Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 24

‫مـقـدمــة ‪:‬‬

‫إن الصلح مؤسسة قانونية قديمة يعود تاريخ ظهورها الى القانون الروماني الذي ولو لم يعرفه‬
‫بمفهومه المعاصر‪ ،‬إال أ نه كرس مؤسسة شبيهة به تسمى ‪ PACTUM de NON PETENDO‬وهي‬
‫اتفاق يهدف إلى إنهاء كل رابطة قانونية قائمة يتخذ سواء شكل عقد تبرع أ و عقد معاوضة‪.‬‬
‫أل‬
‫ثم بعد ذلك مع مجلة ‪ Justinien‬التي وضعت المالمح ا ولى للنظرية العامة للصلح وجعلته عقد‬
‫أل‬
‫معاوضة مستبعدة عقد التبرع‪ .‬كما تعرض الفقه اإلسالمي في مذاهبه ا ربعة لعقد الصلح الذي لم‬
‫يعتبره رافعا للنزاع فحسب‪ ،‬بل مانعا كذلك لوقوعه‪.‬‬

‫أ ما المشرع التونسي – على غرار نظيره الفرنسي‪ - 1‬فقد اعتنى بالصلح ويبرز ذلك من خالل تعدد‬
‫النصوص التي تطرقت له إذ كرس ما ال يقل عن عشرون فصال صلب مجلة االلتزامات والعقود وذلك‬
‫أل‬
‫من الفصول‪ 1458‬إلى ‪ ، 1477‬مقارنة بالمشرع ا لماني الذي لم يفرد عقد الصلح إال بنص يتيم ‪.2‬‬
‫أل‬
‫كما تدعم اهتمام المشرع التونسي بالصلح بجعله إجراء وجوبي في القضايا في بعض ا حيان وذلك‬
‫أل‬
‫باستدعاء ا طراف أ وال للصلح ثم عند التعذر للحكم‪ ،‬وبجعله إجراء اختياري في أ خرى‪ .‬وتشمل‬
‫أل‬
‫‪5‬‬
‫الشغلية‪،‬‬ ‫‪4‬‬
‫سرية والنزاعات‬ ‫الوجوبية عديد الميادين أ همها النزاعات أ مام قاضي الناحية‪ 3‬والنزاعات ا‬
‫‪6‬‬
‫التجاريةواإلجراءات‬ ‫وتبقى اختيارية – وإن نص عليها المشرع صراحة – في ميادين أ خرى كالنزاعات‬
‫الجماعية‪ .7‬كما جعل من الصلح سببا من أ سباب انقضاء الدعوى العمومية في الصور التي نص عليها‬
‫القانون‪.8‬‬

‫انظر الفصول ‪ 2044‬اىل ‪ 2058‬من اجمللة املدنية الفرنسية‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪.‬الفصل ‪ 749‬من اجمللة املدنية األملانية‬
‫‪3‬‬
‫الفصل ‪ 39‬م م م ت‬
‫‪4‬‬
‫الفصل ‪ 32‬م ا ش‬
‫‪5‬‬
‫الفصل ‪ 21‬و‪ 207‬م ا ش‬
‫‪6‬‬
‫الفصل ‪ 40‬م م م ت‬
‫‪7‬‬
‫‪.‬القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 1995‬املؤرخ يف ‪ 17/04/1995‬واملتعلق باملؤسسات اليت متر بصعوبات اقتصادية‬
‫‪8‬‬
‫‪.‬الفصل ‪ 4‬فقرة ‪ 6‬م ا ج نذكر على سبيل املثال جرائم الصرف‪ ،‬جرائم احمليط‪ ،‬اجلرائم القمرقية واجلرائم اجلبائية‬

‫‪1‬‬
‫ومن مزايا عقد الصلح أ نه يساهم في التخفيض من القضايا المنشورة أ مام المحاكم بإعتبار أ نه يؤدي‬
‫إلى إنهاء النزاع وديا ونهائيا بين الخصوم كما أ نه في نفس الوقت يمّك نهم من تالفي الكلفة الناجمة‬
‫أل‬
‫عن رفع النزاع إلى القضاء‪ ،‬ن الحكم القضائي عند صدوره يمكن أ ن يطعن أ حد الطرفين فيه‬
‫باالستئناف أ و بالتعقيب‪ ،‬أ و باالعتراض بالنسبة لمن لم يشمله الحكم وأ ضر بحقوقه‪ ،‬فتعيد‬
‫المحكمة النظر فيه من جديد ويتطلب ذلك وقتا ومصاريف إلى أ ن يصدر حكم نهائي قابل للتنفيذ‪.‬‬
‫والتنفيذ نفسه يستوجب مصاريف إضافية ترهق المتقاضي وتضر به ماديا ومعنويا‪.‬‬

‫فال غرابة‪ ،‬والحالة تلك‪ ،‬أ ن يشير مختلف دارسي عقد الصلح إلى تلك القولة الشهيرة ‪" :‬صلح‬
‫مجحف خير من حكم منصف" « ‪un mauvais arrangement vaut mieux qu’un bon‬‬
‫‪.» procès‬‬

‫وباعتبار أ ن اهتمامنا منصب على دراسة عقد الصلح صلب مجلة االلتزامات والعقود فإنه من‬
‫الضروري الوقوف على تعريف هذا العقد الذي أ فرده المشرع بنظام قانوني صلب المجلة المذكورة‬
‫في المقالة الحادية عشرة من الكتاب الثاني‪ ،‬وهو بذلك المعنى عقد مسمى وعقد خاص‪.‬‬
‫أ‬
‫لقد عرف الفصل ‪ 1458‬من المجلة المدنية الصلح ب نه "عقد وضع لرفع النزاع وقطع الخصومة‪،‬‬
‫ويكون ذلك بالتنازل كل من المتصالحين عن شيء من مطالبة أ و تسليم شيء من المال أ و الحق"‪.‬‬
‫أ‬
‫يتضح من هذا التعريف أ ن عقد الصلح يت سس على ثالثة عناصر وهي أ وال وجود اتفاق‬
‫‪ ،Convention‬ثانيا وجود وضعية تنازعية قائمة أ و محتملة مع نية حسمها ‪Situation litigieuse‬‬
‫‪ et la volonté d’y mettre fin‬وثالثا وجود تنازالت متبادلة ‪. Concessions réciproques‬‬

‫‪2‬‬
‫والمالحظ أ ن المشرع الفرنسي قد أ قصى عنصر التنازالت المتبادلة‪ 9‬لكن فقه القضاء الفرنسي‬
‫أ‬
‫أ ضافه بهدف إتمام ذلك التعريف‪ .10‬وت سيسا على ذلك يجوز القول أ ن عقد الصلح من اإلتفاقات‬
‫المنهية للنزاعات والتي يمكن أ ن تنطبق على سائر العقود‪ ،‬فيمكن أ ن يتخذ شكل عقد بيع‪ ،‬أ و عقد‬
‫معاوضة أ و عقد تبرع‪ .‬إذ في كل هذه العقود يمكن للمتعاقدين اإلتفاق على حسم خالفاتهما بصورة‬
‫ودية على أ ساس تنازالت متبادلة‪.‬‬
‫آ‬
‫وعنصر التنازالت المتبادلة هو الذي يميز عقد الصلح عن مفهوم خر شبيه له وهو الوصل القاطع‬
‫لكل حساب ‪.Reçu de solde de tout compte‬‬

‫إن وصل الخالص العادي ‪ Quittance‬هو كتب يعترف الدائن بمقتضاه باستخالص دينه من‬
‫مدينه‪ .‬لكن توجد حاالت يعمد فيها طرفين يكونان على إرتباط بعدة التزامات إلى إنهاء هذه‬
‫العالقات وذلك بواسطة الوصل يسمى وصل قاطع لكل حساب‪ .‬وهو يختلف عن وصل الخالص‬
‫العادي من كونه ال يعد وسيلة إثبات الخالص فقط‪ ،‬بل كذلك أ داة إلنهاء كل االلتزامات التي تربط‬
‫آ‬
‫هذين الطرفين سواء كانت نية أ و مستقبلية‪.‬‬
‫أل‬
‫وتعتمد هذه التقنية بكثافة في المادة الشغلية‪ ،‬حيث جرت العادة أ ن يقوم ا جير باإلمضاء على‬
‫وصل يستلمه من مؤجره عند انتهاء عقد الشغل الرابط بينهما يتضمن اعترافه بحصوله على كافة‬
‫مستحقاته‪ .‬يرى أ حد الفقهاء‪ 11‬أ ن الوصل القاطع لكل حساب ال يعتبر في حد ذاته عقد صلح إال إذا‬
‫أل‬
‫تضمن العناصر المكونة له إذ من الضروري التمييز بين صور ثالثة ‪ :‬إذا تحصل ا جير على‬
‫كامل مستحقاته (أ جر‪ ،‬منح‪ ،‬غرامات) فالوصل هو وصل خالص عادي‪ .‬وإذا لم يحصل على كامل‬

‫‪9‬‬
‫‪Art. 2044 du code civil français dispose : « La transaction est un contrat par lequel les parties terminent une‬‬
‫‪contestation née ou préviennent une contestation à naitre. Ce contrat doit être rédigé par écrit ».‬‬
‫‪10‬‬
‫‪Cass. civ. 3 Jan 1883. D. P, 1883, I, p. 457.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪Jacques de Gavre : « Le contrat de transaction en droit civil et en droit judiciaire privé » T1 : la transaction non judiciaire :‬‬
‫‪définition, domaine, conditions de formation et de validité, forme et preuve, p.82 et suiv. n°53 et suiv.‬‬

‫‪3‬‬
‫مستحقاته القانونية وتنازل من جانبه فقط عن جزء من حقوقه يعتبر الوصل كتب إسقاط‪ .‬أ ما إذا‬
‫أل‬
‫اتفق ا جير والمؤجر على تنازل كل منهما عن ادعاءاته ومطالبه فالعقد صلح‪.‬‬

‫ويختلف الصلح كذلك عن االعتراف بالدين ‪ Reconnaissance de dette‬وعن إسقاط الدين‬


‫أل‬
‫‪ Remise de dette‬في أ ن ا ول وسيلة إثبات لكن يمكن أ ن تتحول إلى كتب صلح إذا ما وجدت‬
‫نزاعات بين المتعاقدين حول مقدار الدين ويسعون إلى حسمها من خالل تبادل التنازالت‪ ،‬والثاني‬
‫ال يتضمن تنازالت متبادلة وإنما تضحية من جانب واحد‪.‬‬
‫أل‬
‫يتبين بالرجوع إلى ا حكام المنظمة لعقد الصلح صلب مجلة االلتزامات والعقود أ نها لم تكن على‬
‫غاية من الوضوح‪ ،‬سواء على مستوى مضمون بعض الفصول أ و كذلك الفوارق التي تشهدها‬
‫صياغتها بين النصين الفرنسي والعربي‪ .‬لكن مع ذلك فإن عقد الصلح اتسم بخصوصية واضحة من‬
‫خالل ازدواجية المتراوحة بين صبغته التعاقدية والحكمية ويتجلى ذلك من خالل إبراز كيفية‬
‫آ‬ ‫أل‬
‫إبرامه (الجزء ا ول) و كذلك من خالل بيان ثاره (الجزء الثاني) مما أ وجب التقسيم التالي ‪:‬‬
‫آ‬ ‫أل‬
‫الجزء ا ول‪ :‬إبرام عقد الصلح ‪ /‬الجزء الثاني‪ :‬ثار عقد الصلح‬

‫الجزء األ ول ‪ :‬إبرام عقد الصــلح ‪:‬‬


‫أل‬
‫يستوجب إلبرام الصلح توفر شروط موضوعية وشكلية (الفقرة ا ولى) للحديث بعد ذلك على مجال‬
‫تدخل القاضي فيه (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األ ولى ‪ :‬الشروط الموضوعية والشكلية لصحة وتكوين عقد الصلح ‪:‬‬

‫‪ -‬الشروط الموضوعية ‪:‬‬


‫أل‬
‫للصلح كما لسائر العقود أ ربعة أ ركان وهي ا هلية والرضاء والمحل والسبب استنادا إلى منطوق‬
‫أل‬
‫الفصل ‪ 2‬من م‪.‬إ‪.‬ع‪ .‬فتنطبق القواعد العامة المتعلقة با هلية والرضاء والمحل والسبب على عقد‬
‫‪4‬‬
‫الصلح‪ .‬إال أ نه بالنسبة للرضاء‪ ،‬فقد قلص المشرع من صور بطالنه‪ ،‬ويتجلى ذلك من خالل‬
‫أ‬
‫تكريس قاعدة عدم جواز البطالن على أ ساس الغلط في القانون والذي يعبر عنه المشرع "ب صل‬
‫الحكم"‪.‬‬
‫أل‬
‫يتسم عقد الصلح بإحدى القواعد الخصوصية التي تميزه بوضوح عن بقية العقود المسماة ا خرى‪،‬‬
‫وهي قاعدة عدم جواز الطعن فيه على أ ساس الغلط في القانون‪ ،‬حيث يعبر الفصل ‪ 1473‬م‪.‬إ‪.‬ع عن‬
‫ذلك بعدم جواز القيام "بفساد الصلح لجهل في أ صل الحكم"‪ .‬وتتجه المالحظة بصفة أ ولية أ ن‬
‫الصياغة الفرنسية لهذا النص تعبر عن ذلك بوضوح‪.12‬‬

‫ويعتبر استبعاد الغلط في القانون بالنسبة لعقد الصلح بمثابة استثناء من القاعدة العامة التي نص‬
‫أل‬
‫عليها الفصل ‪ 44‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬حيث اشترط لبطالن العقد على ذلك ا ساس أ ن يكون الغلط هو السبب‬
‫أل‬
‫الوحيد أ و السبب ا صلي في التعاقد وأ ن يكون مما يعذر فيه بالجهل‪.‬‬

‫والغلط في القانون هو "توهم أ حد المتعاقدين أ ن القانون ينص على قاعدة معينة في حين أ نه ينص‬
‫في الواقع على خالفها"‪ 13‬والذي يقابله الغلط في الواقع الذي يشمل أ ربعة حاالت منصوص عليها‬
‫بالفصول ‪ 45‬و‪ 46‬م‪.‬إ‪.‬ع وهي الغلط في ذات المعقود عليه والغلط في نوع الشيء والغلط في‬
‫أل‬
‫الصفة الموجبة للتعاقد والغلط في شخص المتعاقد أ و في صفته ا ساسية‪.‬‬

‫وقد وقعت محكمة التعقيب في إحدى قراراتها‪ 14‬في نوع من الخلط بين الغلط في الواقع والغلط‬
‫أ‬
‫في القانون في إطار ت ويل عبارة المشرع المتمثلة في "جهل العاقد لما له من حق" الواردة‬
‫بالفصل ‪ 44‬م‪.‬إ‪.‬ع والمتعلق بالغلط في القانون‪ .‬وقد تّم ذلك بمناسبة النظر في صلح أ برم‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫بين شخص وشركة ت مين تبعا إلصابته ب ضرار بدنية نتيجة حادث مرور‪ ،‬حيث رفع المتضرر ‪-‬‬
‫بعدما أ برم الصلح ‪ -‬دعوى ضدها طالبا عرضه على الفحص الطبي ثم القضاء له بالغرامات التي‬
‫‪12‬‬
‫‪« La transaction ne peut être attaquée pour erreur de droit… ».‬‬
‫‪13‬‬
‫‪.‬حممد الزين ‪ ،‬العقد ‪ ،‬تونس ‪ 1997‬طبعة ثانية ص ‪139‬‬
‫‪14‬‬
‫‪.‬قرار تعقييب مدين عدد ‪ 2078‬الصادر يف ‪( 17/05/1980‬جملة احملاماة‪ .‬العدد األول لسنة ‪ 1989‬ص ‪)185‬‬

‫‪5‬‬
‫يقع تقديرها على ضوء نتيجة اإلختبار‪ ،‬وفي المقابل دفعت الشركة المذكورة بسابقية إبرام الصلح‬
‫بينهما تسلم المدعي بمقتضاه مبلغا ماليا مقابل الضرر الحاصل له من الحادث مع تنازله عن كافة‬
‫الحقوق المنجرة عن ذلك الحادث‪.‬‬

‫بالرغم من وصفها للغلط بكونه جهل لما للمتعاقد من حق أ ي غلطا في القانون على معنى الفصل‬
‫أل‬
‫‪ 44‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬فإن محكمة التعقيب اعتبرت أ ن قضاة ا صل لم يخالفوا القانون لما قضوا ببطالن عقد‬
‫الصلح متجاهلة صريح الفصل ‪ 1473‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ .‬ويبدو أ نها اعتبرت هذا الغلط الذي وقع فيه المتضرر هو‬
‫غلطا في الواقع بالرغم من استعمال عبارة "جهل المتعاقد لما له من حق" بدليل اإلستناد إلى‬
‫الفصل ‪ 1472‬من نفس المجلة والمتعلق بالغلط المادي‪.‬‬
‫أ‬
‫ويبرر أ حد الفقهاء‪ 15‬إقصاء الغلط في القانون ك ساس لبطالن عقد للصلح أ ن الطرفان قد تنازال‬
‫بموجب هذا العقد عن حق الدعوى وعن الحصول على اإلعتراف القضائي بالنزاع‪ ،‬وبالتالي فمن غير‬
‫أل‬ ‫أ‬
‫المعقول أ ن يسمح لهما ب ن يطعنا في الصلح لغلط في القانون نهما بالصلح قد تنازال عن‬
‫معرفة القانون‪ ،‬فإذا أ جيز لهما هذا الطعن‪ ،‬عّد ذلك مخالفا إلرادتهما وللغرض من الصلح‪.‬‬

‫‪ -‬الشروط الشكلية ‪:‬‬

‫إن عقد الصلح بوجه عام هو عقد رضائي ‪ consensuel‬يعتبر الكتب فيه وسيلة إثبات وليس شرط‬
‫لصحته‪ .‬فالكتب وسيلة إلثبات العناصر المكونة لعقد الصلح وخاصة منهم التنازالت المتبادلة‪،‬‬
‫أل‬
‫ولكنه ليس بالوسيلة الوحيدة‪ ،‬إذ يجوز كذلك اعتماد الوسائل الكاملة ا خرى‪ ،‬وهي اإلقرار‬
‫واليمين الحاسمة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪Boyer : Notion de transaction. Librairie du receuil SIREY. 1947.‬‬

‫‪6‬‬
‫كما أ ن مشكل اإلثبات ال يطرح من أ ساسه بالنسبة للصلح القضائي‪ ،‬بالنظر إلى أ ن اإلتفاق يضّم ن‬
‫صلب محضر قضائي يعد من الحجج الرسمية التي ال تقبل الطعن إال بالزور طبق الفصلين ‪ 443‬و‬
‫‪ 444‬م إ ع‪ ،‬وهو ما أ كده فقه القضاء التونسي‪.16‬‬
‫أل‬
‫على أ ن ا مر يكون خالف ذلك إذا تعلق موضوع الصلح بعقارات‪ ،‬حيث ينص الفصل ‪ 1466‬م‪.‬إ‪.‬ع‬
‫أ‬
‫على أ ن "إذا كان في ضمن الصلح ما من ش نه إحداث حقوق على أ شياء قابلة للرهن العقاري أ و‬
‫تحويل حقوق على ما ذكر أ و تغييرها‪ ،‬فال يكون الصلح إال كتابة وال يحتج به على الغير إال إذا وقع‬
‫تسجيله حسبما تقرر من البيع"‪.‬‬
‫أل‬
‫وبالّت الي وتطبيقا ل حكام العامة المتعلقة بالبيع العقاري فإن عقد الصلح الذي موضوعه عقار يخضع‬
‫إلى نظامين مختلفين بإختالف طبيعة العقار‪ .‬فإذا ورد الصلح على عقار غير مسجل وجب تحرير‬
‫كتب رسمي أ و خطي مع وجوب ثبوت التاريخ قانونا بما يعنيه ذلك من تعريف بإمضاء الطرفين‪ .‬وال‬
‫يجوز اإلحتجاج بالكتب على الغير إال إذا سجل بالقباضة المالية‪ .‬أ ما إذا كان العقار مسجال فإن‬
‫أل‬
‫تحرير كتب الصلح موكول إلى ا شخاص الذين أ هلهم القانون لتحرير الصكوك واإلتفاقات الخاضعة‬
‫للترسيم بالسجل العقاري على معنى الفصل ‪ 373‬م‪.‬ح‪.‬ع‪.‬‬

‫وقد حدد الفصل ‪ 377‬مكرر م‪.‬ح‪.‬ع أ صناف محرري الصكوك وهم مدير الملكية العقارية أ و أ عوان‬
‫إدارة الملكية العقارية الذين وقع تكليفهم بمهمة التحرير وعدول اإلشهاد والمحامون المباشرون‬
‫غير المتمرنين‪ .‬وكل كتب صلح يحرر من طرف غير هؤالء يكون باطال بطالنا مطلقا‪.‬‬
‫أل‬
‫ويتحمل محرر عقد الصلح تطبيقا ل حكام العامة للبيع العقاري مسؤولية عقدية إزاء المتعاقدين‬
‫أل‬
‫عن مخالفته ل حكام المتعلقة بالترسيم وطبقا للتشريع الخاص بعدول اإلشهاد أ و المحامي‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪.‬قرار تعقييب مدين عدد ‪ 1424‬يف ‪( 20/12/1977‬ن‪.‬م‪.‬ت لسنة ‪ 1977‬قسم مدين ص‪)209.‬‬

‫‪7‬‬
‫وإذا ما توفرت شروط صحة وتكوين عقد الصلح‪ ،‬يطرح التساؤل بخصوص مجال تدخل القاضي‬
‫عند إبرام هذا العقد‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬مجال تدخل القــاضي عند إبرام عقد الصلح ‪:‬‬

‫قدمنا أ ن من أ هم مقومات عقد الصلح وجود نزاع قائم أ و محتمل‪ .‬فهذا العنصر من منظور الفقه‬
‫بمثابة جوهر العقد‪.17‬‬

‫بالرجوع إلى الفصل ‪ 1458‬م‪.‬إ‪.‬ع يتبين أ ن الصلح "عقد وضع لرفع النزاع أ و قطع الخصومة"‪.‬‬
‫وتفّر ق هذه الصياغة بين صنفين من النزاع ‪ :‬فعقد الصلح يستهدف إما "رفع النزاع" أ ي وضع حد‬
‫لنزاع قائم مطروح أ مام القضاء ويسمى بالتالي صلحا قضائيا ‪ Transaction judiciaire‬أ و يبرم‬
‫لتوقي نشوب نزاع في المستقبل‪ ،‬وهو ما يستنتج من عبارة "قطع الخصومة" ويكون بذلك الصلح‬
‫غير قضائي‪ .Transaction extrajudiciaire‬ولعل االستئناس بالصياغة الفرنسية يسمح بتوضيح‬
‫تلك التفرقة أ كثر‪.18‬‬
‫أل‬ ‫أل‬
‫وفي هذا الصنف ا خير من الصلح ال يلعب القاضي – مبدئيا – دورا نظرا ن النزاع لم يطرح على‬
‫القضاء‪ .‬لكن ال مانع في نظرنا بإدماج كل النزاعات مهما كانت طبيعتها صلب نفس عقد الصلح ثم‬
‫إخضاعه للمصادقة القضائية فيتم في نفس الوقت "رفع نزاع" و"قطع خصومة" وبالتالي إنهاء كل‬
‫أل‬
‫النزاعات القائمة والمستقبلية بين نفس ا طراف طالما كانت المبادرة من طرفهم‪ .‬حينئذ على‬
‫أل‬
‫القاضي المصادقة على الصلح المنهي لكل النزاعات بحضور ا طراف شخصيا‪ .‬وهذا الصلح وإن نص‬
‫على خالف لم يطرح بعد على القضاء فإنه يبقى ذو طابع قضائي باعتبار أ نه تمت المصادقة عليه من‬
‫طرف المحكمة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪Philippe Malaurie, Laurent Aynés, Pierre-Yves Gautier : Les contrats spéciaux, LGDJ, 7ème édition, p.581.‬‬
‫‪18‬‬
‫‪« La transaction est un contrat par lequel les parties…terminent une contestation née ou previennent une‬‬
‫‪contestation à naître ».‬‬

‫‪8‬‬
‫أل‬
‫أ ما بالنسبة للصلح القضائي‪ ،‬يختلف فيه دور القاضي بإختالف صور الصلح‪.‬الصورة ا ولى وهي التي‬
‫أل‬
‫يتفق فيها ا طراف أ ثناء سير الدعوى إخضاع عقد الصلح المبرم بينهما للختم القضائي‪ .‬فيكتفي‬
‫القاضي بإمضاء اإلتفاق دون أ ن يصدر قرارا معلال‪ ،‬ويسمى ذلك حكم تصديق ‪Jugement‬‬
‫‪ d’homologation‬أ و عقد عدلي‪. Contrat judiciaire‬‬

‫ومن الصور التطبيقية صورة الحكم بالمصادقة على الصلح في إطار إجراءات الجلسة الصلحية لدى‬
‫قاضي الناحية حسب الفصل ‪ 45‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت الذي ينص على أ نه "عندما يحضر الطرفان لدى القاضي‬
‫الناحية طوعا منهما أ و بعد استدعائهما كما يجب‪ ،‬يدعوهما للصلح‪ ،‬فإن استجابا له قضى بإمضائه‬
‫وإال أ مكنه القضاء بينهما في الحال بمحضر الكاتب بعد سماع مقالهما وتلقي مؤيداتهما"‪ .‬وكذلك‬
‫اإلتفاق الذي يعاينه ويبرمه القاضي المقرر على معنى الفصل ‪ 91‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪ .‬حيث ينص هذا الفصل‬
‫على أ نه ‪ " :‬إذا وقع صلح أ و مساعدة أ ثناء أ عمال البحث فإن القاضي المقرر يدون ذلك بتقريـر‬
‫مفـصل يوقعـه الخصوم ويضعون عليه عند التعذر عالمة إبهامهم أ و ينص على عدم إمكان ذلك‬
‫ويحيل القضية للمحكمة"‪ .‬وهو ما أ كدته محكمة التعقيب في إحدى قراراتها‪ 19‬أ ن الصلح كإجراء‬
‫يتصل بالشريعة العامة للصلح كيفما اقتضاها الفصول ‪ 1458‬وما يليه من م‪.‬إ‪.‬ع‪ .‬وهو توجه‬
‫مخالف تماما لموقف المشرع الفرنسي الذي نص بالفصل ‪ 80‬من مجلة المرافعات المدنية الفرنسية‬
‫أل‬
‫على أ ن المحاضر الصلحية التي يبرمها القاضي قابلة للتنفيذ الجبري ككل ا حكام القضائية‪.‬‬

‫لكن يمكن أ ن ينبثق إشكال يتمثل في معرفة طبيعة حكم التصديق هل يعتبر سندا تنفيذيا يمكن‬
‫أ‬
‫على أ ساسه القيام ب عمال التنفيذ أ و هو مجرد عقد ؟‬
‫أ‬
‫قبل اإليجابة على هذا السؤال يجب التذكير ب ن القانون التونسي ال يسمح بالتحلية بالصيغة‬
‫أل‬
‫التنفيذية إال ا حكام التي أ حرزت على قوة إتصال القضاء وهي التي لم تعد قابلة للطعن بإحدى‬
‫أل‬
‫الوسائل المعطلة للتنفيذ وا حكام التي أ ذن بتنفيذها الوقتي ولو لم تحرز على قوة إتصال القضاء‬
‫‪19‬‬
‫‪.‬قرار تعقييب مدين عدد ‪ 62965‬الصادر يف ‪( 16/02/1998‬غري منشور)‬

‫‪9‬‬
‫أل‬ ‫أ‬
‫عمال ب حكام الفصل ‪ 286‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪ ،‬أ و السندات القضائية غير الحكمية كا مر بالدفع (الفصل‬
‫أل‬
‫‪ 64‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت) وا ذون على العرائض (الفصل ‪ 220‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت)‪.‬‬

‫المشرع التونسي ‪ -‬خالفا لنظيره الفرنسي الذي يعتبر أ ن الصلح له حجية الشيء المقضي به‪ - 20‬لم‬
‫يعتمد قاعدة قانونية عامة بخصوص طبيعة حكم التصديق‪.‬‬

‫لكن ما يجب لفت النظر إليه أ ن هناك بعض النصوص الخاصة تعطي لحكم التصديق صبغة‬
‫حكمية‪ ،‬وذلك بإكسابه قوة السند التنفيذي‪ ،‬من ذلك القانون عدد ‪ 28‬لسنة ‪ 1994‬المؤرخ في‬
‫أل‬ ‫أل‬
‫‪ 21/02/1994‬والمتعلق بالتعويض عن ا ضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل وا مراض المهنية‬
‫أ‬
‫الذي ينص بفصله ‪ 74‬على أ ن قاضي الناحية يصادق على كتب الصلح وي ذن بالتنفيذ‪ ،‬وبمجرد‬
‫حصول المصادقة يكتسب كتب االتفاق قوة السند التنفيذي ويصبح قابال للتنفيذ الجبري عند‬
‫االقتضاء‪ ،‬والفصل ‪ 520‬من المجلة التجارية المتعلق بالصلح البسيط كحل من الحلول الطارئة‬
‫آ‬
‫على الفلسة الذي من نتائجه زوال ثار الفلسة‪ ،‬فقد نص الفصل المذكور على أ ن الحكم بإمضاء‬
‫الصلح يصيره نافذا جبرا‪.‬‬

‫وهنا تجدر اإلشارة إلى أ ن محكمة التعقيب قد إعتبرت أ ن "الحكم الصادر بإمضاء الصلح الواقع بين‬
‫الطرفين بمحض إرادتهم هو مجرد مصادقة من المحكمة عن االتفاق الحاصل بين الخصوم في‬
‫موضوع القضية وبما أ نه ال يبت في الخالف المنشور لديه ولذا لم تكن له قوة التنفيذ المستند‬
‫أل‬
‫ل حكام الحاسمة للخالف وإنما له قوة العقد الواقع بين الطرفين"‪.21‬‬

‫ويتحصحص مما سبق أ نه في غياب نص خاص يعطي لحكم التصديق صبغة السند القابل للتنفيذ‪،‬‬
‫فإن الحكم المذكور ال يعتبر حكما قضائيا ينفذ طبق إجراءات التنفيذ المنصوص عليها بمجلة‬
‫المرافعات المدنية والتجارية وإنما هو عقد وبالتالي ال يمكن تنفيذه إال بمقتضى قضية أ صلية‪ ،‬معنى‬
‫‪20‬‬
‫‪L’art. 2052 du code civil français prévoit : « Les transactions ont entre les parties, l’autorité de la chose jugée en dernier‬‬
‫‪ressort ».‬‬
‫‪21‬‬
‫‪.‬قرار تعقييب مدين عدد ‪ 7619‬مؤرخ يف ‪،28/06/1955‬ق‪.‬ت‪.‬عدد ‪ 1960 ، 10 ، 9‬ص ‪147‬‬

‫‪10‬‬
‫ذلك في صورة إذا لم ينفذ أ حد الطرفين بنود الصلح تلقائيا‪ ،‬كان من الالزم نشر قضّي ة أ صلية‬
‫إللزامه بذلك ويصبح عندئذ عقد الصلح مؤيد له صبغة رسمية باعتبار أ نه تمت المصادقة عليه‬
‫قضائيا‪.22‬‬

‫أ ما الصورة الثانية فهي الصورة التي يكون فيها الصلح ذاته موضوعا للحكم‪ .‬ويكون هذا الحكم‬
‫إتفاقيا ‪ Jugement convenu ou d’expédient‬أ ي أ ن ال يصدر الحكم بإمضاء الصلح كما ذكرنا‬
‫فيما سبق‪ ،‬وإنما يتفق الطرفين على إستصدار من المحكمة حكما بما تصالحا عليه من حيث‬
‫نصه ‪ . 23‬فيصدر القاضي حكما معلال ويحدد الحقوق وااللتزامات لكل طرف كما يحكم‬
‫بالتعويضات ‪ 24‬وبالمصاريف القانونية‪ ،‬لذلك فهو يعتبر حكما قضائيا يخضع لإلجراءات العادية‬
‫أل‬
‫المعتمدة في تنفيذ ا حكام القضائية‪.‬‬

‫وبالتالي فإن دور القاضي يمكن أ ن يكون سلبيا يقتصر على مجرد مصادقة على عقد الصلح دون‬
‫غيره‪ ،‬أ و إيجابيا يتجاوز تلك المصادقة للبت في مضمون الصلح وفي أ صل النزاع ويحكم‬
‫بالمصاريف القانونية ويصدر تبعا لذلك حكما قضائيا معلال أ ساسه عقد الصلح المبرم بين الخصوم‪.‬‬

‫ونتيجة لما سلف‪ ،‬فإن طبيعة عقد الصلح تختلف بإختالف درجة تدخل القاضي عند إبرامه‪ ،‬إما أ ن‬
‫يعتبر حجة رسمية إذا تمت المصادقة القضائية فحسب‪ ،‬وإما حكما قضائيا إن تدخل القاضي في‬
‫مضمون الصلح وأ صدر حكما معلال‪.‬‬
‫أل‬
‫لكن يبدو أ ن التقسيم المعتمد يخلو من كل فائدة ن تدخل القاضي في كلتا الحالتين له نفس‬
‫آل‬
‫ا ثار وهي إنهاء الخصومة بصفة نهائية وبالتالي ال نرى الفائدة من التمييز بين حكمين لهما في نهاية‬

‫‪22‬‬
‫‪Alain Bénabent, Droit civil, les contrats spéciaux civils et commerciaux, 7 édition, Delta Monchrestien, p.657.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪.‬علي كحلون‪ ،‬الصلح يف املادة املدنية‪ ،‬جملة القضاء والتشريع‪ ،‬جويلية ‪ 1998‬ص ‪37‬‬
‫‪24‬‬
‫‪E. Glasson, A. Tissier, R. Morel, Traité théorique et pratique d’organisation judiciaire de compétence et de‬‬
‫‪procédure civile, Paris, Lib. Du Rec. Sirey, 1925-1936, Tome 3, p. 22.‬‬

‫‪11‬‬
‫آل‬ ‫أل‬
‫ا مر نفس ا ثار بين المتصالحين عالوة أ ننا ال نفهم ما جدوى التعليل والحال أ نه يمكن اإلكتفاء‬
‫بالتصديق على عقد الصلح المنهي للخصومة‪.‬‬

‫وبات ربما من المجدي في غياب الفائدة من التقسيم المذكور اإلقتصار على حكم التصديق مع‬
‫إكسابه صبغة السند القابل للتنفيذ كيفما هو الحال في فرنسا‪.‬‬
‫أل آ‬
‫إذا توفرت الشروط الشكلية والموضوعية لعقد الصلح ينتج هذا ا خير ثاره القانونية‪.‬‬

‫الجزء الثـاني ‪ :‬آ ثار عقد الصــلح ‪:‬‬

‫الصلح غير قضائيا كان أ و قضائيا هو عقد‪ ،‬إال أ ن القانون يسند له نفس خاصيات الحكم القضائي‬
‫آ‬ ‫آ‬ ‫أ‬
‫فيما يتعلق بالحقوق التي تم التصالح بش نها‪ .‬وبالتالي فإن ثار الصلح لها طابع مزدوج ‪ :‬فهي ثار‬
‫أل‬
‫لها طبيعة تعاقدية (الفقرة ا ولى) ولها طبيعة قضائية (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫آل‬ ‫أل‬
‫الفقرة ا ولى ‪ :‬ا ثار ذو طبيعة قضائية‪:‬‬

‫كالحكم القضائي‪ ،‬يحقق الصلح أ ثره اإلنقضائي من خالل حسمه للنزاع (‪ ،)1‬كما يحقق أ ثره‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الكاشف من خالل ت كيد الوضع القانوني للحقوق التي تم التصالح في ش نها (‪.)2‬‬
‫أل‬
‫‪ – 1‬ا ثر اإلنقضائي للصلح ‪Effet extinctif :‬‬

‫يترتب على الصلح "سقوط الحقوق والدعاوى التي انعقد عليها" وذلك إستنادا إلى منطوق الفصل‬
‫‪ 1467‬م‪.‬إ‪.‬ع‪.‬‬

‫ومن نتائج هذه القاعدة تخلي القاضي عن الدعوى ‪ dessaisissement du juge‬وهي صورة وجود‬
‫أ‬
‫نزاع قائم منشور أ مام القضاء ويتولى الطرفين إجراء الصلح في ش نه في أ ي طور من أ طوار القضية‬

‫‪12‬‬
‫فيحسم النزاع وينهي سير القضية‪ 25‬شرط أ ن يكون ذلك قبل حكم بات وإال كان النزاع محسوما‬
‫بواسطة الحكم ال الصلح‪.‬‬

‫وتبعا لما تقدم فإن الصلح المبرم أ مام قاضي الناحية في إطار الجلسة الصلحية تنتهي به الدعوى‬
‫وتنقضي والية المحكمة على الخصومة وال يصح صرفها للجلسة الحكمية‪.‬‬

‫وتجدر المالحظة أ ن الصلح المبرم أ مام قاضي الناحية في إطار الجلسة الصلحية يتوقف على حضور‬
‫أل‬ ‫أل‬
‫ا طراف المتنازعة أ مامه شخصيا ن القاضي إنما يقوم بدور الموثق وهي مهمة ال يجوز له القيام بها‬
‫إال بحضور الطرفين‪ .‬وال مانع قانونا أ ن يحضر شخص نيابة عن احد الخصوم بموجب توكيل إال أ ن‬
‫أل‬ ‫أل‬
‫بعض المحاكم ترفض التوكيل وتفرض حضور المعني با مر شخصيا مثلما هو ا مر بالنسبة لمحكمة‬
‫ناحية منزل تميم مثال‪.‬‬

‫لكن يمكن أ ن ينبثق إشكال يتعلق بمعرفة ما هو الفرق بين عقد الصلح طبق م‪.‬إ‪.‬ع ‪Transaction‬‬
‫والصلح كإجراء ‪ Conciliation‬؟‬

‫لقد حاولت محكمة التعقيب في أ حد قراراتها‪ 26‬اإليجابة على السؤال في إطار قضية شغلية‬
‫‪27‬‬

‫واعتبرت أ ن "الصلح المنصوص عليه بالفصل‪ 207‬من مجلة الشغل هو نفسه الصلح الوارد ضمن‬
‫الفصل‪ ،1458‬ضرورة أ ن كال منهما يضع حدا للخالف القائم بين الطرفين‪ ،‬سواء من خالل تنازل‬
‫أل‬
‫كل منهما على جزء من طلباته أ و من خالل التوصل إلى إستئناف العالقة الشغلية‪ ،‬بعد تنازل ا جير‬
‫على طلباته في غرامات الطرد مقابل التزام المؤجر بإستمرار العالقة الشغلية"‪.‬‬

‫لكن حسب نظرنا فإن القرار التعقيبي قد جانب الصواب حين اعتبر الصلح كإجراء هو نفسه الصلح‬
‫أل‬
‫كعقد والحال أ ن ا ول يمكن أ ن ينجر عنه الثاني بمعنى أ نه في الجلسة الصلحية يقوم القاضي بما‬

‫‪25‬‬
‫‪.‬قرار تعقييب مدين عدد ‪ 12359‬الصادر يف ‪ 18‬جويلية ‪( 1985‬ن‪.‬م‪.‬ت لسنة ‪ 1986‬قسم مدين ص‪)116 .‬‬
‫‪26‬‬
‫‪.‬قرار تعقييب مدين عدد ‪ 62965‬يف ‪( 16/02/1998‬غري منشور)‬
‫‪27‬‬
‫‪ .‬يفرض املشرع على قاضي الشغل القيام مبحاولة صلح بني األطراف قبل احلكم حسب الفصل ‪ 207‬م‪.‬ش‬

‫‪13‬‬
‫في وسعه للوصول إلى إبرام الصلح بين الطرفين إن توصل لذلك يبرم عقد صلح وإن فشلت‬
‫المحاولة الصلحية ال يمكن الحديث عن الصلح‪.‬‬
‫أ‬
‫وت سيسا على ذلك فإن الصلح كإجراء ليس سوى محاولة أ ولية للوصول إلى إبرام عقد الصلح بين‬
‫الطرفين‪.‬‬

‫أ ما إذا أ برم الصلح بين الطرفين وتم اإلدالء به للمحكمة والدعوى منشورة حكميا فإن القاضي ال‬
‫أل‬
‫يصدر حكما في ا صل بل يوقف النظر ويقضي بالصلح ويصادق عليه بحيث يتقيد بمنطوقه ويصدر‬
‫حكما في ذلك وتقضي المحكمة في التطبيق بـ"رفع الطلب لوقوع الصلح بين الطرفين"‪.‬‬
‫أ‬
‫والجدير بالمالحظة في هذا الش ن أ ن فقه القضاء الفرنسي قد اعتبر أ ن قرار المصادقة على الصلح ال‬
‫أل‬
‫يقبل اإلستئناف‪ 28‬وهو توجه منطقي نظرا ن الحكم الصادر بالتصديق على الصلح ال يمس من‬
‫صبغته التعاقدية وبالتالي وجب رفع قضية أ صلية للطعن في عقد الصلح‪.‬‬

‫وإذا أ برم الصلح أ مام محكمة الدرجة الثانية وصدر حكم ابتدائي في النزاع‪ ،‬تقضي المحكمة‬
‫"بنقض الحكم اإلبتدائي والقضاء مجددا برفع الطلب لوقوع الصلح بين الطرفين"‪.‬‬

‫أ ما بالنسبة للغير فإنه ال يمكن له أ ن يتداخل أ و أ ن يعترض بعدما تم إبرام الصلح أ مام محكمة‬
‫أل‬
‫البداية ن النزاع حسم تعاقديا وليس بواسطة حكم‪ ،‬وبالتالي إذا أ راد الطعن في الصلح يقوم‬
‫بذلك بمقتضى قضية أ صلية‪.‬‬

‫لكن بإمكان المتصالحين في إطار قضية منشورة بينهما اختيار عدم اإلدالء بالصلح للمصادقة‬
‫القضائية واإلكتفاء بطلب الرجوع في اإلستئناف وهي فرضية أ خرى يمكن اإلستناد إليها إال أ نها ال‬
‫أل‬ ‫آ‬
‫تمحي ثار الحكم اإلبتدائي التي تبقى نافذة بين ا طراف لكن عقد الصلح يحجبه إذا خالف الحكم‬
‫اإلبتدائي‪ ،‬أ و يتبناه إذا اتفق المتصالحين على تطبيق مضمونه‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫‪Cass. civ. 18 juin 1969. Bull.civ. II. n°212.‬‬

‫‪14‬‬
‫وقد أ كد فقه القضاء التونسي في نفس السياق أ ن طلب الحكم بإمضاء الصلح ال يعني الرجوع في‬
‫اإلستئناف‪ 29‬وبالتالي من يطلب من المحكمة في الطور اإلستئنافي‪ ،‬إمضاء الصلح المبرم أ ثناء نشر‬
‫أ‬
‫الدعوى أ مامه‪ ،‬ال يعني كونه طلب الرجوع في اإلستئناف الذي رفعه بش ن الحكم اإلبتدائي‪.‬‬

‫أ ما إذا ورد الصلح بعد صدور القرار اإلستئنافي فإن الطعن بالتعقيب يصبح غير ذي موضوع بما‬
‫يتجه معه رفض مطلب التعقيب حتى ولو وقع تقديمه قبل إبرام الصلح‪.30‬‬

‫ومن الصور التطبيقية لعقد الصلح يمكن ذكر صورة إبرامه بعد صدور حكم بات‪ .‬فبالرغم من أ ن‬
‫النزاع قد حسم بواسطة الحكم البات إال أ ن العقد المذكور قد يلعب دورا في تسوية بعض‬
‫الصعوبات المتعلقة بتنفيذ الحكم‪ ،‬وهي صعوبات يمكن أ ن تكون مصدرا إلنبثاق نزاعات جديدة‪.‬‬
‫أل‬
‫أ ما إذا أ برم صلح غير قضائي‪ ،‬ال يجوز حد المتصالحين أ ن يرفع دعوى قضائية تتعلق بموضوع تم‬
‫آل‬
‫التصالح عليه وإال دفع الطرف ا خر بالصلح ‪ Exception de transaction‬فتحكم المحكمة‬
‫بالرفض لسابقية حسم النزاع بالصلح‪.‬‬

‫وبحكم عدم تنظيم المشرع لشروط الدفع بالصلح‪ ،‬فقد إعتبر فقه القضاء الفرنسي أ نها تشبه إلى حد‬
‫أل‬
‫كبير الدفع بقرينة إتصال القضاء إذ يستوجب كذلك وحدة ا طراف والسبب والموضوع المنصوص‬
‫أ‬
‫عليها صلب الفصل ‪ 481‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬يضاف إلى ذلك وجوب ت سس ذلك الدفع على صلح تكون صحيحا‪.‬‬
‫أل‬
‫وا ثر اإلنقضائي لعقد الصلح يتعلق بالحقوق التي تم التصالح عليها فقط وهو ما يستنتج من الفصل‬
‫‪ 1469‬م‪.‬إ‪.‬ع الذي ينص على ما يلي ‪ " :‬يقصر الصلح على الحقوق والدعاوى المتصالح فيها ولو‬
‫أ طلقت عبارته" وهي قاعدة التفسير الضيق لعقد الصلح‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪.‬قرار تعقييب مدين عدد ‪ 10619‬الصادر يف ‪ 14‬ماي ‪( 1957‬م‪.‬ق‪.‬ت عدد ‪ 3‬لسنة ‪ 1960‬ص ‪)637‬‬
‫‪30‬‬
‫‪Cass.civ.21 mars 1990. Bull. civ. III. n°82.‬‬

‫‪15‬‬
‫ولكن من خصائص عقد الصلح أ يضا إلى جانب أ ثره الحاسم أ نه له طبيعة كاشفة للحق المتصالح‬
‫عليه‪.‬‬
‫أل‬
‫‪ - 2‬ا ثر الكاشف للصلح ‪Effet déclaratif :‬‬
‫أل‬
‫لعقد الصلح مفعول كاشف‪ 31‬أ ي أ نه ينتج عنه تثبيت ملكية ا شياء الواقع تسليمها بمقتضاه‪،‬‬
‫أ‬
‫ويعني ذلك "ت كيد وضعها القانوني" فهو "يقر تصرفا سابقا وال يغير شيائ من عناصره‪ ،‬إذ هو‬
‫أل‬
‫ال ينشئ أ و ينقل شيائ" ‪ ،32‬بحيث يقر مركزا قانونيا سابقا‪ .‬وهذا ا ثر الكاشف يقتصر على الحقوق‬
‫المتنازع فيها دون غيرها‪.‬‬
‫أل‬
‫فالحق الذي يخلص للمتصالح بموجب الصلح يستند إلى مصدره ا ول ال إلى عقد الصلح ومثال‬
‫ذلك صورة شراء شخصان عقار على الشياع‪ ،‬ثم تنازعا على نصيب كل واحد منهما على العقار ثم‬
‫أ برما صلحا على أ ن يكون لكل منهما نصيب معين‪ ،‬اعتبر كل منهما مالكا لهذا النصيب وذلك‬
‫أ‬ ‫أل‬
‫بمقتضى العقد البيع ا صلي ال الصلح‪ .‬نفس الشيء بالنسبة للصلح المبرم بين شركة الت مين‬
‫أ‬
‫والمؤمن له بخصوص التعويض عن حادث معين إنما هو ناتج عن دين ناشئ عن عقد الت مين‬
‫الرابط بينهما ال الصلح‪.‬‬

‫أ ما إذا تضمن الصلح حقوقا غير متنازع فيها‪ ،‬في هذه الحالة ينشئ الصلح إلتزامات أ و ينقل حقوقا‪،‬‬
‫فيكون له أ ثر منشئ ‪ effet créateur‬أ و ناقل ‪ effet translatif‬ال كاشف‪ .‬ومثال ذلك أ ن يتصالح‬
‫آ‬
‫شخصان على ملكية عقار فيختص أ حدهما بذلك العقار مع إسناد للشخص المقابل عقارا خر‪ .‬فهنا‬
‫آل أل‬
‫الصلح له أ ثر ناقل بالنسبة للعقار ا خر نه لم يدخل ضمن الحقوق المتنازع فيها‪ ،‬أ و كذلك صورة‬
‫آل‬
‫إذا تصالح شخصان على ملكية شيء معين فيتنازل أ حدهما على ذلك مقابل أ ن يلتزم ا خر بدفع‬

‫‪31‬‬
‫‪.‬تذهب النظرية التقليدية يف تعليل هذا األثر الكاشف إىل أن الصلح هو إقرار لكل من املتصاحلني لصاحبه واإلقرار إخبار ال إنشاء‬
‫‪32‬‬
‫‪Boyer, op. cit. p.325, 326.‬‬

‫‪16‬‬
‫أ‬
‫مبلغ من المال‪ ،‬فهنا أ يضا قد أ نش الصلح إلتزاما لم يدخل في الحقوق المتنازع فيها ويكون للصلح‬
‫في هاته الحالة أ ثر منشئ‪.‬‬
‫أل‬
‫ومن نتائج ا ثر الكاشف أ ن الصلح ال يعتبر بمثابة تجديد اإللتزام‪ novation 33‬إال إذا ورد ذلك على‬
‫أل‬
‫وجه التدقيق بين الطرفين ن قاعدة عدم التجديد ال تهم النظام العام‪ .‬ويلجئ الطرفين عادة إلى‬
‫تقنية تجديد اإللتزام إذا كانت الوضعية القانونية المتقابلة للطرفين بدرجة عالية من التعقد‪،‬‬
‫بحيث يتفقان على تسوية الحسابات السابقة بينهما‪ ،‬وإحالل "رصيد موحد" ‪ solde unique‬لجميع‬
‫الديون فيحصل نوع من تجديد اإللتزام من خالل تغيير سبب الصلح‪.‬‬

‫ويتبين مما سبق بسطه أ نه في غياب اإلتفاق صراحة على تجديد اإللتزام فإن الحقوق واإللتزامات‬
‫أ‬ ‫أل‬
‫المترتبة عن الصلح تحتفظ – مبدئيا ‪ -‬بطبيعتها القانونية ا صلية وتفترض أ نها نش ت عن العالقة‬
‫القانونية السابقة الرابطة بين المتصالحين إما بمقتضى واقعة قانونية أ و تصرف قانوني‪ .‬فالصلح‬
‫يقتصر على إظهار تلك الحقوق واإللتزامات التي كانت مقيدة بسبب النزاع القائم بين الطرفين‪.‬‬
‫أل‬
‫أ ما بالنسبة للمشرع التونسي‪ ،‬فقد نص على هذا ا ثر صلب الفصل ‪ 1467‬م‪.‬إ‪.‬ع حين أ شار أ ن‬
‫أل‬
‫"‪...‬وبموجب ذلك (عقد الصلح) يثبت لكل من المتعاقدين ملكية ا شياء والحقوق‪ ."...‬ويتدعم‬
‫أل‬
‫نفس التفسير من خالل الصياغة الفرنسية لنفس الفصل‪ .34‬كما أ ن هذا ا ثر الكاشف يقتصر على‬
‫الحقوق المتنازع فيها دون غيرها وهو ما يستنتج من الفصل‪ 1469‬م‪.‬إ‪.‬ع الذي ينص على أ ن الصلح‬
‫يقصر "على الحقوق والدعاوى المتصالح فيها ولو أ طلقت عبارته"‪.‬‬
‫آ‬
‫لكن وفي نفس الوقت أ خذ المشرع ب لية التي ال تتصل إطالقا بالمفعول الكاشف وهي الضمان‬
‫آل‬
‫حيث نص الفصل ‪ 1468‬م‪.‬إ‪.‬ع على أ ن "كل من المتصالحين درك ما يسلمه ل خر بموجب الصلح‬

‫‪".‬يعرف الفصل ‪ 357‬م‪.‬ا‪.‬ع جتديد االلتزام على أنه "انقضاء التزام بإنشاء إلتزام آخر‬
‫‪33‬‬

‫‪34‬‬
‫‪« La transaction a pour effet d’éteindre définitivement les droits et les prétentions qui ont été l’objet du contrat, et‬‬
‫‪d’assurer à chacune des parties la propriété des choses qui lui ont été livrées » .‬‬

‫‪17‬‬
‫أل‬
‫فإذا إستحق الشيء المسلم حد المتصالحين بموجب الصلح أ و وجد به عيب ساغ القيام بفسخ‬
‫أل‬
‫الصلح كله أ و بعضه أ و با رض حسب ما تقرر في باب البيع‪.‬‬

‫وإذا عقد الصلح على ان أ حد المتصالحين ينتفع بشيء مدة معينة فالضمان في هاته الصورة كضمان‬
‫الكراء"‪.‬‬
‫أ‬
‫ومن المعلوم قانونا أ ن اإللتزام بالضمان ال ينش إال مكمال لإللتزام بنقل الحق أ و بكرائه وهو ما ال‬
‫يتناسق مع المفعول الكاشف‪ .35‬نفس الشيء بالنسبة للفصل ‪ 1466‬م‪.‬إ‪.‬ع الذي سبق أ ن بينا‬
‫أل‬
‫مدلوله والذي يشترط الكتابة إذا تعلق الصلح بعقارات مسجلة ويحيل إلى ا حكام المتعلقة ببيع‬
‫العقارات‪.‬‬
‫آ‬ ‫آل‬
‫إلى جانب ا ثار ذو صبغة قضائية‪ ،‬فإن لعقد الصلح ثار ذو صبغة تعاقدية‪.‬‬
‫آل‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬ا ثار ذو طبيعة تعاقدية‪:‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫عقد الصلح ولو أ نه حاسم للنزاع ش نه في ذلك ش ن الحكم القضائي إال أ نه يبقى إتفاق‪ .‬وتطبيق‬
‫أل‬
‫ل حكام العامة في مادة العقود فإن لعقد صلح أ ثر ملزم (‪ )1‬وأ ثر نسبي (‪.)2‬‬
‫أل‬
‫‪ – 1‬ا ثر الملزم لعقد الصلح ‪:‬‬

‫عقد الصلح هو عقد ملزم للجانبين‪ ،‬فإذا لم يخضع أ حد المتعاقدين للصلح تلقائيا‪ ،‬أ مكن للطرف‬
‫المقابل إلزامه بذلك إن أ مكن أ و طلب الفسخ‪.‬‬
‫أ‬
‫من الواجب الت كيد أ وال أ ن عقد الصلح يعتبر إستثناء للقاعدة العامة المنصوص عليها بالفصل ‪242‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ع ذلك أ ن إرادة الطرفين وإن تجمعت ال يمكنها تقرير الرجوع في الصلح إال إذا كان ذلك‬
‫أل‬
‫بمعنى المعاوضة وهو ما نص عليه الفصل ‪ 1467‬م‪.‬إ‪.‬ع في فقرته ا خيرة‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪Boyer, op. cit. p.344.‬‬

‫‪18‬‬
‫لكن إذا لم ينفذ المتصالح التزاماته بصفة تلقائية أ مكن للطرف المقابل إلزامه بالتنفيذ إن أ مكن أ و‬
‫طلب الفسخ لذا نص الفصل ‪ 1471‬م‪.‬إ‪.‬ع على ما يلي ‪" :‬إذا لم يوف أ حد الطرفين بما إلتزم به في‬
‫آل‬
‫الصلح كان للطرف ا خر طلب إتمام العقد ما أ مكن وإال فله طلب الفسخ مع تعويض ما تسبب له‬
‫من الخسارة في كلتا الصورتين"‪.‬‬
‫أل‬ ‫أل‬
‫وفي حقيقة ا مر‪ ،‬فإن هذه ا حكام ليس فيها ما يخالف القاعدة العامة المنصوص عليها بالفصل‬
‫‪ 273‬م‪.‬إ‪.‬ع في طلب التنفيذ الجبري إن أ مكن أ و طلب الفسخ‪.‬‬
‫آل‬ ‫أل‬
‫وتطبيقا ل حكام العامة إذا لم ينفذ المصالح ما التزم به يعتبر مماطال‪ ،‬كان للطرف ا خر إجباره‬
‫على ذلك بطلب التنفيذ الجبري إن كان ممكنا ويكون ذلك تنفيذا عينيا أ ي طلب تنفيذ اإللتزام‬
‫أل‬
‫المحدد بعقد الصلح أ و تنفيذا بمقابل أ ي طلب شيء مماثل لإللتزام ا صلي‪.‬‬

‫وإذا إستحال التنفيذ الجبري يمكن حينئذ طلب الفسخ مع تعويض الخسارة الناجمة عن عدم‬
‫التنفيذ في كلتا الحالتين تطبيقا للشروط العامة للمسؤولية العقدية المنصوص عليها صلب الفصلين‬
‫أل‬ ‫أ‬
‫‪ 277‬و‪ 278‬م‪.‬إ‪.‬ع وهي وجوب توفر الخط العقدي والضرر والعالقة السببية بينهما كما هو ا مر في‬
‫سائر العقود الملزمة للجانبين‪.‬‬

‫وللفسخ أ ثر رجعي ينجر عنه رجوع كل من الطرفين إلى الحالة التي كان عليه قبل التعاقد‪.‬‬
‫أل‬ ‫أل‬
‫لكن ا ثر الملزم للصلح فيما بين طرفيه ال تنصرف إلى غيرهما وهو ما يعرف با ثر النسبي للصلح‪.‬‬
‫أل‬
‫‪ – 2‬ا ثر النسبي لعقد الصلح ‪:‬‬
‫أ‬
‫ت سيسا على الفصل ‪ 240‬م‪.‬إ‪.‬ع الذي نص على أ ن العقد "اليلزم إال العاقدين وال ينجر منه للغير ضرر‬
‫أ‬
‫وال نفع إال في الصور التي نص عليها القانون"‪ ،‬فإن الصلح في عالقته بالغير ال يتصف ب ي أ ثر ملزم‬
‫وال يمكن اإلحتجاج به إزائهم‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫وقد أ كدت محكمة التعقيب في أ حد قراراتها‪ 36‬أ ن عدم شمول حجة الصلح لحضور كافة الورثة بدون‬
‫أ ن يكون بيد شقيقهم توكيل يخول له تمثيل كافتهم‪ ،‬يجعل تلك الحجة غير سارية عليهم وفاقدة‬
‫لكل حجية ضدهم‪.‬‬
‫أل‬ ‫أل‬
‫غير أ ن هذا ا ثر النسبي للصلح يمكن أ ن يخلق وضعية جديدة على الغير بحيث يمكن لهذا ا خير‬
‫إما معارضتها أ و التمسك بها نذكر منها صورتين ‪:‬‬
‫أ‬ ‫أل‬
‫الصورة ا ولى صورة الصلح المبرم بين المدين وأ حد الدائنين أ و المشتركين بالخيار فإنه ت سيسا‬
‫على الفصل ‪ 170‬م‪.‬إ‪.‬ع يمكن للبقية إما اإلنتفاع به إذا ما تضمن إعترافا بالدين أ و عدم اإلحتجاج به‬
‫إذا ما أ فاد إبراء من الدين أ و التثقيل عليهم‪.‬‬
‫أ‬
‫الصورة الثانية صورة الصلح الذي يبرمه الدائن مع أ حد المدينين المتضامنين فإنه ت سيسا على‬
‫الفصل ‪ 184‬م‪.‬إ‪.‬ع ينسحب على هؤالء جميعا إذا تضمن "أ حد أ وجه الخالص" مثل إسقاط الدين‪،‬‬
‫ولكن ال يحتج به عليهم إذا ما ترتب عليهم بمقتضاه التزام أ و شروط مثقلة إال إذا رضوا بذلك‬
‫صراحة‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪.‬قرار تعقييب مدين عدد ‪ 45482‬الصادر يف ‪ 13‬فيفري ‪( 1997‬غري منشور)‬

‫‪20‬‬
‫خاتمة‬

‫إن الصلح كوسيلة بديلة لفض النزاعات هو عقد يحظى بإعتراف المشرع‪ ،‬عكس بعض القوانين‬
‫المقارنة كالسويسري الذي يعد فيه الصلح عقدا غير مسمى‪.‬‬

‫ومادام ذلك‪ ،‬فإن إعتماده على الصعيد التطبيق‪ ،‬قد أ فرز ويفرز عديد اإلشكاالت تعكس ثراء‬
‫النقاش القانوني التي يتصل بدراسته‪ ،‬إضافة إلى قيمته العملية الكبرى‪.‬‬

‫لقد شكل وجود عقد الصلح في الحد الفاصل بين مادتي اإلجراءات واإللتزامات الميزة الرئيسية‬
‫أ‬
‫التي تت سس مجمل القواعد المنظمة له في م‪.‬إ‪.‬ع‪ .‬فالنزاع يشكل جوهر هذا العقد‪ ،‬ال يفهم تبادل‬
‫التنازالت مقوما للصلح دون أ ن يقترن معه‪ ،‬كما ال يتيسر تبين الصبغة الكاشفة للصلح دون المرور‬
‫أ‬
‫عبر ت ثره بالنزاع‪.‬‬

‫وبصفة إجمالية تكتمل صورة الصلح‪ ،‬على أ نه تصرف قانوني يتسم بإزدواجية صلته وتشعب‬
‫أل‬ ‫آل‬
‫عالقاته بعديد المواد القانونية‪ ،‬وهو ما قد يبرر تنوع ا ليات القانونية التي اتجه ا خذ بها لفهم‬
‫أ‬
‫خصوصيته‪ .‬فهو تنازل يرد بصورة مقابلة في سياق إتفاق بش ن وضعية تنازعية‪ ،‬يرتب حسم‬
‫النزاع وتقرير ذلك المركز القانوني دون نقله أ و إنشائه‪.‬‬
‫أ آ‬
‫ولعل موقع القواعد المنظمة لعقد الصلح ك حد خر العقود الخاصة صلب مجلة اإللتزامات والعقود‬
‫آ‬ ‫آل‬
‫يبرر إلى حد ما كثرة وتنوع ا ليات القانونية التي استوجبت اإلستعانة بها لإلحاطة ب ثاره‪ .‬وإذا كان‬
‫أل‬
‫اكتفى المشرع بمجرد التنصيص على ا ثر المسقط لعقد الصلح دونما تفصيل لتحقق ذلك عمليا‪،‬‬
‫آل‬
‫فهو قد جعل من ذلك المفعول اإلنقضائي بمثابة ا لية القانونية التي قرر بمقتضاها للصلح أ ثر‬
‫تثبيت‪ .‬وتبعا لذلك‪ ،‬يمكن إعتبار الصلح إتفاقا يقترب من القرار القضائي دون أ ن يضاهيه‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫المراجع باللغة العربية‬
‫مراجع عامة‬
.‫ طبعة ثانية‬1997 ‫ تونس‬،‫ العقد‬،‫ محمد الزين‬- 1
،‫ العقـود الـتي تقـع على الملكيـة‬،‫ الجـزء الخـامس‬،‫ الوسيط في شرح القانون المدني‬،‫ عبد الرزاق السنهوري‬- 2
.‫ دار إحياء التراث العربي – لبنان‬،‫ الهبة والشركة والقرض والدخل الدائم والصلح‬،‫المجلد الثاني‬
‫مقال‬
‫ (المنق ــول عن عب ــد ال ــرزاق‬1994 ‫ جويلي ــة‬،‫ مجل ــة القض ــاء والتش ــريع‬،‫ الص ــلح في الم ــادة المدني ــة‬،‫علي كحل ــون‬
،‫ المجلـد الثـاني‬،‫ العقـود الـتي تقـع على الملكيـة‬،‫ الجزء الخامس‬،‫ الوسيط في شرح القانون المدني‬،‫السنهوري‬
.)‫ لبنان‬- ‫ دار إحياء التراث العربي‬،‫الهبة والشركة والقرض والدخل الدائم والصلح‬

‫المراجع باللغة الفرنسية‬


Ouvrages généraux
1 - Alain Bénabent, Droit civil, les contrats spéciaux civils et commerciaux, 7 édition, Delta
Monchrestien.
2 - Philippe Malaurie, Laurent Aynés, Pierre-Yves Gautier : Les contrats spéciaux, LGDJ, 7 ème
édition.
Thèses
1 - Boyer : Notion de transaction. Librairie du receuil SIREY. 1947.
2 - Jacques de Gavre : « Le contrat de transaction en droit civil et en droit judiciaire privé » T1 :
la transaction non judiciaire : définition, domaine, conditions de formation et de validité, forme
et preuve.
Traité
E. Glasson, A. Tissier, R. Morel, Traité théorique et pratique d’organisation judiciaire de
compétence et de procédure civile, Paris, Lib. Du Rec. Sirey, 1925-1936.

22
‫الفهرس‬

‫مقدمة‪---------------------------------------------------------------------‬ص‪1‬‬
‫أل‬
‫الجزء ا ول ‪ :‬إبرام عقد الصلح‪--------------------------------------------‬ص ‪5‬‬
‫أل‬
‫الفقرة ا ولى ‪ :‬الشروط الموضوعية والشكلية لصحة وتكوين عقد الصلح –ص ‪5‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬مجال تدخل القاضي عند إبرام عقد الصلح‪-------‬ص ‪8‬‬
‫آ‬
‫الجزء الثاني ‪ :‬ثار عقد الصلح‪-------------------------------------‬ص ‪13‬‬
‫أل آ‬
‫الفقرة ا ولى ‪ :‬ثار ذو طبيعة قضائية‪-----------------------------‬ص ‪13‬‬
‫أل‬
‫‪ – 1‬ا ثر اإلنقضائي للصلح‪----------------------------------------‬ص ‪13‬‬
‫أل‬
‫‪ – 2‬ا ثر الكاشف للصلح‪-----------------------------------------‬ص ‪17‬‬
‫آ‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬ثار ذو طبيعة تعاقدية‪----------------------------‬ص ‪20‬‬
‫أل‬
‫‪ – 1‬ا ثر الملزم لعقد الصلح‪---------------------------------‬ص ‪20‬‬
‫أل‬
‫‪ - 2‬ا ثر النسبي لعقد الصلح‪--------------------------------‬ص ‪22‬‬
‫خاتمة‪----------------------------------------------------------‬ص ‪23‬‬
‫قائمة المراجع‪--------------------------------------------------‬ص ‪24‬‬
‫الفهرس‪---------------------------------------------------------‬ص ‪25‬‬

‫‪23‬‬
24

You might also like