Droit Constitutionnel الدولة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 41

‫ا ألس تاذة سلسبيل القليب‬

‫حمارضات مادة القانون ادلس توري‬


‫القسم الثاين ‪ :‬ادلوةل‬
‫‪ -‬دراسة الدولة من زوايا متعدّدة حيث تر ّكز مثال العلوم السياسية على ظاهرة السلطة وسبل‬
‫ممارستها على ارض الواقع واحتكار وسائل االكراه في حين يهت ّم علم االجتماع بأسس‬
‫وتبرر عالقات هيمنة افراد و‬‫ّ‬ ‫العالقات بين األفراد والمجموعات أي المبادئ التي تفسّر‬
‫مجموعات أما عن القانون والقانون الدستوري على وجه الخصوص فهو يهت ّم بظاهرة الدولة‬
‫كمؤسّسة حكم قائمة على مجموعة قواعد القانونية وفي هذا الخصوص من المهم أن ندرك‬
‫تفصل بين المقاربة القانونية للدولة والمقاربة الفلسفية األخالقية للسلطة التي تش ّكل الدولة‬
‫الفاعل المركزي لها وإن هذا التمييز بين القانون وبين فلسفة األخالق يطبع الفكر الحديث‬
‫التنويري على عكس المقاربة األخالقية للدولة وللسلطة على وجه الخصوص التي يحملها‬
‫الفكر الديني ليس فقط في الفضاء اإلسالمي بل كذلك في الفضاء المسيحي حيث أن القديس‬
‫‪ Augustin‬أوغسطينوس يرى كتابه ‪ La cité de Dieu‬أن على الحكم الدنيوي أن يمتثل‬
‫للحكم السماوي أي الديني‪.‬‬
‫عرفه‬
‫وتمثل الدولة من هذا المنطلق إحدى العناصر األساسية للقانون الدستوري الذي ّ‬
‫‪ Maurice Duverger‬بأنه التأطير القانوني للظواهر السياسية في الدولة‪ .‬فالقانون‬
‫ّ‬
‫وينظمها ويضبط‬ ‫الدستوري هو باألساس قانون الدولة وقانون مؤسساتها السياسية التي ينشئها‬
‫اختصاصاتها ‪ .‬ولو عدنا إلى بواكر مراجع القانون الدستوري التي تشرت في مطلع القرن‬
‫العشرين سنالحظ أن عناوينها تدور حول مفهوم الدولة على غرار ‪l’Etat moderne et‬‬
‫‪ son droit‬للفقيه األلماني ‪ Georg Jellinek 1‬أو ‪Contribution à la théorie‬‬
‫‪ générale de l’Etat‬للفقيه الفرنسي ‪.Raymond Carré de Malberg2‬‬
‫وتقوم الدولة على جملة من العناصر البعض منها عناصر معنوية أو قانونية والبعض اآلخر‬
‫يوصف بكونه عناصر مادية‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬الخصائص القانونية للدولة‬
‫سبق وبيّنّا أن السلطة في ض ّل النظام اإلقطاعي كانت تقوم على عالقات تحمل عناصر العالقات‬
‫القانونية في القانون الخاص حيث أنها تقوم على فكرة الملكية والتبعية الشخصية وهي تبعية‬
‫‪1‬‬‫‪Georg Jellinek, L’Etat moderne et son droit, 2 vol., Paris, ed. V. Giard et E. Brière, 1911, réed. LGDJ, 2005.‬‬
‫‪22‬‬‫‪Raymon Carré de Malberg, Contribution à la théorie générale de l’Etat, 2 vol.Paris, Sirey, 1920, réed. CNRS,‬‬
‫‪1962 puis 1985.‬‬
‫ال ِق ّن أو عبد األرض ‪ le serf‬لمالكها فال ِق ّن هو في خدمة اإلقطاعي الذي يوفّر له في المقابل‬
‫التحول التدريجي لهذه السلطة من أيدي األمراء ومركزتها على سبيل المثال‬ ‫ّ‬ ‫الحماية‪ .‬ثم مع‬
‫بين أيدي الملك في فرنسا والقيصر في روسيا تف ّككت تلك العالقة القائمة على التبعية الشخصية‪.‬‬
‫كما أن العالقة بين ا لملك والرعية لم تعد قائمة على فكرة ملكية األرض ومن عليها بل على‬
‫فكرة السلطة العسكرية والجبائية التي أصبح يحتكرها شخص واحد هو الملك‪.‬‬
‫ورافق هذا التغيّر على مستوى بنية السلطة تغيّرا على مستوى طبيعتها والعناصر التي تقوم‬
‫عليها والتي يمكن تصنيفها إلى عناصر قانونية وعناصر مادية ويقصد بالعناصر أو الخصائص‬
‫القانونية للدولة الخصائص التي تتميّز بمقتضاها عن بقية المجموعات الجزئية التي يتكون منها‬
‫المجتمع‪ .‬وتتمثل هذه الخصائص القانونية للدولة أساسا في عنصرين هما الشخصية القانونية‬
‫من ناحية والسيادة من ناحية ثانية والتي سنتط ّرق إليها تباعا‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الشخصية القانونية للدولة‪:‬‬
‫ترتبط فكرة الشخصية القانونية للدولة بفكرة ثانية على غاية من األهمية سبق وتعرضنا‬
‫إليها والتي جاء بها الفكر السياسي الحديث‪ ،‬والمتمثلة في مأسسة السلطة أو الحكم أي التحول‬
‫بمفهوم السلطة من حق يملكه شخص يبسط بمقتضاه نفوذه على البالد وعلى العباد إلى تفويض‬
‫من قبل المجتمع يمنحه الشرعية والمشروعية لتسييره‪ .‬ومن هذا المنطلق مثلت الشخصية‬
‫القانونية للدولة أداة تسمح بفصل الشخصية المعنوية للدولة عن الشخصية الطبيعية للقائمين‬
‫عليها كما أنها تسمح بتقييد سلطتهم وبضمان وحدة واستمرارية الدولة‪.‬‬
‫أ‪ -‬الشخصية القانونية للدولة يسمح بإرساء حكم ممأمس ‪:‬‬
‫يحركها أي يتصرف‬ ‫إن السلطة بما هي ملكة للقيادة داخل المجتمع تحتاج إلى يد أو طرف ّ‬
‫أصالة عنها وليس أفضل من مفهوم الشخصية القانونية للدولة للتعبير عن التحول من سلطة‬
‫مشخصة إلى سلطة مؤسسة أو مأسسة فصال عن أن هذا المفهوم يسمح بناء على هذا بتقييد‬
‫سلطة للحاكم وبضمان وحدة الدولة و ديمومتها‪.‬‬
‫لطالما ارتبطت الدولة بشخص الملوك أو الحكام قائمين عليها ورغم ظهور بوادر لفصل الدولة‬
‫عن شخص القائمين عليها وذلك بناء على فكر التنويري فإن مفهوم الشخصية القانونية للدولة‬
‫لم يتبلور إال مع نهاية القرن التاسع عشر وكان ذلك مع الفقيه األلماني ‪ Gerber‬الذي قام ببناء‬
‫مفهوم الشخصية القانونية للدولة ليضع حدّا لتقاليد كانت تجعل سلطة األمر والنهي الذي ترجع‬
‫ي لمن بيده الحكم يبسطه على رعاياه‪ .‬وفي تأسيس على ممتع الدولة‬ ‫حق شخص ّ‬ ‫بالنظر ّ‬
‫بشخصية قانونية قائمة بذاتها تعبير عن فصل هذه اخيرة عن شخصية القانونية للحاكم وفصل‬
‫ارادتها التي هي إرادة عامة عن ارادتهم شخصية وفصل المصلحة الخاصة للحكام عن مصلحة‬
‫العامة التي تعود للدولة مسؤولية تحقيقها وتقتضي كذلك الشخصية القانونية للدولة الفصل يين‬
‫الذمة المالية للدولة أو ما يسمى بميزانتها و الذمة المالية للقائمين عليها ومن ثمة ظهور قواعد‬
‫تحكم التصرف في مال العام ومراقبة طريقة استعماله ومن ثمة كذلك تجريم استغالل المال‬
‫العام لتحقيق مصالح ذاتية وتبعا لما سبق تصبح الدولة شخصية قائمة بذاتها بغض النظر على‬
‫االشخاص الذي يتصرفون عليها وعلى اسمها مع العلم ان الشخصية القانونية للدولة تتفرد‬
‫بخصائص تميزها عن بقية الشخصية القانونية مادية كان أو معنوية وبالتالي أن الشخصية‬
‫القانونية للدولة هي شخصية لصيقة بها بمعنى أنها شخصية آلية توجد بقيام الدولة وال تحتاج‬
‫صا قانوني ينشئها على خالف الشخصيات القانونية أخرى سواء لذوات الطبيعة أو‬ ‫على ن ّ‬
‫الذوات المعنوية فبالنسبة للذوات الطبيعية أي االفراد فأن الشخصية القانونية الذي تتمتعون بها‬
‫تجد أساسا في قانون الدولة الراجعين إليها بالنظر حيث أن ما يسمى بالحقوق المدينة تتضمن‬
‫فيما تتضمن االعتراف بشخصية قانونية لإلفراد التي بمقتضاها سيتمتعون بالحقوق والحريات‬
‫أما عن الذوات المعنوية فإن الشخصية القانونية الذين يتمتعون بها تجد أساسها في نظام‬
‫األساسي التي نشأت بمقتضاها والذي يخضع لقانون الدولة ثم ان الشخصية القانونية للدولة‬
‫شخصية كاملة بمعنى أنها تسند الدولة سلطة تصرف غير محددة أو باألحرى اختصاصات‬
‫غير محددة بين الشخصية القانونية للهياكل االخرى أي الشخصيات المعنوية هي شخصية‬
‫محددة بمعناه اذا كان للدولة الحق وامكانية ممارسة اختصاصات التي تعتبرها هي ضرورية‬
‫سواء على مستوى الداخلي أو خارجي األمر الذي يتيح لها امكانية التدخل في جميع من آمن‬
‫ودفاع و اقتصاد الى غير ذلك فإن الشخصيات المعنوية ال يجوز لها وفق قانون و وفق قانونها‬
‫األساسي ان تتدخل أال في حدود األهداف التي وجدت من اجلها‬
‫ب‪ -‬الشخصية القانونية للدولة مفهوم يسمح بتقييد سلطة الدولة‪:‬‬
‫سبق وذكرنا بأن الدولة بكونها ذات معنوية فهي غير قادرة على تحرك و تصرف بنفسها‬
‫وبالتالي فهي تحتاج الى اعضاء أو اجهزة تتحرك من خاللهم ويتصرفون مكانها وباسمها‬
‫على أرض واقع و انطالقا من كون للدولة شخصية قانونية مستقلة عن تلك التي تتمتع بها‬
‫األشخاص الذين يمثلون أذرعتها فان هؤالء األشخاص الذين يمثلون بوادر القرار فهم‬
‫أشخاص مكلفون بالتحرك باسم الدولة و مكانها حيث تنسب تصرفاتهم إليها وان تصرفهم‬
‫التصرف حسب أهوائهم وإنما وفقا لضوابط‬
‫ّ‬ ‫أصالة عن الدولة فال يجيز لهم فعل ما يكون وال‬
‫قانونية ‪ ،‬فاالختصاصات التي يمارسها القائم على السلطة ال تعدو أن تكون سوى مسؤوليات‬
‫أسندها له القانون فالدولة اذن ان عبر اعضاءها أو اجهزتها أو مؤسستها عن ارادتها فان‬
‫ذلك ال يكون أال بناء على قانون بمعنى ال يتحرك القائم على سلطة اال وفق ما يسمح به‬
‫القانون وال يكون ذلك أال عبر قانون بمعنى ال يتصرف القائم على السلطة أال عبر آليات‬
‫التصور لتبعات الشخصية القانونية للدولة على تصرف القائمين عليها هو‬‫ّ‬ ‫قانونية وان هذا‬
‫الذي من شأنه أن يسمح بقيام فكرة سلطة مقيّدة‪.‬‬
‫ولعل مفهوم دولة القانون أفضل تعبير عن حكم مفيد حيث أن هذا المفهوم يعني أوال ان دولة‬
‫هي التي تنتج القانون لكنه يعني كذلك وباألخص ان الدولة تخضع لهذا القانون الذي تضعه‬
‫وهذا ما يسمى في فقه االلماني بمبدأ التقييد الذاتي للدولة‪.‬‬
‫بتصور وحدة الدولة واستمراريتها ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ج‪ -‬الشخصية القانونية للدولة مفهوم يسمح‬
‫بكونه كان من أهم فقهاء الذين قاموا ببناء الشخصية‬ ‫نعود مرة أخرى في هذا الشأن الى‬
‫فيما يتعلق بدور نظرية الشخصية‬ ‫القانونية للدولة وبنظرية اعضاء الدولة وبالفعل يرى‬
‫القانونية للدولة في تصور خصائص هذه األخيرة ان الشخصية القانونية هي في حقيقة األمر‬
‫بناء كيان مجتمع وهذا كيان مصطنع بدور محوري في ضمان التفصل بين مجموعة التي‬
‫يتشكل منها المجتمع و الوحدة الضرورية للقيام الدولة ويضيف الفقيه الفرنسي أن الشخصية‬
‫القانونية للدولة هي التي تمكن األفراد من وعي بصفتهم كأشخاص ينتمون الى كيان واحد‬
‫يجمع بينهم وهو دولة التي يرجعون إليها بالنظر والتي تقدم لهم طريقة تسمح لهم باالتحاد فيما‬
‫بينهم كما تتخل لهم االعتراف بحقوقهم وحريتهم وبالفعل ان االشكال الذي تقتضن به كل دولة‬
‫خاصة فيما يتعلق بتصورها ككيان موحد هو الواقع الملموس الذي ترتبط به هذه دولة والمتميز‬
‫بالتشظي على مستوى مكونات الدولة ومن ثمة ضرورة ايجاد مقاربة تسمح بتصورها كوحدة‬
‫تصرفات هذه الهياكل‬
‫ّ‬ ‫وذلك مهما تعدّدت واختلفت هياكلها ‪ ،‬مقاربة تسمح كذلك بأن تنسب جميع‬
‫لتصور‬
‫ّ‬ ‫إليها وأن نظرية الشخصية القانونية للدولة هي وحدها التي تشكل األدوات المعرفية‬
‫ومتنوع التجليات لكن دور الشخصية القانونية للدولة ال يتوقف عند‬‫ّ‬ ‫وحدة كيان متعدّد األذرع‬
‫هذا المستوى فهو مفهوم يسمح كذلك بتصور استمرارية الدولة ‪ ،‬وبالفعل تمكن الدولة الشخصية‬
‫القانونية بقطع النظر عن االشخاص الذي يتصرفوا باسمها وفي مكانها من حماية الدولة من‬
‫االنهيار أو التفكك أو االعتداءات الخارجة في صورة وفاة القائمين عليها في صورة ملك كان‬
‫أو رئيس دولة وذلك من منطلق ما كان يسمى بالجسد المعنوي للقائم على السلطة الذي يمكن‬
‫في النظريات الحديثة للقانون الدستوري الشخصية المعنوية الدولة التي ال تزول بزوال القائمين‬
‫عليها مهما كانوا والستمرارية الدولة بناء على شخصيتها القانونية وظيفة هامة تتمثل في‬
‫دورها في ضمان اآلمن القانوني لألشخاص واستقرار مراكزهم القانونية وبالفعل ان نسبة‬
‫تصرفات هياكل الدولة ومؤسساتها مهما كانت طبيعتها وطنية أما محلية تشريعية تنجيدية أما‬
‫قضائية فهي أعمال وتصرفات تبقى ملزمة للدولة تجاه منظورها وتجاه غيرها من الدول‬
‫مادامت تصرفات شرعية ومادامت لم تنقض بنفس االجراءات التي وضعت بها فالتداول‬
‫الشرعي والسلمي على سلطة ال يترتب عنه اعادة بناء المنظومة التشريعة أو نقض تعاهدات‬
‫الدولة الدولية ويكفي ان نتصور ما يمكن ان يحدث لو تنكرت الدولة لضمانتها تجاه مواطنيها‬
‫أو لتعهداتها الدولية بحجة انها ضمانات وتعاهدات ابرمت من قبل شخص توفى أو تم ازاحته‬
‫عن سلطة اذا ان مثل هذا موقف لم يؤدي أال لفوضى في داخل ولعزلة‬
‫إذا كانت الشخصية القانونية هي إحدى الخصائص القانونية للدولة فإن السيادة هي خاصيتها‬
‫الثانية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬السيادة‬
‫اقترن تاريخ العالم الحديث بظهور مفهوم السيادة‬
‫فأصبحت السيادة احدى عناصر تعريف الدولة الحديثة وان كانت السيادة مفهوم قانونيا باألساس‬
‫في مجالين القانون الدستوري داخليا و القانون الدولي خارجيا أال انه مفهوم يحمل كذلك شحنة‬
‫سياسية وأيديلوجية عالية تجعله أحيانا غامضًا لحشر ِه في عديد سياقات وخطابات ‪ ،‬وأن أهمية‬
‫هذا المفهوم تعود القترانه بالدولة ودوره الضروري في مقاربتها بل تماهيه معها كما ان لمفهوم‬
‫السيادة كما سنرى الحقا ً دور ضروري في تأسيس البناء الهرمي للسلط داخل الدولة وتبع لذلك‬
‫لوضع ضوابط لتحرك كل واحدة منها كما انه مفهوم محوري في القانون الدولي لكونه أساس‬
‫لمبدأ مساواة الدول فيما بينها ولكونه كذلك أساس لحق الشعوب في تقرير مصيرها وتمثل بناء‬
‫على ما سبق السيادة الخاصية القانونية الثانية للدولة الحديثة كما بدأت تتشكل انطالق من قرن‬
‫خامس عشر فالدولة كما تصورها الفكر السياسي الحديث هي سيّدة أو ال تكون فال وجود لدولة‬
‫بدون سيادة وال سيادة إال للدولة حيث تشكل السيادة إحدى معايير تعريف الدولة وإحدى شروط‬
‫قيامها و لما كان لمفهوم السيادة هذا المكانة المركزية في تحديد مفهوم الدولة أصبح من‬
‫التطرق إلى‬
‫ّ‬ ‫الضروري التوقف عند السياقات التاريخية التي حت بظهور هذا المفهوم قبل‬
‫صاحب السيادة داخل الدولة ثم الى طرق ممارستها‪.‬‬
‫أ – الجذور التاريخية لمفهوم السيادة ‪:‬‬
‫عرف الفقيه الفرنسي ‪ Carré de Malberg‬السيادة بكونها مفهوم يحمل دالالت ثالث ‪:‬‬
‫ّ‬
‫أولها ‪ :‬يقصد بالسيادة في معناها األول صفة الدولة وتحديدا الدولة ككيان ذو سلطة عليا ال‬
‫تحدّها أية سلطة أخرى من الخارج وهي بهذا المعنى سلطة مستقلة‪.‬‬
‫‪ -‬أما في معناها الثاني تمثل السيادة مجموعة االختصاصات أو السلط التي تحتكر الدولة‬
‫ممارستها أو ضبط طرق ممارستها‬
‫أما في معناها الثالث فيشير الى أعلى سلطة في دولة أي الجهة التي بيدها أعلى سلطة‬
‫والتي تختلف باختالف طبيعة االنظمة فأما ان تكون السلطة األعلى بيد شخص كملك‬
‫على سبيل المثال وهو ما يميز أنظمة الحكم المطلق أو ان تكون بيد الشعب أو األمة في‬
‫انظمة الديمقراطية‪.‬‬
‫اذا كان هذا التصور للسيادة في داللته األولى والثانية يحيل في حقيقة األمر الى مكونات‬
‫مفهوم السيادة التي سنكتشفها مع التطرق الى السياق التاريخي الذي ظهر فيه هذا‬
‫المفهوم في حين تحيل الداللة الثالثة واألخيرة الى صاحب السيادة في دولة والتي‬
‫سنتعرض إليها الحقا‪.‬‬

‫لكن من أين جاءت هذه التصورات الثالث لمفهوم السيادة وما هي الظروف التي حفّت ببناء‬
‫هذه المفهوم على هذه الشاكلة؟‬
‫لمحاولة الردّ على هذا السؤال يمكن العودة إلى أه ّم من ّ‬
‫منظر لمفهوم السيادة للكشف على أولى‬
‫العناصر التي قام عليها هذه المفهوم والمالبسات التاريخية التي ساهمت في ظهوره على هذه‬
‫الشاكلة وهو الفقيه الفرنسي ‪ Jean Bodin3‬السيادة باللغة الالتينية هي ‪ majestas‬أو‬
‫‪un mot qui permet de rejeter les revendications politiques superioritas‬‬
‫‪concurrentes‬‬
‫‪Au XIVe siècle, le mot contribua au fondement théorique de la royauté nationale‬‬
‫‪française en démarcation avec les pouvoirs universels de la papauté et de‬‬
‫‪l’empereur.‬‬
‫‪En termes de droit constitutionnel, le concept de souveraineté était dirigé contre‬‬
‫‪les domaines privilégiés tels que l’Église et le clergé, la noblesse, les villes et‬‬
‫‪autres corporations. La »compétence des compétences« fondée sur la législation‬‬
‫‪formait le noyau du pouvoir créateur monarchique, qui formellement, n’était plus‬‬
‫‪lié à la coutume et aux privilèges bien acquis.‬‬

‫‪ .‬وقدّم ‪ Bodin‬مفهوم للسيادة في كتابه "ستّة كتب في الجمهورية"‪ 4‬حيث ّ‬


‫أقر فيه أنها الصفة‬
‫تعرف بها الدولة‬
‫التي ّ‬
‫ولقد اقترن بالفعل بناء مفهوم السيادة ببناء الدولة باعتبارها الشكل الحديث الذي اتخذته السلطة‬
‫السياسية‪ .‬والجدير بالذكر أن مصطلح "السيادة" ‪ Souveraineté‬هو مصطلح لم يختلقه‬
‫‪ Bodin‬إذ أنه كان دارجا في اللغة الفرنسية منذ القرن الثالث عشر وكان يستعمل أساسا للداللة‬
‫على السلطة اإلالهية‪ .‬وإن إضافة ‪ Bodin‬تمثّلت أساسا في ربطه بمفهوم الدولة‪ .‬ولم يكن‬
‫‪ Bodin‬عند وضعه كتابه المذكور بصدد وصف ما كانت عليه الدولة في القرن السادس عشر‬
‫بقدر ما كان يدفع نحو تطور الممالك واإلمارات األوروبية إلى كيانات سياسية سيّدة نفسها‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وبالفعل رسم ‪ Bodin‬مالمح مفهوم السيادة في فترة تاريخية أغلق فيها باب العصر الوسيط‬
‫الذي كان يتميّز بسلطة مف ّككة ينازع فيها االقطاعيون ‪ Les Barons‬الملوك نفوذهم‪ .‬وخالصة‬
‫ما أبرزه ‪ J. Bodin‬في كتابه المذكور هو أن سلطة الملوك في أوروبا كانت فاقدة للعلوية‬
‫بالداخل إذ أنها لم تكن أعلى سلطة في المملكة لما كان يتمتّع به المقاطع‪ 6‬من نفوذ صلب‬
‫المقاطعة الراجعة إليه بالنظر‪ .‬وترتّب عن أفول سلطة اإلقطاع تمركز السلطة بيد الملوك الذين‬
‫استعادوا سلطانهم على كامل أنحاء البالد وعلى كافة العباد‪ ،‬ومن ذلك ظهرت ثم تجذّرت‬
‫الملكيات المطلقة بأوروبا‪.7‬‬
‫ومن جهة أخرى ظهر مفهوم السيادة‪ ،‬كصفة مالزمة للدولة وضرورية لقيامها‪ ،‬عند تراجع‬
‫يمر‬
‫سلطة الكنيسة على الممالك األوروبية حيث أن الحكم بمقتضى الحق اإلالهي لم يعد ّ‬

‫‪ Jean Bodin 1530-1596 3‬من أهم المفكرين الفرنسيين للقرن الخامس عشر حيث جمع بين التخصص في القانون واالقتصاد والفلسفة‬
‫والتاريخ‪.‬‬
‫‪Jean Bodin , « Les six livres de la République », 1576 4‬‬
‫‪ Moyen-Age 5‬وهي فترة تاريخية تندرج ضمن تقسيم التاريخ الغربي تبدأ مع أواخر القرن الخامس ميالدي وتنتهي مع القرن الخامس عشر‪.‬‬
‫‪ 6‬ال ُمقاطع هو ‪ Le vassal‬وهو النبيل الذي كان يتمتّع في المقاطعة الراجعة أليه بالنظر ‪ La Baronnie‬بسلطة جبائية وسلطة قضائية على‬
‫منظوريه كما كان يتمتّع بقوة مسلحة خاصة به‪.‬‬
‫‪Roland Mousnier, Les monarchies absolues en Europe du Vème siècle à nos jours, Paris, PUF, 1982. 7‬‬
‫بمباركة أو تزكية الكنيسية أي السلطة الباباوية للملوك عند اعتالئهم العرش‪ ،‬بل أصبح الملوك‬
‫قرون بانهم ستمدّون شرعيتهم ومشروعيتهم من هللا مباشرة وبالتالي استعاد الملوك استقاللهم‬
‫ي ّ‬
‫عن أي جهة خارجية ومن ذلك أصبحت السيادة هي سلطة الدولة العليا في الداخل والمستقلة‬
‫في الخارج ول ّخصها ‪ J. Bodin‬في هذه العبارة ‪La République est un droit " :‬‬
‫‪gouvernement avec puissance souveraine … La souveraineté est la‬‬
‫‪puissance absolue et perpétuelle d’une République … La souveraineté‬‬
‫‪est le pouvoir de commander et de contraindre sans être commandé ni‬‬
‫‪contraint »8‬‬
‫من ذلك تصبح السيادة مرتبطة بالحكم وبالقيادة داخل المجتمع‪ ،‬الحكم عن طريق القانون‬
‫وبالتالي سلطة انتاج القواعد القانونية كما ذكر ‪ Bodin‬حيث يقول ‪« Afin qu’on puisse‬‬
‫‪connaitre celui qui est Prince Souverain il faut savoir ses marques qui‬‬
‫‪ne sont point communes aux autres sujets, … la souveraineté est la‬‬
‫‪puissance de donner loi à tous en général, et à chacun en particulier‬‬
‫‪[…] sans le consentement de plus grand, ni de pareil, ni de moindre‬‬
‫‪que soi »9‬‬
‫وبناء على ما سبق تمثل سلطة إنتاج مختلف أصناف القواعد القانونية إحدى عناصر السيادة‬
‫أو إحدى تجلّياتها فالدولة تحتكر سلطة وضع القواعد القانونية التي تحكم أو تسيّر عن طريقها‬
‫المجتمع والدولة باعتبارها شخصية معنوية هي التي تسند للقائمين عليها سلطة إصدار مختلف‬
‫القواعد القانونية التي تسير عن طريقها المجتمع وتحكمه كما تضمن استقراره والسلم داخله‬
‫‪La souveraineté permet aux gouvernants d’avoir un titre de‬‬
‫‪.compétence par le biais duquel ils posent des règles de droit‬‬
‫لكن السيادة ال تتجلى فقط في احتكار سلطة وضع القواعد القانونية‪ ،‬بل تشمل كذلك ودائما‬
‫حسب ‪ J. Bodin‬احتكار االستعمال الشرعي لوسائل الضغط المادي وذلك حتى تكون سلطة‬
‫الدولة فعلية وفعالة ‪،le pouvoir étatique est un pouvoir effectif et efficace‬‬
‫وليست صورية أو رمزية إلى جانب احتكار سلطة صكّ العملة‪ ،‬واشهار الحرب وإبرام‬
‫السلم‪ 10‬بناء على فكرة احتكار الدولة الختصاص‪.‬‬
‫وبهذا المعنى تد ّل السيادة إلى جانب السلطة العليا والمستقلة للدولة على احتكار الدولة‬
‫لالختصاص والذي يقصد به السلطة المخولة للدولة لضبط االختصاصات الراجعة إليها بالنظر‬
‫فهي التي تحدّد عدد وطبيعة الصالحيات التي ترجع إليها بالنظر كما تضبط طريقة ممارستها‬

‫‪Jean Bodin, Les six livres de la République, 1576 8‬‬


‫‪J. Bodin , les six livres de la République, Livre I, chap. 10, p. 306. 9‬‬
‫‪J Bodin, Les six livres de la République, Livre I chap. 8. 10‬‬
‫حيث أنها هي التي ستختار في ما إذا كانت ستمارس هذه االختصاصات بنفسها أم أنها ستتركها‬
‫تفوضها للخواص‪ ،‬من ذلك نالحظ أن الدولة تحتكر مثال اختصاصات كاألمن والقضاء‪.‬‬ ‫أو ّ‬
‫على أن االتفاق حول أن السيادة هي صفة الدولة التي تجعل منها مؤسسة مستقلة عن أي جهة‬
‫خارجية وسلطة عليا ال تضاهيها وال تنافسها أي سلطة أخرى في الداخل يفتح الباب أمام اشكال‬
‫يدور حول االتفاق حول الجهة أو الطرف الذي يمتلك صلب الدولة هذه السلطة العليا والمستقلة‬
‫من هي قانونيا أعلى سلطة في الدولة ومن هي من الناحية العملية الجهة التي تمارس هذه‬
‫السلطة وهن ما يحيلنا إلى السؤال المتعلق بصاحب السيادة في الدولة وسبل ممارستها‪.‬‬
‫‪ .1‬صاحب السيادة وطرق ممارستها ‪:‬‬
‫ل ّما وقع بناء مفهوم السيادة من قبل المف ّكر الفرنسي ‪ Jean Bodin‬ت ّم ذلك في ضرف تاريخي‬
‫متحررة من قيود الكنيسة وقادرة‬
‫ّ‬ ‫محدّد تميّر بالبحث عن سبل تمكين ملوك أوروبا من سلطة‬
‫على الهيمنة على القوى الداخلية التي كانت تنافسها وآلت هذه السلطة العليا والمستقلة في‬
‫مرحلة أولى في أوروبا فأصبح ملك صاحب سيادة ‪ souveraineté monarchique‬التي‬
‫مثلت أساسا لملكية مطلقة ‪ Monarchie absolue‬فميزت نمط الحكم في أوروبا في تلك‬
‫الفترة الى حين قيام الثورات التحررية بين قرنين ‪ 17‬و ‪ 18‬في مرحلة أولى وظهور وانتشار‬
‫مفهوم الديمقراطية في مرحلة ثانية‬
‫تأسست الثورات الليبرالية على فلسفتي التنوير والعقد االجتماعي حيث راهنت األولى على‬
‫قدرة الفرد ككيان عاقل على تفكير بنفسه وعلى اختيار منظومته القيمية ونمط العيش الذي‬
‫يرضاه لنفسه بينما داعت الثانية بالحرية وبالمساواة كصفات لصيقة بالفرد وبالتالي بكونه هو‬
‫أساس السلطة وهو الذي يساهم وفي بناءها فتصبح الدولة ذات الكيان الذي انتجه المجتمع‬
‫عندما تخلى افراده عن حريته الطبيعية في مقابل ان تضمن لهم االمان والمساواة في تمتع‬
‫بكامل حقوقهم وحريتهم داخلهم ونتج عن هذا الفكر نزع السيادة من أيدي السلطة الملكية لنقلها‬
‫الى شعب أو الى األمة علما وأن هذان مفهومين وان تقابل واختلف في مرحلة أولى أال أنهما‬
‫اصبح يستعملنا في دساتير المعاصرة كمرادفين فأين اختلف وكيف التقى ؟‬
‫‪ /1‬نظرية سيادة الشعب‬
‫وإن كان ‪ J.J. Rousseau‬من بين فالسفة العقد االجتماعي فإنه تميّز بكونه وضع‪ ،‬في كتابه‬
‫"العقد االج تماعي"‪ ،‬لبنات نظرية سيادة الشعب التي على أساسها انتزاع السلطة العليا داخل‬
‫الدولة من الملك إلى الشعب‪.‬‬
‫إن أول عنصر في نظرية ‪ Rousseau‬حول سيادة الشعب يتمثل في كون هذا األخير مكون‬
‫من م واطنين ال من رعايا وأن هؤالء يولدون مساوون في الحقوق واحرار ولكونهم ذلك فإن‬
‫القول بان السيادة هي بيد الشعب هو القول بأن كل واحد منهم يمتلك بالتساوي صلب الدولة‬
‫قسط من السيادة حيث يقول في كتابه المذكور "إذا كان الشعب يتكون من ‪ 10 000‬مواطن‬
‫فإن كل واحد منهم يمسك ب ‪ 1/10 000‬جزء من السيادة "‪.11‬‬
‫لنظرية سيادة الشعب سلسلة من التبعات العملية لع ّل أه ّمها المتعلقة بطرق ممارسة هذه السيادة‬
‫أي ممارسة السلطة داخل الدولة من قبل شعب برمته‬
‫إذا كان كل فرد من أفراد الشعب يمتلك جزء من السيادة فأن نتيجة أن لكل منهم الحق في‬
‫المشاركة في ممارسة السلطة السياسية ومن هذا منطلق تعدّ نظرية سيادة الشعب أساس‬
‫للديمقراطية المباشرة‪.‬‬
‫إال أنه باعتبار استحالة ممارسة هذه السلطة على هذا النحو فأن التوجه نحو نمط آخر من‬
‫ديمقراطية فرض نفسه وهو الديمقراطية النيابية شبه مباشرة والمقصود بهذه األخيرة هو‬
‫إرساء نظام نيابي أو ما يس ّمى كذلك بالديمقراطية النيابية ‪Démocratie représentative‬‬
‫التي تقوم على إسناد ممارسة السلطة السياسية إلى هياكل منتخبة تمثيلة ومنتخبة انتخاب عام‬
‫من قبل الشعب بكونه حق لكل فرد من افراد المجتمع‪.‬‬
‫ويعتبر النائب في إطار نظرية سيادة الشعب نائبا عن ناخبيه الذي يعبّر عن إرادتهم ومن نتائج‬
‫نظرية سيادة الشعب كذلك كما رسمها ‪ J. J. Rousseau‬أن النواب الذين ينتخبهم الشعب‬
‫يسندهم هذا األخير وكالة إلزامية ‪ mandat impératif‬أي أنه ينتخبهم لتأدية مه ّمة محدّدة‬
‫يضبطها صاحب السيادة األصلي أن الشعب‪/‬الناخب فوكالة هنا هي وكالة محدّدة وان حاز‬
‫النائب عن هذه مهمة يجوز لنائبه سحب وكالة منه وتتميز الديمقراطية شبه مباشرة كذلك بأنها‬
‫تضيف الى آلية انتخاب هياكل تمثلية تحل محل الشعب بممارسة السلطة السياسية آليات أخرى‬
‫تمكن الشعب من العودة الى ساحة السياسية ومشاركة بنفسه في ممارسة السيادة ولعل أهم هذه‬
‫اآلليات االستفتاء الذي يعد آلية من بين آليات الديمقراطية شبه مباشرة ويتمثل استفتاء في دعوة‬
‫شعب الى ابداء موقفه أما من مشروع قانون يتم عرضه على موافقته أو مشروع دستور أو‬
‫تعديل دستوري أو مسألة معينة ذات مصلحة وطنية لكن االستفتاء يتخذ اشكال متحددة يكون‬
‫فيها مجال تدخل الشعب ومساحة الحرية متاحة له مختلفة فاالستفتاء كما عرفناه سابقا ال يترك‬
‫أال مجال ضيقة من حرية لشعب بما أنه ليس هو من يختار طبيعة النص الذي سيعرض عليه‬
‫بل السلطة القائمة وليس هو من يختار الظروف الزمني الذي سيجر فيه استفتاء كما ليست لديه‬
‫أية سلطة على نص أو المسألة المعروضة عليه سواء قبولها كما هي أو رفضها اذا ال يجوز‬
‫ان يتدخل لتغيير مصيرها كما ال يجوز له قبول جزء منها ورفض جزء اخر بينما توجد اشكال‬
‫أخرى من استفتاء تتيح لشعب هامش حرية أوسع مثلما هو شأن بالنسبة لمبادرة الشعبية‬
‫‪ l’initiative populaire‬والنقض الشعبي ‪ le référendum abrogatif‬أما عن‬
‫مبادرة الشعبية فتتمثل في اقتراح عدد محدد مسبق من دستور من ناخبين و ناخبات المسجلين‬
‫‪11‬‬‫‪« Supposons que l'Etat soit composé de dix mille citoyens. Le souverain ne peut être considéré que‬‬
‫‪collectivement et en corps ; mais chaque particulier, en qualité de sujet, est considéré comme indi-‬‬
‫‪vidu (*) : ainsi le souverain est au sujet comme dix mille est à un, c'est-à‬‬
‫‪dire que chaque membre de l'État n'a pour sa part que la dix millième partie de l'autorité souveraine,‬‬
‫‪quoiqu'il lui soit soumis tout entier. » J. J. Rousseau, Du contrat social,‬‬
‫يتم التوقيع على‬
‫مشروع قانون على البرلمان لينظر فيه ويصادق عليه ويُشترط عادة أن ّ‬
‫محددة بالدستور‬
‫المبادرة الشعبية من قبل عدد مطلوب من المواطنين والمواطنات خالل فترة ّ‬
‫يتم احتسابها انطالقا من تاريخ تسجيل هذه المبادرة‪ .‬وهنالك أكثر من ثالثين دستور في‬
‫كذلك ّ‬
‫أل أنه رغم‬ ‫‪15‬‬
‫يكرس المبادرة الشعبية منها بلغاريا‪ ،12‬المجر ‪ ،13‬سويس ار‪ ،14‬المكسيك‬
‫العالم ّ‬
‫وجود هذه اآللية في عديد الدول على مستوى النصوص الدستوري إل أن ما يقارب ‪ 18‬دولة‬
‫لم تستعمل هذه اآللية بالمرة‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بالنقض الشعبي ‪ référendum abrogatif‬فهو استفتاء يهدف إلى‬
‫محدد من الناخبين والناخبات المسجلين وهو‬ ‫إلغاء قانون قائم ونافذ وذلك بطلب ّ‬
‫مقدم من عدد ّ‬
‫آلية مكسرة في عدد قليل جدا من دساتير على غرار دستور إيطاليا ‪ 1947‬في فصله ‪75‬‬
‫الذي يشترط ان يوقع على األقل ‪ 500 000‬ناخب‪/‬ناخبة على عريضة لطلب إلغاء قانون‬
‫مدة ل تتجاوز ‪ 90‬يوما‪ .‬وهذه اآللية تعتمد كذلك في سويسرا‪.‬‬
‫نافذ في ّ‬
‫‪ /2‬نظرية سيادة األمة ‪:‬‬

‫ظهرت هذه األخيرة في فرنسا في القرن الثامن عشر في إطار البناء الفكري الذي مهد لثورة‬
‫القس ‪ Sieyès‬الذي انتخب سنة ‪ 1790‬عضو بالجمعية التأسيسية‬ ‫ظر لها هو ّ‬
‫أهم من ن ّ‬
‫و ّ‬
‫الفرنسية وعلى عكس الشعب المكون من مجموعة المواطنين والمواطنات المقيمين في دولة ما‬
‫في فترة معينة من تاريخها والذي يتملك كل واحد منهم جزء من السيادة‪ ،‬تمثّل األمة كيانا‬
‫المكونة له‪ .‬ولما كانت األمة هي صاحبة السيادة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مجردا مختلفا عن العناصر (األشخاص)‬‫ّ‬
‫فلكونها كيان مجرد معنوي‪ ،‬ل يمكن لها ممارسة هذه السلطة راجعة إليها بالنظر فال يمكن لها‬
‫قيام السلطة بنفسها‪ ،‬فضال عن انها كيان غير قابل للتجزئة وبالتالي فإن السيادة الراجعة إليها‬
‫بالنظر هي األخرى غير قابلة للتجزئة‪.‬‬

‫إن اإلقرار بأن السيادة هي لألمة بالشروط التي ذكرناها‪ ،‬يترتب عنه مجموعة من نتائج هي‬
‫مجرد‬
‫على نفيض نتائج نظرية سيادة الشعب كما تصورها روسوا وبالفعل بما أن األمة كائن ّ‬

‫‪ 12‬تشترط بلغاريا توقيع ‪ 400 000‬ناخب في مدّة ال تتجاوز الثالثة أشهر لقبول المبادرة الشعبية‪.‬‬
‫‪ 13‬يشترط الدستور المجري تجميع ‪ 200 000‬ألف توقيع خالل أربعة أشهر‬
‫‪ 14‬تشترط سويسرا جمع ‪ 100 000‬توقيع خالل ‪ 18‬شهرا‬
‫‪ 15‬يشترط القانون المكسيكي جمع توقيع ‪ 2%‬من مجموع الناخبين والناخبات المسجلين وذلك خالل سنتين‬
‫فهي تحتاج إلى أشخاص يمثلونها ويمارسون سلطة الراجعة بالنظر إليها مكانها وبالتالي تؤول‬
‫نظرية سيادة األمة بالضرورة الى ديمقراطية نيابية تمارس فيها األمة صاحبة السيادة السلطة‬
‫بواسطة جهاز يمثلها والتمثيل هنا على عكس مالمحه في اطار نظرية سيادة لشعب ل يشكل‬
‫تجسيد لحق أصيل يعود لمواطن بل هو فقط وظيفة يقتضها الطابع المجرد لصاحب السيادة‬
‫ومن ثمة فان النتخاب انطالق من نظرية سيادة األمة ليس بالضرورة انتخابا عاما‪.‬‬

‫تقتضي بالضرورة نظاما نيابيا ل ديمقراطية مباشرة فاألمة صاحبة السيادة تحتاج إلى مؤسسات‬
‫تعبر عن إرادتها وتمارس صالحياتها ‪La nation souveraine a besoin‬‬
‫تمثلها ‪ّ ،‬‬
‫‪d’organes qui la représentent et qui expriment sa volonté‬‬
‫ضل نظرية سيادة األمة ل يمثّل الشعب ول يمثّل ناخبيه بل‬
‫إلى جانب هذا فإن النائب في ّ‬
‫برمتها وتبعا لذلك فإن الوكالة هي بالضرورة وكالة اختيارية وليست إجبارية بمعنى‬
‫يم ّثل األمة ّ‬
‫أنه يعود للنائب تحديد مضمون الصالحة العامة وليس له أن ينّفذ تعليمات ّ‬
‫يحددها ناخبوه‬
‫بشكل مسبق‪.‬‬

‫إل أنه لم يعد اليوم للتعارض أو التقابل بين نظريتي سيادة الشعب وسيادة األمة سوى أهمية‬
‫تاريخية وأكاديمية حيث أن الدساتير المعاصرة تستعمل المفهومين كمرادفين إذ فضال عن أننا‬
‫تجد أحيانا كالهما في نفس النص الدستوري‪ ،‬على غ ارر الفصل ‪ 3‬من الدستور الفرنسي لسنة‬
‫أقر بأن سيادة األمة ملك للشعب فإننا نجد جمعا لتبعات كل منهما كذلك في‬
‫‪ 1958‬الذي ّ‬
‫يقر الفصل ‪ 2‬من الدستور المغربي لسنة ‪ 2011‬أن "السيادة‬
‫نفس النص الدستوري‪ ،‬فمثال ّ‬
‫لألمة تمارسها مباشرة بالستفتاء‪ ،‬وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها"‪ .‬كما أننا نجد في‬
‫تعد لغية ‪Tout‬‬
‫كل وكالة إجبارية ّ‬
‫الفصل ‪ 27‬من الدستور الفرنسي لسنة ‪ 1958‬إق ار ار بأن ّ‬
‫‪. mandat impératif est nul‬‬

‫إلى جانب ذلك فإن اعتبار القتراع حّقا وكونه عام ‪ suffrage universel‬هو اليوم مبدأ‬
‫كوني ولم تعد هنالك أنظمة تعتبره وظيفة فتقوم على ذلك األساس بالتضييق فيه أو حصره في‬
‫فئات مجتمعية دون أخرى في ما عدى بعض الحالت الشاذة‪.‬‬
‫تحول النظام الديمقراطي إلى قيمة كونية اليوم جعل الدول قائمة اليوم على أنظمة‬
‫وعليه فإن ّ‬
‫أقرت عمومية الحق النتخابي‬
‫اقرت دساتيرها بأن السيادة للشعب أو لألمة كما أنها ّ‬
‫نيابية سواء ّ‬
‫دون تمييز أو إقصاء‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬األركان المادية للدولة‬


‫; » ‪r G. Burdeau, l’Etat c’est « le pouvoir institutionnalisé‬‬
‫الدولة سلطة ممأسسة‬
‫‪selon Cl. Leclercq, « une personne morale titulaire de la souveraineté‬‬
‫الدولة شخصية معنوية ذات سيادة‬
‫‪Philippe Sueur « Un territoire, un peuple, un gouvernement institutionnalisé et indépendant, réunis‬‬
‫‪pour former cet être juridique doté de la puissance souveraine qui structure et contient la société‬‬
‫»‪politique‬‬
‫مكونة من إلقليم ومن مجموعة بشرية تحكمها سلطة منظّمة‬
‫الدولة جماعة ّ‬

‫تتميز بسلطة ل نظير لها في الداخل ومستقلة في عالقتها بالخارج‬


‫إن الدولة كشخصية قانونية ّ‬
‫تم بناؤه لبيان خصوصيات السلطة التي يقع بسطها على مجتمع ما لتأطيره ولقيادته‬
‫مفهوم ّ‬
‫وبالتالي يصبح من الضروري بيان خصائص اإلطار والطرف الذي تمارس عليه وداخله هذه‬
‫السلطة والتي ت َّ‬
‫قدم في الفقه الدستوري على أنها األركان المادية للدولة أل وهي اإلقليم من‬
‫جهة ‪ ( le territoire‬أ ) والمجموعة البشرية من جهة أخرى ‪ a population‬و( ب )‬

‫المجموعة البشرية واإلقليم هي شروط قيام السيادة التي تمارسها الدولة عبر القواعد القانونية‬
‫التي تضعها‬

‫‪ -‬أ – اإلقليم‬

‫يرّكز فقهاء القانون الدستور الذين يرون في اإلقليم العنصر المادي لقيام الدولة على كونه‬
‫القاعدة المادية التي ترتكز عليها الدولة‪ .‬ويم ّثل اإلقليم من وجهة نظر قانونية اإلطار الذي‬
‫تبسط عليه وفي حدوده الدولة سيادتها أي سلطتها‪Le territoire est cadre .‬‬
‫‪d’exercice des compétences par l’Etat‬‬
‫ولهذه القاعدة أو اإلطار بعدين أو ثالث بحسب الحالت أي بحسب الموقع الجغرافي للدولة‬
‫جوي وإما أم يقوم إلى جانبهما على بعد بحري‬
‫فأما أن يقوم إقليم الدولة على بعد أرضي وبعد ّ‬
‫إذا كانت الدولة مطلّة على البحر‪.‬‬
‫المحددة لتعريفه كركن من أركان الدولة‪ .‬فالقانون‬
‫ّ‬ ‫إل أنه ليست الخصائص الجغرافية لإلقليم هي‬
‫تمتد روسيا على ما يقارب ‪ 17‬مليون‬
‫ل يكترث مثال لحجم اإلقليم حيث وعلى سبيل المثال ّ‬
‫كلمتر مرّبع (‪ (17 000 000 km2‬بينما ل تتجاوز مساحة إمارة موناكو كلمتري مرّبع ‪2‬‬
‫طع أي غير المتّصل ألسباب طبيعية لإلقليم ل يحول هو اآلخر‬‫‪ ، km2‬كما أن الطابع المتق ّ‬
‫دون قيام الدولة فيكفي أن نتخذ اليابان أو أندونيسيا وهي أرخبيالت ‪ Archipels‬أي مجموعة‬
‫من الجزر المتناثرة في البحر لكن كل منهما وحدة قانونية تش ّكل دولة‪ .‬دولة فلسطين دولة‬
‫الباكستان (‪ )1947‬قبل نشأة البنغالدش (‪)1971‬‬

‫إن الجانب اله ام في اإلقليم كعنصر من عناصر الدولة هو ثباته واستق ارره‪ ،‬لذا تم ّثل مسالة‬
‫تطرقنا إلى مفهوم السيادة أن الدولة‬
‫محددة لقيام الدولة‪ .‬وبالفعل لقد أرينا عند ّ‬
‫الحدود مسألة ّ‬
‫ميزت‬
‫ظهرت مع ظهور فكرة الحدود كإطار لسلطتها ومع انتهاء النزعة التوسعية التي ّ‬
‫المبراطوريات‪.‬‬

‫وللدولة حدودا برية لكن كذلك حدودا بحرية (بالنسبة للدول المطلة على البحر) وحدودا جوية‪.‬‬
‫وتمثل عملية ضبط الحدود مسألة حاسمة وحساسة أحيانا عند حدوث خالفات حولها بين‬
‫الجوار‪.‬‬

‫بالنسبة للحدود البرية فهي يمكن أن تكون طبيعية على غرار سلسلة جبال مثال أو أنهار كما‬
‫يمكن أن تكون الحدود اصطناعية أي ناتجة عن رسوم حدودية مقامة بفعل النسان وبإرادته‬
‫وذلك غالبا باتفاق مبرم بين الدول المجاورة لبعضها ويتقاطع في هذا الشأن أي في قضية‬
‫ضبط الحدود بين الدول القانون الدستوري والقانون الدولي العام‪ .‬وقد يحدث أن تثير عملية‬
‫تحل بطرق ديبلوماسية على غرار النزاع الحدودي‬
‫رسم الحدود بين الدول خالفات يمكن أن ّ‬
‫تمت‬
‫الذي نشأ بين تونس والجزائر بعد حصولهما على الستقالل في منطقة الصحراء والذي ّ‬
‫‪16‬‬
‫تتطور‬
‫تسويته عن طريق اتفاقية ابرمت بينهما سنة ‪ . 1970‬لكن يمكن لهذه الخالفات أن ّ‬
‫نحو نزاع مسّلح ويكون ذلك خاصة عندما تكون الرهانات حول المناطق الحدودية المتنازع‬
‫حولها بعدا رمزيا أو حضاريا أو تاريخيا‪ ،‬أكثر منه بعدا مرتبطا بالثروات الطبيعية مثال التي‬

‫‪Mohamed ben Salem, L’affaire de la borne 233, Mémoire de DES de droit public, Faculté de Droit de Tunis, 16‬‬
‫‪1971-1972‬‬
‫يميز مثال الخالف بين فلسطين وإسرائيل أو بين الهند وباكستان‬
‫تزخر بها تلك المنطقة‪ .‬هذا ما ّ‬
‫أو بين السودان وجوب السودان‪.17‬‬

‫من ناحية أخرى طرح ظهور دول جديدة أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين‪،‬‬
‫جراء تف ّكك التحاد السفياتي والتحاد اليوغسالفي وانقسام‬
‫على غرار الدول التي نشأت ّ‬
‫السودان‪ ،‬من جديد مسالة ضبط حدود هذه الدول‪.‬‬

‫أما بالنسبة للجانب البحري لإلقليم فهو بطبيعة الحال ل يشمل إل الدول المطلّة على البحر‪.‬‬

‫ويتمثل الجانب البحري من اإلقليم في ما ّ‬


‫يسمى بالمياه اإلقليمية والتي تُحتسب انطالقا مما‬
‫وتمتد إلى حدود ‪ 12‬ميال بحريا (يناسب‬
‫ّ‬ ‫يسمى بالمياه الداخلية المتمثلة في الموانئ والمراسي‬
‫ّ‬
‫الميل البحري الواحد ‪ 1852‬مت ار )‪ .18‬وتمارس الدولة على مياهها اإلقليمية سيادة كاملة‬
‫البري من إقليمها‪.‬‬
‫وللدول المتاخمة للبحر سلطة‬ ‫تماما كتلك التي تمارسها على الجانب ّ‬
‫تصرفات وحقوق‬
‫لكنها سيادة وظيفية أي سلطة تمارس في حدود ّ‬
‫تتجاوز حدود المياه اإلقليمية ّ‬
‫محددة تتمثل في استغالل الثروات الطبيعية‬
‫ّ‬

‫وهي السيادة على المنطقة القتصادية الخاصة أو الحصرية ‪Zone économique‬‬


‫تمتد على ‪ 200‬ميال بحريا (‪ 350‬كلمتر) تحتسب انطالقا من‬ ‫‪ exclusive‬وهي منطقة ّ‬
‫المياه اإلقليمية أي أنها منطقة بين المياه القليمية والمياه الدولية‪ ،‬وللدولة على هذه المنطقة‬
‫فقط سلطة استغالل الثروات البيولوجية وغير البيولوجية التي تحملها المياه بتلك المنطقة‪ .‬إلى‬
‫القاري‪ Le plateau continental‬والذي‬
‫يسمى بالجرف ّ‬
‫جانب ذلك للدولة سلطة على ما ّ‬
‫على خالف المنطقة القتصادية الخاصة ل يتم ّثل في الجزء المائي من البحر بل في قاع‬
‫يتضمنها ‪le sol et le sous-sol des fonds‬‬
‫ّ‬ ‫البحار والثروات المنجمية والنفطية التي‬
‫‪. marins‬‬

‫‪Emmanuel Brunet-Jailly, « Les disputes frontalières : Territoriales, positionnelles et fonctionnelles », in 17‬‬


‫‪L’espace politique, n° 33, 2017, disponible sur ce lien https://journals.openedition.org/espacepolitique/4488‬‬
‫‪ 18‬ت ّم ضبط مجال المياه اإلقليمية بمقتضى المعاهدة الدولية لقانون البحار التي ت ّم إبرامها سنة ‪ 1982‬بمدينة ‪ Montego Bay‬بالجاماييك‬
‫‪.Jamaïque‬‬
‫وبما أن سيادة الدولة على هاتين المنطقتين تقتصر على حق استغالل الثروات الطبيعية فإنها‬
‫ل تحول دون حرية المالحة بالنسبة لبقية الدول داخلها‪.‬‬

‫الجوي‬
‫يسمى كذلك قانونا بالمجال ّ‬‫الجوي إلقليم الدولة أو ما ّ‬
‫أخي ار وفي ما يتعلق بالمجال ّ‬
‫البري إلقليم الدولة والفضاء الذي يعلو مياهها‬
‫للدولة فيتمثّل في الفضاء الذي يعلو العنصر ّ‬
‫الجوي عدم امكانية استعماله‪ ،‬أي‬
‫اإلقليمية‪ .‬ويترتّب عن ممارسة سيادة الدولة على مجالها ّ‬
‫عبوره‪ ،‬دون موافقة الدولة المعنية‪ .‬وتن ّ‬
‫ظم استعمال واستغالل الجزء الجوي من اإلقليم معاهدة‬
‫دولية هي معاهدة ‪ Chicago‬لسنة ‪ 1944‬حول الطيران المدني‪.‬‬

‫لكن الدولة ل تحتاج فقط إلى إقليم أي إلى إطار مادي تمارس عليه وفي حدوده سيادتها‪ ،‬بل‬
‫يسمى بالمجموعة‬
‫تحتاج أيضا إلى أطراف تبسط عليهم سلطىتها وتتمثل هذه األطراف فيما ّ‬
‫البشرية‪.‬‬

‫‪ -‬ب – المجموعة البشرية‬

‫ل يقتصر قيام الدولة على توّفر العناصر القانونية لبناء السلطة السياسية إذ ل معنى لهذه‬
‫وتسيره وتبسط عليه نفوذها‪ .‬وفي الوقت‬
‫ّ‬ ‫طره‬
‫السلطة في غياب مجموعة بشرية أي مجتمع تؤ ّ‬
‫ذاته تمثل هذه المجموعة البشرية األساس الذي تقوم عليه هذه السلطة حيث تجد مصدرها فيها‬
‫تتعهد الدولة بضمان حقوقها‬
‫وتنشأ من أجل ضمان استقرار ورفاهية هذه المجموعة التي ّ‬
‫وحرياتها‪.‬‬

‫والمقصود بالمجموعة البشرية‪ ،‬كركن من أركان الدولة‪ ،‬ليس شتات من األفراد بل مجموعة‬
‫مترابطة (دون أن تكون بالضرورة متجانسة أي أنه يمكن أن تكون متناسقة مع وجود اختالفات‬
‫بين مكوناتها سواء كانت هذه الختالفات فكرية أو دينية أو لغوية أو عرقية أو غيرها من‬
‫عناصر الختالف)‪ ,‬وكما هو الشأن بالنسبة لإلقليم فإن حجم المجموعة البشرية ل يؤثّر في‬
‫وجود الدولة من عدمه‪ ،‬إذ يمكن أن نالحظ التباين بين الدول اليوم من حيث كثافتها السكانية‪.‬‬
‫لكن من جهة أخرى من الضروري أن تقوم الدولة على مجموعة بشرية مكونة من أغلبية واسعة‬
‫أف ارد حاملين لجنسيتها أي تربطهم بها عالقة قانونية وهي رابطة الجنسية ولهذا السبب يمثل‬
‫حجم األجانب المقيمين بدولة ما أحيانا مسألة حساسة إذا كبُر عددهم فأصبح يضاهي أو‬
‫حد ذاته وهذا ما‬ ‫بفوق عدد المواطنين إذ يمكن أن يصل األمر إلى ّ‬
‫حد تهديد كيان الدولة في ّ‬
‫تعمد سلطات الحتالل اإلسرائيلية بناء مستعمرات إسرائيلية بشكل متواصل‬
‫نلمسه مثال مع ّ‬
‫على األراضي الفلسطينية بشكل يقلب موازين القوى الديمغرافية بفلسطين لصالح المستوطنين‬
‫اإلسرائيليين‪.‬‬

‫وإذا سلّمنا بأن المجموعة البشرية المكونة للدولة ليست شتاتا من األفراد أصبح الحديث هنا‬
‫عن األمة‪ .‬وقد طرحت األمة عديد اإلشكاليات في عالقتها بالدولة فتارة اعتُبرت هي من ساهم‬
‫في إنشاء الدولة وفي قيامها وتارة أخرى اعتُبرت الدولة أي السلطة السياسية هي من خلق‬
‫طرها وبالتالي هي التي صنعت‬
‫عناصر الترابط والوحدة بين مكونات المجموعة البشرية التي يؤ ّ‬
‫أمة‪.‬‬

‫وتع ّرف األمة‬


‫نعرف األمة قبل أن نواصل البحث في عالقتها بالدولة‪َ .‬‬
‫على أنه ينبغي أن ّ‬
‫تصورين‬
‫باعتبارها مجموعة من األفراد تربطهم مجموعة من العناصر المشتركة بالرجوع إلى ّ‬
‫حول عناصر الترابط هذه وهي أما عناصر موضوعية أو عناصر ذاتية‪.‬‬

‫أما العناصر الموضوعية لوجود األمة أي وجود روابط بين مكونات مجموعة بشرية معينة‬
‫فهي تقوم على اعتبار األمة كيان موجود بقطع النظر عن إرادة مكوناته لقيامه مبني على‬
‫تتجسد في وجود لغة أو في دين أو إثنية مشتركة‪ .‬وتستدعي العناصر‬
‫ّ‬ ‫عناصر موضوعية‬
‫الموضوعية لتشكيل األمة بعض المالحظات أولها لفت النتباه إلى النزلقات التي يمكن أن‬
‫التعصب ونبذ الختالف‬‫ّ‬ ‫تؤدي إليها هذه النظرية الموضوعية لألمة إذ هي تفتح الباب امام‬ ‫ّ‬
‫ويكفي ان نشير إلى ما آلت إليه اإليديولوجيا النازية القائمة على البحث عن نقاوة العرق اآلري‬
‫فترتّب عنها إبادة غير اآلريين المقيمين على األراضي األلمانية على غرار اليهود والغجر وما‬
‫ّبررته من احتالل لد ول كبولندا والدنمارك بحثا عن توحيد األمة اآلرية‪ .‬يمكن أن قول نفس‬
‫الشيء بالنسبة لبناء األمة على وحدة الدين وما يمكن ان تؤول إليه من تصفية من ل يدين‬
‫بدين األمة في بعض الدول على غرار أقباط مصر ومسلمي ميانمار ‪ . Rohingya‬علما‬
‫وأنه ليست لكل أمة بالمعنى الموضوعي للكلمة دولة واحدة‪ .‬فلو أخذنا على سبيل المثال‬
‫عنصر الوحدة على أساس اللغة ن تبين أن اللغة السبانية هي اللغة الرسمية ل فقط إلسبانبا‬
‫بل كذلك لعديد دول أمركا الوسطى والجنوبية‪ .‬كما أن اللغة العربية تتكلمها أكثر من دولة‬
‫وبالتالي ل يستقيم الحديث عن وجود دولة لكل أمة إذا أخذنا مفهوم األمة بناء على المعيار‬
‫الموضوعي‪.‬‬

‫لكن هنالك مقاربة أخرى لألمة وهي القائمة على عناصر ذاتية ل موضوعية والمتمثلة في‬
‫التمسك بهذه‬
‫وجود رغبة في العيش المشترك والشعور بالنتماء إلى نفس الدولة والقبول و ّ‬
‫الدولة وبمن عليها‪ .‬ويمكن أن يتأتى هذا الشعور باقتسام هذه المجموعة البشرية ماض أي‬
‫التصدي‬
‫تاريخ مشترك خاصة إذا اتسم بمالحم وبنضاالت على غرار مقاومة االستعمار و ّ‬
‫لالعتداءات الخارجية أو مقاومة االستبداد‪ ،‬أو السعي إلى تحقيق هدف مشترك‪ ،‬كإحداث قوة‬
‫عسكرية أو اقتصادية‪ ،‬رغم اختالف مكونات هذه المجموعة لغة أو دينا أو عرقا‪.‬‬

‫تصور عالقة مختلفة بينها وبين الدولة فإما أن تقوم‬


‫ّ‬ ‫وبناء على هذين التعريفين لألمة يمكن‬
‫األمة باعتبارها مجموعة بشرية مترابطة بناء على عناصر موضوعية بإنشاء الدولة أي ببعث‬
‫السلطة السياسية للوجود أو أن يحدث العكس أي أن تضطلع الدولة بما لها من سلطة ببناء‬
‫أمة أي بخلق روابط بين مكونات مجموعتها البشرية وخلق أواصر ترابط بينهم تجعلهم يقبلون‬
‫بل يرغبون في العيش مع معضهم البعض على الرغم من وجود اختالفات ثقافية أو عرقية أو‬
‫غيرها بينهم‪.‬‬

‫للتحرر وذلك‬
‫ّ‬ ‫وبالفعل مثلت األمة كأساس للدولة وللسلطة السياسية التي يحكمها دستور أداة‬
‫طات تاريخية ثالث‬
‫في مح ّ‬

‫‪ -‬أولها كان مع الفكر األوروبي اللبرالي للقرن الثامن عشر‪ .‬ونجد تعبي ار عن هذا التصور‬
‫القس ‪ Sieyès‬الذي يقول في كتابه ? ‪ qu’est-ce que Tiers-état‬أن‬ ‫لدى ّ‬
‫لكل شيء فهي مصدر كل شيء" ‪ .19‬فاألمة هي المبدأ الذي تنشأ‬
‫"وجود األمة سابق ّ‬
‫وتعبر األمة عن إرادتها السياسية‬
‫على أساسه الدولة والسلطة السياسية التي تنبثق عنها‪ّ .‬‬
‫يعبر عن إرادة األمة من شأنه أن يمنح‬
‫صلب نص الدستور‪ .‬وإن اإلقرار بأن الدستور ّ‬
‫الدستور والدولة في ذات الوقت مشروعيتهما‪ .‬واإلقرار بأن األمة هي مصدر كل شيء‬

‫‪« La Nation existe avant tout. La Nation est à l’origine de tout. »,Emmanuel Joseph Sieyès, Qu’est-ce que 19‬‬
‫‪tiers-état ?, Éditions des archives contemporaines, 1985, p. 160.‬‬
‫أسس للقضاء على الشرعية السائدة والقائمة على نظام‬
‫كان بمثابة الخطاب الذي ّ‬
‫ملكي مطلق‪ ،‬يحكم فيه الملك بمقتضى الحق اإللهي وهو حكم ل مكان فيه ل لألمة‬
‫ول إلرادتها‪ ،‬وهو كذلك خطاب أراد أن تكون األمة الفرنسية هي صاحبة السيادة‪ ،‬أمة‬
‫اجتمعت حول مقاومة االستبداد وحول مجموعة قيم أهمها الحرية والمساواة‪ .‬وبالتالي‬
‫جاءت نظرية سيادة األمة في فرنسا لتنزع السلطة أي السيادة من الملك وتمنحها لألمة‬
‫أقرت دستو ار جديدا ونظاما سياسيا جديدا لدولة‬
‫التي اجتمعت من خالل هيئة تمثلها و ّ‬
‫جديدة أي أن األمة تم ّكنت من تقرير مصيرها باختيار نظام الحكم الذي أرادته لنفسها‪.‬‬
‫ومثلت التجربة الفرنسية نقطة انطالق لسلسلة من التجارب أخذت فيها أمم بزمام األمور‬
‫تعبر عن تطلعاتها‪ .‬ففي‬
‫فتأسس لنفسها دول ّ‬
‫فتكتلت لتقاوم إما الستبداد أو الستعمار ّ‬
‫الحالة األولى تساهم األمة في إعادة تأسيس نظام الحكم وإعادة تنظيمه بعد اإلطاحة‬
‫تحررها من‬
‫بالنظام المستبد القائم وفي الحالة الثانية تقوم األمة ببناء الدولة بعد ّ‬
‫الستعمار‪ ,‬لكن حركات الستقالل التي تنبثق عنها دول جديدة ل تقوم دائما على أمم‬
‫متماسكة ومترابطة وهذا ما يفرض التساؤل حول دور الدولة كسلطة سياسية في تكوين‬
‫األمة أو على األقل في دعم ترابطها‬
‫بالنسبة لدور الدولة في إنشاء األمة من خالل خلق عناصر ترابط بين مكوناتها فأنه‬ ‫‪-‬‬
‫ينطلق من واقع يتميز بكون أن األمة ليست معطى طبيعيا بل أنها كيان يحتاج أحيانا‬
‫إلى بناء من عدم هذا حال عديد الدول الحديثة العهد بالستقالل حيث أن القوى التي‬
‫استعمرتها قامت في أغلب األحيان بتقسيم اعتباطي ألقاليم التي هيمنت عليها فيما بينها‬
‫ولم تراعي في هذا التقسيم الخصوصيات السوسيولوجية للشعوب التي استعمرتها‬
‫والنتيجة أن السلطات الفتية التي أصبحت على رأس الدول الحديثة العهد بالستقالل‬
‫وجدت نفسها أمام مجموعات بشرية أحيانا ل روابط بينها كما هو الشأن بالنسبة لعديد‬
‫الدول الفريقية واآلسيوبة التي كانت استعمرتها فرنسا وبريطانيا على وجه الخصوص‬
‫وإلن كانت المجموعات البشرية عند تأسيس حركات التحرير اتحدت فيما بينها إل أنها‬
‫تفرق بينها على‬
‫تحصلت على استقاللها إل وعادت لتطفو الختالفات التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما إن‬
‫السطح ‪ .‬وعلى وجدت الدول الحديثة العهد بالستقالل نفسها أحيانا تواجه مجموعة‬
‫بشرية مرّكبة متكونة من قوميات أو إثنيات ‪ ethnies‬أو قبائل مختلفة فكانت دول من‬
‫دون أمم بالمعنى الموضوعي للكلمة أي أمة ل تربط بين مكوناتها أحيانا ل لغة ول‬
‫دينا ول عرقا ومن ثمة تصبح مسؤولية الدولة بناء األمة وخلق أواصر ترابط بين‬
‫مكوناتها وقد تنجح الدولة في هذا البناء منا قد تخفق‪.‬‬

‫فأما نجاحها فهو رهن اتباع الدولة أي السلطة‪ ،‬سياسة قائمة على اعتماد صفة المواطنة‬
‫كالخيط الناظم لجميع مكونات المجتمع عوضا عن تأجيج الخصوصيات والختالفات وخاصة‬

‫تجنب تمييز فئة عن أخرى أو إقصاء فئات من دائرة السلطة أو من ّ‬


‫حق التمتع بثروات البالد‪.‬‬ ‫ّ‬
‫أما إخفاق الدولة في بناء األمة فيرجع أساس إلى السبب التالي وهو اعتقاد سلطة الدولة أن‬
‫تحقيق وحد ة األمة وانسجامها يشترط طمس الخصوصيات والختالفات بين مكوناتها وفرض‬
‫نمط اجتماعي ومنظومة قيمية ودين ولغة واحدة مع كل ما يترتب عن ذلك من ضرب لحرية‬
‫المعتقد وإقامة الشعائر الدينية ومن طمس للحقوق الثقافية على غرار تعليم الناشئة اللغة األم‬
‫إلخ وترتبط عادة مثل هذه الممارسات باألنظمة الستبدادية التي ترفض ل فقط الختالفات‬
‫السياسية واإليديولوجية بل كذلك الختالفات الثقافية‪.‬‬

‫ومن الطبيعي أن تولّد مثل هذه الممارسات السلطوية شعو ار بالضطهاد والقهر ويترتّب عنها‬
‫تمرد على الفئة الحاكمة التي تم ّكنت من السلطة وفرضت على المجموعة الوطنية كلها نمط‬‫ّ‬
‫عيشها‪ .‬ويترتب عن مثل هذه السياسة القمعية للخصوصيات وللحق في الختالف المشفوع‬
‫غالبا بتمييز فئات على أخرى نشوب حروب أهلية عند ضهور بوادر ضعف للسلطة التي‬
‫كانت تمسك بالمجتمع بقبضة حديدية على غرار ما حدث في يوغسالفيا في تسعينات القرن‬
‫الماضي خالل ما سمي بحرب البلقان ال تي كانت نتيجة الضطهاد والتمييز الذي عانت منه‬
‫بعض القوميات في يوغسالفيا زمن حكم الماريشال تيتو ‪ Maréchal Joseph Tito‬ثم‬
‫زمن حكم ‪ Franjo Tudjman‬من الجهة الكروتية و ‪ Slobodan Milosevic‬من‬
‫الكرَوت ‪croates‬‬
‫الصرب ‪ serbes‬و َ‬ ‫الجهة الصربية على إثر وفاة ‪ Tito‬حيث تحارب ّ‬
‫والبوسنيين ‪ , bosniaques‬كما يمكن أن نذكر حرب اإلبادة التي عرفتها رواندا سنة ‪1994‬‬
‫ضد التوتسي ‪ 800 000 .Tutsi‬ألف ضحية في مائة يوم‬‫والذي اقترفه الهوتو ‪ّ Hutu‬‬
‫وتعتبر هذه اإلبادة األكثر سرعة في التاريخ‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق فإن المجموعة البشرية كركن من أركان الدولة تمثل اليوم أكثر من أي‬
‫وقت مضى موضوع اهتمام القانون الدستوري‪ ،‬ألن ارتباطها بمفهوم األمة كأرقى درجة من‬
‫التضامن يمكن أن يبلغها الترابط بين مكونات الشعب يدعو إلى النظر في مدى نجاح الدولة‬
‫في بناء هذه األمة وفي دعم تماسكها وبالتالي ضمان استدامتها‪ ،‬ويبقى هذا النجاح مرتبط‬
‫بمدى احترام الدولة لخصوصيات المجموعات المكونة لها وبناء األمة على فكرة المواطنة ل‬
‫على فكرة الهوية الدينية أو اللغوية او العرقية أو غيرها والعمل على جعل الخصوصيات اللغوية‬
‫والدينية والثنية التي تميز مكونات نسيجها الجتماعي عنصر ثراء لها ل سببا من أسباب‬
‫التمييز بين هذه المكونات وبالتالي العمل على حمايته وتثمين تجلياته‪.‬‬

‫المبحث الثالث أشكال الدول‬

‫إذا كانت الخصائص القانونية للدولة من شخصية قانونية وسيادة واركانها المادية من إقليم‬
‫ومجموعة بشرية هي العناصر المشتركة بين جميع الدول‪ ،‬فإن هذه األخيرة قد تختلف عن‬
‫بعضها البعض من حيث الشكل الذي يمكن أن تتخذه ويقصد يشكل الدولة‪،‬الطريقة التي‬
‫بمقتضاها تبسط السلطة السياسية نفوذها على المجتمع وطبيعة مؤسسات التي من خاللها‬
‫ونميز في هذا الشأن بين الدولة البسيطة‬
‫ستمارس هذا النفوذ‪ ،‬بنيتها وعالقتها ببعضها البعض‪ّ .‬‬
‫والدولة المركبة‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬الدولة البسيطة‬

‫وموحدة تمارس‬
‫ّ‬ ‫يعرف الفقه الدستوري الدولة البسيطة بكونها دولة تحكمها سلطة سياسية واحدة‬
‫ّ‬
‫حصريا وبشكل مباشر نفوذها على كامل اإلقليم وعلى كامل المجموعة البشرية‪ .‬كما أن هذه‬
‫السلطة السياسية الواحدة الموحدة تحكم الدولة والمجتمع وفق نظام قانوني واحد وعبر سلطات‬
‫سياسية واحدة‪ .‬إذ أنها تقوم على دستور وحيد يعتلي بقية أصناف القواعد القانونية كما تقوم‬
‫على سلطة تشريعية واحدة‪ ،‬بقطع النظر عن قيامها على مجلس أو مجلسين فهي الوحيدة‬
‫سن القوانين التي تنطبق على كامل أطراف الدولة‪ .‬كما تقوم الدولة البسيطة على‬
‫المخول لها ّ‬
‫ّ‬
‫سلطة تنفيذية واحدة بقطع النظر عن بنيتها‪ ،‬أي سواء كانت أحادية أم ثنائية ومنظومة قضائية‬
‫موحد أي قائم على قضاء عدلي فقط أو على‬
‫واحدة بقطع النظر عن اعتمادها نظام قضائي ّ‬
‫ازدواجية قضائية أي على فصل بين القضاء العدلي والقضاء اإلداري‪ .‬وتعود السيادة سواء‬
‫كانت الداخلية أو الخارجية في الدولة البسيطة إلى سلطة الدولة دون سواها‪.‬‬

‫فإما أن‬
‫الموحدة أي البسيطة أن تعتمد بدورها على انماط مختلفة من التنظيم ّ‬
‫ّ‬ ‫ويمكن للدولة‬
‫موحدة مركزية أو ـن تكون ل محورية أو أن تكون لمركزية ويمكن أن تأخد في‬
‫تكون دولة ّ‬
‫نفس الوقت بالالمحروية وبالالمركزية وهذا هو النمط األكثر اتباعا من قبل الدول‪.‬‬

‫الموحدة المركزية ‪ Etat unitaire centralisé‬فهي نمط نادر‬


‫ّ‬ ‫اما عن الدولة البسيطة أو‬
‫ّ‬
‫من أنماط تنظيم الدولة نجده بشكل خاص في الدول الصغيرة الحجم على غرار إمارة‬
‫ويتميز هذا التنظيم بتمركز القرار السياسي‬
‫ّ‬ ‫‪ Monaco‬مثال أو إمارة ‪Liechtenstein‬‬
‫موزعة على أطراف‬‫واإلداري بين أيدي السلط المتواجدة بالعاصمة دون وجود هياكل إدارية ّ‬
‫الدولة تضطلع بإبالغ هذه الق اررات إلى األطراف المعنية بها وبإنفاذها‪.‬‬

‫‪l’Etat unitaire‬‬ ‫أما عن النمط الثاني لتنظيم الدولة وهو التنظيم الالمحروي‬
‫‪ déconcentré‬فيقوم على إدراك أن اتخاذ أي قرار سياسي أو إداري مهما كانت أهميتهما‬
‫يتطلّب لضمان تنفيذهما ومراقبة طرق تنفيذهما بكامل أطراف الدولة تواجد ممثلين عن السلطة‬
‫المركزية منتشرين على كامل إقليم الدولة‪ .‬وعلى هذا األساس تقوم السلطة المركزية بنعيين‬
‫ممثلين عنها على كامل تراب الدولة يش ّكلون سلسة من الموظفين الذين يعتبرون أطع الدولة‬
‫وأعينها وآذانها في المناطق الترابية التي يعملون داخلها‪ ,‬فهم أعين الدولة باعتبارهم يتابعون‬
‫إنفاد ق ارراتها داخل النطاق الترابي الراكع إليهم بالنظر وهم أذرعتها لكونهم مسؤولون على هذا‬
‫التنفيذ وهم آذانها ألنهم يُصغون إلى انتظارات المواطنين والمواطنات وطلباتهم واحتياجاتهم‬
‫فيبّلغونها إلى السلطة المركزية التي تتخذ ق اررات وتدابير جديدة على ضوء هذه الحاجيات‬
‫والطلبات والنتظارات‪ .‬وتتمثّل اإلدارة الالمحورية في تونس في سلسلة من السلط الالمحروية‬

‫المتمركزة على ثالث مستويات ترابية هم الولة والمعتمدون و ُ‬


‫العمد‪ .20‬وبالنسبة للوضع القانوني‬
‫معينة من قبل السلطة المركزية تحديدا من قبل وزير الداخلية‬
‫لهذه السلط الالمحروية فهي سلط ّ‬
‫المؤرخ في ‪ 21‬جوان ‪ 1956‬المتعلّق بالتنظيم اإلداري لتراب‬
‫ّ‬ ‫(بالنسبة لتونس ووفق األمر‬

‫‪ 20‬لفصل ‪ – 6‬من األمر المؤ ّر خ في ‪ 21‬حوان ‪ 1956‬المتعلق بالتنظيم اإلدارة المركزية كما وقع تنقيحه بمقتضى القانون عدد‬
‫‪ 83‬لسنة ‪ 1980‬المؤرخ في ‪ 3‬ديسمبر ‪ " 1980‬يدير شؤون المناطق اإلدارية المشار إليها بالباب األول سلك من الموظفين‬
‫يتركب من الوالة والمعتمدين األول والكتاب العامين والمعتمدين ويساعدهم بالمناطق الترابية العمد ‪".‬‬
‫الجمهورية)‪ ,‬كما تخضع هذه السلط لسلطة رقابة المركز ‪les autorités‬‬
‫‪déconcentrées sont soumises au pouvoir hiérarchique des‬‬
‫تحل‬
‫‪ autorités centrales‬ويمكن للسلطة المركزية أن تلغي ق ارراتهم كما يكن لها أن ّ‬
‫محلّهم في صورة تقصيرهم في أداء مهامهم‪ .‬إن السلط الالمحروية هي سلط تمثّل السلطة‬
‫المركزية في الدائرة الترابية التي تعمل بها فالوالي على سبيل المثال هو ممثل لرئيس الحكومة‬
‫داخل الولية وهو المسؤول على تنفيذ القوانين واألوامر بها‪ .‬وبالتالي تمثل السلطة الالمحروية‬
‫سلط تنفيذ ل سلط قرار‪.‬‬

‫وينبني التنظيم الالمحروي على فكرة أساسية تتمثل في البحث عن النجاعة في إدارة الشأن‬
‫العام وتسيير المجموعة الوطنية حيث إن إنشاء ممثلين عن السلطة المركزية في كامل أنحاء‬
‫تراب الدولة من شأنه أن يضمن أول حسن وسرعة تنفيذ القوانين والق اررات وهو يضمن ثانيا‬
‫قدرة الس لطة المركزية على الطالع على حاجيات المواطنين والمواطنات في كامل تراب الدولة‬
‫ومدى تفاعلهم معها بشكل يم ّكنها من الستجابة إليها في مرجلة لحقة‪ .‬فالالمحروية تنظيم‬
‫يستجيب إلى مقتضيات نجاعة تدابير السلطة المركزية وقدرة هذه األخيرة على السيطرة على‬
‫كامل أطراف تراب الدولة‪.‬‬

‫أما عن الشكل الثالث لتنظيم الدولة فيتمثّل في التنظيم الالمركزي للسلطة ويقصد بالالمركزية‪،‬‬
‫التي تقوم على فلسفة مغايرة تماما عن تلك التي تنبني عليها الالمحروية‪ ،‬حيث أنها تبحث‬
‫حيز من الستقاللية يم ّكنها من إدارة شؤونها بنفسهاعن‬
‫عن تمكين جماعات ترابية محلية من ّ‬
‫طريق هياكل تنتخبها بنفسها وذلك على مستوى القرار اإلداري فقط أي أنها تبقى على المستوى‬
‫السياسية خاضعة لقرار سلطة سياسية واحدة هي السلطة التشريعية المركزية‪.‬‬

‫التوجه نحو تنظيم لمركزي للسلطة في الدولة من وعي بأن هنالك من الحاجيات‬
‫ّ‬ ‫وينطلق‬
‫والمتطلبات في تسيير الشأن العام ما ل يكتسي بعدا وطنيا أي أنه ل يعني كامل مناطق‬
‫وجميع متساكني الدولة بنفس الدرجة أو أنه ل يمكن تسييره والستجابة له بنفس الشكل وبنفس‬
‫التدابير وبنفس الخيارات وذلك للخصوصيات الجتماعية والقتصادية والطبيعية لكل منطقة‪،‬‬
‫الحر‬
‫تم التفكير في نمط من تنظيم السلطة يقوم على ترك عدد من المسائل للتدبير ّ‬
‫ومن ذلك ّ‬
‫تقدمها‬
‫للجماعات المحلية وهامش من الحرية لهذه المناطق في إدارة مصالحها والخدمات التي ّ‬
‫للمتساكنين بها‪ .‬على أن الستقاللية التي تتمتّع بها الجماعات المحلية أي السلط الالمركزية‬
‫هي ا ستقاللية إدارية ل سياسية بمعنى أنها ل تتيح لهذه الهياكل سلطة وضع قوانين إذ ل‬
‫قوانين إل للسلطة التشريعية للدولة حيث ل يتاح للسلطة المحلية إل حق اتخاذ ق اررات ذات‬
‫طابع إداري تبقى خاضعة لمبدأ الشرعية ‪des décision administratives‬‬
‫‪ soumises au principe de légalité‬وهي تدابير نافذة فقط في حدود النطاق الترابي‬
‫للسلطة المحلية التي اتخذتها‪.‬‬

‫وتتميز السلط المحلية بكونها تتمتّع بشخصية قانونية منفصلة ومستقلة عن الشخصية القانونية‬ ‫ّ‬
‫للدولة‪ 21‬األمر الذي يتيح لها القدرة على اللزام واللتزام كما تتمتّع بالستقاللية المالية‪ .‬إل أن‬
‫أوجه الستقاللية هذه ومجالها تضبط بقانون وتبقى خاضعة له‪.‬‬

‫المؤرخ في ‪ 27‬جانفي ‪ 2014‬التنظيم الالمركزي للدولة التونسية‬ ‫ّ‬ ‫أقر الدستور التونسي‬
‫وقد ّ‬
‫حيث جاء في فصله ‪ 14‬أن " تلتزم الدولة بدعم الالمركزية واعتمادها بكامل التراب الوطني‬
‫يحدد أبعاد التنظيم الالمركزي‬
‫في إطار وحدة الدولة"‪ .‬ثم جاء الباب السابع من هذا الدستور ل ّ‬
‫ليقر أنه "تقوم السلطة المحلية على أساس الالمركزية‪,‬‬
‫فأقر الفصل ‪ 131‬منه ّ‬ ‫لتراب الدولة ّ‬
‫تتكون من بلديات وجهات وأقاليم يغ ّ‬
‫طي مل صنفا منها‬ ‫تتجسد الالمركزية في جماعات محلية ّ‬
‫ّ‬
‫كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون‪ ,‬يمكن أن تحدث بقانون أصناف خصوصية‬
‫من الجماعات المحلية‪".‬‬

‫كما ينبني التنظيم الالمركزي للدولة على هاجس آخر إلى جانب النجاعة في إدارة مصالح‬
‫الناس هو تكريس الديمقراطية باعتبار أن تخلّي السلطة المركزية على جانب من صالحياتها‬
‫في مجال بعض المرافق العمومية والخدمات وبعض جوانب من السياسات التنموية لصالح‬
‫هياكل محلية ينتخبها متساكنو هذه المناطق هو إقرار بحق هؤلء السكان في إدارة شؤونهم‬
‫بأنفسهم وتنظيم الخدمات التي يحتاجونها على المنوال الذي يرونه األنسب بخصوصيات‬
‫المنطقة التي يقطنونها وهو خاصة تنظيم يسمح لهؤلء المتساكنين من انتخاب الهياكل التي‬
‫ستدير شؤونهم انتخابا عاما ومباشرا‪ .‬وبالتالي إذا كانت السلط المكلّفة بتمرير وتنفيذ الق اررات‬
‫التي تتخذها السلطة المركزية بكامل أنحاء البالد في إطار التنظيم الالمحروي للدولة هي سلط‬

‫‪ 21‬جاء في الفصل ‪ 132‬من الدستور التونسي المؤرّ خ في ‪ 27‬جانفي ‪" 2014‬تتمتّع الجماعات المحلية بالشخصية القانونية وباالستقاللية اإلدارية‬
‫والمالية وتدير المصالح المحلية وفقا لمبدأ التدبير الحرّ "‬
‫معينة من قبل السلطة المركزية فإن السلط الالمركزية هي سلط منتخبة من قبل مواطني‬ ‫ّ‬
‫ومواطنات المنطقة الترابية التي يرجعون إليها بالنظر‪.‬‬

‫يميز التنظيم الالمحروي عن التنظيم الالمركزي في الدولة البسيطة ليس درجة‬


‫وبالتالي فإن ما ّ‬
‫حد ذاته وفي طبيعة اختصاصات هذه الهياكل‬
‫استقاللية الهياكل بل هي طبيعة التنظيم في ّ‬
‫وطبيعة وضعها القانوني‪,‬‬

‫فالسلطات الالمحروية ليست لها شخصية قانونية خاصة بها مستقلة عن الشخصية القانونية‬
‫للدولة في حين أن السلطات الالمركزية كالبلديات والجهات مثال لديها شخصية قانونية خاصة‬
‫بها‪ .‬كما أن الختصاصات التي تمارسها السلطات الالمحروية هي تلك التي تسندها إليها‬
‫السلطة المركزية وتحديدا السلطة التنفيذية وهي اختصاصات تمارس تحت رقابة السلطة‬
‫المركزية بينما اختصاصات السطات الالمركزية هي سلطات يسندها إليها القانون وهي‬
‫اختصاصات تمارس ل تحت رقابة السلطة التنفيذية بل تحت رقابة القاضي اإلداري الذي‬
‫تدخالت السلطة المركزية‪.‬‬
‫يحميها كذلك من ّ‬
‫أهم تجلّياتها‬ ‫لكن يمكن للدولة أن تتخذ كذلك شحال أكثر تعقيدا فتدون على هيئة مرّكبة ّ‬
‫لعل ّ‬
‫تسمى كذلك بالدولة الفدرالية ‪l’Etat fédéral‬‬
‫الدولة التحادية التي ّ‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الدولة االتحادية‬

‫تتميز الدولة المرّكبة عن الدولة البسيطة بكونها تقوم على تواجد أو تعايش عدد من السلطات‬
‫ّ‬
‫السياسية واألنظمة القانونية مع بعضها البعض‪ ،‬بحيث نجد أنفسنا امام تنظيم على مستويين‬
‫أولها شامل بمارس السلطة السياسية الراجعة إليه بالنطر على كامل نطاق الدولة أما الثاني‬
‫فهو دون المستوى الوطني ويقوم على سلط ذات مرجع ترابي محدود تخضع المجموعة البشرية‬
‫في ذلك النطاق مباشرة إلى السلطة السياسية لتلك المنطقة‪ ،‬على عكس الدولة البسيطة التي‬
‫موحدة ونظام قانوني وحيد حيث أن مجموعتها البشرية تخضع مباشرة‬
‫تقوم على سلطة سياسية ّ‬
‫أهمها الدولة التحادية أو‬
‫لعل ّ‬
‫وحصريا إلى سلطة سياسية واحدة‪ .‬والدولة المرّكبة أصناف ّ‬
‫الفدرالية‪.‬‬

‫‪ -‬أ – نشأة الدولة االتحادية‬


‫تجد العبارة الفرنسية ‪ fédération‬أصلها في العبارة الالتينية ‪ foedus‬وهو فعل مصدؤه‬
‫‪ foederis‬ومهناه العقد أو المعاهدة التي تبرم بين عشائر أة مجموعات أو دول يترتّب عنها‬
‫التزام بين األطراف المتعاقدة بتحقيق أهداف مشتركة يمكن أن تتم ّثل في تعاون اقتصادي أو‬
‫يسمى اليوم بالتحاد‬
‫دفاع مشترك وفي تحيل هذه الدللة لعيارة ‪ foedus‬في الحقيقة إلى ما ّ‬
‫الكنفدرالي ‪ confédération d’Etats‬وليس إلى الدولة التحادية‪ .‬وتحافظ الدول األعضاء‬
‫في التحاد الكنفدرالي والقائم على معاهدة دولية على سيادتها التامة الداخلية والخارجية وينبثق‬
‫عن هذا الصنف من التحاد هيكل مشترك تمثّل فيه الدول األعضاء على قدم المساواة وتتخذ‬
‫تم التحاد من أجلها باإلجماع وذلك حفاظا على استقالل القرار‬ ‫الق اررات في الشؤون التي ّ‬
‫التجمع إذ أنه غالبا‬
‫ّ‬ ‫هشا من‬
‫بالنسبة لكل دولة عضو‪ .‬ويمثل هذا الصنف من التحاد شكال ّ‬
‫إما أن يتف ّكك على غرار الكنفدرالية الجرمانية التي نشأت بين سنة ‪ 1815‬و ‪ 1866‬والتي‬
‫ّ‬
‫فيتحول التحاد‬
‫ّ‬ ‫تتطور الروابط بين الدول المتعاقدة‬
‫ّ‬ ‫جمعت مقاطعات ألمانية بالنمسا أو أن‬
‫الكنفدرالي إلى دولة اتحادية على غرار كنفدرالية دول أمركا الشمالية من سنة ‪ 1776‬إلى سنة‬
‫‪ 1787‬تاريخ إنشاء دولة الوليات المتحدة األمريكية أو الكنفدرالية السويسرية قبل نشأة دولة‬
‫سويس ار التحادية سنة ‪.1848‬‬

‫أما عن الدولة التحادية اآلن فهي دولة تنشأ على عكس التحاد الكنفدرالي بمقتضى دستور‬ ‫ّ‬
‫أي أنها دولة مبنية على دستور‪ .‬فالدولة التحادية وإن كانت اتحاد بين دول كما هو الشأن‬
‫تضم الدول‬
‫ّ‬ ‫بالنسبة لالتحاد الكنفدرالي‪ ،‬إل أن الدولة التحادية تنشأ بمقتضاها دولة جديدة‬
‫األعضاء وتعلوهم تتخلّى الدول األعضاء عن سيادتها الخارجية بمعنى أنه لن يعود لها وجود‬
‫على المستوى الدولي حيث تبقى للدولة التحادية وحدها وجود على هذا المستوى‪.‬‬

‫ويمثّل الشكل الفدرالي للدول شكال كثير النتشار حيث نجده في دول صغيرة الحجم على غرار‬
‫بلجيكا أو سويس ار أو اإلمارات العربية المتحدة ودول كبيرة الحجم على غرار روسيا والوليات‬
‫القارات حيث نجده في إلفريقيا في دول كأثيوبيا‬ ‫المتحدة األمريكية وهو شكل منتشر في كل ّ‬
‫ونيجيريا وإفريقيا الجنوبية وفي القارة األمريكية في دول كالب ارزيل واألرجنتين وفي أوروبا كألمانيا‬
‫وفي آسيا على غرار الهند‪.‬‬
‫فإما عن طريق الندماج فيكون ذلك بقرار من مجموعة من‬ ‫وتنشأ الدولة التحادية بطريقتين ّ‬
‫الدول المستقلة عن بعضها البعض التحاد فيما بينها إلنشاء كيان سياسي جديدة أي دولة‬
‫تضمهم فهكذا نشأت الوليات المتحدة األمريكية وسويس ار واإلمارات العربية المتحدة مثال‬
‫جديدة ّ‬
‫ويكون هذ ا القرار في الغالب من أجل إحداث قوة اقتصادية وعسكرية في المنطقة أو أن تنشأ‬
‫عن طريق التف ّكك على غرار ما حدث في بلجيكا وأثيوبيا وكينيا وفي هذه الحالة يكون اللجوء‬
‫مرت هذه الدولة‬
‫لتجنب تف ّكك الدولة وسقوطها خاصة إذا ّ‬ ‫كحل ّ‬
‫ّ‬ ‫إلى الشكل الفدرالي للدولة‬
‫بصراعات بين قوميات أو إثنيات مختلفة وعانت مجموعاتها البشرية من قمع واستبدادا السلطة‬
‫السياسية‪ .‬وفي هذه الحالة يكون الخيار الفدرالي أي إقرار الستقاللية لمناطق داخل الدولة‬
‫وتمكيهما من حكم ذاتي هو الحل إلحالل السالم بها ولإلبقاء على تماسكها‪.‬‬

‫ويمثل الشكل التحادي للدولة شكال خاصا بالرجوع إلى أهدافه فهو تنظيم يسعى إلى الجمع‬
‫بين نقيضين وإلى تحقيق التوازن بين بين هذين النقيضين وهما البحث عن الوحدة من جهة‬
‫مع الحفاظ على الخصوصيات والتنوع من جهة ثانية‪ .‬وبقدر ما نجح التحاد في تحقيق التوازن‬
‫بين هذين النقيضين بقدر ما ضمن استدامته واستق ارره أما إذا أخفق في تحقيق هذه التوازن‬
‫معرض التف ّكك‪.‬‬
‫هشا ّ‬
‫فأنه سيبقى تنظيما ّ‬
‫‪ -‬ب – المبادئ التنظيمية لالتحاد‬

‫إن الطابع المرّكب للطولة التحادية وكونها تقوم على دول صلب دولة يقتضي تنظيما محكما‬
‫لها وقف مبادئ تنظيمية خاصة يقوم على ثالثة عناصر هي مبدأ التنضيد أول ‪le principe‬‬
‫‪de superposition‬ثم مبدأ الستقاللية ‪ le principe d’autonomie‬وأخي ار مبدأ‬
‫المشاركة ‪le principe de participation‬‬

‫‪ - 1 -‬مبدا التنضيد ‪le principe de superposition‬‬

‫المقصود بهذا المبدأ هو قيام الدولة التحادية على سلسلتين من الهياكل ومن السلط التي تمثّل‬
‫أهم ميزة للدولة التحادية مقارنة بالدولة البسيطة اآلخذة بالالمركزية حيث أن هذه األخيرة تقوم‬
‫ّ‬
‫وموحد وخاضعة‬
‫ّ‬ ‫على استقاللية إدارية محضة للجماعات المحلية خاضعة لنظام قانوني واحد‬
‫أهم‬
‫لمبدأ الشرعية‪ ،‬في حين أن الدول األعضاء في الدولة التحادية تتمتّع باستقاللية سياسية ّ‬
‫كل دولة عضو في التحاد دستو ار خاصا بها وبالتالي إذا كان للدول‬ ‫تجلّياتها هو امتالك ّ‬
‫األعضاء دستورها فإنه تبعا لذلك لكل منها سلطتها التشريعية الخاصة بها أي برلمانها الخاص‬
‫يخصها‪ ،‬وسلطتها التنفيذية الخاصة بها أي‬
‫الذي ينتخب أعضاءه سكان كل مقاطعة في ما ّ‬
‫حكومتها ورئيسها وسلطتها ا لقضائية الخاصة أي محاكمها الخاصة بها‪ .‬وتبعا لما سبق فإنه‬
‫لكل دولة من الدول األعضاء إلى جانب دستورها الخاص بها كذلك قوانينها الخاصة بها‪ .‬لكن‬
‫هذه السلط الخاصة بكل دولة من الدول األعضاء ينحصر نفوذ كل واحدة منها في نطاق‬
‫حدودها وعلى المجموعة البشرية بالمقاطعة الراجعة إليها بالنظر دون غيرها كما تنطبق قوانينها‬
‫داخل مقاطعتها ل غير‪.‬‬

‫ويعني مبدأ التنضيد كذلك أن الدولة التحادية لديها دستور اتحادي أي دستور مشترك بين‬
‫جميع الدول األعضاء ودستور جامع لها كما لديها سلطة تشريعية أي برلمان مشترك وسلطة‬
‫تنفيذية مشتركة وسلطة ق ضائية مشتركة وتبسط هذه السلط التحادية نفوذها على كامل إقليم‬
‫الدولة التحادية وعلى كامل المجموعة البشرية في كامل التحاد ويعلو الدستور التحادي‬
‫أقرها الدستور الفدرالي‪.‬‬
‫تتبنى أحكام تخالف أحكام ّ‬
‫دساتير الدول األعضاء التي ل يجوز لها أن ّ‬
‫ضل دولة اتحادية تخضع إلى سلطتين‬‫ويترتّب عن هذه الثنائية أن الشعوب التي تعيش في ّ‬
‫أو تحديدا مستويين من السلطة فهي تخضع مباشرة إلى سلطة وقانون المقاطعة أو المنطقة‬
‫التي هي عضو في التحاد وتخضع كذلك إلى سلطة الدولة التحادية وقانونها‪.‬‬

‫وإنما هذا التنظيم المعّقد للسلط ولألنظمة القانونية يقتضي لنجاحه ولسيره بشكل متناسق اعتماد‬
‫مبدأين هما مبدأ الستقاللية من جهة ومبدأ المشاركة من ناحية ثانية‪.‬‬

‫‪ – 2 -‬مبدأ االستقاللية‬

‫يمثل مبدأ الستقاللية المبدأ الذي من شأنه أن يم ّكن الدول األعضاء في التحاد من الحفاظ‬
‫تم تصميمه للتم ّكن من‬
‫عن خصوصياتها أذ سبق وقلنا أن الشكل الفدرالي للدولة هو شكل ّ‬
‫تحقيق التوازن بين الرغبة في بناء وحدة مع الحق في الحفاظ على خصوصيات الدول‬
‫األعضاء‪ .‬وتظهر الرغبة في الحفاظ على الخصوصيات سواء عند قيام التحاد عن طريق‬
‫الندماج‪ ،‬حيث تقبل مجموعة من الدول المستقلة تماما الستقالل عن بعضها البعض الدخول‬
‫في اتحاد شريطة تمكينها من الحفاظ عن حّقها في إدارة مجموعة من المسائل بنفسها‪ ،‬أو عن‬
‫طريق التف ّكك حيث تطالي م جموعة من المقاطعات السلطة المركزية بالعتراف لها باستقالليتها‬
‫وذلك بعد تنقيح دستورها إلق ارره الشكل الجديد للدولة واعترافه بجملة من المجالت التي ستتخّلى‬
‫تحولت إلى سلطة فدرالية لصالح الدول األعضاء‪.‬‬
‫عنها السلط المركزية التي ّ‬
‫وإنما الستقاللية المكفولة للدول األعضاء هي التي من شانها أن تضمن لها هذا الحق في‬
‫وتتجسد استقاللية الدول األعضاء فضال عن كونها تتمتّع بدستور خاص بها‬
‫ّ‬ ‫الخصوصية‬
‫وبسلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية خاصة بها في كون لها كذلك مجموعة من‬
‫االختصاصات التي تنفرد بممارستها والتي ترجع إليها بالنظر حيث أنها هي التي تضع القوانين‬
‫تبت عن طريق محاكمها في النزاعات التي تنشأ‬
‫الضرورية لتنظيمها وتسهر على تنفيذها كما ّ‬
‫بين مواطنيها‪.‬‬

‫ويضبط الدستور الفدرالي‪ ،‬أي الدستور الذي ينطبق على جميع الدول األعضاء‪ ،‬هذه‬
‫الختصاصات‪ .‬وبالفعل يقوم الدستور الفدرالي في الدولة التحادية بتوزيع الختصاصات بين‬
‫الدولة التحادية والدول األعضاء‪.‬‬

‫ويكمن التمييز‪ ،‬في نطاق توزيع الختصاصات بين الدولة التحادية من جهة والدول األعضاء‬
‫يسمى بالختصاص المبدئي ‪compétence générale qu’on‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬بين ما ّ‬
‫المسند‬
‫‪ appelée aussi compétence de droit commun‬والختصاص ُ‬
‫‪compétence d’exception appelée aussi compétence d’attribution‬‬
‫ويقصد بالختصاص المبدئي مجموعة الصالحيات والختصاصات التي تعود بالنظر إلى أحد‬
‫يخصصها لها نص قانوني بشكل صريح أي دون أن يمنحها إياها‬
‫األطراف بطبيعتها ودون أن ّ‬
‫تدل تَسم َيتُه ذلك الختصاص الذي‬
‫المسند فهو‪ ،‬وكما ّ‬
‫النص الدستوري‪ .‬أما عن الختصاص ُ‬
‫إل إذا أسنده إليه النص الدستوري الذي نجد يه قائمة‬
‫ل يتاح ألحد األطراف ممارسته ّ‬
‫اختصاصات يمنحها إلى أحد الطرفين أي إما إلى الدولة التحادية أو إلى الدول األعضاء‪.‬‬

‫المسند على النحو التالي‪ :‬تتمتّع‬


‫عمليا يمكن التمييز بين الختصاص المبدئي والختصاص ُ‬
‫ّ‬
‫الدول األعضاء في أغلب الدول التحادية باختصاص مبدئي بمعنى أنها تمارس سلطتها‬
‫التشريعية أي تضع قوانين وتمارس سلطتها التنفيذية والقضائية في جميع المجالت‪ ،‬عدى ما‬
‫أسنده النص الدستوري إلى السلط التحادية‪ ،‬بمعنى أن الختصاص المبدئي هو للدول‬
‫األعضاء بينما يكون الختصاص المسند بين أيدي الدولة التحادية أي السلط التحادية‪.‬‬

‫وتعتمد أغلب دساتير الدول التحادية على غرار الدستور األمريكي أو الدستور السويسري أو‬
‫الدستور اإلماراتي على إقرار االختصاص المبدئي للدول األعضاء واالختصاص المسند للدولة‬
‫االتحادية‪ .‬بمعنى أغلب الدول التحادية تذهب إلى تمكين الدول األعضاء من إدارة شؤونها‬
‫السياسية واإلدارية والقتصادية والجتماعية والثقافية والمالية ‪ ...‬كما تراه مناسبا لها وتتخلّى‬
‫عن بعض الختصاصات لصالح السلط الفدرالية وتتمثل هذه االختصاصات المسندة خاصة‬
‫في كل ما يتعّلق بالسيادة الخارجية مثل الديبلوماسية والدفاع والعملة والمسائل المرتبطة‬
‫يؤدي إلى فقدان الدول األعضاء وجودها على الساجة الدولية‬
‫بها بما أن النضمام إلى التحاد ّ‬
‫أي فقدانها لسيادتها الخارجية‪ .‬وإذا كانت المادة الجمركية تعود إلى السلطة التحادية عادة فإن‬
‫المادة الجبائية هي مادة تقتسمها كل من السلطتين التحادية والمحلية ألن ل أحد من بين‬
‫هذين الطرفين سيمكنه الضطالع بالختصاصات الراجعة بالنظر إليه دون موارد مالية وتمثّل‬
‫أهم هذه الموارد‪.‬‬
‫الجباية ّ‬
‫على أن هنالك من الدول التحادية كألمانيا الفدرالية مثال (الفصل ‪ 70‬وما بعده من القانون‬
‫األساسي األلماني) ما أدرج بدستوره ثالث قائمات من الختصاصات‪ :‬قائمة من الختصاصات‬
‫ترجع بالنظر إلى الدول األعضاء وقائمة ثانية تعود إلى السلط التحادية وقائمة ثالثة من‬
‫الخت صاصات المشتركة التي يعود للدول األعضاء ممارستها إل إذا رأت السلط التحادية أن‬
‫برمتها‪.‬‬
‫تدحل السلطة على نطاق يشمل الدولة ّ‬
‫هنالك مصلحة وطنية تقتضي ّ‬
‫ومهما كانت طريقة توزيع الختصاصات المعتمدة في الدستور الفدرالي لتنظيم ممارسة مستويي‬
‫السلطة (المستوى الوطني والمستوى المحلّي) وضمان سالسة العالقة بين طرفيها فإن ذلك ل‬
‫يمنع إمكانية ظهور تنازع حول الختصاص بين السلط التحادية وسلطة الدول األعضاء‪.‬‬
‫يتضمن الدستور التحادي وهو الدستور المشترك بين‬
‫ّ‬ ‫ولهذا السبب كان من الضروري أن‬
‫فض النزاعات بين مختلف مستويات الحكم (أي الحكم الوطني‬
‫جميع الدول األعضاء آليات ل ّ‬
‫والحكم المحلّي أي مستوى السلطات الفدرالية ومستوى الدول األعضاء)‪ .‬وتمثّل آليات البت‬
‫في النزاعات بين الدولة التحادية والدول األعضاء أداوت ضرورية لضمان استدامة التحاد‬
‫يؤدي إلى تف ّكك الدولة التحادية‪.‬‬
‫وتجنب تعّفن للخالفات قد ّ‬
‫ّ‬
‫البت في النزاعات حول االختصاص بين السلط االتحادية‬
‫مهمة ّ‬
‫وفي هذا الشأن عادة ما تسند ّ‬
‫وسلط الدول األعضاء إلى أعلى محكمة على المستوى الفدرالي التي يمكن أن تكون إما‬
‫المحكمة الدستورية الفدرالية أو المحكمة العليا الفدرالية‪.‬‬

‫‪ – 3‬مبدأ المشاركة‬

‫يمثل مبدأ المشاركة اآللية التي من شأنها أن تحّقق هدف الوحدة والتماسك الذي هو وراء نشأة‬
‫كل دولة اتحادية‪ .‬ويقصد به الحق المتاح للدول األعضاء في امشاركة في الهياكل التحادية‬
‫ثمة المشاركة في اتخاذ الق اررات التحادية أي تلك التي تدخل في اختصاصات السلط‬
‫ومن ّ‬
‫التحادية‪.‬‬

‫وبالتالي فإن مشاركة الدول األعضاء تكون على مستويين أولها المشاركة في الهياكل التحادية‬
‫وثانيهما المشاركة في الق اررات التحادية‪.‬‬

‫أما على مستوى الهياكل فإن ميزة السلطة التشريعية الفدرالية في الدولة التحادية هي أنها تقوم‬
‫برمته بقطع النظر على المقاطعة‬
‫دائما على مجلسين يم ّثل المجلي األول شعب الدولة التحادية ّ‬
‫أو الولية التي ينتمي إليها بينما تمثّل الغرفة الثانية الدول األعضاء بصفتها تلك‪ .‬وفي هذا‬
‫الشأن قد يكون تمثيل هذه الدول في الغرفة الثانية على أساس المساواة أي أن يكون تمثيلها‬
‫في ذاك المجلس بعدد متساوي من النواب بقطع النظر عن حجمها وعن وزنها الديمغرافي‪.‬‬
‫من ذلك نجد السلطة التشريعية التحادية في الوليات المتحدة األمريكية ‪State‬‬
‫‪ Legislature‬تقوم على مجلسين هما مجلس النواب ‪United States House of‬‬
‫‪ Reprentatives‬ومجلس الشيوخ ‪ United States Senate‬حيث يمثل مجلس‬
‫النواب الشعب األمريكي في حين يمثل مجلس الشيوخ الوليات األعضاء في اإلتحاد التي لدى‬
‫كل واحدة منها ممثلين بهذا المجلس‪ .‬كما أن السلطة التشريعية التحادية في ألمانيا الفدرالية‬
‫تقوم هي األخرى على غرفتين هما ‪ Bundestag‬الذي يمثل الشعب األلماني و‬
‫يتكون منها هذا التحاد ول تمثَّل هذه األخيرة‬
‫‪ Bundesrat‬الذي تمثل فيه المقاطعات التي ّ‬
‫بعدد متساوي من المقاعد بل بحسب حجمها وكثافتها السكانية فتمثّل المقاطعات التي لديها‬
‫أقل من مليوني نسمة بثالث مقاعد وتلك التي لديها بين مليونين وستّة ماليين نسمة بأربعة‬
‫ّ‬
‫مقاعد تلك التي لديها بين ستة وسبعة ماليين نسمة تم ّثل بخمس مقاعد والتي لديها أكثر من‬
‫سبعة ماليين نسمة ستّة مقاعد‪.‬‬

‫وفضال عن هذه المشاركة للدول األعضاء على المستوى الهيكلي للسلك فإنها تشارك كذلك‬
‫في ممارس الصالحيات المسندة للسلط التحادية فهي تشارك في وضع القوانين التحادية بما‬
‫أن هذه األخيرة تنطبع على حاكل تراب الدولة وعلى كافة المقيمين بها وبالتالي فإن الدول‬
‫سنها وذلك من خالل تمثيلها في‬
‫األعضاء معنية بهذه القوانين ومن حّقها بالتالي المشاركة في ّ‬
‫السلطة التشريعية التحادية في غرفتها الثانية‪ .‬وبالفعل تشارك الدول األعضاء عبر المجلس‬
‫الذي يمثلها بصفتها تلك في المصادقة على القوانين التحادية لكن كذلك في المصادقة على‬
‫ميزانية التحاد وعلى المعاهدات الدولية التي يبرمها هذا األخير مع الطول األخرى باعتبار‬
‫أنه لم يعد للدول األعضاء تمثيل على المستوى الدولي‪.‬‬

‫لكن األهم من ذلك هو المشاركة الضرورية للدول األعضاء في أي عملية تعديل للدستور‬
‫التحادي ألن هطا األخير هو أساس العقد بين الدول األعضاء والدي بمقتضاه قاموا بإنشاء‬
‫يمر بموافقة الدول األعضاء أول من‬
‫الدولة التحادية وبالتالي أي تغيير لهذا "العقد" يجب أن ّ‬
‫خالل مصادقتها عير المجلس الذي يمثلها صلب السلطة التشريعية التحادية ثانيا من خالل‬
‫معززة لبرلمانات الدول األعضاء‪ .‬فعلى سبيل المثال يخضع تعديل‬
‫ضرورة مصادقة أغلبية ّ‬
‫دستور الوليات المتحدة األمريكية إلى مصادقة الكونغرس األمريكي أي إلى مصادقة المجلسين‬
‫الذين يكونان السلطة التشريعية األمريكية على المستوى التحادي‪ ،‬ثم يجب أن تصادق على‬
‫هذا التعديل ثالثة أرباع الدول األعضاء (أي ‪ 38‬دولة من أصل ‪ 50‬دولة مكونة للوليات‬
‫المتحدة األمريكية) من خالل موافقة برلماناتها‪.‬‬

‫خصيصا‬
‫تمت صياغتها ّ‬
‫تبدو هذه المبادئ التنظيمية للدولة التحادية على غاية من الدقة حيث ّ‬
‫من أجل الوصول إلى تحقيق غاية معّقدة تجمع بين نقيضين هما البحث عن الوحدة من أجل‬
‫النوع والخصوصيات والعمل على حمايتهما وإن هذه‬
‫قوة اقتصادية وعسكرية مع مراعات ّ‬
‫بناء ّ‬
‫الغاية الثانية تعكس النفس الديمقراطي للشكل الفدرالي للدولة لقبوله بالحق في الختالف وسعيه‬
‫إلى إدارته بأحسن وجه‪.‬‬

‫وإن كان الشكل الفدرالي يشهد اليوم انتشا ار في العالم ويستقطب اهتمام بعض الدول التي تعيش‬
‫تعدد القوميات واإلثنيات داخلها‪ ،‬إل أن هذا الشكل‬
‫أزمات سياسية حادة وانقسامات سببها ّ‬
‫هشا خاصة إذا وقع اعتماده في أنظمة غير ديمقراطية ألنه في‬
‫المرّكب من الدول يبدو أحيانا ّ‬
‫بالبت في التنازع حول الختصاصات بين‬‫هذه الحالة ورغم وجود الهياكل القضائية المختصة ّ‬
‫السلط التحادية وسلطة الدول األعضاء إل أن المركز غالبا ما يكسر التوازن بين الوحدة‬

‫التنوع لصالح المنحى الوحدوي الذي يتن ّكر للخصوصيات‪ ،‬مما ّ‬


‫ينجر عنه حركات انفصالية‬ ‫و ّ‬
‫تهدد بقاء الدولة على غرار ما عاشته يوغسالفيا في تسعينات القرن الماضي والنزاعات التي‬
‫ّ‬
‫انتهت بها إلى التف ّكك ثم إلى الندثار وعلى غرار فشل التجربة التحادية العراقية حيث أن‬
‫تم إحداثها منذ وضع دستور ‪ 2006‬في حين أن‬
‫إقليم كردستان هو المقاطعة الوحيدة التي ّ‬
‫طلة‪.‬‬
‫حد اآلن مع ّ‬
‫المقاطعات الشيعية والسنية ل زالت إلى ّ‬

‫تصنيف األنظمة السياسية ‪:‬‬

‫إن أبسط طريقة لتناول األنظمة السياسية تتم عبر تصنيفها أي ترتيبها إلى مجموعات متناسقة‬
‫يتم ضبطها تسمح بالوقوف عند مختلف خصائص كل نظام وتمييزه‬
‫بناء على معيار أو معايير ّ‬
‫عن غيره من األنظمة‪.‬‬

‫وترجع محاولت تصنيف األنظمة السياسية إلى العصور القديمة حيث نجد آثارها في جمهورية‬
‫أفالطون أو سياسة أرسطو ولقد اعتمد كل منهما معيار عدد الحكام لتصنيف األنظمة السياسية‬
‫فمي از بين النظام الذي يرجع فيه الحكم لشخص واحد وهو النظام الملكي وذاك الذي يرجع فيه‬
‫الحكم ألقلية أو نخبة وهو النظام األوليغارشي أو حكم األقلية وأخي ار النظام الذي يرجع فيه‬
‫الحكم لألغلبية أل وهو النظام الديمقراطي‪.‬‬

‫تتم بها ممارسة‬


‫على أن الفكر السياسي الحديث أخذ يهتم بأمر آخر يتصل بالطريقة التي ّ‬
‫اهتم بالهندسة الدستورية أي بالطريقة التي يقوم الدستور‬
‫السلطة والهدف من هذه األخيرة كما ّ‬
‫بمقتضاها بتوزيع اإلختصاصات بين مختلف مؤسسات الدولة‪ ،‬وبالتحديد بين مختلف السلطات‬
‫العمومية الدستورية‪ ،‬وطبيع ة العالقة بينها‪ .‬كما قام هذا الفكر السياسي الحديث بربط هذه‬
‫المعايير بطبيعة هذا النظام أي بتصنيفه ضمن األنظمة التحررية أو ضمن نظم الحكم المطلق‪.‬‬

‫ثم إلى‬
‫وسنتعرض إلى جذوره ّ‬
‫ّ‬ ‫أهم معيار في هذا الشأن هو مبدأ الفصل بين السلط‪.‬‬‫ولعل ّ‬
‫مختلف التطبيقات التي شهدها في م بحث أول ثم إلى المالمح التي اتخذها في النظام السياسي‬
‫التونسي في مبحث ثاني‪.‬‬

‫مبحث أول‪ :‬جذور مبدأ الفصل بين السلط‬

‫يشير مصطلح "السلط" في عبارة "الفصل بين السلط" إلى السلطات العمومية الدستورية التي‬
‫تؤمن الوظائف األساسية‬
‫يقصد بها السلط التي أحدثتها السلطة التأسيسية األصلية والتي ّ‬
‫والضرورية لقيام ولتسيير كل دولة‪ .‬ويرى الفيلسوف الفرنسي ‪ J. J. Rousseau‬أن كل‬
‫مجتمع وتبعا لذلك كل دولة تحتاج إلى صنفين من الوظائف ّأولهما الوظائف التقريرية التي‬
‫يمكن أن نترجم عنها بالوظائف التشريعية والوظائف التنفيذية‪ ،‬ويقول في هذا الغرض في كتابه‬
‫العقد الجتماعي ‪":‬‬
‫‪Toute action libre a deux causes qui concourent à la produire,‬‬
‫‪l’une morale, savoir la volonté qui détermine l’acte, l’autre‬‬
‫‪physique, savoir la puissance qui l’exécute. (...) Le corps‬‬
‫‪politique a les mêmes mobiles, on y distingue de même la force‬‬
‫‪et la volonté, celle-ci sous le nom de puissance législative,‬‬
‫‪l’autre sous le nom de puissance exécutive. Rien ne s’y fait ou‬‬
‫‪ne doit s’y faire sans leur concours ».‬‬
‫‪(J.-J. Rousseau, Contrat social, Livre III, chap. I).‬‬

‫أقر في كتابه "روح القوانين" أنه‬


‫وقد ذهب الفيلسوف الفرنسي "منتسكيو" في نفس التجاه حيث ّ‬
‫يوجد في كل دولة ثالثة أصناف من السلطة‪ ،‬السلطة المشرعة وهي المكلفة بسن القوانين‬
‫والسلطة المنفذة لهذه األخيرة والسلطة القضائية وهي مكلفة بالبت في النزاعات وبتطبيق‬
‫العقوبات‪.‬‬
‫‪"Il y a, dans chaque État, trois sortes de pouvoir: Par la première‬‬
‫‪[puissance législative], le prince ou le magistrat fait des lois pour un‬‬
‫‪temps ou pour toujours, et corrige ou abroge celles qui sont faites.‬‬
‫‪• Par la seconde [puissance exécutrice], il fait la paix ou la guerre, envoie‬‬
‫‪ou reçoit des ambassades, établit la sûreté, prévient les invasions. Par la‬‬
‫‪troisième il punit les crimes, ou juge les différends des particuliers. On‬‬
‫‪appellera cette dernière la puissance de juger (...) ».‬‬

‫وبناءا على هذا التصور للحاجيات األساسية لكل دولة أصبح من الضروري التفكير في شتى‬
‫األساليب الممكنة لتنظيمها ولضبط طرق ممارستها‪ ،‬وقد ولّدت مختلف هذه األساليب أنظمة‬
‫سياسية مختلفة بناء على معيار جديد يدعو إلى تجّنب تركيز أكثر من سلطة بيد شخص‬
‫واحد أو مجموعة من األشخاص ويعرف هذا المعيار بمبدأ الفصل بين السلط‪.‬‬

‫وليس من باب الصدفة أن ظهر هذا المعيار مع الفكر السياسي الحديث إذ يُعرف عن هذا‬
‫األخير أنه جاء يطالب بالتخلّي عن الحكم المطلق أي بتقييد السلطة من أجل ضمان الحقوق‬
‫والحريات السياسية‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن فالسفة التنوير ومن تأثر بهم من رجال السياسية نادوا أول بضرورة‬
‫وضع دساتير مدونة توثق فيها قواعد اللعبة السياسية حتى تصبح حجة على الحاكم والمحكوم‬
‫على السواء‪.‬‬

‫أقروا بأن تدوين القواعد القانونية التي تحكم عملية ممارسة السلطة في الدستور يجب‬
‫كما أنهم ّ‬
‫أن تُرفق بآليات تضمن تنظيم هذه السلطة بما يضمن تقييدها حتى ل تتعسف في استعمال ما‬
‫يرجع إليها من نفوذ ومن قدرة على اإلكراه واستعمال وسائل الردع لحمل األفراد على المتثال‬
‫ألوامرها ونواهيها‪.‬‬

‫وتتمثل فكرة تنظيم السلطة بفصل مكوناتها عن بعضها البعض‪ ،‬والدعوة إلى توزيع الوظائف‬
‫التي تقوم عليها كل دولة على أطراف ثالث‪ ،‬مستقلة عن بعضها البعض سواء تمثلت في‬
‫أفراد أو في مجموعات‪ .‬ولمزيد فهم هذا التصور ينبغي العودة مرة أخرى إلى كتاب "منتسكيو"‬
‫وما ورد فيه بشأن هذا المبدأ التنظيمي الشهير الذي اقترن باسمه به رغم أسبقية مفكرين‬
‫بريطانيين‪ ،‬على غرار "جون لوك"‪ ،‬في تصوره والدعوة إلى العمل به‪ .‬ويقول "منتسكيو" في‬
‫هذا الغرض في الفصل السادس من الباب الحادي عشر من كتابه "روح القوانين" ما يلي "إنها‬
‫لظاهرة أبدية أن ينزع كل من بيده السلطة إلى اإلفراط في ممارستها إلى أن يعترضه حد يوقفه‪،‬‬
‫ولتحاشي اإلفراط في السلطة ي نبغي ترتيب األمور ترتيبا يجعل السلطة تحد نفسها بنفسها"‪.‬‬
‫حيث أكد على ضرورة تجنب الجمع بين السلط وتحديد بين سلطتين أو أكثر كما دعا الى‬
‫ضرورة وضع حدود لكل سلطة و وضع آليات ردع لكل سلطة تجاه السلطة أخرى وهو ما‬
‫سماه منتسكيو ملكة الردع على أن تعليمات منتسكيو بشأن تنظيم السلطة بشكل يتجنب‬
‫احتكارها ويمنع بالتالي الستبداد فيضمن الحرية ان بدت بسيطة أل أنها لم تتخذ شكل تعليمات‬
‫قائمة على آليات واضحة يجب اعتمداها بل أنها وردت في شكل عام تمثل في التحذير من‬
‫تبعات جمع سلطتين أو أكثر بين أيدي شخص واحد أو مجموعة من األشخاص فالنتيجة‬
‫المنشودة هي كسر مركز القوة أو السلطة وتوزيعه على أطراف مستقلة عن بعضها البعض‬
‫بشكل يجعلها قادرة على مراقبة بعضها البعض وبالتالي الحد من تسلط بعضها البعض‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس يتحدث "منتسكيو" عن إسناد كل هيأة ملكة إقرار أي سلطة اتخاذ تدابير أو‬
‫تقويم تلك التي اتخذ الغير مشفوعة بملكة ردع أي قدرة على ردع السلطة األخرى إن تراءى‬
‫لها أنها تجاوزت حدود الختصاصات المسندة لها من قبل السلطة التأسيسية أي من قبل‬
‫الدستور وذلك بإبط ال التدابير التي اتخذتها‪ .‬علما أن كل هذه الترتيبات وضعت لغرض واحد‬
‫هو ضمان الحقوق والحريات الفردية في وجه السلطة‪ .‬إذ يقول "منتسكيو" بهذا الشأن إذا تركنا‬
‫سلطة وضع القوانين وسلطة تنفيذها وسلطة البت في النزاعات وتسليط العقوبات بيد شخص‬
‫واحد أو مجموعة من األشخاص من النبالء أو من العامة لضاع كل شيء والمقصود بكل‬
‫شيء هنا هو الحرية التي كانت تمثل القيمة الرئيسية التي كان يدور حولها الفكر السياسي‬
‫التنويري‪.‬‬

‫وإن كان "منتسكيو" يستهدف السلطة الملكية المطلقة آنذاك عند صياغته لمبدأ الفصل بين‬
‫السلط كمبدأ تنظيمي فإن هذا التصور صالح كذلك لمقاومة تسلط المجموعة أي إلى جانب‬
‫أنظمة الحكم الفردي‪ ،‬أنظمة الحكم القائمة على استبداد مجموعة بل حتى األغلبية عن طريق‬
‫اإليديولوجيا الواحدة أو الحزب الواحد‪ ،‬وهو ما من شأنه أن يجعل هذا المعيار لتصنيف األنظمة‬
‫السياسية أي معيار الفصل بن السلط‪ ،‬رغم ظهوره في القرن الثامن عشر‪ ،‬بالغ األهمية إلى‬
‫يومنا هذا‪.‬‬

‫يعتمد "منتسكيو" التوازن بين السلط في ما يتعلق بالسلطتين السياسيتين بينما يعتمد الفصل‬
‫فقط بالنسبة للسلطة القضائية‬

‫ولهذا السبب يمثل مبدأ الفصل بين السلط المعيار األكثر اعتمادا اليوم في تصنيف األنظمة‬
‫السي اسية ويسمى كذلك بمعيار األنظمة الدستورية‪ ،‬بمعنى األنظمة التي تضمن فيها الحرية‬
‫السياسية‪.‬‬

‫مبحث ثاني‪ :‬تطبيقات مبدأ الفصل بين السلط‬

‫يجنب الستبداد ويضمن الحرية وإن بدت‬‫إن تعليمات "منتسكيو" بشأن تنظيم السلطة بشكل ّ‬
‫بسيطة إل أنها تكتسي من العمومية ما أدى إل ى الختالف حول الطريقة العملية لتباعها أو‬
‫تفعيلها‪ .‬وبالفعل إن "منتسكيو يتحدث عن ضرورة ترتيب األمور ترتيبا يجعل السلطة تحد‬
‫السلطة دون أن يقدم أكثر توضيحات أو تفاصيل حول صور هذا الترتيب فهو حدد الغاية‬
‫بشكل دقيق وهي الحد من السلطة لضمان الحرية دون أن يضبط مالمح الوسيلة وهذا ما أدى‬
‫إلى تأويالت مختلفة للمبدأ ولدت بدورها تصورات مختلفة للفصل بين السلط وخاصة ألساليب‬
‫توزيع ملكات اإلقرار وملكات الردع بينها‪.‬‬

‫وإنما هذه التصورات على اختالفها يمكن أن تلخص في نموذجين اثنين هما القراءة األمريكية‬
‫للمبدأ والتي أفرزت ما أصب ح يسمى بالنظام الرئاسي والقراءة البريطانية له والتي أفرزت ما‬
‫يوصف بالنظام البرلماني‬

‫‪-1‬النظام البرلماني‪ ( :‬فصل المرن بين السلط ) ‪:‬‬

‫قبل الخوض في خصائص كل من نظامين البرلماني و الرئاسي وجب التنبه الى أن السلط‬
‫المعنية في كل منهما والتي تحدد طبيعة العالقة بينها مالمح كل نظام هي سلطتين السياستين‬
‫أي فقط السلطة التشريعة والسلطة التنفيذية بعبارة أخرى اذا اردنا أن نتبين اذا كان امام نظام‬
‫برلماني أو نظام رئاسي علينا ان نقف فقد على طبيعة العالقة بين السلطة التنفيذية و التشريعة‬
‫أما السلطة القضائية فال دخل لها في تكيف كل من هاذين النظامين ألنها غير معنية بالمنافسة‬
‫السياسية التي تدور داخل كل من هاذين سلطتين والتي تدور بين هاذين سلطتين فالسلطة‬
‫القضائ ية مستقلة عن سلطة السياسية وخارج حلبة السلطة السياسية لهاذين النظامين‪.‬‬

‫تعود نشأة النظام البرلماني الى بريطانيا التي كانت أولى الدول الغربية الذي شهد تحول نظامها‬
‫الملكي تحول تدريحيا على امتداد ‪ 400‬سنة من نظام ملكي مطلق الى نظام ملكي مقيد تم‬
‫فيه انتزاع السلطات التي كان ينفرد بها الملك بصفة تدريجية لتحويلها الى هياكل تمثلية (‬
‫مجالس النيابية ‪ ,‬مجلس اللوردات في مرحلة أولى تم اشفاعها لحقا بمجلس العموم تم انتزاع‬
‫الجزء اآلخر من السلطة الملكية لتحويلها هذه المرة لرأس ثان مستحدث داخل السلطة التنفيذية‬
‫هو الحكومة وعليه فإن النظام البرلماني في بريطانيا كما في غيرها في النظمة الجمهورية‬
‫التي اختارت النمط البرلماني كنظام لها تميزت بتنظيم هيكلي يقوم على تداخل العضوي بين‬
‫سلطتين التشريعة و التنفيذية والمقصود بذلك هو أن السلطة التنفيذية في النظام البرلماني وهي‬
‫سلطة تتميز بطابعها الثنائي حيث تقوم على رئيس الدولة من ناحية الذي يتمثل في الملك أو‬
‫في رئيس الجمهورية (كما هو الشأن بالنسبة إلسبانيا ) وهو هيكل ل يتمتع بمشروعية انتخابية‬
‫مباشرة اذا انه أما أن لديه مشروعية تاريخية النظمة الملكية أو أنها غير مباشرة ان ينتخب‬
‫رئيس الجمهورية في النظمة البرلمانية من قبل البرلمان ل من قبل الشعب مباشرة ويترتب‬
‫عن ذلك اسناده صالحيات شرفية بحتة أي أم رئيس الدولة ل يتمتع بسلطات فعلية أما الرأس‬
‫الثاني للسلطة التنفيذية في النظام البرلماني فيتمثل في رئيسها وأنما التداخل بين السلطتين‬
‫التشريعة و التنفيذية من الناحية الهيكلية في النظام البرلماني يخص عالقة الحكومة بالبرلمان‬
‫وبالفعل تمثل هذه األخيرة امتداد لألغلبية الحزبية في البرلمان حيث أن الحزب أو الئتالف‬
‫الحزبي الذي فاز بأغلبية المقاعد في البرلمان هو الذي يختار رئيس الحكومة الذي بدوره بشكل‬
‫فريق حكوميا ثم يتوجه لنفس البرلمان لطلب ثقة هذا األخير ل فقط بخصوص الفريق الحكومي‬
‫بل أساسا ثقته حول البرنامح السياسي الذي يتعهد به هذا األخير بإنجازه‪.‬‬

‫ويمكن لرئيس الحكومة في النظام البرلماني ان يختار األعضاء حكومته نوابا في البرلمان‬
‫بحيث ل مانع في النظام البرلماني أن يجمع شخص بين صنفين أي أن يكون عضو بالحكومة‬
‫ونائبا في نفس الوقت أما على مستوى الوظيفي وتبع لتداخل العضوي فأن النظام البرلماني‬
‫يقوم على تعاون أو اشتراك السلطتين في ممارسة الوظائف الراجعة مبدئيا لكل منهما وبالفعل‬
‫بالنسبة لسلطة التشريعة التي تتمثل وظي فتها في شكل قوانين تشاركها الحكومة في ذلك من‬
‫خالل حقها في التقدم لبرلمان لمشاريع القوانين ونالحظ انه في جميع النظمة البرلمانية أغلبية‬
‫المبادرات التشريعة هي مبادرات حكومية الى جانب التعاون الوظيفي يقوم النظام البرلماني‬
‫على آليات ردع يمكن لكل من سلطتين الحتكام إليها من أجل إيقاف السلطة المقابلة عند‬
‫حدها ان اردت أن نفرط في استعمال سلطتها ويتميز النظام البرلماني بقيامه على آليات ردع‬
‫تمكن كل سلطة من قضاء على سلطة أخرى فإذا كان للبرلمان الحق في تقديم لئحة لوم ضد‬
‫الحكومة بسحب ثقتهم منها واسقاطها بحيث انه التصويت على لئحة اللوم بأغلبية المقررة في‬
‫نص الدستور وهي غالبا المطلقة يترتب عنه تقديم الحكومة استقالتها لرئيس الدولة في مقابل‬
‫وحتى ل يختل التوازن بين سلطتين لصالح البرلمان فإن النظام البرلماني يقوم كذلك على حق‬
‫الحكومة في مطالبة بحل البرلمان في صورة تصويت لئحة لوم ضدها‪.‬‬

‫‪ – 2‬النظام الرئاسي ‪:‬‬

‫النظام الرئاسي أو ما يسمى الفصل الصارم بين السلط‬

‫يعرف النظام الرئاسي بكونه نظام قائم على فصل الصارم بين السلط ويتجلى هذا الفصل‬
‫الصارم بين السلط في استقالل العضوي والتخصص الوظيفي‪.‬‬

‫أن مقصود بالستقاللية الهيكلية التي تميز تنظيم السلط في النظام الرئاسي هي أول أن كل‬
‫من سلطتين التشريعة و التنفيذية تتمثل بمشروعية انتخابية خاصة بها فهي ل تدين لسلطة‬
‫أخرى فيما يتعلق ل بارتقائها الى سلطة ول ببقائها في السلطة وبالفعل بما أن الحديث عن‬
‫النظام الرئاسي يحيل إلى حديث عن النظام السياسي للوليات المتحدة المريكية التي كانت‬
‫أولى دولة وضعت أسس هذا النظام السياس ي وبقيت إلى حد اآلن الدولة وحيدة الوفية لمقومات‬
‫هذا النظام فسلطتها التشريعة المتمثلة في كونغرس المريكي القائم على مجلسين مجلس نواب‬
‫ومجلس الشيوخ أما من قبل شعب بالنسبة لمحلس نواب أو من مواطنين قبل دول األعضاء‬
‫بالنسبة لمحلس الشيوخ فهو بشكل سلطة تتمتع بمشروعية انتخابية خاصة بها فالشعب المريكي‬
‫هو يوصلها الى سدة الحكم وهو الذي يزرحها عنها في النتخابات الموالية أما بالنسبة لرئيس‬
‫للوليات المتحدة المريكية الذي يجسد السلطة التنفيذية بمعنى انه هو وحيد الذي يمثل هذه‬
‫السلطة ففي النظام الرئاسي وعلى عكس النظام البرلماني تقوم السلطة التنفيذية على رأس واحد‬
‫هو رئيس الجمهورية وهو بدوره منتخب من قبل شعب أمريكي عبر كبار الناخبين وهو غير‬
‫مسؤول سياسيا أما كونغرس ويستعين رئيس الجمهورية في وليات المتحدة المريكية بكتب‬
‫دولة يعينهم بنفسه وينهي مهامهم بنفسه ول عالقة لهم بالكونغرس اذا ل يحتاجون لثقته لشروع‬
‫في العمل فيما يسمى باإلدارة المريكية ول يمثل كتب الدولة حكومة على معنى نظام البرلماني‬
‫بما أنهم مجرد آليات في خدمة رئيس الجمهورية يساعدنه على ممارسة السلطة التنفيذية وهذا‬
‫ما يجرنا لحديث عن مبدأ ثاني المميز لنظام الرئاسي الى جانب الستقاللية العضوية أل وهو‬
‫التخصص الوظيفي والمقصود بذلك أنه يعود لكونغرس المريكي ممارسة السلطة التشريعة‬
‫وذلك عبر سن القوانين وينفرد الكونغرس بذلك بما معناه انه ل يحق لسلطة التنفيذية المجسدة‬
‫في رئيس الجمهورية تقديم مشاريع القوانين لكونغرس وفي مقابل تنفرد السلطة التنفيذية التي‬
‫هي بيد رئيس الجمهورية بمساعدة كتب الدولة الذين هم مسؤولون أمامه هو فقط يطلع هذا‬
‫األخير بضبط سياسية العامة للدولة الداخلية و الخارجية وسهر على تنفيذ القوانين على أن‬
‫مبدأين الستقاللية العضوية وتخصص الوظيفي ل يعيين إطالقاً أن كل من سلطتين التشريعة‬
‫و التنفيذية تعيش في عزلة عن الخرى وانه يجوز لها ان تفعل ما تشاء فالنظام الرئاسي شأنه‬
‫شأن نظام البرلماني قائم على توازن بين سلطتين وقائم كذلك على ترتيب لها يمكن كل منهما‬
‫من حد سلطة آخر وتصدي لنزوعه إلفراط في السلطة وبالفعل اذا كانت الوظيفة التشريعة بيد‬
‫الكونغرس دون سواها فإنه من حق رئيس الجمهورية التصدي لسياسة تشريعية لكونغرس يعتبرها‬
‫جائرة أو غير مالئمة وذلك عن طريق حق النقض وهو امتناع رئيس الجمهورية عن ختم‬
‫علما أن الختم ضروري لدخول القانون حيز التنفيذ ورده لكونغرس‬
‫قانون صادق عليه كونغرس ً‬
‫لمصادقة ثانية بأغلبية ارفع وهي أغلبية الثلثين األمر الذي يصعب في غالب تحقيقه فإن نجح‬
‫مجبر في‬
‫ًا‬ ‫الكونغرس في توفير هذه األغلبية يكون انتصر على رئيس الجمهورية الذي يصبح‬
‫هذه الحالة على ختم القانون أما ان اخفق في ذلك يسقط القانون في المقابل اذا انفرد رئيس‬
‫الجمهورية بضبط سياسية العامة للدولة الداخلية و الخارجية بناء على سلطة التنفيذية التي‬
‫يجسدها وان كان النظام رئاسي ل يقتضي عرض البرنامح السياسي لرئيس على كونغرس‬
‫لتزكيته فإن لكونغرس آليات ردع لخيرات سياسية لرئيس قد يعتبرها جائرة أو غير مالئمة وذلك‬
‫أساسا من خالل سلطة كونغرس في مواقفة على مشروع الميزانية التي يعدها الرئيس اذا ان‬ ‫ً‬
‫هذا اخير لم يتمكن من تنفيذ سياسته دون اعتمادات مالية أما في مجال السياسة الخارجية فإن‬
‫المعاهدات التي يبرمها رئيس الجمهورية في إطار اختصاصاته الدبلوماسية تخضع لموافقة‬
‫مجلس الشيوخ‪.‬‬

‫وبالنسبة للنظام السياسي التونسي وبالنسبة لما يتميز به بناء الى دستور ‪ 25‬جويلية ‪2022‬‬
‫يمكن توصيفه بكونه نظام رئاسوي يمثل فيه رئيس الجمهورية محور السلطات السياسية ومركز‬
‫ثقل الحكم داخل الدولة الى جانب غياب أي شكل من اشكال المسؤولية السياسية لديه ثم‬
‫تعكس أحكام الدستور المذكور هذه الخاصية لرئيس الجمهورية في النظام السياسي التونسي‬
‫فهو يحتكر في نفس وقت جميع مكونات السلطة التنفيذية بما أنه يضبط السياسة العامة للدولة‬
‫حيث أقر الفصل ‪ 100‬أن رئيس الجمهورية بضبط سياسية العامة للدولة ويحدد اختياراتها‬
‫السياسية ويعلن بها مجلس نواب الشعب ومجلس وطني للجهات واقاليم كما انه هو الذي يعين‬
‫اعضاء الحكومة وينهي مهامهم كما ورد ذلك في فصلين ‪ 101‬و ‪ 102‬من دستور الذي‬
‫اضاف أنهم مسؤولون أمامه وذلك وفق فصل ‪ 112‬من الدستور اذا ان هذه الحكومة حكومة‬
‫تنفيذ للسياسة التي ضبطها رئيس الجمهورية وليس صاحبة سياسة فضال عن ذلك يشارك‬
‫رئيس الجمهورية السلطة التشريعة في مهامها من خالل حقه في التقدم بمشاريع قوانين بمجلس‬
‫نواب ولمشاريع رئيس الجمهورية أولوية النظر من قبل‬

‫ولرئيس الجمهورية كذلك وفق دستور ‪ 2022‬حق رد مشاريع القوانين لمجلس نواب الشعب‬
‫بقراءة ثانية ارفع من تلك التي نمت في قراءة أولى من جهة ثانية فيما يتعلق بالخصوصيات‬
‫العضوية لكل من رئيس الجمهورية وسلطة التشريعة بمجلسين فإن كان رئيس الجمهورية‬
‫منتخب مباشرة من الشعب فإن اعضاء مجلس نواب الشعب هم كذلك منتخبون مباشرة من‬
‫قبله بينما اعضاء الغرفة الثانية منتخبون بطريقة غير مباشرة اذا هم يمثلون الجهات والقاليم‬
‫فإذا كان رئيس الجمهورية ل يخضع ألي شكل من أشكال المسؤولية السياسية فأن وضعية‬
‫اعضاء مجلس نواب الشعب هشة بما أنه يجوز سحب وكالة منهم من قبل ناخبه قبل انتهاء‬
‫مدة نيابية ثم ان مجلس الشعب هذا ل يمكن له مراقبة رئيس الجمهورية فيما يتعلق بخيارات‬
‫السياسية التي يقوم بها في إطار ضبطه لسياسة العامة للدولة فحين أن حكومته هي المسؤولة‬
‫سياسيا أمام البرلمان بل هي مسؤولة على تنفيذها لسياسية التي ضبطها رئيس الجمهورية‬
‫ً‬
‫وكأن بالبرلمان هنا ينتصب كعين تعاضد رئيس الجمهورية في مراقبته لحكومة التي تعمل‬
‫تحت أمرة رئيس الجمهورية وذلك وفق فصل ‪ 115‬من دستور ‪ 2022‬لكن في المقابل يمكن‬
‫بيد الرئيس الجمهورية ان تطال البرلمان بما أن دستور ‪ 2022‬يمكنه من حل مجلس نواب‬
‫الشعب وذلك في صورة توجيه مجلس نواب الشعب لئحة لوم ثانية ضد الحكومة أو في صورة‬
‫تعطيل المجلس لسير دواليب الدولة‪.‬‬

You might also like