Professional Documents
Culture Documents
جامعة الجزائر 1
جامعة الجزائر 1
جامعة الجزائر 1
فإن تفسير القرآن الكريم من أجل العلوم وأرفعها قدرا وأعظمها أجرا وأخطرها فعال وعمال
ألنه بقدر ما فيه من األجر بقدر ما فيه من الخطورة ألنه تبيان لمراد هللا تعالى في كتابه إلى
العالمين ،من ذلك اشترط علماؤنا الكرام شروطا عديدة في من يتبرز لهذا العلم الجليل
شروطا علمية ونفسية أخالقية لم تشترط في غيره من العلوم.
وقد نهي المسلم عن تفسير القرآن الكريم برأيه وهواه وفكره ألنه غالبا ما يخطئ في ذلك
ويخرج مراد الخطاب القرآني عن أصله ومقصوده لذلك كان واجبا على المفسر الرجوع
إلى معهود العرب في خطابها ومقصود الكالم في أصله عند العرب شعرا ونثرا عند
اضطراب المفهوم القرآني عليه ،حتى ولو بدا له أن ذلك المصطلح القرآني بسيط في
تركيبه اللغوي وسهل في مقصوده اللفظي إال أنه قد يخالف ما في بال القارئ أو المفسر،
وقد وقع في هذا كثير من العوام ،فأخذوا تفسير بعض الكلمات القرآنية مما شاع وذاع
وترامي عليهم العجز والكسل أن يرجعوا باللفظ إلى أصله فيعرفوا المراد منه ،حتى اشتهر
بين الناس عالمهم وجاهلهم تفسير كلمات قرآنية حسب الشائع والذائع عند الناس ومفهوم
اللفظ في القرآن خالف ذلك بل اشتهر عند بعض من الفقهاء هداهم هللا تحريف المعنى في
اللفظ القرآني حتى يوافق ما يقولون به – بل ما يمزحون فيه – ففي كثير من المجالس يقع
على أذني بعض من مزاحهم فيما بينهم بآيات من القرآن الكريم ،ولعمري إن ذلك لهو عين
السخرية بآيات القرآن الكريم وتحريف لمراد هللا عز وجل في اآليات المذكورة ،فكثيرا ما
يتهامزون فيما بينهم في المأدوبات بقوله تعالى ( تلك عشرة كاملة)قاصدين بها المال
المعطى لهم،
1
وبقوله تعالى (فإطعام ستين مسكينا) قاصدينبها نوعية الطعام المقدم لهم في المأدوبات،
ولعمري إن هذا لهو اإلثم المبين والضالل الكبير ،وهذا هو تفسير القرآن بالهوى المتبع كما
أخبر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حينما قال":من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من
النار"
هذا بحث مختصر بعنوان " :تصحيح تفسير العوام للقرآن الكريم " ،و قد طلب مني
انجاز بحث وجيز متعلق بعلوم التفسير ضمن مقياس التفسير التحليلي تحت اشراف األستاذة
الكريمة ألغام الطاوس حفظها هللا وجزاها خير الجزاء ولقد اخترت هذا الموضوع لكثرة
تأويل العوام المسلمين اليات هللا بهواهم وبمعناه الظاهر بدون علم ال بتفسير و ال باللغة
العربية و األمة في أمس الحاجة الى فهم القرآن و التدبر الذي هو حبل هللا المتين و الذكر
الحكيم ومن دعا اليه هدي الى الصراط المستقيم فهو كالم هللا العظيم من بدله فقد نسب
الكالم الى هللا عز و جل ،و أسأل هللا تعالى التوفيق و السداد .
-الكثير من الناس أصبحت تفسر القرآن كما يفهمونه هم أي بهواهم ليس كما أراد هللا
السيمى في عصرنا الحالي مما نحن في حاجة لمثل هذا البحث .
-فهم القران كما فهمه الرسول و الصحابة يولد التدبر و الخشوع و الخضوع هلل تعالى .
-القرآن الكريم كالم هللا وال يجب أن ننسب الى الهلل أي شيئ بدون علم .
-معرف كيفية تدبر القرآن وعواقب التفسير بالهوى .
مقدمة
دوافع البحث .
أهمية البحث .
اشكالية البحث .
المبحث الثاني :األيات التي يفهمها الناس بغير معناها الحقيقي وبيان مرادها وماهي
القواعد و الظوابط التي يجب اتباعها .
المطلب األول :اآليات التي تفهم بغير مرادها و بيان مفهومها .
المطلب الثاني :قواعد و ظوابط تفسير القرآن الكريم.
الخاتمة
3
المبحث األول :تدبر وتفسير الصحابة للقران الكريم
المطلب األول :تفسير الصحابة للقران الكريم
تَ َو ُّر ُ
ع الصحابة والتابعين عن القول في التفسير بغير علم
1
تورع الصحابة والتابعون عن القول في التفسير بغير علم ،وهابوا الكالم فيه ،خوفا ً من
وقد َّ
الخطأ ،وحمل ِكالم هللا على غير مراده ،وهذا أمر مستفيض عنهم ومشهور ،واآلثار
ما ورد عن أبي بكر الصديق أنه قال ":أي أرض ت ُ ِقلُّني ،وأي سماء ت ُ ِظلُّني ،إذا قلت في
كتاب هللا ما لم أعلم"
﴿وفَا ِك َهةً َوأَبًّا﴾ فقال :
كما ورد أن عمر بن الخطابقرأ على المنبر َ
قد عرفنا ما الفاكهة ،فما األبُّ ؟ فقال :لعمرك يا ابن الخطاب ،إن هذا لهو التكلف"_
ف هذان الصاحبان الجليالن وتردَّدا في تفسير الكاللة المذكورة في آخر سورة وقد ت َ َّ
خو َ
النساء ،ولم يجزما بمعناها؛ فعن أبي بكرانه قال" :اني قد رأيتفي الكاللة رأيا ،فإن كان
صوابا فمن هللا وحدهال شريك له ،وإن يك خطأ فمني والشيطان ،وهللا منه بريء؛ وإن
الكاللة ما خال الول َد والوالد"
وثبت في صحيح مسلم أن عمر بن الخطابخطب يوم الجمعة في آخر حياته فكان مما قال:
ثم إني ال أ َ َدعُ بعدي شيئا أه َّم عندي من الكاللة ،ما راجعت رسول هللا في شيء ما راجعته
في الكاللة ،وما أغلظ لي في شيء ما أَ ْغلَ َ
ظ لي فيه ،حتى طعن بإصبعه في صدري ،فقال:
"يا عمر أال تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟"
1
4
2
وعن ابن أبي ُملَ ْي َكة أن ابن عباس ُ
سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها ،فأبى أن
يقول فيها.
ومما يدل على أن تركهم القول في التفسير لم يكن عن جهل به بل كان ورعا ً وخشية
سأ َ ْلتُ عنها ،ولكنها الرواية Iهلل
قول التابعي الجليل عامر الشعبي" :وهللا ما من آية إال وقد َ
عن هللا تعالى.
قال ابن تيمية بعد أن أورد جملة من األخبار عن الصحابة والتابعينفي هذا الباب" :فهذه
اآلثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف ،محمولة على تَ َح ُّرجهم عن الكالم في التفسير
بما ال علم لهم به.
أخرجه ابن جرير ،80/1وقال ابن تيمية ":إسناده صحيح" انظر مقدمة في أصول التفسير ص .48
أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ص ،375وابن جرير في تفسيره /1
2أخرجه ابن جرير 80/1
أخرجه ابن جرير .79/1
أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ص ،229ومراده باألصحاب :أصحاب ابن مسعود.
أخرجه ابن جرير 80/1
5
3
فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فال حرج عليه؛ ولهذا ُروى عن هؤالء وغيرهم
أقوال في التفسير ،وال منافاة؛ ألنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه ،وهذا هو الواجب
سئل عنهمما
على كل أحد؛ فإنه كما يجب السكوت عما ال علم له به ،فكذلك يجب القول فيما ُ
اس َو ََل تَ ۡكت ُ ُمونَهُۥ" آل عمران187:ولما جاء في الحديث
يعلمه؛ لقوله تعالى" :لَتُبَ ِينُنَّهُۥ ِللنَّ ِ
سئِ َل عن علم ف َكتَ َمهأ ُ ْل ِجم يوم القيامة بلجام من نار" ال َم ْر ِوي ِ من طُ ُر ٍ
ق" :من ُ
ولقد كان لمنهج السلف في التشدد في الكالم على التفسير وعدم الخوض فيما لم يبلغه علمهم
أَثَ ٌر كبير في حماية تفسير القرآن الكريم من الخطأ والتحريف ،وتعظيم قدره في النفوس،
وكف الناس عن الجرأة عليه بغير علم .
ِ
6
المطلب الثاني :تفسير العلماء للقرآن الكريم
فإن التفسير له قواعد وضوابط وضعها العلماء تناولها شيخ اإلسالم ابن تيمية ـ رحمه هللا ـ
في مقدمته في أصول التفسير ،وكذا القرطبي وابن عاشور في مقدمة التفسير ،وقد ذكر
اإلمام ابن كثير ـ رحمه هللا ـ في مقدمة تفسيره أن أصح التفاسير ما كان بالقرآن والسنة ،أي
تفسير القرآن بالقرآن ،ثم تفسير القرآن بالسنة ،ثم ما كان بأقوال الصحابة ثم بأقوال أئمة
التفسير من التابعين ،ثم ما كان بلغة العرب ،وقال السيوطي في اإلتقان ما ملخصه :للناظر
في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة:
األول :النقل عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مع التحرز عن الضعيف والموضوع
الثاني :األخذ بقول الصحابي ،فقد قيل :إنه في حكم المرفوع مطلقا ،وخصه بعضهم بأسباب
النزول ونحوها ،مما ال مجال للرأي فيه .
الثالث :األخذ بمطلق اللغة مع االحتراز عن صرف اآليات إلى ماال يدل عليه الكثير من
كالم العرب .
الرابع :األخذ بما يقتضيه الكالم ،ويدل عليه قانون الشرع ،وهذا النوع الرابع هو الذي دعا
به النبي صلى هللا عليه وسلم البن عباس في قوله :اللهم فقهه في الدين ،وعلمه التأويل ـ
رواه البخاري ومسلم .فمن فسر القرآن برأيه أي :باجتهاده ملتزما الوقوف عند هذه المآخذ
معتمدا عليها فيما يرى من معاني كتاب هللا ،كان تفسيره سائغا جائزا خليقا بأن يسمى
تفسيرا ،ويكون تفسيرا جائزا ومحمودا ،ومن حاد عن هذه األصول وفسر القرآن غير
معتمد عليها كان تفسيره ساقطا مرذوال خليقا بأن يسمى التفسير غير الجائز ،أو التفسير
المذموم.
ويقول صاحب مناهل العرفان :فالتفسير بالرأي الجائز يجب أن يالحظ فيه االعتماد على
ما نقل عن الرسول صلى هللا عليه وسلم وأصحابه مما ينير السبيل للمفسر برأيه ،وأن يكون
صاحبه عارفا بقوانين اللغة ،خبيرا بأساليبها ،وأن يكون بصيرا بقانون الشريعة ،حتى ينزل
كالم هللا على المعروف من تشريعه ،أما األمور التي يجب البعد عنها في التفسير بالرأي
7
فمن أهمها :التهجم على تبيين مراد هللا من كالمه على جهالة بقوانين اللغة أو الشريعة
ومنها:
حمل كالم هللا على المذاهب الفاسدة .ومنها :الخوض فيما استأثر هللا بعلمه .ومنها :القطع
بأن مراد هللا كذا من غير دليل .ومنها :السير مع الهوى واالستحسان .
ويمكن تلخيص هذه األمور الخمسة في كلمتين هما :الجهالة والضاللة .اهـ .فمن فسر من
أهل العلم آية بما يفيد 4االستدالل بها على بعض الحقائق المتعلقة باالعجاز العلمي ال إثم
عليه فال يزال أهل العلم يفتح هللا عليهم في فهم القرآن ،وفي الحديث :أن أبا جحيفة ـ رضي
هللا عنه ـ قال :قلت لعلي بن أبي طالب رضي هللا عنه :هل عندكم شيء من الوحي إال ما
في كتاب هللا؟ قال :والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه ،إال فهما يعطيه هللا رجال في
القرآن ،وما في هذه الصحيفة ،قلت :وما في الصحيفة؟ قال :العقل ،وفكاك األسير ،وأن ال
يقتل مسلم بكافر .رواه البخاري .وال يجوز للعامي أن يتكلم في كتاب هللا تعالى برأيه
المجرد دون استناد إلى مرجع أو أصل ،قال الترمذي :باب ما جاء في الذي يفسر القرآن
برأيه ،وذكر فيه عن ابن عباس ـ رضي هللا عنهما ـ أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:
من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ـ قال أبو عيسى :هذا حديث حسن
صحيح ،وأخرج من حديث جندب بن عبدهللا رضي هللا عنه قال :من قال في القرآن برأيه
فأصاب فقد أخطأ ـ قال أبو عيسى :هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى
هللا عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم .قال في
تحفة األحوذي :من قال في القرآن برأيه أي بغير دليل يقيني أو ظني نقلي أو عقلي مطابق
للشرعي ،قاله القاري ومن قال ـ أي من تكلم ـ في القرآن أي في معناه أو قراءته برأيه أي
من تلقاء نفسه من غير تتبع أقوال األئمة من أهل اللغة والعربية المطابقة للقواعد الشرعية،
بل بحسب ما يقتضيه عقله وهو مما يتوقف على النقل ،وقوله :من قال في القرآن ـ أي في
لفظه أو معناه برأيه أي بعقله المجرد فأصاب أي ولو صار مصيبا بحسب االتفاق فقد أخطأ
8
أي فهو مخطئ بحسب الحكم الشرعي .قال ابن حجر :أي أخطأ طريقة االستقامة بخوضه
في كتاب هللا تعالى بالتخمين والحدس لتعديه بهذا الخوض مع عدم استجماعه لشروطه فكان
آثما به مطلقا ولم يعتد بموافقته للصواب ،ألنها ليست عن قصد وال تحر ،بخالف من كملت
فيه آالت للتفسير فإنه مأجور بخوضه فيه وإن أخطأ ،ألنه ال تعدي منه فكان مأجورا أجرين
كما في رواية ،أو عشرة أجور كما في أخرى إن أصاب ،وأجر إن أخطأ كالمجتهد ،ألنه
بذل وسعه في طلب الحق واضطره الدليل إلى ما رآه فلم يكن منه تقصير بوجهه .
التدبر اتعاظ بالمعنى ،واعتبار به وتذكر ،وبينهما فرق ،فالتدبر إدراك مغزى اآليات
ومقاصدها ،واستخراج دالالتها وهداياتها ،والتفاعل معها ،واعتقاد ما دلت عليه وامتثاله .
والتفسير يغذي القوة العلمية ،بينما التدبر يغذي القوة العلمية واإليمانية والعملية ،والتدبر
أ ُ ِمر به عامة الناس لالنتفاع بالقرآن واالهتداء به ،ولذلك خوطب به ابتدا ًء الكفار في آيات
ب أَ ْقفَالُ َها} [محمد ،]24 :والناس فيه آن أَ ْم َ
علَى قُلُو ٍ التدبر ،قال تعالى { :أَفَ ََل يَتَ َدبَّ ُر َ
ون ا ْلقُ ْر َ
درجات بحسب رسوخ العلم واإليمان وقوة التفاعل والتأثر .....فتدبر القرآن مطلوب من
كل أحد من الب شر ،ألنه الكتاب الذي أنزل إليهم لهدايتهم وإرشادهم إلى خير دنياهم
آن َولَ ْو ك َ
َان ِم ْن وآخرتهم ،ولذلك حضهم ربهم سبحانه على ذلك قائالً{ :أَفَ ََل يَتَ َدبَّ ُر َ
ون ا ْلقُ ْر َ
يرا} [النساء ،]82 :وتدبر كتاب هللا ميسر لكل أحد، اخ ِت ََل ًفا َك ِث ً
َّللا لَ َو َجدُوا ِفي ِه ْ ِع ْن ِد َ
غي ِْر َّ ِ
لذك ِْر َف َه ْل ِم ْن ُم َّد ِك ٍر} [القمر ،]17:قال س ْر َنا ا ْلقُ ْر َ
آن ِل ِ {ولَقَ ْد َي َّ
ومصداق ذلك قوله سبحانهَ :
الطبري رحمه هللا في تفسيرها" :ولقد سهلنا القرآن ،بيناه وفصلناه للذكر لمن أراد أن يتذكر
ويعتبر ويتعظ ،وهوناه ...فهل من معتبر متعظ يتذكر بما فيه من العبر والذكر؟" .وأما
التفسير فمأمور به بحسب الحاجة إليه لفهم كتاب هللا تعالى بحسب الطاقة البشرية ،ولذا فإن
الناس فيه درجات ،وكما جاء عن ابن عباس رضي هللا عنه في أنواع التفسير أنه فقال:
العرب من كالمها ،وتفسير الَ يُعذر أحدٌ بجهالته ،وتفسير يعلمه العلماء،
ُ "وجهٌ تعرفه
وتفسير ال يعلمه إال هللا تعالى ذكره" .فالتدبر هو غاية ألنه باعث على االمتثال والعمل،
وأما التفسير فهو وسيلة للتدبر .إذًا هناك فرق بين تدبر القرآن واالعتبار به واالتعاظ ،وبين
9
تفسيره ،وبيان مراد هللا من آياته على وجه التفصيل ،فهذا ال يكون إال ممن استوفى علو ًما
ت جعله يستقل بنفسه في معرفة مرامي النصوص وداللتها ،ومن هذه العلوم معرفة قواعد
التفسير وعلوم اللغة العربية ،ومعرفة مطلق القرآن ومقيده ،ومنطوقه ومفهومه ،وعامه
وخاصه ،ومحكمه ومتشابهه ،ومجمله ومبينه ،وناسخه ومنسوخه5 ،ومعرفة أسباب وأماكن
نزوله ،ومعرفة األحاديث واآلثار المتعلقة بتفسيره ...وغيرها من العلوم التي البد من
توفرها في مفسر القرآن ،ومن لم يتيسر له ذلك ،فليرجع إلى تفاسير أهل العلم المعتبرين
ينقل عنهم ويستفيد منهم ،فقد كفوه المؤونة ،وهذا مما يساعد المكلف على تدبر آيات هللا،
ويطمئنه أنه قد فهم القرآن فه ًما صحي ًحا لم يخرج فيه عن جادة أهل العلم والفضل من سلف
األمة الصالح رحمهم هللا.
10
المبحث الثاني :األيات التي يفهمها الناس بغير معناها الحقيقي وبيان مرادها وماهي
القواعد و الظوابط التي يجب اتباعها .
6المطلب األول :اآليات التي تفهم بغير مرادها و بيان مفهومها .
از ْعت ُ ْم فِي ْاأل َ ْم ِر سونَ ُهم بِ ِإ ْذنِ ِه ۖ َحتَّ ٰى إِذَا فَ ِ
ش ْلت ُ ْم َوتَنَ َ َّللاُ َو ْع َدهُ إِ ْذ تَ ُح ُّ
ص َدقَ ُك ُم َّ
َ ﴿ .1ولَقَ ْد َ
ون ۚ ِمنكُم َّمن يُ ِري ُد ال ُّد ْن َيا َو ِمنكُم َّمن يُ ِري ُد ْال ِخ َرةَ ۚ ث ُ َّم ص ْيتُم ِمن َب ْع ِد َما أَ َراكُم َّما ت ُ ِح ُّب َ ع َ َو َ
علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
ين﴾ َّللاُ ذُو فَ ْ
ض ٍل َ عفَا عَن ُك ْم ۗ َو َّ ص ََرفَ ُك ْم َ
ع ْن ُه ْم ِليَ ْبت َ ِليَ ُك ْم ۖ َولَقَ ْد َ
11
7
﴿ .2فَأ ُ ُّمهُ هَا ِويَةٌ﴾
كثيرا ما يتبادر إلى ذهن العوام أن المراد من قوله تعالى ( أمه ) أي والدته ،بينما المراد
منها "األم" أي ":رأسه" وقيل هي النار .
كثيرا ما يتبادر إلى ذهن العوام أن المراد من قوله تعالى ( جابوا ) أي أحضروا ،بينما
المراد منها "القطع" أي ":قطعوا الصخر ونحتوه"
12
8
ب ا ْل َخي ِْر لَ َ
شدِيدٌ﴾ َ ﴿ .4وإِنَّهُ ِل ُح ِ
]سورة العاديات[ 8 :
كثيرا ما يتبادر إلى ذهن العوام أن المراد من قوله تعالى ( الخير ) أي الفعل الحسن
لشديد". الجميل ،بينما المراد منها "المال" أي ":وإنه لحب المال
13
ولضيق البحث أضع بعض اآليات الموهمة للناس بدون ذكر تفاسير العلماء و المراجع
وإنما أكتفي بذكر ما يتباذر في ذهن العوام من الخطأ مع تصحيحه
14
علَ ْي ِه ا ْلقُ ْرآنُ ُج ْملَةً َو ِ
اح َدةً" فيفهم الكثيرون .15قوله تعالىَ " :وقَا َل الَّذ َ
ِين َكفَ ُروا لَ ْو ََل نُ ِز َل َ
أن معنى "جملة واحدة" هو عبارة واحدة ،ولكن معناها دفعة واحدة.
.16قوله تعالىَ " :ألُقَ ِطعَ َّن أَ ْي ِديَ ُك ْم َوأَ ْر ُجلَكُم ِم ْن ِخ ٰ ََلف" فليس المعنى هنا القطع من الخلف،
ولكن الصحيح هو قطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى ،والرجل اليمنى مع اليد
اليسرى.
ون ،أَلَ ْم تَ َر أَنَّ ُه ْم فِي ُك ِل َوا ٍد يَ ِهي ُم َ
ون" فليس شعَ َرا ُء يَتَّبِعُ ُه ُم ا ْلغَ ُ
او َ .17قوله تعالىَ " :وال ُّ
المعنى هنا األودية المعروفة ،ولكن تعنى أنهم يخوضون فى كل فن من الكالم فتارة
يسبون شخصا ً وتارة يمدحون آخر.
.18قوله تعالى" :فَلَ َّما َرآ َها تَ ْهتَ ُّز كَأَنَّ َها َجان" فال تعنى كلمة "جان" الجن ،ولكن الجان
صغيرا وغير سام. ً هو نوع من الحيات يكون
.19قوله تعالى" :أَإِ ٰلَهٌ َّم َع َّ ِ
َّللا ۚ بَ ْل هُ ْم قَ ْو ٌم يَ ْع ِدلُ َ
ون" فال تعنى "يعدلون" هنا من إقامة
العدل ،لكنها تعنى أنهم يعدلون عن الحق ويميلون للباطل
.20قوله تعالىَ " :وا ْق ِص ْد فِي َم ْ
ش ِيكَ َوا ْغض ْ
ُض ِم ْن ص َْوتِكَ " فليس معنى القصد فى
المشى هو تحديد االتجاه فى المشى ،ولكن المعنى هو التوسط فى المشى أى ال يكون
ببطء وال إسراع.
س ْخ ِريًّا" فيفهم ت ِليَتَّ ِخذَ بَ ْع ُ
ض ُهم بَ ْعضًا ُ ض ُه ْم فَ ْوقَ بَ ْع ٍ
ض د ََر َجا ٍ .21قوله تعالىَ " :و َرفَ ْعنَا بَ ْع َ
سخر
الكثيرون "سخريًا" بأنها السخرية ،ولكن المعنى هو التسخير أى بعضهم ُم ٌ
لبعض.
ب ا ْب ُن َم ْريَ َم َمثَ ًَل إِذَا قَ ْو ُمكَ ِم ْنهُ يَ ِصد َ
ُّون" فليس معنى يصدون .22قوله تعالىَ " :ولَ َّما ض ُِر َ
أنها الصد والمنع ،ولكن المعنى أنهم يضحكون ويضجون.
.23قوله تعالى" :قَالُوا ِإنَّا ُكنَّا قَ ْب ُل ِفي أَ ْه ِلنَا ُم ْ
ش ِف ِق َ
ين" فيفهم الناس أن "مشفقين" مشتقة
من الشفقة والرحمة ،ولكنها تعنى خائفين من العذاب.
.24قوله تعالىَ " :وأَنَّهُ هُ َو َر ُّب ال ِ
ش ْع َرى" فيفهم الناس أن "الشعرى" هى الشعر
والشعراء ،ولكنها تعنى نجم فى السماء كان يعبده بعض العرب.
15
ْ
ف"ال َج َو ِار" هنا ال تعنى جمع .25قوله تعالىَ " :ولَهُ ا ْل َج َو ِار ا ْل ُم ْنشَآتُ فِي ا ْلبَحْ ِر كَاألع ِ
َْلم"
جارية ،ولكنها تعنى السفن التى تسير فى الماء ،أما األعالم فيفهم الناس أنها أعالم
البالد وراياتها ،ولكنها تعنى الجبال.
ِين ُح ِملُوا التَّ ْو َراةَ ث ُ َّم لَ ْم يَحْ ِملُو َها َك َمثَ ِل ا ْل ِح َم ِار يَحْ ِم ُل أ َ ْ
سفَ ً
ارا" .26قوله تعالىَ " :مثَ ُل الَّذ َ
فيفهم الناس أن كلمة "األسفار" ما يرتبط بالسفر والمتاع ،ولكن األسفار هى جمع
سفر وهو الكتاب.
َاح َبةً َو ََل َولَدًا" فليس المعنى من الجد
.27قوله تعالىَ " :وأَنَّهُ تَ َعالَ ٰى َج ُّد َر ِبنَا َما اتَّ َخذَ ص ِ
هو أب األب أو األم أو الجد بمعنى الهزل ،ولكن جد ربنا أى تعالت عظمته وجالله.
قال ابن عباس :التفسير على أربعة أوجه؛ وجه تعرفه العرب من كالمها ،وتفسير ال يعذر
أحد بجهالته ،وتفسير يعلمه العلماء ،وتفسير ال يعلمه إال هللا.
وقد علمنا هللا في كتابه أننا إذا أردنا أن نفعل شيئًا أن نأتيه من الطريق السهل القريب ،الذي
ُجعل موصالً إليه ،ونحن في طلبنا لفهم القرآن ينبغي أن نصل إليه من الطريق الواضح
السهل ،الذي يحصل به المقصود ،وهذا الطريق الواضح قائم على ثالثة قوعد:
16
أوَل :تفسير القرآن بالقرآن ،ثم بالسنة ،ثم بأقوال الصحابة.
إن أولى ما فسر به القرآن بالقرآن ،فإذا أردت أن تفهم القرآن حق الفهم فتأمل فيه كله،
ضا ابحث عن معنى اآلية في سورة
فانظر إلى سياق اآلية كلها ،وما قبلها وما بعدها ،وأي ً
مختصرا في
ً أخرى ،فما وجدته مجمالً في مكان ،ستجده مبينًا في مكان آخر ،وما وجدته
مكان ستجده مبسو ً
طا في مكان آخر ،وقد ذم هللا من يتمسك ببعض اآليات دون بعض ،أو
يأخذ المتشابهات ويدع المحكمات ،فقال تعالى{ :أفتأمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}،
وقال{ :فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}.
ومن أمثلة بيان القرآن بالقرآن :قوله تعالى{ :فمن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا}
ما المراد بذكره هنا؟ أهو القرآن ،وما أنزله هللا من الكتب الهادية؟ أو المراد ذكره بتسبيحه
وتمجيده وتهليله؟
إذا تأملت سياق اآلية كاملة ستجد أن المعنى المقصود هو األول دون الثاني ،قال تعالى:
عدُو فَ ِإ َّما يَأْتِيَنَّكُم ِمنِي هُدًى فَ َم ِن اتَّبَ َع هُد َ
َاي فََل يَ ِض ُّل ض َ {قَا َل ا ْه ِب َطا ِم ْن َها َج ِميعا ً بَ ْع ُ
ض ُك ْم ِلبَ ْع ٍ
ض عَن ِذك ِْري فَ ِإ َّن لَهُ َم ِعيشَةً َ
ضنكا ً َونَحْ ش ُُرهُ يَ ْو َم ا ْل ِقيَا َم ِة أَ ْع َمى شقَى (َ )123و َم ْن أَع َْر َ َوَل يَ ْ
ب ِل َم َحش َْرتَنِي أَ ْع َمى َوقَ ْد كُنتُ بَ ِصيراً ( )125قَا َل َكذَ ِلكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَ ِ
سيتَ َها ( )124قَا َل َر ِ
[سورة طـه .]126-123/20 َو َكذَ ِلكَ ا ْليَ ْو َم تُن َ
سى (})126
ثم تأتي سنة النبي صلى هللا عليه وسلم مبينة للقرآن ،كما قال تعالى{ :ونزلنا إليك الذكر
لتبين للناس ما نزل إليهم} قال الشافعي رحمه هللا" :كل ما حكم به رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم فهو مما فهمه من القرآن ،قال تعالى{ :إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس
اختَلَفُواْ ِفي ِه َوهُ ً
دى علَ ْيكَ ا ْل ِكت َ َ
اب إَِلَّ ِلت ُ َب ِي َن لَ ُه ُم الَّذِي ْ {و َما أَ َ
نز ْلنَا َ بما أراك هللا} ،وقال تعالىَ :
َو َرحْ َمةً ِلقَ ْو ٍم يُ ْؤ ِمنُ َ
ون}."..
ثم أقوال الصحابة؛ ألنهم شاهدوا من القرائن واألحوال التي اختصوا بها ،ما لم يشاهده
غيرهم ،ولما لهم من الفهم التام ،والعلم الصحيح ،عن ابن مسعود قال" :والذي ال إله غيره
ما نزلت آية من كتاب هللا إال وأنا أعلم فيمن نزلت ،وأين نزلت ،ولو أعلم مكان أحد أعلم
17
بكتاب هللا مني تناله المطايا ألتيته" ،وقال" :كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن
حتى يعرف معانيهن والعمل بهن"( .)16فهم جمعوا العلم والعمل.
فالقرآن مركب من حروف وكلمات ،فداللته داللة لفظية ،والداللة اللفظية تتوقف معرفتها
في كثير من األحيان على معرفة مقتضيات األحوال ،وحال المخاطب والخطاب ،والجهل
بأسباب النزول موقع في الشبه واإلشكاالت ،ومورد للنصوص الظاهرة مورد اإلجمال .
ومعرفة سبب النزول يدلك على المعنى الصحيح ،وليس معنى سبب النزول أن اآلية
مقتصرة على األشخاص الذين نزلت فيهم ،بل هي تتناولهم وتتناول من كان في منزلتهم .
القرآن نزل بلسان عربي مبين ،فمن أراد أن يفهمه حق الفهم فإنه محتاج إلى معرفة اللغة
العربية ،ومعرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل.
تفسيرا يكون معنا دائ ًما ،ويرشدنا إلى المعنى الصحيح في الجملة،
ً وبناء على ذلك فإذا أردنا
فإننا نختار من التفاسير ما تكون له عناية بهذه األمور الثالثة؛ مثل تفسير ابن كثير ،وتفسير
ابن سعدي ،والطبري و تفسير البغوي وغيرهم
وهناك تفاسير معاصرة جيدة ،فيها ترتيب وتنسيق ،فتذكر معاني الكلمات ،ثم المعنى
اإلجمالي ،ثم تذكر الفوائد من اآليات
والتفاسير بحمد هللا كثيرة ،وجميعها مشتملة على أمور نافعة ،لكن بعضها قد يكون
لصاحب اعتقاد فاسد ربما يفسد عليك المعنى وأنت ال تشعر ،أو يدلك على معنى باطل،
وبعضها مطول ،فتراه يطيل النفس في مباحث لغوية ،أو أصولية ،أو فقهية ،أو يحكي
إسرائيليات ال حقيقة لها ،لكن إذا كنت تريد أن تعرف معنى بعض اآليات على التفصيل،
وترى ما قيل في معناها ،فإنك ترجع إلى هذه التفاسير ،وترى كالم أهل العلم .
18
الخاتمة :
نظرا
ً وفي النهاية ،أود أن أشكر هللا تعالى واحمده على توفيقي في كتابة هذا البحث
ألهميته الشديدة ،فأرجو أن يكون له تأثير إيجابي على العوام ،وأن يقوم بإفادة الطالب
كثيرا من األشخاص،
ً في مجال التفسير ،ولقد وجدتُ أن هذا الموضوع قد شغل بال
وكثر الحديث عنه فأتمنى أن أكون قد وفقتُ في طريقة كتابتي للمعلومات الموجودة في
19