Professional Documents
Culture Documents
إسبانيا اسرائيل
إسبانيا اسرائيل
عناصر المحاضرة
التحول الديمقراطي في اسبانيا ،مثل كل التحوالت الديمقراطية حول العالم ،كان معقدًا للغاية ،وكان ال
يمكن التنبأ به بشكل كبير .فاسبانيا كان لديها نظام سلطوي حتي نهاية السبعينيات .فالجنرال فرانكو
سا للبالد وقائدًا عا ًما للقوات
General Francoالذي تولي السلطة قبل الحرب العالمية الثانية كان رئي ً
المسلحة في نفس الوقت .وقد جعل فرانكو القوات المسلحة العمود الفقري لنظامه .فقد تولي ضباط
الجيش ،وظائف في مجلس الوزراء ،ومارسوا احتكار علي فرض النظام العام ،ومارسوا حتي وظيفة
القضاء .وكانت اسبانيا بشكل عام ،والقوات المسلحة بشكل خاص ،معزولة عن ديناميكيات الحداثة
والدمقراطة ،Democratizationالتي اجتاحت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية .ولم يمنح فرانكوا
الفرصة لالنضمام للناتو ،وال لمجلس أوروبا الذي سبق إنشاء االتحاد االوروبي .وعلي الرغم من أنه قد
سُمح لفرانكوا باالنضمام إلي األمم المتحدة في عام ،1955إال أن اسبانيا كان ينظر إليها علي أنها دولة
مارقة من جزء كبير من المجتمع الدولي.
لكن طبيعة الجيش االسباني ،خاصة محافظته السياسية ،ودوره الخاضع والثانوي في نظام
فرانكوا ،جعلت من األسهل وضع استراتيجية للتعامل مع القوات المسلحة ،وبالتالي نجاح التحول
ً
مستقال في النظام السلطوي دورا سياسيًا
الديمقراطي .وفي هذا السياق ،لم يلعب الجيش االسباني ً
لفرانكوا ،وهو الدور الذي من الممكن أن يراه الجيش ضرورة الستمراره .وعلي العكس من جاراتها
1
البرتغال ،حيث تبني بعض الضباط بعض األفكار اليسارية ،كان ضباط الجيش االسبان محافظين
سياسيًا أو غير متبنين ألي أفكار سياسية .ولذلك فقد كان من الواضح أن المدنيين الذين يريدون بناء
برنامج للتحول الديمقراطي ،البد أن يضعوا خطة للتعامل مع القوات المسلحة.
وبشكل عام هناك أربعة عوامل أثرت علي العالقات المدنية العسكرية في اسبانياً .
أوال ،مدي مدنية
النظام السابق؛ فوفقًا لفيليبي أجويرو ،Felipe Agüeroالذي درس الحالة االسبانية في العالقات المدنية
دورا ثانويًا خالل الفترة االنتقالية ،وذلك بسبب كون نظام الجنرال فرانكو كان
العسكرية ،فالجيش لعب ً
نظاما مدنيًا .العامل الثاني هو "مسار التحول الديمقراطي" .فمسار التحول الديمقراطي في اسبانيا كان مسار
ً
تدريجي؛ وقد سيطر علي هذا المسار نتائج المفاوضات بين النخب المدنية والنخب العسكرية .العامل الثالث،
هو دعم الرأي العام االسباني للديمقراطية .فالنخب السياسية المدنية كانت مدعومة ومقادة بدعم قوي من
الرأي العام للديمقراطية ،وكان الجيش مدر ًكا لهذا الدعم .راب ًعا ،االتحاد القوي بين الجماعات السياسية
الرئيسية .فذلك االتحاد في الحالة االسبانية كان قويًا بشكل كاف لتحدي المؤسسة العسكرية.
وبشكل عام ،فقد بدء التحول الديمقراطي في نهاية السبعينيات وأنتهي مع انتخاب الحزب االشتراكي
االسباني Spanish Socialist Partyفي عام .1982وكان العامل الحاسم في مجمل عملية التحول
الديمقراطي في اسبانيا ،هو حسم العالقات المدنية العسكرية .فالتحول الديمقراطي في اسبانيا يقدم "قصة
نجاح" .وقد بدء ذلك التحول الديمقراطي كرد فعل لالنقالب الذي قام به صغار الضباط في البرتغال في 25
ابريل ،1974الذي أطاح بالدكتاتورية األخرى في غرب أوروبا .لكن التحول الحقيقي والفعلي قد حدث
بعد وفاة فرانكوا في نوفمبر ،1975وقد فتح موته الطريق للتحول الديمقراطي ،خاصة بعد سماحه قبل
وفاته بعودة الملكية في شخص الملك دون جوان كارلوس Don Juan Carlosالذي مهد الطريق للتحول
الديمقراطي ،والذي بمقتضاه ظهرت األحزاب السياسية التي تفاوضت مع بعضها البعض ومع الفاعليين
االجتماعيين والسياسيين ،وأنشئت تدريجيًا اإلطار والعمليات المختلفة إلنشاء نظام ديمقراطي،
وإصالح العالقات المدنية العسكرية .وقد لعبت الجهات الدولية الفاعلة ،واألحزاب السياسية والنقابات
دورا ها ًما في المساعدة والتشجيع علي صياغة تلك العملية.
ً
وقد ساهمت ثالثة عوامل حاسمة في النجاح االسباني في إصالح وإعادة تعريف العالقات المدنية
العسكرية :إنشاء وزارة للدفاع ،والتي عملت علي إضفاء الطابع المؤسسي للسلطة المدنية علي القوات
2
المسلحة؛ قرار إعادة تعريف ألدوار ومهام القوات المسلحة؛ ظهور مجموعة صغيرة من المدنيين عرفوا
باسم الـ "سنهدرين" " "Sanhedrinوالذين أصبحوا بارعين وخبراء في القضايا المتعلقة باألمن والدفاع
وأخيرا دعم المؤسسات الدولية ،خاصة الناتو ،وفي وقت الحق االتحاد
ً والعالقات المدنية العسكرية.
االوروبي ،مما ساعد على توجيه وتشجيع ظهور نموذج ديمقراطي للسيطرة المدنية علي القوات المسلحة.
ً
أوال ،بالنسبة لجماعة الـ "سنهدرين" " ،"Sanhedrinفمنذ نهاية السبعينيات تكونت تلك المجموعة
سا من وزارة الخارجية ،والسياسيين
وباختيارها الذاتي ،وقد تألفت من األكاديميين والبيروقراطيين أسا ً
الذين درسوا القضايا المتعلقة باألمن والدفاع والعالقات المدنية العسكرية ،وف ًقا للمعايير الديمقراطية
مستخدمين ب عض المصادر االكاديمية ،وتبادل الخبرات والتشاور والمناقشة مع بعض الضباط االسبان،
والدورات التعليمية القصيرة .وبعد االنضمام إلي الناتو في عام 1982أخذوا الخبرة في التدرب من خالل
مركز الحلف في بلجيكا .باختصار ،فقد كانوا إلى حد كبير مجموعة من العصاميين وتعلموا في الميدان
ومن خالل الفرص المتاحة .وقد تواصل هؤالء المدنيين مع مجموعة صغيرة من الضباط واعادوا معا
تعريف العالقات المدنية-العسكرية ،مما ساعد علي وضع القوات المسلحة تحت سيطرة مدنية ديمقراطية.
وللقيام بذلك قامت مجموعة الـ "سنهدرين" بوضع خطة لكسب تأييد القوات المسلحة من أجل السماح
ببدء إصالح العالقات المدنية العسكرية .وطب ًقا لذلك قبل الجيش بعض الضمانات من أجل البدء في
ذلك االصالح .حيث قدمت للقوات المسلحة ضمانات بشأن وحدة اسبانيا ،وتوطيد النظام الملكي ،الذي
مؤخرا ،واحترام الشرعية .وقدمت إليهم ضمان ات بتحديث القوات المسلحة من خالل
ً أعيد إنشاؤها
شراء معدات جديدة والقيام ببرامج تدريب حديثة .فعلي سبيل المثال ،وافقت رئاسة الوزارة المدنية في
يناير 1977علي رفع ميزانيات الدفاع إلي %31كل عام علي الرغم من أن إجمالي الزيادة خالل
الفترة من 1976-1971كانت %20فقط.
ثانيًا ،كان إنشاء وزارة الدفاع ،وتعيين قيادة مدنية للقوات المسلحة خطوة حاسمة في مأسسة
العالقات المدنية العسكرية؛ وكان الجمع بين األثنين شيئًا واض ًحا جدًا .فوجود وزارة الدفاع شئ مطلوب
للتخفيف من حدة االحتماالت السياسية لرد فعل الجيش .والوزير ،والذي يجب أن يكون مدنيًا ،سيقود
التوجه السياسي للوزارة .وتجدر االشارة إلي أن الطبيعة المالزمة للجيش لن تتناسب مع ذلك النوع
من التعيين ،خاصة إذا كان هناك تاريخ طويل من العمل بطريقة مختلفة .وبشكل عام ،كان الضباط في
البداية معترضين علي وضع وزارة الدفاع تحت قيادة مدنية .فعلي سبيل المثال ،عندما سُأل طالب
االكاديمية العسكرية ،إذا ما كانوا يفضلون أن يكون وزير الدفاع ،ومدير السياسة الدفاعية General
،Director of Defence Policyومدير المجلس األعلى لمعلومات الدفاع director of the
3
– Superior Centre of Defence Informationاآلن مركز االستخبارات الوطني National
،Intelligence Centreمدنيًا أم عسكريًا .أعرب هؤالء الطالب عن تفضيلهم الهائل لألفراد
العسكريين في الحاالت الثالث بنسبة ( 78٪ ،64٪و )٪74على التوالي .وعلي الرغم من ذلك ففي
عام 1977قررت مجموعة السنهدرين ومجموعة صغيرة من الضباط السير علي منوال الدول
الديمقراطية ،وأنشئوا وزارة الدفاع في يوليو من ذلك العام .وفي البداية كانت وزارة جوفاء إلي حد
كبير ،وبالكاد وزارة بيروقراطية ،ولكن تدريجيًا ،بدأت تتعامل بالفعل في القضايا المتعلقة بالميزانيات
والموظفين ووضع السياسية الدفاعية .وبعد عام 1979تولى وزير مدني السيطرة على الوزارة .وكان
العنصر الرئيسي اآلخر للسيطرة المدنية هو إنشاء هيئة األركان المشتركة .Joint Chiefs of Staff
ففي عام 1984أصبحت هيئة األركان المشتركة هيئة استشارية ،وليست هيئة قيادة ،وأصبح وزير
ً
مسؤوال عن وضع السياسا ت العسكرية بوجه عام .ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا ،أصبحت وزارة الدفاع
الدفاع أداة ووسيلة بيروقراطية للمدنيين لممارسة وضع القوات المسلحة تحت سيطرة مدنية ،واستمرت
أمرا ضروريًا .فأثناء
سلطاتها في التوسع .وكان تحرير الهيئات اإلدارية األخرى من الوجود العسكري ً
الحكم الدكتاتوري أخترق الوجود السياسي للجيش جميع قطاعات الحياة اإلدارية .ولذلك فالنجاح في
إعادتهم إلي وظائفهم األساسية مسألة هامة في العالقات المدنية العسكرية .ولتغيير قواعد اللعبة في
أقرب وقت ممكن ،كان البد من تبني مجموعة من قوانين الدفاع ،والمراسيم الملكية للقوات المسلحة
Royal Ordinances for the Armed Forcesفي عام ،1978والقانون األساسي للدفاع الوطني
Organic Law of National Defenceعام ،1980وفرض الرقابة البرلمانية على السياسة
الدفاعية من خالل لجنة الدفاع ." Defence Commissionومع ذلك ،فمع التأكيد السريع جدًا علي
سيطر ة المدنيين علي القوات المسلحة ،كان هناك رد فعل مضاد من جانب الجيش .ففي 23فبراير
1981قامت وحدة مدججة بالسالح من الحرس المدني باالستيالء على قصر الكونجرس ،واحتجزت
رئيس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء داخل القصر .وأصبحت الحكومة رهينة في أيديهم ،وتحركت
وحدات عسكرية مهمة لمساعدة هذه المؤامرة والقضاء علي الديمقراطية الوليدة وإعادة اسبانيا إلي
االستبداد .ولكن محاولة االنقالب فشلت في النهاية حينما خرج الملك كارلوس ،بوصفه القائد العام
للقوات المسلحة ،ودعم الديمقراطية وأدان االنقالب .وتعلم المدنيين وحلفائهم در ًسا مهما من هذا الحدث،
حيث أصبحوا أكثر اعتداالً في استراتيجيتهم المتعلقة بتأكيد سيطرة المدنيين علي القوات المسلحة .ومع
ذلك فقمع االنقالب قلل من المعارضة الداخلية لتوطيد الديمقراطية.
4
ثالثًا ،عضوية اسبانيا في حلف شمال األطلسي واالتحاد األوروبي ،وقد كان ذلك عنصر أساسي
في مواصلة التحول الديمقراطي وتوطيد الديمقراطية في اسبانيا بشكل عام ،واصالح العالقات المدنية
عضوا في أي من تلك المنظمات .وبعد وفاه
ً العسكرية بشكل خاص .فاسبانيا تحت حكم فرانكو لم تكن
فرانكوا تقدمت اسبانيا بسرعة بطلب لالنضمام إلى االتحاد األوروبي .وبدأت المفاوضات في عام
عضوا في االتحاد االوروبي في عام .1986
ً ،1979وأصبحت اسبانيا ،كما كان الحال في البرتغال،
ومن جهة أخرى ،تقدمت اسبانيا بطلب لالنضمام لحلف شمال االطلسي ،وتمت الموافقة على العضوية
في مايو .1982ثم تجمدت عضويتها في عام أكتوبر ،1982ثم تجددت العضوية في مارس .1986
وقد استفادت اسبانيا بشكل كبير من العضوية في منظمة حلف شمال األطلسيً .
أوال ،عن طريق إرسال
الضباط والمدنيين إلى مقر حلف شمال االطلسي في بلجيكا والقيادات المحلية األخرى للحلف ،للتعرف
على جميع السمات التي تتميز بها القوات المسلحة في الديمقراطيات الحديثة ،وتعلم الضباط ان السيطرة
المدنية أمر طبيعي في أغلب القوات المسلحة المحترفة في العالم .وتعلم المدنيين أيضا كل ما يتعلق
بالقضايا الدفاعية واالمنية .وقد درب الناتو مجموعات من البيروقراطيين في الدرجات اإلدارية
الوسطي والعليا ،الذين تولوا ومارسوا فيما بعد السيطرة المدنية علي القوات المسلحة.
وبشكل عام ،تمثل اسبانيا حالة نموذجية في التحول الديمقراطي ،وقد كان إصالح العالقات المدنية-
ً
عامال رئيسيًا في نجاح ذلك التحول .ونتيجة إلصالح العالقات المدنية-العسكرية أصبحت العسكرية
القوات المسلحة اال سبانية اليوم أقل عددًا ،وأكثر مهنية واحترافية ،وتطبق المعايير الديمقراطية في
السيطرة المدنية علي القوات المسلحة .ولم تأخذ تلك العملية أكثر من عشر سنوات حتي أصبحت قصة
نجاح مبهرة.
ثالثاً :الدروس التي يمكن أن تتعلمها دول الربيع العربي من التجربة االسبانية؟
بشكل عام من الصعب جدًا علي دول الربيع العربي أن تستلهم النموذج االسباني .فقد بُني النموذج
االسباني علي ثالثة أعمدة متداخلة .العمود االول هو أتفاق ناتج عن تفاوض negotiation pactsبين
النخبة السياسية في النظام القديم والنحبة السياسية في النظام الجديد ،التي تولت عملية التحول
الديمقراطي ،وإصالح العالقات المدنية العسكرية .بموجب هذا االتفاق تم منح القوات المسلحة بعض
الضمانات واالمتيازات المؤسسية مقابل الموافقة علي إصالح العالقات المدنية العسكرية .بدون تلك
5
الضمانات كان من المستحيل علي اسبانيا التقدم خطوة واحدة في إصالح العالقات المدنية العسكرية.
وبطبيعة الحال تفتقد دول الربيع العربي هذا العمود الهام.
العمود الثاني ،الدور الذي لعبته جماعة السنهدرين .فكما سبق االشارة فهم مجموعة عصامية
تعلمت كل ما يتعلق بالشئون األمنية والدفاعية والعسكرية ،وساعدت علي إنشاء وزارة الدفاع ووضعتها
تحت قيادة مدنية ديمقراطية ،وهي أول الخطوات في إصالح العالقات المدنية العسكرية ووضع القوات
المسلحة تحت السيطرة المدنية وف ًقا للمعايير الغربية .وبطبيعة الحال تفتقر دول الربيع العربي إلي تلك
المجموعة ،وال يمكن أن تتشكل في دول الربيع العربي مجموعة مماثلة لتلك المجموعة االسبانية في
المنظور القريب .وعلي الرغم من أن بعض دول الربيع العربي بها وزارة للدفاع ،ولكنها ليست وزارة
مدنية ،ووزير الدفاع بتلك الدول يأتي من القوات المسلحة.
العمود الثالث ،هو الدور الذي لعبه العامل الخارجي في دعم العالقات المدنية العسكرية في
اسبانيا .فكما سبق القول فقد استفادت اسبانيا من عضويتها في االتحاد االوروبي وحلف الناتو علي
تدريب المدنيين والعسكريين علي المعايير الغربية في العالقات المدنية للقوات المسلحة ،وساعد حلف
الناتو علي تطبيع فهم العسكرين علي أن الوضع الطبيعي في الديمقراطيات ،هو وضع الجيوش تحت
سيطرة مدنية ديمقراطية .ودول الربيع العربي تفتقر لمثل هذا العامل الهام.
6
النموذج اإلسرائيلي في العالقات المدنية العسكرية
مقدمة
ً
أوال -غياب االطار الدستوري المحدد للعالقات المدنية العسكرية في إسرائيل
ثانيا -تعاظم هيمنة المؤسسة العسكرية علي المؤسسات المدنية
ثالثًا -دور كبار العسكريين كجماعة ضغط في حياة إسرائيل السياسية
رابعًا :تأثير التغير في السياسة الدفاعية اإلسرائيلية علي العالقات المدنية العسكرية.
سا :تقييم النموذج اإلسرائيلي في العالقات المدنية العسكرية
خام ً
مقدمة
يقدّم النموذج االسرائيلي نموذ ًجا مهما في العالقات المدنية العسكرية التي قامت علي أساس التداخل
بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة المدنية وذلك على أساس عاملين بارزين هما :الدور والبنية .ولكن
ك ّل ذلك يت ّم خلف واجهات "ديمقراطية" وفي ظ ّل ادعاءات مصطنعة تتصل بمقولة "األمن المهد ّد"
واحتياجاته وضروراته .وقد عبّر الباحث االسرائيلي بنكو إلدار عن هذه الحقيقة بقوله" :يؤثّر الجيش
في شخصية الشبّان ،وفي شخصيّة المواطن ،وتتعلّق به ،إلى درجة كبيرة حريّتنا السياسية
واالجتماعية" .وقد أعتبر الباحثان دان هور وفيتش وموشيه ليساك في سياق بحثهما في تحديث نظريّة
الحدود المرنة بين القطاعين العسكري والمدني في إسرائيل أن المشاركة المدنية الواسعة في مهام
سستين العسكريّة والسياسية ،والشبكات االجتماعية بما فيها
األمن الوطني ،والحدود الغامضة بين المؤ ّ
أعضاء النخبة من ك ّل من العسكريين والمدنيين ،تعتبر إحدى الصفات الرئيسية المميّزة لنمط اسرائيل
ي مجتمع آخر
المتفرد في العالقات المدنية العسكرية ،وقد أكد الباحثان إلى أن اسرائيل هي أقرب من أ ّ
ّ
إلى نموذج "شعب تحت السالح" .وقد أكد أيضا إلى أن التجربة االسرائيلية في هذا المجال تشكل تحدّيا ً
7
قويا ً للجدل القائم بين الكثيرين من الدارسين حول وجود عالقة مباشرة بين االهتمامات األمنية المتزايدة
صصة لألمن ،وبين هيمنة النخبة العسكرية على النخبة
للدولة ،والحصة المتعاظمة من الموارد المخ ّ
المدنية .ويذهب بعض خبراء الشؤون العسكرية إلى أن يطلقوا على إسرائيل صفة "دولة ديمقراطية
المعسكر" .كما يرى البعض أن "المواطن االسرائيلي هو جندي في إجازة لمدّة أحد عشر شهرا ً" .أ ّما
موشيه ديان الذي شغل منصب رئيس األركان ( 1953ـ )1957ث ّم منصب وزير الدفاع ( 1967ـ
)1974وأصبح من أشهر قادة الجيش ،فقد كان يرى" :أن إسرائيل ليس لديها سياسة خارجية وإنّما
سياسة دفاعية فقط ،بمعنى أنّه بدالً من أن يكون إلسرائيل استراتيجية شاملة في خدمة تحقيق أهداف
السياسة الخارجية ،فإنها تضع سياستها الخارجية في خدمة استراتيجيتها الشاملة على المستويين
فيعرف المجتمع االسرائيلي بأنّه "جيش
ّ العسكري واألمني .أما الباحث االسرائيلي يسرائيل شاحاك،
له دولة وليس دولة لها جيش".
وبشكل عام فقد وضع دافيد بن جوريون أسس العالقات المدنية العسكرية ،حيث حاول تحييد النفوذ
السياسي للعسكريين عبر الجمع بين منصبي رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع وتوحيد الجيش اإلسرائيلي
واالنتقائية الحزبية التي اتبعها في انتقاء القيادات العسكرية ،وقد سار معظم القادة العسكريين
اإلسرائيليين علي نفس منوال بن جورين.
ولكن بشكل عام سادت الخالفات بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة المدنية حول تحديد نطاق
صالحيات المؤسسة العسكرية .فعلي سبيل المثال الخالفات التي نشبت بين رئيس الوزراء موشية
شاريت مع وزير الدفاع بنحاس الفون الذي لم يتمكن من السيطرة على المؤسسة العسكرية بما أفضي
إلي القيام بعمليات عسكرية في الدول العربية دون تفويض من مجلس الوزراء فيما عرف بفضيحة
الفون ،مرورا ً بتجاوز وزير الدفاع اإلسرائيلي موشية دايان للتفويض السياسي خالل حرب 1967
والوصول لقناة السويس العتبارات المالئمة الميدانية؛ والخالفات بين شارون حينما كان وزيرا ً للدفاع
مع رئيس الوزراء مناحم بيجن والقيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق ضد لبنان عامي 1978و1982
والتي انتهت بمحاصرة بيروت دون تفويض من مجلس الوزراء أو القيادات السياسية وهو نمط تكرر
في فترات مختلفة بما يعبر عن التضاد بين الموائمات السياسية واالعتبارات العسكرية الميدانية:
8
ً
أوال :غياب اإلطار الدستوري المحدد لمالمح العالقات المدنية العسكرية في إسرائيل 1976-1948
والواقع أن هناك العديد من العوامل التي حدّدت مالمح العالقات المدنية ـ العسكرية في إسرائيل،
سس الدولة دافيد بن غوريون لدور الجيش في السياسة ،باإلضافة
وعلى رأس هذه العوامل رؤية مؤ ّ
الي طبيعة نشأة الدولة وأهدافها وحاجتها الدائمة لألمن ،مما يفرض على الجيش القيام بأدوار رئيسية
في عملية صنع القرار السياسي .لقد كانت رؤية بن غوريون بشأن العالقات المدنية ـ العسكرية في
إسرائيل في عام 1948على النحو التالي :أن يكون الجيش تابعا ً لحكومة الشعب فقط ،والعسكريون ال
يتصرفون إال بناء على مهام محد ّدة بواسطة حكومة الشعب .ومن هنا فالجيش ـ بحسب بن غوريون ـ
ّ
مجرد أداة لتنفيذ سياسات الحكومة.
ّ
على صعيد آخر ،لم تتوفّر للمؤ ّ
سسة العسكرية االسرائيلية منذ نشأتها ،النصوص القانونية التي
سسات الدولة السياسة من جهة أخرى .ففي "القانون اإلداري" ّ
تنظمها من جهة ،وتحدّد عالقتها بمؤ ّ
لسنة 1948إشارات مختصرة إلى القوات المسلّحة" :الحكومة المؤقتة يمكن أن تبني قوات مسلّحة في
التصرفات القانونية والضرورية للدفاع عن الدولة" .وفي
ّ البر والبحر والجو وتملك سلطة القيام بكافة
26مايو 1948أصدرت الحكومة المؤقّتة قانون "قوات الدفاع في اسرائيل" وهو القانون الذي أنشأ
قوة مسلّحة
"جيش الدفاع االسرائيلي .وقد أقتصر هذا القانون على إنشاء الجيش وحظر تكوين أيّة ّ
التطرق إلى
ّ خارجه ،والنص على أن وزير الدفاع هو المسؤول عن تطبيق هذا القانون ،وذلك من دون
تنظيم القوات المسلّحة أو إلى شكل العالقة بين المدنيين والعسكريين .وحتى عام 1976ـ وهو العام
الذي شهد وضع قانون أساسي للجيش ـ ظهر تشريعان قانونيان يتعلّقان بالعسكريينّ .
األول" :قانون
الخدمة العسكرية ( ،")1949وهو ال يتعلّق بالعالقات المدنية ـ العسكرية .والثاني" :قانون نطاق
سلطة العسكريين ( ،")1955الذي يحدّد سلطة العسكريين ومهام رئيس األركان العامة للجيش ونظام
الرتب العسكرية.
سسات سسة العسكرية من دون قانون شامل ّ
ينظمها ويحدّد العالقة بينها وبين مؤ ّ وهكذا ظلّت المؤ ّ
الدولة السياسية ،األمر الذي م ّهد الطريق أمام اشتراكها في عملية صنع القرار السياسي.
9
ثانيًا :تعاظم هيمنة المؤسسة العسكرية علي المؤسسات المدنية
لقد حقّق بن غوريون سيطرة قوية على الجناحين المدني والعسكري في الدولة ،وذلك من خالل توليه
لمنصبي رئيس الوزراء ووزير الدفاع ( 1948ـ 1954و 1955ـ )1963متجاوزا ً في ذلك الدور
الذي حدّده هو للجيش عشيّة قيام الدولة .وقد تمكّن بن جوريون من فرض سيطرته تلك من خالل:
-1تعيين ضبّاط موالين لحزبه (مفاي ـ حزب ع ّمال اسرائيل) في المناصب الحيوية في الجيش
-2نشر مبادئ وأفكار "مفاي" في الجيش.
-3اختيار جنراالت متقاعدين لمناصب سياسية بارزة في “المفاي”.
ومن خالل تلك االجراءات هيمن بن جوريون بشكل تام علي المؤسسة العسكرية ،كما شكل بن غوريون
نخبة صغيرة من العسكريين والمدنيين عهد إليهم اتخاذ القرارات االستراتيجية في سرية تامة وبعيداً
عن الكنيست والحكومة ،وأبرز األمثلة علي ذلك كان قرار الحرب عام 1956وقرار بناء مفاعل
ديمونة .وقد درج العديد من رؤساء الوزارات على إتباع ما فعله بن غوريون مثل ليفي إشكول في
الفترة من 1963إلى 1969وأسحق رابين من العام 1992ـ إلى .1995إال أنه في أعقاب حرب
سسة العسكرية ،وذلك من قبل اللجنة التي ش ّكلها
أكتوبر 1973أثيرت مسألة العالقة بين الحكومة والمؤ ّ
مجلس الوزراء للتحقيق في أسباب التقصير في تلك الحرب ،والتي عرفت باسم "لجنة أجرانات" .وقد
أوضحت اللجنة في تقريرها أنه ال يوجد تحديد لتوزيع الصالحيات في الشؤون األمنية بين رئيس
الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة األركان العامة ،وال يوجد تحديد للعالقة بين القيادة السياسية
والقيادة العليا للجيش .وفي أعقاب صدور هذا التقرير صدر القانون األساسي للجيش في عام .1976
وذلك بهدف تصحيح ذلك التقصير الذي أشار إليه تقرير لجنة اجرانات.
ولكن لم يكن تأثير القانون األساسي للجيش قويا ،فقد تعاظم دور المؤسسة العسكرية وزادت
ّ
محطة هيمنتها علي المؤسسات المدنية .وفي هذا السياق تجدر اإلشارة إلى أن الجيش االسرائيلي لديه
إذاعة خاصة به ،وهي ّ
تبث برامجها إلى جميع السكان لمدّة أربع وعشرين ساعة في اليوم وبتغطية
شاملة من النشرات االخبارية وشؤون الساعة ،ولديه أيضا ً مجلّة أسبوعية رائجة خاصة به .ويقوم
الجيش االسرائيلي بتنفيذ برامج للتدريب العسكري في المدارس العليا ،ويدير عددا ً من المدارس
المهنية ،ويقدّم سلسلة عن البرامج التعليمية للجنود .وينهمك الجيش أيضا ً في نشاط استيطاني ،وهو
مسؤول عن الرقابة على المطبوعات .وهنا يطرح السؤال حول اإلشكالية العويصة المرتبطة بالسر
10
سر معظم
الكامن وراء الرقابة المدنية الفعّالة والمتوازنة .وقد حدد بن مئير أربعة عوامل يبدو أنها تف ّ
االختالفات في الرقابة المدنية بين دولة وأخرى ومن فترة إلى أخرى ،وهي كالتالي:
سك بسلطتها والمحافظة على امتيازاته.
-1تصميم السلطة المدنية على التم ّ
-2التزام العسكريين االيديولوجي الثابت تجاه حكم ديمقراطي مقرونا ً باعتقاد عميق ال يتزعزع بمبدأ
السيطرة المدنية علي القوات المسلحة.
-3احترام السلطة السياسية المدنية لالستقالل الذاتي للعسكريين المحترفين واالحساس بالثقة في القيادة
العليا للقوات المسلّحة.
-4وجود إطار دستوري واضح وخطوط عريضة قانونية دقيقة تحدّد وظائف وسلطة ومسؤوليات ك ّل من
السلطتين المدنية والعسكرية.
وفي هذا السياق يحدّد استاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب يورام بيري Yoram Periالمالمح
الخاصة بالمرحلة االنتقالية التي سبقت إنشاء الدولة بين القوتين السياسية والعسكرية واصفا ً إيّاها بعالقة
سيطرة مزدوجة.
في أعقاب االنتصار الذي أحرزته اسرائيل في عام ، 1967أصبح الجيش قناة رئيسية للتعبئة وشغل
العسكريون المناصب العليا على الصعيد السياسي وصعيد اإلدارة العامة .ولكن شكلت اخفاقات جيش
الدفاع اإلسرائيلي في بداية حرب 1973لحظة اختبار للعالقات ما بين القيادة السياسية والقيادة
العسكرية ،خاصة العالقات بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة األركان .فقد أوصت لجنة
التحقيق بتغيير قانون الجيش االسرائيلي .وفعالً ت ّم األخذ بهذه التوصية .وفي سنة 1975أصدر الكنيست
قانونا ً جديدا ً .وعلى الرغم من الجهود الكثيرة التي بذلت في صوغه ،فإن الناتج ،لم يكن أكثر وضوحا ً
مرة أخرى لتفسيرات مختلفة ،والرتباطه في الواقع بشخصيات القادة الذين
من السابق ،لكونه خضع ّ
يشغلون المناصب الرئيسية في هيئة األركان العامة ووزارة الدفاع والحكومة .وبموجب قانون عام
1976صار الجيش خاضعا ً للحكومة وللسلطات المدنية وأضحى الوزير المسؤول عنه بالنيابة عن
الحكومة هو وزير الدفاع ،وأصبح رئيس األركان العامة ـ صاحب أكبر رتبة في القيادة العليا للجيش،
والذي يت ّم تعيينه من جانب الحكومة بناء على توصية وزير الدفاع ـ خاضعا ً لسلطة الحكومة ووزارة
الدفاع ،وهكذا صارت لرئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس األركان العام مهام عسكرية .فرئيس
11
الوزراء هو رئيس الهيئة التنفيذية في البالد ويأتمر بأمره وزير الدفاع ورئيس هيئة األركان العامة.
ومنذ التعديل الذي ت ّم على القانون األساسي للجيش في عام 1991صار رئيس الوزراء رئيسا ً للجنة
الوزارية التي ت ّم استحداثها تحت اسم "اللجنة الوزارية لألمن الوطني" (المجلس الوزاري المصغّر)،
المفوضة في إعالن الحرب ،وإنهاء العمليات العسكرية دونما
ّ وبناء علي ذلك اصبحت الحكومة هي
حاجة إلى موافقة رسمية من الكنيست .لكن بموجب تعديل أخر صدر في عام 1992وجرى العمل به
بدءا ً من عام ، 1996صار على الحكومة ضرورة إبالغ لجنة الخارجية واألمن في الكنيست بأسرع
وقت ممكن بقرار اللجوء إلى الحرب ،وأصبح وزير الدفاع هو المسؤول عن العمليات العسكرية خالل
فترة الحرب ،ويبقى في الوقت نفسه خاضعا ً لتعليمات وقرارات الحكومة .وعلى الرغم من صدور هذه
القوانين وتعديالتها ،فإن العالقات المدنية العسكرية في اسرائيل عادت إلى سالف عهدها وتح ّكمت
الطبي عة الشخصية للقيادات والزعامات في تحديد مالمح تلك العالقة ،ومثلما كانت شخصية بن غوريون
القوية هي أساس سيطرته على القطاعين المدني والعسكري في الدولة فإن شخصية الذين جاؤوا من
بعده هي التي حدّدت طبيعة العالقات المتبادلة بين رجاالت القيادتين العسكرية والمدنية .ولقد كان
للجيش نفوذ قوي إبان فترة شغل موشيه ديان لمنصب وزير الدفاع ( 1967ـ )1974وكذلك كانت
عليه الحال أيضا ً إبان تولي فايتسمان وشارون واسحق رابين للمنصب نفسه .واالمثلة علي ذلك كثيرة،
فمثلما حقّق الجيش عام 1967نفوذا ً كبيرا ً في عملية صنع القرار السياسي وتجاوز أوامر القيادة المدنية
في الضفّة الشرقية لقناة السويس وفي الجوالن السورية ،فقد تجاوز الجيش أوامر القيادة في الحرب
ولذلك ففي أعقاب مجازر صبرا وشاتيال التي تواطأ فيها الجيش االسرائيلي على لبنان عام .1982
مع بعض الميليشيات اللبنانية ،أثيرت مسألة العال قات المدنية والعسكرية من جديد من قبل لجنة التحقيق
التي عرفت باسم "لجنة كاهان" .وقد حذّرت اللجنة في تقريرها من تجاوز وزير الدفاع آرييل شارون
ورئيس هيئة األركان العامة رفائيل إيتان وعدم تنسيقهما مع رئيس الحكومة مناحيم بيغن وطالبت
بوضع حدود معيّنة لمسؤوليات وزير الدفاع والقيادة العليا للجيش ،وهو األمر الذي لم يحدث .وأكثر
من هذا أنه جرى الحديث عن خداع شارون لبيجن والكذب عليه وإخفاء بعض المعلومات واألوامر
عنه.
وعلى الرغم من ك ّل ما سبق ذكره فإن قيام الدولة الصهيونية ّ
بقوة السالح هو الذي جعل وما يزال
سسة العسكرية وكبار القادة العسكريين الفئة األهم في اسرائيل .ومنذ ذلك ش ّكل األمن
يجعل من المؤ ّ
الهدف األبرز للدولة بعد قيامها .وألن استراتيجية الدولة قامت على مفهوم التو ّسع ،فقد كان من الطبيعي
سعية .األمر الذي يستوجب تخصيص
أن يكون الجيش وقياداته العسكرية هي األداة لتحقيق األهداف التو ّ
12
نسبة عالية من الموازنة العا ّمة للدولة للشؤون العسكرية .وذلك على نحو جعل من نسبة اإلنفاق
العسكري في إسرائيل من أعلى النسب في العالم .وتجدر اإلشارة أيضا ً إلى أن ما يقرب %15من
إجمالي عدد السكان في الدولة يعملون بالجيش ،وهي من النسب األعلى في العالم .كما تحول الجيش
االسرائيلي بصورة تدريجية ليصبح المستودع األهم لتصدير الكوادر القيادية إلى جل القطاعات المدنية
وخاصة :مجلس الوزراء ومعاهد التعليم ومراكز األبحاث واألحزاب والكتل السياسية .ولع ّل ما يؤ ّكد
ذلك ان حكومة الوحدة الوطنية التي تش ّكلت عام 1988قد ض ّمت أحد عشر وزيرا ً من العسكريين
المتقاعدين وذلك من أصل 25وزيرا ً وكذلك ض ّمت حكومة اليمين التي ش ّكلها نتنياهو عام 1996
بماض عسكري رفيع وهم وزير الزراعة والبيئة رفائيل اتيان من حزب
ٍ خمسة وزراء يتمتّعون
“تسوميت” ووزير األمن الداخلي افيغدور كهالني ،ووزير الدفاع اسحق موردخاي ،ث ّم وزير المالية
دان هوروفيتش ،ووزير البنية األساسية آرييل شارون (ليكود) وجميعهم من كبار الضبّاط السابقين في
الجيش .وهذا فضالً عن أن رئيس الدولة االسبق عيزر فايتسمان كان من كبار العسكريين في سالح
الجو .وفي إحصائية نشرت عام 1992تبين أن %32من المناصب اإلدارية العليا في الدولة ،و%16
ّ
موظفي شركات األعمال %12.2 ،من العاملين في الشركات ّ
موظفي قطاع التعليم ،و %22.4من من
الحكومية ،و %9.6من العاملين في وزارة الخارجية هم من العسكريين السابقين .هذا فضالً عن أن
العديد من األحزاب يعمل على جذب أكبر عدد من العسكريين المتقاعدين ووضعهم في أماكن متقدّمة
على القوائم االنتخابية جذبا ً ألصوات الناخبين.
رابعًا :تأثير التغير في السياسة الدفاعية اإلسرائيلية علي العالقات المدنية العسكرية.
شهدت السياسة الدفاعية اإلسرائيلية تحوالت هيكلية نتيجة للتغير في طبيعة التهديدات وتراجع
التهديدات النابعة من الصراع مع دول الجوار كنتاج لنجاح غايات السياسة العسكرية اإلسرائيلية في
فرض بقاء إسرائيل كأمر واقع على دول الجوار وتثبيت وجودها في المنطقة العربية والحفاظ على
اختالل توازن القوى اإلقليمي لصالحها .ويبدو أن المحفز األساسي للتغير في االستراتيجية الدفاعية هو
إدراك العسكريين للتغير في طبيعة التهديدات وإن مشاركة السياسيين في عملية صياغة االستراتيجية
العسكرية بدأت في التراجع منذ انقضاء المرحلة التأسيسية بزعامة بن جوريون وحتى خالل تلك
المرحلة ظهر دور القيادات العسكرية وخاصة يجال ألون وموشي ديان .ويعتبر التداخل بين أدوار
السياسيين والعسكريين عامالً مؤثرا ً في تقليص دور السياسيين في عملية صياغة االستراتيجية
العسكرية على الرغم من اعتبارها أحد أهم اختصاصاتهم وسلطاتهم في صنع السياسة الدفاعية.
13
واستدعت التغيرات في طبيعة التهديدات الستحداث أبعاد جديدة في االستراتيجية العسكرية مثل
الردع الدفاعي وتقليص االعتماد على القوات البرية باإلضافة إلى إعادة توظيف استراتيجية شد
األطراف الحتواء التهديدات اإلقليمية المحتملة .أما على المستوى المالي فإن عبء اإلنفاق الدفاعي
على االقتصاد اإلسرائيلي قد تراجع نتيجة لتصاعد حجم الناتج المحلي اإلجمالي وتراجع اإلنفاق
العسكري بصورة نسبية نتيجة للجدل حول ضرورة خفض النفقات واالرتقاء بكفاءة الموازنة العسكرية،
ومن ثم يمكن القول أن تصاعد وتراجع اإلنفاق العسكري يرتبط بالتهديدات الخارجية.
وقد أدي الجدل الداخلي حول تصاعد التأثير السياسي للعسكريين الي استحداث عدة آليات لتحجيم
دورهم في النظام السياسي وعملية صنع السياسة الدفاعية السيما على أثر نتائج تحقيقات لجنة فينوجراد
عقب حرب لبنان الثانية ،ومن أهم هذه اآلليات صياغة تشريع جديد إلطالة الفترة الفاصلة بين إحالة
القيادات العسكرية للتقاعد ومشاركتهم في العمل السياسي الحزبي والتنفيذي وتفعيل دور مجلس األمن
القومي لموازنة نفوذ المؤسسة العسكرية في عملية صنع السياسة الدفاعية وتوليد خيارات خارج نطاق
مصالح المؤسسة العسكرية في الحفاظ على الموازنة العسكرية فضالً عن االتجاهات لتقليص اإلنفاق
العسكري وترشيده وخصخصة الصناعات الدفاعية.
عندما وضع المسؤولون االسرائيليون القانون األساسي للجيش ردا ً على انتقادات لجنة اجرانات في
أعقاب الفشل االستخباراتي الخطير عام ، 1973كانوا يسعون إلى تقديم تعبير واضح لمبدأ الرقابة
والسيطرة المدنية وتحديد العالقات الدقيقة مع المؤسسة العسكرية .ولكن مع ذلك فقد فشل القانون في
تحقيق هدفه المعلن .وعادت األمور لتأخذ مجراها المألوف منذ تأسيس الكيان تحت سقف ما سمي "ميل
السياسيين نحو المرونة والغموض البنّاء" في التعاطي مع طبقة القيادة العسكرية العليا في الجيش .ومن
هنا بقيت األسئلة الحاسمة الكثيرة في العالقة بين المؤسسة العسكرية والمؤسسات المدنية دون اجابة.
وباختصار يرى الباحث يهودا بن مئير أنه توجد ثالثة مجاالت رئيسية مثيرة للمتاعب في عالقات
المؤسسة العسكرية اإلسرائيلية بالسلطات المدنية ،وك ّل واحد منها بحاجة ملحّة إلى تصحيح وهي:
-1االفتقار إلى الوضوح الدستوري والقانوني
-2االفتقار إلى المعلومات المدنية في التخطيط االستراتيجي
سسة الدفاع
-3واالفتقار إلى التوازن الصحيح بين السلطتين العسكرية والمدنية في مؤ ّ
14
ومع أن أيّا ً من هذه القضايا الثالث ال تش ّكل ،حتى اآلن ،تهديدا ً خطيرا ً للعالقات المدنية العسكرية
الفعّالة ،فكلّها تش ّكل تهديدا ً محتمالً ،ولكن في ضوء التغييرات االجتماعية والسياسية والديموغرافية
تمر الدولة ،وغياب زعامة محلية ذات كاريزما تاريخية كقيادات الصهيونية التاريخية
الدراماتيكية التي ّ
واالفتقار إلى إجماع واضح لتحديد مستوى السلطة التي يستخدمها وزير الدفاع تجاه رئيس األركان
والجيش عموماً ،والفشل في معالجة دور رئيس الوزراء تجاه الجيش ،تعتبر بمثابة الغام قابلة لالنفجار
تمر بها الدولة.
في أيّة لحظة من لحظات األزمة الحرجة التي قد ّ
وبشكل عام فقد صنف بيرلميوتر الجيش االسرائيلي في خانة الجيش الثوري المحترف مثله
مثل الجيش الصيني تماما ً .ويقول أن الصفة الرئيسية المميّزة للجندي الثوري المحترف هي أنه أداة
لحركة ايديولوجية .ففيما يتعلّق بجيش التحرير الشعبي الصيني ،هو خادم الثورة الشيوعية ،فالجيش
االسرائيلي فهو أداة الصهيونية .وفي معرض شرحه لمفهوم االستقالل الذاتي االحترافي يقول
سسة العسكرية في اسرائيل والصين عمل على ضمان احترافيته
بيرلميوتر" :أن االستقالل الذاتي للمؤ ّ
العالية وخضوعه السياسي .ويؤ ّكد بيرلميوتر أيضا ً أنه في ك ّل من الصين وإسرائيل فإن الزعماء
االيديولوجيين هم الذين بنوا القوات العسكرية المسلّحة ،الحزب الشيوعي في الصين وحزب العمل في
اسرائيل ،وذلك من أجل تجميع وتولّي السلطة السياسية بكاملها في نهاية األمر .ويشير بيرلميوتر إلى
أن اسرائيل حقّقت نجاحا ً أكثر من الصين في وتثبيت الصفة االحترافية المهنية على العسكريين.
وفي واقع األمر فمن خالل استخدام التصنيف التقليدي للدول بناء على أنظمتها السياسية البريتورية
(الديكتاتورية العسكرية) والمحترفة (الديمقراطيات الغربية الليبرالية) والشيوعية المتداخلة ،فإن يورام
ال تماما ً مع
بيري يزعم أن إسرائيل تقع في مكان ما بين النظامين األخيرين ،وهو تصنيف يأتي متماث ِ
نموذج بيرلميوتر في الثورية االحترافية .واعتمادا ً على هذا النموذج حاول ك ّل من هوروفيتش وليساك
تحديث نظ رية الحدود المرنة بين القطاعين العسكري والمدني باعتبارها حجر الزاوية في العالقات
المدنية العسكرية في اسرائيل .وعلى هذا األساس فالنتيجة التي يصالن إليها هي أن المشاركة المدنية
سستين العسكرية والسياسية ،تعتبر إحدى
الواسعة في مهام األمن الوطني ،والحدود الغامضة بين المؤ ّ
المتفرد في مجال العالقات المدنية العسكرية .والشاهد العملي
ّ الصفات الرئيسية المميّزة لنمط إسرائيل
على هذا التقدير هو وجود العديد من كبار النخب العسكرية االسرائيلية في ك ّل من الحكومة والكنيست
مع ما يستتبع ذلك من تداخل في االعتبارات المدنية والعسكرية أثناء عملية اتخاذ قرارات الحرب أو
التعبئة العامة .وفي هذا المجال تجدر اإلشارة إلى أنه على الرغم من االستحداث الذي ت ّم بموجب
15
ينص على وجوب موافقة الكنيست على القرار التنفيذي بالتعبئة
ّ القانون الصادر عام 1992والذي
العسكرية واستدعاء وزير الدفاع قوات االحتياط من جهة ،وعلى الميزانية العامة للدولة ،بما فيها
ميزانية الدفاع من جهة أخرى ،فإن واقع األمر الحاصل هو أنه نتيجة لوضع الدولة األمني فإن قرار
التعبئة العسكرية وقرار الحرب وتمويلها أنما تت ّم جميعها من دون انتظار موافقة الكنيست.
كذلك تجدر اإلشارة إلى وجود عدد من المؤشرات في النموذج اإلسرائيلي هي علي سبيل المثال:
تراجع دور المحاكم في إسرائيل ،وخاصة ما يس ّمى محكمة العدل العليا ،في فرض رقابتها
على الجيش والشؤون العسكرية ،ولع ّل هذا التراجع ،الذي بدأ منذ مطلع الثمانينات ،يتّضح
بصورة أكبر في عجز تلك المحاكم عن معارضة أو تعطيل أي قرار للقوات المسلحة.
لم تسر العالقات المدنية العسكرية في إسرائيل على وتيرة واحدة وإن بدت الخالفات بين
شاغلي السلطة السياسية والعسكريين السمة الغالبة للعالقات إال أن الخالفات لم تتطور في أي
حالة إلى درجة الصدام بين الطرفين أو حدوث انقالب عسكري نتيجة لعالقات التداخل
والشراكة المدنية العسكرية.
وأخيرا يمكن اعتبار الحالة اإلسرائيلية أقرب إلى اتجاهات تحليل االندماج المدني العسكري
(النمط المتداخل في العالقات المدنية العسكرية) وذلك لغياب الحدود الفاصلة بين المدني والعسكري
في الحالة اإلسرائيلية وافتقاد العالقات المدنية العسكرية في إسرائيل ألطر قانونية واضحة تحدد دور
المؤسسة العسكرية في النظام السياسي على الرغم من الدور المركزي للمؤسسة العسكرية في تأسيس
الدولة وتوطيد أركانها وصهر القوميات المختلفة في إطارها فضالً عن أدائها لوظائف مواجهة
التهديدات الداخلية والخارجية والتنشئة السياسية والتجنيد السياسي والمجتمعي.
ومن هنا يتبيّن أن المؤسسة العسكرية االسرائيلية ما تزال تتمتّع باليد الطولى في أبرز وأه ّم
القرارات المصيرية للدولة على الصعيدين العسكري والسياسي.
16