
مع أن البعض اعتبر أنه طالما كانت الغاية التشريعية من وراء إحداث الصندوق حماية الروابط العائلية عامة و مصلحة األبناء خاصة من التشرد
واالنحراف بعد انفصام العالقة الزوجية فإنه يمكن اعتبار منحة السكن فرعا من فروع الطالق تدخل بذلك ضمن النفقة والجراية العمرية مما يجعل
الصندوق متكفال بأدائها إيمانا من المشرع التونسي بأهمية المسكن في تحقيق الطمأنينة واالستقرار داخل األسرة وتدعيما منه ألبناء الطالق إو حاطتهم
بكافة الضمانات الكفيلة بتنشئتهم على أمس أخالقية سليمة ومبادئ إنسانية قويمة .يراجع في ذلك :حنان حمزة الحليوي :االلتزامات المالية الناشئة من
الطالق ،رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص ،السنة الجامعية ،2009-2008ص.90
ثم ان إقصاء حالة عدم تنفيذ حكم النفقة أو جراية الطالق بسبب عسر المدين من مجال تدخل
الصندوق إلى طرح اإلشكال حول ما إذا كان االنتفاع بخدمات الصندوق مقصو ار على
المطلقات وأطفال ميسوري الحال40؟
تجدر اإلشارة بداية أن توفر اليسر يكون من جهة المدين ال من جهة الدائنين الذين ال تختلف
حاجتهم نتيجة التلدد في دفع معين النفقة أو جراية الطالق عن حاجة غيرهم من دائني
الشخص المعسر هذا عالوة عن أن غموض مفهوم اإلعسار 41وصعوبة إثباته يحدان كثي ار من
استعماله كسبب من أسباب اإلعفاء من المسؤولية الجزائية المقررة في الفصل 53مكرر من
م.أ.ش . 42لعل كل هذه الصعوبات في تحديد مفهوم اإلعسار هي التي حدت بمحكمة التعقيب
إلى اعتبار شهادة الفقر المسلمة من العمدة إو ن كانت تفيد العجز عن اإلنفاق فإنها ال تعني
بالضرورة انتفاء عنصر القصد في جريمة إهمال عيال ألنه كان بإمكان المدين البحث
43
والحصول على عمل.
وبالرغم من كل هذه االحتياطات فإن الموازنة المالية للصندوق لم تسلم من العجز من جراء
ضعف نسب استخالص المبالغ المدفوعة ،وتبعا لذلك ولكيال تبلغ الوضعية المالية للصندوق
نقطة الالعودة تدخل المشرع بمقتضى األمر عدد 826لسنة 2006المؤرخ في 23مارس
442006لتحديد المدة القصوى لتحمل الصندوق بالمبالغ المحكوم بها بثمانية أشهر في السنة.
40
سامي بن زينب :الجرائم العائلية ،مذكرة شهادة الدراسات المعمقة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،السنة الجامعية ،2001-2000ص.139
41
حاتم عبد الحميد الرواتبي :بحوث في التأمينات العينية والشخصية ،مؤلف جماعي ،المطبعة العصرية ،تونس ،1999،ص .279
42
ومثال ذلك ما أورده السيد عادل البراهمي في إحدى مقاالته متسائال :هل يمكن اعتبار العامل اليومي معس ار وهو الذي يعمل طو ار وتعطل عن العمل
طو ار أخر؟ ألن يأخذ القاضي وضعيته تلك بعين االعتبار عند تقديره لمبلغ النفقة أو جراية الطالق؟ يراجع عادل البراهمي :صندوق ضمان النفقة وجراية
الطالق ،م.ق.ت ،فيفري ،1998ص.53
43
قرار تعقيبي جزائي عـدد 9382مؤرخ في 14جانفي ،1973ن.م.ت لسنة ،1973جزء 1ص.203
44
وهو األمر المتعلق بتنقيح األمر عدد 1655لسنة 1993المتعلق بإجراءات تدخل صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ،الرائد الرسمي عدد -25
28مارس ،2006ص .1217