Professional Documents
Culture Documents
ليمون .en.ar
ليمون .en.ar
com -
OceanofPDF.com
عمل خيالي .األسماء والشخصيات والمنظمات واألماكن واألحداث والحوادث هي إما نتاج خيال المؤلف أو يتم استخدامها بشكل
.وهمي
Scott P. Sheridanحقوق الطبع والنشر للترجمة © Nina Pennacchi 2015حقوق الطبع والنشر للنص © 2014
.جميع الحقوق محفوظة
ال يجوز إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب أو تخزينه في نظام استرجاع أو نقله بأي شكل أو بأي وسيلة إلكترونية أو ميكانيكية أو
.تصوير أو تسجيل أو غير ذلك دون الحصول على إذن كتابي صريح من الناشر
للنشر في إيطاليا عام .2014تمت ترجمته من Kindle Directمن قبل المؤلف عبر منصة Lemonadeتم نشره سابًقا باسم
.في عام AmazonCrossing 2015تم نشره ألول مرة باللغة اإلنجليزية بواسطة Scott P. Sheridan.اإليطالية بواسطة
.سياتل AmazonCrossing،نشرته
www.apub.com
أو Amazon.com Inc.هي عالمات تجارية مملوكة لشركة AmazonCrossingو Amazonوشعار Amazonإن
.الشركات التابعة لها
ردمك 9781503944404 :13-ردمك1503944409 :10-
تصميم الغالف بواسطة سكوت باري
OceanofPDF.com
مقدمة 1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
محتويات
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
عن المؤلف عن المترجم
OceanofPDF.com
مقدمة
.هذا هو السبب الوحيد الذي يجعلنا ال نستطيع الشكوى من الحياة :إنها ال تحتجز أحدًا ضد إرادته
سينيكا—
لندن 18 ،مارس 1806
لقد أزال أحدهم شيًئ ا خفيًف ا — وسادة؟ — من وجهه وأمسك بيديه بعنف .دعيني أنام يا سيدة تايلور ،قال في نفسه .لو سمحت .فقط
.لفترة أطول قليال
"!إنه حي!" صاح صوت المرأة المتعثرة" .إنه على قيد الحياة والحمد هلل"
من كان يهز كتفيه بهذه السرعة؟ كان يتنفس من فمه ،ويبتلع الهواء ،وفجأة أصابته نوبة سعال مؤلمة" .الّس يدة .تايلور؟" تمتم وفتح
.عينيه
كان مستلقًيا على سرير غير مرتب بين مالءات رمادية فاتحة .سمع من حوله خطوات متسارعة وصراًخ ا ،لكنها بدت بعيدة
ومكتومة .نور المصباح ،رغم ضعفه ،يؤذي عينيه .تضاءل الضباب الذي كان يحجب رؤيته ببطء ،ورأى فتاة مجهولة خائفة تقف
.فوق سريره .كان لها وجه جميل وترتدي قبعة غريبة مزينة بريشة بيضاء ضخمة بدت وكأنها تنحني نحوه مثل طائر ميت
لم تكن الجدران ،التي كانت مغطاة بورق جدران باللون األصفر والبيج مع تصميمات زهرية ثقيلة ،مألوفة بالنسبة له .لم تكن الغرفة
التي اعتاد عليها
.كان ينام ،عالوة على ذلك ،كان وحيًد ا في السرير ،ولم يكن مارتن وروني معه
.أين أنا؟ سأل نفسه
وبعد لحظات قليلة تذكر .كانت والدته قد ذهبت إلحضاره إلى منزل ويدو تايلور في تلك الليلة ،ولم تكن تذهب عادة إلحضاره في
الليل ،وخاصة في هذه الساعة المتأخرة .سألته والدته بابتسامة مشرقة" :هل ترغب في أن تأتي معي يا عزيزي؟" للحظة توقف قلبه
والعالم .بدا له أن الغرفة تدور ،وكان يعتقد أن السعادة يمكن أن تجعله يطير مثل الطيور في السماء .كان قد أوقف فورة الفرح التي
".كانت تمزقه إلى نصفين ،ومع نضج سنواته الخمس (والنصف تقريًبا) أجاب بهدوء" :نعم يا أمي ،أريد أن آتي
.مومياء؟" سأل اآلن"
"إنه حي" ،كررت الفتاة التي أيقظته ،بعد أن توقفت عن هزه" .من أنت أيها الطفل؟"
كريستوفر لم يجيب .أخافته النبرة المتوترة في صوتها المتحمس .بدال من ذلك ،انقلب على جانبه األيسر .رقبته تؤلمه ،كما لو أنه نام
عليها بشكل خاطئ .قال" :هذا منزل أمي" .ولكن أين كانت؟ ما كل هذا الضجيج؟ وكل هذا الصراخ؟
.هل أنت ابن مارثا؟" سألته الفتاة ذات الريشة الميتة .كانت يداها على كتفيه لتحجب الغرفة عن األنظار"
ومن يمينه جاءت أصوات رجال متوترة" .سأصطحبها .أنت تخلع الحبل .المضي قدما ،افعل ذلك اآلن .الجحيم الدموي! هناك القرف
".في كل مكان
لماذا كانوا جميعا يتحدثون بصوت عال؟
".نعم "،قال صوت آخر ،عالي النبرة مثل صوت الصبي" ،الرائحة الكريهة تجعلني أرغب في التقيؤ"
مومياء؟" سأل كريستوفر مرة أخرى .ماذا كان يحدث؟ حاول إلقاء نظرة خاطفة على السيدة الشابة ،لكنه لم يتمكن من الرؤية "
.حولها
ال تنظر "،أمرته فجأة .حملته على السرير ،وانحنى رأسها فوقه ،وكانت الريشة تقترب أكثر فأكثر" .فرانشيسكا!" صرخت نحو "
"!الباب" .تأتي مساعدتي
تملص كريستوفر ،وبما أنه اعتاد على التحرر من قبضة األطفال األكبر سنا في المهجع المشترك ،فقد انزلق بسهولة من أصابعها
.الرقيقة .جلس على السرير وانحنى لينظر حولها
.قالت :ال ،ووضعت ذراعها حوله لتسحبه نحوها .أرادت أن تعفيه من البصر ،ولكن بعد فوات األوان
كان هناك حبل مربوط إلى السقف ،نهاية الحبل معقودة حول رقبة امرأة .كان وجهها منتفًخ ا وأزرًق ا .لم تكن المرأة تتحرك ،وكان
رجالن يسحبانها إلى األسفل .أمسكها أحد الرجال من ساقيها لرفعها وتخفيف الضغط عن حبل المشنقة ،بينما وقف اآلخر على
كرسي وهو يزيل الحبل من رقبتها .للحظة بدا لكريستوفر أنها كانت تنظر إليه .اتجهت نحوه عيناها األرجوانيتان المنتفختان ،وبدا
".أن لسانها الذي برز مثل نكتة قاتمة يقول" :األمر ليس بهذا السوء هنا يا كريستوفر
"!مومياء!" صرخ وهو يحاول الخروج من قبضة الفتاة" .مومياء"
لماذا سماها ماما؟ تلك لم تكن هي .كانت عيون أمه زرقاء وليست حمراء على اإلطالق مثل تلك التي كانت عليها .ولم يكن لموميائه
.وجه منتفخ ،بل مالمح صغيرة شاحبة ودقيقة
.قام الرجالن بتحرير المرأة من حبل المشنقة ،ثم وضعوها على بطانية على األرض .سقطت قطعة من الورق من يدها اليمنى
"!مومياء"
.لماذا سماها ماما؟ ال يمكن أن تكون هي .كانت والدته جميلة جدا .عندما أخذته إلى الحديقة ،التفت الجميع لينظروا إليها ،حتى السادة
لم تكن والدته ،حتى لو كانت لديها الزهرة التي كانت ترتديها أمي عندما جاءت إلحضاره إلى منزل السيدة تايلور .لقد وعدته مرات
.عديدة بأنها ستأخذه بعيًد ا عن هناك ،وفي النهاية أوفت بوعدها ،ألن هذا ما تفعله األمهات
"!مومياء!" بكى بجنون" .مومياء"
لكنها في الحقيقة لم تكن هي ،أليس كذلك؟ لم يكن يعني شيًئ ا أن شعرها داكن أو الزهرة أو فستانها األنيق ملطخ بالبراز والبول ،لكنه
.كان فستان أمه األزرق
"!إليز "،دعا صوت امرأة عند الباب" .إليز ،يا إلهي"
"!تأتي مساعدتي!" توسلت إلى الفتاة ذات الريشة ،ممسكًة كريستوفر بيأس ،الذي كان يركل ويخدش ليهرب" .دعونا نخرجه من هنا"
.قام الرجالن بلف السيدة على عجل بالبطانية الملونة" .هيا ،إلى النهر" ،قال الشاب ،ورفعها مثل سجادة ملفوفة
لم تكن والدته داخل البطانية ،مختبئة بين طيات القماش متعدد األلوان .استمر كريستوفر في الصراخ والصراخ ،حتى انضمت فتاة
أخرى إلى األولى ،ثم أخرى ،فسحبوه
"!من الغرفة وهو يركل ويصرخ بجنون مرارًا وتكرارًا" ،ماما! مومياء! مومياء
OceanofPDF.com
1
. . .وال أعلم أكان ذلك باإلرادة أم بالقدر أم بالصدفة
دانتي أليغييري-
كوكستون 7 ،يوليو 1826
"حسنا ماذا تعتقد؟"
جلست لوسي على أريكة قريبة ،وقامت بتجعيد جبينها وفحصتها
!كما لو كانت نوًع ا جديًد ا من الحشرات" .آنا ،هذا الفستان ال يناسبك على اإلطالق .إنه أمر مروع
مروع ،مروع .كررت آنا الكلمة لنفسها بلهجة لوسي وبدأت في الضحك ،وهي تنظر إلى المرآة أمامها .مروعة؟ باه .كان الفستان
".بسيًط ا ،بخصر إمبراطوري ،وياقة دائرية عالية .ردت آنا" :تعال عن ذلك"" .انها ليست بهذا السوء
.تدحرجت لوسي عينيها دون أن تتنازل عن الرد
أال تجد أنه يناسب لون عيني؟" أصرت آنا .أخذت صديقتها وسادة وضغطتها على وجهها" .حسنا ،نعم ،ولكن"
.بني ." . .نطقت الكلمة األخيرة بتشديد ،كما لو أنها كلمة مبتذلة ال تليق بها على اإلطالق . . .
".إنها ليست بنية حًق ا .إنه . . .بني"
عرفت آنا أنه ليس من الحكمة منها أن تستفز لوسي ،ألن هناك خطًر ا واضًح ا من أنها ستبدأ مرة أخرى في شرح أهمية ألوان
الباستيل في تسليط الضوء على البشرة الوردية .ومع ذلك ،لم تتمكن من تجنب ذلك ،وبصراحة ،لم تحاول حتى ،وخنقت
ضحكة أخرى تحت النظرة الناقدة لعيون لوسي الزرقاء المذهلة .من يدري إذا كانت ستتحدث اليوم عن اللون الوردي أم األبيض؟
.فكرت ،متوقعة األسوأ
إذا كان هناك شيء واحد تحبه في الكرات ،فهو تلك اللحظات قبل المغادرة مباشرة عندما يقدم لها صديقها نصائح بشأن األخالق
ويحاول أن يجعلها أنيقة .كانت تود أن تطول تلك المحادثات الصغيرة إلى األبد ،ألن حفالت الرقص المسائية كانت دائًما مخيبة
-لآلمال إلى حد ما .في تلك الليلة على وجه الخصوص ،لم تكن في عجلة من أمرها للمغادرة :لم يكن دانييل موجوًد ا هناك ،و
هل تريد أن تأخذني على محمل الجد أم ال؟ قالت لوسي :انظري إلى أي حد أصبحت غاضبة ،ثم ألقت الوسادة على آنا كتأكيد "
.جسدي على غضبها
تهربت منه آنا بقفزة ،ثم التقطته وألقته مرة أخرى على لوسي .أجابت بتجهم" :لن أحلم بذلك حتى"" .يجب أن تعلم أن القواعد التي
".تنطبق على الفتيات الشقراوات الصغيرات ال تنطبق على الفتيات البدينات ذوات الشعر البني
.انت لست سمين .أنت ممتلئ الجسم ،وهذا ليس باألمر السيئ"
هل حقا تعتقد ذلك؟" قالت آنا وابتسمت لها ابتسامة غاضبة" .ثم ينبغي أن يكون حول الفستان .كما قلت لك ،ال يبدو األمر سيًئ ا جًد ا "
".بالنسبة لي
التفتت نحو المرآة وحدقت في الفستان ثم في وجهها .لم يكن األمر مميًز ا :كانت مالمحها بها بعض المخالفات ،والشيء الوحيد الذي
أعجبها ،بصراحة ،هو اللون الوردي الداكن الطبيعي لشفتيها ،والتي كانت في ذلك المساء أرجوانية تقريًبا في شمس الصيف .يا له
.من عار أن أسنانها المكسورة – القاطعة اليسرى – جعلت ابتسامتها ملتوية بشكل دائم
"...هزت لوسي رأسها" .آنا ،استمعي وال تغضبي .أود أن أعطيك فستاًن ا ،إذا لم يكن األمر كذلك
أجابت آنا" :لقد ناقشنا هذا األمر بالفعل ،على ما يبدو" .لقد بدت مفاجئة بعض الشيء ،وظهرت لوسي بوجه منزعج .وأضافت
بسرعة" :أنا آسفة"" .أنت تعلم أنني ال أريد هداياك .ولكن يمكنني أن أعدك بأنني سأتبع تعليماتك في المرة القادمة التي أقوم فيها
بإعادة تصميم أحد فساتين والدتي ،حسًن ا؟
"بالعودة إلى كونها في مزاج جيد ،أومأت لوسي برأسها" .حتى اللون األخضر الداكن؟
.أيهما تريد .ال يهم ما أرتديه ،بعد كل شيء .على أية حال ،لن يمنعني شيء من أن أبدو بشكل مزعج مثل الخرشوف"
ضحكت لوسي بحنان بسبب صداقتهما التي دامت اثني عشر عاًما ،والتي تغلبت تماًما على عقبات العديد من األقمشة ،حتى تلك
البنية .قالت" :تعالي إلى هنا ،أيتها الخرشوف الصغيرة" ،وهي تدعوها للجلوس من خالل النقر على األريكة .اقترحت بينما كانت آنا
تجلس بجانبها" :يمكن للعديد من األوالد أن يجدوك حسب رغبتهم إذا لم تكن فًظ ا جًد ا"« .مثلما حدث في صباح يوم األربعاء عندما
"جاء السيد كالرك لزيارتك .أخبرني ،لماذا لم تكن في المنزل؟
"هل جعلت نورا تصرخ؟" يا له من خائن! فكرت آنا .لقد طلبت منها أال تخبر أحدًا" .كيف جعلتها تتحدث؟"
آنا عرفت بالفعل كيف .لوسي ،بكل عذوبة وابتسامات ،يمكنها أن تجعل حصاًن ا يتحدث .يا إلهي ،يمكنها الحصول على السرج
!للتحدث
أنا لم أعذبها ،ال تنظر إلي بهذه الطريقة "،ضحكت لوسي" .كل ما كان علي فعله هو مجاملتها على البسكويت الذي قدمته .وعلى "
أية حال ،أعتقد أنها لم تستطع االنتظار لتخبرني – إنها تريدك أن تجد زوًج ا .وهي قلقة للغاية بشأن ذلك ،ألنه قد مرت ستة أشهر
".بالفعل منذ ظهورك ألول مرة في المجتمع ،ولم تظهر اهتماًما بأي شخص .أضافت مبتسمة" :ال أحد تقريًبا
.قامت لوسي بهذا التصحيح بسخرية – سخرية طفيفة – مما جعل آنا تحمر خجًال .نما القلق في حفرة بطنها
".حول هذه الليلة "،قالت آنا ،وهي تغير الموضوع بحكمة" .اشرح لي كيف تمكنت حتى من دعوتي"
"كيف فعلت؟"
.دهشة جاهلة مألت عيون لوسي .كان هذا تعبيًر ا تعرفه آنا جيًد ا -نظرة أخبرتها أال تصدق صديقتها ،وال حتى للحظة
طبعا انت! من أيضا؟" ردت آنا" .لوال مساعدتكم ،لم تكن السيدة مورتيمر لترسل دعوة إلى عائلتي أبًد ا .تعال وقل لي الحقيقة :هل "
»هددتها بإحراق بيتها أم وعدتها بالزواج من بكرها؟
".استسلمت لوسي وضحكت" .ربما وعدت بحرق ابنها البكر ،اآلن بعد أن أفكر في ذلك
لوسي إدواردز ،من بين كل المتسترين ." . .ضحكت آنا ،ثم قالت وفي عينيها خوف مرح ربما لم يكن مرًح ا" :من األفضل أن "
".نذهب اآلن ،وإال ستحرقنا والدتك أحياء! ال بد أنها تنتظرنا بفارغ الصبر
نعم ،بفارغ الصبر ،كما عرفوا عندما نزلوا إلى الطابق السفلي .عندما رأتهم ،برزت السيدة إدواردز مثل النافورة" .أنت على
أخيرًا هنا "،صرخت بفظاظة .لقد كان دائًما مشهًد ا غريًبا رؤيتها بجوار لوسي ،ألن السيدة إدواردز بالمقارنة كانت تبدو وكأنها
.نسخة شاحبة وأقل مرًح ا من ابنتها
كما نهض والد آنا من كرسيه ،ولكن بصعوبة بالغة .قال وهو يتنفس بشدة" :استمتعي يا عزيزتي" .كان وجهه مشوًها ،ومشلواًل في
.الجانب األيسر
"هل ستبقى مستيقًظ ا لفترة أطول قليًال يا أبي؟"
".ال .أنا في انتظار نورا .ثم ." . .توقف عن الكالم للحظات ليلتقط أنفاسه" .ثم سأذهب للنوم"
.وهنا أتوا ،على خطى الطباخ العجوز الثقيلة .كما لو أن هذه الكلمات استحضرتها نورا ،ظهرت عند الباب الجانبي لغرفة الرسم
".قالت لها آنا وهي تنظر بلطف إلى شكلها القصير المستدير" :أوه ،أنت هنا"" .لقد جئت ألقول ليلة سعيدة
".يذهب .سوف تتأخر ".خرجت الكلمات من فم نورا بسرعة ،مثل الحصى المتساقط" .ال تقلق .سأرى والدك"
".أجابت آنا" :شكًر ا لك
.همف "،كان كل الرد الذي استطاعت نورا حشده"
كرر السيد شامبيون« :نعم ،ابتعد يا عزيزي ».وكان متكئا على
.خلف الكرسي ،والحظت آنا ارتعاش يديه المؤسف
)إنهم يهتزون أكثر فأكثر ،أليس كذلك يا آنا؟(
وطبعًا بعد إصابته بالجلطة الدماغية قبل عامين ،فقد والدها عقله وقوته ،وبدا لها أن الوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم .هذا الرجل
الذي كان ذات يوم حاًد ا عقلًيا ومقيًد ا جسدًيا ،أصبح اآلن بالكاد يستطيع المشي أو التحدث -نفس الرجل الذي كان يرفعها عندما
.كانت طفلة كما لو كانت غصيًن ا ،والذي كان يدور حولها دون عناء عندما تمد ذراعيها وأغمضت عينيها وحلمت بالطيران
كانت كرة مورتيمر على قدم وساق عندما دخل كريستوفر إلى الغرفة ذات اإلضاءة الساطعة .كانت في األعلى ثريات فاخرة
وضخمة ،والتي كانت بارزة في قرية ريفية باهتة .مختلفة تماما عن
بيت الدعارة الذي نشأت فيه ،هكذا فكر في نفسه ،وهو يستمتع بالفكرة سًر ا ،كما يفعل عادة .ماذا سيقول هؤالء الناس لو عرفوا ابن
من أنا ومن أين أتيت؟
على وجه الدقة ،ال يمكن للمرء أن يقول إنه "نشأ" حًق ا في بيت الدعارة في كوفنت جاردن ،ألنه بعد وفاة والدته مكث هناك ستة
أشهر فقط .ومع ذلك ،فإن ذكريات ذلك المكان المتناثرة تتبادر إلى ذهني في أكثر اللحظات التي ال يمكن تصورها .تذكر غرفة إليز،
التي كانت فوضوية دائًم ا ،والمرآة الرأسية الكبيرة الموجودة على جانب السرير ،تلك التي بها شق على جانبها مما أدى إلى انقسامها
إلى قسمين .يتذكر خطوات السادة الصاخبة على الدرج وهم يأتون ويذهبون ،والضحكات الصارخة الصاخبة لبنات المنزل الالتي
يرافقونهن إلى الغرف ،والمخبأ تحت الدرج خلف مجموعة المالبس القديمة ومالبس النوم .الصحف ،حيث كان يختبئ هو وسيمون
بمجرد وصول أي زائر .في الحقيقة ،كان سايمون قبيًح ا جًد ا لدرجة أنه لم يكن بحاجة إلى االختباء :برأسه الكبير ،وشعره الطويل
الداكن ،القذر إلى األبد ،والوحمة البنفسجية التي تغطي تقريًبا خده األيمن بالكامل ،لم يكن هناك بالتأكيد أي خطر أي رجل نبيل
سيكون مهتًم ا به .إذا ذهب إلى المخبأ ،كان ذلك فقط للحفاظ على صحبة كريستوفر .في هذا المخبأ الذي تفوح منه رائحة الخرق
والرطوبة ،علم كريستوفر كيفية تلميع األحذية ،وكيفية التسول للحصول على المال ،وكيفية اختيار جيوب المناديل والمحافظ .وكان
كريستوفر يسأله دائًما قبل النوم :هل سنضرب األطفال في الشارع غًد ا؟
بدا سيمون متأماًل ،وبدا وجهه بالًغ ا عندما كان في التاسعة من عمره فقط“ .بمجرد أن نتأكد من قدرتنا على التغلب عليهم ،نتوقف؛ إذا
".لم يكن األمر كذلك ،فسوف نهرب" .بهذه الطريقة يمكننا الحصول عليهم في وقت آخر
لكن سايمون كان ميًت ا اآلن ،فقد مات منذ أكثر من عشرين عاًما بسبب مرض الحصبة الذي أصيب به بسبب فراش ملقى على
األرض .وكان كريستوفر في غرفة فخمة ،وقد تم الترحيب به بأذرع مفتوحة في حفل راقص أنيق ،وكم كان هناك من أضواء ،وكم
كانت المالبس باهظة الثمن ،وكم كان كل شيء من حوله أنيًقا ومرتًبا .أود أن أقفز وأقول" :يا أيها الناس! أنا اآلن مالك أرض ،لكن
.الحقيقة هي أنني ابن غير شرعي لعاهرة
يا إلهي ماذا أفعل هنا؟ فكرت آنا للمرة الحادية والعشرين ،ال ،للمرة الثانية والعشرين .ضجيج الموسيقى وأحاديث الناس جعلها تشعر
بالدوار .بدا األمر كما لو كان الجميع في حفلة مورتيمر .ولم يكن الجميع هناك فحسب ،بل كانوا يحاولون جعل وجودهم معروًف ا
.بصوت عاٍل قدر اإلمكان
ُت ركت آنا بمفردها بينما كانت لوسي ترقص ،وتجولت بشكل غير مريح حول طاولة الشراب ،محاولة أال يتم مالحظتها -وعلى وجه
الخصوص ،أال يالحظها السيد بيمبروك .ولم يكن ذلك فقط بسبب طبيعتها الفّظ ة المعتادة أيًض ا .تجنبته جميع الشابات مثل الطاعون،
سواء بسبب طريقته الجريئة بعض الشيء في التعامل مع شركائه الراقصين ،أو بسبب أنفاسه التي تفوح منها رائحة الخمور .ما هو
المشروب الذي كان من المستحيل تحديده بالضبط؛ ربما كان هو نفسه قد تخميره في معدته ،ألنه كان يذكر المرء بشكل غامض
بالبرميل .التقطت آنا كأًس ا من عصير الليمون وهي تتحرك على طول خط بصره ،على أمل أن تتمكن طوال الوقت من تجنبه حتى
.نهاية المساء
والحظت بطرف عينيها أن لوسي -التي أنهت رقصتها مع السيد روسينغتون -تتجه نحوها .بدأت على الفور في التفكير في
. . .موضوع المحادثة قبل أن تسألها صديقتها
.كيف كانت رقصتك مع السيد هيكسون؟" قالت لوسي ،وقد كان صوتها مبحوحًا بعض الشيء من الرقص"
تبا .لم تكن سريعة بما فيه الكفاية .لم يكن من السهل التحدث بشكل أسرع من لوسي" .أنت ال تريد أن تعرف "،انتهى بها األمر
.باإلجابة
".نعم بالتأكيد .على العكس تماما"
".أعطتها آنا نظرة مذنب" .حسًن ا ،لنفترض أنني ربما دست على قدميه مرتين أو ثالث مرات
"أو ربما مائتان أو ثالثمائة؟"
".واعترفت قائلة" :الرقم الدقيق يغيب عني"" .ولكن يمكن أن يكون قريًبا من ذلك
"وتريدني أن أصدق أنك لم تفعل ذلك عن قصد؟"
تعالي اآلن يا لوسي ،الجميع يعرف أنني راقصة سيئة ،و . . ...يا جيدا جدا!" اعترفت" .ربما فعلت ذلك مرة أو مرتين عن قصد" ،
لكنني أؤكد لك أنه عندما بدأ يتحدث معي عن سباقات العربات ،لم أستطع كبح جماح نفسي .وأضافت بسرعة ،لتمنعها من التذمر:
".وأنت ،من ناحية أخرى ،ماذا لديك لتقوله عن السيد روسينغتون؟ آخر مرة تحدثت معه ،بدا متأثًر ا بك جًد ا
صديقتها تابعت شفتيها" .ال أعرف .أعتقد أنني أستطيع تحمل شعره األحمر إذا لم يكن األمر كذلك ." . .توقفت عن الكالم فجأة،
ولفت انتباهها
"!في مكان آخر" .أوه ،انظر من هنا "،همست ،ثم صاحت "دانيال
توترت آنا وتخطى قلبها نبضة ،ثم أخرى .ماذا يفعل هنا؟ تساءلت بعصبية .قالت لوسي إنه سيكون خارج المدينة ،ووجدت آنا نفسها
اآلن غير مستعدة على اإلطالق لرؤيته .لم تكن مستعدة ،ولم تفكر حتى فيما ستقوله له! ماذا لو تلعثمت؟ أو إذا تعثرت؟ أو إذا . . .
.لقد بذلت قصارى جهدها حتى ال تظهر ارتباكها ،والتفتت نحوه ،بهدوء تام -أو على األقل هذا ما كانت تأمله
كان دانييل ديميرسي مندفًع ا بشكل ال يصدق في ذلك المساء ،وكان مندفًع ا بشكل ال يصدق كل مساء .ارتدى الليلة معطًفا أزرق داكًن ا
.أظهر بنيته الرياضية النحيلة .ابتسم ،وتألقت البقع الالمعة في عينيه ذات اللون األخضر الداكن
".لوسي" .يا آنسة تشامبيون "،رحب بهم ،وانحنى وقبل أيدي كل منهم" .أنتما جميلتان للغاية هذا المساء"
شكرته لوسي بطريقتها اللطيفة ،وتعثر زوج من السادة المارة بالقرب منها ،حيث كانوا مشغولين جًد ا بالنظر إلى وجهها بحيث لم
يتمكنوا من مشاهدة أين يسيرون .لقد كان اهتماًما ضائًع ا ،ألنها لم تنظر إليهم حتى .قالت لدانيال" :لقد عدت في الوقت المناسب
".الستالم الكرة"" .أنت تدرك أنك قد أصابت شابات كوكستون باليأس عندما أعلنت أنك لن تستطيع الحضور
أجاب مبتسما بشيء من الوقاحة" :لقد تمكنت من الخروج من التزاماتي" .وكان لدى دانييل ابتسامة لطيفة ،والتي أظهرت ليس فقط
مدى سحره ولكن أيًض ا مدى ظلمه .لقد كان مخلًص ا للوسي -ولكن لماذا أكلت قلب آنا؟
".قال دانييل مبتسًم ا مرة أخرى لصديقة آنا" :لذلك يجب أن أستنتج أنني قد ألقيت بك في حالة من اليأس
"ربما "،ردت لوسي بحقد" .كيف تقترح التكفير عن هذا السلوك الذي ال يغتفر؟"
تكفير؟" سأل ،ومرر إصبعه بين رقبته ومنديل رقبته ،كما لو كان ضيًق ا للغاية -بشكل مثير بالطبع ،ولكن بالنظر إلى نظرته القلقة" ،
فمن المحتمل أنه شعر بالحاجة إلى فك العقدة" .لوسي ،عندما تقولين تلك الكلمة ،ال يسعني إال أن أفكر في عصر ذلك اليوم -منذ كم
سنة مضت؟ الحادية عشرة تقريًبا ،عندما جعلتني أركض ذهاًبا وإياًبا على درج منزلك ومعي دلوين مملوءان بالماء .عشرة مرات!
.وكل ذلك ألنني داس بالخطأ على ذيل قطتك
على الرغم من سحر دانيال وقسوته غير المقصودة ،أظهرت لوسي باستمرار الالمباالة تجاهه .أوقفت آنا الصعداء واختبأت خلف
.تعبير عن المرح المهذب
".لقد كانت قطة أنثى "،صححت لوسي باستياء" .وأعتقد أنك اآلن قد حصلت على عقوبة جديدة"
تمتم" :وأعتقد أنني أتيت إلى هنا على أمل الرقص"" .أنا حًقا بائس مخدوع .ولكن استمع ،قبل أن تقرر قطعي من ركبتي مرة
"...أخرى
"!قد ال أقطعك من ركبتيك ،هذه المرة"
قبل أن يصيبني دينونتك القاسية ،أال تمنحني رقصة أخيرة؟ قال دانييل وهو يلمس الجانب األيمن من رأسه ويبتسم ابتسامة عريضة":
"بالتأكيد ،بالتأكيد لن أتمكن من الخروج علًن ا لفترة طويلة جًد ا جًد ا إذا قررت هذه المرة أن تقطع اتصالي . . ."...حتى على ركبة
".واحدة فقط
ضحكوا ،وبدا أن آنا تعتبرهم أصدقاء منذ عشر سنوات مضت .في بعض األحيان ،اعتقدت آنا ،أن الشيء الوحيد الذي يفصل بين
.البلوغ والطفولة يمكن العثور عليه في الضحك
".أجابت لوسي بتنازل متفاخر" :أقبل دعوتك يا دانيال"" .بهذه الطريقة ال يمكنك الشك في طيبة قلبي
وأكد لها" :هذا ما ال أستطيع فعله بأي حال من األحوال ،ليس بصوت عاٍل على األقل" .ثم جاءت اللحظة المخيفة -اللحظة التي
اشتاقت إليها آنا ،مروعة ورائعة :أدار دانييل عينيه نحوها .تحركت السماء وزلزلت األرض و . . .و . . .حسًن ا؟ وبطبيعة الحال،
كل هذا كان في ذهنها فقط( .إذا أراد المرء أن يكون دقيًقا حًقا ).لم ُيظهر دانيال أي مشاعر معينة عندما نظر إلى آنا ،ولم تغمى
عليها عند رؤيته ،وهو األمر الذي لم يكن أمًر ا سيًئ ا على اإلطالق .قال لها" :يا آنسة البطلة"" .أنا ولوسي ال نزعجك بذكريات
"طفولتنا ،أليس كذلك؟
أوه ال .إنه يسبب لي ألًما طفيًف ا في قلبي يا (دانيال) ،ال أكثر" .ال ،على اإلطالق "،أجابت بال مباالة بطولية .وبقيت التأتأة في بطنها.
"عندما كنا صغاًر ا ،كانت لوسي تتحدث معي عن صديقها الذي ذهب إلى مدرسة داخلية ،وهي المدرسة التي كانت تخطط ألداء
".بعض الحيل فيها قبل أشهر من عودته إلى المنزل في إجازة
".هذا ليس صحيحا" .ال تصدقها يا دانيال "،احتجت لوسي" .أسبوعان أو ثالثة أسابيع كان أكثر من الوقت الكافي ألمثالك"
".أضافت آنا وهي تحمر خجًال" :لقد لعبنا مًع ا عدة مرات يا سيد ديميرسي"" .ولكن ربما ال تتذكر
فتاتان صغيرتان في الثامنة والتاسعة من العمر في مواجهة فتى صغير في الثالثة عشرة من عمره — بالطبع أتذكر .وبعد اجتياز «
هذا االختبار وعيشي ألحكي الحكاية ،لم يعد بإمكاني أن أخاف من أي شيء مرة أخرى ،باستثناء الفتيات الصغيرات في سن الثامنة
.والتاسعة بالطبع
.قالت له آنا وهي توبخه" :أوه ،توقف عن ذلك"" .لم نكن بهذا السوء ".رفع الحاجب
.هل كنا؟" سألت آنا وقد انتشرت ابتسامة على وجهها"
.نظر إليها مرة أخرى ولم يقل شيًئ ا
".أوه ،جيد جًد ا ،ربما كنا قلياًل "
ضحك دانيال" .وأما اآلن؟" سأل بعد لحظة" .هل تستمتعين بهذا المساء يا آنسة تشامبيون؟ إذا لم أكن مخطًئ ا ،فأنت لست مولًع ا
».بحفالت الرقص
".لقد تجاهلت كتفيها" .هناك طرق قليلة أسوأ لقضاء وقتك
"مثل؟"
».ال أعرف . . .ربما أستمع إلى أختي الصغيرة وهي تعزف على الفلوت"
أطلق دانييل ضحكة موسيقية ومعدية ،وقالت لوسي" :من فضلك ال تستمع إليها يا دانيال .تجد آنا هذه األمسيات تروق لها ،حتى لو
.لم تعترف بذلك أبًد ا
أعلن" :أنا أتفق معك" ،على الرغم من أن عينيه لمعتا بطريقة ال تبشر بالخير .وأضاف بواقعية« :وخاصة ،ألنه بدا لي أنها كانت
تستمتع بوقتها كثيًر ا مع السيد هيكسون ».ردت آنا بالالمباالة المعتادة والهادئة ،على الرغم من أنها هذه المرة ربما كانت أقل بطولية
بعض الشيء" .من المؤسف أنه اضطر إلى المغادرة في منتصف رقصتك يا آنسة تشامبيون "،واصل الوغد بال رحمة وبأقصى
"سرعة" .هل غادر حلبة الرقص وهو يعرج أم أنني مخطئ؟
الوغد! فكرت وهي تحتسي عصير الليمون لتتوقف" .أعتقد أنه كان يعاني من مشكلة في كاحله .وأكدت أخيًر ا أن شيًئ ا ما حدث بينما
.كان يمشي .إذا لم تكن تتمتع بالمصداقية المطلقة ،فقد كانت قرمزية تماًما
أفهم ".أومأ برأسه وكأنه يفكر بعمق" .أصبح المشي رياضة أكثر خطورة كل يوم ،أال تعتقد ذلك؟ يجب على البرلمان أن يفعل شيئًا "
”.حيال ذلك
ضحكت آنا دون أن تكلف نفسها عناء تغطية فمها بمروحتها إلخفاء أسنانها المكسورة" .السيد .ديميرسي ،قد أكون مخطًئ ا -أنا لست
" مثالًيا ،حتى لو تخيلت أن ذلك قد يفاجئك -لكن يمكنني أن أقسم أنك تضايقني .هل تلمح بشكل طفيف إلى أن ذلك كان خطأي؟
"ليس بالكاد .على الرغم من أنه ربما يمكنني تعويضك بعد ذلك إذا شرفتني برقصة .هل يمكنني االعتماد عليه؟"
كانت آنا تخشى أن ينفجر قلبها بسبب العاطفة؛ ففي نهاية المطاف ،لن يكون ذلك مقبوًال على اإلطالق .أجابت ،مستجمعة آخر جزء
من الالمباالة التي كانت بداخلها" :أنت تحب العيش بشكل خطير ،كما أرى"" .ونعم ،من الواضح .سيكون من دواعي سروري أن
".أرقص معك
أجاب دانييل" :شكًر ا لك يا آنسة تشامبيون" .من الواضح أنه من الخطأ السماح لصبي بابتسامة كهذه أن يتجول بحرية ،فكرت آنا.
.ربما ليس حتى قانونيا
".لكن اآلن يجب أن نذهب يا لوسي "،تابع بعد لحظة" .الموسيقى على وشك أن تبدأ"
".بالتأكيد ،دانيال .وهمست وهي تقترب من آنا" :ابتعدي عن المشاكل وابتعدي عن البوفيه"
".نعم ،ال تقلق"
كانت لوسي غير متأكدة تماًم ا مما يمكن أن يحدث -وعالوة على ذلك ،كان لديها سبب وجيه لذلك ،ألنها تعرف آنا جيًد ا -ابتعدت
.لوسي مع شريكها في الرقص
أخذت لوسي ذراع دانيال بينما كان الثنائي في طريقهما إلى حلبة الرقص .شاهدتهم آنا وهم يذهبون ،وبينما كانت تفعل ذلك ،التفتت
.إليها لوسي بنظرة غريبة ومعرفية على وجهها .وبهذا أصبحت آنا وحيدة مرة أخرى
)واآلن ستبدأين في أحالم اليقظة بشأن دانييل ،أليس كذلك يا آنا؟(
نظرت إلى المسافة ،وفكرت في كلماته ،ونظراته ،ونبرة صوته الدافئة والرقيقة .عندما لمست الزجاج على شفتيها ،القت ابتسامة
.حزينة -وسكبت عصير الليمون على نفسها ،ألن رجًال كان يسير بخطى سريعة عبر الغرفة اصطدم بها فجأة
.يا عزيزتي السماوات!" صرخت بالفزع"
نظرت إلى البقعة التي تكبر أكثر فأكثر على فستانها وكأنها لم تصدق عينيها ،لكنها كانت موجودة بالتأكيد .لم تستطع آنا إنكار ذلك
بمجرد أن نقع القماش -بل لزًج ا -حتى أن البقع الناجمة عن شرابها المسكوب حولت لون فستانها البني إلى شيء أقبح تماًما .وبعد
أن تجاوزت لحظة حزنها -ولحظة أخرى شككت بإخالص في النظام العادل والعقالني لألشياء -نظرت إلى األعلى في
تنهد على الرجل المذنب .لقد كان غريًبا طويل القامة وأنيًق ا ،وكانت تعلو وجهه نظرة خائفة .ولم تظهر على مالبسه أي عالمات
على الحادث الذي وقع للتو( .بالطبع ).في الواقع ،برزت صدريته وربطة عنقه البيضاء تماًما أمام معطفه األسود .كان بنيته عضلية
بشكل غير عادي ،لكن طوله الكبير ووضعيته المستقيمة أعطته خفة معينة ،وبدا مهيًبا ولكن ليس مزعًج ا .كان شعره الداكن منسداًل
على جبهته والمس عينيه؛ قام بتحريك شعره بقلب رأسه قليًال وهو يحدق بها .بدا فجأة كأنه يقّيمها ،وعيناه الزرقاوان تدوران حولها،
محدقًا في فستانها المحتشم ،مالحظًا قفازاتها البسيطة ومروحتها التي تفتقر إلى كل الزينة .بطريقة مفاجئة بقدر ما كانت غريبة ،تغير
.تعبيره .أصبح متعجرًف ا ،وألقى عليها نظرة ازدراء ،ثم استدار وغادر بسرعة دون أن ينبس ببنت شفة
OceanofPDF.com
2
.يمكنني أن أغفر بسهولة كبريائه ،إذا لم يجرح كبريائي
جين اوستين-
كان كريستوفر راضًيا تماًم ا عن نفسه وهو يبتعد عن الفتاة ذات المالبس البنية .كان يتمتع بموهبة حقيقية في التعرف على المتسلقين
االجتماعيين — فقد كان واحًد ا منهم ،أليس كذلك؟ — وكانت نظرة واحدة هي كل ما يحتاجه ليدرك أن هذه السيدة الشابة كانت في
غير مكانها في قاعة مورتيمر الكبرى المبهرة .جيد ،قال في نفسه .إنها لن تذهب بعيًد ا في هذه الليلة بفستانها المتهالك الملطخ
.بالكامل .ابتسم وهو يفكر مرة أخرى في النظرة العاجزة والمجروحة التي نظرت إليها ،ثم أخرجها من عقله
ذهب بسرعة نحو مايكل مورتيمر ،الذي كان في زاوية من القاعة يتحدث مع سيدة شقراء جذابة ورجل في الثالثينيات من عمره ذو
.خدود متوردة وأذنين ضخمتين إلى حد ما
".دافنبورت "،قال سيد المنزل ،مرحًبا به" .أنا سعيد ألنك قد تأتي"
وأدرك كريستوفر أنه كان سعيًد ا حًق ا برؤيته .كان يسمع البهجة واألمل في صوته .كان مورتيمر مديًن ا له بعدة آالف من الجنيهات،
.وربما أراد أن يطلب منه قرًض ا آخر في ذلك المساء .حسًن ا ،سوف تكسبها ،فكر .بعد كل شيء ،سوف تقدمني لمن أحب
".أجاب كريستوفر بأدب" :إنه لشرف لي
تحول مورتيمر نحو األشخاص الذين كانوا معه" .اسمح لي أن أقدم لك صديًقا عزيًز ا ،السيد كريستوفر دافنبورت .السيد دافنبورت
والسيدة إدواردز والسير كولن ." . .انتهت المقدمات يا مورتيمر
".وتابع" :الجميع يعلم أن السيد دافنبورت اشترى روكفيلد بارك قبل بضعة أشهر ،واليوم استقر كل شيء فيه
"قالت السيدة إدواردز بلحن" :لقد كنا ننتظرك بفارغ الصبر يا سيد دافنبورت"" .كيف كانت رحلتك؟
".بخير شكرا لك .ثالث ساعات فقط على طرق سلسة دون حوادث .لقد كان الطقس رائعًا طوال الوقت"
.وأخبرني هل أعجبتك القرية؟ سألت السيدة إدواردز -
.بالتأكيد ،إنه أمر مقبول حًق ا ويتم االعتناء به جيًد ا .كينت ،بعد كل شيء ،هي واحدة من أجمل المقاطعات في إنجلترا"
لقد أمطروه بأسئلة فضولية أخرى ،وأجاب كريستوفر عليها جميًع ا بلطف تام .لقد حافظ دائًما على لهجة مهذبة ومحترمة .لقد أثنى
على السيدة إدواردز وأشاد بالسادة في اللحظة المناسبة .الكلمات الصحيحة ،والضحك الصحيح .كان يعرف السيناريو تماما .يا إلهي،
.كان من السهل جًد ا خداع هؤالء الناس .ثم التفت نحو وسط القاعة ورأى دانييل ديميرسي
تعرف عليه على الفور .لقد درس صور ديميرسي حتى أدق التفاصيل ،لكن وجوده هنا شخصًيا جعل كريستوفر يشعر بالدوار
تقريًب ا .شعر الدم المتدفق عبر عروقه أكثر سخونة .إذن ها هو .كان يراقبه وهو يرقص مع فتاة شقراء راقية ،بدت وكأنها تتمسك
.بكل كلمة يقولها .المتأنق الراقي الذي يدور على حلبة الرقص
).ابن ليوبولد ،كريستوفر(
كان شعر دانييل ذو اللون البني الفاتح مرتًبا تماًما ،وكان معطفه مالئًم ا له بدقة شديدة ،وحتى سيدته بدا أنها تناسبه .دانيال ديميرسي،
.الذي نشأ في الصوف القطني ،كان مقدًر ا له منذ أن كان صغيًر ا أن يعيش حياة مليئة بالرخاء واالمتياز .والكمال بطبيعة الحال
من هي تلك الفتاة؟" سأل كريستوفر السير كولن ،البارون البليد الذي ،استناًد ا إلى ما قاله منذ لحظة ،لن يتمكن من العد حتى العشرة"
.دون استخدام أصابعه
.هذه اآلنسة لوسي إدواردز .جميلة جًد ا ،أال تجدها؟” أجاب السير كولن"
".رائعة"
".قاطعت السيدة إدواردز قائلة" :باعتباري والدتها ،ال يسعني إال أن أفتخر بها
.ابتسم كريستوفر لها بلطف" .بالطبع كم هو غبي مني .كان يجب أن أرى التشابه .لكني كنت سأقول أنكما أخوات
هل كان ذلك كثيًر ا؟ من الواضح أنه ال ،فكر بسخرية .ابتسمت السيدة إدواردز ،وكانت تشعر باإلطراء بالفعل .هل كانت أيًضا تحمر
!خجًال قليًال؟ نعم بالتاكيد .اووه تعال
والتفت مرة أخرى نحو دانيال .تحرك هو وسيدته بخفة لدرجة أنه بدا كما لو أن أقدامهم لم تلمس األرض .لوسي كانت مذهلة.
وجهها المحمر الجميل ،ونظرتها المثبتة على دانييل ،والزهور في شعرها -كل شيء اجتمع مًع ا لتكوين رؤية مثالية للجمال .عرف
كريستوفر قبل وصوله إلى هناك أن عائلة إدواردز كانت واحدة من أغنى العائالت في كوكستون ،وكان يعلم أيًض ا أن ليوبولد كان
يضغط بشدة من أجل الزواج بين ابنه ولوسي .حسًن ا ،فكر ،إذا كان عزيزي دانيال يفكر فيها كزوجته المستقبلية ،فسيكون من دواعي
سروري أن يأخذها منه .لقد نظر إلى هذه الفتاة التي بدت وكأنها تطير مثل مالك يرقص .أيتها الفتاة الحمقاء ،ستكونين لي قبل أن
.تدركي ما يحدث
ظلت آنا مصدومة جًد ا من سلوك هذا الغريب لدرجة أنها لم تتمكن حتى من التحرك لعدة دقائق .اعتقدت أن هذا لم يحدث حًق ا .على
العكس من ذلك ،على الرغم من أنه كان كذلك .عبرت قاذفة عصير الليمون سيئة السمعة ،المتغطرسة والمغرورة ،الغرفة مثل إله
.نزل من أوليمبوس ،مبتعدة عنها بكل احترام أسد تجاه نملة
).أنت ال أحد ،آنا(
حسًن ا ،لم تكن الشخص األكثر أهمية في الغرفة — كانت تعلم ذلك — ولم يكن أول سيد صغير يستهزئ بها أيًض ا .ولكن حتى ال
تعتذر؟ ال ،كلما فكرت في األمر أكثر ،بدا األمر ال يصدق .نشأ في داخلها غضب مزعج وانتقل من بطنها إلى صدرها وأخيرا إلى
عينيها ،اللتين بدأتا ترى العالم بظالل من اللون األحمر الرقيق .أكثر ما أثار غضبها هو الشعور الغامض باإلهانة الذي تسلل إليها.
ما الذي يهم ما يعتقده هؤالء الناس عني؟ سألت نفسها بمرارة .أنا أتذمر باستمرار بشأن مدى سطحيتهم ،ثم أشعر بالقلق عندما
يعتبرونني فتاة فقيرة .تجاهله ،هذا ما يجب أن أفعله .تجاهله .لكنه كان على بعد خطوات قليلة ،ويتحدث بلطف مع رجل المنزل وأم
،لوسي .انجذبت عيناها إليه مثل المغناطيس ،وظلت تحدق به
متناسية أنها ستضطر بعد فترة قصيرة إلى الرقص مع دانييل ،متناسية الكارثة التي حلت بفستانها ،متناسية كل شيء باستثناء هذا
...المتعجرف ،الوقح ،المحتقر
وقف ذلك في وقت واحد .خذ نفسا عميقا لتهدأ .اعتقدت أن هناك بالتأكيد شيًئ ا يمكنني فعله لمعاقبة هذا المتنمر .ربما سأذهب إليه
وأقوم بعمل مشهد .هزت رأسها .وخلصت أخيرا إلى أنها لن تفعل شيئا .وحتى مخاطبته دون تقديمه أوًال سيكون أمًر ا غير الئق.
كان الناس من حوله ينظرون إليها بالحيرة ،وهي لم تكن تريد أن تبدو سخيفة ،بل أرادت أن تجعله يبدو سخيًفا ،مغروًر ا ،مغروًر ا،
.محتقًر ا ،متغطرًسا
"ملكة جمال البطل؟" اتصل بها رجل عجوز قريب منها" .يفتقد؟"
وفي مكان غير بعيد ،كانت السيدة إدواردز تضحك ،وتنقر بخفة على يد الغريب بمروحتها بسبب شيء قاله لها بنظرة لطيفة .يا
.إلهي ،فكرت آنا .كان عليها بالتأكيد أن تجد طريقة إلعالم هذا الرجل برأيها فيه ،وإال فإنها ستنفجر
.ملكة جمال البطل؟" كرر السيد جوتمان"
نظرت إليه آنا ،مندهشة ،مذهولة .منذ متى كان واقفًا هناك؟ بذلت جهًد ا لالبتسام ،وناولها السيد جوتمان مندياًل نظيًف ا" .استخدميها
.لتنظيف فستانك ،يا آنسة تشامبيون "،اقترح بأدب
.نظرت مكتئبة إلى اللون البني القبيح لثوبها" .شكرآ لك أنت لطيف جدآ .أعتقد أنني سأغادر للحظة ألصحح نفسي بهدوء
".أومأ .قال بأسف وهو يهز رأسه األبيض الكثيف الشعر" :لقد كان هذا الرجل وقًح ا للغاية ولم يعرض عليك مساعدته
تحولت آنا إلى اللون األحمر" .أوه ،ال شيء "،تمتمت وهي تحاول إخراج نبرة خفيفة من صوتها" .لقد كان في عجلة من أمره ،على
".ما يبدو .لم يالحظ .بالتاكيد . . .وأضافت بسرعة" :إذا سمحت لي ،سأنسحب اآلن لترتيب فستاني
وفي الواقع ،كان عليها أن تسرع إذا أرادت أن تبدو حسنة المظهر قبل الرقصة التالية .صالح! لقد فكرت كثيًر ا في هذا المخلوق
البغيض لدرجة أنها نسيت تماًما أنها سترقص قريًبا مع دانيال .دانيال صوت األبواق ديميرسي! لقد انتعشت قدر استطاعتها ،وعندما
.عادت إلى الحفلة ،كانت الرقصة الثانية قد انتهت بالكاد .بحثت عن لوسي ودانيال والحظتهما في زاوية ليست بعيدة
.شعرت آنا بالغضب أثناء نهوضها ،ساخًن ا وغليًظ ا مثل الحليب على الموقد" .ملكة جمال البطل؟" سأل دانيال
همم؟" ردت مشتتة .كانت تراقب لوسي ،التي كانت كذلك"
!ضحك مستمتًع ا بشيء مما قاله .يا إلهي ،كم هو وقح
كرر دانيال وهو منزعج بعض الشيء" :كنت أسألك عن أحوال إخوتك وأختك الصغار"" .أنا متأكد من أنه لوال رعايتك المحبة
لكانوا قد أضرموا النار في القرية اآلن ،إذا لم أكن كذلك
".مخطئ
".تمكنت آنا من النظر إليه مرة أخرى" .أوه ،إلى إنجلترا بأكملها ،على ما أعتقد
.أجابت" .ولكن ،كما تقول ،رعايتي هي محبة حًق ا .أنا ال أحاول قتلهم أكثر من مرة كل نصف ساعة في واقع األمر
ضحك" .أعتقد أنهم محظوظون ألن لديهم أخت مثلك ".أظلم وجهه ،كما لو أن بعض األفكار قد أخذته ،وأضاف" :لطالما شعرت
".بالثقل كطفل وحيد
قامت حركة رقص متوقعة بتقسيمهما ووضعهما في صف واحد مع زوج آخر من الراقصين .أمسكت آنا بيد دانيال من جهة والسيد
بيمبروك من جهة أخرى ،وكانت حريصة جًد ا على عدم االقتراب كثيًر ا من األخير .لقد وجد بالفعل رفيًق ا للكرة ،وهو ما حدث في
بعض األحيان ،رغم كل المنطق .كانت فتاة نحيلة ذات مظهر جميل ،وربما لم ترفض أبًد ا رقص أي شخص ،لكن آنا كانت متأكدة
.من أن الفتاة ستبدأ في الرفض من اآلن فصاعًد ا .أخيًر ا ،انتهت خطوة الرقص ،ووجدت هي ودانيال نفسيهما وجًها لوجه مرة أخرى
يمكنني أن أتظاهر بأنني أختك لبقية هذه الحفلة إذا كنت ترغب في ذلك" ،اقترحت بحرارة لتخفيف المزاج الجدي الذي ال يزال "
يظهر على وجهه« .لكن يجب أن أحذرك من أن هذا سيتضمن عدًد ا قلياًل من مطالبي :أوًال ،يجب أن أطلب منك حفظ جداول
الضرب الخاصة بك؛ ثانًيا ،يجب أن أتحقق من أذنيك لمعرفة ما إذا كنت قد قمت بتنظيفهما أم ال؛ وثالًث ا ،يجب أن أعبث بشعرك كل
.خمس دقائق من أجل متعة بسيطة بإزعاجك .ومن الواضح أنني سأفعل كل هذا بينما أصرخ وألومك بال توقف
ضحك دانيال بصوت عاٍل ،مما تسبب في تحول بعض الرؤوس وإحراج آنا قليًال ،لكنه في الوقت نفسه منحها متعة دافئة" .إذا تمكنا
".من تخطي الجزء المتعلق بجداول الضرب واألذنين واالنتقال مباشرة إلى الشعر ،بالنسبة لي فقد انتهى األمر ،يا آنسة تشامبيون
احمرت آنا خجًال ،وأذهلت ،وأخفضت نظرتها ،وشعرت باضطراب رهيب حتى حضنها .حتى دانييل بدا وكأنه يدرك أن محادثتهما
،لم تحترم حًق ا جميع معايير التقاليد ،وتنحنح .ظنت أنه سيتحدث مرة أخرى
ولكن لم يأت شيء .ظلوا صامتين ،يرقصون في عدم الراحة .لقد تقرر مسبًقا أن يرقصوا مًع ا ،ولم تكن هذه هي المرة األولى التي
يتحدثون فيها وجًها لوجه .لم تكن هذه هي المرة األولى التي تشعر فيها آنا بالتأثر بوجوده ،لكنها كانت بالتأكيد المرة األولى التي
.تخاطر فيها باالنهيار تماًما ،مثل العدس المطبوخ أكثر من الالزم
وشكرت نجومها المحظوظين عندما جاءت لحظة الرقص مع زوجين آخرين؛ وهذا من شأنه أن يخفف التوتر قليًال .ربما يمكنها
حتى أن تتمكن من استعادة القليل من رباطة جأشها ،أو مظهر رباطة جأشها ،على األقل .كانت تسعى جاهدة للحصول على شيء
.ما ،أي شيء من شأنه أن يمنعها من الذوبان على حلبة الرقص
. . .لكن الزوجين اللذين كانا ينتظرانهما لم يكونا الشخص المناسب لتهدئتها .لقد كانت لوسي و
.أوه ال ،كانت تشتكي لنفسها .له
نظر إليها الغريب من أعلى إلى أسفل بوقاحة بينما كان يقترب منها ،وتصلبت آنا من الغضب .يا إلهي ،كم كانت ستحب أن تمسح
.السخرية المتعجرفة من وجهه! التفتت ونظرت إلى السيد هيكسون ،الذي نظر سريًع ا بعيًد ا من الجانب اآلخر من الغرفة
لكن بالطبع ضحكت على نفسها .وقفت في الصف ،دانيال على يمينها والغريب على يسارها .كان هدوءها رائًع ا أثناء انتظارها ،ولم
تنظر حتى بنظرة قذرة إلى الرجل المتغطرس ،وتظاهرت بأنها ال تشعر بيدها القفازية ،وال برقصه الرشيق .ال ،لقد انتظرت بثبات،
.مثل خبير استراتيجي ،دون أن تثير شكوكه ،وعندما اقتربت خطوة الرقص من النهاية ،اتخذت إجراًء
.آه!" "قال الرجل وهو يغمغم عندما ركلت آنا كاحله ركلة قوية"
.نظرت ببراءة إلى األعلى ورأت عينين زرقاوين غاضبتين تحدقان بها" .لقد فعلت ذلك عمدا "،همس في وجهها
".أجابت" :لذلك لم يعد القط يمسك بلسانك
.وعندما توقفت الموسيقى ،ابتعدت .انتهت خطوة الرقص
فاجأت أشياء قليلة كريستوفر ،لكن رد فعل هذه الفتاة السخيفة التافهة كان واحًد ا منها .أال ينبغي لفتاة صغيرة من هذا النوع أن تحافظ
على مظهرها المنخفض والخاضع؟ في القلب كانت تبحث للوصول إلى
عالم ليس عالمها ،عالم ينتمي إلى تلك الفئة من الناس الذين عادة ما يتملقونهم ويتملقونهم .لقد كان عالًما مليًئ ا باألشخاص الذين لم
.يطردوا السادة األثرياء
تحرك مرة أخرى مقابل لوسي ،وهو يهز رأسه ويحاول أن ينسى الهجوم الذي تعرض له للتو .ال ينبغي لي أن أترك نفسي مشتًت ا،
فكر وهو ينظر إلى اآلنسة إدواردز الجميلة .يجب أن أضرب قلب هذه الفتاة هنا واآلن .اتخذ وجهه تعبيًر ا ساحًر ا للغاية بابتسامة
.حلوة ،ولكن على الرغم منه ألقى نظرة أخيرة على الفتاة الغبية التي ترقص مع ديميرسي
"تبعت لوسي نظرته .أخبرته" :هذه آنا شامبيون"" .معذرة؟
الفتاة التي تحدق بها .اسمها آنا تشامبيون ".في حيرة من أمره ،تجعد كريستوفر جبينه عندما عبرت الشكوك حوله"
!عقل .ال يمكن لآلنسة إدواردز أن تلمح . . .إنها ال تستطيع أن تصدق أنني أجد هذه الفتاة جذابة
أجاب على عجل« :كنت أفكر فحسب ،أن بعض الفتيات لألسف يفتقرن إلى النعمة .والحقيقة هي أنه عندما تكون إحداهن محظوظة
.بما فيه الكفاية لتكون في شركتك ،فال يسعها إال أن تالحظ العيوب في جميع النساء األخريات
".سقط وجه رفيقه بشكل غير متوقع" .إنها أعز صديقاتي ،سأخبرك بذلك
هذه المفاجأة جعلته غير قادر على الرد للحظات .ربما كانت هناك أشياء كثيرة ال تزال قادرة على مفاجأته ،بعد كل شيء .الليلة يبدو
أنني ال أستطيع فعل أي شيء بشكل صحيح .قد تمثل آنا تشامبيون مشكلة ،هكذا فكر بينما كان يراقبها خلسة .مشكلة غير متوقعة
مزعجة .لكن ما عالقة فتاة مسكينة كهذه بالمخلوق الجميل والمتطور الذي أمام عيني؟ ربما تكون لوسي مغرمة بإحاطة نفسها
.بأشخاص ذوي مظهر ومكانة اجتماعية أدنى بالتأكيد لتجعل نفسها تبرز أكثر
لم يستطع أن يتساءل عن ذلك لفترة طويلة ،ألن رفيقته قالت الكلمات الدقيقة التي كان يأمل أال تنطق بها" :أود أن أقدمك لها يا سيد
".دافنبورت" .وأضافت" :لدي انطباع بأنكما قد تتوافقان بشكل جيد
هل كانت هناك طريقة للرفض؟ كل ما استطاع فعله هو اإليماءة .على أية حال ،قال لنفسه ،مبرًر ا ذلك ،بمعرفته أن اآلنسة تشامبيون
يمكن أن يكون لها جانب مضيء .إذا تمكن من كسب ثقتها -وجعلها تنسى الحادث التافه الذي حدث منذ فترة قصيرة ،والذي لم يكن
يشك في أنه يستطيع ذلك -فسيتمكن من الوصول بسرعة أكبر إلى قلب لوسي .كلمة طيبة واحدة منها
أفضل صديق -هذا كل ما يتطلبه األمر .ألم تكن هذه هي الطريقة التي يعمل بها عقل األنثى؟ وبعد بضع كلمات لطيفة ،كانت هذه
الفتاة الكئيبة تأكل من يده ،وكان متأكًد ا من ذلك .لن يكون من الممتع أن تكسب عواطفها ،فقد اعترف بذلك لنفسه بشكل جاف .لقد
كان متأكًد ا تماًم ا من أنها كانت متسلقة اجتماعية .ربما كانت قد سعت إلى الحصول على صداقة لوسي على وجه التحديد لتشق
.طريقها بين األشخاص ذوي المناصب الرفيعة
.إلخفاء انزعاجه ،قام بحركة الرقص األخيرة مع شريكه ،وبينما كان ينحني انتهت الموسيقى
الرضا شيء غير محسوس ،لكنه يضفي بريًق ا على عيون المرء وحتى مظهره .أو على األقل هذا ما اعتقدته آنا ،وبعد أن انتقمت
شعرت بأنها أنحف وأكثر رشاقة .انتهت الموسيقى لألسف ،لكن الرقصة سارت بشكل جيد للغاية .لقد وطأت على قدمي دانييل مرة
واحدة فقط ،وبخفة شديدة ،بخفة شديدة لدرجة أنه ربما لم يالحظ ذلك .إن إغراء القدر أكثر من ذلك لم يكن من الحكمة ،ألنه في
".بعض األحيان يمنحك القدر "المزيد
في خضم اإلثارة التي وجهتها للغريب ،نسيت آنا تماًم ا لحظة اإلحراج التي واجهتها مع دانيال عندما غادرا حلبة الرقص ،وبدأت
بالثرثرة حول نابليون وبراعته العسكرية .لسوء الحظ ،كان السيد بيمبروك يخرج في نفس الوقت ،وفي أكثر المصادفات البغيضة،
جاء في اتجاههم" .ديميرسي "،قال بينما كان يعبر أمام دانييل -أو ربما قال شيًئ ا آخر ألن صوته ،في الواقع ،لم يكن يبدو رصيًن ا
".للغاية .ولم يبدو رصيًن ا أيًض ا عندما استقر بجوار آنا مثل البزاقة اللزجة" .آنسة تشابمان ،تبدين فاتنة الليلة
انها جعلت كشر" .سأتركك للشيطان يا دانيال" ،قالت له بعينيها ،وكانت سخريته الخفيفة تشير إلى أنه تلقى الرسالة .قالت على عجل:
"".إذا سمحت لي من فضلك ،يجب أن أرى اآلنسة . . .بطل
في تراجعها االستراتيجي الكامل ،وصلت إلى األريكة للمرافقين .بينما كانت تبحث عن مساحة صغيرة للجلوس ،أدركت أنه كان من
.السخافة حًق ا أن تفكر في عدم الحضور إلى هذه الكرة .يا إلهي ،لم تتمتع بهذا القدر من المرح منذ سنوات
مئات األشخاص – ضربوها بطريقة مختلفة تماًما .ربما كانت الطريقة البطيئة التي فعل بها ذلك .أو الطريقة األنيقة التي ظلت بها
.شفتيه على قفازها .أو ربما ،بكل بساطة ،ألنه كان أكثر رجل مكروه قابلته على اإلطالق
السيد .أخبرتها لوسي أن دافنبورت تأتي من لندن" .إنه ممول ،حتى لو كان ينوي اآلن تكريس نفسه بالكامل لممتلكاته في روكفيلد "
".بارك
أوه حًق ا؟" سألت آنا وهي تنظر إليه ببرود .في الواقع ،لقد قررت التزام الصمت ،على الرغم من أن الجزء الكبرياء منها كان ال "
يزال يتصاعد .كان عليها أن تكون حريصة على عدم ركله مرة أخرى .وعلقت مع مجرد لمحة من المرارة" :سيكون أمًر ا جيًد ا أن
تظل بعيًد ا عن التمويل يا سيد دافنبورت"" .ال يمكن للمرء أن يكون متأكدا من أنه قد ال يكون هناك انهيارات أخرى في األسهم
".لتجنبها
"نظرت لوسي إليها دون أن تفهم" .انهيار في األسهم؟
من ناحية أخرى ،كان السيد دافنبورت يفهمها تماًما ،وبدت عيناه متفاجئتين للحظة .الحظت آنا بأسف أنه لم ُيظهر أي عالمة على
العداء .ذو وجه حجري تماًما ،مؤدب تماًما .على العكس من ذلك ،بدا مرتاًح ا إلى حد ما ألنها التزمت الصمت بشأن الحادث .قال
بهدوء" :نعم يا آنسة إدواردز"" .كان هناك انهيار كبير في األسواق المالية في ديسمبر الماضي .من الرائع حًق ا أنك على علم بذلك،
" .يا آنسة تشامبيون
لم ترد آنا ،لم تستطع ذلك ،بينما كانت كلمة "رائع" تدور في رأسها .من ناحية أخرى ،لم تواجه لوسي أي مشكلة في التحدث على
".اإلطالق" .ماذا أخبرتك يا سيد دافنبورت؟" قالت" .كنت أعلم أنكما ستتفقان جيًد ا
.ابتسم بال هوادة .وآنا ،برشاقة وخلف رفرفة مروحتها ،أطلقت بضع سعال
.من المثير أن يكون لديك وجه جديد في الحي ،أليس كذلك يا آنا؟" قالت لوسي"
".قامت بتطهير حلقها .أجابت بشكل قاطع" :ال أعرف"" .أنت تعرف ماذا يقولون عن الوجوه الجديدة :إنهم يخفون الحيل القديمة
" أوه حًق ا؟" عبوس لوسي بغضب" .هذه هي المرة األولى التي أسمع فيها هذا المثل ،آنا .هل أنت متأكد من أنه موجود بالفعل؟"
".بالكاد ،بالنظر إلى أنني اخترعته للتو .قالت وهي تكذب" :بالطبع
همف ".بدت لوسي متشككة" .السيد" .دافنبورت ،عليك أن تعذر صديقي "،تمتمت" .على أية حال ،ال تخافوا .وبالحديث عن األقوال"
.الفعلية ،يمكنك القول أن نباحها أسوأ من عضتها
.ليس كذلك .إن عضتي سيئة للغاية ،والسيد دافنبورت -على وجه التحديد ،كاحله -يعرف ذلك
ال تقلقي يا آنسة إدواردز .أجاب" :أنا أقدر الحدة العقلية ،ويبدو أن اآلنسة شامبيون موهوبة جًد ا في هذا الصدد" .كانت لهجته عبارة"
.عن مزيج مثالي من السكر ودبس السكر ،ملطًخ ا بقطعة من الكعكة اإلسفنجية
هل كان يحاول السخرية الخفية؟ تساءلت آنا بشكل ال يصدق .ال ،ال ،على اإلطالق .لقد بدا مقتنًع ا تماًما بأن بضع كلمات حلوة منمقة
.ستكون كافية لمحو ذكرى وقاحته .واعترفت لنفسها أنه ربما سيكون ذلك كافًيا ،إذا لم يقل ذلك لمصلحة لوسي فقط
ولكن انظر إليه ،هكذا فكرت بينما كان يتحدث مع لوسي .صناعي من قدميه إلى رأسه الذي ال يمكن الوصول إليه .عندما يبتسم ،ال
تتجعد عيناه ،وفي كل مرة يتحدث ،تكون مجامالته مغلفة بالتفاهات .يا له من تملق ال يطاق .يا له من ممثل من الدرجة الثالثة ال
يطاق .حتى أنه نظر إلى وصمة عارها ،ولم يتظاهر هذا المنافق حتى بتكوين وجه منسحق! لكن الخوض في األمر كان بال معنى،
. . .إال إذا قررت التخلي عنه
ربما لم يكن الخوض في األمر بال جدوى ،بعد كل شيء ،أدركت آنا .كان هذا الرجل حريًصا جًد ا على ترك انطباع جيد لدى لوسي،
أليس كذلك؟ لقد كان األمر واضًح ا تماًم ا ،حتى لو كان عليه أن يلجأ إلى مجامالت أقل إثارة للشفقة لتحقيق النجاح .من المؤكد أنه لن
يظهر وجهه الحقيقي ولن يكشف عن الحادث من قبل .وما لم ُيقال يمكن أن يكون لصالحها في النهاية .ابتسمت آنا بينما بدأت الخطة
.تتشكل في ذهنها .ال يوجد شيء معقد (وال أي شيء ،بصراحة ،رائع) ولكن بساطته كانت إلهية ح اًق
.الجو دافئ بعض الشيء في هذه الغرفة ،أال تعتقدين ذلك؟" قالت آنا مستغلة توقف المحادثة"
أجاب السيد دافنبورت ،وهو لم يفهم األمر بعد" :آه ،تماًم ا"" .درجات الحرارة نموذجية لبداية شهر يوليو .أما بالنسبة لذلك ،في العام
" -الماضي
"قاطعتها آنا« :بالتأكيد ،هذا يجعل المرء عطشاًن ا بشكل ال يصدق .أال توافقينني الرأي يا لوسي؟
.أوه " . . .نعم بالفعل "،قالت لوسي ،على حين غرة ،ولكن دون شك"
وال يمكن قول الشيء نفسه عن السيد دافنبورت .أظهرت عيناه بصيًص ا من الفهم المبدئي" .هل ترغبين في شرب شيء ما يا
.سيدات؟" سأل بأدب
3
".هناك امرأة في كل حال؛ بمجرد أن يقدموا لي تقريًر ا ،أقول" :ابحث عن المرأة
الكسندر دوماس ،األب -
عندما انضم إليه ماثيو على المائدة الطويلة المظلمة ،كان كريستوفر يدهن مربى البرتقال على قطعة خبز .كانا في غرفة الطعام —
إحدى غرف الطعام — في قصر روكفيلد بارك الفخم .كان ضوء الصباح الخافت يتدفق من النافذة التي تركت مفتوحة على
مصراعيها في الطقس الحار .كانت الغرفة ضخمة ومهيبة ،مع زخرفة األرابيسك والمفروشات على الجدران .كانت الوستارية
.الجصية والعنب متناثرة بشكل بارز حول سقف الغرفة
لقد ضاع كل هذا البذخ ،ألن كريستوفر لم يرفع عينيه عن طبقه متجهًما .مأل ماثيو كوًبا بالشوكوالتة الساخنة ثم قال ،بتنهيدة مبالغ
فيها" :بالنظر إلى مظهرك الحامض ،أود أن أقول إن األمور لم تسر على ما يرام الليلة الماضية .هل تمكنت من التعرف على نصفك
." . .قال وهو بالكاد يوقف نفسه في الوقت المناسب .إن اإلشارة إلى دانيال ديميرسي باعتباره األخ غير الشقيق لكريستوفر كانت
"ستجعله صفعة على رأسه" .هل تمكنت من التعرف على دانيال؟
.ال ،اللعنة على كل شيء ".بعد أن فقد كريستوفر شهيته ،ألقى قطعة الخبز على طبقه"
كان من المؤكد أن شخًص ا ما سيقدم له DeMercy -لقد ذهب الليل كله منحرًف ا .عندما بدا أنه قد نجح تقريًبا في االتصال بعائلة
دانيال خالل المساء -جاءت آنا شامبيون اللعينة وأفسدت خطته تماًم ا .ومالبسه طبعا .واألسوأ من ذلك أنها فعلت كل ذلك عن قصد.
كان لديها
سكب الزجاج عمدا! سمع كريستوفر ضحكات قادمة من مكان قريب ،وأدار رأسه ،ورأى رجًال عجوًز ا يسخر .كان لديه شعر أبيض
كثيف بشكل استثنائي ،مثل عرف األسد .للحظة كاد كريستوفر أن يفقد أعصابه ويلقي سنوات من العمل والتحضير في الهواء .يا
إلهي كم يكره أن يضحك عليه الناس .وسرعان ما خطرت في ذهنه ذكريات بعيدة ،ذكريات طفل ذو شعر أسود كثيف وكثيف وقذر.
طفل ركض ،طارده أطفال آخرون في مثل عمره؛ طفل بصق عليه وألقيت عليه الحجارة .الطفل الذي تم االستهزاء به والذي كان
يسمى اللقيط وابن العاهرة .هذا الضحك -األطفال يضحكون في وجهه ويطلقون عليه أسماء -ال يزال يطارد أحالمه حتى اليوم.
.فركض وركض
.حسنا ،ماذا حدث؟" سأله متى"
ال شيء مهم ،فكر ،وهو يفكر .لقد تعرضت للسخرية فقط خالل أول ظهور علني لي في هذا المكان البائس .لم يجبه ،وهو يغلي
.بمرارة .أتمنى على األقل أن تكون هذه الفتاة راضية ،وأال تقول شيًئ ا لصديقتها
لحسن الحظ ،لم تكن اآلنسة إدواردز تشك في أي شيء ،وصرخت في فزع« :آنا! أنت أخرق بشكل مخيف هذا المساء! سيد
. . ".دافينبورت ،يا له من عار .مالبسك األنيقة
.مع جو من التحدي ،نظرت إليه اآلنسة شامبيون .قالت بعينيها :اكشفني إذا كنت تجرؤ
كان كريستوفر صامتا .لم يكن هناك الكثير مما يمكنه فعله ،بعد كل شيء ،حتى لو أراد ذلك( .وأراد ذلك .لقد أراد ذلك حًقا ).ثم قالت
له هذه الفتاة الغادرة" :أنا آسف جًد ا يا سيد دافنبورت .هل ترى هذا؟" وأشارت إلى البقعة على فستانها" .هذا هو بالفعل الكأس الثاني
الذي سكبته هذا المساء" .وهكذا ،فمن المحتمل" -وقد أخذت في التأمل " -إذا لم يحدث هذا في المرة األولى ،فلن يحدث في المرة
الثانية أيًض ا ،ألن العادات السيئة تحدث على عجل ،أال تعتقدين ذلك؟" لم تخفض عينيها رغم الخوف الذي ظهر بحكمة على وجهها.
.بدال من ذلك ،ابتسمت فقط
!إبتسمت
.بالكاد تمكن من الحفاظ على هدوئه ولم يفرك رقبتها ،وابتعد ،متذرعا بأنه كان عليه تنظيف مالبسه
.ورحل وسط سحابة من الضحك
)"!لقيط! ابن العاهرة"(
لكي يهرب بهذه الطريقة من الكرة ،كما لو كان كلًبا خائًفا
كان الخروج وذيله بين رجليه مهيًن ا ،لكنه كان يعلم أنه كذلك
.ال يمكن أن أقابل دانيال في هذه الحالة .لم يكن من الممكن أن يقابل دانيال في أي حالة كان فيها أدنى منه
.منزعًج ا ،وضع يده على جبهته وغير الموضوع" .هل وجدت أي شيء على اإلطالق بشأن مديني ليوبولد؟" سأل كريستوفر
".احتج ماثيو قائًال " :أوه ال ،ال تعتقد أنك ستخرج من األمر بهذه السهولة"" .يجب أن تخبرني بكل ما حدث الليلة الماضية
"نظر كريستوفر إليه بغضب" .حسًن ا؟
"اذن ماذا؟"
".مدينو ليوبولد ديميرسي ،أيها ابن عمي الغبي"
أوه ،جيد جًد ا "،تنهد" .بعد ظهر هذا اليوم سأحاول مرة أخرى حّثي"
".االتصاالت في البنك
"أثار كريستوفر الحاجب" .بعد ظهر اليوم؟
بخير بخير .سأذهب على الفور .إذا كان هناك أي شيء آخر يمكنني القيام به من أجله"
.أنت ،دعني أعرف – ألّمع أحذيتك ،وكوي قمصانك
سيكون ذلك جميال ،ولكن أعتقد أن ذلك سيتطلب المزيد"
.معلومات استخباراتية من جانبك ،لذلك لن أزعجك بذلك
نظر ماثيو إليه جانبًيا" .هل أنت متأكد من أن كونك ذكيا
.يعني وجود هذا التعبير الشبيه بالقردة على وجهك؟ سأله متشككا
أخذ قطعة من الخبز والمربى وأكلها ببطء ،شبه شارد الذهن ،كما رآه كريستوفر يفعل منذ أن كان طفًال .لم يتغير ماثيو كثيًر ا أثناء
نشأته :كان ال يزال يتمتع بنفس العيون الكبيرة ،ونفس البنية النحيلة ،ونفس الشعر القصير اللعين" .الشعر الطويل يجلب القمل"،
كانت تقول باربرا دافنبورت ،وهللا ما زال ماثيو يستمع إليها ،رغم أنها ماتت .ولم تكن هذه سوى واحدة من آالف القواعد التي
.فرضتها العمة على ابنها وعلى كريستوفر ،بعد أن استقبلته عائلة دافنبورت
.قالت السيدة دافنبورت" :ال تتسلق على الخزانات"" .ال تركض؛ سوف تتعرق كثيًر ا
... . ".ال ينبغي للمرء أن يقاتل ،ال ينبغي ألحد أن يقفز ،ال ينبغي ألحد أن"
ورغم أن كريستوفر رفض في كثير من األحيان وبكل سرور االنصياع لهذه القواعد ،إال أن متى فعل ذلك .معظم الوقت ،على
األقل" .ال تلعب مع األطفال الغرباء؛ "سوف تصطاد شيًئ ا ما" ،تذمرت .ومع ذلك ،كان ماثيو قد اقترب منه بعد ظهر أحد أيام
سبتمبر منذ حوالي عشرين عاًما ،وقدم له شطيرة ،ولعبا سًر ا لمدة خمس دقائق قبل أن تالحظ والدته غيابه وتناديه بصوت عاٍل لمدة
،خمس دقائق .في ذلك اليوم ،ثم خمس دقائق كل يوم لمدة شهر تقريًبا
.كل بعد ظهر .كان ذلك أول تمرد لطفل بدا هزيًال للغاية بحيث يمكن أن تحمله أول هبة ريح
لحسن الحظ ،لم تكن هناك رياح في الثاني من سبتمبر عام .1806لقد كان يوًما حاًر ا – جيًد ا وحاًر ا – ذلك النوع من الحرارة التي
تتغلغل في عظامك مثل بلسم الشفاء .كان كريستوفر يقوم بتلميع األحذية للسادة بين بيكاديللي وغرين بارك ،وقد رأى ماثيو يصل
برفقة سيدة نحيفة متوترة ومربية بدينة كانت الهثة بعض الشيء .لم تكن هذه هي المرة األولى التي يرى فيها الثالثة؛ قبل أن تنتحر
والدته ،كانت تأخذه من وقت آلخر إلى الحديقة ،وبمجرد أن وضعت حجابها على وجهها وخرجت معه بسرعة بعد أن رأت المرأة
.النحيلة .والدته التي لم تهرب قط .لماذا؟ انتحرت بعد أيام قليلة .ربما كان خطأ هذه السيدة
.ربما لم يكن خطأي
مع هذه الفكرة في رأسه ،كان كريستوفر يتبع الثالثة منهم .فتجسس عليهم من وراء شجرة دون أن يصدر صوتا .وبعد فترة الحظه
.ماثيو وابتسم له ابتسامة خجولة
".مع تنهيدة ،استدارت آنا نحو شقيقها ،الذي كان يعبث بسن قلمه .قالت" :أنتوني ،عد لتأخذ دروسك
".أجاب" :لقد انتهيت منهم
كانت تجلس على طاولة المطبخ ،حيث كان إخوتها يقومون بتمارينهم .كان أنتوني يؤدي واجًبا صعًبا في مادة الرياضيات التي كان
يحبها( .كان األمر مقلًق ا عندما كان في الحادية عشرة من عمره تقريًبا" .أين أخطأت معك؟" كانت آنا تسأله أحياًن ا وهي تضحك).
كان دينيس ،الذي كان يعاني من ألغاز الكتابة اليدوية ،يكتب الجملة "أحاول أن أكتب الجملة" ،وتوجيه القلم بقليل من الدقة وكثير من
التثاؤب .كانت جريس ،ابنة المنزل ،ترسم أنواًع ا مختلفة من الزهور في دفتر مالحظاتها ذو الغالف األحمر .لقد قررت تلوينها
.جميًع ا باللون األصفر والبني
كيف يمكن أن تكون قد انتهيت بالفعل؟" نظرت آنا إلى دفتر أخيها األنيق ،وتفحصت المبالغ .واعترفت قائلة" :هذا صحيح ،وكل "
"!شيء صحيح .جيد جًد ا
.لقد أفسدت شعره البني الكثيف الذي كان يكرهه
أوه ،آنا!" تذمر .لقد حاول إعادة ترتيب شعره ،فتحول تحت يديه من فوضوي إلى أكثر فوضوية .قال بصوت جدي" :إذا كنت جيًد ا "
".جًد ا ،فلماذا ال أستطيع مساعدتك في الحسابات؟" وأشار إلى السجل األسود الذي أمامه" .يبدو أنك متعب للغاية
أنتوني ،عزيزي الرجل الصغير ،أنت تعلم أنه ال ينبغي ألحد أن يخبر سيدة شابة أنها تبدو متعبة .إذا سمعتك لوسي ،فسوف "
.تضربك بالتأكيد
لكنها كانت مرهقة حًق ا ،هذا ما اعترفت به آنا لنفسها .لقد عادت متأخرة مساء أمس ،وفي الصباح منعها روتين أسرة البطل من
.الراحة .ومع ذلك ،كان األمر يستحق ذلك؛ لقد رقص دانييل معها مرتين ،وكل شيء سار على ما يرام
.أو كل شيء تقريًبا
شعرت بعدم االرتياح الطفيف عندما فكرت مرة أخرى في السيد دافنبورت ووجهه الغاضب بعد االنتقام الذي اتخذته منه .هيا ،لقد
كان ممتعًا ،أليس كذلك؟ فكرت وهي تحاول إقناع نفسها .لقد كانت مجرد مزحة صغيرة ،وبالتأكيد لن تكون هناك عواقب .منذ متى
أصبحت ضعيفة القلب إلى هذا الحد؟
ومع ذلك ،فقد شعرت هذا الصباح بعدم الرضا وفكرت في احتمال أنها لم تتصرف بشكل صحيح .ارجوك! من المؤكد أن أخالقه
البغيضة تستحق العقاب .هزت رأسها لتخليص نفسها من فكرة ذلك الرجل المتعجرف .كانت تعلم أنها على حق ،على الرغم من أن
الشعور بالذنب الذي ال يمكن تفسيره لم يتركها أبًد ا .وبدا لها – للحظة قصيرة وغير محسوسة – أن خلف غضب تلك العيون
.الزرقاء يكمن حزن بعيد
.قالت في نفسها :هذا أمر مثير للسخرية .أنا فقط أتخيل ذلك
من اآلن فصاعدا ،سيكون عليها أن تتجنب كريستوفر دافنبورت -وهو أمر ال ينبغي أن يكون صعبا للغاية ،ألنه لم يكن كما لو أنها
كانت تتمتع بحياة اجتماعية كبيرة .إذا تمكنت من إدارة ذلك ،فسيتم االعتناء بكل شيء .قررت إخراج الكرة من ذهنها ،وفركت
جبهتها وهي تحول انتباهها إلى سجل الحساب .بعد مرض والدها ،تسببت إدارة التركة في قلقها .ومع ذلك ،كان هناك ارتياح في
األفق .إن اإليجار من ممتلكات عائلتها من األراضي سيغطي ديونهم ،وفي غضون سنوات قليلة أخرى سيكونون مجانيين
.وواضحين
.فكرت آنا :أستطيع أن أفعل ذلك
.لم تقل هذا بصوت عاٍل .أبدا بصوت عال
أستطيع أن أفعل ذلك .وفي غضون خمس أو ست سنوات سيتم سداد الديون .الى الجحيم
.مع زواج المصلحة
كانت آنا تدرك جيًد ا أن هذا هو السبب وراء قيام لوسي بجرها إلى الحفالت والكرات .كانت صديقتها قلقة عليها وأرادت الحصول
على زواج مفيد لها .هل من األنانية أن ترغب في الزواج من أجل الحب؟ تساءلت مرة أخرى .كانت تعرف الجواب :نعم ،لقد كانت
أنانية .إن رفض الزواج الجيد يعني ترك أسرتها في حالة من الفقر النسبي الغارقين فيها حالًيا .لقد تخلصوا من كل اإلنفاق غير
الضروري ،وتم إغالق معظم المنزل لمدة ثالث سنوات ،ولم يعد لديهم خيول أو خدم . .وكانت المساعدة الوحيدة المتبقية هي نورا،
.التي بقيت حتى عندما لم يعد بإمكانهم دفع أجورها ،ألنها كانت جزًءا من العائلة بكل المقاصد واألغراض
وهذا الشلن المفقود ،أين ذهب؟ تساءلت وهي ُت رهق عقلها وهي تعيد حساب المبلغ للمرة الثالثة .حسًن ا ،تكلفة خيوط الخياطة،
...باإلضافة إلى طبيب األب ،باإلضافة إلى
.الضفدع القبيح!" صرخ صوت مألوف ،يهز آنا من أفكارها"
.تحولت آنا نحو دينيس ،الذي كان يتقاتل مع أنتوني للمرة األلف
.ألقى دينيس دفتر مالحظاته ،ونهض أنتوني فجأة من كرسيه ،وقلبه" .فجل حار!" أجاب غاضبا
فجل حار؟ قالت آنا في نفسها في حيرة" .يا أطفال ،من فضلكم "،توسلت وهي تحمل رأسها بين يديها .كريمة ،أنا ال أنجز أي شيء
هذا الصباح .لقد تخلت عن سجل الحسابات وحصلت على مذكراتها السرية .فتحته .في الداخل كانت هناك خربشات غير قابلة للفك
يبدو أنها كتبها شخص أعسر لم يكن لديه سوى ذراعه اليمنى وكان في حالة سكر إلى جانب ذلك .لوسي وحدها هي التي كانت
وهي االختزال المعدل LuAnGraphy،تستطيع أن تفهم أي معنى لهذه العالمات ،ألنه لم يكن هناك سوى كلمات مكتوبة بلغة
أمًر ا تلقائًيا مثل كتابة LuAnGraphyالذي استخدمه كالهما لتبادل المالحظات المشفرة .بالنسبة آلنا ،أصبحت الكتابة باستخدام
.األشياء بالكامل ،وحتى اآلن تحرك سن قلمها بسرعة بينما كانت تسجل في مذكراتها أحداث الليلة السابقة
لم تستطع االنتظار حتى بعد الظهر لمقابلة لوسي .أرادت مناقشة الكرة معها ،وعلى الرغم من نفسها ،كان لديها فضول لمعرفة
المزيد عن كريستوفر دافنبورت .بعد الحادثة ،كان قد انصرف متبختًر ا وهو يشعر باإلذالل الشديد — أو هذا ما بدا لها — وقد
.أثارت هذه الفكرة شعوًر ا جديًد ا بالذنب
».مهال ،ما هو الخطأ معك؟ تبدو أكثر سخافة من المعتاد اليوم ،واعتقدت أن ذلك مستحيل"
نهض كريستوفر من على الطاولة" .أشكر نجومك المحظوظين ألنك ابن عمي ،مات ،وإال لكنت قد سجلتك منذ وقت طويل ".توقف
لديهم عقار يقع شرق القرية وأريد أن أعرف Champion.مؤقًت ا ،ثم أضاف مشتًت ا" :آه ،استمع .تعرف على عائلة معينة اسمها
".كل شيء عنهم .كل شئ .كم يكسبون إذا كان عليهم ديون .ال تترك حجرا دون أن تقلبه
ماثيو تجعد جبينه" .بطل؟ لم يسمع بهم .هل هم عائلة مهمة تخلت عني؟
ليس تماما .أعتقد أنهم فقراء إلى حد ما ،في الواقع .فكر مرة أخرى في الليلة السابقة وأطبق فكه" .على وجه الخصوص ،أريدك أن"
".تكشف عن كل جزء ممكن من المعلومات المتعلقة باآلنسة آنا تشامبيون
لم تخدع لهجته غير المبالية ابن عمه الذي صّفر بهدوء" .آنا بطلة؟ هل أنت واقع في الحب قليًال يا كريس؟» ضحك بسخرية" .اآلن
».أفهم لماذا كنت ترتدي مالبسك هذا الصباح! لقد كنت نشوًيا لدرجة أنني تساءلت كيف ستثني ركبتيك لتتمكن من المشي
عابًس ا ،لم يستجب كريستوفر ،واتجه نحو الباب .كان لديه الكثير من األشياء للقيام بها ،وكلها مزعجة بنفس القدر ،وكان عليه
.المضي قدًما
هل يجب أن أنصح بطلة آنا هذه بمغادرة المدينة يا كريس؟" صرخ ماثيو بقلق" .أنا ال أحب ذلك على اإلطالق عندما يكون لديك "
!تلك النظرة على وجهك -ال يعني ذلك أنني أجد وجهك جذاًبا إلى هذا الحد ،ولكن . . . ...مهال ،عد إلى هنا
.وبدون كلمة أخرى البن عمه ،رحل كريستوفر
OceanofPDF.com
4
.وبعد الحالوة يأتي الحزن
إذا طلب مني مرة أخرى معلومات عن معارض الخيول ،فسوف أكسر رقبته .كان المتلقي المقصود لهذا التهديد غير المعلن ،وإن
.كان مزعًج ا ،الذي وجهه كريستوفر هو جوزيف ،الصبي المستقر في روكفيلد ،الذي لم يكن على علم بالخطر الذي اجتذبه بسعادة
"هل ستذهب في جولة يا سيد دافنبورت؟"
".نعم"
سأحضر هذا الجمال لك ".وكان يوسف في السادسة عشرة من عمره"
".قديمة وكانت الوفرة مرهقة .لقد أحب عمله ،واألمر الذي ال يغتفر هو أنه أحب التحدث عنه" .لقد قدمت له بالفعل رعاية جيدة
.أومأ كريستوفر برأسه برأسه برأس بارد ،على أمل إخماد حماسة الصبي .لم ينجح
"...في عزبة أبرفيلد ،اشتروا للتو جحًش ا جديًد ا يا سيد دافنبورت ،وبعد أن الحظوا أن لثته"
".بخير"
فركب الحصان وانطلق مسرعا .لقد سار في الممر بسرعة ،ولكن بعد ذلك ،دون أن يدرك ذلك ،أبطأ وعاد إلى الوراء لينظر .كانت
ممتلكاته تلوح في األفق في شمس الصباح .موقعها الجميل وحديقتها الُمعتنى بها جيًد ا واألراضي الواسعة التي تتميز بإطالالت
خالبة جعلتها حلم كل رجل نبيل" .لكن ال تتعّلق باألمر كثيًر ا يا مات "،كان قد نصح ابن عمه في اليوم السابق" .عندما ننتهي من
عملنا هنا ،سنبيعه كله -أنت تعرف ذلك ".ولم يكن ينوي البقاء
المثل-
في البالد وال أن يكون مالكا لألرض .لقد كان يعيش هناك لمدة ال تقل عن يوم واحد وقد افتقد بالفعل ضجيج لندن وحصىها .كان كل
.شيء هادًئ ا جًد ا في روكفيلد بارك
انطلق ببطء على الطريق المؤدي إلى كوكستون .لقد استغرق وصوله إلى هنا أكثر من اثنتي عشرة سنة؛ لم يكن هناك سبب للتعجل
.اآلن .كان عدد قليل من المزارعين يعملون على مسافة بعيدة ،وربما كانوا يغنون بعض األغاني ،لكن الصوت لم يصل إلى أذنيه
.ما هذا الصمت القمعي الدموي
لقد قرر أنه سيثبت نفسه في كوكستون بمجرد أن يتمكن من اكتشاف ماضي والدته بشكل عام .إذا لم يأخذ هذا كهدف ،فمن المحتمل
أن يصبح محاميا ،مثل والد ماثيو ،وليس ممواًل ثرًيا ومالًك ا جديًد ا لألرض .أو كان سيغادر إلى مكان بعيد :أمريكا ،أوروبا ،الهند.
.ربما كان سيترك الريح تأخذه إلى حيث تشاء ،فيطفو دون أن يقيده أي مكان أو شخص
.وأمامه عربة مليئة بالقش تسد الطريق .دار حوله واستمر في زيادة سرعته
لم يكن بحاجة إلى اختيار ما يجب القيام به في الحياة .أمه المعلقة في الغرفة -برائحة برازها ووجهها المتورم بشكل بشع -اختارت
.له
.بدأ بالركض ،مما حفز الحصان على السير بشكل أسرع من الريح" .هيا أيتها الجميلة ،دائخة "،دفعه وهو يميل إلى األمام
لم يتذكر الكثير عن مارثا عندما كانت على قيد الحياة .ظهرت بعض الصور التي ال تنسى في رأسه .لقد تذكر الوقت الذي أهانتها
فيه سيدة عجوز في كشك تفاح مخبوز .في ذلك الوقت حاول كريستوفر الشاب أن يأخذها من يدها .قالت له :ال يا كريس" .دعونا
نبقى هنا ".وتذكر أيًض ا عندما صرخت ،بينما كانت تقوم بدورة قصيرة في يوم بارد ولكن مشمس" ،لقد اقترب الربيع يا داكي!
".ستكون األمور أفضل في أي وقت من األوقات
هذه الذكريات الهشة تذكرنا فقط بجزء يرثى له مما كانت عليه والدته .كانت تتمتع بلطف طفولي ،وكان جمالها الذي ال يقترب منه
يجذب نظرات اإلعجاب من الرجال والنساء .لقد كان الجمال الذي اختفى في لحظة .اختفت بقفزة مفاجئة في غرفة قذرة في بيت
للدعارة ،جمال جعل كريس يطرح نفس السؤال مراًر ا وتكراًر ا :لماذا؟ لماذا يا أمي؟
عندما كان طفًال ،لم يكن لديه أي وسيلة للتعرف عليها .وقالت إنه لم يكن يعرف حتى اسم عائلته الحقيقي — سميث ،ولم يكن يعرف
اسم عائلته
قريب أو صديق واحد .لقد بقي في بيت الدعارة ألنه كان وحيًد ا في العالم ،وحتى هذا الترتيب بدا له بمثابة ترف" .ال يمكنك البقاء
هنا " . . .ال يجب عليك البقاء هنا "،أخبرته إليز في البداية" .وأنا بالتأكيد ال أستطيع أن أدفع مقابل إبقائك في مكان آخر .ليس هناك
خيار آخر :إما العيش في الشوارع أو في دار األيتام .وعلى الرغم من ضعفك ،فلن تتمكن من الصمود لمدة شهر ".عند سماع هذه
الكلمات ،صمت كريستوفر .في الواقع ،لم يتحدث أبًد ا تقريًبا بعد أن رأى جسد والدته البارد الذي ال حياة فيه .ثم وقفت إليز،
وجلست ،ووقفت مرة أخرى .أقسمت ،ولعنت مارثا ،واستسلمت أخيًر ا" .حسًن ا" -وتغيرت لهجتها من الغضب إلى االستسالم -
"اآلن يمكنك البقاء .أنت ال تزال صغيرا ،وسوف يتركونك وحدك .لكن اسمع :ال ينبغي أبًد ا أن تسمح لنفسك بأن يراها السادة الذين
".يأتون إلى هنا .وابتعد عن سيدتي .يجب أن يتم مالحظته بأقل قدر ممكن
وهذا ما فعله .لقد فعل كل شيء حتى ال يتم مالحظته؛ حتى ليلته األخيرة في بيت الدعارة ،كان يختبئ تحت الدرج .ونام هناك وحيدًا
كما اعتاد .كان هناك طفالن آخران في المنزل ،جورج وكاترين ،لكن في سن التاسعة والعاشرة كانا يرافقان السادة إلى الغرف .من
ناحية أخرى ،كان متكًئ ا خلف كومة من الخرق القديمة ،قلًق ا بشأن بعض األوراق التي كان يحملها بين يديه .كان يعتقد أنني أود أن
أتعلم القراءة .ربما سأتعلم أشياء جديدة في هذه الرسائل .في الواقع ،كانت المراسالت تخص والدته ،وقد قرأتها إليز وأعطتها له بعد
عشيق والدته -الذي وقع "L" -أيام قليلة من انتحار مارثا .لم يقل الكثير .كانت هناك سبعة رسائل في المجمل ،وجميعها من حرف
باألحرف األولى من اسمه فقط .لم يكن هناك اسم عائلة ،وال مدينة ،وال ذكر للمدارس أو المتاجر ،أو أي معلومة أخرى يمكن أن
تساعد على األقل في فهم المكان الذي تنتمي إليه مارثا .حتى أن هناك دفتًر ا – بغالف أسود ،متضرر قلياًل ،يمسكه كريستوفر بقوة
أحياًن ا قبل النوم – وهو نوع من المذكرات المليئة بالمذكرات واألقوال والمقتطفات الشعرية والقصص .لقد كانت مكتوبة بخط يد
والدته ،لكنها لم تكشف شيًئ ا عن أصولها .واألفضل من ذلك ،أنها كشفت فقط ما هو مهم بالنسبة لها :روحها ،ونظرتها إلى العالم.
.بالتأكيد ليس ماضيها الذي محته حتى على الورق
أراد كريستوفر أن يطلب من إليز أن تعيد قراءة الرسائل الموجهة إليه ،أو على األقل المذكرات .أوه ،لقد تمنى ذلك أكثر من أي
شيء آخر .لكنها بالتأكيد لن يكون لديها الصبر وال الرغبة في القيام بذلك من أجله .وكانت حزينة جًد ا لبعض الوقت . . .قالت إنها ال
تريدني في الجوار بعد اآلن .في الحقيقة ،لم تكن حنونة تجاهها قط
وكثيًر ا ما كانت توبخه ،ألن السيدة دفعت لها المال مقابل السماح له بالعيش هناك .ومع ذلك ،كانت تربت عليه أحياًن ا ،مثلما حدث
عندما أحضر لها كريستوفر فلًس ا إضافًيا أو أعطاها تفاحة مسروقة من سوق كوفنت جاردن .كان يأمل أنها ربما ستكون أكثر سعادة
عندما تختفي تلك األشياء الحمراء التي ظهرت على وجهها .المستحضر الذي تضعه لم يعالجهم بعد ،ولذلك تغطيهم بالكثير من
عالمات الجمال الزائفة ثم تبكي .صوت خطى جعله يرفع رأسه :كان هناك شخص ينزل على الدرج .لقد كان مختبًئ ا جيًد ا تحت
.مالبسه القديمة
كريس؟" سمع .كانت إليز تتصل به" .كريستوفر؟ البد أنه هنا يا سيد جونز .سوف ترى .إنه طفل جميل ،وذو أخالق جيدة ،وسهل "
".االنقياد
تبع ذلك ضحكة خجولة غير مألوفة" .جيد" ،أجاب صوت الرجل الصغير .وبعد توقف قصير قال الصوت بقلق« :إنه . . .قلت انه
. . ".جميل؟ ولم يفعل . . .لم يفعل ذلك قط
"أبًد ا" ،أجابت إليز بإصرار ،بل وبشكل مطمئن" .لقد حراسته جيدا .كريس!" لقد إتصلت" .كريستوفر ،هل أنت هنا؟"
.ماذا أرادت إليز منه؟ ربما أرادت منه أن يلمع حذاء هذا الرجل .أخفى كريس الرسائل والدفتر تحت قميصه ،وخرج من مخبأه
"إليز؟ هل تبحث عني؟"
كان يحدق بفضول في الرجل القصير بجانبها .كان لديه بطن كبير ،على الرغم من أن بقية جسده كان نحيفا .عمليا لم يكن لديه
.أكتاف أو قاع ،فقط بطن .وكان يبدو كطفل أيًض ا ،ألنه كان يرتجف ،ولسانه ظل يلعق شفته السفلى
".أوه . . .مثالي "،صاح الرجل عندما رآه" .هو مثالي"
.لقد بدا سعيًد ا جًد ا ،فكر كريس
وضعت إليز يديها في حجرها ،وعصرتهما مثل قطعة قماش مبللة" .كريس ،أريد أن أعرفك على شخص ما "،قالت بصوت عاٍل
.قلياًل ،ولكن لمرة واحدة دون أي إشارة إلى القسوة
.انحنى السيد جونز نحوه" .أهًال . . .كريستوفر .أنا برنارد
"نظر كريستوفر بتساؤل إلى إليز" .هل هو هنا من أجلي لتلميع حذائه؟
أوه . . .نعم .نعم هذا كل شيء ".لم يستمر ترددها سوى لحظة" .ومع ذلك ،ليس هنا .السيد جونز يريد منك أن تذهب معه إلى "
.مكان ما
"في أي مكان؟"
".مكان لطيف .سوف ترى .أنت ذاهب إلى هناك اآلن"
. . ".اآلن؟" كان كريستوفر متعًبا في تلك الليلة ،وكان يأمل في النوم قليًال" .لكن . . .ال"
".السيد .قالت إليز وقاطعته" :إن جونز لطيف للغاية مع األطفال"" .سوف تكون سعيًد ا ألنك ذهبت معه"
أكد الرجل بصوت متحمس" :هذا صحيح يا كريستوفر" .أخرج كيًس ا صغيًر ا من جيبه وقدم له قطعة من الشوكوالتة .شاهده
كريستوفر دون أن يتقبل األمر وتراجع خطوة إلى الوراء .استقام السيد جونز فجأة إلى أقصى ارتفاعه -وهو ما لم يكن كثيًر ا -
"-ونظر إلى إليز .قال غاضًبا" :لقد أخبرتني أنه مطيع! انا لست
أوه ،إنه كذلك "،قالت بسرعة ،كما لو كانت يائسة" .سترى يا سيدي .كريستوفر ،ال تجعلني أبدو سيئة .الذهاب معه .لديه عربة "
"جميلة في الخارج .لم تكن في عربة لفترة طويلة .أليس كذلك؟
.نعم ،ولكن ." . .بدأ كريستوفر"
".قالت له إليز بصوت بدا" :خذ الحلوى" . . .كأنها كانت تتسول؟ "وقل شكرا للسيد
إذا قالت إليز ذلك ،فال بد أن يكون هو الشيء الصحيح .أليست هي التي أبعدته عن السيدة ومن دفعت له مسكنًا هنا؟ مد كريستوفر
.يده وأخذ الحلوى" .شكرا لك سيدي ".أكلها ،وكانت لذيذة :لوز مغطى بالكراميل ،نكهة لن ينساها أبًد ا منذ ذلك الحين
.بدا السيد جونز مرتاًح ا جًد ا
كرر" :برنارد ،اتصل بي برنارد" .وتشكلت حبات من العرق فوق فمه ،فمسحها بيده" .لذلك يمكننا أن نذهب ،أليس كذلك يا
"كريستوفر؟
لقد بدا حريًصا جًد ا على المغادرة .كانت عيناه مشرقة ومفتوحة على نطاق واسع ،ووجهه متورد وتنفسه غير منتظم بعض الشيء.
.يعتقد كريستوفر أنه ربما يعاني من الحمى
".تعال اآلن يا كريس .اذهب مع السيد"
حسًن ا ،ولكن ." . .لكنه شعر بالحزن ،ولم يفهم السبب .ربما كان ذلك ألن إليز بدت حزينة أيًض ا" .ولكن بعد أن أتمكن من العودة "
"إلى هنا؟
وضعت إليز يدها على وجهها ،ومسحت عالمة جمال زائفة تبدو وكأنها ذبابة كبيرة .أجابت" :بالطبع" .تحركت عيناها بعصبية،
.ونظرت أوًال إلى الجدران ،ثم إلى األرض ،ثم إلى الدرج .نظرت في كل مكان حول الغرفة ،في كل مكان إال في وجهه
".تحدثت ونظرت حولها مشتتة .وأضافت آنا" :ومن الواضح أنه كان عليه أن يخضع الستجواب أنتوني
"وأخيرا وجهت لوسي عينيها إليها" .ال!" قالت وهي تضحك" .ماذا قال له هذا الشيطان الصغير؟
احمر خدودها بمجرد التفكير في األمر" .يجب أن تعلم أن أخي لديه فكرة أنني سأتزوج قريًبا .يبدو أن الفكرة تخيفه .ربما كانت فكرة
.أن تصبح صهر رجل فظيع مثل السيد بيمبروك
"وماذا سأل دانيال؟"
".قالت وهي تغمض عينيها بيدها وهي ال تزال غير مصدقة" :سأله إذا كان ينوي الزواج بي
كانت النظرة على وجه أنتوني " -سيدي ،هل تنوي الزواج من أختي؟" -جدية للغاية ،وكانت آنا عاجزة عن الكالم .لم تكن تعرف
ما إذا كان عليها أن تضحك أم تقلل من شأن األمر ،لكن كل الدم من دماغها اندفع إلى وجهها ،مما جعل من المستحيل التفكير
.بعقالنية .وقفت هناك هكذا ،وفمها مفتوح في وسط الريف ،ووجهها يطل إلى الخارج ،وقد احمر كله تحت مظلتها البيضاء الصغيرة
"وكيف كان رد فعل دانيال؟"
أوه ،كما تعلمون ،ال شيء يزعجه على اإلطالق ".كان هذا صحيحا .كان دانيال وردًيا تماًما وهادًئ ا تماًما .لم تظهر على بشرة "
الشاب أي عالمة على خيانة مشاعره عندما طرح عليه السؤال" .سأله دانيال :هل ترغب في أن أكون صهًر ا يا أنتوني؟" و أخي . .
" ."".شهقت آنا مرة أخرى ،كما لو كانت مذعورة ،وأضافت" :نظر إليه أخي بشكل منحرف وأجاب" :ال يا سيدي
ضحكت لوسي" .هذا الطفل ال يرحم!" ومع ذلك ،بدا أنها تفكر في شيء آخر ،وفي الواقع سرعان ما قالت" :اسمعي ،آنا ،كما
".تعلمين ،مساء االثنين سيكون هناك حفل عشاء في منزلي ،و . . ...ال ،ال تجعل هذا الوجه .لن تخطئها
"...أوه لوسي ،أتوسل إليك"
قالت لوسي بحزم" :يجب أن تأتي"" .ستكون األخوات روثرهام هناك ،وبالتأكيد ال يمكنك أن تتركني وحدي معهم .لست متأكًد ا مما
إذا كان بإمكاني البقاء على قيد الحياة .إما ذلك أو سأضطر إلى قتل كليهما ،وأنت تعلم أن والدتي لن توافق إذا قمت بتلويث السجاد
".في غرفة الرسم .وأضافت وهي تنظر إلى آنا بنظرة عارفة" :فضاًل عن ذلك ،سيكون دانيال هناك بكل تأكيد
.احمر خجل آنا وتظاهرت بفحص فنجان الشاي الخاص بها
".وتابعت لوسي" :ويمكنك أن تعتذر بشكل صحيح للسيد دافنبورت"" .لقد أكد لي أنه لن يفوته
وهذا يا عزيزتي لوسي هو السبب الوحيد الذي يمنعني من الحضور .رؤية دانيال ستكون أمًر ا ممتًع ا ،صحيًح ا ،لكنه كان مهتًما
بلوسي ،وليس بها ،ولم يكن لقاء كريستوفر دافنبورت على قائمة مهامها بالضبط .كان هناك ما ال يقل عن اثنين وستين شيًئ ا آخر
تفضل القيام به بدًال من ذلك ،بما في ذلك الرقص مع السيد بيمبروك ،والذهاب إلى طبيب األسنان ،وإقامة عالقة حميمة مع أكبر
.األختين روثرهام
.يا إلهي ،عاجًال أم آجًال سوف أراه مرة أخرى ،إنه أمر ال مفر منه
فكرت .كانت معدتها تدور بالفعل عند التفكير في عينيه المخيفتين .دع القليل من الوقت يمر ،وآمل أن تكون ذاكرته قصيرة ،فقد كان
"هذا هو الحل الوحيد المؤكد .قالت" :لوسي ،أال يمكنك أن تعفيني هذه المرة؟
.ردت صديقتها على السؤال بنظرة ال هوادة فيها .لم تكن هناك حاجة للرد .حتى أنها لن تكرم آنا بإعطائها إجابة
عذر – كانت آنا بحاجة إلى إيجاد عذر بسرعة .ولكن ماذا؟ هيا ،األمر ليس بهذه الصعوبة ،أي عذر ،أي . . .تمتمت أخيًر ا:
"لألسف ،ليس لدي ما أرتديه"" .لم أتمكن أبًد ا من تجهيز الفستان في الوقت المناسب .لم يبق سوى يومين ،ومع كل التزاماتي." . .
وانتهت جملتها بحزن -أو هكذا بدا األمر ،ألنها في الواقع كانت سعيدة تماًم ا بنفسها .من المؤكد أنه سيتعين على لوسي قبول هذا
.السبب للسماح لها بنقل هذا الحدث المجتمعي
".رغم كل الصعاب ،لم ترف لوسي جفنها .وأكدت" :لهذا السبب أنا هنا
.ماذا؟ "ماذا؟" سألت آنا ،فقط لتأكيد أسوأ مخاوفها
التقطت لوسي سلة الخوص الكبيرة التي كانت تحملها معها وفتحتها .في الداخل كان هناك كعكة لألطفال .رفعت آنا رقبتها ،وأدركت
"بخيبة أمل أنها تحتوي أيًض ا على قماش للخياطة" .لوسي؟
".لقد قلت أنك ستسمح لي بمساعدتك في ارتداء ثوب والدتك ذو اللون األخضر الداكن"
." . ".لوسي"
».انت وعدت .سأبقى هنا هذا المساء وسنقوم بتغييره مًع ا"
"-لكن"
!السيد .أيها البطل ،هل تسمح لي بالبقاء هنا كضيفك؟" يا لها من خدعة غير عادلة"
".أوه .أجاب والد آنا" :سيكون من دواعي سروري البالغ يا آنسة إدواردز"
بحثت آنا مذعورة عن كلمات لتشرح لها أن العشاء لن يكون مناسًبا لها على اإلطالق .لكن السماوات! هذه الكلمات لم تأت لها.
""-لوسي "،بدأت وهي تضع يدها على جبهتها" ،نحن نتناول حساء البطاطس هذا المساء فقط ،و
وفجأة ،انحنت صديقتها نحوها ،وهاجمتها بصوت منخفض حتى ال يسمع السيد شامبيون" ،ثقي بي ،آنا ،لمرة واحدة! قد أكون أفضل
"في هذا مما تعتقد .هل تعلم أن؟
.بعد تعرضها للضرب ،لم تقل آنا شيًئ ا .لقد استسلمت
وعلى الرغم من كل شيء ،كانت أمسية رائعة .كان األطفال سعداء بحضور لوسي ،وشعرت نورا باالطراء من إطراء لوسي على
طبخها المتواضع ،وبالنسبة آلنا ،بدا أن البقاء مستيقظة حتى الساعات األولى من الصباح لتغيير فستان والدتها القديم كان من أكثر
األشياء الممتعة التي حصلت عليها على اإلطالق منتهي .كانت لوسي تتمتع بالعين ،وكانت آنا تتمتع بالمهارات ،وبالتالي كانت
النتيجة النهائية أفضل مما كانا يأمالن ،لكن ذلك لم يحدث أي فرق ،ألن الفستان -المزخرف بالفعل بضحكاتهما -بدا رائًع ا على أي
حال .وعندما ذهبا أخيًر ا إلى السرير — كالهما في سرير آنا ،نظًر ا ألن غرف الضيوف لم تكن صالحة لالستخدام — استمرا في
.الدردشة لفترة طويلة ،على الرغم من التعب الشديد الذي أصابهما
OceanofPDF.com
5
.أعرف جيًد ا ما الذي أهرب منه ،ولكن ليس ما أبحث عنه
ميشيل دي مونتين –
عندما دخل غرفة الرسم المهيبة ،ورحبت به السيدة إدواردز بخجل ،نظر كريستوفر حوله ،باحًث ا عن وجه دانيال .لم يصل بعد ،هكذا
.فكر وهو يسترخي
)لكن ليس لديك خوف .أليس كذلك يا كريستوفر؟(
.كان من الطبيعي بالنسبة له أن يقّيم اللحظات التي أثقلت كاهله .فوهللا لقد أعد لذلك اثنتي عشرة سنة ،وانتظره عشرين سنة
أخذ نفسا ثم خرج .لقد فعل ذلك مرارًا وتكرارًا حتى هدأ .ثم ذهب ليقدم احترامه لآلنسة إدواردز ،التي كانت في زاوية قريبة .في
ذلك المساء كانت أجمل مما يتذكر ،ولم يتأثر على اإلطالق .أوه ،لقد أحب النساء ،ونعم ،كان على استعداد لالعتراف بأنه إذا
استطاع أن يشق طريقه مع لوسي إدواردز لمدة نصف ساعة ،فستكون تجربة ممتعة للغاية .ومع ذلك ،كان ذلك مستحيًال اآلن ،لكنه
لم يندم على ذلك .ألن الجنس كان حاجة جسدية ،كان هذا صحيًح ا ،وكان من المؤكد أن رغباته يجب إشباعها ،لكن الجنس لم يأِت
بدون مضاعفات .ولذلك فقد طرد جميع الفتيات مثل لوسي ،الالتي كن يبحثن عن أزواج .كان يعرف ما يكفي عن بيوت الدعارة
والمعاناة المختبئة وراء ابتسامات العاهرات ليرفض هذه الفكرة أيًض ا .وكان عليه أن يجد حًال آخر أكثر واقعية .يمكنه بدًال من ذلك
اختيار عشاقه من بين زوجات الرجال األثرياء ذوي الرتب العالية .عادة ما يكون هذا أمًر ا سهًال إلى حد ما .وهؤالء النساء الباردات
مقيدين
لآلداب االجتماعية واالبتسامات المتوقعة ،وتناسب الغرض تماًم ا .لقد كان من دواعي سروري الحقيقي بالنسبة له أن يأخذهم إلى
.الزوايا الغريبة في منازلهم ،وفي الوقت نفسه كان يشعر بارتياح عميق في إذالل األزواج
وعلى مسافة ليست بعيدة ،نظرت إليه السيدة إدواردز وابتسمت .لقد تجاوزت الحد األقصى لعمرها قلياًل ،لكنها ال تزال مقبولة ،فكر
بتعاطف كبير .وبعد كل شيء ،ليس هناك من ينكر على أي شخص معروًف ا صغيًر ا ،أليس كذلك؟
.ابتسم للوسي واستقبل بلطف مضيفه – السيد .إدواردز
قالت اآلنسة روثرهام بصوت حاد« :آنا ،يا له من فستان رائع" ».األخضر يناسبك جيًد ا .هذا الوشاح ،المرتفع جًد ا ،رائع جًد ا .أنا
أحسدك كثيًر ا ،كما تعلمين ،لكن والدتي تقول إن هذا األمر عفا عليه الزمن -وليس أنك عفا عليه الزمن يا عزيزتي -وهي ال تريد
. . ".أن أرتدي شيًئ ا مشابًها ،ألن
واصلت آنا االبتسام لكنها توقفت عن االستماع ،وتجمد وجهها .ال بد أن من نظر إليها ظن أنها فقدت رشدها .نظرت حولها بسرعة.
لوسي ،أيتها الخائنة ،أين أنت؟
. . ".ثم قالت لي إن القبعات البيضاء الصغيرة ستكون رائجة في الشتاء القادم ،لكن الدانتيل الوردي ". . .
لم يكن من السهل الهروب من صوت روزماري عالي النبرة .عزيزي هللا ،ارحم! ما العذر الذي يمكن أن تستخدمه للفرار؟ يبدو أنها
. . .استخدمت بالفعل تلك المتعلقة باضطراب المعدة
. . ".مثل اآلنسة هاو ،كان لديها القليل من الزهرة الذابلة على فستانها ،لكنني أقول إنها كانت جميلة جًد ا ". . .
هل يمكنها التظاهر باإلغماء في منتصف الغرفة؟ يا إلهي ،فكرت بيأس ،أال تتنفس هذه الفتاة على اإلطالق؟ وكانت تأمل أن تكون
.اآلنسة روثرهام هي التي ستصاب باإلغماء بسبب نقص األكسجين
".ابتسمت لوسي بلطف" .أنت حًقا لطيف جًد ا يا سيد دافنبورت ،ولكن اآلن ،على أية حال ،يجب أن أتركك
.أفكارها ورفعت يدها لترتيب خصلة شعر هربت من سجن دبابيس الشعر وسقطت على وجهها
"حسًن ا ،هل ترغب في مرافقتي يا سيد دافنبورت؟"
.أدارت اآلنسة شامبيون رأسها ،وعندما التقت عيناها بعينيه ،أصبحت شاحبة
.السيد .دافنبورت؟" كررت لوسي"
"استدار كريستوفر ببطء نحوها ،وللحظة أصبح عقله فارًغ ا تماًما وهو ينظر إليها" .اعذرني؟
".لمعت نظرة من البهجة المرحة في عيون لوسي" .ستكون اآلنسة روثرهام سعيدة جًد ا بالتحدث معك
أوه ".بالطبع ال .خارج نص السؤال .كان عليه أن يتجنب آنا شامبيون حتى يعود إلى رشده .أجاب" :أعتقد أنني سأقدم احترامي "
".للسيد والسيدة مورتيمر إذا كنت تعتقد أنه يمكنك االستغناء عني
قالت لوسي وهي تضحك" :أنت جبانة"" .أنت تترك الفتاة في محنة .لكن هذه المرة سأعذرك ".وعندما قالت هذا ،ذهبت لتغادر،
"!لكنها الحظت شخًص ا على يسارها وتوقفت" .دانيال
شدد كريستوفر قبضته ،وآنا شامبيون وكل األفكار األخرى باستثناء فكرة واحدة اختفت بسرعة من عقله .لقد قبض على فكه بما
.يكفي ليؤذيه ،وبدأ قلبه ينبض بقوة في صدره
.ابتلع ،واستدار ببطء
كان يأمل أال يترنح ،ألن مواجهة دانييل ديميرسي وجهًا لوجه جعلته يشعر كما لو كان ثمًال أو أمام مرآة مشوهة .لم يبدوا متشابهين
على اإلطالق ،كان كريستوفر لديه شعر أغمق ،ومالمح أكثر صالبة ،وكان أطول وأكثر عضلية؛ كانت عيون دانيال خضراء
داكنة ،بينما كانت عيونه زرقاء .كان فقط شكل عيونهم متشابًها بشكل غريب .للحظة قصيرة جًد ا — صغيرة جًد ا لدرجة أن
.كريستوفر اعتقد فيما بعد أنه تخيلها فقط — انفتحت حدقتا عيني دانيال على مصراعيهما ،كما لو كان ذلك اعترا اًف
.قالت لوسي" :دانيال ،اسمح لي أن أقدم لك السيد كريستوفر دافنبورت"" .السيد .دافنبورت ،دانييل ديميرسي
تنتظر بشدة أن يساعدها شخص ما في االبتعاد عن اآلنسة روثرهام ،لوسي ،ستدفعين ثمن ذلك .أنت تعلم ذلك ،أليس كذلك؟ -قررت
.آنا أن تجد طريقة للخروج من األمر بنفسها
بدت الخطة التي وضعتها في البداية بدائية جًد ا لدرجة أنها شكت في أن لديها الجرأة لتنفيذها بالكامل ،لكن البديل -نصف ساعة
".أخرى مع روزماري -جعلها تفهم تماًما معنى القول المأثور" :كل شيء عادل في الحب و حرب
.كل شيء عادل في الحب ،والحرب ،وعندما يتعلق األمر باآلنسة روثرهام
مر السير كولن بجانبه .تنهدت آنا وشعرت بالشر ،وتراجعت خطوة إلى الوراء وبرزت قدمها .سقط السير كولن على األرض (بدا
لها الصوت الذي أصدره مرتفًع ا بشكل مخيف) ،ولم يكن لديها الوقت الكافي لتقول "أنا آسف يا سير كولن" .وكانت اآلنسة روثرهام
على ذلك .لقد ساعدته على النهوض بينما أوضحت له أن السقوط "يمكن أن يكون خطيًر ا جًد ا ،أال تعلم؟ أخبرتني جورجيا بذلك ذات
. . ".مرة
حر! فكرت آنا وقد شعرت ببعض الشعور بالذنب عندما رأت أن السير كولن كان يستمع إلى القصة المتعلقة بجورجيا ووركها
.األيمن .سأطلب منك الصفح في المستقبل يا سيد كولن
.نظرت حولها ورأت لوسي واقفة بالقرب من دانيال .كانت آنا تود بشدة االنضمام إليهم ،لكنهم كانوا مع السيد دافينبورت
رقم ليس أنها كانت خائفة .على العكس من ذلك ،كانت متأكدة من أنه ال يكرهها على اإلطالق .النظرة التي ألقاها عليها قبل دقائق
قليلة لم تكن مرعبة إلى هذا الحد . . .أكانت؟ وربما لم يكن المقصود لها .ربما كان قد أكل فقط بعض الكعكة التي لم تتفق معه وهو
.اآلن يعاني من آالم رهيبة في معدته
فكرت :تورتة .نعم ،ال شيء أكثر من تورتة .لن يكون ألحد مطلًق ا مظهر كهذا بسبب شخص ما ،على اإلطالق .بالضبط ،قررت،
.مقتنعة .الليلة لن آكل تورتة واحدة
.ألن المظهر الذي كان لدى كريستوفر دافنبورت كان مرعًبا حًقا
وفي إحدى زوايا الغرفة ،بدأوا بعزف الموسيقى .رأت السيد روسينغتون قادًما في اتجاهها ،لكنها لم تشعر بالرغبة في الرقص؛ في
الحقيقة ،أرادت أن تبقى بمفردها لبعض الوقت .شعرت وكأنها سمكة خارج الماء ،وكان الملل الناتج عن خضوعها لآلنسة روثرهام
.يتردد في ذهنها مراًر ا وتكراًر ا
فكرت في خمس دقائق فقط وحدها .توجهت إلى باب غرفة المعيشة لتجد ركًن ا صغيًر ا في المنزل حيث يمكنها أن تريح أذنيها
.وروحها المنهكة .كررت لنفسها بالتأكيد الحب ،والحرب ،وروثرهام
شعر كريستوفر باإلرهاق بشكل ال يصدق .كان لقاءه مع دانيال مرهًق ا .لقد استمع إلى صوته العميق والرخيم .وقد الحظ أناقته
.وحسن أخالقه ووجهه المريح
وكان يشعر في صدره بكراهية قديمة ،بكل قوتها البدائية ،كراهية تفاقمت خالل الليالي الطويلة التي قضاها في البكاء في سريره،
.وهو يحبس تنهداته حتى ال يوقظ ابن عمه في الغرفة المجاورة له
كان عليه أن يطلق العنان لذلك ،ليخفف عن نفسه الغضب الذي يمكن أن ينفجر .ورأى بقعة خضراء -ثوًبا قديًما -ورأًس ا بنًيا يشق
.طريقه بتكتم إلى الباب .لم يكن لديه أي فكرة عما كانت تفعله ،لكنه تبعها
دخلت آنا إلى المكتبة وأغلقت الباب خلفها .لقد أحببت المكتبة الموجودة في منزل عائلة إدواردز كثيًر ا .في الواقع ،لقد أحببت المكتبة
.الموجودة في منزل عائلة إدواردز
كانت األضواء منخفضة ،ولم يكن هناك سوى أربع أو خمس شموع مشتعلة في الغرفة ،لكنها مع ذلك كانت تستطيع الرؤية جيًد ا بما
يكفي لتتمكن من تقدير الكتب وحضورها الترحيبي .لقد ترك أحدهم كتاًبا مفتوًح ا على الطاولة الكبيرة المصنوعة من خشب األبنوس
في أقصى نهاية الغرفة .بدافع الفضول ،ذهبت آنا إللقاء نظرة خاطفة على العنوان .فكرت وهي تبتسم وتقلب بضع صفحات :ال
.يمكن أن يكون أحًد ا غير لوسي .لقد كانت رواية رومانسية
التفتت نحو رفوف الكتب خلفها .زادت اإلضاءة الخافتة من سحر الصفوف الواسعة من الكتب األنيقة بمختلف أحجامها .اقتربت
.ولمست بلطف واحدة ذات غطاء أحمر ومذّهب
أذهلها ضجيج في الردهة؛ توقف شخص ما أمام المكتبة .يا له من عار ،كانت تود البقاء بمفردها في هذا المكان الهائل ،الذي كان
.خالًد ا وساحًر ا تقريًبا في ضوء الشموع .رأت مقبض الباب يدور ببطء ،وانفتح الباب
.السيد .دافنبورت "،صاحت السيدة إدواردز في الردهة"
قفزت آنا .لقد قفزت عاليًا لدرجة أنها كادت أن تخشى الهبوط على أعلى رف بقفزة واحدة .ليس هذا االسم .عزيزي هللا ،أي شيء
سوى
توسلت بهذا االسم .عرفت أن رد فعلها كان مبالًغ ا فيه بعض الشيء ،لكن كيف يمكنها أن تشرح ذلك لقلبها الذي كان ينبض وكأنها
تهرب من عصابة من اللصوص؟
أوه ،أنت هنا يا سيدة إدواردز "،أجاب السيد دافنبورت ،وكان صوته مسموًعا تماًما خلف الباب المغلق جزئًيا .كان األمر خشًن ا "
.جًد ا ،كما تذكرت آنا
هل تبحث عن كتاب؟" تحدثت السيدة إدواردز بنبرة منخفضة ومعسولة بعض الشيء .بدا األمر أشبه بخرخرة قطة لوسي" ،
.الباذنجانيات .وبدون سبب واضح ،أصبحت آنا متوترة
".أجاب السيد دافنبورت ،وهو اآلن بال مشاعر" :ال على اإلطالق
".رّن ت ضحكتها البنتية في الردهة" .ال على اإلطالق ،أنت تقول؟ يمكنني مساعدتك في العثور على ما تبحث عنه إذن
...كانت الكلمات منطقية ،وكانت كلها مناسبة ومهذبة ،ولكن كان األمر كما لو كان هناك إشارة خفية ،كما لو أن
.حبست آنا أنفاسها
».حتى السيد دافنبورت بدا مضطرًبا .قال على عجل« :ربما سيالحظون غيابك قريًبا جًد ا يا سيدة إدواردز
".من فضلك ،اتصل بي لويز"
ماذا يحدث في العالم؟ قامت آنا بقبض صفحات الكتاب الذي كانت في يدها ،وقامت بتجعيدها .لبضع لحظات لم تسمع شيًئ ا؛ ثم
.ضربت موجة أخرى من الضحك أذنيها
.كريستوفر "،قالت السيدة إدواردز وهي تتنفس بصعوبة"
".الّسيدة . . . .لويز"
هيا ،دعنا نذهب إلى المكتبة "،قالت السيدة إدواردز وهي تمسك بيدها"
.مقبض الباب
ال!" قال بتوتر وهو يمسكها من الخلف"
".جثمت آنا بسرعة ،واختبأت خلف الطاولة ،مذعورة" .تعال اآلن أيها السخيف .قال" :أنت ال تريد تقبيلي هنا في الردهة
.السيدة إدواردز .وفتحت الباب على مصراعيه
دخلوا وأغلقوا الباب خلفهم .واألسوأ من ذلك كله يا آنا
كانت مخفية خلف الطاولة محاصرين في هذه الغرفة مع اثنين من العشاق( .واألكثر من ذلك ،الغشاشون غير المخلصين .ولكن
بالنظر إلى الوضع ،بدا ذلك أقل ما يقلق آنا).
أنين ناعم ،ثم آخر ،ثم آخر ،ثم تلهث بحًث ا عن الهواء ،ثم . . .القبالت ربما؟ كانوا ال يزالون بالقرب من الباب .ولكن هل سيفعلون
ذلك حًق ا؟ . .؟ ال بالطبع أل .هناك كرة تجري في
.غرفة الرسم ،بحق السماء! وضعت آنا يديها على أذنيها ،وحاولت عدم االستماع
. . ".أوه كريستوفر"
.اعتقدت آنا أنها كانت تحلم بحلم سيئ
".قال وهو يحاول التفاهم معها" :لويز ،ال بد أنهم يبحثون عنك
"...ها" .ربما سيكون من األفضل لو
. . ".كريستوفر ،أتوسل إليك"
.ال يمكن أن يحدث هذا .ال
ربما كانت هذه هي العقوبة على الخدعة القاسية التي لعبت عليها
.سيد كولن؟ لن أفعل ذلك مرة أخرى ،أقسمت آنا بصمت .عزيزي هللا ،من فضلك ،من فضلك توقف عن كل هذا اآلن
. . ".لويز ،اآلن ليس الوقت المناسب حًق ا ،إنه ليس كذلك"
. . .سمعت آنا صوت احتكاك يدها بالقماش ،فضغطت بيديها على أذنيها بقوة أكبر .يا هللا يا هللا
. . ".ال ،لويز ،ال تفعلي ذلك"
)كيف سارت قافية الحضانة تلك ،تلك التي كانت والدتها تغنيها؟ أال تستطيع أن تفكر في ذلك؟ أليس كذلك...؟(
أطلقت لويز ضحكة خافتة بدا لها صدى في المكتبة بأكملها .قالت" :أردت فقط أن أتذوقك يا كريستوفر"" .يجب أن يكون ذلك كافيًا
"حتى . . .ليلة الغد؟
".نعم ،بالطبع "،أكد لها ببعض الصعوبة" .ليلة الغد"
هل يتوقفون؟ وهذا هو األمر :إنهم يتوقفون .يا إلهي العزيز في السماء ،شكرًا لك! أطلقت تنهيدة عميقة من االرتياح وبدأت في
التنفس مرة أخرى .لن يذهبوا إلى أبعد من ذلك " -حتى ليلة الغد" بالطبع ،لكن ذلك لم يكن مهًما آلنا .لقد انتهت أسوأ تجربة في
.حياتها .لحسن الحظ أنها سمعت صوت الباب يفتح مرة أخرى .انتظرت وعينيها مغلقة
ثم قال السيد دافنبورت" :إذا كان األمر على ما يرام معك ،فسوف أعود إلى الحفلة خالل دقائق قليلة ،يا لويز .أعتقد أنني بحاجة إلى
".جمع نفسي
آنا لم تفتح عينيها .وذراعيها ملفوفة حول ركبتيها ،ولم تتحرك .لم تتحرك على اإلطالق ،حتى لتتنفس ،لكن قلبها كان يتسارع بعنف
.داخل صدرها
.ضحكت السيدة إدواردز .أجابت" :أعتقد ذلك أيًض ا" ،وغادرت الغرفة وأغلقت الباب خلفها
.مر بعض الوقت دون ضجيج واحد .ثم تطهر كريستوفر دافنبورت من حلقه
6
.يجب على الرجل أن يعرف كيف يطير في وجه الرأي؛ المرأة كيف تخضع لها
مدام دي ستايل—
آنا ،ال تجعلني أبحث عنك "،تابع السيد دافنبورت بصوت منخفض بما يكفي لجعل دمها يبرد" .سأعد إلى خمسة ثم سآتي ألخذك" .
"".لكنني أنصحك" -لم يكن صوته أكثر من مجرد همس " -أنصحك أن تخرج بمفردك
الترهيب بال شك .وفي خوفها ،التواءت أعضاء آنا ،مما أعطاها إحساًس ا بأنها قد تفقد السيطرة على وظائفها الجسدية .ولكن لماذا
كان غاضبا جدا؟ بسبب عصير الليمون؟
".واحد"
أو ربما أرادها أن تلتزم الصمت بشأن لويز إدواردز .كانت معابدها غارقة في العرق الجليدي .كان عليها أن تقف إذا أرادت تجنب
إذالل اكتشافها تحت الطاولة ،مثل اللص .كانت تعلم أنه سيتعين عليها الوقوف ،لكن ساقيها لن تطيعهما .لقد زرعوا تحتها مثل
.األغصان الجافة
".اثنين"
حاولت أن تمنع قلبها من االنفجار ،تنفست بعمق مرتين أو ثالث مرات ،وكان صدرها يرتفع بشكل محموم .ولكن ما الذي كان هناك
. . .ليخاف منه؟ لقد كان رجًال نبيًال ،في نهاية المطاف ،وبالتأكيد لن يفعل ذلك
".ثالثة"
وفي محاولة للسيطرة على خوفها ،وضعت يديها على حافة الطاولة ،وبسحب قوي رفعت نفسها إلى األعلى .يا إلهي ،كم كان
عمالًق ا .لقد بدا لها أكثر من ذلك بكثير مما كان عليه من قبل في غرفة الرسم .هي
.شعرت مرة أخرى كما لو أنها قد تفقد السيطرة على مثانتها ،لكنها تمكنت بطريقة ما من عدم القيام بذلك
".قال لها بهدوء ودون أدنى إحراج" :أتمنى أن تكوني قد استمتعِت بالمشهد يا آنا
).يجب أن تنظري إليه مرة أخرى ،آنا(
كان من الضروري أن تحافظ على التواصل البصري ،لكن األمر لم يكن سهًال .بدا أن عينيه تخلع مالبسها .كان من المستحيل
وصفهم بأي طريقة أخرى .لقد بقوا على كل شبر مرئي منها .وجهها ،كتفيها ،ثدييها .مرارا وتكرارا على ثدييها ،ورفعت آنا
.ذراعيها ،كما لو كانت تغطي نفسها .ابتسم السيد دافنبورت راضيا .كان هذا ما كان يأمل فيه حًق ا :االعتراف باالنزعاج
شعرت بشيء ما في داخلها ،شيء بين الذعر واإلحراج .كان ذلك شيًئ ا من الغضب .وعلى أمل إخفاء هياجها ،وضعت ذراعيها على
جانبيها ورفعت ذقنها .لم تكن لتشعره بالرضا عندما يراها ترتجف من الخوف .هل كان يرغب في إخافتها؟ حسًن ا ،لقد نجح .لكنها
.ستكون ملعونة إذا أخبرته بذلك
حدق كريستوفر بها في صمت وبدا أنه يومئ برأسه ،كما لو أنه تعرف عليها في تلك اللحظة" .أخيًر ا نتحدث ،نحن االثنان فقط ،آنا"،
.همس وهو يتحرك نحوها
تراجعت آنا فجأة دون تفكير .وقد ضربت ظهرها حتمًا بأرفف كتب المكتبة .لقد اصطدمت بها بشدة ،وكان األمر مؤلًما .ومذلة .كان
كريستوفر ساخًر ا ،ومما أثار رعبها أنها شعرت بالدموع تنهمر في عينيها .لقد قاومتهم بينما كانت تصر على أسنانها وتقبض
قبضتيها .قالت ببرود" :ال تجرؤ على استخدام اسمي األول" .ربما خرج صوتها ضعيًف ا بعض الشيء ،لكن كل ما كان مهًما هو أنها
.قالت شيًئ ا ما
ابتسم بارتباك" .أوه حًق ا؟" سخر ،وتوقف أمام الطاولة" .وأخبريني يا آنا ،كيف تنوي إيقافي؟" وضع يديه على خشب الطاولة وبدأ
.يلتف حولها إلى الجانب ،كما لو كان يتجنب عائًقا
ال ،ال ينبغي له أن يقترب منها .لم يكن ليقتصر على مجرد التحدث معها ،فآنا أصبحت فجأة متأكدة جًد ا من ذلك .لم تكن تعرف
كيف ،لكنها كانت بحاجة إلى الخروج من هناك على الفور .نظرت نحو الباب ،وحكمت على فرصتها في الوصول إليه .أدركت أنها
.نحيفة للغاية ،بخوف واضح ،وهي تقارن طول ساقيها بساقيه
بدا أن كريستوفر يقرأ أفكارها ،فتوقف" .لدي كل الحق في مناداتك بكل ما يحلو لي ،آنا شامبيون ".كان صوته قاسيًا ومهينًا" .ومن
".ناحية أخرى ،ليس لك الحق على اإلطالق في أن تكون في هذا المنزل ،إال كخادم
كانت هذه الكلمات -كلمات متكبرة سخيفة -متوقعة جًد ا لدرجة أن آنا ربما اعتبرتها في ظروف أخرى محاولة حزينة للفكاهة.
فأجابت بقلق" :لن أواجه أي مشكلة على اإلطالق لو كنت خادمة ،هنا أو في أي مكان آخر" .كان قلبها ينبض في حلقها ،لكن ذلك لم
يمنع أحبالها الصوتية من العمل ،ليس كثيًر ا ،على األقل" .سأبقى أنا ،مهما كان األمر .ولكن ماذا سيبقى منك بدون مالبسك األنيقة؟
.ال شيء ،مثل الرجل الذي أنت عليه
حدق كريستوفر بها بصمت لبضع لحظات ،مذهوًال .تمتم أخيًر ا" :أنا أفهم أنه رجل ال قيمة له" .خفض رأسه ونظر إلى يديه
.الموضوعتين على الطاولة؛ ثم نظر إليها مرة أخرى ،وأدركت آنا أن غريزتها لم تكن خاطئة :كان هذا الرجل خطيًر ا ح اًق
)لقد بدأِت بالتبول ،أليس كذلك يا آنا؟(
الحرب :ذلك كان الوعد الذي قرأته في عينيه .حرب .حرب متعمدة وعقالنية ،واألهم من ذلك كله ،حرب مرعبة .حرب الجندي
.الذي شهد بالفعل آالف المعارك
).اهرب يا آنا .اهرب بعيًد ا(
وبسرعة مذهلة لمثل هذا الشخص الضخم ،انحنى كريستوفر على إحدى يديه ،ورفع ساقيه في الهواء ،وقفز فوق الطاولة .لقد كان
بجوار آنا قبل أن تدرك ذلك ،فهربت بسبب الذعر .طاردها على طول أرفف الكتب ودفعها وهي تركض ،مما أدى إلى اصطدامها
.بالرفوف .ضربت آنا جانبها األيمن وكادت أن تسقط؛ تمكنت من الحفاظ على توازنها واتجهت نحوه ورفعت يدها أمامها
"!انت مجنون!" صرخت في ذهول .جسدها بالكاد يشعر بأي ألم ،ألن خوفها كان كبيرا جدا" .ابق بعيد عني"
لقد كانا قريبين جًد ا من بعضهما البعض :لو مد يده ،لكان قد لمسها ،وإذا حاولت آنا المغادرة ،لكان قد أمسك بها .لقد أعمى الخوف
"!تماما تقريبا .عزيزي هللا ،هذا الرجل وحشي؛ انه حقا غاشم! "ابق بعيًد ا عني ،وإال سأصرخ طلًبا للمساعدة
صدمها الهدوء الذي رأته على وجهه ،وظلت متمسكة بالرفوف طلبًا للسند .لكن من أنت بحق الجحيم يا كريستوفر دافنبورت؟
أجاب" :لن يسمعك أحد يا آنا" .كان صوته ناعًما ومعقواًل " .نحن بعيدون تماًما عن غرفة الرسم ،أال تعتقدين ذلك؟ ويبدو أن
.الموسيقى عالية جًد ا هناك
حاولت التنفس .لم تكن قادرة على التفكير بشكل سليم ألنها كانت تعاني من الضيق .ال ينبغي لي أن أغمي عليه! ليس هنا ،وليس بين
يديه! عضت شفتها ،وساعدها األلم على استعادة رباطة جأشها .وبصوت تقطعه البكاء ،حاولت مرة أخرى" :يمكن أن يأتي شخص
"!ما إلى هنا في أي لحظة
أوه ،ال أعتقد ذلك .ال أحد يذهب إلى المكتبة أثناء الحفلة ،أليس كذلك؟ باستثناء الفتيات السخيفات للغاية ،على ما يبدو .ابتسم« .إلى "
جانب ذلك ،عزيزتي لويز — سيدة جميلة جًد ا ،أال تعتقدين ذلك؟ — ستحرص على أال يولي أحد أدنى اهتمام لهذا الجزء من
المنزل .وأضاف وهو يقترب منها بخطوة صغيرة« :على أية حال ،أنا أستمتع بالقليل من المخاطرة .كثيرا جدا .وبالحكم على
الطريقة التي تحديتني بها حتى اآلن ،أعتقد أنك تحب ذلك أيًض ا .أليس كذلك؟" كانت المسافة بينهما ضئيلة ،وحجمه المذهل جعله
.يعلو فوقها ،مظلًما وضخًما .أدارت آنا رأسها يائسة ،بحًث ا عن مخرج
ال تفكري في األمر حتى" ،حذرها بشكل قاطع" .يمكنك أن تفعل ما هو أسوأ من ذلك بكثير ".كانت على وجهه نظرة هادئة ،عادية "
.كما لو كان يجري محادثة ممتعة تماًما .لقد تراجع قليًال إلى الوراء ،مما أتاح لها مساحة صغيرة للتنفس
"حاولت آنا أن تنسى األلم في جانبها والخفقان في صدغيها ،فسألته هامسة" :ماذا تريد مني؟
كان صوتها يرتجف بعنف لدرجة أنها لم تكن قادرة على إصدار سوى صوت غير مفهوم ،لكنه فهم كلماتها بطريقة ما .أجاب
بمفاجأة مصطنعة" :هذا سؤال غريب"" .أريد فقط إنهاء محادثتنا المثيرة لالهتمام ،بالطبع .باإلضافة إلى ذلك ،ال يمكنك أن تأمل أنني
قد أرغب في ذلك . . .شيء آخر . . .منك ".توقف مؤقًت ا وهو يقيسها بنظرته .وأضاف بتعبير نادم" :أنا آسف إذا كنت قد جرحت
".مشاعرك ،لكن الفتيات القبيحات ال يهمني
شعرت آنا بالتغلب على السخط .يا لها من عاطفة غريبة .ويظهر هذا حتى في أكثر المواقف فظاعة ،عندما يضربك شخص ما في
.مكان يؤلمك أكثر .ويجعلك تجد صوتك حتى عندما يخبرك الفطرة السليمة بعدم التحدث علًن ا
ال أريد أبًد ا أن يكون لدي رجل مثلك يتخيلني!" صرخت وهي تشعر باالشمئزاز مستخدمة صوتها الحقيقي ألول مرة منذ أن فاجأها"
.كريستوفر في المكتبة
".ومع ذلك ،لم يكن معجًبا بشكل خاص .قال وهو يسخر منها" :لقد فكرت كثيًر ا
ارتجفت آنا من الغضب المكبوت ،وامتألت عيناها بالدموع .ولم تحاول حتى إخفاءهم" .أنت لست أكثر من مجرد وغد قذر صغير،
“— كريستوفر دافنبورت! تفضل واضربني إذا أردت ،لكنني سأخبر الجميع .سيعرف الجميع
سيعرفون ماذا يا آنا؟" كانت لهجته هادئة وحلوة" .همم؟ هل تريد أن تخبر صديقتك أن والدتها كانت هنا للسماح لي؟ . .على هذه "
"الطاولة؟
. . ".شعرت بسقوط قلبها .لم تكن قادرة على إيذاء لوسي ،هذا صحيح .إنها ببساطة ال تستطيع ذلك" .أنا . . .أنا
إذا تحدثت عن الحلقة السابقة ،فسوف تندلع فضيحة ،وأنت تعرف ذلك" .لم يعد بإمكانك لعب دور الجرو الصغير ،العاهرة “
الصغيرة" -نطق هذه الكلمة األخيرة ببطء ،كما لو كان يغني " -بالنسبة لآلنسة إدواردز ،أال تعتقدين ذلك؟" وقالت انها سوف
" .تكرهك .حاولي استخدام رأسك يا آنا .عالوة على ذلك ،يجب أن يعرف شخص مثلك جيًد ا كيفية حساب المكاسب والخسائر
".مسحت آنا دموعها بظهر يدها .اللعنة عليه .همست قائلة" :إذن سأخبرك بما فعلته بشخص مثلي
يبدو أن هذه الكلمات تسليه .أجاب بتنازل" :لكنني لم أفعل شيًئ ا لك أيتها الفتاة السخيفة"" .هل تريد التحدث عن تبادلنا البسيط لآلراء؟
.سوف أنكر ذلك .أو ربما أقول إنك كنت تنتظرينني هنا ،قال وهو يحدق مرة أخرى في ثدييها ،ثم قدمت نفسك لي
" -لقد ذهلت آنا لدرجة أن الدموع توقفت عن التدفق على خديها" .ال احد . . .لن يصدق أحد
حًق ا؟" تحولت نظراته مرة أخرى إلى وجهها .كان يرتدي المظهر المتعجرف لشخص يأكل على حساب شخص آخر" .أعتقد ذلك" ،
في الواقع .كما ترى ،ليس لدي الكثير ألخسره ،بالبقاء هنا وحدي معك .ولكن بالنسبة لك األمر مختلف ،أليس كذلك؟ أنت امرأة،
"حسًن ا ،أكثر أو أقل ،وليس من الضروري أكثر من ذلك بكثير لتدمير سمعة المرأة .تنهد بشكل قاطع" .إنها قاسية ،أال تعتقد ذلك؟
ال أهتم! أوه ،آنا قد صرخت .كانت تود أن تخبره أن كل ما يعتقده عن عالمها ليس له أي صلة وأن أكاذيبه ال تخيفها .لكنها سمعت
. . .بعض أصوات األطفال المبهجة في رأسها – أصوات إخوتها؛ وأبوها لو كان يعلم
أنا . . .أنا " . . .سوف أجعلك تدفع ثمن هذا" ،كان كل ما استطاعت أن تقوله بصوت عاٍل ،مستخدمة الكلمات التي كانت عالقة في"
.حلقها ،كما لو كان منتفًخ ا من العجز
".أجاب كريستوفر" :ال ،ال أعتقد ذلك" .وفجأة أصبح وجهه جديا .مستاء تقريبا" .أعتقد باألحرى أنك ستصبح لطيًفا جًد ا معي اآلن
أخذ خطوة إلى األمام ،مما أدى إلى تقصير المسافة بينهما .صرخت آنا ودفعته للخلف بيديها .أمسكها من معصميها وألقى بكتفيها
.على خزائن الكتب
"!ال تلمسني"
كان كريستوفر عليها .مما تسبب في شعورها بالرعب كما لم تشعر به من قبل ،انحنى جسده على جسدها .كان أطول منها بحوالي
.عشر بوصات تقريًبا ،وقد أصبحت أسيرة تماًم ا لحجمه وقوته ،وحرارة جسده التي كانت تلتف حولها مثل بطانية في الشتاء
"!ال!" حاولت آنا بشراسة أن تتحرر ،بينما كان قلبها ينبض أسرع من ذبابة تصطدم بزجاج النافذة" .دعني أذهب"
لم تستطع التحرك .يبدو أن كريستوفر لم يالحظ حتى حركاتها اليائسة .همس لها" :ششش" .كانت مقيدة به ،فحملتها قوته رغم
.ضعفها" .ال تصدري أي ضجيج ،أيتها الفتاة السخيفة .ال تريد أن يجدنا أحد في هذا الموقف
لم يكن لديها رجل قريب منها أبًد ا ،ولم تشعر أبًد ا بالعضالت الموجودة تحت مالبس الرجل ،أو أنفاسه الساخنة ،أو تستنشق رائحته.
العشب المقصوص حديًث ا ،والنعناع ،وشيء مشابه للقرفة ،كانت تلك رائحته الناعمة ،وفجأة امتزجت برائحتها الرقيقة .بدأت آنا
.الضعيفة تبكي دون حسيب وال رقيب ،وخفضت رأسها ،وأسندت جبهتها على معطفه
هل تعرف ماذا سيحدث إذا جاء شخص ما اآلن؟" كان سؤال كريستوفر بمثابة همسة دافئة على رأسها" .لن يتزوجك أحد أبًد ا يا آنا"،
وسيكون عليك ذلك . . ."...سيكون عليك أن تستسلم ." . .أوقف نفسه وأخذ نفًس ا كبيًر ا؛ ثم بدأ يتحدث مرة أخرى بصوت غير
"مستقر بعض الشيء« :عليك أن تتخلى عن البحث عن زوج ثري ،وهو ما تريده بشدة .أليس كذلك؟
.تمكنت من هز رأسها
.ال؟" سألها بهدوء"
كان جسده يدفع بقوة وغطرسة ضدها .شعرت آنا بذلك
على ثدييها ،على بطنها ،وأسفلها ،بين ساقيها ،حيث
".كان يلمسها بطريقة غير محتشمة ومتعمدة .قالت وهي تبكي" :أنت ال تعرف شيًئ ا عني"" .دعني أذهب
سحقها كريستوفر بقوة أكبر على أرفف الكتب .تمتم ،وبدا صوته أجشًا على نحو مدهش" :هؤالء الرجال لن يتزوجوك أبدًا"" .هم . .
" ..سوف يأخذون منك كل شيء .كل شئ .وسوف يتركونك
أخذ نفسا عليها ،وكان االتصال بجسده ساخنا ومتطفال .كان يقبض على معصميها ،مما آلمها ،لكن آنا كانت خائفة جًد ا من أن تجد
األمر مغرًيا ،ولم يكن لهذا الخوف أي عالقة باأللم .لقد كان خوًف ا جديًد ا ،حرك خاصرتها وجعل ساقيها تضعفان ،مثل البطاطس
.المهروسة .لقد كان خوًف ا ال يمكن تحديده أكثر مما عرفته من قبل ،مزيج من العذاب والفتور
.سألتني وهي تبكي بال خجل" :دعني أذهب"" .أرجوك .من فضلك يا سيد دافنبورت ،دعني أذهب!» نطقت الكلمات بألم في فورة
هل تتوسلين لي يا آنا؟" قال بحنان بنبرة هادئة .قبل رأسها وأذهلها" .لم أكن أعتقد أنك قادر على ذلك ".وضع رأسه في شعرها "
وهو يستنشق الرائحة .أغلقت عينيها .وهذا ما أراده هذا الرجل :أن يهزمها .ولذلك لم تتفاعل .لم تتحرك ،ولم تحاول دفعه بعيًد ا،
.وبقي على هذا الوضع لفترة طويلة جًد ا .كان صمت الغرفة يتخلله تنفسهم غير المنتظم ونبض قلوبهم المضطرب
)هل تسمعين قلبه يا آنا؟ إنه ينبض بنفس سرعة نبضات قلبك تقريًبا ،أليس كذلك؟(
لقد كان ينبض ،نعم .كان الضرب ينبض ،وترك كريستوفر قبضته على معصميها .ثم تركهم يذهبون .لقد نزلوا إلى جانبيها ،لكنها لم
تعيدهم للقتال .ال ،لقد وقفت ساكنة ،تماما كما أراد .وعندما شعرت به يضع إحدى يديه على جانبها واألخرى على رأسها ،تركته .في
. . .صمت .سمحت له بتمرير إصبعه من خالل تجعيد شعرها وتمشيطها بهدوء .لم يكن هناك مثل هذا الحنان القاسي من قبل
فتاة جيدة "،همس لها كريستوفر أخيرًا ،ورفع رأسه" .أرى أنك تفهم ".لقد عاد بعيًد ا بما يكفي لرؤية وجهها معلًق ا بالبكاء" .سأتركك "
".تذهب إذن .في الوقت الراهن
.فجأة أخذ خطوة إلى الوراء
.في حالة ذهول ،لم تعرف آنا ماذا تفعل .هل يمكنها حقا أن تغادر؟ كانت تهتز ،ولم تكن قادرة حتى على رفع رأسها
".كرر" :يمكنك الذهاب
...هل انتهى األمر؟ هل انتهى الكابوس؟ جمعت نفسها وتحولت بسرعة .اخرج من هناك بسرعة! بسرعة ،قبل أن يغير رأيه ،قبل
أمسكت يده بمعصمها األيسر ،فتوقفت آنا دون مقاومة ،وكانت منهكة .لقد فهمت أنه كان يلعب معها فقط ،كما تلعب القطة مع
.الماوس" .لقد قلت أنه يمكنني الذهاب!" احتجت بصوت متقطع
هذا صحيح" ،أكد كريستوفر بابتسامة بدت لطيفة تقريبًا" .أوال ،ومع ذلك ،يجب أن تقدم لي اعتذاراتك ".ترك معصمها ،وسقطت "
.ذراعها بشدة على جانب جسدها
للحظة طويلة ،لم تتمكن آنا من فهم معنى هذه الكلمات .ثم فهمت .أدركت بوضوح أن هذا ال يزال غير كاٍف بالنسبة له .ثم اتضح لها
.أنه بطريقة مجنونة كان هناك منطق – منطق سخيف – في ما كان يفعله .يريد أن يهينني بشكل كامل وكلي
.أنت تريد االعتذارات "،كررت بشكل قاطع .اعتذارات .هي إليه .أرادها أن تعرف أن العالم يدور حول كريستوفر دافنبورت"
".أومأ برأسه ،والسخرية في عينيه .وأوضح بلطف" :أوه ،بضع كلمات فقط ،وبعد ذلك يمكنك المغادرة من هنا
.كان الباب قريًبا جًد ا .وكانت حريتها قريبة جدا .فقط بعض الكلمات
قالت بصراحة" :وبعد ذلك يمكنني المغادرة" .وبدا لها أنها ال تستطيع أن تفعل شيًئ ا أكثر من تكرار كلماته؛ شعرت بأنها غير قادرة
.على التفكير
".وأكد لها" :أنا أعطيك كلمتي"" .لن يكون األمر صعًبا يا آنا ،سترين ،حتى بالنسبة لشخص مثلك
.شخص مثلي
كرر" :فقط بضع كلمات"" .أنا ال أطلب منك حتى الركوع .كل ما عليك فعله هو أن تنظر في عيني وتقول" :أنا آسف ألنني قللت من
".احترامك يا سيد دافنبورت
أنا آسف ألنني لم أحترمك يا سيد دافنبورت .ما مدى صعوبة ذلك ،بعد كل شيء؟
لقد اختفت الطبيعة القتالية التي كانت تبدو عليها دائًم ا ،وتالشت في أول هزيمة حقيقية في حياتها .في ضوء الغرفة الخافت – بينما
كانت لهيب الشموع يومض بشكل غريب ،وتتحرك ظالل الكتب معها – لم يكن هناك سوى فتاة مضروبة ،وجنتاها مبلالن ،وأنفها
.سيالن ،ووجهها المذل
وقف كريستوفر في مواجهتها ،طويل القامة ومتغطرس .كانت قوته مهيمنة للغاية .كان من المستحيل حتى التفكير في المقاومة .كان
.شعره الداكن يشع انعكاسات زرقاء في ضوء الشموع؛ كان وجهه سخرية ساخرة
اعترف مستاًء " :كما ترين يا آنا ،ربما كان بإمكاني االستغناء عن اعتذاراتك" .وأضاف بنبرة صبورة كان سيستخدمها مع طفل
".صغير غبي" :ومع ذلك ،يجب إعادة األشخاص أمثالك إلى مكانهم من حين آلخر
.مكاني
وفجأة ،مثل شعاع ضوء الشمس في سماء الليل ،أدركت آنا أنه كان على حق .حق تماما .مكانها لم يكن هنا آه ،ال – السماوات ،ال!
ال ،كان مكانها في منزل أولئك الذين أحبوها ،أولئك الذين تألقوا بمجرد رؤيتها ،أولئك الذين اعتبروها مثالية ،أولئك الذين كانوا
.ينتظرونها حتى في هذه اللحظة
ما تفعل هنا؟ ماذا كانت تفعل في هذه المكتبة ذات اإلضاءة الخافتة مع هذا الرجل المجنون؟ ماذا كانت تفعل وسط هؤالء المجانين،
السخيفين ،المتفاخرين...؟
".آنا ،أنا أنتظر"
أومأت برأسها وأغلقت عينيها .لم يبق سوى القليل قبل نهاية كابوسها .في أي وقت من األوقات ستخرج من هذه الغرفة المظلمة ،في
. . .النور ،وبعد ذلك يمكنها أن تسرع إلى منزلها إلخوتها ،إلى والدها ،ناسية
.أنا آسف ألنني لم أحترمك يا سيد دافنبورت
".قالت وهي تفتح عينيها مرة أخرى" :اذهب إلى الجحيم يا سيد دافنبورت
OceanofPDF.com
تضر عائلتها؟ ولم تكن تعرف ،ألنها لم تكن تعرف عنه شيًئ ا .ال ،لم يكن األمر كذلك ،لقد صححت نفسها بشدة .أنا أعرف شيئا،
أليس كذلك؟ أعلم أنه يخون أصدقاءه ،وال يندم على تخويف النساء وضربهن .شعرت بقلبها في قبضة جليدية ،كما لو كانت تضغط
عليه صفائح من الجليد في منتصف الصيف .اعتقدت أن إخوتها وأختها ربما كانوا في السرير في تلك الساعة ،وقد أمسكت القبضة
عليها بقوة أكبر( .ما لم يكونوا قد خطروا في رؤوسهم أن يلعبوا بعض األلعاب الليلية المخيفة ،كما يفعلون في بعض األحيان)...
"لقد أطلقت تنهيدة من األلم" .هل تهدد عائلتي؟
فتح كريستوفر ذراعيه .أجاب بنوع من االستياء المستسلم" :إذا اضطررت إلى ذلك"" .ولكن إذا أردت ،يمكنك إنهاء هذه القصة هنا
".واآلن ،دون عواقب
".لم تستطع النظر إليه .طغى عليها االشمئزاز .تمتمت" :أنت وغد"" .الوغد الغادر البائس
ولم يتفاعل بغضب .إذا كان هناك أي شيء ،فقد كان بجدية مدروسة .واعترف قائًال" :أنا غادر ،هذا صحيح" .ال ،لم "يعترف" بل
"أشار" باألحرى .ألنه لم يبق في صوته ما يشير إلى أنه يعتبره بأي حال من األحوال أمرًا مشينًا" .أحياًن ا ال بد من الخيانة ،أال
".ترى؟ للفوز .وأنا فزت ،آنا .دائمًا
لبضع لحظات لم تكن قادرة على الرد" .يفوز؟ فوقي؟" سألت أخيًر ا ،وابتسمت ،ألن األمر كان سخيًف ا للغاية .ربما كانت تحلم فقط.
"أنت تتحدث كما لو كنت ألد أعدائك يا سيد دافنبورت .لكن جريمتي تجاهك صغيرة جًد ا ،صغيرة جًد ا .يا إلهي ،كيف ال يمكنك أن
"تدرك ذلك؟
"لقد كانت صغيرة ،وستظل صغيرة إذا أنهيناها هنا .أنت من يرسمها ،أليس كذلك؟
.صمتت وهي تتكئ على الباب دون طاقة
".أنت ال تريدين مواصلة هذه اللعبة يا آنا"
بدأ بالسير نحوها ببطء .خمسة عشر أو عشرين قدًما فقط
.معظمهم يفصلون .أدارت آنا رأسها لتنظر خارج الباب ،متفاجئة من أن الردهة ال تزال مهجورة ،مضاءة بالشموع الساطعة
).ال يمكنك الهروب ،آنا(
.اثنا عشر قدمًا ،تسعة أقدام
استمعت إلى الضوضاء التي جاءت من غرفة الرسم القريبة .ال
لقد فهمت فجأة أن العالم ليس مكاًن ا واحًد ا واضًح ا
.تحكمها قوانين منطقية .هناك أيًض ا عوالم أخرى ،مشوهة وبال معنى ،مثل هذا العالم الذي وقعت فيه بالصدفة
.ستة أقدام
كان الواقع الذي ساد في هذه الغرفة فظيًع ا وله قوانينه الغامضة ،وبينما كان كريستوفر يقترب منها أكثر فأكثر ،شوهت ألسنة اللهب
.المتحركة للشموع وجهه .وكان على بعد أقل من ثالثة أقدام منها
".اآلن سأخبرك بما يجب عليك فعله .وسأكون واضحا"
أغمضت آنا عينيها دون أن تتحرك ،ووقف بجانبها .وضع يده اليسرى على يدها – وهي ال تزال متكئة على مقبض الباب ،منذ األبد
.من قبل ،عندما ظنت أنها آمنة – وأغلق الباب مرة أخرى دون أن يصدر أي صوت
من حيث المبدأ ،الجميع يتذمرون ويصرخون ويسبون ،هكذا فكر كريستوفر ،ولكن في النهاية ينتهي األمر بالجميع دائًما عند هذه
النقطة ،أليس كذلك؟ في لحظة االستسالم .واستسلمت آنا ،ولكن -مع ارتعاش جسدها من النحيب وهي تقف أمامه -بدت وكأنها
ستنهار في أي لحظة .تم تدمير تسريحة شعرها البسيطة ،وسقطت تجعيد الشعر على وجهها بشكل فوضوي؛ بدت الشرائط الخضراء
سخيفة عندما خرجت من شعرها .بدا الفستان الذي غيرته -ليبدو كالملكة ،كما تذكر كريستوفر أنه ظن -وكأنه يتساقط حولها مثل
.كومة من الخرق القديمة .مع وجهها المنهك ،وأنفها منتفخ من البكاء ،وعينيها حمراء ،لم تكن هذه الفتاة سوى متعجرفة وفخورة
ومع ذلك ،فقد جعلته غاضًبا ،وقادًر ا على الغضب المفرط لدرجة أنه كان له نتائج ال يمكن تفسيرها .نظًر ا ألن النساء الالتي تعامل
معهن كريستوفر وكن في الغالب من أصحاب بيوت الدعارة أو من ُمقرضي األموال ،لم تكن هذه هي المرة األولى التي يخيف فيها
أنثى -لكنها بالتأكيد كانت المرة األولى التي يتصرف فيها كشرير ضد امرأة شابة عزالء .وكانت أيًض ا المرة األولى التي يستخدم
فيها االتصال الجنسي كسالح .ألن هذا هو الحال ،أليس كذلك؟ تهديدات جنسية ضد فتاة ساذجة .من الواضح أن إحدى الطرق من
.... . .بين طرق أخرى إلخافتها -ربما ال تكون مشرفة ،ولكن هذا فقط ،هذا فقط
،فتاة ساذجة .نعم ،آنا كانت كذلك .ساذج وخائف .عرف كريستوفر ذلك ،اللعنة .كان يود أن يتركها بمفردها وقد فكر في األمر حتى
ولكن عندما هربت على عجل -فخورة وخفيفة مثل الهواء -تغلب عليه الغضب ،وهزمها ،استخدم ما أبلغه به متى في ذلك الصباح.
.تهديد األطفال – يا له من ذكاء ،فكر بسخرية .من يدري ما إذا كانت ستدعمني كمرشح لبطل العام
. . .أوه ،نظرة االشمئزاز التي كانت لديها
.كانت تتنفس بشدة .كانت بحاجة إلى القليل من الدرس .لقد تحدته عمدا بعد كل شيء
"قال بهدوء" :دعونا نبدأ من جديد"" .لم تكن الجملة صحيحة تماًما في المرة األولى ،أليس كذلك؟
.خفضت آنا رأسها .انزلقت الدموع ببطء على فستانها ،وتبللته ،مما أدى إلى ظهور بقع داكنة على صدرها
". . ".تعالي يا آنا "،حثها بهدوء" .دعونا نفعل ذلك بسرعة .سأساعدك ،حسًن ا؟ كرر بعدي :أنا آسف"
أوه ،كان ذلك قاسيا .بل وأكثر قسوة .اهتزت ،ابتلعت دون جدوى .لم يتمكن كريستوفر من رؤية وجهها ،لكنه تخيل أنها كانت تبذل
.مجهوًد ا كبيًر ا لتتمكن من قول بضع كلمات
.أنا أكون . . .آسف ." . .كان صوتها خافتًا كصوت طفل ،كأنها حزينة ساجدة"
هذا ال يكفي يا فتاة صغيرة ،فكر كريستوفر .كان إيقاع تنفسه مطابًق ا إليقاعها .االستماع إليها .ليس بعد .واعترف قائًال" :لقد وصلنا
".تقريبًا إلى هناك"" .ومع ذلك ،يجب أن تقول ذلك أثناء النظر في عيني
لم تستطع آنا النظر لألعلى؛ وضع يده على مؤخرة رقبتها ،وشد شعرها ،ورفع رأسها .أراد أن يرى الذل في عينيها .أراد لها أن
.ترى السخرية في بلده .ولن تتحداه بعد اآلن ،أبًد ا مرة أخرى
".وقال لها" :دعونا نبدأ من جديد
.كان وجه آنا أحمر ،منتفخا ،وعينيها مغلقة .انزلقت دمعة بسرعة على وجهها وتوقفت على جانب فمها ،وأغلقت من العجز
".افتح عينيك"
للحظة – ومضة ضوء – فعلت ذلك .لكنها أغلقتهما مرة أخرى على الفور عندما التقت عيناها بعينيه .قام كريستوفر بشد شعرها
.بقوة مما جعلها تتأوه
".افتح عينيك .اآلن"
فتحت آنا جفنيها ببطء وحافظت على نظرتها .كان تنفسها مضطرًبا وغير منتظم ،وكان صدرها يتبع اإليقاع ،يصعد ويهبط بطريقة
عشوائية .كانت هناك دمعة أشرقت ضدها
.بياض الجلد العاري عند خط رقبتها ،وشعر كريستوفر فجأة بالعطش .عطش رهيب
".قال وهو يصحح صوته" :جيد جًد ا"" .دعونا نبدأ إذن .قل "أنا آسف
ارتجفت بعنف .فتحت فمها قليال ،ولكن لم يخرج صوت واحد .حاولت مرة أخرى ،بينما كان وجهها ينقبض في تشنج مؤلم" .ثانيا أنا
. . . . . ".أنا آسف
).لقد فزت يا كريستوفر(
ظهر النصر على وجهه مع ابتسامة .نظر إليها بصمت للحظات ،مستمتًع ا بهزيمتها .تمتم وهو يقترب منها" :لكن يا لها من فتاة
جيدة" .لقد رأى شعرها الناعم تحت أصابعه ودفء بشرتها الذي يحمل عالمة المعاناة .لقد رأى عينيها محملتين بالخوف والكراهية،
وربما ال يزال وراء ذلك أثر من الفخر .لقد شعر بالحاجة إلى الهواء ،وهي حاجة خطيرة ومتقطعة .أخذ نفًس ا عميًق ا ،ومألته رائحة
آنا الحلوة -رائحة رقيقة ورقيقة ،مثل الخبز والتفاح .-تم الرد على كل ألياف في جسده .كل األلياف أرادت نفس الشيء ،ولم يكن
ذلك جيًد ا ،اللعنة ،ليس جيًد ا على اإلطالق .متجاهًال قلبه النابض ولعن صوته غير المستقر ،عاد إلى التعذيب مرة أخرى"" :إنني لم
"." . ".أحترمك
.الذي -التي . . .أنا ." . .تمتمتها لم تكن أكثر من مجرد نفس ،بالكاد مسموعة في الصمت التام للغرفة"
لقد انتهى األمر تقريًبا .وضع كريستوفر يده على خدها المبلل ومسح دمعة من وجهها المحمر المنهك .كانت عيناها ممتلئتين
"".بالخوف ،وقام بفرك إبهامه ببطء على بشرتها ،وشعر بنعومتها من خالل قفازاته .أنهى كالمه بهدوء قائًال"" :لم أحترمك
مهزومة ،أغلقت عينيها .للحظة واحدة فقط .ثم أعادت فتحها" .قلل من احترامه . . .أنت "،تمتمت .تكشيرة مؤلمة وأضافت بصوت
".ضعيف" :من فضلك دعني أذهب اآلن يا سيد دافنبورت
ولم يكن ليسمح لها بالرحيل حتى لو كلفه ذلك حياته .قال بهدوء" :لقد كنِت فتاة صغيرة جيدة"" .لم يكن األمر صعًبا جًد ا ،أليس
"كذلك؟
.نظرت آنا بعيًد ا ،وتحدق في نقطة خلف كتفه" .دعني أذهب اآلن ،كما وعدت .لو سمحت ".أغمضت عينيها وبقيت بين يديه خاملة
لقد كانت دافئة جًد ا ،وقريبة جًد ا؛ تمتزج أنفاسهم مًع ا .بدا وجهها جمياًل جًد ا ،وضوء الشموع ،ورائحة بشرتها الرقيقة .كانت شفتيها
.ممتلئة وحمراء
8
يا صديقي ،األكثر حكمة بيننا هو األكثر سعادة ألنه لم يقابل أبًد ا المرأة -سواء كانت جميلة أو قبيحة ،ذكية أو حمقاء -القادرة على
.دفعه إلى الجنون بما يكفي للذهاب إلى مصحة األمراض العقلية
دينيس ديدرو —
يا إلهي ،ما هذا الصداع .كانت الغرفة نصف مضاءة فقط ،وبدا له أنها تدور .ولم تكن الستائر مغلقة ،ولم تعطيه أي إشارة إلى مدى
.تأخره في النوم .ولكن ما هو الوقت؟ كان أحدهم يطرق الباب ،وبدا األمر بالنسبة لكريستوفر وكأن ألف مدفع يطلق النار
"يا ابن العم ،هل تناولت مشروًبا الليلة الماضية؟"
لقد كان صوت ماثيو ،ولكن متى أصبح صوته مرتفًع ا جًد ا؟ يجب أن يكون قد حدث بين عشية وضحاها .بدا اليوم السابق عادًيا ،لكنه
.بدا حاًد ا في ظالم الغرفة
دفن كريستوفر رأسه في الوسائد .تمتم وهو نصف نائم" :مات ،اذهب بعيًد ا" .كان من المستحيل التحدث بصوت أعلى .يبدو أن كل
.كلمة تضرب دماغه مثل المطرقة
".ولم يستسلم ابن عمه الفظ .وقال" :لدي بعض األخبار لك
ال "،صرخ كريستوفر من الجانب اآلخر من الباب .فتح فمه ليقول "الحًق ا يا مات" وشعر بالقيء يرتفع فجأة إلى حلقه .قام بسحب "
غطاء السرير من تحت سريره وتقيأ فيه مباشرة .لم تكن هذه تجربة رائعة ،كما قال في كثير من األحيان .وكما هو الحال دائًما ،جاء
.مع هذه التجربة شعور ال هوادة فيه بأنه مجرد قطعة من القمامة البشرية ،بل وصوت أكثر وضوًح ا ال لبس فيه
تعرف ماثيو بسرعة على هذا الصوت" .مرحًبا كريس ،ما األمر؟" سأله .لقد بدا اآلن قلًق ا ،مثل الدجاجة األم ،وهو أسوأ شيء ممكن.
""أال تشعر أنك بخير؟
أجاب" :أنا بخير تماًم ا" ،ثم تقيأ مرة أخرى في المقالة .مجموعة أخرى متكتلة ذات لون غير محدد -خليط من كل الظل بين البني
واألبيض -تناثرت على األرض ولطخت األغطية .كان يعتقد أنه مثالي .وبعد دقائق قليلة تحسنت حالته وقال بصوت ضعيف" :أنا
".بخير .اتركني وحدي قليًال
.لقد شرب شخص ما كثيًر ا الليلة الماضية ،أليس كذلك؟ لقد أخبرتك أنك ال تملك الجرأة على ذلك أيها الرجل العجوز"
".مات ،إذا لم تذهب بعيًد ا فسوف أقتلك"
أوه ".ويبدو أن ماثيو أخذ هذا االحتمال على محمل الجد" .أعتقد أنني سأذهب إذن .سنرى بعضنا البعض في وقت الحق . . .ربما "
.حتى تناول سكوتًش ا ».ضحك وخرج إلى الردهة
استلقى كريستوفر على ظهره في السرير واضًع ا ذراعه فوق عينيه .كان طعم فمه فظيعا .كان يشعر بحرقة شديدة في حلقه ،وكان
.رأسه يشعر بالدوار لدرجة أنه منعه من النهوض .سيداتي وسادتي ،أقدم لكم رجًال يتمتع بالنزاهة
وكانت رائحة القيء والكحول في الغرفة تصيبه بالغثيان .بدأ يرتجف وحاول احتوائه .ناضل من أجل الجلوس ،واستمرت الغرفة في
الدوران ،وانجرف عقله كما لو كان في حالة ذهول .مد يده إلى طاولة الليل والتقط الزجاج الذي كان فوقها .شرب رشفة من الماء
.محاوًال التنفس بشكل طبيعي واستعادة السيطرة على نفسه .ثم أنهى بقية الزجاج في جرعة
كان يعتقد أنني في حالة سيئة .اللعنة ،لم يكن عليه أن يشرب كثيًر ا الليلة الماضية .بعد عودته من منزل عائلة إدواردز ،كان قد سكب
زجاجة كاملة من الويسكي في حلقه مرة واحدة تقريًبا ،وسكب بعًض ا منها على قميصه .ثم ألقى الزجاجة على الحائط وألقى بنفسه
.على السرير ،على أمل أن ينهار فاقدًا للوعي
تنهد ونهض بعناية ،للتأكد من أن ساقيه كانتا صلبتين .مشى نحو الستائر وفتحها قليًال؛ الضوء يؤذي عينيه .لقد اختفى ُسكره ،على
.الرغم من أن مخلفاته ستستمر بال شك حتى فترة ما بعد الظهر .إذا كان هناك أي شخص يحتاج إلى البقاء حاًد ا ،فهو هو
.وهللا ما كان هناك ليلعب
.ومشى إلى حوض الماء وغسل وجهه
ال بد أن لقاءه مع أخيه غير الشقيق قد هزه أكثر مما توقع إذا خاطر بإفساد كل شيء -أو على األقل ،التسبب في مواجهة محرجة -
من خالل االنتقام من هذه الفتاة .واعترف بأن األمور خرجت عن نطاق السيطرة قليًال .في ضوء المكتبة الخافت ،كان قد فكر في
.إخافة اآلنسة تشامبيون ،وإخافتها حتى البكاء ،وإهانتها عند الضرورة -وحتى نقطة معينة سار كل شيء تماًما وفًقا لخططه
مرر يده على شعره بصدمة لقد حاولت آنا إعطاء "ال" خائفة! عندما قبلها ،وكانت الكلمة مكتومة عندما التقت أفواههم .لقد أطلقت
أنيًن ا حزيًن ا ،لكنه رفضها .كان من الصعب عليها أن تعطي أكثر من ذلك كرد فعل -فقد هدد بإبادة عائلتها وجميع األجيال القادمة،
أو شيء من هذا القبيل -وقد استغل كريستوفر ذلك .بيده على مؤخرة رقبتها ،سحب وجهها نحو وجهه ،يستكشف فمها بجشع،
ويستحوذ عليه بنهم ،مبتهًج ا بمذاقها الحلو والمالح وشيء ال يمكن تحديده -النرجس البري؟ الزعرور؟ لم يكن لديه أي فكرة عما
.يمكن أن نسميه
ال!" لقد كررت ذلك ،لكن كريستوفر لم يستمع إليها ،واستمر في تقبيل فمها ،ثم وجهها المبلل بالدموع ،ثم شفتيها مرة أخرى ،ثم "
رقبتها الشاحبة للغاية .كان قد وضع يده على ظهرها ليقربها منه .عض على شفتيها ،ومر لسانه على سنها الملتوي ،ذلك السن
السخيف الذي أعطى ابتسامتها صفة فريدة وغريبة .لم ترد آنا على قبالته ،لكنها سمحت له بتقبيلها ،وكان تنفسها السريع خائًفا
يداعب جلده وشفتيه ،واستهلكه ذوقها .دفئها جعله يشعر وكأنه في المنزل .وبشجاعة خجولة ،وضعت يديها أخيًر ا على صدره لتدفعه
بعيًد ا ،لكن كريستوفر انحنى عليها بقوة أكبر ،وسحقها على الباب المغلق .كانت أجسادهم ملتصقة ببعضها البعض بشكل مثالي،
واختلطت اآلهات المخيفة مع اللهاث .يا إلهي ،كم كانت ناعمة ولينة ودافئة ،وشعر كريستوفر بأنه يفقد السيطرة على نفسه .لقد شعر
. . .بأن األمور تخرج عن نطاق السيطرة ،وشعر بأنه يريد أن تخرج األمور عن السيطرة ،لذا – اللعنة – واصل
"! . . .توقف يا سيدي!" لقد توسلت إليه وخدها على رأسه وهو يقبل رقبتها" .لو سمحت"
كما لو كان مذهوال ،لم يكن يستمع إليها .تسارعت نبضات قلبه ،وتزايدت بداخله حاجة ملعونة .لقد قبلها وهو يرتجف بإلحاح،
متجاهًال محاوالتها الضعيفة للتحرر .لقد وضع وجهه على صدرها ،الذي ارتفع وسقط بشكل محموم ،ووضع شفتيه عليها
.انشقاق مفتوح ،ولعق دموعها أخيًر ا ،وبيد واحدة بدأت في إفساح المجال للمس صدرها
"!دعني أذهب ،أتوسل إليك"
لكنه لم يستطع .لقد تابع الخطوط العريضة النقسامها بلسانه ،وتذوق بشرتها ،وتنفس رائحتها ،واستمع إلى قلبها النابض بجنون. . .
.يا إلهي ،كان من الممكن أن يكون مذاقها -ذلك المزيج من الحلو والمالح -قد دفعه إلى الجنون
"!ال يا سيد دافنبورت! سيد«
ماذا كانت تلك الرائحة؟ الخبز الطازج والتفاح األحمر ،وماذا أيًض ا؟ وقد وصلت يده إلى ثديها األيمن ،فداعبه ثم عصره .لقد كان
.مدفوًع ا بالكامل تقريًبا بالفطرة
ال يا كريستوفر! سيد دافينبورت ،ال!» أمسكت بشعره بين يديها ،وتمكنت من رفع رأسه ،وتوسلت إليه بشكل مكسور" ،من "
. . ".فضلك . . ...من فضلك كريستوفر . . .دعني أذهب
ربما كانت عذوبة ذلك الصوت هي التي كسرت التعويذة الشريرة التي بدا أنها استحوذت عليه .مع عيون ضبابية ،كان ينظر إليها،
يلهث بشدة .كان عليه أن يرمش بعينيه عدة مرات ليرى بوضوح مرة أخرى؛ وبصعوبة كبيرة تمكن أخيًر ا من ذلك .كانت آنا تتألم،
.مثل حيوان محبوس .كانت عيناها تحدقان في حالة من الذعر ،وكانت شفتاها منتفختين من القبالت التي تلقاها
ولكن ماذا بحق الجحيم؟
.وكأن أحدًا سكب عليه زيتًا مغليًا ،فقفز إلى الخلف واستمر في االبتعاد عنها .منزعًج ا ،نظر إليها .ثم أدار ظهره لها
".اتركي يا آنسة البطلة"
كان صوته مختلًفا تماًم ا عن صوته المعتاد لدرجة أنه واجه صعوبة في التعرف عليه .لم يكن هناك أي صوت يأتي من خلفه ،فالتفت
حوله ،فرآها واقفة ساكنة ،كما لو كانت مشلولة من الخوف .لكن أمامه مباشرة فتحت عينيها على اتساعهما ،وأمسكت بمقبض الباب،
.وفتحت الباب ،وهربت من الغرفة
بعد أن أزعجه هذا االضطراب غير المتوقع على اإلطالق ،بقي كريستوفر بال حراك ،يستمع إلى ضجيجها وهي تجري بشكل
محموم في الردهة .رغبته غير الُمرضية لن تتركه لفترة طويلة (وقت طويل لعين ،جحيم دموي!) وقد تنفس بعمق ،وفتح قبضتيه
،وأغلقهما ،وعد إلى عشرة -أو كان عشرة آالف؟ لم يتذكر .وأخيرا بدا له أن حالة اإلثارة قد انتهت
.وعندما انقشع الضباب عن عقله -وهو عقل صغير بالتأكيد ،كان مقتنًع ا -بدأ إحساسه بالعقل في العودة
كيف يمكن أن يكون مجنونا جدا؟ ماذا كان يعتقد بالضبط أنه سيفعل لهذه الفتاة؟ لقد أوقفته -وما زال غير متأكد من كيفية القيام بذلك
-ولكن على أية حال ،فقد سرق قبلتها األولى ،أو على األقل كان يعتقد أنه فعل ذلك .ولوح بيده كما لو كان يريد إبعاد هذا الفكر ،وال
يزال مندهًش ا تماًما حتى ألنه فكر في مثل هذا الشيء الغبي .قال لنفسه ،متجاهًال األلم الخفقان الذي سيطر على أحشائه :إذا كنت قد
قدمت لها معروًف ا .الفتيات مثل تلك ال يتم تقبيلهن في كثير من األحيان من قبل رجال مثلي .ومن المؤكد أنه لم يشعر بالذنب ألنه
أهانها ،أو ألنه استغل قوته البدنية المتفوقة وسلطته االجتماعية .في واقع األمر ،سيكون هذا درًس ا لها :ال تبحث أبًد ا عن الدخول في
بيئة مختلفة عن بيئتك ،ألنك قد تصاب بالحروق .في الواقع ،عليها أن تشكره مرتين .ربما سأرسل لها الفاتورة غًد ا ،فكر بغضب.
!اللعنة عليك يا آنا بطلة
المشكلة الحقيقية لم تكن في ذلك ،وكان مندهًش ا ألنه لم يفكر في األمر أوًال .ماذا فعلت هذه الفتاة عندما هربت من الغرفة؟ من المؤكد
أنها لم تكن لديها أي نية لقول أي شيء -كانت تعرف جيًد ا ما ستخاطر به إذا اندلعت فضيحة ،وقد أخافتها تهديداته بالتأكيد -لكنها
كانت في حالة مثيرة للشفقة .حقيقة أن شيئا . . .غير عادي . . .ما حدث لها كان واضحا للغاية .وإذا كان أحد قد رآها . . .توقف
عن القلق بشأن ذلك ،أيها الغبي ،وعد إلى هناك على الفور ،فكر في نفسه .لم يستطع البقاء في هذه المكتبة إلى األبد؛ هكذا سيحترق
.لوحده مثل األحمق .كان من المفيد بالتأكيد معرفة ما حدث بسرعة حتى يتمكن بعد ذلك من تحديد ما يجب فعله
.أخذ أنفاًس ا متعمدة ،وعاد ببطء إلى غرفة الرسم ونظر حوله .باالرتياح ،الحظ أنها لم تكن هناك .اآلنسة تشامبيون لم تكن هناك
في الزاوية وقفت لوسي إدواردز ،تبدو متجهمة بعض الشيء .مشى نحوها ،وأومأ برأسه ،واستقبل اآلنسة روثرهام ،التي كانت ال
.تزال بصحبة السير كولن
.لقد تركت صديقك يذهب؟" سألها عرضا .خرجت لهجته الودية دون أي تأكيد .لقد كان يمارس التحدث لسنوات ،بعد كل شيء"
ضحكت لوسي وهزت رأسها .وكان ردها" :لقد غادرت بمفردها ،كما توقعت"" .لقد أبعدت نفسها عن انتباه روزماري وذهبت بعيًد ا.
هي لم تأتي حتى لتودعني ،لذلك أنا
".تخيل أنني قد أساءت إليها .أصبحت حزينة" .ربما تفكر بالفعل في طريقة رهيبة لتجعلني أدفع ثمنها
"لقد عادت إلى المنزل إذن؟"
نعم .طلبت من السائق أن يعيدها ،وهي تشكو من مرض غير متوقع في المعدة .قالت بابتسامة محبطة" :لقد تذمرت بشأن كعكة "
".أصبحت سيئة ،لكن يجب أن أقول إنني توقعت عذًر ا أكثر أصالة من جانبها
أوه ،العذر ليس سيًئ ا إلى هذا الحد ،فكر كريستوفر .كانت الكلمات لطيفة جًد ا على أذنيه ،وتتوافق مع الشعور اللطيف الذي كان يشعر
.به بتجنب المخاطرة
لكن اآلن ،وهو ال يزال نصف مخمور أمام المغسلة ،نظر في المرآة ورأى الهاالت السوداء تحت عينيه وكان عليه أن يعترف بأنه
كان أحمق حًق ا بالمخاطرة بكل شيء من هذا القبيل .قرر من اآلن فصاعدا أن أتجنب آنا شامبيون بأي ثمن .لم يكن األمر أنه يخشى
.أن رؤية هذه الفتاة السخيفة قد تدفعه مرة أخرى إلى التصرف بتهور ،ألن ضغوط المساء فقط هي التي جعلته يفقد حواسه
.غمس رأسه في الحوض ،ليغمره تحت الماء للحظات ،ثم رفع رأسه لألعلى ،محاوًال تخليص نفسه من الذهول
".آنا ،ال يمكنك أن تكوني جادة"
نظرت إليها لوسي بخيبة أمل لدرجة أن آنا للحظة
غيرت رأيها تقريبا .لكنها لم تستطع إعادة النظر في األمر ،وال حتى بالنسبة لصديقتها .في ذلك الصباح شعرت بأنها ممزقة إلى
أشالء .كان وجهها مشدوًد ا وجاًف ا ،وعينيها منتفختين ،وجلدها متشقًق ا .ذهبت لوسي لرؤيتها في وقت مبكر جًد ا لتسألها عن أحوالها،
ولمعرفة سبب عدم توديعها في الليلة السابقة -ولكن بمجرد أن رأتها لوسي ،اقتنعت بالحقيقة فيما يتعلق بانزعاجها .معدة .بعد كل
.شيء ،كانت تحب أن تأكل! لكن قبول قرارها كان قصة مختلفة تماًما
".آنا ،من فضلك ال تتخلى عني"
).كم هو قاسي القلب في بعض األحيان(
".قالت مرة أخرى متأثرة" :عزيزتي لوسي ،أنت تعلمين كم أعشقك
منع من جعل لوسي سعيدة" .وأنت تعلم أنني أحب رؤيتك دائًما .أنت الشخص الوحيد في العالم الذي أستمتع به كثيًر ا
رؤية .لكنني لن أشارك بعد اآلن في الحياة االجتماعية لكوكستون .ال أشعر بالراحة بين هؤالء الناس و ." . .توقفت فجأة ،بينما
.ترددت جملة في رأسها
.أنا آسف ألنني لم أحترمك
.حاولت تخليص نفسها من تلك الذكرى المؤلمة .لقد ظلت مشغولة طوال الصباح حتى ال تفكر في األمر
".نظرت لوسي إليها مثل الجرو المجلود" .ال يمكنك معاقبتي كثيًر ا ألنني تركتك مع روزماري! أقسم أن ذلك لن يحدث مرة أخرى
. . .أوه ،لوسي .فأجابت" :ليس هذا بسبب ذلك حًق ا" .سمعت في أعماق كيانها صدى الصوت المذل الذي لم تتعرف عليه :أنا آسف
أخذت نفسا ببطء ووضعت يدها على عينيها اللتين أغلقتا للحظة .قالت أخيًر ا وهي تكذب" :أعتقد أنني بحاجة إلى القليل من الوقت
".فقط
. . .أنا آسف
".وتابعت وخدودها مشتعلة" :قد ال يكون هذا هو الوقت المناسب بالنسبة لي
. . .امتالك
لقد ابتلعت بصعوبة وأغلقت يديها في قبضتين ،حتى غرزت أظافرها القصيرة في جلدها .وقالت مشجعة" :سوف نستمر في رؤية
"بعضنا البعض في فترة ما بعد الظهر"" .لدينا دائما ،أليس كذلك؟
لمعت شرارة من األلم في عيني لوسي ،وأرادت آنا أن تبتهجها .لكنها لم تستطع أن تغير رأيها؛ ال ،كيف يمكنها ذلك؟ ذلك الرجل
... . .الذي انتقل إلى كوكستون مؤخًر ا ،منذ متى كان ذلك؟ خمسة أيام؟ -حولتها بالفعل إلى جبانة ،و
.عدم احترامك
لم تكن تريد التفكير في األمر .لم تستطع التفكير في األمر .كان هناك شيء واحد مؤكد :أنها لن ترتاد أي مكان حيث توجد أدنى
.فرصة لمقابلته
إن التحدث عن كل شيء علًن ا ،ومطالبة شخص ما باالنتقام من اإلهانة التي تعرضت لها ،كان أمًر ا غير وارد :فهي بالتأكيد
".ستعرض عائلتها للخطر .قال لها كريستوفر" :ال تستمري في تحديي"" .سأؤذيك
ولم تستطع أن تقول كلمة واحدة ،حتى للوسي .حتى لو أنها أغفلت الجزء المتعلق بالسيدة إدواردز -التي كانت ستهب نفسها في تلك
الليلة لذلك الرجل ،تذكرت آنا بقشعريرة -فقد افتقرت إلى الشجاعة لتكشف للوسي عن مدى ما عانته .وعلى أية حال ،فإنه سوف
لم تكن كافية لكي تعرف لوسي .ال ،لقد أرادت االنتقام آلنا ،وسعت إلى ذلك .وكان ذلك خطيًر ا جًد ا .كان كريستوفر دافنبورت
.خطيًر ا جًد ا
فكرت في عدد المرات التي تحدثا فيها عندما كانا طفلين عن قبلتهما األولى ،وعدد المرات التي ناقشا فيها تقبيل الرجال والنساء.
ابتسمت لنفسها ،وتذكرت كيف أقسموا في البداية أنهم لن يقبلوا أحًد ا أبًد ا" .البد أنه أمر مثير لالشمئزاز" ،هذا ما قالته لوسي صغيرة
الحجم ،شقراء للغاية ،ذات يوم قبل عشر سنوات بينما كانت ترسم تصميمات بعصا في التراب الجاف في زاوية بعيدة من حديقتها
السرية .أومأت آنا مقتنعة بذلك ،وجلست على صخرة كبيرة تحت شجرة التوت المفضلة لديها ،لتدفئ نفسها تحت شمس الخريف
النادرة .ومع ذلك ،مع مرور الوقت ،أصبح الموضوع يكتسب سحًر ا غريًبا بالنسبة لهم .وشيًئ ا فشيًئ ا وجدوا شيًئ ا إيجابًيا في هذا الفعل
الغامض؛ لقد ناقشوا ذلك وناقشوا كيف ولماذا .في سن الثالثة عشرة ،توقفوا عن الحديث عن ذلك ،حيث سيطر عليهم خجل غير
عادي وغير معروف ،لكن آنا كانت متأكدة من أن لوسي ال تزال لديها خطة خيالية في رأسها لقبلتها األولى .ربما كانت قد فكرت
بالفعل في المكان ،وفي الكلمات ،وهمسات تلك اللحظة التي طال انتظارها ،المليئة بالقلق والخوف .ربما لم يكن ينقصها في أحالم
.يقظتها إال وجه ذلك الرجل الذي سيزيل أخيرًا الحياء الرقيق من شفتيها
لقد رأت آنا أيًض ا حلًما أحمًق ا -على األقل حتى الليلة الماضية ،فكرت ،وهي تحاول كبح الدموع التي شعرت أنها تشكلت بشكل
.خطير في عينيها ،وفي رؤيتها الخاصة كان وجه الرجل هناك ،وكان وجًها لطيًف ا ،بعيون خضراء داكنة وشعر بني فاتح كثيف
. . .ولكن بدال من ذلك
ولكن بدال من ذلك كانت شفاه كريستوفر دافنبورت هي التي قبلتها .لقد كانت حرارته هي التي دفئتها .كان هو الذي دخل إلى فمها
بعنف ولكن دون أن يؤذيها ،وأرعبها بطرق جديدة ،وأثار ارتعاشات الرعب .بدا األمر وكأنه خوف . . .ال بد أن يكون الخوف. . .
على الرغم من أنه ربما يكون مربًك ا ومثيًر ا بعض الشيء . . .كان ال يزال الخوف .بالطبع لقد جاء فقط إلذاللها ،وإظهار قوته ،وفي
خوفها ،سمحت لنفسها بالتقبيل ،والتشبث .فلما مسها إذ وضع يده على صدرها . . .خفضت رأسها .عزيزي هللا ،لم تستطع التفكير
في األمر .لكن عاطفة هذا الرجل المشتعلة -لسانه الذي كان يلعق جلدها؛ كانت أصابعه ،التي داعبتها بضربات قوية لكن لطيفة ،ال
.تزال مع آنا ،وما زالت تشعر بلسعاته المثيرة ،وأنفاسه التي تفوح منها رائحة النعناع والقرفة ،وجسده الذي كان يهز جسدها
.قبلتها األولى
قبلة حقيرة ،قبلة للنسيان ،قبلة إلسكاتها .وعلى ما يبدو ،هناك قبلة يجب إخفاؤها ،خاصة اآلن ،خاصة أمام لوسي .كانت بحاجة إلى
معرفة المشاعر التي كانت لدى صديقتها تجاه هذا الشرير .ألنه إذا كانت لوسي معجبة به -فالفكرة نفسها قلبت بطنها -فسيتعين
.على آنا أن تعترف لها بكل ذلك .كانت تأمل أال تفعل ذلك .ال يا عزيزي هللا ال
لماذا ال تخبرني بما حدث بعد أن غادرت؟" سألتها ،بدت خفيفة .ضوء السبر؟ لقد حاولت ،على األقل" .لقد رأيتك تتحدث مع الوافد "
الجديد ،دافنبورت" .يا لها من صدفة أنها تلعثمت عندما نطقت اسمه .نظرت لوسي إليها للحظة .هل كان هناك شك في عينيها؟
"وأضافت آنا بسرعة" :إذن ،ما رأيك فيه؟
أوه ،إنه وسيم جًد ا .ومؤدب أيًض ا ".كلمات مثيرة لالشمئزاز آلنا أن تسمعها بالتأكيد ،لكن لوسي قالتها مع افتقار كبير للحماس" ،
واألفضل من ذلك ،مع تكشيرة -تكشيرة حقيقية وأصيلة .عالمة ممتازة ،ممتازة ،وأصبحت أفضل عندما أضافت لوسي" :من
".المؤسف أنه ممل للغاية
ممل؟ أطلقت آنا ضحكة كان من المستحيل إيقافها وخنقتها بيدها .من بين كل اإلهانات التي يمكن أن أوجهها لهذا الرجل ،لن تكون
.هذه واحدة منها بالتأكيد
ال تنظري إلي بهذه الطريقة يا آنا ،أؤكد لك! حتى السيد روسينغتون يستخدم مجامالت أصلية أكثر من مجامالته ،وهذا يعني الكثير"،
نظًر ا ألنه كان من الممكن أن يكون آدم في عدن .أو ربما حتى التفاحة!» هزت رأسها بعدم تصديق ،وحاولت آنا أن تتخيل تفاحة
.يمكنها التحدث واإلطراء .وخلصت إلى أنه ليس سيئا فيما يتعلق بالسيد روسينغتون
تابعت لوسي" :حًق ا يا آنا ،لقد فكرت في األمر وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن األقوال التي استخدمها السيد دافنبورت تعود على األقل
" .إلى وقت خبز بسكويت عائلة آلن ،تلك التي تناولناها يوم االثنين الماضي
كادت آنا أن تكسر أحد أسنانها بسبب تلك البسكويت" .هذا مستحيل .ال شيء يمكن أن يكون قديًما إلى هذا الحد!» صرخت وهي
.تهتز وهي تضحك .كانت تلك أول ضحكة حقيقية أطلقتها منذ الليلة السابقة ،وشعرت باالرتياح
حاول قضاء نصف ساعة مع السيد دافنبورت" -أذهلت آنا " -وبعد ذلك سنتحدث عن األمر مرة أخرى .كما تعلمون ،يجب أن "
أخبره أنه من المؤسف حًق ا أنه مبتذل للغاية .بشعره الداكن وأنفه المستقيم ،كنت أتوقع شخصية قوية” .كان لديها لهجة مستاءة.
بالتأكيد هذا
كان االتهام خطيرا" .عندما تعرفت عليه ألول مرة ،اعتقدت لبضع لحظات رائعة أنه قد يكون نذاًل حقيقًيا .هل يمكنك أن تتخيل مدى
"إثارة ذلك؟
.الى حد ما .غمرت الذكريات عقلها – وخديها – وشعرت وكأنها غارقة في الماء المغلي .سعلت وغيرت الموضوع بسرعة
وماذا عن السير كولن؟ ماذا يمكنك ان تقول لي؟" سألت بحيوية مبالغ فيها" .منذ أن تعثرت به لالبتعاد عن روزماري ،أشعر «
".بالذنب الشديد
كان وجه لوسي أقل ذهواًل لو قالت آنا إنها تستطيع الطيران" .أوه ،هيا ،أنت ال تصدقين ذلك يا آنا .هذا الرجل خسارة كاملة لدرجة
".أن القلق عليه هو مضيعة للوقت
".اآلن ،اآلن ،ال تكن لئيًما .إنه في الحقيقة ليس سيًئ ا للغاية"
نظرت لوسي إليها وفمها مفتوح ،عاجزة عن الكالم .كان مثل هذا الحدث أكثر من نادر ،نظًر ا ألنه حدث مرتين فقط على األكثر في
حياتها بأكملها ،وخالل بقية زيارتها توقفت عن مضايقة آنا إلقناعها بالذهاب معها إلى المناسبات االجتماعية :الحقيقة إن دفاع آنا عن
.السير كولن كان بمثابة شهادة على الوقت الصعب حًق ا الذي كانت صديقتها تمر به
OceanofPDF.com
9
من منا ال يتمنى موت والده؟
وبعد أن قام بترتيب منديله أمام المرآة دون مساعدة الخادم ،كان مستعدًا للخروج .رفع رأسه وزم شفتيه بإحكام .لم يتبق الكثير للقيام
به .كان قلبه ينبض بشكل أسرع .تسابق دمه من خالل معابده .بضعة أشهر فقط وسينتهي كل شيء .وهللا لقد شعر بالغضب والتعب.
وضع يده على جبهته وفركها ببطء ،محاوًال التخلص من قلقه .بحق هللا ،كان من السخافة الخوف من دودة مثل ليوبولد ديميرسي.
.أخذ نفًس ا عميًقا ،وتوجه نحو الحائط ،وأسند ظهره إليه .كان بحاجة إلى التهدئة
.لقد ترك أفكاره تتدفق .مخاوفه .ثم تذكر كلمات الحكم بإعدام والدته .كلمة بكلمة ،مقطًع ا بمقطع
.ال أعتقد أن اللقيط الذي تحمله في بطنك العاهرة هو لي . . .جملة قصيرة باهتة
. . .ال أريد أن أعرف شيًئ ا أكثر ،ال منك وال عن هذا األمر
كانت هذه الرسالة هي التي تمسك بها عندما كان يفتقر إلى الشجاعة ،وهي الرسالة التي رأته خالل السنوات التي ال نهاية لها ،حيث
قام ،دون أن يدع نفسه يشتت انتباهه بالرحمة أو الحب ،بالسرقة والغش والترهيب والضرب -ولكن ليس قتل ،ليس بعد .ذريعة
.مجعدة من ثالث جمل مكتوبة بخط يد ثابت تلخص مؤلفها بشكل مثالي
.أنا أرسل لك المال .تخلص منه
.لكن مارثا لم تتخلص منه ،ولم يكن كريستوفر لقيًط ا -على األقل ليس في نظر المجتمع
فيودور دوستويفسكي -
.فمها األحمر الناعم ورائحة الفاكهة .وربما الزهور .نظر كريستوفر بصمت إلى ماثيو
".لقد أخبرتني أن أتحقق من ديونهم"
".اجعل األمر سريًع ا يا مات"
هل ما زلت مهتًما بشراء ديونهم؟ أحد دائنيهم"
سيكون منفتًح ا على بيعك له ،وربما يمكننا أن نضع أيدينا على رهنهم العقاري ».عض شفته .كان هناك شك في عينيه" .كريس،
إنهم عائلة محترمة .ال أعرف ما الذي فعلته بك هذه الفتاة ،ولكن لمرة واحدة ،هل يمكنك أن تسمحي بذلك؟
ال تبدأ مجدًد ا بوخزك اللعين ،حسًن ا يا مات؟" بادر كريستوفر .عزيزي هللا الذي في السماء وجميع القديسين ،هل أراد حًق ا أن يعظه "
هذه الليلة؟ "أنا متأكد من أنه لوال وجودك لكنت وصلت إلى هنا منذ عامين -على األقل منذ عامين .ال أعرف لماذا أستمر في سحبك
.معي مثل الكرة والسلسلة
" ".ال أعرف ".فكر ماثيو في األمر ،منشغاًل " .ربما يكون ذلك بسبب" وازعي الدموي"
.ليس من المرجح دموي ،يعتقد كريستوفر .على أية حال ،أقل احتمااًل بكثير من أن تتلقى لكمة في قدحك القبيح إذا لم تصمت
".لكن ماثيو استمر" .أنت بحاجة إلى شخص يمكنه إصالح الفوضى التي تسببها ،وأنت تعرف ذلك
بالطبع :التصحيح" .بالطبع ،التصحيح! أوًال ،أفسدت بعض الحقير ،ثم انتهى بي األمر بمساعدة عائالتهم .حتى أنك تجعلني أدفع
"تكاليف تعليم أبناء فورتسكو ».نظر إليه بغضب" .أوه ،هل تصدق أنني لم أكن على علم؟
"هز ماثيو كتفيه .كان الالمباالة هو اسمه األوسط" .هل أردت أن تتركهم يعيشون في الشوارع؟
اضربه وانتهي من األمر .لكن أين؟ في الفم أم على األنف؟ «طبًع ا ،وهللا ،ليتعاملوا مع األمر بأنفسهم!» قال منفجرا" .أنت تعلم جيًد ا
".أن أولوياتي موجودة في مكان آخر
أوه حًق ا؟" ماثيو تجعد جبينه .أو أنه كان يقلد شخًص ا يتمتع بقدرة عقلية على التذكر ،كما اعتقد كريستوفر ،أو أنه كان يجهد -دون "
.أن يتظاهر -للقيام بشيء آخر .نظًر ا لعدم وجود وعاء الغرفة في األفق ،كان يميل إلى االعتقاد بأنه األول
بطبيعة الحال .لقد ذكرت شيًئ ا كهذا "،اعترف ماثيو أخيًر ا وهو يتأمل" .يبدو لي أن هناك ثأًر ا من شخص ما في كوكستون ،وإذا "
ركزت في األمر فسوف يتبادر إلى ذهني االسم .يجب عليك تكرار ذلك ل
.أكثر من مرة يا كريس ،ألن بضع مئات من المرات في اليوم ليست كافية ،كما ترون
)أنت تعرف لماذا يحاول إزعاجك ،أليس كذلك؟(
.أنا لست خائفا ،مات .أنا لست خائفا من ذلك الخنزير .ال تقلق بشأني
قال كريستوفر متعًبا" :ماثيو ،استمع"" .أفعل ما يحلو لك .قم بإدارة األموال على النحو الذي تراه مناسًبا ،وال يهمني ذلك .كل ما
.أحتاجه هو أن تتوقف عن إزعاجي .إذا أردت أن أبقيك هادًئ ا ،يجب أن أدفع ثمن أطفال شخص دمرت حياته ،فليكن
".ابتسم ماثيو كما لو كان مشتتا" .كريس ،أنت تعرف ماذا يعني أن أبقى معك حتى لو كنت ال تحب الطريقة التي أعمل بها
"أنت لم تستمع إلى الكلمة التي كنت أقولها ،أليس كذلك؟"
".هذا يعني أنك تحبني"
".قال بحدة" :ال ،هذا يعني أنك إذا لم تحرك قدميك ،فستجد نفسك تبصق أسنانك في الكوب
.أوه .ال يبدو ذلك ممتًع ا ".تحرك ماثيو بعناية بعيًد ا عن الطريق"
.هكذا يقولون ".مر به كريستوفر وتوجه بسرعة إلى الدرج"
مهال انتظر! هل تريد أم ال تريد هذه السندات اإلذنية؟"
السندات اإلذنية .ديون آنا .توقف كريستوفر والتفت نحو ابن عمه بشيء من السخط .الحظ عالمات القلق المعتادة على جبين ماثيو.
من المعتاد جًد ا بالنسبة لماثيو أن يكون لديه هذا التعبير بتجاعيد متوازية .نموذجية ومتعبة .افرحي يا ألم الرقبة .لمرة واحدة ليس
لديك سبب للتذمر .في الواقع ،كان قد قرر ترك اللعبة مع هذه الفتاة ،كما وعد .لم يكن لديه أي فكرة عما سيفعله برهنها العقاري
الرديء ،ولم يكن يريد المساعدة في شراء ديونها .لم يفكر في آنا تشامبيون مرة واحدة خالل خمسة أيام؛ لم يكن يريد أن يفعل شيًئ ا
.معها
.قال :اعرض على الدائن ما يريد واشتري الرهن
.ها هو
أمامه ،كان ليوبولد ديميرسي يرقص مع امرأة عجوز إلى حد ما ،نظرت إليه مسحورة وضحكت مثل فتاة صغيرة .في الثانية
والخمسين من عمره ،حافظ ليوبولد على فخره .كان شعره األسود ،المخَّط ط بالشيب ،ال يزال ممتلًئ ا ،ولم تظهر على جسده النحيل
أي عالمات على التجاوزات التي عرف كريستوفر أنه قادر عليها .كان دانيال يشبهه كثيًر ا ،ال سيما في المظهر الجانبي الرقيق ألنفه
وشكل عينيه المستطيلين قلياًل ،وهي السمة التي نقلها أيًض ا إلى كريستوفر .كان وجه ليوبولد ال يزال يظهر كل عالمات الجمال
.المالئكي -المالئكي السخيف -التي فتنت مارثا
.ابي
كان كريستوفر قد قرر منذ ما يزيد قليًال عن ثالثة عشر عاًما — عندما اكتشف هوية إل — أنه لن ينادي ليوبولد ديميرسي أبًد ا
بـ«األب» ،وال حتى في ذهنه .والمرة األولى التي تعرفوا فيها على بعضهم البعض ،في ناٍد في لندن قبل ما يقرب من أربع سنوات -
لقاء قصير وعشوائي ،ألن كريستوفر لم يكن مستعًد ا بعد لالنتقام ،لكنه كان على وشك الوصول إلى هناك؛ لقد كان يصل إلى هناك
بخطوات طويلة ،ويتسلق التسلسل الهرمي االجتماعي أعلى كل شهر -لقد أصيب كريستوفر بالذهول ألن هذه الحادثة لم تثير أي
مشاعر .لذلك هذا صحيح .ليس لدي أب ،لقد فكر في نفسه .لقد كان مقتنعا بالفعل ،لكنه تمكن في النهاية من تأكيد ذلك .وبعد مرور
عام ونصف ،عندما اتصل بأحد عشاق ليوبولد -سوزان الساحرة للغاية -لم يكن لديه أي مخاوف في استخدام كل سحره لكسبها
.إليه .حتى قبل أن يقابلها ،كان قد قرر أنه سيغويها ،ثم سيوجهها حيث يريدها – ضد ليوبولد
يتذكر أن كل شيء كان يسير على ما يرام :قبلت سوزان زهوره ،والشوكوالتة ،وهداياه باهظة الثمن ،وضحكت على كل نكاته -
حتى األكثر إرهاًق ا -وأخيرًا دعته إلى منزلها .ظهر كريستوفر في منزلها بالشجاعة والثقة الهادئة التي كان يحتاجها في مسألة
.إدارية مشتركة .حسًن ا ،إنها مسألة إدارية شائعة وممتعة
استقبلته سوزان وهي ترتدي ثوًبا قرمزًيا المًع ا .كانت رؤيا :شعر أشقر طويل ،بشرة بيضاء ناعمة ،عيون رمادية مشوبة باللون
األزرق .عندما تركت ثوب النوم يسقط ،اضطر كريستوفر إلى االعتراف بأنها واحدة من أجمل وأمثل النساء التي رآها على
اإلطالق .فأخذته بيده .وعلقت وهي تضعها على صدرها" :يدك باردة" .ثم قادته بلطف إلى سرير كبير باللون األبيض الناصع
المالءات ،ووقفوا هناك في مواجهة بعضهم البعض .قبلته سوزان بشغف وعن علم ،رد لها قبلة ،وعندما أنزلت يدها إلى ذبابة
بنطاله ،سمح لها بذلك ،سعيدة ألنه لم يكن يوجه تصرفاتها .بلمسة خفيفة وحسية ،بحثت سوزان عن رجولته ولمستها بلطف .ثم
.نزلت ببطء على ركبتيها أمامه وبدأت تداعبه بفمها ،وتتذوقه بلسانها
".وبعد بضع دقائق توقفت" .لدينا مشكلة
همم؟" نظر كريستوفر إلى األسفل ،وكان عليه أن يالحظ أن المشكلة كانت صغيرة بالفعل ،حسًن ا ،لقد تقلصت .كان مرتبًك ا ،وقد "
الحظ خيانة جسده بينما كانت سوزان ،عارية وجميلة ،تقف على قدميها ونظرة شفقة على وجهها .لم يكن يعرف ماذا يقول .لم يكن
يعرف حتى ماذا يفكر .لم يكن يعرف كيف تمكن من الوصول إلى الباب لمغادرة ذلك المنزل في أسرع وقت ممكن ،واصطدم بحافة
.الباب وسقط تمثااًل صغيًر ا أثناء االندفاع -أعقبه ضحك لم يكن على اإلطالق فهم
ومنذ ذلك اليوم فصاعدًا ،أصبح ليوبولد "أبي" بالنسبة له .حدث هذا الغطاس عندما أدرك ،وحيًد ا ومذهواًل ،أن كراهيته قد زادت ،ولم
تتضاءل ،من مالحظة أنه كان لديه أب ،على كل حال .وبكل سرور أدرك أنه كان عليه أن يدمر والده أوًال ،ثم يقتله .لم يكن ماثيو
.يعلم شيًئ ا عن هذا الجزء األخير من الخطة ،لكن كريستوفر كان يعلم دائًما أن هذه ستكون نهاية ليوبولد :الموت على يد ابنه
.نظر إلى الرجل الذي يرقص أمامه .لقد وجدتك يا أبي .وقريبا سوف آخذ مكانك
دانيال .كان دانيال هو مفتاح التقرب منه .أين كان أخوه غير الشقيق اللعين؟ لقد رآه ليس بعيًد ا ،فسار نحوه ،دون أي انفعال خاص
.هذه المرة .واستقبله دانيال بنفس الحماس
"السيد" .دافنبورت" ،قال وهو يلقي التحية عليه بشكل قاطع" .كيف حالك في المدينة؟"
أجاب بسرور" :جيد جًد ا ،شكًر ا لك" .بدا دانيال في حالة مزاجية سيئة ذلك المساء .حتى أفضل .لن يضطر إلى تحمل حس الفكاهة
التافه" .الناس هنا في كوكستون ودودون بشكل ال يصدق ".وأشار نحو اآلنسة إدواردز ،التي كانت ترقص مع شاب ذو شعر أحمر.
قال" :يا لها من فتاة جميلة" .أراد أن يختبر مشاعر أخيه غير الشقيق تجاهها ،لكن دانيال أومأ برأسه فقط بالموافقة .أ
.رجل قليل الكالم ،أليس كذلك؟ "هذه الجماالت في البالد تشبه الزهور البرية المتفتحة ،أال تعتقد ذلك؟" قال إليقاظه قليال
لقد نجح في القيام بذلك ،حتى لو لم يكن بالطريقة التي كان يتوقعها .وال حتى بالطريقة التي كان يأملها ،في الواقع .في الواقع ،انفجر
دانييل في الضحك بصوت عاٍل "" .الزهور البرية التي "'." . ".لم يستطع االنتهاء .ربما كان يخشى أنه ال يستطيع إدارة األمر .قام
بتطهير حلقه محاوًال استعادة كرامته .قال وهو يشير بإصبعه إلى زاوية عينه ،حيث كان هناك وميض من الشك« :من المؤكد أن
"الزهور البرية تتفتح ،أيها الرجل الطيب" .ولكن من أين لك بحق السماء هذه األقوال؟
ربما ظهرت في عقله الصغير إمكانية أنه كان غير مهذب بشكل غامض ،هذا إذا كان لديه واحد ،وهو ما شكك فيه كريستوفر بشدة.
غير متحضر .ال يطاق والبغيض .الحقيقة هي أن دانيال كان قادًر ا على أن يصبح جاًد ا مرة أخرى ويعيد تشكيل وجهه بحيث يعكس
توقعات المجتمع المناسبة .ال يعني ذلك أن كريستوفر احتج أو تذمر بأي شكل من األشكال :بل على العكس من ذلك ،كان مثاًال
.للتناغم التام
"قال نادًما" :عفًو ا إذا كنت قد أساءت إليك يا سيد دافنبورت"" .تصرفاتي كانت غير مبررة
".ال يغتفر؟ دانيال ،أنت ال تعرف ماذا يعني ذلك .وأكد له بابتسامة ورغبة قاتمة في تقطيع قلبه إلى أشالء" :أنت لم تسيء إلي
حقا ،يجب أن تعذرني" .ال أعرف ما الذي حدث لي "،توسل إلى أخيه مرة أخرى" .لقد فكرت في ما ستفعله لوسي إذا سمعتك تقول"
شيًئ ا كهذا .كانت ترفع أنفها وتجعد فمها . . .ومن ثم ستأخذ اللون الرقيق لليمونة التي لم تنضج بعد .على أية حال ،ستكون خضراء
اللون” ،قال بنبرة اعتذارية أكثر مصداقية بعض الشيء" .حتى لو تم استخدامها كثيًر ا ،فمن المؤكد أنها استعارة تناسبها .إنها فتاة
".جميلة جًد ا وذكية ومتحمسة .نظر إلى كريستوفر بتعبير عارف" .ال تقلل من شأنها إذا كنت تريد أن تمتلكها
هذا الصبي المصقول للغاية قد تجاوز بالتأكيد حدود فكر كريستوفر السخيف .ماذا كان رأي دانيال؟ أنه يعرف أكثر مما يعرف عن
النساء؟ في الواقع ،لم تكن لوسي قد تحولت إلى اللون األخضر الليموني في وقت سابق عندما قال إنها تبدو مثل زهرة أو وردة ،أو
أًي ا كان ما قاله بحق الجحيم – فهو لم يتذكر .كان سيالحظ ذلك ،ألنه كان يراقبها بعناية .لقد أراد أن يفهم ،في الواقع ،ما إذا كانت ال
تزال تحترمه؛ وبعبارة أخرى ،أراد أن يعرف ما إذا كانت آنا
.لقد أخبرها البطل بأي شيء .لقد أعطاه سلوكها اللطيف تماًما اإلجابة التي كان يأمل فيها ،والحمد هلل
نظر إلى دانيال ،الذي استمر في الضحك لنفسه .كان كريستوفر يتأرجح بين الشعور بالحاجة إلى لكمه ،وعلى الرغم منه ،عدم
العثور عليه مكروًه ا إلى هذا الحد .لكن باختصار هل كان أخوه غير الشقيق ينوي الزواج من هذه الفتاة أم ال؟ لقد تحدث عنها
بحماس ،ولكن بعد أن قدم له النصيحة حول كيفية الحصول عليها ،بقي السؤال دون إجابة .ربما يتعين على كريستوفر أن يكسبها
.بغض النظر عن السبب لتجنب المشكلة في جوهرها .وألعطيك درسا لن تنساه يا أخي الصغير
.تضاءل مزاج دانيال المبتهج فجأة عندما اجتاحته جدية غريبة .اتبع كريستوفر اتجاه عينيه
).إنه ليوبولد ،كريستوفر .تنفس(
.لكنه لم يتنفس بينما انضم إليهم الرجل الذي أعطاه الحياة
.وأخيرا يا بابا
.وها هو والده على بعد ثالثة أقدام منه
وهنا كانت كراهيته التي تضخمت وانفجرت من روحه .لكن كريستوفر شعر بها في أعماقه ،مخفية وباردة .ذلك البرد الذي غطى
.عواطفه .فقط ربما شعر قلبه وكأنه يمزح قليال
صفع ليوبولد دانييل على كتفه وقال كلماته األولى" :سوني" -إحباط غامض ممزوج برغبة في إحراجه ،بصوت يتدحرج مثل
الحصى في الممشى " -ربما يجب أن أخبرك أننا في مرحلة جديدة" .قاعة الرقص والهدف هو الرقص وليس مجرد الوقوف هنا
.بنظرة غبية على وجهك ،كما أنت
هذه الجملة الوحيدة التي خرجت من فم والده كانت أفضل من قطعة قمامة في سلة المهمالت .لقد كان من حسن الحظ ،كما اعتقد
كريستوفر ،أن ليوبولد كان حقيًر ا صارًخ ا .لقد جعل مهمته أسهل ،ألنه اعتاد لسنوات عديدة على ابتالع الشعور بالذنب الذي تثيره
.فيه دموع ضحاياه وعذوبتهم وتعاطفهم .من المؤكد أن قسوة ليوبولد -واألكثر من ذلك ،التباهي بكبريائه -جعلت كل شيء أسهل
"...قبض دانييل على فكه ،وتراجع خطوة إلى الوراء .قال ببرود" :أبي ،اسمح لي أن أقدمك إلى
أوه ،الصمت ".نظر ليوبولد نحو كريستوفر .كانت عيناه مشرقة بشكل ال يصدق ،وكانت عيناه أفتح من اللون األخضر مقارنة "
بعيني دانيال .كانت هناك بضعة شعيرات دموية حمراء تلتف حول بياض عينيه المصفر ،لكنه كان لونه واضًح ا
قزحية العين التي جذبت انتباه كريستوفر .كان بطول كريستوفر تقريًبا ،والذي نادًر ا ما كان في وضع يسمح له بعدم النظر إلى
".األسفل لتبادل النظرات مع شخص آخر" .السيد .قال له والده" :دافنبورت ،يا لها من متعة رؤيتك مرة أخرى
).إنه يتذكرك يا كريستوفر(
لحظة من الحيرة .لقاء في ناٍد مليء بالدخان ،لقاء اعتقد كريستوفر في بعض األحيان أنه كان يحلم به فقط .ولكن بدال من ذلك ،كان
.هنا .ولم يكن والده قد نسي ذلك
قال وهو يحييه بأدب .كان صوته مؤكًد ا وحاسًم ا .ولم يشك في ذلك قط ،على أي حال" .إنه لشرف لي أن ". DeMercy،السيد"
".تتذكرني بعد كل هذا الوقت
)كم تكرهه يا كريستوفر؟(
أجاب ليوبولد" :حسًن ا ،ربما يكون األمر مريًح ا فقط عند رؤية أحد سكان المدينة في هذا الريف المروع" .أنا أكرهه بشدة ،بشدة.
"دانيال ،أنت تعرف السيد دافنبورت وأنا التقينا في أحد األندية في لندن قبل بضع سنوات ".خفض صوته وغمز البنه الذي بدا كما
".لو كان يبتلع ضفدًع ا .بركة من الضفادع" .من الواضح أنه نادي السادة
فغضب دانيال المتأنق بشدة .نار مشتعلة في عينيه ،نار في واٍد أخضر ،بأضواء ودخان وغضب ومرارة .لقد كانت ثقيلة وال تطاق
تقريًبا .لم يقل شيًئ ا لبضع لحظات ،متوتًر ا .وقال أخيرًا« :إذا سمحت لي يا أبي ،فقد وعدت أحدًا بأنني سأرقص .السيد دافنبورت".
.أومأ برأسه وابتعد ،والكراهية في كل حركاته ،بخطوات سريعة تفتقر إلى األناقة
".تنهد ليوبولد وهو يراقب ابنه وهو يذهب" .أيها الشباب ،سيد دافنبورت ،أنتم ال تعرفون على اإلطالق كيف تستمتعون بالحياة
شعر كريستوفر باألفكار فارغة من رأسه ،مذهواًل جًد ا بحيث لم يتمكن من فهم ما كان يحدث" .ربما أساء ابنك الفهم يا سيد
"...ديميرسي .يبدو أنه قد فهم تقريًبا
وقال" :من الواضح أنه فهم كلمة "بورديللو"( .تنفس ،كريستوفر).
تعال يا سيد دافنبورت ،ال تظهر هذا الوجه ".كان هناك طفيف"
انزعاج في صوته ،ممزوج بالوهم ربما" .ال تقل لي أنه حتى معك ال يمكن استخدام بعض المصطلحات .أحيانا أتساءل ." . .نظر
حوله بغضب ،وترك الجملة غير مكتملة" .السيد .دافينبورت ،كيف لرجل من هذا العالم مثلك أن يتمكن من البقاء في هذه الحفرة
".المهجورة؟ يبدو األمر غير قابل للتصور
استعاد كريستوفر رباطة جأشه .بعد كل شيء ،كان يعرف عن بيوت الدعارة أكثر من والده ،أليس كذلك؟ "أوه ،بالكاد وصلت منذ
.بضعة أيام يا سيدي .لكنني أعتقد أنه قد يكون هناك شيء مثير لالهتمام في هذه األجزاء
حًق ا؟ أنت متفائل للغاية إذن .وأؤكد لك أن الملل هنا قاتل ،والنساء قبيحات كؤخرة الحمار ،والقمار نادر وسيئ .لوال بعض األماكن "
»النائية ،لكنت قد ركضت بالفعل ألغرق نفسي في النهر .هل تقامر يا سيد دافنبورت؟
".بالطبع يا سيدي"
".سأدعوك لبعض ألعاب النرد أو البطاقات في هذه الحالة"
".سأكون ممتنا لك"
أومأ ليوبولد برأسه لكنه بدا مشتتا" .اآلن ،إذا سمحت لي ،أنا
.يجب أن تنضم إلى عدد قليل من األصدقاء في الجزء الخلفي من الغرفة
إنه يهرب يا كريستوفر .سوف يبتعد عنك بعد ذلك(
).دقيقتين فقط
"ال ،ال يمكنك الذهاب بهذه الطريقة" .لحظة واحدة يا سيدي ،إذا سمحت لي
هو قال" .أنا أريد أن أطلب منكم . . .مع العلم أنك ال تخاف من التحدث بصراحة ،في الواقع ." . .خفض صوته ونظر إليه في
عينيه" .أردت أن أسألك إذا كان بإمكانك أن تقترحي علّي بعض األماكن -كيف يمكنني أن أقول ذلك؟ -مكان خاص ال تبدو فيه
".السيدات ." . ."...توقف مؤقًت ا وهو يبتسم" .الجزء الخلفي من رباعي األرجل
حتى ليوبولد ابتسم ،وشعر بالسعادة أخيًر ا .كان كريستوفر يعلم جيًد ا أن االبتسامة يمكن أن تجرح بقدر الخنجر؛ لكنه لم يكن يعلم أن
.الخناجر في بعض األحيان ال تقطعك ولكنها تجعلك تنتفخ من الداخل
قال والده مبتهًج ا« :حسًن ا ،رجل تجري عروقه دًم ا»" .جيد ،هذا يعني أنني سأرافقك بنفسي إذا كنت تريد ،دافنبورت .دعنا نذهب في
".غضون يومين
شعر بجلطة داخل نفسه .ربما قلبه أو ربما روحه – لم يستطع كريستوفر أن يقول ذلك .كان هناك شيء واحد فقط يخيفه أكثر من
.االضطرار إلى الذهاب إلى بيت للدعارة مع والده :مالحظة أن ليوبولد اعتبره مساًو ا له حًقا
OceanofPDF.com
10
.ما اخترعته الحكاية ،يعيد التاريخ إنتاجه أحياًن ا
فيكتور هوجو-
"!اآلنسة إدواردز"
رفعت لوسي يدها في تحية وتوقفت خارج المدخل
.منزلها بينما كان كريستوفر يمتطي حصاًن ا تجاهها
،آنسة إدواردز ،إلى أين أنت ذاهبة لتفعلي هذا؟" سألها"
".النزول من حصانه" .إذا سمح لي باالستفسار بالطبع
بعد ظهر ذلك اليوم ،كانت لوسي ترتدي فستاًن ا قصيًر ا من الموسلين األصفر وتحمل مظلة من نفس اللون ،وشعرها األشقر وتوهج
بشرتها يجتمعان ليجعال منها بقعة مبهرة أمام خضرة الريف .يعتقد كريستوفر أن أي رجل يمكن أن يقع في حب هذا
.سيدة؛ في هذه اللحظة أشرقت بنورها
.السيد" .دافنبورت ،يا لها من متعة رؤيتك "،قالت بمرح"
"ماذا تفعل في هذه األجزاء؟"
. . ".لقد أتيت لزيارتك يا آنسة إدواردز .اليوم أنت"
عض لسانه قبل أن يتمكن من نطق جملة تحتوي على كلمات "ذهبي" ،و"شعر أشقر" ،و"شمس" -وربما بهذا الترتيب .ال يعني ذلك
أنه كان يتبع نصيحة أخيه غير الشقيق الغبي ،كما هو واضح .بعد كل شيء ،لم يكن بحاجة إلى ذلك .في الواقع ،كان من الواضح له
".أن اآلنسة إدواردز كانت غاضبة منه بالفعل .قال أخيًر ا" :أنت مضيء بشكل إيجابي
ردت لوسي بتصرفها المشمس" :شكًر ا لك ،أنت لطيف جًد ا"" .أما بالنسبة لمكالمتك االجتماعية الكريمة ،فأنا أخشى أنني يجب أن
".أبلغك بأن لدي ارتباًط ا مسبًق ا بعد ظهر هذا اليوم
"أوه ،أنا آسف جًد ا .هل يمكنني االنضمام إليكم؟"
هزت لوسي رأسها اعتذاريًا" .إنه شيء صغير ممل ،أؤكد لك .أمضيت إحدى فترات ما بعد الظهر مع النساء الالتي يتحدثن عن
".العباءات والمفارش المصنوعة من الدانتيل .ربما في يوم آخر
أجاب كريستوفر وهو يتنهد بارتياح" :بالتأكيد" .لم يكن يرغب في البقاء بصحبة اآلنسة إدواردز؛ انتبه ،لقد وجدها رائعة ،وكان يعلم
أنه كان عليه أن يسحرها ،لكنه حتى اآلن قام بعمل سيئ للغاية في هذا الشأن .كان أخوه غير الشقيق على حق تماًما ،واألسوأ من
.ذلك أنه كان لديه الكثير من األشياء ليهتم بها بعد ظهر ذلك اليوم ولم يتمكن من قضاء الوقت معها
".اسمح لي أن أرافقك إلى وجهتك على األقل" ،اقترح بأدب" .سيدة شابة مثلك يجب أن تتم مرافقتها دائًما"
ال تقلق .كليمنت يتبعني عن بعد .هل تراه؟" أشارت خلفها نحو إحدى خادمات منزل عائلة إدواردز .كان على بعد حوالي خمسين "
قدًما ،متظاهًر ا أنه كان هناك بالصدفة" .والدتي تفكر مثلك ،ونادرا ما أتمكن من الهروب من عينيها الجهنمية الساهرة ".شخرت.
"".وأعتقد أنني كنت أسير بهذه الطريقة كل يوم تقريًبا عندما كنت طفًال
».أرى .لكن اسمح لي مع ذلك بمرافقتك"
أومأت برأسها بابتسامة ،وبدأوا في المشي ببطء .كان ريف شهر يوليو دافًئ ا وعبًق ا .ارتفعت الحرارة من األرض ،وكان للسيقان
الطويلة لحقول القمح ،التي كانت جاهزة تقريًبا للحصاد ،لغتها الغريبة والغامضة .وبعد اثني عشر يوًما ،كان كريستوفر قد اعتاد
تقريًبا على صمت هذا المكان .بصراحة ،لم يكن صمًت ا؛ بل كان باألحرى مزيًج ا من الرسائل السرية بين الحشرات والطيور في
السماء وحيوانات األرض .الشعر الخفيف ،واألناشيد المبهجة ،والحفيف غير العادي ،واألصوات غير المتوقعة كلها مجتمعة ،كما لو
.كانت في محادثة هامسة ال نهاية لها
ساروا أمام بوابة كبيرة صدئة ،بدت في غير مكانها بين الحقول الزراعية الذهبية والخضراء ،بين أشجار الجنجل والقمح .أدى مسار
حجري طويل مغطى بالفروع الميتة إلى منزل محطم ،أصبح اآلن مهجوًر ا وضحية لألشباح القديمة .لقد اسودت جدرانه بسبب
.حريق تركه في حالة مروعة لكنه لم يهزمه ،إذ كان ال يزال يقف فخوًر ا ومشؤوًما
هذا هو منزل القرية القديم المسكون" ،أخبرته لوسي عندما الحظت اتجاه عينيه" .يشعر جميع األطفال بالرعب من ذلك ،ويقول "
".الكثيرون إنهم يسمعون صرخات مروعة قادمة من هناك
"وأنت تمشي على هذا الطريق كل يوم دون أن تشعر بالخوف؟"
".أجابت بابتسامة باهتة" :بالطبع أنا خائفة ،مثل الجميع"" .أنا دائما أحافظ على مسافة منه ،كما تعلم
استمروا في السير في صمت لفترة أطول قليًال بينما كانت الصراصير تتغزل ببعضها البعض بين القمح ،الذي أنتج هو نفسه ألحانه
.المتعبة التي ال هوادة فيها
قالت لوسي وهي تشير إلى منزل من الطوب األحمر" :ها نحن هنا ،أوشكنا على الوصول" .كانت صغيرة نوًع ا ما ،وتقع في نهاية
طريق قصير تحده أشجار الزيزفون الكثيفة ،والتي كانت مهملة .كانت جدران المنزل تتقشر بشدة ،كما لو كانت بحاجة إلى
.إصالحات منذ سنوات
لذلك ،نحن اآلن أمام منزل صديقك" -كما كان يقول ذلك ،أدرك أنه ال يحتاج إلى " -اآلنسة تشامبيون" .لقد عض لسانه ،ولكن "
.بحلول ذلك الوقت كان الحكم قد سقط ،وكانت حقيقة أنه يعرف بالضبط مكان إقامة عائلة البطل واضحة تماًما
ابتسمت لوسي لكنها تركتها" .نعم ،أنا وآنا نعيش على بعد أقل من نصف ميل من بعضنا البعض .وكما قلت ،نحن نحب قضاء فترة
ما بعد الظهر في الحديث عن أشياء غير مفهومة على اإلطالق للجميع ،باستثناء لنا .ضحكت وأخفضت رأسها ،كما لو كانت تتذكر
.شيًئ ا من تلك األشياء
".ال يبدو األمر مرهًقا جًد ا"
.اعذرني؟" قالت لوسي وهي تبدو مذعورة"
قلت أن هذا ال يبدو ممًال للغاية .كنت قد أطلقت عليه ذلك في وقت سابق ،وأنا"
".يعتقد
حسًن ا ،ربما ال يكون األمر مرهًق ا ،لكنه بالتأكيد عذاب ال يطاق"
.أي شخص يأمل في التمسك بعقله العقلي
".ال شيء يمكن أن يكون تعذيًبا معك هناك"
حسًن ا ،لقد تسربت الكلمات ،وكان األمر جيًد ا ،ألنه كان مجرد رسالة
التعبير ،أليس كذلك؟ بالتأكيد لم يكن طلًبا للدخول .ومع ذلك ،بدا األمر مثل ذلك كثيًر ا ،اللعنة .قال لنفسه :يجب أن أنتبه إلى الكلمات
التي أستخدمها .ال أريد مطلًق ا الدخول إلى ذلك المنزل ،ولن أفعل ذلك .إن رؤية اآلنسة تشامبيون مرة أخرى سيكون بالتأكيد أمًر ا
غبًيا ،وسيكون ذلك بمثابة استفزاز للسيدة الشابة إلى أبعد الحدود .عالوة على ذلك ،فإن زيارتها بعد إصرارها على التوقف عن
جميع النزهات االجتماعية -كان يعلم جيًد ا أنها إذا تغيبت عن الحفالت األخيرة كان ذلك بسببه -كان أمًر ا غير منطقي إلى حد أنه
.يقترب من ما ال يمكن تصوره
.لحسن الحظ ،لم تتأثر لوسي بدعوته للدخول .في الواقع ،بدت أكثر استعداًد ا لفعل أي شيء غير ذلك
قالت مستمتعًة " :إذا كنت أرغب في إيذائك ،فسأطلب منك أن تأتي معي يا سيد دافنبورت" .تظاهرت بالتفكير في األمر ،ثم هزت
رأسها" .واليوم ،على أي حال ،ال أتذكر أي إساءة ارتكبتها بحقك كانت خطيرة جًد ا لدرجة أنني أشعر بأنني مضطر إلى مثل هذه
".القسوة
ضحك كريستوفر بصدق لمرة واحدة ،ألن االرتياح الذي شعر به كان مؤكًد ا .يمكنه العودة إلى المنزل وشرب شيء ما ودراسة
.تحركاته األخيرة ضد والده
".أجاب" :أشكرك كثيًر ا يا آنسة على اهتمامك اللطيف" .ثم أضاف فجأًة " :لكنني أعتقد أنني سأفتقد صحبتك كثيًر ا
".لماذا قال الشيطان شيئا كهذا؟ هل كان مجنونا؟ ربما ،وبدت حالته خطيرة ،ألنه رفع صوته وقال مرة أخرى" :دعني أدخل معك
كان األطفال خائفين وهم يراقبون آنا .ولم يكن بوسعهم أن يفعلوا غير ذلك .كان الساحر على وشك قتل األميرة الجميلة ،وكان األمير
ال يزال في الغابة ،يقاتل ضد الكرنب السبعة الشريرة وأربع أشجار الخبز ،التي كانت تدفنه تحت عدد ال يحصى من األرغفة
.الساخنة
.وكان األمير يعلم أنه ال يستطيع مساعدة األميرة "،واصلت آنا بينما أطلقت جريس صرخة"
كانوا يجلسون على سجادة على األرض ،بين الوسائد التي استخدموها ككراسي ،متجهين نحو النافذة .كانت غريس تجلس في حضن
آنا ،وكان اإلخوة على كل جانب .وكانت نورا تجلس على كرسي قريب ،وتقوم بالخياطة .حتى أنها كانت تستمع إلى القصة بابتسامة
.باهتة ،وتتظاهر بالتفكير في أشياء أخرى بينما تتمتم "همًما" بين الحين واآلخر
وهكذا عرف األمير أنه ال يستطيع أن يفعل إال شيًئ ا واحًد ا لألميرة .وأعطى سيفه للتنين الرمادي وقال له« :خذ هذا إلى بينيلوب "
الجميلة ،عزيزي جريجو ،بسرعة الريح»" .طار غريغو بعيًد ا ،وفتح جناحيه الرماديين الكبيرين المخططين باللون األخضر "،قالت
".آنا ،مقلدة التنين الطائر برفرفة ذراعيها" ،وفي لحظة وصل إلى برج قلعة الساحر الشرير
وتساءلت هل ربما كانت تعرض إخوتها لتوتر عاطفي شديد للغاية؟ اللحظة الدرامية للغاية عذبتهم
.قلوب صغيرة
كيف سيعيش األمير بدون سيف؟" اعترض دينيس" .هو"
»!لن يكون قادًر ا على قطع األرغفة بعد اآلن وملئها بالملفوف الشرير .سوف ُيسَّط ح بالخبز
وأوضحت آنا" :األمير يعرف ما يخاطر به ،لكن الحب يعني في بعض األحيان تقديم التضحيات" .يا لها من فلسفة قذرة تعني تهدئة
أخيها الصغير بكل قوة التفاهة التي ال تقبل الجدل .وتابعت“ :أخذ التنين غريغو السيف إلى األميرة التي تمكنت من تقشير البطاطس
العمالقة .لقد قطعته إلى قطع وألقته في الزيت المغلي ،وكانت الرائحة التي انتشرت في جميع أنحاء القلعة جيدة جًد ا لدرجة أن ذلك
الساحر لم يستطع المقاومة .ركض إلى المطبخ ،ووجد على الطاولة خمسة وعشرين رطًال من رقائق البطاطس الساخنة والمقرمشة.
انغمس فيها وبدأ يحشو نفسه دون أن يتمكن من التوقف ،وكلما أكل أكثر ،أصبح أكثر تورًما ،وأصبح أكبر حجًما »،قالت وهي تفتح
ذراعيها على نطاق واسع« ،وأكبر» -كانت ذراعاها متساويتين .على نطاق أوسع " -ثم أصبح كبيًر ا جًد ا لدرجة أنه انفجر أخيًر ا
.بشاذ جنسي ".وهي تحاكي االنفجار بيديها
.بووف" ،كررت جريس"
طارت األميرة على متن غريغو التنين وانضمت مجدًد ا إلى أميرها المحبوب ،الذي كان مدفوًن ا بالكامل في جبل من الخبز "
.والملفوف الشرير ،وأنقذته .وكان لديهم الخبز والملفوف ليأكلوه لبقية حياتهم
.مثلنا!" -صرخت غريس"
.بالضبط!" قالت آنا وهي تضحك"
ال أرغب على اإلطالق في مقابلة ملفوف غاضب" ،جاء ذلك"
.صوت حنون على كتفيها
!لوسي
نهضت آنا بسرعة مع إخوتها وأختها .مررت يديها على فستانها لتنعيمه ثم استدارت ،مع االبتسامة المشرقة التي كانت تحملها دائًما
.لصديقتها
.ثم رأته
.له
ركلة في الرأس .ال بد أن شخًص ا ما قد ركلها على رأسها ،ألن الصدمة كانت قوية جًد ا لدرجة أنها فقدت ساقيها ،ولم تتمكن من رفع
.نفسها إال بوضع يديها على كتفي جريس ،مما أدى إلى سقوطها أيًضا
.آه!" انتحب الطفل"
الغرفة ،تنظر إليه بكراهية لم تشعر بها من قبل ،تجاه أحد .كراهية غير مؤذية ،لألسف ،وفي الواقع رد عليها نظراته بنظرته
.الزرقاء الهادئة تماًما
.آنا ،هل تشعرين بتحسن؟" سألت لوسي وهي تدخل الغرفة"
.ربما لم تكن كلمة "حسًن ا" هي المصطلح األكثر مالءمة .بالكاد تمكنت آنا من التوجه نحوها ،وصرفت عينيها عن ذلك . . .من ذاك
..
".أعلم أنك ال تهتمين به ،ولكن في الحقيقة ،لم يكن ذلك خطأي "،همست لوسي لها عندما اقتربت" .أراد أن يرافقني هنا بأي ثمن"
كانت صديقتها آسفة للغاية ،وماذا يمكن آلنا أن تفعل؟ تطرده من منزلها أمامها؟ خدش وجهه حتى مسحت النظرة المتعجرفة منه؟ أو
تطلب منه تناول الشاي معهم وتقدم له القليل من البسكويت وتبتسم له بكل ود؟
!اوه عليك العنه
لكنها لم تبتسم له ،على أقل تقدير .انها تنفست بعمق" .ال يهم ،لوسي "،أجابت أخيرا .كانت لهجتها أكثر هامدة من شمعة مطفئة.
"".سأضطر إلى قتلك بالطبع ،ولكن آمل أال يفسد ذلك صداقتنا
ضحكت لوسي بهدوء .تمتمت قائلة" :سنكون هنا لمدة خمس دقائق فقط ،أقسم لك"" .ثم سأعود سرا .سأضطر إلى الطيران بعيًد ا
".على تنين رمادي
.هل يمكنني الدخول أم ستجعليني أبقى في المدخل يا آنسة تشامبيون؟" سأل كريستوفر برباطة جأش"
.كان يسلي نفسه
).كما لو أنه كان يسلي نفسه منذ ثمانية أيام .أليس هذا صحيًح ا يا آنا؟ لقد بكيت وتوسلت ،لكنه كان يسلي نفسه كثيًر ا(
فنظرت إليه بغضب .والخوف .والعار .ذلك العار اللعين الذي لم تستحق أن تشعر به .ولم تعرف حتى كيف ترد عليه .ثم رأت
النظرة المتسائلة على وجه لوسي ،وقالت ما لم تكن تريد أن تقوله أبًد ا" :من فضلك ،تفضل بالجلوس .هنا ".بدا صوتها مثيًر ا للشفقة
.ومضطرًبا .وكانت يرثى لها للغاية ومضطربة
دخل كريستوفر إلى الغرفة .كان حجمه مثيًر ا لإلعجاب ،تماًما كما تذكرت .جلس ،وحتى األريكة المكسورة ،التي ابتلعت الضيوف
بشكل عام ،لم تفعل شيًئ ا من هذا القبيل له .حتى وهو جالس ،ظل كبيًر ا بشكل ال يصدق .ويهدد بشكل ال يصدق .ولكن لماذا كان هنا؟
هل كانت مجرد صدفة سيئة الحظ؟ او اخرى . . .أم أنه ال يزال غاضًبا منها؟
.أكل االحتمال في قلبها وأمعائها .هللا في الجنة ،كان إخوتها في المطبخ ووالدها في حديقة الخضروات
أوه ،لماذا كان هذا السيد هنا؟
طهرت لوسي حلقها وحاولت بدء محادثة مهذبة .كان التوتر شديًد ا لدرجة أنه بدا كما لو كانوا ينظرون إلى بعضهم البعض من خالل
.دخان أسود كثيف
".إذن يا آنا "،بدأت بمرح" .لقد جئت لسبب مهم للغاية اليوم ،وهو السبب الذي ال يمكن تأجيله"
أوه ".وقبالته ،وذلك الخوف في حفرة بطنها ،وتلك الكلمات التي ما زالت تسخر منها مراًر ا وتكراًر ا ،ودموعه وضعفه وقوته التي "
. . .سحقتها وسلبت منها كل جزء من كرامتها ،و ربما كان أسوأ شيء هو أنه كان يداعبها
".دخلت نورا وهي تحمل صينية بها فناجين الشاي" .آنا .لقد صنعت الشاي .لضيوفك
".وقفت بشكل مؤلم" .شكرا جزيال يا نورا
أخذت الصينية منها ،واهتز إبريق الشاي بشكل خطير .ومع ذلك ،تمكنت من عدم قلبها ،ووضعتها على طاولة الصالون .ساعدتها
لوسي في صب الشاي ،ربما ألنها الحظت أنها تعاني من بعض المشاكل .حقا عدد غير قليل من المشاكل .يا له من تعبير لطيف أن
نقول إنها كانت ترتجف مثل زغب الهندباء في مهب الريح .وكانت أمام كريستوفر مباشرة ،الذي كان يستمتع بالمشهد وقد رفعت
.شفتيه إلى األعلى لترسم ابتسامة خفيفة
ولكن لماذا كان هنا؟ وماذا لو أدرك أنه شخص فظيع ومخز وطلب منها العفو؟
)...آنا(
ولكن بالتأكيد! يجب أن يكون ذلك! ال يعني ذلك أنه كان من الممكن لها أن تنسى هجومه ،بالطبع ،لكن الفكرة هدأتها .كان هذا هو
!األمر ،وال شك في ذلك
"كيف حال والدتك يا آنسة إدواردز؟"
لقد تحدث كريستوفر إلى لوسي ،لكن آنا شعرت بنظرته عليها .بالطبع ال .إنه ال يريد االعتذار ،فكرت بغضب وهي تضغط على
.مقبض فنجان الشاي
".أوه ،ألقول الحقيقة ،لقد كانت غير سعيدة بشكل ال يصدق لبعض الوقت"
.سعل كريستوفر ،وهو يبصق رشفة من الشاي في فنجانه؛ ومن الواضح أنه لم يكن يعتقد أن هذا النوع من االستجابة ممكن
تابعت لوسي" :البد أن هذا هو الطقس"" .أحاول أن أبقى بعيًد ا عنها قدر اإلمكان ،ألنها عندما تكون هكذا ،ال يأتي منها شيء جيد".
".توقفت وغيرت الموضوع فجأة" .لكن آنا ،كما كنت أقول ،لدي أخبار مهمة جًد ا ألقدمها لك
".استمع كريستوفر بعناية ،واستجابت آنا ،وهي تحاول إبعاد فكرة من ذهنها ال تستطيع التخلص منها" .لقول
.أعلم أنك ال تزال تشعر بالذنب ألنك تعثرت بالسير كولن عن طريق الخطأ "،قالت بنظرة عارفة لن يفهمها سوى االثنين"
".قالت آنا وهي تومئ برأسها بطريقة مشتتة" :مممم
يجب أن تعلمي "،أوضحت لوسي لكريستوفر ،الذي نظر إليها دون أن يفهم" ،أن آنا كانت السبب غير المقصود" -نظرت إلى آنا "-
" ".ألسر روزماري للسير كولن أثناء الحفلة التي أقيمت في منزلي منذ أسبوع تقريًبا
سماع تلك اإلشارة في ذلك المساء سلب آنا أنفاسها ،وحاولت أن تهدأ .وتذكرت أنه لم يكن من الصعب الشهيق والزفير .لقد كانت
.تفعل ذلك منذ ما يقرب من تسعة عشر عاًما ،وال يمكنها أن تنسى اآلن
من ناحية أخرى ،لم يكن لدى كريستوفر أي رد فعل من أي نوع يمكن أن يشير إلى أي نوع من المشاعر ،كما لو كان ذلك المساء
.بالنسبة له شيًئ ا قد شهده بالفعل ألف مرة .وربما ،اعتقدت آنا ،وهي تشعر ببطنها تنقبض ،أن هذا هو بالضبط ما حدث
.حًقا؟" سأل بأدب"
".أومأت لوسي" .بالضبط ،ولم تكن لديها أدنى فكرة عن كيفية االعتذار
كم كان كل هذا قاسيًا للغاية ،حتى بالنسبة للقدر .خفضت آنا رأسها نحو فنجان الشاي وأغلقت عينيها .بدأت تشعر بخدودها تحمر.
.لوسي ،سأضطر حقًا لقتلك ،بعد كل شيء
لم يقل الرجل شيًئ ا في المقابل ،وانحنى ليأخذ رشفة من الشاي .ولكن عادت على شفتيه ابتسامة طفيفة كانت قد عادت إليه منذ وقت
سابق ،وتمنت آنا بشدة أن تنفتح حفرة واسعة وتبتلعه بالكامل .حفرة كبيرة ،حفرة صغيرة – يا إلهي ،ما المشكلة في ذلك؟ ومع ذلك،
.وعلى الرغم من مشروعية صالتها ،إال أنها لم تستجب
".حسًن ا يا آنا ،يمكنك التوقف عن الشعور بالذنب"
.أثارت نبرة صديقتها فضولها ،بغض النظر عن الوضع السخيف الذي وجدت آنا نفسها فيه ،ونظرت إلى لوسي بتساؤل
ال يمكنك التخمين؟" نظرت إليها لوسي كما لو كانت على وشك اإلعالن عن أنها اكتشفت للتو إكسير الحياة .وبعد وقفة مسرحية" ،
».قالت“ :لقد أعلنوا للتو خطوبتهم .سوف يتزوج السير كولن وروزماري روثرهام على الفور
ال!" وضعت آنا فنجان الشاي على صحنها ،وبمجرد أن أدركت ذلك ،للحظة -انتهى األمر بسرعة كبيرة جًد ا ولكنه كان ال يزال "
نعمة -نسيت هذا الرجل ووجوده هناك ،وصرخت بسعادة" :أوه ،لكن هذا رائع .لوسي!" وأضافت وكأنها أهم شيء في العالم" :وهذا
.كله بفضلي فقط!" .أضاء وجهها بشكل مشع ،واحمرت خديها من البهجة ،وأشرقت عيناها بشكل مشرق
ثم التقت عيناها بعينيه
ذبلت ابتسامتها على شفتيها ،وتناثرت أفكارها مثل العصافير بعد طلقة نارية .لماذا؟ لماذا ينظر إلي هكذا؟ لم تكن تريد البكاء ،ولم
تكن تريد أن تشعر بهذا األلم في بطنها ،لكن يا إلهي ،كان هناك -هناك -والضباب خيم على رؤيتها .كان كريستوفر يريد نفس
النظرة -تلك النظرة اللعينة ،كما لو كان يستطيع أن يلتهمها -حتى في مكتبة عائلة إدواردز ،وشعرت آنا بشيء يرتعش بداخلها.
انزلق فنجان الشاي والصحن من يديها وسقطا على األرض ،وبدا الضجيج الذي أحدثاه مستحياًل بالنسبة لألطباق الصغيرة جًد ا .تناثر
.الشاي في كل مكان :على األرض ،على فستانها ،على فستان لوسي
.قفزت على قدميها
.أوه ،آنا ،اترك األمر" .سوف أساعدك "،عرضت لوسي"
وقفت هي وكريستوفر بسرعة ،متطلعين إلى الكارثة .اختار أنتوني هذه اللحظة بالضبط لدخول الغرفة .ربما كان كذلك
.فقط خارج الباب طوال الوقت .كان يلوح بسيف خشبي في يده اليسرى ،وهو دليل ملموس على شجاعته كأخ رجولي
قال لكريستوفر« :سيدي ،توقف عن إخافة أختي ».باعتراف الجميع ،بدت لهجته تهديدية ،لكنه كان ال يزال طفًال ولم يكن طوله
.حتى خمسة أقدام ،وفي مواجهة هذا الرجل العمالق ،بدا وكأنه يساعد في مسرحية مهزلة من الكتاب المقدس
مذعورة ،لم تستطع آنا حتى أن تتساءل كيف تمكن أنتوني من قراءة أفكارها .الفكرة الوحيدة التي تتبادر إلى ذهني هي أنها اضطرت
".إلى إبعاده عن أنظار كريستوفر .في الحال .قالت بجدية تامة" :أنتوني ،السيد ليس هنا ليلعب
.هل هذا الرجل يخيفك يا آنا؟" سأل أنتوني"
قام كريستوفر بتقويم رأسه ونظر في عينيها دون غضب .ال ،لقد كان باألحرى نوًع ا من االهتمام المندهش .وربما ألم مندهش ،ال
عالقة له بالصفعة التي تلقاها للتو .واستمرت للحظة واحدة فقط .ثم ،دون أن ينبس ببنت شفة ،انقلب فجأة على كعبيه وذهب إلى
"المدخل .كان على وشك الخروج عندما أوقفه صوت أنتوني الخافت" :سيدي؟
أنتوني ،ال ." . .بدأت آنا ،لكنها توقفت بعد ذلك .كان من حق شقيقها أن يقول شيًئ ا للرجل الذي سخر منه بحقد ال مبرر له .عالوة "
.على ذلك ،فإن الضرر قد وقع بالفعل :وال يمكن أن يصبح أسوأ
)بالطبع .ال يمكن أن يصبح األمر أسوأ من ذلك يا آنا .هل تدركين ما فعلته؟(
لقد دافعت عن أخي الصغير ،وهذا ما فعلته .أخي الصغير اللطيف الذي ال حول له وال قوة .لقد صعدت إلى الجانب ،وفعلت لوسي
الشيء نفسه ،تاركة أنتوني على مرأى ومسمع .واجه كريستوفر ،الذي كان ينتظر عند عتبة الباب ،واقًفا منتصًبا بال حراك مثل
المسلة .كان يحمل في إحدى يديه القفازات التي لم يرتدها بعد .لقد كانت بيضاء تماًما وأنيقة تماًما .تماما دون مزقت ،كما هو الحال
.في كل شيء عنه
.حدقت عيون أنتوني الواضحة في عينيه
طفل مسكين .اعتقدت آنا أنه لن ينسى قريًبا هذا اإلذالل .عندما يكون األلم ال مفر منه ،يمكن أن يكون االنتظار طويًال للغاية،
وأصابعها متوترة كما لو كانت تحضر عصير الفاكهة الطازج .من المحتمل أن يقول بعض الجمل الطفولية المثيرة للشفقة والتي
.ستؤذيه أكثر
مرت بضع ثواٍن ،بضع ثواٍن بدت وكأنها ساعات .ولكن أخيًر ا ،تحدث الصبي الصغير الغريب .وبصوت واضح وبدون أي أثر
".للخوف قال" :أأذن لك بالزواج من أختي إذا أردت
.لبضع لحظات مأل الصمت التام الغرفة
.وبدا أنه حتى الريف صمت ،حتى األشجار والطيور على األغصان قررت فجأة أن تصمت
ثم انفجرت لوسي بالضحك .لقد كان ضحًك ا ال يمكن السيطرة عليه ،وحاولت قمعه دون جدوى .كان فم آنا مفتوًح ا ولم تستطع
.إغالقه .نظرت إلى صديقتها بعينين زجاجيتين ،غير قادرة على النطق بكلمة أو فكرة
ظل كريستوفر ساكًن ا ،وأصبحت عالمة الصفعة واضحة أكثر فأكثر على وجهه .تجاهل الفتاتين واتجه نحوهما
».أنتوني .قال« :سيدي ،إذا أتيت معي إلى الخارج ،فسوف أعلمك كيف تمسك السيف
.وقبل أن تتمكن أخته من فعل أي شيء على اإلطالق ،ركض أنتوني إلى جانب كريستوفر ،وغادر االثنان الغرفة مًعا
OceanofPDF.com
11
.الزواج يبسط حياتنا ويعقد يومنا
إدموند روستاند -
.نظر كريستوفر إلى الخريطة أمامه وتنهد
DeMercyأثناء الليل حقل يقع إلى الغرب من النهر في ملكية
تم تدميرها بالنيران .في البداية اشتعلت النيران في الحظيرة ،ثم انتقلت النار نحو الحبوب الجاهزة للحصاد .لم يكن الحريق الكبير
الذي كان كريستوفر يأمل فيه .لقد ذهب إلى هناك على ظهور الخيل في ذلك الصباح والحظ أن األضرار كانت محدودة .أفضل من
ال شيء ،على أية حال ،والتوقف أمام البقايا المحترقة هناك مأله بإعجاب راٍض .كانت عائلة المزارعين الذين عملوا هناك -والذين
عملوا هناك -تنظر إلى نفس المشهد .كان المزارع النحيل ذو الشعر األشعث القذر يبكي .وكانت زوجته بجانبه ،وكانت تحمل طفلة
صغيرة من يدها .نظرت الزوجة والفتاة حولهما ،بال مشاعر ،لكنه – رب األسرة – لم يستطع أن يمنع بكاءه .برأسه منخفض ،مسح
دموعه بذراعه .الطفلة الصغيرة ،التي ربما كانت في الخامسة من عمرها ،أمالت رأسها وهي تتأمل وجه والدها ،حيث اختلطت
.الدموع بالسخام
مع رعشة غير عقالنية ،أمسك كريستوفر منفضة سجائر من مكتبه وألقاها على الحائط ،مما أدى إلى تحطيمها .ثم أنزل رأسه
ووضع يديه على جبهته ،وفرك صدغيه بإصبعيه السبابة ببطء .يا إلهي ،كم سنة مضت وهو يسعى لتحقيق هدفه دون أن يأخذ أي
.راحة؟ من المؤكد أنه ال يستطيع التوقف اآلن ،لكنه كان يود أن يفعل ذلك ،على األقل لمدة خمس دقائق
.كان هناك طرق على الباب
".ادخل"
".ظهر ماثيو في المكتب" .أنت تعلم أن هناك جرًس ا صغيًر ا إذا كنت تريد االتصال بشخص ما
"همم؟"
".هذا الشيء الذي كسرته ".أومأ برأسه في اتجاه قطع الزجاج" .إذا قرعت الجرس الصغير ،فسوف يأتي شخص ما على أية حال"
.وهذا هو سبب مجيئك إلى هنا لتخبرني أال أكسر الحلي؟" بادر"
".أجاب ماثيو" :ال ،ألعطيك بعض األخبار المهمة يا ابن العم الغبي"" .لقد خطب دانييل ديميرسي هذا الصباح
أوه ،الجحيم الدموي .كان فم كريستوفر ملتوًيا .اللعنات! لقد تصرف بحماقة شديدة .بطبيعة الحال ،كان ينبغي عليه أن ينسى أمر
.اآلنسة إدواردز بعد ظهر ذلك اليوم قبل أربعة أيام .واآلن بعد أن فكر في األمر ،كان خده ال يزال يؤلمه ،وكان يفركه بال تفكير
بعد الصفعة ،أخذه ذلك الشاب الصغير ذو الشعر البني على عجل نحو حديقة الخضروات في الخلف ("أسرع يا سيدي ،وإال
سيلحقون بك!") ،حيث التقى بالسيد تشامبيون والرجل العجوز - .لكنه لم يكن بهذا العمر ،ولم يتجاوز الخامسة والخمسين من عمره،
رغم أنه بدا أكبر سًن ا بكثير -استقبل كريستوفر بابتسامة ملتوية على وجهه اللطيف .عند وصولها الهثةُ ،منعت آنا من الصراخ
بحضور والدها ،وتمكن كريستوفر من تعليم أنتوني بعض أساسيات المبارزة بالسيف دون انقطاعات مزعجة .كان هذا الرجل
الصغير ذكًيا جًد ا ،هكذا فكر اآلن وهو يبتسم .يا له من مؤسف أن لديه مثل هذه األخت الحمقاء .وربما كان هذا هو السبب وراء
. . .سعيه اليائس لتزويجها
تالشت االبتسامة على شفتيه وهو ينظر إلى ماثيو .واعترف بأن احتمال زواج دانيال من اآلنسة إدواردز كان مدعاة للقلق .الرغبة
. . .في إذالل اآلنسة تشامبيون تخاطر بتأخير خطته .اللعنة ،كان عليه أن يجعل لوسي تقع في حبه وبدًال من ذلك
".قال وهو يتنهد مستسلًما" :أعتقد أن دانيال سوف يتزوج لوسي إدواردز
كريس ،دعني أهيئ المشهد ،بدًال من القفز إلى استنتاجات متسرعة" .لذا ،كما كنت أقول "،تابع ماثيو بهدوء ،متجاهًال النظرة التي "
وعدت أمامه أنه لن ُيقتل إال بعد تعذيب بطيء" ،كنت أقول إنه من المحتمل أن النار التي أشعلناها الليلة الماضية أشعلت نارهم.
عصبية ،ألن جاسوسنا أخبرني أن هناك قتااًل مروًع ا بين والدك -بين ليوبولد ودانيال هذا
.صباح .وكما تعلم ،كان ليوبولد دائًما يؤيد زواج دانيال من اآلنسة إدواردز
".أمسك كريستوفر رأسه بين يديه" .القرف
.انتظر ،فاألفضل لم يأت بعد ".توقف مؤقًت ا بشكل مؤكد ،ال يبدو أنه يريد االستمرار"
في مفاجأة صادقة ،تساءل كريستوفر كيف يمكن أنه لم يقتله بعد بعد مرور عشرين عاًما .من وقت آلخر كان يريد ذلك ،في أعماقه.
.وبالنظر إلى وجهه الراضي عن نفسه ،اعتقد كريستوفر أن اللحظة ربما قد حانت
"لذا؟" انه تنهد" .هل ستخبرني ،أم سأضطر إلى انتزاع ابتسامتك بينما أقتلع لسانك؟"
ابتسم ماثيو" .لقد قرر دانيال تجاهل تعليمات والده يا كريس!" كشف كل شيء في نفس واحد" .وهذا الصباح أعلن أنه مخطوب لفتاة
"...أخرى ،فتاة قبيحة ،بحسب ليوبولد ،مثل
قال كريستوفر وهو ينهي جملته" :أفترض أنها حمار حمار" .لقد شعر باالرتياح ،ولكن ليس تماما؛ كان بحاجة لمعرفة المزيد" .كم
"تبلغ ثروة هذه الخطيبة؟
».هذا هو الجزء األفضل :إنها مفلسة تماًم ا .وهي في متناول يدك بالفعل ،ألنك اشتريت سنداتها اإلذنية منذ بضعة أيام"
.توقف كريستوفر عن التنفس
وخلص ماثيو إلى القول" :سوف يتزوج من آنا شامبيون"" .لكنني أراهن أنك تعرف بالفعل .لهذا السبب كنت عليها منذ البداية .أليس
.كذلك؟ لقد جعلتني أذهب حًقا هذه المرة
.بابتسامة متوترة على وجهه ،لم يقل كريستوفر شيًئ ا
مرتبط . . .أنا مخطوبة .كررت آنا ذلك مرارا وتكرارا ،في محاولة إلقناع نفسها بذلك .هل هذا هو الشعور عندما يتحقق الحلم؟
حاولت أن تفهم ارتباكها ذلك الصباح ،باحثة عن تحليل التطورات" .الحدث" ،عرض زواج من الرجل الذي كانت تتمناه ،والذي
اعتقدت أنه حلم مستحيل ،أصابها بالذهول .نعم ،مذهول ،لست سعيًد ا أو متحمًس ا – كان ذلك قادًما اآلن – ولكن
مذهولة ،ألنه كيف بحق السماء كان من الممكن أن يكون دانيال قد أحبها؟ وكيف كان يفتقدها كثيرًا في األيام السابقة حتى أنه كان
يطرق بابها ويرمي بنفسه عند قدميها ويطلب منها الزواج؟
ملكة جمال البطل؟ هل ستتزوجني؟" أحنى دانييل رأسه الجميل ذو الشعر البني الفاتح إلى األسفل وقبل يدها بهدوء .بدت عيناه ذات"
.اللون األخضر الداكن — المفتوحة على مصراعيها ،والمشرقة ،والحقيقية — أكثر جمااًل في ضوء الصباح
لم تكن آنا قادرة على االستمتاع باللحظة بشكل مكثف ألن العاطفة التي شعرت بها كانت عميقة ومفهومة في آن واحد مقارنة بعاطفة
.األيام السابقة ،والتي كانت عنيفة وسخيفة للغاية لدرجة أنها استنزفتها من كل عقالنية
"-مسحت صوتها" .السيد .ديميرسي
.دانيال ،من فضلك .اتصل بي دانيال ،آنا"
آه ،الحنان الذي نطق به اسمها كان كذلك
.مختلف عن صوت الرجل الذي بصق عليها في حالة من الغضب
دانيال "،بدأت محرجة" ،أنت تعلم أن عائلتي ليس لديها أي عائلة"
".حسنا ،ليس لدي" . . .ليس لدي أي مهر على اإلطالق ،دانيال . . .
ال حاجة للقلق بشأن ذلك ".للحظة فكرة أظلمت وجهه .أجاب بنبرة خائفة" :آنا ،يجب أن أعترف بشيء ستكتشفه قريًبا .أنا لست "
آسف ،ولكن لسوء الحظ ال أستطيع مساعدته .وأنا أقدم لك اعتذاري مقدما .فرك جبهته بشكل غير مريح" .لم يوافق والدي على
زواجنا ،إذا قبلت عرضي .وربما سيحاول أن يجعلني أدفع ثمن ذلك .ولكن لدي دخل جيد من والدتي ،والذي أنوي استخدامه لدعمك
و
.أحبائك .ليست هناك حاجة للمهر على اإلطالق من جانبك
عمق هذه البادرة يعكس عمق قلبه وعمقه
.مشاعر لها" .ال أستطيع أن أسمح لك أن تتصادم مع والدك بسببي!" احتجت بفزع
هز دانيال كتفيه بال مباالة" .لن تكون هذه هي المرة األولى على أي حال .بجانب ذلك ." . .قال وهو يخفض رأسه بخجل" :الحياة
".لن تكون جديرة بالعيش إذا لم يتمكن المرء من محاربة األسياد السيئين واآلباء السيئين
نظرت آنا إليه وشعرت أنها تحبه .كيف ال يمكنها ذلك؟ لقد كان كل ما كان صادًقا وعادًال وصالًح ا .لقد كان رجًال يتبع ضميره دائًما،
،حتى في حاالت الخسارة الشخصية – في الحب وفي الحرب .وفي حالة روثرهام ،فكرت آنا بابتسامة – رغم ذلك
كما ذّك رت نفسها ،لوال مناوراتها البسيطة للتسلية ،لكانت روزماري ستظل طليقة وغير مشغولة بسعادة .لكن هذا لم يكسر القاعدة
العامة ،أليس كذلك؟
آنا ،لقد عرفت أنني أحببتك منذ عدة أشهر .لقد كنت جباًن ا ألنني لم أتقدم من قبل ،وآمل أن تسامحيني .هل أنا أحمق عندما أعتقد أن "
مشاعري قد تكون متبادلة؟ الحقيقة هي ذلك ." . .توقف ،محرًج ا ،وأصبحت ابتسامته ابتسامة طفل صغير ،منزعًج ا ولكن لطيًف ا.
"".الحقيقة هي أنه منذ المرة األولى التي رقصنا فيها مًع ا -حتى قبل أن تدوسي على قدمي للمرة العاشرة -وقعت في حبك
سألت آنا نفسها ،أليس هذا هو إعالن الحب األكثر رومانسية في العالم؟ قالت وهي تضحك وتحاول إخفاء انفعالها" :لدي أسلحة ال
ُ".تهزم
.لم يقل دانييل شيًئ ا وانتظر
.اه بالطبع .االجابة .كان من المفترض أن تجيب ،أليس كذلك؟ "هل تحبينني يا آنا؟ هل ستتزوجني؟" سأل دانيال
فهل هذا هو الحب إذن؟ هذا الهدوء ،هذا السالم ،هذه الثقة
كل شيء سيحدث لألفضل؟
وكان من الواضح أنها تحب هذا الرجل؛ لقد كان دائًم ا هو المفضل لديها ،ولم تكن تحلم به إال لمدة ثالثة أشهر ،حتى لو أنها لم تفكر
فيه كثيًر ا بصدق خالل األسبوعين األخيرين ،ألنها كانت مشغولة جًد ا بشتم السيد دافنبورت .لقد أخذ الفارق المذهل بين الرجلين
أنفاسها :بدا دانييل ديميرسي وكأنه عمالق مقارنة بالبائس والمحتقر والعنيف كريستوفر دافنبورت .كان دانيال لطيًف ا وساخًر ا وقادًر ا
على الشعور بالفرح الطفولي؛ كان حماسه صادقا ،وكان قلبه شفافا .لقد كان مختلًفا تماًما عن السيد اآلخر ،الذي بدا حتى في حضور
أنتوني قبل أيام قليلة غير قادر على تحرير نفسه من قسوته الغريبة .في تلك المناسبة كان قد خلع سترته في شمس الظهيرة ،ومد
ذراعه ،وأمسك بسيف أنتوني الخشبي كما لو كان األمر خطيًر ا وليس لعبة .حاول أنطوني تقليده بنفس نظرة الجدية على وجهه
.الطفولي
.لقد أصاب المشهد آنا بالشلل
.لم تعد تفكر بذلك أبًد ا .ويجب أال يحدث ذلك مرة أخرى أبًد ا
لقد أدركت أن كريستوفر كان بمثابة شخصية ذكورية قوية ،ولكن ماذا
كانت عائلتها بحاجة إلى شخصية لطيفة وكريمة وصادقة مثل الشخص الذي أمامها .كان العالم مليًئ ا بالسادة السيئين ،كما قال دانيال؛
هي
.سيبقيهم بكل سرور بعيًد ا عن األطفال األبطال حتى ال يصبحوا في وضع يسمح لهم بالتعرض للخطر
"هل تتزوجيني يا آنا؟"
سمعت آنا أصوات أنتوني ودينيس في الردهة ،وأدركت أنه لم يعد لديها المزيد من الوقت .ولحسن الحظ أنها كانت متأكدة من
.اختيارها
. . ".دانيال"
".كان من المستحيل أال أحبه .سأتزوجه ،قررت .فأجابت" :نعم يا دانيال"" .سوف اتزوجك
استمع كريستوفر إلى ماثيو دون أن يتأثر قبل أن يطلب منه مغادرة غرفته .نظر إليه ابن عمه بنظرة متشككة ،وتردد لبضع لحظات،
.لكنه في النهاية ابتعد .لقد عرفه جيًد ا بما يكفي ليعرف متى يكون من األفضل تركه وشأنه
جلس كريستوفر على حافة مكتبه وفي يده كأس من الويسكي .لقد وصلت أخيرًا إلى دائرة كاملة ،أليس كذلك؟ كان يعتقد أنه يتوقع أن
يشعر بالرضا .كانت التطورات التي نقلها ماثيو مثالية :كانت آنا الزوجة المثالية لدانيال ،ألنها كانت فقيرة بما يكفي لعدم تهديد
خطته .وكان الشيء المميز في الجزء العلوي من الكعكة هو أن ليوبولد لم يكن على استعداد لهذه المشاركة .قال في نفسه :لو تم
تكليفي باختيار زوجة لهذا المهرج ،لم يكن بإمكاني حتى أن أقوم بعمل أفضل .إنها مثالية ،مثالية ببساطة .أخذ جرعة كبيرة من
زجاجه .أدرك أن هذه هي الطريقة التي تعتقد بها آنا أنها ستحقق الثراء ،وهو يبتسم بسخرية .لم يكن دانيال ثرًيا في الواقع .ستكتشف
.قرر أنني يجب أن أقدم لها التهنئة DeMercy.ذلك عندما يأخذ كل شيء من عائلة
وقف وخرج بسرعة من الباب
".آنا ،يجب أن تعلمي أن مقابلة والد خطيبتك هو اختبار مروع حتى بالنسبة للقلب األكثر محبة"
عاد دانيال إلى منزلها بعد ظهر ذلك اليوم ليخبرها عن مواجهته مع ليوبولد ،ولكن بشكل خاص ليطلب يد آنا رسمًيا للزواج من السيد
تشامبيون .لم تستطع آنا إال أن تضحك على نظراته القلقة .فأجابت" :ال تخف يا دانيال"" .سأتحدث معه أوًال ثم سأتصل بك .عالوة
على ذلك ،فإن والدي ليس سيًئ ا للغاية؛ سيتحدث معك عن الطماطم والبصل -باختصار ،أي شيء يتعلق بحديقته النباتية -وإذا أثبتت
.أنك على دراية بالبستنة ،فسوف يمنحك يدي
وهذا من المفترض أن يهدئني؟ أجاب" :أنا مرعوب أكثر" ،وقد نظر إلى األمر حًق ا" .لكن يا آنا . . .هل يمكنك أن تقدم لي القليل "
"من المساعدة؟
حسنا ،هذا لن يكون عادال .ولكن إذا أصررت ووعدتني بأنني سأستخدم هذا ضدك في المستقبل ،فسأحاول اقتراح اإلجابات "
.الصحيحة
".استخدامه ضدي؟ أنت رائعتين للغاية"
ابتسم لها بمحبة ،ونظرت آنا إلى األسفل ،واحمرت خجًال بسبب ما قرأته في نظرته .وضع يده بلطف تحت ذقنها ،ثم اقتربت شفتيه
.من شفتيها بحنان
تلك اللحظة التي طال انتظارها وحلم بها طويال؛ ذلك الوجه الجميل الحنون؛ تلك العيون الخضراء ،التي نظرت إليها بشكل مشرق
للغاية .اقترب دانييل أكثر ،وأغلقت آنا عينيها ،مستعدة لتذوق كل لحظة -وتأمل أال تفتقر إلى أي شيء تحتاجه لتصبح قبلتها األولى
.الحقيقية
"انفتح الباب األمامي لمنزل األبطال فجأة ،وخرج أنتوني وركض نحوه" .السيد .دافنبورت! استقبله" .هل تبحث عن أختي؟
"أجاب وهو ينزل من حصانه" :يمكنك أن تناديني كريستوفر"" .نعم ،أنا أبحث عن أختك .هل هي في المنزل؟
".هز أنتوني رأسه" .ال ،لقد خرجت
"هل تعرف أين ذهبت؟"
".ال .لقد جاء هذا الرجل األنيق مرة أخرى"
.هل ذهبت مع ذلك الرجل؟" قال فجأة"
،ال ،لقد ذهب بمفرده مسبًق ا .اختفت آنا بعد فترة وجيزة"
،وأعتقد أنها مختبئة في مكان ما لتضحك أو تبكي .أنت تعرف
ركبتيها بين ذراعيها ،وتقول لنفسها إن الحياة تجبرنا أحياًن ا على اتخاذ خيارات البالغين .وفكرت في االختيار الذي اتخذته في ذلك
.اليوم بالذات
من المؤسف أن اآلنسة تشامبيون ليست في المنزل ،فكر كريستوفر ،ويبدو أن ال أحد يعرف في أي حفرة جهنمية يمكن العثور
.عليها .شعر باإلحباط الشديد ،فأخذ الطريق وغادر ،مبتعًد ا بسرعة عن المنزل المبني من الطوب األحمر
أين ذهبت أيتها الفتاة اللعينة؟ تساءل .أريد فقط أن أهنئكم .لقد كان صحيًح ا :لقد كان يرغب كثيًر ا في أن يقدم لها أطيب تمنياته .كان
.من الممكن أن يكون ذلك تصرًف ا مؤدًبا للغاية ،وكان سيستمتع كثيًر ا برؤية وجهها ،مغروًر ا باحتمال زواج مهم للغاية
.ابتسم في ترقب قاس
واصل ركضه في الطريق المطروق كما لو كان الشيطان يتبعه ،ولم يلق سوى نظرة خاطفة على المنزل المسكون ،ويمر أمامه مثل
صاعقة البرق .ترددت كلمة لوسي في ذهنه مراًر ا وتكراًر ا" :هذا هو منزل القرية القديم المسكون .جميع األطفال يشعرون بالرعب
”.من ذلك ،ويقول الكثيرون إنهم يسمعون صرخات مروعة قادمة من هناك
واصل تحفيز الحصان ،والتحرك بسرعة إلى األمام مباشرة .وقال صوت لوسي مرة أخرى ،بخاتم صناعي كان مسلًيا سًر ا« :بالطبع
.أنا خائفة ،مثل الجميع .أنا دائما أحافظ على مسافة منه ،كما تعلمون
.قام بسحب الزمام بقوة ،وتوقف الحصان في لمح البصر
.أنا دائما أحافظ على مسافة ،كما تعلم
.بقي بال حراك في منتصف الطريق تحت الشمس
.بالطبع أنا خائف ،مثل الجميع
أدار الحصان وعاد في االتجاه اآلخر بسرعة الريح .وصل إلى البوابة الصدئة ،وتوقف ،ونزل عن حصانه .نظر إلى الطريق
.المؤدي إلى المنزل المتهدم ،والمحاط بشجيرات تنمو بشكل كبير
.بيت السحرة
.آنا شامبيون ،أعلم أنك هناك
تحت الشجرة ،وجدت آنا الجرس القديم .لقد كان يفتقد المصفق ولم يعد يرن .كان لديها ارتعاشة من القلق ،لكن ذلك كان طبيعيا.
عندما كانت هي ولوسي فتاتين صغيرتين ،تجنبتا الذهاب إلى ذلك المكان عندما كانا بمفردهما .كان بإمكانهما مًع ا التغلب على العالم،
لكن عندما كانا لوحدهما ،انجذبتا لنفس الخرافات السخيفة التي يعتقدها المزارعون -حتى لو لم يعترفوا بذلك أبًد ا ،وال حتى لبعضهم
.البعض
هزت آنا رأسها وهي تضحك على نفسها .لم تعد طفلة بعد اآلن ،وبعد ظهر هذا اليوم كانت بحاجة إلى أن تكون بمفردها وأن تفكر.
.وأن يهدأ
ألن قبلة دانيال كانت . . .ممتاز .كانت تلك القبلة التي تخيلتها ماليين المرات ،مما جعلها عاجزة عن الكالم .كان األمر كما تخيلته
تماًم ا :اقتربت شفتاه ببطء ،وعلى استحياء؛ لقد خدش شفتيها بلطف ثم أبعدهما فجأة .بعد ذلك ،كما لو أنهما لم يعد بوسعهما االبتعاد
أكثر ،المست شفتاه شفتيها مرة أخرى ،بجرأة أكبر ،وأكثر ثباًت ا ،وعذوبة ال متناهية .أخيًر ا التقى لسانه بلسانها اللطيف والفضولي،
.ووجد مساحة داخل فمها المفتوح قليًال
.القبلة المثالية
.أحلى قبلة يمكن تخيلها
هل هذا هو الشعور عندما تتحقق الرغبة؟
كان دانييل قد ابتعد عنها ،وحدقت فيه آنا" .دانيال "،تمتمت .هناك أمامها ،كانت عيناه جميلة جًد ا ،سعيدة جًد ا ،ومحبة جًد ا .خفضت
.وجهها وأخذت يده .كانت هادئة قليال .ثم رفعت رأسها .تحطم قلب دانيال عندما رأى تعبيرها
".دانيال "،همست والدموع تتساقط على وجهها" ،سامحني إذا استطعت .ال أستطيع أن أتزوجك يا دانيال . . .أنا ال أحبك"
دخل كريستوفر الحديقة ،وداس على العصي ولم ينتبه للقمامة .دلو يتأرجح على حبل من شجرة كما لو كان معلًق ا .ذهب في هذا
.االتجاه
كانت نملة تسير ببطء على إحدى ساقي آنا ،مستفيدة من وضعية جلوسها .ابتسمت آنا في ذلك بعناية .قالت" :لقد حان وقت عودتك
".إلى المنزل يا صغيرتي"" .وأنا كذلك
رفعت بلطف ورقة بالقرب منها .في البداية لم ترغب النملة الصغيرة في الركوب؛ ثم بدت سعيدة بمالذها الجديد .كانت آنا على
وشك وضعه بأمان ،لكن صوت الخطوات الوحشية جعل يدها ترتعش .النملة سقطت دون أي خطأ من جانبها .استمعت آنا دون أن
تتحرك ،والورقة الميتة في يدها .كان أحدهم يدوس دون وعي على األغصان المتساقطة وأنقاض الحديقة .في لحظة من الرعب
.المجنون ،اعتقدت أنه قد تكون هناك ساحرة تمر من هناك لسرقة روحها .نهضت فجأة ،ممسكة بتنورتها بقوة بين يديها
.لوسي ،لقد دخل شخص ما حديقتنا
التفتت نحو الضوضاء ورأت الدخيل .للحظة ،أصبحت رؤيتها غير واضحة؛ ثم في عينيه الداكنتين الغاضبتين ،في وجهه المتقلص
.بشكل فظيع ،في قبضتيه المغلقتين ،رأت مصيرها الرهيب
".تمتم كريستوفر دافنبورت" :آنا تشامبيون"" .يا لها من مفاجأة رائعة
.وبدون أن تسأل أو تتساءل ،هربت آنا ،بحًث ا عن الخالص المستحيل
رأى كريستوفر الوعي الفظيع في عينيها ،وتشنج وجهها ،والصراخ الصامت في فمها .أراد أن يبتسم لها ويقول لها" :آنا ،ال تخافي.
.أريد فقط أن أقدم لك تهنئتي .لن ألمسك يا آنا ،ولكن عندما هربت هاجمها بقفزة واحدة
OceanofPDF.com
12
.الذاكرة هي الجنة الوحيدة التي ال يمكن طردنا منها
جان بول ريختر —
لقد سقطوا على العشب جنًبا إلى جنب .تمكنت آنا من االبتعاد عنه بالتدحرج جانًبا ،وحاولت النهوض عن األرض ،لكن دون جدوى،
.حيث قفز كريستوفر عليها ولف ذراعيه حولها
"!حررني يا سيدي .قم بإزالتي في الحال"
لقد قاتلوا بضراوة في العشب الطويل واألغصان الجافة الميتة .وضربته آنا بقبضتيها وخدشت وجهه ورقبته ،فسحبت منه الدم .كان
فستانها عبارة عن فوضى مجعدة وظهر بشكل غير الئق على جسدها .بدأت في الركل بشكل محموم ،لكن ساقيه كانت مثبتة بين
.قدميها ،فباعدتهما .وأخيرًا تمكن كريستوفر من اإلمساك بها من معصميها واإلمساك بذراعيها بينما كان مستلقيًا فوقها
ماذا افعل؟ سأل نفسه .ماذا بحق الجحيم أفعل؟
.كان يلهث بشدة
أرجوك دعنى أذهب!" صرخت .كان شعرها أشعًث ا ،ووجهها"
مذهولة وعينيها مفتوحة على مصراعيها .تم سحب الفستان الوردي الذي كانت ترتديه إلى ما فوق ركبتيها البيضاء .لقد كان ممزًق ا
وعليه بقع من األوساخ والعشب" .أتوسل إليك ،دعني أذهب يا سيد دافنبورت!" تصدع صوتها وأصبح فجأة طفولًيا للغاية ،ورجع
. . ".إلى عصر المخاوف المجهولة .كان وجهها مغلقا في كشر فظيع" .ال تؤذيني . . .لو سمحت . . .كريستوفر
.لم تعد قادرة على قول المزيد ،وبكت بشدة
أوه ،آنا ،أنا آسف "،تمتم .أنزل وجهه إلى تجويف كتفها ،وكادت رائحة الخبز والتفاح ،وماذا بالضبط؟ "أنا آسف جًد ا" ،كرر كالمه "
وهو يقبل رقبتها ويجعلها تتأوه خائًف ا" ،لكن ال يمكنني أن أتركك تذهبين" .أغمض عينيه بإحكام وابتلع بقوة عدة مرات .فكر في أن
هؤالء األشخاص الملعونين أخذوا مني كل شيء ،وأدرك أنه كان على وشك البكاء – كم من الوقت مضى منذ أن بكى؟ ما يقرب من
.ستة عشر عاًما – لقد أخذوا مني كل شيء ،يا آنا
لقد شعر بها تتشدد ،وهمست بـ "ال" اليائسة التي كانت ناعمة جًد ا لدرجة أنه بالكاد يستطيع سماعها .ما كان ال لبس فيه هو صوت
بكاءها الرقيق .جعلت دموعها شعره رطًبا ،وازدهر قلبه المكسور النابض بشدة بداخله .تنفس كريستوفر بعمق على كتفها ،وكان
دفءها قريًبا جًد ا ،وتساءل مرة أخرى ،وهو بالكاد يصدق أن ذلك ممكن ،يا إلهي ،ماذا أفعل؟
وكانت اإلجابة مرعبة للغاية لدرجة أنه لم يكن لديه الشجاعة لالعتراف بها ،ومع ذلك لم يتوقف .وفجأة ترك معصميها ،ووضع يديه
.بين ساقيها ،وضغط بوحشية على معظم مناطقها الخاصة
!ال! سيدي ،ال! ال تفعل ذلك بالنسبة لي .من فضلك يا كريستوفر"
بدأت تضربه بشكل هستيري ،يائس ،على رأسه المخفض ،على ظهره ،تسحبه وتضربه ،لكن كان األمر كما لو أن هذا الرجل لم
.يشعر بأي من ضرباتها عندما هاجم جسدها بيديه المسيئتين والقاسيتين
!دافنبورت! كريستوفر ،من فضلك! من فضلك ،من فضلك ،ال"
حاولت إيقافه لكن ال فائدة ،وسمعت صوت تمزيق القماش .تمت إزالة الطبقة األخيرة التي كانت تحميها ،وهناك استلقيت بال حماية
.ومكشوفة تحته
.ال!" صرخت ،وكأنها صراخ حيوان ،ولم يكن من الممكن التعرف على صوتها وتغير وجهها من الرعب"
لقد وضع نفسه فوقها بشكل أكثر مباشرة ،وسحقها بثقله ،بينما صرخت بجنون ومزقت شعره ،محاولة سحب رأسه وفمه بعيًد ا ،الذي
.بدأ في تقبيل وجهها ورقبتها .أنزل كريستوفر بنطاله وأمسك بحوضها بعنف ،ورفعه لألعلى وسحب فخذها نحوه
ال تفعل ذلك بي! لو سمحت!" عواء آنا يصل إلى السماء الزرقاء المبهرة" .كريستوفر! من فضلك ،ال تفعل ذلك . . .ال!" صرخت "
بيأس وهي تحاول تحرير نفسها من قبضته الشرسة .قامت كريستوفر بفتح ساقيها من خالل رفع ركبتيها في وضع فاحش ال يمكن
تصوره ،وخاص بها
كانت أجزائها -جسدها األنثوي األكثر حميمية وسرية -مرئية تماًما .أضاء ضوء الشمس كل التفاصيل وأظهر كل فارق بسيط في
.اللون
!لطفا يا رب! من فضلك ،من فضلك ،ال"
لم يتردد لحظة واحدة ،ربما ثانية واحدة ،ثانية واحدة فقط ،عندما سأل نفسه مرة أخرى ،يا إلهي ،ماذا أفعل؟
اقترب الجزء األكثر وحشية من جسده ،الذي لم يرحم الصرخات اليائسة أو الصرخات الفظيعة ،من فتحة ما كان يبحث عنه ،لمسه
وأحس بدفئه ،بينما كانت آنا تتلوى لتتحرر من قبضته .من هذا المصير ،يتوسل الرحمة ،ويكافح كالحيوان حتى الذبح ،ويتحول إلى
.حالة همجية مثيرة للشفقة
"!ال! لو سمحت! ال تفعل ذلك بي! ال يمكنك ربما .ال أعتقد ،ال . . .ارجوك . . .من فضلك ال! ال"
فرفع يده اليمنى وضربها على وجهها ،ثم مرة أخرى .كان يضرب وجهها ذهاًبا وإياًبا ،ومالمحها الناعمة ،براحة يده .صفع أذنيها،
وصدغيها ،وخديها .صفع آنا ،التي كانت في حالة ذهول من قوته ،وقوته المتعمدة والمعمية ،وتوقفت عن القتال في وابل الصفعات،
.ولم تعد تفهم أي شيء ،باستثناء لحظة واحدة ،لحظة واحدة من الوضوح .للحظة واحدة أدركت أن هذه كانت نهايتها
.جذبها كريستوفر نحوه ،وأحنى رأسه إلى كتفها
تمتم" :لن يأخذوك مني" ،وانحنى عليها فجأة واندفع إليها .لقد شعر بألم حاد عندما غزا فتحةها الضيقة وغير المجهزة ،وكان
.بداخلها
شعرت آنا بألم حاد عندما دخل عليها كريستوفر .صرخت مراًر ا وتكراًر ا ،ليس من أجل الحصول على شفقة الرجل الذي كان
يضغط عليها ويمزقها من الداخل ،ألنه كان من المستحيل أن يتحرك للشفقة ،ولكن ألن األلم كان ال يصدق .للحظة ظنت أنها
.ستموت ،ورحبت باألمر باعتباره نعمة ،لكن الموت لم يأت ،وكان األلم يعود بقسوة أكبر مع كل دفعة
اللهم ال! ال! ال ." . .صرخت وتشقق صوتها عدة مرات بسبب آالم الطعن وصراخها الشديد الذي منعها من ذلك"
.عمليه التنفس
الرجل الذي كان عليها ،يخفي وجهه ،كان يلهث بشدة داخلها
كتف .كان يدفعها بعمق ،ومزق جسدها العذري بال رحمة .امتزجت رائحته بالغضب والعرق والنعناع والكحول ،فغطتها واختلطت
بها .خدشت لحيته الخفيفة في فترة ما بعد الظهيرة ذقنها ،وعلى الرغم من أنها لم تترك أي عالمات على جلدها ،إال أنها شعرت
.بالقلق من العالمات التي ظهرت تحتها -الجروح المريرة على روحها
"!كن رحيما . . .كن رحيما! كاٍف ! لو سمحت! يؤلمني .إنه يؤلم بشدة"
هذا الرجل لم يسمعها .ولم يستجب لصراخها .لم يتفاعل مع خدوشها ولكماتها ،التي أصبحت أضعف من أي وقت مضى .استخدم
جسدها وألحق به األذى كما لو كان قوقعة بال مشاعر ،مستمتًع ا بالضرر الذي أحدثه بداخلها ،كما لو كان يقطعها بزجاج أو بشفرة،
يقطعها إلى قطعة من اللحم النابض ،ثم يقطعها أكثر – دائًم ا أكثر .طلبت آنا المساعدة بشدة ،لكن لم يأت أحد إلنقاذها .لم يكن من
الممكن أن يسمعها أحد في الطريق القاحل ،ولو أن صرخة ضعيفة وصلت إلى أذن أحد المارة المنعزلين ،لكانت الخرافة قد دفعته
.إلى الهروب بعيًد ا عن هذا المنزل الشرير النهم
!أشفق يا كريستوفر ،من فضلك! من فضلك ،يكفي"
بكت وبكت دون أن تلتقط أنفاسها ،دون أن تتمكن من التوقف .كانت مثبتة تحت جسده ومستلقية على العشب األخضر المحترق،
وشعرت بأن أجزائها الداخلية تمزق على يد الرجل الذي دمرها إلى األبد ،وشعرت بأنه يسرق منها أحد أجمل ممتلكاتها ،من الداخل
والخارج .الخارج .صرخاتها أخافت الطيور من الحديقة ،بينما كانت األشجار تراقب عذابها بال حراك .لقد تم اآلن تدنيس ذكرياتها
.عن هذا المكان إلى األبد
عندما رفع كريستوفر وجهه وذهب لتقبيلها ،كانت نظرة الرعب على وجهها ال تقاس .وبصرخة دفعته بعيًد ا عندما سقط عنها.
حاولت االبتعاد ،فتدحرجت عن ظهرها ووضعت يديها على األرض لتقف على قدميها ،لكنه سحبها على كتفيها وضغطها على
األرض وضرب وجهها ،مما جعل الدم يسيل على خديها .صعد عليها مرة أخرى ،ووضع يده بين فخذيها ،ورفع حوضها وقربه
.منه .لقد اخترقها مرة أخرى من الخلف مثل الحيوان
"ال! كريستوفر! من فضلك ال!" كان رد فعلها يائًس ا ولكن لم تعد هناك قوة في جسدها أو روحها" .كيف استطعت؟ كيف؟"
صه "،همس ،وهو يتحدث للمرة األولى منذ أن بدأ الكابوس .كان يلهث ،وكان صوته أجش .يبدو أن ألمها ال يعني شيًئ ا بالنسبة له" .
"".إذا كنت جيًد ا ،فسوف ينتهي األمر .سينتهي كل شيء بسرعة
دعني أذهب . . .لو سمحت . . .كريس . . .كريستوفر! بكت ،وواصلت البكاء بصمت ،ولم تعد تقاوم ،ولم تعد تصرخ ،مرهقة" .
وضعت يديها على جانبي وجهها ،محترًق ا من شمس الصيف ،ثم أمسكت بالعشب بين قبضتيها ،وهي تعض على شفتيها حتى ال تفكر
-حتى ال تفكر ،يا عزيزي هللا ،حتى ال تفكر -ولكنه كان هناك ،بداخلها جسم؛ لقد كان هناك ،يا عزيزي هللا ،كان هناك .وكان داخل
. . .رحمها .يا هللا يا إلهي
. . ".أوشكت على اإلنتهاء . . .كن جيد"
بدأ يتحرك بداخلها مرة أخرى ،ببطء .وببطء بدأ يستمتع بذلك مرة أخرى .كانت آنا ال تزال تحت رحمة هذا الرجل ،والحرارة
السائلة التي مألتها -دمها -جعلت حركاته أقل إيالما .كان تدفق اللون األحمر يزيل آخر قوتها المنطفئة ،ومعاناتها الجسدية أيًضا.
ومع ذلك ،كانت آنا تعاني دائًم ا من الجروح في قلبها ،وكانت تبكي من العجز واإلذالل بينما كان الرجل الذي الهث ومتعرق يجثم
. .فوقها ويستمر في سرقة ما ليس له ،ويدفعها بقوة وثقيلة داخلها ،داخل وخارج ،دون توقف
".ال تبكي "،تمتم هذا اللص وهو يضع فمه على رقبتها" .ال تبكي يا عزيزتي"
بهذه الكلمات نزف روحها كما ينزف جسدها .شعرت آنا بالقذارة والذنب ،وبكت أكثر بؤًس ا وفزًع ا" .ال . . .ال تقل ." . .بكت ،لكنه
.أمسك وجهها ،وأداره نحو وجهه ،وحاول تقبيلها .قاومت ،ولم يقبل كريستوفر سوى زاوية واحدة من فمها
)كوني جيدة يا آنا .انتظري حتى ينتهي .هل ترين؟ هل ترين مدى سعادته معك؟ هل ترين كم يحبك؟(
ال! أرادت الصراخ .ال! ال! ومن ثم قتال ومحاربة ولكمه وخدشه .لكنها لم تستطع . . .لم تعد قادرة على ذلك .لقد أرادت فقط أن
ينتهي األمر .بينما كانت مستلقية على األرض ،مع تعرض كل جزء منها لإليذاء ،حتى أفكارها قد تم انتهاكها حيث يمكنها التظاهر
بأنها في مكان آخر .كانت تشير إلى مرور الوقت بضرباته على ظهرها ،مما أدى إلى هزها في حركة متكررة ومخزية .كان وجهها
.يالمس العشب ،لألمام والخلف ،لألمام والخلف
. . ".هنا ،هناك تقريًبا . . .زيادة قليال فقط . . .فتاة جيدة"
كان صوته داخل جسدها عبارة عن حركة مد إيقاعية وفاحشة .كانت الدموع تنهمر بال توقف من عينيها المفتوحتين ،مثل قطرات
.المطر المالحة من العار .كانت تقطر على أوراق العشب الخضراء وتبلل األرض المرئية تحتها ،ساخنة ومليئة بالحياة
.أوه ،آنا ،آنا "،تمتم كريستوفر ،وهو يلمس رقبتها وخدودها بخفة بشفتيه .بدأ بيده اليسرى يفرك فخذها بلطف رهيب"
. . ".لن ينتهي األمر أبًد ا" .ال! ال ." . .توسلت بيأس" .ال ،هذا ليس عادال . . .ال
لماذا كان يذلها بهذه الطريقة؟ كم سيكون عليها أن تتحمل؟ استسلمت ،صرخت وهو يتوغل فيها أعمق وأعمق .همس قائًال" :اآلن
".أنت لي ،أنت لي
كان يداعب وجهها وشعرها ،ويعانقها بحنان سخيف ومجنون ،ويغطي وجهها ورقبتها بقبالت صغيرة .لعبت أصابعه بين ساقيها
.بإصرار ومعذبة .حتى الحقيرة
. . ".ال ." . .تأوهت آنا" .من فضلك ،كريستوفر . . .كاٍف "
صه . . .انتهى األمر ،انتهى األمر ." . .وكان أنفه يدفن في شعرها ،وهو يستنشق رائحتها ،كما لو كان مخمورا" .ال تخافوا" . . ".
. . ".كل شيء على ما يرام اآلن
يا إلهي .وهللا الرجل كان في كل مكان داخلها ،خارجها .لقد لمسها ،ولعقها ،ومألها .كان يستمتع بها بشهوة ،وكانت كل حركة منه
تتبعها أخرى ،ثم أخرى ،ثم أخرى .في حيرة من أمرها ،شعرت آنا بكل أنفاسه ،وبكل تأوهاته ،وبكل قبالته .كان عرقه يتساقط
عليها؛ تقطرت سعادته عليها .كان يتغذى بشراهة من بطنها ،ويشرب من نبع عصائرها التي لم تكن حمراء وال مؤلمة ،إذ لم يعد
.هناك دم .وانزلقت منها قطرات من بين أصابعه؛ تدفقت منها قطرات عند لمسته مثل نهر من المخمل والزيت
هل تشعرين بذلك يا آنا؟ . .؟" تمتم ،ولسانه يتذوق جلدها ،ويترك لعابه حيث كان ال يزال مبلال بالدموع" .هل تشعر كم هي جميلة "
"اآلن؟
أسندت خدها على األرض ،في العشب العطر المشبع بالدموع ،وأغمضت عينيها .نبض قلبها الجامح وتنفسها جعلها في حالة ذهول
ودوار .لم تتمكن من التفكير بوضوح :ربما كانت رائحة العشب الطويل هي التي خيمت على عقلها .أو ربما كان الدفء القادم من
.األرض
. . ".أوه ،آنا . . .أنت مثل الجنة ." . .دخل همسه فيها كأنفاسه .مثل جسده" .ملكتي . . .ملكتي الرائعة"
أخذ وجهها بين يديه وأداره نحو وجهه ،ولم تتفاعل آنا ،إذ كانت مرتبكة بسبب الكثير من المداعبات ،واستسلمت للكثير من التحفيز.
.قبل جفنيها ،وخدودها ،وزاوية فمها نصف المفتوح .وضع شفتيه على شفتيها باحًث ا عن لسانها
.ن-ال ." . ".توسلت وهي محيرة"
صه ." . .وضع إبهامه على شفتيها ،ودفعه قليًال إلى فمها" .أوه ،آنا ." . .كان يتأوه ،ويسحب بيده حوضها نحوه قدر اإلمكان" .
"عزيزتي ،ال أستطيع المقاومة بعد اآلن ." . .أسند جبهته على كتفها ،وتوقف عن الحركة للحظات قليلة ،وأخذ نفًس ا عميًقا طوياًل ؛ ثم
. . ".دفعها مرة أخرى وهو يرتجف" .آنا ،آنا ." . .دعا بهدوء" .أوه ،آنا . . .تعال إلي يا حبيبي
ماذا كان يقول هذا الرجل وماذا يريد منها؟ لم تكن آنا تعرف ذلك ،ولم تستطع فهمه ،وتوقفت عن التساؤل عنه ،وهي في حيرة من
.أمرها .شعرت بالحر ،وخدرتها روائح الحديقة وجسدها ،واستحوذت عليها وتأثرت دون أدب ،وتغلب عليها فتور غريب
. . ".نعم ،هكذا . . .أوه ،انها جيدة من هذا القبيل ،يا عزيزي"
كم كان الوقت ،وكم من الوقت قضوا هناك؟
آنا لم تعرف .لقد نسيت ،تماًما كما نسيت
نفسها في حيرة من حواسها .شعرت أن رحمها يسخن بشكل ال يطاق ،كما لو كان هناك شيء يحاول الهروب ،أو االنفجار ،أو إيجاد
مخرج .كانت تشتكي ،وأصبح عقلها فارًغ ا .ولم تعد قادرة على تذكر أي شيء أو أي شخص .شعرت بين ساقيها بضغط شديد،
وأحست بشيء قادم ،كما شعرت بالحاجة واإللحاح .قبل كريستوفر فمها وهي تتنفس بشكل غير متساو .تحت يده كان هناك دفء
خافت ال يمكن إيقافه ينمو ،وهذا الدفء انفجر أخيًر ا فجأة في موجات صغيرة -صدمات صغيرة كثيرة جًد ا جعلتها تذهل بشكل ال
.يمكن السيطرة عليه
”.فتاة جيدة . . .يا إلهي ،لقد كنت جيًد ا جًد ا يا حبيبتي"
قّبل مؤخرة رقبتها بخفة وأبعد يده عن أعضائها الحساسة التي كانت حساسة ومنتفخة .للحظات قليلة كانت آنا في مكان آخر ،في
.مكان بال ذكريات ،حيث ال يوجد سوى صوت قلبها الذي يصم اآلذان ،وشعرت بتحركه بشكل غامض
.داخلها بقوة أكبر .أخيًر ا ،مع تشنج ،انهار وانسحب منها أخيًر ا
OceanofPDF.com
13
.إن مشهد ساحة المعركة بعد القتال يكفي إللهام األمراء بحب السالم ورعب الحرب
نابليون بونابرت-
لبضع دقائق ظلوا على األرض بال حراك .كانت آنا تحته ،وكانت تتنفس بهدوء ،دون أن تبكي .كان كريستوفر في األعلى ،محاواًل
تهدئة قلبه المتحمس .كان يعلم أنها ال تستطيع التحرك ،وتستشعر حرارتها؛ تحته كان يشعر بالجسد البريء الذي اغتصبه .تنفس
.بعمق وجلس .مع بعض اإلحراج ،قام بتقويم سرواله وغطى نفسه
نظر إلى الفتاة التي تتنفس بهدوء بجانبه .كانت ممدودة ،وتنورتها مرفوعة ،وكانت قذرة ،والدماء على ثوبها وجلدها .كان جسدها
مكشوًف ا بقسوة ،ورأى صدرها يصعد ويهبط ببطء .كان لها خد واحد متكئ على األرض ،وكأن األمر ال يستحق عناء رفع رأسها.
أمسك التنورة من الحاشية ،وسحبها ببطء إلى األسفل ،وغطى جسدها المصاب .لم تتفاعل .ظل كريستوفر صامًت ا ،غير قادر على
قول أي شيء لها .كان الهدوء مذهًال بعد الصرخات الفظيعة التي حدثت في وقت سابق؛ كانت تلك المعركة الرهيبة بمثابة حلم بعيد
.المنال في ضوء النهار المتالشي
يبدو أن آنا لن تتحرك أبًد ا ،ولن تقول أي شيء على اإلطالق؛ ومع ذلك ،تحدثت فجأة .وفي صمت الحديقة ،قالت بصوت واضح
"للغاية" :اآلن ،هل ستقتليني؟
كان كريستوفر مذهوًال للغاية لدرجة أنه لم يتمكن حتى من فتح فمه لعدة لحظات" .أقتلك؟ بالطبع ال ".أجاب وهو يمرر يده على
".شعره" .سوف أتزوجك ،بطبيعة الحال
وكأنها ميتة ،لم تتحرك على اإلطالق؛ ثم بدأت تضحك بشكل غير متماسك بضحكة عالية ومشوشة مخيفة أكثر من صرخاتها
".السابقة" .اقتلني يا سيدي ألنني لن أتزوجك أبًد ا ،وإذا تركتني على قيد الحياة ،فستموت بيدي
وضعت راحتيها على األرض وسحبت نفسها على ركبتيها .على ما يبدو ،وقفت على قدميها دون جهد ،وأدارت ظهرها إليه ،لكن
.كريستوفر الحظ قبضتيها المغلقتين وهي تبتلع ألمها حتى ال تظهر الضعف
".لقد وقف أيًض ا .وأوضح لها بهدوء" :لن تتمكني أبًد ا من قتلي يا آنا"" .وسيكون عليك أن تتزوجيني .ليس لديك خيار آخر
التفتت فجأة وأعطته صفعة قوية حتى أنه لم يتوقعها" .ال تناديني باسمي األول! ال أريد أن أسمعك تقول اسمي! ال تجرؤ مرة
"!أخرى
قام كريستوفر بتقويم رأسه ونظر إلى هذا الوجه المخدوش .لقد تركت قطرة من الدم خطًا أحمر على خدها ،ففصلته إلى قسمين ،كما
.لو كان صفيحة مكسورة
".أومأ برأسه وكرر" :سيتعين عليك الزواج مني يا آنسة تشامبيون .ليس لديك أي بدائل
ابتعدت آنا عنه عدة خطوات حتى وصلت إلى الشجرة .ومع ذلك ،لم تتكئ عليه ،بل وقفت بشكل مستقيم ونظرت في عينيه .أجابت
بنظرة عاطفية" :أفضل أن أموت" .كان تصريحها واضًح ا جًد ا – أن هذا البديل أفضل بال حدود من الزواج منه – لدرجة أنه شعر
.أن الغضب الذي هدأ للتو بدأ يتضخم داخله مرة أخرى
"حًق ا؟" سألها ببرود" .اعتقدت أنك تهتم كثيًر ا بعائلتك .هل ستتركهم بمفردهم إذن؟"
فتحت عينيها على نطاق واسع ،ويبدو أنها عادت إلى رشدها .وتابع كريستوفر بال هوادة« :ربما تظن أن خطيبك سيعتني بأحبائك.
.أنت ال تأخذ في االعتبار أنه بمجرد أن أبلغته بذلك . . .شيء . . .سوف يتحداني في مبارزة إذا كان رجًال .وال تخف :سأقطعه إرًبا
"نظرت آنا إليه بقلق" .لي . . .خطيب؟
قال وهو يصحح نفسه" :إذا كان لديك خطيبة" .يا إلهي ،كل ما احتاجه هو أن تكتشف أنه كان يتجسس على عائلة ديميرسي .مع هذه
"...الفتاة ارتكب خطأ تلو اآلخر" .إذا أخبرتني باسمه ،أستطيع أن
" -ليس لدي خطيب!" صرخت مستاءة" .يجب أال تخبر أحدًا بأي شيء! ال ينبغي ألحد أن يعرف"
قال لها بغضب" :سيعرف الجميع ما إذا كنِت ستكونين عنيدة بشأن هذا األمر"" .سأخبر والدك بنفسي .لم يكن يبدو بصحة جيدة
.عندما رأيته قبل بضعة أيام ،ولكن بالتأكيد أنت تعرف الكثير عن ذلك
»!ال! لن تفعل ذلك! إذا كنت تجرؤ ،وأنا . . .سوف أشجبك ،وسيشنقونك ،أنت تعرف ذلك"
أنت تعيشين في قصة خيالية يا آنسة .ستكون كلمتي ضد كلمتك ،وسيكون من السهل جًد ا العثور على شخص مستعد ليقسم أنك "
بالكاد امرأة فاضلة ،تأكد من ذلك .أنت لم تعد عذراء اآلن .يمكن ألي شخص أن يأتي إلى المحاكمة ويؤكد أنه كان معك .أعتقد أن
».األمر كله سيكون غير سار بالنسبة لك ،وكذلك بالنسبة لوالدك
" -ن-ال أحد . . .لن يقول أحد"
ليس لديك أي فكرة عما يرغب الناس في فعله مقابل المال ".أصبح صوت كريستوفر منخفًض ا ولطيًفا" .هل تريد حًقا أن تتورط في "
مثل هذا المستنقع؟ الحياة معقدة بالفعل كما هي .ال أعرف إذا كنت قد سمعت عن الحريق الليلة الماضية الذي أحرق الحقول الواقعة
على الجانب الغربي من النهر ،باتجاه أندرهيل .تندلع الحرائق بهذا الوتيرة المؤسفة في البالد ،أال تجدون ذلك؟ أتمنى أن ال يحدث
.ذلك لمنزلك أبًد ا ،يا آنسة تشامبيون
وضعت يدها على بطنها وكأنها لكمت في بطنها" .كيف . . .كيف استطعت؟" بدأت الدموع التي بدت أنها لن تعود أبًد ا إلى عينيها
.الجافتين تتساقط مرة أخرى على خديها ،وتختلط بالدم والتراب
.أوه ،اآلن ،ال تبدأ في البكاء مرة أخرى!" لقد قطع"
مرة واحدة وإلى األبد هذا حطمها .كان العالم مكاًن ا قبيًح ا للغاية بحيث ال يمكن النظر إليه ،فغطت عينيها بيدها" .لماذا تريدني أن
أتزوجك بالقوة يا سيدي؟ لن أقول شيًئ ا ألي شخص -لن يعرف أحد أبًد ا -لكنني ال أستطيع الزواج منك ،أتوسل إليك .لديك
"بالفعل ." . .توقفت ،غير قادرة على االستمرار .ابتلعت ،وتشنج فمها" .لماذا تكرهني كثيرا؟
)لماذا تكرهها كثيرًا يا كريستوفر؟(
كانت هناك لحظة صمت .أجاب أخيًر ا" :أنا ال أكرهك" .هذا صحيح ،لقد كان غاضًبا منها ،حتى اآلن .كان لديه غضب ال يمكن
السيطرة عليه في صدره ولم يستطع إخماده ،ألن هذه الفتاة كانت ملعونة للغاية . . .ملعون جدا . . .يا إلهي ،حتى أنه لم يعرف
.السبب أيًضا
. . .ومع ذلك ،فإنه سيتزوجها بأي ثمن .لقد تم اتخاذ القرار بالفعل ،بقدر ما كان الدافع وراء الحصول عليها
).لتغتصبها يا كريستوفر .لقد اغتصبتها(
لقد جاء إليه فجأة ،ولم تكن فكرة سيئة ،بعد كل شيء .بالنسبة له أن يصبح زوجها كان أمًر ا مماًل ،ال شك أنه لم يكن رومانسًيا. . . ،
ولم يفكر أبًد ا في الزواج من أجل الحب .بصراحة ،لم يفكر قط في الزواج .لقول الحقيقة كاملة ،لم يفكر في ما سيفعله بحياته بعد
.انتهاء ثأره من ليوبولد
ثأره ضد ليوبولد ...وضد دانيال .نعم ،ألنه في بعض األحيان حتى األمراء الملعونين من القصص الخيالية ال يحصلون على ما (
)يريدون .أليس هذا صحيًح ا ،يا أخي الصغير؟
نظرت إليه آنا مخدرة عمليا" .اذا انت تحبني؟ أوًال ." . .قالت وهي تغمض عينيها وكأن ذكرى ما حدث للتو تمنعها من االستمرار.
".أوال قلت ." . .لكنها لم تستطع أن تكمل ،وماتت الجملة كالهمس على شفتيها
نظر كريستوفر إليها بصمت .هل قلت لها أنني أحبها؟ تساءل .فرك جبهته محاوًال أن يتذكر .ربما . . .نعم ،ربما شيء من هذا
القبيل ،هذا صحيح .يا له من هراء ،اآلن بعد أن فكر في األمر ،وربما قال ذلك فقط ليجعلها تتوقف عن البكاء .ألنه عادة لم يكن
.يهمس بمثل هذه الكلمات اللطيفة أثناء ممارسة الجنس .في الواقع ،لم يهمس بأي شيء على اإلطالق
ال تكثر من الكلمات التي تقال في بعض األمور . . .لحظات يا آنسة تشامبيون "،نصحها باقتضاب" .أنت ال تدرك ذلك ،ولكن "
عندما يكون الرجل ." . .لقد ألغى الجملة ألنها كانت شاحبة بشكل مخيف ،وكان يخشى أن يراها تسقط على األرض .لقد استمر
بطريقة مختلفة" .أعتقد يا آنسة أنك تبالغين في تقدير خائنتي ،وهو ما أجده ممتًع ا ،كما يجب أن أقول .على أية حال ،من واجبي أن
أخبرك أن هذه هي المرة األولى التي ." . .تردد وهو يبحث عن الكلمة الصحيحة" .انه . . .لقد حدث لي حادث من هذا النوع .أنوي
" .إجراء تعديالت سواء وافقت أم ال
نظرت إليه آنا كما لو أنه ال يغتصب النساء كل يوم فحسب ،بل يقتلهن ،ويقطعهن ،ويتبلهن ،ويأكلهن .ولم تكن لديها أي استجابة،
.فاتكأت على الشجرة خلفها
.أحكم كريستوفر قبضتيه ،ولو كانت هناك حجارة في يديه ،لكان قد حولها إلى غبار
قال لها" :أنت فتاة سخيفة"" .وسوف تتزوجيني ،ألنك ال تستطيعين أن تفعلي غير ذلك .بجانب ذلك ." . .نظر إليها منحرفا" .عالوة
على ذلك ،قد تكونين حامًال .لم تفكر في ذلك؟ ال ،أنت غبي جدًا .لكنني ال أنوي أن أترك ورائي أي أوغاد ".وكاد أن يتلعثم في
.الكلمة األخيرة .أغمض عينيه وأعاد فتحهما؛ فتح وأغلق قبضتيه .لم يساعد
بصمت ،أعطته نظرة يأس ممزوجة باالزدراء .قرر كريستوفر أنه كان من المفترض أن تتوقف هذه الفتاة عن جعله يشعر بالذنب.
ربما كانت هناك حاجة لتوضيح األمور قليًال " .لذلك ،سأتزوجك وبسرعة ،ألنني أنوي تحمل مسؤولياتي .على الرغم من أنك تستحق
.ذلك ،ألنك استفزتني لفعل ما ال يمكن تصوره
وكان هذا صحيحا ،اللعنة ،صحيح دموي .ألنه يستطيع التعامل مع كراهيته لعائلة ديميرسي ،يمكنه تحمل الحرارة ،يمكنه تحمل
. . .الكحول ،يمكنه تحمل كل شيء .لكن وهللا لوال أنها حثته على ذلك لتركها بسالم ،لو
. . ".بدا وجهها يسقط" .ال . . .ال
"!توقف عن الثرثرة مرة واحدة وإلى األبد"
)لماذا يا كريستوفر؟ لماذا ال تزال تؤذيها؟(
رفعت آنا رأسها .ولم يكن هذا هو رد الفعل الذي كان يتوقعه ،وال
هل كان يتوقع النظرة المباشرة واالتهامية؟
أنت ال تؤمن بما تقوله ،وال أعرف حتى السبب"
أنت تقول ذلك .إلى جانب االشمئزاز كان هناك أيضا مفاجأة في صوتها" .لكن هذا واضح جًد ا بالنسبة لك -ال يمكن أن يكون أي
شيء آخر ،وال حتى بالنسبة لرجل يفتقر إلى الضمير مثلك :أنا أحتقرك .ال يمكنك الزواج بي ،وأنت تعرف ذلك .أنا أحتقرك وسأظل
".أحتقرك دائًما
".دائمًا .هز كتفيه" .الصبر
كان القليل جًد ا ضرورًيا لقتل النظرة .في بعض األحيان كلمة واحدة فقط" .من فضلك يا سيدي ".كانت تتوسل إليه اآلن وكانت
شاحبة مثل ضباب الصباح
وكما ميؤوس منها" .ال أستطيع الزواج منك .الفكر الذي لك ." . .خفضت رأسها ،غارقة" .فكرة أنك تستطيع . . .ال استطيع . . .
".سأموت منه يا سيدي
يستمع ".مرر كريستوفر أصابعه من خالل شعره ،مستدعًيا أكبر قدر ممكن من السحر" .لقد أخذت بالفعل ما أردت منك .أنا "
أتزوجك ألنني أهنتك ،ولهذا السبب أستطيع االنتظار ." . .بحثت عن كلمة قد ال تخيفها .لم يستطع التفكير في واحدة" .سوف أكون
صبوًر ا معك يا آنا .سأسمح لك بذلك
طوال الوقت الذي تحتاجه لتعتاد علي ".خففت لهجته عندما رأى الرعب في عينيها" .ال تخافوا .لن يحدث ذلك ." . .توقف مؤقًت ا
ووضع يده أمام عينيه وأغلقهما .كان رأسه يؤلمه والصراخ في ذلك اليوم سيبقى معه إلى األبد .وتابع بلطف" :ليست في نيتي
"-إيذاءك"" .أنا
ولكن ماذا تقول؟" قالت بشكل ال يصدق وقاطعته .يبدو أن عدم ترابط هذه الكلمات أزعجها لدرجة أنها نسيت ألمها" .أنت! هل لديك"
"الشجاعة . . .؟
".عض كريستوفر شفته السفلية بينما حطم الصمت األغنية المتبقية لذلك اليوم .وأخيرًا قال" :أنا أعطيك كلمتي
"أوه .كلمتك ".أومأت آنا بقوة مؤلمة" .وقل لي ،هل يستحق األمر الكثير ،بصدق؟"
. . ".آنا "
".يتذكر ." . .تجاهلته وابتسمت بشكل ال يصدق وقالت" :تذكر أنك أخبرتني ذات مرة أنك غشاش"
آنا " . . .سيدة البطلة" ،أضاف وهو يصحح نفسه" .لن أستمر في مناقشة هذا معك .سأمنحك مهلة حتى صباح الغد لتتعقل ،وبعد "
».ذلك سأتحدث مع والدك
كان هناك خوف في عينيها وغريزة بدائية لحماية نفسها" .ال يمكنك تقديم نفسك في منزلي ووجهك بهذه الحالة!" صرخت" .سوف
"!يفهم والدي على الفور ." . .أضافت وتوقفت وابتلعت عدة مرات" .ال تأتي غدا ،أتوسل إليك
لمس كريستوفر خده ،فوجده مؤلًما ومخدوًش ا ،مثل حقل مدمر .كان صامتًا ،ويده على خده ،غارقًا في أفكاره .وأخيرا أومأ" .سآتي
".إلى منزلك بعد ظهر يوم الخميس ،إذن
الحظ وجود قطرة من الدم على جلدها ،وشعر بنفسه يختنق قليًال .وهللا إنها طفلة .طفل فقط .أخرج مندياًل واقترب منها ،وقدمه لها
".بحالوة غير متوقعة .تمتم قائًال" :سأكون زوجًا صالحًا لك يا آنا
نظرت إلى ذراعه الممدودة بالمنديل وكأنها خدعة ،وبدأ فمها يرتجف .استندت يدها على الشجرة ،وتضاعف جسدها بشكل ال يمكن
.السيطرة عليه .وذراعها على بطنها ،تقيأت ألمها وروحها ،وقد اهتزت بسبب القيء الذي ال يمكن إيقافه
OceanofPDF.com
14
.الندم :رؤية الجنة والشعور بالجحيم
بطريقة ما بدأت آنا في العودة إلى منزلها .تبعه كريستوفر بضع خطوات إلى الخلف .سارت بمفردها وهي تنظر مباشرة أمامها .كان
الوقت متأخًر ا جًد ا ،وقد تركت الشمس بالفعل بعض الخطوط الحمراء عبر السماء .كان الطريق هو نفسه ،وكان يبدو مألوًفا جًد ا عند
الغسق .بالتأكيد لم يتغير؛ لم يكن األمر كما لو كان طويًال وال نهاية له ،مشوًه ا مثل الهلوسة في الضباب .رأت آنا المنزل المبني من
الطوب األحمر من بعيد .في عدة أماكن ،بدت الجدران حزينة ومظلمة ،وبها جروح عميقة .ولكن كل ما يتطلبه األمر هو القليل من
.الطالء لجعل هذا المكان جميًال مرة أخرى .أو ربما ال
مشيت بشكل أسرع .والبد أن ينتهي الطريق عاجًال أم آجًال .وحتى ضجيج الخطوات التي خلفها يجب أن ينتهي ،تلك الخطوات التي
تبعتها فعلت ذلك بانتصار وفخر .وكانت تود الهرب ،ألن عائلتها كانت بالتأكيد قلقة بشأن تأخرها غير المعتاد .كانت ترغب في
.الهرب ،لكنها لم تستطع .لم تستطع أن تبدو هاربة للرجل الذي يسير خلفها بجرأة دون تردد أو شك .ال ،ورفعت رأسها إلى أعلى
وصلت إلى طريق الدخول الذي تصطف على جانبيه أشجار الزيزفون ،وسارت على طوله مختبئة خلف األشجار .كانت الحديقة
مهجورة .ولم تمشي أمام المنزل .ربما كان هناك من يراقبها من النافذة ،في انتظار عودتها؛ ال يمكن رؤيتها في هذه الحالة .سيكون
. . .األطفال خائفين ،وأبيها
جورج أ .مور—
وحافظت على نفسها بعيًد ا عن األنظار ،وتوجهت إلى الجزء الخلفي من المنزل للدخول عبر نافذة غرفة مغلقة -مغطاة بمالءات
بيضاء كبيرة وُت ترك لتجميع الغبار ودودة الخشب -مما يضمن لها وسيلة للهروب ،معظمها ألغراض استراتيجية .التهرب في حالة
إزعاج الزوار ،مثل السيد كالرك المزعج في وقت سابق .توقفت أمام النافذة ،متجنبة النظر إلى انعكاس صورتها في الزجاج ،وقد
أذهلتها هذه الفكرة :هل حدث هذا حًق ا؟ لكن عندما؟ قبل اسبوعين؟ أو قبل عامين؟ أو حتى مائتي؟
وضعت يديها على النافذة وفتحتها .لم تنظر إلى أصابعها النازفة ،وأظافرها المكسورة ،وارتعاشها غير المنضبط .حاولت ببطء رفع
نفسها للدخول ،وكان األمر كما لو أن شظايا ال حصر لها من الزجاج كانت تقطعها من الداخل .تمكنت أخيًر ا من الدخول إلى
الغرفة ،وسارت إلى الباب ،واصطدمت بالطاولة كما فعلت .تحركت المالءة البيضاء لتكشف عن رف مكسور أسفل قطعة األثاث
.القديمة
.وضعت آنا أذنها على الباب ،ثم فتحته ودخلت إلى الردهة المظلمة لهذا الجزء غير المستخدم من المنزل
آنا!" صرخت نورا من الخلف ،وكان صوتها يرعب آنا" .آنا! آنا ." . .تصدع صوت نورا ،ثم تحول إلى همس يشبه صوت فرخ "
. . ".صغير مرض" .عزيزتي السماء ،آنا
سمعت المرأة العجوز تركض نحوها .لم تكن قادرة على التحرك ،فأخذتها نورا من يدها وجعلتها تستدير نحوها .كان وجه المرأة
.المستدير والمجعد يرتجف ،واهتزت ذقنها المزدوجة دون أي كرامة
قالت بصوت هامس" :آنا ،يا إلهي" .ثم أخذت يدها األخرى أيًض ا " .يا طفلتي ماذا حدث لك؟ فستانك ." . .توقفت .كان فمها نصف
مفتوح ،كما لو أنها ستقول شيًئ ا آخر ،لتضيف شيًئ ا آخر .لكنها لم تقل شيئا .لم تستطع قول أي شيء .لم تستطع ذلك ألن رعب
السؤال كان كبيرًا جدًا .تمنت أن تتمكن من إنكار ما رأته وأن تنكر حدوث شيء قبيح .تمنت لو كان بوسعها اإلنكار ،لكن وجهها
.السمين الدائم أصبح فجأًة عجوًز ا ،ولم تستطع قول أي شيء
حاولت آنا أن تقول "أنا بخير ،ال شيء" ،ولكن كل ما خرج منها هو الصمت .وفي الصمت ألقت بنفسها بين ذراعي نورا
.القصيرتين ،بحثًا عن شفاء لجراحها التي كانت أكبر بكثير من جراح هذه المرأة الصغيرة
آنا ،يا إلهي ،آنا ." . .سالت دموع كبيرة على وجه نورا ،سالت دموًع ا كبيرة عبر التجاعيد وجفاف الجلد" .آنا ،ماذا فعلوا بك يا "
.طفلتي الصغيرة؟ ماذا . . .؟" لم تجد كلمة واحدة ،فصمتت .وال حتى كلمة واحدة لتعزية طفلها في البكاء
وهكذا وقفوا يبكون في أحضان بعضهم البعض .بدأت نورا تئن بصوت منخفض ،مثل بكاء طفولي ،يأتي من جسد متعب ومنهار.
.مثل األلم الذي لن يختفي أبًد ا
).آنا ،ماذا تفعلين بهذه المرأة المسنة؟ ربما تريدين كسر قلبها(
مع رأسها على صدر نورا ،شعرت آنا بالذعر المفاجئ .وقف شعرها على رأسها ،ولم تستطع التقاط أنفاسها ،وكأنها تشاهد ناًر ا
تحرق كل شيء عزيز عليها .وقفت بشكل مستقيم ورفعت رأسها .نظرت إلى نورا المدمرة ،وداعبت رأسها بيدها ،وظهر اللون
الوردي ألصابع آنا من تحتها من خالل الشعر األبيض الرقيق الرقيق" .ال تبكي" تمتمت وهي تحبس دموعها" .كل شي سيصبح
».على مايرام .أنا . . .لن يعلموا
أخذت يدها وقادتها إلى الغرفة غير المأهولة .تبعتها نورا مثل دمية تطايرت في مهب الريح ،وقد اختفت طرقها السريعة والمسيطرة
.في إدراكها المفاجئ لعجز الحب
.أوه ،آنا . . .ال ." . .بكت ،وبدأت مرة أخرى في أنينها الذي ال ينتهي من أعماقها"
نورا ،استمعي لي ".أخذتها من كتفيها ،وهزتها بلطف" .أنا بحاجة إليك .يجب أن تكون قويا .ستخبرين الجميع أنني مريضة ،حتى "
.لوسي .على األقل لبضعة أيام حتى أبدو طبيعًيا مرة أخرى
. . ".رفعت نورا يدها ومسحت على وجهها" .آنا ،آنا ،من . . .من . . .؟ أنا . . .سأقتله ،أنا
".ال ،ال" ،قالت وهي تهز رأسها ،وابتسامة تطل من بين الخدوش والغبار على وجهها" .استمع لي .كل شي سيصبح على مايرام"
. . ".لكن نورا لم تصدق ذلك .لم تستطع أن تصدق ذلك مرة أخرى" .آنا ،ال
".إنه يريد أن يتزوجني" ،قالت ،وفمها يرتعش" .لن يعرف أحد أي شيء"
ال!" جفل نورا من األلم ،وانفجر الرعب الكامل من تعجبها" .ال يا آنا ،أنت ال تستحقين ذلك . . .لن تتزوجيه! بدًال من ذلك ،سأقتله"،
"-أنا
ال . . .نورا . . .ال أعرف " . . .ال أعرف ماذا سأفعل" ،أجابت مع تنهيدة مرهقة" .من فضلك ،اآلن أنا فقط بحاجة إلى النوم" .
أريد أن أنام ،أنام فقط ".شعرت بالدموع تعود إلى عينيها ودفعتها إلى الداخل .سيكون لديها الوقت للبكاء .وأكدت لها أخيًر ا أن "كل
".شيء سوف يعتني بنفسه"" .أعدك
نورا أبقت رأسها منخفضا وهي تبكي بهدوء .فجأة ،أصبح الضغط والمعاناة في ذلك اليوم ،الذي استمر مراًر ا وتكراًر ا ،أكثر من
الالزم ،مع الدفع والضرب ،ولم تعد آنا قادرة على تحمل ذلك .كانت الملزمة تضغط عليها .سوف يقتلها إذا لم تصرخ ،إذا لم تفعل
. . .ذلك
أنا بحاجة إليك ،أنت ال تفهم!" لقد انفجرت" .الرجاء مساعدتي! يجب عليك مساعدتي!" توقف صوتها فجأة ،وتساقطت على وجهها "
!قطرات ساخنة من األلم لعدم القدرة على تحديد أي شيء على اإلطالق ،حتى وقت ألمها" .لو سمحت! نورا
قفزت السيدة العجوز .وباإلضافة إلى الحزن الذي خيم على عينيها على مر السنين ،أظهرت نورا الندم ألنها لم تكن قوية بما فيه
.الكفاية .عدم قطعه من القماش الصحيح .من كونها قديمة ومهزومة
".مرت لحظة .ثم ،بيد مرتجفة ،ربتت على خد آنا" .حسًن ا "،قالت ،وبدا صوتها المتشقق ال يقبل الجدل" .أنا هنا .معك
شكًر ا لك .اوه شكرا لك ".ابتسمت آنا لها بين دموعها وتنهداتها .الضعف يجعل المرء أقوى ،ويبدو أن نورا تنمو ،عمالقة في "
.ساحة
قالت بإصرار" :سوف آخذك إلى غرفتك"" .سأخبر والدك وإخوتك أنك مصاب بالبرد .سأقوم بإعداد الماء لالستحمام .سأعد لك
".بعض المرق الساخن
.مسحت هذه العمالقة عينيها بسرعة وفعلت كل األشياء التي وعدتها بها ،وكل ذلك في نفس الوقت
أيقظ كريستوفر نفسه .منذ متى كان هناك؟ كان الظالم قد حل اآلن؛ كان القمر خارًج ا وشبه مكتمل ،مما يعرض اكتشافه للخطر .كان
بحاجة إلى المغادرة؛ انطفأ الضوء األخير في المنزل المبني من الطوب األحمر منذ فترة .كانت الفتاة قد ذهبت قبل عدة ساعات،
وهي تمشي بشكل مستقيم مثل السهم في بلدها المدلل
.فستانها الذي كان يتحرك حولها مثل طيران الفراشات ،وربما كانت اآلن في سريرها البريء النظيف
تبادر إلى ذهنه صرخة ،شبح صدى بعيد ،صرخة يائسة وشنيعة .لقد كانت مجرد ذكرى ،ولكن للحظة مروعة ظن كريستوفر أنه
.سمعها بالفعل .استدار نحو المنزل المسكون الذي ابتسم بشراهة ليس ببعيد عنه
OceanofPDF.com
15
يجب أن تأتي الخطبة للفتاة الصغيرة كمفاجأة ،سواء كانت سارة أو غير سارة حسب الحالة .ال يكاد يكون من الممكن السماح لها
.بالترتيب لنفسها
أوسكار وايلد-
في الليلة األولى نامت منهكة بعد الحمام الذي أخذته بنفسها دون مساعدة نورا .استلقت على السرير ودخلت على الفور في نوم عميق
.ونسيان
أثناء الليل ،استيقظت فجأة وشعرت بألم نابض في جسدها ،مثل وحش نائم ،مثل الوحش الذي خلقته قبل سنوات عديدة من لوح
خشبي ،بفم برتقالي مفتوح على مصراعيه في صرخة .في حيرة ،تساءلت عما فعله ذلك الوحش بداخلها ،ثم تذكرت .نهضت من
السرير وذهبت إلى النافذة .كان القمر أبيض اللون وشبه مكتمل بينما كان يسود السماء المظلمة ،السماء التي كانت زرقاء مبهرة قبل
.ساعات قليلة
مشيت إلى حوض الماء الخاص بها وغسلت وجهها لفترة طويلة ،مما أدى إلى محو ذكرى القبلة .القبلة األخيرة ،تلك التي لم ترفضها
جالدها .قبلة عندما أكلتها من شفتيها تركتها جائعة بشكل سخيف .وبينما كانت قطرات الماء تتدفق على جلدها ،سألت نفسها إذا كان
.بإمكانها أن تسامح نفسها على هذه القبلة .سيختفي األلم الجسدي ،لكن بالنسبة للجروح األخرى ،لم تكن متأكدة
.مسحت وجهها وعادت إلى السرير ،حيث تمددت وعينيها مفتوحتين ،دون نوم ودون بكاء
.لقد بذلت نورا قصارى جهدها من أجل آنا في األيام التالية .لقد دللتها ،وهدأتها ،وجعلتها تأكل كل األطعمة التي تحبها
لقد أبعدت الزوار ،بما في ذلك إخوتها ووالدها .لم يتمكن أفراد األسرة من الترحيب بها إال لفترة وجيزة ،بينما أخفت آنا وجهها الذي
كان مساحيق التجميل كثيفة ،وكان المكياج شيًئ ا لم تستخدمه من قبل .عالجت نورا الخدوش والكدمات باألعشاب ذات الرائحة
.الكريهة التي زعمت أنها صنعت العجائب
في الليلة التي سبقت وصوله إلى منزلهم ،وجدت آنا نفسها أمام مذكراتها المفتوحة .لقد كتبت البدائل المختلفة الممكنة ،ولم يكن هناك
.سوى أربع جمل -أربع جمل تشمل مستقبلها بأكمله
.أعادت قراءة الجملة األولى :اطلب العدالة للجريمة .والثاني :أقتل نفسي
.ثم الثالث :الزواج من كريستوفر دافنبورت
.وأخيرًا األخير :اقتل كريستوفر دافنبورت
.لقد شطبت واحًد ا تلو اآلخر .ولم يبق سوى احتمالين
أمضت تلك الليلة وعينيها مفتوحتين على مصراعيهما في الظالم مرة أخرى .وعندما حضر كريستوفر إلى منزلها في اليوم التالي،
كانت العالمات التي كانت على وجهها قد اختفت عملًيا ،وكان النزيف قد توقف تقريًبا .كانت اآلثار الحمراء الباهتة على مالبسها
.الداخلية البيضاء هي الدليل الوحيد المتبقي على ما حدث
وصل كريستوفر إلى المنزل المبني من الطوب األحمر راغًبا في االنتهاء منه وبسرعة .ربما بمجرد إبرام اتفاقيات الزواج ،سيكون
قادًر ا على الحصول على نوم جيد ليًال دون اللجوء أوًال إلى تناول الكحول ،وهو األمر الذي لم يتعامل معه جيًد ا .كان ذلك بالتأكيد
بسبب اآلثار الالحقة التي شعر بها .وقبل أن يغادر نظر إلى نفسه في المرآة .كانت عيناه غائرتين بعمق وكان لونه شاحًبا ،بينما
.كانت عالمات الخدش تتعافى ولكنها ال تزال مرئية قليًال
)لن تتزوجك يا كريستوفر .أنت تعرف ذلك ،أليس كذلك؟(
في األيام القليلة الماضية ،مكث معظم الوقت في المنزل حتى تلتئم جروحه .ولكن كان هناك شخص آخر يعاني من جروح أعمق من
. . .جروحه
).آنا(
.أي أخيه .لقد ذهب إلى لندن ليلعق جراحه ،بحسب ما نقله ماثيو المتفاجئ إلى كريستوفر . . .
تفاجأت ألن فسخ الخطبة مع دانيال بشكل غير متوقع جاء مثل انهيار أرضي على سفح الجبل" .كريس ،لن تصدق أبًد ا ما حدث .لقد
انتهت الخطوبة من يوم آلخر "،أوضح له ،بخيبة أمل وعدم تصديق .بعد أخذ كل األمور بعين االعتبار ،كان رد فعله مفهوًما :فقد
حذف كريستوفر تفاصيل محددة من القصة -وهي تفاصيل مهمة إلى حد ما في الواقع" .هذا هو آخر شيء أردناه .أليس كذلك؟ و
ليوبولد ." . .تردد ماثيو ،وهو ال يعرف ما إذا كان سيقول ذلك أم ال .وأخيرًا ،بعد تنهيدة ،قال" :ليوبولد في السماء السابعة ،كما
.يمكنك أن تتخيل .ربما لهذا السبب قرر دانييل الرحيل بعد ظهر يوم األحد
األحد بعد الظهر .جيد .وهذا يعني أن آنا لم تتردد لحظة في إخباره .ال بد أنها أرسلت له رسالة في ذلك اليوم بالذات .قال كريستوفر
لنفسه إن هذا ال يعني إال أنها ستتزوجني .بالتأكيد .وكرر ذلك لنفسه مرة أخرى .ثم أخذ نفسا وطرق باب منزل البطل .وانتظر.
وانتظر بعض أكثر .وبعض أكثر .لقد تذكر المرة األولى التي كان فيها هناك .لقد ترك الباب األمامي مفتوًح ا جزئًيا ،ألن آنا كانت
تنتظر صديًق ا عزيًز ا في ذلك اليوم .وبدًال من ذلك ،كان اآلن ينتظر ،وبدا أن كل شيء يصده .اعتاد كريستوفر على ذلك ،وطرق
الباب مرة أخرى دون أن ينزعج .وبعد بضع دقائق سمع ضجيًج ا خلف المدخل وخفق قلبه .لكن وجه أخت آنا الصغيرة هو الذي
.ظهر عندما ُفتح الباب أخيًر ا
هل أنت ملك التوماسبيدر؟" سألت الطفلة وهي تنظر إليه وأنفها في الهواء .كانت خصالتها ذات اللون البني الكستنائي أفتح من لون"
.شعر أختها الكبرى ،على الرغم من وجود تشابه في المالمح الناعمة للخدين واالبتسامة
.التومسبيدر؟" سأل"
"!عنكبوت الطماطم يا سيدي"
بدت الفتاة الصغيرة مرعوبة حًق ا من جهله ،وقد كانت كذلك بالفعل
.اعترف كريستوفر بأنه ال يرحم على اإلطالق
.هل هي حكاية خرافية أخرى؟" سأل"
أومأت برأسها بقوة صغر سنها" .األمر ال ينتهي بشكل جيد بالنسبة لـ
».ملك التوماسبيدر ،يا سيدي
جمال ".نادى صوت آنا الهادئ الطفل وقلب كريستوفر"
.تخطيت في البداية ،ثم بدأت في الضرب بنمط غير منتظم
ظهرت ببطء وهي تسير نحو الباب .كان وجهها نصف
يغطيها شعرها .كانت المحالق الرقيقة تحجب الكدمات غير المرئية تقريًبا
ربما يكون غير مرئي للجميع ،ولكن ليس له .كانت ترتدي فستاًن ا أصفر باهًت ا كان قبيًح ا للغاية ،ومع ذلك بدا كريستوفر أعمى ،كما -
.لو كان ينظر إلى انعكاس الشمس في مجرى مائي
".آنا لم تنظر إليه" .جريس ،ماذا قلت لك؟ "اذهب وأكمل دروسك مع إخوتك
بدأت الفتاة الصغيرة تظهر عبوًس ا .تذمرت" :حسًن ا" ،ثم هربت دون أن تنظر إلى الوراء مرة واحدة -أو ربما فعلت ذلك مرة واحدة
.فقط
".وقف كريستوفر بال حراك عند العتبة ،وأوضح صوته .قال بهدوء في نصف همس" :مساء الخير يا آنسة تشامبيون
.ولم ترد عليه أو تنظر إليه .كانت عيناها مثبتتين على الحديقة ،وبدا أنها غير مدركة لوجوده
".أخذ أكبر نفس ممكن ،ثم زفر للحظة" .أريد أن أتحدث إلى والدك ،يا آنسة
الطباخة القصيرة التي عاشت هناك ،كم كان عمرها؟ مائة؟ – انحنى عبر باب غرفة الرسم ونظر إليه كما لو كان بقعة قذارة –
.وبشكل أكثر دقة ،بقعة قذارة كبيرة جًد ا ورائحة كريهة جًد ا
تنحيت آنا جانًبا لتسمح له بالدخول .بدا وجهها خالًيا من المشاعر ،وخالًيا حتى من الخوف ،ساكًن ا ومختلًف ا عن الوجه الذي بدأ يتعرف
.عليه ،وجهها المتغير الذي يضم آالف التعبيرات
).لقد سرقتهم منها يا كريستوفر(
تبعها إلى غرفة الرسم .كانت خطواتها بطيئة ولم تصدر أي ضجيج .ولم يفعل ذلك .وقفت الطاهية عند الباب ،وكأنها تريد أن تمنعه
من الدخول .وكانت تحمل في يدها ملعقة خشبية ،بدا األمر مزعًج ا لها بشكل مدهش .وضعت آنا يدها على كتفها .قالت بصوت
".خافت" :نورا ،دعني والسيد بمفردنا ،واحتفظ باألطفال معك
"هل أنت متأكد؟"
أومأت برأسها .أمسكت نورا بالملعقة بقوة ثم استدارت لتذهب إلى المطبخ .لكنها حدقت أوًال في كريستوفر ،ونظرت عن كثب إلى
يديه ،ويبدو أنها ال تزال تتوقع رؤية الدم الذي ال بد أنه كان هناك .فتح كريستوفر قبضتيه وأغلقهما محاوًال تهدئة نفسه .كل شيء
.يسير بشكل جيد للغاية .تماما
ذهبت آنا إلى غرفة الرسم الشاغرة ،المليئة بأشعة الشمس بعد الظهر .اتجهت نحو النافذة وأرجعتها إليه .توقف كريستوفر في
منتصف الغرفة وظل واقفًا
.نظر إلى ظهر آنا .ولم تكن قد نظرت إليه بعد منذ وصوله
".دعونا ننتهي من هذا" .اين والدك؟" سأل فجأة" .ليس لدي كل اليوم
مع لمس أصابعها زوايا زجاج النافذة ،لم تتحرك آنا .كان رأسها مائًال إلى أحد الجانبين ،وكان منحنى رقبتها ،الذي بقي ظاهرًا بسبب
.تسريحة شعرها ،أبيض من الشحوب ومن ضوء الشمس .مشتتة الذهن ،ولم تقل شيًئ ا لعدة ثوان
.يجب أن أوضح لك بعض التفاصيل يا سيدي "،قالت أخيًر ا بصوت ال يخصها ،ذلك الصوت الذي لم يكن صوتها"
وأنت تحافظ على ظهرك لي؟" سأل كريستوفر والمرارة تتضخم بداخله .لقد حاول إبقائه منخفًض ا" .لقد قللت تماًما من حظي الجيد "
".إذا كنت خائًفا مني كثيًر ا لدرجة أنك ال تستطيع النظر في عيني
".بدأت متجاهلة إياه قائلة" :أول شيء ،عليك أن تسمح لي باالستمرار في رعاية أحبائي عندما نتزوج
.عندما نتزوج
تنفس كريستوفر مرة ،ثم مرتين ،ثم ثالث مرات ،ثم تنفس مرارًا وتكرارًا .وبعد خمسة أيام من ضيق التنفس ،رحب بالهواء مثل
.البركة ،واستمتع بكل نفس
".وأجاب بعد عدة ثوان" :سوف أقبل قرارك في هذا الصدد
قالت دون أن تتحرك على اإلطالق أو تبدي أي إشارة إلى أنها سمعته« :الشيء الثاني" ».لن تسيء معاملة عائلتي تحت أي ظرف
من الظروف .إذا رأيت أن األسلوب العنيف الذي عاملتني به أمر مألوف بالنسبة لك ،فسوف أتركك وأدينك يا سيدي ،دون أن أهتم
.بالعواقب
"...أجاب بجفاف" :لقد أخبرتك بالفعل يا آنسة ،أنه ليس من عادتي أن أسيء المعاملة
أوه ،هادئ!" وضعت يدها على جبهتها وهزت رأسها ،كما لو أنها لم تعد قادرة على االستماع إلى المزيد .بقي هادًئ ا ،يراقب جسدها"
وشعرها وفستانها التالف" .الشيء الثالث ".كانت متعبة ،كما لو كانت تمشي لعدة أيام" .ال يستطيع والدي االنتقال من هذا المنزل ،لذا
فهو هنا ." . "...بدت غير متأكدة وبدت غير قادرة على الحفاظ على رباطة جأشها التي أظهرتها حتى تلك اللحظة" .هنا هو المكان
".الذي يجب أن نعيش فيه .بعد أن نتزوج
.ربما لم يفهم" .ال بد من انك تمزح!" صاح
لكن ال ،على اإلطالق .لم تكن لديها الرغبة في المزاح معه .مذهوًال ،نظر كريستوفر حوله .كانت غرفة الرسم مثيرة للشفقة ،وكان
.المنزل منكمًش ا ومنهاًر ا
كيف تتوقع من رجل مثلي أن يعيش هكذا بين البراغيث؟" انفجر" .وانظر إلّي بحق هللا!" شعرت يديه بالحكة وهو يمررها خالل "
.شعره .الجحيم الدموي ،لم يستطع التحرك هناك .ولم تتضمن خطته شيئا من هذا القبيل .الثراء ،نعم؛ البذخ ،نعم؛ التباهي ،نعم؛ لكن
..
جزء من المنزل مغلق" ،أوضحت آنا دون أن تلتفت" .إذا أعدنا فتح جميع الغرف ،فأنا متأكد من أن ذلك سيكون كافًيا بالنسبة لك" ،
".عالوة على ذلك ،سيكون لديك دائًما منزلك لتقديم الرقصات والحفالت .لن يجبرك أحد على البقاء هنا
تظاهر كريستوفر بأنه لم يسمع الجملة األخيرة .يا إلهي ،كل هذا صغير جًد ا ،ومقذر جًد ا من الداخل! كانت األريكة القديمة مصنوعة
.من المخمل البالي ،وكان السجاد باه اًت
ال أستطيع قبول أي ترتيب آخر يا سيدي .إذا لم توافق ،ال أستطيع أن أتزوجك .ابي ." . .توقفت ،مدركة أنه سيكون من السخافة "
أن تشرح له السبب .وأضافت بصوت أكثر حيوية" :سيدي ،ال ينبغي لنا أن نتزوج رغمًا عنا"" .لذلك أطلب منكم إعادة النظر في
".األمر والتخلي عن الفكرة
أجاب بنبرة جليدية" :ال تكن سخيًف ا" .لعنة هللا ،لم يكن بحاجة إلى هذا التعقيد .انطلقت عيناه من طاولة الصالون القديمة إلى األريكة
المكسورة إلى الوسائد المتهالكة .نعم ،حتى الوسائد كانت كارثة .ربما كانتا جميلتين ذات يوم ،لكن السنوات — ومعارك الطفولة،
بكل المرح السعيد والرمي الجامح للوسائد — دمرتهما .في الواقع ،في المرة األولى التي كان فيها هنا الحظهم .وأثناء وقوفه في
.المدخل مع لوسي ،الحظ آنا -نعم بالطبع -واألطفال يجلسون على األرض بالقرب منها ،وصوتها الناعم يروي لهم حكاية خرافية
وتذكر اآلن أن كل ما حولهم كان نفس الوسائد القديمة" .حسًن ا ".لقد صدم من كلماته الخاصة" .حسًن ا "،كرر ،وهو أكثر اقتناًع ا.
"لكن يجب أن تسمح لي بتجديد هذا المكان وبسرعة .وعالوة على ذلك ،يجب أن يكون هناك عدد كاف من الموظفين .سأتحمل جميع
.النفقات بالطبع
أومأت برأسها ،لكن كتفيها تدلتا ،كما لو أنه ضربها .أسندت رأسها على اللوحة" .أنا أطلب منك فقط يا سيدي" -وبدت
.يتألم عند نطق الكلمات " -أنا أسألك . . ".أطلب منك فقط الحد من اإلزعاج والضجيج عن والدي وعائلتي -
يا إلهي ،استديري يا آنا .انظر إلَّي " .سأفعل كل ما هو ممكن" ،أجاب بصعوبة بالغة ،ألن الكلمات لم تكن تريد أن تخرج من فكيه
.المطبقتين
قالت" :شيء أخير" .ثم صمتت ،ومررت إصبعها عبر لوح الزجاج ،مما جعله يتحرك كما لو كان ضائًع ا في الشفافية .قالت بعد
"...صمت طويل" :إذا حاولت ،إذا حاولت االقتراب مني بعد زواجنا
"-لقد أخبرتك بالفعل"
".سأقتلك يا سيدي"
)هل أنت أيًض ا مصدر إزعاج وضجيج يا كريستوفر؟(
الى الجحيم معها" .سأتمكن من إبقاء نفسي بعيًد ا عن سريرك
".دون بذل مجهود كبير يا آنسة
صمتت لدقائق ثم قالت :سأتحدث مع صديقي
".األب قبل أن تفعل .ظروف حالنا ." . .قالت متوقفة" .ظروف خطوبتنا يجب أال تكون معروفة
كما تتمنا ".مأل كريستوفر رئتيه ببعض األنفاس الكبيرة" .سأطلب رخصة زواج ،وسوف نتزوج في غضون أسبوعين على أبعد "
".تقدير .لن يكون من الصعب تبرير االستعجال ،نظرًا لظروف والدك الصحية .واآلن التفت نحوي
.آنا لم تتحرك
"أتوقع التعاون منك يا آنسة .هل هذا واضح؟"
.الصمت
اآلن التفت نحوي واستجب لي .تذكر أنك أنت"
”.طرف يستفيد من هذا الزواج؛ لذلك أطالبكم بالتوقف عن هذا الموقف
آنا لم تقل شيئا .رفعت جبهتها عن الزجاج ونظرت إلى الخارج متأملة ،كما لو كانت تبحث عن إجابة في األشجار ،وفي مقعد
.الحديقة المدمر ،وفي شجيرات الورد الذابلة
قال كريستوفر لنفسه :لن أذهب إليها .لن آخذها من ذراعيها وأديرها .لن أهزها ألجعلها تنظر في عيني .خطا خطوة ،وفي تلك
.اللحظة ظهرت نورا من باب المطبخ
"هل أصنع لك القليل من الشاي يا آنا؟"
.التفتت نحو الطباخ القصير ،ورأى مظهرها الشاحب" .ال .لن يكون لدى السيد أي شيء
شعر كريستوفر بتدفق ساخن من الغضب يتصاعد في رأسه .إذا اعتقدت هذه الفتاة أنها تستطيع االستمرار في التصرف بهذه
.الطريقة ،فهي مستعدة لمستشفى األمراض العقلية" .في الواقع ،أريد بعض الشاي يا نورا "،قال صراحة
.دخلت الطاهية إلى الغرفة ،وبدا أنها أصبحت فجأة أصغر سًن ا وربما أطول
.فأجابت" :أنا ال أتلقى أوامر منك يا سيدي" ،ولو بصقت عليه الكلمات لكان غارًق ا تماًما
.تركته دهشته وفمه مفتوًح ا على مصراعيه لعدة لحظات
.هل تأكل الذباب؟" ضحك القزم اللعينة .لقد تجعدت أنفها في وجهه كما لو كانت تفوح منه رائحة كريهة"
"...كفى ،فكر كريستوفر" .اذا كنت تؤمن!" انفجر وهو يصرخ في وجهها" :إنك تسمحين لنفسك بـ
".السيد .دافنبورت"
قاطعه صوت آنا الهادئ .استدار نحوها وهي تنظر إليه مباشرة بعيون واضحة ،ولم يكن قادًر ا على النظر بعيًد ا .أنا لم آخذ تلك
.الشرارة منك يا آنا .فذابت فيه أعصابه ،وأحس بالرغبة في البكاء .لقد عرفت ذلك يا عزيزي .كنت أعرف
".السيد" .دافنبورت" ،كررت ،وشفتاها الضيقة تشكالن خًط ا رفيًع ا" ،تذكري ما قلته لك"
.وضع كريستوفر يده على عينيه محاوًال تهدئة مشاعره
هل يجب أن أسمح لنفسي بأن أتعرض لإلهانة من قبل طباخ عجوز ذابل؟ أبدًا .وال حتى في مليون سنة .تنفس بعمق ولفترة طويلة،
.ثم أعاد فتح عينيه وحدق بكراهية في المرأة السمراء ،التي بدت طويلة جًد ا ،حتى لو لم يكن طولها حتى خمسة أقدام
"تنفس" .هل تتفضلين بأن تحضري لي بعض الشاي يا نورا؟
قال هذه الكلمات بأدب – أو شيء من هذا القبيل – ولم يتمكن كريستوفر من فهم سبب خروجها مثل نعيق حاد .ومع ذلك ،فإنه لن
يكون قادرا على القيام بعمل أفضل ،حتى لو أراد ذلك .نظر إلى آنا .هل كان ذلك جيًد ا بما فيه الكفاية؟ هل هي أكثر سلمية قليال
اآلن؟
)!هل تريدها أن تكون مسالمة يا كريستوفر؟ ها(
أجبرت آنا على االبتسامة للسيدة العجوز .ماذا قلت لك يا نورا عزيزتي؟ سيكون السيد لطيًف ا معنا ".بالفعل لم تعد عيناها تنظر إليه
. . .بعد اآلن .كانت خطيبته تتظاهر مرة أخرى بأنه غير موجود ،وأنه ليس موجودًا
.خطيبة
).خطيبتك ،كريستوفر(
"!كريستوفر"
".استدار نحو الباب الجانبي ،حيث ظهر أنتوني ،وهو يركض نحوه ،كما كان يفعل دائًما ،منذ أن تعلم الركض" .أهًال سيدي
يعتقد كريستوفر أن شخًص ا واحًد ا على األقل في الغرفة ال ينظر إلّي وكأنني ملفوف فاسد .وبقدر ما كان يعتاد على معاملته كنبات،
".كان يشعر باالرتياح حًقا" .مرحبا أنتوني
"أصبحت آنا شاحبة واقتربت من أخيها" .أنتوني ،لماذا لم تبقى هناك؟
بقيت بعيدة قدر اإلمكان عن كريستوفر ،لكنه مع ذلك اعتقد أنه يستطيع شم رائحة التفاح والزهرة .لكن اي واحدة؟
"لقد أنهيت دروسي يا آنا" .سيدي "،قال له من األسفل ،نظًر ا لفارق قدمهما ونصف في االرتفاع" .هل أتيت من أجل أختي؟"
.أنتوني ." . .قالت آنا وهي توبخه وتضع يدها على كتفيه"
ولكن ماذا تعتقد أنني غول؟ أصيب كريستوفر بالذهول ،بغضب ولكن بصدمة سخيفة .يا إلهي ،لن آكل أخيها! بحق المسيح ،بعد
خمسة أيام من التوتر ،هذه الفتاة تضغط على حظها كثيًر ا .أجاب باقتضاب" :نعم ،جئت من أجل أختك"" .لطلب يدها ،في الواقع.
".أذكر أنك أعطيتني موافقتك بالفعل
".أومأ أنتوني دون مفاجأة" .هل ستتزوجينه يا آنا؟" حاولت أن تبتسم" .نعم أنتوني
"هل يعرف أبي؟"
".ليس بعد"
"أصبح أنتوني متأمال" .هل يمكنك إدارة األمور بشكل جيد في حديقة الخضروات يا كريستوفر؟
"كان السؤال يفتقر تماًما إلى أي نوع من المنطق ،ونظر إليه كريستوفر متشكًك ا في أنه فهمه" .الخضروات . . .الحديقة يا أنتوني؟
نعم .طماطم ،بصل ،جزر .سيريد والدي أن يعرف إذا كنت تفهم الزراعة .هل تعرف شيئا عن ذلك؟ موسم الزراعة ،موسم "
الحصاد ،أشياء من هذا القبيل؟
وضع كريستوفر يده على جبهته وفركها .يا إلهي ،هذه العائلة جعلته يفقد عقله" .بصراحة ال ".هز كتفيه" .أتصور أن ذلك لن يكون
".مشكلة خطيرة
".من النظرة على وجه أنتوني ،كان من الواضح أنها ستكون مشكلة خطيرة للغاية" .أعتقد أنه سيفعل ذلك يا سيدي
16
.ال ،ليس الجسد هو الذي مريض ،بل الروح
الكسندر دوماس ،األب -
".كانت رائحة الكاكاو في كل مكان عندما دخلت آنا المطبخ .استقبلها والدها بابتسامة ملتوية" .صباح الخير يا آنا عزيزتي
ابتسمت له وأعطته قبلة صغيرة على خده .سمعا خطوات سريعة في الصالة الصغيرة الواقعة بين المطبخ وغرفة الرسم ،وبعد وقت
.قصير من دخول دينيس وجريس من الباب
.يا لها من رائحة!" صاح دينيس .رأى البسكويت على الطاولة فتقدم وأخذ اثنتين منه في يده الصغيرة"
".دينيس "،وبخته نورا" .تناول واحدة تلو األخرى"
".هل أصبحنا أغنياء؟" سألتها جريس" .لقد صنعت الحلويات كل يوم هذا األسبوع"
".همف"
نظرت آنا إلى نورا ،وكانت تعلم جيًد ا أنه بسببها بدأت الطباخة الصغيرة في إعداد العجين في وقت مبكر جًد ا من الصباح :كانت
.تحاول تحفيز شهية آنا ،ألنها تضاءلت تحت وطأة األفكار التي أثرت عليها .عقلها وكذلك معدتها
"ابتسمت لها ابتسامة قسرية وأعطتها قبلة على خدها" .نورا ،ولكن في أي وقت استيقظت؟
لم تجب نورا ،بل أشارت بدًال من ذلك إلى البسكويت" .جرب واحدة .انهم بخير ".كان منطقها " -أنا أستيقظ مبكًر ا ،وأنت تأكل
البسكويت" -ال تشوبه شائبة ،فتناولت آنا قطعة شوكوالتة فلورنتينية ،وجلست ثقيلة على طاولة الطعام المصنوعة من خشب البتوال،
.واستندت على مرفقها واضعة ذقنها في يدها
.دخل أنتوني المطبخ وهو يخدش رأسه .كان حزينا وهو يجلس بجانبها
".قال" :الصباح
نظر دينيس إلى زاوية المطبخ ،وانخفض فمه عندما توقف عن المضغ .لقد سمح بحماس "أوه!" قطع البصق من البسكويت في كل
.مكان" .ما هؤالء؟" وأشار نحو عدة طرود وسالل ملفوفة تحتوي على طعام وفواكه ،كانت مكدسة في جبل صغير بألوان مختلفة
لم تالحظهم آنا ،وتوقفت يدها في الهواء بينما كانت على وشك وضع قطعة بسكويت في فمها" .من أرسل تلك األشياء؟" سألت فجأة.
.اندفع الدم إلى رأسها حتى قبل أن تسمع الجواب ،ألنها عرفت
.السيد" .دافنبورت ،عزيزي" ،أجاب السيد شامبيون ،وهو يفرك خده الخشن .ارتجفت يدها من الغضب ،وتصلب ظهرها"
".وأضاف والدها" :إنه شاب جيد
كيف يمكنه ذلك ،ذلك الخنزير؟
".قالت لها نورا" :لقد استهلكت كل ما لدينا من دقيق لصنع البسكويت"" .لم أستخدم أًيا من تلك السالل
)!آه ،نورا عرفت كيف تقرأ أفكارها(
.هل هذه األشياء لنا؟" سأل دينيس"
كانت اإلثارة في عينيه مشوبة بالكفر .لقد كانت سنوات
في منزل البطل منذ أن رأوا العديد من األلوان مًع ا .أجاب السيد تشامبيون" :نعم يا دينيس"" .أنت و . . .لك
".إخوة
.نسي دينيس الحلويات ،وركض نحو الهدايا
".احتجت جريس وهي تتسابق بجواره قائلة" :إنها ليست كلها ملكك
.دينيس ،ال تلمس أي شيء!" صرخت آنا"
توقف دينيس وجريس خائفين ،بل وحتى والدها نظر إليهما
"آنا بشكل غريب" .ولماذا ال يا آنا ،عزيزتي؟
كانت ترتجف من العجز ،ولم تستطع اإلجابة – في النهاية ،ماذا؟
هل يمكنها أن تقول؟ اللعنات! اللعنة عليك إلى الجحيم ،كريستوفر دافنبورت اللعين! "آنا ،ال يمكنك أن تؤذي ." . .توقف السيد
.تشامبيون وهو يعاني من ضيق في التنفس
يا إلهي ،هل سينتهي هذا يوًما ما؟ "بالطبع يا أبي "،وافقت
".بعجلة" .أنت محق
.اقترب دينيس من الهدايا ،ونظر بشك إلى إحداها
ثم توقف عن التردد وبدأ في فتحهما ،وركضت جريس نحوه
.جنًبا إلى جنب مع صرخة .فقط أنتوني استمر في تناول وجبة اإلفطار في صمت .كان يراقب وهو عابس
.أخرج دينيس دمية من علبة ذهبية .لم يكن مهتًما بها ،وتركها تتأرجح على زاوية الطاولة
.دينيس!" صرخت غريس في وجهه غاضبة"
تجاهلها شقيقها وصرخ ،ألنه وجد في الصندوق التالي لعبة جديدة تماًم ا :أنبوب ملون ربما يبلغ طوله ثماني بوصات .رفع الطفل
.عينه إلى النهاية التي بها ثقب ،وأدار الطرف اآلخر ،ثم قال "أوه!" من العجب ،كما لو كان يشهد نوعا من السحر
قامت غريس بتسوية شعر الدمية ،وترتيب خصالت شعرها األشقر بعناية .قالت لها" :سأدعوك مارغريت" .التفتت نحو آنا" .إنها
"!جميلة يا آنا .ينظر
أعطت خدود الدمية الوردية الملونة بشكل واضح وشعرها الالمع مظهًر ا مبتذًال .كان فستانها المخملي ذو اللون األحمر الداكن غنًيا،
مثل فستان عاهرة ،ونظرت عيناها الزرقاوان إلى آنا وكأنها تسخر منها .وضعت آنا البسكويت على الطاولة ونهضت فجأة وهي
.تشعر باالختناق
دون أن يعرف أن هذا الصوت اخترق قلب أخته الكبرى مثل الخنجر ،فتح دينيس طرًد ا آخر .إال أن صوته كان يفتقر إلى الحماس
».وهو يقول« :آه ،كتب
رفع أنتوني رأسه بسرعة .أوه ،أنتوني ،ال .ليس انت ايضا .لكنه وقف ببطء وسار نحو الصندوق" .فلسفة!" صرخ مذهواًل ،وعبر
صوته عن فرحة شديدة لدرجة أن قلب آنا أصدر صريًر ا مؤلًم ا لم يكن يسمعه أحد سواها .هذا الرجل اللعين ،فكرت بابتسامة حزينة،
يعرف حًق ا كيف يلعب أوراقه جيًد ا ،هذا أمر مؤكد .الدموع ،التي أصبحت رفيقتها الدائمة ،غمرت عينيها .لقد كان هذا حدًث ا نادًر ا،
وكان نادًر ا حتى قبل بضعة أسابيع .لكنها لم تعد ذلك الشخص اآلخر :لقد استسلمت ،وأمضت لياليها في عزاء نفسها ،متجمعة بينما
كانت الدموع تنهمر على خديها .بقيت هناك ،على وسادتها الرطبة ،وشعرت أن شيًئ ا عميًق ا بداخلها يذوب وهي تغرق في غياهب
النسيان؛ كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي تمكنت من النوم بها .وحتى اآلن خفضت رأسها نحو صدرها ،وهي ترتجف من عدم
.الثقة ،وتوجهت بسرعة نحو الباب
".آنا ،انتظري" ،صرخت نورا وهي تحمل مظروًف ا لها" .هناك مالحظة لك"
لم تفهم ،أخذت الورقة البيضاء المختومة ونظرت إليها بهدوء .ثم استجمعت قواها ،الحظت حزن الطباخة ،وغادرت على عجل
.لتختبئ في الغرفة الخلفية ،حيث كان كل شيء مغطى باللون األبيض
المالءات ،وحيث يمكن أن تبقى بمفردها لفترة من الوقت" .لكن هذا المكان لن يكون ملكك لفترة طويلة ،أليس هذا صحيًح ا؟" ضحك
".صوت الذكور داخل رأسها" .سوف أهرب منه ،مثل البقية
أغلقت آنا الباب واستندت عليه ،وتركت نفسها تنزلق إلى األرض .وبقيت على تلك الوضعية ،وجبهتها على ركبتيها ،وظهر األلم
.على وجهها المحمر .ضعيف ،غبي ،مثير للشفقة
.وقالت انها سوف تتزوج هذا الرجل
. . .ذلك الرجل القاسي والعنيف ،يشكل خطرًا عليها وعلى عائلتها .وإذا أراد أن يلمسها مرة أخرى
.يا هللا ساعدني
. . .ال ،فهي لن تسمح له بذلك .إنها تفضل قتله .سوف تجد طريقة .هي ارادت
بكت بشدة دون أن تتمكن من التوقف .لقد وعد كريستوفر بوقتها .وقت! ارتفعت زاوية فمها بابتسامة وهمية .كم من الوقت يعتقد أنه
سيستغرق؟ شهر ،يوم ،ساعة؟ تذكرت السالل الموجودة في المطبخ ،وتلك الفواكه الملونة ،والصناديق المغلفة المملوءة بالسم .يمكنه
.شراء أي شيء وكل شيء .حتى أنه سيشتري محبة عائلتي
رفعت رأسها ونظرت بغباء إلى الرسالة التي كانت تحملها بين يديها .فتحت الختم الذي كان عليه بعناية ،كما لو أن تعويذة قد تخرج
.منه ،وقرأت
,ملكة جمال البطل
لقد فتحت حسابات في محالت القرية لك ولعائلتك .اشتري كل ما تحتاجه دون القلق بشأن التكلفة .على وجه الخصوص ،أود منك
.شراء خزانة مالبس جديدة
قرص مضغوط
.حدقت في المذكرة ،مستاءة .اآلن أراد أن يشتريها
.إنها تفعل ذلك عن قصد .هذا ما اعتقده كريستوفر وهو يواجه الباب األمامي المغلق لمنزل البطل .طرق للمرة الثالثة
جعله ينتظر لفترة طويلة قبل أن تسمح له بالدخول أصبح عادة مزعجة ،وبالتأكيد لم يكن ذلك من قبيل الصدفة .أوه ال ،بالتأكيد ليس
.من قبيل الصدفة .سمع أخيًر ا شخًص ا يأتي من خلف الباب ،وعندما فتح الباب ،ظهر وجه آنا دون ابتسامة .كريستوفر مشدود فكيه
".حدقت فوق كتفيه وفي المسافة .قالت بصراحة دون أي مجامالت أو تحيات" :لم نكن نتوقع قدومك هذا الصباح
أجاب ببرود" :أنت لست مهذًبا جًد ا مع خطيبتك ،كما أرى"" .على أية حال ،سأكون هنا كثيًر ا لمتابعة العمل الذي يتم إنجازه في
".منزلك ،لذا تعتاد على ذلك ".توقف لفترة وجيزة" .أنا بحاجة للتحدث معك حول ذلك
".عندي ضيوف .يبتعد"
".سأكون سريًع ا في ذلك ،خمس دقائق فقط .اسمحوا لي أن تأتي في"
".ال"
.بذل كريستوفر جهًد ا ال يصدق حتى ال يمسكها من رقبتها
اآلنسة تشامبيون ،لقد أخبرتك بالفعل أنه يجب عليك تغيير موقفك ".منزعًج ا ،مرر يده من خالل شعره" .لن يعمل األمر بهذه "
".الطريقة ،أنا أحذرك
ويبدو أنها لم تسمعه حتى ،فبعد أن كان غير مرئي ،أصبح اآلن غير مسموع .وفي كل مرة كان أمام خطيبته ،بدا أن حضوره
.الجسدي يفقد تأثيره بشكل خطير
لماذا أرسلت هذه األشياء هذا الصباح؟" كان الغضب واضحا في صوتها العالي .عزيزي هللا ،هل هذا هو سبب غضبها الشديد؟ "
" -بسبب الهدايا؟ "ولكن ماذا كنت تعتقد أنك تفعل؟" واصلت" .أنت ترغب في شراء عائلتي مع عدد قليل من
كفاك عبثا .قال وهو يكذب" :ال أرغب في شراء أحد" .كيف أتحدث مع شخص ال ينظر في وجهي؟ "أردت فقط أن أقدم بعض "
.الهدايا إلخوتك وأختك .اعتقدت أنني كنت أفعل شيًئ ا ستقدره .واآلن دعني أدخل ".دفع الباب بيده ،لكن آنا أغلقته
أنت . . .يجب . . .ال ." . .كانت قادرة على التحدث فقط في طفرات قصيرة .الحظ كريستوفر فمها ضيًقا ومليًئ ا بالغضب" .لن "
».يحدث مطلقا مرة اخري .وأنا لن تسمح بذلك .ال نريد منك شيئا
أوه حًق ا؟" اللعنة ،كان بحاجة إلى التزام الهدوء ،ولكن وهللا أنها يمكن أن تستفزه! "يا آنسة البطلة ،استمعي ".يجب أن يكون لدى هذه"
الفتاة بعض العقول في مكان ما؛ هم فقط بحاجة إلى العثور عليها ،أليس كذلك؟ "يجب أن تفهم ذلك
!من الضروري أن تقبل أموالي .ال أستطيع أن أتحمل استمرارك في العيش في هذه الظروف المتهالكة .ال تجعلني أخجل من زوجتي
خجالن؟ أنت؟ مني؟" بدت آنا مستاءة للغاية لدرجة أنها وجهت عينيها نحوه .نظرتها -الصادقة إلى الخير ،النظرة التي أعطتها له!" -
"!كانت مليئة بالكراهية لدرجة أنها لم تكن خائفة" .أنت يا سيدي ال تعرف شيًئ ا عن العار
آنا ".قرص طرف أنفه وأغلق عينيه" .لقد استسلمت لمطالبك ،رغم أنها كانت سخيفة ".فتح عينيه بغضب مرة أخرى" .واآلن "
"!ستقبلينني وهللا! دعني ادخل
لقد دفع الباب بعنف ،ودفعه فجأة بيده ،وقفزت آنا كما لو كانت قد احترقت .دخل كريستوفر وخطا خطوات كبيرة وهو متجه إلى
.غرفة الرسم
السيد .دافنبورت! كانت اآلنسة إدواردز الفاتنة تجلس على األريكة ،ووقفت برشاقة بدت وكأنها ولدت بها" .إنه لمن دواعي "
".سروري الحقيقي أن أراك
".قال كريستوفر وهو يحييها" :آنسة إدواردز" .والحقيقة أنه كان في حالة ذهول .لم يعتقد أن أحدًا كان مع آنا" .كل السعادة ملكي
.انضمت إليهم آنا ،شاحبة ولكن هادئة" .السيد .ال تستطيع دافنبورت البقاء طويًال يا لوسي
".السيد .دافنبورت ،لقد أخبرتني آنا للتو باألخبار الرائعة .لكم مني أحر التهاني"
شكرًا لك يا آنسة إدواردز" .وخطرت في ذهنه فكرة ،وأضاف بحقد محسوب« :أتمنى أن تساعد خطيبتي في االستعدادات للزفاف" .
سيكون ذوقك الذي ال تشوبه شائبة ال يقدر بثمن .وربما يمكنك حتى أن تتمكن من الحصول على بعض المعنى لها! كان يعتقد في
.نفسه
نظرت آنا إليه كما لو أنه صفعها ،وحتى لوسي بدت مرتبكة« .كنا نتحدث عن ذلك للتو يا سيد دافنبورت .ال شيء يمكن أن يجعلني
".أكثر سعادة ،وآنا تعرف ذلك .قالت مشددة على الكلمات الثالث األخيرة" :إذا أرادت ،فسأساعدها بكل سرور
.أضاءت ابتسامة حقيقية وجه آنا .استدارت هي ولوسي لمواجهته كما لو كانا جداًر ا
يبدو أن طلبي ال يعني الكثير بالنسبة لآلنسة إدواردز ،فهم كريستوفر وهو منزعج .سيكون من الصعب وضعها بجانبي .كان على
.وشك الرد عندما سمعوا طرًق ا بقوة ال تصدق على الباب األمامي ،وقد تفاجأوا جميًع ا قليًال وقفزوا
.ذهبت لوسي إلى النافذة ومدت رقبتها لترى من الذي صنع هذا المضرب
.هل كنِت تنتظرين شخًص ا ما يا آنسة تشامبيون؟" سأل كريستوفر .آنا لم تنظر إليه أو تستجيب"
".قال" :أعتقد أن ذلك القريب هو الذي يعيش معك يا سيد دافنبورت
لوسي" .لقد رأيته فقط في الكنيسة ،ولكني أقسم أنه هو" .ماثيو؟! انه حقا ال يمكن أن يكون . . .ذهب كريستوفر إلى النافذة .اعترف
قائًال" :إنه ابن عمي بالفعل" ،وهللا وحده يعلم كم كان يكره قول تلك الكلمات بصوت عاٍل .عليك اللعنة .كان من الواضح أن ماثيو
سيتعين عليه مقابلة آنا عاجًال أم آجًال ،لكن كريستوفر أراد أوًال أن يمنحه جزًءا من رأيه ،وهو وصف طويل جًد ا ومفصل يسرد
جميع العظام -القليل منها الذي لم يكن ابن عمه على علم بوجوده ،كان متأكدا -ذلك
.سوف ينكسر في حالة ترك شيء ال ينبغي له أن ينزلق .أذهلهم صوت عاٍل آخر
".قال" :تركه بالخارج لن يكون له أي معنى يا آنسة تشامبيون
" .تنهد وفرك جبهته بأطراف أصابعه" .قد يستمر هذا لساعات .سأضطر إلى تقديمه لك ،إذا جاز لي ذلك
".أوه ،كم هو رائع!" صاحت لوسي" .لقد مرت العصور التي أردت مقابلته"
. . ".السيد" .دافنبورت "،قالت له آنا" .إذا كنت ترغب في الذهاب افتح الباب لـ . . .نسبي"
نسبي؟ أود أن أقول إنه يعاني من ألم فظيع في الرقبة" .بالطبع .ربما توقف هنا ليخبرني بشيء ما .سنكون هنا لبضع دقائق فقط،
.على أي حال
.غادر الغرفة على عجل وذهب إلى الباب األمامي .فتحها فوجد اإلزعاج يبتسم أمامه
"مات ،ماذا بحق الجحيم-؟"
ابن عم!" قاطعه بصوت عاٍل لدرجة أن الفتيات سمعنه بالتأكيد ،كان من الممكن أن يسمعنه في منتصف الطريق حول العالم" .
"".حسنا ،لماذا هذا الوجه؟ من مات؟ "آه ،بالطبع ،هذا هو وجهك المعتاد
"مات ،ماذا تفعل هنا؟"
"هل ستطلب مني الدخول أم ال؟"
كان عليه أن .قال بجدية« :ماثيو ،ال أعرف ما الذي لديك
.في ذهنك ،ولكن تأكد من مراقبة لسانك
أوه ،لن أقلق على لساني لو كنت مكانك ،بشعر مثل"
الذي -التي .بماذا مشطت شعرك هذا الصباح ،أيها القنفذ الهستيري؟
"تنهد كريستوفر" .لقد مر وقت طويل منذ أن هددتك بالعنف الجسدي ،أليس كذلك؟
".خدش ابن عمه رأسه وهو يفكر في ذلك" .حوالي نصف ساعة ،يبدو لي .ربما خمس وأربعون دقيقة
جيد ،حان الوقت بالنسبة لي أن أبدأ من جديد ،إذن .لم يكن عليك أن تأتي إلى هنا اليوم ،وأنت تعرف ذلك .تصرف جيًد ا اآلن إذا "
».كنت تريد االحتفاظ بكل ذراع من ذراعيك قطعة واحدة ،على األقل حتى الليلة ،عندما سأكسرهما مًعا
.ضحك ماثيو .ولم يبدو عليه القلق" .أنا ال أفهم لماذا أنت قلق للغاية ،كريس .هل ترى؟ لقد وضعت وجهي الجدي
استقال كريستوفر وتخلى عن الجدال .قاده إلى غرفة الرسم ،وكانت الكلمات األولى التي خرجت من فم ماثيو عندما وطأت قدمه إلى
الداخل هي "يجب أن تكوني اآلنسة تشامبيون ،على ما أعتقد .لقد كنت أشعر بالفضول الشديد للقاء السيدة الشابة التي استحوذت على
.قلب ابن عمي
حقيقة أنه لم يقدم نفسه حتى كانت أقل ما يثير القلق في هذه المرحلة .لكن لماذا لم يعصر كريستوفر رقبته عندما أتيحت له الفرصة؟
. . .على سبيل المثال ،هذا الصباح .كان من الممكن أن يكون هذا الصباح مثالًيا .أو حتى صباح أمس ،أو
"أجبرت آنا على ابتسامة مملة" .أنت ابن عم السيد دافنبورت؟
. . ".بالتأكيد يا آنسة ،في خدمتك .نحن أقارب ،لكني أؤكد لك أن الغباء صفة ورثها هو وحده ،لذلك"
.للحظة بدت آنا وكأنها نسيت أن خطيبها كان هناك .عندما نظرت إلى ماثيو وفمها مفتوح ،عاد لونها
.فكر كريستوفر بسرعة في الخيارات الممكنة
.أحدهما :القضاء على ابن عمه في الحال
.الثاني :قدميه إلى الشابات الالتي ينظرن إليه بغرابة ،كل واحدة على طريقتها
".قال لهم ببرود" :هذا ماثيو دافنبورت ،ابن عمي البعيد"" .اآلنسة آنا تشامبيون واآلنسة لوسي إدواردز
ابتسمت لوسي لماثيو بحرارة" .كنت على علم أنك تعيش في منزل السيد دافنبورت ،ولكن هذا أمر فظيع لم نلتقي به من قبل ،أال
"تعتقد ذلك؟
.أنا ال أختلط كثيًر ا في المجتمع ،في الواقع .أترك ذلك لكريس .لقد هيئته شخصيته لذلك ،ألنه دائًما ما يكون مبتهًج ا وودوًد ا"
.سمحت لوسي بضحكة صغيرة قبل أن تغطي فمها بيدها
اضحك اآلن يا مات ،فكر كريستوفر .سنتحدث عن هذا الحقا .كان على وشك تمرير أصابعه من خالل شعره ،لكنه بالكاد توقف في
الوقت المناسب .ألقى نظرة على آنا .لقد كانت أكثر حيوية بعض الشيء ،أم أن األمر بدا كذلك بالنسبة له فقط؟ كاد أن يرحب
.بحضور متى
.بالكاد
.اآلن حان الوقت إلخراجه من هناك قبل أن يتسبب في بعض األضرار التي ال يمكن إصالحها
"قالت لوسي" :ابن عمك لطيف جًد ا يا سيد دافنبورت"" .لماذا لم تعرفنا من قبل؟
لم يقل كريستوفر شيًئ ا واقترب من ماثيو" .مات" ،همس وهو يمسك بذراعه ويضغط عليها بقوة" .السيدات يرغبن في البقاء
بمفردهن ،واآلن بعد أن فكرت في األمر ،لدي ما أقوله لك .انه مهم جدا ".لقد سحبه من ذراعه ،لكن ماثيو تملص من حريته ،ودون
.أن يبالي بالخطر – والسخافة – ركض لالختباء خلف لوسي
".قال بينما كان كريستوفر ينظر إليه بصمت يعده بمستقبل مؤلم" :آنسة إدواردز ،أخبريه أنني ال أزعجك من فضلك
ضحكت لوسي وأعطت كريستوفر نظرة انتقادية .وبخته قائلة" :يا سيد دافنبورت ،أنت فظيع"" .ابن عمك هو شاب مبهج بشكل
".إيجابي
.كان يعتقد أن البهجة اإليجابية ستكسبه ضربة جيدة ،لكنه قرر بحكمة أن يظل هادًئ ا .لكن متى لم يفعل الشيء نفسه
قال" :أبلغني ابن عمي اليوم أنه سيتزوجك قريًبا جًد ا يا آنسة تشامبيون"" .أردت مقابلتك على الفور ،لكنه لم يرغب في اصطحابي
".معه ،لذلك قررت أن آتي وحدي
".تمتمت آنا" :هذا أمر منطقي
ما هو المنطقي؟ هل جئت وحدي أم أنه لم يرغب في اصطحابي معه؟ لم يمنحها الوقت للرد — لكن آنا بدت مندهشة للغاية لدرجة "
أنها ربما لم تكن قادرة على قول الكثير — وتابع« :الحقيقة هي يا سيداتي ،أنني لم أؤمن بإمكانية وجود شيء .فتاة مستعدة لتحمله
على وجه األرض كله .لذلك أسرعت إلى هنا لمعرفة ما الذي يمكن أن يدفع فتاة صغيرة تتمتع بكامل قواها العقلية إلى الزواج من
.مثل هذا الشخص الفاسد
"!يا للقرف" .ماثيو
”.اهدأ يا كريس .أنا لست قلًق ا من أنني سأسيء إلى اآلنسة تشامبيون .أي شخص يقرر الزواج منك يجب أن يتمتع بروح الدعابة"
ضحكت لوسي ،وحتى آنا ابتسمت ،بالرغم من تصلبها" .ال تقلق يا سيد . . .دافنبورت ".بدا أنها تعاني من مشاكل ،وأعطتها بعض
".السعال" .في الواقع ،هذا سؤال قد يطرحه أي شخص
شعر كريستوفر بالغضب المتزايد بداخله .ذكاء ابن عمه كان في غير محله هنا .ألم يالحظ أن آنا لم تكن مستمتعة على اإلطالق؟
.كان يظنه أذكى من ذلك
وبدًال من ذلك بدا أن متى لم يالحظ توترها وال شحوبها غير الطبيعي ،فسألها مرة أخرى" :هل من الممكن أنه استغلك في لحظة
"ضعف ليجعلك تقبلين؟
.رمشت آنا عينيها ،ولم تعرف كيف ترد .ولحسن الحظ ،أخرجتها لوسي من هذا الوضع المحرج
فقاطعتها قائلة" :اآلن بعد أن فكرت في األمر يا سيد دافنبورت ،كانت آنا مريضة حتى قبل يومين ،ثم كانت مخطوبة البن عمك .هل
تعتقد أن الحمى التي تعاني منها قد أضعفتها إلى هذا الحد ،في رأيك؟
"لست متأكد .انه ممكن .كم كان ارتفاعها؟"
".يبدو أنها عالية بما فيه الكفاية ،ألنها لم تنهض من السرير لعدة أيام"
أوه ،لم يكن شيًئ ا "،تمتمت آنا وقد أصبح لونها شاحًبا .قال كريستوفر لنفسه ،إذا استمرت على هذا النحو ،فسوف تختفي أمام عيني "
!مباشرة .لكن أال يدرك هذان الشخصان المعاناة التي تعيشها آنا؟ يا له من زوجين من الحمقى غير حساسين
آنا ،ماذا تقصدين ،ال شيء؟" اعترضت لوسي وهي مندهشة" .نورا هددتني بالسكين عندما حاولت االلتفاف حولها لرؤيتك في "
".غرفتك
.نورا .نورا وملعقتها الخشبية المزعجة .كريستوفر ،الذي تذكر ذلك جيًد ا ،فهم تماًما الحالة الذهنية لآلنسة إدواردز
حًق ا؟" سأل ماثيو ،كما لو كان غارًق ا في أفكاره ،والتفت ببطء نحو آنا .وعلى الرغم من استمراره في االبتسام ،إال أنه يبدو أن وجهه"
تغير فجأة ،وشعر كريستوفر بأول عالمات الخطر .كان ماثيو أكثر ذكاًء من ذلك ،بعد كل شيء" .كنت تشعرين بالمرض لدرجة أنك
"ال ترغبين في استقبال الزوار ،يا آنسة تشامبيون؟
".أوه ،ال شيء خطير يا سيدي ".أعطت ضحكة خفيفة" .ال شئ خطير .حًقا"
ماثيو ،يجب أن نذهب اآلن ".اقترب كريستوفر منه وأمسكه من ذراعه .لم يحتج ابن عمه ،وهذا – على عكس ما بدا – لم يكن "
.عالمة جيدة
قالت لوسي" :لقد كان من دواعي سروري الحقيقي أن أتعرف عليك يا سيد دافنبورت"" .آمل أن أراكم مرة أخرى قريبا جدا .الجمعة
.القادمة ،أوعدني أنك ستأتي إلى الحفلة في منزلي
بالتأكيد يا آنسة إدواردز .واآلن بعد أن حظيت بشرف مقابلتك ،ال شيء يمكن أن يمنعني .وأود أن أسألك شيًئ ا أخيًر ا قبل أن أذهب«.
تقدم نحوها وهمس بشيء في أذنها .ضحكت لوسي وهزت رأسها ،ثم تمتمت بشيء ردًا على ذلك .ابتسم ماثيو وهو يستمع .لكن
عينيه ظلتا جديتين .قال بصوت عاٍل " :أنا أفهم"" .يجب أن يكون القرب من ابن عمي ،إذن .إنه يميل إلى أن يكون له هذا التأثير
"—
. . ".ماثيو"
"لنذهب إذا .اآلنسة تشامبيون ،هل تتفضلين بمرافقتنا إلى الباب؟"
".سارع كريستوفر للتدخل" .هذا ليس ضروريا على اإلطالق
".من فضلك "،توسل إليها ماثيو بابتسامة متوترة" .فقط بضع ثواٍن أخرى في شركتك قبل أن تتركني وحدي معه"
.مات ،يا له من شيطان . . .؟" توقف عن الحديث ألن لوسي كانت تنظر إليه في حيرة"
".أجابت آنا" :بالطبع يا سيد دافنبورت ،سأرافقك بكل سرور"" .ستكون مجرد لحظة ،لوسي
.توجه ثالثتهم نحو الباب ،ووصلوا إليه بصمت .فتحها كريستوفر بسرعة" .اآلنسة تشامبيون "،قال وهو يغادرها
".رفع ماثيو الحاجب" .أنت تسميها" ملكة جمال البطل " "،كريس " .رومانسي جًد ا منك
".ماثيو ،أنت حقا تذهب بعيدا جدا"
".ويبدو أن ابن العم مقتنع بذلك .قال أخيرًا" :جيد"" .لنذهب إذا .يا آنسة ،لقد كان من دواعي سروري
لقد رحلوا .ذهبت آنا لتغلق الباب ،لكن ماثيو ،دار حوله ،ووضع يده عليه وأبقاه مفتوًح ا .قال كما لو كان بالصدفة" :آه ،لقد تذكرت
للتو شيًئ ا مضحًك ا"" .لقد قلت أنك مريض ،أليس كذلك؟ "مريضة جًد ا" – أغمض عينيه في منتصف الطريق وحدق بها باهتمام –
"".حتى أنك لم تتمكني من مغادرة غرفتك
"-أوه ،لكنه كان"
قال وهو ينهي جملته بلطف" :لم يكن هناك شيء ،أعلم ذلك"" .هل تريد أن تعرف شيًئ ا غريًبا؟ كان لدى كريس أيًض ا مشكلة أبقت
عليه
"المنزل لعدة أيام ،ما يقرب من أسبوع .هل تجد أن هذه صدفة غريبة؟
".هذا يكفي يا ماثيو .دعنا نذهب"
".الصمت ،كريستوفر"
ربما عليه أن يمسكه من رقبته ويرميه من األمام
.الشرفة ،فكر كريستوفر .أو ربما عليه أن يمنعه من التحدث أكثر مع آنا .لكنه كان يعلم أن ذلك سيكون بال معنى ،ألن متى فهم ذلك
.الجحيم الدموي
استدار ماثيو نحو آنا ،التي كان رأسها منحنًيا .قال لها بصوت منخفض« :عليك أن تعلمي يا آنسة أنه يبدو أن ابن عمي تعرض
لهجوم قط مسعور .لقد كان مغطى بالجروح والخدوش التي ،بالمناسبة ،حسنت بشكل كبير وجهه القبيح .أطلق ضحكة صغيرة
حزينة" .أخبرني أنه تعرض لسقطة سيئة ،وإذا نظرت عن كثب يمكنك رؤية بعض الندوب عليه .أنت ال تريد أن ترفع عينيك وإلقاء
".نظرة؟ ال . . .؟ أفهم .ال تهتم
ماثيو ." . .كريستوفر لم يكمل جملته .ماذا يمكن أن يقول ،على أي حال؟"
ألقول الحقيقة ،كان هو نفسه يبدو مثل قط مسعور خالل تلك األيام "،تابع متى" .إحتدم غيظا .حًق ا يا آنسة تشامبيون ،كان يجب أن "
».تراه
نظرت آنا لألعلى ،في حيرة من أمرها .بدت مذهولة ،ولكن كان هناك شيء آخر في عينيها -ضوء ،ضوء بدا وكأنه . . ...يأمل؟
هل تعتقد أنني لم أالحظ ،كريس؟" قال ماثيو وهو يبتسم بمرارة" .وبالصدفة ،أخبرتني هذا الصباح أنك ستتزوجين .مثل هذا .دونما "
سابق إنذار ،على حين غرة ،فجأة .ال أريد أن أجرح مشاعرك يا ابن عمي العزيز ،ولكن يجب أن أعترف بأن لدي انطباع بأن
.خطيبتك تفضل أن ُتغمس في مرجل من الحساء الساخن المغلي بدًال من أن تصبح زوجتك
.حدق كريستوفر به دون أن يقول أي شيء .كانت آنا أيًض ا صامتة ،متكئة على الباب المفتوح لتتمكن من الصمود
"هللا يا كريستوفر ".كان صوت ماثيو بالكاد همًس ا ،لكنه كان همًس ا قاسًيا" .ماذا فعلت . . .؟"
OceanofPDF.com
17
.أفضل مرآة هو صديق قديم
"يا إلهي ،كريستوفر ،ماذا فعلت؟"
بدا وجه ماثيو يذبل فجأة ،كما لو أن الجلد قد علق للتو
هو -هي .لم يبق شيء من الشاب المبتهج منذ دقائق قليلة ،وبقلب مثقل التفتت آنا نحو خطيبها لترى ما إذا كانت معاناة ابن عمه قد
.أثرت عليه
.من الواضح أنه ال
كان كريستوفر عديم المشاعر ،أو باألحرى كان يبتسم" .ماثيو ،حاول أال تبكي إذا كنت تستطيع ذلك .ومنذ متى وأنت تجدف أمام
السيدات؟
.لم يكن هناك أي أثر للخجل على وجهه ،وحدقت فيه آنا ،غير مصدقة على الرغم من كل شيء
لم أصدق أنك قادر على ذلك يا كريستوفر ".ولكن في غمغمته المنخفضة والمحزنة ،بدا أن ماثيو يتحدث إلى نفسه" .أبدًا .وال حتى "
في مائة عام .أنا حقا غبي كما تقول " .ارتسمت نصف ابتسامة على وجهه ونظر إلى األسفل ،كما قد تفعل فتاة منزعجة" .لقد
ساعدتك دائًما ،وأنت تعرف ذلك .ولكن هذا كثير جًد ا ،كثيًر ا حًق ا .هل تفهم؟" رمش بعينيه ليمنع دموعه ،ونظر إليه كريستوفر بنظرة
انزعاج نافذ الصبر" .أال تفهم؟ ال؟" أصبح صوت ماثيو غاضبا" .هل تعتقد حًق ا أن ماضيك يمنحك الحق؟ ." .توقف فجأة ،كما لو
.أن مقًص ا غير مرئي قد قطع الكلمات وهو في حلقه .صدم ماثيو ،والتفت نحو آنا .يبدو أنه نسي وجودها حتى تلك اللحظة بالذات
جورج هربرت—
".أومأت آنا برأسها ،وسقطت خصلة من شعرها في عينيها" .ليس هناك ما يغفر
"أدار ماثيو رأسه نحو ابن عمه" .كريس . . .؟
".أسرع يا ماثيو .هيا بنا نذهب"
.ولم يلتفت حتى لينظر إليه
توتر فك ماثيو" .من أجل محبة هللا يا كريستوفر!" له
تحرك الصدر ألعلى وألسفل مع نفس عميق مرة ،مرتين ،ثالث مرات .وأخيرًا قال بصوت عاٍل " :أعتذر نيابًة عن ابنة عمي اآلنسة
".تشامبيون .أشعر باألسف عليه
. . .هذا يكفي!" اتخذ كريستوفر خطوة نحوه ،واقتربت آنا منه ،مستعدة لخنقه .لو أنه تجرأ على ذلك"
.رفع ماثيو يده بضجر" .دعونا نذهب إلنهاء هذه المحادثة في مكان آخر ،كريس .آنسة تشامبيون ،كان من دواعي سروري مقابلتك
"
اتصل بي آنا "،قالت باندفاع ،متأثرة .كان هذا الصبي النحيل ،الذي بدا وكأنه مراهق تقريًبا ،يقف إلى جانبها -موقف شخص "
.غريب تماًم ا -ضد شخص بدا له بمثابة أخ أكثر من كونه ابن عم
ابتسم لها ماثيو بحرارة ،وأضاءت عيناه بطريقة بدت غير حقيقية تقريًبا ،وسرعان ما أصبح مرة أخرى الشاب الصبياني الذي التقت
به في غرفة الرسم قبل بضع دقائق" .لقد أحدثت ضجة كبيرة ،أليس كذلك؟" لقد تفاخر بطريقة بارعة مستحيلة .وبنظرة ارتياح ،بدأ
".بتنعيم شعره" .يمكنك االتصال بي ماثيو ،من الواضح
أطلقت آنا ضحكة هستيرية صغيرة .فأجابت" :أنا سعيدة جًد ا بلقائك يا ماثيو" ،مدركة أنها سعيدة حًق ا .وألول مرة منذ ما يقرب من
".أسبوع ،شعرت باالرتياح قليًال" .سنرى بعضنا البعض مرة أخرى قريًبا جًد ا ،كما آمل
".تحول كريستوفر نحوهم فجأة" .ماثيو ،لن أنتظر ثانية أخرى
يبدو أنه كان يواجه مشاكل في احتواء غضبه ،حيث أصبحت عيناه الضيقتان داكنتين ،وتحولتا إلى اللون األسود تقريًبا في وضح
.النهار
)هل هو الغضب فقط؟ أم أن بداخله أيًض ا ألًما يا آنا؟(
لكن ماذا كانت تفكر؟ كان التوتر يجعلها غير منطقية ،أو ربما كانت حاجتها السخيفة إلى أن تكون قادرة على تصديق ذلك ،على
. ..الرغم من كل شيء
.يفتقد . . .آنا . . .نعم ،سنرى بعضنا البعض مرة أخرى قريًبا ،أكد ماثيو"
قبلها على يدها ،وضغط عليها بلطف بشيء يشبه المودة ،قبل أن ينزل على الدرجات الخمس للشرفة األمامية .تبعه كريستوفر
.بغضب ،دون أن يودعها أو حتى ينظر إلى الوراء
"!ركضت آنا من بعده" .كريستوفر
لم يتوقف .لقد لحقت به عن طريق الركض ،ولمسته ،وتمسكت بكمه ،ووقفت في ظل ارتفاعه المذهل .استدار كريستوفر نحوها،
.ضخًما ومخيًف ا ،لكنها كانت شجاعة
"...السيد .قالت" :دافنبورت ،إذا لمسته كثيًر ا"
"!هذه الشؤون ال تهمك يا آنسة تشامبيون"
عندما هز ذراعه بعنف ،تركتها ،وبحجم كبير على نحو غير عادي
خطوات ذهب بعيدا .كل ما كان بوسع آنا فعله هو مشاهدتهما وهما يركبان حصانيهما ويبتعدان بسرعة عبر الممر .كريستوفر
دافنبورت ضد ماثيو دافنبورت ،مع فارق طول يبلغ حوالي ثماني بوصات بين االثنين ،حسب تقديراتها بقلق .خطيبي رجل نبيل ،إذا
.كان ال يزال لدى أي شخص أي شكوك
"هل أنت معجب بها يا كريس؟"
،لقد وصلوا إلى روكفيلد بارك دون أن يتبادلوا كلمة واحدة
.أعطوا خيولهم ليوسف ،وكانوا اآلن يسيرون نحو مدخل المنزل
توقف كريستوفر ،ونظر إلى ابن عمه للتأكد من أنه لم يتعرض لضربة شمس على رأسه الغبي" .في الحب بالطبع!" أجاب بسخرية.
"".يا إلهي ،ماثيو ،يجب أن تكبر حًقا
أنت على حق .ال أعلم كيف خطرت في ذهني فكرة كهذه ".أعطى كريستوفر النظرة التي يعرفها جيًد ا .القرف .وكانت الخطبة على"
وشك أن تبدأ" .الجحيم الدامي ،دعنا ننتهي من األمر يا كريستوفر!" صرخ بالتأكيد بصوت أعلى من المعتاد" .أنت مدين لي
".بتفسير
".أجاب بتوتر" :أنا أحذرك يا ماثيو ،توقف عن الشعور بألم في الرقبة ،ألنني وصلت إلى نهاية صبري لهذا اليوم
لقد كان صحيحا .حرارة شهر يوليو اللعينة ،وليوبولد الذي لم يراه في اليومين الماضيين بحجة التزامات سابقة ،والمشاكل التي كان
يواجهها في العثور على عمال إلصالح
.بيت البطل – كانت هذه كل األشياء التي طغت عليه أو جعلته ينفجر
).وفكر في االبتسامة التي وجهتها إلى ماثيو ولوسي .ولكن ليس لك يا كريستوفر(
كريستوفر" .خفض متى صوته وكانت عيناه حزينتين ،مثل عيني طفل صغير يستعد للصفع" .لقد اغتصبتها بعد أن أخبرتك "
".بخطوبتها ،وهذا يجعلني شريكك بطريقة ما .يجب أن أعرف لماذا فعلت ذلك
فتح كريستوفر فمه ليتحدث – “أغلق فخك يا مات” – ولكن ما خرج كان كالتالي“ :ال أعرف! ال أعلم ،لعنة هللا!» لقد صدمه ذلك،
وحتى صوته فاجأه .بدا األمر يائًس ا جًد ا" .أنا ال أحب هذه الفتاة حتى .السيد المسيح!" لقد ركل سحابة من الغبار في الهواء .أخذ نفسا
عميقا ،ثم آخر وآخر .وضع يده على عينيه ،وحاول إبطاء تدفق الدم المجنون في عروقه .بدأ يتحدث مرة أخرى ،أكثر هدوءا" .لقد
".حدث ذلك ،وهذا كل ما في األمر يا مات .لقد حدث .أعتقد ." . .انه متوقف" .أعتقد أن كراهيتي لدانيال أجبرتني قليًال
"أجبرت يدك قليال؟" نظر إليه ماثيو بصدمة" .يا إلهي ،كريستوفر ،لقد أردت أن تثير غضب أخيك :هل هذا ما تقوله لي؟"
واعترف بأن األمر لم يكن جيًد ا على اإلطالق ،لكنه لم يكن يعرف ما حدث له قبل أسبوع .لماذا بحق الجحيم فعل ما فعله؟ أجاب
"وهو يهز كتفيه" :طبيعي ،هكذا انتهت األمور .واآلن يجب أن أتزوجها .إنه أمر كوميدي ،أال تعتقد ذلك؟
"أوه ،بالتأكيد! ويقول كوميدي! هل أنت خارج عقلك تماما؟"
رفع كريستوفر يده إلى جبهته .يا هللا ما هذا الحر وما هذا البلبلة .كان بحاجة إلى الدخول إلى الداخل ليشرب شيًئ ا بارًد ا وقوًيا ،أو
ربما قوًيا فقط" .اسمع ،ليست هناك حاجة لك لجعل هذا الوجه حزينا .سأتزوجها ،أليس كذلك؟ سأضطر إلى تحملها لبقية حياتي،
.وأود أن أقول إن هذا أكثر من مجرد عقاب كاٍف
عزيزي هللا ،كريستوفر ،ماذا تقول؟ هل تستمع لي على اإلطالق؟ " ضرب ماثيو نفسه على الهيكل بيده ليجعل كريستوفر يفهم رأيه"
!في حالته العقلية" .أنت لست قادًر ا حًق ا على التفكير ،أليس كذلك؟ هذه الفتاة خائفة منك! إنها ال تستطيع حتى أن تنظر في عينيك
أوه حًق ا؟ لم أكن قد الحظت .أجاب بتعب" :ال تضيع وقتك في الشعور باألسف عليها"" .إنها أسوأ ساحرة قابلتها في حياتي ،وإذا كان
".هناك ضحية في هذا الزواج ،فهي بالتأكيد ليست هي
.لم يستطع ماثيو أن ينطق بإجابة حتى لو حاول .فتح فمه ،ثم أغلقه مرة أخرى ،ثم فتحه مرة أخرى وأغلقه .لم يخرج شيء
.لكن عينيه كانتا تحكمان على كريستوفر .بحق الجحيم ،كانوا يحكمون عليه
لقد كانت تطلب ذلك ،في سبيل هللا!" انفجر كريستوفر" .لم تكن هناك يا ماثيو ،لكني أؤكد لك أنها استفزتني بما يتجاوز كل الحدود! "
ال أعرف ما الذي حل بي .لم أخطط لذلك ،لكنه حدث ،اللعنة ،لقد حدث .ال أستطيع أن أفعل أي شيء آخر حيال ذلك اآلن ".نظر إلى
ابن عمه بينما كان يفرك مؤخرة رقبته بيده ببطء .وأكد له بصوت خافت" :لن أكون زوجًا سيئًا لها"" .سأعطيها كل ما تريد .يجب
.أن تصدقني يا مات
ولكن كريس ،ماذا تقول؟" سأله دون أن يكون هناك غضب ،بل اآلن واأللم في عينيه" .أنت ال تدرك كيف ستكون حياتك ،إذا "
"...أحبت
".ديمرسي؟" قال وهو ينهي جملته بسخرية" .بالتأكيد ،كانت ستكون سعيدة معه بالطبع"
"!أنت تعلم جيًد ا أن دانيال ليس مثل والده كريستوفر"
حسًن ا ،خذ جانبه إذن!" فجأة رفع ذراعه ،مشيرًا إلى أسفل الممر بغضب شديد مثل حركاته" .اكشف له عن خطط ثأري .دع كل هذه"
"-السنوات من النضال تذهب سدى .ستفعل كل هذا من أجل آنا ،أليس كذلك؟ بينما
ولكن كيف يمكنك أن تقول مثل هذا الشيء؟" قاطع ماثيو بشكل محموم" .أنت تعلم أنني لن أخونك أبًد ا! ولكن ما قمت به ال يغتفر" ،
ويجب أن تعرف ذلك! يجب عليك أن تطلب المغفرة من هذه الفتاة! " وأشار ليشدد على كالمه ليقنعه ،بنفس يأس من يرى صديقه
"يغرق فيمد يده ليراه يغرق في البحر" .عزيزي هللا ،متى أصبحت بهذه القسوة؟
أنا مثل هذا" .أنت الشخص الذي لم يرد أن يفهم ذلك أبًد ا" ،أجاب كريستوفر ،وقد أصبح هادًئ ا فجأة .تم إخماد غضبه بسبب المرارة "
الشديدة التي أثقلت كاهله ،لدرجة أنه شعر بحاجة ال تصدق إلى االستلقاء" .لكن ربما اآلن سأقنعك بهذا ،وسوف تندم على عدم تركي
".في تلك الحديقة منذ عشرين عاًما
أصابت هذه المالحظة ماثيو بشدة لدرجة أنه كان يعتقد أنه من الممكن رؤية آثار الصفعة على وجهه .قال بصوت منخفض" :أنت
حًق ا خنزير يا كريستوفر"" .إنها ضربة منخفضة ،وأنت تعرف ذلك ".بالطبع كان يعرف ذلك ويقول ذلك عمدا .وقد نجح األمر :فقد
خفت النظرة على وجه ماثيو" .كريس ،استمع ." . .ابتلع ونظر إليه بشكل غير مريح" .أنا آسف لقول ذلك في منزل اآلنسة
".تشامبيون في وقت سابق
نظر إليه كريستوفر بعينيه نصف مغلقة .لقد انتهى األمر؛ انتهت الخطبة ،على األقل لهذا اليوم .أجاب بعد دقيقة كاملة من الصمت،
"ال أريد أن أتحدث عن األمر بعد اآلن يا ماثيو" ،ثم توجه نحو المنزل دون أن يقول أي شيء آخر .تبعته خطوات ابن عمه الناعمة،
.لكنه لم يحاول اللحاق به
من السهل جًد ا التالعب بك يا مات ،فكر كريستوفر وهو يسير عبر المدخل األمامي لروكفيلد ويمر عبر الغرف الفاخرة ،التي كانت
كبيرة جًد ا .هذه هي المشكلة مع األشخاص مثلك الذين لديهم قلوب رقيقة :من غير المجدي استخدام العنف ،ألنه أكثر من كاٍف
للتحدث معك عن الصداقة والحب وغيرها من الهراء من هذا القبيل ،وعلى الفور تتراجع .لقد كان ماثيو دائًما شخًص ا جيًد ا ،حتى
عندما كان صغيًر ا" .وأنت لم تتغير على اإلطالق منذ عشرين عاًم ا" ،قال ذلك بازدراء ساخر .أنت ال تزال كما هي ،نفس األحمق
الواثق من ذلك الوقت .الوقت لم يجعل ماثيو قاسًيا – بالتأكيد ال .لكن ذلك زاد من صالبة كريستوفر ،وكان ابن عمه على حق في
ذلك .وكان ذلك أمًر ا جيًد ا ،ألن كريستوفر لم يعد ضعيًف ا وال ضحية دموية .لم يعد الطفل الصغير الذي هرب من بيت الدعارة في
.كوفنت جاردن
)ليس من بيت دعارة كوفنت جاردن ،كريستوفر .من يد برنارد جونز .هل تتذكر برنارد ،كريستوفر؟ برنارد الغول؟(
لقد تذكر كل ذلك بوضوح مدهش .العربة األنيقة التي صعدوا إليها بعد مغادرة بيت الدعارة .الحوذي عديم التعبير الذي فتح لهم
األبواب .وبرنارد الذي لم يعد قادرًا على االنتظار حتى توقفت العربة بسبب شيء ما يسد الشارع" .هل تريد أن ترى شيئا؟" لقد سأل
.كريستوفر ،وبدا أن سؤاله المتحّمس يتردد صداه داخل العربة مثل جندب مجنون
"لم يتمكن من رؤية أي شيء من نافذة العربة الصغيرة ،على الرغم من أن كريستوفر ظل ينظر إلى الخارج" .ماذا؟
".كانت يد برنارد اليسرى تالمس بنطاله" .لدي هنا .اقترب .سأظهر لك
لكن كريستوفر لم يستطع التحرك .لماذا شعر بهذا الذعر الغامض الذي ينخره في حفرة معدته؟ كان يعتقد أن كل هذا يبدو غريًبا
للغاية ،وبدا برنارد غريًبا بالتأكيد ،أليس كذلك؟ "ال أريد أن أرى ذلك ،الشيء الخاص بك ".كان يدفع باتجاه باب العربة .كان الهواء
.في الداخل هناك تفوح منه رائحة العرق ،وكان هناك أيًض ا لمحة من رائحة أخرى لم تكن ملحوظة ،رائحة حلوة وسكرية
تعال اآلن ،ال تكن سيئا ".حرك الغول يده على ذبابة بنطاله ،وخرج صوته على شكل دفعات صغيرة بال نفس" .سأعطيك الحلوى" ،
كيًس ا من الحلوى ".مد يده نحوه -يد لزجة ،بأصابع بيضاء مثل الديدان السمينة -وأمسك كريستوفر من شعره ،وسحبه إلى هناك إلى
.أسفل ،نحو بطنه الممتلئ
"!ترك لي"
.تملص كريستوفر كالثعبان وعض يده ،ومأل فمه بالدم والعرق
آه! نذل!" أمسك برنارد بيده الجريحة بيده األخرى ،وأصيب بالذهول ،كما لو أنه تعرض لإلهانة ،ووجهه العبوس على وشك "
البكاء .متجاهًال ألمه ،فتح كريستوفر باب العربة ،وقفز إلى الشارع ،وركض بأسرع ما يمكن دون النظر إلى الوراء .ربما كان هناك
من يتبعه؛ لم يكن يعرف على وجه اليقين .كما أنه لم يكن يعرف إلى أين هو ذاهب أو من يطلب المساعدة .كان يعلم فقط أنه كان
عليه أن يهرب ،وركض بعيًد ا لدرجة أنه شعر بأن قلبه سينفجر -ركض بسرعة مذهلة .أمضى الليلة في جرين بارك ،وفي اليوم
.التالي التقى بماثيو ،وطلب ماثيو من والدته أن تأخذه معهم إلى المنزل
.وكانت والدته قد قالت ال
تدحرجت آنا من جانب واحد من السرير إلى الجانب اآلخر .لقد انزلقت الورقة الخفيفة من إحدى الزوايا ،وكشفت عن قدم .انقلبت
منزعجة ،ثم استدارت مرة أخرى ،ثم شخرت وجلست ،وتركت المالءة تسقط على األرض .نهضت من السرير ومضت باتجاه
النافذة ،دافعة الستارة الثقيلة إلى الجانب .كان القمر في طريقه إلى االنخفاض وبالكاد يضيء الممر الذي تصطف على جانبيه
األشجار ومقعد الحديقة .كانت األرجوحة تتحرك ببطء في النسيم الخفيف ،كما لو أن أ
قررت كائنات الليل أن تلعب هناك في تلك الليلة ،متمايلة في ضوء القمر األثيري الشاحب .عندما كانت طفلة ،اعتقدت آنا أن هذا
العفريت قد يكون سيسيلي ،أختها الصغيرة التي نجت بالكاد لمدة عام واحد .ظلت والدة آنا صامتة لعدة أشهر بعد وفاة سيسيلي،
وشعرت آنا بالوحدة والحزن في المنزل ،الذي فقد فجأة الفرح .لقد شعرت بالحاجة إلى صديقة ،وبدأت تتحدث مع سيسيلي كما لو
كانت ذات حضور حقيقي .يا لها من ضحكة ،وأي ألعاب لعبت ،وأي سباقات خاضتها مع أختها الصغيرة في تلك الغرف الفارغة من
المنزل! ثم التقت بلوسي عندما كانت في السابعة من عمرها ،وما زالت تعتقد أن سيسيلي هي التي جمعتهما مًع ا في ذلك اليوم
الممطر منذ فترة طويلة في الحقل بين منزليهما .ومنذ ذلك الحين ،لم تعد سيسلي مرة أخرى لزيارة آنا ،ولكن حتى اآلن ،بعد اثني
.عشر عاًما تقريًبا ،حاولت التجسس على الوجود المؤذي ألختها
غمرت األفكار عقلها ،وكانت ألول مرة أفكاًر ا أعطتها بعض الشجاعة للمستقبل .وأعتقد أنني ال أريد مقابلة ماثيو دافنبورت .كانت
تعرف ،مثل أي شخص آخر في القرية ،أنه يعيش مع كريستوفر ،على الرغم من أنه غالًبا ما كان بعيًد ا للعمل .بدت لها فكرة مقابلة
دافنبورت أخرى أمًر ا بغيًض ا لدرجة أنها كانت تأمل أال يحدث ذلك أبًد ا .لكن متى أظهر صفات بشرية ،على عكس ابن عمه.
:ابتسمت وهي تتذكر الرسالة التي أرسلها بعد ظهر ذلك اليوم
،عزيزتي آنا
لقد الحظت قلقك هذا الصباح وأنا أكتب ألطمئنك :ما زلت على حالي .لقد رفض كريستوفر تحديي ،مما أثار خيبة أملي كثيًر ا؛ لم
أخسر قتااًل معه مطلًق ا ،وأؤكد لك أنه في الماضي أصيب وجهي بقبضته بشكل خطير ،مما ترك خدوًش ا خفيفة أكثر من مرة كانت
).مرئية عدة مرات بالعين المجردة (إذا حاول المرء فقط أن يفعل ذلك حًق ا) فحصها بعناية
عزيزتي آنا ،هذه الكلمات ال يمكن أن تعبر عن مدى سعادتي بلقائك .أتمنى أن أراك مجدًد ا قريًبا جًد ا ،ربما في منزل صديقتك
.المحبوبة ،يوم الجمعة المقبل
،وديا
ماثيو دافنبورت
كان لدى آنا عيون جافة .لم تكن ترغب في البكاء ،ليس كما تفعل كل ليلة ،إذ كان يطاردها الظهيرة الرهيبة التي حدثت قبل ستة أيام.
كانت ذكرى ذلك النفس الساخن على رقبتها والصوت المتمّلق لذلك الغازي بداخلها ترافقها دائًما ،مثل الظل .هزت رأسها لتجنب
التفكير في األمر اآلن .كان عليها أن تتصرف ،ونقطة البداية يمكن أن تكون ما اكتشفته هذا الصباح ،تلك العبارة المبهمة" :ماضيك
...". . ".ال يمنحك الحق في
.افعل ما تريد" ،فكرت وهي تنهي الجملة" . . .
ماذا حدث لكريستوفر؟ ما الذي جعله قاسًيا إلى هذا الحد ،ومقتنًع ا جًد ا بأنه يستطيع التصرف خارج حدود أي أخالق؟ وقررت أنها
سوف تكتشف ذلك .كان من المؤسف أنها لم تستطع أن تطلب المساعدة من لوسي .لقد كانا مًع ا ال يهزمان في حل األلغاز الكبيرة
والصغيرة ،مثل اللغز األول الذي حلوه ،سر المجرفة المسروقة التي تركت في الشمس ،والغموض الذي ال ُينسى قبل ثالثة أسابيع
فقط ،البودنج المختفي -أو من ترك روزماري مع ال شيء لألكل؟
مضاءة بالقمر الصغير ،الذي ألقى ضوًءا شاحًبا جديًد ا على تذكاراتها ،قامت آنا بتقويم ظهرها .قالت لنفسها إن الخطوة األولى
لمعرفة ذلك هي ماثيو .ربما اآلن بعد أن عرف ما يمكن أن تفعله ابنة عمه ،سيدير ظهره له ليصبح حليًف ا لها .وربما بمساعدته
.سينتهي حفل الزفاف .وإذا اكتشفت شيًئ ا يمكن أن يدمرك يا خطيبي الخسيس فلن أتردد في استخدامه
OceanofPDF.com
18
.ما في االسم؟ تلك التي نسميها وردة بأي اسم آخر ستكون رائحتها حلوة
وليام شكسبير-
"ما اسم حصانك؟"
أجاب كريستوفر" :ليس له اسم يا جريس" .في الحقيقة ماذا
".ربما يكون األمر أكثر غباًء من إعطاء اسم للحصان؟ وأضاف بلطف" :أنتم أيها األطفال يمكنكم أن تقرروا ما إذا كنتم تريدون ذلك
كان في مطبخ منزل البطل في زيارته اإللزامية لخطيبته .لم تعجب آنا بهذه الزيارات على اإلطالق ،وكان كريستوفر على علم
بذلك ،لكن لم يكن من الممكن تجنب الحفاظ على مظهر الخطوبة المثالية .وعلى أية حال ،لم يكن بوسعه إال أن يأتي ،ألنه كان
بحاجة إلى مراقبة أعمال التجديد التي تتم في الكوخ .من المؤكد أن السيد تشامبيون لم يستطع االهتمام باألمر ،وفيما يتعلق بفكرة
ترك األمر آلنا -والتي كان رد فعله عليها بـ "سخيفة!" عندما عرضت عليه ذلك قبل يومين ،لم يكن قد فكر في األمر حتى .من
.المؤكد أن النساء ال يعرفن شيًئ ا عن مثل هذه األشياء
.هل نسميه نومينون؟" اقترح أنتوني"
.نومينون؟ تساءل كريستوفر في حيرة
.ال "،ردت غريس مع عبوس متسلط على وجهها الصغير المستدير"
"!دعونا نسميه باسل"
"وماذا عن فارتي؟" قال دينيس" .هل فارتي ليس جيًد ا؟"
قالت آنا ،التي كانت تجلس وتخيط شيًئ ا ما بالقرب من النافذة ،بهدوء" :أنا أفعل ذلك
".ال أعتقد أن فارتي يبدو لطيًفا جًد ا بالنسبة السم
التفت كريستوفر نحوها بصدمة .عندما كانا في نفس الغرفة ،تحدثت آنا معه بأقل قدر ممكن -فقط عن التقدم المحرز في العمل في
المنزل واألشياء العملية -واستخدمت كلمات قليلة جًد ا ،وأظهرت قدرة رائعة على اإليجاز عندما أرادت ذلك . .في الواقع ،عندما
كانت مع اآلخرين ،بدا أنها ال تستطيع أن تكون هادئة أبًد ا .في ذلك اليوم لم تكن آنا قد نظرت إليه حتى .إذا شاركت ،فمن المؤكد أن
.ذلك كان بسبب الحصان وليس بسببه
كان رأسها منحنًيا فوق فستان صغير باللونين الوردي واألخضر بينما كانت تخيط جيًبا ممزًق ا .كانت يداها شاحبتين وسريعة
تتحركان برشاقة ،كما لو أن دفع اإلبرة عبر القماش يتطلب لمسة رقيقة .أشرق عليها الضوء الذي جاء من نافذة المطبخ .الفستان
األبيض الذي كانت ترتديه عانق جسدها .بدا أن كريستوفر يشعر بدفئها ،كما لو كانت بجواره مباشرة -أو تحته -وليس عبر
.الغرفة .كان صامتا ،بالكاد يتنفس
.إذن ،المقدمة إذن؟" قال أنتوني وهو يحاول مرة أخرى"
رمش كريستوفر والتفت إلى الصبي الصغير .اعترف قائًال« :يبدو األمر جيًد ا ،لكنك تفهم أن مناداته باسم ال أفهمه قد يوقعني في
مشكلة .ماذا لو سألني أحدهم ماذا يعني ذلك؟
أستطيع أن أشرح ذلك ".رفع أنتوني الكتاب الذي كان يقرأه وأظهر له الكلمة الموجودة على الغالف ،وإذا كان هذا هو العنوان ،فإن"
!كريستوفر لم يرغب في معرفة األشياء الفظيعة التي يمكن أن تكون كامنة بداخله .يا لها من عائلة من المجانين
أجاب وهو يلقي نظرة مضطربة على الكتاب" :ربما يمكنك أن تشرح لي ذلك بالطبع" .وأضاف بنبرة حاسمة« :أو يمكن أن نسميه
».باسيل
.صفقت جريس بيديها ،لكن يبدو أن االثنين اآلخرين لم يرغبا في شيء من هذا القبيل ،فبدأا في الجدال وضرب بعضهما البعض
"!مقدمة"
ماذا عن فارتيبيت؟ ألنها ذات رائحة كريهة قليًال ،أليس كذلك؟" تنهد كريستوفر ورفع يديه .لقد سارع إلى تهدئتهم"
المزاج .وأكد لهم" :ال تقلقوا"" .قريًبا سيكون لديك ثالثة خيول ،يمكنك أن تطلق عليها جميع األسماء التي تريدها ".كان هذا صحيًح ا:
.كان العمل في اإلسطبالت يتقدم بسرعة ،وستصل الخيول والعربة التي ستستخدمها عائلة البطل في غضون أيام قليلة
.بدا أن هذا التكتيك ناجح ،ألن أنتوني ودينيس توقفا عن الجدال بعد عدة تبادالت للكلمات األخيرة وبعض الكلمات األخيرة
إهانات خيالية
".لقد تقرر .قال كريستوفر وهو يراقب" :سُيطلق عليه اسم باسيل"
األطفال الثالثة يهدئون أنفسهم .في ذلك الصباح ،وألول مرة ،بدا أن كل شيء يسير في االتجاه الصحيح :حتى نورا اقتصرت على
بضع نقرات تحت أنفاسها ،وأمسكت بالسكين مرة واحدة فقط -وليس الستخدامها ضده بل لتقشيرها .بطاطا" .هل تريد أن تأخذه في
.جولة؟" ثم اقترح أن يقودهم إلى الخارج
.يا له من خطأ كبير
".نظرت خطيبته المروعة فجأة إلى األعلى .قالت" :إنها ليست لعبة يا أطفال"" .اتركوا باسيل وشأنه
".يا إلهي ،لم يكن من الممكن أن تكون ضده حتى في هذا؟ ودعا" :هيا يا أطفال" .أرادت القتال؟ سيعطيها واحدة" .يأتي
.لقد غادر بسرعة حتى ال يسمع االحتجاجات المزعجة ،وركض جريس ودينيس خلفه
انضمت إليهم آنا في الخارج في المساحة المفتوحة بجوار المنزل" .دينيس! جمال!" اتصلت بهم مرة أخرى بسخط" .باسيل ليس هنا
للترفيه ".لم تتجرأ حتى على إلقاء نظرة على كريستوفر ،واقتربت من الحصان وربتت على خطمه بحنان لم يعهده منذ سنوات
.عديدة
".كان من الممكن أن يخنقها كريستوفر" .هيا يا دينيس "،صرخ" .تعال ،سأساعدك
.التفتت إليه آنا بغضب ،وشعر كريستوفر بألم مبتهج يطعنه في أمعائه .أنت تنظر إلي يا آنا .أنت تنظر إلي
".ال تناقضني يا سيد دافنبورت"
رد بحدة ،واقترب منها بما يكفي ليتمكن من الوقوف فوقها" :أنت من ال ينبغي أن تناقضني ،يا آنسة تشامبيون"" .لم أكن أعتقد أنه
".حتى هذا سوف يزعجك
.لمعت عيناها ،وتساءل كريستوفر عما إذا كانت تحاول بالصدفة حرق حاجبيه بقوة عقلها
ال يجب أن تناقش سلطتي أمام األطفال" ،هسهست دون أن تتراجع .رفعت رأسها لألعلى واحمرت خدودها .بدت شفتيها أكثر "
.احمراًر ا من أي وقت مضى
".تمتم قائًال" :أنت تعلم جيًد ا أنني سأفعل ذلك
لقد اقترب منها كثيًر ا لدرجة أنه كان يلمسها تقريًبا .آنا لم تتحرك .خطا خطوة صغيرة أخرى ،فالمست سترته فستانها وصدرها
.الناعم
.زمام األمور ،مما جعله يمشي ببطء في بعض الدوائر الصغيرة في المنطقة الصخرية المحصورة أمامهم
".أكثر Fartybitقال دينيس" :كان يحب
حًق ا؟" نظر إلى ساعة جيبه وأدرك ،مما أصابه بخيبة أمل كبيرة ،أنه تأخر عن موعده األول في اليوم -متأخر بشكل ال يصدق .قال"
".له" :دينيس ،مرة أخرى ،وهذا يكفي
".قال الصبي بطاعة" :حسًن ا
لم يكن من المتوقع تماًما أن يكون مطيًع ا ويقول الحقيقة ،على الرغم من أنه ربما كان خائًفا جًد ا من كريستوفر لدرجة أنه لم يتمكن
من الدخول في نوبة غضب .لم يقل دينيس كلمة واحدة عندما أعاده كريستوفر إلى المنزل بعد فترة قصيرة .في الداخل ،قال
كريستوفر وداًع ا للسيد تشامبيون واألطفال وحتى نورا .لكنه لم ير آنا ،التي كانت بال شك متحصنة في زاوية ما ،حيث كان
.كريستوفر يعلم أنها ستبقى هناك طوال فترة وجوده
ورغم تأخره ،بقي في الفناء يلقي نظرة أخيرة على نوافذ المنزل .ربما كان هناك ظل خلف إحدى نوافذ الطابق العلوي ،لكنه لم
يستطع الجزم بذلك .كان هذا هو ما حدث لهذا اليوم :لقد انتهى عمله الروتيني الممل ،ولن يضطر إلى رؤية خطيبته التي ال تطاق
.مرة أخرى حتى اليوم التالي
لقد تسلق على باسيل ،الذي كان كريستوفر متأكًد ا من أنه يحب اسمه ،وهو يسخر من هذا الصبي الصغير الحنون الحاقد .وقبل أن
حًق ا؟" سأله .ولم يكن غريًبا أن يوجه هذه الكلمات القليلة إلى حصانه Fartybitيغادر ،ربت على رقبته شكرًا له" .هل كنت تفضل
".القوي الفخور الذي تبعه طوال السنوات الثالث الماضية بمودة خجولة .لكن الحصان لم يرد قط" .أو ربما كنت ترغب في شيء ما
حفز باسيل بخفة ،وبدأ في الهرولة قبل أن يتحرك بشكل أسرع وفي النهاية يركض .لم يبد مستاًء من االسم الذي ُأطلق عليه ،وال من
.عدم قدرته على اختياره لنفسه
)عالوة على ذلك ،ال يحق ألحد أن يختار اسمه .أليس كذلك يا كريستوفر؟(
قال له والد ماثيو ،فرانك ،عندما رحب به في منزلهما" :سنقول أنك ابن ابن عمي ،مارك دافنبورت ،وزوجته إيزابيال ،اللذين توفيا
قبل عامين في جزر الهند الغربية" .قبل ثالثة أيام فقط ،هرب كريستوفر من برنارد ،وتجول في جميع أنحاء لندن دون أن يأكل شيًئ ا
تقريًبا .قبل ثالثة أيام فقط ،قامت السيدة دافنبورت بسحب ماثيو بعيًد ا عن الحديقة ،وهي تصرخ بأنها لن تسمح لكريستوفر أبًد ا
.بالدخول إلى منزلها وأن ماثيو لن يراه مرة أخرى أبًد ا
.قبل ثالثة أيام فقط كان اسمه كريستوفر سميث
األمور تتغير في ثالثة أيام .في بعض األحيان يتغيرون حتى في ثالث دقائق .ويمكن أن يتغير االسم األخير بسرعة أكبر ،ألنه ليس
.أكثر من سلسلة من الحروف مرتبة واحدة تلو األخرى
.دافنبورت
وهكذا قرروا ،وهكذا كان األمر ،لكن كريستوفر أخبر نفسه أنه كان آنذاك ،وسيظل دائًما ،كريستوفر سميث ،ابن مارثا سميث .لقد
آمن بذلك اعتقاًد ا راسًخ ا ،واستمر في قول ذلك لمدة أربع سنوات ،حتى قرر أنه ليس صحيًح ا ،وأنه كان يكذب على نفسه .لم يكن
كريستوفر سميث ،ليس بعد اآلن .لقد كان كريستوفر دافنبورت ،االبن المحترم لمارك وإيزابيل .كان كريستوفر دافنبورت ،ومارثا
سميث — هذه العاهرة — لم تكن تعني له شيًئ ا؛ حتى أقل من ال شيء .تذكر الشعور الذي سببته له هذه الفكرة ،دوخة قوية جعلته
يمسك بمقبض باب العربة وهو يخرج منها .قبل دقائق قليلة من عودة كل شيء إلى طبيعته :كان في العربة مع عمته وماثيو ،وكانا
ذاهبين إلى الحالق ،كما يفعالن كل أسبوعين ،لقص شعرهما .نظر كريستوفر إلى الناس والمتاجر من خالل نافذة العربة؛ كان يجلس
متثاقاًل ،وساقه اليمنى تحت فخذه األيسر .وكان ماثيو يجلس مقابله ،وأراد أن يفعل الشيء نفسه .تذكر كريستوفر أن السيدة دافنبورت
".رفعت حاجبها" .ماثيو ،اجلس بشكل صحيح
".وضع قدميه على األرض وأطاع ابن عمه .توقفت الحافلة في شارع فليت ،وخرجت السيدة دافنبورت لتنادي ابنها" .تعال يا مات
تبعها ماثيو ،وكان كريستوفر خلفه مباشرة ،يزحف على وسادة المقعد الناعمة .لقد أمسك بمقبض الباب بينما كان يضع قدمه على
الدرج ،وتوقف للحظة لينظر حوله .كان العديد من األشخاص يسيرون على جانبي الشارع ،وينظرون بفضول إلى نوافذ المتاجر
،وأكشاك البائعين المتجولين .لقد كانت منطقة مزدحمة للغاية
حيث كان الرجال يرتدون المعاطف والقبعات ويحملون عصي المشي ،وكانت النساء يرتدين القلنسوات والقبعات الصغيرة المتقنة.
.كان ضجيج الشارع مبهًج ا وهادًئ ا وغير ضار تماًما
"!توقف أيها الحقير"
انتصب الشعر على ذراعيه ،وتقلصت معدته ،كما لو كان في ملزمة .التفت إلى يساره ،نحو األصوات القاسية غير المتوقعة،
الطفولية الغاضبة ،وكأنه يستعيد مشهدًا من حياته المنسية .كان أربعة أطفال يطاردون طفاًل آخر كان يهرب بشراسة ،لقد ركض
وركض .ال بد أنه كان في الثامنة أو التاسعة من عمره ،وكان هزياًل مثل الهيكل العظمي ،وله وجه صغير منمش وشعر بني داكن
بسبب األوساخ .كان حول رقبته مندياًل أبيض اللون ،على األقل كان أبيًض ا في السابق ،لكنه اآلن أصبح لونه قذًر ا وبيًج ا رمادًيا ال
.يوصف
"!قاتل!" كان األطفال يصرخون ،وكانوا يرشقونه بشيء ما – ربما حجارة أو قمامة" .قاتل"
.في هذه اللحظة ،تخيل كريستوفر في ذهنه أنه سمع صوًت ا يتردد .إذا كنا متأكدين من قدرتنا على التغلب عليهم ،فإننا نتوقف
. . .إذا كنا متأكدين
لكنه لم يتوقف منذ وفاة سيمون ،أليس كذلك؟ ولم يطارده أحد في الشارع منذ أربع سنوات .واآلن ذهب ليقص شعره عند الحالق.
ليس مثل هؤالء األطفال هناك ،الذين يرتدون مالبس مدمرة ويطاردون بعضهم البعض كما لو كانوا يركضون للنجاة بحياتهم؛ ليس
.مثل الصبي الذي كان مطارًد ا ،والذي بالكاد تجاوز الزاوية بحًث ا عن طريق للهروب
.بهذه الطريقة يمكننا الحصول عليهم في وقت آخر
.وقبل أن يتاح له الوقت للتفكير في األمر ،قفز من العربة ،واصطدم بكتف ماثيو .وكان ابن عمه قد سقط على األرض
.يا السماوات!" صرخت السيدة دافنبورت"
.ربما أصيب ماثيو ،لكن كريستوفر لم يكلف نفسه عناء التوقف ،حيث كان يركض بسرعة فائقة خلف عصابة األطفال
"كريستوفر!" صرخ ابن عمه قلقا" .أين . . .؟"
كريستوفر لم يسمع الباقي .وعندما انعطف إلى الطريق الجانبي — الذي كان طوياًل وضيًقا ومهجوًر ا لألسف — رأى الصبي
المنهك ذو النمش والمنديل .ربما كان على بعد مائة ياردة ،وكان األطفال األربعة في العصابة قد وصلوا إليه وأحاطوا به .أمسك به
طفالن ،كانا في نفس عمر كريستوفر تقريًبا .ووقف طفل آخر أصغر حجًما جانًبا .كان الصغير
ربما عمره أربع سنوات ،وربما شقيق أحد األوالد األكبر سنا .كان الطفل األخير ،والذي كان أطول طفل -والذي كان شاًبا حًقا -ال
بد أن يبلغ من العمر أحد عشر أو اثني عشر عاًما ويبدو أنه زعيم العصابة .كان يرتدي قميًص ا كبيًر ا جًد ا .كان نحيًف ا وعظمًيا ،وله
وجه غائر وأنف منتفخ يبدو مستديًر ا بشكل غير متناسب مقارنة ببقية جسمه النحيل .أظهر جسده النحيل قوة غير عادية ،وأخافت
.عبوسه القاسي الطفل الصغير الذي أصيب بالشلل من الخوف
.اتركني وحدي!" بكى ،والبصاق األخضر واألبيض يسيل على وجهه"
.اتركه لوحده!" صاح كريستوفر وهو يركض نحوهم"
تحولت أربعة أزواج من العيون نحوه على الفور" .ما هذا؟" توقف كريستوفر على بعد حوالي عشر ياردات منهم ،متجمًد ا أمامهم
يحدق به ،وتختفي جرأته في لحظة .وفجأة أدرك أنه وحيد في مواجهة عصابة من األطفال العنيفين والغاضبين .ماذا بحق الجحيم
سأفعله هنا؟ سوف يذبحونه .ما نوع الفكرة المجنونة التي خطرت له؟
.ماذا تريد أيها الحقير؟" سأله القائد وهو يحدق به بعينين داكنتين وغاضبتين"
شعر كريستوفر فجأة بالحاجة المهينة للتبول" .اتركه وشأنه" ،كرر ،ولكن بصوت أكثر هدوًءا ،وبصوت يبدو محرًج ا مثل صرير
.الفأر
".نظر إليه القائد بشدة" .قلها مرة أخرى أيها الوغد .لم أسمعه جيًد ا من هنا
استجمع كريستوفر كل شجاعته وحملق في األنف المنتفخ – ألن النظر في عينيه أمر غير وارد – كرر كريستوفر“ :اتركه وشأنه!
”ماذا تريد معه؟
".ما الذي يهمك؟" نظر القائد إلى مالبس كريستوفر الجميلة" .ارجع إلى أمك"
بعيون واضحة للغاية ،نظر الطفل الصغير البالغ من العمر أربع سنوات إلى كريستوفر ،مندهًش ا" .إنه ابن قاتل" ،أوضح له بصوت
خافت لطيف ،ورفع يديه في الهواء وكأنه يقول ،هذه نهاية المناقشة ،أليس كذلك؟
.ماذا بحق الجحيم يهمني؟ يعتقد كريستوفر .إذن فهو ابن قاتل" .اتركه وشأنه" ،كرر للمرة الرابعة ،وكان صوته غير مسموع تقريًبا
بدا زعيم العصابة ممزًق ا بين الركض نحو كريستوفر وإنهاء القتال مع الطفل الذي كان يضع يديه عليه" .تعال إلى هنا وقل ذلك أيها
".األحمق
ثني ركبتيه ،التقط كريستوفر حجًر ا من األرض ورفعه بيده المرتجفة .أجاب بصوت الفأر« :أنت الوغد» ،وبخوف مجنون رمى
.الحجر .من الخوف لم يصوب حتى نحو الجميع ،لكن رغم كل الظروف أصاب الحجر الصبي ،ليس بقوة كبيرة ،لكنه أصابه
آه!" فرك الصبي كتفه المصاب ،وبدا متفاجًئ ا أكثر منه جريًح ا ،لكنه نسي على الفور أمر الطفل الذي حاصروه" .لذا ،تريد أن "
"!تموت
.جون ،هل قام بأذيتك؟" سأل الصبي الصغير بعيون صافية ،وهو ينظر إلى كريستوفر بنظرة عتاب صامتة ولكنها غاضبة"
لم يرد جون ،فتراجع كريستوفر ،وقلبه ينبض بسرعة وبصوت عاٍل في صدره .كما لو كانوا يتبعون أوامر محددة ،خطى األطفال
الثالثة -وتبعهم على الفور حتى أصغرهم -خطوة إلى األمام ،وتركوا ابن القاتل ،الذي توقف عن البكاء وكان يحدق في المشهد
بعيون واسعة ومفعمة باألمل .ال يبدو أنه قادر على مساعدة كريستوفر .لم يكن قادًر ا حتى على مسح البصاق األخضر عن وجهه.
كان يتراجع إلى الوراء ،وكان كريستوفر متأكًد ا من أنه سيرحل خالل ثواٍن قليلة .لم يتبق سوى شيء واحد ليفعله كريستوفر:
.الركض
"!توقف أيها األرنب"
.بدا األطفال قريبين بشكل خطير من خلفه ،وأصبح صوت خطواتهم أعلى فأعلى
"!اآلن سوف نضربك حتى اللب ،أيها الحقير"
ركض كريستوفر بشكل أسرع .قال لنفسه :إذا تمكنت من العودة إلى عمتي وماثيو ،سأكون آمًن ا .لم يستطع أحد أن يركض بأسرع ما
.يمكن ،ولم يتمكن أحد من اللحاق به .أستطيع أن أفعل ذلك
"!توقف يا ابن العاهرة"
.مع عدم وجود حتى خمسين ياردة للذهاب إلى الشارع ،توقف ،كما لو كان مجنونا .أمامه مباشرة كانت نهاية الزقاق ،والخالص
.ال ،فكر ،والتفت نحو العصابة
لقد ظل واقفًا بينما ركض األطفال نحوه .أصابه حجر ألقاه طفل أشقر صغير في بطنه ،مما منحه أكبر متعة صادمة في حياته كلها.
!ال يضر! لقد فهم في لمح البصر .كان نهر النشوة يغلي فوقه ،ويغمر كل جزء من جسده .أستطيع التغلب عليهم
وأصابه حجر آخر في عينه اليسرى ،فتسبب له بألم ودماء ،لكن األمر لم يكن يهمه ،ألن هذا األلم لم يؤذيه .لقد مر أكثر من خمسة
عشر عاًم ا قبل أن يتمكن من فهم األمر ،لكن هذا كان -كانت هذه الحياة ،كان هذا ألًما ،ولهذا السبب لم يؤذيه .وقف ساكًن ا ،يراقب
األطفال يقتربون منه ،على بعد عشر ياردات منه ،ثم خمسة ،ثم ثالثة ،ثم توقف جون ،وفتح ذراعيه .قال بهدوء غريب" :اآلن سنقوم
".بتمزيقك أيها الحقير
وبدون صوت ألقى كريستوفر نفسه عليه .وقف الطفل األصغر جانًبا ،لكن الطفلين اآلخرين ألقوا بأنفسهم على الفور في المعركة.
وانتهى األمر بكريستوفر على األرض ،حيث تم ركله بشدة .لقد شعر باللكمات وشد شعره ،ولكن كان األمر كما لو كان بعيًد ا جًد ا،
خارًج ا عن نفسه .لقد عض وخدش وضرب مثل حيوان مجنون محاصر .حاولوا اإلمساك به ،لكنه أفلت مذعوًر ا وعنيًف ا .جعلته
اللكمة المربعة في وجهه يرى نقاًط ا مضيئة ،ولكن من خالل المراوغة كان قادًر ا على تجنب لكمة أخرى ،وشعر بقبضته تضرب
لحم شخص آخر الناعم .لقد تم صفعه مرة ،مرتين ،ثالث مرات على وجهه ،وبدأ على الفور في العض والركل ،وضرب في كل
اتجاه دون هدف واضح -فقط ضرب ،ضرب بشكل أعمى .سمع بضع صرخات حادة ،لكنه لم يكن متأكدًا من مصدرها .من ناحية
أخرى ،لم يصرخ كريستوفر ،على الرغم من تعرضه للضرب مراًر ا وتكراًر ا .وكان يضربهم أيًض ا ،وفي لحظة ما خدش وجه طفل
.كان فوقه ،وكان تحت أظافره لحم وجلد .لمس ذلك الطفل خده فالحظ أن يده كانت حمراء ولزجة بالدم .سارع بسرعة إلى قدميه
.فيل ،ماذا تفعل؟" زأر جون وهو يحاول اإلمساك بكريستوفر من ذراعيه بينما ركل كريستوفر الطفل اآلخر في ساقه"
خفض فيل رأسه في الخجل وأخذ خطوة إلى الوراء .رأى األطفال الثالثة على األرض وهم يتلوون بغضب ،ثم يتجهون نحو مدخل
الشارع .ارتجفت شفتاه ،ولمس يده مرة أخرى خده الدامي" .ال أستطيع أن أفعل هذا يا جون!" قال ،صوته متصدع" .إنها تؤلم
"!كثيرا
.أخذ خطوة أخرى إلى الوراء ،وبعد ذلك ،تخلى عن كل كرامته ،وبدأ في الهرب
.كان يهرب منه
شعر كريستوفر بنفسه يرتعش من فرحة عظيمة لدرجة أن عينيه امتألت بالدموع .سيمون ،قائدي ،اعتقد أن لكمة في معدته جعلته
!يفقد أنفاسه دفعة واحدة .تغلبت عليه! لقد تغلبت على واحد منهم
.فيل ،أين الـ-؟!" أرعد جون عندما أعطاه كريستوفر خطاًف ا يميًن ا على فمه"
.فيل!" الصبي األصغر ،الذي كان ينظر إلى المشاجرة كما لو كان مذهوال ،صاح بيأس .ثم بدأ بالبكاء وركض خلف الهارب اآلخر"
!كريس! كريستوفر"
كان كريستوفر على األرض ،يمزق خصلة من الشعر األشقر من طفل هائج .التفت ليسمع صوت ابن عمه الذي رآه عند مدخل
الشارع .لقد أوقفته السيدة دافينبورت ،التي كانت تصرخ بجانب نفسها" ،إنه جانح يا ماثيو .ال تذهب هناك! كنت أعلم أنه ال ينبغي لنا
!أن نأخذه إلى منزلنا
سقطت لكمة ،وارتطم رأس كريستوفر باألرض .وكان فوقه جون والصبي اآلخر في العصابة ،الصبي األشقر الضعيف ولكن
الشرس .من خالل الضرب ،تمكن كريستوفر من عضه لدرجة أنه كاد أن يقطع إصبعه .صرخ الصبي األشقر من األلم وهو يمسك
بيده النازفة" .سأقتلك أيها الوغد!" صرخ ،ولم يكن بعيًد ا عن الوفاء بوعده .لقد كانوا يذبحونه حًق ا ،لكن كريستوفر شعر وكأنه ملفوف
في وسادة كبيرة .اين االلم؟ تساءل .أين الخوف؟
أمسكه الصبي األشقر من ذراعيه ليثبته ،لكن كريستوفر -الذي كان يعض ويركل للدفاع عن نفسه من جون ،الذي كان ال يزال
يضربه -كان قادًر ا على التخلص منه .ألقى جون نفسه فوقه ،وبدأا في القتال ،ويتدحرجان في الشارع ويضربان بعضهما البعض
بقبضات اليد المغلقة .نهض الصبي األشقر ليدخل القتال من جديد ،لكن ابن القاتل — نعم هو الذي ظهر مرة أخرى من مكان ال
يعرفه ،ربما بعد هروبه أواًل — قفز على كتفيه من الخلف ووضع ذراعه حول رقبته .اندفع الصبي األشقر بشكل محموم ،وتمكن
.من رمي الصبي اآلخر على األرض
!وبسحبة جيدة ،تحرر ماثيو من قبضة أمه ،وبدأ بالركض نحوهم" .كريس! كريستوفر
.هيا يا جون!" صرخت االشقر" .الناس قادمون!" بعد تعرضه للضرب ،هرب دون أن يتوقف النتظار رفيقه"
جبان!" صرخ جون من األرض وهو يضغط على كريستوفر بذراعيه وهو يتلقى عدة لكمات على رأسه .لقد تمكن من التحرر "
واالنتقال إلى الجانب من خالل التدحرج بعيًد ا والوقوف على قدميه بسرعة .وكان في حالة سيئة للغاية :كان الدم يقطر من أحد
.جانبي وجهه ،وكان فمه ينزف أيًضا
.كان كريستوفر يقف على قدميه ويواجهه .فقال له" :اآلن تقدم لألمام" .ركض ابن القاتل إلى جانبه
بدا جون متردًد ا ،وألقى نظرة سريعة على ماثيو والسيدة دافنبورت ،اللذين كانا يركضان مسرعين" .سأمسك بك عندما تكون وحيًد ا
.أيها القاتل!" صرخ وأدار ظهره لهم وهرب من مكان الحادث
.هرب
وقف كريستوفر هناك ،وهو يرتجف من أعصابه ،منزعًج ا وشاحًبا ،بقبضتيه المضمومتين .لم يستطع أن يشعر باأللم الناتج عن
.جروحه أو بالدم الدافئ الذي يسيل على وجهه .قال لنفسه في حالة ذهول ال معنى له :أنا متأكد من ذلك أيها القائد .لقد تغلبت عليهم
"ركض ماثيو إليه وهو الهث" .كريس . . .؟
".استدار كريستوفر نحوه ،وتراجع ماثيو خطوة إلى الوراء ،رافًع ا ذراعيه أمامه" .كريس ،هذا أنا
لبضع لحظات لم يفهم من هو هذا الطفل – أو أين كان – أو ما يجب عليه فعله بعد ذلك .ثم عاد لحسن الحظ إلى رشده" .مات" قال
.بصوت منخفض
.وانهار على األرض
"مومياء!" صرخ ماثيو مرعوًبا راكًع ا إلى جانبه" .كريس . . .؟"
.ال تلمسه!" صرخت السيدة دافنبورت"
.أنا بخير ،مات "،قال ،وهو يهمس فقط .لكنه كان صحيحا :لقد كان بخير .أفضل مما كان عليه في أي وقت مضى"
"وانحنى عليه ابن القاتل" .مهال ،شكرا .قال له باحترام :لقد كنت قاسًيا" .أنا روبرت باريت .ما اسمك؟
.كريستوفر . . .أجاب سميث .ثم أغمض عينيه وأصبح كل شيء أسود"
OceanofPDF.com
19
أنا ال أؤيد االرتباطات الطويلة .إنها تمنح الناس فرصة اكتشاف شخصية بعضهم البعض قبل الزواج ،وهو أمر أعتقد أنه ال ينصح به
.أبًد ا
أوسكار وايلد-
أوه ،آنا .واآلن ما هو العذر الذي يمكن أن تقدمه لي الختيار هذا المشد الفظيع؟ ذهبت لوسي معها إلى صانع القبعات ،ووضعت "
على الطاولة الكبيرة عدًد ا ال يحصى من الفساتين ،والمالبس الداخلية ،وغيرها من العناصر التي ال يمكن تحديدها بسهولة في فئة
معينة .وقالت" :أنت ال تحب هذا الشيء الوردي الصغير" ،مشيرة إلى أحد األكسسوارات التي تركت على الجانب في الزاوية ويمكن
أن تكون أي شيء من مسحوق البودرة إلى بروش إلى عصفور صغير سقط من شجرة .وانتهى األمر عن طريق الخطأ على هذا
الجدول" .في الواقع ،ليس من الواضح ما الغرض منه ،أليس كذلك؟ حسًن ا ،إنه لطيف للغاية مع ذلك ،وأعتقد أنني سأأخذه من أجلي.
. . ".ومع ذلك ،آنا ،عليك أن تختاري هذه المالبس الداخلية العادية جًد ا
نظرت صاحبة القبعات إلى الشابتين ،في حالة ذهول ،كما لو أنها ال تستطيع فهم المشهد الذي أمامها .كانت هناك هاتان الفتاتان،
أليس كذلك؟ كان أحدهم أشقًر ا وكان منظره رائًع ا ،مبتهًج ا ومليًئ ا باإلثارة والذوق الرفيع .ربما كانت العروس ليكون .ال ،في الواقع.
كانت تلك هي الفتاة األخرى ،التي كانت مملة ومتجهمة بجانبها ،والتي ،مع كشرها ،رفضت جميع أجمل الفساتين في المجموعة
بأكملها وجميع قطع المالبس الداخلية األكثر إثارة لالهتمام ،فقط لتختار القطن والمالبس الداخلية .التطبيق العملي .ونعم ،السيد
دافنبورت -الذي كان ساحًر ا للغاية عندما دخل متجرها قبل أسبوع لدرجة أنها كادت أن تغمى عليها من العاطفة -ترك حساًبا
.مفتوًح ا لآلنسة شامبيون فقط
.الحب هو بالتأكيد شيء غير مفهوم ،فكرت ماري وهي تطلق تنهيدة
.اعذرني؟" سألت لوسي"
".أجابت" :ال ،ال شيء"" .سأترككما بمفردكما قليًال حتى تتمكنا من اتخاذ القرار بهدوء .سوف اعود بعد قليل
غادرت من خالل الباب الذي خرج إلى الجزء الخلفي من المحل .في الشارع كانت هناك عربات تمر بين الحين واآلخر ،وكان هناك
عدد قليل من األشخاص يسيرون على األقدام ،وينظرون إلى الداخل ،لكن كل شيء كان هادًئ ا في المتجر الذي تغمره الشمس .في
تلك اللحظة لم يكن هناك سوى لوسي وآنا ،األمر الذي أراح آنا كثيًر ا .رائحة العطر النسائي الحلوة معلقة في الهواء ،ممزوجة
.برائحة الغبار والغراء الغامضة
همست لوسي" :ال يمكنك أن تخبرني أنك ال تشعر بأي قدر من الذنب تجاه ماري المسكينة"" .مما ال شك فيه أنها سوف تغرق
"أحزانها في زجاجة الشيري التي تخفيها في الخلف .لماذا تفعل هذا؟
ابتسمت آنا" .ليس لدي أي شيء ضدها .لكن هل تبدو كل هذه األشياء المزركشة طبيعية بالنسبة لك؟ تفضلي" -التقطت فستاًن ا وردًيا
".وأبيًض ا فاتح اللون تركه على الطاولة " -انظري هنا .ولم يتمكن أحد من معرفة ذلك
تعالي اآلن يا آنا .بالطبع لن تضعه كل يوم .الى جانب ذلك ،سيكون لديك خادمة شخصية ،أليس كذلك؟ سوف تساعدك على ارتداء "
"!مالبسك و . . .أوه ،أنظر إلى هذا
.لقد سحبت فستاًن ا أزرًقا ناعًما من الكومة .كان منتفًخ ا جًد ا لدرجة أنه بدا كما لو أنه قد يطفو في أي لحظة ،ويرتفع بجنون مثل الخبز
".لوسي ،ضعي هذا الشيء جانبًا ".إبتسمت" .لست بحاجة إلى خادمة شخصية ،كما تعلمون .أحب أن أكون مستقًال"
".لكن ال يمكنك أن تكوني زوجة السيد دافنبورت بدون خادمة شخصية ،آنا! زوجك لن يوافق"
كل ما يريده ،بالطبع ،فكرت آنا .سيدة دافنبورت؟ لقد ارتجفت من الفكرة نفسها .لم يبق سوى عشرة أيام قبل الزفاف ،وكانت مشغولة
باالهتمام بأعمال المنزل ،وإعادة فتح الغرف ،ونقل األثاث والذكريات .كانت أيامها مليئة بالجري واالختيار والتحول .غالًبا ما يأتي
المساء دون أن تالحظه .أكثر لحظة كانت تخافها كل يوم كانت زيارة خطيبها .ومع ذلك ،كان األطفال ينتظرونه بفارغ الصبر،
وليس فقط بسبب الهدايا التي قدمها لهم ،بل اعترفت بألم .ال ،على الرغم من شخصيته الصارمة وحقيقة أنه لم يبتسم أبًد ا ،إال أنهم
أحبوه .لرؤية عائلتها ترحب به بشيء قريب من المودة التي تسببها
.ألمها ،وعرفت أن ذلك كان حماقة .بعد كل شيء ،كان كريستوفر يتصرف فقط كما طلبت :بأدب ولطف
هل تحب هذا الشاش؟" قالت لوسي ،وهي تدعو آنا إلى حقيقة األربطة المنتفخة -والمواد المصنوعة من الجنون ،فكرت آنا وهي "
تفكر في األشياء المحيرة الموجودة على الطاولة .ولكن من على أرض هللا الخضراء كان يظن أن يجمع هذه األقمشة بهذه الطريقة
السخيفة؟
.تعالي اآلن يا آنا ،ال تظهري هذا الوجه .ستحتاج إلى مالبس أنيقة :سيكون لديك حياة اجتماعية أكثر نشاًط ا اآلن"
ال أرى السبب ".هزت رأسها" .أنا متأكد من أن السيد دافنبورت سوف ينسجم بشكل جيد مع نفسه ".كان هذا صحيًح ا :استمر "
خطيبها في المشاركة في كل مناسبة اجتماعية تقريًبا ،لكنه لم يصر أبًد ا على رحيلها" .على أية حال ،سأكون هناك ليلة الغد ،أليس
كذلك؟ أنا متلهف جًد ا لرؤية السيد بيمبروك مرة أخرى ».وماثيو دافنبورت .لم تتمكن من نقل الحفلة في منزل لوسي ألي شيء في
العالم .لقد كانت بحاجة ماسة إلى اكتشاف شيء قد يؤدي إلى إلغاء حفل الزفاف دون التعرض لخطر االنتقام .وكان من الواضح أنها
ال تستطيع الزواج منه .حتى اآلن ،عند التفكير فيه " -صباح الخير يا آنسة تشامبيون" ،الكلمات الوحيدة التي تمتم بها لها في ذلك
الصباح -انقبض قلبها وبطنها إلى عقدة .لقد خفف األسبوع األول من خطوبتهما من مخاوفها قليًال ،لكنها لم تزول تمامًا :كيف ذلك؟
كان هذا الرجل شرًس ا للغاية ،وربما كان األمر األكثر إزعاًج ا هو أنه طويل القامة .ما حدث على العشب -تلك الصفعات القوية،
واأللم الشديد الذي أعقب ذلك ،واإلذالل الذي جعلها تعاني منه ،ببطء وصدمة -حدد شخصيته .لقد أرادها ،فأخذها ،وعلى الرغم من
تأكيده أن هذا لم يحدث له من قبل ،إال أن آنا لم تكن قادرة على تصديقه .كان لديها خوف جنوني منه .لقد أخذها حينها ،خالًف ا لكل
قانون .وتساءلت بقلق شديد ،ماذا سيفعل عندما كان زوجها ،بحقوق الزوج؟
ال ،لم تستطع الزواج منه .لم تكن تعرف عنه شيًئ ا تقريًبا ،باستثناء تعليقات السيرة الذاتية النادرة التي كانت متداولة بين أهل القرية،
والتي لم تبدد أًيا من شكوكها على اإلطالق .من هو حًق ا ،وما هو ماضيه؟ لم تسأله؛ لم تكن تريد أن تسأله .لقد حرمته حتى من
.الكلمات والنظرات
بدأت لوسي بالتنقيب في حاوية على الطاولة ،مليئة بالقطع والقطع الملونة التي تعطي انعكاسات ملونة والمعة في كل مرة يتم
تحريكها ،وأخرجت شيًئ ا يمكن أن يكون في الواقع شريًط ا عند الفحص الدقيق .منذ متى من المفترض أن تتألق الشرائط بهذا الشكل؟
تساءلت آنا .دون أن تنطق بكلمة واحدة ،وقفت هناك ،تراقب المخمل الالمع المتدلي من يدي صديقتها مثل الثعبان السام .قالت
لنفسها :إذن هذا هو المتوقع من السيدة دافنبورت .لقد اعتدنا أن نكون ملكات العالم ،هل تتذكرين يا لوسي؟ فكرت باألسف .واآلن
.أنظر إلي :أنا أشتري المالبس بأموال هذا الرجل
OceanofPDF.com
20
.ليست مساعدة أصدقائنا هي التي تساعدنا بقدر ما تساعدنا المعرفة الواثقة بأنهم سيساعدوننا
أبيقور -
"وهكذا تضمن لي أرباًح ا كبيرة يا دافنبورت؟"
مع هزة طفيفة لرأسه ،أخرج كريستوفر خصلة من الشعر من عينيه ليرى والده وجهًا لوجه بشكل أفضل .أجاب" :بالتأكيد يا سيدي".
في المرات القليلة األولى على األقل" .على أية حال ،أنت تعرفني ،وأنت
.أعلم أنني بنفسي سأستثمر في هذه الصفقة
في الغرفة الصاخبة بمنزل عائلة إدواردز ،كان الناس يسيرون
.مثل النمل يتسابق ،يتدافع للحصول على رقصة ،أو كأس ،أو قطعة حلوى من طاولة البوفيه الممتلئة
قال ليوبولد متأمًال " :بعد الحريق الذي حدث قبل بضعة أسابيع ،اعتقدت أن تجربة نوع جديد من االستثمار يمكن أن يفيدني"" .حقا
. . ".عار لعين ،هذا الحقل المحترق .يجب أن يكون ذلك المزارع
"هل تقول المزارع؟"
».حسًن ا ،نعم ،البائسون الجائعون مثل هؤالء ال يفعلون شيًئ ا سوى التمرد«
"هل تعتقد أنه فعل ذلك عن قصد ،إذن؟"
ال أعرف ،وال أهتم .ربما نسي ببساطة النار التي كان لديه"
أشعل .هؤالء الناس ليس لديهم الكثير من العقول ،كما تعلمون .يمكنهم فقط القيام بأشياء بسيطة دون أن يفهموا السبب .شخر
".وغضب" .على أية حال ،كنت سأعتقله لو لم يهرب .عليك اللعنة
في الواقع ،كان ذلك قلياًل من الحظ السيئ .من خالل رشوة القضاة ،كان ليوبولد سيتأكد من وضع هذا المزارع في السجن ولن يرى
،ضوء النهار مرة أخرى .ربما كان ماثيو هو من ساعده على الهروب بأمان
جنبا إلى جنب مع عائلته .كان ابن عمه الغبي من النوع الذي يأخذ مثل هذه األمور على محمل الجد .نعم ،لقد ساعدهم بالتأكيد على
مغادرة القرية والمقاطعة -وبسرعة؛ وربما بسرعة كبيرة لدرجة أنه لم يكن لديهم الوقت لتوديع أصدقائهم وعائالتهم .لمع وجه الفتاة
.الصغيرة التي لم تبكي وهي تواجه الحقل المحترق في ذهن كريستوفر ،ومّر ر يده على جبهته كما لو كان يمحو الفكرة المزعجة
أكد له ليوبولد قائًال" :سوف أجده ،كما تعلم"" .لن يكون قد ذهب بعيدًا ،هذا ابن العاهرة .ولهذا األمر . . .حسنًا ،دافينبورت .لقد
".أقنعتني
تم التنفيذ .لقد فعلت ذلك .اجتاحته موجة من الفرح الشديد بعنف نهر يفيض بالحجارة والذكريات ،ذكريات يتقاذفها التيار كأغصان
.مكسورة
وتابع والده" :في نهاية المطاف ،السعر المطلوب ليس مرتفًع ا ،عالوة على ذلك" -نظر إلى كريستوفر بنظرة معرفة " -أريد أن أثق
. . ".بك ألنني معجب بك يا دافنبورت .يبدو أنك الوحيد الذي يستمتع بالحياة في أرض الموتى هذه .وعن الليلة الماضية
"الليلة الماضية يا سيدي؟"
نعم ".أخفض صوته ،وهو يبتسم له بكل متعة خنزير أمام ثمرة بلوط – وكان لدى كريستوفر شعور بأنه بلوط دموي" .لقد كنت "
».حذًر ا للغاية بعد أن كنت مع تلك العاهرة . . .نعم ،ذات الشعر األحمر ذات الصدور الكبيرة
فكر كريستوفر في الفتاة ذات الوجه الجميل من بيت الدعارة في بريدجتاون .كان يعتقد أنها ال بد أن تكون في السادسة عشرة من
".عمرها .سبعة عشر على األكثر .أجاب" :بياتريس
هل تتذكر اسمها!" صاح ليوبولد بإعجاب" .أنت رومانسي حقيقي .يجب أن أعترف أنني ال أتذكر سوى مؤخرتها الجميلة .مع تعبير"
"راٍض على وجهه ،وضع يديه على وركيه" .إنها ليست مثل بيوت الدعارة في لندن ،ولكنها مخزنة بشكل جيد ،أليس كذلك؟
وافق كريستوفر بإيماءة من رأسه .كانت الفتاة التي دخلت الغرفة مع ديميرسي ،شاحبة ونحيفة ذات شعر أشقر طويل ،أصغر سًن ا
.من الفتاة التي كان معها
"وما رأيك يا دافنبورت؟" تابع ليوبولد" .هل استمتعت . . .؟"
ألجل المسيح" .بالطبع يا سيدي ".ولم يكن لديه حتى هذه الفتاة .لقد طلب منها عدم قول أي شيء لآلخرين مقابل إكرامية كبيرة.
بياتريس
نظرت إليه دون انفعال ،بعينيها الكبيرتين الواضحتين .لقد ظلوا في الغرفة يتحدثون ،وطلب كريستوفر بعض المعلومات حول بيت
الدعارة .بمجرد أن ينتهي كريستوفر من هذا الثأر مع والده ،سيكون من دواعي سرور السيدة أماريليس رؤية كريستوفر مرة أخرى،
لتعلم الدرس الذي تستحقه -كان هذا أمًر ا مؤكًد ا .وبعد حوالي عشرين دقيقة ،بعد الحد األدنى من الوقت ،غادر كريستوفر الغرفة،
.وكان ينتظر والده في الخارج ،يستنشق أنفاًس ا عميقة من الهواء حتى يصفو رأسه تحت ضوء مصابيح الشارع
قال ليوبولد" :حسًن ا"" .أنتم أيها الشباب تحتاجون إلى دليل لمتع الحياة ،أال تعتقدون ذلك؟" مر ظل على وجهه ،ونظر إلى دانيال،
الذي كان على مسافة بعيدة منهم" .متى ستعود معي؟ أوه ،عفوًا ،أضاف بسرعة بابتسامته الدموية المعتادة" ،سوف تتزوج ،وأعتقد
"أن هذه األشياء لن تهمك بعد اآلن .تلك الفتاة هناك ،صحيح؟
وأشار نحو آنا ،والتفت كريستوفر لينظر إليها .كانت تتحدث إلى ماثيو ،وضحكت بنظرة سعادة ،وحركت يديها كما لو كانت تسحب
في الهواء .كانت ترتدي ببساطة اللون األبيض والبيج .كان الفستان جديًد ا ،وقد دفع كريستوفر ثمنه .هذا الفكر جعله يشعر بالفخر
.بغباء ،وأدى اإلحساس اللطيف إلى تدفئة أسفل بطنه
"هذه آنا تشامبيون ،أليس كذلك؟"
بدا هذا االسم ،الذي قاله والده بصوت عاٍل ،وكأنه تجديف تقريًبا ،مما جعل كريستوفر يطبق قبضتيه .حاول فتحهم مرة أخرى .أنت
تعرف جيًد ا من هي ،فكر بغضب .لقد كانت مخطوبة لدانيال ،أال تتذكر؟ ثم هجرته بسرعة ،وأخبرته من يعرف القصة .لقد
اغتصبتها يا أبي ،وإذا كنت تعرف هذا ،فسوف تحبني أكثر .أجاب" :هذا صحيح" ،ونظر إليها مرة أخرى .كان ماثيو يهز رأسه،
.وبدا أن آنا فقدت لونها فجأة ،كما لو أن محادثتهما أصبحت أكثر جدية ،جدية للغاية .ماثيو ،انتبه جيًد ا لما تقوله ،فكر بعدم ارتياح
كانت آنا تنوي المضي قدًم ا في بحثها خالل المساء ،لكنها كانت تتحدث بالفعل مع ماثيو لمدة ثالث دقائق ونصف دون إحراز أي
تقدم .كان من الممكن أن يكون أي شخص متوتًر ا بحلول ذلك الوقت ،لكنها كانت تحاول عدم إظهار مدى توترها .كان كريستوفر في
زاوية الغرفة مع ليوبولد ديميرسي ،وكان يراقبها وكأنه حارس سجن .عرفت آنا أنه كان يراقبها حتى دون أن تدير رأسها نحوه ،كما
لو كان ذلك بسبب غريزة البقاء الحيوانية الغريبة .درات .كما هو الحال دائًما ،بدأ قلبها ينبض بجنون ،على الرغم من أن كريستوفر
.كان على بعد أكثر من ثالثين قدًم ا منها – يا إلهي! يجب أن أسرع قبل أن ينضم إلينا ذلك الرجل الفظيع
"ماثيو ،أنا أعرف القليل عنك "،قالت ،وغيرت الموضوع فجأة وقاطعته في منتصف الجملة" .لماذا ال تخبرني المزيد؟"
"لم ينخدع ماثيو ،وابتسم" .ماذا تريد أن تعرف عن ابنة عمي ،آنا؟
.احمر خجال ونظرت إلى أسفل
".ال تقلق "،أضاف ماثيو بأدب" .أنا أفهم موقفك .سأخبرك بما أستطيع"
يجب أن تعتبرني جباًن ا ،أعلم ذلك .وأنا كذلك ،أال ترى؟ لم تكن قادرة على كبح االرتعاش في صوتها ،وكرهت نفسها في تلك "
اللحظة .يا إلهي ،لقد كانت على وشك البكاء أمام شخص غريب :لقد ذهب كبريائها تمامًا .لقد أخذت مني أشياء كثيرة يا كريستوفر
دافنبورت" .أنا جبان حًق ا ،ألن ." . .قالت وهي تستعد لنفسها" .ماثيو ،أريد أن أسألك شيئا .قال لي ابن عمك ." . .كان من الصعب
... . .عليها أن تفكر مرة أخرى في ما قاله كريستوفر على العشب ،ألن الكثير من األفكار القاسية كانت تراودها ،و
هزت رأسها في محاولة للتخلص منهم" .أخبرني أنني إذا قررت عدم الزواج منه أو التنديد به ،فيمكنه االنتقام من عائلتي.
يكون . . .هل هذا ممكن ،هل تعتقد؟
.نظر ماثيو إلى األسفل ،وكان هذا جواًبا كافًيا بالفعل" .نعم" أجاب دون تردد
سمعت صوت قلبها يحدث داخلها صوت ارتطام كصوت سقوط حجر .وحتى ذلك كان بال معنى" .ولكن إذا كنت تعرف ما هو قادر
"عليه ،فكيف يمكنك أن تظل قريًبا منه يا ماثيو؟
. . ".وتحولت خديه إلى اللون المعروف تقنيًا بـ«األحمر العار»" .ال ،أنت ال تفهم . . .آنا
أجاب أخيًر ا" :هذا صحيح كثيًر ا"" .ولقد رأيته في جميع المواقف األكثر سخافة .حتى أنني رأيته يضحك ذات مرة ،إذا كنت تصدق
ذلك .ولكن هذه هي المرة األولى التي رأيته . . .مثله ".أومأ برأسه قليًال إلى يساره ،حيث كان كريستوفر ال يزال يتحدث مع
ليوبولد" .ال أعرف كيف أجيبك يا آنا .وال حتى أنا أعرف ".كان يفرك صدغيه بأصابعه ،كما لو كان يحاول تجميع الكلمات لتكوين
جملة يصعب نطقها .بدأ كالمه قائاًل « :اسمع ،أعلم أن ما سأقوله لك سيبدو مروًع ا ،لكن يجب أن أقوله على أية حال ،حتى لو كنت
سأبدو أسوأ مما تعتقده عني بالفعل .آنا . . .ربما مع الوقت . . .ربما يمكنك أن تجد أشياء جيدة عنه ،عن كريستوفر .إنه ليس سيًئ ا
. . ".تماًما ،صدقني .لو أمكنك قضاء بعض الوقت معه
"-على جثتي .كذبت وهي تقلب شفتيها« :يمكنني أن أفعل ذلك ،لكني بحاجة إلى معرفة المزيد يا ماثيو .أنت
يا لها من وجوه جادة "،قاطعها صوت عزيز عليها – صوت لوسي – من فوق كتفها .لقد كانت قريبة جًد ا لدرجة أنها كانت مثيرة "
.للقلق
توقفت آنا عن التنفس .إنها المرة األولى التي ال أشعر فيها بالسعادة لرؤيتها ،أدركت ذلك بنوع من التعب المفاجئ .في اآلونة
األخيرة ،كل هذه األشياء التي تحدث ألول مرة بدت لها وكأنها معاناة مؤلمة في روحها .نظرت إلى ماثيو .في الوقت الحالي،
سيتعين علي أن أستقر على هذا األمر .رسمت ابتسامة على وجهها وتوجهت نحو صديقتها .وسرعان ما نظرت إلى األسفل بشكل
.محرج :كانت لوسي مع دانيال
ابتسم ليوبولد مثل قطة تجلس على األريكة" .الزوجة ضرورة .أليس كذلك يا دافنبورت؟ ليس دائًما مصدر إزعاج ،ولكنه في الحقيقة
.ضرورة دائًما
رأى كريستوفر بطرف عينه أن دانيال قد ُقِّد م للتو إلى ماثيو وأنه أعطى آنا ابتسامة باردة .ردت عليه باالحمرار والنظرة إليه بنظرة
حزينة ومحرجة ،ورأسها مائل إلى أحد الجانبين .بدأ كريستوفر في قبض قبضتيه وإرخاءهما ،متحكًما في أنفاسه وأمر قلبه بإبطاء
.وتيرته ،في سبيل هللا
".هل توافق؟ دافنبورت؟" "قطعًا"
لقد كان من الذكاء الشديد منك أن تجد زوجة أقل منك بكثير .وسوف تكون دائما ممتنة لك .الفتيات الفقيرات هن األكثر خضوعا" .
"أليس كذلك؟
بالتأكيد ،وآنا شامبيون على وجه الخصوص .أدار نظرته بعيًد ا عنها ،ليجد ليوبولد يحدق به بما بدا أنه سخرية .قال منزعًج ا :إنه
يعتقد أنني أحبها ،كما لو كنت تلميًذ ا .وأنا من سيكسب ثقته؟ "أنت على حق "،اعترف" .الزوجة المطيعة هي كل ما أحتاجه .على أية
حال ،لمجرد أنني سأتزوج ،فهذا ال يجعل الرجل يتوقف عن كونه رجًال .هل انا على حق؟ سأعترف بأنني أفتقد بياتريس الحلوة
.بالفعل
اآلن أنت تتحدث يا دافنبورت "،قال ليوبولد ،مفعًم ا بالحيوية واالرتياح اآلن ،دون أي عالمة سخرية باقية ،كما الحظ كريستوفر" .
"".للحظة خشيت أن تكون أنت أيًض ا قد بدأت بكتابة القصائد عند غروب الشمس ،كما يفعل ابني
ضحك كريستوفر بجدية دون أن يضطر إلى إجبار نفسه .كان سماع تشويه سمعة أخيه غير الشقيق أمًر ا ممتًع ا ،اللعنة" .حقا يا
"سيدي؟
نعم بالتأكيد ".بدا ليوبولد مشتتا ،ثم أضاءت نصف ابتسامة وجهه" .حسًن ا يا دافنبورت ،ما رأيك في هذا المساء؟ أعشق القدوم إلى "
عائلة إدواردز .أفضل المشروبات الكحولية وأفضل النبيذ والطعام من الدرجة األولى .بجانب ذلك ." . .توقف مؤقًت ا وفي عينيه
"بريق كما لو كان يحب الحلويات وقد رأى للتو كعكة" .إلى جانب ذلك ،فإن السيدة إدواردز امرأة لطيفة جًد ا ،أال تعتقد ذلك؟
وقفت شعرات كريستوفر واحدة تلو األخرى ،ومنعته حالة الصدمة من اإلجابة .كان يأمل أال يكون يلهث ،لكن لو سقط في بحيرة من
.المياه الجليدية لكان من األسهل عليه أن يتنفس ،كان ذلك مؤكًد ا
".ضحك ديميرسي مستمتًع ا" :أرى أنك تفكر مثلي"" .يبدو أن بيني وبينك الكثير من األشياء المشتركة أيها الشاب
أشياء كثيرة أيها القذر .لم يرغب كريستوفر في التساؤل عما إذا كان والده قد أنجب هذه المرأة قبله أم بعده أم ال .لقد حدث ذلك مرة
واحدة فقط ،هكذا فكر وهو يحاول تهدئة الغثيان الذي يشعر به .مرة واحدة ،وهذا كل شيء .لم يكن يريد رؤيتها مرة أخرى بعد ذلك،
وحتى أنه لم يعرف السبب .ولم تتقبل لويز رفضه جيًد ا أيًض ا ،وكانت توجه إليه بعض اإلهانة بين الحين واآلخر . . .حتى في
األماكن العامة .لكن باهلل عليك أن تخبر والده! كان يأمل على األقل أنها وفرت له التفاصيل ،على الرغم من أنه شكك من ابتسامة
ليوبولد الخبيثة في أنها
لم أفعل ذلك .ال يعني ذلك أنه كان هناك الكثير مما يجب معرفته على أي حال .لقد ذهب إلى منزلها ،كما رتبوا ،وكانت تنتظره في
الحديقة .كانت األضواء مضاءة داخل المنزل ،وتردد صدى صوت البيانو -ربما لوسي وأصابعها الرخيمة على المفاتيح -طوال
الليل .عندما اقتربت لويز منه ،أخذها كريستوفر بسرعة إلى طاولة الجناح ،ورفع تنورتها دون أن ينظر إليها تقريًبا .كان يريد بشدة
أن يمحو ذكرى ذلك المساء السابق ،ذكرى اشتعلت بداخله مثل نار جهنم -ذكرى قبلة مسروقة من فتاة وقحة .لم يتمكن من التخلص
.من الذكرى بشكل جيد ،أدرك اآلن بسخرية قاتمة ،ألنه في أقل من شهر سوف يتزوج تلك الفتاة الوقحة نفسها
التفت نحوها .كانت لديها بضع خصالت من الشعر تتدلى أمام خديها الورديين والبيضاء ،وكانت تبتسم ،لكن عينيها كانتا خجولتين،
ومن الواضح أن شيًئ ا ما قد أزعجها ،ألنها أصبحت متصلبة بشكل غير طبيعي .كانت تتحدث مع دانييل ،وكان ينظر إلى وجهها ،ال،
.ليس وجهها
.شفتيها
قال" :عفوا يا ديميرسي ،يجب أن أطلب من خطيبتي أن ترقص .إنها واحدة من تلك المضايقات الضرورية للحفاظ على سالم
"األسرة .أال توافقين؟
".انا افترض ذلك"
نظر كريستوفر إلى الليدي إليانور ،زوجة ليوبولد .جلست في الزاوية مع سيدتين أخريين ،ونظرت إلى األسفل ،ولم تشارك في
المحادثة ،وبدًال من ذلك كانت ضائعة في أفكارها الخاصة .يعتقد كريستوفر أن ليوبولد لم يرقص بالتأكيد مع زوجته لسنوات عديدة.
.ربما لم يرقص معها قط
حسًن ا ،خذني لرؤية خطيبتك الجميلة ،دافنبورت ".أصبح التوهج الجائع في عيون ليوبولد أقوى" .لم أتقدم لها بعد بتهنئتي ،بعد كل "
".شيء
تهاني الخالصة على خطوبتك ،يا آنسة تشامبيون ".آنا فقط هي التي فهمت المفارقة المريرة في كلمات دانيال .لقد نظر إليها بطريقة"
تبدو مستاءة مع مثل هذه النظرة الغريبة في شفافيته
.العيون التي كانت مختلفة عنه .لقد جعلها تحمر خجًال بشدة عندما كان يحدق بإصرار وتعمد في شفتيها
".نظرت إلى األسفل ،في حيرة من أمرها" .شكًر ا لك سيد ديميرسي
"قالت لوسي" :آنا ،هل تدركين أنه يمكنك أن تكوني مرافقتي خالل ما يزيد قليًال عن أسبوع؟
".عندما يحدث ذلك "،تدخل ماثيو بابتسامة صفيقة" ،آمل أن تتركني وحدي مع صديقتك آنا"
كان لدى آنا أسباب تجعلها تنزعج من ماثيو ،وهي أسباب وجيهة في ذلك .ومع ذلك ،عندما نظرت إليه ،اكتشفت الكثير مما أدهشها
.أنها لم تستطع البقاء غاضبة منه لفترة طويلة ،خاصة وهو ينظر إليها بعينين كبيرتين بشكل ال يصدق
أجابت بابتسامة صادقة رغم نفسها" :ال تخطئوا ،سأكون صارمة للغاية"" .خاصة معك .أنت متحرر مخيف ".ضحك ماثيو بشكل
.متعجرف وهو ينفخ صدره بغطرسة
أوه ،آنا ،أنت تتابع صفقتنا تماًم ا ".التفت نحو دانيال ولوسي" .يجب أن تعلم أنه ال شيء يمكن أن يضمن نجاح شاب في المجتمع "
".أفضل من سمعة كونه ُمغوًيا خطيًر ا ،وقد توسلت إلى ابن عمي الذي سيصبح قريًبا لنشر هذه اإلشاعة
لذا فإن الشابات يحبون الخليعات .هل هاذا هو؟" سأل دانيال .كانت لهجته مقبولة ،لكن آنا فهمت السخرية الكامنة وراء هذه "
.المالحظة ورغبته في إيذاءها في نظرته الجريحة
أوه ،دانيال ،لم أرفضك بسبب كريستوفر .كانت تتألم ألنها فقدت احترامه ،ولكن ليس الكبرياء الذي كان يأكل قلبها .األسوأ هو رؤية
براءته ملوثة بكل هذا القذارة ،الذي كان مختلًفا عنه تماًم ا .أنا آسف ،دانيال ،لم أكن أريد هذا .لكن الحب -لم أكن أعرف ما هو ،وما
زلت ال أعرف .ربما لن أعرف أبًد ا .نظرت إلى عينيه الخضراوين ،المظلمتين باالستياء .لكن بالنسبة لي ،لست أنت يا دانيال .ليس
.انت
أكد ماثيو قائًال " :بالطبع أيها المتحررون يا سيد ديميرسي"" .إذا كانوا ساحرين بشكل ال يصدق ،مثلي ،فهذا يعني نزهة في الحديقة.
و آنا ." . .لقد أعطاها نظرة حلوة يبدو أنها ال تزال تطلب المغفرة" .هل ترغبين بأن تكوني أول فتاة أرقص معها؟ سوف تحسدك
".بشدة جميع السيدات الشابات الحاضرات
قالت" :بكل سرور"" .لكنني أحذرك :ستكون رقصتك األولى في المساء وربما األخيرة .قد ال تعلم أنني راقصة سيئة للغاية .حتى
.أقوى األحذية وأكثرها ثباًت ا ال تتناسب مع نعال القماش التي أرتديها عندما أتمكن من ركلها
ضحكت لوسي" :أستطيع أن أؤكد ذلك"" .ولكن يجب عليك أيًض ا أن تدرك أن كل ركلة من ركالت آنا هي عالمة القدر ويجب أن
».تؤخذ بالقدر المناسب من االحترام واالمتنان .ربما ال تعرف قصة السير كولن وروزماري روثرهام
أنا كلي آذان صاغية" .ركالت القدر هي في الواقع مادتي المفضلة ".لفت انتباهه شيء ما إلى يساره ،فتوقف عن االبتسام .قال "
".ببرود" :أوه ،هنا يأتي ابن عمي
لقد انهار شيء ما بداخل آنا ،وحل مكانه االرتباك والخوف واأللم .يا إلهي ،لماذا ال يسمح لي بذلك؟
نظر إليها ماثيو ثم أطلق تنهيدة صغيرة .تمتم قائًال" :سيداتي وسادتي ،إذا بدأنا الحديث عن الطقس وتجنبنا أي مواضيع مثيرة
".لالهتمام ،فربما يرحل
".قال دانييل بشكل قاطع" :ال أعتقد أن هذا سينجح يا سيد دافنبورت"" .أنت ابن عم يحب التحدث عن الطقس
نظرت إليه لوسي بسرعة ،متفاجئة بعض الشيء وحذرة بعض الشيء .لوسي لن تنسى فن األخالق الحميدة ،حتى في صحبة السوء.
التفتت نحو ليوبولد وكريستوفر بابتسامة مشرقة ،وابتسم الرجالن .تم تقديم ماثيو إلى السيد ديميرسي ،وتعرفت آنا في ماثيو على
نفس النظرة الثابتة ،واالبتسامة الثابتة .لكن كريستوفر كان لديه تلك االبتسامة أكثر من أي شخص آخر .ربما كان لديه أيًض ا ابتسامة
أخرى ،تلك االبتسامة الساخرة التي أعطاها إياها بال هوادة .لقد كان هنا ،على بعد أقل من خطوتين ،وكان يمثل تهديًد ا وخطورة في
كل شيء ،حتى في غرفة مليئة بالناس .ويبدو أيًض ا أنه كان يتبختر بشكل أكثر خمواًل من المعتاد ،إذا كان ذلك ممكًن ا .ربما سيفشل
حفل الزفاف ،بعد كل شيء ،قالت لنفسها وهي تشعر باالشمئزاز .إذا استمر في نفخ نفسه بهذه الطريقة ،فمن المؤكد أنه سينفجر
.عاجًال أم آجًال
قال لها ليوبولد« :يا آنسة تشامبيون ،أخلص التهاني على خطوبتك .السيد دافنبورت رجل نادر ».كان ليوبولد يستمتع بوقته .لقد كان
.يبذل قصارى جهده ليجعل دانيال يدفع ثمن تمرده الصغير
.لكن يبدو أن دانيال لم يسمعه حتى .كان بارًد ا تماًما وساكًن ا تماًما؛ ربما كان عقله قد ترك جسده للحظة أثناء ذهابه في نزهة
أجابت آنا" :شكًر ا لك سيد ديميرسي" .نادر بالفعل ،كريستوفر هو ذلك بالتأكيد ،قالت لنفسها .ربما فريدة من نوعها ،ولكن حتى هذا
.هو أكثر من الالزم
.أنت مرحب بك جدا .من دواعي سروري دائًما التحدث إلى فتيات أذكياء مثلك"
".أنت طيب جدا"
أردت أيًض ا أن أهنئك على العربة التي وصلت بها هذا المساء .إنه جديد ،أليس كذلك يا دافنبورت؟"
-لماذا يقول هذا؟ وقفت آنا هناك في الكفر .ربما أساءت فهمه؛ بالتأكيد لم يفعل
”.وتابع ليوبولد« :رائع حًق ا يا دافنبورت« .والخيول الجميلة جًد ا .لقد كثر الحديث عن حجم األموال التي تنفقها على الهدايا لخطيبتك
شعرت آنا بالدم يسيل من وجهها .ولكن ماذا . . .؟ فتحت لوسي فمها كما لو كانت مذهولة .كان لدى ماثيو نظرة على وجهه
لشخص ابتلع صرصوًر ا وشعر به يزحف داخل حلقه .وحده دانيال بدا غير منزعج ،كقشرة فارغة سرقت منها يد قاسية كل
.عواطفه
.أوه ،ال شيء يا سيدي "،أجاب كريستوفر ،وهو راٍض جًد ا لدرجة أنه بدا أطول ،إذا كان ذلك ممكًن ا"
.توقفت الموسيقى في حلبة الرقص ،وبدا الصمت الذي خيم عليهم يصم اآلذان
سيكون من الصعب العثور على شاب كريم آخر مثله ،اآلنسة تشامبيون ".كما هو الحال دائًما ،أصبح صوت ليوبولد أكثر انخفاًضا "
ولكنه أصبح أكثر قوة .وكما هي الحال دائمًا ،كان كل من حوله يعلقون على كل كلمة يقولها بسبب الكاريزما التي يتمتع بها والتي ال
يمكن تفسيرها ،والتي تتحدى المنطق واألخالق" .إنه ينفق ثروة لتجديد منزلك ،أليس كذلك؟ عدد قليل جدا من الرجال سيفعلون ذلك.
.اسمحوا لي أن أقول إنك كنت محظوظة حًق ا في اختيار زوجك
لم يكن لدى آنا أي فكرة عن كيفية الرد ،ومألت دموع الغضب عينيها .على الرغم من حقيقة أن ليوبولد كان أمامها مباشرة وعلى
الرغم من أنه كان يتحدث معها بالفعل ،إال أنها ما زالت غير قادرة على تصديق ذلك .لم تصدق أنه كان يقول مثل هذه األشياء ،وال
.أنه كان يبذل قصارى جهده إلهانتها أمام الجميع
.وأمام خطيبها
.خطيب من المفترض أن يدافع عنها
خطيب كان يعلم جيًد ا أن دينه لها لن يكون أبًد ا
.سداد
خطيب ابتسم لليوبولد وأجاب" :هذا بالضبط ما أريده
.قل لها دائًما أيًضا
. . .وهذا بالضبط ما أقوله لها دائًما
. . .هذا هو بالضبط
لماذا كانت الدموع في عينيها تكبر؟ لماذا أرادوا أن يدحرجوا وجهها رغم كل شيء؟ كانت تعلم أنها ال تستطيع أن تتوقع أي شيء
.آخر .كانت تعرف ذلك ،اللعنة .كانت تعرف ذلك ،ومع ذلك كانت تتوقع خالف ذلك .وكانت تتوقع العدالة في النهاية
أخذت لوسي نفسا عميقا ،وبدا أن صدرها ينتفخ فجأة .عرفت آنا أنها كانت على وشك الخروج في احتجاج ساخط .من فضلك يا
.لوسي ،قالت لنفسها وهي تغمض عينيها .ال تجعل بلدي الذل أسوأ
.لم تكن لوسي هي التي بدأت في الكالم
".أنت مخطئ تماًما يا أبي"
.فتحت آنا عينيها
كرر دانيال" :أنت مخطئ تماًما يا أبي"" .و انت
".مخطئ أيًض ا يا دافنبورت .أنت المحظوظ يا سيدي
دانيال ".لم تستطع آنا إال أن تقول اسمه ،ثم سقطت"
صامتة ،غمرتها المشاعر التي فاضت صدرها وأخرجت المرارة .لم تكن متأكدة ،ولكن ربما ذرفت دموعها .ما كانت تعرفه هو أنها
.شعرت بالسعادة وأنها على وشك االنفجار .لم تختف براءته .لقد عاد دانيال لها
ابتسم لها بلطف قال لها" :آنا ،اآلن أنا حًق ا بحاجة إلى إشارة القدر تلك" ،وبدا أنهما الشخصان الوحيدان في الغرفة المزدحمة" .هل
"ترقص معي؟
أجابت بكل العواطف التي مألت قلبها وصوتها" :بكل سرور" .أمسكها دانيال بيدها وقادها إلى حلبة الرقص دون أن يكلف نفسه
.عناء النظر إلى اآلخرين
OceanofPDF.com
21
.فن الحياة أشبه بالمصارعة منه بالرقص
ماركوس أوريليوس—
".يبدو أنك لن ترقص مع خطيبتك ،بعد كل شيء"
وجد ليوبولد دائًم ا الجانب الممتع من األشياء .إن التسلية بالنسبة له ،بطبيعة الحال ،تعني عادًة أن شخًص ا آخر لم يكن مستمتًع ا على
اإلطالق .معه
.عيون مليئة بالسخرية ،نظر إلى كريستوفر
).اضحك معه يا كريستوفر .اكسب محبته(
لكن كريستوفر لم يرد عليه حتى ،وليس ألنه ال يستطيع ذلك
يقرر ما سيقوله أو ألنه فجأة لم يعد يتحمله .في الواقع ،لم يسمعه تقريًبا .كانت عيناه مثبتتين على آنا ،التي كانت يدها القفازية ممسكة
.بإحكام في يد دانييل ،والتي كانت تعبر الغرفة ،وتمر بين الناس دون أن تراهم
جاء شاب أشقر إلى لوسي الستعادة الرقصة التي وعدته بها .أجابت" :بالتأكيد يا سيد روسكين" ،وبدت مرتاحة تماًما الحتمال
.االنفصال عنهما
همس ماثيو بشيء في أذن لوسي ،وابتسمت وهي تبتعد .لم يالحظ كريستوفر ذلك حتى عندما شاهد خطيبته تدخل حلبة الرقص.
رفعت آنا رأسها عالًيا ،وكانت عيناها تلمعان وخدودها بلون التفاح األحمر ،وكانت لها نفس الرائحة ،كما كان كريستوفر يعرف ذلك
.جيًد ا
قال ليوبولد بابتسامة منحنية في مجرد تلميح من السخرية" :إذا سمحتم لي أيها السادة ،سأذهب أيًض ا لرؤية سيدة حول رقصة تدين
لي بها .يبدو أن أحدنا يجب أن يكون قادًر ا على التعامل مع ذلك ،أال تعتقد ذلك يا دافنبورت؟
".نظر كريستوفر إليه مرة أخرى" .بالطبع "،أجاب بشكل قاطع" .أراك الحًقا يا ديميرسي
".ابتعد ليوبولد .بمجرد أن أصبحا بمفردهما ،ربت ماثيو على كتفه" .عمل جيد يا كريس
ممتاز .اآلن بالنسبة لخطبته ،هذا ما يحتاجه كريستوفر بالضبط! أجاب بغضب" :ال تكن سخيًف ا يا مات" .لم يكن من الممكن أن
.أتصرف بشكل مختلف ،وأنت تعرف ذلك
كانت آنا في منتصف حلبة الرقص ،في مواجهة دانيال .لم تكن ترتدي القالدة الكهرمانية التي أهداها إياها كريستوفر قبل بضعة أيام
-تلك التي اختارها لها شخصًيا ،ألنه اعتقد أنها تتناسب مع لون عينيها -وكان انقسامها الطفيف يظهر بشرتها الحليبية بشكل غير
.محتشم
".أوه حًق ا؟" أجاب ماثيو" .بالنسبة لي ،بدا أنك تستمتع برؤية ليوبولد وهو يهين خطيبتك"
بدأت الموسيقى .تحرك دانيال نحو آنا ،ولكن بدا أن هناك بعض اإلحراج بينهما ،ألنهما لم يتمكنا من النظر في عيون بعضهما
.البعض
ال تقل مثل هذه القمامة .قال كريستوفر“ :لم يرغب أحد في إذاللها”" .بقول ذلك ،أراد ليوبولد إيذاء ابنه ،وبقدر ما يهمني ،فأنت تعلم"
".جيًد ا أنني ال أستطيع انتقاده بسبب ذلك
بالتأكيد ،بالطبع ال ".تنهد ماثيو" .كريس ،محاولة معاقبتها ألنها تعتبرك كومة ال قيمة لها لن تحسن رأيها فيك .أنت تدرك ذلك" ،
"أليس كذلك؟
كان دانيال يقول شيًئ ا آلنا ،وكانت تجيبه بجدية .تعثرت آنا ،سواء بسبب انفعاالتها أو إحراجها أو شرود ذهنها المستمر الذي جعلها
.تصطدم بالكراسي والناس .أمسكها دانيال قبل أن تسقط
)ماذا تتوقع أيًض ا من أمير القصص الخيالية الدموي؟(
حمل جسدها بين ذراعيه .كان يلمس فستانها ،الذي اشتراه كريستوفر .كان الخاتم الموجود في إصبعها ،وهو الخاتم الذي اشتراه
.كريستوفر أيًض ا ،يلمع
أجاب بطريقة آلية" :أنت تتحدث هراء يا ماثيو"" .ليس كذلك ." . .وفجأة أغلق فمه ،ألن ما كان يحدث في حلبة الرقص منعه من
إنهاء جملته .لقد نهضت آنا مرة أخرى بعد الحادث المحرج وكانت تعيد ضبط مالبسها بإهمال متفاخر .كان عليها أن تدرك أن
دانيال كان يحاول أن يظل جاًد ا .لقد حاول حقًا .أدار رأسه حتى ال ينظر إليه
ها .لم يكن يريد أن يضحك ،فعض على شفتيه بقوة أكبر ،ولكن دون جدوى .ارتفعت زوايا فمه بال هوادة .لقد الحظت ذلك ،لكنها
.تظاهرت ،بطريقة كريمة ،بالسعال مراًر ا وتكراًر ا .ووضعت يدها على فمها لتخنق ما ينفجر من تحتها ،محاولة الهرب
.نظر دانيال إليها .لسوء الحظ نظرت إليه
.وكانت نهاية
تم االستيالء على الضحك -الحر ،الذي ال يمكن السيطرة عليه ،وغير المنطقي في هذه الغرفة المزدحمة
لهم كما لو كانوا في الفخ .قبضت عليهم وسجنتهم ،وأعمتهم بالدموع التي مألت أعينهم ،وأصمت آذانهم من عبارات الراقصين
.اآلخرين الصادمة ،وهزت أجسادهم
.قنابل الفرح التي تركت شظاياها في رجل كان يراقبها ،على بعد ياردات قليلة ،والدم يغلي بجنون في عروقه
).ليس هناك مكان لك ،كريستوفر(
مع تشويش عقله بسبب قلبه النابض ،توجه كريستوفر فجأة إلى حلبة الرقص .أمسك ماثيو بذراعه وأمسك به" .كريستوفر ،ال تفعل
. . ".ذلك
"!أيها العقالء ،ملجأ األقوياء ،أين أنت بحق الجحيم عندما تكون في حاجة إليك؟ هز كريستوفر ذراعه" .ال تتورط في هذا يا ماثيو
هل تريد لكمة دانيال في منتصف الغرفة؟ هذه فكرة رائعة يا كريس!» أومأ برأسه بحماس وترك ذراعه" .استمع إلى ما سنفعله" :
.بينما تضربه بشدة ،سأعود إلى المنزل وأحزم أمتعتنا .ألنه بعد الشجار ستنتهي األمور بالنسبة لنا هنا ،أنت تعرف هذا
وضع كريستوفر يده على عينيه .القرف! القرف ،القرف ،القرف! لقد شعر بقلبه ينبض بشدة ،وكان عليه أن يهدأ .كان عليه أن يفعل
ذلك ،اللعنة .كان يعلم أن آنا تحب دانيال ،أليس كذلك؟ ولم يحدث أي فرق بالنسبة له على اإلطالق .إذن ،بحق هللا ،لماذا كان يأخذ
.هذا األمر بشكل سيء للغاية؟ ألن هذا يحرجني أمام الجميع ،هذا هو السبب .كان يتنفس بهدوء أكبر .هذا هو السبب الوحيد
".قال ماثيو" :كريس ،استمع ،الطريقة الوحيدة لتحسين وضعك هي التأكد من أن آنا ستقع في حبك عاجًال أم آجًال
يا إلهي ،أنت تبدو كفتاة صغيرة! ال أريدها أن تحبني ،وهللا!» بسبب البكاء بصوت عاٍل ،هل يمكن لهذه الليلة اللعينة أن تصبح "
!أسوأ؟ "أريدها أن تخاف مني ،وسوف أنجح على ما يرام .اللعنة ،ستكون زوجتي في أقل من عشرة أيام
توقف عن ذلك .أنا لن أفعل أي شيء ".كان يحدق به ببراءة ،ثم أعطاه ابتسامة" .في الواقع ،سأحاول أن أعاملها بشكل أفضل من "
.اآلن فصاعدا ".على األقل حتى بعد الزفاف .ال أريد إخافتها
بدا ماثيو أكثر قلقا من ذي قبل .ربما كانت االبتسامة هي التي كشفت عن نواياه .نعم ،من الواضح أنني بالغت في األمر ،فكر
كريستوفر .لم يهتم بصوت ماثيو المتذمر ،نظر إلى وجه خطيبته المشرق ،الذي أضاء بالسعادة .ال تخدع نفسك يا دانيال .في أعماقه،
تضخم غضبه ثم تبدد عندما يتذكر .لن تراها أبًد ا جميلة كما رأيتها .ورأى لها في العشب .وتذكر خديها الساخنين للغاية ،اللذين
توهجا أكثر إشراقا مما هما عليه اآلن .على الرغم من أنهم كانوا مبللين من البكاء ،إال أنهم أحرقوا فمه عندما قبلها .لقد لعق النكهة
الحلوة الممزوجة بالدموع المالحة من جلدها ،وأخيرًا قبل شفتيها الرطبتين والمفترقتين .لقد استجابت لقبلته واستمتعت به ،ووجهها
.يحترق من الهجران والسرور
.أنا فقط رأيتها جميلة مثل ذلك
قال دانييل بتردد" :لقد كنت غير عقالني يا آنا" .لقد اختفت رباطة جأشها التي حافظ عليها ،حتى عندما رفضته .ولم يعد يريد إخفاء
ألمه .ربما كان على استعداد لترك األمر" .أنت . . .لقد كنت صادًق ا معي ،لكن لم يكن من السهل قبول ذلك .اقصد اني . . .أنا ،آنا.
." ..تراجع صوته .بعد كل شيء ،لقد قال ما يحتاج إليه
. . ".دانيال"
".اعذرني .أنا ال ألومك .قال وهو يضحك متوتًر ا بعض الشيء" :لكن بالتأكيد ،أنا أحرجك"
هذا أقل ما أستحقه .قالت وهي تبتسم" :ال شيء يمكن أن يحرجني بعد سقوطي الوشيك منذ لحظات قليلة" .تساءلت عن اللون الذي
كان يتحول إليه وجهها؛ وكان من الصعب معرفة ما إذا كان لونه أرجوانًيا أم قرمزًيا أكثر" .وشكًر ا مرة أخرى على عملية اإلنقاذ
".البطولية
إلى جانبها ،كانت لوسي ترقص مع رجل نبيل بالكاد تعرفه آنا -روسكين ،ريدسكين ،شيء من هذا القبيل -ولم تكن تستمتع بوقتها،
.إذا حكمنا من خالل التعبير الباهت على وجهها
.حسًن ا ،هذا هو هدف األصدقاء ،أليس كذلك؟" سأل دانيال"
نظرت آنا مرة أخرى إليه" .ولمنع الفتيات الخرقاء من السقوط على األرض؟" سألت مع تلميح من الضحك يعود إلى شفتيها.
وأعربت عن أملها أنها لن تبدأ في الضحك مرة أخرى .يا إلهي ،كم كان ذلك محرجًا في وقت سابق .أحد تلك األشياء التي ال تريد
.أن تحدث لك أبًد ا ،وبعد ذلك ،عندما تحدث ،تصبح واحدة من أفضل ذكريات حياتك
".حتى دانيال ضحك" .أن تضحك من السقوط ،إذا كان هناك أي شيء
هذا تغير االبتسامة على وجهها .لقد تأثرت آنا اآلن ،وأخفضت نظرتها بخجل إلخفاء مشاعرها .لقد أصبحت تعتقد أن المودة ال
"تظهر بسهولة ،كما يظهر الغضب .ربما كان لألمر عالقة بالخوف من جعل نفسك عرضة للخطر" .إذًا ،نحن أصدقاء يا دانيال؟
.إذا كنت تفعل لي الشرف ".كان صوته يحمل نفس المشاعر"
".سوف أكرمك بالسقوط عدة مرات إذن ".ضحكت ونظرت لألعلى" .إذا كنت ستفعل الشيء نفسه"
".بالطبع" ،أجاب بمرح لم يكن مسموًعا تقريًبا" .عالوة على ذلك ،ستكون هذه هي الطريقة الوحيدة للبقاء بين ذراعيك"
)هذا هو األلم الذي الذع ،أليس كذلك ،آنا؟(
نظرت إلى األسفل مرة أخرى ،وشعرت بالذنب .الحب غريب جدًا يا دانيال .إنه أمر غريب عندما يكون لديك ،بل وأغرب عندما ال
.يكون لديك
هو كان صامتا لفترة وجيزة .كان ينظر بتأمل عبر الغرفة .بدأ كالمه ،وقد بدا جدًيا على نحو غريب" ،بصفتي صديًق ا لك ،هل
يمكنني أن أشير إلى أن خطيبك لديه طريقة غريبة في إظهار مشاعره لك يا آنا؟ "عفوا ،لم أقصد أن أؤذيك "،أضاف بسرعة" .أقسم
"أنني لن أسألك أبًد ا لماذا قررت الزواج من مثل هذا الشخص ".انه متوقف" .لماذا قررت الزواج من مثل هذا الشخص يا آنا؟
دانيال!" ضحكت آنا بصوت عاٍل ونظرت بعيًد ا عنه .لم تستجب .لم تتمكن من التفكير في إجابة محتملة ،ولكن عاجًال أم آجًال كان "
عليها أن تجد عبارة ذات مصداقية ،ألن الجميع استمروا في طرح نفس السؤال عليها .لماذا تتزوجينه؟ ماذا عنه جعلك تقعين في
حبه؟ لم تكن لوسي شديدة اإلصرار ،ولكن حتى هي ،على الرغم من سعادتها الحقيقية بحفل الزفاف ،كانت تطلب بعض المعلومات
من حين آلخر .آنا لم تقل شيئا .من المحتمل أنها أساءت إلى لوسي بهذا السلوك ،لكن يا إلهي ،ماذا يمكنها أن تقول؟
كان بإمكانها أن تشعر بعيني خطيبها عليها ،مثل ثقل ال يصدق -حجر مرعب حول رقبتها .من أجل محبة هللا ،لماذا كان عليه أن
.يحدق بها بشدة؟ ربما أزعجته صداقتها مع دانيال
.ال ،تلك كانت فكرة سخيفة .لم يهتم كريستوفر بها على اإلطالق .ألم يكن األمر كذلك؟ كان يتزوجها فقط بسبب الحادث
).أو ربما يحبك يا آنا(
رقم ال يمكن ألي رجل في الحب أن يفعل ذلك . . .ال .على أية حال ،لم يكن كريستوفر يعلم شيًئ ا عن خطوبتها مع دانيال ،والتي
استمرت لمدة ست ساعات كاملة خالل صباح حار قبل أسبوعين تقريًبا .هزت رأسها لعدم الخوض في ما حدث في فترة ما بعد
.الظهر في وقت الحق من ذلك اليوم ،ولكن كما هو الحال دائًما ،كان من المستحيل عدم الخوض في األمر
.أوه ،كيف دفعت ثمن رفضها لدانيال
ألقت نظرة على خطيبها ،وأصبحت ساقيها ضعيفة .لم يعد هناك من ينقذها اآلن ،فكرت بيأس؛ وفي غضون تسعة أيام ستكون
.زوجته ،وما زالت عيناه تبدوان جائعتين كما كانتا في ذلك المساء
OceanofPDF.com
22
.ال تطرح أي أسئلة ،ولن ُيقال لك أي أكاذيب
زاوية حمراء وبيضاء من البطاقة -اآلس الماسي -خرجت من تحت كم الصبي الصغير .كان هو وكريستوفر جالسين في غرفة
الرسم وأمامهما مجموعة من أوراق اللعب ،موضوعة على طاولة صغيرة لطيفة في الردهة .تم ترشيح ضوء الصباح بدقة ،مما
.أعطى توهًج ا ناعًما للغرفة المعاد بناؤها
.هكذا يا كريستوفر؟" سأل أنتوني وهو يركز .رفع ذراعيه ،وأظهر كمه"
. . ".أجاب بحدة" :ال تكن سخيًف ا يا أنتوني"" .سوف يتم تحديك على الفور في مبارزة .أفضل طريقة
نظر أنتوني خلفه وهز رأسه قليًال .أصبح كريستوفر هادًئ ا على الفور دون أن يلتفت ،ولكن من الخطوات الخفيفة التي سمعها وبسبب
حاسته السادسة ،التي حذرته حتى قبل أن يشير إليه أنتوني ،عرف أن آنا كانت هناك .لقد تفاجأ :لم تدخل أبًد ا الغرفة التي كان فيها
.طوًع ا إذا لم يكن ذلك ضرورًيا .كانت غريبة
.مشيت آنا إليهم .وكان هذا غريبا حقا
كان كريستوفر يجلس على أريكة جديدة ومثيرة لإلعجاب ،وكانت ناعمة ومريحة وزرقاء اللون .كان متردًد ا في النهوض للمغادرة،
لكنه اضطر إلى ذلك لسوء الحظ؛ إذا بقي هناك ،سيكون من الصعب عليه أن يحافظ على هدوئه ،وهو ما كان عليه القيام به بأي
ثمن .وبعد رقصة الجمعة السابقة ،كان قد تعهد بعدم إخافة هذه الفتاة قبل الزفاف؛ سيكون لديه عمر كامل بعد ذلك للقيام بذلك .ولم
يدعوها حتى إلى ذلك
تشارلز ديكنز-
ارقص لتتجنب أي إغراء لهزها من كتفيها حتى يصبح شعرها متشابًك ا .حافظ على هدوئك :كان هذا هو نظام اليوم .لقد كان األمر
بسيًط ا للغاية ،ومع ذلك فإن هللا وحده كان يعلم لماذا كان كريستوفر متأكًد ا إلى حد ما من أنه لن يتمكن من التعامل مع األمر إذا كان
.في حضورها .كان غضب تلك الليلة ال يزال مشتعاًل بداخله مثل الحمم البركانية في أحشائه -ناري ،سميك ،وأحمر
.ملكة جمال البطل "،استقبلها ببرود"
دون الرد بتحيتها الخاصة ،نظرت آنا إلى البطاقات الموجودة على الطاولة" .أنتوني ،ماذا تفعل مع هؤالء؟" قالت وهي تشير بتعجب
.ال شيء يا آنا ".يعتقد كريستوفر أنها ليست خدعة ناجحة تماًما .هذه الكذبة واضحة على وجه أنتوني مثل شارب الشوكوالتة"
"أنتوني!" اتسعت عيناها بعدم تصديق ،ولم تتمكن من نطق كلمة واحدة لبضع لحظات" .هل هذه البطاقة التي أخفيتها في جعبتك؟"
".ال"
".قال له كريستوفر قبل أيام قليلة" :أنكر ،أنكر دائًما يا أنتوني
.حتى عندما ال يكون هناك أي احتمال على اإلطالق للتصديق يا كريستوفر؟" سأل الصبي"
"خاصة بعد ذلك .ليس لديك ما تخسره ،أليس كذلك؟"
غاضبة ،استدارت آنا نحو كريستوفر بنظرة على وجهها لم تعد بأي شيء جيد سيأتي منها .لقد كانت مذهولة وغاضبة ،باختصار،
!كانت غير سارة ،كما هو الحال دائًما" .السيد .دافينبورت ،أنت ال تعلم أخي كيفية الغش
"هل تريدين شيًئ ا يا آنسة تشامبيون؟"
"-السيد .دافنبورت! ال"
من المؤسف يا آنا ،منذ متى تشعرين بالحاجة إلى النعيق في وجهي"
"لذا؟" هاجمها قبل أن يدرك ذلك .حافظ على الهدوء؟ كان ذلك لعب أطفال" .أال تستطيعين الصمت كعادتك؟
يبدو أنها بذلت جهًد ا ال يصدق للتوقف عن الصراخ ،أو ربما عن خدش عينيه .تنفست بعمق وأغلقت عينيها ،وبعد لحظات قليلة
أعادت فتحهما .تشير النظرة على وجهها ،والتي كانت محددة بشكل غير عادي ،إلى أنها ليست البطاقات التي ترغب في مناقشتها.
".قالت" :سيدي ،جئت إلى هنا ألنني بحاجة إلى التحدث معك"" .وحيد
.لماذا أرادت التحدث معه بمفرده بعد ثالثة أيام فقط من الزفاف؟ شك كريستوفر في أن األمر لم يكن من أجل متعة شركته
.االقتراب منها أكثر؛ لم يستطع االقتراب أكثر .لكن يا إلهي ،كم كان يريد أن يدفعها إلى الحائط ،إلى نفسه
. . ".كريستوفر ،دعني أذهب!" قالت وهي تحاول أن تبدو آمرة" .أردت فقط أن أعطيك اإلمكانية"
.نظر لألعلى وتوقفت آنا في منتصف الجملة ،بينما اتسعت عيناها من الرعب
)نحن لم نعد نلعب بعد اآلن ،أليس كذلك يا عزيزتي؟(
"هل يجب أن أجعلك حامًال حتى أتزوجك؟" بدا صوته هادئا تماما" .هل هذا ما تقوله لي؟"
في ذهول ،هزت آنا رأسها وحاولت التحدث ،ولكن لم يخرج شيء ،وال حتى صوت؛ ظهرت على فمها فقط تكشيرة مخيفة ،فمها
.أحمر مثل حبة الكرز ،ومنقسم قليًال مثل المشمش المنفتح إلى نصفين
اوه عليك العنه .كما لو أن كريستوفر أطلق النار على معصميها وتراجع على الفور .لقد جاءه إدراك مفاجئ ،إدراك أنه على الرغم
من أنه جديد تماًما ،إال أنه ال جدال فيه :لن أكون قادًر ا على الوفاء بوعدي .لن أستطيع .لقد صرخ بهذا في نفسه ،وكان يعلم أنه ال
يمكن دحضه .الجحيم الدموي! لقد أراد هذه المرأة ،ولم يكن هناك مفر من ذلك .ال أستطيع االنتظار طويال ،آنا .لقد شعر بالندم
.والرغبة الملحة ،الرغبة التي ألحقت به العار ،لكن ذلك كان موجوًد ا دون أدنى شك .أنا آسف يا عزيزتي
.وخرج بسرعة وذهب إلى الجانب اآلخر من الغرفة .فركت معصميها المتألمين ،خائفة ،وكأنها تقرأ أفكاره
.ولو كانت قادرة على ذلك لودعت الزواج منها
اللعنة ،في بعض األحيان فاجأه غباؤه .تنحنح بتوتر ومرر يده على كمه ليتخلص من ذرة الغبار غير المرئية .قال بال مباالة" :كن
".حذًر ا عندما تقول أشياء معينة ،يا آنسة تشامبيون"" .يبدو وكأنه دعوة
." . ".ن-ال"
".أوه ،تعال اآلن ،ال تجعل هذا الوجه ".ضحك بسخرية" .ليس لديك الكثير من حس الفكاهة ،كما أرى"
أجابت وهي تشعر باالشمئزاز" :متع نفسك مع أي امرأة تجدها تقدر مفاتنك ،إن وجدت يا سيدي" .اآلن أصبح وجهها شاحًبا مثل
فستانها" .لكن ليس معي .لن أسمح لك أن تلمسني مرة أخرى بأي شكل من األشكال .هل هذا واضح؟ بدأت بفرك معصميها دون أن
".تدرك ذلك" .أو أنا . . .أو سأقول . . .سأخبر ماثيو
.بدت مثيرة للشفقة تماًما ،وانفجر كريستوفر ضاحًك ا ،ولم يكن األمر مسلًيا له بشكل خاص
"فأجاب" :في الواقع ،هذا تهديد مروع"" .أال يبدو األمر قاسًيا جًد ا بالنسبة لك؟
.لقد شعر بالحاجة إلى إيذاءها وتخويفها ،دون أن يفهم السبب .وكان راضيا تماما عن النتائج .عينيها مليئة بالدموع
".لقد أعطيتني كلمتك يا سيدي"
لم يكن األمر سوى همسة ،وخرج من حلقها بشكل مؤلم ،متورًم ا من الخوف ،وعبر شفتيها ترتجفان مثل أجنحة الفراشة .ولم تكن
كلماتها أكثر من صالة ،وتوسل ،واستسالم .وهذا ما أراده كريستوفر ،أليس كذلك؟ ومع ذلك ،كان يشعر باإلحباط ،الذي بدا مثل األلم
بشكل رهيب .وضع يده على جبهته ،وأحنى رأسه قليًال .قال بهدوء" :سوف أفي بكلمتي ،طالما أنك تفعلين الشيء نفسه ،يا آنسة
تشامبيون" .كان يعلم أنه قال الشيء الصحيح ألن آنا تحولت إلى اللون األبيض مرة أخرى .وتابع دون أن يخفف من حدة كالمه:
"بعد ثالثة أيام سنتزوج ،وال أريد أن أسمع المزيد من الحديث عن هذا األمر .هل هذا واضح بالنسبة لك؟ ال تدفعني إلى فعل أي
".شيء قد ال يعجبك
أغلقت عينيها .لم تستطع تحمل رؤيته ،وكان هذا كل ما استطاعت رؤيته ،بعد كل شيء .بالنسبة لكريستوفر ،بدت تشعر بالغثيان -
"...وربما في حالة ذهول طفيف -عندما تمتمت" :سيدي ،أنت حًق ا أسوأ شخص
.أوه ،ال تبدأ بهذا مرة أخرى ،حسًن ا؟ لقد أخبرتك بالفعل أنني أجد صوتك مزعًج ا بال نهاية"
.وبدون كلمة أخرى ،توجه نحو الباب
".كريستوفر"
"توقف عند الباب وظهره لها" .ما هو اآلن؟
"أنت ال تخدعني ،أليس كذلك يا كريستوفر؟"
.فوضع يده اليسرى على عتبة الباب وأخفض رأسه
"أجاب بحدة" :ال تقلقي يا آنسة البطلة"" .سأفي بكلمتي كما وعدت
.رفع رأسه وغادر دون أن ينظر إلى الوراء
OceanofPDF.com
23
.إنها حقيقة رائعة يجب التأمل فيها ،وهي أن كل مخلوق بشري قد خلق ليكون ذلك السر العميق والغموض بالنسبة لبعضه البعض
تشارلز ديكنز-
أخذت آنا مارغريت بلطف من األريكة التي وضعت فيها ،وأحضرتها إلى مكتب السكرتيرة ،وأجلستها بجانب مذكراتها .أضاء ضوء
.الشموع وجه الدمية الالمع ،مما منحها حركة غير عادية في التعبير ،كما لو أنها تشارك آنا في الحالة الذهنية
".غمست آنا قلمها في الحبر وكتبت" :غًد ا سأتزوج
".لقد حان اليوم ،ماجي"
نظرت الدمية إليها بهدوء بعينيها الصافيتين ،وبقيت صامتة بال حراك .آنا لم تتوقع أي شيء آخر في هذا الشأن .لمست وجه الدمية
بالقلم ،ومشطت حلقة شقراء على الجانب .لقد شعرت بالوحدة أقل بكثير في ظالم الليل مع الدمية باعتبارها صديقتها المقربة .ومع
ذلك فقد كرهتها في اليوم الذي رأتها فيه للمرة األولى .اللعنة ،لقد فكرت عندما نسيت جريس الدمية وتركتها في الزاوية وهي تعود
إلى رسوماتها وألوانها المفضلة .أخذتها آنا وذهبت بسرعة إلى المطبخ .لقد وضعت اللعبة -وهي مظهر غير الئق للشكل البشري
وعاجزة بشكل يبعث على السخرية -في صناديق القمامة وقررت دفنها بين القشور القديمة والطعام الفاسد .كانت آنا قد حملت الدمية
رأًس ا على عقب؛ سقطت قبعة مارجريت الصغيرة في النفايات ،وبرزت مثل بقعة حمراء في هذه القذارة النتنة ،ونظرت عيناها
،العمياء إلى القمامة .تم تمديد تجعيد الشعر األشقر إلى أسفل
.أشعث والمعة .عروسة .لقد كانت مجرد دمية ذات خدود متوردة ومالبس مبتذلة صنعها شخص ما لبيع الدمية بسهولة أكبر
.من فعل هذا بك يا مارجريت؟" لقد سألتها آنا"
.شعرت بألم مفاجئ ولكن مألوف في حلقها .كانت قد التقطت القبعة وهزتها إلزالة الفضالت عنها ،ثم أعادتها بلطف إلى رأسها
.أنت ضحية يا ماجي الصغيرة
.لقد اصطحبتها إلى غرفتها ،ومنذ ذلك الحين أصبحت صديقتها المقربة خالل الليالي الطوال
".اليوم هو الليلة األخيرة التي نقضيها هنا "،تمتمت آنا اآلن" .غًد ا سننتقل إلى غرفة جديدة"
وكانت غرفتها الجديدة تنتظرها على الجانب اآلخر من المنزل ،الجانب الذي أعيد فتحه .تم تجديد المنزل بأكمله ،باستثناء غرفة
والدها في الطابق السفلي – حتى ال يزعجه – وغرفتها .لقد أرادت آنا أن تظل غرفتها كما كانت حتى اللحظة التي ستضطر فيها إلى
مغادرتها في اليوم التالي .أما اآلن ،فإن غرفتها ستعاني نفس مصير الغرف األخرى :سيتم تأثيثها بأسلوب رقيق ومبهج وتتألق مثل
.حلقة تبرز من الرمال
نظرت إلى األثاث البالي وغير المكلف الذي نشأت فيه .الصندوق المظلم المهيب الذي كان يخيفها كثيًر ا عندما كانت طفلة ،أصبح
اآلن مغلًق ا وفارًغ ا .على الرغم من خوفها اآلن ،شعرت آنا بقلبها يغرق .كانت األريكة القديمة مهترئة ومكسورة والفراش ناعم.
وحتى أسابيع قليلة فقط ،كان السرير ذو األربعة أعمدة قد سمح آلنا بإغالق ستائر السرير الخفيفة والحلم بأنها تنام على سحابة،
.متظاهرة بأنها الفتاة الصغيرة التي قال الجميع إنها لم تعد كذلك
".وكتبت" :كل قطعة أثاث هي جزء مني سأتركه الليلة
".سوف تعجبك الغرفة الجديدة ،كما سترين يا ماجي .إنه مناسب لك أكثر مني«
تم تزيين الغرفة بظالل الباستيل الرقيقة .لقد اختارتها لوسي ،ولم تعترض آنا على الزخارف الجميلة على الجدران ،وال على السرير
الكبير الناعم ،وال على األريكة األنيقة والمتفاخرة .كانت تفضل شيًئ ا بسيًط ا ،أشبه بما كان موجوًد ا في غرفتها عندما كانت فتاة
صغيرة ،لكنها احتفظت بذلك لنفسها .كان كريستوفر سيشعر باالستياء من األثاث الرديء للغاية ،وإذا كان كل شيء يحتاج إلى التألق
،ليجعله سعيًد ا ،فيجب أن تكون هذه هي الطريقة .بجانب ذلك
فكرت بمرارة ،ما هو نوع الديكور الذي يمكن أن يخفف من الرعب الذي يسببه باب الغرفة المجاورة ،التي ستكون غرفة زوجها
المستقبلي؟
لم تكن تعرف ما كانت تأمله في زواجها ،لكن لم يكن هذا هو الحال ،ومن المؤكد أن كريستوفر لم يكن الرجل الذي تخيلت الزواج
منه .لقد جعلها تشعر بالسوء ألن األطفال أحبوه كثيًر ا .كيف كان ذلك ممكنا؟ كان ينبغي أن يخافوا منه ،كما فعلوا مع البعبع المختبئ
في الخزانة القديمة في نهاية الردهة .تذكرت فجأة :ال ،تلك الخزانة لم تعد موجودة .لقد تم التخلي عنه مع ساكنه المروع ،وهو اآلن
.يخيف األطفال اآلخرين في منزل آخر
والبعبع الذي سيصبح زوجها سيعيش معها ومع عائلتها ،بدًء ا من اليوم التالي .نظرت آنا إلى معصميها حيث ال تزال الكدمات
.األرجوانية تظهر على بشرتها الشاحبة .لقد قلبت صفحات مذكراتها ووجدت الخيارات المذكورة من قبل
".قرأت" :اقتل كريستوفر دافنبورت
في جميع أنحاء المقاطعة ،في غرفته ذات اإلضاءة الضعيفة بواسطة مصباح ال يزال مشتعاًل ،لم يتمكن كريستوفر من النوم .قام من
.سريره واتجه نحو األوراق المتناثرة على الطاولة المليئة بالحسابات والسهام .سيستغرق األمر شهًر ا ،وربما شهرين ،لتنفيذ خطته
.غدا كان يتزوج
بمجرد أن ينتهي ثأره -عندما يصبح تعذيب دانيال بال جدوى -ماذا سيفعل بهذه الفتاة السخيفة التي اتخذها زوجة له؟ كان يتوقع ندًما
مريًر ا ،كان يعلم ذلك ،لكن إعادة النظر في األمر اآلن ال فائدة منها :لقد أهانها ،وكان حفل الزفاف أمًر ا ال مفر منه .لم يكن أمام آنا
أيًض ا أي خيار :فهي ستقول نذورها في اليوم التالي .لن ترفض الزواج منه .لن تغير رأيها في اللحظة األخيرة .كرر كريستوفر
.مراًر ا وتكراًر ا جميع األسباب التي تجعل مثل هذا االحتمال غير قابل للتصور وغير منطقي وال معنى له
.يا له من مؤسف أنه كان يتعامل مع فتاة ال يمكن تصورها ،وغير منطقية ،وال معنى لها
.ترددت في ذهنه عبارة لم يكن أحد ليفكر في قولها في الموقف الذي قيلت فيه بشكل سخيف
24
.الزواج يشبه الحياة من حيث أنه ميدان معركة وليس مفروشًا بالورود
روبرت لويس ستيفنسون—
لم يحدث من قبل أن يأتي زوجان يعانيان من هذه الهاالت السوداء تحت أعينهما إلى الكنيسة ليتزوجا كما حدث في اليوم التالي .في
.ذلك الصباح الملبد بالغيوم -بدا األمر وكأنه قد تمطر -تجمع حشد صغير لحضور حفل زفاف كريستوفر دافنبورت وآنا تشامبيون
أحبائي األعزاء "،دوى صوت القس جراهام في صحن الكنيسة" ،لقد اجتمعنا أمام هللا ،وفي مواجهة هذه الشركة ،لننضم مًع ا إلى "
. . ".هذا الرجل وهذه المرأة في زواج مقدس
نظرت آنا مباشرة إلى القس المسن دون أن تسمح لعينيها بالنظر إلى يمينها ،حيث كان خطيبها يقف فخوًر ا وصامًت ا في بدلته المظلمة
المهيبة .بصعوبة بالغة ،سار والدها بها في الممر ،وشعرت هي نفسها بساقيها تكادان تتفككان بينما كانت غريس -في فستانها
الوردي الجديد المليء بالدانتيل ،والذي أعطاها مظهر السحابة عند غروب الشمس -تسير أمامها ،يسقط بتالت الورد بدقة ورشاقة
فنان .لم تنظر آنا إلى الرجل الذي كان ينتظرها عند المذبح؛ لم تكن قادرة على ذلك ،ولم يكن من الحكمة أن تهرب على الفور .لقد
ظنت أنها لن تكون قادرة على إكمال المشي على األقدام الثالثة األخيرة التي تفصلها عن كريستوفر ،ولكن بما أنها فعلت ذلك في
.الماضي – في لحظة يائسة – فإنها لم تسمح لنفسها بأن تكون ضعيفة ،ولذلك وقفت .مستقيم وطويل ،يمشي بفخر
استمر القس في التحدث بأسلوب متعجرف إلزامي" :ال ينبغي ألحد أن يتزوج دون مشورة أو باستخفاف ،أو إلشباع شهوات جسدية
...". . ".فقط
إن وجود لوسي بالقرب منها فشل في ابتهاجها ،لكنه ال يزال يمنحها ابتسامة :فقد أمضت صديقتها ساعة جيدة في ترتيب وإعادة
ترتيب شعرها وتصفيفه قليًال .لقد أرادت أن تضع القليل من أحمر الخدود -لحسن الحظ بشكل خفيف جًد ا -إلخفاء الهاالت السوداء
من الليلة السابقة التي لم تنام فيها .لم تقل آنا ال ،ألن تدليل لوسي لها كان له تأثير مهدئ على أعصابها .تحدثت معها صديقتها
بالنميمة والتوافه لتساعدها في التغلب على قلقها ،ورغم أن آنا لم تسمع خلف ابتسامتها الغائبة كلمة واحدة ،إال أنها شعرت ببعض
.االرتياح .شخص واحد على األقل في المنزل لم يذكر كريستوفر دافنبورت لها
. . ".إن الهدف من الزواج هو تحقيق الفرحة المتبادلة بينهما وتقديم المساعدة والراحة لبعضهما البعض ،في السراء والضراء"
).اهرب يا آنا(
لم تستطع الركض .لم تستطع ذلك ،ألنها لو استدارت لكانت رأت عائلتها بأكملها أمامها .كانت ستشاهد والدها ،الذي جعلها تشعر
بالقلق بسبب السعادة التي أظهرها عندما رآها تتزوج من رجل موثوق به ورصين مثل كريستوفر دافنبورت .كانت ترى أنتوني،
األنيق في بدلته الجديدة ،الذي كان ساكًن ا وعابًس ا وهو يتحمل عبء كونه شقيقها األكبر .كانت ترى دينيس ،الذي يتلوى بقلق في
المقعد ،يزعج من حوله ويحاول إقناع غريس باالنضمام إليه في تمرده .كانت فرصة دينيس للنجاح ضئيلة .ال شك أن الفتاة الصغيرة
كانت تحدق بنظرة واسعة إلى أختها الكبرى التي ستتزوج وهي تتخيل عوالم مختلفة وحكايات خرافية جديدة .من المؤكد أن نورا قد
بكت بالفعل في منديلها .لقد رفضت الزواج ،لكن آنا تمكنت من إقناعها بالفكرة قليًال ،وذلك بفضل المظهر اللطيف للرجل الذي
.بجانبها
ومع ذلك ،إذا كان أي شخص يستطيع أن يوضح سبًبا وجيًها لعدم ربط هذين الشخصين مًع ا في الزواج ،فليتحدث اآلن أو يصمت "
".إلى األبد
.شعرت بأن كريستوفر يقف إلى جانبها ،هادًئ ا ومصمًما .يبدو أن هذا الرجل لم يكن لديه شك أو تردد
.ولم تعرف آنا ماذا تفعل
!أدركت برعب أن اللحظة قد حانت .وكان القس على وشك استجوابهم .وهللا ال أعلم! أنا ال أعرف ما يجب القيام به
.ألف ،مليون شخص -وشعر بهم يتحركون ،ويتنفسون ،ويتجمعون ضد بعضهم البعض مثل الديدان في صندوق
.أربع ثواٍن ،ولم يصدر صوت من فم خطيبته
من المؤكد أن كريستوفر كان بحاجة إلى فك عقدة ربطة عنقه :لقد كانت ضيقة للغاية ومنشاة ،وكانت تخنقه .لكنه لم يرفع ذراعه ولم
.يضع يده على حلقه .بقي ساكًن ا تماًما ،مختنًقا في صمت
".أفعل"
تردد صدى الجواب في الكنيسة الكبيرة ذات اإلضاءة الزاهية .كان صوت خطيبته -زوجتي -منعًش ا وعذًبا ،وكان يتدفق عليه مثل
.القفز السعيد على جدول في الربيع
"ابتسم القس ،مرتاحا" .من يزوج هذه المرأة من هذا الرجل؟
.تقدم جيمس تشامبيون إلى األمام ،ونظر إليه كريستوفر .وكان والد زوجته يترك ابنته بين يديه
.أخيرًا
أمسكها بيدها اليمنى وأدرك أنها كانت تهتز بشكل ال يمكن السيطرة عليه .لقد خفف قبضته ،ولمسته لطيفة .آه يا عزيزي .كانت يدها
باردة كالثلج .نظر إليها كريستوفر؛ كانت شاحبة ومتعبة ،ذات تسريحة شعر بسيطة وفستان محتشم يكاد يكون خالًيا من الدانتيل .لم
.تكن ترتدي أي مجوهرات ،كما لو كان ذلك في أي يوم آخر ،ولكن هذا كان اليوم الذي أصبحت فيه زوجة .زوجته
كرر كريستوفر بعد القس ،بدأ يقول نذوره بإلحاح غريب ،كما لو أن الفتاة التي بجانبه -والتي لم تنظر إليه بعد منذ دخلت الكنيسة -
.قد تستدير وتهرب ،أو تختفي في لمح البصر .ضوء ونفخة من الدخان
أنا ،كريستوفر ،أعتبرك يا آنا ،زوجتي الشرعية ".خفضت رأسها متجنبة عينيه حتى أثناء زواجها منه" .أن نمتلك ونحتفظ ،في "
السراء والضراء ،لألغنياء والفقراء ،في الصحة الجيدة والمرض ،أن نحب ونحتفظ بعزيزنا ،حتى يفرقنا الموت ،وفًقا لشرائع هللا
".المقدسة ".بالكاد ضغط على يدها ،واهتزت كتفيها" .وبهذا أتعهد لك إيماني
.أطلق يدها وانتظر
كم مرة ستطلب مني أن أقول نعم؟ أال يكفي أنني هنا ،مع كل ما قمت به؟ كان عليها أن تعطي موافقتها مرارا وتكرارا ،تماما كما
فعلت قبل دقيقة واحدة ،عندما أصبح عقلها فارغا تماما .كان الرعب من قول نعم مساويا للخوف من قول ال؛ لم تكن تعرف ماذا
.تقول ،وفي الفراغ كانت الكلمات التي قالها خطيبها للتو ال تزال باقية :أعرف
على أمل أن يكون ارتعاشها قد انتهى ،مدت يدها وأمسكت بيد الرجل الذي بجانبها" .أنا ،آنا ،أعتبرك يا كريستوفر زوجي الشرعي".
لم يكن صوتها صوتها ،لكنه بدا كذلك ،ونعم ،لقد جاء من فمها ،لكنه لم يكن صوتها" .أن تمتلك وتحتفظ ،في السراء والضراء،
لألغنياء والفقراء ،في الصحة الجيدة والمرض ،أن تحب وتحافظ على عزيزتك وتطيع ".هل هذا الرجل يبتسم؟ من المحتمل .لقد
طلب طاعتي بالفعل ،وقد رضي بذلك ،كما هو الحال دائما" .حتى يفرقنا الموت حسب شرائع هللا المقدسة ".أغلقت عينيها" .وبهذا
".أتعهد لك إيماني
.تركت يدها وفتحت عينيها
.أعطى القس الخاتم لكريستوفر ،ولمعت خاتم الزواج قليًال في راحة يده
.دائرة صغيرة من الذهب
أمسك كريستوفر بيدها ،لكنها لم تكن قادرة على فتح قبضتها نصف المغلقة ،لذلك أمسك بطرف إصبعها الدائري وتمكن من تمديده
".بلطف .ثم ،لمس الجلد ببطء ،ووضع عليه دبلة الزواج .كانت أصابعه ثابتة وهو يقول" :بهذا الخاتم تزوجتك .بجسدي أكرمك
سقطت يدها بشدة على جانبها .كان الخاتم يحرقها ،مربوًط ا بثقل غير مرئي يسحبها إلى األسفل .ومع ذلك ،كان الخاتم صغيًر ا جًد ا
.وغير ضار
".أخذهم القس بأيديهم اليمنى وانضم إليهم" .الذي جمعه هللا ال يفرقه إنسان
".لقد أوشك األمر على االنتهاء ،أم أنه لم يبدأ بعد؟ في حالة ذهول ،سمعت آنا الجملة "أعلنكما اآلن زوًج ا وزوجة
خيم االرتباك على عقلها واستولى على ساقيها وعضالتها وقلبها .كانت اآلن السيدة دافنبورت .لم تعد كما كانت باألمس ،وال هذا
.الصباح ،وال حتى الشخص الذي كانت عليه قبل دقيقة واحدة
".يمكنك اآلن تقبيل العروس"
.ال! ال! أخذت جرعة كبيرة من الهواء لكنها لم تستطع رفع رأسها .شعرت بأصابع كريستوفر تحت ذقنها
!ال
رفع وجهها بلطف خجول وغير عادي .نظرت إليه آنا للمرة األولى خالل الحفل بأكمله ،فضعفت ساقاها وقفز قلبها إلى صدرها ثم
.غاص في أحشائها بقطرة أصابت بطنها بتشنج
!ال
انحنى زوجها نحوها .لقد سلبها الخوف حسها المنطقي ،واستدارت آنا جانًبا ،متجنبة إياه ،وسمحت له فقط بتقبيل زاوية فمها .أوقف
بوصة واحدة من شفتيها ثم ،بيده اللطيفة ولكن القاسية ،قام بتقويم وجهها .وضع شفتيه على شفتيها وغطاهما للحظة ،ثم ختم زواجهما
.بقبلة
OceanofPDF.com
25
.ال تجد متعة في الوعود ،وال خوًف ا في التهديدات
حسًن ا ،كان زوجها فظيًع ا .حسًن ا ،لم يكن على اإلطالق الشخص الذي كانت ستختاره طوًع ا .لكن . . .ولكن إذا توقف المطر بعد
عاصفة رهيبة ،فسوف تقدر ذلك ،أليس كذلك؟ عالوة على ذلك ،ألكون صادًق ا ،شعرت آنا بالهدوء تقريًبا -على مضض بعض
الشيء ،ألن األمر لم يكن يبدو عادًال ،بل هادًئ ا .اللعنة ،لم تكن جريمة .لماذا يجب عليها أن تشكو من أي وقت مضى؟ وقد تضاءلت
مخاوفها للمرة األولى بعد شهر من الخوف .لقد مر أسبوع منذ حفل الزفاف ،ولم يحاول كريستوفر االقتراب على اإلطالق -رغم
أنها عندما ذهبت إلى السرير ،أغلقت الباب بين غرفهما ووضعت كرسًيا عليه -وعاملتها بطريقة باردة وغير ودية .طريقة .ومع
ذلك ،فقد تصرف ضمن توقعات المجاملة الرسمية لصالح من كان هناك معهم -وكان هناك دائًما شخص حاضر -وهو ما لم يمنع
وجوده على أي حال من أن يبدو منتشًر ا ،حتى من مسافة بعيدة .حتى من مسافة بعيدة ،بدا أنها قادرة على شم رائحة العشب الطازج
والقرفة .ومؤخرًا أيضًا تناول الكاكاو ،ألنه كان مهووسًا ببسكويت نورا .أخفاهم الطباخ عنه ،لكن كريستوفر تمكن دائًما بطريقة ما
.من رشوة شخص ما .كانت آنا على يقين من أنه كان يفسد إخوتها ،ويرد الجميل باأللعاب ،والرحالت الصغيرة ،والمال
لقد تنهدت .يا له من معلم رائع ،زوجها .لم تره إال قليًال ،ألنها كانت تتجنبه ،وأيضًا ألنه كان بعيدًا عن المنزل معظم الوقت ،وال
.يعود إال لتناول الوجبات الرئيسية .في أحد األيام كان في لندن ،ولم يروا بعضهم البعض على اإلطالق
المثل-
سمعته في عدة مناسبات يعود في وقت متأخر من الليل .فكرت اآلن أنه ربما لديه حبيبة .من يعرف من هو .أتمنى أال تكون السيدة
إدواردز بعد .أدارت رأسها إللقاء نظرة سريعة من نافذة المطبخ .أدت الشمس الحارقة في النصف األخير من شهر أغسطس إلى
تدفئة الريف .بعد االنتهاء من دروسهم مع معلميهم الجدد ،ذهب دينيس وأنتوني إلى اإلسطبالت مع فيليب ،الخادم الذي يعتني أيًض ا
بالخيول ،ولويس ،المدرب األعور .كان والدها يستريح -لم يعد يغادر غرفته أبًد ا تقريًبا ،فكرت بألم في قلبها -بينما كانت فيكتوريا،
الخادمة العجوز التي تم تعيينها بناًء على طلب كريستوفر ،في السرير مصابة بنزلة برد وتعتني بها نورا بخلطاتها .حتى جريس
.الصغيرة كانت معها ،ألنها أخذت دورها كمساعدة طبيب على محمل الجد
كانت آنا في المطبخ تغسل أطباق الغداء بينما كانت تدندن بأغنية مزارع خارج اللحن .همهمت ألنها لم تبق بمفردها أبًد ا لبضع
ساعات خالل النهار ،وكانت القدرة على التركيز على أفكارها تبدو وكأنها حفلة .من يمكن أن يكون لوسي لخطيبها؟ تساءلت وهي
تفكر في األمر .غسلت طبًق ا ووضعته على جانبه حتى يجف .دانيال؟ لم تكن لوسي مهتمة به ،وربما كان األمر أفضل بهذه الطريقة،
حيث ترى أن الشاب ال يزال يحمل مودة تجاه آنا .المودة ،وليس الحب ربما .اعتقدت أنه ربما لم يكن حًبا أبًد ا .في الواقع تلك القبلة
التي أعطاها لها . . .وضعت طبًق ا آخر ليجف .إن لم يكن دانيال ،ماثيو؟ لم يعد لها عالقة به بعد اآلن ،ولكن كلما عرفته أكثر ،كلما
. . .أحببته أكثر .شعرت لوسي بنفس الطريقة .ويبدو أن األمر غالبًا ما يسير على هذا النحو
آنا ،ماذا تفعلين بحق الجحيم؟" سأل صوت زوجها من خلفها .كان صوته مفاجًئ ا ،كما كان الحال دائًما عندما كانا بمفردهما .وحيد" .
.شيء لم يحدث لمدة أسبوع تقريًبا ،ولن يكون من الضروري أن يحدث اآلن ،أو بوضوح ،أو مرة أخرى
تجمدت آنا ويداها في ماء األطباق وتوقفت على الفور عن الطنين .للحظة منعها الذعر من التفكير .تسارعت دماءها بسرعة كبيرة
لدرجة أنها أصيبت بالذهول واضطرت إلى االتكاء على حافة الخزانة لتتمكن من الوقوف .ماذا يفعل هنا في هذا الوقت من اليوم؟
.أمسكت بمنشفة على جانبها ومسحت يديها ببطء
.هادئ .تظاهر بالهدوء .ال تخافوا
.التفتت نحوه
ال تزعجيه يا آنا .كل شيء سيكون على ما يرام .سيأتي شخص ما(
).قريبًا
".الطنانة" .ومع تصرفك الحساس هذا ،ال أعرف كيف ستتمكن من النجاة من هذا العار
عبس كريستوفر ،وخشيت آنا للحظة أن تكون قد تمادت أكثر من الالزم .ومع ذلك ،أدركت أن وجهه بدا غاضبا ،وبدا منزعجا. . .
لكن . . .ولكن هل كان حقا؟ لم تستطع إال أن تتساءل .لقد رأت كريستوفر غاضًبا عدة مرات ،لكن يبدو أنه يتصرف اآلن .لكن
لماذا؟
".قال" :أنت بحاجة إلى تعيين خادمة أخرى يا آنا"" .وطباخة لتحل محل نورا
.ربما أساءت فهمه" .ماذا قلت؟" سألت مذهولة
".وأوضح سريًع ا" :من الواضح أن نورا ستبقى رفيقتك ،لكنها ال تستطيع طهي الطعام ثم الجلوس معنا على الطاولة
أغلقت آنا فمها ونظرت في األمر .كانت نورا كبيرة في السن ،وقد حان وقت الراحة ،وربما يكتفي زوجها بهذا التنازل ،وينسى
".مطالبه األخرى التي ال معنى لها" .سأحاول التحدث معها يا سيدي
.جيد .ولكنك بحاجة إلى خادمة شخصية ومربية"
بالطبع ال! هناك بالفعل الكثير منا في هذا المنزل " .كانت تأمل أن يفهم من النظرة على وجهها أن الشخص الكثير جًد ا هو ،وبشكل "
”.أكثر تحديًد ا" .أنت تحتفظ بخادمك ،لكني لست بحاجة إلى خادمة شخصية .أما إخوتي فأنا أعتني بهم بنفسي ،كما تعلمون
"-هل يجب أن تكوني دائًم ا غير معقولة يا آنا؟" قال كريستوفر وهو يمرر يده على شعره" .نستطيع"
لقد وافقت على كل شيء يا سيدي!" لقد بادرت" .لقد طلبت مني أن أسمح لك بإدارة محاسبة المنزل .لقد طلبت مني أن أرافقك في "
"...أمسياتك بالخارج في المجتمع
".وهو ما لم تفعله أبًد ا ،وهو اختالق ألف عذر في كل مرة"
لقد طلبت مني أن أكون متعاوًن ا والعديد من األشياء السخيفة .يجب أن تترك مساحة صغيرة للتنفس اآلن! انفجرت وغاضبة .ابتعدت"
عنه وأمسكت بالطبق الذي تركته ليجف" .واآلن ،من فضلك دعني أنهي ،ألن لدي أشياء أخرى يجب أن أفعلها اليوم .أنت ,ال؟"
.سألته بمرارة« .قريًبا يجب أن أخرج في زيارة ،أال تتذكرين؟ المكالمات االجتماعية التي تجبرني على إجرائها في الحي يا سيدي
أمسكت بالمنشفة ومسحت الطبق ،محاولًة تجاهل الشعور بالحكة في رقبتها؛ كان زوجها يحدق بها ،وشعرت بذلك ،مما جعلها
.متوترة مثل وتر الكمان
يا إلهي ،لكن لماذا ال يرحل؟
تظاهرت بعدم االهتمام ورفعت ذراعها لتضع الطبق الجاف على الرف ،لتقف على أطراف أصابعها .وسمعت زوجها يقترب ،وكاد
.الطبق أن ينزلق من يدها
دعني أساعدك "،غمغم .ماذا كان ذلك في صوته؟ الرقة والحنان؟ يا إالهي .لم تكن لهجته أي إشارة إلى الغطرسة منذ لحظة سابقة"،
!وقد أصيبت بالشلل وذراعها مرفوع عندما توقفت عن التنفس .ال ،من فضلك ،ال
.خلفها ،رفع كريستوفر يده ليأخذ الطبق ،بالكاد يلمس أصابعها ،ثم أبعد الطبق ببطء
خفضت آنا ذراعها بسرعة .لماذا كان قلبها يصدر الكثير من الضجيج كما كان يرتجف من الخوف مثل الزلزال؟
.شكرا لك" تمتمت دون أن تلتفت"
.لم يرد زوجها ،بل وقف خلفها ،وكان قريًبا جًد ا منها .ذهبت آنا إلى الجانب ،لكنه وضع يده على وركها األيمن
"!أسوأ مخاوفها .التفتت فجأة" .سيدي ،ال تلمسني
ولكن ماذا كان الشيطان في عينيه؟ هل كان البؤس هو الذي احترق هناك؟ لماذا؟ صمتت وشعرت أن وجهها بدأ يحمر .تحركت مرة
أخرى لتبتعد ،لكن يديه كانتا ممسكتين بها بقوة .لم يكن يرتدي قفازات ،وكانت تشعر بالدفء من مالمسته الخفيفة لبشرتها ،حتى من
.خالل مالبسها الخفيفة
سيأتي شخص ما ،شخص ما .قريبًا .ليساعدني هللا .وضعت آنا كفيها على ساعديه ،ودفعتهما لتحريكهما" .سيدي ،دعني أذهب!
ال "! . . .صوتها تراجع .أين كانت غطرسته؟ لماذا كان فمه منحنًيا هكذا؟ لم تتمكن من النظر بعيدا .شعرت بالضياع ،وال تعرف
.السبب :هل هذا هو الوحش الذي أرعبها؟ وقفت ساكنة بينما شعرت بمشاعر مدهشة في أعماقها
آنا" ،تمتم وهو يدفعها نحو الخزانة ،متكًئ ا على جسدها .انها ال تزال لم تتحرك .لقد شعرت به قريًبا ،كان عليها ،يا إلهي! -وما "
زالت لم تتحرك .كانت متجمدة حتى في عقلها ،وأفكارها متناثرة في كل مكان .رفع كريستوفر يده ووضعها على خدها .كان دافًئ ا
.وجاًف ا .ومرة أخرى استرخت بطنها ،كما لو كانت تبكي
.س-سيدي ." . .لقد تلعثمت"
"آنا" ،كرر بهدوء وهو يميل رأسه نحو وجهها" ،أال تقبلين زوجك؟"
كانت أفواههم قريبة جًد ا .قلبها . . .أين ذهب قلبها؟ كان هذا الشيء اللعين في حلقها ،وكان يضربها بصوت عاٍل داخلها مما يؤذيها.
تمتمت قائلة" :دعني أذهب يا سيدي" .وما زالت تحدق به ،في عينيه ،وما زالت تتساءل :هل هذا هو الوحش الذي ابتلعني بالكامل؟
".من فضلك ،آنا"
.لو سمحت
لقد كانت مذهولة لدرجة أنها لم تستطع التحرك .قام بضرب خدها بإبهامه .كانت شفتيه على مسافة إصبع منها .أنفاسه كانت بالفعل
.بداخلها
لماذا ال أدفع هذا الرجل بعيًد ا؟ رمشت مرة واحدة ،ثم مرتين ،ثم مرارا وتكرارا .ثم مرة أخرى حتى تذكرت .العشب .المكتبة .حتى
.القبلة التي قدمها لها يوم زفافهما
)لم يستمع أبًد ا إلى ما أسعدك ،أليس كذلك يا آنا؟(
أدارت وجهها إلى الجانب ،مظلًما بالحزن والكراهية" .دعني أذهب "،أمرت ببرود .ولم تعد خائفة .كانت تعلم أنه لن يجبرها :فقد
.كتب ذات مرة في عينيه صادًق ا وضمنًيا في طلبه تقبيله
أطلق كريستوفر أنيًن ا ناعًم ا وأسقط جبهته ليلمس خدها .كان أنفاسه ال يزال يالمس بشرتها ،واستمر دفءه في االندماج مع أنفاسها.
لقد وقف هناك لبضع لحظات بينما كانت أصوات الطبيعة المبهجة تأتي من خالل النافذة المفتوحة .ثم أنزل يديه ورفع رأسه واستقام
.ورجع خطوة إلى الوراء
.كان هذا هو تحوله
وها هو زوجها مرة أخرى ،وقد تغير مرة أخرى إلى نفس الرجل الذي كان عليه من قبل ،وبنفس التعبير القاسي القاسي على وجهه،
.المتغطرس والبعيد
.سارت آنا بسرعة نحو الباب ،متصلبة ،دون أن تنظر إليه مرة أخرى
".آنا"
.توقفت عند الباب واتجهت نحوه .ولم يظهر أي عالمة على العاطفة
".قال لها بأمر واقع" :لن أنتظر إلى األبد"" .يجب أن يكون هذا واضًح ا لك
هنا كان الوحش .تراجعت آنا ثم هربت من المطبخ وقلبها ينبض في صدرها بعنف ،مما جعلها تقريًبا
.أعمى بالخوف
".كانت يده ترتعش ،وكتبت توقيعه على الوثيقة" :جيمس تشامبيون
».قال كريستوفر« :جيد ،اآلن لم يعد لديك ما يدعو للقلق
أومأ والد زوجته برأسه دون أن يجيب ،منهكًا من التعب .في غرفة شامبيون هاوس التي استخدمها كريستوفر كمكتب ،كانت حرارة
.فترة ما بعد الظهر خانقة
"أيها السادة ،هل انتهينا هنا؟"
بالطبع يا سيد دافنبورت "،أجاب أحد المحامين المذكورين في هذه القضية ،وهو رجل قصير القامة ومستدير ،ذو عيون منتفخة مثل"
.عيون الضفدع األمريكي
.جيد .سوف أراك بالخارج ،إذن .سيد تشامبيون ،سأتصل بنورا .سوف تساعدك على العودة إلى غرفتك"
".شكرا لك يا بني"
عندما ينتهي الوقت من عمله ،فكر كريستوفر ،كل ما يتبقى للرجال فعله هو مشاهدة األشياء تتالشى .وعلى الرغم من زياراته الطبية
المستمرة ،إال أن حالة والد زوجته كانت تسوء يوًم ا بعد يوم .في بعض األحيان لم يتذكر حتى تاريخ ميالده .آه ،الوقت . . .يا له من
.ابن العاهرة
وقال للمحاميين" :أيها السادة ،إذا اتبعتموني" .أرشدهم ،ومشى نحو الباب األمامي ،وعندما فتح الباب لخروجهم ،وقفت زوجته هناك.
ألكون صادًق ا ،كانت مشكلة بسيطة " -مشكلة" ُتعرف أيًض ا باسم "حدث غير متوقع" .اللعنة ،لم أكن بحاجة إلى هذا .لقد حاول إخفاء
.حظه السيئ" .العودة بهذه السرعة؟" سألها ببرود
.نظرت آنا إلى الرجلين معه متفاجئة إلى حد ما .أجابت" :نعم" .يبدو أنها تنتظر أن يتم تقديمها
جهز نفسك النتظار طويل جًد ا إذن .رأى كريستوفر ضيفيه بسرعة ،ثم ،دون كلمة أخرى ،سار نحو مكتبه ،والتقى نورا والسيد
.تشامبيون في الردهة
.مشكلة طفيفة أخرى
"يا أبي "،سمع آنا تصرخ" ،لماذا تقف على قدميك؟"
".قالت نورا بمرارة« :اسألي زوجك» ،وهي حريصة كالعادة على لفت االنتباه السلبي إلى كريستوفر" .لقد أتعبه
.من يا كريستوفر؟" قالت آنا متفاجئة" .كريستوفر!" دعت"
أسرع بخطواته وعاد إلى مكتبه وأغلق الباب خلفه .تم إنقاذه مؤقًت ا فقط ،ألنه بعد لحظة فتحت آنا الباب بقوة" .لماذا كنت بحاجة إلى
.والدي يا سيدي؟" اتهمته من الباب
.مشى كريستوفر نحو زجاجة الويسكي التي احتفظ بها على طاولة صغيرة بالقرب من النافذة ،وأدار ظهره لها
.سيدي ،من هم هؤالء األشخاص الذين أحضرتهم إلى هنا؟ عادًة ما تعتني بشؤون عملك في روكفيلد"
.فتح ببطء زجاجة الخمر
.السيد .دافنبورت ،أنا أطلب إجابة"
سكب كريستوفر إصبًع ا من الويسكي بعناية في كأس ،ثم قطفه
.رفعه ومشى إلى المكتب .ومع ذلك ،لم يجلس خلفه ،بل اتكأ عليه فقط ،في مواجهة زوجته
".لن أغادر حتى تجيبني يا سيدي"
أخذ رشفة من الزجاج .كانت آنا ال تزال ترتدي قبعة على رأسها وكانت تحمل مظلة .لقد لوحت بها بطريقة مزعجة إلى حد ما
".بالفعل .تنهد ،ألنها ستبدأ بالصراخ كامرأة مجنونة .أجاب أخيًر ا" :والدك ليس على ما يرام
"كانت صامتة ،واأللم يبرق على وجهها مثل ظل يد عدو .ثم تمتمت" :وما عالقة هؤالء الناس بذلك؟
وأوضح" :هؤالء الناس محامون" .هل من األفضل أن تأخذ الطريق الطويل لشرح ذلك أم أن تقوله بسرعة؟ سيكون من األفضل عدم
".قول ذلك على اإلطالق ،ولكن" . . .لقد عينني أبوك وصيا على إخوتك وأختك وعلى جميع أمواله
هذا ال يبدو سيئا للغاية بعد كل شيء ،أليس كذلك؟ ربما أنا قلق من أجل ال شيء .آنا قد تأخذ األمر على ما يرام .جيد جًد ا ،على
األقل .في الواقع ،لقد تعاملت مع األمر بشكل سيء للغاية :بدا أنها فقدت لونها وصوتها .لقد وقفت هناك تلهث للحصول على الهواء
.مثل سمكة في مرج
الجحيم الدموي .رفع كريستوفر يديه لوقف االنفجار الوشيك .قال بهدوء" :وهذا هو الحل األفضل يا آنا"" .ال يمكن لوالدك
"...االستمرار
أنت؟!" صرخت بجانب نفسها ،واتخذت خطوة نحوه وأشارت بإصبعها إليه بطريقة ميلودرامية إلى حد ما" .أنت؟! ولي أمرهم؟ "
"-انت مجنون! أنت! انت لن تكون
".بالفعل انا" .اعتباًر ا من اليوم" ،أجاب بجفاف ،متخلًيا عن لهجته اللطيفة" .ليس لك رأي في هذا األمر"
!ليس لدي رأي؟ أنا أختهم وأعلم ما هو خير لهم! ومن المؤكد أنه ليس أنت"
».اه كال؟ "اه كال؟ وهذا غريب ،ألن لدي ورقة تثبت عكس ذلك تماًما
كان التهيج يتصاعد بداخله .حاول التهدئة .يمكنه أن يحاول الجدال معها بشكل منطقي ،بدًال من إذاللها وجعلها تبكي .لقد فكر في
.ذلك .المنطق وأنا البطل :ال مستحيل .قرر أن يحاول على أي حال
بدأ كالمه قائًال" :تعالوا اآلن يا آنا ،هذا ال يغير شيئًا بالنسبة لك وألحبائك"" .أنا أفضل شخص للتعامل مع شؤون عائلتك .وبقدر ما
"...يتعلق األمر بإخوتك ،يمكنك االستمرار في االعتناء بتعليمهم ،ربما بقدر أقل من التساهل ،ولكن
هل تنصحني بكيفية تربية األطفال؟" ولو كان قد نصحها بشأن كيفية تقطيعها إلى قطع وطهيها ،فربما كانت ستأخذ األمر بشكل "
أفضل ،فقد كان متأكًد ا من ذلك" .هل سمعت بشكل صحيح؟ أنت!" يبدو أن الغضب جعلها أطول" .لن أثق بك في تعليم دودة
"!األرض
ضرب كريستوفر كأسه على الطاولة ،وانسكب الخمر في كل مكان .قفز واقفا على قدميه ،مملوءا بالغضب وأكثر -شيء آخر ،يشبه
.الحمى ،كان متعبا للغاية
شهقت آنا ،ولمع الخوف في عينيها ،لكن الغضب كان شديدًا ،وتابعت بجانب نفسها“ :أنت إنسانة عنيفة بال أخالق! أنا أختهم الكبرى،
" !ولن أسمح لهم بالبقاء تحت وصايتك
أخذ نفسا عميقا قبل أن يتحدث ،ووضع يده على جبهته .وبعد بضع ثواٍن استعاد ضبط النفس وأجاب" :أنت أختهم ،هذا صحيح تماًما،
ولكن قبل كل شيء ،أنت امرأة ،ومن المفترض أنه يجب عليك التصرف على هذا النحو .ضعي في اعتبارك ما يستلزمه منصبك –
”— التطريز والدردشة مع األصدقاء – لكن اتركي األمور الجادة للرجال .أنت تعلم جيًد ا أنك ال تستطيع تقديم
لم تكن تستمع ،وخدودها احمرت من الغضب" .سوف أوقفك!" لقد قاطعته" .أنت ال . . .سأنتقل فوًر ا إلى . . .أنا
لقد طلبت مني بعض الوقت لتعتاد علي ،وأنا أعطيك إياه – يجب أن تدرك ذلك .يمكنني أن أتحمل افتقارك إلى االنضباط بصبر
القديس ،لكني أحذرك ،لن يدوم ذلك إلى األبد .يجب أال تنسي أنك زوجتي ،وسوف تبدأين بالتصرف على هذا النحو عاجًال أم آجًال.
.لديك واجبات تجاهي ،وأنت تعرف ذلك
كم احمرت وجنتاها بالنار عندما غضبت! ونظرت عيناها الغاضبة إليه أخيًر ا" .أنا؟ تجاهك؟ ال يا كريستوفر ،عليك واجب أخالقي
»!أن تختفي من على وجه األرض ،وبسرعة
).ال شيء .ال شيء .تنفس(
بدأ يشعر بأنه أصبح ساخًن ا بشكل خطير .كان قلبه ينبض بشكل أسرع ،ودمه يجري بجنون في عروقه .واألمر األسوأ هو أنه بدأ
يرى كل شيء بظالل حمراء ،وبعد ذلك فهم الخطر بوضوح .لقد فهم أنه على وشك فقدان السيطرة .لقد فهم أنه سيؤذيها" .من أجل
".مصلحتك يا آنا "،قال ببطء بصوت منخفض جًد ا ،وهو يسحب كل مقطع لفظي" ،اذهبي اآلن .وبسرعة
كان هناك ألم وذعر على وجهها ،والدموع في عينيها .عضت آنا شفتها .من المؤكد أنها لم تستطع أن تخطئ في غضبه ،فتراجعت
.حتى اختفت عن األنظار .تردد صدى خطى هروبها الخائف في الردهة
ذهب كريستوفر إلى باب المكتب وضربه بعنف شديد لدرجة أن الجدران بدت وكأنها تهتز .وقف واضًع ا إحدى يديه فوق عينيه،
.مستمًع ا إلى الصوت الغريب لنبض قلبه
قال لنفسه بعد عدة دقائق ،بينما كان العقل يذيب ظالم عقله وحواسه ،لم يكن األمر سيًئ ا للغاية .لقد هددت بقتلي مرتين فقط ،بعد كل
.شيء
OceanofPDF.com
26
.هناك أوتار في قلب اإلنسان من األفضل أال تهتز
تشارلز ديكنز-
".قال له ليوبولد وابتسامة تشبه الوتد في قلبه" :حسًن ا جًد ا يا دافنبورت ،يمكننا الذهاب لرؤية تلك األرض إذا كنت ترغب في ذلك
.بكل سرور ،ديميرسي .أنا أشتريه منك بسعر جيد ".وسأستعيد كل شيء ،تأكد من ذلك"
دار ليوبولد حول المكتب وربت على كتفه .قال قبل أن يضحك" :أنا أستمتع بالتعامل معك"" .وأشياء أخرى بالطبع .لكن ربما ال
يمكنك قول الشيء نفسه أيها الشاب؛ باألمس فقدت الكثير من المال .دون أن يرف له جفن ،يجب أن أعترف .أنت العب فظيع يا
.دافنبورت
"...أعطى كشر استقالته" .هذا صحيح يا سيدي .ربما يمكنك أن تعلمني بعض
ُف تح الباب دون سابق إنذار وهرع دانييل إلى مكتب والده .توقف فجأة ،مذهوًال ،مالحظًا كريستوفر" .السيد" .دافنبورت" ،استقبله
".ببرود" .أعذرني على المقاطعة ،لكني لم أعلم أنك هنا .قال ،يا أبي ،ووجهه المظلم يزداد قتامة" ،أريد أن أتحدث إليك
حتى األمراء يدخلون المعارك في بعض األحيان ،فكر كريستوفر بسعادة .ربما للمرة األولى ،كان على وشك قضاء وقت ممتع في
.ريفرستون مانور
أجاب ليوبولد منزعًج ا« :ليس اآلن يا دانيال»" .أنا مشغول ،كما ترون .وأنت كبير بما يكفي لتعرف أن أحدهم يقرع قبل الدخول
".كريستوفر ،يسلمه العقد" .أتصور أن والدي لم يخبرك بكل تفاصيل هذا األمر . . .شأن
".تجاهل كريستوفر الذراع الممدودة ألخيه غير الشقيق" .أنت مخطئ يا سيد ديميرسي .وأنا على علم بذلك تماما
استقرت المفاجأة والغضب على وجه دانيال المشلول .للحظات قليلة لم يتمكن من الكالم ،وقد أصابه الذهول الشديد" .هل تعني أنك
""تعلم بالفعل أن هناك حقوق انتفاع لهذه األرض؟" سأل أخيرا ،غير قادر على تصديق ذلك"" .األرملة وأوالدها
كان من األفضل توضيح الوضع .وقال كريستوفر" :أقصد أن أقول إن العقد الذي تلوحون به مثل العلم به عيب"" .الشرط غير
صالح .سأستفيد من تلك األرض على الفور كما أراه مناسًبا .ابتسم بال مباالة" ،من الواضح أنني آسف لألرملة ،لكن ال يمكنني فعل
".أي شيء حيال ذلك .سيكون عليها أن تذهب
ليس من السهل أن تهز عينيك ،وتجعد جبينك ،وتثني شفتيك وأنفك في نفس الوقت ،لكن دانيال نجح بشكل جيد للغاية .حتى أنه تمكن
.تماًما من إغالق نفسه في صمت غاضب
ضحك ليوبولد .كان على كريستوفر أن يعترف بأن والده يفهم فن الضحك .كان يعرف متى يستخدمه كسالح فتاك ،ومتى يستخدمه
للتملق ،ومتى يستخدمه لإلغواء .كان قادرا على التكيف مع كل الفروق الدقيقة .في هذه الحالة ،كان السخرية واالشمئزاز والوهم
مترابطة في ضحكة ليوبولد ،فضًال عن التسلية الحقيقية .نعم ،هذا ما جعله جيًد ا في ذلك .لقد كان حًق ا يتمتع بالكثير من المرح في
.اإلذالل .يعتقد كريستوفر أن الخط الدقيق الذي يفصل بين المحترف والفنان موجود هنا
ماذا أخبرتك يا دافنبورت؟" كانت لهجة ليوبولد استمراًر ا مثالًيا لضحكته" .ابني لديه قلب رقيق .دانيال ،لقد سمحت لك بالفعل "
.بالعيش في هذا المنزل .ال تطلب مني أن أتحمل وجودك في مكتبي
.هذه الكلمات ضربت دانيال في صميمه .ويشتبه كريستوفر في أن الرد الذي قدمه كان موجًها إليه وليس إلى والده
أجاب باقتضاب" :أنا ال أبقى في هذا المنزل من أجلك ،وأنت تعرف ذلك"" .ولن أسمح لك بارتكاب هذا الظلم يا أبي .كان مارتن
شادوز صديًقا جيًد ا لي ،بل كان أيًض ا صديقك العزيز ،يا إلهي! كيف يمكن أن تتصرف مثل هذا؟ وأنت يا سيد دافنبورت ." . .التفت
"-نحوه" .من غير الممكن أال تتأثر بحالة هذه األرملة و
لماذا ال تدعمهم بنفسك يا دانيال؟" قاطع ليوبولد" .بأموالك بالطبع .أيًض ا ،بهذا المعدل ،لن يدوم األمر طوياًل ،كما ترى"
كما تعطي لكل فقير يسألك .هل ستأتي متسوًال مني إذن؟
».أنا ال أريد أموالك ،وأنت تعرف ذلك .أريد أًبا قادًر ا على التصرف بطريقة الئقة لمرة واحدة فقط"
هذا عدم احترام لك يا بني ".لم يكن هناك غضب في صوت ليوبولد .في الحقيقة ،يبدو أن كلمات ابنه قد أسعدته عملًيا اآلن" .اآلن "
اخرج ،وإال سأخذ حزامي وأجعلك تصر مثل الفأر ،تماًما كما كنت طفًال .وسوف تصرخ أكثر مما كنت تفعل حينها ،ألنك تصبح
.أكثر ليونة مع مرور كل يوم
لم يعره دانيال أي اهتمام وألقى على كريستوفر نظرة تبشر بالقتال .لم يرف له جفن .حذره أيها األمير الصغير ،لقد حذره بصمت.
.أنت ال تريد أن تتحدىني .سوف تجعد مالبسك
".قال دانييل" :ال آمل الكثير من والدي ،لكنني أطلب منك توضيًح ا يا سيد دافنبورت
ووجهك يا دانيال .سوف تتجعد وجهك كذلك" .أوه حًق ا . . .أنت "الطلب" . . .؟" واجه مشاكل في احتواء غضبه ،فصمت لبضع
لحظات قبل أن يتابع .قال أخيًر ا" :ال ينبغي لي أن أجيبك يا سيد ديميرسي ،لكنني سأفعل ذلك من منطلق االحترام الذي أكنه لوالدك.
العمل هو العمل ،وعندما يكون لديك مسؤولياتك الخاصة ،إذا قمت بذلك ،فسوف تفهم ما يعنيه ذلك .من يدري أي نوع من الحشرة
رآها دانييل عندما نظر إلى أخيه غير الشقيق ،كان قبيًح ا جًد ا وسوداء جًد ا ،إذا حكمنا من خالل الغثيان على وجهه .كان كريستوفر
يود أن يتجاهل ذلك ،أو على األقل يجده مسلًيا ،لكنه أدرك أن هناك خطًر ا حقيقًيا في السماح لنفسه باالنجراف إلى الغضب .قال
".بسرعة لوالده" :اآلن سأغادر يا ديميرسي"" .سأتركك وحدك إلنهاء هذه المحادثة .يمكننا تأجيله حتى الغد
ال ،ابق" ،دعاه ليوبولد" .وأنت يا دانيال ،افعل ما يحلو لك .ساعد تلك المرأة ،وادعم أطفالها ،وتخلص من أموالك .ربما ستسمح لك "
".بالحصول عليها ،شكًر ا لك ،وهللا وحده يعلم مدى حاجتك لذلك .اآلن اخرج قبل أن أطردك
ابتسم كريستوفر بإحكام" .ال تكن صارًما جًد ا مع ابنك يا سيدي" حثه بتنازل .ثم ،عندما علم أنه ال ينبغي له أن يفعل ذلك — مجبًر ا
نفسه على عدم القيام بذلك — التفت نحو دانيال وخاطبه مباشرة .كان يعتقد أنه سيذهب إلى الجحيم .يحتاج هذا المهرج الالمع إلى
".نصيحتين حًق ا .وقال" :أنا متأكد من أنك ستحصل قريبًا على ضمير متسخ عندما يحين دورك التخاذ القرارات يا سيد ديميرسي
ضاق األخ الصغير عينيه ولم يتراجع" .السيد .أجاب بجفاف" :دافنبورت ،أفضل أن أغوص برأسي في األرض من ارتفاع مائة قدم
».بدًال من أن أصبح مثلك .قال وهو يرفع ذقنه« :وأنا متأكد من أن زوجتك ال تعلم كيف تدير عملك
شعر كريستوفر بشعور مزعج يغلي في رقبته ورأسه" .هذا ليس عمًال للنساء ،أال تعتقدين ذلك؟" سأله .بدا صوته عصبيا بشكل
".خاص" .يجب على رجل مثلك أن يعرف ما هو مناسب وما ال يناسب آذان النساء
قال ليوبولد ساخًر ا" :كنت سأقسم أنك ستذكر اسم تلك الفتاة ،عاجاًل أم آجاًل ،دانيال"" .أنت يمكن التنبؤ به للغاية .وأنت يا دافينبورت،
اعذره :ابني يهاجمك ألن زوجتك كسرت قلبه .حلت لحظة صمت بينما كان ليوبولد يراقب كريستوفر بعناية .واختتم كالمه قائًال" :ال
،".يبدو أنك مندهش أيها الشاب"" .أعتقد أنك تعلم بالفعل أن ابني كان مخطوًبا لزوجتك لفترة قصيرة ،ربما تكون عابرة
أعطى كريستوفر إيماءة مقتضبة" .كما قلت لك يا سيدي ،أنا ال أوقع عقًد ا أبًد ا دون معرفة كل التفاصيل" .ابتسم لدانيال بسخرية مع
رغبة شديدة في إيذائه .إن وجود دانيال أمامه شخصًيا عندما كان يراه كل يوم في عيون زوجته كان أمًر ا مبالًغ ا فيه حًق ا" .أنا آسف
".جًد ا لقلبك المريض يا سيد ديميرسي
هز دانييل رأسه ،وعاد تكشيرة شفتيه -االشمئزاز -إلى وجهه" .أنا آسف أيًض ا ،ولكن لزوجتك يا سيد دافنبورت ".لم يبدو محرجا.
".لقد شهد الحوار بين ليوبولد وكريستوفر دون أن يظهر أي انفعال" .آنا تستحق األفضل
شعر كريستوفر بالدم يقصف صدغيه .كان يعلم أنه ذهب بعيدًا جدًا ،ولكن العودة إلى الوراء اآلن كان مستحيًال" .واألفضل ،كما
".أتخيل ،سيكون أنت
أجابه أخوه غير الشقيق ،وقد خرج صوته متقطًع ا من حنجرته" :أي شخص ،سيكون أي شخص أفضل منك .كم مضى على
زواجك؟ عشرة أيام؟" انفجر ،ولم يعد قادرا على كبح جماح نفسه" .ولقد خنتها بالفعل ،في سبيل هللا! هل تعتقد أنها ال تعرف األماكن
" التي ترتادها؟" أعطى والده نظرة اشمئزاز" .أنت تهينها بوحشية يا سيد دافنبورت .أليس لديك حتى القليل من االحترام لها؟
وال ينبغي له أن يهشم وجه أخيه .ال ينبغي له ذلك .ليس هنا ،وخاصة أمام والده الذي كان يراقب بابتسامة سعيدة" .ديمرسي ،أنا
أحذرك" ،قال بجدية ،حيث وجد صعوبة في فتحه
".قال بفكيه المطبقين" :ال تذكر زوجتي بعد اآلن ،وإال سأجعلك تندم على ذلك
بدا أن المنطق السليم يراوغ دانيال في تلك اللحظة .وقال وهو يرفع صوته متهمًا« :ال أعرف كيف تمكنت من إقناعها بالزواج منك،
لكنك خدعتها ،هذا أكيد»" .لو عرفت أي نوع من الرجال أنت ،لهربت منك آالف األميال .ربما تكون قد فهمت بالفعل -إنها تخاف
!كلما اقتربت منها ،ومن الواضح أنك ال تجعلها سعيدة يا دافنبورت
)األمر واضح يا كريستوفر .أو ربما كنت تعتقد أنها سعيدة معك؟(
ال تكن سخيفًا" ،أجاب كريستوفر وهو يقبض قبضتيه .ومما زاد الطين بلة أنه كان على يقين من أنه سيستخدم قبضتيه قريًبا جًد ا" .
"إنها زوجتي ولن تتركني .بالتأكيد لن تكون معك أبًد ا ،إذا كان هذا ما تأمله .ضحك لكنه لم يكن يستمتع .كان هذا بالتأكيد أبعد ما
"يمكن أن يتخيله عن المتعة" .كم كانت مدة خطوبتك؟ يوم؟
حتى ليوبولد انفجر ضاحًك ا ،وبدا األمر حقيقًيا هذه المرة .بعد كل شيء ،كان لديه كل األسباب للضحك" .أوه ،حتى أقل من ذلك يا
دافنبورت" ،أشار ليوبولد" .فقط ست ساعات فقط ،أم أنني مخطئ يا دانيال؟ خطوبة استمرت فقط من الصباح حتى الليل .أنت
».تعرف حًق ا كيف تسحر النساء يا بني
.قال كريستوفر لنفسه :لقد استمر يوًما كامًال .وزوجتي تجده أكثر جاذبية مني بكثير ،أؤكد لك
فقال له أبوه« :احذر يا دانيال»" .السيد .سوف يقوم دافنبورت بتمزيقك إلى أجزاء صغيرة إذا واصلت استفزازه .لم تكن جيًد ا أبًد ا
".في الدفاع عن نفسك
يبدو أن دانيال لم يسمعه .بدًال من ذلك ،حدق في كريستوفر ،وعيناه الخضراء مشتعلتان باالزدراء" .آنا نقية جًد ا بحيث ال يمكنها أن
!تحب رجًال مثلك .بطريقة ما كنت قد خدعتها .لقد شككت في ذلك بالفعل ،لكنني اآلن متأكد من ذلك يا دافنبورت
"!زمجر كريستوفر" :لقد أخبرتك ذات مرة ،ال تذكر زوجتي
"!دانيال"
صوت خائف قادم من المدخل جعلهم جميًع ا يستديرون فجأة .كانت السيدة إليانور في القاعة ،فنظرت إليهم بصدمة .كان فستانها معلًقا
عليها مثل الجلد المترهل" .دانيال ،ماذا يحدث؟" سألت في أ
. . ".صوت خافت .كانت شاحبة ،وشعرها منسدل ،وكأنها مهملة" .كان هناك صراخ
"-بدا دانيال فجأة وكأنه ينكمش" .أمي ،أنا
"!ماذا بحق الجحيم تعتقد أنك تفعل هنا؟" قال ليوبولد" .اذهبوا إلى غرفكم"
." . ".لكن الصراخ"
هذا هو ابنك ،الذي يصرخ مثل أنثى في الحرارة .لماذا ال تعيره فستانك يا إليانور؟ سيبدو بالتأكيد أفضل عليه منك .اآلن إغرب عن"
"!نظري .اآلن
أبي ،احترم زوجتك" ،قال دانييل وقد أصبح هادًئ ا فجأة .أكد لها بهدوء" :ال بأس يا أمي"" .لقد كان مجرد سوء تفاهم ودي بيني "
".وبين هذا السيد
لم تبدو السيدة إليانور مطمئنة ،كما أن جفونها نصف المغلقة بجانب األكياس تحت عينيها أبرزت مظهرها السيئ" .هل ستأتي معي
".إذن يا دانيال؟" توسلت إليه" .لو سمحت
يا لها من امرأة أشعث ،فكر كريستوفر وهو ينظر إليها ببرود من أعلى إلى أسفل .لقد أرادت الزواج من ليوبولد ،وهي اآلن ليست
.أكثر من ممسحة أرضية .وهو يناسبها أفضل من هذا الفستان الشهير
".أجاب دانييل وهو ينظر إلى كريستوفر" :حسًن ا يا أمي"" .سيتعين علينا مناقشة هذا مرة أخرى ،دافنبورت
".االعتماد عليه"
.استدار دانيال ليذهب إلى السيدة إليانور عند المدخل" .يأتي ".أخذ ذراعها بلطف ومشى معها
هز ليوبولد رأسه" .يا له من مشهد جميل ،إيه ،دافنبورت؟ أنا ال أفهم من الذي يتبعه ابني هذا .ولوال أن زوجتي كانت دائمًا قبيحة
كالحصان ،لقلت إنه من رجل آخر .لكنني وجدت صعوبة في ممارسة الجنس معها لكي أنجب ابني البكر ،وكان علي أن أفعل ذلك،
”.يا للجحيم! وأتساءل من يستطيع أن يفعل ذلك طوعا
وقال كريستوفر وهو يقلل من شأن الموقف" :إنه ليس مصدر إزعاج"" .أرجو أن تعذروني على المبالغة في رد الفعل .كل ما في
.األمر أنني معتاد على الدفاع عن أشيائي
قال" :هذا يظهر أنك رجل ذو خصيتين" ،وربت على ظهره .ثم ابتسم له والده مثل االبن الذي طالما أراده -والذي كان مضحًك ا
.على أية حال -وفي وقت آخر كان كريستوفر سيقدر هذه المفارقة .لكن منع ذلك كان بمثابة صوت مزعج في رأسه
.آنا غير سعيدة معك ،دافينبورت
.لكنها لي ،دانيال .إنها ملكي ،وليس هناك ما يمكنك فعله حيال ذلك
.لكنها لم تكن لكريستوفر ،وكان يعرف ذلك
OceanofPDF.com
27
أوه ال! لماذا الصراخ ضد األهواء؟ أليست هي الشيء الجميل الوحيد على وجه األرض ،ومصدر البطولة والحماس ،والشعر،
والموسيقى ،والفنون ،وبعبارة أخرى ،مصدر كل شيء؟
غوستاف فلوبير-
".هنا يأتي هذا الرجل األنيق ،آنا"
نظرت إلى أعلى من عجينة المعجنات التي كانت تعجنها
بقوة" .أي رجل أنيق يا أنتوني؟" مسحت العجينة الطحينية من يديها على مئزرها وشخرت .الزيارة بعد ظهر هذا اليوم لم تكن
مرحب بها؛ كانت تصنع الخبز وكان عليها االنتهاء قبل أن يعود زوجها إلى المنزل ويبدأ في التذمر .ذهبت إلى النافذة ورأت دانيال.
"".اذهب ودعه يدخل ،أليس كذلك يا أنتوني؟ أحضروه إلى هنا
.أجاب شقيقها" :أرسل دينيس"" .أو اتركه بالخارج .هذا ما تفعله دائًما مع كريستوفر
"هذا ليس صحيحا "،كذبت .لم يبدو أنطوني مقتنًع ا ،واستسلمت آنا" .دينيس هل ستذهب . . .؟"
.انخرط الطفل في معركة شرسة بالوسائد ،وأعلن هدنة وركض إلى الباب
"جلست جريس على طاولة المطبخ ونظرت إلى أعلى من الرسم الذي كانت ترسمه" .هل يمكنني رسم صورته يا آنا؟
".بالطبع ".من المؤكد أن دانيال لم يسبق له أن رأى صورة مثل تلك التي رسمتها أختها" .سوف يجعله سعيدا"
.وسرعان ما أعقبت خطوات أخيها السريعة خطوات دانيال األبطأ التي يتردد صداها في الممرات
".قابلته آنا عند المدخل .قالت" :دانيال ،يا لها من متعة رؤيتك
قبلها دانيال على يدها بلطف .لقد سحرتها عندما نظرت إليه .وكان من الواضح أن السماء أشرقت أكثر إشراقا بالنسبة للبعض من
اآلخرين .في ذلك اليوم ،كان خطيبها السابق وسيًما جًد ا :كانت مالبسه تبرز شعره البني ،الذي أضاءته الشمس أكثر؛ كان وجهه
المتناسق مدبوًغ ا بعض الشيء .وبدا لها أن جسده أكثر عضاًل مما كان عليه في المرة األخيرة التي رأته فيها .فقط عيناه بدت باهتة،
.وخافتة ،واالبتسامة على وجهه كانت قسرية
"آنا" ،استقبلها بأدب" .هل اضايقك؟"
".ال يوجد أي إزعاج ،أنت تعرف هذا"
من الزاوية المقابلة للغرفة ،حيث تم ترتيب الكراسي
. . ".صاح دينيس قائًال" :إنشاء حصنين مختلفين ،لكن هذا ليس عدًال! آنا! أنتوني
صه ،األطفال "،وبخت" ،لدينا ضيف .أنتوني ،ال تزعج أخيك .من علمك التصرف بهذه الطريقة غير المهذبة؟" لكنها كانت تعلم "
".ذلك جيًد ا ،لسوء الحظ" .العب بنزاهة ،وإال سأجعلك تتوقف على الفور
.هز أنتوني كتفيه وألقى وسادة على دينيس بينما لم يكن ينظر
قالت آنا وهي تتنهد مستسلمة وهي تتخلى عن توبيخ شقيقها مرة أخرى" :معذرة يا دانييل ،إذا كنت أقوم بعمل فظيع في الترحيب
"بك"" .لكنني متأكد من أنك ال تمانع ،أليس كذلك؟
".ال على اإلطالق يا آنا .من فضلك واصل ما كنت تفعله"
لقد وضعت الغالية على الشاي" .أنتوني ،عندما يصبح الماء جاهًز ا ،األمر متروك لك لملء األكواب .نورا خارجة ،وفيكتوريا تقرأ
.ألبيها
".عادت إلى الطاولة وبدأت في العجن مرة أخرى .قالت" :دانيال ،اجعل نفسك في بيتك"" .خذ الكرسي واجلس بجانبي
سأقف بجانبك إذا لم يكن لديك مانع ".اختفت نظرة االضطراب إلى حد ما من وجهه ،ونظر إليها بطريقة جعلتها تندم على عدم "
.الترحيب به بشكل أكثر رسمية
"هل هناك سبب محدد لوجودك هنا يا دانيال؟"
"لماذا نعم ".أصبح جدًيا للغاية واقترب منها ليتحدث بصوت منخفض" .هل يمكنك إرسال إخوتك إلى غرفة أخرى؟"
"لماذا ،لماذا؟ أجابت بسرعة" :سأحاول"" .دينيس ،جريس ،أنتوني ،لماذا ال تذهبوا للعثور على فيكتوريا وأبي؟
.أنا أرسم صورة الرجل المحترم!" -صاحت غريس بسخط"
"يمكنك االنتهاء في وقت الحق .قد تحتاج فيكتوريا إلى مساعدة في قراءة هذا الكتاب الكبير بنفسها .هل تريد مساعدتها يا أنتوني؟"
نظر إليها شقيقها ثم إلى دانيال .لن يتحرك من هذا المكان ،فكرت آنا بحزن .سوف يدافع عن أراضي كريستوفر .آه ،األخ الصغير،
. . .إذا فقط
".أجاب أنتوني" :حسًن ا" .لقد نسيت آنا دائًما مدى صعوبة التنبؤ بتصرفات ذلك الطفل" .دعنا نذهب .هيا يا دينيس
".ال ،أنا باق هنا ".بدا صوته الصغير حاقًد ا من خلف كومة الكراسي" .أريد بسكويت"
.تحول أنتوني نحو آنا وهز كتفيه
.تنهدت آنا" :لن يكون األمر سهًال"" .تعال .قطعتان من البسكويت إذا غادرت اآلن
وبعد بعض التردد تراجعت صفوف المعارضة .كان دينيس أول من استسلم ،وحذت جريس حذوه .وحمل كل منهم قطعتين من
.البسكويت في أيديهم ،وغادروا دون مزيد من االحتجاجات
"قالت آنا وهي تبتسم" :البسكويت يصنع المعجزات يا دانييل"" .أليس لديك واحدة؟
"أجاب" :بكل سرور" .ولم يترك جانبها أبًد ا ،حتى بعد رحيل األطفال .أدار ظهره للطاولة واتكأ عليها وواجهها" .هل جعلها نفسك؟
أوه ،ال .البسكويت في هذا المنزل ال يمكن صنعه إال بواسطة نورا .ذات مرة حاولت أن أصنعها بدًال منها ،ووجدت ضفدعتين في "
سريري .لقد كان تمرًد ا عاًم ا ،أنت ." . .نظرت آنا من العجين واحمر خجال .حتى أنها نسيت إنهاء الجملة ألنها الحظت الطريقة
".التي نظر بها إليها .كريمة ،هل من الممكن أنه لم ينساها بعد؟ "لقد قلت أنه يجب عليك التحدث معي يا دانيال
كان تعبيره يعكس قلًق ا بالًغ ا ،ولكن ليس القلق عليها ،بل عليها" .بالفعل ".أخذ نفسا عميقا" .آنا ،ال أرغب في أن أكون طائًش ا." . .
" .خدش رأسه بالتنهد" .ولكن ماذا أقول؟ بالطبع سيبدو هذا طائًش ا .الحقيقة انه . . .آنا ،يجب أن أعلمك بالتأكيد مسألة تتعلق بزوجك
قفز قلبها ،وارتعشت يداها في العجين .كريستوفر؟ ماذا فعل كريستوفر؟ ولماذا ينظر إلّي دانيال بهذه الجدية؟
)حادثة في العشب يا آنا؟ حادثة أخرى في العشب؟ لماذا سمحت بحدوث هذا؟(
. . .ال! أعلم ،أنا متأكد من ذلك! أنا متأكد من ذلك! يا إلهي . . .لطفا يا رب
أخبرني يا دانيال .هل فعل شيئا . . .شيء لم يكن . . .الذي -التي"
ماذا تقول؟" هل عرف كريستوفر عنها وعن دانيال؟ ولكن متى وكيف؟ "ال يوجد لدي فكرة! ولم يذكر لي كلمة قط .أتظن أنه عرف"
»ذلك من أبيك دانيال؟
" .ال أعتقد ذلك .يبدو أن اليوم هي المرة األولى التي يطرح فيها هذا الموضوع بالنسبة لهم"
.حًق ا؟ هذا غريب .قلت له شيئا ،وأنا ال أعرف . . .أوه ،الماء يغلي .ماذا يجب أن تفكر بي! اعذرني .أنا حقا مضيفة مخزية"
أجاب دانييل" :ليست كلمة "مخزية" هي الكلمة التي كنت سأستخدمها" .وكانت االبتسامة التي قدمها لها هي كل ما يلزم لتوضيح
.رأيه فيها
شعرت بدفء وجهها وقالت بسرعة" :على أية حال ،إذا لم يسألني كريستوفر عن أي شيء . . .عن ذلك الصباح ." . .توقفت ألن
الموضوع لألسف لم يساعد وجهها على استعادة لونه الطبيعي .واختتمت كالمها بعد لحظات قليلة" :هذا يعني أن الموضوع ليس له
أي أهمية بالنسبة له" .وإال لكان قد أخبرني بذلك بالتأكيد بألفي كلمة عديمة الفائدة ومتغطرسة ونظرته القاتمة تلك .شاهدت دانيال
وهو يصب الشاي في األكواب وألقت باللوم عليه بصمت .كانت تعرف أن هذا غير عادل ،لكنها لم تستطع منعه .اعتقدت أنه خطأك
أيًض ا يا دانيال .لو لم أذهب في ذلك اليوم للتفكير في تلك الحديقة . . .تنهدت وحاولت إبعاد تلك الذكرى ،رغم أنها ما زالت تطاردها
بعد مرور شهر .كانت هناك بضع ساعات هنا وهناك ،رغم ذلك ،تمكنت فيها من عدم التفكير في األمر .عادت إلى عمل الخبز
.لتتحكم في توترها ،تضغط عليه ،تكسره ،تشوهه بالقوة
".عاد دانيال إليها ومعه الشاي .أجاب بأدب" :ال ،أنا ال أفكر في األمر مثلك يا آنا"" .في الواقع ،أعتقد أن زوجك غيور للغاية
".من يا كريستوفر؟" نظرت آنا لألعلى فجأة" .ال بد من انك تمزح"
كان النفس الذي استنشقه دانييل عميًقا وثقياًل للغاية لدرجة أنه بدا وكأنه يسحب كل الهواء من الغرفة .ومع ذلك لم يكن ذلك كافًيا
.بالنسبة له ،فاحتفظ بالهواء في رئتيه لبضع لحظات
"قال بتردد" :آنا ،اعذريني على وقاحتي ،لكن يجب أن أسألك هذا"" .ال يبدو لي أنك سعيد .هل انا مخطئ؟
"-دانيال"
قال لها وهو يقاطعها" :آنا ،زوجك يتصرف بتصرفات تقلقني"" .يجب أن أكون صريًح ا معك ،حتى لو كان هذا من شأنه أن يعرض
صداقتنا للخطر ،لكن هذا واجبي ،و ." . ...ولم يكمل الجملة" .يأخذ
وتابع" :الصفقة التجارية التي أنهىها للتو مع والدي"" .سوف يطرد األرملة من بيتها مع طفليها ،وليس لديه سبب مالي للقيام بذلك،
".ألنه ال يحركه اليأس
هذا غير ممكن!" صاحت آنا .وضعت العجينة جانبًا ومسحت يديها بسرعة بمئزرها ،وامتزج غضبها بالدهشة السخيفة .نفس "
الدهشة السخيفة التي ال تنتهي أبًد ا ،اللعنة! يا إلهي ،متى ستعترف بأن روح كريستوفر كانت سوداء بالكامل؟ "زوجي سيفعل هذا،
" -هل أنت متأكدة؟ هل يعلم ماثيو؟ يجب أن نشرك ماثيو .بالتأكيد سوف
"آنا ،هل تتحدثين مع ماثيو دافنبورت لتجعلي زوجك يستمع إليك؟"
.اللعنة ،لقد تحدثت دون تفكير .نظرت بعيًد ا وهي تلتقط الخبز مرة أخرى
لكن دانيال استمر في التحديق بها وقراءتها .تمتم قائًال " :آنا ،يبدو لي ذلك . . ."...يبدو لي أن زوجك ال يعاملك . . .ال يعاملك . . .
".بشكل صحيح .إنه يذكرني بوالدي في بعض األحيان
"ليس صحيح؟"
لم يكن كريستوفر حنوًن ا في األماكن العامة ،بالطبع ،لكن آداب السلوك لم تسمح له بالمزيد من العروض العامة حتى لو أراد ذلك -
وعلى أي حال ،لم يسيء معاملتها بطرق واضحة .تساءلت بال مباالة عما إذا كان دانيال يشير إلى السيدة إدواردز .هل كان غاضًبا
.ألن كريستوفر كان يخونها؟ لم يكن لديها الشجاعة لطرح السؤال وبقيت صامتة
"قال دانييل" :في بعض األحيان يبدو لي أنك خائف منه"" .هل انا مخطئ؟
لقد ذهلت آنا" .خائف منه . . .؟" أوه ،قد تقول ذلك بهذه الطريقة إذا كنت تريد استخدام تعبير ملطف .ولكن يا إلهي ،كيف تمكنت من
!معرفة ذلك؟ وال حتى لوسي تعرف
الحظ دانيال رد فعلها وأظلم وجهه .انتظر الجواب الذي لم يأِت قط؛ ثم فرك جبهته بأصابعه ،وكأنه يتخذ قرارًا صعبًا .قال أخيًر ا:
"".لم أخبرك أبًد ا بأي شيء عن طفولتي"" .ربما ينبغي علي ذلك
"-دانيال"
أتذكر والدتي" .عندما كنت صغيًر ا يا آنا "،قال ذلك ،وهو يتحدث بسرعة ،كما لو كان يخشى أن يغير رأيه .لقد كانت امرأة لطيفة "
ولطيفة ،وقبل كل شيء ،ساذجة .كانت تبكي كثيًر ا ،ولكن من حولي كانت
شخص مختلف ،بابتسامات حقيقية جعلتني أفهم كيف كان يمكن أن يكون األمر لو لم تكن متزوجة من والدي .أخذ رشفة من الشاي،
بالكاد يبلل شفتيه" .لقد كان يعاملها بشكل سيء دائًما .دائمًا .وفي إحدى المرات رأيتها تقاوم ،وكان والدي يضربها بشدة .رهيب جًد ا
".لدرجة أن الذكرى ستطاردني طوال أيام حياتي يا آنا .كنت طفال
ظل يحدق في الفضاء ،كما لو أن الذاكرة سحقته" .لقد كان يوًما مشمًس ا وحدث أنني دخلت غرفتها عن طريق الخطأ .أردت رؤيتها،
لكن والدي كان هناك معها .ماذا كان يقول ." . .ابتلع ،وتحركت حنجرته صعودا وهبوطا بسرعة" .كان يحمل حزامًا ،وحتى يومنا
هذا ما زلت أسمع الضجيج الذي أحدثه عندما ضربها .لقد كنت هناك يا آنا ،كنت هناك ." . .آه ،العار ،خمسة عشر عاًما لم تكن
كافية لمحوه ،وتساءل لفترة وجيزة عما إذا كانت مائة سنة ستكون كافية .ومع ذلك ،كان يعلم في أعماقه .يمكن لدانيال أن يعيش إلى
األبد ،لكن ذلك لن يكون كافًيا" .حاولت الدفاع عنها في البداية .صرخت في وجه والدي ،وهو . . .نظر إلي ،وكان طويل القامة
وكبيًر ا جًد ا .لقد أدار الحزام علّي وضربني على بطني حيث يكون أكثر ليونة . . .و انا ." . .توقف وصمت للحظة ،غير قادر على
االستمرار .لكن السر الذي كان يثقل كاهل روحه كان ال بد أن يخرج" .أنا . . .هل تعلم ماذا فعلت يا ابن أمي؟ لقد هربت يا آنا.
”.تركتها بين يديه وهربت
وكان أمامها نفس الطفل الذي هرب ،لطيًف ا ومبهًج ا وذكًيا .طفل رفض األلم الجسدي الفظيع ونتيجة لذلك تلقى ألًما أكبر -عبًءا
.مؤلًما -دون أن يغفر
دانيال ." . .أمسكت بيده ،وشعرت بدهشة بدفء دموعها تنهمر على وجهها ،لكنها لم تكن لها ،ليس هذه المرة .كم من الوقت "
"!مضى منذ أن بكت من أجل شخص آخر؟ "دانيال ،لقد كنت مجرد طفل
وضع يده األخرى على عينيه وأغلقهما" .أنت ال تفهمين يا آنا .أنت ال تفهم .هز رأسه“ .بقيت والدتي في السرير لمدة أسبوعين
بسبب الضرب الذي تلقته ،وعندما تعافت . . .لم تكن هي نفسها كما كانت من قبل .مات شيء بداخلها بعد ظهر ذلك اليوم .ظل
صامًت ا لبضع ثوان ،وهو يضغط على يد آنا حتى آلمتها" .لم يكن والدي بهذه القسوة من قبل ،ولم يكرر أبًد ا شيًئ ا بهذه الخطورة مرة
أخرى .هل تفهم؟ لو أنني لم أهرب ." . .لقد ظل صامًت ا لبضع دقائق ،وصمتت آنا أيًض ا .كل ما يمكنها فعله هو اإلمساك بيده
.واالستماع
وبعد أن تنحنح ،تابع دانيال« :بعد ذلك اليوم ،حبست أمي نفسها في مكان ال يمكن الوصول إليه داخل نفسها ،وحيدة تماًما .كل مرة
عدت إلى المنزل من المدرسة الداخلية ووجدتها بعيدة .آنا ،تلك كانت أمي – تلك المرأة التي ظلت معي طوال الصباح قبل ثمانية
عشر عاًم ا تلعب بأغطية قديمة ،وتبني الكهوف في جميع أنحاء المنزل – كانت أمي تموت كل يوم ،وكان ذلك كله خطأي .اآلن . . .
اآلن تتجول روحها بشكل أعمى تقريًبا .إنها تمشي في الغرف دون أن ترى األشخاص الموجودين معها .تقضي أيامها دون أن تدندن
بأي أغنية ،دون أن تنظر إلى أي زهور ،دون أن تقرأ أي كتب ." . .لقد ابتلع عدة جرعات كبيرة من الهواء ،كما لو كان يغرق
.الماضي
).لكن الماضي لقيط يعود دائًما يا دانيال(
أفعل ما بوسعي ،لكنني لست موجوًد ا دائًما للدفاع عنها ضد والدي ،الذي ال يزال ." . "...غارًق ا ،عض شفته" .على أية حال "،قال"
بصوت ضعيف ،وهو يرفع يده عن عينيه ويتركها تسقط إلى جانبه" ،لقد فات األوان اآلن .لقد أتيحت لي الفرصة وأهدرتها ،وال
”.أستطيع أن أفعل شيًئ ا أكثر من الندم على اختياري
)االختيار؟ ولكن ما هو الخيار الذي كان لديك أيها الحيوان األليف؟(
دانيال ،أنت مخطئ!" قالت له بإلحاح شخص يمكنه أن يحدث فرًق ا" .لم تتمكن من إنقاذ والدتك ،ولكن كيف يمكنك ذلك؟ هي وحدها "
"القادرة على إنقاذ نفسها .هي وحدها القادرة على إنقاذ نفسها؛ لم يفت الوقت بعد! لماذا ال تتركه؟ لماذا تبقى مع رجل كهذا؟
"رفع رأسه .نظرت عيناه ،ببريقهما اليقظ ،إلى عينيها" .لماذا ال تتركين زوجك؟
.جفل آنا ولم يقل شيئا .أخرجت مندياًل ومسحت به خديها وعينيها
أسباب والدتي هي ذلك . . .أجاب دانيال" :لقد تضررت"" .ليس لديها المزيد من الروح .إنها ال تملك القوة للنهوض من الكرسي" ،
ناهيك عن ترك والدي .وما هو أسوأ ." . .أغمض عينيه ألن الكلمات كانت صعبة عليه أن يقولها" .واألسوأ من ذلك أنها تحبه يا
آنا ".ارتعد صوته .كان عليه أن يتوقف مؤقًت ا الستعادة رباطة جأشه .وقال هامسًا" :أعتقد أنه على الرغم من كل شيء"“ .على الرغم
من الطريقة التي يعاملها بها ،وعلى الرغم من القسوة التي يظهرها لها ،وعلى الرغم من إدانته بارتكاب جرائم ضد العدالة ،إن لم
يكن ضد القانون… . . .وأعتقد أنه على الرغم من كل ذلك ،فإن أمي ال تزال تحبه .ولن تتوقف عن األمل في أن تتمكن من تغييره
".يوًما ما .ابتسم بحزن" .إنه أمر مروع يا آنا ،أن تحب شخًص ا ال يستحق ذلك
دموعها منعتها من رؤية عيون دانييل بوضوح ،لكنها استطاعت أن تكتشف سًر ا آخر مخفًيا خلف خضرة قزحية عينه ،سر
.ربما أسوأ من األول" .أنت أيًض ا تحب والدك ،أليس كذلك؟" همست له
"وأنت يا آنا؟" أجاب" .هل تحبين زوجك؟"
.لقد ترك كريستوفر ليوبولد بسرعة كبيرة .لقد قرر إلغاء الموعدين األخيرين في اليوم ألنه كان بحاجة لرؤية زوجته
.تلك المرأة الغبية
.وقد تختفي في أي لحظة ،بحسب ما قاله أخوه غير الشقيق
وصل إلى المنزل المبني من الطوب األحمر ،لكنه توقف لينظر إلى المبنى من مسافة بعيدة ،كما فعل في المرة األولى .نزل من
.حصانه وقاد باسيل ببطء من اللجام
.وصل إلى نهاية الممر ،ورأى ذلك
.مقيد أمام اإلسطبالت DeMercyحصان
اندفع الدم إلى رأسه ،وكاد أن يجعله أعمى .للحظة هو
وقف ساكًن ا تماًما دون أن يتنفس؛ ثم ترك باسيل في الزقاق واتجه فوًر ا إلى الجزء الخلفي من المنزل ،حيث كانت هناك نافذة مرت
بها زوجته مرة واحدة ،ومرة عندما أرادت الدخول دون أن يراها أحد .دخل بسهولة وبسرعة ،واتجه بهدوء نحو األصوات في
.المطبخ .لم يقابل أحدًا ،وكأن البيت قد نام بألوانه وأصواته
وظهر في المدخل .كان دانيال وآنا في مكان قريب .كانت ترتدي مئزًر ا وكانت تبكي؛ يداها مغطيتان بالدقيق ،وكانت تمسك بيده .بدا
.دانيال منزعًج ا ونظر إليها كما لو كان يريد أن يقرأ ما بداخلها
".قال وهو يدخل الغرفة بخطوات سريعة وطويلة" :يا له من مشهد رومانسي مؤثر
.استدارت آنا ودانيال في نفس الوقت ،وتركا أيدي بعضهما البعض .بدت آنا مذعورة .بدا دانيال متفاجًئ ا وغاضًبا
".دافنبورت" ،قال شقيقه .كان يمشي حول الطاولة ويتحرك نحوه" .لذلك نلتقي مرة أخرى"
.ابتسم كريستوفر وضربه
جاءت اللكمة بسرعة كبيرة لدرجة أن دانييل وجد نفسه على األرض قبل أن يدرك أنه سقط .كان الرضا الذي جلبته هذه الضربة
لكريستوفر ال يوصف ،وزاد فقط عندما رأى قطرات الدم تتدفق من شفة أخيه غير الشقيق -قطرة سقطت ولطخت المنديل األبيض
.الذي كان يرتديه حول رقبته
"كريستوفر!" صرخت آنا .ركضت نحوه وفتحت ذراعيها أمام دانيال" .كريستوفر ماذا تفعل؟"
ال تدخلي في منتصف هذا يا آنا!" صرخ وهو يدفعها إلى الجانب .سقطت بقوة على األرض ،مع صرخة صغيرة من الخوف واأللم".
.لم يكن هذا األلم جسدًيا ،على األقل ليس هذا فقط
نهض دانيال مرة أخرى بعد لحظة الدوخة التي سببتها اللكمة غير المتوقعة .على قدميه اآلن ،نظر إلى األسفل ورآها على األرض.
.ارتدى وجهه تعبير شخص يرى أسوأ مخاوفه تحدث
.أنت الفتوة!" لقد صرخ"
. . ".لقد حذرتك يا ديميرسي ،وإذا حاولت ذلك مرة أخرى"
انقَّض عليه دانيال مثل الكبش الضارب ،فضرب كريستوفر
المعدة برأسه .ألقته الضربة على الطاولة ،مما أدى إلى اصطدامه بظهره .وسقطت بعض األرغفة البيضاء على األرض ،مما أدى
.إلى ظهور سحب من الدقيق
"!وقفت آنا في حالة ذهول وتوسلت قائلة" :من فضلك توقف عن ذلك! سوف يسمعونك! أنت يا دانيال! على األقل أنت
مدت ذراعيها نحو االثنين ،لكن كان من المستحيل عليها التدخل :لقد كانا أكبر منها بكثير ومنشغلين بمهاجمة بعضهما البعض بحيث
لم يتمكنا من االستماع .أمسك كريستوفر رأس أخيه غير الشقيق بيده اليمنى ،وسحبه من شعره ،ولكمه في وجهه بقبضته اليسرى قبل
أن يرفع قدمه ويركله في بطنه ،ويقذفه إلى الخلف .كان دانيال يتحرك بشكل ال يمكن السيطرة عليه ،فقفز كريستوفر نحوه لكنه أخطأ
وارتطم باألرض .قفز عليه دانيال وضربه بلكمة في أنفه بدت وكأنها انقسم الخشب إلى قسمين .شعر كريستوفر بالدم يتدفق من
وجهه إلى فمه ورقبته .كان في حالة ذهول ،وتمكن أخوه غير الشقيق من تجاوزه ،وإمساكه على األرض والجلوس فوقه ،وتوجيه
.ضربات مثل حجارة البرد على وجهه ،واحدة تلو األخرى
"!دانيال ،من فضلك"
اقتربت آنا من االثنين وهي ترتجف ،ممدودة يديها .وقف دانيال ساكًن ا وأشار إليها بالتوقف ،ومد ذراعيه إلى الجانبين" .آنا ،ال
"!تقتربي! ابق بعيدا
. . ".هز دانيال رأسه" .ال أستطيع أن أتركك هنا معه ،آنا ".لقد كانت مالحظة وليست فرضية" .إنه خطير ،و
ما زلت لم تفهم مدى خطورة ذلك .حاول كريستوفر االقتراب منه مرة أخرى ،لكن آنا مدت ذراعيها إلى األمام وأوقفته" .دانيال،
توقف عن ذلك "،أمرته دون أن تنظر إليه ،بل حدقت في زوجها بعينين ثابتتين" .وأنت يا كريستوفر ،اهدأ .لن أسمح لك أن تكون
".عنيًف ا في هذا المنزل
تحرك دانييل إلى الجانب ليلتف حولها ،لكنها لم تسمح له بذلك .لقد اقتربت من زوجها -وبنفس الدهشة الحلوة والمرة التي حدثت في
.اللحظة السابقة ،عانقت زوجته كريستوفر مرة أخرى .وكانت مثل الدرع بينه وبين دانيال
العناق ال يكلفك شيئا يا آنا؟ كان يفكر بنفس السخرية المملة ،بينما أجبرته بحة مزعجة على تطهير حلقه .األلم ،الذي كان مختلًفا
.تماًم ا عن ألم أنفه الدامي ،انفجر مثل الدمل في أعماقه .لقد تحرر من يديها ولكن بدون قوة .لقد تراجع
".قالت آنا" :من فضلك ،دانيال ،ارحل"" .ال تخافوا بالنسبة لي .زوجي لن يفعل لي أي شيء
"-آنا ،أنا"
".اذهب ،دانيال .سيأتي والدي قريًبا ،ويجب أال يراك بوجهك بهذه الطريقة .اذهب من خالل غرفة الطعام .أنت تعرف الطريق"
"-آنا"
»!خارج! قبل أن تصل عائلتي إلى هنا ،من فضلك"
لكن دانيال لم يرغب في الذهاب .تومض شيء في وجهه ،أ
"-خوف رهيب من اتخاذ االختيار الخاطئ" .آنا ،ال أستطيع! أال تفهم؟ ال أستطيع أن أتركك مع
"!هذا منزلي يا دانيال ،وأنا أطلب منك المغادرة .اخرج اآلن"
وبدا له أنها طلبت منه قتلها بدال من ذلك" .عزيزي هللا ،آناُ ." . .صدم كثيًر ا لدرجة أنه كان يجدف أمام امرأة ،حدق في كريستوفر،
وبرزت عيناه الخضراوين في تناقض حاد مع احمرار الدم على وجهه" .إذا آذيتها يا دافنبورت!" قال بصوت جاء من هللا وحده يعلم
".أي جزء منه – جزء كهفي وسري وربما قديم" .إذا لمستها بإصبعك ،سأقتلك ،أقسم لك
قال كريستوفر" :ارحل يا ديميرسي" ،ولكن بضجر ،كما لو أن الغضب الذي حدث قبل لحظات لم يترك سوى أثر" .ارحل ،إال إذا
".كنت تريد مني أن أقتلك بنفسي هنا ،أمام زوجتي
أسقط أنتوني المكنسة التي كانت في يده ،مما تسبب في استدارة الثالثة فجأة .لقد نسوا أمره ،إذ ضاعوا في خطاباتهم الخاصة ،من
.النوع الذي يلقيه الكبار الذين يعتقدون أن الطفل غير مرئي
ركض الصبي الصغير نحوهم ،وكان وجهه جدًيا وحازًم ا .كان أنتوني يعرف ما يجب عليه فعله ،كما يفعل كل األطفال في سن
".الحادية عشرة .قال باقتضاب« :تعال يا سيدي ،وأمسك بيد دانيال" .سأرشدك إلى الباب
.لقد سحبته قليًال ولكن بلطف .نظر إليه دانيال بهدوء ونظر نحو آنا
".اذهب يا دانيال ،من فضلك "،توسلت إليه" .إذا بقيت ،سيكون األمر أسوأ"
وفي عينيه ألم قديم ممزوج بألم جديد .بعد هزيمته ،ترك نفسه ُينجر بعيًد ا كما لو كان ُيسحب في المد .عند المدخل استدار للمرة
.األخيرة لينظر إليها
قالت له آنا بنبرة هادئة" :اذهب يا دانيال"" .ال تخافوا بالنسبة لي .ليست كذلك ." . .توقفت عن الحديث فجأة" .ال تخافوا" ،كررت
".بهدوء" .ال تقلق يا دانيال
).هل يؤلمك كريستوفر؟ لقد جاء إليك من كل اتجاه(
.اختفى دانيال ببطء بالقرب من الزاوية ،وبعد فترة وجيزة سمعوا الباب األمامي ُيغلق
ظلت آنا وكريستوفر هادئين في المطبخ .عاد أنتوني بعد لحظة .بدأ بتسوية الفوضى ،متجاهًال الشخصين البالغين ساكنين كالتماثيل
.في منتصف الغرفة .بعد كل شيء ،األطفال معتادون على الشجار
نظرت آنا ،مصدومة وحائرة ،إلى كريستوفر ،واستغرق دقيقة لدراستها أيًض ا .أخذ ينظر إلى شكلها ،وشفتيها الحمراء ،وعنقها
األبيض الناعم ،والمئزر الذي كانت ترتديه ،والذي كان مغطى بالدقيق .كانت هناك بقعة بيضاء على عظمة وجنتها ،التي برزت
مقابل لون خدها الوردي ،وهو ما لم يالحظه عندما دخل المطبخ .ربما تكون قد فعلت ذلك للتو ،حيث مسحت دموعها بيديها
المطحونتين .إن سلطة هذه المرأة علّي يجب أن تنتهي ،فكر بنوع من اليأس النزيه .وهناك طريقة واحدة فقط .وخرج من الغرفة
.متوجهًا إلى مكتبه
.لعدة دقائق ،منع الخوف آنا من التحرك .اعتقدت أن زوجي كان بجانب نفسه .بجانب نفسه
ومرة أخرى تفاجأت بحقيقة أنها يمكن أن تتفاجأ .لقد أدركت فجأة هذه الرغبة الخفية في عدم اإليمان بطبيعة كريستوفر العنيفة على
الرغم من األدلة التي استمرت في التراكم أمام عينيها .ولكن ما الذي تحتاج إلى معرفته أيًض ا لتقتنع بأنه قادر على قتل شخص ما؟
شاهد أنتوني بأعين يقظة .يا إلهي ،إنه صغير جًد ا ،فكرت آنا .ابتسمت له لتخفي مدى خوفها" .هل رأيت يا أنتوني؟ أنت ودينيس
لستما وحدكما الذين تتقاتالن .هل كنت خائًف ا؟” ألنني كنت خائًفا جًد ا .قامت بفرك الورك الذي سقطت عليه عندما سقطت .لقد دفعها
.كريستوفر دون أن يشعر بأي ندم
).لكنك احتضنته يا آنا ،أليس كذلك؟ وتوقف(
ولم تكن تعرف ما الذي حصل لها .في حالة عقلها ،لم تكن لتفكر بالتأكيد أن عناًق ا – عناًق ا منها – يمكن أن يثني زوجها عن فعل أي
.شيء
أجاب أنتوني" :ال ،لم أكن خائًف ا" .ال شك أنه فوجئ بهذا السؤال .بالسكين ،كان يكشط العجين عن األرض .ولم ينظر نحوها" .أنت
.بحاجة للقتال من أجل األشياء الخاصة بك .كريستوفر يقول ذلك دائًما
األشياء الخاصة بك .سرت قشعريرة في عمودها الفقري ،والتي ال تزال تؤلمها بعد سقوطها قبل قليل" .أوه؟" سألته بقلق" .لكن يا
"...أنتوني ،أنت تعلم أنه ليس عليك االستماع إلى كل ما
اعلم اعلم .لقد أخبرتني بذلك بالفعل"،قاطعها وهو ينفخ .ولهجته . . .مفاجئ جًد ا ،وغير صبور جًد ا . . .يبدو مشابًها بشكل مخيف "
.لشخص آخر .شخص طويل القامة ويعني
)ماذا فعلت لعائلتك ،آنا؟(
.تشددت دواخلها ،اخترقها الندم الشديد
)لماذا سمحت له بالدخول إلى هذا المنزل؟(
.شعرت بالحاجة إلى مغادرة الغرفة والبقاء بمفردها ،لتبكي بال هوادة
".أنتوني ،هل يمكنك االنتهاء هنا؟" سألته بسرعة" .أوه ،لقد انتهيت تقريًبا ،كما أرى ".إبتسمت" .سأعود فوًر ا وسنقوم بإعداد العشاء"
.ذهبت مسرعة إلى غرفتها .األلم ،كما هو الحال دائما ،يتطلب تحية الدموع والعذاب
OceanofPDF.com
28
.ولكن يمكن احتواء ما ال نهاية من العاطفة في دقيقة واحدة ،مثل حشد من الناس في مساحة صغيرة
غوستاف فلوبير-
كان كريستوفر في غرفة زوجته .نظر إلى دمية تستقر على طاولة صغيرة أمامه بينما بدأت األشجار المرئية من خالل النافذة تلقي
بظاللها ببطء في شمس الظهيرة المتأخرة .لقد مسح الدم عن جسده ،ولكن بدا وكأن هناك حيواًن ا ما على وجهه؛ مخلوق أحمر منتفخ
.عضه حيث كان ينبغي أن يكون له أنف
أمسك الدمية المبتسمة من الطاولة الصغيرة .آنا مجرد فتاة صغيرة .بدت خصالت هذه اللعبة الشقراء للغاية وألوانها المبهجة مختلفة
تماًم ا عن بساطة زوجته المنعشة .ولم يكن ليتفاجأ كثيًر ا لو أنه وجد ،على سبيل المثال ،مجرفة أو مسدًس ا في تلك الغرفة بدًال من
.شيء فاخر كهذا
.صوت طفيف جعله يتجه نحو الباب
).إنها هنا يا كريستوفر(
قفز شيء ما في صدره عندما دار مقبض الباب ،و
.وبعد لحظة فتحت زوجته الباب .توقفت ميتة
.ماذا تفعل في غرفتي؟" سألت وهي متجمدة في المدخل"
".ضع هذه الدمية واتركها"
".أنا حقا ال أعتقد ذلك ،أيها الساحرة .وأمر قائًال" :ادخل وأغلق الباب
".لها بهدوء" .وال تحاول حتى مناقشة األمر ،إال إذا كنت تريد مني أن أسحبك إلى هنا من شعرك
عضت آنا شفتها ودخلت في لحظة ال نهاية لها حيث ألقت الذاكرة والخوف بظاللهما على وجهها .وأغلقت الباب خلفها
".ها" .ماذا تريد؟" كان صوتها حازًما ،لكن كريستوفر كان متأكًد ا من أن ذلك لن يستمر لفترة طويلة" .لقد حان وقت العشاء تقريًبا
وضع الدمية على الطاولة ومشى نحو النافذة بستارتها المفتوحة ،واضًع ا مسافة أكبر بينهما .ثم التفت إلى زوجته وجلس وظهره إلى
.زجاج النافذة واضعا ذراعيه على بطنه .بقيت آنا حيث كانت ،وكانا على طرفي نقيض من الغرفة ،والسرير في المنتصف
.لم يتحدث أحد .مرت ثواني ببطء
درسها كريستوفر بعناية ،وحاولت هي أيًض ا دراسته لكنها لم تستطع التحكم في ذلك لفترة طويلة .خفضت رأسها واستسلمت مهزومة
وخائفة" .سيد ." . .بدأت ،ثم توقفت فجأة .عصرت يديها بتوتر" .سيدي ،ربما ينبغي عليك أن تجعل الطبيب يفحص جروحك .إذا
. . ".كنت ترغب في كمادات ألنفك
واصل كريستوفر التحديق بها ،وتالشى صوتها .بدأت مرة أخرى" :دانيال" ،قالت وهي تنظر إليه ،وتجهد عينيها" .لقد توقف دانيال
فقط ليخبرني . . .قضية تجارية . . .أنك انتهيت يا سيدي .ويبدو أن هناك بعض المشاكل ،و ." . .توقفت في منتصف الجملة" .أود
منك أن تعيد النظر" ،ثم واصلت متجاهلة عينيه الباردتين" .تلك األرض ." . .باإلحباط ،توقفت" .لماذا أنت بشدة ضده؟" سألت فجأة.
«ال أعتقد أنك فعلت ذلك من أجل المال ،فال يبدو لي أنك تريد ذلك؛ يمكنك رمي المال بكلتا يديك .وبالتأكيد لم تفعل ذلك بالنسبة لي.
.ربما تكون عنيًف ا جًد ا لدرجة أنك تغتنم كل فرصة لمهاجمة شخص ما
لم يقل شيًئ ا ،وعقد ساقيه ببطء أمامه .وواصل التفكير في زوجته ،التي كانت ال تزال ترتدي المئزر ،وراهن أن رائحة الدقيق والخبز
.الدافئ ال تزال تفوح منها
).ال تزال البقعة على وجهها يا كريستوفر(
انسحب بعيًد ا عن النافذة ،وفجأة جلس مستقيًم ا .كان لدى آنا وميض من الخوف في عينيها ،لكنها لم تتحرك ،بل وصلت إلى حد
.تصلب يديها ،التي كانت تضغط إحداهما داخل األخرى أسفل صدرها مباشرًة
ذهب كريستوفر إلى الطاولة الصغيرة وجلس على حافتها .ولم يكن قد اقترب منها أكثر .قال وهو يمد ساقيه أمامه" :آنا ،ربما تتذكر
".المحادثة التي دارت بيننا قبل بضعة أيام
. . ".المحادثة يا سيدي؟" سألت بهدوء .ثم بدا أنها تفهم" .حول الوصاية"
".بالضبط"
".انتهى" .هذا كل شيء يا آنا ".لقد وقف بسرعة" .غًد ا سأخبرك بتفاصيل هذه الخطوة
.وجدت صوتها" .لماذا تخبرني بهذا الهراء السخيف يا سيدي؟ أنت تحب عائلتي ولن تؤذيهم أبًد ا
.أنت تحب عائلتي
أدرك كريستوفر أن هذه كانت المرة األولى التي يسمعها تقول شيًئ ا إيجابًيا عنه .ومن المفارقات أن ذلك لم يكن صحيحا .تمتم" :أوه،
كم أنت مخطئة يا آنا" .بدا صوته مريًر ا حتى في أذنيه .ألنه لم يحب أحدًا ،وفكرة الحب – اإليجابية ،الضرورية ،وحتى الصحيحة
– سببت له نوعًا من االنزعاج الذي ال يمكن تفسيره .أوه ،لقد شعر بالتعاطف مع بعض األشخاص في العالم ،كان ذلك صحيًح ا -
تعاطف لن يمنعه أبًد ا من متابعة أهدافه( .وهذه هي الحياة يا آنا .إما أن تفوز أو تخسر ).وسيفوز في تلك الليلة بين فخذي زوجته.
ألنها إذا لم تستسلم فسينفذ تهديداته تماما كما وعد .لم يكن يريد ذلك ،لكنه سيفعل ذلك .سيستمر في إنهاكها بألف طريقة حتى تنكسر
.تحت أصابعه مثل جذع زهرة
".أنا ال أصدقك"
أنت ال تعرف كيف تقرأ عيني إذن .أجاب" :فكر فيما شئت"" .في الواقع ،ما عليك سوى االنتظار حتى الغد لتعرف مدى جديتي".
وقعت عيناه على الدمية ذات الفستان األرجواني" .لقد حان الوقت لكي تكبري يا آنا .ولكني أرى أنك مازلت تلعب بالدمى ".وصل
.إلى الوجه الخزفي وهو يبتسم له عبر الطاولة
.ال تلمسها" ،أمرته ،وسمع في صوتها أنها منزعجة"
).لقد فزت بالفعل يا كريستوفر(
التقط هذا الشيء الطفولي ،وأزال بإصبعه خصلة أشقر من وجهها الالمع الملون .لم تتحرك زوجته ،ولم تقترب لتأخذ الدمية من
يديه ،ولكن كان على وجهها تكشيرة متوترة .شاهدت عيناها مفتوحة على مصراعيها .إنها دمية ،آنا .إال دمية دموية ،وأنا زوجك
!وهللا
"!ضعه على الفور يا سيدي"
أرادت أن يبدو األمر وكأنه أمر ،لكنه بدا له وكأنه نداء .ابتسم كريستوفر وكاد يشعر بألمها .يا عزيزي" .آنا ،أنت ال تعرفين الكثير
،عني "،بدأ بلطف" .دعني أشرح لك شيئا .كيف تعتقد أنني وصلت إلى ما أنا عليه اآلن؟ لقد بدأت من األسفل
.أنت تعرف .لم يكن من الممكن أن أفعل ذلك أبًد ا لو كان لدي أي وازع أو أي أفكار أخرى
نظر إلى الدمية بين يديه ،كما لو كان يتأمل ،ولمس وجهها بلطف .ثم رفع ذراعه ورماها على الحائط .انفجرت ابتسامة الدمية إلى
.شظايا ال حصر لها .يبدو أن التأثير قد مأل الغرفة بأكملها
.ال!" وضعت آنا يديها على وجهها"
لم تعد السمات المثالية للدمية موجودة؛ لقد تم تحطيمها إلى قطع مفككة وغير منتظمة .لم يكن لديها سوى عين عمياء واحدة فقط،
.زرقاء للغاية ،بينما ابتلع ثقب أسود في منتصف وجهها األخرى
"ال ." . .همست آنا" .لماذا؟"
وفي عينيها ،في لحظة واحدة سريعة ،تغيرت .وفي لحظة واحدة سريعة – غمضة عين – أصبح الكذب المزعوم حقيقة .لقد صدقته
.أخيًر ا
من فضلك كريستوفر ".أصبح صوتها خافًت ا ،خافًت ا" .من فضلك ال تلوم عائلتي .لم يفعلوا أي شيء .أنا آسف لما حدث .لن يحدث "
ذلك مرة أخرى .من فضلك ،ال تفعل ذلك ." . .تالشت الجملة في أنين .تدفقت الدموع على وجهها واختلطت بالدقيق" .كما ترى ،أنا
.أتوسل إليك . . .هل انت سعيد االن؟ لقد فعلت كل ما أردت يا سيدي ." . .خفضت رأسها ،ووضعت يدها على عينيها
كل ما أردته؟ لن أقول ذلك .تضخم النصر بداخله .نصر غير أخالقي ،نصر مخزي ،حتى هو يستطيع أن يدرك ذلك .كان يعلم أن "
خزيه كان حًق ا في عدم الشعور بأي خجل" .أنت تتحداني طوال الوقت ،وأنت تعرف ذلك .لقد جعلتني اليوم أبدو سخيًف ا مع صديقك.
.ال ،ال تقل كلمة واحدة ،آنا .نظًر ا ألنك غير قادر على إرضائي في األشياء القليلة التي أطلبها ،فال تتردد في فعل الشيء نفسه
"-سوف أتغير يا كريستوفر .انا سوف اتغير .سأتجنب كل ما يزعجك .أنا . . .أقسم لك أنني"
.كن هادئًا .ال أعرف ماذا أفعل بكالمك .لقد قلت هذا من قبل ولم تحافظ على كلمتك"
كريستوفر!" كانت بال حراك ومذهولة" .ال يمكنك أن تكون جاًد ا ،ال يمكنك أن تكون! أنتوني يعشقك! لقد أخذته معك إلى لندن "
. . ".األسبوع الماضي! لن تفعل ذلك .أعلم أنك لن تفعل ذلك
ذهب كريستوفر إلى الباب وفتحه متجاهًال إياها .بدأ بالمغادرة ،لكنها اقتربت منه ومدت يدها وأمسكت بيده .لقد لمسته ،لقد لمسته حًقا
»!وصدًق ا" .كريستوفر! كريستوفر ،من فضلك
.لقد تحرر من قبضتها فجأة لكنه توقف وانحنى على عتبة الباب
هل ترى كم هي مدمرة يا كريستوفر؟ يمكنك أن تطلب منها أي شيء تريده اآلن .اسألها يا كريستوفر .اطلب منها أن تحقق كل (
).رغباتك
".تمتم كما لو أنه اقتنع فجأة" :حسًن ا"" .حسنًا يا آنا ،سأعطيك فرصة أخرى
.وأزهر األمل على وجهها مثل الوردة .لقد أضاءتها بلطف ،وبدت أكثر لطًف ا وجماًال .بل وأكثر له
".وتابع" :لكنك ستغير موقفك"" .سوف تحتاج إلى أن تظهر لي حسن نيتك
سأفعل "،أجابت ،مكسورة وولدت من جديد في نفس الوقت" .ال تشك .لن تضطر إلى الشكوى مني .سأقوم بتوظيف جميع الموظفين"
"-الذين تطلب مني ذلك .لن أفعل أي شيء في المنزل بعد اآلن .أنا لن
".آنا .ما رأيك أن أهتم بكل ذلك؟ "سوف تكون مطيًع ا ومحترًما
لقد أصابها ذلك ،وأصابها بشدة .اشتعلت عيناها بوميض متبقي من التمرد ،لكن النيران انطفأت عندما تنهدت مستسلمة .اآلن
سأخبرك بما أريده حًق ا ،يا زوجتي الحبيبة ،فكر ،وشعر بألم ممزوج بشعور رقيق ال يستطيع تجاهله في حفرة معدته .سوف ينطفئ
.النور في عينيك وسيسيطر عليهم الخوف
"...سوف أكون ،أقسم لك يا كريستوفر ،أنا"
".والليلة لن تقفل باب غرفتك"
توقفت آنا عن الكالم ،وتوقفت عن الحركة ،وتوقفت عن التنفس .المجمدة بواسطة
.في هذه الفكرة ،بدت وكأنها تتحول إلى عمود رخامي ،أو باألحرى ،قطعة من الطباشير جاهزة للتفتت إلى قطع عند أدنى لمسة
.استدار كريستوفر وغادر دون انتظار إجابتها
بدت الغرفة وكأنها تبتسم لها بألوانها الباستيل الناعمة ،غريبة جًد ا في تلك اللحظة ،عندما كان يجب أن يكون كل شيء أحمر ،أسود،
.رمادي ،أرجواني .نظرت إلى مارغريت ،كلها ممزقة ،وصوت بداخلها يحكي لها قصة امرأة مكسورة
إنها تمشي عبر الغرف دون رؤية األشخاص الموجودين بالقرب منها .تقضي أيامها دون أن تدندن بأي أغنية ،دون أن تنظر . . .
. . .إلى أي زهور
.فهل هذا هو المصير الذي كان ينتظرها؟ وكان هناك باب بين غرفتها وغرفة زوجها
).لكنه ليس زوجك ،أليس كذلك؟ ليس بعد .سوف يصبح زوجك في غضون ساعات قليلة(
.كان هناك باب ،ولن ُيغلق في تلك الليلة
كانت مارغريت عبارة عن بقعة أرجوانية على األرض ،وتألقت تجعيداتها بشكل غريب بين شظايا الخزف .كان جزء من وجهها ال
يزال سليًما ،بينما اختفى الباقي ،تارًك ا فجوة مروعة حيث كانت هناك عين زرقاء غامضة وابتسامة فخورة .اقتربت آنا منها وركعت
.بجانبها
تمتمت قائلة" :عذرًا ،ماجي"" .كان عليك أن تعاني هذه المرة ،لكنه سيأتي ورائي قريًبا ".وضعت يدها على بطنها ،وتأرجحت ذهاًبا
"وإياًبا" .ماذا يمكنني أن أفعل؟ ماذا؟
ماثيو؟ هل يستطيع ماثيو مساعدتها؟ عادت بتفكيرها إلى عيني كريستوفر ،إلى الحسم الذي سحق به مارغريت ألنه كان يعلم أن ذلك
سيؤذي آنا .ال ،ماثيو لم يستطع إيقافه .ربما -ربما فقط -يمكنه إخفاء عائلة البطل .أو مساعدتهم على الهروب .لكن والدها . . .
. . .والدها
)هل تتذكرين العشب يا آنا؟ هل تتذكرينه بداخلك؟(
نعم ،تذكرت .وتذكرت األلم الفظيع الذي شعرت به ،وتذكرت اعتقادها بأنها تريد الموت في ذلك اليوم .لمست جانب الوجه الخزفي
الصغير الذي كان ال يزال سليما .قالت وقد سقطت دمعة على القطع المكسورة" :لقد كنِت على حق يا ماجي"" .عاجال أم آجال
".سنستسلم جميعا
.عاد كريستوفر إلى غرفته بعد العشاء ،تارًك ا آنا ونورا مع األطفال في غرفة الطعام
خالل الوجبة قال القليل جدا .لقد أزعجته جريس ودينيس باألسئلة حول وجهه المدمر ،وفي الواقع كان من الغريب لو لم يفعلوا ذلك.
لم يقل أنتوني شيًئ ا ،وكذلك السيد تشامبيون .نظرت إليه نورا بارتياب ولم تبدو مقتنعة تماًما بإجاباته" :لقد اصطدمت بالستارة يا
".جريس ،وال ،لم أقاتل ملك البطاطس المهروسة
أجابت الفتاة الصغيرة" :هذا شيء جيد"" .عندما يكون المنتج مصنوًع ا من البطاطس المهروسة ،فإنك ال تعرف أبًد ا ما يمكن توقعه.
"يمكن أن يتخذ أي شكل ،لكن اللون يكون دائًما أصفر .أليس هذا صحيًح ا يا آنا؟
.نظر كريستوفر إلى زوجته التي حاولت أن تبدو هادئة
أجابت ويدها ترتجف" :إال إذا واجهت ُمشكل المرق" .عندما مرر لها كريستوفر الفاصوليا الخضراء ،تسببت ارتعاشة يديها في
.سقوط إحداها عن الصينية .كان يود أن يضع يده على يدها ليوقف حركتها غير المنضبطة
لم يكن قد أكل إال بالكاد ،والتزم الصمت دون أن يشارك في أي من المحادثات ،حتى عندما سأله دينيس« :هل سيبقى أنفك معوًج ا يا
»كريستوفر؟
.هز كتفيه دون أن يجيب
".قالت جريس" :آمل ذلك"" .أنت أكثر وسامة بهذه الطريقة
كان لدى الفتاة الصغيرة فكرة غريبة إلى حد ما عما هو جميل ،و
لم يعتبر كريستوفر ذلك مجاملة .ألقى نظرة سريعة على زوجته ،التي كان فمها يتجهم بتكشيرة مريرة ،ولم يستطع أن يتحمل دقيقة
واحدة أخرى ليكون الشخص الوحيد الذي الحظ ذلك .نهض بسرعة ،متذرًع ا بأن أنفه يؤلمه ،وذهب إلى غرفته ،حيث ألقى بنفسه
.على السرير
.وكان ال يزال هناك بعد ما يقرب من ساعتين .ساعتين من التفكير وذراعه فوق عينيه
يا إلهي ماذا أفعل؟
كان المكان مختلًف ا عما كان عليه قبل شهر ،وكان الوضع مختلًف ا ،لكن السؤال كان هو نفسه ،والعنف سيكون هو نفسه ،ولو لم يكن
في المرة األولى جعله وحًش ا ،لكان قد تصرف مثله .وحش دون أن يكون وحًش ا ،أو هكذا كان يعتقد ،واآلن ما هو التفسير اآلخر
الذي يمكن أن يكون هناك؟
).لقد أعجبك ذلك يا كريستوفر .لقد أحببت اغتصابها(
إن صورة زوجته ودانيال يدا بيد جعلته يقوي عزمه على األمر الذي بدأ يتعثر .كم من الوقت قبل أن تصبح آنا عاشقة ألخيه غير
.الشقيق؟ سوف يتوقف عن ذلك .وكانت زوجته وهللا ،وال تشاركه إال فراشه
.قريبا جدا سوف تعود إلى غرفتها
جلس كريستوفر ،وأراح مرفقيه على ركبتيه ،ووضع رأسه بين يديه .ألم يكن مثل والده؟ ألم يكن حقًا على وشك التالعب بقلب فتاة
صغيرة بطريقة متعمدة دون أي عذر قد يسمح له حتى بالتفكير في إمكانية وجود ضمير؟
.هي من تجبرني على فعل هذه األشياء .هي ،كل شيء لها
.قصف اليأس على صدغيه وفي صدره
وماذا يوجد باألسفل يا كريستوفر؟ أليست هذه إثارة؟ أنت(
).ال أستطيع االنتظار -قل الحقيقة
القرف .القرف ،القرف .فقام ونظر في المرآة :كان لديه منتفخ
. . .أنفه ،وجرح تحت إحدى عينيه ،وكدمات في كل مكان ،وهاالت سوداء حول عينيه .آنا كرهته بالفعل ،واآلن
.لن أؤذيها .وسوف تزول هذه الكراهية لدانيال ،ويختفي هذا الغضب عليها
سمع شخًص ا – زوجته – يدخل الغرفة المجاورة ،وبدأ قلبه ينبض بجنون .ال أستطيع إال أن أقتصر على التحدث معها الليلة ،فكر
.وهو يفتح ويغلق قبضتيه ليهدأ
.أنا لست وحشا ،وهللا .أنا لست والدي
انتظر حوالي عشر دقائق ،ثم سار نحو الباب الممنوع الذي أزعجته بأغنيتها العذبة والرهيبة لمدة عشر ليال .لن أدخل ،قال في
.نفسه .سأخبرها من الباب أنها إذا كانت ال تريدني فسوف أبقى بالخارج
لكن يده وصلت مباشرة إلى مقبض الباب وأنزلته برفق ،كما لو كان مصنوًع ا من الزجاج .للحظة مخيفة ،ظن أنه يشعر بمقاومة،
.كما لو كان مغلًق ا ،لكنه بعد ذلك دفع إلى األمام بأصابعه وفتح الباب بسهولة
OceanofPDF.com
29
!ما أسرع ما تأتي أسباب الموافقة على ما نحب
جين اوستين-
كانت آنا تقف بالقرب من النافذة عندما دخل كريستوفر إلى غرفتها .أدارت ظهرها إلى الباب وكانت تنظر للخارج .كانت ترتدي
ثوب نوم يصل تقريًبا إلى األرض ،وكان عملًيا للغاية ولكنه ليس أنثوًيا .لم يكن شعرها الطويل مسجوًن ا في الكعكة التي احتفظت بها
دائًم ا ،بل تم سحبها إلى الخلف على شكل ذيل حصان ناعم نزل على ظهرها .عندما نظر كريستوفر إلى شعرها ،أصبح فمه جاًف ا،
.وعلم أنه كذب للتو على نفسه .سوف يأخذها – وفي تلك الليلة
استدارت آنا نحوه في الغرفة المضاءة بشمعة ،ودخل ضوء القمر عبر الستائر المفتوحة" .أنت ال تضحك يا سيدي؟" هي سألت.
"أمسكت بنفسها بقوة في حضن انفرادي ،ويدها اليسرى ملفوفة حول ذراعها األيمن" .هل تريد مني أن أعطيك جولة من التصفيق؟
لم يتوقع كريستوفر مثل هذا الهجوم المباشر .أخذ نفسا عميقا ورفع يديه لتهدئتها " .آنا ." . .تمتم .أنا حقا بحاجة لجعل الحب لك.
"".ال أريد أن أؤذيك
ابتسمت ،ولكن لم يكن هناك أي شيء مبهج يمكن العثور عليه في الثنية الملتوية لشفتيها" .أنت ال تريد أن تؤذيني ،أنا أفهم .لديك
حس دعابة غريب ،هل سبق ألحد أن أشار لك بذلك؟
" -لن يكون األمر مؤلًما يا آنا .إذا كنت خائًفا"
".أنا لست خائفا .أنت ببساطة تثير اشمئزازي"
)وماذا عن ذلك يا كريستوفر؟ كم يؤلمك ذلك؟(
،ألم تقل أنك ستكون أكثر حذرًا؟" سألها"
يشعر بألم في صدره" .هذه ليست بالضبط الكلمات التي كنت أتوقعها
".لكى اسمع
أوه ،لكن كلماتي ال تهمك ،ليس حًقا يا سيدي .أنا«
افهم االن .كل تلك األشياء التي تحديتني بها بعد ظهر هذا اليوم – كل هذه التفاهات – لم تكن سوى مهزلة .أليس كذلك؟" لم يقل
كريستوفر شيًئ ا ،وتابعت« :ال أفهم سبب رغبتك في اللجوء إلى هذه الحيلة .كان بإمكانك أن تأخذني في أي وقت دون موافقتي ،كما
».تعودت
هذه ليست الطريقة التي أريدك بها .لقد أخبرتك بذلك بالفعل ".تقدم نحوها لكن االحتقار على وجهها جعله يتوقف" .إذا أعطيتني "
"فرصة ،سأجعلها ممتعة
.بدت كما لو أنه ضربها بيد مفتوحة" .أنت تجعلني مريضا يا سيدي .افعل ما يجب عليك ،ولكن ال تطلب مني أي شيء آخر
تنهد كريستوفر .يا إلهي ،األمر ليس سهًال .قال" :اسمع" .ركض يده من خالل شعره ،وخفض رأسه" .ليست هناك حاجة ألن تنظر
إلي كما لو أنني على وشك تقطيعك إلى ألف قطعة .إنه أمر طبيعي ل . . .أنت زوجتي ،وأنت تعرف ذلك .وأنا متأكد من أنك تريد
.أطفااًل
".ليس منك"
).ليس منك يا كريستوفر(
.بالنسبة لك ،أنا الوحيد هنا ،وحان الوقت لقبول ذلك"
".ولهذا السبب أنا هنا الليلة
.ال .أنت حقير ،ولهذا أنت هنا الليلة"
".أنا زوجك ،آنا .من حقي أن أطلب منك ذلك"
الحق . . .؟ أنت؟" هزت رأسها ببطء بعدم تصديق"
".ينفي حتى إمكانية سماع تلك الكلمات .تمتمت قائلة" :يا إلهي ،ولديك أيًض ا الشجاعة للنظر في عيني بينما تقول ذلك
. . ".آنا ،استمعي"
"وهل كان هذا هو سبب ضربك دانيال؟"
إن قول هذا االسم لم يكن بالضبط أذكى خطوة" .ال أعتقد أنني
".أجاب" :أحتاج إلى سبب خاص لشق وجه ذلك المهرج"" .وجهه موجود لهذا السبب على األرجح
أوه ،لقد "شقت" وجهه بالتأكيد "،وافقت ،وألقت نظرة فاحصة على وجه كريستوفر المدمر .لمعت بعض الحيوية في عينيها عندما "
تحدثت .على الرغم من أنها فكرت في ألمه ،إال أنها لم تستطع إال أن تشعر ببعض الفرح" .إنه ألمر جيد أنك سعيد جًد ا بذلك ،ألنه
بعد هذا الشجار التنويري الذي حدث بعد ظهر هذا اليوم ،أصبح وجهك يحمل عالمة مذهلة
.تشبه القيء القط .وأنا مهذب للغاية بحيث ال أستطيع أن أوضح لك أنه لو كانت معركة عادلة ،لكان دانييل قد هزمك على األرجح
ال ،آنا .لقد خسر .وكذلك أنت" .أنصحك بأن تكون حذرًا فيما تقوله .ال تدافع عن الخاص بك . . .دانيال . . .أمامي ،ألنني في المرة
.القادمة سأفعل أكثر من مجرد صفعه قليًال
"...وميض الخوف في عينيها" .اتركه وشأنه" أمرت بسرعة" .سوف تتركه بمفرده ،يا كريستوفر ،أو أنا
"أو ماذا؟"
قالت بسرعة" :سيدي ،ال تغضب منه"" .لم يكن لخطوبتنا القصيرة أي عالقة بك ،على األقل ،ليس حتى اليوم .ال أعرف مدى
».معرفتك باألمر ،ولكن اعلم أنه ليس بيني وبين دانيال سوى صداقة حميمة
صداقة وثيقة – بالطبع ،فكر كريستوفر .وذلك الصديق المقرب سيكون اآلن زوجك لوال ما فعلته بك .وبالتأكيد لن تنظر إلي بتلك
.العيون ،أليس كذلك؟ تلك العيون اللعينة مليئة بالكراهية
فسكت ،وتابعت زوجته« :من أخبرك بذلك بالمناسبة؟ أبوه؟" انتظرت إجابة ،لكن لم يأت أحد" .خطوبتنا بالكاد استمرت نصف يوم،
.كما تعلم .وال حتى أنت يمكن أن تكون من الحماقة بحيث تفكر كثيًر ا في األمر
شاهدها كريستوفر بأعين ضيقة لفترة طويلة .عرفت آنا كيف تكذب عندما أرادت ذلك ،لكن شحوبها وألمها خاناها .أجابني بفظاظة
».متعمدة« :إذا أبقيته بعيًد ا عن أشيائي ،فلن يكون لديه ما يخشاه
أصابها هذا القذارة حيث أرادها :في بطنها" .هل يسعدك كثيًر ا عندما تشير إلّي بـ "الشيء المفضل لديك"؟" بصقت هذه الكلمات في
".غضب عاجز" .ولكن سيأتي اليوم الذي لن تضحك فيه بعد اآلن
.ثم ضحك ليؤذيها أكثر
.هل تهددين بقتلي مرة أخرى ،آنا؟ ألنك تقول ذلك منذ فترة طويلة ،وما زلت في صحة مثالية"
أنت لست بصحة جيدة يا سيدي .أنت مخطئ .أنت مريض ،وفاسد من الداخل ،ومثير لالشمئزاز .اشتعلت عيناها باالشمئزاز" .
»"وليس لديك حتى القليل من الكرامة .أال تستحي أن تأخذ امرأة تجدك جذابة مثل قشرة األبرص؟
.بدت لهجتها متفاجئة بشكل مؤلم وحقيقي ،وشعر كريستوفر بأن غضبه يتصاعد إلى دماغه ويحرمه من الوصول إلى العقل
يا إلهي ،هذه الفتاة تعرف دائًم ا متى تقول الشيء الخطأ" .يا آنا ،تلك هي الكلمات التي ال ينبغي عليك قولها ،وخاصة هذه الليلة".
حاول أال يرفع صوته ،لكنه خرج مشوًه ا على أية حال .الى الجحيم مع هذا .لقد حان الوقت إلنهاء األمر" .واآلن دعونا ننتهي من
".هذه المحادثة غير السارة وننتقل إلى أشياء أكثر إمتاًع ا ،أال تقولين ذلك؟ لمرة واحدة أعتقد أنني سوف أستمتع بك . . .شركة
.وسرعان ما اتخذ خطوتين كبيرتين تجاهها ،وتوقف أمامها
"كيف استطعت؟" سألته آنا دون انفعال" .كيف يمكنك الحصول على المتعة من امرأة ال تريدك؟"
».أوه ،في نواٍح عديدة "،أجاب بابتسامة قاسية« .وسأعلمك إياها كلها"
آنا مالت رأسها إلى الجانب ونظرت بعيدا .كان غير مبال وبعيدا .كان األمر كما لو أنه لم يكن أمامها" .أطلب منك فقط أن تفعل ذلك
".على عجل
.آنا ،أنظري إلي
أمسك ذراعها فجأة وكان عليها ،وسحقها على الحائط ،وألحق بها األذى عمدا .ضغط جسدها الناعم على أجزائه األكثر حساسية .وما
.زالت لم تنظر إليه .كانت ال تزال تبدو وكأنها تمثال بال روح .وضع يده على خدها وأدار وجهها نحوه .وما رآه صدمه
)ولكن ماذا تفعل يا كريستوفر؟(
الرجل المحكوم عليه باإلعدام ،الذي يقف على المشنقة بينما يتم وضع غطاء الرأس فوق رأسه ،سيكون له نفس التعبير في عينيه كما
كانت لدى آنا آنذاك -مفتوحة على مصراعيها ومستعدة إللقاء نظرة على آخر لحظة من الضوء .لقد أخفت زوجته وراء كلمات
التحدي التي قالتها عاطفة بدائية ال يمكن السيطرة عليها -تلك المشاعر التي تجعل الطفل يبكي في المهد ،ألنه حتى قبل أن يعرف ما
.هي الحياة ،فإنه يخشى الموت بالفعل
".أوه ،آنا ،عزيزتي "،تمتم" .لكنك خائف"
كان هناك ألم في حلقه ،وكان جديًد ا ،ال هوادة فيه ،وحاًد ا .لقد كان ألم الخوف الذي نسيه منذ سنوات .ليس لدي سوى هذه الفرصة،
فكر في لحظة الذعر الذي توقف عن التنفس ،وإذا أخطأت سأقتلها من الداخل وسأموت أيًض ا .لماذا كان يفعل هذا بزوجته؟ لماذا
يجرها إلى هذا االنتقام مثل الخروف للذبح؟ نظر إلى زوجته ،وعينيها مفتوحتين على اتساعهما ،وخصالت شعرها تحيط بوجهها،
.وبشرتها الشاحبة الشفافة في ضوء القمر .لكنك لن تموت بين ذراعي الليلة
.ابتعد كريستوفر عنها ووضع يديه على الحائط بجوار رأسه ،ولوح فوقها دون أن يلمسها
.آنا ،ال تخافي مني ".انحنى صدغه إلى الجانب ،ولمس راتبها بخفة"
.وفكرت ،هذا األلم ،ذلك األلم الفظيع ،قريًبا جًد ا
لقد وعدت نفسها بعدم البكاء ،لكن وعود الروح المكسورة ال تساوي الكثير ،أليس كذلك؟ قريبا جدا سوف أنتهي .مارغريت تنتظرني
بالفعل في صندوقها .قريًبا جًد ا ستتدمر ابتسامتي ،مثل ابتسامتها ،وسيكون لدي أيًض ا هذا الثقب في وجهي .سوف تسقط عيني بعد
.ذلك أيًضا
".آنا ،استمعي ".رفع زوجها ساعديه عن الحائط واقترب منها .وضع جبهته حتى شعرها" .ال أريد أن أؤذيك .ال تبكي"
لكن آنا لم تكن قادرة على التوقف ،ألنها أدركت فجأة الحقيقة الصادمة :أنها هي الشريرة ،وليس هو .لقد كانت هي التي كان من
.المفترض أن تنقذ عائلتها ،ولم تستطع ذلك .وبقدر ما أرادت ذلك ،لم تستطع ذلك ،وال بعد ألف عام
ربي اغفر لي .أنتوني ،دينيس ،غريس ،وجميع من أوكلوا لي حياتهم دون أدنى شك ،سامحوا لي .أنا على وشك خيانتك يا حبيبي .أنا
.على وشك ارتكاب الجريمة التي ستدينني إلى األبد
"!ال أستطيع أن أفعل ذلك يا كريستوفر!" انفجرت وهي تبكي من اليأس" .من فضلك ،أتوسل إليك! ال تطلب مني أن أفعل ذلك"
.ذكرى -صوت مدفون بالذنب -قال بداخلها" :لقد كان خطأي .هل تفهم؟ لو لم أهرب في ذلك اليوم لكنت أنقذتها
"!سامحني من فضلك ،وال تلوم عائلتي"
ارتجفت أكتافها دون كرامة ،وبللت دموعها ثوب النوم القطني الخفيف .وضعت ذراعيها حول زوجها ،ودفنت وجهها في صدره،
وشعرت به يرتجف قليًال " .كريستوفر ،أال تفهم؟ سأفعل لو كان بوسعي ،لكني ال أستطيع! اللهم اغفر لي . . .ال أستطيع أن أفعل
!ذلك . . .ال أستطيع أن أفعل ذلك
.لقد سلبها رعبها عقلها ،وتمسكت به بقوة ،كما لو كانت تبحث عن الحماية ،متشبثًة بأي شيء لتمنعه من السقوط
لألبد .بكاءها اليائس منعها من قول المزيد .لم يكن هناك هواء في رئتيها ،وكانت تأخذ فترات طويلة ومؤلمة من نفس إلى آخر.
.وكان رأسها يضغط على صدر زوجها في طلب عزاء سخيف
وقف كريستوفر ساكًن ا لبضع لحظات ،ثم سحب ذراعيه من الحائط واحتضنها حول كتفيها .قام بمسح شعرها بيد واحدة ،وأعطاها
قبالت صغيرة على أعلى رأسها" .صه "،تمتم" .كل شيء على ما يرام ".كان يهزها ببطء ،ويتمايل بلطف .وكرر" :كل شيء على
".ما يرام ،ال تقلق"" .ال تبكي
استمر في هزها وتقبيل شعرها حتى هدأ بكاؤها ،األمر الذي استغرق إلى األبد .وعندما انتهت دموعها أخيًر ا ،استمرت آنا في البكاء
بجرعات كبيرة من الهواء بين ذراعيه ،في عناق غريب بين الضحية والجّالد .لم تستطع التفكير في عواقب رفضها؛ أرادت أن
تنسى كل شيء في هذا الدفء غير العادل والمريح ،والذي كانت متأكدة من أنه سيطاردها في اليوم التالي .لم تنظر لألعلى .لم تكن
.مستعدة لقراءة حكم اإلعدام في عينيه
)ماذا فعلت يا آنا؟(
.وضع كريستوفر يده على خدها ورفع وجهها؛ التقت عيونهم
آنا" ،تمتم وهو يخفض رأسه ويضع شفتيه الدافئتين على خدها ،وقد بردته الدموع" .استمع لي .سأكتفي ببعض القبالت الليلة ،ما "
رأيك؟ فقط عدد قليل من المداعبات .لن أطلب المزيد ،لن أؤذيك ،ال . . .لن أمارس الحب معك ".وضع يده على ظهرها واحتضنها
"بلطف بينما كان ينتظر إجابتها" .هل يمكنك إدارة؟
هل يمكنها ذلك؟ هل يمكنها أن تقبل أن يلمسها مثل هذا الرجل الشنيع ،الذي يرغب في تهديد عائلتها -العائلة التي تحبه وترحب به
كل ليلة مثل االبن؟ هل يمكنها إرضاء الرجل الذي يسحق الضعفاء واألبرياء بشكل روتيني ،كما كشف دانيال؟ هل يمكنها أن ترضي
رجًال ألقى بها بعد ظهر أحد أيام يوليو/تموز على العشب ،وانتهك أحالمها ،واغتصب ذكرياتها؟ تساءلت وفمه على خدها وحرارته
المشتعلة عليها :هل يمكنني أن أفعل ذلك؟
وماذا كان البديل؟ وتضرب من جديد بخنجر الخيانة على أحبابها؟
.لدي فرصة ثانية .يمكنني اتخاذ خيار مختلف .كم مرة يحدث ذلك في الحياة؟ "هل سيكون هذا كافيا بالنسبة لك؟" سألته في همس
نعم ".تحدث على خدها ،وقام بتدفئة وجهها ،ولم يكن الصوت الذي أصدره أكثر من مجرد نفس" .ال يجب أن تخاف ،هل ترى؟ لن "
".أذهب . . .لن أدخل إلى داخلك
"أنت ال تكذب علي؟"
ال ".تنفس زوجها بحماس على بشرتها" .أقسم باهلل يا آنا .دعني أعانقك وأقبلك لبضع دقائق فقط . . .فقط عدة دقائق . . .ال يمكنك "
".أن تتخيل مدى حاجتي إليه
أدار رأسه إلى الجانب باحًث ا عن شفتيها .أبقت آنا عينيها مفتوحتين بينما كان فمه يلمس فمها .شعرت بحرارته ثم بلسانه الذي كان
بطيًئ ا ولطيًف ا ومتملًك ا في الوقت نفسه .شعرت بتشنج في بطنها وأغلقت عينيها .تشنج من الرعب ،أو من ذكرى دامعة ،وشيء آخر
.لم تستطع تحديده
"قبلها كريستوفر ببطء ،دون اعتداء .أمسكها ،ثم حرك فمه على جلدها ،وسألها" :آنا ،هل أنا بغيضة بالنسبة لك إلى هذا الحد؟
لم تجب بل أعادت فتح عينيها على نبرته الغريبة والحزينة .ما المشكلة مع زوجي؟ لماذا يتصرف بهذه الطريقة السخيفة وغير
المتسقة؟
.لماذا . . .لماذا تفعل هذا بي؟" سألته في همس"
إنه خطأك ،كل ما لديك ." . .أجاب بيأس ،خده ضد راتبها" .لقد سحرتني ،وال أستطيع ." . .كانت شفتيه تالمسها بخفة مما جعلها "
. . ".ترتجف قليًال" .أنت ال تعرف . . .كم أردت . . .كم يا إلهي
قبلها مرة أخرى ،وشعرت بالدوار جعلها تتمسك به ،وتمسك أصابعها بثوبه لتثبت نفسها .أوه ،هذا الرجل قاسي للغاية ،ذّك رت نفسها.
حتى قبالته كانت قاسية ،ألن ذلك التشنج في بطنها ظل ينمو .ارتفع إلى صدرها وأعلى ،مباشرة إلى دماغها .عاد زوجها إلى
شفتيها ،يستعيدهما ،يعضهما ،يلمسهما بلسانه ،حول حوافهما .يده على مؤخرة رقبتها سحبتها نحوه ،ودفعت لسانه بالكامل إلى فمها.
هزتها تهوره .الخوف ممزوج بتلك المشاعر التي ال يمكن تحديدها ،ولكن أي منها؟ ما الذي كان يخلق ذلك الدفء في بطنها؟ هل
. . ".كان الذعر أم الكراهية؟ ومهما كان األمر ،فقد جعلها تقول له« :كريستوفر . . .ال
. . ".خمس دقائق . . .من فضلك يا من فضلك . . .فقط خمس دقائق أخرى"
دفعها نحو الحائط ،وشعرت آنا بشيء قوي يضغط على لحمها ،مستعًد ا اللتهامها .فتحت عينيها فجأة ،واضعة يديها بين صدرها
"...وصدر زوجها" .كريستوفر!" انها الهث" .كريستوفر ،ال ،ال
. . ".أقسمت . . .أنت تعرف . . .أوه ،آنا "،قال بصوت أجش" .أعطني . . .دقيقة واحدة فقط"
تفوح رائحة بسكويت الشوكوالتة والقرفة من أنفاسه؛ كادت أن تتذوقه عليه وهو يعضها قليًال على شفتيها ،ويلعقها بهدوء ،ويقبلها
بخفة" .رائحتك ." . .تمتم قائًال" :رائحتك تجعلني أشعر بالجنون . . .ولكن ما هو؟" لمس بيديه جسدها وثدييها ووركيها .وضع فمه
.على رقبتها ،فأطرقت رأسها وهي ترتجف .هناك شيء خاطئ معي ،يا إلهي
.أوه ،آنا "،تمتم ،ومرر إحدى يديه بين ساقيها ،وضغط على قماش ثوب النوم"
!ال ،هذا ال يمكن أن يكون صحيحا" .ال . . .كريستوفر
. . ".عناق ." . .قال بصعوبة" .إنه . . .عناق"
الذي -التي؟ أهذا ما يقصده بـ "المداعبات"؟ يا هللا يا هللا . . .إذا هذا
هو كيف ينوي تأكيد تقديمي .من خالل إعطائي المتعة ،وإجباري على اإلجابة .شعرت بالحرارة ،وضيق التنفس ،وقلبها ينبض
بجنون .لقد كانت خائفة ،وكان هو أكبر منها بكثير وأكثر همجيًة بكثير .و بعد . . .ومع ذلك ،كانت هناك بالفعل تلك األوقات -تلك
األوقات اللعينة التي اضطرت فيها إلى التوقف والنظر إليه شارد الذهن ضد إرادتها -بدا فيها لطيًفا تقريًبا ،وتغيرت عيناه فيها لجزء
من اللحظة .في تلك اللحظات ،أصبح وجهه الجدي أخف وزنا ،وأصبحت عيناه طفولية ،أعزل ،وحتى حزينة .لكن ال يمكن أن يكون
هناك أي خير فيه ،فال بد أنها أخطأت في ذلك .إن الشعور الذي ال يدعمه المنطق على اإلطالق ال يمكن أن يهزم آالف األدلة على
روحه الشريرة .تلوح في األفق كريستوفر .وقف فوقها بقوته الهائلة ،وحرارته ،ورائحة بشرته الحلوة المنعشة .ومع ذلك ،وعلى
.الرغم من سخافتها ،فقد تبين أن مداعباته القسرية كانت حساسة وغير مرحب بها ،على الرغم من ذعرها من أن ذلك كان خطأ
)أال تتذكرين بعد اآلن من هو هذا الرجل يا آنا؟(
ليساعدني هللا .شعرت أن الجزء األكثر حميمية من جسدها يطلق حرارة سائلة بينما كانت يده تفرك على ثوب نومها .ال ،ال ،القماش
سوف يتلطخ ،فكرت بطريقة غير متماسكة .ال أستطيع أن أتسخ ،ال أستطيع . . .ومع ذلك ،إلى جانب القلق ،كانت هناك متعة حسية
.ال يمكنها تجاهلها .كان عقلها وجسدها كيانين ،كل منهما يتقاتل من أجل أهداف مختلفة ال يمكن التوفيق بينها
.أوه ،حبيبي ،حبيبي ." . .تمتم لها ،قبلها خلف أذنها ،ولعقها بهدوء ورفع قميص نومها ببطء بإصبعه ،باحًث ا عنها"
ال ،أنا مبلل هناك . . .ال يجب عليك ،ال تفعل" . . .ال ،ال ،كريستوفر!" حاولت إيقاف يده ،لكن يده كانت أقوى ،فمد يده إليها .لقد
.لمسها حيث كانت األكثر سخونة ،حيث كانت غير محتشمة
جعلها الخجل تخفض رأسها ،لكن ال يبدو أن جسدها يشعر بأي ندم .لقد أراد المزيد؛ لقد أرادت خيانتها ،ألن زوجها اختار الطريقة
األكثر قسوة وحالوة إلثبات مدى انتمائها إليه ،ومدى ارتباطها به بشكل ال ينفصم .آنا لم تستسلم؛ لم تستطع االستسالم .أغلقت ساقيها
.بإحكام
".دعني أعانقك من فضلك "،توسل إليها" .ال تخفي نفسك يا عزيزي"
اقترب من فمها ،ورفع وجهها المذل ،وبدأ في خلع قميص نومها .هل يريد خلع مالبسي؟ تساءلت آنا ،مستاءة" .ال!" تراجعت خائفة،
.ووضعت يديها على يده ،وفتحت عينيها
خفض كريستوفر جبهته ليلمس جبهتها" .أردت فقط . . .قال وهو يواجه مشاكل في إخراج الكلمات" :أقوم بلمسك"" .ال تقل لي ال يا
آنا ،ال تفعل ذلك . . .فقط عدد قليل من المداعبات . . .خمس دقائق .دقيقة واحدة . . .واحد ،من فضلك ،واحد فقط ." . .قبلها مرة
.أخرى وترك ثوب النوم الذي سقط على قدميها .قال تعالي وهو يمسك بيدها ويسحبها نحو السرير
)في السرير يا آنا .إنه يريدك في السرير .وأنت تعرفين ما سيفعله بك عندما يكون هناك ،أليس كذلك؟(
. . ".آنا لم تتحرك .لم تضطجع له كالفريسة فيأكلها فكاه .لقد استاء من الذعر الذي مألها وجعلها عمياء" .ماذا . . .؟ ال
اقترب من فمها مرة أخرى .همس قائًال " :أريد فقط أن أضمك يا آنا ،فقط أضمك" .قبل رقبتها وهو يتنفس عليها" .فقط لحظات قليلة
. . ".بالقرب منك
.ثني ركبتيه قليًال ورفعها بين ذراعيه دون عناء .كانت آنا مستندة إلى صدره ،محاصرة ضده
).قل ال .اطلب منه المغادرة .اآلن(
قصف الخوف في جسدها ورأسها .كانت حرارته تحيط بها .سمعت دقات قلبه واستنشقت رائحته .أغلقتها
.رفعت ثوب نومها فكشف عورتها ثم رفعته إلى األعلى ليظهر سرتها وبطنها
افتح ساقيك قليًال .دعني أدللك "،أمرها .لقد أطاعت" .ها نحن ذا ،هكذا .جيد ." . .شقت أصابعه طريقها إلى المساحة الصغيرة "
تحت ثوب النوم .لمسها ،وقام بعمل دوائر صغيرة ،وتحرك بشكل إيقاعي ودقيق .قبلها على فمها بينما تنفسه الالهث يداعب بشرتها.
".أوه ،آنا . . .ذوقك ." . .رفع قميص نومها وكشف عن ثدييها .ثم خلعه
كانت عارية من تحته ،وال يغطيها سوى جسده .لقد كانت خائفة وخجولة في نفس الوقت ،وليس فقط أحدهما أو اآلخر .أوه ،لماذا لم
تتذكر من هو هذا الرجل؟ لماذا كان ينتابها هذا الشعور بالشوق في بطنها وصدرها ورأسها كلما لمس بشرتها؟
" -همست ،واحمرت خجًال ،ألنها مذنبة لدرجة أنها لم تتمكن من فتح عينيها" :ال تنظر إلي"" .من فضلك ال
ال أستطيع أن أرى . . .ال أستطيع رؤية أي شيء ." . .أخذ يدها وقبل كفها بلطف" .آنا ،هل أنا مقرف جًد ا بالنسبة لك؟" سأل في "
"همس" .ألن تضرب وجهي؟
فتحت آنا عينيها وهي تتنفس بصعوبة .في نصف الضوء ،جعلته جروحه يبدو لطيًفا وعزاًل تقريًبا .كان قد سألها عناًق ا :أكان ذلك
أمًر ا؟ أم كان مناشدة؟ كان ينظر إليها بال حول وال قوة .استجمعت شجاعتها ولمسته ألول مرة .وبعاطفة غريبة ،أحست بخشونة
.خده ،وأنفه المنتفخ من اللكمة ،وعينيه الذئبيتين اللتين ميزته وأطلقت شرارة حتى في الظالم
و قبلة . . .هل تقبلينني بقبلة يا آنا؟"
بخجل ،قبلته على وجهه ،على فمه ،وعلى طرفي عينيه .لم تكن لديها الشجاعة للعق جلده ،لكنها أرادت تجربة الطعم ،لمعرفة ما إذا
كان النعناع والقرفة مثل قبالته .لم تستطع؛ لقد ذهبت بالفعل إلى أبعد من ذلك ،وكان عليها أن تخنق الدافع السخيف الذي دفعها إلى
مداعبته ،ولمسه ،ومنحه المتعة -المتعة التي كان يمنحها إياها .تخيلت آنا بشكل غامض الندم والعار الذي سيتبع ذلك ،ومع ذلك لم
.تتمكن من التوقف ،وتمسكت بقوة .لمست جسده ،الذي كان يخيفها عادًة ،وكتفيه ،ووركيه ،وصدره
أوه ،آنا . . .آنا حبيبتي ." . .كان لصوت زوجها صوت جديد ضعيف ،فالتفت ليقبلها ويلعب بلسانها ويتحداها في معركة حلوة "
وعنيفة .ووضع يده على صدرها
وشعرت آنا بدفئه وبالخجل والظلم .لكنه قبلها ،وهي – لماذا شعرت براحة شديدة تحت جسده؟ لماذا شعرت بتلك المتعة المتوترة،
وكأنها تنتظر شيًئ ا ما؟ لماذا كان فم زوجها على صدرها؟
غطت نفسها بيديها لكنها لم تحتج .لم تحتج ،وال حتى عندما لعق أصابعها بينما كانت مداعباته تذوبها ،بينما أخذ إحدى يديها
.ووضعها على خده .لم تحتج ،وال حتى على تقبيل فم زوجها حلمة ثديها .بدأ يمصها بلطف ،يدغدغها بهدوء ،كما لو كان له الحق
)هل تراه يا آنا؟ هل تراه يأخذ منك كل شيء؟(
في حيرة ،تركت شفتيه تشعل النار في جلدها وتركته يلمسها مراًر ا وتكراًر ا – كيف يمكنني مواجهته غًد ا؟ لم تكن سوى قبالت
ومداعبات -هذا ما قاله لها -وكان عليها أن تقبل ذلك ،أليس كذلك؟ كان عليها أن تفعل ذلك ،ولم يكن بوسعها أن تفعل أي شيء
. . .آخر
أوه ،كريس ،يا إلهي ." . .قالت عندما قرص بشرتها الحساسة بلطف .عضت شفتيها .المتعة ،العار . . .ال ،ال ،كان عليها أن تضع "
. . ".حدًا لكل هذا .أقسمت :يجب أن أطلب منه أن يتوقف اآلن" .كريس . . .لو سمحت
آنا ،كم" . . .كم حلمت بك "،تمتم ،وهو يواصل تقبيلها ،وينزل إلى األسفل نحو سرتها ،ويلعق جلدها ،ويداعبها بحنان ال هوادة فيه"،
.ويثير حرارتها وآهاتها .أوه ،ماجي ،فكرت بينما تردد صدى مداعبات زوجها الرطبة بشكل غير محتشم .ماجي ،اغفر لي
ثني كريستوفر ركبتيها ورفعهما .كما لو أنها استسلمت ،فقد دللته .لقد كانت طاعة ،ال شيء سوى الطاعة .سمحت له بفتح ساقيها
أكثر ووضع شفتيه على فخذها .على الرغم من أنها كانت تشعر بالقلق عندما شعرت بشيء -إصبع -ينزلق إلى الداخل ،فقد استقبله
.نهر ساخن بحالوة
.كريس؟" قالت الهثة"
ال بأس ،حسًن ا يا حبي ." . .لعقها كريستوفر ببطء من داخل فخذها ثم تحرك لألسفل .إلى أين؟ أين كان يلمسها ويكسر كل "
مقاومتها؟ لقد فقدت اإلحساس بالوقت والحدود تماًما .كانت خمس دقائق قد أصبحت خمسين دقيقة ،كانت تدرك ذلك ،لكنها لم تعد
قادرة على االحتجاج ،ليس بعد اآلن .التوتر في جسدها ،تنفسها الساخن ،تنهداتها -كل شيء فيها استجاب بشكل طبيعي ،في إيقاع
مثالي مع قبالته ولمساته .كانت تشتكي ،وأغلقت عينيها .لم تكن تريد أن تفتحهما ،كانت المداعبات لطيفة للغاية؛ كانت القبالت كذلك
. . .حلو .لم تكن تريد أن تعرف سبب سقوط رأسه هناك .لم تكن تريد أن تعرف أين شفتيه
فتحت عينيها بصدمة" .ال!" مدت يدها وأمسكت به من شعره وسحبته بقوة لكنه لم يتزحزح .شق لسانه طريقه إلى ثلمتها الرطبة
. . .الفاضحة ،ولعقه ببطء .لقد لعقها هناك ،حيث كانت كل أسرارها
"!ال ،ليس هذا يا كريس ،من فضلك"
.كان يلعق رحيقها ،رحيقها الفاحش الحار .لقد لعقها حيث كانت على وشك االنفجار ،ليجعلها تنفجر ،يجعلها تنفجر . . .في فمه
كريستوفر ،ال!" لقد سحبته مرة أخرى ،وتوسلت الهًث ا ،واهتزت ،وأخيرًا عاد إلى سرتها ،وأوقف الفاحشة .كان بطنها منتفًخ ا" ،
وكذلك ثدييها .كان كل شيء فيها متوتًر ا ،يسأل ،يتوسل" .ال ال! ." . .لكن أي نوع من النساء كانت؟ ماذا على االرض؟ "إنه أمر
. . ".غير أخالقي ،ال تفعل ذلك
".ضحك كريستوفر بهدوء" .أوه ،آنا "،قال وهو يضع جبهته على بطنها" .ال يوجد شيء أكثر أخالقية
توسلت قائلة" :ال تضحك"" .ال ." . .ال تضحك علي .ال تحكم علي يا كريس .وشعرت بالخوف ،لكن األمر كان مختلًفا اآلن ،أليس
كذلك؟ ولم تعد خائفة من إرضائه .كانت خائفة من عدم إرضائه .اآلن أرادته على فمها .اآلن أرادت منه أن يقبلها بحنان وعاطفة؛
لقد أرادته اآلن -نعم ،أرادته -بينما ربما كان يعتبرها امرأة سيئة .لم تكن لديها الشجاعة لتسحبه نحو فمها ،وال لتناديه ،وال لتتوسل
إليه ،وبقيت تتألم ،وتشعر بأنها قذرة بعض الشيء وجميلة بعض الشيء ،في حين أن إصبعه كان جزًءا من منه – كان داخل جسدها،
.يرحب به جسدها
أنا ال أضحك عليك أيها السخيف ".عاد كريستوفر إلى صدرها وقبله بتملك في كل إيماءة ،بعدوانية لطيفة في كل إيماءة .قال لها" :
"هذا حقي" .وآنا ،المنتصرة ،غرزت أصابعها في شعره ،وهي تراقبه وهو ينحني فوقها .لقد شاهدته يمتلك كل شيء لها .انتشرت
ساقاها على نطاق واسع ،عارية تحت جسده ،وكانت تسمح له بفعل أي شيء – كانت تعرف ذلك .لقد ضربها .و بعد . . .ومع ذلك
فإن ما ظهر على وجهه لم يكن السخرية الراضية من النصر .ال ،كان كما لو كان ضائًع ا ،ضائًع ا فيها ،سعيًد ا – سعادة ال وسيط لها؛
سعادة طبيعية وغريزية .وعندما عاد فمه إلى فمها ،استقبلته آنا بالمثل
.السعادة ،وبأصابعها في شعره ضمته بالقرب منها ،وقبلته بشغف جامح ،وألول مرة ،طواعية
"كم عذبتني يا آنا ،كم ." . ..هو همس" .هل حقا لم تفهمي يا حبيبتي؟"
زاد من إيقاع ضربته ،وكأنه يعاقبها ،فضاعت آنا ،متشبثًة بجسده .كان الدفء الذي أخذه منها في العشب يعود ،كان ذلك أمًر ا ال مفر
منه؛ ذلك الدفء الذي لم تكن قادرة على التفكير فيه دون األلم والخجل .والعار :هل سيعود ذلك أيًض ا ،تساءلت مع بصيص أخير من
الوضوح؟ شعرت بأن زوجها أدخل إصبًع ا آخر فيها ،ولم تعد قادرة على التساؤل عما إذا كان األمر سيًئ ا أم خطأ ،أو إذا كانت هي
مخطئة .سيطلب زوجها عاجًال أم آجًال أن يصبح زوجها ،ليدخل بداخلها ،كما فعلت يده اآلن .ربما حتى في الليلة التالية .لكنها ال
تستطيع أن تقلق بشأن ذلك اآلن؛ ليس اآلن ألنه كان لطيًفا جًد ا؛ ليس اآلن بعد أن كانت القشعريرة تهز جسدها؛ ليس اآلن ألنها
.أرادت ذلك ،كثيًر ا إلبقائه قريًبا منها
"إنه ال يؤلم ،أليس كذلك يا حبيبتي؟"
هزت آنا رأسها .أغمضت عينيها ،وتنفست بصعوبة ،وضغطت فخذها على يده ،ناسية الشرف ،ناسية األخالق .أخرج كريستوفر
"!الجزء القاسي من جسده ،وشعرت به يضغط بقوة على فخذها المرتفع .تصلبت وعادت إلى رشدها" .ال يا كريستوفر! لقد أقسمت
".انا فقط اريد . . .فقط للمس لك ." . .التفت مع فمه على راتبها" .سأبقى بالخارج يا آنا ،عزيزتي"
"...كريس ،ال"
. . ".صه"
قبلها ،وفرك عضوه المخادع ساقيها ،لكنه
استمرت األصابع في االنغماس فيها -أواًل للخارج ،ثم للداخل -في حركة سلسة ولكن مزعجة .مرة أخرى للخارج ،ثم للداخل،
. . .ثم
"كريس؟"
.بالكاد اخترقها ،ربما نصف بوصة
".هذه يدي يا حبيبتي"
"ولكن ألم تكن يداه تالمس حلمتيها وتداعبهما بلطف؟ "كريستوفر . . .؟
. . ".ال . . .ال تقلق . . .أقسمت"
ثم ماذا كان ينزلق بداخلها . . .انش . . .؟
"أوه . . .كريس . . .ماذا . . .؟"
دفن رأسه في كتفها ،ممسًك ا بها ،ثم رفع رأسه ،وبحث عن فمها ،وقبلها بأنين .دفعها إلى األمام ببطء ،وحافظ على ركبتيها
مرفوعتين .أعطاها الوقت للتأقلم مع الغزو ،فتحركت ببطء ،وارتجفت من محاولتها السيطرة على نفسها .استجابت آنا لقبلته،
وتمسكت به ،ورحبت به .لم يكن اإلصبع هو الذي مأل الجزء السري منها أخيًر ا ،بل كانت تعرف ما هو ومدى العمق الذي يمكن أن
.يصل إليه
. . ".أوه ،آنا . . .أنت زوجتي اآلن . . .انتي زوجتي"
.لقد مألها – زوجها الذي خدعها ودخل فيها
OceanofPDF.com
30
.ولحسن الحظ ،فإن الروح لديها مترجم في العين -غالًبا ما يكون مترجًما فاقًد ا للوعي ولكنه ال يزال مخلًص ا
شارلوت برونتي-
استيقظت مع أول ضوء في الصباح ،وشعرت بثقل دافئ بجانبها .في اللحظات األولى من الوعي ،اعتقدت أنه كان الباذنجان .غالًبا
.ما حدث أن انزلقت القطة سًر ا إلى سريرها عندما كانت تنام في منزل لوسي .لكنها كانت في منزلها اآلن ،ولم يكن لديهم قطط
تذكرت ،وهي تفتح عينيها على اتساعهما في الغرفة :أن زوجها مارس الجنس معها الليلة الماضية .كانت ذراعه هي التي تحيط بها
.اآلن حتى وهو نائم ،وكان يتنفس بصعوبة بسبب أنفه المصاب .كان جسده النائم عاريًا ،خلف جسدها مباشرة
لقد خدعها كالعادة ،وحقيقة أنها وجدت قبالته ممتعة ،وكذلك تلك المداعبات -وأخيرًا ،هو داخلها -جعلتها تغمض عينيها .كانت
عارية تحت المالءة ،وأخبرها ضوء الصباح أن الوقت قد حان للنهوض ،لكن ذراعه كانت تضغط عليها ،رغم أنها خفيفة ومريحة.
كان الخوف من إيقاظه أكبر من أن يرتدي حتى مالبسه :كان ذلك يعني رؤيته مرة أخرى ،ومن المؤكد أنه سيضحك عليها ،وقد تم
.ترويضه أخيًر ا
).لكنك أحببت ذلك -أن يتم ترويضك -أليس كذلك؟ تم ترويضك من قبل من كان على استعداد إللحاق األذى بأحبائك(
هل كان سيفعل ذلك حقًا؟ هل كان سيفصلها فعًال عن عائلتها؟ تساءلت وهي تتنفس بصعوبة حتى ال توقظه .كريستوفر ،الذي علم
المبارزة ألنطوني .الذي أعطى الخيال
.إجابات على أسئلة جريس ،ولكن بهدوء ،وتمتم تقريًبا ،كما لو كانت تخجل .من لم يوبخ دينيس عندما وجده يتطفل في غرفته
وبدا أنه يصدق ذلك .بدت عيناه متأكدة من ذلك .غير سعيد تقريًبا ،في الواقع ،العتقاده أنه سيفعل أي شيء لمجرد إخضاعها
.إلرادته .فقط للفوز
ومع ذلك يمكنه الحصول على أي امرأة يريدها .ربما كان لديه الكثير .لكنه أرادها أيضًا؛ ومع ذلك ،سواء كان ذلك بدافع الرغبة أو
.الحقد ،فهذا شيء لم تكن تعرفه
و هي . . .هل ستسعده من اآلن فصاعًد ا ،داخل السرير وخارجه؟ هل لن تعرض عائلتها للخطر بعد اآلن؟ لقد خانتهم بالفعل مرة
واحدة ،وكادت أن تخونهم ،وكادت أن تضحي بهم على مذبح الخوف .ألنه لو تركها بعد رفضها . . .استمرت الفكرة في تعذيبها.
تكّو نت في عينيها بعض الدموع ثم سقطت ،وكادت أن تمسحها ،لكنها خافت أن توقظه .في الضوء ،كان من األسهل تحديد شكل كل
.شيء ومظهره الجانبي .تحركت يدها ببطء إلى عينيها ،وشعرت بذراع زوجها يتحرك عليها .لقد جمدت
استيقظ كريستوفر .كان مستلقًيا على جنبه ،وأمامه كانت هناك أمواج بنية ،وشعر زوجته منسدل على الوسادة .لعدة لحظات لم يفعل
.شيًئ ا ،وال حتى يتنفس؛ ثم ابتسم وحرك ذراعه على جلد الفتاة الناعمة التي أمامه
سمع شهقتها .هل هي تبكي؟ بدا الجو بارًد ا مع وجود المالءة الخفيفة فقط على السرير .هل فعل شيًئ ا خاطًئ ا؟ هل كان يؤذيها؟ كال،
.كان متأكًد ا :ربما تحب زوجته دانيال ،أو على األقل تكرهه ،لكنها استمتعت بتلك الليلة بين ذراعيه
.آنا ،هل أنت مستيقظة؟" سألها بصوت أجش"
".لم تستجب لعدة ثوان .قالت أخيرًا" :لقد أقسمت كذبًا يا سيدي
ابتسم .لقد توقع هذه الكلمات بالضبط" .أوه ".لم تتمكن آنا من رؤيته ،وكان ذلك أمًر ا جيًد ا .لم تكن تحب ابتسامته" .بالطبع ".مستلقًيا
.على ظهره ،سحب ذراعه عنها ووضعها في عينيه
التفتت آنا لتنظر إليه ،واحمرت خجًال عندما التقت عيناها بعينيه؛ كبر تالميذها ،ومنعتها ذكريات الليلة السابقة من الظهور بمظهر
الالمباالة .نظرت بسرعة إلى األسفل .بدت لكريستوفر أجمل من أي وقت مضى ،وقاوم الرغبة في الذهاب إليها على الفور .أكيد
!يستطيع أن يتحدث مع زوجته لمدة خمس دقائق دون أن يقفز عليها ،وهللا
"فأجابت" :ال ،لم أتوقع ذلك" .لعبت بيديها قليًال ،ثم تنهدت وغيرت الموضوع" .يا سيد ،تلك األرملة التي ستخرجها من ممتلكاتها
قاطعه فجأة" :ال تقلق بشأن ذلك"" .سوف ترى .سيكون دانيال الخاص بك هو الذي يتعامل مع هذا األمر .وربما سيضاجع دانيال تلك
األرملة؛ هللا وحده يعلم مدى حاجته إليه .ابتسم ابتسامة شريرة لم تستطع زوجته فهمها وتابع" :بما أنك تهتم كثيًر ا برفاهية ذلك
".الرجل ،فأنت من بين كل الناس لن ترغب في أن تحرمه من متعة الشعور بأنه على حق و متفوق جًد ا على البشر العاديين
"...ولكن ماذا تقول يا كريستوفر؟ ال أستطيع أن أصدق أن ضميرك"
قال" :آنا ،ال تتورطي في أشياء ال يمكنك فهمها" ،وتوقف عن الكالم .كانت لهجته نهائية ،وهي نفس اللهجة التي يستخدمها مع
شخص ليس لرأيه أي قيمة على اإلطالق .تراجعت زوجته إلى الوراء ،مذعورة .التفتت بعيدا وسارت نحو الخزانة .بدأ يتحدث مرة
».أخرى بلطف أكثر" :اسمع .ال تهتم بعملي ،وفي المقابل ستكون لك الحرية في إدارة المنزل كما تراه مناسًبا
فتحت باًبا على الخزانة ،وخرج صوتها مشوًبا بسخرية مريرة عندما قالت« :لقد كنت على حق إذن .إنك تجد خطًأ في أفعالي فقط
".لتتمكن من قمعي
أجاب بطريقته الصادقة" :ليس حًق ا"" .لكنني على استعداد للتوصل إلى بعض التسوية ".مجنون ،هذه المرأة مجنونة ،فكر عندما رآها
تهز رأسها .هل هي سعيدة من أي وقت مضى؟ "يمكنني االستغناء عن ذلك ،كما تعلم "،أوضح بتنازل" ،لكنني أريد أن ألتقي بك في
".منتصف الطريق ،ويجب أن تشكرني لمرة واحدة
".قلبك الطيب يحركني يا سيدي"
جيد ".لم يكن األمر أنه لم يسمع سخريتها ،بل كان فقط أنه فضل تجاهلها .وفي الحقيقة أراد االنتقال إلى أشياء أخرى" .تعال هنا "
".اآلن
.تخلت آنا عن البحث عن فستان وأغلقت الدوالب .تحركت نحو الباب الذي أدى إلى أسفل الردهة
.أوه ال .ال تهرب مني .ألقى كريستوفر البطانية جانًبا على عجل ،ونهض واتجه نحوها
كريستوفر ،قم بالتغطية!" صرخت آنا وهي تغطي عينيها بيدها .كان وجهها مشتعاًل بالنار لدرجة أنها كانت تستطيع طهي وجبة "
".اإلفطار عليه في ذلك الصباح .تمتمت قائلة" :يجب أن أذهب إلى الطابق السفلي يا سيدي"" .أنا متأخر
يبدو أنها تريد مغادرة الغرفة بهذه الطريقة ،في ثوب نومها .انضم إليها كريستوفر عند الباب عندما فتحته .كان خلفها ،ودفع الباب
.وأغلقه مرة أخرى
"كريستوفر ماذا؟"
آنا ،أنت ال تزالين خائفة مني ،أليس كذلك؟" سأل في همس .أمسكها وبدأ في خلع ثوب النوم األبيض الرقيق .تمتم قائًال" :لن أؤذيك "
"أبًد ا بهذه الطريقة" .وخطر بباله تفصيل ،فأضاف« :لن يحدث مرة أخرى يا آنا» .قبل خدها" .هل تصدقني؟
كيف يمكنني أن أصدقك؟ فكرت آنا دون أن تجيب وهو يحتضنها ويقبل رقبتها بحنان .أنت ال تسألني حتى إذا كنت أرغب في
.ممارسة الحب معك أم ال
وكانت يدا زوجها تلمسانها بالفعل ،حلوة ومتغطرسة ،وتحركان جسدها بطريقة غير عادلة وال مفر منها .األيدي التي كذبت على
جسدها؛ األيدي التي أعلنت الحب .األيدي الكاذبة -كاذبة تماًم ا مثل كريستوفر ،الذي أخبرها بالحقيقة في مناسبة واحدة فقط .عندما
.لم يخبرها بالكذبة التي كانت تريد سماعها
).ولكن ما الذي سيغيره ذلك بالنسبة لك يا آنا؟ ربما لن تستمري في كرهه(
نشرت كريستوفر ساقيها بتلك اليدين .انه ال يريد حقا أن . . .في الصباح! "ال . . .كريس ،يجب أن أذهب! هذا ليس الوقت
. . ".المناسب ،ال تفعل
".همس وهو يداعبها" :إنه شهر العسل"" .على أية حال ،سأكون سريًع ا يا عزيزتي .ال تقلق
.لكنه كذب ،كما هو الحال دائما
.عندما نزل كريستوفر إلى الطابق السفلي ،وجد ثالثة أزواج من عيون األطفال تنظر إليه بعتاب
لقد تأخرت يا كريستوفر" ،أشار أنتوني وهو يأخذ آخر قطعة بسكويت أمامه من الطبق الموجود في منتصف الطاولة" .لقد اختفى "
".البسكويت كله
أرى ".وقال انه يتطلع إلى زوجته .من المؤكد أنها كانت وراء مقاطعة إفطاره .لم ترفع آنا رأسها من الشاي الذي كانت تحتسيه" ،
.وكانت تشعر بالحرج الشديد من النظر إليه
.ال يوجد بسكويت يا نورا؟" سأل الطباخ الذي كان يجلس على الطاولة مع آنا واألطفال"
".همف"
"السيد .البطل لن ينضم إلينا اليوم؟"
قال أنتوني" :لقد انتهى بالفعل"" .لقد عاد إلى غرفته" ".كريستوفر "،أعلنت جريس وهي تنهض عن الطاولة" .إذا أصبحت
".أيها الطبيب عندما أكبر ،سأعيد ترتيب أنفك
أوه ".لمسها كريستوفر .لقد ضربه ذلك األخ غير الشقيق اللعين"
جيد ،اعترف لنفسه .من كان يعلم إذا كان في حالة سيئة مثله هذا الصباح .كان يأمل ذلك .وبالفعل ،كان يأمل له ما هو أسوأ .لسوء
الحظ ،ال يبدو األمر محتمًال للغاية" .ألم تقل أنه يبدو جيًد ا بالنسبة لي؟" سأل وهو يأخذ كوب الشاي ويمأله بالشاي .حتى لو اعتقدت
.غريس أن األمر قبيح ،فمن المؤكد أن هناك حاجة للقلق
"قال دينيس" :كم أنت غبية يا جريس"" .أال تعلمين أن الرجال فقط هم من يصبحون أطباء؟
".هذا ليس صحيحا" ،احتجت الفتاة الصغيرة" .كريس ،أخبره بذلك"
وضع كريس الكوب على الطاولة ووقف .كما اختفى كرسيه .أين أخفوها؟ نظر حوله لكنه لم يراه ،فأجاب بحسرة" .ال أعرف إذا
"كانت هناك طبيبات يا غريس .آنا ،ماذا تقول؟
تظاهرت زوجته بعدم سماعه ،واحمرت خجًال بشدة .حاول كريستوفر أن يتخيل كيف ستكون حياتهم المستقبلية مًع ا إذا ظلت دائًما
خجولة معه .ال مزيد من المناقشات ،ال مزيد من الجمل المريرة ،ال مزيد من النظرات المسببة لالشمئزاز أو التآكل ،هذا ما عّده
لنفسه .حسًن ا ،يمكنني البقاء على قيد الحياة .ستكون الجنة ،ألكون صادًق ا .أراد أن يجربها .قال« :على أية حال ،لن تضطري إلى
القيام بأي عمل يا جريس" ».من أجل دعم
أنت ،زوجك سوف يقوم بكل التفكير عندما تتزوجين .لذا ،لو كنت مكانك ،فلن أهتم حًق ا بدراسة الطب وكل األشياء األخرى .اترك
.الدراسة إلخوانك .بالنسبة لك ليست هناك حاجة
. . ".نظرت آنا لألعلى فجأة" .كريستوفر ،ماذا تقول!" انفجرت وهي تنظر إليه" .غريس ،ال تستمعي إلى هذا . . .هذا
بدت غير قادرة على العثور على الكلمة المناسبة لوصف نصيحة زوجها غير المرحب بها بشكل صحيح .تحول كريستوفر بسرعة
.إلخفاء ابتسامة
OceanofPDF.com
31
.هناك كتب يعتبر ظهرها وأغلفتها أفضل أجزائها على اإلطالق
تشارلز ديكنز-
عندما غادر زوجها المنزل أخيًر ا -في ذلك اليوم بدا أنه لم يرغب في المغادرة أبًد ا -كان بإمكان آنا إلقاء نظرة فاحصة على الرسالة
التي أعطتها لها نورا عندما نزلت إلى الطابق السفلي .لقد أخفته على عجل ألنها تعرفت سريًع ا على هويته :كان مكتوًبا على الظرف
".اآلنسة روكسان فوجميند" ،وكان يحمل ختًما غير معروف
"لقد قلبتها اآلن وابتسمت" .من سلمها يا نورا؟
المزارعة وتلك الفاكهة الموجودة في الزاوية" ،أجابت الطباخة الصغيرة ،التي لم تكن ترغب في التخلي عن هذا الدور وكانت "
غاضبة إلى حد ما عندما اقترحوا عليها الفكرة .ربما كانت مقتنعة بأن الطباخ الجديد سوف يسممهم ،أو األسوأ من ذلك ،سيجعلهم
.يفقدون الوزن
تطلبت اآلنسة روكسان االهتمام الكامل من آنا ،ولكن أين يمكنها االختباء لتقرأ تلك الرسالة؟ فجأة خطرت في ذهنها اإلجابة :مكتب
زوجها .من الواضح أن ال تحصل حتى .رقم أوه ،حسًن ا ،ربما قليًال .ومع ذلك ،كان صحيًح ا أيًض ا أن األطفال لن يبحثوا عنها هناك،
وباإلضافة إلى ذلك ،فقد مرت فترة من الوقت منذ أن بحثت في أدراجه .ال يعني ذلك أنها وجدت شيًئ ا مثيًر ا لالهتمام على اإلطالق،
. . .ولكن
ركضت إلى هناك بسرعة وفتحت الباب بدبوس شعر في أقل من دقيقة .كانت متوترة أثناء قيامها بذلك :كان حضور زوجها قويًا جدًا
.في تلك الغرفة لدرجة أنها كانت تخشى دائمًا رؤيته يظهر من خلف الباب
.دخلت وأغلقت الباب خلفها .جلست بجوار النافذة ،حيث سمح لها المنظر برؤية الطريق ،وفتحت رسالة اآلنسة فوجميند
،عزيزتي آنا
أعتذر عن السماح لي بالكتابة إليك ،ولكن كما يمكنك أن تتخيل القلق بعد ما حدث باألمس -بسببي -لم يمنحني السالم .آنا ،أعلم أن
هذا سيسيء إليك ،لكنني قررت الذهاب إلى لندن للتحقيق مع زوجك .لن أسألك مرة أخرى كيف تمكن من إقناعك بالزواج منه،
لكنني ال أستطيع أن أقنع نفسي بأن مشاعرك تجاهه جاءت فجأة كما تقول -أو ،على حد تعبيره" ،ازدهرت بين عشية وضحاها مثل
".زهرة برية
أود أن أسمع منك ،إذا كان بإمكانك الرد على هذه الرسالة؛ سأنتظر بفارغ الصبر لتلقي ردكم قبل المغادرة .أنا قلق للغاية بعد ظهر
أمس .آنا ،أتمنى أن تعلمي أن صداقتي ثابتة وحاضرة دائًم ا من أجلك ،وأدعو هللا أن ال تترددي في أن تأتمني على كل واحدة من
مشاكلك دون تردد .يمكنني مساعدتك في إخراجك من أي موقف صعب (أي!) .آنا ،صدقيني ،ال توجد فضيحة أسوأ من الحياة التي
.تقضيها مع رجل عنيف
كنت سأأتي إلى منزلك هذا الصباح لو لم يمنعني الخوف من التسبب في مشكلة .فقط قل الكلمة وسأسرع إليك؛ إن كسر وجه زوجك
.مرة أخرى سيمنحني رضًا ال حدود له
.أحر التمنيات ،د.ديم
.ابتسمت آنا وتوجهت إلى مكتب زوجها ،ومع دقات قلبها العالية ،بدأت هناك على الفور في صياغة رد على اآلنسة روكسان
،عزيزي دانييل
كما تسمي نفسك اآلن -أتمنى لك رحلة سعيدة إذا كنت ستغادر إلى لندن .العقل الضبابي سيكون مفيًد ا بالتأكيد Fogmind،أو
هناك ،أال تعتقد ذلك؟
-اهتمامك بي ،على الرغم من لطفه الشديد ،ليس له ما يبرره .لم يحدث لي شيء منذ ظهر األمس
)ال شيء يا آنا؟(
.توقفت مؤقًت ا عندما أصبح خديها دافئين ،وربما جسدها .ثم هزت رأسها وبدأت في الكتابة مرة أخرى
لم يحدث لي شيء منذ ظهر األمس يمكن أن يقلقك .أعلم أنك لن تبقيني في الظالم فيما يتعلق باألشياء التي ستكتشفها ،ألننا أصدقاء،
.ولهذا السبب نفسه ،ال تشعر باإلهانة إذا لم أقدم المزيد من التوضيحات لطلبي هذا
لكن أردت أن أطمئنك :كريستوفر ال يضربني .لم يحدث ذلك أبًد ا أثناء خطوبتنا ،وال منذ أن تزوجنا .على أية حال ،سأتذكر عرضك
المدروس للمساعدة في حال احتجت إليها .أطلب منك شيًئ ا واحًد ا :ال تتحدث عن مخاوفك مع لوسي .أخشى أنها لن تمنحني لحظة
.من الراحة ،وأنها قد تحاول حك عيني زوجي لتصنع منهما تحًف ا صغيرة ساحرة ،ربما ثقالة ورق
.أنهت الرسالة .كان الوقت ينفد
،مع جزيل الشكر عزيزي دانيال .صديقك
آنا
مالحظة :سوف تتفاجأ عندما تعرف أن المالحظات الختامية لرسالتك هي نفسها التي استخدمها زوجي عند اإلشارة إليك .أتصور أن
هذا سوف يزعجك ،وأنا بالفعل أبتسم للنظرة التي على وجهك اآلن (هيا ،توقف عن ذلك ،دانيال ،وإال فسوف تحصل على تجاعيد
مبكرة تتجه نحو جبينك) .ربما ال ينبغي لي أن أذكر
يا لها من مصادفة ،لكني أعلم أنك ستكون قادًر ا على تقدير المفارقة .بالتأكيد ،نظًر ا لتعاطفكم المتبادل ،أعتقد أنه سيكون من األفضل
أن تبتعد أنت وكريستوفر عن بعضكما البعض في المستقبل القريب ،حتى في أي مناسبة اجتماعية تتواجدان فيها .كلمة نصيحة :لقد
تورم أنف زوجي بشكل كبير لدرجة أنه إذا كنت معه في نفس الغرفة ،فسيكون من المستحيل عدم التواجد بالقرب منه ،ألنه يخيف
.اآلخرين
سارعت آنا إلى تنظيف المكتب ،وإزالة كل آثار وجودها هناك .قبل أن تغادر ،فتحت جميع أدراج المكتب ،دون أن تهمل األدراج
.المغلقة ،التي كانت فارغة مرة أخرى هذه المرة
.شعرت باإلحباط
أين كان زوجها يخفي وثائقه؟ وألنهم كانوا هناك ،كانت متأكدة من ذلك .على سبيل المثال ،األوراق المتعلقة بالوصاية .ولكن أين
كانوا؟ لقد بحثت بالفعل في جميع الكتب الموجودة على الرفوف .لم يكن هناك الكثير لقول الحقيقة .ربما كان كريستوفر خائًف ا من
تدمير عقله من خالل القراءة كثيًر ا .في الواقع ،لم يكن على علم عملًيا بكل جانب من جوانب المعرفة اإلنسانية .لماذا تلوث هذا
الجهل الطاهر بالقراءة المتهورة؟
وواصلت بحثها .لقد فحصت جميع القيعان الزائفة ،واكتشفت ثالثة منها ،ولم تجد شيًئ ا .نظرت خلف كل اللوحات وفي سلة
.المهمالت .ال شئ .عادت إلى الكتب غاضبة ،والحظت أخيًر ا شيًئ ا قد أفلت منها
.الموقد
تم إعادة تزيين رف المدفأة وفًق ا لتعليمات زوجها بالرخام الثقيل والجص ،وعندما شاهدت هي ولوسي الخليط المذّهب من الزهور
والكروم ،اعتقدتا أن ذوق كريستوفر كان مبهرًج ا للغاية لدرجة أنه كان غير قانوني تقريًبا .ولكن ربما أراد األمر بهذه الطريقة لسبب
.ما ،فكرت ،وظهرت ابتسامة على وجهها
بقي السيد أوين ،وبعد ذلك يمكنه العودة إلى المنزل .السيد أوين . . .السيد أوين . . .آه ،نعم ،ذلك الرجل الممتلئ ذو البقعة الصلعاء
.الذي طلب منه القرض الصغير
لم يكن األمر مهًما جًد ا ،فكر في األمر .ال شيء عملًيا ،فكر كريستوفر .قرر أن هذا يكفي لهذا اليوم .سأبلغه أن الموعد قد تم تأجيله
إلى الغد .إذا أسرع ،فيمكنه االنتهاء في الوقت المناسب للعودة إلى المنزل لقضاء فترة ما بعد الظهر في الحكاية الخيالية التي روتها
آنا لألطفال .ال يعني ذلك أنه وافق على مثل هذا الهراء العاطفي ،انتبه؛ لقد أراد فقط معرفة الجزء من القصة الذي ستخبره به
.زوجته في ذلك اليوم ،وبأي طريقة خيالية ستقتله في النهاية
نهض من كرسيه بعد أن أغلق مكتبه ومد ذراعيه على نطاق واسع قدر اإلمكان .ألقى نظرة على كتاب على رف قريب .وهي طبعة
قديمة بغالف بني اللون ،مهترئة في عدة أماكن .مد يده ،وأخذها ،وقلب صفحات قليلة .كان يعرف كل التفاصيل ،كل خدش ،كل ثنية
:في الورقة الصفراء .انه يقرأ
.يجب أن تنتقل قلعة وسيادة أوترانتو من العائلة الحالية عندما يصبح المالك الحقيقي أكبر من أن يسكنها . . .
.وأغلق الكتاب بجلطة .أعاده إلى مكانه ثم عاد إلى مقعده خلف المكتب
).ال يمكنك أن تأخذ قسطًا من الراحة يا كريستوفر .وال حتى لمدة نصف ساعة(
لقد ذّك ره ذلك الكتاب بذلك مرة أخرى ،تماًما كما ذّك ره بعد ظهر أحد األيام الباردة قبل اثني عشر عاًما عندما ذهب إلى مكتب فرانك
دافنبورت لقراءته .وبعد ذلك قرصه من متى .في الحقيقة ،في البداية أراد فقط إخفاء ذلك .وكان مقتنًع ا بأنه سيعيدها إليه عاجًال أم
آجًال – ولكن أوًال كان على متى أن يتوسل إليه لعدة أيام .ربما أشهر .لكي نكون صادقين تماًما ،فإن فكرة أن كريستوفر قضى فترة
ما بعد الظهر وهو في الثالثة عشرة من عمره في قراءة كتاب (وكتاب ابن عمه ،ليس أقل من ذلك!) بدت وكأنها مستحيلة أكثر من
.كونها حقيقة فعلية .ومع ذلك ،فقد حدث ذلك بعد أربعة أحداث عشوائية ومتزامنة
األول كان بعد ظهر يوم ممزوًج ا بالمطر والصقيع .والثانية أن متى كان طريح الفراش مصابًا بنزلة برد ،والثالثة أنه لم يالحظ
السرقة بعد بعد يومين .وأخيرا ،الرابع هو أن خطرا رهيبا يلوح في األفق على كريستوفر .من المؤكد أن إزعاج مربية بدينة بصوت
حاد أمر صعب على طبلة األذن ،كان يفكر وهو يركض إلى غرفة الطعام .ربما لهذا السبب يختارون مثل هؤالء السمينين .كان قد
توقف ل
لحظة التقاط الكتاب من المكان الذي أخفاه فيه -خلف األريكة -قبل البحث عن العزلة واألمان في مكتب عمه ،حيث لن تبحث عنه
.سونيا
لقد ثبت أن االختباء فكرة حكيمة إلى حد ما ،ألنه عندما اكتشفت المربية الفوضى في غرفة اللعب ،بدأت بالصراخ .ال يعني ذلك أن
كريستوفر كان له أي دور في تلك الكارثة ،انتبه :من الطبيعي أن يتلف األثاث عندما يحاول المرء تحريك عربة صغيرة بالبخار .لقد
قرأ عن هذه اآللة ،وحاول إعادة إنتاج الطريقة التي تعمل بها .لم يكن األمر سيًئ ا للغاية .عالوة على ذلك ،لم يكن األمر أن السجادة
قد احترقت بالفعل .ليس كل ذلك ،على األقل؛ لو أنها قطعت قدمًا واحدة فقط من النهاية ،لكانت جيدة كالجديدة ،لكنه شكك في أن
سونيا كانت ستعتقد ذلك .لقد كانت دائًم ا تثير ضجة حول األشياء .لو حاول أن يقترح عليها هذا الحل -أو لو وجدته على أية حال -
لنفخت خدودها الوردية الكبيرة ،ومررت يدها على شعرها المجعد األشقر الداكن ،ثم وضعت يديها عليها .الوركين ،نبح توبيخا
عليه .حسنا ،بالتأكيد أكثر من واحد .وأخيًر ا ،كانت ستنفجر في واحدة من صيحات المعركة المفضلة لديها" :اآلن سأخبر السيدة
دافنبورت ،كريستوفر!" ال يعني ذلك أنه كان سيحدث فرًق ا .حتى سونيا فهمت أنه إذا لم يكن األمر يتعلق بماثيو ،فإن العمة هزت
.كتفيها ونسيت األمر برمته على الفور
آمل أال تخبر عمي بأن كريستوفر كان يتمنى ذلك مع شعور بسيط بالذنب .لكن بصراحة ،ما الذي كان بإمكانه فعله بعد ظهر ذلك
اليوم إن لم يكن إجراء بعض التجارب العلمية؟ كان ماثيو في السرير ،ولم تسمح له عمته بالنهوض .ولم يتوقف نقر المطر المزعج
.على زجاج النافذة ،ومنعه من الخروج
"!لقد كان مشتًت ا عن أفكاره ألنه سمع سونيا قادمة من الردهة" .كريستوفر
قام بتقييم لهجتها .كان هناك تهيج ،بالتأكيد .ضيق في التنفس (ربما كانت تمشي بسرعة) .ربما شهية طفيفة .ولكن هل كان هناك أثر
يذكر من اللطف الذي قد يسمح له بالخروج أو األمل في المغفرة؟
"كريستوفر! كريستوفر دافينبورت ،اخرج في الحال! أين أنت أيها الوغد؟"
.ال بالتأكيد ال .ظل صامًت ا ،على أمل أال تأتي سونيا إلى مكتب عمه .مرت بجانبها ،وشعر كريستوفر باالرتياح بشكل مفهوم
وبعد ساعة خرج من مخبئه تحت المكتب الخشبي الداكن ،وسار نحو الطاولة القصيرة في الزاوية اليمنى .كان عليها زجاجة بها
سائل كهرماني يبدو لذيًذ ا جًد ا بالفعل .سكب كريستوفر بعًض ا منه في كوب وجربه .لقد أحرقت حلقه ،وكادت نكهة الدخان أن تجعله
يتقيأ .عمي ليس على حق في كل شيء ،هكذا فكر وهو يجلس على الكرسي ذو الذراعين والكتاب بين يديه .كان يأمل أنه ،على
الرغم من شربه تلك المادة ،سيظل قادًر ا على معرفة شيء ما عن الرسائل التي أرسلها إلى عمه منذ أكثر من عام .رسائل والدته .
ألنه لم يكن من السهل عليه أن يسلمهم إليه .لقد أخفاها لمدة ست سنوات ،وأعاد قراءتها لمدة ست سنوات دون حتى أن يظهرها
بالطبع .ست L.لمتى .لمدة ست سنوات تحاول اكتشاف بعض األدلة :شارع" ،الشارع الشرقي"؛ مدرسة السيدة وايت؛ ومن كان
سنوات دون إحراز أي تقدم .وفي النهاية أعطاهم لعمه ،ألنه إذا كان هناك شخص يمكنه مساعدته في الوصول إلى حقيقة األمر ،فهو
فرانك دافنبورت .كان دفتر والدته -المذكرات الغريبة التي تتحدث عن عوالم أفضل وبعيدة -هو الشيء الوحيد الذي لم يعطه إياه.
.في الغالب ألنه اعتقد أن ذلك لن يكون مفيًد ا له ،ولكن أيًض ا ألنه أراد االحتفاظ به لنفسه .لنفسه فقط
كان ملتًف ا ببطانية رمادية قديمة وجدها على ظهر الكرسي ،يشعر بالدفء على الرغم من البرد .في الواقع كان الجو بارًد ا جًد ا في
مكتب عمه :لم تكن ماري قد أشعلت النار منذ أن خرج فرانك ولن تعود حتى اليوم التالي .ومع ذلك ،لم يغادر كريستوفر ،على
الرغم من أن سونيا توقفت عن البحث عنه .شعر باالرتياح مع رائحة الغليون الخفيفة في الهواء -ربما كان علّي أن أحاول تدخينه،
.كما ظن ،ولكن مع ذكرى تجربته الفاشلة مع الويسكي ،قرر التخلي عن الفكرة
.بدأ القراءة
مانفريد ،أمير أوترانتو ،كان له ابن واحد وابنة واحدة :األخيرة ،عذراء جميلة جًد ا ،تبلغ من العمر ثمانية عشر عاًما ،تدعى
. ..ماتيلدا
قال في نفسه إنه كتاب نموذجي لمتى .األمر كله يتعلق بالمعركة الشرسة بين الملل والرتابة .في الحقيقة ،هذا الكتاب لم يكن من
تأليف متى ،ولهذا السبب كان كريستوفر يأمل في شيء ما
أكثر تشويقا .ولكن لم يكن هناك أي شيء مثير في بريدجتاون في كينت ،وحتى أقل من ذلك في منزل السيدة شارب ،جدة ماثيو
ألمه .هناك اكتشف ابن عمه الصغير قلعة أوترانتو عندما كان هناك في زيارة في وقت سابق من ذلك الشهر .لم يذهب كريستوفر
معه ومع عمته -لقد أقام مع عمه ،الذي لم يتمكن من مغادرة لندن -ولم يشعر بخيبة أمل بشأن ذلك على اإلطالق ،حيث كانت
للسيدة شارب طريقة غريبة في تجعيد أنفها عندما كانت رأته وعاقبته باستمرار .ليس دائًما بشكل غير عادل ،بالتأكيد ،لكن هذا لم
يغير الحقيقة ،أليس كذلك؟ لقد افتقد ماثيو قليًال خالل هذين األسبوعين ،كان عليه أن يعترف بذلك ،لكن عدم رؤية عمته كان أمًر ا
لطيًف ا ،كما كان األمر بالنسبة إلى عمه لنفسه لمرة واحدة .كان الذهاب معه في نهر التايمز المتجمد تجربة مثيرة للغاية بالفعل .كان
من المؤسف أن ابن عمه الغبي لم يتمكن من الحضور ،فكر كريستوفر بأسف ،لكن ستتاح لهم الفرصة للعودة مرة أخرى عاجًال أم
.آجًال ،وربما حتى في العام المقبل
. . .كان مانفريد قد تزوج ابنه من إيزابيال ابنة ماركيز فينسينزا . . .
ربما يستطيع أن يرمي الكتاب على الحائط ويحصل على كتاب آخر .نظر حوله؛ لم يكن هناك سوى الدوريات وسجالت التسجيل
.القديمة
. . .يا له من مشهد في عيني األب! -رأى طفله محطًما إلى أشالء وكاد ُيدفن تحت خوذة ضخمة . . .
أوه ،الوضع يتحسن ،فكر بارتياح ،وانغمس بسرعة أكبر في القراءة .توقف مرة واحدة فقط ،عندما ظن أن الظالم قد حل .غادر
.ليحضر شمعة ،ثم انغمس بين أشباح الكتاب وعمالقة الكتاب مرة أخرى
وهدد ثيودور بالتدمير لكل من حاول إبعاده عنها .طبع ألف قبلة على يديها الباردتين ونطق بكل تعبير يمكن أن يمليه عليه . . .
. . .الحب اليائس
.مر الوقت بسرعة ،وكان وقت العشاء قد اقترب بالفعل .لقد تسبب البرد في خدر أصابعه ،وشعر بالتصلب تحت البطانية
لكن حزن ثيودور كان جديًد ا جًد ا بحيث لم يتمكن من االعتراف بفكرة حب آخر ،ولم يكن مقتنًع ا إال بعد محادثات متكررة مع . . .
إيزابيال عزيزته ماتيلدا بأنه ال يستطيع أن يعرف السعادة إال في مجتمع شخص يمكنه أن ينغمس معه إلى األبد .الحزن الذي استحوذ
.على روحه
هذا كان هو؛ لقد انتهى األمر .لم يكن سيئا ،أليس كذلك؟ ومع ذلك لم يعجبه أحد؛ في الواقع ،تحت عبارة "النهاية" كتب شخص
:غامض بدقة
:وفي اليوم السادس عشر من شهر مايو من عام ربنا 1798نجد أن
نهاية هذا الكتاب مروعة
:ونشير هنا إلى أن
إن مصير إيزابيال هو أسوأ ما يمكن أن تتمناه
تمت صياغة هذه الوثيقة وتوقيعها من قبل صاحبة الكتاب وصديقتها المفضلة ،اللتين تتمتعان بكامل قواهما العقلية (وأيًض ا معدة
:ممتلئة) تقسمان وتؤكدان وتعلنان ما يلي
!لن يكونوا أبًد ا ال مثيل لهم ،من قبل جوف
شخص غامض ،نعم .بدا هذا الكتابة اليدوية غريبا بالنسبة له .بدا األمر مألوًف ا ،وكان صحيًح ا ،لكنه لم يتعرف عليه .ربما ألننا نرى
فقط األشياء التي نتوقع رؤيتها .ربما ألن المطر كان ال يزال يضرب النافذة ،وكان ال يزال تحت البطانية ،وكان ال يزال في المكتب
تفوح منه رائحة تبغ الغليون ،وكل شيء سيئ -الموت واأللم -بدا في غير محله هنا .و بعد . . .ومع ذلك ،كانت هذه الكلمات
.مبهجة ،وشعر كريستوفر بعدم االرتياح .ومع ذلك كان يخشى قراءة التوقيعات تحت القسم
ال ،لم يكن هذا بالضبط .لم يكن خائًف ا من قراءة التوقيع األول .ألنه على الرغم من أنه كان مكتوًبا بطريقة أكثر غموًض ا ،وأقل مياًل ،
.وأكبر مقارنة بالكتابة التي عرفها كريستوفر ،إال أن القلم كان ال لبس فيه .مطمئنة
صاحب الكتاب
باربرا شارب
.ولكن تحت . . .تحته كان هناك توقيع ثان .غير معروف ولكن مألوف .مألوفة جدا اللعينة
صديقتها المذكورة ،وكاتبة العدل بامتياز
قرأ كريستوفر" :كاتب العدل المتميز" .ثم قرأ مرة أخرى ،وأخذ يحدق في تلك العبارة وكأنه تائه .مرة بعد مرة .وظل يحدق فيها
دقائق بعد دقيقة حتى أعمى عنها ولم يستطع أن يرفع بصره عنها .لم يسمح لعينيه بقراءة التوقيع الموجود تحته .لماذا؟
. . ".كاتب العدل التمييز ". . .
. . ".صديقتها المذكورة"
. . ".صديقتها المذكورة آنفًا ،وكاتبة العدل المتميزة“
تلك التي تتميز باالزدهار ،والمستديرة ،مع تجعيدات مرحة .لم يفعل
التعرف عليهم ،أليس كذلك؟ لم يتعرف على حروف الدال المنتفخة ،وال على حروف النون الرقيقة ،وال على أي من األبجدية المنمقة
.التي خلقت بها ،في دفتر مالحظات بغالف أسود ،عالًما بعيًد ا بعد سنوات .عالم أفضل
. . ".صديقتها المذكورة آنفًا ،وكاتبة العدل المتميزة“
32
.القتل دائما خطأ .ال ينبغي ألحد أن يفعل أي شيء ال يستطيع التحدث عنه بعد العشاء
أوسكار وايلد-
نظر إلى زوجته التي كانت تجلس تحت النافذة تخيط .كان من السخيف أنه شعر بالحرج لمجرد التحدث معها .ففي نهاية المطاف،
كانت زوجته ،زوجته حًق ا .منذ عدة أيام ،ولم يكن هناك أي فائدة من التفكير في األمر في هذا الوقت من بعد الظهر ،فكر بابتسامة
"على وجهه" .آنا ،هل يمكنني التحدث معك للحظة؟
لم تنظر إليه" .ألن تخرج اليوم؟" سألت كما لو كانت مشتتة .لكنها لم تكن كذلك .لقد كانت خجولة ،تلك الفتاة السخيفة ،وكانت تحاول
.عدم إظهار ذلك
"ال .هل يمكنك أن تأتي إلى مكتبي؟ لدى شىء ألريك إياه ".بدت زوجته قلقة" .اآلن؟ ماذا؟"
".يا سبيل هللا" .آنا ،ال شيء خطير .يأتي
.لقد تنهدت .تركت الخياطة وتبعته إلى الغرفة
".قالت وهي تدخل الغرفة خلفه" :أخبرني إذن
هل تتذكر أنني وذهبت أنا وأنتوني إلى لندن منذ بعض الوقت ".هو"
التقطت الرسالة التي كانت موضوعة فوق مكتبه وسلمتها لها" .لقد تلقيت الرد الذي كنت أنتظره هذا الصباح ".كان يأمل أال تتفاعل
آنا بشكل سيئ مع األخبار التي كان على وشك أن يخبرها بها .ولكن ال ،لماذا هي؟ وقالت انها سوف تكون سعيدة ،إذا كان أي شيء.
.قطعًا" .من مدرسة وستمنستر .أنتوني سوف يذهب إلى هناك يوم االثنين المقبل
"وقفت آنا هناك" .ماذا؟
".قال" :سوف يذهب أنتوني إلى مدرسة داخلية"" .انه يريد
قال له كريستوفر" :لدي أخبار لك يا أنتوني" .التقط الرسالة التي تركتها زوجته تسقط على األرض وسلمها للصبي" .ابدأ بالتفكير
.في األشياء التي تود أن تأخذها معك ،ألنه لم يتبق سوى أسبوع واحد حتى رحيلك .لقد تم قبولك في الكلية الملكية للقديس بطرس
احمرت خدود أنتوني وسقط فمه مفتوًح ا .لم يكن يعرف كيف يظهر فرحته بأي طريقة أخرى ،ولم يتوقع منه كريستوفر أن يفعل ذلك
على أي حال .كان للصبي طريقته الخاصة في إظهار الحماس .بدأ يقرأ الرسالة التي أعطاها إياه صهره ،وكان ال يزال يبدو جدًيا
.للغاية .لكن . . .لكن . . .إيه؟ ال يا أنتوني ،هذا لن يجدي نفًع ا ،فكر كريستوفر .بدأت عيناك تدمع يا ولدي
ال تزال آنا تحمل تلك النظرة الشاحبة والمذهلة التي كانت تبدو عليها من قبل .لماذا عليها دائما أن تجعل كل شيء صعبا؟ وأعلن:
“سأرافقه بنفسي للدخول يوم االثنين المقبل”" .يمكنك أن تأتي معنا ،من الواضح .سيعود أخوك إلى هنا في نهاية كل أسبوع إذا كانت
».دراسته تسمح بذلك
"بدت آنا مستنزفة .وضعت يدها على جبهتها وفركتها وكأنها تجمع أفكارها" .لكن . . .قريبا جدا؟
".المدرسة على وشك البدء ،وأنتوني ال يستطيع تحمل التأخير .سيكون عليه أن يتبع وتيرة زمالئه التالميذ"
.وأبي؟" بدا صوت زوجته خافتا"
”.سوف تخبر السيد تشامبيون .لكنه سيكون سعيًد ا ،كما أتخيل"
"ولكن لماذا لم تقل لي أي شيء يا كريستوفر؟"
".ألنك كنت ستحدث ضجة كبيرة .قال" :لقد غاب عن ذهني
.أجاب
لقد انزلقت . . .أوه ،أفترض أنه حدث ذلك "،علقت بجفاف .تغيرت"
".تجاه أخيها" .أنتوني ،هل يمكنك أن تتركني أنا وكريستوفر بمفردنا ،من فضلك
.اللعنة ،إنها تريد أن تجادل .وسيكون االنفجار صاخًبا بشكل ال يصدق
آنا ،ليس هناك فائدة من ذلك ." . .قال ،لكنه توقف بعد أن رأى تعبيرها" .أنتوني "،قال بعد ذلك" .إذا أردت ،يمكنك إنهاء قراءة تلك"
".الرسالة في غرفتك .إنه ملك لك بعد كل شيء
".أومأ أنتوني .وقال" :سأفتقدك كثيرًا يا آنا"" .واآلخرون كذلك
بدا غير مؤكد .ثم أشار بيده أن تنحني إليه .لقد داعبته آنا ببعض الجهد ،كما لو كانت تمسك به
.وزن غير مرئي .همس أنتوني بشيء في أذنها ،ثم خرج من المكتب وركض إلى غرفته والرسالة مشدودة بين يديه
"وقفت آنا بشكل مستقيم .أظلم الفزع عينيها ووجهها" .ماذا تحاول أن تفعل يا كريستوفر؟ لماذا تتصرف بهذه الطريقة؟
".ال أفهمك"
هل هذه طريقتك لحرماني من المودة؟ شرائها بـ "-للحظة كان يميل إلى معاودة االتصال بأنطوني" .آنا" هو"
.قاطعتها قائلة" :ال يمكنك التفكير حًق ا . . .يا الهى! إذا كان ذلك ألنني لم أتحدث معك عن ذلك ،فذلك فقط ألنك كنت ستشتكي
ال تكذب علي ".نظرت إليه بعناية ،وكان يشعر بعدم االرتياح .لماذا اذن؟ لم يكن يكذب" .لم تقل أي شيء ،ألنك أردت أن تكون "
"أنت من أسعد أخي .أليس كذلك؟
"ماذا؟" لقد كان مذهوًال" .ماذا تقول؟"
"أنت تحب هذا الطفل .هل انا على حق؟"
ليس هذا السؤال .ليس مجددا! "حب؟ هل هو دائما الحب الذي يمأل الخاص بك
رأس صغير يا آنا؟ ال يرى الجميع العالم بألوان الباستيل ،كما تعلمون .اسمع ،إنه يحب المدرسة ،لقد طلب مني الذهاب ،وأعتقد أن
".ذلك سيكون مفيًد ا له .هذا كل شيء
".اجب على سؤالي"
".أطلق كريستوفر نفخة صغيرة من الهواء من شفتيه المنفصلتين .اعترف أخيًر ا قائًال" :أنت تعلم جيًد ا أنني أجد عائلتك محبوبة جًد ا
محبوب؟" ضحكت بمرارة ،وهزت رأسها" .أنت لم تجب يا كريستوفر .اسمحوا لي أن أكون واضحا وضوح الشمس .إذا تمردت "
عليك -على سبيل المثال ،إذا قلت لصديقك ليوبولد ديميرسي وزمالء عملك ما أعتقده عنهم ،أو إذا لم أرتدي الفستان الذي اخترته
لي ليلة الخميس في منزل مورتيمر -حسًن ا ،إذا لم أفعل كل األشياء التي تطلبها" -بالكاد احمرت خجاًل " -سوف تهاجمني مع أفراد
".عائلتي ،أليس كذلك؟ هكذا قلت
آنا ،هل من الضروري التحدث عن هذا بعد؟" كان هناك عنصر من اليأس في صوته وفي جسده أيًض ا" .أنت تعرف بالفعل أنه من "
الضروري بالنسبة لي أن يكون لدي زوجة منضبطة ،لكن يجب أن تدرك أنني أترك لك الكثير من الحرية ،وال يبدو أنني الوحش
"...الذي
"إجابة .هل ستسبب أي ضرر لعائلتي؟ نعم أو ال؟"
".ظل كريستوفر صامًت ا لبضع لحظات ،وشدد فكيه" .نعم "،اعترف أخيًر ا بضجر" .أنت تعرفها
".نظرت آنا إليه باهتمام منسحق" .ومع ذلك ،فقد بدت سعيًد ا جًد ا ألنطوني منذ فترة قصيرة
اللعنة ،من الواضح أنني ال أحب ذلك!" انفجر" .ولكن لماذا يجب عليك دائًما مناقشة كل شيء؟" ولماذا يجب أن يفقد أعصابه دائًما؟"
"اسمع "،تابع بهدوء أكثر" ،اآلن نحن على ما يرام ،أليس كذلك؟ " ليست هناك حاجة لذلك ." . .انه متوقف .وتابع بلطف" :آنا،
استمعي لي" .اقترب منها ولمس وجهها المضطرب ،ثم خفض رأسه لتقبيل شفتيها" .ال تكن غاضًبا دائًما .ألست سعيًد ا من أجل
”أخيك؟
لكنها ظلت جامدة وحزينة ،وهي تهمة حية لخداع كريستوفر دافنبورت" .أخي يعشقك ،وأنت تشتريه بتقليد عاطفة غير موجودة.
.كيف يمكنني أن أكون سعيًد ا لذلك؟” أغمضت عينيها ،وقد امتألت دموعها وتدفقت على وجهها
).لم يحدث هذا منذ فترة ،أليس كذلك يا كريستوفر؟ وربما كنت تأمل أال يحدث ذلك بعد اآلن(
.آنا ،ال تفعلي ." . .بدأ ،متعًبا جًد ا من رؤيتها تبكي ،متعًبا جًد ا من جعله يشعر بالشرير"
"هل تعرف ماذا قال لي اآلن؟"
".ال ".أطلق تنهيدة غاضبة" .أخبرني"
،قال إنه اآلن يستطيع مغادرة هذا المنزل دون أي قلق"
".ألنك هنا للدفاع عنا
تدحرجت دمعة أخيرة على خدها .كان كريستوفر صامتا ،وله
.أدارت الزوجة رأسها وغادرت الغرفة
ماثيو ،هل أنت مخطوبة للوسي؟" سألت جريس بينما كانوا يجلسون على الطاولة .كانت آنا ولوسي وماثيو يتحدثون بحيوية ،بينما "
.بقي كريستوفر هادًئ ا .كان السيد تشامبيون قد تناول العشاء مع نورا مقدًما ،ألن اإلرهاق منعه من تحمل الضجيج والساعة المتأخرة
".ضحكت لوسي" .جمال!" فتساءلت" .عادًة ما يكون أنتوني هو من يطرح هذا النوع من األسئلة
عند سماع اسمه ،هز الطفل كتفيه وألقى نظرة خائفة .ابتسمت آنا لنفسها .حتى أخي الضميري
.لديه ضعفه .نظرت إليه بمودة .يبلغ من العمر أحد عشر عاًما تقريًبا .لقد أصبح رجًال صغيرًا
لم يبدو ماثيو محرًج ا وابتسم للفتاة الصغيرة" .ألم نتفق على أنك ستصبحين خطيبتي عندما تكبرين؟" سأل" .هل تحاول التخلص
"مني؟
ليس األمر أنني ال أحبك" ،أكدت له جريس ،مستخدمة شوكتها لمطاردة حبة بازالء كانت تتدحرج على طبقها" .األمر أنني لست "
.متأكًد ا من رغبتي في الزواج .يقول كريستوفر إن علّي أن أفعل ذلك ،ألنني ال أستطيع أن أصبح طبيبًا
اختنقت لوسي بسبب كمية من الطعام" .السيد .قالت له عندما تمكنت من التقاط أنفاسها" :دافنبورت ،هل قلت حًق ا مثل هذا الشيء
"لجريس؟
".وأكد دينيس" :نعم ،لقد قال ذلك"" .كنت هناك
هز كريستوفر كتفيه بشكل عرضي" .لقد قلت الحقيقة فحسب ،وهذا أفضل من أن تمأل رؤوسهم بأفكار غير واقعية ،كما يفعل
".بقيتكم
.أظهر وجه لوسي أنها مستعدة للقتال ،وابتسمت آنا .ال فائدة يا لوسي ،لقد حاولت التواصل معها بصمت .زوجي هو قضية خاسرة
".ولسوء الحظ ،لم تفهم صديقتها رسالتها المعقولة" .إذا كان الجميع يفكرون مثلك يا سيد دافنبورت ،فسيظل العالم دائًما على حاله
".ال أرى لماذا يجب أن يتغير"
".أنت ال ترى السبب ." . .دهشتها منعتها من إكمال كالمها" .النساء غير مؤهالت فكرًيا للمالحقات العلمية ،يا آنسة إدواردز"
".وأوضح كريستوفر" .الكذب على جريس لن يغير هذا الواقع
استجاب وجه لوسي لهذه المالحظة دون كلمات .ومع ذلك ،ال يبدو أن جريس كانت غاضبة جًد ا" .أنا ال أهتم بما تقوله يا كريس"،
أصرت ،وشعرت آنا بصدرها يقفز من الفخر" .عندما أكبر ،سأفعل
".أرتدي زي الرجال وسأصبح طبيبًا على أية حال
رفع كريستوفر حاجبه متفاجًئ ا .فأجاب بجفاف« :ال أفعل
».أعتقد ذلك يا جريس ،ولكننا سنناقش األمر مرة أخرى خالل الخمسة عشر عاًما القادمة
وضعت آنا يدها على جبهتها بهدوء" .ال تستمعي إلى زوجي يا لوسي" ،نصحتها ،فنظر إليها بنظرة غاضبة" .إنه فكريا
".غير صالح ل . . .األنشطة الذهنية
حتى لوسي بدت مقتنعة" .حسًن ا ،إذن ،دعنا نتحدث مع شخص ما
يكون .أنتوني ،أختك أخبرتني أنك سترحل .أنت ذاهب ل
سر ال يوصف؟" سأل كريستوفر .في الواقع ،كانت هناك حقيقة ال توصف إلى حد ما ،ولهذا السبب كان متأكًد ا تماًما من أن آنا لم "
تقل كلمة واحدة ألي شخص .ومع ذلك ،كانت لوسي تبتسم له بشكل مثير للقلق .نظر لزوجته بنظرة استفهام ،لكنها تجنبت النظر
.إليه
قالت لوسي« :لم تكن آنا واضحة تماًم ا ،ولكن يبدو أن الحادث الذي تعرضت له كان يتعلق بوعاء حجرة ،وطاولة صالة ،وغرفة
"مظلمة .هل هذا صحيح؟
للحظة لم يتحرك" .وعاء الغرفة؟" كرر .يا الهى .ماذا بحق الجحيم قالت زوجته؟
تعال اآلن يا سيد دافنبورت ،هذا يمكن أن يحدث ألي شخص ،أن يتعثر في الظالم "،قالت لوسي وهي تواسيه ،لكن التأثير فسد "
... . ".ألنها أطلقت ضحكة ،ثم حاولت يائسة إخفاءها بالسعال .ربما ال تكون العواقب مدمرة إلى هذا الحد دائًما ،ولكن
أسوأ مما كان يتوقع .سأقوم بضربك الليلة يا زوجتي الصغيرة .التفت إليها ليخبرها بذلك بعينيه ،لكن آنا أبقت رأسها لألسفل ولم
.تنظر إليه
).إنها ال تزال تعارضك يا كريستوفر(
مرة أخرى كان هناك ذلك الشعور المزعج في صدره الذي رفض أن يرحل .ربما كان ذلك قلياًل من الطعام الذي ال يفسد ،أو ربما
كان مليًئ ا بخيبة األمل .إنها ليست سعيدة معي أبًد ا ،أبًد ا .لم يكن من المنطقي أن يفاجئه ذلك ،ومع ذلك فقد تفاجأ .إنها حقا مكروهة ،ال
. . .تطاق
تعال اآلن يا كريس ،ال تقلق "،اقترح ماثيو" .إذا كنت تفضل أن تخبر الجميع أنك كسرت أنفك عندما كنت تدافع عن بعض األيتام "
".من التعرض لالعتداء ،أو عن سيدة عجوز صغيرة من التعرض للسرقة ،فلن ننكر ذلك
".هادئ يا مات"
".وعلقت لوسي قائلة" :يبدو أن ابن عمك ال يعرف كيفية التعامل مع الخسارة يا ماثيو
حًقا؟ حسًن ا ،سيتعين عليه عاجًال أم آجًال أن يعترف بوجود عقبات ال يمكن التغلب عليها حتى بالنسبة له .لكن أخبرني يا كريس؛ آنا"
»تركت تفاصيل واحدة .هل كان وعاء الغرفة ممتلًئ ا أم فارًغ ا؟
هل تسمح اآلداب بخنق الضيف المضايق؟
".حاول كريستوفر أن يتذكر .ربما لذلك .قال" :مسلي جًد ا يا ماثيو
قال .قال وهو يشير إلى ماثيو بالسكين الذي كان يحمله في يده" :لكن يا آنسة إدواردز ،دعيني أقدم لك بعض النصائح :ال تتعلقي به
".أكثر من الالزم ،ألنه في وقت الحق ،لسوء الحظ ،سأضطر إلى عصر يده" .رقبة
.نظر إلى زوجته التي نظرت أخيًر ا إلى األعلى .رأى ابتسامتها بخجل ،وأسنانها المكسورة تظهر بين شفتيها الحمراء
".هل رأيت يا ماثيو؟" بدت لوسي مندهشة حًق ا .كان صوتها خالًيا من أي أثر للسخرية هذه المرة" .ابتسامة حقيقية"
".نعم . . .لقد رأيت"
حتى نبرة ابن عمه بدت وكأنها تظهر الدهشة ،والتفت كريستوفر نحوهم ،مذهواًل من االتهام المتضمن في كلماتهم" .تعالي اآلن ،هذه
.ليست المرة األولى التي ترى فيها صديقتك تبتسم ،يا آنسة إدواردز "،قال لها منزعًج ا
مالت لوسي رأسها إلى الجانب ونظرت إليه بشكل غريب .الغريب ولكن بلطف .منذ أن تعرفت عليه بشكل أفضل ،لم تنظر إليه
".كثيًر ا بهذه الطريقة .قالت بهدوء" :أوه ،لكنني لم أتحدث عن ابتسامة زوجتك يا سيد دافنبورت
OceanofPDF.com
33
.التقليدية ليست األخالق
حدث اجتماعي آخر ،مع المزيد من االبتسامات والمزيد من الضوضاء .خنقت آنا تنهيدة أخرى .لقد كان ذلك نوًع ا من االنتقام لها،
.ألنها كانت تحتقر هذه الكرات والمجامالت التي تأتي معها حتمًا
".الّس يدة" .دافنبورت "،قالت اآلنسة أبيروورثي" ،يا له من فستان رائع"
احمر خجال آنا بشكل غير مريح" .شكًر ا لك .هي ملكك ." . .ماذا يمكنها أن تقول عن هذا الفستان األرجواني الزاهي ،إال أنه كان
".متفاخًر ا ومبهًج ا ومفرًط ا؟ واختتمت كالمها قائلة" :إنها جميلة جًد ا
".السيد .قالت السيدة مورتيمر" :دافنبورت ،هل قابلت زوجي؟ إنه يرغب في التحدث معك"
".نظر كريستوفر حوله .أجاب بإحدى ابتساماته التي لم تلفت انتباه أحد" :بالتأكيد ستكون لدينا فرصة لذلك قبل أن تنتهي الليلة
حتى أنت ال تستطيع تحمل هذه الثرثرة ،فكرت آنا .ولم تكن المرة األولى .بدا زوجها لطيًف ا ،لكنها بدأت تتعرف عليه بدرجة كافية
.لتالحظ فيه نفس الملل .أنت ال تعترف بذلك ،لكنك ال تستطيع تحمله
الّس يدة" .دافنبورت ،عليك ببساطة أن تأتي وتتناول العشاء معنا يوم السبت "،قالت لها اآلنسة أبيروورثي بأدب" .هل تلقيت "
"دعوتنا؟
نعم ،لكني ال أريد أن آتي .أنتوني على وشك الرحيل و" . . .أوه حًق ا ." . .حاولت سريعًا أن تجد عذرًا ،لكن زوجها أعطاها عذرًا
شارلوت برونتي-
.نظرة آمرة .لكنه بالطبع كان يفكر في شؤونه التجارية اللعينة .ولم يكن بوسعها أن تفعل شيًئ ا سوى الطاعة
).أنت دمية في يديه ،آنا .تحركي كما يريد .أسرعي(
أجابت بلطف" :بالطبع يا أنابيل" .أسرع يا كريستوفر .نظرت منحرفة إلى زوجها الغريب ،بعينيه الذئبيتين ،وزمت شفتيه هكذا
بإحكام ،وأنفه ،الذي أصبح اآلن ذو حدبة صغيرة ومنحني قليًال إلى اليمين .حتى قبل شهرين لم تكن تعرفه؛ واآلن أصبحا متزوجين،
.ولم يكن هو زوجها فحسب ،بل كان أيًض ا سيدها .كل ما حدث وما زال يحدث بيننا هو خطأ ومرض
ولكن ألم تكن عيناه حلوة أحياًن ا عندما ينظر إليها؟ وألم تكن شفتاه تحمالن ابتسامات خفية؟ وأنفه المنحني -نعم ،حتى هذا -ألم (
)يجعله محبوًبا تقريًبا؟
نظرت إلى السيدة إدواردز ،التي لم تكن بعيدة ،وتفحصت عينيها المسنتين ،والتجاعيد الصغيرة المغطاة بالمكياج ،وجمالها يتالشى
أكثر فأكثر يوًم ا بعد يوم .سيدة إدواردز ،عندما كان كريستوفر يمارس الحب معك -إذا لم يكن األمر ال يزال يحدث -هل تمتم بنفس
الكلمات التي تمتم بها لي؟ هل احتضنك بنفس الحالوة الشرهة؟ هل ابتسمت لك عيناه وكأنك أجمل امرأة في العالم؟ شعرت بألم
.غريب في صدرها وهي تفكر بهذا
. . .بحق الجحيم؟ تساءلت بصدمة .من أين أتت تلك األفكار؟ هذا الرجل وحش .يا إلهي ،ال بد لي من ذلك
اقتربت منها لوسي وأشارت عبر الغرفة منهم .همست قائلة" :يبدو أن ماثيو ودانيال -هناك -منخرطان في محادثة جادة"" .أخشى
".أن سلوك زوجك معدي
ابتسمت آنا .ربما مع قليل من الصعوبة ،لكنها ابتسمت .على أية حال ،كان هناك مودة واضحة بين الرجلين ،مما أسعدها .شعرت
.بزوجها ينظر إليها ،وسرعان ما نظرت بعيدا
".لماذا ال ينضمون إلينا؟" سألت لوسي بإنزعاج .رفعت يدها لجذب انتباههم" .إنهم لم يقولوا مرحبًا لنا بعد"
رفعت آنا ذراعيها في الهواء وتظاهرت بالجهل التام .في الواقع ،ربما كانت تستعرض واحدة من أفضل تعابيرها الفارغة .كانت
.على يقين من أن دانيال لن يأتي ،طالما كانت هي وكريستوفر في مكان قريب
".قالت لوسي" :ها هم هنا"" .انهم قادمون
سرت قشعريرة في بطنها وظهرها .من المحتمل أن يتوقفوا للحظة فقط ،فكرت وهي تحاول أن تهدأ .ال يمكنه تجنب ذلك :سيكون
.هذا عرًضا واضًح ا لسوء األخالق تجاه لوسي
ولكن عندما نظرت إلى وجه دانييل ،زاد انزعاجها ،ألن الشاب اقترب بابتسامة مغرور ونظر إلى كريستوفر ورأسه مرفوع بشكل
غير طبيعي .قَّبل أيدي السيدات وحَّيى الجميع بحرارة ،باستثناء شخص واحد ،أومأ له برأسه فقط ،وهو ما بدا وكأنه تمايل ال إرادي
.لرأسه .أجاب كريستوفر بنفس الحماس .كانت آنا تأمل أال تكسر أسنانه بسبب الضغط على فكه بقوة
يجب أن أفصل بينهما – وبسرعة .قالت له بسرعة« :ربما ينبغي لنا أن نذهب اآلن» ،وأومأ زوجها برأسه ببرود" .لقد أردت مقابلة
".السيد جاكسون ،على ما أذكر
"...نعم ".أدار كريستوفر رأسه نحو السيدات" .بعد إذنك ،ينبغي لي أنا وزوجتي"
قالت لوسي" :أوه ،انتظر لحظة يا سيد دافنبورت"" .آنا ،كنِت ستهربين قبل أن تخبري دانييل باألخبار؟" التفتت نحوه" .يجب أن تعلم
".أن أنتوني سيغادر يوم االثنين إلى مدرسة وستمنستر
ابتسم دانيال" .أنتوني سوف يذهب إلى المدرسة الداخلية؟ إذا كنت أتذكر بشكل صحيح األسئلة التي طرحها الصبي ،أعتقد أنه
.سيتمكن من إحراج أكثر من أستاذ واحد
وافقت لوسي" :هذا صحيح جًد ا"" .لكنني أعتقد أنه خائف أيًض ا .أوضحت« :أوه ،قلياًل فقط ،لكنه فخور للغاية لدرجة أنه ال يعترف
بذلك ،وأعتقد أن الحصول على بعض االقتراحات حول الحياة هناك سيساعده .هل ستذهب معي لرؤيته في إحدى هذه األمسيات؟
.سيكون من الجميل أن أسمعك تتحدث عن الحياة الرهيبة والمغامرة التي تختبئ داخل تلك الفصول الدراسية الباردة
.وقف كريستوفر بال حراك بجانب آنا التي حبست أنفاسها
".أجاب دانيال بشكل مراوغ" :ال أعرف يا لوسي"" .هذا الصبي لم يهتم بي أبًد ا
أوه ،لكنه اآلن معجب بك يا دانيال ،قالت آنا في نفسها .بعد كل شيء ،لقد كسرت أنف كريستوفر .وأخي لديه طريقة في التفكير
.خاصة به
قالت لوسي وكأنها تقرأ أفكار آنا" :أنت مخطئ يا دانيال" .لم تحصل على شيء من تلك الفتاة .ال شيء تقريبا" .منذ بضعة أيام كان
".لدي انطباع واضح بأنه كان مفتوًن ا بك إلى حد ما
حًقا؟" بدا دانيال متفاجًئ ا بسرور .كان هذا نموذجًيا بالنسبة له – أن يضيء لسبب كهذا" .هل تعتقدين أن هذا ممكن يا آنا؟" سأل "
.متجاهال زوجها
ال تشعر أنك مضطر إلى : "DeMercy،على عكس اآلداب تماًما ،اتخذ كريستوفر خطوة نحو آنا ووضع يده على وركها .أجاب
".إهمال أي من التزاماتك المهمة تجاه صهري"" .إنه فتى ذكي ،وبالتالي سيكون قادًر ا على االستغناء عنك . . .يساعد
.دانيال ،ال تعطه أي حبل .ال تفعل ذلك ،فكرت آنا بشكل محموم
قال وهو يستفزه بدًال من ذلك" :أوه ،سأخصص بضع ساعات ألنطوني ودافنبورت"" .إن أي نصيحة يمكن أن تكون مفيدة دائًما في
الحياة .على سبيل المثال ،ال يمكنك أن تتخيل هذا النوع من الحرية للجميع الذي يمكن أن يحدث في وقت تناول الوجبات الخفيفة إذا
ُس رقت تفاحة شخص ما .لقد نظر بعناية إلى األنف الملتوي دون أن يظهر أدنى شعور بالذنب .في الحقيقة ،بدا وكأنه شماتة" .يمكنني
"تعليم بعض اللكمات لهذا الصبي ،أال تعتقد ذلك؟
"اه على الحب . . .قاطعته آنا بسرعة" :دانيال ،لماذا ال تخبرنا عن إقامتك في لندن؟" هل رأيت-؟
ضغط زوجها على جانبها بقوة ،وقربها منه" .أخبرني يا ديميرسي .هل أصبت بنزلة برد في المدينة؟" فسأله باألدب الكامل.
"".صوتك يبدو حاًد ا بعض الشيء الليلة
حاد؟" قالت السيدة مورتيمر ،وشعرت آنا بالحاجة إلى الضحك بشكل هستيري" .أنا ال أعتقد ذلك .أتمنى أال تمرض يا سيد "
».ديميرسي ،وإال سأضطر إلى إعادة تخصيص جميع المقاعد على الطاولة مساء الغد
).استفد من التحويل على الفور(
وقفت آنا على أطراف أصابعها وقربت شفتيها من أذن زوجها .أي أن هذا ما كانت تود أن تفعله ،لكن أذنه كانت عالية جًد ا لدرجة
".أنه كان من الصعب الوصول إليها عملًيا .همست بشكل استباقي" :كريستوفر ،توقف عن ذلك"" .أنت تتصرف مثل طفل
".قال بهدوء" :هذا ليس صحيحًا على اإلطالق" .وأخفض وجهه بلطف نحوها" .عالوة على ذلك ،فقد بدأ ذلك
".رفعت آنا شفتيها قليال" .هذه يا سيد دافنبورت ،هي الجملة األكثر نضًج ا التي سمعتك تقولها منذ أن عرفتك
كانت سعيدة ومتفاجئة لرؤيته يرتاح .أعطاها ابتسامة باهتة ،بالكاد ملحوظة ،مما جعلها تخفف من إرادتها .لم يدخر كريستوفر أي
ابتسامات عليها في الليل ،لكن تلك كانت مقدمة للحب .حتى الكلمات المعسولة التي قالها لها لم تكن لها أي قيمة في تعطيل حواسه.
ولكن خالل النهار . . .خالل النهار بقي
.البعيد ،المنغلق في أعماقه ،في المعارك الداخلية التي أظلمت عينيه .عندها أصبحت االبتسامة ثمينة
)ولكن ماذا حدث لك يا آنا؟(
ماذا قال لها دانيال قبل أسبوع عندما تحدث عن والدته؟
.إنه ألمر مروع يا آنا أن تحب شخًص ا ال يستحق ذلك
ووصفت نفسها بأنها غبية ،وتحركت ،واستدارت مرة أخرى نحو األشخاص المحيطين بها .الحظت أن دانيال كان ينظر إليها
.بطريقة غريبة ،بحزن تقريًبا ،لكنه مرتاح؛ دانيال ،الذي عرف كيف يقرأ أفكارها .خفضت رأسها ،واحمر خجال
".لوحت السيدة مورتيمر بيدها لشخص ما .قالت" :إذا سمحت لي ،يجب أن أعود اآلن إلى زوجي
الّس يدة" .مورتيمر ،سأذهب معك "،قالت اآلنسة أبيروورثي وهي تنضم إليها" .يجب أن أسأل السيدة روبرتسون إذا كانت راضية "
عن الخادمة الجديدة التي أوصيت بها .وأضافت بحرج لم تصدقه آنا ولو للحظة" :تعلمين ،سلوك الخادمة التي أمامها . . ...أوه،
".عفوا ".لقد توقفت على مضض" .من غير المناسب الحديث عن هذا
من يدري أين تعلمت أنابيل دائًم ا كيفية صنع الوجه المناسب للمناسبة المناسبة؟ فكرت آنا .ال يمكن أن يكون األمر سهًال ،نظًر ا لعدم
وجود أي مشاعر .كيف ال تخلط بينهم؟ على سبيل المثال ،أال يحدث أن تستخدم الوجه للفرح عندما تقصد استخدام الوجه لالشمئزاز،
أو تستخدم الوجه للغضب بدًال من الوجه لللطف؟ وفي منتصف الطريق بين الغثيان واإلعجاب ،اعتقدت آنا أنه سيتعين عليها أن
.تسألها عاجًال أم آجًال
لمعت عيون السيدة مورتيمر بالبهجة" .أوه ،بالتأكيد يا آنسة أبيروورثي ،أنت على حق تماًما! من األفضل عدم الحديث عن أشياء
معينة ".أخذت إجازتها على عجل؛ ربما تحسنت حالتها المزاجية كثيًر ا بسبب اإلشاعة التي ذكرت أنها لم تعد تشعر بالقلق بشأن عدد
األشخاص الذين سيتواجدون في منزلها لتناول العشاء في اليوم التالي .قالت وهي تبتعد" :أوه ،سيد دافنبورت ،تذكر أن زوجي
".يرغب في مقابلتك
" .بالتأكيد يا سيدة مورتيمر .سأنضم إليكم في لحظة«
"أخذت السيدتان إجازتهما ،وسمعت آنا السيدة مورتيمر تقول بما يشبه الجشع« :قلت يا أنابيل إنه غير أخالقي . . .؟
لم تتمكن من سماع رد أنابيل ،ووجد الخمسة أنفسهم اآلن في مجموعة غريبة جًد ا .كان الجليد قطبًيا شمالًيا ،كما كانت آنا تأمل
أن ماثيو سوف يكسر األمر قليًال ،لكن يبدو أنه ال يريد ذلك .كان يراقب دانيال وكريستوفر كما لو كان يتوقع منهم أن يتعاملوا مع
األمر بمفردهم .كان هذا أمًر ا غير مرغوب فيه على اإلطالق ،فكرت آنا بقلق ،نظًر ا للمحاوالت السابقة -غير الناجحة بشكل
متزايد .الوحيد الذي كان مرتاًح ا هو لوسي .بالطبع الحظت الكراهية بين هذين االثنين — كان ذلك واضًح ا — لكنها على األقل لم
.تكن تعلم أن وعاء الحجرة في الليل لم يكن هو ما أهان كريستوفر دافنبورت
تنحنح دانييل ونظر مباشرة إلى كريستوفر ،ولكن -بشكل غير متوقع -دون عداء .وقال" :أود حًق ا أن أقوم بزيارة أنتوني بعد ظهر
الغد إلى دافنبورت" .وأضاف بعد لحظة وبشكل عرضي للغاية" :إذا لم يكن لديك مانع" .لم يكن األمر سهًال .ال ،على االطالق .كان
.الضفدع ال يزال هناك في حلقه ،وحاول ابتالعه .آنا احترمته أكثر ،إذا كان ذلك ممكنا
ولم يرد كريستوفر على الفور .لقد ُأخذ على حين غرة ،فهذا الرجل الذي يعرف دائًما ما يفعله في المعركة غالًبا ما يكون محرًج ا في
وقت السلم .فأطرق رأسه ،ووضع يده على جبهته ،وفركها بأطراف أصابعه .وأكد أن "هذا لن يفيده" .توقف مؤقًت ا ثم نظر لألعلى.
"".لكنك حر في أن تفعل ما تريد ،ديميرسي
شعرت آنا بإحساس غريب يسخن قلبها وبطنها .ما الذي أراه على وجه زوجي؟ المشاعر؟ لم يكن لديها الوقت لتبتهج بها ،ألنها
.اختفت بمجرد ظهورها .لقد سقط الحجاب المعتاد للغطرسة وعدم القدرة على االختراق على وجهه
.تحول وجهه إلى اليسار .تابع دانيال نظرته ،ونفس الحجاب الداكن أظلم أيًض ا مالمحه :كان ليوبولد ديميرسي قادًما في طريقهم
.العائلة كلها مًع ا ،هكذا اعتقد كريستوفر عندما انضم إليهم ليوبولد .كان بحاجة إلى التحدث معه كثيًر ا لتفويت هذه الفرصة
وقال والده مساء الخير للجميع .تم الترحيب به من قبل وجوه ودية إلى حد ما ،وألقى نظرة طويلة على كريستوفر ودانيال ،كما لو
.كان مندهًش ا لرؤيتهما قريبين جًد ا من بعضهما البعض
دانيال ،أال ترقص هذا المساء؟" سأل ابنه .كانت النغمة واحدة من النغمتين اللتين احتفظ بهما لدانيال :السخرية .وكان اآلخر"
إزعاج .نظر إلى أعلى وأسفل إلى لوسي ،التي كانت جميلة باللونين األزرق واألبيض ،بشعرها األشقر الذي يلمع مع كل األضواء
"الموجودة في الغرفة" .أنت ال تطلب من هذه السيدة الشابة الجميلة أن ترقص؟
أطبق دانييل فكه ،وبدا وجهه وكأنه يحارب مشاعر مختلطة .لقد ظل هادًئ ا لما بدا وكأنه قرن من الزمان بينما كانت لوسي تحدق به.
وأخيرا كسر هذا الصمت الوقح" .لوسي ،هل يمكنك أن تشرفيني بالرقصة القادمة؟" بدا صوته وكأنه قادم من داخل خوذة من القرون
.الوسطى ،وكان بعيًد ا جًد ا ومعدنًيا
".أجابت" :شكًر ا لك يا دانيال" ،وبدا صوتها بعيًد ا أيًض ا ،ولكن حزيًن ا أيًض ا" .أنا ملتزم بالفعل
".قال ماثيو" :لترقص معي في الواقع يا ديميرسي"" .لم أشعر بحماس كبير منذ أن تم تأكيدي
"بدا دانيال متألًما من نبرة لوسي .لقد نسي والده وحاول مرة أخرى" .والواحد بعد ذلك ،إذن؟
.سوف نرى .أعترف أنني متعب بعض الشيء هذا المساء"
دانيال ،عليك أن تكون أسرع في اتخاذ قراراتك "،نصحه ليوبولد .اهتز صوته العميق واألجش بضحكة أوقفها" .أنت دائًما بطيء "
".جًد ا يا بني
يعتقد كريستوفر أن الطريقة التي يتمكن بها دانيال من عدم قتل والده هو أمر يتحدى كل قواعد المنطق .ومع ذلك كان من الواضح
أنه يكرهه .والكراهية ،عندما ال تكون متبادلة ،تؤذي بقدر الحب .لقد كان األمر ال مفر منه ،ألن ليوبولد لم يكن يكره دانيال .ولم
.يحبه أيضًا .وفي الواقع ،لم يبدو أنه يكن لديه أي مشاعر على اإلطالق تجاهه
".وأضاف ليوبولد" :آه ،دافنبورت"" .أريد أن أتحدث معك بشأن مسألة ما في وقت الحق
لقد حان الوقت يا أبي .لقد شعر بقلبه ينبض بجنون ،وكان يأمل أال يظهر أي عاطفة .لقد نجح ،ليس ألنه كان بارد الدم ،بل ألنه تعلم
".أن يتظاهر بذلك" .اآلن جيد أيًض ا يا سيدي
أوه ال ،ليس اآلن ".التفت نحو آنا ،التي تراجعت قليال تحت نظرته" .اآلن أتمنى أن أحصل على شرف الرقص مع زوجتك "
»الساحرة .هل ستمنحيني هذا الشرف يا سيدة دافنبورت؟
)ما رأيك في ذلك يا كريستوفر؟(
توقف عن التنفس ،هذا ما كان يفكر فيه .إلى جانبه ،بدا أن آنا تتخبط .كان نفورها من ليوبولد واضًح ا جًد ا لدرجة أن كريستوفر
خشي أن يرى ذلك مكتوًبا على جبهتها .القرف .القرف .القرف! فالتفت إليها فشهقت زوجته .للحظة بدا األمر وكأنهم قد عادوا إلى
األيام الخوالي :غطى الخوف القديم وجهها وعينيها
"الطريق بعد كل شيء" .لكن دعني أفهم يا ديميرسي :هل تقدم لي اعتذاًر ا؟
لن أسميها . . .يا جيدا جدا ".لم يكن أخوه الصغير سعيًد ا على اإلطالق ،وكان الحرج الذي مأل عينيه مشهًد ا ممتًع ا للغاية "
لكريستوفر« .ولكن فقط بسبب األشياء التي قلتها لك عن زوجتك دافنبورت .أما بالنسبة للباقي ،فأنت ال تزال وغًد ا ،وأنت تعرف
.ذلك
اتسعت ابتسامة كريستوفر .أجاب ساخًر ا" :حسًن ا ،أقبل اعتذارك المتواضع"" .وإذا كنت قد انتهيت تماًما اآلن ." . .حاول مرة أخرى
.المغادرة ،وأعاد عينيه إلى حلبة الرقص
قال دانيال وهو يوقفه" :انتظر"" .لدي طلب أن أطلب منك .أتمنى أال يكون لديك أي اعتراض على بقاء أنا وآنا أصدقاء .إننا نعرف
. . ".بعضنا البعض منذ وقت طويل ،سنوات ،كما يمكن للمرء أن يقول .وحتى لو كان بيننا خالفاتنا
انسى ذلك" .يمكنني قبول ذلك .بينكما ،هناك معرفة رسمية ولكن ال شيء آخر .وقال وهو ينظر إليه بنظرة متعجرفة" :وزوجتي
.ستحترم رغبتي ،كوني مطمئنة" .نظر إليها؛ لم تكن تراقب ليوبولد ،بل كانت تنظر حولها ،متجنبة لمسته ونظرته
".زفر دانيال ببطء قبل اإلجابة .أجاب بانزعاج" :غيرتك في غير محلها يا دافنبورت"" .أنت تهين زوجتك بهذا السلوك السخيف
هذا ال ينبغي أن يهم بالنسبة لك .عش حياتك الخاصة وتوقف عن التدخل في حياتي ".استمع لكالم شخص تزوج فقط ليسرق "
.خطيبتك
".أوه ،سأفعل ذلك بكل سرور ،ولكن يبدو أنك تظهر في طريقي ،مثل العشب في الحقل"
.قال ليوبولد شيًئ ا آلنا وهو يضحك ،وبدا أنها أصبحت شاحبة من الغضب
".كما تعلم ،ديميرسي ،صوتك حاد حًق ا ،إنه يخترق طبلة أذني"
".من أجل آنا ،أنا أجبر نفسي على التحدث معك ،ألنني أؤكد لك أن كل كلمة أقولها لك تبدو وكأنها مضيعة للهواء ال تغتفر"
».هل انتهيت؟ لقد كان والدك على حق عندما قال إنك تتذمرين مثل امرأة صغيرة"
أجاب دانييل ساخًر ا" :من الواضح أنك تكن لوالدي احتراًما كبيًر ا"" .ال بد أن هذا هو السبب وراء ظهورك كصورة الفرح ذاتها اآلن
".وهو يرقص مع زوجتك
هل يجب أن ألكمه مرة أخرى؟ ربما يغير صوته إلى األبد – وحياته الجنسية ،تساءل كريستوفر وهو يحدق بغضب .وأخيرًا انقلب
.على كعبيه وابتعد فجأة دون أن يستجيب
.كانت هذه هي المرة األولى التي ترقص فيها مع ليوبولد ديميرسي ،وكانت تأمل بصدق أن تكون األخيرة
".تبدين جميلة الليلة يا سيدة دافنبورت"
".تنهدت آنا .هل كان عليها حقا أن تتحدث؟ "شكرا لك سيدي
"كيف تحب أن تكون متزوجا حديثا؟"
هذا سؤال شخصي قليًال ،أال تعتقد ذلك؟ ولم يفعل هذا
".ابتسامة الرجل تبدو طفيفة . . .موحية؟ "جيد جًد ا يا سيدي
"آنا -أستطيع أن أدعوك آنا ،أليس كذلك؟"
بالطبع ال .النظرة الرهيبة التي أعطاها لها كريستوفر
".منذ فترة قصيرة جعلتها تتذكر أن اسمها لم يعد يخصها بعد اآلن" .بالطبع يا سيدي
ضحك ليوبولد .قال مستمتًع ا" :أوه ،دعني أقول إنك ال تبدو متحمًس ا جًد ا لهذا االحتمال يا آنا"" .لكن ال تتردد في التحدث معي
»بصراحة .لبعض الوقت بدا األمر وكأننا سنكون بيني وبينك أقارب ،أليس كذلك؟
لقد صدمت آنا :لماذا طرح هذه القصة القديمة؟ ألم يكن يمسكها بقوة أكثر مما تسمح به اآلداب؟ لم تجب وابتعدت عنه .حاولت
التركيز على أفكار أخرى .لوسي مثال .الطريقة التي بدت بها غير سعيدة منذ فترة قصيرة عندما تردد دانيال في دعوتها .هل من
الممكن أن-؟
".لقد قللت من تقديرك يا آنا"
).تجاهله .تجاهله(
واصلت آنا متابعة قطار أفكارها .أظهرت لوسي تماما
المباالة مفرطة عندما كانت تتحدث عن دانيال .لكن قبل دقائق قليلة من تلك النظرة الكئيبة -التي لم تكن قادرة على االختباء فيها
...خلف قناعها االجتماعي -كان هناك بالفعل
وتابع ليوبولد" :أنا آسف تقريًبا ألنني كنت معارًض ا جًد ا للزواج بينك وبين ابني"" .ربما تمكنت من الحصول على القليل من الدم من
".هذا اللفت
هذه الكلمات أعادت آنا إلى الواقع فجأة" .سيدي "،هسهست بسخط ،والغضب يمنعها من االمتناع" ،ابنك لديه دماء في جسده أكثر
.منك ." . " . . .توقفت فجأة وهي تعض على شفتها
".بدا أن ضحكة ليوبولد المنخفضة والشماتة تلتف حولها" .أوه ال ،ال تتوقف ،آنا .لقد كنت رائًع ا
ال تخف يا ليوبولد .سيأتي اليوم الذي أستطيع فيه أن أخبرك بكل ما أفكر فيه فيك .ولكن هل سيكون األمر كذلك اليوم حًق ا؟ أم أنها
"أصبحت أكثر مثل زوجها؟ "أنت من أبلغت زوجي بخطوبتي البنك ،أليس كذلك؟
هز ليوبولد رأسه" .ال" أجاب مع وميض عجب في عينيه" .في الواقع ،اعتقدت أن هذه كانت إستراتيجيتك لجعل نفسك تبدو أكثر
.إثارة لالهتمام بالنسبة له .كان من الممكن أن يكون األمر ذكًيا ،عالوة على ذلك ،من الواضح أنه ليس لديك نقص في األدمغة
ال ،لقد كان أنت ،ليوبولد .واآلن أنت تخبرني بمجموعة من األكاذيب .ألنك لم تتغلب بعد على تمرد دانيال .ألنك مازلت لم تتمكن من
"إيقافه" .هل تحاول استفزازي يا سيدي؟
نعم يا آنا ".حسًن ا ،يمكنك تسمية هذا الرجل بأشياء كثيرة ،لكن ما يمكن التنبؤ به ليس واحًد ا منها" .لديك مزاج ناري ،وأود أن "
".أعرف إذا كان هذا هو السبب الذي يجعلك تجذب الرجال مثل النحل للعسل
فتحت عينيها على نطاق واسع ،وخدودها احمرت" .أسلوبك في الكالم غير الئق "،تلعثمت ،وصوتها بالكاد يخرج" .توقف في
".الحال ،وإال سأضطر إلى إيقاف هذه الرقصة
".ابتسم ليوبولد قائًال" :أوه ال ،لن تفعل ذلك"" .زوجك لن يوافق ،أليس كذلك؟ إنه حريص جًد ا على أن تكون لطيًفا معي
).يريدك أن تكوني لطيفة معه يا آنا(
على الرغم من صعوبة األمر ،إال أنها تمكنت من الرد ،جزئًيا بسبب السخط وجزئًيا بسبب الخوف من أن يكون ليوبولد على حق.
".زوجي لن . . .زوجي لن يرفض يا سيدي
».ضحك ليوبولد مرة أخرى بمودة" .أوه ،في الواقع أنا أعتقد أنه سيفعل ذلك .أنت ال تعرفينه جيًد ا يا آنا
)أنت ال تعرفينه جيًد ا على اإلطالق ،أليس كذلك يا آنا؟(
"لماذا تعتقد ذلك؟ هل تريد أن تخبرني شيًئ ا عنه؟"
".ال ،ال يوجد شيء أود أن أخبرك به"
"و ما الذي تحاول التلميح به بقولك هذا؟"
أجاب وهو يبتسم ببراءة" :ال شيء على اإلطالق"" .أعجبني
".الزوج كثيرا
بالطبع أنت معجب به ،فكرت بحزن ،وهي تبتلع طعامها للتخلص من الرمل المر الذي خدش حلقها .لن يتوقف عند أي شيء ،مثلك.
.أنتم مخلوقون لبعضكم البعض
".وأنا بدأت أحبك كثيًر ا أيًض ا يا آنا"
كان ينبغي عليها أن تشعر بأنها عارية أمام نظراته المبتذلة المتعمدة ،وبدًال من ذلك شعرت ببساطة بالتعب .واصلت الرقص كما لو
.كانت تتحرك بخيوط غير مرئية ،بينما كان زوجها ،على مسافة غير بعيدة ،يراقبها ،مثل سيد مع ماشيته
).جيد .هذا كل شيء ،آنا .ابتسمي .تبدو مهذبة(
"لماذا أنت متأمل جًد ا يا آنا؟"
،سيدي ،ال تحملني هكذا من فضلك "،أجابت دون أي انفعال"
.االبتعاد عنه عندما يقترب منها كثيًر ا
أوه ،لم أالحظ .اغفر لي ،أجاب .لكن عيونه"
.واستمر في لمسها بشكل غير الئق ،وظلت ابتسامته تملقها
أدركت آنا أخيًر ا أن زوجي يمارس الدعارة معي .ألن تلك كانت الحقيقة ،أليس كذلك؟ هذا ما كان قلبها يخبرها به لقد وقعت في
».حفرة بالوعة ،ولن تخرج القذارة من جسدي أبًد ا .قالت لليوبولد بهدوء وهي تفلت يديه« :أنت مقزز يا سيدي ،وتنتهي رقصتنا
".هنا
.ابتعدت بسرعة وتركته وحيدا في حلبة الرقص
".عليك أن تعتذر له"
علق كريستوفر ألول مرة على الحادث الذي وقع في
.العربة التي أعادتهم إلى المنزل في نهاية المساء
"نظرت آنا إليه بالكفر" .ماذا؟
لقد سمعتني .لقد تخليت عنه في منتصف الرقصة ،و"
" .حتى لو ضحك معي بشأن ذلك ،فقد كان مستاًء جًد ا منك حًقا
" -وأنت تقف إلى جانبه؟ كان سلوكه"
هادئ ".كانت عيناه صارمتين ،نفس العيون التي وصفتها بمحبة بملكته في ظالل السرير" .سوف تعتذر له ،وهذا كل شيء .وكن "
،شاكرًا ألنني أطلب ذلك فقط .لقد وثقت بك في هذا يا آنا
".قال لها وقد تشوه وجهه بانقباضات الغضب" :ال تقل شيًئ ا كهذا مرة أخرى ،إذا كنت تريدين البقاء قطعة واحدة
كانت آنا متحجرة لفترة طويلة؛ ثم عاد صوتها إليها بطريقة ما ،وكذلك تنفسها .تمتمت بشيء من األمل" :لذا يا كريس ،إذا كنت تهتم
".بي قلياًل ،فال تهينني أمام ذلك الرجل
سأبقيك بعيًد ا عنه من اآلن فصاعًد ا" ،اعترف بصوت هامس ،وهو يخفف قبضته على شعرها" .ولكن عندما تراه مرة أخرى" ،
سيكون عليك االعتذار .ال يهمني كيف .المهم هو أن تقوم بإصالحه .ال ،قالها وهو يرفع يده ليوقف اعتراضاتها ،متجاهًال األلم الذي
".أصابها بسبب الظلم الذي تتعرض له في هذه المعاملة" .قل ال زيادة
ابتلعت آنا طعامها بصعوبة ،وهي تحاول مرة أخرى خنق تلك الرمال ،أو ربما تلك األشواك ،ولم تعد متأكدة بعد اآلن .ثم اقترب
.منها هذا الرجل المروع وقبلها بشغف وعدوانية بينما كانت دموع اليأس تنهمر على وجهها
OceanofPDF.com
34
أعطني يا رب معنى السخرية .امنحني نعمة فهم النكتة ،حتى أعرف في الحياة القليل من الفرح وأتمكن من مشاركة ذلك مع
.اآلخرين
السير توماس مور—
في شقته في لندن .أحضر كريستوفر معه اثنين فقط إلى كوكستون :األول المتعلق بوالدته ،واآلخر الذي كانت L.كانت الرسائل من
والدته تحمله بين يديها قبل وفاتها .لقد احتفظ بها هناك ،في مكتبه في روكفيلد ،ألنه أراد إعادة قراءتها قبل أن يقتل والده .أو يمكنني
أن أجعله يقرأها ،هكذا فكر ،مستمتًع ا بهذا االحتمال اآلخر .وهذا من شأنه أن يساعده على قضاء الوقت .يا إلهي ،سيكون هذا
ميلودرامًيا بعض الشيء ،اعترف لنفسه بأسف ساخر ،لكنني لست متأكًد ا من أنه سيقدر ذلك :ستكون الحياة عادية جًد ا إذا لم نمنحها
لمسة شعرية .أليس كذلك؟
في الحقيقة ،لن يكون إجبار ليوبولد على قراءة هذه الرسائل أمًر ا سهًال ،وكان كريستوفر متأكًد ا من ذلك .ربما لن يستسلم ،وال حتى
بعد تعرضه للضرب مرات ال تحصى ،وال حتى قبل الموت .ومع ذلك ،ال يعني ذلك أنه كان ضرورًيا .ألن احتمالية القيام به ظلت
مبهجة مهما تخيلها .آه ،لقد كانت كلمة «قتل» تخيفه ،و-ما لم يحسب ذلك الرجل الذي انتحر بعد أن دمره والذي يطارد أحالمه
أحياًن ا -فإنه كان دائًم ا يخجل منها .لكن "قتل األب" -تلك الكلمة اللعينة بامتياز؛ هذا المفهوم الذي كان بحكم تعريفه ال يغتفر ،كان له
صدى جميل بالنسبة لكريستوفر .كان يعلم أن هذا سيكون أفضل عمل في حياته ،واألكثر عدالة .لقد كان ينتظر ذلك لسنوات ،وبدا
أنه يحدث كل يوم
أقرب .نشهد كل يوم ابتسامات ليوبولد التي كانت تلتصق بجلده؛ نشهد كل يوم أقواله ،التي كانت غير مبالية بشكل واعي بمصير
اآلخرين؛ كل يوم يشهد المظالم التي ينثرها خلفه مثل أثر فتات الخبز .كل يوم ،بل وأكثر من ذلك ،إن أمكن ،بعد اإلهانة التي
تعرضت لها في الليلة السابقة .بدت آنا حزينة للغاية ،وغير عزاء للغاية عندما أخبرها أنها يجب أن تعتذر لهذه الدودة .حتى بعد أن
مارست الحب معه ،حتى بعد أن همست باسمه . . .اوه عليك العنه .فرك كريستوفر عينيه وهو متعب .قرر أن يعود إلى المنزل في
وقت مبكر قلياًل بعد ظهر ذلك اليوم ،كما قرر ،وحقيقة أن أخيه غير الشقيق كان يزور منزل البطل ،وأن آنا ال تزال تشعر بالمودة
.تجاهه -لذلك األحمق الذي بدا دائًما وكأنه خرج مباشرة من المنزل .الخياط – ال عالقة له باألمر
ال أعرف إذا كانت تحبه ،وال أهتم ،قال في نفسه بينما وصل حصانه إلى المنزل المبني من الطوب األحمر .المهم أنها تظل خاضعة.
.هذا كل ما أريده منها
لقد سار بهدوء في ممر الزيزفون .ترك الحصان مع لويس وتوجه إلى الجزء الخلفي من المنزل .كان الوجود المحدود لخدم المنازل،
الذين بدا وكأنهم خرجوا مباشرة من "محكمة المعجزات" في العصور الوسطى ،يعني أن أحدًا لن يالحظ ذلك .وسار نحو المطبخ،
.حيث كانوا مجتمعين بالتأكيد .وعلى الرغم منه ،فقد عشق أيًض ا تلك الغرفة غير الرسمية
جاء بصمت ،وتوقف في الردهة بالخارج ،وسمع صوت أخيه األنيق يقول« :وهكذا يا أنتوني ،الحيلة تكمن في إخفاء قطعتين من
الطعام ،وليس قطعة واحدة من الطعام — أًيا كان ما يبدأ بالتعفن بسهولة — في منزلك .غرفة العدو .مع مرور كل يوم ،ستنمو
حوله رائحة مزعجة ،وسيحاول الشاب المسكين العثور على مصدر هذه الرائحة .عندما يجد أول العناصر التي تم إخفاؤها بلطف -
وأخشى أنها أقل إثارة للغثيان -فسوف يعتقد أنه آمن ويتوقف عن البحث .في سذاجته ،سيكون مقتنعا بأن الرائحة الكريهة سوف
".تتالشى في بضع ساعات" .لسوء الحظ" -تنهد بحزن " -سيكون مخطًئ ا لألسف
".ضحكت لوسي موسيقيا" .دانيال ،أنت شرير تماًما
».لوسي ،يمكنك أن تكوني رحيمة :لم يسرق أحد باب مسكنك من قبل .وأؤكد لك أن كل شيء بعد ذلك مباح"
"أريد أن أذهب إلى المدرسة الداخلية مع أنتوني" ،صرخت جريس عابسًة " .لماذا ال أستطيع؟"
".أوضحت آنا بلطف" :ألنك ال تزال صغيًر ا جًد ا
.آه ،تلك العادة الدموية التي تتبعها وهي عدم إخبار األطفال بالحقيقة ،فكر كريستوفر بغضب
".قال دينيس مناقضًا لها" :هذا ليس السبب"" .أخبرني كريستوفر أن اإلناث ال يمكنهن الذهاب إلى هناك
. . ".أصرت" :حسًن ا ،سأذهب"" .سوف أتنكر
".في الردهة ابتسم كريستوفر ،ثم دخل الغرفة .قال بينما كان الجميع يستديرون نحوه" :لكن عليك أن تقّصي شعرك يا جريس
كريس!" صاحت جريس بسعادة ،ونهضت من الطاولة التي كانت ترسمها وركضت نحوه .سحبته بيدها وقبلته على خده ،فشعر "
.بإحراج غريب أمام أخيه .وقف بسرعة ،وذهب إلى الطاولة ،وتوقف بجانب زوجته
".قالت غريس التي لم تكن قد تركت يده بعد" :ال يهمني إذا اضطررت إلى قص شعري"" .هذا هو مقدار رغبتي في أن أصبح جندًيا
جندي اآلن؟" هز كريستوفر رأسه .قرر أال يقول أي شيء ،وبدًال من ذلك ألقى على آنا نظرة صارمة .على األقل أراد أن يكون "
.صارما .ابتسمت له مترددة .آه يا عزيزي .لن أجعلك تفعل ذلك ،حقًا
".نعم" ،أكدت جريس .بدت خجولة ويتوسل" .لكن عليك أن تعلمني إطالق النار يا كريستوفر ،كما فعلت أنتوني"
أوه ".سكب لنفسه كوبًا من الشاي .لن أعلمك أبدًا يا جريس إنه ليس شيًئ ا مخصًص ا لإلناث" .ال أستطبع .أنت ال تزال صغيرا جدا" .
وبالمناسبة ،أنتوني ." . .نظر إلى الشاب الصغير الذي كان يجلس بجانب دانييل" .هل تريد التصوير أكثر قليًال قبل أن يحل الظالم؟
يوم االثنين ستغادر ،ولن تكون لدينا فرصة أخرى .وأشار كريستوفر إلى أن آنا أومأت برأسها كما لو كانت تتوقع تلك الكلمات
.بالضبط .في الواقع ،كان لفكرة طرد دانيال من المنزل عالقة باقتراحه .ليس كل شيء ،ولكن بالتأكيد شيء يتعلق به
أجاب أنتوني" :أود ذلك يا كريستوفر" .نظر إلى دانيال ،وبدا ممزًق ا" .لكنني أود أيًض ا أن أعرف ما حدث لباب منزلك يا سيد
".ديميرسي
وضع األخ غير الشقيق يده على ذقنه وكأنه يفكر مليًا" .يمكننا الجمع بين االثنين ،أليس كذلك يا دافنبورت؟" سأل" .يمكنني أن أبقيك
".برفقة أخيك أثناء تدربك على الرماية
ملعون األخ غير الشقيق .لقد كان يفعل ذلك عمدا بالتأكيد .قال بصراحة" :ال أعرف يا ديميرسي"" .ال أعتقد أنه من المستحسن أن
".تقترب مني عندما يكون لدي مسدس في يدي
"ضحك دانيال بصوت عاٍل ،مستمتًع ا ،ووقف في مواجهته دون أدنى انزعاج" .هل تطلق النار بهذا السوء؟
".على العكس من ذلك" ،أجاب بتهديد مستتر في عينيه .وال حتى محجبة جدا ،في الواقع" .أنا ماهر جًد ا"
".أجاب دانييل بنفس النظرة" :يا لها من صدفة"" .أنا كذلك .في الواقع ،ربما أكثر كفاءة منك .ولذلك أنا لست خائفا
"نظرت لوسي من واحدة إلى أخرى بابتسامة صفيق" .إذًا ،دانيال ،هل هذا تحدي؟
».بوضوح .هل تقبل ذلك يا دافنبورت؟ الفائز هو من يسجل أكبر عدد من األهداف"
".زم كريستوفر شفتيه بغطرسة ال يمكن السيطرة عليها" .من الواضح أنك تحب الخسارة يا ديميرسي
".سأعتبر ذلك بمثابة نعم"
صفقت جريس يديها بحماس" .كم هو رائع!" صرخت وأظهرت الغمازة على خدها األيسر .لقد نسيت الرسومات المستحيلة التي
.كانت ترسمها وركضت إلى الخارج .بعد لحظة تبعها أنتوني ودينيس
هل أنت متأكد؟" سألتهم آنا مع قليل من القلق في صوتها .يبدو أن زوجته هي الشخص الوحيد في الغرفة الذي وجد كريستوفر "
"-مخيًف ا .ربما لم تكن عالمة جيدة" .لقد فات الوقت بالفعل و
".ضحك دانيال وكان هادًئ ا تماًما" .ال تقلقي يا آنا ،زوجك لن يطلق النار علي
".لن أكون متأكدًا من ذلك"
"هل قلت شيًئ ا يا دافنبورت؟"
ال ال شيء ".نظر إلى أخيه ،مستسلًما لالضطرار إلى ذلك"
.تحمل حضوره البغيض .على األقل سأشعر بالرضا عندما أهزمك يا دانييل" .هيا إذن "،حث
.ساروا عبر الردهة ،ودون أن يتحدثوا ،وصلوا إلى الغرفة التي تم حفظ األسلحة فيها
لحظة واحدة يا دافنبورت "،قال المتأنق الذي ال يطاق مع وميض مريب في عينيه الخضراوين" .التحدي ليس تحدًيا إذا لم نراهن "
على شيء ما .أال توافق؟ إال إذا ." . .توقف وأعطاه نظرة ساخرة .كان على كريستوفر أن يعترف بأن دانيال كان يعرف أيًض ا
".كيف يبدو ساخًر ا بشكل جيد ،إذا حاول ذلك" .ما لم تكن الهزيمة هي ما تخاف منه ،فمن الواضح
"فتح كريستوفر خزانة وأخرج مسدسين مصقولين متطابقين" .ماذا تريد أن تراهن؟
قال دانييل دون تردد" :تلك األرض تحدثنا عنها منذ فترة" .نظر كريستوفر بعيًد ا عن األسلحة وحدق به بصمت .وتابع شقيقه
»بشجاعة" :إذا فزت ،فسوف تعطيني إياها .إذا خسرت . . .حسًن ا ،ماذا تريد يا دافنبورت إذا فزت؟
".الطالق النار عليك .قال" :إنك تبتعد عن عيني"" .ديمرسي ،أنت تعاني من ألم ال يصدق في الرقبة
.نعم" ،اعترف ،وبدا سعيًد ا جًد ا"
OceanofPDF.com
35
.لن يتم اكتشاف أي شيء أبًد ا إذا اعتبرنا أنفسنا راضين عما تم اكتشافه بالفعل
سينيكا—
صباح الغد سيغادر أخي األكبر" ،كتبت آنا في ذلك الصباح المشمس بينما كان األطفال يتلقون الدروس مع معلميهم ،وكان المنزل "
".يمضي بدونها" .كنت أعلم أن هذه اللحظة ستأتي ،لكنني ما زلت أتساءل كيف سأتدبر األمر
.توقفت لتمسح عينيها ،فسقطت دمعة على الورقة ،فصبغتها
وكتبت بعد أن نظفت الفوضى" :وال أستطيع حتى البقاء في المنزل للتعافي ،ألنه مساء الغد ،سيكون هناك عشاء غبي في روكفيلد
بارك" .نظرت إلى الفستان األزرق الداكن على عارضة أزياء بجانبها وتنهدت بهدوء" .طلب مني كريستوفر أن أقضي الليلة هناك
بعد انتهاء المساء" .من المحتمل أن يكون الوقت متأخًر ا يا آنا "،قال صباح أمس ،و -أقسم! -بدا لي متردًد ا .ربما حتى خجولة.
"يمكننا البقاء في روكفيلد والعودة يوم الثالثاء بحلول وقت الغداء .هل تعتقد أن عائلتك يمكنها العيش بدوننا لبضع ساعات؟ أجبته
".دون أدنى تردد" :أنا متأكد من أنهم يستطيعون ذلك"" .يبدو أنها فكرة جيدة بالنسبة لي
بدا زوجي سعيًد ا برد الفعل الفوري هذا؛ أعتقد أنه كان يتوقع بعض االعتراض .اقترب مني بينما كنت أقوم بالتطريز عند النافذة« ،
".وانحنى فوقي .همس لي" :يمكننا إذن أن نعتبرها رحلة شهر العسل"" .ماثيو خارج المدينة
احمررت خجًال وشعرت بالذنب بعض الشيء ،نظًر ا إلثارته ،وألن التضمين الرومانسي للموقف قد أفلت مني تماًما .أنا"
لم يقبلها إال لسبب واحد ،في الواقع :الدخول إلى مكتبه ليًال .ألنني أريد – وال بد لي – أن أجد شيئًا يحررني من سلطته .ألنني أريد
– وال بد لي – أن يهدأ قلبي عندما يكون بالقرب مني .ألن المعاناة التي يسببها لي بسلوكه الذي ال يمكن تفسيره تزعجني؛ كثيرا ما
.أجد نفسي أبكي وحدي
أحياًن ا أجلس بجانب النافذة وأنغمس عن طيب خاطر في كل تلك األفكار التي تجعلني حزيًن ا .مثلما حدث عندما أفكر في االعتذار "
إلى ليوبولد ليلة الغد .مثًال عندما أالحظ الخداع الذي يستخدمه زوجي لكسب مودة عائلتي ،وأتذكر سواد قلبه الذي سمح له باإلساءة
إلّي منذ شهر ونصف .مثلما يحدث عندما يعود إلى المنزل في وقت متأخر من الليل وال أعرف حتى أين كان ،وعيناه متعبتان
.ويائستان ،كما لو أنه ذهب إلى الجحيم وعاد
لقد حدث ذلك أيًض ا في تلك الليلة ،ولم أستطع إيقاف نفسي" .كريستوفر ،إنها الثالثة صباًح ا "،قلت له بصوت منزعج عندما قبلني "
إليقاظي .لم يكن يعلم أنني لم أنم بعد" .ألم يكن لديك امرأة بالفعل الليلة؟" ابتسم في الضوء الخافت لشمعة مضاءة .قال بصوت هامس
"من السخرية" :ال ينبغي أن يكون هذا مهًما يا آنا"" .ألم تقل أنك ال تهتم إذا كنت مخلًص ا لك أم ال؟
شعرت باإلهانة لدرجة أنه كان يضحك علي! أدرت ظهري له ،وغطيت نفسي بالمالءة" .أنا ال أهتم ،في الحقيقة "،أجبت بنبرة "
منزعجة ،وأنا أحبس الدموع الحمقاء التي مألت عيني" .أود فقط أن تسمح لي بالنوم ".تمتم قائًال" :قريبًا" ،ووضع يده على كتفي
"وجعلني أتجه نحوه" .هل تمانع بشدة؟
نظرت إليه وأنا ال أزال أشعر باإلهانة ،لكن شيًئ ا ما في مظهره أوقف التعليق الساخر الذي كنت على وشك اإلدالء به من فمي" .
"هل هناك شيء يزعجك يا كريستوفر؟" سألته ،ورفعت يدي ألبعد شعره عن عينيه" .أخبرني ما األمر يا كريس" ".صه "،همس.
'.تعال الى هنا '.قَّبل فمه فمي ،ولمستني يداه ،ومرة أخرى ُتركت أسئلتي دون إجابة
".كان هناك طرق على باب غرفتها ،وتوقفت آنا عن الكتابة ونظرت من مذكراتها .قالت" :ادخل"" .آه ،هذا أنت يا كريستوفر
يا إلهي ،اآلن سوف تشتكي .ال ،لن "تشكو"؛ سوف تنفجر .سوف تقتلني .تنهد كريستوفر :سوف تمزق جلدي .من األفضل أن تقول
ذلك بسرعة .صاح قائًال" :آنا ،عليك أن تقومي باالستعدادات النهائية لتناول العشاء في منزلي .وال يمكنك أال تفعل ذلك اليوم ،ألننا
.سنكون غًد ا في لندن للذهاب مع أنتوني
"-لكن"
ال أريد أن أسمع أي حجج ".ورفع يده لوقف احتجاجاتها" .اليوم سأكون خارج كوكستون للقيام ببعض االلتزامات التي ال يمكن "
.تجنبها ،ولذا سيتعين عليك القيام بذلك .سيكون هذا واجبك ،من بين أمور أخرى
".جعلت زوجته وجها .قالت" :حسًن ا
حسًن ا"؟ ال توجد تهديدات متذمرة أو سيئة ،هل سمعها بشكل صحيح؟ حاول كريستوفر أن يتذكر ما إذا كان بالصدفة لم يشرب "
.الويسكي بدًال من الشاي في ذلك الصباح
"وأضافت" :لكن ذكرني بشيء واحد"" .عند التحضير لحفلة ،هل من المفترض أيًضا أن ُيضرم النار في المنزل؟
قال وهو يفكر في األمر" :يجب أن أتحقق" .كان مرتاحا .لم تكن آنا غاضبة ،وال حتى قليًال .اقترب منها وقال بهدوء" :لم أكن
".ألضعك في هذا الموقف لو كان بإمكاني تجنبه ،أؤكد لك
".قالت وهي تهز كتفيها" :ال تقلق"" .أنت تعلم أنني أتوقع منك دائًما األسوأ ،لذا ال يمكنك أن تخيب ظني
ابتسم وهو يجلس على حافة المكتب" .هل هذا ما تكتبه في يومياتك؟" سأل وهو يغض الطرف عن خربشات زوجته غير المقروءة.
""إهانات لي في قانونك الغريب؟
.ال تخطئ ،أنا ال أكتب عنك أبًد ا .لن أتمكن من العثور على ما يكفي من الكلمات الفظيعة لوصفك"
أوه حًق ا؟" وضع فمه على أذنها بوقاحة ،وهمس بصوت ناعم جًد ا لدرجة أنه بالكاد مسموع" :هذا يعني أنني سأطلب منك تكرار هذه"
".الجملة لي الليلة ،آنا .عندما أكون بين رجليك
كريستوفر!" دفعت زوجته رأسه للخلف وصفعته صفعة خفيفة -كانت قاسية جًد ا في الواقع -ولكن برقة معينة مقارنة بتلك التي "
اعتاد عليها" .أنت فاحش" ،اتهمته وهي تحمر خجًال ،ونظرت إلى مذكراتها" .وماذا ال تزال تفعل هنا؟ اعتقدت أنك قلت أن لديك
.التزامات ال مفر منها
.فرك كريستوفر خده" .نعم "،اعترف على مضض .وقف ،وذهب إلى الباب ،ونظر إلى الوراء مرة أخيرة
".هرم الكنز"
عنوان غامض ووثيقة غامضة .في صمت زوجها
في مكتبها في روكفيلد ،كادت آنا أن تقفز من اإلثارة عندما اكتشفت صندوًق ا أحمر صغيًر ا أسفل رف المدفأة ،مخبأ بنفس الطريقة
التي أخفى بها كريستوفر األشياء في منزل األبطال .لكي نكون صادقين ،كان من المفترض أن تشرف على االستعدادات للحفلة،
.وليس التحقيق ،لكنها كانت متأكدة من أن ثيا -مدبرة المنزل المتغطرسة -ستحقق نتائج جيدة بمفردها
في الصندوق األحمر كانت هناك وثائق .اثنان فقط ،لسوء الحظ ،لكنهما كانا مثيرين لالهتمام .أحدهما كان "هرم الكنز" .وسرعان ما
رأت األرقام واألسماء المدرجة؛ كانوا جميًع ا غرباء باستثناء اثنين :ليوبولد ديميرسي وكريستوفر دافنبورت .بدا األمر وكأنه نوع
من العمل .وأًيا كان من شارك فقد دفع مبلًغ ا ملحوًظ ا إلى حد ما ،وحقق مكاسب عالية على المدى القصير .ظهر اسم ليوبولد ثالث
مرات ،مع زيادة المخاطر تدريجًيا في كل مرة .هل هذا هو السبب وراء عدم رغبة كريستوفر في الدخول في صراع معه؟ تساءلت
آنا .لم تكن تعلم ،لكنها عرفت أن في هذا الكنز المصري شيًئ ا غير منطقي .فركت عينيها ،وتفحصت مرة أخرى أعمدة الحسابات
المستحقة الدفع والحسابات المستحقة القبض .كان األمر غريًبا ،ألنه بدا حًق ا أن األموال التي دخلت الحسابات لم ُتستخدم أبًد ا لشراء
أو إنتاج أي شيء ،ولكن ببساطة تم إعادة استثمارها في نفس الهرم .عمليا ،تم استخدام كل إيرادات جديدة لدفع فوائد االستثمارات
السابقة ،وبما أن األرقام في الحسابات المدينة كانت تتزايد (سواء بسبب زيادة عدد المستثمرين ،أو زيادة المبلغ المدفوع من قبل
مستثمر واحد) ،فقد كان األمر مفتوحا .دورة .لقد كان حًقا هرًما ،كما فهمت آنا .ومن كان في األعلى أعطى واحًد ا وأخذ اثنين من
الثاني والثالث مشارًك ا في الصفقة التجارية؛ أما الثاني والثالث فقد أخذا أربعة من الخامس والسادس والسابع ،وهكذا إلى أجل غير
مسمى .أو باألحرى ،ليس إلى أجل غير مسمى ،فكرت ،منزعجة .وسوف يأتي يوم تكون فيه المبالغ التي سيتم دفعها مرتفعة للغاية،
ولن يتم العثور على مستثمرين جدد .ثم من هو في
لن يكون لقاع الهرم أي مكاسب بل خسائر فقط .وضعت يدها على جبهتها وأغلقت عينيها .القلق جعل صدرها يضيق .بالتأكيد يجب
.أن يكون هناك تفسير ،قالت لنفسها بشكل معقول .ربما ال أعرف السوق مثل كريستوفر
)لماذا يخفي زوجك هذه الوثائق إذن يا آنا؟(
. . .لم يكن هو من صنع هذا الهرم ،بل هو روبرت باريت .ظهر اسم كريستوفر كمستثمر فقط .لكن
قررت أن أفكر في هذا الحًق ا .لقد تأخر الوقت ،ولم تعد قادرة على المكوث أكثر .وانتقلت إلى الوثيقة الثانية التي تتضمن االعتمادات
وديون القمار .وكانت أسماء المدينين لزوجها مجهولة؛ كان دائنوه أشخاًص ا من جميع أنحاء المقاطعة .يبدو أن الحظ السيئ يالحق
كريستوفر هنا في كوكستون .أكبر دين تراكم على زوجها كان مع ليوبولد ديميرسي .هذا غريب ،فكرت ،عابس .بدا كريستوفر
بارًع ا في لعب الورق عندما كان يعطي دروًس ا ألنطوني .ألم يكن هو الذي ادعى "الفوز دائمًا" ،ولو بشكل غير عادل؟ لقد كان األمر
.غريًبا بالفعل ،ولكن كان عليها اآلن أن تغادر الغرفة بسرعة ،ألنها ألقت نظرة على كل ما كان موجوًد ا في الصندوق
فكرت في أن كل شيء تقريًبا يصحح نفسه .قبل لحظة من استبدال الملفات ،الحظت في الزاوية ورقتين قديمتين مطويتين من الورق
قد سقطتا بينما كانت تسرع إلغالق ملف .كانتا رسالتين ،صفحتين اصفررا بفعل الزمن – كم كان عمرهما؟ – مكتوبتان بخط يد
مجهول ومائل لم يكن خط يد زوجها .نظرت إلى الورقة األولى؛ كان متجعًد ا وباهًت ا مع وجود بقع داكنة في أجزاء معينة مما جعله
غير مقروء تقريًبا .ويبدو أن هذا ال بد أنه تم انتشاله من مكان ال يمكن الوصول إليه .ولم يكن لها تاريخ ،وكل ما كان مكتوبًا عليها
:هو ما يلي
كنت سأتخلى عن كل السنوات التي عشتها حتى اآلن ،كل هذا الوقت ،الذي طالني مثل ساق ميتة ،فقط ألعيش لحظة واحدة ،مجرد
.لحظة ،يا مارثا
كنت تغادر من مبنى متهالك ،وكان بعض رفاقك الكسالى يسيرون بجانبك .كانت أمسية الشتاء باردة ،وكنت ترتدي معطًفا رمادًيا
.ووشاًح ا رمادًيا على رأسك
.وانفجار اللون على وجهك
ابتسامتك البيضاء وشفاهك الحمراء ،وخدودك المشتعلة في الضباب المتصاعد من أنفاسك؛ عيناك الزرقاوان بين الشعر الذي سقط
.من حجابك
كانت تلك المرة األولى التي رأيتك فيها يا مارثا ،وإذا طلب مني أحد في تلك اللحظة أن أسأل ما هي الحياة ،لكنت أشرت إليك وقلت:
"".إنها تلك الفتاة هناك
.ل
عندما انضم كريستوفر إلى زوجته في غرفة النوم ذلك المساء ،وجدها جالسة على طاولة الزينة الخاصة بها .كان بإمكانه من الخلف
رؤية شعرها الطويل ،الذي كانت تمشطه ببطء ،يتدلى على ظهرها ،وانعكاس وجهها في المرآة .كما هو الحال دائما ،كان هادئا
.للحظة قبل أن يتحدث
.هل كل شيء جاهز لمساء الغد يا آنا؟" سأل"
أثناء العشاء ،تحدثوا فقط عن رحلة أنتوني ،وهو أمر منطقي .لكن الشاب الصغير لم يقل شيًئ ا بينما كانت جريس تبكي .من المحتمل
.أن يبكي دينيس في اليوم التالي
.أجابت زوجته« :بالتأكيد يا سيدي» ،وهي تحرك الفرشاة ببطء عبر خصالت شعرها الالمعة
بالتأكيد يا سيدي "،قدمي .لقد أخبروه أنها وصلت إلى روكفيلد واختفت على الفور .ربما كانت قد اختبأت في مكان ما بالمنزل "
لتقرأ ،تاركة الموظفين ألنفسهم .آنا ،أعرف كل ما تفعلينه ،وكان يود أن يقول لها .أنت أحمق حتى ال تفهم ذلك .فأخذ نفسًا عميقًا
"وسألها مرة أخرى" :ألم تفعلي شيئًا آخر اليوم؟
قالت بال مباالة" :حسًن ا ،لقد ساعدت أنتوني في إغالق صناديقه"" .و " . . .آه ،نعم ،لقد ذهبت إلى الكنيسة لتسليم بعض المالبس
".القديمة
أوه ،هذا كل شيء ،حًق ا ،فكر كريستوفر بضجر .وماذا قلت أنت ودانيال لبعضكما البعض خارج الكنيسة؟ استند إلى الحائط دون أن
.يقول أي شيء ،ووضع يده على عينيه ،وفركهما ببطء
"تحولت آنا لتنظر إليه" .كريستوفر ،هل كل شيء على ما يرام؟
وواصل النظر إليها ولم يجيب .شعرت آنا بعدم االرتياح ووضعت يدها على مؤخرة رقبتها قبل أن تعود لتنظر إلى المرآة .وقف
كريستوفر ساكًن ا ،وهو يتنفس ببطء ،محاواًل إخماد الغضب
بداخله .أوه ،آنا ،أنا أفوز معك دائًما .أليس كذلك؟
كان يجب أن يطلق النار على أخيه قبل يومين ،اللعنة .لكن
بدال من ذلك لم يفعل .وبدًال من ذلك ،رفع دانييل مسدسه وصوب نحو زجاجة موضوعة على جذع شجرة على مسافة بعيدة عن
المنزل .لقد ضغط على الزناد وأصاب الهدف .ثم أخذ كريستوفر مسدسه ووضعه في مكانه .وبدون تردد رفع ذراعه ،ودون أن
.يصوب تقريًبا أطلق النار ،فأصاب هدفه
.طلقة أخرى أطلقها دانيال وأصيبت زجاجة أخرى
.طلقة أخرى أطلقها كريستوفر وأصيبت زجاجة أخرى
.طلقة وزجاجة
.طلقة وزجاجة
.طلقة أخرى
.آخر
ثم صوب دانيال بندقيته وأطلق النار على الهدف األخير .وكان لديه
!ٌم فَت قد .نعم لقد غاب .وبشكل فظيع – على األقل قدم
انفجرت الفرحة الجامحة داخل كريستوفر .كان النصر شعوًر ا شائًع ا بالنسبة له ،ومع ذلك كان يشعر به في كل مرة وكأنه النصر
األول" .أال تستطيع تحمل الضغط يا ديميرسي؟" كان مثار ،والدخول
".موقف اطالق النار" .يبدو أنك خسرت
أجاب دانيال" :األمر لم ينته بعد يا دافنبورت" .كان هادئا و
".حذرا ،دون أي ندم على اإلطالق" .يمكنك أن تفوت أيضا" ".ال
.وبينما كان األطفال هادئين بوقار ،صوب بندقيته وصوبها بيد ثابتة
.وللحظة لم يستطع إطالق النار
طرأت على ذهنه فكرة سخيفة مفادها أن خسارة التحدي ستكون الطريقة المثالية له للتخلص من أرض الظالل .إن خسارة التحدي
.يمكن أن تكون أمًر ا جيًد ا ،بعد كل شيء
.لقد نظر إلى الزجاجة التي أمامه وضغط على الزناد .صرخ األطفال ،وتحطم الهدف األخير
استيقظت آنا وتحركت ببطء من كتف زوجها وانقلبت على ظهرها .لم يتحرك كريستوفر واستمر في النوم ،ويتنفس بسهولة ،وكأن
.كوابيسه لم تلحق به بعد في تلك الليلة
عرفت آنا أن الوقت قد فات للغاية .لقد حان وقت النوم ،وإال فإنها ستكون حطاًما في الرحلة مع أنتوني في اليوم التالي .لكنها حلمت
بشيء ما ،شيًئ ا كان منطقًيا لكل المعلومات التي كانت لديها .وكان ذلك غريًبا ،ألن لقائها بدانيال في وقت سابق من بعد ظهر ذلك
.اليوم لم يوضح أي شيء على اإلطالق
ال أعرف مارثا "،قال لها عندما سألته إذا كان قد صادف هذا االسم من قبل" .بالتأكيد ليس من بين أقارب زوجك في لندن ،ولكن "
ليس له أي صلة به .وال حتى مع فرانك دافنبورت على ما يبدو ،على الرغم من الترحيب به في منزله عندما كان طفًال .ومع ذلك،
إذا كنت قلًق ا ،يجب أن أعترف أنني لم أجد شيًئ ا غير عادي في حياته . . .بصرف النظر عن الحظ الغبي المطلق الذي يتمتع به في
شؤون األعمال والقمار .وعلى أية حال ،لم يشتكي أحد من أي وقت مضى .ولم يكن لدى أحد أي شيء سيئ ليقوله عنه ،أو جيد في
هذا الشأن ».كان هناك تردد في عيني دانيال .ثم قرر أن يشرح" .أو أي شيء على اإلطالق ،ألكون صادًق ا .دعنا نقول فقط أن ذكر
”.اسمه أدى إلى إغالق أكثر من باب في وجهي
لم تكن هذه المعلومات مطمئنة للغاية ،واألكثر من ذلك أنها لم تكن مفيدة جًد ا .لقد كان عديم الفائدة اللعنة! لقد خاطرت بإثارة غضب
زوجها من أجل ال شيء .إذا كان قد علم باللقاء فقد طلبته مع دانيال . . .لحسن الحظ ،كريستوفر ال يعرف ذلك .يا إلهي ،كان
!سيصنع مشهًد ا حول ذلك
.لكن هذا الحلم ،لقد انزلق منها قبل لحظة من أن تتمكن من اإلمساك به .ماذا حلمت؟ لقد كررت بال معنى التفاصيل التي عرفتها
"هل تعتقد حًق ا أن ماضيك يمنحك الحق؟ . .؟"
. . ".لم يفعل شيًئ ا كهذا من قبل ،ولن يفعل ذلك مرة أخرى أبًد ا"
.ثم كان هناك الهرم وديون القمار . . .و مارثا و ل
.وبعينين مفتوحتين على مصراعيهما ،حدقت في الظالم لفترة طويلة ،قبل أن يدفعها التعب إلى النوم
OceanofPDF.com
36
.قد يكون الموت كفارة عن أخطائنا ،لكنه لن يصححها أبًد ا
نابليون بونابرت-
يا إلهي ،الجو بارد جًد ا في الخارج .استيقظ كريستوفر وهو يرتجف في الظالم ووضع يده على عينيه ليغطي صور الحلم التي ما
زالت تومض في ذهنه .شارع مونماوث ،المتسولون الذين كانوا يشعلون النيران التي ربما تم إخمادها بعد ثالث دقائق ،الشارع
. . .الرطب ،البرد ،والهواء الذي الذع عندما يستنشق ،مثل شظايا الزجاج
استلقى على ظهره ببطء ،محاواًل أال يزعج نوم زوجته الهادئ .لقد أراد أن يعود إلى النوم ،لكن صور "محكمة المعجزات" غير
.الحقيقية تلك لم تختفي .ماذا قال جورج عندما رأى متى؟ تساءل بابتسامة" .مجرد إلقاء نظرة على هذا الرب الصغير ".هذا ما قاله
توقف عن محاربة ذكرياته ،وتركها تجتاحه .وجد نفسه مرة أخرى تحت هذا الرواق في 2مارس ،1814مغطى بكومة من
الصحف القديمة وفي مكان ما بين االستيقاظ والنوم .ورأى نفسه مرة أخرى ينهض من سريره ،عندما دعاه جورج ،وعاش من جديد
دهشة رؤية ابن عمه في ذلك الشارع ،وهو آخر مكان كان يتوقع رؤيته فيه .كان هناك ثالثة متسولين يحيطون بماثيو ،ونهض
.كريستوفر -في ذاكرته التي اختلطت اآلن بحلم -وركض نحوهم
.هل تريد التنافس على من هو األسوأ حاًال يا كريس؟ حسًن ا ".خلع معطفه في غضب غاضب"
"مات ،ما الـ-؟"
.مرحًبا يا سيدي!" صرخ ماثيو وهو يمد معطفه لجورج" .خذها .أنا ال أحتاج إليها"
"مذهوًال ،أمسك كريستوفر بذراعه" .ماثيو ،هل أنت مجنون أو شيء من هذا؟ ماذا بحق الجحيم تفعلون؟
قال ابن عمه بصراحة" :سأترك نفسي أموت إلقناعك بالعودة إلى المنزل" .ربما يجب أن أتوقف عن مناداته بـ "ابن العم" ،فكر
.كريستوفر ،ألنه لن يطلق على فرانك دافينبورت لقب "عمه" أبًد ا مرة أخرى
.بدأ ماثيو يهتز .كان البرد مروًع ا ،ولكن من المؤكد أن ماثيو كان يتظاهر ببعض الشيء ،ألنه لم يخلع معطفه إال قبل ثالث ثواٍن فقط
.ابتعد يا جورج" ،أمر كريستوفر الصبي األكبر الذي اقترب"
"-لكن"
ابق بعيدا ".لم يكن كريستوفر يبلغ من العمر ثالثة عشر عاًما ونصف حتى ،لكنه كان يبلغ طوله ستة أقدام تقريًبا ،وكانت بنيته جيدة"
.إلى حد ما بالنسبة للمراهق .وكان أيًض ا صديًق ا لألخوين باريت .تركها جورج وذهب بعيًد ا وهو يتمتم
.قال ماثيو" :إذا لم يكن يريدها ،فسأرميها بعيًد ا" .لقد ألقى بها على األرض على بعد بضعة أقدام منهم ،في الشارع الرطب
".ال تكن سخيًف ا .سوف تصاب بااللتهاب الرئوي ".فذهب ليأخذه ثم عاد إلى ابن عمه" .هيا ،ارتديه"
".ال .ليس حتى تعود إلى المنزل"
ماثيو ،ال أستطيع! إذا أخبرك والدك فكيف ال تفهم؟ أنا ال ." . .كان صوته يرتجف ،وهذا ما فاجأه .ولم يتعذب من هذا على "
اإلطالق؛ في الواقع ،كان سعيًد ا ألنه اكتشف أخيًر ا اسم الكلب الذي تخلى عن والدته .لقد كان يرغب في معرفة ذلك منذ سنوات،
ومن المؤكد أن هذا الوخز في صوته كان بسبب البرد .وأوضح بصوت خالي من المشاعر" :لقد خدعني والدك طوال الوقت"" .إنه
.خطأه أيًض ا أن والدتي ماتت .ارتدي معطفك مرة أخرى – هيا
".ال"
لكن لم يهتم؟ هل يمكن أن يكون أنانًيا لدرجة أنه ال يستطيع أن يضع نفسه في مكان كريستوفر ولو لمرة واحدة؟ "إذا لم ترتدي
المعطف اآلن ،سأفعل
. . ".اهرب ،ولن تراني مرة أخرى أبًد ا يا مات »،حذره" .أنا أعول إلى ثالثة .واحد
نظر إليه ماثيو وهو يرتجف ،لكنه لم يتحرك .ومما زاد من التأثير المثير للشفقة ،أن شفتيه بدأت تتحول إلى اللون األرجواني
.الخطير
. . ".اثنين"
.وال حركة إال من بخار فمه وصرير أسنانه
.لن تتمكن من اإلمساك بي أبًد ا يا مات .ولكن إذا ارتديته ،سأبقى هنا للتحدث معك"
"هل تعرف حتى كيفية العد إلى ثالثة ،كريس؟ كم من الوقت سوف يستغرق لك؟"
»!اذهب إلى الجحيم إذن!" ألقى المعطف على األرض أمام المتسولين المذهولين" .ال يهمني إذا مت .سأغادر اآلن يا مات"
".افعل ما تريد"
تحول كريستوفر وبدأ في الجري .ولم تكن هناك خطى خلفه .لم يتوقف .ليس على الفور .ركض مسافة مائة وخمسين قدًما قبل أن
.يستسلم وينظر إلى الوراء .وكان ابن عمه ال يزال هناك حيث تركه ،وهو يتجمد بهدوء
القرف .ومع ذلك كان عليه أن يتوقع ذلك .كان ماثيو يعاني من االبتزاز العاطفي في دمه :ألم يكن هو الشخص الذي رفض تناول
الطعام لمدة ثالثة أيام في عام 1806إلجبار والديه على السماح ليتيم في منزلهم -وهو ابن غير شرعي لعاهرة؟
.أنت خنزير ،ماثيو!" صرخ وهو يستدير ويعود للخلف" .أعد معطفك!" زأر وأمسك بالقميص"
".ال"
ورفع قبضة يده اليمنى" .أعد معطفك مرة أخرى ،وإال سأكسر أسنانك كلها!" توقف في الجو بقبضته المغلقة ،لكن ابن عمه لم يرمش
له حتى .كانت عيناه الكبيرة قادرة على إطفاء أي غضب" .أوه ،الجحيم الدموي!" صرخ بإحباط وتركه" .حسنا إذا .إذا كان األمر
»!هكذا ،فسأخلع حذائي أيًض ا
وبحركة متشنجة خلع معطفه وألقى به على األرض بالقرب من اآلخر .مالبسه التي كانت أخف من مالبس ابن عمه ،وسرعان ما
.أصيب جسده بالقشعريرة
أنت تخسر الكثير من الوقت ".أظهر تصريح ماثيو بالضبط مدى الضرر الذي ألحقته به هذه البادرة ،أي ليس على اإلطالق" .أشعر"
أن فرصي في العيش تتضاءل بسرعة .لماذا ال تعود معي إلى المنزل وتتوقف عن التصرف كاألحمق؟
.كيف ال يفهم؟ ربما خفف فرانك من نسخة القصة التي رواها لماثيو" .مات ،استمع .كان يعرف دائًما من هي والدتي
أومأ ماثيو" .نعم ،لم يكن لديه أي شك في الداخل ،حتى لو أخبرني أنه لم يكن متأكًد ا إال قبل عام لسبب لم يشرحه لي ".استنشق
الهواء البارد وزفر نفخة بيضاء دافئة" .وكيف اكتشفت ذلك يا كريس؟ لم أعتقد أبًد ا أن والدتي ربما كان لديها أصدقاء .أقصد
".األصدقاء الحقيقيين
اصدق ذلك .لم يذكر أحد مارثا أسكي على اإلطالق ،وحتى ." . .وبدون وجود شاهد قبر ،لم يبق حتى اسمها" .لقد حاولوا بكل "
الطرق الممكنة التخلص من ذاكرتها ،لكنها لم تمحى ،ليس بالكامل" .على الرغم من البرد ،كان هناك فخر في صوته" .لقد وجدت
اسمها بالصدفة ،وواجهت والدك بعد ظهر هذا اليوم ".ابتلع ،متذكًر ا كيف سقط قلبه عندما قرأ الحقيقة في عيني فرانك .لقد كان األمر
مضحًك ا حًق ا؛ كان يجب أن تكون هناك .تحول إلى اللون األبيض كالورقة ،وتلعثم بأنها صدفة وأنه ال يعلم . . .لم أكن أعرف أي. .
" .".عض شفته بقوة .مارثا أسكي – أنكرت حتى بعد أن رحلت وماتت منذ فترة طويلة" .ثم توقف عن الكذب ،واآلن أعرف
"...أخبرني أنه ال يريدك أن تعرف ،ألن فكرة االنتقام كانت ستدمر حياتك .ال تنظر إلي بهذه الطريقة .أنا فقط أخبرك بما قاله لي"
لم يخبرني ،ألنه كان يشعر بالخجل ،وهذا هو السبب الوحيد!" الغضب – الغضب كان كل ما يشعر به" .أنت ال تعرف الحقيقة "
"-كاملة يا مات .هو وأمك
".لقد رفضوا تربيتك كابن لهم ،أعلم ذلك"
ابتلع كريستوفر ريقه ،وكان يؤلمه .ربما كان يصاب بالبرد" .كان من الممكن أن تبدأ والدتي حياتها من جديد . . .لم يكن أحد
ليعرف ،وال حتى والديها .كل ما كان عليها فعله هو عدم رؤيتها في األشهر القليلة األخيرة من الحمل .ولكن عندما سألت والديك
قالوا . . .قالوا ." . .توقف عن الحديث ليحارب االنفعال الذي كان يمنعه من التحدث بوضوح .وعندما تأكد أن صوته لن يتشقق،
".تحدث مرة أخرى" .أنا أتحدث هراء ،مات .ال تهتم .لم يكن من المفترض أن أولد ،وهذه هي الحقيقة
هز ابن عمه رأسه ،واآلن كان الذنب على وجهه" .لن يأخذوك بسببي يا كريس ".ارتعش فمه في كشر غريب .كان كريستوفر يأمل
أن يكون ذلك بسبب البرد وليس بسببه
كان على وشك البدء في البكاء" .كطفل حديث الوالدة كنت على وشك الموت ،كما تعلمون .تقول والدتي ذلك طوال الوقت ،لقد كانت
معجزة أنني نجوت في السنة األولى .أخبرني والدي أنها كانت بجانب نفسها .لقد ماتت تقريًبا من اليأس .وعندما قالت ال لوالدتك ،لم
.يكن لدى والدي الشجاعة لالعتراض
أمك . . .ماذا يمكن أن أتوقع من والدتك؟ لكن والدك ." . .كان صوته يرتجف" .كان على والدك أن يعرف ما الذي سيحدث لفتاة "
”.في العشرين من عمرها بمفردها مع طفل صغير .كان يعلم أن والديها سوف يرفضونها .لقد أرسلها إلى موتها يا مات
"-لقد بحث عنها الحًق ا .هذا ما أقسمه لي ،لكنه لم يتمكن من العثور عليها .لو أنها ظهرت"
".أوه ،إذن هذا خطأها ،إذن .هل هذا ما تحاول إخباري به؟" غير سعيد ،نظر ماثيو إلى األسفل" .أنا آسف"
ولكن لم تكن هناك حاجة لذلك .الغضب داخل كريستوفر ضده
لقد ذهب بالفعل .تمتم قائًال" :ال يهم" .كان متى ضعيًف ا ،وكان البرد يؤذيه حتى عندما كان يرتدي مالبس دافئة .تبا .فرك يديه
.ببعضهما وداس بقدميه على األرض" .ما رأيك أن نرتدي معاطفنا مرة أخرى؟" سأل
.أنت ترتدي لك .أنا في انتظار عودتك إلى المنزل معي أوًال"
ال أستطبع" .ولكنني ال أستطيع بحق المسيح ،أال تفهمين؟ كان يجب أن يخبرني! كان يجب أن يخبرني!" وضع يده على عينيه ،ولم
يشعر حتى بالبرد ،ألنه كان ساخًن ا جًد ا من الكراهية التي بداخله" .والدتك لم تكن تريدني في منزلها ،وهذا جيد! والدك لم يصر ،وال
بأس بذلك أيًض ا ،اللعنة! ولكن كان يجب أن يخبرني! بحق الجحيم ،كان يجب أن يخبرني! ولم يفعل ذلك قط ،أال تفهمين؟ أبًد ا يا
!مات ،أبًد ا
" -كريس ،أنا أعلم ،ولكن"
ال ،ال ،كيف يمكنك أن تفهم؟ أنت؟" اآلن بدا يائًس ا ،وقد كان كذلك بالفعل .لقد كان يائًس ا" .لقد كان والدك يعرف دائًما من هي "
"-والدتي ،وكان يعرف دائًم ا من هو والدي!" أخذ نفسا كبيرا ،ثم آخر ،ثم آخر" .و األن . . .اآلن أعرف أيًض ا .أنا أعلم و
.أنت تريد االنتقام الخاص بك ،أليس كذلك؟ تريد الذهاب إلى كوكستون وقتله"
أجاب" :يجب أن أنتقم" ،وفجأة خيم عليه هدوء غريب" .أعلم أنك ال تستطيع أن تفهم ،ألنها كانت كذلك بالنسبة لك . . .لقد كانت
.مجرد عاهرة ،أليس كذلك؟ ولكن بالنسبة لي . . .بالنسبة لي لم تكن كذلك
ووضع يده على وجهه وغطى عينيه بأصابعه" .لقد تخلت عن كل شيء من أجلي .هل يمكنك أن تتخيل ما حدث؟ ال أعرف كيف
انتهى بها األمر في بيت الدعارة هذا .ال أستطيع إال أن أتخيل أنه كان مثل الغرق قليًال في كل مرة ،وكل ذلك ألنني كنت هناك معها،
.مثل حجر لعين مربوط حول رقبتها
خفض رأسه ،وانتظر ماثيو في صمت حتى يبدأ في التحدث مرة أخرى ،واضًع ا يديه المخدرتين تحت إبطه لتدفئتهما في هواء الليل
.البارد
قال كريستوفر بصوت متعب" :هناك الكثير من المذنبين لما حدث لها ،ولكن واحًد ا فقط هو الذي يهم حًق ا :ليوبولد ديميرسي" .الرجل
".الذي أغوى أمه .الرجل الذي دمرها مثل ورقة محترقة .الرجل الذي كان والد كريستوفر" .وسوف يدفع .سأغادر غدا
".ال ،أنت لست كذلك"
كريستوفر لم يغضب حتى من هذا .لم يفهم سبب معارضة ابن عمه لذلك ،لكنه كان يعلم أنه يستطيع إقناعه عاجًال أم آجًال :كان من
.الواضح أن ديميرسي يجب أن يموت
".قال بهدوء" :كنت ستفعل الشيء نفسه في مكاني"" .إذا قتلني أحد ،فسوف تنتقم لي .أنا أعلم أنه
هذا صحيح ".وكان اعتراف متى دون أي تأكيد أو شك" .لكنني بالتأكيد ال أستطيع أن أفعل ذلك بسكين جيب رخيصة الثمن -هل "
هذا حًق ا ما تفكر في استخدامه؟ قل لي شيًئ ا بصراحة :إذا انتقمت ثم تم شنقك بسبب ذلك ،فهل هذا سيجعلك سعيًد ا؟
"-ماثيو"
"هل تعتقد أن والدتك أرادت ذلك لك؟"
أمي ." . .خفض كريستوفر رأسه وابتسم .هو"
.ال يمكن أن تستمر
أنت تريد أن تموت من أجل انتقامك ،هل هذا ما تريده؟ سوف تفعل ذلك"
.ال تفلت من العقاب أبًد ا ،أنا أعرف ذلك .سوف يحصلون عليك .إنه انتحار .ليس لديك حتى خطة لقتل والدك
"-وقال" :لدي واحدة في الواقع"" .كنت أفكر في تعيين نفسي و
"هل ستقدم نفسك له وأنت ترتدي مثل هذا ،مثل المتشرد؟"
".ماذا يفعل هذا الشأن؟" أجاب وهو يهز كتفيه" .لن ينظر إلى مالبسي"
.وهذه هي فكرتك الكبرى عن االنتقام ،إذن؟ خطة مصححة لن تنجح أبًد ا"
الى الجحيم معها!" انفجر غاضبا« .أنت تعرف ما أود حًق ا؛ هل تريد أن تضحك جيدا؟ أود أن أجعل والدي يعيش محنة والدتي من "
جديد :ارميه في التراب ،وأجعله يعاني المزيد والمزيد من العار ،وأنزع منه كل ما يجعله فخوًر ا جًد ا! أرغب في شراء العقار الذي
يعيش فيه وإشعال النار فيه! أود أن آخذ كل ما يملكه وأتركه بدون فلس واحد باسمه .أريد أن أدمره .أريده أن يكون يائًس ا جًد ا لدرجة
أنه ليس لديه بديل سوى قتل نفسه! توقف مؤقًت ا وهو يرتجف من البرد والغضب" .لكنني أعلم أن هذا مستحيل "،واصل بعد قليل،
".وهو يهدئ نفسه ،وفقدت عيناه وهجها الشرير .واختتم بصوت هامس الهث" :سأكون سعيًد ا بقتله
وقف ماثيو يفكر في األمر لبضع دقائق ،وهو ينقر بقدميه على األرض .قال أخيًر ا" :أنت على حق تماًما يا كريس"" .أراد ديميرسي
أن يصبح لورًد ا ،أليس كذلك؟ ولهذا السبب تخلى عن والدتك بعد أن وعدها بالزواج منها .لقد سنحت فرصة لزواج أفضل ،ولم
".يستطع أن يتركها تفلت من أيدينا .أعطاه نظرة آسف" .وتريد إذاللها أكثر بجعل نفسك تبدو مقرًف ا وقذًر ا بالنسبة له
"هز كريستوفر كتفيه ،ونظر إلى معاطفهم الميتة المتروكة على األرض ،وقد أصبحت مبللة" .الجو بارد جًد ا يا مات .لماذا-؟
"...يستمع .قلت أوًال أنه من المستحيل أن تتركه مفلسًا ووجهه في الغبار .لكن إذا وضعنا أنفسنا في هذه المهمة"
" -قاطعه كريستوفر بغضب" :يا لها من غباء"" .إنه أمر سخيف حتى
ال ،هذا ليس سخيفا .علينا فقط أن نجد طريقة ".خفض رأسه ووضع يده على جبهته" .ربما . . .ربما إذا استثمر أمواله بطريقة "
خاطئة . . .إذا اشترى األسهم ،ودفع أكثر بكثير من قيمتها ،كما هو الحال في فقاعة بحر الجنوب ." . .قام بجمع يديه مًع ا ونفخ فيهما
"لتدفئتهما" .أنت تفهم ،أليس كذلك؟
"همم؟"
".ال ،أنت ال تفهم ".أطلق تنهيدة" .كريس ،الدراسة أكثر قليًال لن تؤذيك حًقا"
"هل ستتعب نفسك في شرح ذلك لي ،أم تعتقد أنك ستستمر في النظر إلي بهذه االبتسامة حتى نصبح كالنا تماثيل جليدية؟"
حسنا حسنا ".ابتسم ماثيو ،ولسبب غير مفهوم أصبح الليل أقل ظلمة .فقط كان لديه القدرة على القيام بمثل هذه األشياء" .كانت "
شركة بحر الجنوب شركة ال تقوم على شيء ،على "فقاعة" .على األسهم
.التبادل من السهل أن تفقد كل شيء في لحظة .الجحيم ،حتى نيوتن ،بعقله الكبير ،خسر الكثير خالل القرن الماضي
".قال كريستوفر في وجه ابن عمه الذي يعرف كل شيء" :ربما كان قد درس كثيًر ا
.ال تشتت انتباهي؛ الجو بارد بالخارج "،تذمر ماثيو"
أعرف كل شيء ،على االطالق .ربما تكون اللكمة -ربما ليست قوية جًد ا -هي ما أحتاج إلى توجيهه له ،كما قال كريستوفر .هذا
من شأنه أن يدفئه ،أليس كذلك؟
هذا ممكن يا كريس ".خرج صوت ابن عمه المتحذلق تماًم ا من فمه في السحب البيضاء" .من الممكن أن تخدع والدك وتسبب له "
".الخراب المالي
"تنهد كريستوفر" .هل ترغب في إنشاء واحدة من هذه . . .فقاعات في هذه الحالة؟
فكر ماثيو في األمر وعبس" .ال أعرف .لديهم حدودهم اآلن ،لكننا سنجد طريقة .سوف أساعدك .إذا لم يكن في البورصة ،فال يزال
بإمكانك أن تعرض عليه نوًع ا من االستثمار المتهور .كان يراقبه بعناية ،كما لو كان يحاول تشريحه .لقد كان األمر مزعًج ا بعض
.الشيء ،ألكون صادًق ا .فرك كريستوفر مؤخرة رقبته بيده
قال ماثيو" :من الواضح أنك ال تستطيع تقديم نفسك له فوًر ا بعد بدء عملك .يجب أن تبدأ من األسفل مع قليل من الخداع ثم تهدف
تدريجًيا إلى األعلى .لقد أمال رأسه إلى اليسار وبدا مرة أخرى مثل الجراح الذي كان يحاول أن يقرر أي جزء يجب تقطيعه أوًال.
"وال أحد يجبرنا على قصر أنفسنا على عمليات االحتيال المالي .لديك العديد من المواهب يا كريس ،وبعضها ليس كذلك – كيف
يمكنني التعبير عن ذلك؟ – صحيح .ولكن ال يزال من المفيد ،هذا أمر مؤكد .أنت تهزمني دائًما في الورق ،وليس الحظ فقط ،أليس
كذلك؟
ابتسم كريستوفر .حتى في البرد كان يشعر بالدفء بقدر معين من الرضا .قال بوقاحة" :ليس لديك أي دليل على أنني أغش أثناء
".اللعب"" .من المرجح أنك لست جيًد ا في ذلك
أو ربما لم أتمكن أبًد ا من اإلمساك بك متلبًس ا ،مما يعني أنك بارع في ذلك ".هز ماثيو رأسه من كتف إلى كتف لإلحماء ،وهو "
يرتجف بشدة" .لديك أيًض ا العديد من األصدقاء ".نظر إلى الشارع الكئيب والرجال الذين ناموا بعيًد ا عنهم" .كما قلت ،هذا ليس مكانا
بالنسبة لي .إذا حاولت الهروب من المنزل ،فسينتهي بي األمر عائًما في النهر بعد يوم على األكثر .ليس انت .أنت تعرف أشخاًص ا
يجعلونني خائًف ا حتى من مسافة ميل واحد ،أشخاص يمكن أن يكونوا مفيدين جًد ا في مواقف معينة .هناك الكثير من القوانين أكثر أو
أقل
طرق لكسب المال يا كريس ،وهناك الكثير من األشخاص الذين يستحقون أن يتعرضوا للغش ،وهذا هو أفضل جزء من األمر
.برمته
خدش كريستوفر رأسه ،مفتوًن ا على الرغم من نفسه .أجاب بعدم اليقين" :حتى لو كان ذلك ممكًن ا ،فسوف أضطر إلى االنتظار
”.لسنوات" .ثم أخذ نفسا عميقا" .ال .طعنة واحدة في صدره وسأنهي كل شيء غًد ا
هذا انتقام عظيم حًق ا يا كريس .تهانينا .حتى لو نجحت -وبدت خطتك غامضة بعض الشيء ،في الواقع -فلن يستغرق األمر سوى "
.لحظة واحدة حتى يموت ديميرسي .ال ،أمثاله يجب أن يعانوا فقط بعد أن ُيرموا في التراب ،كما قلت
"...إذا كانت خطتي غامضة ،فماذا عن خطتك؟ إنه مليء بالمجهول ،وهو عمليا"
قاطعه ماثيو" :يمكننا أن نفعل ذلك يا كريس"" .وإلى جانب ذلك ،استمع :إنه ليس مكتوًبا على الحجر .يمكنك دائًما المحاولة ،وإذا لم
ينجح األمر ،يمكنك العودة إلى الفكرة األصلية ،أليس كذلك؟
شعر كريستوفر بسقوط أصابع قدميه من البرد ،وشعر بألم شديد في يديه .لكنه ما زال يأخذ الوقت الكافي ليسأل" :وماذا لو بينما
"كنت أحاول أن أصبح ثرًيا وأجد طريقة لتدميره ،نهض ديميرسي ومات؟
ال ،لن يموت .الناس مثله ال يفعلون ذلك أبًد ا .لم يكن التفسير علمًيا ،لكنه أقنع كريستوفر على الفور .كانت بعض األشياء صحيحة" ،
وكان هذا هو الحال .وتابع ماثيو“ :وإذا وصل األسوأ إلى األسوأ ،فيمكننا أن نبقى على علم بحالته الصحية” .توقف مؤقًت ا ،وأدرك
"-كريستوفر أنه على وشك أن يقول شيًئ ا ال يحبه" .ابي
ال!" رفع أحد المتسولين الذين كانوا على مقربة من المكان ،وكان قد نعس ،رأسه ألعلى ونظر إليهم بغضب ،ثم انحنى إلى سريره" .
" . . ".ال" كرر بصوت أخفض" .والدك ال
ال تكن غبيًا يا كريس ".لقد كان غاضًبا اآلن ولم يعد يتملقه" .هل تعتقد أن هذه لعبة؟ إذا كان األمر كذلك ،فمن األفضل أن تذهب "
”.إلى كوكستون غًد ا .لكن إذا كنتم تريدون الجدية ،فنحن بحاجة إليه
).سوف يخونك مرة أخرى يا كريستوفر(
".سوف يخونني يا ماثيو"
،هز ابن عمه رأسه" .ال ،لن يستطيع أن يخونك
"ألنه لن يعرف شيئا .سوف ينفق القليل من المال لمؤسستنا – ماذا يجب أن نسميها؟ إنه مدين لك بذلك ،أليس كذلك؟
.الصمت
" -ألق نظرة فاحصة على الواقع يا كريس .للوصول إلى والدك ،تحتاج إلى"
".إنه ليس والدي"
"ماذا؟"
إنه ليس والدي ".لقد كان إدراًك ا مفاجًئ ا ،وبارًد ا مثل البرد"
شارع" .ال تدعوه بذلك ،ألنه ليس كذلك .إنه مجرد خنزير لعين ".حدق فيه ماثيو ،وظهر نفس اإلدراك في عينيه" .أنت على حق"،
وافق" .إنه مجرد خنزير .ولكن للوصول إليه تحتاج
".المال يا كريس واسم
بالطبع االسم .كان كريستوفر صامًت ا ،وهو يطبق قبضتيه في
الهواء البارد الجليدي .أوه ،لقد كان فرانك حازًما جًد ا عندما فرض عليه هذا االسم "دافنبورت"! ألم يكن واضحا اآلن لماذا؟ لقد
طلبت منه مارثا ذلك من قبل سنوات ،ورًد ا على ذلك في ذلك الوقت قتلتها ال .شعور متأخر بالذنب ،كان هذا هو اسمه الدموي .ولم
يستطع التخلص منه! لم يستطع ،في سبيل هللا! ألن ليوبولد ديميرسي لن يربط أبًد ا بين كريستوفر دافنبورت ومارثا أسكي الغامضة
!والمنسية من ماضيه ،ألن هذا االسم -ذلك االسم اللعين ،ذلك االسم المكروه -كان جيًد ا لشيء ما ،اللعنة
هيا كريس ،لنعد إلى المنزل .لن تتمكن أبًد ا من أن تصبح شخًصا مهًما إذا بقيت في هذا الشارع النتن دون أن تدرس — والكثير يا "
".كريس ،أحذرك اآلن — ودون مال .حتى أنت تعرف ذلك
كان يعرف ذلك ،لكنه لم يستطع العودة" .ال أريد رؤيته مرة أخرى يا مات ".ألن هذه كانت القضية برمتها ،أليس كذلك؟ رؤيته مرة
".أخرى .رؤية الرجل الذي خانه" .بالنسبة لي مات والدك اليوم
).العم فرانك ،كريستوفر .الشخص الذي علمك كيفية السباحة(
نظر ماثيو إلى األسفل" .أفهم ".كان صوته متشققا ،مثل بلورات الجليد في الشارع" .لكنك لن تضطر إلى التحدث معه مرة أخرى،
كريس ،وال مع والدتي ".رفع رأسه ونظر إليه في عينيه" .أقسم .سأتحدث نيابة عنك .لكن يجب عليك العودة إلى المنزل ".أعطى
"ابتسامة خجولة" .ربما لن تكونا عمتك وعمك بعد اآلن يا كريستوفر ،لكنني سأبقى ابن عمك ،أليس كذلك؟
هكذا بدا األمر .لكن يا إلهي ،يا لها من خطة سخيفة .وكم كان الجو باردا! كريستوفر لم يجيب على الفور .ربما لم تكن هناك أدنى
فرصة لجلب هذا الشيء الفقاعي الذي كان يتحدث عنه ماثيو إلى العمل ،ولكن من المؤكد أن "ابن العم" المزعج كان سيترك نفسه
يموت إذا لم يعد معه إلى المنزل -أو على األقل كان سيفعل ذلك أمسك
نزلة برد أخرى ،مع كل األعراض المحتملة هذه المرة .بجانب ذلك . . .ماذا قال؟ "إنها ليست مكتوبة على الحجر ." . .دعونا
.نحاول ذلك ،ثم
حسًن ا ،سأعود" ،تمتم ،وخف مزاج ماثيو كما لو أنه لم يعد يشعر بالبرد ،وهو ما كان على األرجح هو الحال" .ولكن فقط حتى "
أصبح ثرًيا بما يكفي ألتمكن من االعتماد على نفسي مرة أخرى ".التقط معطف متى من األرض؛ كان مبلًال ،لكن لحسن الحظ بدا
جافًا من الداخل .لقد سلمه إليه فجأة ،وما زال ابن عمه يرفض إعادته مرة أخرى .قال بوضوح" :سأذهب ،ولكن بشرطين"" .األول
هو أنه ال يجوز لك انتقاد أساليبي ،حتى عندما ال تعجبك .ربما بالنسبة لك هذه الخطة السخيفة هي وسيلة إللهائي عن قتل ديميرسي،
.لكن انتهى بك األمر في فوضى ال يمكنك حتى أن تتخيلها ،وإذا كنت تريد الخروج منها ،فهذا هو الوقت المناسب
ابتسم ماثيو مرة أخرى" .أنت لست سيًئ ا كما تظن يا كريس .لن تدوس على األبرياء ،وأما اآلخرون . . .يجب على شخص ما أن
" ينظف بعدك ،أليس كذلك؟
انحنى كريستوفر اللتقاط معطفه ،ولألسف الحظ أنه كان مبتاًل تماًما .تنهد ،وأدخل ذراعه في كم مبلل ومتجمد .وتابع« :الشرط
الثاني يتعلق بوالدك .لقد أخبرتك بأشياء عنه الليلة ،أشياء لم ترغب في سماعها .لن أفعل ذلك مرة أخرى من اآلن فصاعدا .أعلم أنك
".تحبينه ." . .زم شفتيه .وأضاف وهو ينظر إليه بنظرة ثقيلة" :لكنك لن تدافع عنه أمامي مرة أخرى
كان هناك توقف" .حسنا "،أجاب ماثيو بتردد" .ولكن هناك شيء واحد أريد أن أقوله لك يا كريس .والدي يحبك . . .ال ،هذه المرة
فقط ،من فضلك ،أقسم أنني سأرتدي معطفي مرة أخرى .والدي يحبك ،ولم يسامح نفسه أبًد ا ألنه لم يحتضنك عندما ولدت.
أعتقد . . .أعتقد أنه توقف عن حب والدتي لهذا السبب بالذات .أو ربما لم يحبها أبًد ا وهذا هو السبب ." . .الجملة تأخرت.
"كريستوفر ،لقد ظلمك ،أعلم .لكن في النهاية كان صادقًا ،أليس كذلك؟ لم يكن بإمكانه أن يخبرك عن الفشل في تبنيك ،وبدًال من
"...ذلك
.بدًال من ذلك ال شيء! لقد اعترف بذلك فقط عندما سألته عن سبب كره والدتي لك"
هز ماثيو رأسه" .ال .كان بإمكانه أن يأتي بعذر .لقد كانوا زمالء الدراسة في بريدجتاون ،أليس كذلك؟ كان بإمكانه أن يقول إنهما
تشاجرا لسبب ما ،وبدًال من ذلك اعترف لك بكل شيء .قلت أنه كان غير صادق معك ،وهذا صحيح ،لكنه لم يكن كذلك
".غير شريفة اليوم .وأنت يا كريس" -نظر إلى عينيه محاوًال أن يفهم نفسه " -لقد حطمت قلبه اليوم
".نظر كريستوفر إليه بنظرة قاتمة" .هل انتهيت؟" "نعم
".ثم ارتدي هذا المعطف الدموي"
OceanofPDF.com
37
!كل شيء أفضل من الكذب والخداع
كانوا في حديقة خضراء بالقرب من المهجع ،وأطل عليهم دير وستمنستر بأهميته الهادئة .إنها كبيرة ،فكرت آنا .كبير جدا .صليت
.لنفسها ،ال تلتهم أخي الصغير ،ألن الدير كان مظلًما أيًض ا .إنها فريدة من نوعها ،ولن يكون هناك مثلها أبًد ا
كان أنتوني جاًد ا وبدون دموع في الفناء مستعًد ا لتوديعها ولكريستوفر .بوجهه الصغير المهيب وعدم خوفه ،بدا وكأنه أستاذ أكثر من
.كونه تلميًذ ا في اليوم األول من المدرسة
".حسًن ا ،أنتوني ،ها نحن هنا" ،أعلن زوجها بنبرة أشبه بالكالم" .أنا وأختك سنعود إلى المنزل لنخبر الجميع أنك بخير"
أومأ أنتوني .كم نما في الشهر الماضي ،هذا الرجل الصغير؟ شعرت آنا بأن خديها يتبلالن ،وشعرت بالغباء ألن شقيقها وزوجها كانا
.ينظران إليها وكأن لديها ثالثة أذرع وسبع أرجل وأكثر من مائة عين ،بالنظر إلى كمية الدموع التي استطاعت ذرفها
آنا ،أنت تخدعني "،وبخها أنتوني بهدوء ،والحظ النظرات التي كان يوجهها إليهم األوالد اآلخرون في الفناء" .أنا ال أموت ،كما "
".تعلمون
".أوه ،أنتوني ،ابتسم لي ،أخي" .أعلم ،أعرف" ،أجابت وهي تسحب منديًال" .لكن اكتب لنا رسالة الليلة
".أنا سوف"
ليو تولستوي-
هل لديك سحر الحظ السعيد عليك؟" كان هذا تقليًد ا عائلًيا :باستخدام دبوس ،كانوا يعلقون كيًس ا صغيًر ا داخل قميصهم الداخلي" ،
مملوًء ا بالزهور الصغيرة واألعشاب العطرية .في اليوم السابق ،كانت آنا قد وضعت حصى صغيرة من الطريق بجوار منزلهم في
.حقيبة أخيها
أخذ كريستوفر نفسًا مبالغًا فيه – ربما لقمع تعليق ساخر – وبدا أنتوني غير مرتاح .همس قائًال" :صه ،آنا ،تحدثي بصوت أكثر
".ليونة
قالت متجاهلة إياه" :احتفظ بها معك دائًم ا" .سوف يحميك يا أنتوني ،وسوف يمنحك استقاللية الفكر" .وتذكر أن األمر يتطلب الخيال،
".وليس العلم ،لتحقيق االكتشاف
".نعم ،نعم "،أجاب ،وشخر" .ال تقلق"
يمكننا أن نذهب ،أم هل ترغبين في قضاء الليلة هنا يا آنا؟" سألها زوجها بفارغ الصبر .مد يده ألنطوني الذي أخذها" .وداعا يا "
".أنتوني
".مع السالمة .وأضاف بجدية" :وكريستوفر ،قريًبا سأتمكن من سداد كل ما أنفقته علّي "
.حسًن ا ،يا رجلي الصغير .لم تقل آنا ذلك له بصوت عاٍل ،لكن أنتوني سمعها على أي حال ،وكانت متأكدة من ذلك
".بدا كريستوفر متفاجًئ ا وهز رأسه" .هذا لن يكون ضروريا
أجاب" :سيكون ذلك ضرورًيا بالنسبة لي" ،وكانت آنا فخورة جًد ا لدرجة أنها شعرت كما لو أنها ارتفعت عن األرض بوصة أو حتى
.اثنتين
".قال زوجها دون انفعال" :افعلي ما يحلو لك"" .ال فرق بالنسبة لي
أوه ،كريستوفر ،كيف يمكنك؟ كيف يمكنك أن تكون باردا جدا؟ "أنتوني "،تمتمت ألخيها" .ادرس كما تريد ،لكن ال تصدق كل ما
".يقولونه لك
كانت تلك هي المرة الثالثة فقط التي تقول فيها ذلك؛ ومع ذلك ،لم يستطع زوجها التوقف عن إظهار هذا الوجه المزعج .شخر وقال:
"".اآلن ،إذا انتهيت من جعل أخيك يبدو سخيًف ا ،فيجب علينا أن نذهب حًقا
.دقيقة فقط ".انحنت على أنتوني الذي انسحب بعيًد ا"
".أوه ،آنا ،اعفيني من فضلك"
هل يمكنها االستماع إليه؟ على ما يبدو ال ،والقبلة التي أعطتها
.كان أكبر وأعلى صوًت ا من المعتاد .لم تكن راضية عن ذلك ،فعبثت بشعره ،فقام بتنعيمه على الفور بيديه المسعورتين
".تعالوا اآلن يا آنا "،حثها كريستوفر فجأة" .دعنا نذهب"
.أمسكها من ذراعها فوق الكوع مباشرة واستدار وسحبها بشكل غريب إلى حد ما
"!اكتب يا أنتوني" ،صرخت آنا وهي تدير رأسها ،في محاولة لمواكبة خطوات زوجها الطويلة" .سنفتقدك"
وعندما غابوا عن األنظار ،واصلوا السير بخطى سريعة نحو العربة التي سيعودون بها إلى المنزل .بل سار كريستوفر بخفة؛ كانت
.تطير تقريًبا ،بعد أن جرها ،ولم تلمس قدميها األرض إال من حين آلخر
.قالت" :أنت لم تتمنى حتى حًظ ا سعيًد ا ألخي يا سيدي" .وشعرت مرة أخرى بالرغبة في البكاء
".أترك هذا الهراء لك ،ألنك تتعامل معه بشكل جيد"
أوه ،كريس ،هذا الطفل يعشقك .إنه يعشقك ،وال يعلم أنك ستبيعه بنبض القلب .شعرت بقلبها يتوتر ،ولم تعد قادرة على المشي .ما
مدى أهمية السعادة إذا كانت مبنية على كذبة؟ توقفت على حجر مرصوف بالحصى ،وكاد زوجها الذي كان يمسك بذراعها أن
.يتعثر
"آنا ،ما األمر؟" سأل بعصبية" .ألم تقل وداعا ألخيك بما فيه الكفاية؟"
.نظرت إليه بصمت .آه كم كانت عيناه قاسيتين ،وكم كان مظهره متعجرًف ا ،وكم كان خداعه قاسًيا .قاسية جدا
".لن أعتذر لديميرسي هذا المساء"
لقد فتحت فمها حتى قبل أن تعرف الكلمات التي ستخرج ،وكانت مصعوقة تقريًبا عند قولها .لقد قالتها ،ومع ذلك ،وقلبها ينبض
.بجنون ،شاهدت زوجها بنفس التوقع اليائس الذي يشعر به المرء أمام مزهرية تتأرجح على حافة الطاولة قبل أن تسقط
لم يكن سؤاًال ،بل كان بياًن ا .وقف كريستوفر بجانب زوجته ،محاواًل فهم معنى هذا التمرد ،الذي كان مثيًر ا للغضب وال معنى له،
مثل كل الثورات األخرى التي سبقته .وفي ذلك اليوم بالذات ،اللعنة .في ذلك اليوم الدموي ،الذي كان القلق ينهشه ،مع احتمال اتخاذ
الخطوة الحاسمة في خطته -إلقناع والده باستثمار كل شيء في الهرم -في ذلك اليوم بالذات ،تبا ،الذي كان يحتاج فيه حًقا إلى البقاء
،هادًئ ا! وكل الحق
".آنا ،لنلعب مرة أخرى ،فكر وهو يثني ويمد أصابعه" .بالطبع سوف تفعل
هزت رأسها" .ال" .لن أطيعك يا كريستوفر" ،كررت ذلك مفكًر ا وهي تنظر إلى الفضاء .وأوضحت وهي توجه عينيها نحوه:
"«.وليس هذا المساء فقط ،لن يحدث مرة أخرى أبًد ا .انتهى
ال يمكنك الهرب مني ،آنا .ال يمكنك .فجأة كان لديه طعم سيئ في فمه .سيئة وحامضة ،ألنها لم تستطع الهروب منه ،رغم أنها
أرادت ذلك .قال بصراحة" :ال أريد أن أتجادل معك"" .سأتظاهر بأنني لم أسمع ذلك .تعال ".وسحبها من ذراعها ،لكن زوجته لم
".تتحرك" .آنا ،توقفي عن ذلك
ويبدو أنها لم تسمعه أو حتى تراه .كم من الوقت مضى منذ أن شعر بأنه غير مرئي في عيون زوجته؟ منذ وقت طويل ،وكان يأمل
.أال يحدث ذلك مرة أخرى أبًد ا ،وأن الشفافية اللعينة التي عانى منها خالل حياته قد انتهت أخيًر ا
هذا المساء لن آتي إلى حفلتك ".كانت نبرة آنا غير مبالية ،وهي نفس النبرة التي استخدمتها لتخبره عن طعام العشاء .نبرة شخص "
.لم يكن خائًف ا ،ولم يعد من الممكن السيطرة عليه
تنفس كريستوفر بعمق .لقد تجاهل اللسعة المزعجة التي نمت فجأة في صدره وما زالت تنمو .لقد تجاهل الحرق .لقد تجاهل الخدوش
.والجروح والعدوى
ماذا تحاول ان تفعل بالضبط؟" سألها" .أنت فقط تريدين إزعاجي ،أو ربما" -نظر إليها من جانب بسخرية " -لقد خدعت نفسك "
".باالعتقاد أنه يمكنك التمرد بالفعل
وبسحبها ،حررت زوجته ذراعها ،وواجهته على الممشى الصخري .قالت له بصوت مضخم" :لم أعد دميتك يا سيدي"" .من االن
".فصاعدا
بالطبع أنت كذلك .اندلع فيه غضب أعمى مع طفرة حمضية عنيفة .هل تعتقد جديًا أنني سأسمح لك بالهرب؟ أجاب ببرود وهو يتحكم
".في نفسه" :كما تريد إذن"" .لكنني أقترح عليك أن تفكر ملًيا فيما ستواجهه
".ال يهمني ما تفعله .ليس بعد اآلن"
أنت تعلم أنني لن أتوقف حتى أفوز ،فلماذا . . " . . .؟" هو" )هل تسمع صوتها يا كريستوفر؟ هل تسمع كم هو بعيد؟(
بدأت ،لكنه توقف عندما هزت رأسها .لم تكن تستمع إليه .لم تكن تريد االستماع إليه" .حسًن ا إذن "،صرخ .وكان الغضب فيه يتزايد
ويتزايد ،ويشعر به ينتفخ في لحمه ،ويقبض عضالته ،ويسرع دمه .و بعد . . .ومع ذلك بدا األمر مختلًفا
له هذه المرة .ألنه لم يشعر باإلثارة وهو يتوقع المعركة التي كانت على وشك أن تبدأ .ألن التعب قد زرع أوتاده فيه .أدرك أنه لم
.يعد قادًر ا على القتال بعد اآلن .معها ،مع والده ،مع أي شخص
.لم يعد يستطيع ذلك
وكما هو الحال دائما ،فعل .تصلب ،أدار رأسه إلى الوراء .وقال" :أول من يدفع سيكون أخوك ،كما يمكنك أن تتخيل"" .سوف يعود
".معنا إلى المنزل .ثم سنرى
.ابتلعت زوجته بقوة ورمشت .كانت الدموع موجودة بالفعل ،لكنها لم تطلب منه التوقف
)إنها ال تطلب منك التوقف يا كريستوفر .إنها تكرهك كثيًر ا .لكنك تعلم ذلك ،أليس كذلك؟ فيم تفكر؟ فيم تفكر يا كريستوفر؟(
".يمكنك أن تأتي معي يا آنا ،إذا كنت ترغب في ذلك -من الواضح أنني ال آمرك"
.سار بسرعة نحو حديقة المدرسة
.كان أنتوني ال يزال بالخارج ،وكان يتحدث مع صبي أشقر صغير كان لديه سيل من النمش على أنفه
.أنتوني "،نادى كريستوفر بصوت عاٍل من مسافة بعيدة"
مندهًش ا ،أدار صهره رأسه .وفي لمح البصر أضاءت عيناه البنيتان عندما رآه مرة أخرى بشكل غير متوقع ،وحلت االبتسامة محل
النظرة الجادة التي كانت لديه حتى تلك اللحظة .وأظهر وجهه سبب ذلك :كان خائًفا ،تماًما مثل أي صبي آخر في اليوم األول من
.المدرسة
.كريستوفر!" صرخ وهو يركض نحوه"
حسنا ،آنا ،ابتهجي .شعر كريستوفر بشفتيه تتدليان بخيبة أمل ال يمكن ألحد أن يسميها ابتسامة .انظر كيف تضحي بأخيك من أجل
.الكراهية التي تكنها لي
.وصل إليه أنتوني" .هل كل شيء بخير؟" سأل
.قال كريستوفر شاحًبا« :ليس بالضبط ».ليس على اإلطالق ،في الواقع
"هل نسينا شيئا؟"
نعم أنتوني .نسيت أن أخبرك أنك لن تحضر هذا
المدرسة ،ومن اآلن فصاعدا سأحاول تدمير مستقبلك .كان الصبي الصغير الذي أمامه يراقبه بهدوء ،غير مدرك للمشاكل التي كان
كريستوفر يواجهها في نطق كلماته .أال تتساءل عن مدى سوء تصرف شخص مثلي لشاب صغير مثلك يا أنتوني؟
أنتوني "،بدأ .أنت بحاجة إلى هذا الدرس أيها الشاب .يجب أال تثق بأي شخص أبًد ا ،أبًد ا .هل قال له هذا ،وتساءل اآلن؟ لم يفعل"
يتذكر .ربما ال .كرر "أنتوني" ،ونظر إلى األسفل واضًع ا يده على جبهته .توقف للحظة ثم ابتسم ابتسامة مريرة .قال" :أنتوني ،لقد
نسيت أن أعطيك شيًئ ا" .أدخل يده داخل سترته وأخرج كيًس ا صغيًر ا من القماش األسود يبلغ طوله حوالي ثالث في أربع بوصات،
.وناوله للصبي
ما األمر يا كريستوفر؟" فتح أنتوني الكيس الصغير وابتسم .ألنه تعرف على مجموعة البطاقات المميزة التي علمه بها صهره "
.الغش
تمتم كريستوفر" :أعتقد أن هذا سيكون مفيًد ا" .وأضاف بعد برهة وهو يتنحنح« :ولكن احتفظ بها سًر ا ،وال تشارك أسرارنا إال مع
.األشخاص الجديرين بالثقة» .وتذكرني إذا استطعت
".أجاب الصبي" :حسًن ا
.وداعا أنتوني
.صعدوا بهدوء إلى العربة ،وتحركت الخيول بجهد؛ كان المدرب يصفع زمام األمور على ظهورهم
لم يتحدث أي منهما لفترة طويلة .ثم ابتسم لها كريستوفر ابتسامة منفصلة .اعترف قائًال" :لقد ضربتني يا آنا"" .لقد حاول الكثيرون،
".ولكن كل ما يتطلبه األمر هو أنت في النهاية
آنا لم تقل شيئا .كان كريستوفر مندهًش ا جًد ا عندما لم يكن لديه الشجاعة لخيبة أمل أنتوني .ومن ناحية أخرى ،لم تكن كذلك؛ لقد
.أدركت ذلك بالفعل ،وقبل فترة طويلة
.أتخيل أنك اآلن ستتركني "،تابع كريستوفر ،كما لو كان يالحظ شيًئ ا ال مفر منه ولكنه غير مهم لحسن الحظ"
)سوف تتركينه ،أليس كذلك يا آنا؟(
ولم ترفع عينيها عن نافذة العربة .وسرعان ما تم استبدال منظر الشوارع والمحالت التجارية بالريف ،بألوان مألوفة ومفهومة .مر
.الوقت دون أن تالحظ ذلك وهي محتضنة بحركة العربة ،التي كانت مفاجئة أحياًن ا وهادئة أحياًن ا أخرى ،في الرحلة إلى المنزل
".أنت ال تحبني ،أليس كذلك يا كريستوفر؟" سألته كأنها تستيقظ" .لقد أخبرتني بذلك مرات عديدة"
".أدار زوجها رأسه نحو النافذة .كرر بعيًد ا" :أنا ال أحبك
فلماذا نحن هنا؟ تساءلت بحزن .نظرت إلى زوجها ،الذي كان ينظر اآلن ،في انعكاس غريب ومثير للسخرية لألدوار ،إلى المنظر
الخارجي .لماذا نحن معا؟ ما الذي يربطنا بعيًد ا عن كوب عصير الليمون الغبي هذا؟ ماذا؟ ماذا؟ ماذا-؟
توقفت عن التنفس فجأة .كان األمر كما لو أن البرق قد ضربها ،فشعرت بالحرق والعمى ،واستنارت في لمح البصر .أصبح حلقها
جاًف ا ،وعيناها مزججتان .لقد فهمت ،ال شيء يا كريستوفر ،ال شيء يربطنا ،وكل شيء اجتمع وأصبح واضًح ا في ذهنها .ال شيء
يربطنا ،لكن شيًئ ا ما يفرقنا -ومن الواضح جًد ا أن ذلك تسبب في أسوأ أزمة في زواجنا ودفعك لتطلب مني -أن تأمرني -بممارسة
الحب معك .شعرت بقلبها يسقط بضربة صامتة عديمة الفائدة ،مثل صوت قطع العشب .غثيان في صدرها ،في بطنها ،في رأسها.
غثيان وألم في كل جزء من جسدها .نظرت إلى زوجها كما لم تفعل من قبل .كريستوفر ،هل تريد أن تخبرني من هو الطفل المذكور
في تلك الرسالة؟
.نظرت بعيدا عنه ونظرت من النافذة
).لكن عيناك ال ترى أي شيء ،أليس كذلك يا آنا؟ إنها ال ترى سوى الظالم اآلن(
لقد سمحت لعقلها بالربط بين أجزاء القصة التي بدأت تصبح أكثر منطقية بينما كان قلبها ينبض بقفزات جامحة ،وتردد في رأسها
.ذكريات الصراخ والبكاء
دعني أخبرك قصة يا كريستوفر .أوه ،أعلم أن الحكايات الخيالية التي أختلقها تبدو سخيفة بالنسبة لك ،لكن هذه لن تكون كذلك ،كما
ترى .يتعلق األمر بمارثا ،التي أغراها "ل" ،وحملت بطفله .لنفترض أنها لم ُت جهض وأن الطفل -الذي لديه عيون زرقاء ،مثل
.عينيك -يعتقد الجميع أنه االبن الشرعي لمارك دافنبورت
)هل أصبح كل شيء واضًح ا اآلن يا آنا؟(
ماذا حدث يا كريستوفر؟ شيء فظيع ،شيء أعطاك الحق في أن تدوس على األبرياء؟
.أخذت عدة أنفاس عميقة حتى تتمكن من إغراق الهواء المرير والحرارة الحارقة
.ال يجب أن أتقيأ .انا غير ملزم
.أغمضت عينيها وابتلعت جرعات فارغة مرارا وتكرارا
لقد أتيت إلى هنا لالنتقام ،أليس كذلك يا كريستوفر؟ هذا العقد -ذلك االحتيال -مخصص لوالدك" ،إل" ،الرجل الذي اكتشف ماهية
.الحياة عندما رأى والدتك
ربما كانت مخطئة؛ ربما كان منطقها خاطئا .ومع ذلك ،لماذا كان كل شيء متناسًبا مًع ا بشكل جيد ومثالي؟
من هو إل كريستوفر؟
لكنها عرفت بالفعل .ألنه إذا كان هناك شيء ال يمكن تفسيره -ال يمكن تفسيره حتى اآلن ،على األقل -فهو السبب وراء رغبة
L.كريستوفر في الزواج منها .ألنه ال يوجد شيء يربطهم مًع ا ،باستثناء
ل" هو سبب دخولي إلى هذه القصة ،أليس كذلك يا زوجي؟"
.كما في ليوبولد L.
.ودانيال هو أخوك
أصبح تنفسها ضحًال .لقد دفعت ثقلها إلى األسفل
.إلى روحها ،لكنه سيعود ال محالة
متى علمت بخطوبتي مع دانيال ،كريستوفر؟ لقد افترضت أنك علمت باألمر بعد ذلك اليوم من شهر يوليو ،ولم أربط األمر على
اإلطالق باالغتصاب .ولكن هل اكتشفت ذلك على الفور؟ وضعت يدها على عينيها المفتوحتين على مصراعيها ،ونظرت إلى العالم
من خالل أصابعها .ولكن هل كان هناك حقا عالم للنظر إليه؟ لقد قلت شيًئ ا بعد أن اغتصبتني ،هل تتذكر؟ لقد تحدثت عن خطيبي
الوهمي هناك على العشب وأنا بالكاد أستطيع الوقوف ،وأنا – يا إلهي ،كم أغبى مني – كنت أعتبره مجرد افتراض .لكن هذا لم يكن
.كذلك ،أليس كذلك يا زوجي؟ أخبرك أحدهم عني وعن دانيال ،وظننت أنك تستطيع أن تأخذني منه في ذلك اليوم
.لم تر أي عالم أو ألوان .أغلقت عينيها
عالوة على ذلك ،لم نكن مخطوبين حتى ،وهو أمر مثير للسخرية .لو سألتني ،لم يكن ليحدث أي من هذا .أستطيع أن أخبرك بهذا
اآلن ،فكرت وهي تفتح عينيها وتحدق في جانب وجهه .ستكونين سعيدة ،ألن المهم بالنسبة لك هو أال أعود إليه .ولكن هل تعرف
لماذا؟ لن أقول أي شيء لك .تفضل وفكر أنني أحبه :إن كبريائي ،الذي ُأذل بألف طريقة ،سيجنبني على األقل هذه الضربة األخيرة.
.ودفعت دموعها إلى الوراء
. . .كم كانت ساذجة .ساذج؟ أوه ،ال ،غبي .مجنون .ألنه حتى في الليلة السابقة ،كانت تفكر بين ذراعيه
.أوه ،ولكن كل شيء واضح جدا اآلن
كم بقي من هذه الرحلة؟ لقد كانت طويلة جًد ا ،وبطيئة جًد ا ،وال تنتهي .ولماذا كانت هذه العربة صغيرة جًد ا وزوجها كبيًر ا جًد ا ،و
لماذا أخذ مساحة كبيرة؟ ولماذا كانت ركبتيه قريبة جدا من راتبها؟
يجب أن أحذر دانيال ،لقد فهمت .يجب أن أخبره قبل أن تدمريه .كريستوفر المسكين ،ثأرك سوف يفشل؛ لن تحصل على ما تريد .لم
.تتكلم وتركت نفسها تتقلب في حالة ذهول .ما أريده هو أن أنسى
كانت متأكدة من أنها لن تتذكر أي شيء عن هذه الرحلة .بدا السفر على الطرق وكأنه حلم حتى تمكنت من رؤية تالل كوكستون
.الهادئة تلوح في األفق
".نعم ،سأتركك يا كريستوفر"
.وكان صوتها حازما وواضحا ،وقالت هذه الكلمات دون تعثر .نظر إليها زوجها بنظرة باردة ،هادئة
.يا لها من أحمق
".قالت دون انفعال" :أريدك أن تخرج من حياتي وحياة عائلتي"" .ال أريد رؤيتك مرة أخرى
OceanofPDF.com
38
.الفصل األخير دموي ،مهما كانت بقية المسرحية ممتعة .أخيًر ا ،يتم إلقاء بعض األوساخ على رأسك ،وها أنت هناك إلى األبد
بليز باسكال —
كتبت آنا في مذكراتها" :دانيال خارج المدينة"" .أخبرتني لوسي أنه لن يعود لمدة أربعة أو خمسة أيام ،وهذا أمر مؤسف حًق ا .ال
أعرف كيف أصل إليه عبر الرسائل؛ سأنتظر عودته ألخبره بما اكتشفته ،أو باألحرى ما أعتقد أنني اكتشفته .ألنه ماذا لو كنت
. . ".مخطًئ ا وكان كل شيء على ما يرام
توقفت عن الكتابة ووضعت رأسها بين يديها .كانت ال تزال تفكر في كريستوفر ،ولكن لماذا؟ لقد تحررت منه ،أليس هذا ما أرادته
أكثر من أي شيء آخر؟
كريستوفر الذي كذب .لقد كان يتظاهر دائًما معهم جميًع ا .من سماها ملكة بينما جعلها عبدة ،يئن في نومه ،يهدأ دون أن يستيقظ إذا
. . .فركته
ما الذي كنت تحلم به؟ أبوك؟
لم ينظر كريستوفر إلى األسفل أبًد ا ،ولم يكن خائًفا أبًد ا .دائًما منيع ومنيع دائًم ا .ولكن في بعض األحيان ،مثلما كان يمر بها في
. . .الصالة ،كان يجذبها إليه ويمسكها بقوة دون عدوان ،دون احتضان ،دون تقبيل .ثم يغادر فجأة ،محرًج ا تقريًبا ،كما لو كان
).انس األمر يا آنا .أغلق الباب في وجه الفصل اللعين(
همساته الساخنة والرقيقة في ظالم غرفتهم .كان يضحك" :أوه ،حبيبتي تخجل"" .لكن دعني أفعل ذلك يا آنا . . .أنا فقط
لذلك هذا كل شيء .وجهك القبيح ال يزال هنا؟" صدمه ماثيو بعد بضعة أيام .هو نفسه كان لديه كشر ،من حيث الوجوه القبيحة" ،
".يمكن أن يهزمهم جميًع ا" .سأضطر إلى العثور على مكان آخر للعيش فيه ألنني ال أستطيع تحملك لفترة طويلة
.كريستوفر لم يجيب .كان يقف أمام طاولة الخمور ،وسكب لنفسه إصبًع ا آخر من الويسكي .زوجان آخران من األصابع ،في الواقع
ضع هذا الزجاج جانًبا يا كريس ".اآلن بدا صوت ابن عمه عصبًيا ومزعًج ا أيًض ا" .أنت تعلم أنك ال تستطيع أن تحمل قيمة الخمور"
".الخاصة بك
".اخرج من الجحيم"
"ماثيو لم يغادر بالطبع ،بل استجاب بدًال من ذلك" .ماذا فعلت آلنا لدفعها لطردك؟ هل تريد أن تخبرني؟
ال شيء ،لم أفعل شيئا .لقد خفض رأسه بابتسامة شخص يعرف كيف يعمل العالم .ووافق .لذا ،ألول مرة في حياتي ،تصرفت
.بطريقة يمكنك وصفها بأنها الئقة .قال بشكل قاطع" :اخرج" .ذهب إلى النافذة ونظر إلى السماء الصافية في ذلك الصباح
لقد كان البقاء بعيًد ا عن منزل البطل أمًر ا سهًال للغاية ،أدرك ذلك بدهشة .يا إلهي ،ما لديهم من ارتباك هناك .األطفال يصرخون؛
نورا تتمتم .آنا تكرهني ،وهي تشتكي باستمرار .لم يكن األمر أنه سمح لنفسه بتشتيت انتباهه على اإلطالق ،لكنه أدرك أنه أصبح
.أكثر وضوًح ا اآلن
)وعندما تأوهت من تحتك يا كريستوفر؟ أال تتذكر ذلك؟(
.حسًن ا ،وماذا في ذلك؟ لقد استمتع به ،وهذا كل شيء .ال شيء آخر .هناك اآلالف من النساء مثلها ،بل أفضل منها
)لم تقل لك أبًد ا "أنا أحبك" ،أليس كذلك يا كريس؟(
وكان ابن عمه ال يزال يصرخ" .أنا متأكد من أنه يمكنك حل المشكلة ." . .قال ثم توقف" .كريستوفر "،بدأ مجدًد ا بتغيير لهجته،
"مستخدًم ا نفس نبرة الطبيب اللعينة مع مريضه" .لماذا ال نترك كل شيء وننهي األمر؟
اوقع كل شئ .لماذا ال تطلب مني أن أتوقف عن التنفس إذن؟ نظر إليه .استمر ماثيو في قول أشياء غبية ،لكن لحسن الحظ تعلم عدم
االستماع إليه على مر السنين .سنوات عديدة .لقد كان متى يتبعه دائًم ا في كل رحلة ،بكل الطرق .ولكن اآلن هذا يكفي ،قرر فجأة.
هذا يكفي .يجب أن أتخلص من ثقله .نعم ،كان سيتحرك بمفرده ،كان هذا هو مستقبله .ال أحد يخبره بما يجب عليه فعله ،ومتى يقفز،
.وإلى أي مدى .كفى ،كفى ،ليذهبوا جميعًا إلى الجحيم
أعتقد دائًما أنهم مثاليون ،وأحكم دائًما ،ودائًم ا ما يحطمون روحي .سأتركك هنا يا مات .يمكنك أن تبدأ حياتك من جديد ،ربما مع
.لوسي ،وسيكون ذلك أفضل لك أيًضا
أسقط كل شيء ،هذا ما قاله ابن عمه .نظر إلى الزجاج بين أصابعه ،وفكر في تلك الفتاة القوية اإلرادة التي كانت أمه ،تلك الفتاة التي
شعرت بالحاجة إلى ترك رأيها بشكل ال يمحى على صفحات الكتاب ،ولكن في اليوم الذي قتلت فيه نفسها لم يكتب حتى مالحظة.
".أنت لم تتركي حتى سطرين يا أمي "،فكر ،وهو يرفع عينيه نحو عشب الحديقة .لم يكن لديك أي شيء آخر لتقوله
قال وهو يقاطع الثرثرة" :كل شيء يسير وفًق ا للخطة يا مات"" .أبي" -اتسعت عينا ابن عمه " -سيقوم والدي باستثماره األخير في
".الهرم اليوم
وفي غضون أيام قليلة سينتهي كل شيء ،وسيدرك أنه لم يعد لديه أي شيء .سيكتشف أن ديونه -التي تعاقد عليها في الغالب مع
كريستوفر ،سواء عن علم أم ال -كبيرة جًد ا لدرجة أنها ستؤدي به إلى السجن .سيكتشف أن أرضه ،المرهونة بشدة ،لم تعد ملًك ا له.
وسيكتشف أن الهرم الذي استثمر فيه كل آماله وكل أمواله قد انهار .وهو معها .لن يشكك أحد في انتحاره في تلك المرحلة .دحرج
الزجاج بين أصابعه ،متجاهًال صوت ابن عمه المزعج .وبعد ذلك سأختفي .ربما سأزيف موتي ،وستكون آنا أرملة وغنية ،وحرة
.كما تريد
قال ماثيو" :ال بد أنك تمزح" .تلك النغمة الدموية كانت ال تزال موجودة .من أجل المسيح ،هل يستطيع أن يتركه وشأنه؟ "ألم تغير
"الموعد؟
".لم أستطع"
".قال ماثيو بعقالنية" :لكن ال يمكنك الذهاب اليوم"" .جنازة والد زوجك اليوم
".هز كريستوفر كتفيه" .ال أملك خيارا
ليس لديك خيار؟" شهق ماثيو من الصدمة ،ولسبب آخر -خارج أخالقياته المعتادة التي ال تطاق" .ولكن أي نوع من الرجال أنت يا"
.كريستوفر؟ لقد رحب بك جيمس تشامبيون في منزله مثل االبن
نعم ،جيمس تشامبيون .ذلك الرجل المثير للشفقة – فاشل كأب ،فاشل كمالك لألرض .كان في حالة ذهول شديد لدرجة أنه وضع كل
.شيء على أكتاف آنا لسنوات بينما كان يحبس نفسه في عالم المحاصيل القليلة ،عالمه الريفي ،غير مهتم بمستقبل أطفاله األربعة
لقد تذكره -شعره البني القصير أصبح رماديا؛ تجاعيده وجفونه المتدلية .وعيناه الغائرتان اللتان تحيط بهما دوائر دائمة؛ صوته
المتقطع وفمه الملتوي ،كل جملة منه مؤلمة ،سواء بالنسبة له أو ألي شخص سيئ الحظ بما يكفي لسماعه يقولها" .ما يفعله لك . . .
هل تفكر في هذه البذور يا كريستوفر؟» لقد سأله قبل أقل من شهر بينما كان هو وأنتوني يزرعان السبانخ في حديقة الخضروات
.خلف المنزل
أجاب وهو يتصبب عرقا تحت الشمس الحارقة« :جيد جًد ا يا سيد تشامبيون ».لقد نظر إلى أعلى من األرض ،حيث كان ،وهو
.مشمر عن أكمامه ،يمأل الحفر التي حفرها أنتوني جيًد ا وضبطها بشكل مثالي
كان جيمس يجلس في ظل شجرة قريبة ،وحاول النهوض ليرى بنفسه العمل الذي كان يهتم به كثيًر ا .لم يكن قادًر ا على اإلدارة،
.فجلس مثقاًل .بالحزن والوعي في عينيه المتعبتين ،كان يراقب صهره وابنه وهما ينهيان الصف دون خطأ
تذكر كريستوفر دفء الشمس على ذراعيه العاريتين .لقد تذكر تركيز أنتوني ،وكان مصممًا بشدة على إرضاء والده .وتذكر العرق
.والتعب الذي أصابه في نهاية هذا اليوم .وتذكر أن والد زوجته كان يجلس في وضح النهار المتالشي
".قال لمتى" :سوف تحضر جنازتي"" .التوصل إلى بعض العذر .اآلن اخرج وإال سأطردك
سار ثالثة أطفال يرتدون مالبس سوداء نحو الكنيسة ،بشكل غريب وغير طبيعي في شمس منتصف النهار .قادتهم آنا إلى داخل
.المبنى المظلم ،وجلست العائلة بأكملها في المقعد األمامي
".أنا هو القيامة والحياة ،يقول الرب" ،بدأ القس جراهام" .من آمن بي ولو مات فسيحيا"
.عاد أنتوني بسرعة من لندن قبل ثالثة أيام .كان وجهه منضبًط ا ،جدًيا ،ولم يكن يبكي
. . ".وعلى الرغم من أن الديدان تدمر هذا الجسد بعد أن تدمر جلدي ،إال أنه في جسدي«
.تذكرت آنا والدها ،وأنفاسه األخيرة ،وعندما نظر إليها دون أن يتعرف عليها بعد اآلن
".ألننا لم ندخل هذا العالم بشيء ،وواضح أننا ال نقدر أن نخرج منه بشيء"
بدت النعمة غريبة جًد ا بسبب افتقارها إلى اللون؛ أضاءت خصالتها وجهها ،وتناوبت تعابير وجهها بين األسى والجهل ،ففي الرابعة
من عمرها ماذا يعرف المرء عن الموت؟
».إن كل إنسان يمشي كالظل .بالتأكيد لقد انشغلوا عبثا .يذخر ثروات وال يعلم من يجمعها«
اجتمع األصدقاء حول عائلة البطل في هذه اللحظة الصعبة .كانت لوسي إلى جانبهم .حتى السيدة إدواردز كانت هناك .كان السيد
جوتمان جاًد ا ،وكذلك السير كولن .لقد جاء السيد كالرك ،على الرغم من اللطف القليل الذي أظهرته آنا له دائًما .كانت روزماري
هناك — وكان هناك أيًض ا عدد قليل من أصدقاء زوجها — لكن معظم الناس لم يأتوا ،كما لو كانوا يعرفون أنه ال فائدة من االبتسام
لها ،هذه الفتاة المملة المظلمة .وكانت نورا قريبة ،وكانت تبكي وتنهدات هادئة كاألطفال .كان رأس ماثيو معلًقا منخفًض ا ،ووجهه
متوتًر ا .اجتمع حشد صغير في الكنيسة لتوديع هذا الرجل الصغير الذي عاش بال شيء تقريًبا في السنوات األخيرة من حياته .كان
لديه أحالم كبيرة ،مثل أي شخص آخر ،في شبابه؛ ثم استقر على حياة أسرية سعيدة ،وأخيرًا مرض .اعتقدت آنا أنه بدأ ينعزل عن
.العالم قبل أن يبدأ مرضه في التأثير عليه ،في اللحظة التي فقد فيها زوجته
اإلنسان مثل العشب أيامه :في الصباح يزهر ،ويقطع في المساء ،وييبس .زهرة أيامي هي األلم والغرور .تساقطت الزهرة "
".ورحلنا
انفتح باب الكنيسة الكبير محدًث ا ضجيًج ا ال مفر منه .للحظة ،انفجر ضوء النهار في الداخل المظلم ،وبدا األمر بالنسبة آلنا وكأنه حلم
.تقريًبا :وفاة والدها وتوديعه .دخل دانييل — ربما كان قد هرع إلى هناك ألنه عاد لتوه من لندن — وأغلق الباب خلفه بصمت
. . ".إن الذي تزرعه ال يحيا إال إذا مات أوًال«
وماذا عن بذورك يا أبي؟ الطماطم الخاصة بك ،الفراولة الخاصة بك؟ تساءلت آنا ،وشق وعي حزين طريقه إلى قلبها :لن آكل شيًئ ا
.لذيًذ ا مرة أخرى أبًد ا
أوه الوفاة ،حيث يكون لديك اللدغة؟ يا الجحيم أين نصرك؟"
وكانت الرحلة طويلة أخذتهم من الكنيسة إلى المقبرة .وصلوا أخيًر ا ،وكان المكان أخضًر ا ومشجرة ،وكان النهار دافًئ ا ،وكان الريف
.يغني .ووجدوا أنفسهم أمام القبر المفتوح الذي كان ينتظر رفات والدهم
".يولد اإلنسان وينبثق كالزهرة؛ مثل ظل عابر ،يختفي سريًع ا"
أخذت آنا حفنة من التراب وألقتها على التابوت .فعل أنتوني الشيء نفسه ،كما فعل دينيس وجريس ونورا .كان عليك أن تفعل هذا
أيضًا يا كريستوفر .اعتبرت آنا غياب كريستوفر بألم بمثابة إهانة أخيرة لوالدها ،حتى اآلن بعد أن مات ،حتى اآلن بعد أن كان بعيًد ا
عن كل هذا البؤس ،حتى اآلن ألنه ال يستطيع أن يشعر .يا أبي ،أنت تستحق أن ُت حب أكثر .القبر امتأل .أصبحت حياة والدها مجرد
.ذكرى
".نحن نرسل هذا الجسد إلى األرض .األرض إلى األرض ،والرماد إلى الرماد ،والغبار إلى الغبار"
.قال ليوبولد وهو يضع توقيعه على العقد« :جيد يا دافنبورت" ».أنا سعيد جًد ا ،كما تعلم .أعتقد أنك قمت بحل جميع مشاكلي المالية
"
.ابتسم كريستوفر ،وخطرت في ذهنه صورة حديقة نباتية تحت الشمس
اقترب منها دانيال بالخجل المقفر الذي يخيم على روح المرء عندما يشهد ألًما ال رجعة فيه .خجول ،عاجز ،وربما غاضب ،بسبب
.ما ال يمكن تغييره
".وقال بصوت منخفض" :آنا ،أقدم تعازّي الحارة
".ابتسمت آنا له ووضعت منديلها على عينيها" .شكًر ا لك دانيال
"كيف حالك؟"
".كشرت" .ال بأس
ارتجف وجه دانيال ،وازداد الغضب في عينيه" .آنا ،إذا كنت أعرف ما أقول ،للتخفيف ." . .تمتم .كلمات .كلمات تغطي البحار
بالمنديل .الكلمات التي لم تفعل سوى القليل من الخير" .إذا كنت بحاجة إلى أي شيء -لك أو ألحبائك -فاعلم أنه يمكنك دائًما اللجوء
".إلي
.أومأت برأسها ،ولكن من بعيد .الكثير من األلم كان يربك عقلها
".أضاف بتردد وهو ينظر حوله" :لقد تلقيت رسالة من زوجك عند عودتي من رحلتي يا آنا
.إنه ليس هنا يا دانيال .كريستوفر لم يأت .ولكن لم تخرج أية كلمات من فمها؛ كانت أضعف من أن تقولها
".وقال" :يبدو أنه يريد التحدث معي بشأن شيء ما
نعم ،عليك أن تصبح الوصي على إخوتي وعلى ميراث أنتوني .لكنها كانت منهكة ،منهكة من السهر واأللم .كيف يمكن أن تواجه
.مثل هذه المناقشة؟ "أنا على علم بذلك ،دانيال .ولكن دعه يتحدث معك عن ذلك "،أجابت بصوت ضعيف
".نظر إلى األسفل .تمتم قائًال" :لقد ذكرت ذلك فقط ألبقيك على اطالع يا آنا"" .عذرًا ،لقد كنت عديم اللباقة
ال ،لقد كنت لطيًفا جًد ا ،كما هو الحال دائًم ا .همست" :األمر فقط أنني اآلن متعبة للغاية" .ومع ذلك ،عليها أن تتغلب على هذا "
التعب ،أليس كذلك؟ كان عليها أن تطلب منه مقابلته -في اليوم التالي على أبعد تقدير -لتكشف له شكوكها .على العكس من ذلك،
كانت بحاجة إلى أن تذكر شيًئ ا ما على الفور ،في هذه اللحظة ،حتى لو كانت تبكي؛ حتى لو كانت بالكاد تستطيع الوقوف .خطر
غامض يهدد هذا الشاب .لم تكن تعرف متى ،وال تعرف أين -في بعض األحيان كانت تتساءل حتى لو كان ذلك -ولكن كان من
واجبها ،واجبها الذي ال مفر منه ،أن تحذره" .دانيال ." . .بدأت .لكن األلم المزعج منعها من االستمرار .وألم في عينيها وفي
.صوتها
"ما هذا؟"
.كريستوفر يمكن أن يكون أخوك
.تنفست بعمق وببطء
.يريد االنتقام من عائلتك
.قبضت قبضتيها وفتحت فمها لتتحدث
.يجب أن تكون حذرًا يا دانيال
ال شئ .ال شيء يا دانيال( ".لماذا يا آنا؟)"
الشاب الذي يقف أمامها -هذا الرجل الذي كان صحًيا ومخلًص ا ومتجانًس ا ومباشًر ا -لم يسألها عن أي شيء آخر ألنه عانى من
.أجلها
)لماذا يا آنا؟ لماذا؟(
من بين كل الحقائق التي قيلت ،فإن أكثر الحقائق إيالًم ا هي تلك التي نكتشفها عن أنفسنا .وآنا ،التي كانت مستاءة ،فهمت ذلك .أنا
أكرهك يا كريستوفر ،ولكن ال أستطيع أن أخون سرك .تركها هذا االعتراف في حيرة من أمرها كطفلة ضّلت طريقها إلى المنزل،
.ونظرت إلى منديلها .لقد أطلقت تنهدات عالية النبرة كانت جبانة وحقيرة
.عض دانيال شفته ووضع يده على عينيه .لقد أغلقهم " .آنا ." . .تمتم
رأتها لوسي في حالة يأس وركضت إلى جانبها واحتضنتها بلطفها الذي ال عيب فيه" .أخرجها .هيا ،دعها تخرج "،همست .وبكت
".معها وشاركتها ألمها ،ألنها لم تستطع أن تخفف األلم" .أخرجها . . .اتركيه يا آنا
يا صديقي العزيز .صديقتي اللطيفة ،اللطيفة ،أرادت أن تخبرها .ال تدع نفسك تتلوث من تعفن بلدي .ال تشفق علي .كانت تواجه
محنة رهيبة ،وشعرت باإلرهاق :فقد استطاعت أن ترى األمر على حقيقته ،ولم يكن هناك أي عذر ممكن .رفعت رأسها من صدر
لوسي الدافئ .وبجانبهم كان دانيال ،حزيًن ا ومخلًص ا ،وال يستحق الطعنة التي كانت تعطيه إياها .آنا ،الذئب في مالبس الحمالن،
اختارت إسقاط يد الخيانة عليه .دانيال ،أرجوك سامحني .لكن الغفران كان مستحيًال ،وكانت تعرف ذلك .لقد عرفت ذلك ،على الرغم
.من أنها لم تكن قادرة على فعل أي شيء آخر .أنا أحبه يا دانيال .أنا أحب كريستوفر .وسوف تحترق روحي معه في النهاية
OceanofPDF.com
في الوقت المناسب ،ونصحت السيد ديميرسي ،ولكن ." . .تنهيدة منسحقة ،وجه مظلم .ثم بعد صمت" :ال أستطيع أن أجد السالم
اآلن .لو كنت أعرف فقط . . .عندما أعطيته األخبار في تلك الليلة . . .ولكن يجب أن تصدقني .لم يبدو مستاًء على اإلطالق.
. . ".ضحك ،وأظهر الهدوء
وحتى لو كانت هذه الكلمات كاذبة ،فإنها ستكون صادقة بطريقة سخيفة إلى حد ما ،ألن ليوبولد ،لو كان قادًر ا على اختيار مصيره،
كان سيضحك بهذه الطريقة تماًم ا ،وكان سيتظاهر بهذا الهدوء عندما رأى األشياء تنهار من حوله .له .وحتًما كان سيقتل نفسه أيًضا.
.بعد قضاء ساعات ال حصر لها معه ،وإجراء محادثات ال حصر لها معه ،لم يكن لدى كريستوفر أي شك في ذلك
)ألن عينيه تشبهان إلى حد كبير عيون فورتسكيو ،أليس كذلك يا كريستوفر؟(
نعم ،كان ليوبولد دودة ،هذا صحيح ،لكنه لم يكن ليقبل أن يزحف .كان األمر مؤسًف ا ،ألن خطة كريستوفر األصلية كانت تتضمن
تركه يعاني ألسابيع ،أو حتى أشهر ،قبل قتله .وبطبيعة الحال ،كانت هذه هي األوهام اللطيفة التي هددته على مر السنين :االنتقال
إلى ريفرستون بمجرد أن أصبح ملًك ا له؛ مستمتًع ا برؤية والده وهو يتوسل ويفتقر إلى كل كرامة؛ رؤيته يطلب المساعدة من الجميع،
.حتى كريستوفر -وخاصة هو
.األوهام
لقد أجبره الواقع على اتخاذ خيار أكثر استعجاًال .بعد أن ألقى فشله في وجهه – “هل ترى يا أبي؟ أخذ ابن مارثا أسكي كل ما كان
لك .هل تتذكر مارثا يا أبي؟» — سيقتله على الفور .ألن ليوبولد لن ينتحر .أوه ،سوف يلوث البراز مالبسه ،وسيتورم وجهه بنفس
الطريقة وبنفس القذارة التي واجهتها مارثا ،لكن األمر سيكون أسوأ بالنسبة لليوبولد .ألنه لم يكن ليختار أين ومتى وكيف بنفسه .أوه
.ال .وسيكون كريستوفر هناك لمشاهدته وهو يموت .وأن أشرح له السبب
نظر إلى ساعة جيبه :لقد حان الوقت .لقد شعر بالهدوء ،شبه هادئ .كان على وشك إنهاء كل شيء ،أخيًر ا .كان يتوقف في كوكستون
حتى تهدأ األمور ،ثم يودع هذا الجحيم إلى األبد .لم يكن هناك الكثير ليفعله :لقد كان قد سارع بالفعل في إنجاز المهام األكثر ملاًل ،
مثل نقل السلطة القانونية لورثة البطل إلى دانيال .وعندما التقى بأخيه غير الشقيق في فترة ما بعد الظهر السابقة ،لم يستطع
كريستوفر إال أن يتساءل كيف سيتدبر األمر هذا المتأنق
.ذات مرة ُت رك بال مال ،بال ممتلكات ،وبدون منزل يعيش فيه مع أمه الفزاعة .وبدون أب بالطبع
لكن ماثيو سيقدم له المساعدة .ومن الواضح أن آنا .وحتى هو كريستوفر .نعم ،اللعنة ،حتى هو .ألنه لن يطالب أخيه بسداد ديون
.ليوبولد .فهو لن ُيغرقه – ليس تماًما – حتى لو كان اإلغراء قوًيا
وكان قد ذّك ره قائًال " :أنت مدين لي يا ديميرسي"" .لم أطلب منك أي شيء منذ أن ضربتك قبل أسبوعين .سوف تقوم بالتوقيع.
".وسنكون متعادلين
وضع دانيال يده على جبهته وهو يكافح .كان شقيقه شديد الدقة ،ومخلًص ا للغاية ،حتى عندما كان على بعد خطوة واحدة فقط من
الحصول على ما يريد – من الحصول على آنا .وأخيًر ا أجاب" :حسًن ا يا دافنبورت" ،ولم يكن صوته يبدو منتصًر ا وال شماتة« .إذا،
».كما تقول ،وافقت زوجتك أيًض ا
أوه نعم ،لقد "وافقت" .لم تعد زوجته بعد اآلن .وربما لم تكن زوجته قط .كريستوفر لم يستجب .وفي صمت ،قدموا جميع التوقيعات
.الالزمة .كان المحامي ذو العيون الفأرية في الزاوية صامًت ا لدرجة أنهم لم يتمكنوا من سماعه
".اآلن أنت تعرف أين الباب يا ديميرسي"
دانيال لم يتحرك .توقف أمام المكتب ومد يده .ها هو ،هكذا فكر كريستوفر .اليد الممدودة الحتمية والمثيرة لالشمئزاز .لم يهزها،
.واستدار دانيال أخيًر ا وغادر
).سيجعلها سعيدة يا كريستوفر(
.سوف تجعلها سعيدة ،دانيال
وبقدر ما كان يشعر بالقلق ،فقد قرر بالفعل وجهته التالية .ومع وجود القليل من المال في جيبه وهوية جديدة ،سينتقل إلى مانشستر
للبدء .ثم ربما إلى أمريكا .كان يزيف موته بجثة ما ليخرجها من الشارع ،ولم يكن عليه إال أن ينشر الخبر بين المتسولين .كم من
الناس ماتوا ولم يعرف أحد من هم؟ جثث وحشية ،مهجورة ،منسية ،وغير موجودة عمليا؟ مصير الرجال الذين عاشوا بمفردهم؛
.وربما من المفارقات أن هذا سيكون مصيره أيًض ا في النهاية
كان على استعداد للمغادرة .أخذ وثائق الهرم ورسائل والدته .فتح الدرج وأخرج المسدس .ثم ارتدى معطفه ليحميه من الليل الرطب،
.وخرج إلى اإلسطبل
واستقبله يوسف عندما رآه يقترب من مملكته" .هل ستخرج في هذا الوقت من الليل يا سيدي؟ قريبا سوف يكون الظالم .هل يجب أن
أتصل بجاريت من أجل العربة؟
».ال .سوف آخذ السيارة وسأقودها بنفسي يا جوزيف"
".سأحصل عليه لك في غمضة عين ،إذن"
أومأ كريستوفر برأسه وذهب إلى االسطبالت .رفع باسيل كمامته
".لتحيته ،وقام كريستوفر بضربه .قال" :لن تأتي معي هذا المساء"" .لكن األمر لن يكون هو نفسه بدونك
إنها جاهزة يا سيدي "،أبلغه جوزيف بعد بضع دقائق" .المصباح مملوء ولو . . .حتى لو لم يضيء الطريق كثيرًا» .توقف مؤقًت ا" ،
عابًس ا .مثل أي شخص آخر في السادسة عشرة من عمره ،كان يشبه بشكل غامض الزبيب عندما يفكر في األمور" .لكن الليلة القمر
".بدر تقريًبا ،أليس كذلك؟ سيبدو األمر مثل ضوء النهار
".نعم جيد .شكرا جوزيف"
أخذ مكانه في السيارة ووجه الخليج األبيض والبني -غير المسمى -نحو ريفرستون مانور .توقف في مكان غير بعيد ،على تلة
صغيرة أتاح له خالل الشهرين الماضيين رؤية المسكن الذي كان يكرهه بشدة .لقد شاهد المنظر مرة أخرى في تلك الليلة ،ثم انطلق
بالسيارة ووصل بسرعة إلى هناك .وبينما كان يعهد بعربته إلى خادم ،اعتبر المنزل وكأنه للمرة األولى .نظر إلى الحديقة .الباب
األمامي .الممرات الطويلة واألرضيات الالمعة والزخارف واللوحات .أراد أن يتذكر كل تفاصيل ذلك اليوم .لقد كان ينتظر لمدة
.عشرين عاما
"دافنبورت" ،استقبله ليوبولد عندما دخل مكتبه .نهض والتقى به" .هل ترغب في شرب شيء ما؟"
.نظر بعناية إلى والده .شعره ،مالمحه .عينيه التي تشبهه أكثر
).إنه على وشك الموت يا كريستوفر(
ال ،شكرا لك يا سيدي "،أجاب" .في الواقع ،أنا في عجلة من أمري قليًال .لقد توقفت ألخبرك أنه لسوء الحظ لن أتمكن هذا المساء "
من مرافقتك .لقد حان شيء ما ." . .عض على شفته السفلية ونظر إلى والده بنظرة ندم" .ليس لدي إذن للحديث عن هذا معك،
".ولكن ." . .تردد مرة أخرى ،ونظر إليه مرة أخرى جانًبا ،ثم قال" :قد يكون هذا مفيًد ا لك أيًض ا يا ديميرسي
.هادي و مسترخي .ولكن في الداخل كان هناك حريق .يجب أن يقول نعم .يجب عليه
آه ،شيء سري؟ القمار يا دافنبورت؟» ابتسم والده ابتسامة مسلية حطمت قلبه للمرة األخيرة" .آمل أن ال يكون ذلك بالنسبة لك" .
.بقدر ما أنت غير كفؤ ،فسوف تخسر كل شيء
ضحك كريستوفر – بتوتر ولكن بحماس – للمرة األولى" .ال ،لحسن الحظ أنها ليست القمار .كما قلت لك ،إنه شيء . . .خاص.
أوه ،إلى الجحيم معها! لقد كنت متفهًما جًد ا معي .عندما وصلت إلى هذه المدينة ،قدمتني إلى المكان الذي لم أكن ألحلم به إال مرة
».واحدة فقط ،أود أن أرد لك الجميل
.لقد أثارت فضولي كثيًر ا! أبصقها يا دافنبورت"
"اسمع ،هذه هي المرة األولى التي أشارك فيها ،ولذا فأنا لست متأكًد ا مما أتوقعه .هل سمعت من قبل عن نادي هيلفاير؟"
".توهجت عيون والده بالحسد والمفاجأة" .بالطبع .من لم يسمع عنها؟ لكنها لم تكن هناك منذ فترة طويلة
هذا صحيح ،لكن بعض أصدقائي استخدموه كمصدر إلهام ،والليلة يرتدون مالبس . . .دعونا نسميها نوعا خاصا من الترفيه" . . .
".على بعد أميال قليلة من هنا
"اجتماع سري خاص جًد ا ،هل تقول ذلك؟"
تماًم ا .لقد فاتني االجتماع األول الذي عقدوه في لندن ،اللعنة ،ومما أخبروني به ،فإن تفويت االجتماع كان خطأ من جانبي .خطأ "
.كبير جدا .ويبدو أنهم يفعلون . . .أشياء خاصة .وال يفعلون نفس األشياء مرتين أبًد ا ،فهذه إحدى قواعد النادي
".يبدو األمر محفًز ا للغاية"
إنه كذلك .سوف ترى .وأكد "إنه كذلك"" .المشكلة الوحيدة ." . .أعطاه نظرة متشككة" .المشكلة الوحيدة هي السرية .ال يريد
أصدقائي المخاطرة برؤيتهم من قبل أشخاص غير جديرين بالثقة ،ألن . . .ألنه في بعض األحيان يمكن أن تخرج األمور عن
السيطرة ،كما يقولون .نحن رجال ،في النهاية ،وذوي دماء حارة -أليس هذا ما تقوله دائًما؟ وال أحد يريد شهوًد ا إذا كان شخص ما.
" . ..إذا كانت بعض النساء . . .اشتكى أو أصيب
".ضيق ليوبولد عينيه ونظر إليه باهتمام شخص يعرف ما كان يتحدث عنه" .أفهم
).لقد انتهى األمر تقريًبا يا كريستوفر(
قال" :لقد أخذت السيارة"" .إذا أتيت معي ،فسوف أقود األمر بنفسي .الجو مشرق الليلة ،ولن أواجه أي مشاكل في العثور على
الطريق .قال وهو يبتسم لوالده بنظرة الشريك قبل السرقة" :لست قلًق ا بشأن طريق العودة ،ألنه سيكون بالفعل قد بزغ الفجر بحلول
".ذلك الوقت
أود أن أشرب نخبك يا كريستوفر ".رفع ليوبولد كأسه" .واآلن بعد أن أفكر في ذلك ،الذهاب معك هذا المساء يمكن أن يكون أفضل "
".وسيلة لالحتفال باألرباح التي حققتها بالنسبة لي
.هذا كل شيء .هذه هي الطريقة الوحيدة يا أبي .يقول لي نعم" .األرباح التي أنت على وشك تحقيقها" ،صححه بطريقة آلية
".ال ".أعطاه ليوبولد ابتسامة لطيفة" .الربح الذي حققته .بعد ظهر هذا اليوم فقط"
لم يقل كريستوفر شيًئ ا .ال شئ .ولم يتردد إال قلبه . . .اه قلبه ألم يكن قلبه قد اكتشف ذلك بالفعل؟
.ألم يعد ابن عمك من لندن؟" -سأل ليوبولد"
.حتى دمه تسارع بجنون ،ولكن بال نهاية – لم يكن هناك مخرج ،وال أمل ممكن
".ألم يخبرك بشيء؟" ضحك ليوبولد" .إنه لطيف ،صديقك هذا .روبرت باريت"
واصل كريستوفر النظر إلى ليوبولد دون أن يتكلم .لقد أصبحت رؤيته ضبابية من الضغط الذي كان يشعر به في صدغيه ،أو ربما
.من انهيار الوهم الذي استمر مدى الحياة .انهيار الشيء الوحيد المهم حقا
.رمش .عاد العالم من حوله إلى التركيز
.أخذ ليوبولد رشفة من الويسكي" .أنت ال تقول أي شيء يا كريستوفر ،يا ولدي .عادًة ما تكون على استعداد لتأييد أي بيان لي
.الصمت
ال؟" ابتسم ليوبولد بسخرية" .حسًن ا ،هذا يعني أنني سأقوم بالتحدث إذن ".جلس على حافة المكتب ،ممدًد ا ساقيه أمامه ،مسترخًيا" .
مثل هذه الوضعية غير الرسمية؛ واثق جدا من نفسه .نموذجي جًد ا لكريستوفر" .كان صديقك سعيًد ا جًد ا عندما اتصلت به قبل بضعة
".أسابيع ألشرح له أنه يمكنه الحصول على المزيد من الصفقة معي مقارنة بما وعدته به
. . .احصل على المزيد مقارنة بـ . . .
رقصت الكلمات في ذهن كريستوفر ،وهرب المعنى منه .بدا وكأنه يستشعر في فمه طعًما حلًو ا ،مثل طعم اللوز والكراميل ،طعم
الخيانة الحلو الذي ال ُينسى .هل كان متفاجًئ ا حًق ا؟ منذ سنوات مضت ،ألم تقل له فتاة" :أنت ولد صغير جيد" وأعطته قبلة على
جبهته ،ثم باعته لبرنارد جونز؟
من المحتمل أن ابن عمك لم يعثر على باريت في لندن يا كريستوفر .إنه أمر مؤكد بالفعل ،ما لم يتمكن بوبي من التواجد في مكانين"
في وقت واحد -وهو ما أشك فيه ،مع األخذ في االعتبار أنه رجل صغير غير مهم لدرجة أنه بالكاد قادر على التواجد في مكان
.واحد .لقد كان هنا شخصيا بعد ظهر هذا اليوم لصرف بعض األسهم الجديدة
أفرغ كريستوفر كأسه وأحس بالكحول يحرق حلقه مثل األلم الذي يحرق أحشائه .مشى نحو الطاولة ووضع الزجاج جانًبا ،ثم عاد
.إلى منتصف المسافة عبر الغرفة
لقد أرادوا استثمار الكثير اليوم" ،قال ذلك الصوت الناعم القادم من شفتي والده ،والذي تحول إلى ابتسامة شخص فاز" .صديقك "
جوتمان ،على سبيل المثال .وعشرات من صغار المزارعين المحليين الذين انتهزوا الفرصة لالستثمار في نطاق . . .ماذا تسميها يا
.كريستوفر؟ 'هرم'؟" كان وجهه مالئكيًا رغم كل شيء .خداع كامل للطبيعة .لم يكن لديك أمل يا أمي .ليس مع هذا الرجل
تابع ليوبولد" :ربما نسيت أن أخبرك بهؤالء األعضاء الجدد ،لكنني آمل أال أكون قد أزعجتك .يجب أن تكوني سعيدة ،كما تعلمين.
لقد أدت قوانين األسوار إلى انخفاض كبير في أعداد صغار المزارعين -حتى لو كانوا قد جمعوا لي معظم ثروتي -ويواجه هؤالء
القالئل مشاكل ال حصر لها في تدبر أمورهم .بالنسبة لهم ،كانت هذه الصفقة بمثابة شعاع من الضوء في أحلك األيام .ابتلع كأسه في
جرعة واحدة ووضعها على المكتب .وتابع بنبرة ندم« :نعم ،من المؤسف أن يستيقظوا جميًع ا غًد ا وليس في أيديهم أي شيء .أعتقد
أن صديقك هذا وغد يا كريستوفر ومن المحتمل أن يهرب بكل أمواله الليلة .ومع ذلك ،بالنسبة لي ،فقد استردت كل ما استثمرته ،بما
في ذلك الربح الذي توقعته -وفي الواقع ،حتى مع القليل اإلضافي ،سأخبرك .أليس هذا رائعا بالنسبة لك أيضا؟ إذا لم أكن مخطًئ ا،
.فأنت أحد أكبر دائني .فكر فقط :اآلن سوف أكون قادًر ا على سداد كل ما أدين لك به ،وفي وقت أقرب بكثير مما كان متوقًع ا
.لعدة لحظات طويلة ،كان الصوت الوحيد في الغرفة هو تكتكة الساعة
.تيك ،توك ،تيك
)هل سمعت ذلك يا كريستوفر؟ هذا كل ما عليك قوله؟(
.توك
ثم مأل صوت ليوبولد الغرفة مرة أخرى" .ال يبدو أنك جيد جًد ا
سعيد بالنسبة لي ،كريستوفر ،يا ولدي .كان والده يتمتع بروح ممثل كوميدي ،وتصرف طبيعي حقيقي" .أنت قلق بشأن هؤالء
المزارعين؟ أنت
ال ينبغي أن يكون .لقد كانوا سعداء ،على األقل لهذا اليوم .وما قيمة لحظة الفرح ،حتى لو جرفتها صحوة قاسية؟ ضحك وهو يهز
رأسه" .يا إلهي ،لقد أصبحت مثل ابني الغبي ،أليس كذلك؟ شاعر دموي ".توقف مؤقًت ا ونظر إليه بأعين نصف مغلقة" .أرى أنه ال
.يزال لديك ما تقوله يا كريستوفر .حسًن ا ،اسمح لي أن أستمر ،وال تخف من مقاطعتي إذا أصبحت عاطفًيا للغاية
.رفع كريستوفر رأسه عاليًا ،وثبت عينيه على والده ،متجاهًال ساقيه المهتزتين بشكل خطير
.كان عليه أن يفكر – وبسرعة
هل تعرف الشيء المضحك؟ بالنسبة لي ،فشل هؤالء المزارعين أفضل من الربح الذي حققته” .توقف للتأكيد على الكلمات التي كان"
على وشك أن يقولها" .لم أخترهم بالصدفة ،على األقل ليس كلهم .لقد اخترت بشكل خاص أولئك الذين يجاورون أراضيي .وبعضهم
طلب مني قرضًا للمشاركة في الهرم .أليس هذا مسليا؟ اآلن ،ببضعة عمالت معدنية فقط ،سأمتلك ممتلكاتهم .ظهر انتصار ال يمكن
".كبته في ابتسامته" .كما ذكرت لك قبل بضعة أيام ،أنا سعيد جًد ا بانتقالك إلى هنا ،دافينبورت .ربما كنت سأدمر بدونك
ببطء ،وضع كريستوفر يده داخل معطفه ،الذي لم يخلعه عند المدخل .أخرج مسدسه ووجهه نحو والده .تراجع إلى الوراء ،وذهب
.إلى الباب
.لقد قفله
ال يبدو أن ليوبولد معجب .لم يتسع بؤبؤ عينيه ،ولم يلمع وجهه بالرعب .كان كريستوفر قد صوب مسدسه عدة مرات نحو أشخاص
.آخرين ،وكان يتوقع رد فعل مختلًف ا عن رد فعل والده
).لكنه ليس مثل "األشخاص اآلخرين" ،أليس كذلك؟ إنه والدك(
"هل كان هذا هو الترفيه الخاص الذي أعددته لي يا كريستوفر؟"
فم كريستوفر اللعين .لم يستطع أن يبتسم .ثم ،في محاكاة ساخرة لالبتسامة ،تحدت شفتاه الجاذبية وانحنت إلى األعلى .أجاب بهدوء:
"".نعم ،هذا كل شيء في األساس"" .إذا كنا ال نريد تقسيم الشعر ،كما يفعل الشعراء
هذه الكراهية التي تكنها لي أمر ممتع للغاية ،يجب أن أعترف بذلك .لكن حتى باريت لم يعرف السبب .هل تتفضل بشرح ذلك لي "
"قبل أن تقتلني؟
ال ".لقد كان صحيحا .لم يعد يريد أن يشرح أي شيء بعد اآلن :ال جمل منمقة ،وال ضريح .ال وداعا .لقد كان متعبًا ،وهو فقط"
أراد قتله .في الحال .بهذا المسدس .لم يكن األمر شاعرًيا ،لكن هذا لم يكن مهًما .ولم يكن من المهم أيًض ا أال يعتقد أحد أنه كان
انتحاًر ا .كان عليه أن يهرب في تلك الليلة بالذات ،واآلن ،بعد أن تم الفعل ،لن يكون هناك ما يبقيه هنا .نظر من النافذة المفتوحة
.لمكتب الطابق األرضي :كان عليه فقط الخروج من ريفرستون مانور حًيا ،وفي كوكستون لن يسمعوا منه مرة أخرى أبًد ا
"أال تعتقد أنني أستطيع الصراخ؟"
".تفضل ".رفع المسدس بيد ثابتة" .سأقتلك قبل أن يأتي أي شخص"
".سوف يعتقلونك"
".ال أهتم"
تنهد ليوبولد ،كما لو كان منزعجا .ثم قام وابتعد
.من المكتب
.ال تتحرك يا ديميرسي "،أمره كريستوفر"
لم يعره ليوبولد أي اهتمام وسار معه إلى طاولة المشروبات الكحولية
ظهره له" .أوه ،أنا متأكد من أنك ستسمح لي بشرب شيء ما قبل أن تقتلني ".سكب بضعة أصابع من الويسكي في كأس .لم يكن في
"عجلة من أمره .بدا صوت سقوط الخمر في الزجاج وكأنه لن ينتهي أبًد ا .ثم التفت نحوه" .أليس كذلك يا كريستوفر؟ . .ابني؟
)أليس كذلك يا كريستوفر؟(
لم يستطع اإلجابة ،ألن عقله ظل فارًغ ا تماًم ا لعدة لحظات .لقد حاول جمع أفكاره ،ولكن فكرة واحدة فقط ،واحدة فقط ،عادت إليه
.بقلق شديد مراًر ا وتكراًر ا :إنه يعرف .لقد عرف دائما
OceanofPDF.com
40
.كل العائالت السعيدة تشبه بعضها البعض؛ كل عائلة غير سعيدة هي غير سعيدة بطريقتها الخاصة
ليو تولستوي-
ابتسم ليوبولد ،وكان كريستوفر متأكًد ا من أنه لن ينسى أبًد ا حالوة تلك االبتسامة" .هل تعتقد حًق ا أنني ال أعرف يا بني؟ كنت أتمنى
.أن تكون قد حصلت على القليل من ذكائي على األقل
"حتى متى؟" تمكن من سؤاله بصوت ثابت ،بعد أخذ كل األمور بعين االعتبار" .إلى متى؟"
أجاب والده" :أوه ،لسنوات عديدة" .كان هناك تسلية في صوته وسخرية محببة .والمخيف أن تحت ذلك كان الفخر .كان فخورًا
بكريستوفر" .لقد تابعت صعودك بأكمله ،في الحقيقة .ويجب أن أعترف أنه يبدو أن أحد أطفالي ليس ضعيًف ا بعد كل شيء .أخذ
ليوبولد رشفة من كأسه .لم يكن يمزح اآلن :كانت تحياته صادقة .صادق بشكل مخيف" .لقد قطعت شوًط ا طوياًل ،ولم تخف من
تلويث يديك .أحسنت .بالطبع ،لقد ساعدتك في مناسبتين ،في تلك المرة عندما كانوا على وشك إلقاء القبض عليك .هل تذكر؟ في بيت
".القمار هذا ،لكن تشحيم العجالت الصحيحة أنقذ مؤخرتك .يجب عليك حقا أن تشكرني
نعم ،يجب أن أشكرك ".وعلى الرغم من كل ذلك ،ضحك كريستوفر ،ألن والده كان يتمتع بروح الدعابة" .إذا كنت تعرف من أنا" ،
".فستعرف لماذا أنت على وشك الموت
".أنت تريد االنتقام ألمك ،أليس كذلك؟ مارثا أسكي .تلك العاهرة"
).تلك العاهرة ،كريستوفر .والدتك(
من الواضح أن ليوبولد كان يأمل أن ُيقتل .يعتقد كريستوفر أنه ربما سئم من الحياة .ربما كان االستيقاظ كل يوم في هذا الوجود قد
أرهقه على المدى الطويل .من يستطيع أن يلومه؟ وعلى أية حال ،فإنه سوف يجد الراحة قريبا .أخذ كريستوفر البندقية ووجهها نحو
".قلبه دون أن يرتعش" .بالضبط
".أتعلم يا بني ،أنا ال أفهم لماذا تسبب لها الكثير من المتاعب .لقد كانت مجرد عاهرة"
لم يقل كريستوفر شيًئ ا ،وكان مندهًش ا ألنه لم يشعر بأي غضب .ظل ينظر إلى ليوبولد ،ويتفحص مالبسه الجميلة ،ووضعيته
.الحازمة ،وعيناه الخضراء الجليدية تلمعان بشكل مشرق
خطا ليوبولد خطوة نحوه ،ولم يكن هناك سوى بضعة أقدام بينهما" .هل تريد أن تعترف بوالدتك كما تستحق يا كريستوفر؟" سأل
بابتسامة ودية .واقترب خطوة أخرى" .يجب أن تعلم أنه حتى هي كانت تتمتع بصفاتها الجيدة ،بطريقتها الخاصة .على سبيل المثال،
عندما أخذتني بكل شيء في فمها ،تمكنت من رؤية الجنة .لقد امتصتني كما لو كانت تبتلع روحي .كان على وجهه نظرة حالمة ،كما
لو كان يستعيد الذكرى" .حقًا يا بني ،عليك أن تفتخر .وعندما أطرحها على مؤخرتها . . .يا إلهي ،كم أحببت ذلك عندما وضعته في
.مؤخرتها .لقد استمتعت باألمر كثيًر ا لدرجة أنني اضطررت إلى تغطية فمها لمنعها من الصراخ بصوت عاٍل
".ابتسم كريستوفر" .أنت تريد أن تموت إذن
ال يهم ما أريده ،كريستوفر ،ابني ".لقد اتخذ خطوة أخرى أقرب .كان المسدس يالمس سترته فوق قلبه مباشرة .منبهًر ا ،حدق "
".كريستوفر في عينيه .عيون رجل كان على وشك الموت" .لقد وصلت إلى هذا الحد .لقد طاردتني طوال هذه السنوات .اقتلني االن
أدرك كريستوفر أن والده سيموت بابتسامة على شفتيه .ولم يفاجئه ذلك على اإلطالق؛ ربما كان يعلم دائًما أن هذه ستكون آخر
.ذكرى له عنه .فأجاب" :كما تريد يا أبي" .ومع ذلك ظل واقًفا بال حراك وذراعه مرفوعة
تعال .أال تريد االنتقام لذكرى تلك العاهرة التي كانت لديك كأم؟"
).أطلق النار يا كريستوفر .أطلق النار على تلك االبتسامة(
.نعم .وأخيرا سأكون حرا .لكنه لم يطلق النار ،ليس بعد؛ أبقى إصبعه على الزناد وانتظر أكثر
والدتك لم تتوقف أبًد ا عن حبي .هل تعرف أن؟" كانت نبرة والده خفيفة ،كما لو كان يتحدث بين األصدقاء" .ال"
حتى بعد أن هجرتها ،بعد أن استخدمتها كل ما أردت” .ضحك ،وكان وجهه قريًبا جًد ا من وجه كريستوفر لدرجة أنه كان يشم رائحة
"الويسكي في أنفاسه" .هل تتساءل لماذا أنا متأكد جًد ا؟
)لماذا هو متأكد إلى هذا الحد يا كريستوفر؟(
هذا ألنني رأيتها مرة أخرى ،يا بني ،بعد سنوات قليلة ،وكانت ال تزال تحبني بجنون ،وبشكل يبعث على السخرية .آه ،والدتك كانت"
".حمقاء ،دعني أخبرك
.كريستوفر لم يتكلم .لم يسأل .لكن أعضائه الداخلية كانت مضطربة تماًما ،كما لو أنه تم إلقاؤه من عربة مسرعة
"أنت حقا ال تعرف يا ابني؟"
.الصمت
ال ،أعتقد أنك لم تكن تعرف ".ابتسم ليوبولد تحسبا" .لكن أنا"
أعتقد أنك تستطيع أن تتخيل أين التقيت بها .نعم .بإمكانه .لكنه لم يجيب .أمسكت يده بالمسدس بثبات .كان بال حراك وتوقف عن
التنفس .تابع ليوبولد بهدوء« :في بيت الدعارة هذا في كوفنت جاردن ،يا بني ،نفس البيت .أنت تتذكر ذلك ،أليس كذلك؟ مكان غريب
إلى حد ما ،قبل أن تشعل النار فيه .لقد كنت أحمًق ا عاطفًيا تماًما في تلك المناسبة يا كريستوفر ،واعذرني إذا أوضحت لك ذلك».
توبيخ حسن النية ،مع تساهل النضج تجاه الشباب ،أو تساهل األب مع ابنه" .على أية حال ،في أحد األيام ذهبت إلى هناك ألفرغ
خصيتي قليًال ،ومن أجد هناك؟ أمك .تعرفت عليها على الفور ،حتى لو كانت مرهقة من قبل كل الرجال الذين مارسوا الجنس معها
على مر السنين .كانت لهجة ليوبولد هادئة تماًم ا ،كما لو لم يكن هناك مسدس يصوب نحو قلبه؛ كما لو أنه لم يتعمد استفزاز الشخص
".الذي يحمل هذا المسدس" .لم أكن أريد أن أكون وقحة ،واخترتها في تلك الليلة
)حًق ا يا كريستوفر؟ هل تريد حًقا أن تعرف؟(
"لكنني أردت أن أجعل لقاءنا أكثر قليًال . . .أنت تعرف . . .حية .هل أخبرك كيف؟"
كانت عيون كريستوفر معتادة على مكتب والده .لقد كان هناك كثيًر ا خالل الشهرين الماضيين .كان يستطيع أن يتذكر كل كلمة قالها
.له ،كل ابتسامة .لكنه اآلن يشعر وكأنه لم يكن هناك .ال ،لقد عاد إلى تلك الغرفة بورق الجدران ذو اللون األصفر الفاتح والبيج
".لقد حصلت عليها مع بعض األصدقاء الذين كانوا معي"
. . .الغرفة التي رآها كريستوفر قبل سنوات عديدة .لقد استيقظ في سرير في تلك الغرفة ،وكانت هناك فتاة ذات ريشة .ريشة
ال تنظر إلي بهذه الطريقة يا كريستوفر .لم أفعل الكثير في تلك الليلة .لقد قمت في الغالب بمراقبة االثنين اآلخرين ،اللذين كانا "
.يتناوبان معها ،وقدمت لهما بعض االقتراحات
.الزهرة على فستانها اهتزت مع جسدها
".لقد كان األمر ممتًع ا جًد ا يا بني .ولكن ليس من أجل والدتك ،على ما أعتقد .لقد بكت طوال الوقت"
).ليس من أجل والدتك ،كريستوفر(
لقد استمتعت حًق ا بهذا المساء كثيًر ا ".ابتسم والده ،ومرة أخرى تلك الحالوة . . .آه ،تلك الحالوة" .لدرجة أنني عدت بعد يومين "
للبحث عنها ،ألنني أردت ،كما تعلمون ،الظهور مرة أخرى .لكن عندما سألت عنها ،أخبروني أنها لم تعد تعمل هناك ،ولم يتمكن
أحد من أن يشرح لي كيفية العثور عليها .ضاقت عينيه ونظرت إليه وحاولت قراءة أفكاره .طفل عار أمام أبيه" .لكن العاهرات ال
"يتوقفن عن العمل ،أليس كذلك يا بني؟ ماذا حدث لها؟
)ماذا حدث لها يا كريستوفر؟(
"هل ماتت؟"
لم يقل شيئا .وشددت قبضته على المسدس .لقد دفع البرميل
.عميقا قدر استطاعته في صدر والده
.دعني أخمن . . .لقد انتحرت"
)هل تتذكر ما حدث لوالدتك ،كريستوفر؟(
لم يتفاعل على اإلطالق .لم يرمش حتى .لم يكن ليتحرك أ
العضالت حتى لو بدأت األرض كلها تهتز .ومع ذلك ،أومأ ليوبولد برأسه ،كما لو كان قد أجاب" .لكن بالطبع "،تمتم" .لقد تخيلت
”.ذلك .ففي نهاية المطاف ،كانت دائمًا فاشلة
تنحنح كريستوفر ،وبدا هذا الفعل البسيط هو األصعب في حياته كلها .ربما كان كذلك" .أود أن أقول أننا قلنا كل شيء حًق ا . . .أبي"،
".قال ،هامًد ا ومرهًق ا ولكنه قرر أخيًر ا إنهاء هذه القصة" .اآلن سأقتلك
.حدق في عيني ليوبولد ،واقتربا بشكل غير محسوس .ضغطت فوهة المسدس بشكل أعمق في لحمه
".استمر ،أطلق النار يا بني"
ابتلع كريستوفر لعاًبا من فمه الفارغ ،جاًف ا وخشًن ا مثل األرض في أغسطس .فكر مرة أخرى في أمه ،التي لم تكن حتى الحب الثاني
.لليوبولد ،بل الحب األلف ،أو المليون .أمه – لم تكن شيئًا في أعين العالم
”هيا يا فتى .أنت ال تريد االنتظار ،أليس كذلك؟"
.ارتعشت يد كريستوفر ،ونظر إليها وكأنها ال تخصه .أمي ،أمي ،أمي المجروحة ،أمي المقتولة ،سأنتقم لك
".اضغط على الزناد يا ابن العاهرة"
هذا الرجل لم ينظر لألسفل لقد قام هو وهو وحده بإبادة وقتل والدة كريستوفر .عندما صعدت على ذلك الكرسي ووضعت رأسها في
تلك المشنقة ،عرفت مارثا أنه لن يفتقدها أحد؛ كانت تعلم أن ال أحد سينتقم لها .لكنك كنت مخطئة يا أمي .عض كريستوفر بقوة على
شفته ليصرف نفسه عن األلم الذي يطعنه في صدره وبطنه ورأسه وفي كل ذرة من جسده .أردت أن تأخذني معك ،لكن حياتي
.ستكون مفيدة لشيء ما في النهاية
".أطلق النار يا ابني .انتقم ألمك"
نعم ،لقد حان الوقت .قتله كان على حق وما هو أكثر من ذلك ،كان ضروريا .قالت له مارثا قبل أيام قليلة من انتحارها" :الربيع قادم
".يا عزيزي"" .ستكون األمور أفضل في أي وقت من األوقات
.استعد إلطالق النار .لم تغب عينا أبيه ،ولم ينتفض صدره .ظل ساكًن ا ومنتبًها ،وعلى وجهه ابتسامة طفيفة ،غير مفهومة وبعيدة
أغمض كريستوفر عينيه ،وزفر بهدوء ،ثم حرك إصبعه ببطء على الزناد .لمسه ،وشعر بالمعدن البارد تحت إصبعه .لقد كان األمر
جاهًز ا ،وكانت العدالة قد انتظرت لسنوات عديدة ،سنوات عديدة جًد ا .لقد ألقيت والدته في النهر لتتعفن في قبر بال اسم ،فُقتلت حياًة
.وموتًا .لم يستطع قتلها مرة ثانية :كان عليه أن يطلق النار
.اندلع عرق بارد على جبهته وعلى جلده .كان ليوبولد صامتا .كان هناك توهج ال يمكن تفسيره في عينيه والذي قتل مارثا
).يجب أن تفعل هذا يا كريستوفر(
خفف قبضته على السالح ،وبدت ذراعه ثقيلة جًد ا .ما الذي كان يفعله؟ لماذا لم يضغط الزناد اللعين؟
.يا إالهي
.كان قلبه ينبض بجنون ،ولكن لماذا؟ وأصبحت قوة إصبعه -العدالة -أقل فأقل
.يا إالهي
.العرق في عينيه ،والبرد على جلده .وفي قلبه ،وفي أنفاسه .وعواطفه الزلقة ،المتآكلة والعدوانية ،تسري في دمه – دم ابن عاهرة
)!أطلق النار ،كريستوفر .أطلق النار .أطلق النار! أطلق النار(
كريستوفر لم ينظر لألعلى .وألول مرة منذ سنوات عديدة ،احترقت عيناه بالدموع الغزيرة ،التي تدحرجت على وجهه ومداعبت
.جلده .أعاده ذلك إلى اللحظة الحتمية التي كان يخافها أكثر من غيرها
.اللحظة التي كان عليه أن يواجه فيها نفسه
وضع يده على عينيه ،وهو يبكي ويمتص الهواء إلى أعماق روحه .كانت الثواني تدق على مدار الساعة في المكتب ،ولم تتوقف؛ لم
.يتوقف أي شيء من حوله ،لكن كريستوفر لم يكن قادًر ا على الحركة ،معلًق ا في الزمن الذي بدا وكأنه ال ينتهي أبًد ا
أوه ،مامي .كان يجب أن أموت حينها .رفع وجهه إلى السماء – إلى السقف – في وضعية كانت نموذجية بالنسبة له في األيام
المشمسة ،عندما كانت أشعة الشمس تشعره بالقوة .واآلن فقط الدموع نزلت ببطء ،وبللت جلده ورقبته ووشاح رقبته .لقد كنِت على
.حق يا أمي .لقد كنت دائما على حق .و اليوم . . .اليوم قتلتك . . .مرة اخرى
مسح وجهه بيده ،وفرك ظهرها على أنفه ،مثل الطفل الذي عاد فيه .كم دقيقة مرت؟ عشرة؟ مائة؟ لكن ما الذي يهمه ذلك اآلن؟ لم
يعد هناك أي عجلة ،ولم يعد هناك أي هدف .نظر حوله ونظر إلى ذلك المكتب الذي يشبه مكتبه تماًما ،حتى الرائحة -مزيج من
الكحول والحبر والوثائق القديمة ،وربما حتى رائحة غليون غامضة .كان المسدس عند قدميه ،لكنه لم يلتقطه .رفع يديه ونظر إلى
.راحتيه .ال يزال مندهشا ،ال يزال غير مصدق .لم تكن أيديه تهتز ،لكن حتى أنهم خانوه
خفض رأسه .انحنى إلى األسفل ،وتوجه نحو الباب .خرج عبر الممرات الطويلة ووجد نفسه بالخارج ،في حلم تقريًبا ،ثم جلس في
عربته ،دون أن يعرف حتى كيف دخل .حرك الزمام وانطلق الحصان حامًال روحه مثل شارون المثير للشفقة . .لم يشعر بيديه
وقدميه وذراعيه وساقيه .ولم تعد حواسه ملًك ا له .كانت الصدمة التي لحقت بجسده جسدية قبل أن تكون عقلية ،وتنفسه غير المنتظم
.أدخله في ذهول حيث كان قلبه يضخ تدفًق ا مستمًر ا من الدم المجنون غير المعقول
في حالته المضطربة ،لم يهدأ على الفور ،بل ببطء شديد ،شيًئ ا فشيًئ ا ،في هواء المساء المنعش .سار في الطرق المهجورة دون أن
يتعرف عليها ،ذهابا وإيابا ،في دائرة ،بال منطق .كان يود لو كان باسيليوس معه؛ كان يود أن يركض تحت القمر ،متشبًث ا بباسيل،
.متسابًق ا ضد الليل -وربما يخسر ،ولكن معه
ماذا اآلن؟
أعطى ضوء القمر للعالم شحوًبا بارًد ا وكئيًبا ،وكانت األصوات البعيدة غير مفهومة وغير مألوفة .كان الطفل سيشعر بالخوف
.وسيبحث عن مكان يختبئ فيه -مكان صغير وسري يمكنه أن ينتظر فيه ضوء النهار المهدئ
.سأغادر ،كما هو مخطط
.يا لها من كارثة خلقها .لم يقتصر األمر على أنه لم يقتل والده فحسب ،بل دمر معظم المزارعين في المنطقة
.الصبر .أنا بالتأكيد ال أستطيع سداد كل منهم بنفسي
هل يمكنه؟
. . .ربما لذلك .ربما أستطيع أن أدفع لهم مرة أخرى ،ولكن ليس من هنا .علي أن أذهب بعيدا .إذا تورط ماثيو ،وساعده دانيال ،وأنا
.أدرك أنه كان في طريقه إلى المنزل المبني من الطوب األحمر .لقد كان هناك تقريًبا ،ربما على بعد أقل من نصف ميل
.هذا صحيح فقط ،قال لنفسه .آنا تستحق الوداع مني .ومن المفارقات أن الوحيدة التي دفعت ثمن ثأري السخيف كانت هي
مر بالمنزل المسكون ووصل إلى الممر المليء بأشجار الزيزفون .صعد ببطء ،وأوقف العربة على مسافة قصيرة .ألنه جاء متأخرا
.جدا؛ كانت آنا واألطفال نائمين بالتأكيد
نزل من العربة واقترب من المنزل .يجب أن يكون شخص ما مستيقظا؛ كان هناك ضوء في نافذة المطبخ .مشى نحو النافذة ،وتوقف
.إلى جانبها ،وأسند ظهره إلى الحائط مثل لص أو طفل يلعب لعبة الغميضة .ألقى نظرة خاطفة على الداخل وكان قلبه يتألم
.زوجته .لقد كانت زوجته
كانت تجلس على الطاولة ،متكئة على دمية ،الدمية التي كسرها بنفسه ،واعترف بذلك بألم .كانت آنا تحمل مالقًط ا في يدها وكانت
تلصق بعناية القطع التي سقطت من ذلك الوجه الخزفي .في صندوق على الطاولة كانت هناك شظايا مختلفة لما كان كامًال في
السابق .يبدو أن الجزء األكبر من العمل قد انتهى؛ لم يتبق سوى أصغر القطع ،وقامت آنا بتجميعها بدقة لطيفة .لقد كانت جادة
.وحذرة ،وكانت تتمتم بشيء بينما بالكاد تحرك شفتيها .إنها تتحدث إلى الدمية ،فهم كريستوفر ،وظهرت ابتسامة خفيفة على شفتيه
OceanofPDF.com
41
استمتع بالحياة مع المرأة التي تحبها ،كل أيام حياتك الباطلة التي أعطاك إياها تحت الشمس ،ألنها نصيبك في الحياة وفي تعبك الذي
.تتعب فيه تحت الشمس
سفر الجامعة-
عاد إلى الخلف ودخل المنزل عبر النافذة ذات القفل الملتوي .لم يحاول المشي بهدوء أثناء توجهه نحو المطبخ؛ جعل خطواته ثقيلة
.عمدا ،مدوية في المنزل والجميع نائمون .أراد أن تعرف زوجته ما سيأتي
رأى من الردهة المدخل المضاء ،فانجذب إليه مثل الفراشة .لقد جاء إلى النور دون أن يتوقف ولو للحظة واحدة؛ إذا كان سُيحرق،
.فمن األفضل أن يتخلص من األمر
".قال فجأة وهو يتوقف عند المدخل" :لن تتمكن أبًد ا من إعادتها كما كانت من قبل يا آنا
لم ترفع نظرها عن الدمية على الطاولة أو تستجيب .كانت ترتدي مالبس سوداء ،وعيناها متعبتان ،وحولهما هاالت سوداء .لقد بدت
.له جميلة جًد ا
.اقترب منها وبقي على بعد خطوات قليلة منها
.أخذت آنا قطعة صغيرة أخرى من الخزف ،لكن يدها كانت ترتجف" .هل أتيت لكسرها مرة أخرى يا سيدي؟" سألت بهدوء
اقترب منها كريستوفر وتوقف بجانبها .نظر إلى الدمية ،وقد كانت شظاياها الملتصقة ببعضها البعض تشكل خطوًط ا باهتة على
".وجهها الذي ال حياة فيه ،مثل الندوب .وأشار بقسوة" :إنها مدمرة وقبيحة يا آنا"" .ارمها بعيدا
".ال"
"نظر كريستوفر إليها من الجانب" .ال تقل لي أنك تحبها أكثر اآلن بعد أن أصبحت غير كاملة؟
صمتت زوجته ولم تنظر لألعلى ،لكنه عرف الجواب" .إذن هذا كل شيء ،أليس كذلك؟" أسند جانبه على الطاولة وجلس على
".الحافة" .هل ترى؟ ربما ليس كل ما فعلته كان سيًئ ا بالنسبة لك
تنهدت آنا وأنزلت مالقطها دون أن ترفع رأسها .واعترفت قائلة" :ربما لم تعد ذاكرتي كما كانت من قبل ،ولكن يبدو لي أنك قلت
".إنني لن أراك مرة أخرى أبًد ا
".نعم" وافق وهو ينهض" .هذا هو الحال .لقد جئت فقط ألخبرك بشيء ما"
.توقف مؤقًت ا ونظر مرة أخرى إلى الدمية على الطاولة -لم تكن قبيحة جًد ا ،لقول الحقيقة
"ماذا تريد أن تقول لي يا كريستوفر؟"
".تململ" .سأغادر يا آنا
".لم يكن هناك أي رد فعل منها ،وال حتى هزة" .أفهم
من المحتمل أن أواجه بعض المشاكل المالية في المستقبل"
.أشهر" ،أخبرها .لم تنظر إليه" .ولكن ال تقلق بشأن ذلك؛ سأستمر في تغطية جميع النفقات لك ولعائلتك
".أوه"
".جيد ".ابتلع لعاًبا بدا وكأنه غبار في حلقه" .الوداع إذن"
".وداع"
).التنفس مؤلم ،أليس كذلك يا كريستوفر؟ لكن األمر قد انتهى اآلن تقريًبا .اذهب ،انَس (
مشى إلى الباب وسرعان ما سيختفي من حياة هذه المرأة الشابة التي لم يتمكن من تدميرها .والذي ،في ضوء البدر ،أنقذه على األقل
.من هذا الندم .ذهب إلى المدخل ووضع يده اليسرى على عتبة الباب
.آنا ." . .ولم يلتفت نحوها "
"ماذا؟"
.وداًعا أخيًر ا يا آنا .أريد فقط أن أقول لك وداعا مرة أخرى
".احبك آنا"
.لقد كانت هذه نهاية ممتازة ليوم مذهل
لماذا بحق الجحيم يقول مثل هذا الشيء؟
ألني أحبها في هللا .أنا أحبها .حب .معرفة دون تحول
حولها ،جبان مثل الحب البائس اللعين .كان األمر واضًح ا جًد ا
.اآلن ،واضح جدا .التفت .لم تستجب آنا لتعليقه وبدًال من ذلك كانت تقوم بتلميع وجه الدمية الغبية بقطعة قماش
لقد نسي كريستوفر كيف يمكن أن تكون زوجته ال تطاق عندما تريد ذلك" .حسنا ،ال يوجد رد؟" سألها بمرارة" .لم أكن أتوقع منك
أن تقفز من الفرح أو ترقص على الطاولة لتقول الحقيقة ،ولكن بالتأكيد على األقل جملة صغيرة متغطرسة أو ضحكة متعجرفة .أال
" تشعر بأدنى قدر من السعادة اآلن؟
.الصمت
".أال يفاجئك هذا على اإلطالق؟" أصر بغضب" .اعتقدت أنك ستكون فخورًا"
نعم ،هذا يفاجئني ".يبدو أن لهجتها البعيدة وغير المبالية تكذب كلماتها" .لقد كنت على قناعة أنك لن تلجأ أبًد ا إلى الكذب بشأن "
".ذلك
إنها تعتقد أنك تكذب يا كريستوفر .على الرغم من أنك لست كذلك ،ليس هذه المرة ،أليس كذلك؟ لكن دعها تصدق ذلك ،كريستوفر( .
).ال تتوسل ،ال تؤذي نفسك بعد اآلن
".وضع يده على جبهته وفركها ببطء .تمتم قائًال" :أنا ال أكذب
نظرت إليه زوجته بنظرة من األلم واأللم ،وشعر كريستوفر بالضياع بعد أن لم يرى عينيها لفترة طويلة – عشرة أيام .أسند كتفه
.على عتبة الباب محاوًال أن يصمد
ال ،حًق ا ،ليس عليك ذلك "،كررت وهي تهز رأسها وتبتسم بصوت خافت .ابتسامة لم ترسمها على وجهها قبل أن تقابله" .لن أعود "
".إلى دانييل بأي حال من األحوال ،إذا كان هذا ما تخاف منه ".توقفت ونظرت إلى الوراء .قالت بصوت هامس" :ثأرك آمن
لي . . .؟" شعر كريستوفر باألرض تنهار تحت قدميه .كانت األرض تنهار ولم يتمكن من الوقوف إال بالكاد .يا إلهي ،ما الذي "
. . .عرفته آنا بالضبط؟ ليس هذا
"قالت" :لست متأكدة"" .لكنني أعتقد أنك قد تكون ابن ليوبولد ،وأخ دانيال .هل هاذا هو؟
. . .شهق كريستوفر للحظة" .أنت . . .؟ ولكن كيف؟" فإذا علمت زوجته أنه أخو دانيال ،إذن
".أنا على حق إذن"
"كيف . . .كيف عرفت؟ ماثيو ." . .ال ،وال حتى ذلك .ال ،لقد أغمض عينيه" .ماثيو أخبرك؟"
أوه كريستوفر ".كان صوتها حزيًن ا لكنه متعب ،وكأنها استسلمت لتوقع األسوأ" .أال تثق حتى بابن عمك؟ يجب .ال ،لم يخبرني ،من"
.الواضح .لقد وجدت الرسائل والوثائق في مكتبك
في ." . .تمتم كريستوفر .لقد قلل من شأن زوجته ،وإلى حد كبير .أو ربما أدرك أنه بالغ في تقدير نفسه" .في مكتبي . . .ولكن "
بالتأكيد .في ذلك اليوم ،قبل الرحلة إلى لندن ،عندما اختفيت لمدة ثالث ساعات في منزلي ." . .انه متوقف .ما اسمه ذلك الشيء الذي
ولد بين األنقاض؟ تلك الزهرة في وسط النار التي تدوم ما دامت هناك حياة؟ "لقد عرفت الحقيقة يا آنا ،عندما طلبت مني مغادرة هذا
".المنزل
لقد تجاهلت هذه الكلمات" .ماذا حدث لوالدتك كريستوفر ،لتجعلك تكره عائلة ديميرسي كثيرًا؟ أخبرني .أنا . . .أعتقد أنك مدين لي
".بذلك
لقد كان مديًن ا لها بذلك .أجاب" :لقد ماتت" .كلمتان ،غير كافية وباهتة ،ولكن بالمعنى األكبر كان كل شيء هناك ،هناك" .ماتت
والدتي بسبب ليوبولد ديميرسي ".خفض رأسه مبتسما .ابتسامة مريرة بالطبع ،وهو ال يزال يسمع صوت والده داخل رأسه .وأوضح
بهذا الصوت" :لقد كانت فاشلة"" .و أنا أيضا ".لقد شاهد زوجته ،البعيدة جًد ا عن كل هذا البؤسُ ،ت جر ببراءة إلى الوحل" .آنا ،لماذا
.لم تخبري دانيال بما اكتشفته؟" سألها بهدوء حيث امتأل قلبه مرة أخرى بأوهام غبية
.لم تجب زوجته ولم ترفع رأسها لتنظر إليه .ربما لم يقل أي شيء على اإلطالق
.آنا ،لم أكن أكذب عليك من قبل .إذا كنت تريد أن تعرف ،فإن ثأري لم يعد موجوًد ا . . .و . . .لقد فشلت للتو .بائسة"
".أوه"
إنها ال تأخذني على محمل الجد ،اللعنة" .مرة واحدة عندما أتواضع ،سيكون من الجميل لو انتبهت لي ،وهللا" .غادر المدخل وتوجه
إلى الطاولة .وقف فوقها بطوله .وأبقت رأسها منحنيا .اوه عليك العنه! كان يعتقد .الى الجحيم معها .جلس على ركبتيه بالقرب منها
ليتمكن من النظر في عينيها" .و . . .آنا . . .ماذا فعلت لك بعد ظهر ذلك اليوم ." . .قال بتردد" .لم يكن األمر مع سبق اإلصرار،
".أقسم لك
توقف عن هذا يا كريستوفر ".أظلمت عيناها ،وقفزت فجأة غاضبة ،فسقط كرسيها محدثا ضجيجا عاليا في المنزل الهادئ .ذهبت "
إلى النافذة ووقفت وظهرها إليه" .أبدا لست
أحببت دانيال ،وأنت أحمق" ،قالت بصوت غاضب ومتعب .لم تكن في صوتها رغبة سوى الرغبة في الراحة ،والتوقف عن القتال"،
والراحة .التفتت نحوه ،وجهها متوتر" .لقد تزوجتني لهذا السبب ،ولكن كان عليك أن تعرفي بشكل أفضل .ولكن كن على يقين من
هذا :دانيال لن يقبلني أبًد ا .أنا ال أحبه .اليوم الذي كنت . . .أنت تعرف . . .لقد رفضته بالفعل .وكما قلت لك منذ فترة – يبدو لي
.أنك ال تعرف كيف تستمع يا كريستوفر – فإن خطوبتنا بالكاد استمرت ست ساعات
.ظل كريستوفر صامًت ا لبضع دقائق ،غير قادر على الفهم .ست ساعات؟ كان هذا ما يردده الجميع ،لكنه في الواقع لم يستمع
.لقد رفضته بالفعل عندما كنت ." . .كرر لنفسه"
آنا لم تكن مخطوبة عندما فاجأتها في العشب .آنا لم تحب أخي .وقد آذيتها كثيًر ا عندما كان بإمكاني محاولة Dear God.أغنية
الدخول إلى قلبها ببطء ولطف" .أوه ،آنا "،تمتم .مشى أقرب قليال إليها .ولكن ببطء .بتردد .ال تهربي يا آنا .لو سمحت" .هل آذيتك
"بشدة؟
.نظرت بعيدا .اتخذ كريستوفر خطوة أخرى أقرب .وكانوا على بعد بضعة أقدام فقط .آنا لم تحاول الهرب منه
. . ".كان قلبه ينبض بعنف في صدره" .آنا ،أنا . . .ماذا فعلت لك
».أن تأخذني من أخيك فأنا أعلم«
اعتقد ال ." . .انه متوقف" .آنا ،أعتقد ذلك . . .ربما ." . .قام بدفع الهواء إلى رئتيه ،لكنه لم يستطع إبقاء يديه ثابتتين على جانبيه".
"أردتك لنفسي يا آنا .وهذا هو السبب ." . .توقف ومرر يده بتوتر على شعره" .لم أكن أريده أن يتزوجك ،هذا صحيح ،لكن لم يكن
".ذلك بغرض الرد عليه" .لقد اعترف بذلك ألول مرة ،حتى لنفسه" .من الممكن أنني أحببتك حتى ذلك الحين
.اتخذ خطوة أخرى تجاهها .لقد أصبحوا اآلن قريبين جًد ا
.من الممكن ،أنت تقول؟" سألته وقد خفضت عينيها"
،وضع كريستوفر يده على جانبها .آنا لم تدفعه بعيدا
".مما أثار فيه عاطفة قوية لدرجة أنه كان يخشى السقوط .لكن لو وقع عليها فال بأس .وأوضح" :لقد أحببتك حينها"" .وأنا أحبك اآلن
نظرت آنا لألعلى للحظة واحدة فقط .هل من المحتمل أن تكون هناك دموع في عينيها؟ لم تستطع كريستوفر التأكد من ذلك ألنها
.أنزلتهما بسرعة
.هذا ليس عذرًا ،كما تعلمين" ،همست ،وبدت جريحة كما كانت قبل شهرين ،في العشب"
مسح كريستوفر حلقه واقترب منها أكثر قليًال " .أنا ال أطلب منك أن تسامحيني يا آنا .أنا أسألك ." . .أنا أطلب منك أن تحبني .توقف
مؤقًت ا وهو يعض شفته .كانت المسافة بين جسديهما أقل من خمس بوصات ،وكان يشعر بدفء زوجته ويشم رائحتها .كان مسكرًا.
"وأنت يا آنا؟" سأل في همس .ووضع يده األخرى على فخذها أيًض ا" .هل من الممكن أن . . .أنك تشعر بنوع ما ،كما تعلم. . .
"الحب ،ربما . . .لي؟
.أخفضت رأسها ولم تجب
.إن لم يكن الحب ،فربما الصداقة الدافئة .سأكون سعيًد ا حتى مع القليل من الالمباالة ،كما تعلمون"
وضع إصبعه على فمها وأدرك أنها كانت تبتسم بخفة .احتضنها وجذبها نحوه وطبع قبلة على رأسها .وتساءل ما هي تلك الرائحة؟
الخبز والتفاح وماذا أيًض ا؟ كان سيكتشف ذلك عاجًال أم آجًال ،كان متأكدًا من ذلك .انحنى وجهه لينظر إلى ملفها الشخصي الجميل.
""كراهية معتدلة؟" حاول مرة أخرى" .أو حتى الكراهية المفرطة؟
".ابتسمت آنا .تمتمت" :ربما
الكراهية المفرطة؟ هل هذا هو جوابك؟" ابتسم أيًض ا ،وبحة مزعجة استقرت في حلقه .قبلها بخفة على الخد" .يبدو لي أن هذا هو "
"األساس المثالي للزواج ،أليس كذلك؟
.حركت آنا رأسها ألعلى وألسفل مرة واحدة ،ببطء شديد
هل كانت تلك نعم إذن؟" تصدع صوته ،ولعن – قليل من الكرامة ،وهللا! اقترب منها ودفعها نحو الحائط" .هل هذا يعني أنني "
.سأعود إلى هذا المنزل معك؟" سأل وهو يحرك شفتيه على خدها الناعم الدافئ .على جسدها الناعم الدافئ
".نعم"
لم يتمكن من النظر إلى األعلى ،ألنه في لحظات قليلة -لحظة قصيرة ،ربما كانت تساوي كل السنوات التي عاشها -تذوق إحساًس ا
.جديًد ا ،وكان هائًال جًد ا ،وكبيًر ا جًد ا لدرجة أنه قد يؤذيه
".يمكنك العودة إذا أردت"
إذا أردت .رفع كريستوفر رأسه وحدق في فمها األحمر الممتلئ .أوه ،أراد أن .وأراد تقبيل هذا الفم .وجرب ذوقها وعشقها
.والتهامها .لقد انحنى رأسه لمقابلتها .أدارت آنا رأسها إلى الجانب ،وحرمته من قبلة على شفتيها
.اللهم ال .مع تأوه أسقط جبهته ليلمس وجهها وأغلق عينيه .من فضلك ال ترفضني يا حبيبتي
كررت« :يمكنك العودة يا كريس» ،ومررت أصابعها خالل شعره ،الذي كان طوياًل بعض الشيء ،وقامت بتصفيفه .وأضافت
".بصوت هامس" :أوًال ،بالطبع ،سيتعين عليك أن تقدم لي اعتذارك
"لعدة دقائق لم يقل كريستوفر شيًئ ا ،مهدًئ ا بلمستها اللطيفة .تمتم أخيًر ا" :لقد مررت بيوم سيء جًد ا يا آنا"" .أال يمكننا أن نترك األمر؟
هزت رأسها .قالت بحزن" :ال ،أنا آسفة" .وضعت يدها األخرى على رأسه ،وأمسكت شعره بقبضتيها المغلقتين .رفعت رأسها
بلطف حتى التقت أعينهما" .لكن ال داعي للقلق يا كريستوفر "،همست بابتسامة كانت محبة وشرسة في نفس الوقت" .سيكون هناك
".بضع كلمات فقط
OceanofPDF.com
عن المؤلف
.تعيش نينا بيناتشي في مدينة قريبة من البحر .تستمتع بالمشي على الشاطئ وتخيل قصص إنجلترا في القرن التاسع عشر
OceanofPDF.com
عن المترجم
شيريدان ،وهو مواطن من نبراسكا ،حاصل على درجة الماجستير في اللغات الحديثة من جامعة نبراسكا في لينكولن ،ودرجة
الدكتوراه في األدب الفرنسي من جامعة أيوا .أثناء وجوده في جامعة أيوا ،عمل كمساعد باحث في مختبر الترجمة .باإلضافة إلى
كونه باحًث ا في أدب القرنين التاسع عشر والعشرين ،فهو مترجم لألعمال األدبية والمقاالت العلمية من الفرنسية واإليطالية إلى
.اإلنجليزية
شيريدان هو أستاذ اللغة الفرنسية واإليطالية في جامعة إلينوي ويسليان في بلومنجتون ،إلينوي ،حيث قدم دورات في اللغة والثقافة
واألدب الفرنسية واإليطالية .األدب العالمي المترجم إلى اإلنجليزية؛ تقاليد العلوم اإلنسانية الغربية؛ الدراسات الدولية؛ ودراسات
المرأة والجنس .لقد قاد الطالب في رحالت دراسية إلى شيكاغو ،وكذلك في دورات سفر إلى فرنسا وإيطاليا وكندا والمملكة المتحدة.
درس الطالب معه في متاحف مثل متحف دورسيه في باريس ،وتيت بريطانيا في لندن ،ومعارض أوفيزي في فلورنسا .لقد شارك
المذهلة في بادوا Scrovegni ،في كيبيك ،كندا ،وكنيسة )كوخ السكر( cabane à sucreمعهم تجارب ثقافية متنوعة مثل
.إيطاليا
OceanofPDF.com