Professional Documents
Culture Documents
نظرية المادية التاريخية
نظرية المادية التاريخية
نظرية المادية التاريخية
المادية التاريخية matérialisme historiqueهي مذهب فلسفي يعنى بدراسة الظواهر االجتماعية واإلنسانية في ضوء
مبادئ التحليل الماركسي marxismeبصورة عامة ،ومبادئ المادية الجدلية matérialisme dialectiqueالمعنية
بظواهر الكون والطبيعة بصورة خاصة ،فهي تستمد من المادية الجدلية مبادئها في تحليل الظواهر والوقائع االجتماعية،
إذ تعتمد اعتمادًا أساسيًا على المقوالت الثالث األساسية المتمثلة بأن عمليات التراكم الكمية تؤدي إلى تغيرات كيفية ،وأن
التناقض بين مكونات األشياء يعد األساس في حركتها -وما من شيء في الطبيعة والحياة االجتماعية إال ويحمل في
مكوناته قدرًا من التناقض ينتج صراعًا مستمرًا بينها -وأن الصراع بين المكونات يؤدي باستمرار إلى ما يعرف بنفي
النفي ،فكل مرحلة من مراحل التطور تنفي بالضرورة المراحل السابقة ،وال يمكن أن تتعايش المراحل مع بعضها إال
لفترات مؤقتة توصف بالتناقض ،واليمكن أن يكون بينها أي وفاق أو استقرار.
المادية التاريخية هي نتاج تطبيق المنطق الجدلي على التطور التاريخي للمجتمع ،حيث يرى الماركسيون ان البناء الفوقي
للمجتمع هو ناتج عن البناء التحتي ،و بالتالي تعتبر اخالق المجتمع متأثرة بالعالقات االقتصادية ،فمثال في بلد شيوعي
ال يوجد وراثة فان الخالف بين االخوة على االرث غير موجود ،و مثل اخر ان المجتمع الزراعي تكون فيه االسرة اكثر
تماسك من اسرة مجمع برجوازي ،و يقول الشيوعيين ان الدليل على صحة النظرية في الواقع العربي قبل بدء اندثار
االعمال الزراعية وتقلص المجتمع الزراعي كان العمل يعيب الفتاة ،لكن بعد تقلص الحياة الزراعية و بدء حياة التجارة
والصناعة اصبح اهم شرط لتجد الفتاة زوجًا ،هو ان تكون موظفة ،رغم ان شيئًا لم يتبدل سوى وسائل االنتاج ،ومازالت
محور نقاش لم يحسم ،رغم أن هذا الجزء من الماركسية هو األكثر تقبًال ،لدى الفالسفة المثاليين ،و رجال الدين ،حيث
جاء في توصيات رجال دين كاثوليك ،انه يجب االستفادة من الماركسية في فهم المجتمع ،وذلك في مؤتمر ماذا بقي من
الماركسية ،الذي عقد في اسبانيا ،عام ،1998لكن رغم ذلك مازالت الفلسفة المادية بشكل عام ،موضع نقاش
في جوهر المادية التاريخية أن البناء الفوقي للمجتمع هو ناتج البناء التحتي ،حيث أن البناء التحتي للمجتمع هو مجموع
عالقات المجتمع االقتصادية ،و البناء الفوقي هو القوانين و األخالق و السياسات العامة ،و تعتبر الماركسية أن البناء
الفوقي للمجتمع يعكس بنائه التحتي ،فمثال في المجتمع الرأسمالي تتولد دولة تخدم المصالح الرأسمالية و أحزاب ال
تتناقض مع الرأسمالية و تسن القوانين بما يخدم الرأسمالية ،و الجدير ذكره في االبحاث العربية كانت تصل لنتيجة أن
رجال الدين يحورون الدين لصالح الطبقة الحاكمة ،فمثًال في مصر عبد الناصر تم دعم العالقات االشتراكية و التأميم و
اإلصالح الزراعي ،و في مصر مبارك كانت الخصخصة و االنتقال القتصاد السوق كذلك مدعومة بغطاء ديني ،و يأخذ
الماركسيون على األديان خدمتها لمصالح الطبقة الحاكمة ،ففي العصور الوسطى أستعمل الدين المسيحي الذي يدعو
للمحبة و التسامح ،غطاء لما سمي بالحروب الصليبية التي ارتكب فيها مجازر بحق المسيحين الشرقيين قبل المسلمين ،
و يرى بعض المفكرين الشيوعيين أن النظام البروليتاري سوف يحمي األديان من التحريف قبل أن تبدأ باالضمحالل
تلقائيًا ،ألن المجتمع الشيوعي يعزل فيه الدين عن الدولة ،و تصبح الدولة ملكا للشعب حيث أن الدولة كذلك تبدأ بالتالشي
،وفق نظام شيوعي متطور ،و الدين يصبح للدين .
وينطبق األمر على الظواهر االجتماعية والتاريخ اإلنساني ،فيأخذ مفهوم التشكيلة االقتصادية االجتماعية أهمية كبيرة في
دراسة المجتمع والتغير االجتماعي ،وينظر إليها على أنها بمنزلة النظام الذي يحدد في كل مرحلة تاريخية معطاة
خصائص المجتمع وأبعاده وطبيعة المشكالت التي يعانيها الناس في ذلك الحين ،إضافة إلى أنه يحدد أيضًا أنماط السلوك
اإلنساني وأشكال الفعل التي يمارسها األفراد في كل مرحلة تاريخية.
إن التشكيلة االجتماعية االقتصادية التي تعّد األساس الذي تبني عليه المادية التاريخية تحليالتها للمجتمع تتكون على الدوام
من بناءين أساسيين هما البناء التحتي ،ويتكون من قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج ،وفيه يكمن سر التطور اإلنساني
للمجتمعات كافة ،حيث توصف قوى اإلنتاج بقابليتها للتطور المستمر ،في حين تقع عالقات اإلنتاج في تناقض مستمر مع
قوى اإلنتاج إلى أن تأخذ عالقات اإلنتاج أنماطًا جديدة تتوافق فيها مع قوى اإلنتاج ،فتدخل التشكيلة االقتصادية االجتماعية
في مرحلة جديدة من مراحل التطور ،لكن مجمل البناء التحتي يدخل أيضًا في تناقض مع البناء الفوقي الذي يتكون من
المؤسسات والنظم والمعايير واألخالق والقيم والثقافة وغيرها من مكونات البناء الفوقي ،وسرعان ما تجد مكونات البناء
الفوقي نفسها مرة أخرى أسيرة للتغيرات في البناء التحتي ومدعوة ألن تأخذ أنماطًا جديدة تتوافق مع مرحلة التطور
الجديدة.
ويظهر مفهوم التأثير المتبادل أو الجدلية في العالقة بين العناصر المكونة للوحدة في تحليل العالقة بين عناصر البناء
االجتماعي بمختلف مستوياته ،منها العالقة القائمة بين عناصر البناء الفوقي والقاعدة المادية االقتصادية في المجتمع؛ إذ
تؤدي التحوالت المستمرة في القاعدة المادية إلى تغيرات مماثلة في البناء الفوقي ،كما تسهم التغيرات األخيرة أيضًا في
تعزيز مسار التطور في عناصر القاعدة المادية ،وتساعد على إحداث تطورات كيفية وكمية متعددة ،مما يجعل العالقة بين
العنصرين قائمة على مبدأ التأثير المتبادل .وفي منحى آخر ،وفي إطار القاعدة المادية االقتصادية للمجتمع يالحظ أن
العالقة بين عناصر هذه القاعدة تأخذ الشكل ذاته ،فالتطور المستمر الذي يظهر في قوى اإلنتاج يؤدي إلى إحداث تغيرات
أيضًا في عالقات اإلنتاج التي تعد بمنزلة اإلطار االجتماعي للقاعدة المادية التكنولوجية ،لكن تطور قوى اإلنتاج يسهم
إسهامًا فعاًال في تحسين آلية العمل ،وتحسين مستوى اإلنتاج ،وتطويره باستمرار ،وعلى هذا تأخذ العالقة بين عناصر
القاعدة المادية الشكل نفسه ،وتخضع لمبدأ التأثير المتبادل ،فال يمكن فهم تطور أحد العنصرين بمعزل عن العنصر اآلخر،
أو بمعزل عن التأثير الذي يمارسه هذا العنصر .وتتجلى وحدة العالقة بين السبب والنتيجة أيضًا في طبيعة العالقة بين
عناصر البناء الفوقي الذي يجسد أفكار المجتمع وآدابه وفنونه وعقائده ،إضافة إلى ما يتصل بالسلطة والدولة وغير ذلك،
وفي هذا اإلطار يسهم كل عنصر في التأثير في العنصر اآلخر ويتلقى التأثير منه ،وإنه لمن الصعوبة أن يعطى ألي
عنصر من هذه العناصر دور المسبب أو دور المتأثر ،ألنه في حقيقة األمر يتجسد فيه المظهران بآن واحد.
وبهذا النمط من التحليل تأخذ المادية التاريخية بدراسة مراحل التطور االقتصادي واالجتماعي من مرحلة المشاعية البدائية
التي لم تعرف فيها البشرية أي شكل من أشكال التملك ،إلى مرحلة العبودية التي انتشرت فيها مظاهر تملك البشر بعضهم
بعضًا ،ومرحلة اإلقطاعية التي سادت فيها ملكية األرض ،مع تقدم نسبي في حرية اإلنسان بالمقارنة مع المرحلة السابقة،
نتيجة تطور قوة اإلنتاج ،األمر الذي استوجب ظهور عالقات إنتاجية جديدة ،وأخيرًا مرحلة التطور الرأسمالي التي
انتشرت فيها أشكال جديدة من التملك لوسائل اإلنتاج ،مع تطور أكبر في مجاالت العلم والتقانات ،وتبشر المادية التاريخية
بالمرحلة الشيوعية التي تعد آخر مرحلة من مراحل تطور البشرية التي تحمل في ثناياها مظاهر الصراع والتناقض
لتصبح بعد ذلك خالية من أي تناقض داخلي