Professional Documents
Culture Documents
Droit Constitutionnel الدولة
Droit Constitutionnel الدولة
Droit Constitutionnel الدولة
لكن من أين جاءت هذه التصورات الثالث لمفهوم السيادة وما هي الظروف التي حفّت ببناء
هذه المفهوم على هذه الشاكلة؟
لمحاولة الردّ على هذا السؤال يمكن العودة إلى أه ّم من ّ
منظر لمفهوم السيادة للكشف على أولى
العناصر التي قام عليها هذه المفهوم والمالبسات التاريخية التي ساهمت في ظهوره على هذه
الشاكلة وهو الفقيه الفرنسي Jean Bodin3السيادة باللغة الالتينية هي majestasأو
un mot qui permet de rejeter les revendications politiques superioritas
concurrentes
Au XIVe siècle, le mot contribua au fondement théorique de la royauté nationale
française en démarcation avec les pouvoirs universels de la papauté et de
l’empereur.
En termes de droit constitutionnel, le concept de souveraineté était dirigé contre
les domaines privilégiés tels que l’Église et le clergé, la noblesse, les villes et
autres corporations. La »compétence des compétences« fondée sur la législation
formait le noyau du pouvoir créateur monarchique, qui formellement, n’était plus
lié à la coutume et aux privilèges bien acquis.
Jean Bodin 1530-1596 3من أهم المفكرين الفرنسيين للقرن الخامس عشر حيث جمع بين التخصص في القانون واالقتصاد والفلسفة
والتاريخ.
Jean Bodin , « Les six livres de la République », 1576 4
Moyen-Age 5وهي فترة تاريخية تندرج ضمن تقسيم التاريخ الغربي تبدأ مع أواخر القرن الخامس ميالدي وتنتهي مع القرن الخامس عشر.
6ال ُمقاطع هو Le vassalوهو النبيل الذي كان يتمتّع في المقاطعة الراجعة أليه بالنظر La Baronnieبسلطة جبائية وسلطة قضائية على
منظوريه كما كان يتمتّع بقوة مسلحة خاصة به.
Roland Mousnier, Les monarchies absolues en Europe du Vème siècle à nos jours, Paris, PUF, 1982. 7
بمباركة أو تزكية الكنيسية أي السلطة الباباوية للملوك عند اعتالئهم العرش ،بل أصبح الملوك
قرون بانهم ستمدّون شرعيتهم ومشروعيتهم من هللا مباشرة وبالتالي استعاد الملوك استقاللهم
ي ّ
عن أي جهة خارجية ومن ذلك أصبحت السيادة هي سلطة الدولة العليا في الداخل والمستقلة
في الخارج ول ّخصها J. Bodinفي هذه العبارة La République est un droit " :
gouvernement avec puissance souveraine … La souveraineté est la
puissance absolue et perpétuelle d’une République … La souveraineté
est le pouvoir de commander et de contraindre sans être commandé ni
contraint »8
من ذلك تصبح السيادة مرتبطة بالحكم وبالقيادة داخل المجتمع ،الحكم عن طريق القانون
وبالتالي سلطة انتاج القواعد القانونية كما ذكر Bodinحيث يقول « Afin qu’on puisse
connaitre celui qui est Prince Souverain il faut savoir ses marques qui
ne sont point communes aux autres sujets, … la souveraineté est la
puissance de donner loi à tous en général, et à chacun en particulier
[…] sans le consentement de plus grand, ni de pareil, ni de moindre
que soi »9
وبناء على ما سبق تمثل سلطة إنتاج مختلف أصناف القواعد القانونية إحدى عناصر السيادة
أو إحدى تجلّياتها فالدولة تحتكر سلطة وضع القواعد القانونية التي تحكم أو تسيّر عن طريقها
المجتمع والدولة باعتبارها شخصية معنوية هي التي تسند للقائمين عليها سلطة إصدار مختلف
القواعد القانونية التي تسير عن طريقها المجتمع وتحكمه كما تضمن استقراره والسلم داخله
La souveraineté permet aux gouvernants d’avoir un titre de
.compétence par le biais duquel ils posent des règles de droit
لكن السيادة ال تتجلى فقط في احتكار سلطة وضع القواعد القانونية ،بل تشمل كذلك ودائما
حسب J. Bodinاحتكار االستعمال الشرعي لوسائل الضغط المادي وذلك حتى تكون سلطة
الدولة فعلية وفعالة ،le pouvoir étatique est un pouvoir effectif et efficace
وليست صورية أو رمزية إلى جانب احتكار سلطة صكّ العملة ،واشهار الحرب وإبرام
السلم 10بناء على فكرة احتكار الدولة الختصاص.
وبهذا المعنى تد ّل السيادة إلى جانب السلطة العليا والمستقلة للدولة على احتكار الدولة
لالختصاص والذي يقصد به السلطة المخولة للدولة لضبط االختصاصات الراجعة إليها بالنظر
فهي التي تحدّد عدد وطبيعة الصالحيات التي ترجع إليها بالنظر كما تضبط طريقة ممارستها
أما فيما يتعلق بالنقض الشعبي référendum abrogatifفهو استفتاء يهدف إلى
محدد من الناخبين والناخبات المسجلين وهو إلغاء قانون قائم ونافذ وذلك بطلب ّ
مقدم من عدد ّ
آلية مكسرة في عدد قليل جدا من دساتير على غرار دستور إيطاليا 1947في فصله 75
الذي يشترط ان يوقع على األقل 500 000ناخب/ناخبة على عريضة لطلب إلغاء قانون
مدة ل تتجاوز 90يوما .وهذه اآللية تعتمد كذلك في سويسرا.
نافذ في ّ
/2نظرية سيادة األمة :
ظهرت هذه األخيرة في فرنسا في القرن الثامن عشر في إطار البناء الفكري الذي مهد لثورة
القس Sieyèsالذي انتخب سنة 1790عضو بالجمعية التأسيسية ظر لها هو ّ
أهم من ن ّ
و ّ
الفرنسية وعلى عكس الشعب المكون من مجموعة المواطنين والمواطنات المقيمين في دولة ما
في فترة معينة من تاريخها والذي يتملك كل واحد منهم جزء من السيادة ،تمثّل األمة كيانا
المكونة له .ولما كانت األمة هي صاحبة السيادة،
ّ مجردا مختلفا عن العناصر (األشخاص)ّ
فلكونها كيان مجرد معنوي ،ل يمكن لها ممارسة هذه السلطة راجعة إليها بالنظر فال يمكن لها
قيام السلطة بنفسها ،فضال عن انها كيان غير قابل للتجزئة وبالتالي فإن السيادة الراجعة إليها
بالنظر هي األخرى غير قابلة للتجزئة.
إن اإلقرار بأن السيادة هي لألمة بالشروط التي ذكرناها ،يترتب عنه مجموعة من نتائج هي
مجرد
على نفيض نتائج نظرية سيادة الشعب كما تصورها روسوا وبالفعل بما أن األمة كائن ّ
12تشترط بلغاريا توقيع 400 000ناخب في مدّة ال تتجاوز الثالثة أشهر لقبول المبادرة الشعبية.
13يشترط الدستور المجري تجميع 200 000ألف توقيع خالل أربعة أشهر
14تشترط سويسرا جمع 100 000توقيع خالل 18شهرا
15يشترط القانون المكسيكي جمع توقيع 2%من مجموع الناخبين والناخبات المسجلين وذلك خالل سنتين
فهي تحتاج إلى أشخاص يمثلونها ويمارسون سلطة الراجعة بالنظر إليها مكانها وبالتالي تؤول
نظرية سيادة األمة بالضرورة الى ديمقراطية نيابية تمارس فيها األمة صاحبة السيادة السلطة
بواسطة جهاز يمثلها والتمثيل هنا على عكس مالمحه في اطار نظرية سيادة لشعب ل يشكل
تجسيد لحق أصيل يعود لمواطن بل هو فقط وظيفة يقتضها الطابع المجرد لصاحب السيادة
ومن ثمة فان النتخاب انطالق من نظرية سيادة األمة ليس بالضرورة انتخابا عاما.
تقتضي بالضرورة نظاما نيابيا ل ديمقراطية مباشرة فاألمة صاحبة السيادة تحتاج إلى مؤسسات
تعبر عن إرادتها وتمارس صالحياتها La nation souveraine a besoin
تمثلها ّ ،
d’organes qui la représentent et qui expriment sa volonté
ضل نظرية سيادة األمة ل يمثّل الشعب ول يمثّل ناخبيه بل
إلى جانب هذا فإن النائب في ّ
برمتها وتبعا لذلك فإن الوكالة هي بالضرورة وكالة اختيارية وليست إجبارية بمعنى
يم ّثل األمة ّ
أنه يعود للنائب تحديد مضمون الصالحة العامة وليس له أن ينّفذ تعليمات ّ
يحددها ناخبوه
بشكل مسبق.
إل أنه لم يعد اليوم للتعارض أو التقابل بين نظريتي سيادة الشعب وسيادة األمة سوى أهمية
تاريخية وأكاديمية حيث أن الدساتير المعاصرة تستعمل المفهومين كمرادفين إذ فضال عن أننا
تجد أحيانا كالهما في نفس النص الدستوري ،على غ ارر الفصل 3من الدستور الفرنسي لسنة
أقر بأن سيادة األمة ملك للشعب فإننا نجد جمعا لتبعات كل منهما كذلك في
1958الذي ّ
يقر الفصل 2من الدستور المغربي لسنة 2011أن "السيادة
نفس النص الدستوري ،فمثال ّ
لألمة تمارسها مباشرة بالستفتاء ،وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها" .كما أننا نجد في
تعد لغية Tout
كل وكالة إجبارية ّ
الفصل 27من الدستور الفرنسي لسنة 1958إق ار ار بأن ّ
. mandat impératif est nul
إلى جانب ذلك فإن اعتبار القتراع حّقا وكونه عام suffrage universelهو اليوم مبدأ
كوني ولم تعد هنالك أنظمة تعتبره وظيفة فتقوم على ذلك األساس بالتضييق فيه أو حصره في
فئات مجتمعية دون أخرى في ما عدى بعض الحالت الشاذة.
تحول النظام الديمقراطي إلى قيمة كونية اليوم جعل الدول قائمة اليوم على أنظمة
وعليه فإن ّ
أقرت عمومية الحق النتخابي
اقرت دساتيرها بأن السيادة للشعب أو لألمة كما أنها ّ
نيابية سواء ّ
دون تمييز أو إقصاء.
المجموعة البشرية واإلقليم هي شروط قيام السيادة التي تمارسها الدولة عبر القواعد القانونية
التي تضعها
-أ – اإلقليم
يرّكز فقهاء القانون الدستور الذين يرون في اإلقليم العنصر المادي لقيام الدولة على كونه
القاعدة المادية التي ترتكز عليها الدولة .ويم ّثل اإلقليم من وجهة نظر قانونية اإلطار الذي
تبسط عليه وفي حدوده الدولة سيادتها أي سلطتهاLe territoire est cadre .
d’exercice des compétences par l’Etat
ولهذه القاعدة أو اإلطار بعدين أو ثالث بحسب الحالت أي بحسب الموقع الجغرافي للدولة
جوي وإما أم يقوم إلى جانبهما على بعد بحري
فأما أن يقوم إقليم الدولة على بعد أرضي وبعد ّ
إذا كانت الدولة مطلّة على البحر.
المحددة لتعريفه كركن من أركان الدولة .فالقانون
ّ إل أنه ليست الخصائص الجغرافية لإلقليم هي
تمتد روسيا على ما يقارب 17مليون
ل يكترث مثال لحجم اإلقليم حيث وعلى سبيل المثال ّ
كلمتر مرّبع ( (17 000 000 km2بينما ل تتجاوز مساحة إمارة موناكو كلمتري مرّبع 2
طع أي غير المتّصل ألسباب طبيعية لإلقليم ل يحول هو اآلخر ، km2كما أن الطابع المتق ّ
دون قيام الدولة فيكفي أن نتخذ اليابان أو أندونيسيا وهي أرخبيالت Archipelsأي مجموعة
من الجزر المتناثرة في البحر لكن كل منهما وحدة قانونية تش ّكل دولة .دولة فلسطين دولة
الباكستان ( )1947قبل نشأة البنغالدش ()1971
إن الجانب اله ام في اإلقليم كعنصر من عناصر الدولة هو ثباته واستق ارره ،لذا تم ّثل مسالة
تطرقنا إلى مفهوم السيادة أن الدولة
محددة لقيام الدولة .وبالفعل لقد أرينا عند ّ
الحدود مسألة ّ
ميزت
ظهرت مع ظهور فكرة الحدود كإطار لسلطتها ومع انتهاء النزعة التوسعية التي ّ
المبراطوريات.
وللدولة حدودا برية لكن كذلك حدودا بحرية (بالنسبة للدول المطلة على البحر) وحدودا جوية.
وتمثل عملية ضبط الحدود مسألة حاسمة وحساسة أحيانا عند حدوث خالفات حولها بين
الجوار.
بالنسبة للحدود البرية فهي يمكن أن تكون طبيعية على غرار سلسلة جبال مثال أو أنهار كما
يمكن أن تكون الحدود اصطناعية أي ناتجة عن رسوم حدودية مقامة بفعل النسان وبإرادته
وذلك غالبا باتفاق مبرم بين الدول المجاورة لبعضها ويتقاطع في هذا الشأن أي في قضية
ضبط الحدود بين الدول القانون الدستوري والقانون الدولي العام .وقد يحدث أن تثير عملية
تحل بطرق ديبلوماسية على غرار النزاع الحدودي
رسم الحدود بين الدول خالفات يمكن أن ّ
تمت
الذي نشأ بين تونس والجزائر بعد حصولهما على الستقالل في منطقة الصحراء والذي ّ
16
تتطور
تسويته عن طريق اتفاقية ابرمت بينهما سنة . 1970لكن يمكن لهذه الخالفات أن ّ
نحو نزاع مسّلح ويكون ذلك خاصة عندما تكون الرهانات حول المناطق الحدودية المتنازع
حولها بعدا رمزيا أو حضاريا أو تاريخيا ،أكثر منه بعدا مرتبطا بالثروات الطبيعية مثال التي
Mohamed ben Salem, L’affaire de la borne 233, Mémoire de DES de droit public, Faculté de Droit de Tunis, 16
1971-1972
يميز مثال الخالف بين فلسطين وإسرائيل أو بين الهند وباكستان
تزخر بها تلك المنطقة .هذا ما ّ
أو بين السودان وجوب السودان.17
من ناحية أخرى طرح ظهور دول جديدة أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين،
جراء تف ّكك التحاد السفياتي والتحاد اليوغسالفي وانقسام
على غرار الدول التي نشأت ّ
السودان ،من جديد مسالة ضبط حدود هذه الدول.
أما بالنسبة للجانب البحري لإلقليم فهو بطبيعة الحال ل يشمل إل الدول المطلّة على البحر.
الجوي
يسمى كذلك قانونا بالمجال ّالجوي إلقليم الدولة أو ما ّ
أخي ار وفي ما يتعلق بالمجال ّ
البري إلقليم الدولة والفضاء الذي يعلو مياهها
للدولة فيتمثّل في الفضاء الذي يعلو العنصر ّ
الجوي عدم امكانية استعماله ،أي
اإلقليمية .ويترتّب عن ممارسة سيادة الدولة على مجالها ّ
عبوره ،دون موافقة الدولة المعنية .وتن ّ
ظم استعمال واستغالل الجزء الجوي من اإلقليم معاهدة
دولية هي معاهدة Chicagoلسنة 1944حول الطيران المدني.
لكن الدولة ل تحتاج فقط إلى إقليم أي إلى إطار مادي تمارس عليه وفي حدوده سيادتها ،بل
يسمى بالمجموعة
تحتاج أيضا إلى أطراف تبسط عليهم سلطىتها وتتمثل هذه األطراف فيما ّ
البشرية.
ل يقتصر قيام الدولة على توّفر العناصر القانونية لبناء السلطة السياسية إذ ل معنى لهذه
وتسيره وتبسط عليه نفوذها .وفي الوقت
ّ طره
السلطة في غياب مجموعة بشرية أي مجتمع تؤ ّ
ذاته تمثل هذه المجموعة البشرية األساس الذي تقوم عليه هذه السلطة حيث تجد مصدرها فيها
تتعهد الدولة بضمان حقوقها
وتنشأ من أجل ضمان استقرار ورفاهية هذه المجموعة التي ّ
وحرياتها.
والمقصود بالمجموعة البشرية ،كركن من أركان الدولة ،ليس شتات من األفراد بل مجموعة
مترابطة (دون أن تكون بالضرورة متجانسة أي أنه يمكن أن تكون متناسقة مع وجود اختالفات
بين مكوناتها سواء كانت هذه الختالفات فكرية أو دينية أو لغوية أو عرقية أو غيرها من
عناصر الختالف) ,وكما هو الشأن بالنسبة لإلقليم فإن حجم المجموعة البشرية ل يؤثّر في
وجود الدولة من عدمه ،إذ يمكن أن نالحظ التباين بين الدول اليوم من حيث كثافتها السكانية.
لكن من جهة أخرى من الضروري أن تقوم الدولة على مجموعة بشرية مكونة من أغلبية واسعة
أف ارد حاملين لجنسيتها أي تربطهم بها عالقة قانونية وهي رابطة الجنسية ولهذا السبب يمثل
حجم األجانب المقيمين بدولة ما أحيانا مسألة حساسة إذا كبُر عددهم فأصبح يضاهي أو
حد ذاته وهذا ما بفوق عدد المواطنين إذ يمكن أن يصل األمر إلى ّ
حد تهديد كيان الدولة في ّ
تعمد سلطات الحتالل اإلسرائيلية بناء مستعمرات إسرائيلية بشكل متواصل
نلمسه مثال مع ّ
على األراضي الفلسطينية بشكل يقلب موازين القوى الديمغرافية بفلسطين لصالح المستوطنين
اإلسرائيليين.
وإذا سلّمنا بأن المجموعة البشرية المكونة للدولة ليست شتاتا من األفراد أصبح الحديث هنا
عن األمة .وقد طرحت األمة عديد اإلشكاليات في عالقتها بالدولة فتارة اعتُبرت هي من ساهم
في إنشاء الدولة وفي قيامها وتارة أخرى اعتُبرت الدولة أي السلطة السياسية هي من خلق
طرها وبالتالي هي التي صنعت
عناصر الترابط والوحدة بين مكونات المجموعة البشرية التي يؤ ّ
أمة.
أما العناصر الموضوعية لوجود األمة أي وجود روابط بين مكونات مجموعة بشرية معينة
فهي تقوم على اعتبار األمة كيان موجود بقطع النظر عن إرادة مكوناته لقيامه مبني على
تتجسد في وجود لغة أو في دين أو إثنية مشتركة .وتستدعي العناصر
ّ عناصر موضوعية
الموضوعية لتشكيل األمة بعض المالحظات أولها لفت النتباه إلى النزلقات التي يمكن أن
التعصب ونبذ الختالفّ تؤدي إليها هذه النظرية الموضوعية لألمة إذ هي تفتح الباب امام ّ
ويكفي ان نشير إلى ما آلت إليه اإليديولوجيا النازية القائمة على البحث عن نقاوة العرق اآلري
فترتّب عنها إبادة غير اآلريين المقيمين على األراضي األلمانية على غرار اليهود والغجر وما
ّبررته من احتالل لد ول كبولندا والدنمارك بحثا عن توحيد األمة اآلرية .يمكن أن قول نفس
الشيء بالنسبة لبناء األمة على وحدة الدين وما يمكن ان تؤول إليه من تصفية من ل يدين
بدين األمة في بعض الدول على غرار أقباط مصر ومسلمي ميانمار . Rohingyaعلما
وأنه ليست لكل أمة بالمعنى الموضوعي للكلمة دولة واحدة .فلو أخذنا على سبيل المثال
عنصر الوحدة على أساس اللغة ن تبين أن اللغة السبانية هي اللغة الرسمية ل فقط إلسبانبا
بل كذلك لعديد دول أمركا الوسطى والجنوبية .كما أن اللغة العربية تتكلمها أكثر من دولة
وبالتالي ل يستقيم الحديث عن وجود دولة لكل أمة إذا أخذنا مفهوم األمة بناء على المعيار
الموضوعي.
لكن هنالك مقاربة أخرى لألمة وهي القائمة على عناصر ذاتية ل موضوعية والمتمثلة في
التمسك بهذه
وجود رغبة في العيش المشترك والشعور بالنتماء إلى نفس الدولة والقبول و ّ
الدولة وبمن عليها .ويمكن أن يتأتى هذا الشعور باقتسام هذه المجموعة البشرية ماض أي
التصدي
تاريخ مشترك خاصة إذا اتسم بمالحم وبنضاالت على غرار مقاومة االستعمار و ّ
لالعتداءات الخارجية أو مقاومة االستبداد ،أو السعي إلى تحقيق هدف مشترك ،كإحداث قوة
عسكرية أو اقتصادية ،رغم اختالف مكونات هذه المجموعة لغة أو دينا أو عرقا.
للتحرر وذلك
ّ وبالفعل مثلت األمة كأساس للدولة وللسلطة السياسية التي يحكمها دستور أداة
طات تاريخية ثالث
في مح ّ
-أولها كان مع الفكر األوروبي اللبرالي للقرن الثامن عشر .ونجد تعبي ار عن هذا التصور
القس Sieyèsالذي يقول في كتابه ? qu’est-ce que Tiers-étatأن لدى ّ
لكل شيء فهي مصدر كل شيء" .19فاألمة هي المبدأ الذي تنشأ
"وجود األمة سابق ّ
وتعبر األمة عن إرادتها السياسية
على أساسه الدولة والسلطة السياسية التي تنبثق عنهاّ .
يعبر عن إرادة األمة من شأنه أن يمنح
صلب نص الدستور .وإن اإلقرار بأن الدستور ّ
الدستور والدولة في ذات الوقت مشروعيتهما .واإلقرار بأن األمة هي مصدر كل شيء
« La Nation existe avant tout. La Nation est à l’origine de tout. »,Emmanuel Joseph Sieyès, Qu’est-ce que 19
tiers-état ?, Éditions des archives contemporaines, 1985, p. 160.
أسس للقضاء على الشرعية السائدة والقائمة على نظام
كان بمثابة الخطاب الذي ّ
ملكي مطلق ،يحكم فيه الملك بمقتضى الحق اإللهي وهو حكم ل مكان فيه ل لألمة
ول إلرادتها ،وهو كذلك خطاب أراد أن تكون األمة الفرنسية هي صاحبة السيادة ،أمة
اجتمعت حول مقاومة االستبداد وحول مجموعة قيم أهمها الحرية والمساواة .وبالتالي
جاءت نظرية سيادة األمة في فرنسا لتنزع السلطة أي السيادة من الملك وتمنحها لألمة
أقرت دستو ار جديدا ونظاما سياسيا جديدا لدولة
التي اجتمعت من خالل هيئة تمثلها و ّ
جديدة أي أن األمة تم ّكنت من تقرير مصيرها باختيار نظام الحكم الذي أرادته لنفسها.
ومثلت التجربة الفرنسية نقطة انطالق لسلسلة من التجارب أخذت فيها أمم بزمام األمور
تعبر عن تطلعاتها .ففي
فتأسس لنفسها دول ّ
فتكتلت لتقاوم إما الستبداد أو الستعمار ّ
الحالة األولى تساهم األمة في إعادة تأسيس نظام الحكم وإعادة تنظيمه بعد اإلطاحة
تحررها من
بالنظام المستبد القائم وفي الحالة الثانية تقوم األمة ببناء الدولة بعد ّ
الستعمار ,لكن حركات الستقالل التي تنبثق عنها دول جديدة ل تقوم دائما على أمم
متماسكة ومترابطة وهذا ما يفرض التساؤل حول دور الدولة كسلطة سياسية في تكوين
األمة أو على األقل في دعم ترابطها
بالنسبة لدور الدولة في إنشاء األمة من خالل خلق عناصر ترابط بين مكوناتها فأنه -
ينطلق من واقع يتميز بكون أن األمة ليست معطى طبيعيا بل أنها كيان يحتاج أحيانا
إلى بناء من عدم هذا حال عديد الدول الحديثة العهد بالستقالل حيث أن القوى التي
استعمرتها قامت في أغلب األحيان بتقسيم اعتباطي ألقاليم التي هيمنت عليها فيما بينها
ولم تراعي في هذا التقسيم الخصوصيات السوسيولوجية للشعوب التي استعمرتها
والنتيجة أن السلطات الفتية التي أصبحت على رأس الدول الحديثة العهد بالستقالل
وجدت نفسها أمام مجموعات بشرية أحيانا ل روابط بينها كما هو الشأن بالنسبة لعديد
الدول الفريقية واآلسيوبة التي كانت استعمرتها فرنسا وبريطانيا على وجه الخصوص
وإلن كانت المجموعات البشرية عند تأسيس حركات التحرير اتحدت فيما بينها إل أنها
تفرق بينها على
تحصلت على استقاللها إل وعادت لتطفو الختالفات التي ّ ّ ما إن
السطح .وعلى وجدت الدول الحديثة العهد بالستقالل نفسها أحيانا تواجه مجموعة
بشرية مرّكبة متكونة من قوميات أو إثنيات ethniesأو قبائل مختلفة فكانت دول من
دون أمم بالمعنى الموضوعي للكلمة أي أمة ل تربط بين مكوناتها أحيانا ل لغة ول
دينا ول عرقا ومن ثمة تصبح مسؤولية الدولة بناء األمة وخلق أواصر ترابط بين
مكوناتها وقد تنجح الدولة في هذا البناء منا قد تخفق.
فأما نجاحها فهو رهن اتباع الدولة أي السلطة ،سياسة قائمة على اعتماد صفة المواطنة
كالخيط الناظم لجميع مكونات المجتمع عوضا عن تأجيج الخصوصيات والختالفات وخاصة
ومن الطبيعي أن تولّد مثل هذه الممارسات السلطوية شعو ار بالضطهاد والقهر ويترتّب عنها
تمرد على الفئة الحاكمة التي تم ّكنت من السلطة وفرضت على المجموعة الوطنية كلها نمطّ
عيشها .ويترتب عن مثل هذه السياسة القمعية للخصوصيات وللحق في الختالف المشفوع
غالبا بتمييز فئات على أخرى نشوب حروب أهلية عند ضهور بوادر ضعف للسلطة التي
كانت تمسك بالمجتمع بقبضة حديدية على غرار ما حدث في يوغسالفيا في تسعينات القرن
الماضي خالل ما سمي بحرب البلقان ال تي كانت نتيجة الضطهاد والتمييز الذي عانت منه
بعض القوميات في يوغسالفيا زمن حكم الماريشال تيتو Maréchal Joseph Titoثم
زمن حكم Franjo Tudjmanمن الجهة الكروتية و Slobodan Milosevicمن
الكرَوت croates
الصرب serbesو َ الجهة الصربية على إثر وفاة Titoحيث تحارب ّ
والبوسنيين , bosniaquesكما يمكن أن نذكر حرب اإلبادة التي عرفتها رواندا سنة 1994
ضد التوتسي 800 000 .Tutsiألف ضحية في مائة يوموالذي اقترفه الهوتو ّ Hutu
وتعتبر هذه اإلبادة األكثر سرعة في التاريخ.
وبناء على ما سبق فإن المجموعة البشرية كركن من أركان الدولة تمثل اليوم أكثر من أي
وقت مضى موضوع اهتمام القانون الدستوري ،ألن ارتباطها بمفهوم األمة كأرقى درجة من
التضامن يمكن أن يبلغها الترابط بين مكونات الشعب يدعو إلى النظر في مدى نجاح الدولة
في بناء هذه األمة وفي دعم تماسكها وبالتالي ضمان استدامتها ،ويبقى هذا النجاح مرتبط
بمدى احترام الدولة لخصوصيات المجموعات المكونة لها وبناء األمة على فكرة المواطنة ل
على فكرة الهوية الدينية أو اللغوية او العرقية أو غيرها والعمل على جعل الخصوصيات اللغوية
والدينية والثنية التي تميز مكونات نسيجها الجتماعي عنصر ثراء لها ل سببا من أسباب
التمييز بين هذه المكونات وبالتالي العمل على حمايته وتثمين تجلياته.
إذا كانت الخصائص القانونية للدولة من شخصية قانونية وسيادة واركانها المادية من إقليم
ومجموعة بشرية هي العناصر المشتركة بين جميع الدول ،فإن هذه األخيرة قد تختلف عن
بعضها البعض من حيث الشكل الذي يمكن أن تتخذه ويقصد يشكل الدولة،الطريقة التي
بمقتضاها تبسط السلطة السياسية نفوذها على المجتمع وطبيعة مؤسسات التي من خاللها
ونميز في هذا الشأن بين الدولة البسيطة
ستمارس هذا النفوذ ،بنيتها وعالقتها ببعضها البعضّ .
والدولة المركبة.
وموحدة تمارس
ّ يعرف الفقه الدستوري الدولة البسيطة بكونها دولة تحكمها سلطة سياسية واحدة
ّ
حصريا وبشكل مباشر نفوذها على كامل اإلقليم وعلى كامل المجموعة البشرية .كما أن هذه
السلطة السياسية الواحدة الموحدة تحكم الدولة والمجتمع وفق نظام قانوني واحد وعبر سلطات
سياسية واحدة .إذ أنها تقوم على دستور وحيد يعتلي بقية أصناف القواعد القانونية كما تقوم
على سلطة تشريعية واحدة ،بقطع النظر عن قيامها على مجلس أو مجلسين فهي الوحيدة
سن القوانين التي تنطبق على كامل أطراف الدولة .كما تقوم الدولة البسيطة على
المخول لها ّ
ّ
سلطة تنفيذية واحدة بقطع النظر عن بنيتها ،أي سواء كانت أحادية أم ثنائية ومنظومة قضائية
موحد أي قائم على قضاء عدلي فقط أو على
واحدة بقطع النظر عن اعتمادها نظام قضائي ّ
ازدواجية قضائية أي على فصل بين القضاء العدلي والقضاء اإلداري .وتعود السيادة سواء
كانت الداخلية أو الخارجية في الدولة البسيطة إلى سلطة الدولة دون سواها.
فإما أن
الموحدة أي البسيطة أن تعتمد بدورها على انماط مختلفة من التنظيم ّ
ّ ويمكن للدولة
موحدة مركزية أو ـن تكون ل محورية أو أن تكون لمركزية ويمكن أن تأخد في
تكون دولة ّ
نفس الوقت بالالمحروية وبالالمركزية وهذا هو النمط األكثر اتباعا من قبل الدول.
l’Etat unitaire أما عن النمط الثاني لتنظيم الدولة وهو التنظيم الالمحروي
déconcentréفيقوم على إدراك أن اتخاذ أي قرار سياسي أو إداري مهما كانت أهميتهما
يتطلّب لضمان تنفيذهما ومراقبة طرق تنفيذهما بكامل أطراف الدولة تواجد ممثلين عن السلطة
المركزية منتشرين على كامل إقليم الدولة .وعلى هذا األساس تقوم السلطة المركزية بنعيين
ممثلين عنها على كامل تراب الدولة يش ّكلون سلسة من الموظفين الذين يعتبرون أطع الدولة
وأعينها وآذانها في المناطق الترابية التي يعملون داخلها ,فهم أعين الدولة باعتبارهم يتابعون
إنفاد ق ارراتها داخل النطاق الترابي الراكع إليهم بالنظر وهم أذرعتها لكونهم مسؤولون على هذا
التنفيذ وهم آذانها ألنهم يُصغون إلى انتظارات المواطنين والمواطنات وطلباتهم واحتياجاتهم
فيبّلغونها إلى السلطة المركزية التي تتخذ ق اررات وتدابير جديدة على ضوء هذه الحاجيات
والطلبات والنتظارات .وتتمثّل اإلدارة الالمحورية في تونس في سلسلة من السلط الالمحروية
20لفصل – 6من األمر المؤ ّر خ في 21حوان 1956المتعلق بالتنظيم اإلدارة المركزية كما وقع تنقيحه بمقتضى القانون عدد
83لسنة 1980المؤرخ في 3ديسمبر " 1980يدير شؤون المناطق اإلدارية المشار إليها بالباب األول سلك من الموظفين
يتركب من الوالة والمعتمدين األول والكتاب العامين والمعتمدين ويساعدهم بالمناطق الترابية العمد ".
الجمهورية) ,كما تخضع هذه السلط لسلطة رقابة المركز les autorités
déconcentrées sont soumises au pouvoir hiérarchique des
تحل
autorités centralesويمكن للسلطة المركزية أن تلغي ق ارراتهم كما يكن لها أن ّ
محلّهم في صورة تقصيرهم في أداء مهامهم .إن السلط الالمحروية هي سلط تمثّل السلطة
المركزية في الدائرة الترابية التي تعمل بها فالوالي على سبيل المثال هو ممثل لرئيس الحكومة
داخل الولية وهو المسؤول على تنفيذ القوانين واألوامر بها .وبالتالي تمثل السلطة الالمحروية
سلط تنفيذ ل سلط قرار.
وينبني التنظيم الالمحروي على فكرة أساسية تتمثل في البحث عن النجاعة في إدارة الشأن
العام وتسيير المجموعة الوطنية حيث إن إنشاء ممثلين عن السلطة المركزية في كامل أنحاء
تراب الدولة من شأنه أن يضمن أول حسن وسرعة تنفيذ القوانين والق اررات وهو يضمن ثانيا
قدرة الس لطة المركزية على الطالع على حاجيات المواطنين والمواطنات في كامل تراب الدولة
ومدى تفاعلهم معها بشكل يم ّكنها من الستجابة إليها في مرجلة لحقة .فالالمحروية تنظيم
يستجيب إلى مقتضيات نجاعة تدابير السلطة المركزية وقدرة هذه األخيرة على السيطرة على
كامل أطراف تراب الدولة.
أما عن الشكل الثالث لتنظيم الدولة فيتمثّل في التنظيم الالمركزي للسلطة ويقصد بالالمركزية،
التي تقوم على فلسفة مغايرة تماما عن تلك التي تنبني عليها الالمحروية ،حيث أنها تبحث
حيز من الستقاللية يم ّكنها من إدارة شؤونها بنفسهاعن
عن تمكين جماعات ترابية محلية من ّ
طريق هياكل تنتخبها بنفسها وذلك على مستوى القرار اإلداري فقط أي أنها تبقى على المستوى
السياسية خاضعة لقرار سلطة سياسية واحدة هي السلطة التشريعية المركزية.
التوجه نحو تنظيم لمركزي للسلطة في الدولة من وعي بأن هنالك من الحاجيات
ّ وينطلق
والمتطلبات في تسيير الشأن العام ما ل يكتسي بعدا وطنيا أي أنه ل يعني كامل مناطق
وجميع متساكني الدولة بنفس الدرجة أو أنه ل يمكن تسييره والستجابة له بنفس الشكل وبنفس
التدابير وبنفس الخيارات وذلك للخصوصيات الجتماعية والقتصادية والطبيعية لكل منطقة،
الحر
تم التفكير في نمط من تنظيم السلطة يقوم على ترك عدد من المسائل للتدبير ّ
ومن ذلك ّ
تقدمها
للجماعات المحلية وهامش من الحرية لهذه المناطق في إدارة مصالحها والخدمات التي ّ
للمتساكنين بها .على أن الستقاللية التي تتمتّع بها الجماعات المحلية أي السلط الالمركزية
هي ا ستقاللية إدارية ل سياسية بمعنى أنها ل تتيح لهذه الهياكل سلطة وضع قوانين إذ ل
قوانين إل للسلطة التشريعية للدولة حيث ل يتاح للسلطة المحلية إل حق اتخاذ ق اررات ذات
طابع إداري تبقى خاضعة لمبدأ الشرعية des décision administratives
soumises au principe de légalitéوهي تدابير نافذة فقط في حدود النطاق الترابي
للسلطة المحلية التي اتخذتها.
وتتميز السلط المحلية بكونها تتمتّع بشخصية قانونية منفصلة ومستقلة عن الشخصية القانونية ّ
للدولة 21األمر الذي يتيح لها القدرة على اللزام واللتزام كما تتمتّع بالستقاللية المالية .إل أن
أوجه الستقاللية هذه ومجالها تضبط بقانون وتبقى خاضعة له.
المؤرخ في 27جانفي 2014التنظيم الالمركزي للدولة التونسية ّ أقر الدستور التونسي
وقد ّ
حيث جاء في فصله 14أن " تلتزم الدولة بدعم الالمركزية واعتمادها بكامل التراب الوطني
يحدد أبعاد التنظيم الالمركزي
في إطار وحدة الدولة" .ثم جاء الباب السابع من هذا الدستور ل ّ
ليقر أنه "تقوم السلطة المحلية على أساس الالمركزية,
فأقر الفصل 131منه ّ لتراب الدولة ّ
تتكون من بلديات وجهات وأقاليم يغ ّ
طي مل صنفا منها تتجسد الالمركزية في جماعات محلية ّ
ّ
كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون ,يمكن أن تحدث بقانون أصناف خصوصية
من الجماعات المحلية".
كما ينبني التنظيم الالمركزي للدولة على هاجس آخر إلى جانب النجاعة في إدارة مصالح
الناس هو تكريس الديمقراطية باعتبار أن تخلّي السلطة المركزية على جانب من صالحياتها
في مجال بعض المرافق العمومية والخدمات وبعض جوانب من السياسات التنموية لصالح
هياكل محلية ينتخبها متساكنو هذه المناطق هو إقرار بحق هؤلء السكان في إدارة شؤونهم
بأنفسهم وتنظيم الخدمات التي يحتاجونها على المنوال الذي يرونه األنسب بخصوصيات
المنطقة التي يقطنونها وهو خاصة تنظيم يسمح لهؤلء المتساكنين من انتخاب الهياكل التي
ستدير شؤونهم انتخابا عاما ومباشرا .وبالتالي إذا كانت السلط المكلّفة بتمرير وتنفيذ الق اررات
التي تتخذها السلطة المركزية بكامل أنحاء البالد في إطار التنظيم الالمحروي للدولة هي سلط
21جاء في الفصل 132من الدستور التونسي المؤرّ خ في 27جانفي " 2014تتمتّع الجماعات المحلية بالشخصية القانونية وباالستقاللية اإلدارية
والمالية وتدير المصالح المحلية وفقا لمبدأ التدبير الحرّ "
معينة من قبل السلطة المركزية فإن السلط الالمركزية هي سلط منتخبة من قبل مواطني ّ
ومواطنات المنطقة الترابية التي يرجعون إليها بالنظر.
فالسلطات الالمحروية ليست لها شخصية قانونية خاصة بها مستقلة عن الشخصية القانونية
للدولة في حين أن السلطات الالمركزية كالبلديات والجهات مثال لديها شخصية قانونية خاصة
بها .كما أن الختصاصات التي تمارسها السلطات الالمحروية هي تلك التي تسندها إليها
السلطة المركزية وتحديدا السلطة التنفيذية وهي اختصاصات تمارس تحت رقابة السلطة
المركزية بينما اختصاصات السطات الالمركزية هي سلطات يسندها إليها القانون وهي
اختصاصات تمارس ل تحت رقابة السلطة التنفيذية بل تحت رقابة القاضي اإلداري الذي
تدخالت السلطة المركزية.
يحميها كذلك من ّ
أهم تجلّياتها لكن يمكن للدولة أن تتخذ كذلك شحال أكثر تعقيدا فتدون على هيئة مرّكبة ّ
لعل ّ
تسمى كذلك بالدولة الفدرالية l’Etat fédéral
الدولة التحادية التي ّ
الفقرة الثانية :الدولة االتحادية
تتميز الدولة المرّكبة عن الدولة البسيطة بكونها تقوم على تواجد أو تعايش عدد من السلطات
ّ
السياسية واألنظمة القانونية مع بعضها البعض ،بحيث نجد أنفسنا امام تنظيم على مستويين
أولها شامل بمارس السلطة السياسية الراجعة إليه بالنطر على كامل نطاق الدولة أما الثاني
فهو دون المستوى الوطني ويقوم على سلط ذات مرجع ترابي محدود تخضع المجموعة البشرية
في ذلك النطاق مباشرة إلى السلطة السياسية لتلك المنطقة ،على عكس الدولة البسيطة التي
موحدة ونظام قانوني وحيد حيث أن مجموعتها البشرية تخضع مباشرة
تقوم على سلطة سياسية ّ
أهمها الدولة التحادية أو
لعل ّ
وحصريا إلى سلطة سياسية واحدة .والدولة المرّكبة أصناف ّ
الفدرالية.
أما عن الدولة التحادية اآلن فهي دولة تنشأ على عكس التحاد الكنفدرالي بمقتضى دستور ّ
أي أنها دولة مبنية على دستور .فالدولة التحادية وإن كانت اتحاد بين دول كما هو الشأن
تضم الدول
ّ بالنسبة لالتحاد الكنفدرالي ،إل أن الدولة التحادية تنشأ بمقتضاها دولة جديدة
األعضاء وتعلوهم تتخلّى الدول األعضاء عن سيادتها الخارجية بمعنى أنه لن يعود لها وجود
على المستوى الدولي حيث تبقى للدولة التحادية وحدها وجود على هذا المستوى.
ويمثّل الشكل الفدرالي للدول شكال كثير النتشار حيث نجده في دول صغيرة الحجم على غرار
بلجيكا أو سويس ار أو اإلمارات العربية المتحدة ودول كبيرة الحجم على غرار روسيا والوليات
القارات حيث نجده في إلفريقيا في دول كأثيوبيا المتحدة األمريكية وهو شكل منتشر في كل ّ
ونيجيريا وإفريقيا الجنوبية وفي القارة األمريكية في دول كالب ارزيل واألرجنتين وفي أوروبا كألمانيا
وفي آسيا على غرار الهند.
فإما عن طريق الندماج فيكون ذلك بقرار من مجموعة من وتنشأ الدولة التحادية بطريقتين ّ
الدول المستقلة عن بعضها البعض التحاد فيما بينها إلنشاء كيان سياسي جديدة أي دولة
تضمهم فهكذا نشأت الوليات المتحدة األمريكية وسويس ار واإلمارات العربية المتحدة مثال
جديدة ّ
ويكون هذ ا القرار في الغالب من أجل إحداث قوة اقتصادية وعسكرية في المنطقة أو أن تنشأ
عن طريق التف ّكك على غرار ما حدث في بلجيكا وأثيوبيا وكينيا وفي هذه الحالة يكون اللجوء
مرت هذه الدولة
لتجنب تف ّكك الدولة وسقوطها خاصة إذا ّ كحل ّ
ّ إلى الشكل الفدرالي للدولة
بصراعات بين قوميات أو إثنيات مختلفة وعانت مجموعاتها البشرية من قمع واستبدادا السلطة
السياسية .وفي هذه الحالة يكون الخيار الفدرالي أي إقرار الستقاللية لمناطق داخل الدولة
وتمكيهما من حكم ذاتي هو الحل إلحالل السالم بها ولإلبقاء على تماسكها.
ويمثل الشكل التحادي للدولة شكال خاصا بالرجوع إلى أهدافه فهو تنظيم يسعى إلى الجمع
بين نقيضين وإلى تحقيق التوازن بين بين هذين النقيضين وهما البحث عن الوحدة من جهة
مع الحفاظ على الخصوصيات والتنوع من جهة ثانية .وبقدر ما نجح التحاد في تحقيق التوازن
بين هذين النقيضين بقدر ما ضمن استدامته واستق ارره أما إذا أخفق في تحقيق هذه التوازن
معرض التف ّكك.
هشا ّ
فأنه سيبقى تنظيما ّ
-ب – المبادئ التنظيمية لالتحاد
إن الطابع المرّكب للطولة التحادية وكونها تقوم على دول صلب دولة يقتضي تنظيما محكما
لها وقف مبادئ تنظيمية خاصة يقوم على ثالثة عناصر هي مبدأ التنضيد أول le principe
de superpositionثم مبدأ الستقاللية le principe d’autonomieوأخي ار مبدأ
المشاركة le principe de participation
المقصود بهذا المبدأ هو قيام الدولة التحادية على سلسلتين من الهياكل ومن السلط التي تمثّل
أهم ميزة للدولة التحادية مقارنة بالدولة البسيطة اآلخذة بالالمركزية حيث أن هذه األخيرة تقوم
ّ
وموحد وخاضعة
ّ على استقاللية إدارية محضة للجماعات المحلية خاضعة لنظام قانوني واحد
أهم
لمبدأ الشرعية ،في حين أن الدول األعضاء في الدولة التحادية تتمتّع باستقاللية سياسية ّ
كل دولة عضو في التحاد دستو ار خاصا بها وبالتالي إذا كان للدول تجلّياتها هو امتالك ّ
األعضاء دستورها فإنه تبعا لذلك لكل منها سلطتها التشريعية الخاصة بها أي برلمانها الخاص
يخصها ،وسلطتها التنفيذية الخاصة بها أي
الذي ينتخب أعضاءه سكان كل مقاطعة في ما ّ
حكومتها ورئيسها وسلطتها ا لقضائية الخاصة أي محاكمها الخاصة بها .وتبعا لما سبق فإنه
لكل دولة من الدول األعضاء إلى جانب دستورها الخاص بها كذلك قوانينها الخاصة بها .لكن
هذه السلط الخاصة بكل دولة من الدول األعضاء ينحصر نفوذ كل واحدة منها في نطاق
حدودها وعلى المجموعة البشرية بالمقاطعة الراجعة إليها بالنظر دون غيرها كما تنطبق قوانينها
داخل مقاطعتها ل غير.
ويعني مبدأ التنضيد كذلك أن الدولة التحادية لديها دستور اتحادي أي دستور مشترك بين
جميع الدول األعضاء ودستور جامع لها كما لديها سلطة تشريعية أي برلمان مشترك وسلطة
تنفيذية مشتركة وسلطة ق ضائية مشتركة وتبسط هذه السلط التحادية نفوذها على كامل إقليم
الدولة التحادية وعلى كامل المجموعة البشرية في كامل التحاد ويعلو الدستور التحادي
أقرها الدستور الفدرالي.
تتبنى أحكام تخالف أحكام ّ
دساتير الدول األعضاء التي ل يجوز لها أن ّ
ضل دولة اتحادية تخضع إلى سلطتينويترتّب عن هذه الثنائية أن الشعوب التي تعيش في ّ
أو تحديدا مستويين من السلطة فهي تخضع مباشرة إلى سلطة وقانون المقاطعة أو المنطقة
التي هي عضو في التحاد وتخضع كذلك إلى سلطة الدولة التحادية وقانونها.
وإنما هذا التنظيم المعّقد للسلط ولألنظمة القانونية يقتضي لنجاحه ولسيره بشكل متناسق اعتماد
مبدأين هما مبدأ الستقاللية من جهة ومبدأ المشاركة من ناحية ثانية.
– 2 -مبدأ االستقاللية
يمثل مبدأ الستقاللية المبدأ الذي من شأنه أن يم ّكن الدول األعضاء في التحاد من الحفاظ
تم تصميمه للتم ّكن من
عن خصوصياتها أذ سبق وقلنا أن الشكل الفدرالي للدولة هو شكل ّ
تحقيق التوازن بين الرغبة في بناء وحدة مع الحق في الحفاظ على خصوصيات الدول
األعضاء .وتظهر الرغبة في الحفاظ على الخصوصيات سواء عند قيام التحاد عن طريق
الندماج ،حيث تقبل مجموعة من الدول المستقلة تماما الستقالل عن بعضها البعض الدخول
في اتحاد شريطة تمكينها من الحفاظ عن حّقها في إدارة مجموعة من المسائل بنفسها ،أو عن
طريق التف ّكك حيث تطالي م جموعة من المقاطعات السلطة المركزية بالعتراف لها باستقالليتها
وذلك بعد تنقيح دستورها إلق ارره الشكل الجديد للدولة واعترافه بجملة من المجالت التي ستتخّلى
تحولت إلى سلطة فدرالية لصالح الدول األعضاء.
عنها السلط المركزية التي ّ
وإنما الستقاللية المكفولة للدول األعضاء هي التي من شانها أن تضمن لها هذا الحق في
وتتجسد استقاللية الدول األعضاء فضال عن كونها تتمتّع بدستور خاص بها
ّ الخصوصية
وبسلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية خاصة بها في كون لها كذلك مجموعة من
االختصاصات التي تنفرد بممارستها والتي ترجع إليها بالنظر حيث أنها هي التي تضع القوانين
تبت عن طريق محاكمها في النزاعات التي تنشأ
الضرورية لتنظيمها وتسهر على تنفيذها كما ّ
بين مواطنيها.
ويضبط الدستور الفدرالي ،أي الدستور الذي ينطبق على جميع الدول األعضاء ،هذه
الختصاصات .وبالفعل يقوم الدستور الفدرالي في الدولة التحادية بتوزيع الختصاصات بين
الدولة التحادية والدول األعضاء.
ويكمن التمييز ،في نطاق توزيع الختصاصات بين الدولة التحادية من جهة والدول األعضاء
يسمى بالختصاص المبدئي compétence générale qu’on
من جهة أخرى ،بين ما ّ
المسند
appelée aussi compétence de droit communوالختصاص ُ
compétence d’exception appelée aussi compétence d’attribution
ويقصد بالختصاص المبدئي مجموعة الصالحيات والختصاصات التي تعود بالنظر إلى أحد
يخصصها لها نص قانوني بشكل صريح أي دون أن يمنحها إياها
األطراف بطبيعتها ودون أن ّ
تدل تَسم َيتُه ذلك الختصاص الذي
المسند فهو ،وكما ّ
النص الدستوري .أما عن الختصاص ُ
إل إذا أسنده إليه النص الدستوري الذي نجد يه قائمة
ل يتاح ألحد األطراف ممارسته ّ
اختصاصات يمنحها إلى أحد الطرفين أي إما إلى الدولة التحادية أو إلى الدول األعضاء.
وتعتمد أغلب دساتير الدول التحادية على غرار الدستور األمريكي أو الدستور السويسري أو
الدستور اإلماراتي على إقرار االختصاص المبدئي للدول األعضاء واالختصاص المسند للدولة
االتحادية .بمعنى أغلب الدول التحادية تذهب إلى تمكين الدول األعضاء من إدارة شؤونها
السياسية واإلدارية والقتصادية والجتماعية والثقافية والمالية ...كما تراه مناسبا لها وتتخلّى
عن بعض الختصاصات لصالح السلط الفدرالية وتتمثل هذه االختصاصات المسندة خاصة
في كل ما يتعّلق بالسيادة الخارجية مثل الديبلوماسية والدفاع والعملة والمسائل المرتبطة
يؤدي إلى فقدان الدول األعضاء وجودها على الساجة الدولية
بها بما أن النضمام إلى التحاد ّ
أي فقدانها لسيادتها الخارجية .وإذا كانت المادة الجمركية تعود إلى السلطة التحادية عادة فإن
المادة الجبائية هي مادة تقتسمها كل من السلطتين التحادية والمحلية ألن ل أحد من بين
هذين الطرفين سيمكنه الضطالع بالختصاصات الراجعة بالنظر إليه دون موارد مالية وتمثّل
أهم هذه الموارد.
الجباية ّ
على أن هنالك من الدول التحادية كألمانيا الفدرالية مثال (الفصل 70وما بعده من القانون
األساسي األلماني) ما أدرج بدستوره ثالث قائمات من الختصاصات :قائمة من الختصاصات
ترجع بالنظر إلى الدول األعضاء وقائمة ثانية تعود إلى السلط التحادية وقائمة ثالثة من
الخت صاصات المشتركة التي يعود للدول األعضاء ممارستها إل إذا رأت السلط التحادية أن
برمتها.
تدحل السلطة على نطاق يشمل الدولة ّ
هنالك مصلحة وطنية تقتضي ّ
ومهما كانت طريقة توزيع الختصاصات المعتمدة في الدستور الفدرالي لتنظيم ممارسة مستويي
السلطة (المستوى الوطني والمستوى المحلّي) وضمان سالسة العالقة بين طرفيها فإن ذلك ل
يمنع إمكانية ظهور تنازع حول الختصاص بين السلط التحادية وسلطة الدول األعضاء.
يتضمن الدستور التحادي وهو الدستور المشترك بين
ّ ولهذا السبب كان من الضروري أن
فض النزاعات بين مختلف مستويات الحكم (أي الحكم الوطني
جميع الدول األعضاء آليات ل ّ
والحكم المحلّي أي مستوى السلطات الفدرالية ومستوى الدول األعضاء) .وتمثّل آليات البت
في النزاعات بين الدولة التحادية والدول األعضاء أداوت ضرورية لضمان استدامة التحاد
يؤدي إلى تف ّكك الدولة التحادية.
وتجنب تعّفن للخالفات قد ّ
ّ
البت في النزاعات حول االختصاص بين السلط االتحادية
مهمة ّ
وفي هذا الشأن عادة ما تسند ّ
وسلط الدول األعضاء إلى أعلى محكمة على المستوى الفدرالي التي يمكن أن تكون إما
المحكمة الدستورية الفدرالية أو المحكمة العليا الفدرالية.
– 3مبدأ المشاركة
يمثل مبدأ المشاركة اآللية التي من شأنها أن تحّقق هدف الوحدة والتماسك الذي هو وراء نشأة
كل دولة اتحادية .ويقصد به الحق المتاح للدول األعضاء في امشاركة في الهياكل التحادية
ثمة المشاركة في اتخاذ الق اررات التحادية أي تلك التي تدخل في اختصاصات السلط
ومن ّ
التحادية.
وبالتالي فإن مشاركة الدول األعضاء تكون على مستويين أولها المشاركة في الهياكل التحادية
وثانيهما المشاركة في الق اررات التحادية.
أما على مستوى الهياكل فإن ميزة السلطة التشريعية الفدرالية في الدولة التحادية هي أنها تقوم
برمته بقطع النظر على المقاطعة
دائما على مجلسين يم ّثل المجلي األول شعب الدولة التحادية ّ
أو الولية التي ينتمي إليها بينما تمثّل الغرفة الثانية الدول األعضاء بصفتها تلك .وفي هذا
الشأن قد يكون تمثيل هذه الدول في الغرفة الثانية على أساس المساواة أي أن يكون تمثيلها
في ذاك المجلس بعدد متساوي من النواب بقطع النظر عن حجمها وعن وزنها الديمغرافي.
من ذلك نجد السلطة التشريعية التحادية في الوليات المتحدة األمريكية State
Legislatureتقوم على مجلسين هما مجلس النواب United States House of
Reprentativesومجلس الشيوخ United States Senateحيث يمثل مجلس
النواب الشعب األمريكي في حين يمثل مجلس الشيوخ الوليات األعضاء في اإلتحاد التي لدى
كل واحدة منها ممثلين بهذا المجلس .كما أن السلطة التشريعية التحادية في ألمانيا الفدرالية
تقوم هي األخرى على غرفتين هما Bundestagالذي يمثل الشعب األلماني و
يتكون منها هذا التحاد ول تمثَّل هذه األخيرة
Bundesratالذي تمثل فيه المقاطعات التي ّ
بعدد متساوي من المقاعد بل بحسب حجمها وكثافتها السكانية فتمثّل المقاطعات التي لديها
أقل من مليوني نسمة بثالث مقاعد وتلك التي لديها بين مليونين وستّة ماليين نسمة بأربعة
ّ
مقاعد تلك التي لديها بين ستة وسبعة ماليين نسمة تم ّثل بخمس مقاعد والتي لديها أكثر من
سبعة ماليين نسمة ستّة مقاعد.
وفضال عن هذه المشاركة للدول األعضاء على المستوى الهيكلي للسلك فإنها تشارك كذلك
في ممارس الصالحيات المسندة للسلط التحادية فهي تشارك في وضع القوانين التحادية بما
أن هذه األخيرة تنطبع على حاكل تراب الدولة وعلى كافة المقيمين بها وبالتالي فإن الدول
سنها وذلك من خالل تمثيلها في
األعضاء معنية بهذه القوانين ومن حّقها بالتالي المشاركة في ّ
السلطة التشريعية التحادية في غرفتها الثانية .وبالفعل تشارك الدول األعضاء عبر المجلس
الذي يمثلها بصفتها تلك في المصادقة على القوانين التحادية لكن كذلك في المصادقة على
ميزانية التحاد وعلى المعاهدات الدولية التي يبرمها هذا األخير مع الطول األخرى باعتبار
أنه لم يعد للدول األعضاء تمثيل على المستوى الدولي.
لكن األهم من ذلك هو المشاركة الضرورية للدول األعضاء في أي عملية تعديل للدستور
التحادي ألن هطا األخير هو أساس العقد بين الدول األعضاء والدي بمقتضاه قاموا بإنشاء
يمر بموافقة الدول األعضاء أول من
الدولة التحادية وبالتالي أي تغيير لهذا "العقد" يجب أن ّ
خالل مصادقتها عير المجلس الذي يمثلها صلب السلطة التشريعية التحادية ثانيا من خالل
معززة لبرلمانات الدول األعضاء .فعلى سبيل المثال يخضع تعديل
ضرورة مصادقة أغلبية ّ
دستور الوليات المتحدة األمريكية إلى مصادقة الكونغرس األمريكي أي إلى مصادقة المجلسين
الذين يكونان السلطة التشريعية األمريكية على المستوى التحادي ،ثم يجب أن تصادق على
هذا التعديل ثالثة أرباع الدول األعضاء (أي 38دولة من أصل 50دولة مكونة للوليات
المتحدة األمريكية) من خالل موافقة برلماناتها.
خصيصا
تمت صياغتها ّ
تبدو هذه المبادئ التنظيمية للدولة التحادية على غاية من الدقة حيث ّ
من أجل الوصول إلى تحقيق غاية معّقدة تجمع بين نقيضين هما البحث عن الوحدة من أجل
النوع والخصوصيات والعمل على حمايتهما وإن هذه
قوة اقتصادية وعسكرية مع مراعات ّ
بناء ّ
الغاية الثانية تعكس النفس الديمقراطي للشكل الفدرالي للدولة لقبوله بالحق في الختالف وسعيه
إلى إدارته بأحسن وجه.
وإن كان الشكل الفدرالي يشهد اليوم انتشا ار في العالم ويستقطب اهتمام بعض الدول التي تعيش
تعدد القوميات واإلثنيات داخلها ،إل أن هذا الشكل
أزمات سياسية حادة وانقسامات سببها ّ
هشا خاصة إذا وقع اعتماده في أنظمة غير ديمقراطية ألنه في
المرّكب من الدول يبدو أحيانا ّ
بالبت في التنازع حول الختصاصات بينهذه الحالة ورغم وجود الهياكل القضائية المختصة ّ
السلط التحادية وسلطة الدول األعضاء إل أن المركز غالبا ما يكسر التوازن بين الوحدة
إن أبسط طريقة لتناول األنظمة السياسية تتم عبر تصنيفها أي ترتيبها إلى مجموعات متناسقة
يتم ضبطها تسمح بالوقوف عند مختلف خصائص كل نظام وتمييزه
بناء على معيار أو معايير ّ
عن غيره من األنظمة.
وترجع محاولت تصنيف األنظمة السياسية إلى العصور القديمة حيث نجد آثارها في جمهورية
أفالطون أو سياسة أرسطو ولقد اعتمد كل منهما معيار عدد الحكام لتصنيف األنظمة السياسية
فمي از بين النظام الذي يرجع فيه الحكم لشخص واحد وهو النظام الملكي وذاك الذي يرجع فيه
الحكم ألقلية أو نخبة وهو النظام األوليغارشي أو حكم األقلية وأخي ار النظام الذي يرجع فيه
الحكم لألغلبية أل وهو النظام الديمقراطي.
ثم إلى
وسنتعرض إلى جذوره ّ
ّ أهم معيار في هذا الشأن هو مبدأ الفصل بين السلط.ولعل ّ
مختلف التطبيقات التي شهدها في م بحث أول ثم إلى المالمح التي اتخذها في النظام السياسي
التونسي في مبحث ثاني.
يشير مصطلح "السلط" في عبارة "الفصل بين السلط" إلى السلطات العمومية الدستورية التي
تؤمن الوظائف األساسية
يقصد بها السلط التي أحدثتها السلطة التأسيسية األصلية والتي ّ
والضرورية لقيام ولتسيير كل دولة .ويرى الفيلسوف الفرنسي J. J. Rousseauأن كل
مجتمع وتبعا لذلك كل دولة تحتاج إلى صنفين من الوظائف ّأولهما الوظائف التقريرية التي
يمكن أن نترجم عنها بالوظائف التشريعية والوظائف التنفيذية ،ويقول في هذا الغرض في كتابه
العقد الجتماعي ":
Toute action libre a deux causes qui concourent à la produire,
l’une morale, savoir la volonté qui détermine l’acte, l’autre
physique, savoir la puissance qui l’exécute. (...) Le corps
politique a les mêmes mobiles, on y distingue de même la force
et la volonté, celle-ci sous le nom de puissance législative,
l’autre sous le nom de puissance exécutive. Rien ne s’y fait ou
ne doit s’y faire sans leur concours ».
(J.-J. Rousseau, Contrat social, Livre III, chap. I).
وبناءا على هذا التصور للحاجيات األساسية لكل دولة أصبح من الضروري التفكير في شتى
األساليب الممكنة لتنظيمها ولضبط طرق ممارستها ،وقد ولّدت مختلف هذه األساليب أنظمة
سياسية مختلفة بناء على معيار جديد يدعو إلى تجّنب تركيز أكثر من سلطة بيد شخص
واحد أو مجموعة من األشخاص ويعرف هذا المعيار بمبدأ الفصل بين السلط.
وليس من باب الصدفة أن ظهر هذا المعيار مع الفكر السياسي الحديث إذ يُعرف عن هذا
األخير أنه جاء يطالب بالتخلّي عن الحكم المطلق أي بتقييد السلطة من أجل ضمان الحقوق
والحريات السياسية.
وعلى هذا األساس فإن فالسفة التنوير ومن تأثر بهم من رجال السياسية نادوا أول بضرورة
وضع دساتير مدونة توثق فيها قواعد اللعبة السياسية حتى تصبح حجة على الحاكم والمحكوم
على السواء.
أقروا بأن تدوين القواعد القانونية التي تحكم عملية ممارسة السلطة في الدستور يجب
كما أنهم ّ
أن تُرفق بآليات تضمن تنظيم هذه السلطة بما يضمن تقييدها حتى ل تتعسف في استعمال ما
يرجع إليها من نفوذ ومن قدرة على اإلكراه واستعمال وسائل الردع لحمل األفراد على المتثال
ألوامرها ونواهيها.
وتتمثل فكرة تنظيم السلطة بفصل مكوناتها عن بعضها البعض ،والدعوة إلى توزيع الوظائف
التي تقوم عليها كل دولة على أطراف ثالث ،مستقلة عن بعضها البعض سواء تمثلت في
أفراد أو في مجموعات .ولمزيد فهم هذا التصور ينبغي العودة مرة أخرى إلى كتاب "منتسكيو"
وما ورد فيه بشأن هذا المبدأ التنظيمي الشهير الذي اقترن باسمه به رغم أسبقية مفكرين
بريطانيين ،على غرار "جون لوك" ،في تصوره والدعوة إلى العمل به .ويقول "منتسكيو" في
هذا الغرض في الفصل السادس من الباب الحادي عشر من كتابه "روح القوانين" ما يلي "إنها
لظاهرة أبدية أن ينزع كل من بيده السلطة إلى اإلفراط في ممارستها إلى أن يعترضه حد يوقفه،
ولتحاشي اإلفراط في السلطة ي نبغي ترتيب األمور ترتيبا يجعل السلطة تحد نفسها بنفسها".
حيث أكد على ضرورة تجنب الجمع بين السلط وتحديد بين سلطتين أو أكثر كما دعا الى
ضرورة وضع حدود لكل سلطة و وضع آليات ردع لكل سلطة تجاه السلطة أخرى وهو ما
سماه منتسكيو ملكة الردع على أن تعليمات منتسكيو بشأن تنظيم السلطة بشكل يتجنب
احتكارها ويمنع بالتالي الستبداد فيضمن الحرية ان بدت بسيطة أل أنها لم تتخذ شكل تعليمات
قائمة على آليات واضحة يجب اعتمداها بل أنها وردت في شكل عام تمثل في التحذير من
تبعات جمع سلطتين أو أكثر بين أيدي شخص واحد أو مجموعة من األشخاص فالنتيجة
المنشودة هي كسر مركز القوة أو السلطة وتوزيعه على أطراف مستقلة عن بعضها البعض
بشكل يجعلها قادرة على مراقبة بعضها البعض وبالتالي الحد من تسلط بعضها البعض.
وعلى هذا األساس يتحدث "منتسكيو" عن إسناد كل هيأة ملكة إقرار أي سلطة اتخاذ تدابير أو
تقويم تلك التي اتخذ الغير مشفوعة بملكة ردع أي قدرة على ردع السلطة األخرى إن تراءى
لها أنها تجاوزت حدود الختصاصات المسندة لها من قبل السلطة التأسيسية أي من قبل
الدستور وذلك بإبط ال التدابير التي اتخذتها .علما أن كل هذه الترتيبات وضعت لغرض واحد
هو ضمان الحقوق والحريات الفردية في وجه السلطة .إذ يقول "منتسكيو" بهذا الشأن إذا تركنا
سلطة وضع القوانين وسلطة تنفيذها وسلطة البت في النزاعات وتسليط العقوبات بيد شخص
واحد أو مجموعة من األشخاص من النبالء أو من العامة لضاع كل شيء والمقصود بكل
شيء هنا هو الحرية التي كانت تمثل القيمة الرئيسية التي كان يدور حولها الفكر السياسي
التنويري.
وإن كان "منتسكيو" يستهدف السلطة الملكية المطلقة آنذاك عند صياغته لمبدأ الفصل بين
السلط كمبدأ تنظيمي فإن هذا التصور صالح كذلك لمقاومة تسلط المجموعة أي إلى جانب
أنظمة الحكم الفردي ،أنظمة الحكم القائمة على استبداد مجموعة بل حتى األغلبية عن طريق
اإليديولوجيا الواحدة أو الحزب الواحد ،وهو ما من شأنه أن يجعل هذا المعيار لتصنيف األنظمة
السياسية أي معيار الفصل بن السلط ،رغم ظهوره في القرن الثامن عشر ،بالغ األهمية إلى
يومنا هذا.
يعتمد "منتسكيو" التوازن بين السلط في ما يتعلق بالسلطتين السياسيتين بينما يعتمد الفصل
فقط بالنسبة للسلطة القضائية
ولهذا السبب يمثل مبدأ الفصل بين السلط المعيار األكثر اعتمادا اليوم في تصنيف األنظمة
السي اسية ويسمى كذلك بمعيار األنظمة الدستورية ،بمعنى األنظمة التي تضمن فيها الحرية
السياسية.
يجنب الستبداد ويضمن الحرية وإن بدتإن تعليمات "منتسكيو" بشأن تنظيم السلطة بشكل ّ
بسيطة إل أنها تكتسي من العمومية ما أدى إل ى الختالف حول الطريقة العملية لتباعها أو
تفعيلها .وبالفعل إن "منتسكيو يتحدث عن ضرورة ترتيب األمور ترتيبا يجعل السلطة تحد
السلطة دون أن يقدم أكثر توضيحات أو تفاصيل حول صور هذا الترتيب فهو حدد الغاية
بشكل دقيق وهي الحد من السلطة لضمان الحرية دون أن يضبط مالمح الوسيلة وهذا ما أدى
إلى تأويالت مختلفة للمبدأ ولدت بدورها تصورات مختلفة للفصل بين السلط وخاصة ألساليب
توزيع ملكات اإلقرار وملكات الردع بينها.
وإنما هذه التصورات على اختالفها يمكن أن تلخص في نموذجين اثنين هما القراءة األمريكية
للمبدأ والتي أفرزت ما أصب ح يسمى بالنظام الرئاسي والقراءة البريطانية له والتي أفرزت ما
يوصف بالنظام البرلماني
قبل الخوض في خصائص كل من نظامين البرلماني و الرئاسي وجب التنبه الى أن السلط
المعنية في كل منهما والتي تحدد طبيعة العالقة بينها مالمح كل نظام هي سلطتين السياستين
أي فقط السلطة التشريعة والسلطة التنفيذية بعبارة أخرى اذا اردنا أن نتبين اذا كان امام نظام
برلماني أو نظام رئاسي علينا ان نقف فقد على طبيعة العالقة بين السلطة التنفيذية و التشريعة
أما السلطة القضائية فال دخل لها في تكيف كل من هاذين النظامين ألنها غير معنية بالمنافسة
السياسية التي تدور داخل كل من هاذين سلطتين والتي تدور بين هاذين سلطتين فالسلطة
القضائ ية مستقلة عن سلطة السياسية وخارج حلبة السلطة السياسية لهاذين النظامين.
تعود نشأة النظام البرلماني الى بريطانيا التي كانت أولى الدول الغربية الذي شهد تحول نظامها
الملكي تحول تدريحيا على امتداد 400سنة من نظام ملكي مطلق الى نظام ملكي مقيد تم
فيه انتزاع السلطات التي كان ينفرد بها الملك بصفة تدريجية لتحويلها الى هياكل تمثلية (
مجالس النيابية ,مجلس اللوردات في مرحلة أولى تم اشفاعها لحقا بمجلس العموم تم انتزاع
الجزء اآلخر من السلطة الملكية لتحويلها هذه المرة لرأس ثان مستحدث داخل السلطة التنفيذية
هو الحكومة وعليه فإن النظام البرلماني في بريطانيا كما في غيرها في النظمة الجمهورية
التي اختارت النمط البرلماني كنظام لها تميزت بتنظيم هيكلي يقوم على تداخل العضوي بين
سلطتين التشريعة و التنفيذية والمقصود بذلك هو أن السلطة التنفيذية في النظام البرلماني وهي
سلطة تتميز بطابعها الثنائي حيث تقوم على رئيس الدولة من ناحية الذي يتمثل في الملك أو
في رئيس الجمهورية (كما هو الشأن بالنسبة إلسبانيا ) وهو هيكل ل يتمتع بمشروعية انتخابية
مباشرة اذا انه أما أن لديه مشروعية تاريخية النظمة الملكية أو أنها غير مباشرة ان ينتخب
رئيس الجمهورية في النظمة البرلمانية من قبل البرلمان ل من قبل الشعب مباشرة ويترتب
عن ذلك اسناده صالحيات شرفية بحتة أي أم رئيس الدولة ل يتمتع بسلطات فعلية أما الرأس
الثاني للسلطة التنفيذية في النظام البرلماني فيتمثل في رئيسها وأنما التداخل بين السلطتين
التشريعة و التنفيذية من الناحية الهيكلية في النظام البرلماني يخص عالقة الحكومة بالبرلمان
وبالفعل تمثل هذه األخيرة امتداد لألغلبية الحزبية في البرلمان حيث أن الحزب أو الئتالف
الحزبي الذي فاز بأغلبية المقاعد في البرلمان هو الذي يختار رئيس الحكومة الذي بدوره بشكل
فريق حكوميا ثم يتوجه لنفس البرلمان لطلب ثقة هذا األخير ل فقط بخصوص الفريق الحكومي
بل أساسا ثقته حول البرنامح السياسي الذي يتعهد به هذا األخير بإنجازه.
ويمكن لرئيس الحكومة في النظام البرلماني ان يختار األعضاء حكومته نوابا في البرلمان
بحيث ل مانع في النظام البرلماني أن يجمع شخص بين صنفين أي أن يكون عضو بالحكومة
ونائبا في نفس الوقت أما على مستوى الوظيفي وتبع لتداخل العضوي فأن النظام البرلماني
يقوم على تعاون أو اشتراك السلطتين في ممارسة الوظائف الراجعة مبدئيا لكل منهما وبالفعل
بالنسبة لسلطة التشريعة التي تتمثل وظي فتها في شكل قوانين تشاركها الحكومة في ذلك من
خالل حقها في التقدم لبرلمان لمشاريع القوانين ونالحظ انه في جميع النظمة البرلمانية أغلبية
المبادرات التشريعة هي مبادرات حكومية الى جانب التعاون الوظيفي يقوم النظام البرلماني
على آليات ردع يمكن لكل من سلطتين الحتكام إليها من أجل إيقاف السلطة المقابلة عند
حدها ان اردت أن نفرط في استعمال سلطتها ويتميز النظام البرلماني بقيامه على آليات ردع
تمكن كل سلطة من قضاء على سلطة أخرى فإذا كان للبرلمان الحق في تقديم لئحة لوم ضد
الحكومة بسحب ثقتهم منها واسقاطها بحيث انه التصويت على لئحة اللوم بأغلبية المقررة في
نص الدستور وهي غالبا المطلقة يترتب عنه تقديم الحكومة استقالتها لرئيس الدولة في مقابل
وحتى ل يختل التوازن بين سلطتين لصالح البرلمان فإن النظام البرلماني يقوم كذلك على حق
الحكومة في مطالبة بحل البرلمان في صورة تصويت لئحة لوم ضدها.
يعرف النظام الرئاسي بكونه نظام قائم على فصل الصارم بين السلط ويتجلى هذا الفصل
الصارم بين السلط في استقالل العضوي والتخصص الوظيفي.
أن مقصود بالستقاللية الهيكلية التي تميز تنظيم السلط في النظام الرئاسي هي أول أن كل
من سلطتين التشريعة و التنفيذية تتمثل بمشروعية انتخابية خاصة بها فهي ل تدين لسلطة
أخرى فيما يتعلق ل بارتقائها الى سلطة ول ببقائها في السلطة وبالفعل بما أن الحديث عن
النظام الرئاسي يحيل إلى حديث عن النظام السياسي للوليات المتحدة المريكية التي كانت
أولى دولة وضعت أسس هذا النظام السياس ي وبقيت إلى حد اآلن الدولة وحيدة الوفية لمقومات
هذا النظام فسلطتها التشريعة المتمثلة في كونغرس المريكي القائم على مجلسين مجلس نواب
ومجلس الشيوخ أما من قبل شعب بالنسبة لمحلس نواب أو من مواطنين قبل دول األعضاء
بالنسبة لمحلس الشيوخ فهو بشكل سلطة تتمتع بمشروعية انتخابية خاصة بها فالشعب المريكي
هو يوصلها الى سدة الحكم وهو الذي يزرحها عنها في النتخابات الموالية أما بالنسبة لرئيس
للوليات المتحدة المريكية الذي يجسد السلطة التنفيذية بمعنى انه هو وحيد الذي يمثل هذه
السلطة ففي النظام الرئاسي وعلى عكس النظام البرلماني تقوم السلطة التنفيذية على رأس واحد
هو رئيس الجمهورية وهو بدوره منتخب من قبل شعب أمريكي عبر كبار الناخبين وهو غير
مسؤول سياسيا أما كونغرس ويستعين رئيس الجمهورية في وليات المتحدة المريكية بكتب
دولة يعينهم بنفسه وينهي مهامهم بنفسه ول عالقة لهم بالكونغرس اذا ل يحتاجون لثقته لشروع
في العمل فيما يسمى باإلدارة المريكية ول يمثل كتب الدولة حكومة على معنى نظام البرلماني
بما أنهم مجرد آليات في خدمة رئيس الجمهورية يساعدنه على ممارسة السلطة التنفيذية وهذا
ما يجرنا لحديث عن مبدأ ثاني المميز لنظام الرئاسي الى جانب الستقاللية العضوية أل وهو
التخصص الوظيفي والمقصود بذلك أنه يعود لكونغرس المريكي ممارسة السلطة التشريعة
وذلك عبر سن القوانين وينفرد الكونغرس بذلك بما معناه انه ل يحق لسلطة التنفيذية المجسدة
في رئيس الجمهورية تقديم مشاريع القوانين لكونغرس وفي مقابل تنفرد السلطة التنفيذية التي
هي بيد رئيس الجمهورية بمساعدة كتب الدولة الذين هم مسؤولون أمامه هو فقط يطلع هذا
األخير بضبط سياسية العامة للدولة الداخلية و الخارجية وسهر على تنفيذ القوانين على أن
مبدأين الستقاللية العضوية وتخصص الوظيفي ل يعيين إطالقاً أن كل من سلطتين التشريعة
و التنفيذية تعيش في عزلة عن الخرى وانه يجوز لها ان تفعل ما تشاء فالنظام الرئاسي شأنه
شأن نظام البرلماني قائم على توازن بين سلطتين وقائم كذلك على ترتيب لها يمكن كل منهما
من حد سلطة آخر وتصدي لنزوعه إلفراط في السلطة وبالفعل اذا كانت الوظيفة التشريعة بيد
الكونغرس دون سواها فإنه من حق رئيس الجمهورية التصدي لسياسة تشريعية لكونغرس يعتبرها
جائرة أو غير مالئمة وذلك عن طريق حق النقض وهو امتناع رئيس الجمهورية عن ختم
علما أن الختم ضروري لدخول القانون حيز التنفيذ ورده لكونغرس
قانون صادق عليه كونغرس ً
لمصادقة ثانية بأغلبية ارفع وهي أغلبية الثلثين األمر الذي يصعب في غالب تحقيقه فإن نجح
مجبر في
ًا الكونغرس في توفير هذه األغلبية يكون انتصر على رئيس الجمهورية الذي يصبح
هذه الحالة على ختم القانون أما ان اخفق في ذلك يسقط القانون في المقابل اذا انفرد رئيس
الجمهورية بضبط سياسية العامة للدولة الداخلية و الخارجية بناء على سلطة التنفيذية التي
يجسدها وان كان النظام رئاسي ل يقتضي عرض البرنامح السياسي لرئيس على كونغرس
لتزكيته فإن لكونغرس آليات ردع لخيرات سياسية لرئيس قد يعتبرها جائرة أو غير مالئمة وذلك
أساسا من خالل سلطة كونغرس في مواقفة على مشروع الميزانية التي يعدها الرئيس اذا ان ً
هذا اخير لم يتمكن من تنفيذ سياسته دون اعتمادات مالية أما في مجال السياسة الخارجية فإن
المعاهدات التي يبرمها رئيس الجمهورية في إطار اختصاصاته الدبلوماسية تخضع لموافقة
مجلس الشيوخ.
وبالنسبة للنظام السياسي التونسي وبالنسبة لما يتميز به بناء الى دستور 25جويلية 2022
يمكن توصيفه بكونه نظام رئاسوي يمثل فيه رئيس الجمهورية محور السلطات السياسية ومركز
ثقل الحكم داخل الدولة الى جانب غياب أي شكل من اشكال المسؤولية السياسية لديه ثم
تعكس أحكام الدستور المذكور هذه الخاصية لرئيس الجمهورية في النظام السياسي التونسي
فهو يحتكر في نفس وقت جميع مكونات السلطة التنفيذية بما أنه يضبط السياسة العامة للدولة
حيث أقر الفصل 100أن رئيس الجمهورية بضبط سياسية العامة للدولة ويحدد اختياراتها
السياسية ويعلن بها مجلس نواب الشعب ومجلس وطني للجهات واقاليم كما انه هو الذي يعين
اعضاء الحكومة وينهي مهامهم كما ورد ذلك في فصلين 101و 102من دستور الذي
اضاف أنهم مسؤولون أمامه وذلك وفق فصل 112من الدستور اذا ان هذه الحكومة حكومة
تنفيذ للسياسة التي ضبطها رئيس الجمهورية وليس صاحبة سياسة فضال عن ذلك يشارك
رئيس الجمهورية السلطة التشريعة في مهامها من خالل حقه في التقدم بمشاريع قوانين بمجلس
نواب ولمشاريع رئيس الجمهورية أولوية النظر من قبل
ولرئيس الجمهورية كذلك وفق دستور 2022حق رد مشاريع القوانين لمجلس نواب الشعب
بقراءة ثانية ارفع من تلك التي نمت في قراءة أولى من جهة ثانية فيما يتعلق بالخصوصيات
العضوية لكل من رئيس الجمهورية وسلطة التشريعة بمجلسين فإن كان رئيس الجمهورية
منتخب مباشرة من الشعب فإن اعضاء مجلس نواب الشعب هم كذلك منتخبون مباشرة من
قبله بينما اعضاء الغرفة الثانية منتخبون بطريقة غير مباشرة اذا هم يمثلون الجهات والقاليم
فإذا كان رئيس الجمهورية ل يخضع ألي شكل من أشكال المسؤولية السياسية فأن وضعية
اعضاء مجلس نواب الشعب هشة بما أنه يجوز سحب وكالة منهم من قبل ناخبه قبل انتهاء
مدة نيابية ثم ان مجلس الشعب هذا ل يمكن له مراقبة رئيس الجمهورية فيما يتعلق بخيارات
السياسية التي يقوم بها في إطار ضبطه لسياسة العامة للدولة فحين أن حكومته هي المسؤولة
سياسيا أمام البرلمان بل هي مسؤولة على تنفيذها لسياسية التي ضبطها رئيس الجمهورية
ً
وكأن بالبرلمان هنا ينتصب كعين تعاضد رئيس الجمهورية في مراقبته لحكومة التي تعمل
تحت أمرة رئيس الجمهورية وذلك وفق فصل 115من دستور 2022لكن في المقابل يمكن
بيد الرئيس الجمهورية ان تطال البرلمان بما أن دستور 2022يمكنه من حل مجلس نواب
الشعب وذلك في صورة توجيه مجلس نواب الشعب لئحة لوم ثانية ضد الحكومة أو في صورة
تعطيل المجلس لسير دواليب الدولة.