Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 166

‫مترجم من اإلنجليزية إلى العربية ‪www.onlinedoctranslator.

com -‬‬

‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫عمل خيالي‪ .‬األسماء والشخصيات والمنظمات واألماكن واألحداث والحوادث هي إما نتاج خيال المؤلف أو يتم استخدامها بشكل‬
‫‪.‬وهمي‬
‫‪ Scott P. Sheridan‬حقوق الطبع والنشر للترجمة © ‪ Nina Pennacchi 2015‬حقوق الطبع والنشر للنص © ‪2014‬‬
‫‪.‬جميع الحقوق محفوظة‬
‫ال يجوز إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب أو تخزينه في نظام استرجاع أو نقله بأي شكل أو بأي وسيلة إلكترونية أو ميكانيكية أو‬
‫‪.‬تصوير أو تسجيل أو غير ذلك دون الحصول على إذن كتابي صريح من الناشر‬
‫للنشر في إيطاليا عام ‪ .2014‬تمت ترجمته من ‪ Kindle Direct‬من قبل المؤلف عبر منصة ‪ Lemonade‬تم نشره سابًقا باسم‬
‫‪.‬في عام ‪ AmazonCrossing 2015‬تم نشره ألول مرة باللغة اإلنجليزية بواسطة ‪ Scott P. Sheridan.‬اإليطالية بواسطة‬
‫‪.‬سياتل ‪ AmazonCrossing،‬نشرته‬
‫‪www.apub.com‬‬
‫أو ‪ Amazon.com Inc.‬هي عالمات تجارية مملوكة لشركة ‪AmazonCrossing‬و ‪ Amazon‬وشعار ‪ Amazon‬إن‬
‫‪.‬الشركات التابعة لها‬
‫ردمك‪ 9781503944404 :13-‬ردمك‪1503944409 :10-‬‬
‫تصميم الغالف بواسطة سكوت باري‬

‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫مقدمة ‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫‪8‬‬
‫‪9‬‬
‫‪10‬‬
‫‪11‬‬
‫‪12‬‬
‫‪13‬‬
‫‪14‬‬
‫‪15‬‬
‫‪16‬‬
‫‪17‬‬
‫‪18‬‬
‫‪19‬‬
‫‪20‬‬
‫‪21‬‬
‫‪22‬‬
‫‪23‬‬
‫‪24‬‬
‫‪25‬‬
‫‪26‬‬
‫‪27‬‬
‫‪28‬‬
‫محتويات‬

‫‪29‬‬
‫‪30‬‬
‫‪31‬‬
‫‪32‬‬
‫‪33‬‬
‫‪34‬‬
‫‪35‬‬
‫‪36‬‬
‫‪37‬‬
‫‪38‬‬
‫‪39‬‬
‫‪40‬‬
‫‪41‬‬
‫عن المؤلف عن المترجم‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫مقدمة‬
‫‪.‬هذا هو السبب الوحيد الذي يجعلنا ال نستطيع الشكوى من الحياة‪ :‬إنها ال تحتجز أحدًا ضد إرادته‬
‫سينيكا—‬
‫لندن‪ 18 ،‬مارس ‪1806‬‬
‫لقد أزال أحدهم شيًئ ا خفيًف ا — وسادة؟ — من وجهه وأمسك بيديه بعنف‪ .‬دعيني أنام يا سيدة تايلور‪ ،‬قال في نفسه‪ .‬لو سمحت‪ .‬فقط‬
‫‪.‬لفترة أطول قليال‬
‫"!إنه حي!" صاح صوت المرأة المتعثرة‪" .‬إنه على قيد الحياة والحمد هلل"‬
‫من كان يهز كتفيه بهذه السرعة؟ كان يتنفس من فمه‪ ،‬ويبتلع الهواء‪ ،‬وفجأة أصابته نوبة سعال مؤلمة‪" .‬الّس يدة‪ .‬تايلور؟" تمتم وفتح‬
‫‪.‬عينيه‬
‫كان مستلقًيا على سرير غير مرتب بين مالءات رمادية فاتحة‪ .‬سمع من حوله خطوات متسارعة وصراًخ ا‪ ،‬لكنها بدت بعيدة‬
‫ومكتومة‪ .‬نور المصباح‪ ،‬رغم ضعفه‪ ،‬يؤذي عينيه‪ .‬تضاءل الضباب الذي كان يحجب رؤيته ببطء‪ ،‬ورأى فتاة مجهولة خائفة تقف‬
‫‪.‬فوق سريره‪ .‬كان لها وجه جميل وترتدي قبعة غريبة مزينة بريشة بيضاء ضخمة بدت وكأنها تنحني نحوه مثل طائر ميت‬
‫لم تكن الجدران‪ ،‬التي كانت مغطاة بورق جدران باللون األصفر والبيج مع تصميمات زهرية ثقيلة‪ ،‬مألوفة بالنسبة له‪ .‬لم تكن الغرفة‬
‫التي اعتاد عليها‬

‫‪.‬كان ينام‪ ،‬عالوة على ذلك‪ ،‬كان وحيًد ا في السرير‪ ،‬ولم يكن مارتن وروني معه‬
‫‪.‬أين أنا؟ سأل نفسه‬
‫وبعد لحظات قليلة تذكر‪ .‬كانت والدته قد ذهبت إلحضاره إلى منزل ويدو تايلور في تلك الليلة‪ ،‬ولم تكن تذهب عادة إلحضاره في‬
‫الليل‪ ،‬وخاصة في هذه الساعة المتأخرة‪ .‬سألته والدته بابتسامة مشرقة‪" :‬هل ترغب في أن تأتي معي يا عزيزي؟" للحظة توقف قلبه‬
‫والعالم‪ .‬بدا له أن الغرفة تدور‪ ،‬وكان يعتقد أن السعادة يمكن أن تجعله يطير مثل الطيور في السماء‪ .‬كان قد أوقف فورة الفرح التي‬
‫‪".‬كانت تمزقه إلى نصفين‪ ،‬ومع نضج سنواته الخمس (والنصف تقريًبا) أجاب بهدوء‪" :‬نعم يا أمي‪ ،‬أريد أن آتي‬
‫‪.‬مومياء؟" سأل اآلن"‬
‫"إنه حي"‪ ،‬كررت الفتاة التي أيقظته‪ ،‬بعد أن توقفت عن هزه‪" .‬من أنت أيها الطفل؟"‬
‫كريستوفر لم يجيب‪ .‬أخافته النبرة المتوترة في صوتها المتحمس‪ .‬بدال من ذلك‪ ،‬انقلب على جانبه األيسر‪ .‬رقبته تؤلمه‪ ،‬كما لو أنه نام‬
‫عليها بشكل خاطئ‪ .‬قال‪" :‬هذا منزل أمي"‪ .‬ولكن أين كانت؟ ما كل هذا الضجيج؟ وكل هذا الصراخ؟‬
‫‪.‬هل أنت ابن مارثا؟" سألته الفتاة ذات الريشة الميتة‪ .‬كانت يداها على كتفيه لتحجب الغرفة عن األنظار"‬
‫ومن يمينه جاءت أصوات رجال متوترة‪" .‬سأصطحبها‪ .‬أنت تخلع الحبل‪ .‬المضي قدما‪ ،‬افعل ذلك اآلن‪ .‬الجحيم الدموي! هناك القرف‬
‫"‪.‬في كل مكان‬
‫لماذا كانوا جميعا يتحدثون بصوت عال؟‬
‫‪".‬نعم‪ "،‬قال صوت آخر‪ ،‬عالي النبرة مثل صوت الصبي‪" ،‬الرائحة الكريهة تجعلني أرغب في التقيؤ"‬
‫مومياء؟" سأل كريستوفر مرة أخرى‪ .‬ماذا كان يحدث؟ حاول إلقاء نظرة خاطفة على السيدة الشابة‪ ،‬لكنه لم يتمكن من الرؤية "‬
‫‪.‬حولها‬
‫ال تنظر‪ "،‬أمرته فجأة‪ .‬حملته على السرير‪ ،‬وانحنى رأسها فوقه‪ ،‬وكانت الريشة تقترب أكثر فأكثر‪" .‬فرانشيسكا!" صرخت نحو "‬
‫"!الباب‪" .‬تأتي مساعدتي‬
‫تملص كريستوفر‪ ،‬وبما أنه اعتاد على التحرر من قبضة األطفال األكبر سنا في المهجع المشترك‪ ،‬فقد انزلق بسهولة من أصابعها‬
‫‪.‬الرقيقة‪ .‬جلس على السرير وانحنى لينظر حولها‬
‫‪.‬قالت‪ :‬ال‪ ،‬ووضعت ذراعها حوله لتسحبه نحوها‪ .‬أرادت أن تعفيه من البصر‪ ،‬ولكن بعد فوات األوان‬

‫كان هناك حبل مربوط إلى السقف‪ ،‬نهاية الحبل معقودة حول رقبة امرأة‪ .‬كان وجهها منتفًخ ا وأزرًق ا‪ .‬لم تكن المرأة تتحرك‪ ،‬وكان‬
‫رجالن يسحبانها إلى األسفل‪ .‬أمسكها أحد الرجال من ساقيها لرفعها وتخفيف الضغط عن حبل المشنقة‪ ،‬بينما وقف اآلخر على‬
‫كرسي وهو يزيل الحبل من رقبتها‪ .‬للحظة بدا لكريستوفر أنها كانت تنظر إليه‪ .‬اتجهت نحوه عيناها األرجوانيتان المنتفختان‪ ،‬وبدا‬
‫‪".‬أن لسانها الذي برز مثل نكتة قاتمة يقول‪" :‬األمر ليس بهذا السوء هنا يا كريستوفر‬
‫"!مومياء!" صرخ وهو يحاول الخروج من قبضة الفتاة‪" .‬مومياء"‬
‫لماذا سماها ماما؟ تلك لم تكن هي‪ .‬كانت عيون أمه زرقاء وليست حمراء على اإلطالق مثل تلك التي كانت عليها‪ .‬ولم يكن لموميائه‬
‫‪.‬وجه منتفخ‪ ،‬بل مالمح صغيرة شاحبة ودقيقة‬
‫‪.‬قام الرجالن بتحرير المرأة من حبل المشنقة‪ ،‬ثم وضعوها على بطانية على األرض‪ .‬سقطت قطعة من الورق من يدها اليمنى‬
‫"!مومياء"‬
‫‪.‬لماذا سماها ماما؟ ال يمكن أن تكون هي‪ .‬كانت والدته جميلة جدا‪ .‬عندما أخذته إلى الحديقة‪ ،‬التفت الجميع لينظروا إليها‪ ،‬حتى السادة‬
‫لم تكن والدته‪ ،‬حتى لو كانت لديها الزهرة التي كانت ترتديها أمي عندما جاءت إلحضاره إلى منزل السيدة تايلور‪ .‬لقد وعدته مرات‬
‫‪.‬عديدة بأنها ستأخذه بعيًد ا عن هناك‪ ،‬وفي النهاية أوفت بوعدها‪ ،‬ألن هذا ما تفعله األمهات‬
‫"!مومياء!" بكى بجنون‪" .‬مومياء"‬
‫لكنها في الحقيقة لم تكن هي‪ ،‬أليس كذلك؟ لم يكن يعني شيًئ ا أن شعرها داكن أو الزهرة أو فستانها األنيق ملطخ بالبراز والبول‪ ،‬لكنه‬
‫‪.‬كان فستان أمه األزرق‬
‫"!إليز‪ "،‬دعا صوت امرأة عند الباب‪" .‬إليز‪ ،‬يا إلهي"‬
‫"!تأتي مساعدتي!" توسلت إلى الفتاة ذات الريشة‪ ،‬ممسكًة كريستوفر بيأس‪ ،‬الذي كان يركل ويخدش ليهرب‪" .‬دعونا نخرجه من هنا"‬
‫‪.‬قام الرجالن بلف السيدة على عجل بالبطانية الملونة‪" .‬هيا‪ ،‬إلى النهر"‪ ،‬قال الشاب‪ ،‬ورفعها مثل سجادة ملفوفة‬
‫لم تكن والدته داخل البطانية‪ ،‬مختبئة بين طيات القماش متعدد األلوان‪ .‬استمر كريستوفر في الصراخ والصراخ‪ ،‬حتى انضمت فتاة‬
‫أخرى إلى األولى‪ ،‬ثم أخرى‪ ،‬فسحبوه‬

‫"!من الغرفة وهو يركل ويصرخ بجنون مرارًا وتكرارًا‪" ،‬ماما! مومياء! مومياء‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪1‬‬
‫‪. . .‬وال أعلم أكان ذلك باإلرادة أم بالقدر أم بالصدفة‬
‫دانتي أليغييري‪-‬‬
‫كوكستون‪ 7 ،‬يوليو ‪1826‬‬
‫"حسنا ماذا تعتقد؟"‬
‫جلست لوسي على أريكة قريبة‪ ،‬وقامت بتجعيد جبينها وفحصتها‬
‫!كما لو كانت نوًع ا جديًد ا من الحشرات‪" .‬آنا‪ ،‬هذا الفستان ال يناسبك على اإلطالق‪ .‬إنه أمر مروع‬
‫مروع‪ ،‬مروع‪ .‬كررت آنا الكلمة لنفسها بلهجة لوسي وبدأت في الضحك‪ ،‬وهي تنظر إلى المرآة أمامها‪ .‬مروعة؟ باه‪ .‬كان الفستان‬
‫"‪.‬بسيًط ا‪ ،‬بخصر إمبراطوري‪ ،‬وياقة دائرية عالية‪ .‬ردت آنا‪" :‬تعال عن ذلك"‪" .‬انها ليست بهذا السوء‬
‫‪.‬تدحرجت لوسي عينيها دون أن تتنازل عن الرد‬
‫أال تجد أنه يناسب لون عيني؟" أصرت آنا‪ .‬أخذت صديقتها وسادة وضغطتها على وجهها‪" .‬حسنا‪ ،‬نعم‪ ،‬ولكن"‬
‫‪.‬بني ‪ ." . .‬نطقت الكلمة األخيرة بتشديد‪ ،‬كما لو أنها كلمة مبتذلة ال تليق بها على اإلطالق ‪. . .‬‬
‫"‪.‬إنها ليست بنية حًق ا‪ .‬إنه ‪ . . .‬بني"‬
‫عرفت آنا أنه ليس من الحكمة منها أن تستفز لوسي‪ ،‬ألن هناك خطًر ا واضًح ا من أنها ستبدأ مرة أخرى في شرح أهمية ألوان‬
‫الباستيل في تسليط الضوء على البشرة الوردية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم تتمكن من تجنب ذلك‪ ،‬وبصراحة‪ ،‬لم تحاول حتى‪ ،‬وخنقت‬

‫ضحكة أخرى تحت النظرة الناقدة لعيون لوسي الزرقاء المذهلة‪ .‬من يدري إذا كانت ستتحدث اليوم عن اللون الوردي أم األبيض؟‬
‫‪.‬فكرت‪ ،‬متوقعة األسوأ‬
‫إذا كان هناك شيء واحد تحبه في الكرات‪ ،‬فهو تلك اللحظات قبل المغادرة مباشرة عندما يقدم لها صديقها نصائح بشأن األخالق‬
‫ويحاول أن يجعلها أنيقة‪ .‬كانت تود أن تطول تلك المحادثات الصغيرة إلى األبد‪ ،‬ألن حفالت الرقص المسائية كانت دائًما مخيبة‬
‫‪-‬لآلمال إلى حد ما‪ .‬في تلك الليلة على وجه الخصوص‪ ،‬لم تكن في عجلة من أمرها للمغادرة‪ :‬لم يكن دانييل موجوًد ا هناك‪ ،‬و‬
‫هل تريد أن تأخذني على محمل الجد أم ال؟ قالت لوسي‪ :‬انظري إلى أي حد أصبحت غاضبة‪ ،‬ثم ألقت الوسادة على آنا كتأكيد "‬
‫‪.‬جسدي على غضبها‬
‫تهربت منه آنا بقفزة‪ ،‬ثم التقطته وألقته مرة أخرى على لوسي‪ .‬أجابت بتجهم‪" :‬لن أحلم بذلك حتى"‪" .‬يجب أن تعلم أن القواعد التي‬
‫"‪.‬تنطبق على الفتيات الشقراوات الصغيرات ال تنطبق على الفتيات البدينات ذوات الشعر البني‬
‫‪.‬انت لست سمين‪ .‬أنت ممتلئ الجسم‪ ،‬وهذا ليس باألمر السيئ"‬
‫هل حقا تعتقد ذلك؟" قالت آنا وابتسمت لها ابتسامة غاضبة‪" .‬ثم ينبغي أن يكون حول الفستان‪ .‬كما قلت لك‪ ،‬ال يبدو األمر سيًئ ا جًد ا "‬
‫"‪.‬بالنسبة لي‬
‫التفتت نحو المرآة وحدقت في الفستان ثم في وجهها‪ .‬لم يكن األمر مميًز ا‪ :‬كانت مالمحها بها بعض المخالفات‪ ،‬والشيء الوحيد الذي‬
‫أعجبها‪ ،‬بصراحة‪ ،‬هو اللون الوردي الداكن الطبيعي لشفتيها‪ ،‬والتي كانت في ذلك المساء أرجوانية تقريًبا في شمس الصيف‪ .‬يا له‬
‫‪.‬من عار أن أسنانها المكسورة – القاطعة اليسرى – جعلت ابتسامتها ملتوية بشكل دائم‬
‫"‪...‬هزت لوسي رأسها‪" .‬آنا‪ ،‬استمعي وال تغضبي‪ .‬أود أن أعطيك فستاًن ا‪ ،‬إذا لم يكن األمر كذلك‬
‫أجابت آنا‪" :‬لقد ناقشنا هذا األمر بالفعل‪ ،‬على ما يبدو"‪ .‬لقد بدت مفاجئة بعض الشيء‪ ،‬وظهرت لوسي بوجه منزعج‪ .‬وأضافت‬
‫بسرعة‪" :‬أنا آسفة"‪" .‬أنت تعلم أنني ال أريد هداياك‪ .‬ولكن يمكنني أن أعدك بأنني سأتبع تعليماتك في المرة القادمة التي أقوم فيها‬
‫بإعادة تصميم أحد فساتين والدتي‪ ،‬حسًن ا؟‬
‫"بالعودة إلى كونها في مزاج جيد‪ ،‬أومأت لوسي برأسها‪" .‬حتى اللون األخضر الداكن؟‬
‫‪.‬أيهما تريد‪ .‬ال يهم ما أرتديه‪ ،‬بعد كل شيء‪ .‬على أية حال‪ ،‬لن يمنعني شيء من أن أبدو بشكل مزعج مثل الخرشوف"‬

‫ضحكت لوسي بحنان بسبب صداقتهما التي دامت اثني عشر عاًما‪ ،‬والتي تغلبت تماًما على عقبات العديد من األقمشة‪ ،‬حتى تلك‬
‫البنية‪ .‬قالت‪" :‬تعالي إلى هنا‪ ،‬أيتها الخرشوف الصغيرة"‪ ،‬وهي تدعوها للجلوس من خالل النقر على األريكة‪ .‬اقترحت بينما كانت آنا‬
‫تجلس بجانبها‪" :‬يمكن للعديد من األوالد أن يجدوك حسب رغبتهم إذا لم تكن فًظ ا جًد ا"‪« .‬مثلما حدث في صباح يوم األربعاء عندما‬
‫"جاء السيد كالرك لزيارتك‪ .‬أخبرني‪ ،‬لماذا لم تكن في المنزل؟‬
‫"هل جعلت نورا تصرخ؟" يا له من خائن! فكرت آنا‪ .‬لقد طلبت منها أال تخبر أحدًا‪" .‬كيف جعلتها تتحدث؟"‬
‫آنا عرفت بالفعل كيف‪ .‬لوسي‪ ،‬بكل عذوبة وابتسامات‪ ،‬يمكنها أن تجعل حصاًن ا يتحدث‪ .‬يا إلهي‪ ،‬يمكنها الحصول على السرج‬
‫!للتحدث‬
‫أنا لم أعذبها‪ ،‬ال تنظر إلي بهذه الطريقة‪ "،‬ضحكت لوسي‪" .‬كل ما كان علي فعله هو مجاملتها على البسكويت الذي قدمته‪ .‬وعلى "‬
‫أية حال‪ ،‬أعتقد أنها لم تستطع االنتظار لتخبرني – إنها تريدك أن تجد زوًج ا‪ .‬وهي قلقة للغاية بشأن ذلك‪ ،‬ألنه قد مرت ستة أشهر‬
‫‪".‬بالفعل منذ ظهورك ألول مرة في المجتمع‪ ،‬ولم تظهر اهتماًما بأي شخص‪ .‬أضافت مبتسمة‪" :‬ال أحد تقريًبا‬
‫‪.‬قامت لوسي بهذا التصحيح بسخرية – سخرية طفيفة – مما جعل آنا تحمر خجًال‪ .‬نما القلق في حفرة بطنها‬
‫"‪.‬حول هذه الليلة‪ "،‬قالت آنا‪ ،‬وهي تغير الموضوع بحكمة‪" .‬اشرح لي كيف تمكنت حتى من دعوتي"‬
‫"كيف فعلت؟"‬
‫‪.‬دهشة جاهلة مألت عيون لوسي‪ .‬كان هذا تعبيًر ا تعرفه آنا جيًد ا ‪ -‬نظرة أخبرتها أال تصدق صديقتها‪ ،‬وال حتى للحظة‬
‫طبعا انت! من أيضا؟" ردت آنا‪" .‬لوال مساعدتكم‪ ،‬لم تكن السيدة مورتيمر لترسل دعوة إلى عائلتي أبًد ا‪ .‬تعال وقل لي الحقيقة‪ :‬هل "‬
‫»هددتها بإحراق بيتها أم وعدتها بالزواج من بكرها؟‬
‫"‪.‬استسلمت لوسي وضحكت‪" .‬ربما وعدت بحرق ابنها البكر‪ ،‬اآلن بعد أن أفكر في ذلك‬
‫لوسي إدواردز‪ ،‬من بين كل المتسترين‪ ." . .‬ضحكت آنا‪ ،‬ثم قالت وفي عينيها خوف مرح ربما لم يكن مرًح ا‪" :‬من األفضل أن "‬
‫"‪.‬نذهب اآلن‪ ،‬وإال ستحرقنا والدتك أحياء! ال بد أنها تنتظرنا بفارغ الصبر‬
‫نعم‪ ،‬بفارغ الصبر‪ ،‬كما عرفوا عندما نزلوا إلى الطابق السفلي‪ .‬عندما رأتهم‪ ،‬برزت السيدة إدواردز مثل النافورة‪" .‬أنت على‬
‫أخيرًا هنا‪ "،‬صرخت بفظاظة‪ .‬لقد كان دائًما مشهًد ا غريًبا رؤيتها بجوار لوسي‪ ،‬ألن السيدة إدواردز بالمقارنة كانت تبدو وكأنها‬
‫‪.‬نسخة شاحبة وأقل مرًح ا من ابنتها‬
‫كما نهض والد آنا من كرسيه‪ ،‬ولكن بصعوبة بالغة‪ .‬قال وهو يتنفس بشدة‪" :‬استمتعي يا عزيزتي"‪ .‬كان وجهه مشوًها‪ ،‬ومشلواًل في‬
‫‪.‬الجانب األيسر‬
‫"هل ستبقى مستيقًظ ا لفترة أطول قليًال يا أبي؟"‬
‫"‪.‬ال‪ .‬أنا في انتظار نورا‪ .‬ثم ‪ ." . .‬توقف عن الكالم للحظات ليلتقط أنفاسه‪" .‬ثم سأذهب للنوم"‬
‫‪.‬وهنا أتوا‪ ،‬على خطى الطباخ العجوز الثقيلة‪ .‬كما لو أن هذه الكلمات استحضرتها نورا‪ ،‬ظهرت عند الباب الجانبي لغرفة الرسم‬
‫"‪.‬قالت لها آنا وهي تنظر بلطف إلى شكلها القصير المستدير‪" :‬أوه‪ ،‬أنت هنا"‪" .‬لقد جئت ألقول ليلة سعيدة‬
‫"‪.‬يذهب‪ .‬سوف تتأخر‪ ".‬خرجت الكلمات من فم نورا بسرعة‪ ،‬مثل الحصى المتساقط‪" .‬ال تقلق‪ .‬سأرى والدك"‬
‫‪".‬أجابت آنا‪" :‬شكًر ا لك‬
‫‪.‬همف‪ "،‬كان كل الرد الذي استطاعت نورا حشده"‬
‫كرر السيد شامبيون‪« :‬نعم‪ ،‬ابتعد يا عزيزي‪ ».‬وكان متكئا على‬
‫‪.‬خلف الكرسي‪ ،‬والحظت آنا ارتعاش يديه المؤسف‬
‫)إنهم يهتزون أكثر فأكثر‪ ،‬أليس كذلك يا آنا؟(‬
‫وطبعًا بعد إصابته بالجلطة الدماغية قبل عامين‪ ،‬فقد والدها عقله وقوته‪ ،‬وبدا لها أن الوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم‪ .‬هذا الرجل‬
‫الذي كان ذات يوم حاًد ا عقلًيا ومقيًد ا جسدًيا‪ ،‬أصبح اآلن بالكاد يستطيع المشي أو التحدث ‪ -‬نفس الرجل الذي كان يرفعها عندما‬
‫‪.‬كانت طفلة كما لو كانت غصيًن ا‪ ،‬والذي كان يدور حولها دون عناء عندما تمد ذراعيها وأغمضت عينيها وحلمت بالطيران‬
‫كانت كرة مورتيمر على قدم وساق عندما دخل كريستوفر إلى الغرفة ذات اإلضاءة الساطعة‪ .‬كانت في األعلى ثريات فاخرة‬
‫وضخمة‪ ،‬والتي كانت بارزة في قرية ريفية باهتة‪ .‬مختلفة تماما عن‬

‫بيت الدعارة الذي نشأت فيه‪ ،‬هكذا فكر في نفسه‪ ،‬وهو يستمتع بالفكرة سًر ا‪ ،‬كما يفعل عادة‪ .‬ماذا سيقول هؤالء الناس لو عرفوا ابن‬
‫من أنا ومن أين أتيت؟‬
‫على وجه الدقة‪ ،‬ال يمكن للمرء أن يقول إنه "نشأ" حًق ا في بيت الدعارة في كوفنت جاردن‪ ،‬ألنه بعد وفاة والدته مكث هناك ستة‬
‫أشهر فقط‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن ذكريات ذلك المكان المتناثرة تتبادر إلى ذهني في أكثر اللحظات التي ال يمكن تصورها‪ .‬تذكر غرفة إليز‪،‬‬
‫التي كانت فوضوية دائًم ا‪ ،‬والمرآة الرأسية الكبيرة الموجودة على جانب السرير‪ ،‬تلك التي بها شق على جانبها مما أدى إلى انقسامها‬
‫إلى قسمين‪ .‬يتذكر خطوات السادة الصاخبة على الدرج وهم يأتون ويذهبون‪ ،‬والضحكات الصارخة الصاخبة لبنات المنزل الالتي‬
‫يرافقونهن إلى الغرف‪ ،‬والمخبأ تحت الدرج خلف مجموعة المالبس القديمة ومالبس النوم‪ .‬الصحف‪ ،‬حيث كان يختبئ هو وسيمون‬
‫بمجرد وصول أي زائر‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬كان سايمون قبيًح ا جًد ا لدرجة أنه لم يكن بحاجة إلى االختباء‪ :‬برأسه الكبير‪ ،‬وشعره الطويل‬
‫الداكن‪ ،‬القذر إلى األبد‪ ،‬والوحمة البنفسجية التي تغطي تقريًبا خده األيمن بالكامل‪ ،‬لم يكن هناك بالتأكيد أي خطر أي رجل نبيل‬
‫سيكون مهتًم ا به‪ .‬إذا ذهب إلى المخبأ‪ ،‬كان ذلك فقط للحفاظ على صحبة كريستوفر‪ .‬في هذا المخبأ الذي تفوح منه رائحة الخرق‬
‫والرطوبة‪ ،‬علم كريستوفر كيفية تلميع األحذية‪ ،‬وكيفية التسول للحصول على المال‪ ،‬وكيفية اختيار جيوب المناديل والمحافظ‪ .‬وكان‬
‫كريستوفر يسأله دائًما قبل النوم‪ :‬هل سنضرب األطفال في الشارع غًد ا؟‬
‫بدا سيمون متأماًل ‪ ،‬وبدا وجهه بالًغ ا عندما كان في التاسعة من عمره فقط‪“ .‬بمجرد أن نتأكد من قدرتنا على التغلب عليهم‪ ،‬نتوقف؛ إذا‬
‫"‪.‬لم يكن األمر كذلك‪ ،‬فسوف نهرب‪" .‬بهذه الطريقة يمكننا الحصول عليهم في وقت آخر‬
‫لكن سايمون كان ميًت ا اآلن‪ ،‬فقد مات منذ أكثر من عشرين عاًما بسبب مرض الحصبة الذي أصيب به بسبب فراش ملقى على‬
‫األرض‪ .‬وكان كريستوفر في غرفة فخمة‪ ،‬وقد تم الترحيب به بأذرع مفتوحة في حفل راقص أنيق‪ ،‬وكم كان هناك من أضواء‪ ،‬وكم‬
‫كانت المالبس باهظة الثمن‪ ،‬وكم كان كل شيء من حوله أنيًقا ومرتًبا‪ .‬أود أن أقفز وأقول‪" :‬يا أيها الناس! أنا اآلن مالك أرض‪ ،‬لكن‬
‫‪.‬الحقيقة هي أنني ابن غير شرعي لعاهرة‬

‫يا إلهي ماذا أفعل هنا؟ فكرت آنا للمرة الحادية والعشرين‪ ،‬ال‪ ،‬للمرة الثانية والعشرين‪ .‬ضجيج الموسيقى وأحاديث الناس جعلها تشعر‬
‫بالدوار‪ .‬بدا األمر كما لو كان الجميع في حفلة مورتيمر‪ .‬ولم يكن الجميع هناك فحسب‪ ،‬بل كانوا يحاولون جعل وجودهم معروًف ا‬
‫‪.‬بصوت عاٍل قدر اإلمكان‬
‫ُت ركت آنا بمفردها بينما كانت لوسي ترقص‪ ،‬وتجولت بشكل غير مريح حول طاولة الشراب‪ ،‬محاولة أال يتم مالحظتها ‪ -‬وعلى وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬أال يالحظها السيد بيمبروك‪ .‬ولم يكن ذلك فقط بسبب طبيعتها الفّظ ة المعتادة أيًض ا‪ .‬تجنبته جميع الشابات مثل الطاعون‪،‬‬
‫سواء بسبب طريقته الجريئة بعض الشيء في التعامل مع شركائه الراقصين‪ ،‬أو بسبب أنفاسه التي تفوح منها رائحة الخمور‪ .‬ما هو‬
‫المشروب الذي كان من المستحيل تحديده بالضبط؛ ربما كان هو نفسه قد تخميره في معدته‪ ،‬ألنه كان يذكر المرء بشكل غامض‬
‫بالبرميل‪ .‬التقطت آنا كأًس ا من عصير الليمون وهي تتحرك على طول خط بصره‪ ،‬على أمل أن تتمكن طوال الوقت من تجنبه حتى‬
‫‪.‬نهاية المساء‬
‫والحظت بطرف عينيها أن لوسي ‪ -‬التي أنهت رقصتها مع السيد روسينغتون ‪ -‬تتجه نحوها‪ .‬بدأت على الفور في التفكير في‬
‫‪. . .‬موضوع المحادثة قبل أن تسألها صديقتها‬
‫‪.‬كيف كانت رقصتك مع السيد هيكسون؟" قالت لوسي‪ ،‬وقد كان صوتها مبحوحًا بعض الشيء من الرقص"‬
‫تبا‪ .‬لم تكن سريعة بما فيه الكفاية‪ .‬لم يكن من السهل التحدث بشكل أسرع من لوسي‪" .‬أنت ال تريد أن تعرف‪ "،‬انتهى بها األمر‬
‫‪.‬باإلجابة‬
‫"‪.‬نعم بالتأكيد‪ .‬على العكس تماما"‬
‫"‪.‬أعطتها آنا نظرة مذنب‪" .‬حسًن ا‪ ،‬لنفترض أنني ربما دست على قدميه مرتين أو ثالث مرات‬
‫"أو ربما مائتان أو ثالثمائة؟"‬
‫"‪.‬واعترفت قائلة‪" :‬الرقم الدقيق يغيب عني"‪" .‬ولكن يمكن أن يكون قريًبا من ذلك‬
‫"وتريدني أن أصدق أنك لم تفعل ذلك عن قصد؟"‬
‫تعالي اآلن يا لوسي‪ ،‬الجميع يعرف أنني راقصة سيئة‪ ،‬و‪ . . ...‬يا جيدا جدا!" اعترفت‪" .‬ربما فعلت ذلك مرة أو مرتين عن قصد‪" ،‬‬
‫لكنني أؤكد لك أنه عندما بدأ يتحدث معي عن سباقات العربات‪ ،‬لم أستطع كبح جماح نفسي‪ .‬وأضافت بسرعة‪ ،‬لتمنعها من التذمر‪:‬‬
‫‪".‬وأنت‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬ماذا لديك لتقوله عن السيد روسينغتون؟ آخر مرة تحدثت معه‪ ،‬بدا متأثًر ا بك جًد ا‬
‫صديقتها تابعت شفتيها‪" .‬ال أعرف‪ .‬أعتقد أنني أستطيع تحمل شعره األحمر إذا لم يكن األمر كذلك‪ ." . .‬توقفت عن الكالم فجأة‪،‬‬
‫ولفت انتباهها‬

‫"!في مكان آخر‪" .‬أوه‪ ،‬انظر من هنا‪ "،‬همست‪ ،‬ثم صاحت "دانيال‬
‫توترت آنا وتخطى قلبها نبضة‪ ،‬ثم أخرى‪ .‬ماذا يفعل هنا؟ تساءلت بعصبية‪ .‬قالت لوسي إنه سيكون خارج المدينة‪ ،‬ووجدت آنا نفسها‬
‫اآلن غير مستعدة على اإلطالق لرؤيته‪ .‬لم تكن مستعدة‪ ،‬ولم تفكر حتى فيما ستقوله له! ماذا لو تلعثمت؟ أو إذا تعثرت؟ أو إذا ‪. . .‬‬
‫‪.‬لقد بذلت قصارى جهدها حتى ال تظهر ارتباكها‪ ،‬والتفتت نحوه‪ ،‬بهدوء تام ‪ -‬أو على األقل هذا ما كانت تأمله‬
‫كان دانييل ديميرسي مندفًع ا بشكل ال يصدق في ذلك المساء‪ ،‬وكان مندفًع ا بشكل ال يصدق كل مساء‪ .‬ارتدى الليلة معطًفا أزرق داكًن ا‬
‫‪.‬أظهر بنيته الرياضية النحيلة‪ .‬ابتسم‪ ،‬وتألقت البقع الالمعة في عينيه ذات اللون األخضر الداكن‬
‫"‪.‬لوسي‪" .‬يا آنسة تشامبيون‪ "،‬رحب بهم‪ ،‬وانحنى وقبل أيدي كل منهم‪" .‬أنتما جميلتان للغاية هذا المساء"‬
‫شكرته لوسي بطريقتها اللطيفة‪ ،‬وتعثر زوج من السادة المارة بالقرب منها‪ ،‬حيث كانوا مشغولين جًد ا بالنظر إلى وجهها بحيث لم‬
‫يتمكنوا من مشاهدة أين يسيرون‪ .‬لقد كان اهتماًما ضائًع ا‪ ،‬ألنها لم تنظر إليهم حتى‪ .‬قالت لدانيال‪" :‬لقد عدت في الوقت المناسب‬
‫"‪.‬الستالم الكرة"‪" .‬أنت تدرك أنك قد أصابت شابات كوكستون باليأس عندما أعلنت أنك لن تستطيع الحضور‬
‫أجاب مبتسما بشيء من الوقاحة‪" :‬لقد تمكنت من الخروج من التزاماتي"‪ .‬وكان لدى دانييل ابتسامة لطيفة‪ ،‬والتي أظهرت ليس فقط‬
‫مدى سحره ولكن أيًض ا مدى ظلمه‪ .‬لقد كان مخلًص ا للوسي ‪ -‬ولكن لماذا أكلت قلب آنا؟‬
‫‪".‬قال دانييل مبتسًم ا مرة أخرى لصديقة آنا‪" :‬لذلك يجب أن أستنتج أنني قد ألقيت بك في حالة من اليأس‬
‫"ربما‪ "،‬ردت لوسي بحقد‪" .‬كيف تقترح التكفير عن هذا السلوك الذي ال يغتفر؟"‬
‫تكفير؟" سأل‪ ،‬ومرر إصبعه بين رقبته ومنديل رقبته‪ ،‬كما لو كان ضيًق ا للغاية ‪ -‬بشكل مثير بالطبع‪ ،‬ولكن بالنظر إلى نظرته القلقة‪" ،‬‬
‫فمن المحتمل أنه شعر بالحاجة إلى فك العقدة‪" .‬لوسي‪ ،‬عندما تقولين تلك الكلمة‪ ،‬ال يسعني إال أن أفكر في عصر ذلك اليوم ‪ -‬منذ كم‬
‫سنة مضت؟ الحادية عشرة تقريًبا‪ ،‬عندما جعلتني أركض ذهاًبا وإياًبا على درج منزلك ومعي دلوين مملوءان بالماء‪ .‬عشرة مرات!‬
‫‪.‬وكل ذلك ألنني داس بالخطأ على ذيل قطتك‬

‫على الرغم من سحر دانيال وقسوته غير المقصودة‪ ،‬أظهرت لوسي باستمرار الالمباالة تجاهه‪ .‬أوقفت آنا الصعداء واختبأت خلف‬
‫‪.‬تعبير عن المرح المهذب‬
‫"‪.‬لقد كانت قطة أنثى‪ "،‬صححت لوسي باستياء‪" .‬وأعتقد أنك اآلن قد حصلت على عقوبة جديدة"‬
‫تمتم‪" :‬وأعتقد أنني أتيت إلى هنا على أمل الرقص"‪" .‬أنا حًقا بائس مخدوع‪ .‬ولكن استمع‪ ،‬قبل أن تقرر قطعي من ركبتي مرة‬
‫"‪...‬أخرى‬
‫"!قد ال أقطعك من ركبتيك‪ ،‬هذه المرة"‬
‫قبل أن يصيبني دينونتك القاسية‪ ،‬أال تمنحني رقصة أخيرة؟ قال دانييل وهو يلمس الجانب األيمن من رأسه ويبتسم ابتسامة عريضة‪":‬‬
‫"بالتأكيد‪ ،‬بالتأكيد لن أتمكن من الخروج علًن ا لفترة طويلة جًد ا جًد ا إذا قررت هذه المرة أن تقطع اتصالي‪ . . ."...‬حتى على ركبة‬
‫"‪.‬واحدة فقط‬
‫ضحكوا‪ ،‬وبدا أن آنا تعتبرهم أصدقاء منذ عشر سنوات مضت‪ .‬في بعض األحيان‪ ،‬اعتقدت آنا‪ ،‬أن الشيء الوحيد الذي يفصل بين‬
‫‪.‬البلوغ والطفولة يمكن العثور عليه في الضحك‬
‫"‪.‬أجابت لوسي بتنازل متفاخر‪" :‬أقبل دعوتك يا دانيال"‪" .‬بهذه الطريقة ال يمكنك الشك في طيبة قلبي‬
‫وأكد لها‪" :‬هذا ما ال أستطيع فعله بأي حال من األحوال‪ ،‬ليس بصوت عاٍل على األقل"‪ .‬ثم جاءت اللحظة المخيفة ‪ -‬اللحظة التي‬
‫اشتاقت إليها آنا‪ ،‬مروعة ورائعة‪ :‬أدار دانييل عينيه نحوها‪ .‬تحركت السماء وزلزلت األرض و‪ . . .‬و ‪ . . .‬حسًن ا؟ وبطبيعة الحال‪،‬‬
‫كل هذا كان في ذهنها فقط‪( .‬إذا أراد المرء أن يكون دقيًقا حًقا‪ ).‬لم ُيظهر دانيال أي مشاعر معينة عندما نظر إلى آنا‪ ،‬ولم تغمى‬
‫عليها عند رؤيته‪ ،‬وهو األمر الذي لم يكن أمًر ا سيًئ ا على اإلطالق‪ .‬قال لها‪" :‬يا آنسة البطلة"‪" .‬أنا ولوسي ال نزعجك بذكريات‬
‫"طفولتنا‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫أوه ال‪ .‬إنه يسبب لي ألًما طفيًف ا في قلبي يا (دانيال)‪ ،‬ال أكثر‪" .‬ال‪ ،‬على اإلطالق‪ "،‬أجابت بال مباالة بطولية‪ .‬وبقيت التأتأة في بطنها‪.‬‬
‫"عندما كنا صغاًر ا‪ ،‬كانت لوسي تتحدث معي عن صديقها الذي ذهب إلى مدرسة داخلية‪ ،‬وهي المدرسة التي كانت تخطط ألداء‬
‫"‪.‬بعض الحيل فيها قبل أشهر من عودته إلى المنزل في إجازة‬
‫"‪.‬هذا ليس صحيحا‪" .‬ال تصدقها يا دانيال‪ "،‬احتجت لوسي‪" .‬أسبوعان أو ثالثة أسابيع كان أكثر من الوقت الكافي ألمثالك"‬

‫"‪.‬أضافت آنا وهي تحمر خجًال‪" :‬لقد لعبنا مًع ا عدة مرات يا سيد ديميرسي"‪" .‬ولكن ربما ال تتذكر‬
‫فتاتان صغيرتان في الثامنة والتاسعة من العمر في مواجهة فتى صغير في الثالثة عشرة من عمره — بالطبع أتذكر‪ .‬وبعد اجتياز «‬
‫هذا االختبار وعيشي ألحكي الحكاية‪ ،‬لم يعد بإمكاني أن أخاف من أي شيء مرة أخرى‪ ،‬باستثناء الفتيات الصغيرات في سن الثامنة‬
‫‪.‬والتاسعة بالطبع‬
‫‪.‬قالت له آنا وهي توبخه‪" :‬أوه‪ ،‬توقف عن ذلك"‪" .‬لم نكن بهذا السوء‪ ".‬رفع الحاجب‬
‫‪.‬هل كنا؟" سألت آنا وقد انتشرت ابتسامة على وجهها"‬
‫‪.‬نظر إليها مرة أخرى ولم يقل شيًئ ا‬
‫"‪.‬أوه‪ ،‬جيد جًد ا‪ ،‬ربما كنا قلياًل "‬
‫ضحك دانيال‪" .‬وأما اآلن؟" سأل بعد لحظة‪" .‬هل تستمتعين بهذا المساء يا آنسة تشامبيون؟ إذا لم أكن مخطًئ ا‪ ،‬فأنت لست مولًع ا‬
‫»‪.‬بحفالت الرقص‬
‫"‪.‬لقد تجاهلت كتفيها‪" .‬هناك طرق قليلة أسوأ لقضاء وقتك‬
‫"مثل؟"‬
‫»‪.‬ال أعرف ‪ . . .‬ربما أستمع إلى أختي الصغيرة وهي تعزف على الفلوت"‬
‫أطلق دانييل ضحكة موسيقية ومعدية‪ ،‬وقالت لوسي‪" :‬من فضلك ال تستمع إليها يا دانيال‪ .‬تجد آنا هذه األمسيات تروق لها‪ ،‬حتى لو‬
‫‪.‬لم تعترف بذلك أبًد ا‬
‫أعلن‪" :‬أنا أتفق معك"‪ ،‬على الرغم من أن عينيه لمعتا بطريقة ال تبشر بالخير‪ .‬وأضاف بواقعية‪« :‬وخاصة‪ ،‬ألنه بدا لي أنها كانت‬
‫تستمتع بوقتها كثيًر ا مع السيد هيكسون‪ ».‬ردت آنا بالالمباالة المعتادة والهادئة‪ ،‬على الرغم من أنها هذه المرة ربما كانت أقل بطولية‬
‫بعض الشيء‪" .‬من المؤسف أنه اضطر إلى المغادرة في منتصف رقصتك يا آنسة تشامبيون‪ "،‬واصل الوغد بال رحمة وبأقصى‬
‫"سرعة‪" .‬هل غادر حلبة الرقص وهو يعرج أم أنني مخطئ؟‬
‫الوغد! فكرت وهي تحتسي عصير الليمون لتتوقف‪" .‬أعتقد أنه كان يعاني من مشكلة في كاحله‪ .‬وأكدت أخيًر ا أن شيًئ ا ما حدث بينما‬
‫‪.‬كان يمشي‪ .‬إذا لم تكن تتمتع بالمصداقية المطلقة‪ ،‬فقد كانت قرمزية تماًما‬
‫أفهم‪ ".‬أومأ برأسه وكأنه يفكر بعمق‪" .‬أصبح المشي رياضة أكثر خطورة كل يوم‪ ،‬أال تعتقد ذلك؟ يجب على البرلمان أن يفعل شيئًا "‬
‫‪”.‬حيال ذلك‬

‫ضحكت آنا دون أن تكلف نفسها عناء تغطية فمها بمروحتها إلخفاء أسنانها المكسورة‪" .‬السيد‪ .‬ديميرسي‪ ،‬قد أكون مخطًئ ا ‪ -‬أنا لست‬
‫" مثالًيا‪ ،‬حتى لو تخيلت أن ذلك قد يفاجئك ‪ -‬لكن يمكنني أن أقسم أنك تضايقني‪ .‬هل تلمح بشكل طفيف إلى أن ذلك كان خطأي؟‬
‫"ليس بالكاد‪ .‬على الرغم من أنه ربما يمكنني تعويضك بعد ذلك إذا شرفتني برقصة‪ .‬هل يمكنني االعتماد عليه؟"‬
‫كانت آنا تخشى أن ينفجر قلبها بسبب العاطفة؛ ففي نهاية المطاف‪ ،‬لن يكون ذلك مقبوًال على اإلطالق‪ .‬أجابت‪ ،‬مستجمعة آخر جزء‬
‫من الالمباالة التي كانت بداخلها‪" :‬أنت تحب العيش بشكل خطير‪ ،‬كما أرى"‪" .‬ونعم‪ ،‬من الواضح‪ .‬سيكون من دواعي سروري أن‬
‫"‪.‬أرقص معك‬
‫أجاب دانييل‪" :‬شكًر ا لك يا آنسة تشامبيون"‪ .‬من الواضح أنه من الخطأ السماح لصبي بابتسامة كهذه أن يتجول بحرية‪ ،‬فكرت آنا‪.‬‬
‫‪.‬ربما ليس حتى قانونيا‬
‫"‪.‬لكن اآلن يجب أن نذهب يا لوسي‪ "،‬تابع بعد لحظة‪" .‬الموسيقى على وشك أن تبدأ"‬
‫‪".‬بالتأكيد‪ ،‬دانيال‪ .‬وهمست وهي تقترب من آنا‪" :‬ابتعدي عن المشاكل وابتعدي عن البوفيه"‬
‫"‪.‬نعم‪ ،‬ال تقلق"‬
‫كانت لوسي غير متأكدة تماًم ا مما يمكن أن يحدث ‪ -‬وعالوة على ذلك‪ ،‬كان لديها سبب وجيه لذلك‪ ،‬ألنها تعرف آنا جيًد ا ‪ -‬ابتعدت‬
‫‪.‬لوسي مع شريكها في الرقص‬
‫أخذت لوسي ذراع دانيال بينما كان الثنائي في طريقهما إلى حلبة الرقص‪ .‬شاهدتهم آنا وهم يذهبون‪ ،‬وبينما كانت تفعل ذلك‪ ،‬التفتت‬
‫‪.‬إليها لوسي بنظرة غريبة ومعرفية على وجهها‪ .‬وبهذا أصبحت آنا وحيدة مرة أخرى‬
‫)واآلن ستبدأين في أحالم اليقظة بشأن دانييل‪ ،‬أليس كذلك يا آنا؟(‬
‫نظرت إلى المسافة‪ ،‬وفكرت في كلماته‪ ،‬ونظراته‪ ،‬ونبرة صوته الدافئة والرقيقة‪ .‬عندما لمست الزجاج على شفتيها‪ ،‬القت ابتسامة‬
‫‪.‬حزينة ‪ -‬وسكبت عصير الليمون على نفسها‪ ،‬ألن رجًال كان يسير بخطى سريعة عبر الغرفة اصطدم بها فجأة‬
‫‪.‬يا عزيزتي السماوات!" صرخت بالفزع"‬
‫نظرت إلى البقعة التي تكبر أكثر فأكثر على فستانها وكأنها لم تصدق عينيها‪ ،‬لكنها كانت موجودة بالتأكيد‪ .‬لم تستطع آنا إنكار ذلك‬
‫بمجرد أن نقع القماش ‪ -‬بل لزًج ا ‪ -‬حتى أن البقع الناجمة عن شرابها المسكوب حولت لون فستانها البني إلى شيء أقبح تماًما‪ .‬وبعد‬
‫أن تجاوزت لحظة حزنها ‪ -‬ولحظة أخرى شككت بإخالص في النظام العادل والعقالني لألشياء ‪ -‬نظرت إلى األعلى في‬

‫تنهد على الرجل المذنب‪ .‬لقد كان غريًبا طويل القامة وأنيًق ا‪ ،‬وكانت تعلو وجهه نظرة خائفة‪ .‬ولم تظهر على مالبسه أي عالمات‬
‫على الحادث الذي وقع للتو‪( .‬بالطبع‪ ).‬في الواقع‪ ،‬برزت صدريته وربطة عنقه البيضاء تماًما أمام معطفه األسود‪ .‬كان بنيته عضلية‬
‫بشكل غير عادي‪ ،‬لكن طوله الكبير ووضعيته المستقيمة أعطته خفة معينة‪ ،‬وبدا مهيًبا ولكن ليس مزعًج ا‪ .‬كان شعره الداكن منسداًل‬
‫على جبهته والمس عينيه؛ قام بتحريك شعره بقلب رأسه قليًال وهو يحدق بها‪ .‬بدا فجأة كأنه يقّيمها‪ ،‬وعيناه الزرقاوان تدوران حولها‪،‬‬
‫محدقًا في فستانها المحتشم‪ ،‬مالحظًا قفازاتها البسيطة ومروحتها التي تفتقر إلى كل الزينة‪ .‬بطريقة مفاجئة بقدر ما كانت غريبة‪ ،‬تغير‬
‫‪.‬تعبيره‪ .‬أصبح متعجرًف ا‪ ،‬وألقى عليها نظرة ازدراء‪ ،‬ثم استدار وغادر بسرعة دون أن ينبس ببنت شفة‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪2‬‬
‫‪.‬يمكنني أن أغفر بسهولة كبريائه‪ ،‬إذا لم يجرح كبريائي‬
‫جين اوستين‪-‬‬
‫كان كريستوفر راضًيا تماًم ا عن نفسه وهو يبتعد عن الفتاة ذات المالبس البنية‪ .‬كان يتمتع بموهبة حقيقية في التعرف على المتسلقين‬
‫االجتماعيين — فقد كان واحًد ا منهم‪ ،‬أليس كذلك؟ — وكانت نظرة واحدة هي كل ما يحتاجه ليدرك أن هذه السيدة الشابة كانت في‬
‫غير مكانها في قاعة مورتيمر الكبرى المبهرة‪ .‬جيد‪ ،‬قال في نفسه‪ .‬إنها لن تذهب بعيًد ا في هذه الليلة بفستانها المتهالك الملطخ‬
‫‪.‬بالكامل‪ .‬ابتسم وهو يفكر مرة أخرى في النظرة العاجزة والمجروحة التي نظرت إليها‪ ،‬ثم أخرجها من عقله‬
‫ذهب بسرعة نحو مايكل مورتيمر‪ ،‬الذي كان في زاوية من القاعة يتحدث مع سيدة شقراء جذابة ورجل في الثالثينيات من عمره ذو‬
‫‪.‬خدود متوردة وأذنين ضخمتين إلى حد ما‬
‫"‪.‬دافنبورت‪ "،‬قال سيد المنزل‪ ،‬مرحًبا به‪" .‬أنا سعيد ألنك قد تأتي"‬
‫وأدرك كريستوفر أنه كان سعيًد ا حًق ا برؤيته‪ .‬كان يسمع البهجة واألمل في صوته‪ .‬كان مورتيمر مديًن ا له بعدة آالف من الجنيهات‪،‬‬
‫‪.‬وربما أراد أن يطلب منه قرًض ا آخر في ذلك المساء‪ .‬حسًن ا‪ ،‬سوف تكسبها‪ ،‬فكر‪ .‬بعد كل شيء‪ ،‬سوف تقدمني لمن أحب‬
‫‪".‬أجاب كريستوفر بأدب‪" :‬إنه لشرف لي‬
‫تحول مورتيمر نحو األشخاص الذين كانوا معه‪" .‬اسمح لي أن أقدم لك صديًقا عزيًز ا‪ ،‬السيد كريستوفر دافنبورت‪ .‬السيد دافنبورت‬
‫والسيدة إدواردز والسير كولن‪ ." . .‬انتهت المقدمات يا مورتيمر‬

‫‪".‬وتابع‪" :‬الجميع يعلم أن السيد دافنبورت اشترى روكفيلد بارك قبل بضعة أشهر‪ ،‬واليوم استقر كل شيء فيه‬
‫"قالت السيدة إدواردز بلحن‪" :‬لقد كنا ننتظرك بفارغ الصبر يا سيد دافنبورت"‪" .‬كيف كانت رحلتك؟‬
‫"‪.‬بخير شكرا لك‪ .‬ثالث ساعات فقط على طرق سلسة دون حوادث‪ .‬لقد كان الطقس رائعًا طوال الوقت"‬
‫‪.‬وأخبرني هل أعجبتك القرية؟ سألت السيدة إدواردز ‪-‬‬
‫‪.‬بالتأكيد‪ ،‬إنه أمر مقبول حًق ا ويتم االعتناء به جيًد ا‪ .‬كينت‪ ،‬بعد كل شيء‪ ،‬هي واحدة من أجمل المقاطعات في إنجلترا"‬
‫لقد أمطروه بأسئلة فضولية أخرى‪ ،‬وأجاب كريستوفر عليها جميًع ا بلطف تام‪ .‬لقد حافظ دائًما على لهجة مهذبة ومحترمة‪ .‬لقد أثنى‬
‫على السيدة إدواردز وأشاد بالسادة في اللحظة المناسبة‪ .‬الكلمات الصحيحة‪ ،‬والضحك الصحيح‪ .‬كان يعرف السيناريو تماما‪ .‬يا إلهي‪،‬‬
‫‪.‬كان من السهل جًد ا خداع هؤالء الناس‪ .‬ثم التفت نحو وسط القاعة ورأى دانييل ديميرسي‬
‫تعرف عليه على الفور‪ .‬لقد درس صور ديميرسي حتى أدق التفاصيل‪ ،‬لكن وجوده هنا شخصًيا جعل كريستوفر يشعر بالدوار‬
‫تقريًب ا‪ .‬شعر الدم المتدفق عبر عروقه أكثر سخونة‪ .‬إذن ها هو‪ .‬كان يراقبه وهو يرقص مع فتاة شقراء راقية‪ ،‬بدت وكأنها تتمسك‬
‫‪.‬بكل كلمة يقولها‪ .‬المتأنق الراقي الذي يدور على حلبة الرقص‬
‫)‪.‬ابن ليوبولد‪ ،‬كريستوفر(‬
‫كان شعر دانييل ذو اللون البني الفاتح مرتًبا تماًما‪ ،‬وكان معطفه مالئًم ا له بدقة شديدة‪ ،‬وحتى سيدته بدا أنها تناسبه‪ .‬دانيال ديميرسي‪،‬‬
‫‪.‬الذي نشأ في الصوف القطني‪ ،‬كان مقدًر ا له منذ أن كان صغيًر ا أن يعيش حياة مليئة بالرخاء واالمتياز‪ .‬والكمال بطبيعة الحال‬
‫من هي تلك الفتاة؟" سأل كريستوفر السير كولن‪ ،‬البارون البليد الذي‪ ،‬استناًد ا إلى ما قاله منذ لحظة‪ ،‬لن يتمكن من العد حتى العشرة"‬
‫‪.‬دون استخدام أصابعه‬
‫‪.‬هذه اآلنسة لوسي إدواردز‪ .‬جميلة جًد ا‪ ،‬أال تجدها؟” أجاب السير كولن"‬
‫"‪.‬رائعة"‬
‫‪".‬قاطعت السيدة إدواردز قائلة‪" :‬باعتباري والدتها‪ ،‬ال يسعني إال أن أفتخر بها‬
‫‪.‬ابتسم كريستوفر لها بلطف‪" .‬بالطبع كم هو غبي مني‪ .‬كان يجب أن أرى التشابه‪ .‬لكني كنت سأقول أنكما أخوات‬

‫هل كان ذلك كثيًر ا؟ من الواضح أنه ال‪ ،‬فكر بسخرية‪ .‬ابتسمت السيدة إدواردز‪ ،‬وكانت تشعر باإلطراء بالفعل‪ .‬هل كانت أيًضا تحمر‬
‫!خجًال قليًال؟ نعم بالتاكيد‪ .‬اووه تعال‬
‫والتفت مرة أخرى نحو دانيال‪ .‬تحرك هو وسيدته بخفة لدرجة أنه بدا كما لو أن أقدامهم لم تلمس األرض‪ .‬لوسي كانت مذهلة‪.‬‬
‫وجهها المحمر الجميل‪ ،‬ونظرتها المثبتة على دانييل‪ ،‬والزهور في شعرها ‪ -‬كل شيء اجتمع مًع ا لتكوين رؤية مثالية للجمال‪ .‬عرف‬
‫كريستوفر قبل وصوله إلى هناك أن عائلة إدواردز كانت واحدة من أغنى العائالت في كوكستون‪ ،‬وكان يعلم أيًض ا أن ليوبولد كان‬
‫يضغط بشدة من أجل الزواج بين ابنه ولوسي‪ .‬حسًن ا‪ ،‬فكر‪ ،‬إذا كان عزيزي دانيال يفكر فيها كزوجته المستقبلية‪ ،‬فسيكون من دواعي‬
‫سروري أن يأخذها منه‪ .‬لقد نظر إلى هذه الفتاة التي بدت وكأنها تطير مثل مالك يرقص‪ .‬أيتها الفتاة الحمقاء‪ ،‬ستكونين لي قبل أن‬
‫‪.‬تدركي ما يحدث‬
‫ظلت آنا مصدومة جًد ا من سلوك هذا الغريب لدرجة أنها لم تتمكن حتى من التحرك لعدة دقائق‪ .‬اعتقدت أن هذا لم يحدث حًق ا‪ .‬على‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬على الرغم من أنه كان كذلك‪ .‬عبرت قاذفة عصير الليمون سيئة السمعة‪ ،‬المتغطرسة والمغرورة‪ ،‬الغرفة مثل إله‬
‫‪.‬نزل من أوليمبوس‪ ،‬مبتعدة عنها بكل احترام أسد تجاه نملة‬
‫)‪.‬أنت ال أحد‪ ،‬آنا(‬
‫حسًن ا‪ ،‬لم تكن الشخص األكثر أهمية في الغرفة — كانت تعلم ذلك — ولم يكن أول سيد صغير يستهزئ بها أيًض ا‪ .‬ولكن حتى ال‬
‫تعتذر؟ ال‪ ،‬كلما فكرت في األمر أكثر‪ ،‬بدا األمر ال يصدق‪ .‬نشأ في داخلها غضب مزعج وانتقل من بطنها إلى صدرها وأخيرا إلى‬
‫عينيها‪ ،‬اللتين بدأتا ترى العالم بظالل من اللون األحمر الرقيق‪ .‬أكثر ما أثار غضبها هو الشعور الغامض باإلهانة الذي تسلل إليها‪.‬‬
‫ما الذي يهم ما يعتقده هؤالء الناس عني؟ سألت نفسها بمرارة‪ .‬أنا أتذمر باستمرار بشأن مدى سطحيتهم‪ ،‬ثم أشعر بالقلق عندما‬
‫يعتبرونني فتاة فقيرة‪ .‬تجاهله‪ ،‬هذا ما يجب أن أفعله‪ .‬تجاهله‪ .‬لكنه كان على بعد خطوات قليلة‪ ،‬ويتحدث بلطف مع رجل المنزل وأم‬
‫‪،‬لوسي‪ .‬انجذبت عيناها إليه مثل المغناطيس‪ ،‬وظلت تحدق به‬

‫متناسية أنها ستضطر بعد فترة قصيرة إلى الرقص مع دانييل‪ ،‬متناسية الكارثة التي حلت بفستانها‪ ،‬متناسية كل شيء باستثناء هذا‬
‫‪...‬المتعجرف‪ ،‬الوقح‪ ،‬المحتقر‬
‫وقف ذلك في وقت واحد‪ .‬خذ نفسا عميقا لتهدأ‪ .‬اعتقدت أن هناك بالتأكيد شيًئ ا يمكنني فعله لمعاقبة هذا المتنمر‪ .‬ربما سأذهب إليه‬
‫وأقوم بعمل مشهد‪ .‬هزت رأسها‪ .‬وخلصت أخيرا إلى أنها لن تفعل شيئا‪ .‬وحتى مخاطبته دون تقديمه أوًال سيكون أمًر ا غير الئق‪.‬‬
‫كان الناس من حوله ينظرون إليها بالحيرة‪ ،‬وهي لم تكن تريد أن تبدو سخيفة‪ ،‬بل أرادت أن تجعله يبدو سخيًفا‪ ،‬مغروًر ا‪ ،‬مغروًر ا‪،‬‬
‫‪.‬محتقًر ا‪ ،‬متغطرًسا‬
‫"ملكة جمال البطل؟" اتصل بها رجل عجوز قريب منها‪" .‬يفتقد؟"‬
‫وفي مكان غير بعيد‪ ،‬كانت السيدة إدواردز تضحك‪ ،‬وتنقر بخفة على يد الغريب بمروحتها بسبب شيء قاله لها بنظرة لطيفة‪ .‬يا‬
‫‪.‬إلهي‪ ،‬فكرت آنا‪ .‬كان عليها بالتأكيد أن تجد طريقة إلعالم هذا الرجل برأيها فيه‪ ،‬وإال فإنها ستنفجر‬
‫‪.‬ملكة جمال البطل؟" كرر السيد جوتمان"‬
‫نظرت إليه آنا‪ ،‬مندهشة‪ ،‬مذهولة‪ .‬منذ متى كان واقفًا هناك؟ بذلت جهًد ا لالبتسام‪ ،‬وناولها السيد جوتمان مندياًل نظيًف ا‪" .‬استخدميها‬
‫‪.‬لتنظيف فستانك‪ ،‬يا آنسة تشامبيون‪ "،‬اقترح بأدب‬
‫‪.‬نظرت مكتئبة إلى اللون البني القبيح لثوبها‪" .‬شكرآ لك أنت لطيف جدآ‪ .‬أعتقد أنني سأغادر للحظة ألصحح نفسي بهدوء‬
‫‪".‬أومأ‪ .‬قال بأسف وهو يهز رأسه األبيض الكثيف الشعر‪" :‬لقد كان هذا الرجل وقًح ا للغاية ولم يعرض عليك مساعدته‬
‫تحولت آنا إلى اللون األحمر‪" .‬أوه‪ ،‬ال شيء‪ "،‬تمتمت وهي تحاول إخراج نبرة خفيفة من صوتها‪" .‬لقد كان في عجلة من أمره‪ ،‬على‬
‫‪".‬ما يبدو‪ .‬لم يالحظ‪ .‬بالتاكيد ‪ . . .‬وأضافت بسرعة‪" :‬إذا سمحت لي‪ ،‬سأنسحب اآلن لترتيب فستاني‬
‫وفي الواقع‪ ،‬كان عليها أن تسرع إذا أرادت أن تبدو حسنة المظهر قبل الرقصة التالية‪ .‬صالح! لقد فكرت كثيًر ا في هذا المخلوق‬
‫البغيض لدرجة أنها نسيت تماًما أنها سترقص قريًبا مع دانيال‪ .‬دانيال صوت األبواق ديميرسي! لقد انتعشت قدر استطاعتها‪ ،‬وعندما‬
‫‪.‬عادت إلى الحفلة‪ ،‬كانت الرقصة الثانية قد انتهت بالكاد‪ .‬بحثت عن لوسي ودانيال والحظتهما في زاوية ليست بعيدة‬

‫"آنا!" صرخت لوسي بمجرد وصولها إليهم‪" .‬ماذا حدث لفستانك؟"‬


‫"أجابت‪" :‬ال يهم ذلك"‪" .‬لقد أخبرتني أنني بحاجة إلى تحسين األمر‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫ومن حسن الحظ أن دانيال لم يعلق على الكارثة‪ ،‬األمر الذي كانت آنا ممتنة له إلى حد ما‪ .‬لقد شعرت بالفعل بعدم االرتياح عند فكرة‬
‫الرقص‪ .‬وكان أسوأ مخاوفها‪ ،‬في الواقع‪ ،‬هو أنها كانت متحمسة للغاية لدرجة أنها لن تكون قادرة على اتخاذ خطوة‪ .‬وبدًال من ذلك‪،‬‬
‫عندما أخذها دانيال تحت ذراعه‪ ،‬تمكنت من اللحاق به بثبات يستحق الثناء‪ :‬لقد تعثرت مرة واحدة فقط‪ .‬وعندما عادت إلى خطوته‪،‬‬
‫‪.‬وجدت نفسها تواجهه‪ ،‬وظنت أن الحياة يمكن أن تخبئ لها لحظات جميلة‪ ،‬حتى وهي ترتدي فستاًن ا قديًما بني اللون‪ ،‬ملطًخ ا‬
‫‪.‬كان رضاها قصير األجل‬
‫كانت لوسي تتجه نحوها‪ ،‬ولم تكن وحدها‪ .‬كانت آنا مستاءة للغاية عندما رأت لوسي كانت معه‪ ،‬مدمرة فستانها‪ .‬من الواضح أنها‬
‫قبلت أن تكون شريكته في هذه الرقصة‪ .‬لماذا ال ينبغي لها‪ ،‬بعد كل شيء؟ لقد كان رجًال جذاًبا إلى حد ما‪ .‬إنه جذاب للغاية‪ ،‬لقول‬
‫‪.‬الحقيقة‪ ،‬إنه أحد أكثر الرجال وسامة في الغرفة بأكملها‪ .‬كان يتمتع بمظهر أنيق ومالمح وجه قوية ولكن منتظمة‬
‫ال‪ ،‬لقد صححت نفسها‪ .‬األمر ليس كذلك‪ .‬أوًال‪ ،‬ليست األناقة التي يمتلكها‪ ،‬بل الغطرسة‪ .‬وهو طويل جًد ا‪ .‬وعضلي جدا‪ .‬وشعره‬
‫الداكن هذا يجعله يبدو كالغراب‪ .‬وتلك األقفال المعلقة في عينيه بحاجة إلى التشذيب‪ .‬نعم‪ ،‬لديه سيقان طويلة‪ ،‬لكنها تبدو سخيفة في‬
‫مثل هذه السراويل الضيقة‪ ،‬ويجب على شخص ما أن يخبره بذلك من أجل مصلحته‪ .‬تبا! تنهدت مع االستقالة‪ .‬حسًن ا‪ ،‬أنا بدين‪ ،‬ولدي‬
‫فستان مرّق ع‪ ،‬وليس لدي فلس واحد باسمي‪ ،‬وأتوقع أن أجعل هذا الرجل الشرير يدفع ثمن دفعي‪ .‬ال أرى لماذا ال ينبغي لي أن أكون‬
‫‪.‬قادًر ا على ذلك‬
‫لقد أزعجتها هذه الفكرة كثيًر ا لدرجة أنها عندما بدأت الرقص ابتعدت قليًال‪ .‬عادت إلى مكانها بشكل محرج وحاولت االهتمام بدانيال‬
‫الذي سألها عن صحة أفراد عائلتها‪ .‬استجابت آنا له بأدب‪ ،‬لكنها لم تستطع منع نفسها من إلقاء نظرة خاطفة على الزوجين اللذين‬
‫يرقصان في مكان قريب‪ .‬برز رأس لوسي األشقر وفستانها األبيض أمام المعطف الداكن للغريب الذي لم ُيعاقب‪ .‬كان يبتسم للوسي‬
‫‪.‬بإغراء‪ ،‬والحظت آنا أن وجهه لم يعد به أي أثر للفخر الذي كان مليًئ ا به قبل نصف ساعة فقط‪ ،‬عندما كان ينظر إليها‬

‫‪.‬شعرت آنا بالغضب أثناء نهوضها‪ ،‬ساخًن ا وغليًظ ا مثل الحليب على الموقد‪" .‬ملكة جمال البطل؟" سأل دانيال‬
‫همم؟" ردت مشتتة‪ .‬كانت تراقب لوسي‪ ،‬التي كانت كذلك"‬
‫!ضحك مستمتًع ا بشيء مما قاله‪ .‬يا إلهي‪ ،‬كم هو وقح‬
‫كرر دانيال وهو منزعج بعض الشيء‪" :‬كنت أسألك عن أحوال إخوتك وأختك الصغار"‪" .‬أنا متأكد من أنه لوال رعايتك المحبة‬
‫لكانوا قد أضرموا النار في القرية اآلن‪ ،‬إذا لم أكن كذلك‬
‫"‪.‬مخطئ‬
‫"‪.‬تمكنت آنا من النظر إليه مرة أخرى‪" .‬أوه‪ ،‬إلى إنجلترا بأكملها‪ ،‬على ما أعتقد‬
‫‪.‬أجابت‪" .‬ولكن‪ ،‬كما تقول‪ ،‬رعايتي هي محبة حًق ا‪ .‬أنا ال أحاول قتلهم أكثر من مرة كل نصف ساعة في واقع األمر‬
‫ضحك‪" .‬أعتقد أنهم محظوظون ألن لديهم أخت مثلك‪ ".‬أظلم وجهه‪ ،‬كما لو أن بعض األفكار قد أخذته‪ ،‬وأضاف‪" :‬لطالما شعرت‬
‫‪".‬بالثقل كطفل وحيد‬
‫قامت حركة رقص متوقعة بتقسيمهما ووضعهما في صف واحد مع زوج آخر من الراقصين‪ .‬أمسكت آنا بيد دانيال من جهة والسيد‬
‫بيمبروك من جهة أخرى‪ ،‬وكانت حريصة جًد ا على عدم االقتراب كثيًر ا من األخير‪ .‬لقد وجد بالفعل رفيًق ا للكرة‪ ،‬وهو ما حدث في‬
‫بعض األحيان‪ ،‬رغم كل المنطق‪ .‬كانت فتاة نحيلة ذات مظهر جميل‪ ،‬وربما لم ترفض أبًد ا رقص أي شخص‪ ،‬لكن آنا كانت متأكدة‬
‫‪.‬من أن الفتاة ستبدأ في الرفض من اآلن فصاعًد ا‪ .‬أخيًر ا‪ ،‬انتهت خطوة الرقص‪ ،‬ووجدت هي ودانيال نفسيهما وجًها لوجه مرة أخرى‬
‫يمكنني أن أتظاهر بأنني أختك لبقية هذه الحفلة إذا كنت ترغب في ذلك"‪ ،‬اقترحت بحرارة لتخفيف المزاج الجدي الذي ال يزال "‬
‫يظهر على وجهه‪« .‬لكن يجب أن أحذرك من أن هذا سيتضمن عدًد ا قلياًل من مطالبي‪ :‬أوًال‪ ،‬يجب أن أطلب منك حفظ جداول‬
‫الضرب الخاصة بك؛ ثانًيا‪ ،‬يجب أن أتحقق من أذنيك لمعرفة ما إذا كنت قد قمت بتنظيفهما أم ال؛ وثالًث ا‪ ،‬يجب أن أعبث بشعرك كل‬
‫‪.‬خمس دقائق من أجل متعة بسيطة بإزعاجك‪ .‬ومن الواضح أنني سأفعل كل هذا بينما أصرخ وألومك بال توقف‬
‫ضحك دانيال بصوت عاٍل ‪ ،‬مما تسبب في تحول بعض الرؤوس وإحراج آنا قليًال‪ ،‬لكنه في الوقت نفسه منحها متعة دافئة‪" .‬إذا تمكنا‬
‫"‪.‬من تخطي الجزء المتعلق بجداول الضرب واألذنين واالنتقال مباشرة إلى الشعر‪ ،‬بالنسبة لي فقد انتهى األمر‪ ،‬يا آنسة تشامبيون‬
‫احمرت آنا خجًال ‪ ،‬وأذهلت‪ ،‬وأخفضت نظرتها‪ ،‬وشعرت باضطراب رهيب حتى حضنها‪ .‬حتى دانييل بدا وكأنه يدرك أن محادثتهما‬
‫‪،‬لم تحترم حًق ا جميع معايير التقاليد‪ ،‬وتنحنح‪ .‬ظنت أنه سيتحدث مرة أخرى‬

‫ولكن لم يأت شيء‪ .‬ظلوا صامتين‪ ،‬يرقصون في عدم الراحة‪ .‬لقد تقرر مسبًقا أن يرقصوا مًع ا‪ ،‬ولم تكن هذه هي المرة األولى التي‬
‫يتحدثون فيها وجًها لوجه‪ .‬لم تكن هذه هي المرة األولى التي تشعر فيها آنا بالتأثر بوجوده‪ ،‬لكنها كانت بالتأكيد المرة األولى التي‬
‫‪.‬تخاطر فيها باالنهيار تماًما‪ ،‬مثل العدس المطبوخ أكثر من الالزم‬
‫وشكرت نجومها المحظوظين عندما جاءت لحظة الرقص مع زوجين آخرين؛ وهذا من شأنه أن يخفف التوتر قليًال‪ .‬ربما يمكنها‬
‫حتى أن تتمكن من استعادة القليل من رباطة جأشها‪ ،‬أو مظهر رباطة جأشها‪ ،‬على األقل‪ .‬كانت تسعى جاهدة للحصول على شيء‬
‫‪.‬ما‪ ،‬أي شيء من شأنه أن يمنعها من الذوبان على حلبة الرقص‬
‫‪. . .‬لكن الزوجين اللذين كانا ينتظرانهما لم يكونا الشخص المناسب لتهدئتها‪ .‬لقد كانت لوسي و‬
‫‪.‬أوه ال ‪ ،‬كانت تشتكي لنفسها‪ .‬له‬
‫نظر إليها الغريب من أعلى إلى أسفل بوقاحة بينما كان يقترب منها‪ ،‬وتصلبت آنا من الغضب‪ .‬يا إلهي‪ ،‬كم كانت ستحب أن تمسح‬
‫‪.‬السخرية المتعجرفة من وجهه! التفتت ونظرت إلى السيد هيكسون‪ ،‬الذي نظر سريًع ا بعيًد ا من الجانب اآلخر من الغرفة‬
‫لكن بالطبع ضحكت على نفسها‪ .‬وقفت في الصف‪ ،‬دانيال على يمينها والغريب على يسارها‪ .‬كان هدوءها رائًع ا أثناء انتظارها‪ ،‬ولم‬
‫تنظر حتى بنظرة قذرة إلى الرجل المتغطرس‪ ،‬وتظاهرت بأنها ال تشعر بيدها القفازية‪ ،‬وال برقصه الرشيق‪ .‬ال‪ ،‬لقد انتظرت بثبات‪،‬‬
‫‪.‬مثل خبير استراتيجي‪ ،‬دون أن تثير شكوكه‪ ،‬وعندما اقتربت خطوة الرقص من النهاية‪ ،‬اتخذت إجراًء‬
‫‪.‬آه!" "قال الرجل وهو يغمغم عندما ركلت آنا كاحله ركلة قوية"‬
‫‪.‬نظرت ببراءة إلى األعلى ورأت عينين زرقاوين غاضبتين تحدقان بها‪" .‬لقد فعلت ذلك عمدا‪ "،‬همس في وجهها‬
‫‪".‬أجابت‪" :‬لذلك لم يعد القط يمسك بلسانك‬
‫‪.‬وعندما توقفت الموسيقى‪ ،‬ابتعدت‪ .‬انتهت خطوة الرقص‬
‫فاجأت أشياء قليلة كريستوفر‪ ،‬لكن رد فعل هذه الفتاة السخيفة التافهة كان واحًد ا منها‪ .‬أال ينبغي لفتاة صغيرة من هذا النوع أن تحافظ‬
‫على مظهرها المنخفض والخاضع؟ في القلب كانت تبحث للوصول إلى‬

‫عالم ليس عالمها‪ ،‬عالم ينتمي إلى تلك الفئة من الناس الذين عادة ما يتملقونهم ويتملقونهم‪ .‬لقد كان عالًما مليًئ ا باألشخاص الذين لم‬
‫‪.‬يطردوا السادة األثرياء‬
‫تحرك مرة أخرى مقابل لوسي‪ ،‬وهو يهز رأسه ويحاول أن ينسى الهجوم الذي تعرض له للتو‪ .‬ال ينبغي لي أن أترك نفسي مشتًت ا‪،‬‬
‫فكر وهو ينظر إلى اآلنسة إدواردز الجميلة‪ .‬يجب أن أضرب قلب هذه الفتاة هنا واآلن‪ .‬اتخذ وجهه تعبيًر ا ساحًر ا للغاية بابتسامة‬
‫‪.‬حلوة‪ ،‬ولكن على الرغم منه ألقى نظرة أخيرة على الفتاة الغبية التي ترقص مع ديميرسي‬
‫"تبعت لوسي نظرته‪ .‬أخبرته‪" :‬هذه آنا شامبيون"‪" .‬معذرة؟‬
‫الفتاة التي تحدق بها‪ .‬اسمها آنا تشامبيون‪ ".‬في حيرة من أمره‪ ،‬تجعد كريستوفر جبينه عندما عبرت الشكوك حوله"‬
‫!عقل‪ .‬ال يمكن لآلنسة إدواردز أن تلمح‪ . . .‬إنها ال تستطيع أن تصدق أنني أجد هذه الفتاة جذابة‬
‫أجاب على عجل‪« :‬كنت أفكر فحسب‪ ،‬أن بعض الفتيات لألسف يفتقرن إلى النعمة‪ .‬والحقيقة هي أنه عندما تكون إحداهن محظوظة‬
‫‪.‬بما فيه الكفاية لتكون في شركتك‪ ،‬فال يسعها إال أن تالحظ العيوب في جميع النساء األخريات‬
‫"‪.‬سقط وجه رفيقه بشكل غير متوقع‪" .‬إنها أعز صديقاتي‪ ،‬سأخبرك بذلك‬
‫هذه المفاجأة جعلته غير قادر على الرد للحظات‪ .‬ربما كانت هناك أشياء كثيرة ال تزال قادرة على مفاجأته‪ ،‬بعد كل شيء‪ .‬الليلة يبدو‬
‫أنني ال أستطيع فعل أي شيء بشكل صحيح‪ .‬قد تمثل آنا تشامبيون مشكلة‪ ،‬هكذا فكر بينما كان يراقبها خلسة‪ .‬مشكلة غير متوقعة‬
‫مزعجة‪ .‬لكن ما عالقة فتاة مسكينة كهذه بالمخلوق الجميل والمتطور الذي أمام عيني؟ ربما تكون لوسي مغرمة بإحاطة نفسها‬
‫‪.‬بأشخاص ذوي مظهر ومكانة اجتماعية أدنى بالتأكيد لتجعل نفسها تبرز أكثر‬
‫لم يستطع أن يتساءل عن ذلك لفترة طويلة‪ ،‬ألن رفيقته قالت الكلمات الدقيقة التي كان يأمل أال تنطق بها‪" :‬أود أن أقدمك لها يا سيد‬
‫‪".‬دافنبورت"‪ .‬وأضافت‪" :‬لدي انطباع بأنكما قد تتوافقان بشكل جيد‬
‫هل كانت هناك طريقة للرفض؟ كل ما استطاع فعله هو اإليماءة‪ .‬على أية حال‪ ،‬قال لنفسه‪ ،‬مبرًر ا ذلك‪ ،‬بمعرفته أن اآلنسة تشامبيون‬
‫يمكن أن يكون لها جانب مضيء‪ .‬إذا تمكن من كسب ثقتها ‪ -‬وجعلها تنسى الحادث التافه الذي حدث منذ فترة قصيرة‪ ،‬والذي لم يكن‬
‫يشك في أنه يستطيع ذلك ‪ -‬فسيتمكن من الوصول بسرعة أكبر إلى قلب لوسي‪ .‬كلمة طيبة واحدة منها‬

‫أفضل صديق ‪ -‬هذا كل ما يتطلبه األمر‪ .‬ألم تكن هذه هي الطريقة التي يعمل بها عقل األنثى؟ وبعد بضع كلمات لطيفة‪ ،‬كانت هذه‬
‫الفتاة الكئيبة تأكل من يده‪ ،‬وكان متأكًد ا من ذلك‪ .‬لن يكون من الممتع أن تكسب عواطفها‪ ،‬فقد اعترف بذلك لنفسه بشكل جاف‪ .‬لقد‬
‫كان متأكًد ا تماًم ا من أنها كانت متسلقة اجتماعية‪ .‬ربما كانت قد سعت إلى الحصول على صداقة لوسي على وجه التحديد لتشق‬
‫‪.‬طريقها بين األشخاص ذوي المناصب الرفيعة‬
‫‪.‬إلخفاء انزعاجه‪ ،‬قام بحركة الرقص األخيرة مع شريكه‪ ،‬وبينما كان ينحني انتهت الموسيقى‬
‫الرضا شيء غير محسوس‪ ،‬لكنه يضفي بريًق ا على عيون المرء وحتى مظهره‪ .‬أو على األقل هذا ما اعتقدته آنا‪ ،‬وبعد أن انتقمت‬
‫شعرت بأنها أنحف وأكثر رشاقة‪ .‬انتهت الموسيقى لألسف‪ ،‬لكن الرقصة سارت بشكل جيد للغاية‪ .‬لقد وطأت على قدمي دانييل مرة‬
‫واحدة فقط‪ ،‬وبخفة شديدة‪ ،‬بخفة شديدة لدرجة أنه ربما لم يالحظ ذلك‪ .‬إن إغراء القدر أكثر من ذلك لم يكن من الحكمة‪ ،‬ألنه في‬
‫‪".‬بعض األحيان يمنحك القدر "المزيد‬
‫في خضم اإلثارة التي وجهتها للغريب‪ ،‬نسيت آنا تماًم ا لحظة اإلحراج التي واجهتها مع دانيال عندما غادرا حلبة الرقص‪ ،‬وبدأت‬
‫بالثرثرة حول نابليون وبراعته العسكرية‪ .‬لسوء الحظ‪ ،‬كان السيد بيمبروك يخرج في نفس الوقت‪ ،‬وفي أكثر المصادفات البغيضة‪،‬‬
‫جاء في اتجاههم‪" .‬ديميرسي‪ "،‬قال بينما كان يعبر أمام دانييل ‪ -‬أو ربما قال شيًئ ا آخر ألن صوته‪ ،‬في الواقع‪ ،‬لم يكن يبدو رصيًن ا‬
‫"‪.‬للغاية‪ .‬ولم يبدو رصيًن ا أيًض ا عندما استقر بجوار آنا مثل البزاقة اللزجة‪" .‬آنسة تشابمان‪ ،‬تبدين فاتنة الليلة‬
‫انها جعلت كشر‪" .‬سأتركك للشيطان يا دانيال"‪ ،‬قالت له بعينيها‪ ،‬وكانت سخريته الخفيفة تشير إلى أنه تلقى الرسالة‪ .‬قالت على عجل‪:‬‬
‫"‪".‬إذا سمحت لي من فضلك‪ ،‬يجب أن أرى اآلنسة‪ . . .‬بطل‬
‫في تراجعها االستراتيجي الكامل‪ ،‬وصلت إلى األريكة للمرافقين‪ .‬بينما كانت تبحث عن مساحة صغيرة للجلوس‪ ،‬أدركت أنه كان من‬
‫‪.‬السخافة حًق ا أن تفكر في عدم الحضور إلى هذه الكرة‪ .‬يا إلهي‪ ،‬لم تتمتع بهذا القدر من المرح منذ سنوات‬

‫‪".‬قالت لوسي وهي تناديها‪" :‬آنا‬


‫التفتت بسعادة نحو صديقتها‪ ،‬مستعدة لسؤالها عن الغريب الذي رقص معها‪ .‬مما أثار خيبة أملها كثيًر ا ‪ -‬ال‪ ،‬لم تكن كلمة "خيبة‬
‫األمل" هي الكلمة الصحيحة تماًما‪ ،‬ألنها شعرت وكأنها دلو من الماء البارد ُت رك بالخارج في منتصف الشتاء ‪ -‬واكتشفت بدًال من‬
‫‪.‬ذلك أنه سيتعين عليها أن تكتشف بنفسها ما تريد أن تعرفه‪ .‬عن الرجل‬
‫‪.‬كان هذا المتكبر الذي ال يطاق بجانب لوسي‬
‫يا اللعنة على كل شيء‪ .‬نظرت إليه بنظرة متحدية‪ ،‬لكنه بقي بال انفعال؛ في الواقع‪ ،‬أعطاها بشكل غير متوقع ابتسامة مهذبة وبريئة‬
‫‪.‬تماًما‬
‫‪.‬ماذا؟ فكرت آنا‬
‫لبضع لحظات كانت في حالة ذهول‪ .‬كان هذا الرجل يتظاهر بأنه ودي‪ .‬واألسوأ من ذلك أنه كان يتظاهر بأنه لم ير كأًس ا من عصير‬
‫الليمون في حياته أبًد ا‪ ،‬وال هي أيًض ا على ما يبدو‪ .‬لماذا؟ مندهشة‪ ،‬شاهدته يبتسم للوسي‪ .‬ثم ابتسم بعض أكثر‪ .‬وأكثر ‪ -‬دائًما أكثر‬
‫‪.‬سعادة‪ ،‬دائًما أكثر شجاعة‬
‫‪.‬كان كل شيء واضحا اآلن‬
‫‪.‬يريد قبولي‪ .‬ولهذا السبب يبدو ودوًد ا جًد ا معي‬
‫الغضب الذي كان قد هدأ من قبل من خالل الركلة التي وجهتها له‪ ،‬عاد أقوى‪ .‬إنه يعتقد أنه يستطيع أن يخدعني بابتسامته االحتيالية‬
‫‪.‬وعينيه الزرقاوين ومالبسه األنيقة وكل أشياءه األخرى‪ .‬حسًن ا‪ ،‬إنه على وشك اكتشاف أنه مخطئ لألسف الشديد‬
‫قالت لوسي لها بمرح‪" :‬آنا‪ ،‬عزيزتي‪ ،‬أود أن أعرفك على أحد معارفك الجدد‪ ،‬والذي لم يكاد يصل إلى المدينة‪ .‬السيد كريستوفر‬
‫»‪.‬دافنبورت‪ .‬السيد دافنبورت‪ ،‬بطلة اآلنسة آنا‬
‫توترت آنا بشكل غير حاسم‪ .‬ماذا يجب أن تفعل؟ تشير إليه بأصابع االتهام وتدينه باعتباره السبب في حالتها البائسة؟ سيكون ذلك‬
‫‪. . .‬بالتأكيد أسوأ عقوبة بالنسبة له‪ ،‬ولكن‬
‫)ولكن هناك دائًما القليل من اإلهانات الخاصة وتلك التي تتم علًن ا‪ .‬أليس هذا صحيًح ا يا آنا؟(‬
‫لم يكن األمر أنها ستذهب بعيًد ا إذا أخبرت لوسي كيف عاملها‪ .‬لم تكن تريد أن يدافع عنها صديقها‪ .‬وحتى لو أرادت ذلك حًق ا‪ ،‬فهل‬
‫كان السبب مهًما حًقا؟‬
‫قال لها‪" :‬يشرفني جًد ا التعرف عليك"‪ .‬كان صوته منخفًض ا وعميًقا وله نغمة خشنة قليًال‪ .‬ال‪ ،‬ليس خشًن ا‪ :‬متغطرًس ا‪ .‬لطيف ورائع‪،‬‬
‫نعم‪ ،‬ولكن ال يمكن إنكاره مع نغمة متعجرفة‪ .‬انحنى ليقبل يدها‪ ،‬وتكررت هذه الحركة مئات المرات‬

‫مئات األشخاص – ضربوها بطريقة مختلفة تماًما‪ .‬ربما كانت الطريقة البطيئة التي فعل بها ذلك‪ .‬أو الطريقة األنيقة التي ظلت بها‬
‫‪.‬شفتيه على قفازها‪ .‬أو ربما‪ ،‬بكل بساطة‪ ،‬ألنه كان أكثر رجل مكروه قابلته على اإلطالق‬
‫السيد‪ .‬أخبرتها لوسي أن دافنبورت تأتي من لندن‪" .‬إنه ممول‪ ،‬حتى لو كان ينوي اآلن تكريس نفسه بالكامل لممتلكاته في روكفيلد "‬
‫"‪.‬بارك‬
‫أوه حًق ا؟" سألت آنا وهي تنظر إليه ببرود‪ .‬في الواقع‪ ،‬لقد قررت التزام الصمت‪ ،‬على الرغم من أن الجزء الكبرياء منها كان ال "‬
‫يزال يتصاعد‪ .‬كان عليها أن تكون حريصة على عدم ركله مرة أخرى‪ .‬وعلقت مع مجرد لمحة من المرارة‪" :‬سيكون أمًر ا جيًد ا أن‬
‫تظل بعيًد ا عن التمويل يا سيد دافنبورت"‪" .‬ال يمكن للمرء أن يكون متأكدا من أنه قد ال يكون هناك انهيارات أخرى في األسهم‬
‫"‪.‬لتجنبها‬
‫"نظرت لوسي إليها دون أن تفهم‪" .‬انهيار في األسهم؟‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬كان السيد دافنبورت يفهمها تماًما‪ ،‬وبدت عيناه متفاجئتين للحظة‪ .‬الحظت آنا بأسف أنه لم ُيظهر أي عالمة على‬
‫العداء‪ .‬ذو وجه حجري تماًما‪ ،‬مؤدب تماًما‪ .‬على العكس من ذلك‪ ،‬بدا مرتاًح ا إلى حد ما ألنها التزمت الصمت بشأن الحادث‪ .‬قال‬
‫بهدوء‪" :‬نعم يا آنسة إدواردز"‪" .‬كان هناك انهيار كبير في األسواق المالية في ديسمبر الماضي‪ .‬من الرائع حًق ا أنك على علم بذلك‪،‬‬
‫" ‪.‬يا آنسة تشامبيون‬
‫لم ترد آنا‪ ،‬لم تستطع ذلك‪ ،‬بينما كانت كلمة "رائع" تدور في رأسها‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬لم تواجه لوسي أي مشكلة في التحدث على‬
‫"‪.‬اإلطالق‪" .‬ماذا أخبرتك يا سيد دافنبورت؟" قالت‪" .‬كنت أعلم أنكما ستتفقان جيًد ا‬
‫‪.‬ابتسم بال هوادة‪ .‬وآنا‪ ،‬برشاقة وخلف رفرفة مروحتها‪ ،‬أطلقت بضع سعال‬
‫‪.‬من المثير أن يكون لديك وجه جديد في الحي‪ ،‬أليس كذلك يا آنا؟" قالت لوسي"‬
‫"‪.‬قامت بتطهير حلقها‪ .‬أجابت بشكل قاطع‪" :‬ال أعرف"‪" .‬أنت تعرف ماذا يقولون عن الوجوه الجديدة‪ :‬إنهم يخفون الحيل القديمة‬
‫" أوه حًق ا؟" عبوس لوسي بغضب‪" .‬هذه هي المرة األولى التي أسمع فيها هذا المثل‪ ،‬آنا‪ .‬هل أنت متأكد من أنه موجود بالفعل؟"‬
‫‪".‬بالكاد‪ ،‬بالنظر إلى أنني اخترعته للتو‪ .‬قالت وهي تكذب‪" :‬بالطبع‬
‫همف‪ ".‬بدت لوسي متشككة‪" .‬السيد‪" .‬دافنبورت‪ ،‬عليك أن تعذر صديقي‪ "،‬تمتمت‪" .‬على أية حال‪ ،‬ال تخافوا‪ .‬وبالحديث عن األقوال"‬
‫‪.‬الفعلية‪ ،‬يمكنك القول أن نباحها أسوأ من عضتها‬

‫‪.‬ليس كذلك‪ .‬إن عضتي سيئة للغاية‪ ،‬والسيد دافنبورت ‪ -‬على وجه التحديد‪ ،‬كاحله ‪ -‬يعرف ذلك‬
‫ال تقلقي يا آنسة إدواردز‪ .‬أجاب‪" :‬أنا أقدر الحدة العقلية‪ ،‬ويبدو أن اآلنسة شامبيون موهوبة جًد ا في هذا الصدد"‪ .‬كانت لهجته عبارة"‬
‫‪.‬عن مزيج مثالي من السكر ودبس السكر‪ ،‬ملطًخ ا بقطعة من الكعكة اإلسفنجية‬
‫هل كان يحاول السخرية الخفية؟ تساءلت آنا بشكل ال يصدق‪ .‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬على اإلطالق‪ .‬لقد بدا مقتنًع ا تماًما بأن بضع كلمات حلوة منمقة‬
‫‪.‬ستكون كافية لمحو ذكرى وقاحته‪ .‬واعترفت لنفسها أنه ربما سيكون ذلك كافًيا‪ ،‬إذا لم يقل ذلك لمصلحة لوسي فقط‬
‫ولكن انظر إليه‪ ،‬هكذا فكرت بينما كان يتحدث مع لوسي‪ .‬صناعي من قدميه إلى رأسه الذي ال يمكن الوصول إليه‪ .‬عندما يبتسم‪ ،‬ال‬
‫تتجعد عيناه‪ ،‬وفي كل مرة يتحدث‪ ،‬تكون مجامالته مغلفة بالتفاهات‪ .‬يا له من تملق ال يطاق‪ .‬يا له من ممثل من الدرجة الثالثة ال‬
‫يطاق‪ .‬حتى أنه نظر إلى وصمة عارها‪ ،‬ولم يتظاهر هذا المنافق حتى بتكوين وجه منسحق! لكن الخوض في األمر كان بال معنى‪،‬‬
‫‪. . .‬إال إذا قررت التخلي عنه‬
‫ربما لم يكن الخوض في األمر بال جدوى‪ ،‬بعد كل شيء‪ ،‬أدركت آنا‪ .‬كان هذا الرجل حريًصا جًد ا على ترك انطباع جيد لدى لوسي‪،‬‬
‫أليس كذلك؟ لقد كان األمر واضًح ا تماًم ا‪ ،‬حتى لو كان عليه أن يلجأ إلى مجامالت أقل إثارة للشفقة لتحقيق النجاح‪ .‬من المؤكد أنه لن‬
‫يظهر وجهه الحقيقي ولن يكشف عن الحادث من قبل‪ .‬وما لم ُيقال يمكن أن يكون لصالحها في النهاية‪ .‬ابتسمت آنا بينما بدأت الخطة‬
‫‪.‬تتشكل في ذهنها‪ .‬ال يوجد شيء معقد (وال أي شيء‪ ،‬بصراحة‪ ،‬رائع) ولكن بساطته كانت إلهية ح اًق‬
‫‪.‬الجو دافئ بعض الشيء في هذه الغرفة‪ ،‬أال تعتقدين ذلك؟" قالت آنا مستغلة توقف المحادثة"‬
‫أجاب السيد دافنبورت‪ ،‬وهو لم يفهم األمر بعد‪" :‬آه‪ ،‬تماًم ا"‪" .‬درجات الحرارة نموذجية لبداية شهر يوليو‪ .‬أما بالنسبة لذلك‪ ،‬في العام‬
‫" ‪ -‬الماضي‬
‫"قاطعتها آنا‪« :‬بالتأكيد‪ ،‬هذا يجعل المرء عطشاًن ا بشكل ال يصدق‪ .‬أال توافقينني الرأي يا لوسي؟‬
‫‪.‬أوه ‪" . . .‬نعم بالفعل‪ "،‬قالت لوسي‪ ،‬على حين غرة‪ ،‬ولكن دون شك"‬
‫وال يمكن قول الشيء نفسه عن السيد دافنبورت‪ .‬أظهرت عيناه بصيًص ا من الفهم المبدئي‪" .‬هل ترغبين في شرب شيء ما يا‬
‫‪.‬سيدات؟" سأل بأدب‬

‫"‪.‬أضاءت لوسي‪" .‬سيكون ذلك رائعا‬


‫"‪.‬وأكدت آنا وهي تنظر إليه بتحد‪" :‬سيكون األمر رائًع ا للغاية"‪" .‬عصير الليمون هو الشيء الوحيد الذي سيفعله اآلن‬
‫أوه‪ ،‬لقد فهم اآلن! لفترة طويلة بدا أنه ال يستطيع التحرك‪ .‬مندهًش ا‪ ،‬قام بفحص آنا من خالل عيون نصف مغلقة‪ .‬ربما كان يحاول‬
‫تخويفها‪ .‬قد يكون هذا أول تعبير حقيقي على وجهه‪ ،‬فكرت آنا‪ ،‬وقد شعرت بالرضا ألنها تمكنت أخيًر ا من قطع القشرة الخارجية‬
‫‪.‬لوجهه‪ .‬أخيًر ا هرب‪ ،‬وهو أمر ال مفر منه‪ .‬وعندما عاد كان في يديه كأسان‬
‫‪.‬ها نحن ذا‪ ،‬فكرت آنا‪ .‬سلم السيد دافنبورت كوًبا إلى لوسي‬
‫"‪.‬قالت لوسي وهي تشرب بسرعة‪" :‬شكًر ا لك‪ ،‬أنت لطيف جًد ا"‪" .‬أوه‪ ،‬إنه لذيذ‬
‫من دواعي سروري يا آنسة إدواردز‪" .‬يا آنسة تشامبيون‪ "،‬قال لها بهدوء‪ ،‬على الرغم من أن عينيه ضاقتا عندما كان يحدق‪" .‬هذه "‬
‫‪.‬هي الراحة التي طلبتها‪ ".‬مد ذراعه نحوها وهو يمسك الزجاج بين أصابعه‬
‫)هل أنت متأكدة يا آنا؟ هل أنت متأكدة من رغبتك في القيام بذلك؟(‬
‫"تمتمت قائلة‪" :‬أنت لطيف للغاية"‪" .‬األخالق الحميدة هي دائما نادرة بين السادة‪ ،‬أال تعتقد ذلك؟‬
‫حدق بها السيد دافنبورت بجدية لكنه لم يستجب‪ .‬لم تنظر آنا بعيًد ا‪ ،‬لكن المبارزة بأعينهما لم تكن مسلية كما تخيلت‪ ،‬بل لم تكن تسليها‬
‫على اإلطالق‪ ،‬في الواقع‪ .‬كيف يتمكن من تعتيم تلك العيون المالئكية؟ تساءلت‪ ،‬منزعجة‪ ،‬ألنها شعرت بشيء يشبه الخوف في‬
‫صدرها وبطنها‪ ،‬ألنها بدت وكأنها تستشعر تهديًد ا حقيقًيا في هذه الظالل والومضات الزرقاء‪ .‬كان هذا بال شك مجرد انطباع حصلت‬
‫عليه‪ ،‬ألن كريستوفر دافنبورت ال يمكن أن يكون أكثر من مجرد متأنق يدلي بمالحظات مبتذلة ويضحك سخيًف ا‪ .‬لم يكن على‬
‫‪.‬اإلطالق رجًال شرًس ا ومصمًما بال هوادة‪ ،‬كما يوحي الذعر الذي شق طريقه إلى بطنها‬
‫‪).‬ال تفعلي ذلك يا آنا(‬
‫ارتجفت يدها من عدم اليقين‪ ،‬وتضاءلت رغبتها الضئيلة بالفعل في وضع خطتها موضع التنفيذ‪ .‬تساءلت إذا لم يكن هذا سبًبا ضدها‪،‬‬
‫وفجأة قررت أن تنساه‪ ،‬ليس خوًف ا ‪ -‬ال‪ ،‬ال على اإلطالق ‪ -‬ولكن ألن لعبة التعادل الطفولية هذه ستجعلها تبدو سخيفة‪ ،‬وليس هو‪. .‬‬
‫‪. . .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد ركلته أوًال‪ ،‬أليس كذلك؟ يمكن أن يقول أنها حققت النتيجة‬
‫‪.‬خفضت رأسها مع تنهد مستسلم وأخذت الزجاج‪ .‬شعرت بأنها تخضع للمراقبة الدقيقة‪ ،‬ولم تستطع إال أن تنظر لألعلى‬
‫وبشكل غير متوقع‪ ،‬رأت نظرة انتصار على وجه السيد دافنبورت‪ .‬كانت هناك ابتسامة على شفتيه الخائنة‪ ،‬وتألقت عيناه الزرقاوان‬
‫‪.‬في السخرية‪ .‬لقد قبل هذا الرجل تحديها‪ ،‬وكان يعتبرها مهمة ومساوية له‪ ،‬وقد فاز‬
‫‪.‬كال‪ ،‬ليس بعد‪ ،‬فكرت آنا‬
‫بمزيج من الرعب والفرح البدائي‪ ،‬قلبت معصمها‪ ،‬ولمعت محتويات الزجاج عندما انسكبت على مالبسه الطاهرة‪ .‬أطلقت لوسي‬
‫صرخة خائفة قليًال ‪ ،‬وأطلق شخص قريب منها ضحكة مكتومة‪ .‬منبهرة‪ ،‬شاهدت آنا البقعة تكبر على معطف وصدرية هذا الرجل‪ ،‬ثم‬
‫‪.‬رفعت عينيها نحو وجهه‪ .‬وهناك اكتشفت أنها بدأت شيًئ ا ربما لن تتمكن من السيطرة عليه‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪3‬‬
‫‪".‬هناك امرأة في كل حال؛ بمجرد أن يقدموا لي تقريًر ا‪ ،‬أقول‪" :‬ابحث عن المرأة‬
‫الكسندر دوماس‪ ،‬األب ‪-‬‬
‫عندما انضم إليه ماثيو على المائدة الطويلة المظلمة‪ ،‬كان كريستوفر يدهن مربى البرتقال على قطعة خبز‪ .‬كانا في غرفة الطعام —‬
‫إحدى غرف الطعام — في قصر روكفيلد بارك الفخم‪ .‬كان ضوء الصباح الخافت يتدفق من النافذة التي تركت مفتوحة على‬
‫مصراعيها في الطقس الحار‪ .‬كانت الغرفة ضخمة ومهيبة‪ ،‬مع زخرفة األرابيسك والمفروشات على الجدران‪ .‬كانت الوستارية‬
‫‪.‬الجصية والعنب متناثرة بشكل بارز حول سقف الغرفة‬
‫لقد ضاع كل هذا البذخ‪ ،‬ألن كريستوفر لم يرفع عينيه عن طبقه متجهًما‪ .‬مأل ماثيو كوًبا بالشوكوالتة الساخنة ثم قال‪ ،‬بتنهيدة مبالغ‬
‫فيها‪" :‬بالنظر إلى مظهرك الحامض‪ ،‬أود أن أقول إن األمور لم تسر على ما يرام الليلة الماضية‪ .‬هل تمكنت من التعرف على نصفك‬
‫‪ ." . .‬قال وهو بالكاد يوقف نفسه في الوقت المناسب‪ .‬إن اإلشارة إلى دانيال ديميرسي باعتباره األخ غير الشقيق لكريستوفر كانت‬
‫"ستجعله صفعة على رأسه‪" .‬هل تمكنت من التعرف على دانيال؟‬
‫‪.‬ال‪ ،‬اللعنة على كل شيء‪ ".‬بعد أن فقد كريستوفر شهيته‪ ،‬ألقى قطعة الخبز على طبقه"‬
‫كان من المؤكد أن شخًص ا ما سيقدم له ‪ DeMercy -‬لقد ذهب الليل كله منحرًف ا‪ .‬عندما بدا أنه قد نجح تقريًبا في االتصال بعائلة‬
‫دانيال خالل المساء ‪ -‬جاءت آنا شامبيون اللعينة وأفسدت خطته تماًم ا‪ .‬ومالبسه طبعا‪ .‬واألسوأ من ذلك أنها فعلت كل ذلك عن قصد‪.‬‬
‫كان لديها‬

‫سكب الزجاج عمدا! سمع كريستوفر ضحكات قادمة من مكان قريب‪ ،‬وأدار رأسه‪ ،‬ورأى رجًال عجوًز ا يسخر‪ .‬كان لديه شعر أبيض‬
‫كثيف بشكل استثنائي‪ ،‬مثل عرف األسد‪ .‬للحظة كاد كريستوفر أن يفقد أعصابه ويلقي سنوات من العمل والتحضير في الهواء‪ .‬يا‬
‫إلهي كم يكره أن يضحك عليه الناس‪ .‬وسرعان ما خطرت في ذهنه ذكريات بعيدة‪ ،‬ذكريات طفل ذو شعر أسود كثيف وكثيف وقذر‪.‬‬
‫طفل ركض‪ ،‬طارده أطفال آخرون في مثل عمره؛ طفل بصق عليه وألقيت عليه الحجارة‪ .‬الطفل الذي تم االستهزاء به والذي كان‬
‫يسمى اللقيط وابن العاهرة‪ .‬هذا الضحك ‪ -‬األطفال يضحكون في وجهه ويطلقون عليه أسماء ‪ -‬ال يزال يطارد أحالمه حتى اليوم‪.‬‬
‫‪.‬فركض وركض‬
‫‪.‬حسنا‪ ،‬ماذا حدث؟" سأله متى"‬
‫ال شيء مهم‪ ،‬فكر‪ ،‬وهو يفكر‪ .‬لقد تعرضت للسخرية فقط خالل أول ظهور علني لي في هذا المكان البائس‪ .‬لم يجبه‪ ،‬وهو يغلي‬
‫‪.‬بمرارة‪ .‬أتمنى على األقل أن تكون هذه الفتاة راضية‪ ،‬وأال تقول شيًئ ا لصديقتها‬
‫لحسن الحظ‪ ،‬لم تكن اآلنسة إدواردز تشك في أي شيء‪ ،‬وصرخت في فزع‪« :‬آنا! أنت أخرق بشكل مخيف هذا المساء! سيد‬
‫‪ . . ".‬دافينبورت‪ ،‬يا له من عار‪ .‬مالبسك األنيقة‬
‫‪.‬مع جو من التحدي‪ ،‬نظرت إليه اآلنسة شامبيون‪ .‬قالت بعينيها‪ :‬اكشفني إذا كنت تجرؤ‬
‫كان كريستوفر صامتا‪ .‬لم يكن هناك الكثير مما يمكنه فعله‪ ،‬بعد كل شيء‪ ،‬حتى لو أراد ذلك‪( .‬وأراد ذلك‪ .‬لقد أراد ذلك حًقا‪ ).‬ثم قالت‬
‫له هذه الفتاة الغادرة‪" :‬أنا آسف جًد ا يا سيد دافنبورت‪ .‬هل ترى هذا؟" وأشارت إلى البقعة على فستانها‪" .‬هذا هو بالفعل الكأس الثاني‬
‫الذي سكبته هذا المساء‪" .‬وهكذا‪ ،‬فمن المحتمل" ‪ -‬وقد أخذت في التأمل ‪" -‬إذا لم يحدث هذا في المرة األولى‪ ،‬فلن يحدث في المرة‬
‫الثانية أيًض ا‪ ،‬ألن العادات السيئة تحدث على عجل‪ ،‬أال تعتقدين ذلك؟" لم تخفض عينيها رغم الخوف الذي ظهر بحكمة على وجهها‪.‬‬
‫‪.‬بدال من ذلك‪ ،‬ابتسمت فقط‬
‫!إبتسمت‬
‫‪.‬بالكاد تمكن من الحفاظ على هدوئه ولم يفرك رقبتها‪ ،‬وابتعد‪ ،‬متذرعا بأنه كان عليه تنظيف مالبسه‬
‫‪.‬ورحل وسط سحابة من الضحك‬
‫)"!لقيط! ابن العاهرة"(‬
‫لكي يهرب بهذه الطريقة من الكرة‪ ،‬كما لو كان كلًبا خائًفا‬
‫كان الخروج وذيله بين رجليه مهيًن ا‪ ،‬لكنه كان يعلم أنه كذلك‬
‫‪.‬ال يمكن أن أقابل دانيال في هذه الحالة‪ .‬لم يكن من الممكن أن يقابل دانيال في أي حالة كان فيها أدنى منه‬
‫‪.‬منزعًج ا‪ ،‬وضع يده على جبهته وغير الموضوع‪" .‬هل وجدت أي شيء على اإلطالق بشأن مديني ليوبولد؟" سأل كريستوفر‬
‫"‪.‬احتج ماثيو قائًال ‪" :‬أوه ال‪ ،‬ال تعتقد أنك ستخرج من األمر بهذه السهولة"‪" .‬يجب أن تخبرني بكل ما حدث الليلة الماضية‬
‫"نظر كريستوفر إليه بغضب‪" .‬حسًن ا؟‬
‫"اذن ماذا؟"‬
‫‪".‬مدينو ليوبولد ديميرسي‪ ،‬أيها ابن عمي الغبي"‬
‫أوه‪ ،‬جيد جًد ا‪ "،‬تنهد‪" .‬بعد ظهر هذا اليوم سأحاول مرة أخرى حّثي"‬
‫"‪.‬االتصاالت في البنك‬
‫"أثار كريستوفر الحاجب‪" .‬بعد ظهر اليوم؟‬
‫بخير بخير‪ .‬سأذهب على الفور‪ .‬إذا كان هناك أي شيء آخر يمكنني القيام به من أجله"‬
‫‪.‬أنت‪ ،‬دعني أعرف – ألّمع أحذيتك‪ ،‬وكوي قمصانك‬
‫سيكون ذلك جميال‪ ،‬ولكن أعتقد أن ذلك سيتطلب المزيد"‬
‫‪.‬معلومات استخباراتية من جانبك‪ ،‬لذلك لن أزعجك بذلك‬
‫نظر ماثيو إليه جانبًيا‪" .‬هل أنت متأكد من أن كونك ذكيا‬
‫‪.‬يعني وجود هذا التعبير الشبيه بالقردة على وجهك؟ سأله متشككا‬
‫أخذ قطعة من الخبز والمربى وأكلها ببطء‪ ،‬شبه شارد الذهن‪ ،‬كما رآه كريستوفر يفعل منذ أن كان طفًال‪ .‬لم يتغير ماثيو كثيًر ا أثناء‬
‫نشأته‪ :‬كان ال يزال يتمتع بنفس العيون الكبيرة‪ ،‬ونفس البنية النحيلة‪ ،‬ونفس الشعر القصير اللعين‪" .‬الشعر الطويل يجلب القمل"‪،‬‬
‫كانت تقول باربرا دافنبورت‪ ،‬وهللا ما زال ماثيو يستمع إليها‪ ،‬رغم أنها ماتت‪ .‬ولم تكن هذه سوى واحدة من آالف القواعد التي‬
‫‪.‬فرضتها العمة على ابنها وعلى كريستوفر‪ ،‬بعد أن استقبلته عائلة دافنبورت‬
‫‪.‬قالت السيدة دافنبورت‪" :‬ال تتسلق على الخزانات"‪" .‬ال تركض؛ سوف تتعرق كثيًر ا‬
‫‪... . ".‬ال ينبغي للمرء أن يقاتل‪ ،‬ال ينبغي ألحد أن يقفز‪ ،‬ال ينبغي ألحد أن"‬
‫ورغم أن كريستوفر رفض في كثير من األحيان وبكل سرور االنصياع لهذه القواعد‪ ،‬إال أن متى فعل ذلك‪ .‬معظم الوقت‪ ،‬على‬
‫األقل‪" .‬ال تلعب مع األطفال الغرباء؛ "سوف تصطاد شيًئ ا ما" ‪ ،‬تذمرت‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان ماثيو قد اقترب منه بعد ظهر أحد أيام‬
‫سبتمبر منذ حوالي عشرين عاًما‪ ،‬وقدم له شطيرة‪ ،‬ولعبا سًر ا لمدة خمس دقائق قبل أن تالحظ والدته غيابه وتناديه بصوت عاٍل لمدة‬
‫‪،‬خمس دقائق‪ .‬في ذلك اليوم‪ ،‬ثم خمس دقائق كل يوم لمدة شهر تقريًبا‬

‫‪.‬كل بعد ظهر‪ .‬كان ذلك أول تمرد لطفل بدا هزيًال للغاية بحيث يمكن أن تحمله أول هبة ريح‬
‫لحسن الحظ‪ ،‬لم تكن هناك رياح في الثاني من سبتمبر عام ‪ .1806‬لقد كان يوًما حاًر ا – جيًد ا وحاًر ا – ذلك النوع من الحرارة التي‬
‫تتغلغل في عظامك مثل بلسم الشفاء‪ .‬كان كريستوفر يقوم بتلميع األحذية للسادة بين بيكاديللي وغرين بارك‪ ،‬وقد رأى ماثيو يصل‬
‫برفقة سيدة نحيفة متوترة ومربية بدينة كانت الهثة بعض الشيء‪ .‬لم تكن هذه هي المرة األولى التي يرى فيها الثالثة؛ قبل أن تنتحر‬
‫والدته‪ ،‬كانت تأخذه من وقت آلخر إلى الحديقة‪ ،‬وبمجرد أن وضعت حجابها على وجهها وخرجت معه بسرعة بعد أن رأت المرأة‬
‫‪.‬النحيلة‪ .‬والدته التي لم تهرب قط‪ .‬لماذا؟ انتحرت بعد أيام قليلة‪ .‬ربما كان خطأ هذه السيدة‬
‫‪.‬ربما لم يكن خطأي‬
‫مع هذه الفكرة في رأسه‪ ،‬كان كريستوفر يتبع الثالثة منهم‪ .‬فتجسس عليهم من وراء شجرة دون أن يصدر صوتا‪ .‬وبعد فترة الحظه‬
‫‪.‬ماثيو وابتسم له ابتسامة خجولة‬
‫‪".‬مع تنهيدة‪ ،‬استدارت آنا نحو شقيقها‪ ،‬الذي كان يعبث بسن قلمه‪ .‬قالت‪" :‬أنتوني‪ ،‬عد لتأخذ دروسك‬
‫‪".‬أجاب‪" :‬لقد انتهيت منهم‬
‫كانت تجلس على طاولة المطبخ‪ ،‬حيث كان إخوتها يقومون بتمارينهم‪ .‬كان أنتوني يؤدي واجًبا صعًبا في مادة الرياضيات التي كان‬
‫يحبها‪( .‬كان األمر مقلًق ا عندما كان في الحادية عشرة من عمره تقريًبا‪" .‬أين أخطأت معك؟" كانت آنا تسأله أحياًن ا وهي تضحك‪).‬‬
‫كان دينيس‪ ،‬الذي كان يعاني من ألغاز الكتابة اليدوية‪ ،‬يكتب الجملة "أحاول أن أكتب الجملة"‪ ،‬وتوجيه القلم بقليل من الدقة وكثير من‬
‫التثاؤب‪ .‬كانت جريس‪ ،‬ابنة المنزل‪ ،‬ترسم أنواًع ا مختلفة من الزهور في دفتر مالحظاتها ذو الغالف األحمر‪ .‬لقد قررت تلوينها‬
‫‪.‬جميًع ا باللون األصفر والبني‬
‫كيف يمكن أن تكون قد انتهيت بالفعل؟" نظرت آنا إلى دفتر أخيها األنيق‪ ،‬وتفحصت المبالغ‪ .‬واعترفت قائلة‪" :‬هذا صحيح‪ ،‬وكل "‬
‫"!شيء صحيح‪ .‬جيد جًد ا‬
‫‪.‬لقد أفسدت شعره البني الكثيف الذي كان يكرهه‬

‫أوه‪ ،‬آنا!" تذمر‪ .‬لقد حاول إعادة ترتيب شعره‪ ،‬فتحول تحت يديه من فوضوي إلى أكثر فوضوية‪ .‬قال بصوت جدي‪" :‬إذا كنت جيًد ا "‬
‫"‪.‬جًد ا‪ ،‬فلماذا ال أستطيع مساعدتك في الحسابات؟" وأشار إلى السجل األسود الذي أمامه‪" .‬يبدو أنك متعب للغاية‬
‫أنتوني‪ ،‬عزيزي الرجل الصغير‪ ،‬أنت تعلم أنه ال ينبغي ألحد أن يخبر سيدة شابة أنها تبدو متعبة‪ .‬إذا سمعتك لوسي‪ ،‬فسوف "‬
‫‪.‬تضربك بالتأكيد‬
‫لكنها كانت مرهقة حًق ا‪ ،‬هذا ما اعترفت به آنا لنفسها‪ .‬لقد عادت متأخرة مساء أمس‪ ،‬وفي الصباح منعها روتين أسرة البطل من‬
‫‪.‬الراحة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان األمر يستحق ذلك؛ لقد رقص دانييل معها مرتين‪ ،‬وكل شيء سار على ما يرام‬
‫‪.‬أو كل شيء تقريًبا‬
‫شعرت بعدم االرتياح الطفيف عندما فكرت مرة أخرى في السيد دافنبورت ووجهه الغاضب بعد االنتقام الذي اتخذته منه‪ .‬هيا‪ ،‬لقد‬
‫كان ممتعًا‪ ،‬أليس كذلك؟ فكرت وهي تحاول إقناع نفسها‪ .‬لقد كانت مجرد مزحة صغيرة‪ ،‬وبالتأكيد لن تكون هناك عواقب‪ .‬منذ متى‬
‫أصبحت ضعيفة القلب إلى هذا الحد؟‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فقد شعرت هذا الصباح بعدم الرضا وفكرت في احتمال أنها لم تتصرف بشكل صحيح‪ .‬ارجوك! من المؤكد أن أخالقه‬
‫البغيضة تستحق العقاب‪ .‬هزت رأسها لتخليص نفسها من فكرة ذلك الرجل المتعجرف‪ .‬كانت تعلم أنها على حق‪ ،‬على الرغم من أن‬
‫الشعور بالذنب الذي ال يمكن تفسيره لم يتركها أبًد ا‪ .‬وبدا لها – للحظة قصيرة وغير محسوسة – أن خلف غضب تلك العيون‬
‫‪.‬الزرقاء يكمن حزن بعيد‬
‫‪.‬قالت في نفسها‪ :‬هذا أمر مثير للسخرية‪ .‬أنا فقط أتخيل ذلك‬
‫من اآلن فصاعدا‪ ،‬سيكون عليها أن تتجنب كريستوفر دافنبورت ‪ -‬وهو أمر ال ينبغي أن يكون صعبا للغاية‪ ،‬ألنه لم يكن كما لو أنها‬
‫كانت تتمتع بحياة اجتماعية كبيرة‪ .‬إذا تمكنت من إدارة ذلك‪ ،‬فسيتم االعتناء بكل شيء‪ .‬قررت إخراج الكرة من ذهنها‪ ،‬وفركت‬
‫جبهتها وهي تحول انتباهها إلى سجل الحساب‪ .‬بعد مرض والدها‪ ،‬تسببت إدارة التركة في قلقها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان هناك ارتياح في‬
‫األفق‪ .‬إن اإليجار من ممتلكات عائلتها من األراضي سيغطي ديونهم‪ ،‬وفي غضون سنوات قليلة أخرى سيكونون مجانيين‬
‫‪.‬وواضحين‬
‫‪.‬فكرت آنا‪ :‬أستطيع أن أفعل ذلك‬
‫‪.‬لم تقل هذا بصوت عاٍل ‪ .‬أبدا بصوت عال‬
‫أستطيع أن أفعل ذلك‪ .‬وفي غضون خمس أو ست سنوات سيتم سداد الديون‪ .‬الى الجحيم‬
‫‪.‬مع زواج المصلحة‬

‫كانت آنا تدرك جيًد ا أن هذا هو السبب وراء قيام لوسي بجرها إلى الحفالت والكرات‪ .‬كانت صديقتها قلقة عليها وأرادت الحصول‬
‫على زواج مفيد لها‪ .‬هل من األنانية أن ترغب في الزواج من أجل الحب؟ تساءلت مرة أخرى‪ .‬كانت تعرف الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬لقد كانت‬
‫أنانية‪ .‬إن رفض الزواج الجيد يعني ترك أسرتها في حالة من الفقر النسبي الغارقين فيها حالًيا‪ .‬لقد تخلصوا من كل اإلنفاق غير‬
‫الضروري‪ ،‬وتم إغالق معظم المنزل لمدة ثالث سنوات‪ ،‬ولم يعد لديهم خيول أو خدم‪ . .‬وكانت المساعدة الوحيدة المتبقية هي نورا‪،‬‬
‫‪.‬التي بقيت حتى عندما لم يعد بإمكانهم دفع أجورها‪ ،‬ألنها كانت جزًءا من العائلة بكل المقاصد واألغراض‬
‫وهذا الشلن المفقود‪ ،‬أين ذهب؟ تساءلت وهي ُت رهق عقلها وهي تعيد حساب المبلغ للمرة الثالثة‪ .‬حسًن ا‪ ،‬تكلفة خيوط الخياطة‪،‬‬
‫‪...‬باإلضافة إلى طبيب األب‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫‪.‬الضفدع القبيح!" صرخ صوت مألوف‪ ،‬يهز آنا من أفكارها"‬
‫‪.‬تحولت آنا نحو دينيس‪ ،‬الذي كان يتقاتل مع أنتوني للمرة األلف‬
‫‪.‬ألقى دينيس دفتر مالحظاته‪ ،‬ونهض أنتوني فجأة من كرسيه‪ ،‬وقلبه‪" .‬فجل حار!" أجاب غاضبا‬
‫فجل حار؟ قالت آنا في نفسها في حيرة‪" .‬يا أطفال‪ ،‬من فضلكم‪ "،‬توسلت وهي تحمل رأسها بين يديها‪ .‬كريمة‪ ،‬أنا ال أنجز أي شيء‬
‫هذا الصباح‪ .‬لقد تخلت عن سجل الحسابات وحصلت على مذكراتها السرية‪ .‬فتحته‪ .‬في الداخل كانت هناك خربشات غير قابلة للفك‬
‫يبدو أنها كتبها شخص أعسر لم يكن لديه سوى ذراعه اليمنى وكان في حالة سكر إلى جانب ذلك‪ .‬لوسي وحدها هي التي كانت‬
‫وهي االختزال المعدل ‪ LuAnGraphy،‬تستطيع أن تفهم أي معنى لهذه العالمات‪ ،‬ألنه لم يكن هناك سوى كلمات مكتوبة بلغة‬
‫أمًر ا تلقائًيا مثل كتابة ‪ LuAnGraphy‬الذي استخدمه كالهما لتبادل المالحظات المشفرة‪ .‬بالنسبة آلنا‪ ،‬أصبحت الكتابة باستخدام‬
‫‪.‬األشياء بالكامل‪ ،‬وحتى اآلن تحرك سن قلمها بسرعة بينما كانت تسجل في مذكراتها أحداث الليلة السابقة‬
‫لم تستطع االنتظار حتى بعد الظهر لمقابلة لوسي‪ .‬أرادت مناقشة الكرة معها‪ ،‬وعلى الرغم من نفسها‪ ،‬كان لديها فضول لمعرفة‬
‫المزيد عن كريستوفر دافنبورت‪ .‬بعد الحادثة‪ ،‬كان قد انصرف متبختًر ا وهو يشعر باإلذالل الشديد — أو هذا ما بدا لها — وقد‬
‫‪.‬أثارت هذه الفكرة شعوًر ا جديًد ا بالذنب‬

‫»‪.‬مهال‪ ،‬ما هو الخطأ معك؟ تبدو أكثر سخافة من المعتاد اليوم‪ ،‬واعتقدت أن ذلك مستحيل"‬
‫نهض كريستوفر من على الطاولة‪" .‬أشكر نجومك المحظوظين ألنك ابن عمي‪ ،‬مات‪ ،‬وإال لكنت قد سجلتك منذ وقت طويل‪ ".‬توقف‬
‫لديهم عقار يقع شرق القرية وأريد أن أعرف ‪ Champion.‬مؤقًت ا‪ ،‬ثم أضاف مشتًت ا‪" :‬آه‪ ،‬استمع‪ .‬تعرف على عائلة معينة اسمها‬
‫"‪.‬كل شيء عنهم‪ .‬كل شئ‪ .‬كم يكسبون إذا كان عليهم ديون‪ .‬ال تترك حجرا دون أن تقلبه‬
‫ماثيو تجعد جبينه‪" .‬بطل؟ لم يسمع بهم‪ .‬هل هم عائلة مهمة تخلت عني؟‬
‫ليس تماما‪ .‬أعتقد أنهم فقراء إلى حد ما‪ ،‬في الواقع‪ .‬فكر مرة أخرى في الليلة السابقة وأطبق فكه‪" .‬على وجه الخصوص‪ ،‬أريدك أن"‬
‫"‪.‬تكشف عن كل جزء ممكن من المعلومات المتعلقة باآلنسة آنا تشامبيون‬
‫لم تخدع لهجته غير المبالية ابن عمه الذي صّفر بهدوء‪" .‬آنا بطلة؟ هل أنت واقع في الحب قليًال يا كريس؟» ضحك بسخرية‪" .‬اآلن‬
‫»‪.‬أفهم لماذا كنت ترتدي مالبسك هذا الصباح! لقد كنت نشوًيا لدرجة أنني تساءلت كيف ستثني ركبتيك لتتمكن من المشي‬
‫عابًس ا‪ ،‬لم يستجب كريستوفر‪ ،‬واتجه نحو الباب‪ .‬كان لديه الكثير من األشياء للقيام بها‪ ،‬وكلها مزعجة بنفس القدر‪ ،‬وكان عليه‬
‫‪.‬المضي قدًما‬
‫هل يجب أن أنصح بطلة آنا هذه بمغادرة المدينة يا كريس؟" صرخ ماثيو بقلق‪" .‬أنا ال أحب ذلك على اإلطالق عندما يكون لديك "‬
‫!تلك النظرة على وجهك ‪ -‬ال يعني ذلك أنني أجد وجهك جذاًبا إلى هذا الحد‪ ،‬ولكن‪ . . . ...‬مهال‪ ،‬عد إلى هنا‬
‫‪.‬وبدون كلمة أخرى البن عمه‪ ،‬رحل كريستوفر‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪4‬‬
‫‪.‬وبعد الحالوة يأتي الحزن‬
‫إذا طلب مني مرة أخرى معلومات عن معارض الخيول‪ ،‬فسوف أكسر رقبته‪ .‬كان المتلقي المقصود لهذا التهديد غير المعلن‪ ،‬وإن‬
‫‪.‬كان مزعًج ا‪ ،‬الذي وجهه كريستوفر هو جوزيف‪ ،‬الصبي المستقر في روكفيلد‪ ،‬الذي لم يكن على علم بالخطر الذي اجتذبه بسعادة‬
‫"هل ستذهب في جولة يا سيد دافنبورت؟"‬
‫"‪.‬نعم"‬
‫سأحضر هذا الجمال لك‪ ".‬وكان يوسف في السادسة عشرة من عمره"‬
‫"‪.‬قديمة وكانت الوفرة مرهقة‪ .‬لقد أحب عمله‪ ،‬واألمر الذي ال يغتفر هو أنه أحب التحدث عنه‪" .‬لقد قدمت له بالفعل رعاية جيدة‬
‫‪.‬أومأ كريستوفر برأسه برأسه برأس بارد‪ ،‬على أمل إخماد حماسة الصبي‪ .‬لم ينجح‬
‫"‪...‬في عزبة أبرفيلد‪ ،‬اشتروا للتو جحًش ا جديًد ا يا سيد دافنبورت‪ ،‬وبعد أن الحظوا أن لثته"‬
‫"‪.‬بخير"‬
‫فركب الحصان وانطلق مسرعا‪ .‬لقد سار في الممر بسرعة‪ ،‬ولكن بعد ذلك‪ ،‬دون أن يدرك ذلك‪ ،‬أبطأ وعاد إلى الوراء لينظر‪ .‬كانت‬
‫ممتلكاته تلوح في األفق في شمس الصباح‪ .‬موقعها الجميل وحديقتها الُمعتنى بها جيًد ا واألراضي الواسعة التي تتميز بإطالالت‬
‫خالبة جعلتها حلم كل رجل نبيل‪" .‬لكن ال تتعّلق باألمر كثيًر ا يا مات‪ "،‬كان قد نصح ابن عمه في اليوم السابق‪" .‬عندما ننتهي من‬
‫عملنا هنا‪ ،‬سنبيعه كله ‪ -‬أنت تعرف ذلك‪ ".‬ولم يكن ينوي البقاء‬
‫المثل‪-‬‬

‫في البالد وال أن يكون مالكا لألرض‪ .‬لقد كان يعيش هناك لمدة ال تقل عن يوم واحد وقد افتقد بالفعل ضجيج لندن وحصىها‪ .‬كان كل‬
‫‪.‬شيء هادًئ ا جًد ا في روكفيلد بارك‬
‫انطلق ببطء على الطريق المؤدي إلى كوكستون‪ .‬لقد استغرق وصوله إلى هنا أكثر من اثنتي عشرة سنة؛ لم يكن هناك سبب للتعجل‬
‫‪.‬اآلن‪ .‬كان عدد قليل من المزارعين يعملون على مسافة بعيدة‪ ،‬وربما كانوا يغنون بعض األغاني‪ ،‬لكن الصوت لم يصل إلى أذنيه‬
‫‪.‬ما هذا الصمت القمعي الدموي‬
‫لقد قرر أنه سيثبت نفسه في كوكستون بمجرد أن يتمكن من اكتشاف ماضي والدته بشكل عام‪ .‬إذا لم يأخذ هذا كهدف‪ ،‬فمن المحتمل‬
‫أن يصبح محاميا‪ ،‬مثل والد ماثيو‪ ،‬وليس ممواًل ثرًيا ومالًك ا جديًد ا لألرض‪ .‬أو كان سيغادر إلى مكان بعيد‪ :‬أمريكا‪ ،‬أوروبا‪ ،‬الهند‪.‬‬
‫‪.‬ربما كان سيترك الريح تأخذه إلى حيث تشاء‪ ،‬فيطفو دون أن يقيده أي مكان أو شخص‬
‫‪.‬وأمامه عربة مليئة بالقش تسد الطريق‪ .‬دار حوله واستمر في زيادة سرعته‬
‫لم يكن بحاجة إلى اختيار ما يجب القيام به في الحياة‪ .‬أمه المعلقة في الغرفة ‪ -‬برائحة برازها ووجهها المتورم بشكل بشع ‪ -‬اختارت‬
‫‪.‬له‬
‫‪.‬بدأ بالركض‪ ،‬مما حفز الحصان على السير بشكل أسرع من الريح‪" .‬هيا أيتها الجميلة‪ ،‬دائخة‪ "،‬دفعه وهو يميل إلى األمام‬
‫لم يتذكر الكثير عن مارثا عندما كانت على قيد الحياة‪ .‬ظهرت بعض الصور التي ال تنسى في رأسه‪ .‬لقد تذكر الوقت الذي أهانتها‬
‫فيه سيدة عجوز في كشك تفاح مخبوز‪ .‬في ذلك الوقت حاول كريستوفر الشاب أن يأخذها من يدها‪ .‬قالت له‪ :‬ال يا كريس‪" .‬دعونا‬
‫نبقى هنا‪ ".‬وتذكر أيًض ا عندما صرخت‪ ،‬بينما كانت تقوم بدورة قصيرة في يوم بارد ولكن مشمس‪" ،‬لقد اقترب الربيع يا داكي!‬
‫"‪.‬ستكون األمور أفضل في أي وقت من األوقات‬
‫هذه الذكريات الهشة تذكرنا فقط بجزء يرثى له مما كانت عليه والدته‪ .‬كانت تتمتع بلطف طفولي‪ ،‬وكان جمالها الذي ال يقترب منه‬
‫يجذب نظرات اإلعجاب من الرجال والنساء‪ .‬لقد كان الجمال الذي اختفى في لحظة‪ .‬اختفت بقفزة مفاجئة في غرفة قذرة في بيت‬
‫للدعارة‪ ،‬جمال جعل كريس يطرح نفس السؤال مراًر ا وتكراًر ا‪ :‬لماذا؟ لماذا يا أمي؟‬
‫عندما كان طفًال ‪ ،‬لم يكن لديه أي وسيلة للتعرف عليها‪ .‬وقالت إنه لم يكن يعرف حتى اسم عائلته الحقيقي — سميث‪ ،‬ولم يكن يعرف‬
‫اسم عائلته‬

‫قريب أو صديق واحد‪ .‬لقد بقي في بيت الدعارة ألنه كان وحيًد ا في العالم‪ ،‬وحتى هذا الترتيب بدا له بمثابة ترف‪" .‬ال يمكنك البقاء‬
‫هنا ‪" . . .‬ال يجب عليك البقاء هنا‪ "،‬أخبرته إليز في البداية‪" .‬وأنا بالتأكيد ال أستطيع أن أدفع مقابل إبقائك في مكان آخر‪ .‬ليس هناك‬
‫خيار آخر‪ :‬إما العيش في الشوارع أو في دار األيتام‪ .‬وعلى الرغم من ضعفك‪ ،‬فلن تتمكن من الصمود لمدة شهر‪ ".‬عند سماع هذه‬
‫الكلمات‪ ،‬صمت كريستوفر‪ .‬في الواقع‪ ،‬لم يتحدث أبًد ا تقريًبا بعد أن رأى جسد والدته البارد الذي ال حياة فيه‪ .‬ثم وقفت إليز‪،‬‬
‫وجلست‪ ،‬ووقفت مرة أخرى‪ .‬أقسمت‪ ،‬ولعنت مارثا‪ ،‬واستسلمت أخيًر ا‪" .‬حسًن ا" ‪ -‬وتغيرت لهجتها من الغضب إلى االستسالم ‪-‬‬
‫"اآلن يمكنك البقاء‪ .‬أنت ال تزال صغيرا‪ ،‬وسوف يتركونك وحدك‪ .‬لكن اسمع‪ :‬ال ينبغي أبًد ا أن تسمح لنفسك بأن يراها السادة الذين‬
‫"‪.‬يأتون إلى هنا‪ .‬وابتعد عن سيدتي‪ .‬يجب أن يتم مالحظته بأقل قدر ممكن‬
‫وهذا ما فعله‪ .‬لقد فعل كل شيء حتى ال يتم مالحظته؛ حتى ليلته األخيرة في بيت الدعارة‪ ،‬كان يختبئ تحت الدرج‪ .‬ونام هناك وحيدًا‬
‫كما اعتاد‪ .‬كان هناك طفالن آخران في المنزل‪ ،‬جورج وكاترين‪ ،‬لكن في سن التاسعة والعاشرة كانا يرافقان السادة إلى الغرف‪ .‬من‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬كان متكًئ ا خلف كومة من الخرق القديمة‪ ،‬قلًق ا بشأن بعض األوراق التي كان يحملها بين يديه‪ .‬كان يعتقد أنني أود أن‬
‫أتعلم القراءة‪ .‬ربما سأتعلم أشياء جديدة في هذه الرسائل‪ .‬في الواقع‪ ،‬كانت المراسالت تخص والدته‪ ،‬وقد قرأتها إليز وأعطتها له بعد‬
‫عشيق والدته ‪ -‬الذي وقع ‪ "L" -‬أيام قليلة من انتحار مارثا‪ .‬لم يقل الكثير‪ .‬كانت هناك سبعة رسائل في المجمل‪ ،‬وجميعها من حرف‬
‫باألحرف األولى من اسمه فقط‪ .‬لم يكن هناك اسم عائلة‪ ،‬وال مدينة‪ ،‬وال ذكر للمدارس أو المتاجر‪ ،‬أو أي معلومة أخرى يمكن أن‬
‫تساعد على األقل في فهم المكان الذي تنتمي إليه مارثا‪ .‬حتى أن هناك دفتًر ا – بغالف أسود‪ ،‬متضرر قلياًل ‪ ،‬يمسكه كريستوفر بقوة‬
‫أحياًن ا قبل النوم – وهو نوع من المذكرات المليئة بالمذكرات واألقوال والمقتطفات الشعرية والقصص‪ .‬لقد كانت مكتوبة بخط يد‬
‫والدته‪ ،‬لكنها لم تكشف شيًئ ا عن أصولها‪ .‬واألفضل من ذلك‪ ،‬أنها كشفت فقط ما هو مهم بالنسبة لها‪ :‬روحها‪ ،‬ونظرتها إلى العالم‪.‬‬
‫‪.‬بالتأكيد ليس ماضيها الذي محته حتى على الورق‬
‫أراد كريستوفر أن يطلب من إليز أن تعيد قراءة الرسائل الموجهة إليه‪ ،‬أو على األقل المذكرات‪ .‬أوه‪ ،‬لقد تمنى ذلك أكثر من أي‬
‫شيء آخر‪ .‬لكنها بالتأكيد لن يكون لديها الصبر وال الرغبة في القيام بذلك من أجله‪ .‬وكانت حزينة جًد ا لبعض الوقت‪ . . .‬قالت إنها ال‬
‫تريدني في الجوار بعد اآلن‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬لم تكن حنونة تجاهها قط‬

‫وكثيًر ا ما كانت توبخه‪ ،‬ألن السيدة دفعت لها المال مقابل السماح له بالعيش هناك‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كانت تربت عليه أحياًن ا‪ ،‬مثلما حدث‬
‫عندما أحضر لها كريستوفر فلًس ا إضافًيا أو أعطاها تفاحة مسروقة من سوق كوفنت جاردن‪ .‬كان يأمل أنها ربما ستكون أكثر سعادة‬
‫عندما تختفي تلك األشياء الحمراء التي ظهرت على وجهها‪ .‬المستحضر الذي تضعه لم يعالجهم بعد‪ ،‬ولذلك تغطيهم بالكثير من‬
‫عالمات الجمال الزائفة ثم تبكي‪ .‬صوت خطى جعله يرفع رأسه‪ :‬كان هناك شخص ينزل على الدرج‪ .‬لقد كان مختبًئ ا جيًد ا تحت‬
‫‪.‬مالبسه القديمة‬
‫كريس؟" سمع‪ .‬كانت إليز تتصل به‪" .‬كريستوفر؟ البد أنه هنا يا سيد جونز‪ .‬سوف ترى‪ .‬إنه طفل جميل‪ ،‬وذو أخالق جيدة‪ ،‬وسهل "‬
‫"‪.‬االنقياد‬
‫تبع ذلك ضحكة خجولة غير مألوفة‪" .‬جيد"‪ ،‬أجاب صوت الرجل الصغير‪ .‬وبعد توقف قصير قال الصوت بقلق‪« :‬إنه‪ . . .‬قلت انه‬
‫‪ . . ".‬جميل؟ ولم يفعل ‪ . . .‬لم يفعل ذلك قط‬
‫"أبًد ا"‪ ،‬أجابت إليز بإصرار‪ ،‬بل وبشكل مطمئن‪" .‬لقد حراسته جيدا‪ .‬كريس!" لقد إتصلت‪" .‬كريستوفر‪ ،‬هل أنت هنا؟"‬
‫‪.‬ماذا أرادت إليز منه؟ ربما أرادت منه أن يلمع حذاء هذا الرجل‪ .‬أخفى كريس الرسائل والدفتر تحت قميصه‪ ،‬وخرج من مخبأه‬
‫"إليز؟ هل تبحث عني؟"‬
‫كان يحدق بفضول في الرجل القصير بجانبها‪ .‬كان لديه بطن كبير‪ ،‬على الرغم من أن بقية جسده كان نحيفا‪ .‬عمليا لم يكن لديه‬
‫‪.‬أكتاف أو قاع‪ ،‬فقط بطن‪ .‬وكان يبدو كطفل أيًض ا‪ ،‬ألنه كان يرتجف‪ ،‬ولسانه ظل يلعق شفته السفلى‬
‫"‪.‬أوه ‪ . . .‬مثالي‪ "،‬صاح الرجل عندما رآه‪" .‬هو مثالي"‬
‫‪.‬لقد بدا سعيًد ا جًد ا‪ ،‬فكر كريس‬
‫وضعت إليز يديها في حجرها‪ ،‬وعصرتهما مثل قطعة قماش مبللة‪" .‬كريس‪ ،‬أريد أن أعرفك على شخص ما‪ "،‬قالت بصوت عاٍل‬
‫‪.‬قلياًل ‪ ،‬ولكن لمرة واحدة دون أي إشارة إلى القسوة‬
‫‪.‬انحنى السيد جونز نحوه‪" .‬أهًال ‪ . . .‬كريستوفر‪ .‬أنا برنارد‬
‫"نظر كريستوفر بتساؤل إلى إليز‪" .‬هل هو هنا من أجلي لتلميع حذائه؟‬
‫أوه ‪ . . .‬نعم‪ .‬نعم هذا كل شيء‪ ".‬لم يستمر ترددها سوى لحظة‪" .‬ومع ذلك‪ ،‬ليس هنا‪ .‬السيد جونز يريد منك أن تذهب معه إلى "‬
‫‪.‬مكان ما‬
‫"في أي مكان؟"‬
‫"‪.‬مكان لطيف‪ .‬سوف ترى‪ .‬أنت ذاهب إلى هناك اآلن"‬
‫‪ . . ".‬اآلن؟" كان كريستوفر متعًبا في تلك الليلة‪ ،‬وكان يأمل في النوم قليًال‪" .‬لكن ‪ . . .‬ال"‬
‫"‪.‬السيد‪ .‬قالت إليز وقاطعته‪" :‬إن جونز لطيف للغاية مع األطفال"‪" .‬سوف تكون سعيًد ا ألنك ذهبت معه"‬
‫أكد الرجل بصوت متحمس‪" :‬هذا صحيح يا كريستوفر"‪ .‬أخرج كيًس ا صغيًر ا من جيبه وقدم له قطعة من الشوكوالتة‪ .‬شاهده‬
‫كريستوفر دون أن يتقبل األمر وتراجع خطوة إلى الوراء‪ .‬استقام السيد جونز فجأة إلى أقصى ارتفاعه ‪ -‬وهو ما لم يكن كثيًر ا ‪-‬‬
‫"‪-‬ونظر إلى إليز‪ .‬قال غاضًبا‪" :‬لقد أخبرتني أنه مطيع! انا لست‬
‫أوه‪ ،‬إنه كذلك‪ "،‬قالت بسرعة‪ ،‬كما لو كانت يائسة‪" .‬سترى يا سيدي‪ .‬كريستوفر‪ ،‬ال تجعلني أبدو سيئة‪ .‬الذهاب معه‪ .‬لديه عربة "‬
‫"جميلة في الخارج‪ .‬لم تكن في عربة لفترة طويلة‪ .‬أليس كذلك؟‬
‫‪.‬نعم‪ ،‬ولكن‪ ." . .‬بدأ كريستوفر"‬
‫"‪.‬قالت له إليز بصوت بدا‪" :‬خذ الحلوى"‪ . . .‬كأنها كانت تتسول؟ "وقل شكرا للسيد‬
‫إذا قالت إليز ذلك‪ ،‬فال بد أن يكون هو الشيء الصحيح‪ .‬أليست هي التي أبعدته عن السيدة ومن دفعت له مسكنًا هنا؟ مد كريستوفر‬
‫‪.‬يده وأخذ الحلوى‪" .‬شكرا لك سيدي‪ ".‬أكلها‪ ،‬وكانت لذيذة‪ :‬لوز مغطى بالكراميل‪ ،‬نكهة لن ينساها أبًد ا منذ ذلك الحين‬
‫‪.‬بدا السيد جونز مرتاًح ا جًد ا‬
‫كرر‪" :‬برنارد‪ ،‬اتصل بي برنارد"‪ .‬وتشكلت حبات من العرق فوق فمه‪ ،‬فمسحها بيده‪" .‬لذلك يمكننا أن نذهب‪ ،‬أليس كذلك يا‬
‫"كريستوفر؟‬
‫لقد بدا حريًصا جًد ا على المغادرة‪ .‬كانت عيناه مشرقة ومفتوحة على نطاق واسع‪ ،‬ووجهه متورد وتنفسه غير منتظم بعض الشيء‪.‬‬
‫‪.‬يعتقد كريستوفر أنه ربما يعاني من الحمى‬
‫"‪.‬تعال اآلن يا كريس‪ .‬اذهب مع السيد"‬
‫حسًن ا‪ ،‬ولكن‪ ." . .‬لكنه شعر بالحزن‪ ،‬ولم يفهم السبب‪ .‬ربما كان ذلك ألن إليز بدت حزينة أيًض ا‪" .‬ولكن بعد أن أتمكن من العودة "‬
‫"إلى هنا؟‬
‫وضعت إليز يدها على وجهها‪ ،‬ومسحت عالمة جمال زائفة تبدو وكأنها ذبابة كبيرة‪ .‬أجابت‪" :‬بالطبع"‪ .‬تحركت عيناها بعصبية‪،‬‬
‫‪.‬ونظرت أوًال إلى الجدران‪ ،‬ثم إلى األرض‪ ،‬ثم إلى الدرج‪ .‬نظرت في كل مكان حول الغرفة‪ ،‬في كل مكان إال في وجهه‬

‫"‪.‬قال برنارد‪" :‬تعال يا كريستوفر"‪" .‬اعطني يدك‬


‫لم يستطع‪ .‬لم يتمكن من اإلمساك بالقبضة المتوترة لهذا الرجل‪ .‬لم يفهم السبب‪ ،‬لكنه ظل يفكر في جورج‪ ،‬الصبي اآلخر في المنزل‪،‬‬
‫الذي قال إن الرجال فعلوا أشياء غريبة عندما دخلوا معه إلى الغرفة‪ ،‬ولم يكونوا لطيفين‪ .‬لم يكن كريستوفر يعرف ما هي "األشياء"‬
‫بالضبط‪ ،‬ألنه لم يسمع هذه الكلمات إال بشكل عابر‪ .‬في الواقع‪ ،‬كان يتجنب الحديث مع جورج الذي كان سيئًا وكان يضربه في كل‬
‫مرة يراه‪“ .‬إذا كنا متأكدين من قدرتنا على التغلب عليهم‪ ،‬فإننا نتوقف؛ قال سايمون قبل وفاته‪" :‬إذا لم يكن األمر كذلك‪ ،‬فسوف‬
‫‪.‬نهرب"‪ ،‬وكان كريستوفر يهرب دائًما من جورج‪ ،‬دون أدنى شك‬
‫‪.‬هيا يا كريس‪ ،‬مد يدك إلى السيد‪ "،‬حثت إليز"‬
‫هذه النغمة اللطيفة الصادرة من إليز جعلته يرغب في البكاء‪ ،‬ولم يكن ذلك أمًر ا جيًد ا‪ ،‬ألن إليز لم تستطع تحمل دموعه‪ .‬رفع ذراعيه‬
‫وأخذ يد برنارد‪ .‬بدت كف الرجل األكبر سًن ا المتعرقة بالنسبة له مثل الفأر‪ ،‬ولكن بدون شعر‪ ،‬ومرة أخرى استولى عليه خوف غير‬
‫‪.‬مفهوم‬
‫‪".‬قال برنارد وهو يسحبه‪" :‬تفضل بالمشي‬
‫لماذا تخاف؟ لماذا كان دائًما جباًن ا؟ إليز لم ترسله إلى غرف مع السادة‪ .‬طلبت منه إليز أن يختبئ منهم‪ .‬إذا طلبت منه أن يتبع هذا‬
‫!الرجل‪ ،‬فهذا يعني أنه ال يوجد ما يدعو للقلق‪ .‬يجب أن يتوقف عن التصرف كفتاة صغيرة‬
‫بساقيه الضعيفتين‪ ،‬سار نحو السيد جونز‪ .‬لقد تبول قليًال‪ ،‬وكانت بطنه تؤلمه‪ ،‬ولم يرغب في الذهاب‪ ،‬ومع ذلك كان عند الباب مع‬
‫‪.‬السيد جونز‬
‫"!كريس"‬
‫‪.‬استدار خائًف ا من صرخة إليز‪ ،‬وحتى برنارد قفز‬
‫"ما األمر يا إليز؟ ما هو الخطأ؟"‬
‫ربما لم تكن على ما يرام‪ .‬نظرت بعينين واسعتين إلى كريستوفر ووضعت يديها على فمها‪ ،‬الواحدة فوق األخرى‪ .‬لم ير هذا التعبير‬
‫‪.‬على وجهها من قبل‪ .‬بدا له أنها تريد أن ترمي بنفسها عليه‪ ،‬ربما لتبتلعه أو تضغط عليه حتى يختنق‬
‫‪.‬ما األمر يا إليز؟" سأل"‬
‫"‪.‬لم يكن هناك سوى الصمت لفترة طويلة‪" .‬ال شيء" أجابت أخيًر ا وهي تغطي عينيها بيدها‪" .‬ال شيء يا كريس‬
‫‪،‬ثم‪ ،‬كما لو أنها فكرت أكثر في األمر‪ ،‬ركضت نحوه‪ ،‬وأحنت رأسها نحوه‪ ،‬وأعطته قبلة صغيرة على جبهته‪ .‬صدمت‬

‫‪.‬عض كريستوفر شفته ليمنعه من البكاء‬


‫‪".‬همست بصوت أجش‪" :‬أنت ولد صغير جيد يا كريس‬
‫"التي لم تستخدمها من قبل‪ .‬حتى عينيها بدت مختلفة‪" .‬كريس ‪ ." . .‬شخر السيد جونز‪" .‬هل نستطيع الذهاب االن؟‬
‫أومأت برأسها دون أن تنظر إليه‪ .‬كانت نظرتها ثابتة على‬
‫كريستوفر‪ ،‬في حين أن شفتيها ال تزال ترتعش‪ .‬كان يرتجف‪ ،‬وشعر بالخوف كما لم يحدث من قبل‪" .‬سنرى بعضنا البعض بعد ذلك‪،‬‬
‫‪.‬أليس كذلك؟" سألها باندفاع‬
‫"‪.‬أغلقت عينيها‪" .‬نعم‪ .‬بعد ذلك‬
‫وهكذا جاء السيد دافنبورت لرؤيتك هذا الصباح!" صرخت آنا وهي تحتسي الشاي‪ .‬لكن بالطبع ذهب إلى منزل لوسي‪ ،‬هكذا فكرت‪".‬‬
‫‪ .‬حقا‪ ،‬كل ما كان على المرء أن يفعله هو أن ينظر إليها‪ .‬جميلة‪ ،‬غنية‪ ،‬ذكية‪ .‬لوسي دليل وجود المالئكة‬
‫‪".‬أجاب صديق آنا‪" :‬نعم‪ ،‬لقد كان لطيًفا جًد ا‬
‫"لم تتمكن آنا من السيطرة على نفسها‪" .‬ولكن أال تعتقد أن هذا السيد قد يكون متغطرًس ا إلى حد ما؟‬
‫في حيرة‪ ،‬نظرت لوسي إليها‪" .‬حًق ا؟" قالت‪" .‬ما الذي يعطيك هذا االنطباع؟ بالنسبة لي يبدو لطيًف ا للغاية‪ ،‬إلى جانب كونه ساحًر ا‬
‫للغاية‪ ».‬أخذت رشفة من الشاي‪" .‬لقد تحدثت إلينا لمدة خمس دقائق فقط‪ ،‬وبدا لي أنه ودود للغاية تجاهك‪ .‬ربما بدا أكثر برودة بعض‬
‫الشيء في النهاية‪ ،‬لكنني أود أن أقول إنه كان أمًر ا مفهوًم ا‪ ،‬حيث رأيت أنك سكبت نصف لتر من عصير الليمون عليه‪ .‬توقفت‬
‫"للحظة لتتجهم‪ .‬أعطت عينيها وميًض ا عصبًيا‪" .‬أنت لم تفعل ذلك عن قصد‪ ،‬حسًن ا‪ ،‬آنا؟‬
‫‪.‬خفضت رأسها إلى الكأس‪" .‬ال‪ ،‬بالطبع ال‪ "،‬أجابت مع ضحكة مكتومة‬
‫ربما كانت حادة جًد ا‪ ،‬ألن لوسي نظرت إليها بريبة‪" .‬حسنا‪ ،‬هل تريد أن تخبرني ماذا حدث هذا الصباح؟" طلبت منها على عجل أن‬
‫"تصرف االنتباه عن نفسها‪" .‬كيف تصرف السيد دافنبورت؟‬
‫ال يزال هناك القليل من الشك الخبيث يلمع في عيون صديقتها‪ .‬ثم انطفأ‪ ،‬وتنفست آنا الصعداء‪ .‬أجابت لوسي‪" :‬لقد أحضر لي باقة‬
‫‪".‬كبيرة من الزهور‪ ،‬ولم يتوقف عن مجاملة والدتي وأنا طوال الوقت‬

‫"ضحكت آنا‪" .‬إلى والدتك؟‬


‫‪.‬قطعًا‪ .‬في الواقع‪ ،‬لم أكن متأكدة مما إذا كان يحاول إثارة إعجابي أم إثارة إعجابها"‬
‫‪.‬أوه‪ ،‬توقف عن اللعب بشكل متواضع‪ .‬أنت تعلم أنه ال أحد يستطيع أن يقاومك"‬
‫هزت لوسي رأسها متشككا‪" .‬أشك في ذلك‪ .‬لم يقل شيًئ ا مثيًر ا لالهتمام بشكل خاص‪ .‬وأضافت بنظرة جانبية إلى آنا‪" :‬في الواقع‪ ،‬لم‬
‫‪".‬ينتعش إال عندما ذكرت اسمك‬
‫"آنا اختنقت تقريبا على الشاي لها‪ .‬وضعت الكأس وحاولت أال تظهر قلقها‪" .‬هل تحدثت عني؟‬
‫"‪.‬حسنا‪ ،‬ليس كثيرا‪ .‬على أية حال‪ ،‬بدا لي أنه استمع باهتمام كبير إلى كل ما قلته له عنك‪ .‬أعتقد أنك أعجبت به"‬
‫أو شيء من هذا القبيل‪ .‬أجابت آنا‪" :‬مستحيل"‪" .‬لقد دمرت صدريته! ربما‪ ،‬إذا كان يعتقد في البداية أنني كنت رًث ا‪ ،‬فسوف يتجنبني‬
‫‪.‬اآلن مثل الطاعون‪ ،‬معتقًد ا أنني أيًض ا أخرق بشكل مفرط‬
‫"‪.‬أوه‪ ،‬آنا! أنت تقلل من شأن نفسك بشكل ال يصدق"‬
‫يفتقد ‪" . . .‬اآلنسة إدواردز على حق‪ "،‬تمتم والد آنا‪ ،‬وهو يجلس في مكان قريب‪ .‬كان من النادر بالنسبة له أن يتناول الشاي معهم‪" ،‬‬
‫وفي المرات القليلة التي حدث فيها ذلك‪ ،‬لم يتحدث أبًد ا‪ ،‬وكان يجلس على كرسي مريح بذراعين تقريًبا كما كان متهالًك ا‪" .‬أنت فائقة‬
‫"‪.‬الجمال ‪ . . .‬يحب ‪ . . .‬كما كانت والدتك‬
‫شعرت آنا بوجود كتلة تنمو بشكل خطير في حلقها‪ ،‬فغيرت الموضوع على عجل‪" .‬لماذا ال نتحدث عن شخص أكثر إثارة لالهتمام‬
‫"‪.‬بالنسبة لك بدال من ذلك؟" سألت لوسي‪" .‬يبدو أنك الموضوع المفضل للسيد ديميرسي عندما التقيت به على الطريق هذا الصباح‬
‫"هل قابلت دانيال؟ اليوم؟"‬
‫‪».‬نعم‪ ،‬بينما كان إخوتي يعيدونني من القيام بمهمة في مزرعة تاكر‪ .‬رأيته هناك‪ .‬نزل من جواده ورافقنا قليًال«‬
‫”يا لها من صدفة غريبة‪ .‬هذا المكان بعيد قليًال عن منزله‪ ،‬أليس كذلك؟ وكيف يفسر وجوده هناك؟"‬
‫"‪.‬أشارت آنا‪" :‬لم يكن عليه أن يشرح ذلك"‪" .‬قال إنه كان يتجول بال هدف‬
‫"‪.‬أخذت لوسي رشفة من الشاي‪" .‬أرى‬
‫وكما أخبرتك فقد سألني عنك»‪ .‬كان هذا صحيًح ا‪ ،‬لقد اعترفت لنفسها عن غير قصد‪ .‬ولوسي لم تجده حتى أقل إثارة لالهتمام! «‬
‫فكرت في نفسها‪ .‬في الواقع‪ ،‬بالكاد استمعت إلى آنا كما كانت‬

‫‪".‬تحدثت ونظرت حولها مشتتة‪ .‬وأضافت آنا‪" :‬ومن الواضح أنه كان عليه أن يخضع الستجواب أنتوني‬
‫"وأخيرا وجهت لوسي عينيها إليها‪" .‬ال!" قالت وهي تضحك‪" .‬ماذا قال له هذا الشيطان الصغير؟‬
‫احمر خدودها بمجرد التفكير في األمر‪" .‬يجب أن تعلم أن أخي لديه فكرة أنني سأتزوج قريًبا‪ .‬يبدو أن الفكرة تخيفه‪ .‬ربما كانت فكرة‬
‫‪.‬أن تصبح صهر رجل فظيع مثل السيد بيمبروك‬
‫"وماذا سأل دانيال؟"‬
‫‪".‬قالت وهي تغمض عينيها بيدها وهي ال تزال غير مصدقة‪" :‬سأله إذا كان ينوي الزواج بي‬
‫كانت النظرة على وجه أنتوني ‪" -‬سيدي‪ ،‬هل تنوي الزواج من أختي؟" ‪ -‬جدية للغاية‪ ،‬وكانت آنا عاجزة عن الكالم‪ .‬لم تكن تعرف‬
‫ما إذا كان عليها أن تضحك أم تقلل من شأن األمر‪ ،‬لكن كل الدم من دماغها اندفع إلى وجهها‪ ،‬مما جعل من المستحيل التفكير‬
‫‪.‬بعقالنية‪ .‬وقفت هناك هكذا‪ ،‬وفمها مفتوح في وسط الريف‪ ،‬ووجهها يطل إلى الخارج‪ ،‬وقد احمر كله تحت مظلتها البيضاء الصغيرة‬
‫"وكيف كان رد فعل دانيال؟"‬
‫أوه‪ ،‬كما تعلمون‪ ،‬ال شيء يزعجه على اإلطالق‪ ".‬كان هذا صحيحا‪ .‬كان دانيال وردًيا تماًما وهادًئ ا تماًما‪ .‬لم تظهر على بشرة "‬
‫الشاب أي عالمة على خيانة مشاعره عندما طرح عليه السؤال‪" .‬سأله دانيال‪ :‬هل ترغب في أن أكون صهًر ا يا أنتوني؟" و أخي ‪. .‬‬
‫"‪ ."".‬شهقت آنا مرة أخرى‪ ،‬كما لو كانت مذعورة‪ ،‬وأضافت‪" :‬نظر إليه أخي بشكل منحرف وأجاب‪" :‬ال يا سيدي‬
‫ضحكت لوسي‪" .‬هذا الطفل ال يرحم!" ومع ذلك‪ ،‬بدا أنها تفكر في شيء آخر‪ ،‬وفي الواقع سرعان ما قالت‪" :‬اسمعي‪ ،‬آنا‪ ،‬كما‬
‫"‪.‬تعلمين‪ ،‬مساء االثنين سيكون هناك حفل عشاء في منزلي‪ ،‬و‪ . . ...‬ال‪ ،‬ال تجعل هذا الوجه‪ .‬لن تخطئها‬
‫"‪...‬أوه لوسي‪ ،‬أتوسل إليك"‬
‫قالت لوسي بحزم‪" :‬يجب أن تأتي"‪" .‬ستكون األخوات روثرهام هناك‪ ،‬وبالتأكيد ال يمكنك أن تتركني وحدي معهم‪ .‬لست متأكًد ا مما‬
‫إذا كان بإمكاني البقاء على قيد الحياة‪ .‬إما ذلك أو سأضطر إلى قتل كليهما‪ ،‬وأنت تعلم أن والدتي لن توافق إذا قمت بتلويث السجاد‬
‫‪".‬في غرفة الرسم‪ .‬وأضافت وهي تنظر إلى آنا بنظرة عارفة‪" :‬فضاًل عن ذلك‪ ،‬سيكون دانيال هناك بكل تأكيد‬
‫‪.‬احمر خجل آنا وتظاهرت بفحص فنجان الشاي الخاص بها‬

‫"‪.‬وتابعت لوسي‪" :‬ويمكنك أن تعتذر بشكل صحيح للسيد دافنبورت"‪" .‬لقد أكد لي أنه لن يفوته‬
‫وهذا يا عزيزتي لوسي هو السبب الوحيد الذي يمنعني من الحضور‪ .‬رؤية دانيال ستكون أمًر ا ممتًع ا‪ ،‬صحيًح ا‪ ،‬لكنه كان مهتًما‬
‫بلوسي‪ ،‬وليس بها‪ ،‬ولم يكن لقاء كريستوفر دافنبورت على قائمة مهامها بالضبط‪ .‬كان هناك ما ال يقل عن اثنين وستين شيًئ ا آخر‬
‫تفضل القيام به بدًال من ذلك‪ ،‬بما في ذلك الرقص مع السيد بيمبروك‪ ،‬والذهاب إلى طبيب األسنان‪ ،‬وإقامة عالقة حميمة مع أكبر‬
‫‪.‬األختين روثرهام‬
‫‪.‬يا إلهي‪ ،‬عاجًال أم آجًال سوف أراه مرة أخرى‪ ،‬إنه أمر ال مفر منه‬
‫فكرت‪ .‬كانت معدتها تدور بالفعل عند التفكير في عينيه المخيفتين‪ .‬دع القليل من الوقت يمر‪ ،‬وآمل أن تكون ذاكرته قصيرة‪ ،‬فقد كان‬
‫"هذا هو الحل الوحيد المؤكد‪ .‬قالت‪" :‬لوسي‪ ،‬أال يمكنك أن تعفيني هذه المرة؟‬
‫‪.‬ردت صديقتها على السؤال بنظرة ال هوادة فيها‪ .‬لم تكن هناك حاجة للرد‪ .‬حتى أنها لن تكرم آنا بإعطائها إجابة‬
‫عذر – كانت آنا بحاجة إلى إيجاد عذر بسرعة‪ .‬ولكن ماذا؟ هيا‪ ،‬األمر ليس بهذه الصعوبة‪ ،‬أي عذر‪ ،‬أي ‪ . . .‬تمتمت أخيًر ا‪:‬‬
‫"لألسف‪ ،‬ليس لدي ما أرتديه"‪" .‬لم أتمكن أبًد ا من تجهيز الفستان في الوقت المناسب‪ .‬لم يبق سوى يومين‪ ،‬ومع كل التزاماتي‪." . .‬‬
‫وانتهت جملتها بحزن ‪ -‬أو هكذا بدا األمر‪ ،‬ألنها في الواقع كانت سعيدة تماًم ا بنفسها‪ .‬من المؤكد أنه سيتعين على لوسي قبول هذا‬
‫‪.‬السبب للسماح لها بنقل هذا الحدث المجتمعي‬
‫‪".‬رغم كل الصعاب‪ ،‬لم ترف لوسي جفنها‪ .‬وأكدت‪" :‬لهذا السبب أنا هنا‬
‫‪.‬ماذا؟ "ماذا؟" سألت آنا‪ ،‬فقط لتأكيد أسوأ مخاوفها‬
‫التقطت لوسي سلة الخوص الكبيرة التي كانت تحملها معها وفتحتها‪ .‬في الداخل كان هناك كعكة لألطفال‪ .‬رفعت آنا رقبتها‪ ،‬وأدركت‬
‫"بخيبة أمل أنها تحتوي أيًض ا على قماش للخياطة‪" .‬لوسي؟‬
‫"‪.‬لقد قلت أنك ستسمح لي بمساعدتك في ارتداء ثوب والدتك ذو اللون األخضر الداكن"‬
‫‪." . ".‬لوسي"‬
‫»‪.‬انت وعدت‪ .‬سأبقى هنا هذا المساء وسنقوم بتغييره مًع ا"‬
‫"‪-‬لكن"‬
‫!السيد‪ .‬أيها البطل‪ ،‬هل تسمح لي بالبقاء هنا كضيفك؟" يا لها من خدعة غير عادلة"‬

‫‪".‬أوه‪ .‬أجاب والد آنا‪" :‬سيكون من دواعي سروري البالغ يا آنسة إدواردز"‬
‫بحثت آنا مذعورة عن كلمات لتشرح لها أن العشاء لن يكون مناسًبا لها على اإلطالق‪ .‬لكن السماوات! هذه الكلمات لم تأت لها‪.‬‬
‫"‪"-‬لوسي‪ "،‬بدأت وهي تضع يدها على جبهتها‪" ،‬نحن نتناول حساء البطاطس هذا المساء فقط‪ ،‬و‬
‫وفجأة‪ ،‬انحنت صديقتها نحوها‪ ،‬وهاجمتها بصوت منخفض حتى ال يسمع السيد شامبيون‪" ،‬ثقي بي‪ ،‬آنا‪ ،‬لمرة واحدة! قد أكون أفضل‬
‫"في هذا مما تعتقد‪ .‬هل تعلم أن؟‬
‫‪.‬بعد تعرضها للضرب‪ ،‬لم تقل آنا شيًئ ا‪ .‬لقد استسلمت‬
‫وعلى الرغم من كل شيء‪ ،‬كانت أمسية رائعة‪ .‬كان األطفال سعداء بحضور لوسي‪ ،‬وشعرت نورا باالطراء من إطراء لوسي على‬
‫طبخها المتواضع‪ ،‬وبالنسبة آلنا‪ ،‬بدا أن البقاء مستيقظة حتى الساعات األولى من الصباح لتغيير فستان والدتها القديم كان من أكثر‬
‫األشياء الممتعة التي حصلت عليها على اإلطالق منتهي‪ .‬كانت لوسي تتمتع بالعين‪ ،‬وكانت آنا تتمتع بالمهارات‪ ،‬وبالتالي كانت‬
‫النتيجة النهائية أفضل مما كانا يأمالن‪ ،‬لكن ذلك لم يحدث أي فرق‪ ،‬ألن الفستان ‪ -‬المزخرف بالفعل بضحكاتهما ‪ -‬بدا رائًع ا على أي‬
‫حال‪ .‬وعندما ذهبا أخيًر ا إلى السرير — كالهما في سرير آنا‪ ،‬نظًر ا ألن غرف الضيوف لم تكن صالحة لالستخدام — استمرا في‬
‫‪.‬الدردشة لفترة طويلة‪ ،‬على الرغم من التعب الشديد الذي أصابهما‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪5‬‬
‫‪.‬أعرف جيًد ا ما الذي أهرب منه‪ ،‬ولكن ليس ما أبحث عنه‬
‫ميشيل دي مونتين –‬
‫عندما دخل غرفة الرسم المهيبة‪ ،‬ورحبت به السيدة إدواردز بخجل‪ ،‬نظر كريستوفر حوله‪ ،‬باحًث ا عن وجه دانيال‪ .‬لم يصل بعد‪ ،‬هكذا‬
‫‪.‬فكر وهو يسترخي‬
‫)لكن ليس لديك خوف‪ .‬أليس كذلك يا كريستوفر؟(‬
‫‪.‬كان من الطبيعي بالنسبة له أن يقّيم اللحظات التي أثقلت كاهله‪ .‬فوهللا لقد أعد لذلك اثنتي عشرة سنة‪ ،‬وانتظره عشرين سنة‬
‫أخذ نفسا ثم خرج‪ .‬لقد فعل ذلك مرارًا وتكرارًا حتى هدأ‪ .‬ثم ذهب ليقدم احترامه لآلنسة إدواردز‪ ،‬التي كانت في زاوية قريبة‪ .‬في‬
‫ذلك المساء كانت أجمل مما يتذكر‪ ،‬ولم يتأثر على اإلطالق‪ .‬أوه‪ ،‬لقد أحب النساء‪ ،‬ونعم‪ ،‬كان على استعداد لالعتراف بأنه إذا‬
‫استطاع أن يشق طريقه مع لوسي إدواردز لمدة نصف ساعة‪ ،‬فستكون تجربة ممتعة للغاية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان ذلك مستحيًال اآلن‪ ،‬لكنه‬
‫لم يندم على ذلك‪ .‬ألن الجنس كان حاجة جسدية‪ ،‬كان هذا صحيًح ا‪ ،‬وكان من المؤكد أن رغباته يجب إشباعها‪ ،‬لكن الجنس لم يأِت‬
‫بدون مضاعفات‪ .‬ولذلك فقد طرد جميع الفتيات مثل لوسي‪ ،‬الالتي كن يبحثن عن أزواج‪ .‬كان يعرف ما يكفي عن بيوت الدعارة‬
‫والمعاناة المختبئة وراء ابتسامات العاهرات ليرفض هذه الفكرة أيًض ا‪ .‬وكان عليه أن يجد حًال آخر أكثر واقعية‪ .‬يمكنه بدًال من ذلك‬
‫اختيار عشاقه من بين زوجات الرجال األثرياء ذوي الرتب العالية‪ .‬عادة ما يكون هذا أمًر ا سهًال إلى حد ما‪ .‬وهؤالء النساء الباردات‬
‫مقيدين‬

‫لآلداب االجتماعية واالبتسامات المتوقعة‪ ،‬وتناسب الغرض تماًم ا‪ .‬لقد كان من دواعي سروري الحقيقي بالنسبة له أن يأخذهم إلى‬
‫‪.‬الزوايا الغريبة في منازلهم‪ ،‬وفي الوقت نفسه كان يشعر بارتياح عميق في إذالل األزواج‬
‫وعلى مسافة ليست بعيدة‪ ،‬نظرت إليه السيدة إدواردز وابتسمت‪ .‬لقد تجاوزت الحد األقصى لعمرها قلياًل ‪ ،‬لكنها ال تزال مقبولة‪ ،‬فكر‬
‫بتعاطف كبير‪ .‬وبعد كل شيء‪ ،‬ليس هناك من ينكر على أي شخص معروًف ا صغيًر ا‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫‪.‬ابتسم للوسي واستقبل بلطف مضيفه – السيد‪ .‬إدواردز‬
‫قالت اآلنسة روثرهام بصوت حاد‪« :‬آنا‪ ،‬يا له من فستان رائع‪" ».‬األخضر يناسبك جيًد ا‪ .‬هذا الوشاح‪ ،‬المرتفع جًد ا‪ ،‬رائع جًد ا‪ .‬أنا‬
‫أحسدك كثيًر ا‪ ،‬كما تعلمين‪ ،‬لكن والدتي تقول إن هذا األمر عفا عليه الزمن ‪ -‬وليس أنك عفا عليه الزمن يا عزيزتي ‪ -‬وهي ال تريد‬
‫‪ . . ".‬أن أرتدي شيًئ ا مشابًها‪ ،‬ألن‬
‫واصلت آنا االبتسام لكنها توقفت عن االستماع‪ ،‬وتجمد وجهها‪ .‬ال بد أن من نظر إليها ظن أنها فقدت رشدها‪ .‬نظرت حولها بسرعة‪.‬‬
‫لوسي‪ ،‬أيتها الخائنة‪ ،‬أين أنت؟‬
‫‪. . ".‬ثم قالت لي إن القبعات البيضاء الصغيرة ستكون رائجة في الشتاء القادم‪ ،‬لكن الدانتيل الوردي ‪". . .‬‬
‫لم يكن من السهل الهروب من صوت روزماري عالي النبرة‪ .‬عزيزي هللا‪ ،‬ارحم! ما العذر الذي يمكن أن تستخدمه للفرار؟ يبدو أنها‬
‫‪. . .‬استخدمت بالفعل تلك المتعلقة باضطراب المعدة‬
‫‪. . ".‬مثل اآلنسة هاو‪ ،‬كان لديها القليل من الزهرة الذابلة على فستانها‪ ،‬لكنني أقول إنها كانت جميلة جًد ا ‪". . .‬‬
‫هل يمكنها التظاهر باإلغماء في منتصف الغرفة؟ يا إلهي‪ ،‬فكرت بيأس‪ ،‬أال تتنفس هذه الفتاة على اإلطالق؟ وكانت تأمل أن تكون‬
‫‪.‬اآلنسة روثرهام هي التي ستصاب باإلغماء بسبب نقص األكسجين‬
‫"‪.‬ابتسمت لوسي بلطف‪" .‬أنت حًقا لطيف جًد ا يا سيد دافنبورت‪ ،‬ولكن اآلن‪ ،‬على أية حال‪ ،‬يجب أن أتركك‬

‫‪.‬انت تحطم قلبي‪ .‬هل يمكنني مرافقتك؟" رد"‬


‫أخشى أن هذا يتطلب شجاعة تفوق قوتك‪ .‬ال بد لي من الركض لمساعدة صديقي هناك‪ " .‬أشارت إلى آنا وروزماري‪" .‬إذا لم أنقذها"‬
‫"‪.‬اآلن‪ ،‬فأنا أخاطر باالنتقام مني في المستقبل بطريقة فظيعة ومبتكرة‬
‫أجاب محاوًال إخفاء خيبة أمله‪" :‬أنت غير أناني للغاية"‪ .‬نظر إلى المتسلقة االجتماعية التي ال تطاق‪ ،‬ملكة جمال البطلة البغيضة‪،‬‬
‫وهي تبتسم بشكل مصطنع لآلنسة روثرهام‪ .‬منافق ملعون! قال بغضب وهو ال يستطيع أن يمسك لسانه‪" :‬صديقك ال يعرف كيف‬
‫‪".‬يدافع عن نفسه عندما يكون بمفرده‬
‫تجعدت جبهة لوسي الساحرة في تعبير كان بعيًد ا عن الموافقة ‪ -‬بعيًد ا عن نصف الموافقة‪ .‬الجحيم الدموي‪ ،‬قال كريستوفر لنفسه‪.‬‬
‫‪.‬ماذا حصل له بحق الجحيم؟ ارتكاب األخطاء بسبب فتاة تافهة في الغرفة‪ ،‬حتى لو كانت مزعجة للغاية‬
‫ردت لوسي بجفاف‪" :‬تدافع آنا عن نفسها جيًد ا عندما تكون بمفردها‪ ،‬وهذا بالضبط ما أود تجنبه‪ .‬يمكنها إشعال النار في الستائر من‬
‫أجل خلق تحويل للهروب من روزماري‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كانت عيون لوسي‪ ،‬وليس الستائر‪ ،‬هي التي اشتعلت‪ ،‬ورأى كريستوفر فيها‬
‫‪.‬شيًئ ا مثيًر ا لالهتمام حًق ا للمرة األولى منذ أن التقى بها‪ .‬لقد أذهل بمدى اهتمامها الحقيقي بصديقتها ومدى حبها لها‬
‫وآنا تشامبيون الذكية‪ ،‬فكر باشمئزاز‪ .‬عرف هذا المتملق كيف يفعل ذلك‪ ،‬وكان عليه أن يعترف‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يمكنها خداع لوسي ولكن‬
‫ليس هو‪ .‬كان ينظر إليها بازدراء‪ .‬كانت تنظر إلى األعلى بينما واصلت اآلنسة روثرهام الحديث دون توقف‪ .‬كانت ترتدي هذا‬
‫المساء فستاًن ا مبتذًال وسيًئ ا‪ ،‬ومع ذلك الحظ كريستوفر أنها ترتديه بنفس الفخر كما لو كانت ترتدي فستاًن ا يليق بملكة‪ .‬رفعت رأسها‬
‫عاليًا‪ ،‬وجمع شعرها البني الكثيف في تسريحة شعر بسيطة؛ تم نسج بضعة أشرطة من نفس لون فستانها في خصالت شعرها‬
‫المجعدة‪ .‬اعترف على مضض بأن الفستان كان مناسًبا لها‪ ،‬وكل األشياء التي اعتبرتها مناسبة لها‪ ،‬ولكن ربما لم يكن الفستان ‪ -‬ربما‬
‫‪.‬كان مظهرها المتناقض والفخور هو ما جعلها تبدو جميلة جًد ا‬
‫جميل؟ كانت الفكرة غير متوقعة لدرجة أنها تركته في حالة ذهول‪ .‬جميل؟ هذا البائس؟ عزيزي هللا‪ ،‬ال بد أنني سأصاب بالجنون‪.‬‬
‫وبجانب هذا القلق السخيف‪ ،‬استمر في التحديق بها‪ .‬بدت ضائعة‬

‫‪.‬أفكارها ورفعت يدها لترتيب خصلة شعر هربت من سجن دبابيس الشعر وسقطت على وجهها‬
‫"حسًن ا‪ ،‬هل ترغب في مرافقتي يا سيد دافنبورت؟"‬
‫‪.‬أدارت اآلنسة شامبيون رأسها‪ ،‬وعندما التقت عيناها بعينيه‪ ،‬أصبحت شاحبة‬
‫‪.‬السيد‪ .‬دافنبورت؟" كررت لوسي"‬
‫"استدار كريستوفر ببطء نحوها‪ ،‬وللحظة أصبح عقله فارًغ ا تماًما وهو ينظر إليها‪" .‬اعذرني؟‬
‫"‪.‬لمعت نظرة من البهجة المرحة في عيون لوسي‪" .‬ستكون اآلنسة روثرهام سعيدة جًد ا بالتحدث معك‬
‫أوه‪ ".‬بالطبع ال‪ .‬خارج نص السؤال‪ .‬كان عليه أن يتجنب آنا شامبيون حتى يعود إلى رشده‪ .‬أجاب‪" :‬أعتقد أنني سأقدم احترامي "‬
‫‪".‬للسيد والسيدة مورتيمر إذا كنت تعتقد أنه يمكنك االستغناء عني‬
‫قالت لوسي وهي تضحك‪" :‬أنت جبانة"‪" .‬أنت تترك الفتاة في محنة‪ .‬لكن هذه المرة سأعذرك‪ ".‬وعندما قالت هذا‪ ،‬ذهبت لتغادر‪،‬‬
‫"!لكنها الحظت شخًص ا على يسارها وتوقفت‪" .‬دانيال‬
‫شدد كريستوفر قبضته‪ ،‬وآنا شامبيون وكل األفكار األخرى باستثناء فكرة واحدة اختفت بسرعة من عقله‪ .‬لقد قبض على فكه بما‬
‫‪.‬يكفي ليؤذيه‪ ،‬وبدأ قلبه ينبض بقوة في صدره‬
‫‪.‬ابتلع‪ ،‬واستدار ببطء‬
‫كان يأمل أال يترنح‪ ،‬ألن مواجهة دانييل ديميرسي وجهًا لوجه جعلته يشعر كما لو كان ثمًال أو أمام مرآة مشوهة‪ .‬لم يبدوا متشابهين‬
‫على اإلطالق‪ ،‬كان كريستوفر لديه شعر أغمق‪ ،‬ومالمح أكثر صالبة‪ ،‬وكان أطول وأكثر عضلية؛ كانت عيون دانيال خضراء‬
‫داكنة‪ ،‬بينما كانت عيونه زرقاء‪ .‬كان فقط شكل عيونهم متشابًها بشكل غريب‪ .‬للحظة قصيرة جًد ا — صغيرة جًد ا لدرجة أن‬
‫‪.‬كريستوفر اعتقد فيما بعد أنه تخيلها فقط — انفتحت حدقتا عيني دانيال على مصراعيهما‪ ،‬كما لو كان ذلك اعترا اًف‬
‫‪.‬قالت لوسي‪" :‬دانيال‪ ،‬اسمح لي أن أقدم لك السيد كريستوفر دافنبورت"‪" .‬السيد‪ .‬دافنبورت‪ ،‬دانييل ديميرسي‬

‫تنتظر بشدة أن يساعدها شخص ما في االبتعاد عن اآلنسة روثرهام‪ ،‬لوسي‪ ،‬ستدفعين ثمن ذلك‪ .‬أنت تعلم ذلك‪ ،‬أليس كذلك؟ ‪ -‬قررت‬
‫‪.‬آنا أن تجد طريقة للخروج من األمر بنفسها‬
‫بدت الخطة التي وضعتها في البداية بدائية جًد ا لدرجة أنها شكت في أن لديها الجرأة لتنفيذها بالكامل‪ ،‬لكن البديل ‪ -‬نصف ساعة‬
‫"‪.‬أخرى مع روزماري ‪ -‬جعلها تفهم تماًما معنى القول المأثور‪" :‬كل شيء عادل في الحب و حرب‬
‫‪.‬كل شيء عادل في الحب‪ ،‬والحرب‪ ،‬وعندما يتعلق األمر باآلنسة روثرهام‬
‫مر السير كولن بجانبه‪ .‬تنهدت آنا وشعرت بالشر‪ ،‬وتراجعت خطوة إلى الوراء وبرزت قدمها‪ .‬سقط السير كولن على األرض (بدا‬
‫لها الصوت الذي أصدره مرتفًع ا بشكل مخيف)‪ ،‬ولم يكن لديها الوقت الكافي لتقول "أنا آسف يا سير كولن"‪ .‬وكانت اآلنسة روثرهام‬
‫على ذلك‪ .‬لقد ساعدته على النهوض بينما أوضحت له أن السقوط "يمكن أن يكون خطيًر ا جًد ا‪ ،‬أال تعلم؟ أخبرتني جورجيا بذلك ذات‬
‫‪. . ".‬مرة‬
‫حر! فكرت آنا وقد شعرت ببعض الشعور بالذنب عندما رأت أن السير كولن كان يستمع إلى القصة المتعلقة بجورجيا ووركها‬
‫‪.‬األيمن‪ .‬سأطلب منك الصفح في المستقبل يا سيد كولن‬
‫‪.‬نظرت حولها ورأت لوسي واقفة بالقرب من دانيال‪ .‬كانت آنا تود بشدة االنضمام إليهم‪ ،‬لكنهم كانوا مع السيد دافينبورت‬
‫رقم ليس أنها كانت خائفة‪ .‬على العكس من ذلك‪ ،‬كانت متأكدة من أنه ال يكرهها على اإلطالق‪ .‬النظرة التي ألقاها عليها قبل دقائق‬
‫قليلة لم تكن مرعبة إلى هذا الحد‪ . . .‬أكانت؟ وربما لم يكن المقصود لها‪ .‬ربما كان قد أكل فقط بعض الكعكة التي لم تتفق معه وهو‬
‫‪.‬اآلن يعاني من آالم رهيبة في معدته‬
‫فكرت‪ :‬تورتة‪ .‬نعم‪ ،‬ال شيء أكثر من تورتة‪ .‬لن يكون ألحد مطلًق ا مظهر كهذا بسبب شخص ما‪ ،‬على اإلطالق‪ .‬بالضبط‪ ،‬قررت‪،‬‬
‫‪.‬مقتنعة‪ .‬الليلة لن آكل تورتة واحدة‬
‫‪.‬ألن المظهر الذي كان لدى كريستوفر دافنبورت كان مرعًبا حًقا‬
‫وفي إحدى زوايا الغرفة‪ ،‬بدأوا بعزف الموسيقى‪ .‬رأت السيد روسينغتون قادًما في اتجاهها‪ ،‬لكنها لم تشعر بالرغبة في الرقص؛ في‬
‫الحقيقة‪ ،‬أرادت أن تبقى بمفردها لبعض الوقت‪ .‬شعرت وكأنها سمكة خارج الماء‪ ،‬وكان الملل الناتج عن خضوعها لآلنسة روثرهام‬
‫‪.‬يتردد في ذهنها مراًر ا وتكراًر ا‬
‫فكرت في خمس دقائق فقط وحدها‪ .‬توجهت إلى باب غرفة المعيشة لتجد ركًن ا صغيًر ا في المنزل حيث يمكنها أن تريح أذنيها‬
‫‪.‬وروحها المنهكة‪ .‬كررت لنفسها بالتأكيد الحب‪ ،‬والحرب‪ ،‬وروثرهام‬

‫شعر كريستوفر باإلرهاق بشكل ال يصدق‪ .‬كان لقاءه مع دانيال مرهًق ا‪ .‬لقد استمع إلى صوته العميق والرخيم‪ .‬وقد الحظ أناقته‬
‫‪.‬وحسن أخالقه ووجهه المريح‬
‫وكان يشعر في صدره بكراهية قديمة‪ ،‬بكل قوتها البدائية‪ ،‬كراهية تفاقمت خالل الليالي الطويلة التي قضاها في البكاء في سريره‪،‬‬
‫‪.‬وهو يحبس تنهداته حتى ال يوقظ ابن عمه في الغرفة المجاورة له‬
‫كان عليه أن يطلق العنان لذلك‪ ،‬ليخفف عن نفسه الغضب الذي يمكن أن ينفجر‪ .‬ورأى بقعة خضراء ‪ -‬ثوًبا قديًما ‪ -‬ورأًس ا بنًيا يشق‬
‫‪.‬طريقه بتكتم إلى الباب‪ .‬لم يكن لديه أي فكرة عما كانت تفعله‪ ،‬لكنه تبعها‬
‫دخلت آنا إلى المكتبة وأغلقت الباب خلفها‪ .‬لقد أحببت المكتبة الموجودة في منزل عائلة إدواردز كثيًر ا‪ .‬في الواقع‪ ،‬لقد أحببت المكتبة‬
‫‪.‬الموجودة في منزل عائلة إدواردز‬
‫كانت األضواء منخفضة‪ ،‬ولم يكن هناك سوى أربع أو خمس شموع مشتعلة في الغرفة‪ ،‬لكنها مع ذلك كانت تستطيع الرؤية جيًد ا بما‬
‫يكفي لتتمكن من تقدير الكتب وحضورها الترحيبي‪ .‬لقد ترك أحدهم كتاًبا مفتوًح ا على الطاولة الكبيرة المصنوعة من خشب األبنوس‬
‫في أقصى نهاية الغرفة‪ .‬بدافع الفضول‪ ،‬ذهبت آنا إللقاء نظرة خاطفة على العنوان‪ .‬فكرت وهي تبتسم وتقلب بضع صفحات‪ :‬ال‬
‫‪.‬يمكن أن يكون أحًد ا غير لوسي‪ .‬لقد كانت رواية رومانسية‬
‫التفتت نحو رفوف الكتب خلفها‪ .‬زادت اإلضاءة الخافتة من سحر الصفوف الواسعة من الكتب األنيقة بمختلف أحجامها‪ .‬اقتربت‬
‫‪.‬ولمست بلطف واحدة ذات غطاء أحمر ومذّهب‬
‫أذهلها ضجيج في الردهة؛ توقف شخص ما أمام المكتبة‪ .‬يا له من عار‪ ،‬كانت تود البقاء بمفردها في هذا المكان الهائل‪ ،‬الذي كان‬
‫‪.‬خالًد ا وساحًر ا تقريًبا في ضوء الشموع‪ .‬رأت مقبض الباب يدور ببطء‪ ،‬وانفتح الباب‬
‫‪.‬السيد‪ .‬دافنبورت‪ "،‬صاحت السيدة إدواردز في الردهة"‬
‫قفزت آنا‪ .‬لقد قفزت عاليًا لدرجة أنها كادت أن تخشى الهبوط على أعلى رف بقفزة واحدة‪ .‬ليس هذا االسم‪ .‬عزيزي هللا‪ ،‬أي شيء‬
‫سوى‬

‫توسلت بهذا االسم‪ .‬عرفت أن رد فعلها كان مبالًغ ا فيه بعض الشيء‪ ،‬لكن كيف يمكنها أن تشرح ذلك لقلبها الذي كان ينبض وكأنها‬
‫تهرب من عصابة من اللصوص؟‬
‫أوه‪ ،‬أنت هنا يا سيدة إدواردز‪ "،‬أجاب السيد دافنبورت‪ ،‬وكان صوته مسموًعا تماًما خلف الباب المغلق جزئًيا‪ .‬كان األمر خشًن ا "‬
‫‪.‬جًد ا‪ ،‬كما تذكرت آنا‬
‫هل تبحث عن كتاب؟" تحدثت السيدة إدواردز بنبرة منخفضة ومعسولة بعض الشيء‪ .‬بدا األمر أشبه بخرخرة قطة لوسي‪" ،‬‬
‫‪.‬الباذنجانيات‪ .‬وبدون سبب واضح‪ ،‬أصبحت آنا متوترة‬
‫‪".‬أجاب السيد دافنبورت‪ ،‬وهو اآلن بال مشاعر‪" :‬ال على اإلطالق‬
‫"‪.‬رّن ت ضحكتها البنتية في الردهة‪" .‬ال على اإلطالق‪ ،‬أنت تقول؟ يمكنني مساعدتك في العثور على ما تبحث عنه إذن‬
‫‪...‬كانت الكلمات منطقية‪ ،‬وكانت كلها مناسبة ومهذبة‪ ،‬ولكن كان األمر كما لو كان هناك إشارة خفية‪ ،‬كما لو أن‬
‫‪.‬حبست آنا أنفاسها‬
‫»‪.‬حتى السيد دافنبورت بدا مضطرًبا‪ .‬قال على عجل‪« :‬ربما سيالحظون غيابك قريًبا جًد ا يا سيدة إدواردز‬
‫"‪.‬من فضلك‪ ،‬اتصل بي لويز"‬
‫ماذا يحدث في العالم؟ قامت آنا بقبض صفحات الكتاب الذي كانت في يدها‪ ،‬وقامت بتجعيدها‪ .‬لبضع لحظات لم تسمع شيًئ ا؛ ثم‬
‫‪.‬ضربت موجة أخرى من الضحك أذنيها‬
‫‪.‬كريستوفر‪ "،‬قالت السيدة إدواردز وهي تتنفس بصعوبة"‬
‫"‪.‬الّسيدة‪ . . . .‬لويز"‬
‫هيا‪ ،‬دعنا نذهب إلى المكتبة‪ "،‬قالت السيدة إدواردز وهي تمسك بيدها"‬
‫‪.‬مقبض الباب‬
‫ال!" قال بتوتر وهو يمسكها من الخلف"‬
‫‪".‬جثمت آنا بسرعة‪ ،‬واختبأت خلف الطاولة‪ ،‬مذعورة‪" .‬تعال اآلن أيها السخيف‪ .‬قال‪" :‬أنت ال تريد تقبيلي هنا في الردهة‬
‫‪.‬السيدة إدواردز‪ .‬وفتحت الباب على مصراعيه‬
‫دخلوا وأغلقوا الباب خلفهم‪ .‬واألسوأ من ذلك كله يا آنا‬
‫كانت مخفية خلف الطاولة محاصرين في هذه الغرفة مع اثنين من العشاق‪( .‬واألكثر من ذلك‪ ،‬الغشاشون غير المخلصين‪ .‬ولكن‬
‫بالنظر إلى الوضع‪ ،‬بدا ذلك أقل ما يقلق آنا‪).‬‬
‫أنين ناعم‪ ،‬ثم آخر‪ ،‬ثم آخر‪ ،‬ثم تلهث بحًث ا عن الهواء‪ ،‬ثم‪ . . .‬القبالت ربما؟ كانوا ال يزالون بالقرب من الباب‪ .‬ولكن هل سيفعلون‬
‫ذلك حًق ا؟ ‪ . .‬؟ ال بالطبع أل‪ .‬هناك كرة تجري في‬

‫‪.‬غرفة الرسم‪ ،‬بحق السماء! وضعت آنا يديها على أذنيها‪ ،‬وحاولت عدم االستماع‬
‫‪. . ".‬أوه كريستوفر"‬
‫‪.‬اعتقدت آنا أنها كانت تحلم بحلم سيئ‬
‫‪".‬قال وهو يحاول التفاهم معها‪" :‬لويز‪ ،‬ال بد أنهم يبحثون عنك‬
‫"‪...‬ها‪" .‬ربما سيكون من األفضل لو‬
‫‪. . ".‬كريستوفر‪ ،‬أتوسل إليك"‬
‫‪.‬ال يمكن أن يحدث هذا‪ .‬ال‬
‫ربما كانت هذه هي العقوبة على الخدعة القاسية التي لعبت عليها‬
‫‪.‬سيد كولن؟ لن أفعل ذلك مرة أخرى‪ ،‬أقسمت آنا بصمت‪ .‬عزيزي هللا‪ ،‬من فضلك‪ ،‬من فضلك توقف عن كل هذا اآلن‬
‫‪. . ".‬لويز‪ ،‬اآلن ليس الوقت المناسب حًق ا‪ ،‬إنه ليس كذلك"‬
‫‪ . . .‬سمعت آنا صوت احتكاك يدها بالقماش‪ ،‬فضغطت بيديها على أذنيها بقوة أكبر‪ .‬يا هللا يا هللا‬
‫‪. . ".‬ال‪ ،‬لويز‪ ،‬ال تفعلي ذلك"‬
‫)كيف سارت قافية الحضانة تلك‪ ،‬تلك التي كانت والدتها تغنيها؟ أال تستطيع أن تفكر في ذلك؟ أليس كذلك‪...‬؟(‬
‫أطلقت لويز ضحكة خافتة بدا لها صدى في المكتبة بأكملها‪ .‬قالت‪" :‬أردت فقط أن أتذوقك يا كريستوفر"‪" .‬يجب أن يكون ذلك كافيًا‬
‫"حتى ‪ . . .‬ليلة الغد؟‬
‫"‪.‬نعم‪ ،‬بالطبع‪ "،‬أكد لها ببعض الصعوبة‪" .‬ليلة الغد"‬
‫هل يتوقفون؟ وهذا هو األمر‪ :‬إنهم يتوقفون‪ .‬يا إلهي العزيز في السماء‪ ،‬شكرًا لك! أطلقت تنهيدة عميقة من االرتياح وبدأت في‬
‫التنفس مرة أخرى‪ .‬لن يذهبوا إلى أبعد من ذلك ‪" -‬حتى ليلة الغد" بالطبع‪ ،‬لكن ذلك لم يكن مهًما آلنا‪ .‬لقد انتهت أسوأ تجربة في‬
‫‪.‬حياتها‪ .‬لحسن الحظ أنها سمعت صوت الباب يفتح مرة أخرى‪ .‬انتظرت وعينيها مغلقة‬
‫ثم قال السيد دافنبورت‪" :‬إذا كان األمر على ما يرام معك‪ ،‬فسوف أعود إلى الحفلة خالل دقائق قليلة‪ ،‬يا لويز‪ .‬أعتقد أنني بحاجة إلى‬
‫‪ ".‬جمع نفسي‬
‫آنا لم تفتح عينيها‪ .‬وذراعيها ملفوفة حول ركبتيها‪ ،‬ولم تتحرك‪ .‬لم تتحرك على اإلطالق‪ ،‬حتى لتتنفس‪ ،‬لكن قلبها كان يتسارع بعنف‬
‫‪.‬داخل صدرها‬
‫‪.‬ضحكت السيدة إدواردز‪ .‬أجابت‪" :‬أعتقد ذلك أيًض ا"‪ ،‬وغادرت الغرفة وأغلقت الباب خلفها‬
‫‪.‬مر بعض الوقت دون ضجيج واحد‪ .‬ثم تطهر كريستوفر دافنبورت من حلقه‬

‫‪-‬أرجوك يا هللا أن يرحل‪ .‬ارجوك ارجوك ارجوك‬


‫"‪.‬أظهر نفسك‪ ،‬آنا تشامبيون"‬
‫‪.‬تردد صدى صوته عاليا من على خزائن الكتب الضخمة‪ .‬فتحت آنا عينيها‪ .‬لم تتحرك‬
‫‪.‬فكرت بصدمة‪ :‬إنه يعرف أنني هنا‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪6‬‬
‫‪.‬يجب على الرجل أن يعرف كيف يطير في وجه الرأي؛ المرأة كيف تخضع لها‬
‫مدام دي ستايل—‬
‫آنا‪ ،‬ال تجعلني أبحث عنك‪ "،‬تابع السيد دافنبورت بصوت منخفض بما يكفي لجعل دمها يبرد‪" .‬سأعد إلى خمسة ثم سآتي ألخذك‪" .‬‬
‫‪"".‬لكنني أنصحك" ‪ -‬لم يكن صوته أكثر من مجرد همس ‪" -‬أنصحك أن تخرج بمفردك‬
‫الترهيب بال شك‪ .‬وفي خوفها‪ ،‬التواءت أعضاء آنا‪ ،‬مما أعطاها إحساًس ا بأنها قد تفقد السيطرة على وظائفها الجسدية‪ .‬ولكن لماذا‬
‫كان غاضبا جدا؟ بسبب عصير الليمون؟‬
‫"‪.‬واحد"‬
‫أو ربما أرادها أن تلتزم الصمت بشأن لويز إدواردز‪ .‬كانت معابدها غارقة في العرق الجليدي‪ .‬كان عليها أن تقف إذا أرادت تجنب‬
‫إذالل اكتشافها تحت الطاولة‪ ،‬مثل اللص‪ .‬كانت تعلم أنه سيتعين عليها الوقوف‪ ،‬لكن ساقيها لن تطيعهما‪ .‬لقد زرعوا تحتها مثل‬
‫‪.‬األغصان الجافة‬
‫"‪.‬اثنين"‬
‫حاولت أن تمنع قلبها من االنفجار‪ ،‬تنفست بعمق مرتين أو ثالث مرات‪ ،‬وكان صدرها يرتفع بشكل محموم‪ .‬ولكن ما الذي كان هناك‬
‫‪. . .‬ليخاف منه؟ لقد كان رجًال نبيًال‪ ،‬في نهاية المطاف‪ ،‬وبالتأكيد لن يفعل ذلك‬
‫"‪.‬ثالثة"‬
‫وفي محاولة للسيطرة على خوفها‪ ،‬وضعت يديها على حافة الطاولة‪ ،‬وبسحب قوي رفعت نفسها إلى األعلى‪ .‬يا إلهي‪ ،‬كم كان‬
‫عمالًق ا‪ .‬لقد بدا لها أكثر من ذلك بكثير مما كان عليه من قبل في غرفة الرسم‪ .‬هي‬

‫‪.‬شعرت مرة أخرى كما لو أنها قد تفقد السيطرة على مثانتها‪ ،‬لكنها تمكنت بطريقة ما من عدم القيام بذلك‬
‫‪".‬قال لها بهدوء ودون أدنى إحراج‪" :‬أتمنى أن تكوني قد استمتعِت بالمشهد يا آنا‬
‫)‪.‬يجب أن تنظري إليه مرة أخرى‪ ،‬آنا(‬
‫كان من الضروري أن تحافظ على التواصل البصري‪ ،‬لكن األمر لم يكن سهًال‪ .‬بدا أن عينيه تخلع مالبسها‪ .‬كان من المستحيل‬
‫وصفهم بأي طريقة أخرى‪ .‬لقد بقوا على كل شبر مرئي منها‪ .‬وجهها‪ ،‬كتفيها‪ ،‬ثدييها‪ .‬مرارا وتكرارا على ثدييها‪ ،‬ورفعت آنا‬
‫‪.‬ذراعيها‪ ،‬كما لو كانت تغطي نفسها‪ .‬ابتسم السيد دافنبورت راضيا‪ .‬كان هذا ما كان يأمل فيه حًق ا‪ :‬االعتراف باالنزعاج‬
‫شعرت بشيء ما في داخلها‪ ،‬شيء بين الذعر واإلحراج‪ .‬كان ذلك شيًئ ا من الغضب‪ .‬وعلى أمل إخفاء هياجها‪ ،‬وضعت ذراعيها على‬
‫جانبيها ورفعت ذقنها‪ .‬لم تكن لتشعره بالرضا عندما يراها ترتجف من الخوف‪ .‬هل كان يرغب في إخافتها؟ حسًن ا‪ ،‬لقد نجح‪ .‬لكنها‬
‫‪.‬ستكون ملعونة إذا أخبرته بذلك‬
‫حدق كريستوفر بها في صمت وبدا أنه يومئ برأسه‪ ،‬كما لو أنه تعرف عليها في تلك اللحظة‪" .‬أخيًر ا نتحدث‪ ،‬نحن االثنان فقط‪ ،‬آنا‪"،‬‬
‫‪.‬همس وهو يتحرك نحوها‬
‫تراجعت آنا فجأة دون تفكير‪ .‬وقد ضربت ظهرها حتمًا بأرفف كتب المكتبة‪ .‬لقد اصطدمت بها بشدة‪ ،‬وكان األمر مؤلًما‪ .‬ومذلة‪ .‬كان‬
‫كريستوفر ساخًر ا‪ ،‬ومما أثار رعبها أنها شعرت بالدموع تنهمر في عينيها‪ .‬لقد قاومتهم بينما كانت تصر على أسنانها وتقبض‬
‫قبضتيها‪ .‬قالت ببرود‪" :‬ال تجرؤ على استخدام اسمي األول"‪ .‬ربما خرج صوتها ضعيًف ا بعض الشيء‪ ،‬لكن كل ما كان مهًما هو أنها‬
‫‪.‬قالت شيًئ ا ما‬
‫ابتسم بارتباك‪" .‬أوه حًق ا؟" سخر‪ ،‬وتوقف أمام الطاولة‪" .‬وأخبريني يا آنا‪ ،‬كيف تنوي إيقافي؟" وضع يديه على خشب الطاولة وبدأ‬
‫‪.‬يلتف حولها إلى الجانب‪ ،‬كما لو كان يتجنب عائًقا‬
‫ال‪ ،‬ال ينبغي له أن يقترب منها‪ .‬لم يكن ليقتصر على مجرد التحدث معها‪ ،‬فآنا أصبحت فجأة متأكدة جًد ا من ذلك‪ .‬لم تكن تعرف‬
‫كيف‪ ،‬لكنها كانت بحاجة إلى الخروج من هناك على الفور‪ .‬نظرت نحو الباب‪ ،‬وحكمت على فرصتها في الوصول إليه‪ .‬أدركت أنها‬
‫‪.‬نحيفة للغاية‪ ،‬بخوف واضح‪ ،‬وهي تقارن طول ساقيها بساقيه‬

‫بدا أن كريستوفر يقرأ أفكارها‪ ،‬فتوقف‪" .‬لدي كل الحق في مناداتك بكل ما يحلو لي‪ ،‬آنا شامبيون‪ ".‬كان صوته قاسيًا ومهينًا‪" .‬ومن‬
‫‪".‬ناحية أخرى‪ ،‬ليس لك الحق على اإلطالق في أن تكون في هذا المنزل‪ ،‬إال كخادم‬
‫كانت هذه الكلمات ‪ -‬كلمات متكبرة سخيفة ‪ -‬متوقعة جًد ا لدرجة أن آنا ربما اعتبرتها في ظروف أخرى محاولة حزينة للفكاهة‪.‬‬
‫فأجابت بقلق‪" :‬لن أواجه أي مشكلة على اإلطالق لو كنت خادمة‪ ،‬هنا أو في أي مكان آخر"‪ .‬كان قلبها ينبض في حلقها‪ ،‬لكن ذلك لم‬
‫يمنع أحبالها الصوتية من العمل‪ ،‬ليس كثيًر ا‪ ،‬على األقل‪" .‬سأبقى أنا‪ ،‬مهما كان األمر‪ .‬ولكن ماذا سيبقى منك بدون مالبسك األنيقة؟‬
‫‪.‬ال شيء‪ ،‬مثل الرجل الذي أنت عليه‬
‫حدق كريستوفر بها بصمت لبضع لحظات‪ ،‬مذهوًال‪ .‬تمتم أخيًر ا‪" :‬أنا أفهم أنه رجل ال قيمة له"‪ .‬خفض رأسه ونظر إلى يديه‬
‫‪.‬الموضوعتين على الطاولة؛ ثم نظر إليها مرة أخرى‪ ،‬وأدركت آنا أن غريزتها لم تكن خاطئة‪ :‬كان هذا الرجل خطيًر ا ح اًق‬
‫)لقد بدأِت بالتبول‪ ،‬أليس كذلك يا آنا؟(‬
‫الحرب‪ :‬ذلك كان الوعد الذي قرأته في عينيه‪ .‬حرب‪ .‬حرب متعمدة وعقالنية‪ ،‬واألهم من ذلك كله‪ ،‬حرب مرعبة‪ .‬حرب الجندي‬
‫‪.‬الذي شهد بالفعل آالف المعارك‬
‫)‪.‬اهرب يا آنا‪ .‬اهرب بعيًد ا(‬
‫وبسرعة مذهلة لمثل هذا الشخص الضخم‪ ،‬انحنى كريستوفر على إحدى يديه‪ ،‬ورفع ساقيه في الهواء‪ ،‬وقفز فوق الطاولة‪ .‬لقد كان‬
‫بجوار آنا قبل أن تدرك ذلك‪ ،‬فهربت بسبب الذعر‪ .‬طاردها على طول أرفف الكتب ودفعها وهي تركض‪ ،‬مما أدى إلى اصطدامها‬
‫‪.‬بالرفوف‪ .‬ضربت آنا جانبها األيمن وكادت أن تسقط؛ تمكنت من الحفاظ على توازنها واتجهت نحوه ورفعت يدها أمامها‬
‫"!انت مجنون!" صرخت في ذهول‪ .‬جسدها بالكاد يشعر بأي ألم‪ ،‬ألن خوفها كان كبيرا جدا‪" .‬ابق بعيد عني"‬
‫لقد كانا قريبين جًد ا من بعضهما البعض‪ :‬لو مد يده‪ ،‬لكان قد لمسها‪ ،‬وإذا حاولت آنا المغادرة‪ ،‬لكان قد أمسك بها‪ .‬لقد أعمى الخوف‬
‫"!تماما تقريبا‪ .‬عزيزي هللا‪ ،‬هذا الرجل وحشي؛ انه حقا غاشم! "ابق بعيًد ا عني‪ ،‬وإال سأصرخ طلًبا للمساعدة‬
‫صدمها الهدوء الذي رأته على وجهه‪ ،‬وظلت متمسكة بالرفوف طلبًا للسند‪ .‬لكن من أنت بحق الجحيم يا كريستوفر دافنبورت؟‬

‫أجاب‪" :‬لن يسمعك أحد يا آنا"‪ .‬كان صوته ناعًما ومعقواًل ‪" .‬نحن بعيدون تماًما عن غرفة الرسم‪ ،‬أال تعتقدين ذلك؟ ويبدو أن‬
‫‪.‬الموسيقى عالية جًد ا هناك‬
‫حاولت التنفس‪ .‬لم تكن قادرة على التفكير بشكل سليم ألنها كانت تعاني من الضيق‪ .‬ال ينبغي لي أن أغمي عليه! ليس هنا‪ ،‬وليس بين‬
‫يديه! عضت شفتها‪ ،‬وساعدها األلم على استعادة رباطة جأشها‪ .‬وبصوت تقطعه البكاء‪ ،‬حاولت مرة أخرى‪" :‬يمكن أن يأتي شخص‬
‫"!ما إلى هنا في أي لحظة‬
‫أوه‪ ،‬ال أعتقد ذلك‪ .‬ال أحد يذهب إلى المكتبة أثناء الحفلة‪ ،‬أليس كذلك؟ باستثناء الفتيات السخيفات للغاية‪ ،‬على ما يبدو‪ .‬ابتسم‪« .‬إلى "‬
‫جانب ذلك‪ ،‬عزيزتي لويز — سيدة جميلة جًد ا‪ ،‬أال تعتقدين ذلك؟ — ستحرص على أال يولي أحد أدنى اهتمام لهذا الجزء من‬
‫المنزل‪ .‬وأضاف وهو يقترب منها بخطوة صغيرة‪« :‬على أية حال‪ ،‬أنا أستمتع بالقليل من المخاطرة‪ .‬كثيرا جدا‪ .‬وبالحكم على‬
‫الطريقة التي تحديتني بها حتى اآلن‪ ،‬أعتقد أنك تحب ذلك أيًض ا‪ .‬أليس كذلك؟" كانت المسافة بينهما ضئيلة‪ ،‬وحجمه المذهل جعله‬
‫‪.‬يعلو فوقها‪ ،‬مظلًما وضخًما‪ .‬أدارت آنا رأسها يائسة‪ ،‬بحًث ا عن مخرج‬
‫ال تفكري في األمر حتى"‪ ،‬حذرها بشكل قاطع‪" .‬يمكنك أن تفعل ما هو أسوأ من ذلك بكثير‪ ".‬كانت على وجهه نظرة هادئة‪ ،‬عادية "‬
‫‪.‬كما لو كان يجري محادثة ممتعة تماًما‪ .‬لقد تراجع قليًال إلى الوراء ‪ ،‬مما أتاح لها مساحة صغيرة للتنفس‬
‫"حاولت آنا أن تنسى األلم في جانبها والخفقان في صدغيها‪ ،‬فسألته هامسة‪" :‬ماذا تريد مني؟‬
‫كان صوتها يرتجف بعنف لدرجة أنها لم تكن قادرة على إصدار سوى صوت غير مفهوم‪ ،‬لكنه فهم كلماتها بطريقة ما‪ .‬أجاب‬
‫بمفاجأة مصطنعة‪" :‬هذا سؤال غريب"‪" .‬أريد فقط إنهاء محادثتنا المثيرة لالهتمام‪ ،‬بالطبع‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬ال يمكنك أن تأمل أنني‬
‫قد أرغب في ذلك‪ . . .‬شيء آخر ‪ . . .‬منك‪ ".‬توقف مؤقًت ا وهو يقيسها بنظرته‪ .‬وأضاف بتعبير نادم‪" :‬أنا آسف إذا كنت قد جرحت‬
‫‪".‬مشاعرك‪ ،‬لكن الفتيات القبيحات ال يهمني‬
‫شعرت آنا بالتغلب على السخط‪ .‬يا لها من عاطفة غريبة‪ .‬ويظهر هذا حتى في أكثر المواقف فظاعة‪ ،‬عندما يضربك شخص ما في‬
‫‪.‬مكان يؤلمك أكثر‪ .‬ويجعلك تجد صوتك حتى عندما يخبرك الفطرة السليمة بعدم التحدث علًن ا‬
‫ال أريد أبًد ا أن يكون لدي رجل مثلك يتخيلني!" صرخت وهي تشعر باالشمئزاز مستخدمة صوتها الحقيقي ألول مرة منذ أن فاجأها"‬
‫‪.‬كريستوفر في المكتبة‬

‫‪".‬ومع ذلك‪ ،‬لم يكن معجًبا بشكل خاص‪ .‬قال وهو يسخر منها‪" :‬لقد فكرت كثيًر ا‬
‫ارتجفت آنا من الغضب المكبوت‪ ،‬وامتألت عيناها بالدموع‪ .‬ولم تحاول حتى إخفاءهم‪" .‬أنت لست أكثر من مجرد وغد قذر صغير‪،‬‬
‫“— كريستوفر دافنبورت! تفضل واضربني إذا أردت‪ ،‬لكنني سأخبر الجميع‪ .‬سيعرف الجميع‬
‫سيعرفون ماذا يا آنا؟" كانت لهجته هادئة وحلوة‪" .‬همم؟ هل تريد أن تخبر صديقتك أن والدتها كانت هنا للسماح لي؟ ‪ . .‬على هذه "‬
‫"الطاولة؟‬
‫‪ . . ".‬شعرت بسقوط قلبها‪ .‬لم تكن قادرة على إيذاء لوسي‪ ،‬هذا صحيح‪ .‬إنها ببساطة ال تستطيع ذلك‪" .‬أنا ‪ . . .‬أنا‬
‫إذا تحدثت عن الحلقة السابقة‪ ،‬فسوف تندلع فضيحة‪ ،‬وأنت تعرف ذلك‪" .‬لم يعد بإمكانك لعب دور الجرو الصغير‪ ،‬العاهرة “‬
‫الصغيرة" ‪ -‬نطق هذه الكلمة األخيرة ببطء‪ ،‬كما لو كان يغني ‪" -‬بالنسبة لآلنسة إدواردز‪ ،‬أال تعتقدين ذلك؟" وقالت انها سوف‬
‫" ‪.‬تكرهك‪ .‬حاولي استخدام رأسك يا آنا‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬يجب أن يعرف شخص مثلك جيًد ا كيفية حساب المكاسب والخسائر‬
‫‪".‬مسحت آنا دموعها بظهر يدها‪ .‬اللعنة عليه‪ .‬همست قائلة‪" :‬إذن سأخبرك بما فعلته بشخص مثلي‬
‫يبدو أن هذه الكلمات تسليه‪ .‬أجاب بتنازل‪" :‬لكنني لم أفعل شيًئ ا لك أيتها الفتاة السخيفة"‪" .‬هل تريد التحدث عن تبادلنا البسيط لآلراء؟‬
‫‪.‬سوف أنكر ذلك‪ .‬أو ربما أقول إنك كنت تنتظرينني هنا‪ ،‬قال وهو يحدق مرة أخرى في ثدييها‪ ،‬ثم قدمت نفسك لي‬
‫"‪ -‬لقد ذهلت آنا لدرجة أن الدموع توقفت عن التدفق على خديها‪" .‬ال احد ‪ . . .‬لن يصدق أحد‬
‫حًق ا؟" تحولت نظراته مرة أخرى إلى وجهها‪ .‬كان يرتدي المظهر المتعجرف لشخص يأكل على حساب شخص آخر‪" .‬أعتقد ذلك‪" ،‬‬
‫في الواقع‪ .‬كما ترى‪ ،‬ليس لدي الكثير ألخسره‪ ،‬بالبقاء هنا وحدي معك‪ .‬ولكن بالنسبة لك األمر مختلف‪ ،‬أليس كذلك؟ أنت امرأة‪،‬‬
‫"حسًن ا‪ ،‬أكثر أو أقل‪ ،‬وليس من الضروري أكثر من ذلك بكثير لتدمير سمعة المرأة‪ .‬تنهد بشكل قاطع‪" .‬إنها قاسية‪ ،‬أال تعتقد ذلك؟‬
‫ال أهتم! أوه‪ ،‬آنا قد صرخت‪ .‬كانت تود أن تخبره أن كل ما يعتقده عن عالمها ليس له أي صلة وأن أكاذيبه ال تخيفها‪ .‬لكنها سمعت‬
‫‪. . .‬بعض أصوات األطفال المبهجة في رأسها – أصوات إخوتها؛ وأبوها لو كان يعلم‬

‫أنا ‪ . . .‬أنا ‪" . . .‬سوف أجعلك تدفع ثمن هذا"‪ ،‬كان كل ما استطاعت أن تقوله بصوت عاٍل ‪ ،‬مستخدمة الكلمات التي كانت عالقة في"‬
‫‪.‬حلقها‪ ،‬كما لو كان منتفًخ ا من العجز‬
‫"‪.‬أجاب كريستوفر‪" :‬ال‪ ،‬ال أعتقد ذلك"‪ .‬وفجأة أصبح وجهه جديا‪ .‬مستاء تقريبا‪" .‬أعتقد باألحرى أنك ستصبح لطيًفا جًد ا معي اآلن‬
‫أخذ خطوة إلى األمام‪ ،‬مما أدى إلى تقصير المسافة بينهما‪ .‬صرخت آنا ودفعته للخلف بيديها‪ .‬أمسكها من معصميها وألقى بكتفيها‬
‫‪.‬على خزائن الكتب‬
‫"!ال تلمسني"‬
‫كان كريستوفر عليها‪ .‬مما تسبب في شعورها بالرعب كما لم تشعر به من قبل‪ ،‬انحنى جسده على جسدها‪ .‬كان أطول منها بحوالي‬
‫‪.‬عشر بوصات تقريًبا‪ ،‬وقد أصبحت أسيرة تماًم ا لحجمه وقوته‪ ،‬وحرارة جسده التي كانت تلتف حولها مثل بطانية في الشتاء‬
‫"!ال!" حاولت آنا بشراسة أن تتحرر‪ ،‬بينما كان قلبها ينبض أسرع من ذبابة تصطدم بزجاج النافذة‪" .‬دعني أذهب"‬
‫لم تستطع التحرك‪ .‬يبدو أن كريستوفر لم يالحظ حتى حركاتها اليائسة‪ .‬همس لها‪" :‬ششش"‪ .‬كانت مقيدة به‪ ،‬فحملتها قوته رغم‬
‫‪.‬ضعفها‪" .‬ال تصدري أي ضجيج‪ ،‬أيتها الفتاة السخيفة‪ .‬ال تريد أن يجدنا أحد في هذا الموقف‬
‫لم يكن لديها رجل قريب منها أبًد ا‪ ،‬ولم تشعر أبًد ا بالعضالت الموجودة تحت مالبس الرجل‪ ،‬أو أنفاسه الساخنة‪ ،‬أو تستنشق رائحته‪.‬‬
‫العشب المقصوص حديًث ا‪ ،‬والنعناع‪ ،‬وشيء مشابه للقرفة‪ ،‬كانت تلك رائحته الناعمة‪ ،‬وفجأة امتزجت برائحتها الرقيقة‪ .‬بدأت آنا‬
‫‪.‬الضعيفة تبكي دون حسيب وال رقيب‪ ،‬وخفضت رأسها‪ ،‬وأسندت جبهتها على معطفه‬
‫هل تعرف ماذا سيحدث إذا جاء شخص ما اآلن؟" كان سؤال كريستوفر بمثابة همسة دافئة على رأسها‪" .‬لن يتزوجك أحد أبًد ا يا آنا‪"،‬‬
‫وسيكون عليك ذلك‪ . . ."...‬سيكون عليك أن تستسلم‪ ." . .‬أوقف نفسه وأخذ نفًس ا كبيًر ا؛ ثم بدأ يتحدث مرة أخرى بصوت غير‬
‫"مستقر بعض الشيء‪« :‬عليك أن تتخلى عن البحث عن زوج ثري‪ ،‬وهو ما تريده بشدة‪ .‬أليس كذلك؟‬
‫‪.‬تمكنت من هز رأسها‬
‫‪.‬ال؟" سألها بهدوء"‬
‫كان جسده يدفع بقوة وغطرسة ضدها‪ .‬شعرت آنا بذلك‬
‫على ثدييها‪ ،‬على بطنها‪ ،‬وأسفلها‪ ،‬بين ساقيها‪ ،‬حيث‬

‫"‪.‬كان يلمسها بطريقة غير محتشمة ومتعمدة‪ .‬قالت وهي تبكي‪" :‬أنت ال تعرف شيًئ ا عني"‪" .‬دعني أذهب‬
‫سحقها كريستوفر بقوة أكبر على أرفف الكتب‪ .‬تمتم‪ ،‬وبدا صوته أجشًا على نحو مدهش‪" :‬هؤالء الرجال لن يتزوجوك أبدًا"‪" .‬هم ‪. .‬‬
‫"‪ ..‬سوف يأخذون منك كل شيء‪ .‬كل شئ‪ .‬وسوف يتركونك‬
‫أخذ نفسا عليها‪ ،‬وكان االتصال بجسده ساخنا ومتطفال‪ .‬كان يقبض على معصميها‪ ،‬مما آلمها‪ ،‬لكن آنا كانت خائفة جًد ا من أن تجد‬
‫األمر مغرًيا‪ ،‬ولم يكن لهذا الخوف أي عالقة باأللم‪ .‬لقد كان خوًف ا جديًد ا‪ ،‬حرك خاصرتها وجعل ساقيها تضعفان‪ ،‬مثل البطاطس‬
‫‪.‬المهروسة‪ .‬لقد كان خوًف ا ال يمكن تحديده أكثر مما عرفته من قبل‪ ،‬مزيج من العذاب والفتور‬
‫‪.‬سألتني وهي تبكي بال خجل‪" :‬دعني أذهب"‪" .‬أرجوك‪ .‬من فضلك يا سيد دافنبورت‪ ،‬دعني أذهب!» نطقت الكلمات بألم في فورة‬
‫هل تتوسلين لي يا آنا؟" قال بحنان بنبرة هادئة‪ .‬قبل رأسها وأذهلها‪" .‬لم أكن أعتقد أنك قادر على ذلك‪ ".‬وضع رأسه في شعرها "‬
‫وهو يستنشق الرائحة‪ .‬أغلقت عينيها‪ .‬وهذا ما أراده هذا الرجل‪ :‬أن يهزمها‪ .‬ولذلك لم تتفاعل‪ .‬لم تتحرك‪ ،‬ولم تحاول دفعه بعيًد ا‪،‬‬
‫‪.‬وبقي على هذا الوضع لفترة طويلة جًد ا‪ .‬كان صمت الغرفة يتخلله تنفسهم غير المنتظم ونبض قلوبهم المضطرب‬
‫)هل تسمعين قلبه يا آنا؟ إنه ينبض بنفس سرعة نبضات قلبك تقريًبا‪ ،‬أليس كذلك؟(‬
‫لقد كان ينبض‪ ،‬نعم‪ .‬كان الضرب ينبض‪ ،‬وترك كريستوفر قبضته على معصميها‪ .‬ثم تركهم يذهبون‪ .‬لقد نزلوا إلى جانبيها‪ ،‬لكنها لم‬
‫تعيدهم للقتال‪ .‬ال‪ ،‬لقد وقفت ساكنة‪ ،‬تماما كما أراد‪ .‬وعندما شعرت به يضع إحدى يديه على جانبها واألخرى على رأسها‪ ،‬تركته‪ .‬في‬
‫‪. . .‬صمت‪ .‬سمحت له بتمرير إصبعه من خالل تجعيد شعرها وتمشيطها بهدوء‪ .‬لم يكن هناك مثل هذا الحنان القاسي من قبل‬
‫فتاة جيدة‪ "،‬همس لها كريستوفر أخيرًا‪ ،‬ورفع رأسه‪" .‬أرى أنك تفهم‪ ".‬لقد عاد بعيًد ا بما يكفي لرؤية وجهها معلًق ا بالبكاء‪" .‬سأتركك "‬
‫"‪.‬تذهب إذن‪ .‬في الوقت الراهن‬
‫‪.‬فجأة أخذ خطوة إلى الوراء‬
‫‪.‬في حالة ذهول‪ ،‬لم تعرف آنا ماذا تفعل‪ .‬هل يمكنها حقا أن تغادر؟ كانت تهتز‪ ،‬ولم تكن قادرة حتى على رفع رأسها‬
‫‪".‬كرر‪" :‬يمكنك الذهاب‬

‫‪...‬هل انتهى األمر؟ هل انتهى الكابوس؟ جمعت نفسها وتحولت بسرعة‪ .‬اخرج من هناك بسرعة! بسرعة‪ ،‬قبل أن يغير رأيه‪ ،‬قبل‬
‫أمسكت يده بمعصمها األيسر‪ ،‬فتوقفت آنا دون مقاومة‪ ،‬وكانت منهكة‪ .‬لقد فهمت أنه كان يلعب معها فقط‪ ،‬كما تلعب القطة مع‬
‫‪.‬الماوس‪" .‬لقد قلت أنه يمكنني الذهاب!" احتجت بصوت متقطع‬
‫هذا صحيح"‪ ،‬أكد كريستوفر بابتسامة بدت لطيفة تقريبًا‪" .‬أوال‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬يجب أن تقدم لي اعتذاراتك‪ ".‬ترك معصمها‪ ،‬وسقطت "‬
‫‪.‬ذراعها بشدة على جانب جسدها‬
‫للحظة طويلة‪ ،‬لم تتمكن آنا من فهم معنى هذه الكلمات‪ .‬ثم فهمت‪ .‬أدركت بوضوح أن هذا ال يزال غير كاٍف بالنسبة له‪ .‬ثم اتضح لها‬
‫‪.‬أنه بطريقة مجنونة كان هناك منطق – منطق سخيف – في ما كان يفعله‪ .‬يريد أن يهينني بشكل كامل وكلي‬
‫‪.‬أنت تريد االعتذارات‪ "،‬كررت بشكل قاطع‪ .‬اعتذارات‪ .‬هي إليه‪ .‬أرادها أن تعرف أن العالم يدور حول كريستوفر دافنبورت"‬
‫‪".‬أومأ برأسه‪ ،‬والسخرية في عينيه‪ .‬وأوضح بلطف‪" :‬أوه‪ ،‬بضع كلمات فقط‪ ،‬وبعد ذلك يمكنك المغادرة من هنا‬
‫‪.‬كان الباب قريًبا جًد ا‪ .‬وكانت حريتها قريبة جدا‪ .‬فقط بعض الكلمات‬
‫قالت بصراحة‪" :‬وبعد ذلك يمكنني المغادرة"‪ .‬وبدا لها أنها ال تستطيع أن تفعل شيًئ ا أكثر من تكرار كلماته؛ شعرت بأنها غير قادرة‬
‫‪.‬على التفكير‬
‫"‪.‬وأكد لها‪" :‬أنا أعطيك كلمتي"‪" .‬لن يكون األمر صعًبا يا آنا‪ ،‬سترين‪ ،‬حتى بالنسبة لشخص مثلك‬
‫‪.‬شخص مثلي‬
‫كرر‪" :‬فقط بضع كلمات"‪" .‬أنا ال أطلب منك حتى الركوع‪ .‬كل ما عليك فعله هو أن تنظر في عيني وتقول‪" :‬أنا آسف ألنني قللت من‬
‫‪".‬احترامك يا سيد دافنبورت‬
‫أنا آسف ألنني لم أحترمك يا سيد دافنبورت‪ .‬ما مدى صعوبة ذلك‪ ،‬بعد كل شيء؟‬
‫لقد اختفت الطبيعة القتالية التي كانت تبدو عليها دائًم ا‪ ،‬وتالشت في أول هزيمة حقيقية في حياتها‪ .‬في ضوء الغرفة الخافت – بينما‬
‫كانت لهيب الشموع يومض بشكل غريب‪ ،‬وتتحرك ظالل الكتب معها – لم يكن هناك سوى فتاة مضروبة‪ ،‬وجنتاها مبلالن‪ ،‬وأنفها‬
‫‪.‬سيالن‪ ،‬ووجهها المذل‬
‫وقف كريستوفر في مواجهتها‪ ،‬طويل القامة ومتغطرس‪ .‬كانت قوته مهيمنة للغاية‪ .‬كان من المستحيل حتى التفكير في المقاومة‪ .‬كان‬
‫‪.‬شعره الداكن يشع انعكاسات زرقاء في ضوء الشموع؛ كان وجهه سخرية ساخرة‬

‫اعترف مستاًء ‪" :‬كما ترين يا آنا‪ ،‬ربما كان بإمكاني االستغناء عن اعتذاراتك"‪ .‬وأضاف بنبرة صبورة كان سيستخدمها مع طفل‬
‫‪".‬صغير غبي‪" :‬ومع ذلك‪ ،‬يجب إعادة األشخاص أمثالك إلى مكانهم من حين آلخر‬
‫‪.‬مكاني‬
‫وفجأة‪ ،‬مثل شعاع ضوء الشمس في سماء الليل‪ ،‬أدركت آنا أنه كان على حق‪ .‬حق تماما‪ .‬مكانها لم يكن هنا آه‪ ،‬ال – السماوات‪ ،‬ال!‬
‫ال‪ ،‬كان مكانها في منزل أولئك الذين أحبوها‪ ،‬أولئك الذين تألقوا بمجرد رؤيتها‪ ،‬أولئك الذين اعتبروها مثالية‪ ،‬أولئك الذين كانوا‬
‫‪.‬ينتظرونها حتى في هذه اللحظة‬
‫ما تفعل هنا؟ ماذا كانت تفعل في هذه المكتبة ذات اإلضاءة الخافتة مع هذا الرجل المجنون؟ ماذا كانت تفعل وسط هؤالء المجانين‪،‬‬
‫السخيفين‪ ،‬المتفاخرين‪...‬؟‬
‫"‪.‬آنا‪ ،‬أنا أنتظر"‬
‫أومأت برأسها وأغلقت عينيها‪ .‬لم يبق سوى القليل قبل نهاية كابوسها‪ .‬في أي وقت من األوقات ستخرج من هذه الغرفة المظلمة‪ ،‬في‬
‫‪. . .‬النور‪ ،‬وبعد ذلك يمكنها أن تسرع إلى منزلها إلخوتها‪ ،‬إلى والدها‪ ،‬ناسية‬
‫‪.‬أنا آسف ألنني لم أحترمك يا سيد دافنبورت‬
‫‪".‬قالت وهي تفتح عينيها مرة أخرى‪" :‬اذهب إلى الجحيم يا سيد دافنبورت‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪.‬قبلة قد تدمر حياة اإلنسان‬


‫‪7‬‬
‫‪".‬اذهب إلى الجحيم يا سيد دافنبورت"‬
‫وهربت كما لو كانت تهرب بحياتها‪ .‬وهي ركضت بسرعة‬
‫بخفة‪ ،‬بفستانها الذي طار مثل سحابة من األلوان‪ .‬وصلت إلى الباب وأمسكت بالمقبض الذي انزلق من يدها المرتجفة‪ .‬أمسكت بها‬
‫!مرة أخرى‪ ،‬أدارتها‪ ،‬وفتحت الباب‪ .‬لقد كادت أن تفعل ذلك؛ كانت في الخارج تقريًبا‬
‫"‪.‬لديك ثالثة أشقاء صغار وأب غبي يجب عليك االعتناء به"‬
‫كلماته تركتها مجمدة عند الباب‪ .‬لم يطاردها كريستوفر‪ ،‬وكانت نبرة صوته هادئة‪ .‬لو تم لكمها في بطنها لكان األلم أقل حدة‪ .‬التفتت‬
‫‪.‬نحوه وهي في حالة ذهول‬
‫يبدو أن عائلتك عليها الكثير من الديون‪ ".‬كان يراقبها بهدوء‪ .‬الخوف جعل ساقيها ترتجفان‪ .‬ضعيفة‪ ،‬تشبثت بالباب‪ .‬وتابع دون أن "‬
‫‪.‬يتأثر‪" :‬أرأيت؟ أنا أعرف شيًئ ا عنك‪ ،‬بعد كل شيء‬
‫كيف يمكن أن تعتقد أن هذا الرجل كان لديه روح معذبة؟ كيف يمكن أن ترى أي نوع من المعاناة في عينيه؟ "جبان! ال تجرؤ‪ . . .‬ال‬
‫"!تجرؤ على ذكر عائلتي‬
‫"‪.‬تصلب وجهه‪" .‬آنا‪ ،‬ال تستمري في تحديي‪ .‬من أجل مصلحتك‪ ،‬ال تفعل ذلك‬
‫لم تهدأ اآلالم الحادة في بطنها‪ ،‬وكانت تشعر بالغثيان وتخشى أن تتقيأ‪ .‬من كان هذا الرجل الذي كان أمامها؟ كيف يمكن أن‬
‫أوسكار وايلد‪-‬‬

‫تضر عائلتها؟ ولم تكن تعرف‪ ،‬ألنها لم تكن تعرف عنه شيًئ ا‪ .‬ال‪ ،‬لم يكن األمر كذلك‪ ،‬لقد صححت نفسها بشدة‪ .‬أنا أعرف شيئا‪،‬‬
‫أليس كذلك؟ أعلم أنه يخون أصدقاءه‪ ،‬وال يندم على تخويف النساء وضربهن‪ .‬شعرت بقلبها في قبضة جليدية‪ ،‬كما لو كانت تضغط‬
‫عليه صفائح من الجليد في منتصف الصيف‪ .‬اعتقدت أن إخوتها وأختها ربما كانوا في السرير في تلك الساعة‪ ،‬وقد أمسكت القبضة‬
‫عليها بقوة أكبر‪( .‬ما لم يكونوا قد خطروا في رؤوسهم أن يلعبوا بعض األلعاب الليلية المخيفة‪ ،‬كما يفعلون في بعض األحيان‪)...‬‬
‫"لقد أطلقت تنهيدة من األلم‪" .‬هل تهدد عائلتي؟‬
‫فتح كريستوفر ذراعيه‪ .‬أجاب بنوع من االستياء المستسلم‪" :‬إذا اضطررت إلى ذلك"‪" .‬ولكن إذا أردت‪ ،‬يمكنك إنهاء هذه القصة هنا‬
‫‪".‬واآلن‪ ،‬دون عواقب‬
‫"‪.‬لم تستطع النظر إليه‪ .‬طغى عليها االشمئزاز‪ .‬تمتمت‪" :‬أنت وغد"‪" .‬الوغد الغادر البائس‬
‫ولم يتفاعل بغضب‪ .‬إذا كان هناك أي شيء‪ ،‬فقد كان بجدية مدروسة‪ .‬واعترف قائًال‪" :‬أنا غادر‪ ،‬هذا صحيح"‪ .‬ال‪ ،‬لم "يعترف" بل‬
‫"أشار" باألحرى‪ .‬ألنه لم يبق في صوته ما يشير إلى أنه يعتبره بأي حال من األحوال أمرًا مشينًا‪" .‬أحياًن ا ال بد من الخيانة‪ ،‬أال‬
‫"‪.‬ترى؟ للفوز‪ .‬وأنا فزت‪ ،‬آنا‪ .‬دائمًا‬
‫لبضع لحظات لم تكن قادرة على الرد‪" .‬يفوز؟ فوقي؟" سألت أخيًر ا‪ ،‬وابتسمت‪ ،‬ألن األمر كان سخيًف ا للغاية‪ .‬ربما كانت تحلم فقط‪.‬‬
‫"أنت تتحدث كما لو كنت ألد أعدائك يا سيد دافنبورت‪ .‬لكن جريمتي تجاهك صغيرة جًد ا‪ ،‬صغيرة جًد ا‪ .‬يا إلهي‪ ،‬كيف ال يمكنك أن‬
‫"تدرك ذلك؟‬
‫"لقد كانت صغيرة‪ ،‬وستظل صغيرة إذا أنهيناها هنا‪ .‬أنت من يرسمها‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫‪.‬صمتت وهي تتكئ على الباب دون طاقة‬
‫"‪.‬أنت ال تريدين مواصلة هذه اللعبة يا آنا"‬
‫بدأ بالسير نحوها ببطء‪ .‬خمسة عشر أو عشرين قدًما فقط‬
‫‪.‬معظمهم يفصلون‪ .‬أدارت آنا رأسها لتنظر خارج الباب‪ ،‬متفاجئة من أن الردهة ال تزال مهجورة‪ ،‬مضاءة بالشموع الساطعة‬
‫)‪.‬ال يمكنك الهروب‪ ،‬آنا(‬
‫‪.‬اثنا عشر قدمًا‪ ،‬تسعة أقدام‬
‫استمعت إلى الضوضاء التي جاءت من غرفة الرسم القريبة‪ .‬ال‬
‫لقد فهمت فجأة أن العالم ليس مكاًن ا واحًد ا واضًح ا‬

‫‪.‬تحكمها قوانين منطقية‪ .‬هناك أيًض ا عوالم أخرى‪ ،‬مشوهة وبال معنى‪ ،‬مثل هذا العالم الذي وقعت فيه بالصدفة‬
‫‪.‬ستة أقدام‬
‫كان الواقع الذي ساد في هذه الغرفة فظيًع ا وله قوانينه الغامضة‪ ،‬وبينما كان كريستوفر يقترب منها أكثر فأكثر‪ ،‬شوهت ألسنة اللهب‬
‫‪.‬المتحركة للشموع وجهه‪ .‬وكان على بعد أقل من ثالثة أقدام منها‬
‫"‪.‬اآلن سأخبرك بما يجب عليك فعله‪ .‬وسأكون واضحا"‬
‫أغمضت آنا عينيها دون أن تتحرك‪ ،‬ووقف بجانبها‪ .‬وضع يده اليسرى على يدها – وهي ال تزال متكئة على مقبض الباب‪ ،‬منذ األبد‬
‫‪.‬من قبل‪ ،‬عندما ظنت أنها آمنة – وأغلق الباب مرة أخرى دون أن يصدر أي صوت‬
‫من حيث المبدأ‪ ،‬الجميع يتذمرون ويصرخون ويسبون‪ ،‬هكذا فكر كريستوفر‪ ،‬ولكن في النهاية ينتهي األمر بالجميع دائًما عند هذه‬
‫النقطة‪ ،‬أليس كذلك؟ في لحظة االستسالم‪ .‬واستسلمت آنا‪ ،‬ولكن ‪ -‬مع ارتعاش جسدها من النحيب وهي تقف أمامه ‪ -‬بدت وكأنها‬
‫ستنهار في أي لحظة‪ .‬تم تدمير تسريحة شعرها البسيطة‪ ،‬وسقطت تجعيد الشعر على وجهها بشكل فوضوي؛ بدت الشرائط الخضراء‬
‫سخيفة عندما خرجت من شعرها‪ .‬بدا الفستان الذي غيرته ‪ -‬ليبدو كالملكة‪ ،‬كما تذكر كريستوفر أنه ظن ‪ -‬وكأنه يتساقط حولها مثل‬
‫‪.‬كومة من الخرق القديمة‪ .‬مع وجهها المنهك‪ ،‬وأنفها منتفخ من البكاء‪ ،‬وعينيها حمراء‪ ،‬لم تكن هذه الفتاة سوى متعجرفة وفخورة‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فقد جعلته غاضًبا‪ ،‬وقادًر ا على الغضب المفرط لدرجة أنه كان له نتائج ال يمكن تفسيرها‪ .‬نظًر ا ألن النساء الالتي تعامل‬
‫معهن كريستوفر وكن في الغالب من أصحاب بيوت الدعارة أو من ُمقرضي األموال‪ ،‬لم تكن هذه هي المرة األولى التي يخيف فيها‬
‫أنثى ‪ -‬لكنها بالتأكيد كانت المرة األولى التي يتصرف فيها كشرير ضد امرأة شابة عزالء‪ .‬وكانت أيًض ا المرة األولى التي يستخدم‬
‫فيها االتصال الجنسي كسالح‪ .‬ألن هذا هو الحال‪ ،‬أليس كذلك؟ تهديدات جنسية ضد فتاة ساذجة‪ .‬من الواضح أن إحدى الطرق من‬
‫‪.... . .‬بين طرق أخرى إلخافتها ‪ -‬ربما ال تكون مشرفة‪ ،‬ولكن هذا فقط‪ ،‬هذا فقط‬
‫‪،‬فتاة ساذجة‪ .‬نعم‪ ،‬آنا كانت كذلك‪ .‬ساذج وخائف‪ .‬عرف كريستوفر ذلك‪ ،‬اللعنة‪ .‬كان يود أن يتركها بمفردها وقد فكر في األمر حتى‬

‫ولكن عندما هربت على عجل ‪ -‬فخورة وخفيفة مثل الهواء ‪ -‬تغلب عليه الغضب‪ ،‬وهزمها‪ ،‬استخدم ما أبلغه به متى في ذلك الصباح‪.‬‬
‫‪.‬تهديد األطفال – يا له من ذكاء‪ ،‬فكر بسخرية‪ .‬من يدري ما إذا كانت ستدعمني كمرشح لبطل العام‬
‫‪. . .‬أوه ‪ ،‬نظرة االشمئزاز التي كانت لديها‬
‫‪.‬كانت تتنفس بشدة‪ .‬كانت بحاجة إلى القليل من الدرس‪ .‬لقد تحدته عمدا بعد كل شيء‬
‫"قال بهدوء‪" :‬دعونا نبدأ من جديد"‪" .‬لم تكن الجملة صحيحة تماًما في المرة األولى‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫‪.‬خفضت آنا رأسها‪ .‬انزلقت الدموع ببطء على فستانها‪ ،‬وتبللته‪ ،‬مما أدى إلى ظهور بقع داكنة على صدرها‬
‫"‪. . ".‬تعالي يا آنا‪ "،‬حثها بهدوء‪" .‬دعونا نفعل ذلك بسرعة‪ .‬سأساعدك‪ ،‬حسًن ا؟ كرر بعدي‪ :‬أنا آسف"‬
‫أوه‪ ،‬كان ذلك قاسيا‪ .‬بل وأكثر قسوة‪ .‬اهتزت ‪ ،‬ابتلعت دون جدوى‪ .‬لم يتمكن كريستوفر من رؤية وجهها‪ ،‬لكنه تخيل أنها كانت تبذل‬
‫‪.‬مجهوًد ا كبيًر ا لتتمكن من قول بضع كلمات‬
‫‪.‬أنا أكون ‪ . . .‬آسف ‪ ." . .‬كان صوتها خافتًا كصوت طفل‪ ،‬كأنها حزينة ساجدة"‬
‫هذا ال يكفي يا فتاة صغيرة‪ ،‬فكر كريستوفر‪ .‬كان إيقاع تنفسه مطابًق ا إليقاعها‪ .‬االستماع إليها‪ .‬ليس بعد‪ .‬واعترف قائًال‪" :‬لقد وصلنا‬
‫"‪.‬تقريبًا إلى هناك"‪" .‬ومع ذلك‪ ،‬يجب أن تقول ذلك أثناء النظر في عيني‬
‫لم تستطع آنا النظر لألعلى؛ وضع يده على مؤخرة رقبتها‪ ،‬وشد شعرها‪ ،‬ورفع رأسها‪ .‬أراد أن يرى الذل في عينيها‪ .‬أراد لها أن‬
‫‪.‬ترى السخرية في بلده‪ .‬ولن تتحداه بعد اآلن‪ ،‬أبًد ا مرة أخرى‬
‫‪".‬وقال لها‪" :‬دعونا نبدأ من جديد‬
‫‪.‬كان وجه آنا أحمر‪ ،‬منتفخا‪ ،‬وعينيها مغلقة‪ .‬انزلقت دمعة بسرعة على وجهها وتوقفت على جانب فمها‪ ،‬وأغلقت من العجز‬
‫"‪.‬افتح عينيك"‬
‫للحظة – ومضة ضوء – فعلت ذلك‪ .‬لكنها أغلقتهما مرة أخرى على الفور عندما التقت عيناها بعينيه‪ .‬قام كريستوفر بشد شعرها‬
‫‪.‬بقوة مما جعلها تتأوه‬
‫"‪.‬افتح عينيك‪ .‬اآلن"‬
‫فتحت آنا جفنيها ببطء وحافظت على نظرتها‪ .‬كان تنفسها مضطرًبا وغير منتظم‪ ،‬وكان صدرها يتبع اإليقاع‪ ،‬يصعد ويهبط بطريقة‬
‫عشوائية‪ .‬كانت هناك دمعة أشرقت ضدها‬

‫‪ .‬بياض الجلد العاري عند خط رقبتها‪ ،‬وشعر كريستوفر فجأة بالعطش‪ .‬عطش رهيب‬
‫‪".‬قال وهو يصحح صوته‪" :‬جيد جًد ا"‪" .‬دعونا نبدأ إذن‪ .‬قل "أنا آسف‬
‫ارتجفت بعنف‪ .‬فتحت فمها قليال‪ ،‬ولكن لم يخرج صوت واحد‪ .‬حاولت مرة أخرى‪ ،‬بينما كان وجهها ينقبض في تشنج مؤلم‪" .‬ثانيا أنا‬
‫‪ . . . . . ".‬أنا آسف‬
‫)‪.‬لقد فزت يا كريستوفر(‬
‫ظهر النصر على وجهه مع ابتسامة‪ .‬نظر إليها بصمت للحظات‪ ،‬مستمتًع ا بهزيمتها‪ .‬تمتم وهو يقترب منها‪" :‬لكن يا لها من فتاة‬
‫جيدة"‪ .‬لقد رأى شعرها الناعم تحت أصابعه ودفء بشرتها الذي يحمل عالمة المعاناة‪ .‬لقد رأى عينيها محملتين بالخوف والكراهية‪،‬‬
‫وربما ال يزال وراء ذلك أثر من الفخر‪ .‬لقد شعر بالحاجة إلى الهواء‪ ،‬وهي حاجة خطيرة ومتقطعة‪ .‬أخذ نفًس ا عميًق ا‪ ،‬ومألته رائحة‬
‫آنا الحلوة ‪ -‬رائحة رقيقة ورقيقة‪ ،‬مثل الخبز والتفاح ‪ .-‬تم الرد على كل ألياف في جسده‪ .‬كل األلياف أرادت نفس الشيء‪ ،‬ولم يكن‬
‫ذلك جيًد ا‪ ،‬اللعنة‪ ،‬ليس جيًد ا على اإلطالق‪ .‬متجاهًال قلبه النابض ولعن صوته غير المستقر‪ ،‬عاد إلى التعذيب مرة أخرى‪"" :‬إنني لم‬
‫‪"." . ".‬أحترمك‬
‫‪.‬الذي ‪ -‬التي ‪ . . .‬أنا ‪ ." . .‬تمتمتها لم تكن أكثر من مجرد نفس‪ ،‬بالكاد مسموعة في الصمت التام للغرفة"‬
‫لقد انتهى األمر تقريًبا‪ .‬وضع كريستوفر يده على خدها المبلل ومسح دمعة من وجهها المحمر المنهك‪ .‬كانت عيناها ممتلئتين‬
‫"‪".‬بالخوف‪ ،‬وقام بفرك إبهامه ببطء على بشرتها‪ ،‬وشعر بنعومتها من خالل قفازاته‪ .‬أنهى كالمه بهدوء قائًال‪"" :‬لم أحترمك‬
‫مهزومة‪ ،‬أغلقت عينيها‪ .‬للحظة واحدة فقط‪ .‬ثم أعادت فتحها‪" .‬قلل من احترامه ‪ . . .‬أنت‪ "،‬تمتمت‪ .‬تكشيرة مؤلمة وأضافت بصوت‬
‫‪".‬ضعيف‪" :‬من فضلك دعني أذهب اآلن يا سيد دافنبورت‬
‫ولم يكن ليسمح لها بالرحيل حتى لو كلفه ذلك حياته‪ .‬قال بهدوء‪" :‬لقد كنِت فتاة صغيرة جيدة"‪" .‬لم يكن األمر صعًبا جًد ا‪ ،‬أليس‬
‫"كذلك؟‬
‫‪.‬نظرت آنا بعيًد ا‪ ،‬وتحدق في نقطة خلف كتفه‪" .‬دعني أذهب اآلن‪ ،‬كما وعدت‪ .‬لو سمحت‪ ".‬أغمضت عينيها وبقيت بين يديه خاملة‬
‫لقد كانت دافئة جًد ا‪ ،‬وقريبة جًد ا؛ تمتزج أنفاسهم مًع ا‪ .‬بدا وجهها جمياًل جًد ا‪ ،‬وضوء الشموع‪ ،‬ورائحة بشرتها الرقيقة‪ .‬كانت شفتيها‬
‫‪.‬ممتلئة وحمراء‬

‫‪.‬ساعدني هللا‪ ،‬فكر كريستوفر‪ .‬انحنى عليها وقبلها‬


‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪8‬‬
‫يا صديقي‪ ،‬األكثر حكمة بيننا هو األكثر سعادة ألنه لم يقابل أبًد ا المرأة ‪ -‬سواء كانت جميلة أو قبيحة‪ ،‬ذكية أو حمقاء ‪ -‬القادرة على‬
‫‪.‬دفعه إلى الجنون بما يكفي للذهاب إلى مصحة األمراض العقلية‬
‫دينيس ديدرو —‬
‫يا إلهي‪ ،‬ما هذا الصداع‪ .‬كانت الغرفة نصف مضاءة فقط‪ ،‬وبدا له أنها تدور‪ .‬ولم تكن الستائر مغلقة‪ ،‬ولم تعطيه أي إشارة إلى مدى‬
‫‪.‬تأخره في النوم‪ .‬ولكن ما هو الوقت؟ كان أحدهم يطرق الباب‪ ،‬وبدا األمر بالنسبة لكريستوفر وكأن ألف مدفع يطلق النار‬
‫"يا ابن العم‪ ،‬هل تناولت مشروًبا الليلة الماضية؟"‬
‫لقد كان صوت ماثيو‪ ،‬ولكن متى أصبح صوته مرتفًع ا جًد ا؟ يجب أن يكون قد حدث بين عشية وضحاها‪ .‬بدا اليوم السابق عادًيا‪ ،‬لكنه‬
‫‪.‬بدا حاًد ا في ظالم الغرفة‬
‫دفن كريستوفر رأسه في الوسائد‪ .‬تمتم وهو نصف نائم‪" :‬مات‪ ،‬اذهب بعيًد ا"‪ .‬كان من المستحيل التحدث بصوت أعلى‪ .‬يبدو أن كل‬
‫‪.‬كلمة تضرب دماغه مثل المطرقة‬
‫‪".‬ولم يستسلم ابن عمه الفظ‪ .‬وقال‪" :‬لدي بعض األخبار لك‬
‫ال‪ "،‬صرخ كريستوفر من الجانب اآلخر من الباب‪ .‬فتح فمه ليقول "الحًق ا يا مات" وشعر بالقيء يرتفع فجأة إلى حلقه‪ .‬قام بسحب "‬
‫غطاء السرير من تحت سريره وتقيأ فيه مباشرة‪ .‬لم تكن هذه تجربة رائعة‪ ،‬كما قال في كثير من األحيان‪ .‬وكما هو الحال دائًما‪ ،‬جاء‬
‫‪.‬مع هذه التجربة شعور ال هوادة فيه بأنه مجرد قطعة من القمامة البشرية‪ ،‬بل وصوت أكثر وضوًح ا ال لبس فيه‬

‫تعرف ماثيو بسرعة على هذا الصوت‪" .‬مرحًبا كريس‪ ،‬ما األمر؟" سأله‪ .‬لقد بدا اآلن قلًق ا‪ ،‬مثل الدجاجة األم‪ ،‬وهو أسوأ شيء ممكن‪.‬‬
‫""أال تشعر أنك بخير؟‬
‫أجاب‪" :‬أنا بخير تماًم ا"‪ ،‬ثم تقيأ مرة أخرى في المقالة‪ .‬مجموعة أخرى متكتلة ذات لون غير محدد ‪ -‬خليط من كل الظل بين البني‬
‫واألبيض ‪ -‬تناثرت على األرض ولطخت األغطية‪ .‬كان يعتقد أنه مثالي‪ .‬وبعد دقائق قليلة تحسنت حالته وقال بصوت ضعيف‪" :‬أنا‬
‫"‪.‬بخير‪ .‬اتركني وحدي قليًال‬
‫‪.‬لقد شرب شخص ما كثيًر ا الليلة الماضية‪ ،‬أليس كذلك؟ لقد أخبرتك أنك ال تملك الجرأة على ذلك أيها الرجل العجوز"‬
‫"‪.‬مات‪ ،‬إذا لم تذهب بعيًد ا فسوف أقتلك"‬
‫أوه‪ ".‬ويبدو أن ماثيو أخذ هذا االحتمال على محمل الجد‪" .‬أعتقد أنني سأذهب إذن‪ .‬سنرى بعضنا البعض في وقت الحق‪ . . .‬ربما "‬
‫‪.‬حتى تناول سكوتًش ا‪ ».‬ضحك وخرج إلى الردهة‬
‫استلقى كريستوفر على ظهره في السرير واضًع ا ذراعه فوق عينيه‪ .‬كان طعم فمه فظيعا‪ .‬كان يشعر بحرقة شديدة في حلقه‪ ،‬وكان‬
‫‪.‬رأسه يشعر بالدوار لدرجة أنه منعه من النهوض‪ .‬سيداتي وسادتي‪ ،‬أقدم لكم رجًال يتمتع بالنزاهة‬
‫وكانت رائحة القيء والكحول في الغرفة تصيبه بالغثيان‪ .‬بدأ يرتجف وحاول احتوائه‪ .‬ناضل من أجل الجلوس‪ ،‬واستمرت الغرفة في‬
‫الدوران‪ ،‬وانجرف عقله كما لو كان في حالة ذهول‪ .‬مد يده إلى طاولة الليل والتقط الزجاج الذي كان فوقها‪ .‬شرب رشفة من الماء‬
‫‪.‬محاوًال التنفس بشكل طبيعي واستعادة السيطرة على نفسه‪ .‬ثم أنهى بقية الزجاج في جرعة‬
‫كان يعتقد أنني في حالة سيئة‪ .‬اللعنة‪ ،‬لم يكن عليه أن يشرب كثيًر ا الليلة الماضية‪ .‬بعد عودته من منزل عائلة إدواردز‪ ،‬كان قد سكب‬
‫زجاجة كاملة من الويسكي في حلقه مرة واحدة تقريًبا‪ ،‬وسكب بعًض ا منها على قميصه‪ .‬ثم ألقى الزجاجة على الحائط وألقى بنفسه‬
‫‪.‬على السرير‪ ،‬على أمل أن ينهار فاقدًا للوعي‬
‫تنهد ونهض بعناية‪ ،‬للتأكد من أن ساقيه كانتا صلبتين‪ .‬مشى نحو الستائر وفتحها قليًال؛ الضوء يؤذي عينيه‪ .‬لقد اختفى ُسكره‪ ،‬على‬
‫‪.‬الرغم من أن مخلفاته ستستمر بال شك حتى فترة ما بعد الظهر‪ .‬إذا كان هناك أي شخص يحتاج إلى البقاء حاًد ا‪ ،‬فهو هو‬
‫‪.‬وهللا ما كان هناك ليلعب‬
‫‪.‬ومشى إلى حوض الماء وغسل وجهه‬

‫ال بد أن لقاءه مع أخيه غير الشقيق قد هزه أكثر مما توقع إذا خاطر بإفساد كل شيء ‪ -‬أو على األقل‪ ،‬التسبب في مواجهة محرجة ‪-‬‬
‫من خالل االنتقام من هذه الفتاة‪ .‬واعترف بأن األمور خرجت عن نطاق السيطرة قليًال‪ .‬في ضوء المكتبة الخافت‪ ،‬كان قد فكر في‬
‫‪.‬إخافة اآلنسة تشامبيون‪ ،‬وإخافتها حتى البكاء‪ ،‬وإهانتها عند الضرورة ‪ -‬وحتى نقطة معينة سار كل شيء تماًما وفًقا لخططه‬
‫مرر يده على شعره بصدمة لقد حاولت آنا إعطاء "ال" خائفة! عندما قبلها‪ ،‬وكانت الكلمة مكتومة عندما التقت أفواههم‪ .‬لقد أطلقت‬
‫أنيًن ا حزيًن ا ‪ ،‬لكنه رفضها‪ .‬كان من الصعب عليها أن تعطي أكثر من ذلك كرد فعل ‪ -‬فقد هدد بإبادة عائلتها وجميع األجيال القادمة‪،‬‬
‫أو شيء من هذا القبيل ‪ -‬وقد استغل كريستوفر ذلك‪ .‬بيده على مؤخرة رقبتها‪ ،‬سحب وجهها نحو وجهه‪ ،‬يستكشف فمها بجشع‪،‬‬
‫ويستحوذ عليه بنهم‪ ،‬مبتهًج ا بمذاقها الحلو والمالح وشيء ال يمكن تحديده ‪ -‬النرجس البري؟ الزعرور؟ لم يكن لديه أي فكرة عما‬
‫‪.‬يمكن أن نسميه‬
‫ال!" لقد كررت ذلك‪ ،‬لكن كريستوفر لم يستمع إليها‪ ،‬واستمر في تقبيل فمها‪ ،‬ثم وجهها المبلل بالدموع‪ ،‬ثم شفتيها مرة أخرى‪ ،‬ثم "‬
‫رقبتها الشاحبة للغاية‪ .‬كان قد وضع يده على ظهرها ليقربها منه‪ .‬عض على شفتيها‪ ،‬ومر لسانه على سنها الملتوي‪ ،‬ذلك السن‬
‫السخيف الذي أعطى ابتسامتها صفة فريدة وغريبة‪ .‬لم ترد آنا على قبالته‪ ،‬لكنها سمحت له بتقبيلها‪ ،‬وكان تنفسها السريع خائًفا‬
‫يداعب جلده وشفتيه‪ ،‬واستهلكه ذوقها‪ .‬دفئها جعله يشعر وكأنه في المنزل‪ .‬وبشجاعة خجولة‪ ،‬وضعت يديها أخيًر ا على صدره لتدفعه‬
‫بعيًد ا‪ ،‬لكن كريستوفر انحنى عليها بقوة أكبر‪ ،‬وسحقها على الباب المغلق‪ .‬كانت أجسادهم ملتصقة ببعضها البعض بشكل مثالي‪،‬‬
‫واختلطت اآلهات المخيفة مع اللهاث‪ .‬يا إلهي‪ ،‬كم كانت ناعمة ولينة ودافئة‪ ،‬وشعر كريستوفر بأنه يفقد السيطرة على نفسه‪ .‬لقد شعر‬
‫‪. . .‬بأن األمور تخرج عن نطاق السيطرة‪ ،‬وشعر بأنه يريد أن تخرج األمور عن السيطرة‪ ،‬لذا – اللعنة – واصل‬
‫"! ‪ . . .‬توقف يا سيدي!" لقد توسلت إليه وخدها على رأسه وهو يقبل رقبتها‪" .‬لو سمحت"‬
‫كما لو كان مذهوال‪ ،‬لم يكن يستمع إليها‪ .‬تسارعت نبضات قلبه‪ ،‬وتزايدت بداخله حاجة ملعونة‪ .‬لقد قبلها وهو يرتجف بإلحاح‪،‬‬
‫متجاهًال محاوالتها الضعيفة للتحرر‪ .‬لقد وضع وجهه على صدرها‪ ،‬الذي ارتفع وسقط بشكل محموم‪ ،‬ووضع شفتيه عليها‬

‫‪.‬انشقاق مفتوح‪ ،‬ولعق دموعها أخيًر ا‪ ،‬وبيد واحدة بدأت في إفساح المجال للمس صدرها‬
‫"!دعني أذهب‪ ،‬أتوسل إليك"‬
‫لكنه لم يستطع‪ .‬لقد تابع الخطوط العريضة النقسامها بلسانه‪ ،‬وتذوق بشرتها‪ ،‬وتنفس رائحتها‪ ،‬واستمع إلى قلبها النابض بجنون‪. . .‬‬
‫‪.‬يا إلهي‪ ،‬كان من الممكن أن يكون مذاقها ‪ -‬ذلك المزيج من الحلو والمالح ‪ -‬قد دفعه إلى الجنون‬
‫"!ال يا سيد دافنبورت! سيد«‬
‫ماذا كانت تلك الرائحة؟ الخبز الطازج والتفاح األحمر‪ ،‬وماذا أيًض ا؟ وقد وصلت يده إلى ثديها األيمن‪ ،‬فداعبه ثم عصره‪ .‬لقد كان‬
‫‪.‬مدفوًع ا بالكامل تقريًبا بالفطرة‬
‫ال يا كريستوفر! سيد دافينبورت‪ ،‬ال!» أمسكت بشعره بين يديها‪ ،‬وتمكنت من رفع رأسه‪ ،‬وتوسلت إليه بشكل مكسور‪" ،‬من "‬
‫‪. . ".‬فضلك‪ . . ...‬من فضلك كريستوفر‪ . . .‬دعني أذهب‬
‫ربما كانت عذوبة ذلك الصوت هي التي كسرت التعويذة الشريرة التي بدا أنها استحوذت عليه‪ .‬مع عيون ضبابية‪ ،‬كان ينظر إليها‪،‬‬
‫يلهث بشدة‪ .‬كان عليه أن يرمش بعينيه عدة مرات ليرى بوضوح مرة أخرى؛ وبصعوبة كبيرة تمكن أخيًر ا من ذلك‪ .‬كانت آنا تتألم‪،‬‬
‫‪.‬مثل حيوان محبوس‪ .‬كانت عيناها تحدقان في حالة من الذعر‪ ،‬وكانت شفتاها منتفختين من القبالت التي تلقاها‬
‫ولكن ماذا بحق الجحيم؟‬
‫‪.‬وكأن أحدًا سكب عليه زيتًا مغليًا‪ ،‬فقفز إلى الخلف واستمر في االبتعاد عنها‪ .‬منزعًج ا ‪ ،‬نظر إليها‪ .‬ثم أدار ظهره لها‬
‫"‪.‬اتركي يا آنسة البطلة"‬
‫كان صوته مختلًفا تماًم ا عن صوته المعتاد لدرجة أنه واجه صعوبة في التعرف عليه‪ .‬لم يكن هناك أي صوت يأتي من خلفه‪ ،‬فالتفت‬
‫حوله‪ ،‬فرآها واقفة ساكنة‪ ،‬كما لو كانت مشلولة من الخوف‪ .‬لكن أمامه مباشرة فتحت عينيها على اتساعهما‪ ،‬وأمسكت بمقبض الباب‪،‬‬
‫‪.‬وفتحت الباب‪ ،‬وهربت من الغرفة‬
‫بعد أن أزعجه هذا االضطراب غير المتوقع على اإلطالق‪ ،‬بقي كريستوفر بال حراك‪ ،‬يستمع إلى ضجيجها وهي تجري بشكل‬
‫محموم في الردهة‪ .‬رغبته غير الُمرضية لن تتركه لفترة طويلة (وقت طويل لعين‪ ،‬جحيم دموي!) وقد تنفس بعمق‪ ،‬وفتح قبضتيه‬
‫‪،‬وأغلقهما‪ ،‬وعد إلى عشرة ‪ -‬أو كان عشرة آالف؟ لم يتذكر‪ .‬وأخيرا بدا له أن حالة اإلثارة قد انتهت‬

‫‪.‬وعندما انقشع الضباب عن عقله ‪ -‬وهو عقل صغير بالتأكيد‪ ،‬كان مقتنًع ا ‪ -‬بدأ إحساسه بالعقل في العودة‬
‫كيف يمكن أن يكون مجنونا جدا؟ ماذا كان يعتقد بالضبط أنه سيفعل لهذه الفتاة؟ لقد أوقفته ‪ -‬وما زال غير متأكد من كيفية القيام بذلك‬
‫‪ -‬ولكن على أية حال‪ ،‬فقد سرق قبلتها األولى‪ ،‬أو على األقل كان يعتقد أنه فعل ذلك‪ .‬ولوح بيده كما لو كان يريد إبعاد هذا الفكر‪ ،‬وال‬
‫يزال مندهًش ا تماًما حتى ألنه فكر في مثل هذا الشيء الغبي‪ .‬قال لنفسه‪ ،‬متجاهًال األلم الخفقان الذي سيطر على أحشائه‪ :‬إذا كنت قد‬
‫قدمت لها معروًف ا‪ .‬الفتيات مثل تلك ال يتم تقبيلهن في كثير من األحيان من قبل رجال مثلي‪ .‬ومن المؤكد أنه لم يشعر بالذنب ألنه‬
‫أهانها‪ ،‬أو ألنه استغل قوته البدنية المتفوقة وسلطته االجتماعية‪ .‬في واقع األمر‪ ،‬سيكون هذا درًس ا لها‪ :‬ال تبحث أبًد ا عن الدخول في‬
‫بيئة مختلفة عن بيئتك‪ ،‬ألنك قد تصاب بالحروق‪ .‬في الواقع‪ ،‬عليها أن تشكره مرتين‪ .‬ربما سأرسل لها الفاتورة غًد ا‪ ،‬فكر بغضب‪.‬‬
‫!اللعنة عليك يا آنا بطلة‬
‫المشكلة الحقيقية لم تكن في ذلك‪ ،‬وكان مندهًش ا ألنه لم يفكر في األمر أوًال‪ .‬ماذا فعلت هذه الفتاة عندما هربت من الغرفة؟ من المؤكد‬
‫أنها لم تكن لديها أي نية لقول أي شيء ‪ -‬كانت تعرف جيًد ا ما ستخاطر به إذا اندلعت فضيحة‪ ،‬وقد أخافتها تهديداته بالتأكيد ‪ -‬لكنها‬
‫كانت في حالة مثيرة للشفقة‪ .‬حقيقة أن شيئا ‪ . . .‬غير عادي ‪ . . .‬ما حدث لها كان واضحا للغاية‪ .‬وإذا كان أحد قد رآها‪ . . .‬توقف‬
‫عن القلق بشأن ذلك‪ ،‬أيها الغبي‪ ،‬وعد إلى هناك على الفور‪ ،‬فكر في نفسه‪ .‬لم يستطع البقاء في هذه المكتبة إلى األبد؛ هكذا سيحترق‬
‫‪.‬لوحده مثل األحمق‪ .‬كان من المفيد بالتأكيد معرفة ما حدث بسرعة حتى يتمكن بعد ذلك من تحديد ما يجب فعله‬
‫‪.‬أخذ أنفاًس ا متعمدة‪ ،‬وعاد ببطء إلى غرفة الرسم ونظر حوله‪ .‬باالرتياح‪ ،‬الحظ أنها لم تكن هناك‪ .‬اآلنسة تشامبيون لم تكن هناك‬
‫في الزاوية وقفت لوسي إدواردز‪ ،‬تبدو متجهمة بعض الشيء‪ .‬مشى نحوها‪ ،‬وأومأ برأسه‪ ،‬واستقبل اآلنسة روثرهام‪ ،‬التي كانت ال‬
‫‪.‬تزال بصحبة السير كولن‬
‫‪.‬لقد تركت صديقك يذهب؟" سألها عرضا‪ .‬خرجت لهجته الودية دون أي تأكيد‪ .‬لقد كان يمارس التحدث لسنوات‪ ،‬بعد كل شيء"‬
‫ضحكت لوسي وهزت رأسها‪ .‬وكان ردها‪" :‬لقد غادرت بمفردها‪ ،‬كما توقعت"‪" .‬لقد أبعدت نفسها عن انتباه روزماري وذهبت بعيًد ا‪.‬‬
‫هي لم تأتي حتى لتودعني‪ ،‬لذلك أنا‬

‫"‪.‬تخيل أنني قد أساءت إليها‪ .‬أصبحت حزينة‪" .‬ربما تفكر بالفعل في طريقة رهيبة لتجعلني أدفع ثمنها‬
‫"لقد عادت إلى المنزل إذن؟"‬
‫نعم‪ .‬طلبت من السائق أن يعيدها‪ ،‬وهي تشكو من مرض غير متوقع في المعدة‪ .‬قالت بابتسامة محبطة‪" :‬لقد تذمرت بشأن كعكة "‬
‫‪".‬أصبحت سيئة‪ ،‬لكن يجب أن أقول إنني توقعت عذًر ا أكثر أصالة من جانبها‬
‫أوه‪ ،‬العذر ليس سيًئ ا إلى هذا الحد‪ ،‬فكر كريستوفر‪ .‬كانت الكلمات لطيفة جًد ا على أذنيه‪ ،‬وتتوافق مع الشعور اللطيف الذي كان يشعر‬
‫‪.‬به بتجنب المخاطرة‬
‫لكن اآلن‪ ،‬وهو ال يزال نصف مخمور أمام المغسلة‪ ،‬نظر في المرآة ورأى الهاالت السوداء تحت عينيه وكان عليه أن يعترف بأنه‬
‫كان أحمق حًق ا بالمخاطرة بكل شيء من هذا القبيل‪ .‬قرر من اآلن فصاعدا أن أتجنب آنا شامبيون بأي ثمن‪ .‬لم يكن األمر أنه يخشى‬
‫‪.‬أن رؤية هذه الفتاة السخيفة قد تدفعه مرة أخرى إلى التصرف بتهور‪ ،‬ألن ضغوط المساء فقط هي التي جعلته يفقد حواسه‬
‫‪.‬غمس رأسه في الحوض‪ ،‬ليغمره تحت الماء للحظات‪ ،‬ثم رفع رأسه لألعلى‪ ،‬محاوًال تخليص نفسه من الذهول‬
‫"‪.‬آنا‪ ،‬ال يمكنك أن تكوني جادة"‬
‫نظرت إليها لوسي بخيبة أمل لدرجة أن آنا للحظة‬
‫غيرت رأيها تقريبا‪ .‬لكنها لم تستطع إعادة النظر في األمر‪ ،‬وال حتى بالنسبة لصديقتها‪ .‬في ذلك الصباح شعرت بأنها ممزقة إلى‬
‫أشالء‪ .‬كان وجهها مشدوًد ا وجاًف ا‪ ،‬وعينيها منتفختين‪ ،‬وجلدها متشقًق ا‪ .‬ذهبت لوسي لرؤيتها في وقت مبكر جًد ا لتسألها عن أحوالها‪،‬‬
‫ولمعرفة سبب عدم توديعها في الليلة السابقة ‪ -‬ولكن بمجرد أن رأتها لوسي‪ ،‬اقتنعت بالحقيقة فيما يتعلق بانزعاجها‪ .‬معدة‪ .‬بعد كل‬
‫‪.‬شيء‪ ،‬كانت تحب أن تأكل! لكن قبول قرارها كان قصة مختلفة تماًما‬
‫"‪.‬آنا‪ ،‬من فضلك ال تتخلى عني"‬
‫‪).‬كم هو قاسي القلب في بعض األحيان(‬
‫‪".‬قالت مرة أخرى متأثرة‪" :‬عزيزتي لوسي‪ ،‬أنت تعلمين كم أعشقك‬
‫منع من جعل لوسي سعيدة‪" .‬وأنت تعلم أنني أحب رؤيتك دائًما‪ .‬أنت الشخص الوحيد في العالم الذي أستمتع به كثيًر ا‬

‫رؤية‪ .‬لكنني لن أشارك بعد اآلن في الحياة االجتماعية لكوكستون‪ .‬ال أشعر بالراحة بين هؤالء الناس و ‪ ." . .‬توقفت فجأة‪ ،‬بينما‬
‫‪.‬ترددت جملة في رأسها‬
‫‪.‬أنا آسف ألنني لم أحترمك‬
‫‪.‬حاولت تخليص نفسها من تلك الذكرى المؤلمة‪ .‬لقد ظلت مشغولة طوال الصباح حتى ال تفكر في األمر‬
‫"‪.‬نظرت لوسي إليها مثل الجرو المجلود‪" .‬ال يمكنك معاقبتي كثيًر ا ألنني تركتك مع روزماري! أقسم أن ذلك لن يحدث مرة أخرى‬
‫‪. . .‬أوه‪ ،‬لوسي‪ .‬فأجابت‪" :‬ليس هذا بسبب ذلك حًق ا"‪ .‬سمعت في أعماق كيانها صدى الصوت المذل الذي لم تتعرف عليه‪ :‬أنا آسف‬
‫أخذت نفسا ببطء ووضعت يدها على عينيها اللتين أغلقتا للحظة‪ .‬قالت أخيًر ا وهي تكذب‪" :‬أعتقد أنني بحاجة إلى القليل من الوقت‬
‫‪".‬فقط‬
‫‪ . . .‬أنا آسف‬
‫‪".‬وتابعت وخدودها مشتعلة‪" :‬قد ال يكون هذا هو الوقت المناسب بالنسبة لي‬
‫‪ . . .‬امتالك‬
‫لقد ابتلعت بصعوبة وأغلقت يديها في قبضتين‪ ،‬حتى غرزت أظافرها القصيرة في جلدها‪ .‬وقالت مشجعة‪" :‬سوف نستمر في رؤية‬
‫"بعضنا البعض في فترة ما بعد الظهر"‪" .‬لدينا دائما‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫لمعت شرارة من األلم في عيني لوسي‪ ،‬وأرادت آنا أن تبتهجها‪ .‬لكنها لم تستطع أن تغير رأيها؛ ال‪ ،‬كيف يمكنها ذلك؟ ذلك الرجل‬
‫‪... . .‬الذي انتقل إلى كوكستون مؤخًر ا‪ ،‬منذ متى كان ذلك؟ خمسة أيام؟ ‪ -‬حولتها بالفعل إلى جبانة‪ ،‬و‬
‫‪.‬عدم احترامك‬
‫لم تكن تريد التفكير في األمر‪ .‬لم تستطع التفكير في األمر‪ .‬كان هناك شيء واحد مؤكد‪ :‬أنها لن ترتاد أي مكان حيث توجد أدنى‬
‫‪.‬فرصة لمقابلته‬
‫إن التحدث عن كل شيء علًن ا‪ ،‬ومطالبة شخص ما باالنتقام من اإلهانة التي تعرضت لها‪ ،‬كان أمًر ا غير وارد‪ :‬فهي بالتأكيد‬
‫"‪.‬ستعرض عائلتها للخطر‪ .‬قال لها كريستوفر‪" :‬ال تستمري في تحديي"‪" .‬سأؤذيك‬
‫ولم تستطع أن تقول كلمة واحدة‪ ،‬حتى للوسي‪ .‬حتى لو أنها أغفلت الجزء المتعلق بالسيدة إدواردز ‪ -‬التي كانت ستهب نفسها في تلك‬
‫الليلة لذلك الرجل‪ ،‬تذكرت آنا بقشعريرة ‪ -‬فقد افتقرت إلى الشجاعة لتكشف للوسي عن مدى ما عانته‪ .‬وعلى أية حال‪ ،‬فإنه سوف‬

‫لم تكن كافية لكي تعرف لوسي‪ .‬ال‪ ،‬لقد أرادت االنتقام آلنا‪ ،‬وسعت إلى ذلك‪ .‬وكان ذلك خطيًر ا جًد ا‪ .‬كان كريستوفر دافنبورت‬
‫‪.‬خطيًر ا جًد ا‬
‫فكرت في عدد المرات التي تحدثا فيها عندما كانا طفلين عن قبلتهما األولى‪ ،‬وعدد المرات التي ناقشا فيها تقبيل الرجال والنساء‪.‬‬
‫ابتسمت لنفسها‪ ،‬وتذكرت كيف أقسموا في البداية أنهم لن يقبلوا أحًد ا أبًد ا‪" .‬البد أنه أمر مثير لالشمئزاز"‪ ،‬هذا ما قالته لوسي صغيرة‬
‫الحجم‪ ،‬شقراء للغاية‪ ،‬ذات يوم قبل عشر سنوات بينما كانت ترسم تصميمات بعصا في التراب الجاف في زاوية بعيدة من حديقتها‬
‫السرية‪ .‬أومأت آنا مقتنعة بذلك‪ ،‬وجلست على صخرة كبيرة تحت شجرة التوت المفضلة لديها‪ ،‬لتدفئ نفسها تحت شمس الخريف‬
‫النادرة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬مع مرور الوقت‪ ،‬أصبح الموضوع يكتسب سحًر ا غريًبا بالنسبة لهم‪ .‬وشيًئ ا فشيًئ ا وجدوا شيًئ ا إيجابًيا في هذا الفعل‬
‫الغامض؛ لقد ناقشوا ذلك وناقشوا كيف ولماذا‪ .‬في سن الثالثة عشرة‪ ،‬توقفوا عن الحديث عن ذلك‪ ،‬حيث سيطر عليهم خجل غير‬
‫عادي وغير معروف‪ ،‬لكن آنا كانت متأكدة من أن لوسي ال تزال لديها خطة خيالية في رأسها لقبلتها األولى‪ .‬ربما كانت قد فكرت‬
‫بالفعل في المكان‪ ،‬وفي الكلمات‪ ،‬وهمسات تلك اللحظة التي طال انتظارها‪ ،‬المليئة بالقلق والخوف‪ .‬ربما لم يكن ينقصها في أحالم‬
‫‪.‬يقظتها إال وجه ذلك الرجل الذي سيزيل أخيرًا الحياء الرقيق من شفتيها‬
‫لقد رأت آنا أيًض ا حلًما أحمًق ا ‪ -‬على األقل حتى الليلة الماضية‪ ،‬فكرت‪ ،‬وهي تحاول كبح الدموع التي شعرت أنها تشكلت بشكل‬
‫‪.‬خطير في عينيها‪ ،‬وفي رؤيتها الخاصة كان وجه الرجل هناك‪ ،‬وكان وجًها لطيًف ا‪ ،‬بعيون خضراء داكنة وشعر بني فاتح كثيف‬
‫‪ . . .‬ولكن بدال من ذلك‬
‫ولكن بدال من ذلك كانت شفاه كريستوفر دافنبورت هي التي قبلتها‪ .‬لقد كانت حرارته هي التي دفئتها‪ .‬كان هو الذي دخل إلى فمها‬
‫بعنف ولكن دون أن يؤذيها‪ ،‬وأرعبها بطرق جديدة‪ ،‬وأثار ارتعاشات الرعب‪ .‬بدا األمر وكأنه خوف‪ . . .‬ال بد أن يكون الخوف‪. . .‬‬
‫على الرغم من أنه ربما يكون مربًك ا ومثيًر ا بعض الشيء‪ . . .‬كان ال يزال الخوف‪ .‬بالطبع لقد جاء فقط إلذاللها‪ ،‬وإظهار قوته‪ ،‬وفي‬
‫خوفها‪ ،‬سمحت لنفسها بالتقبيل‪ ،‬والتشبث‪ .‬فلما مسها إذ وضع يده على صدرها‪ . . .‬خفضت رأسها‪ .‬عزيزي هللا‪ ،‬لم تستطع التفكير‬
‫في األمر‪ .‬لكن عاطفة هذا الرجل المشتعلة ‪ -‬لسانه الذي كان يلعق جلدها؛ كانت أصابعه‪ ،‬التي داعبتها بضربات قوية لكن لطيفة‪ ،‬ال‬
‫‪.‬تزال مع آنا‪ ،‬وما زالت تشعر بلسعاته المثيرة‪ ،‬وأنفاسه التي تفوح منها رائحة النعناع والقرفة‪ ،‬وجسده الذي كان يهز جسدها‬

‫‪.‬قبلتها األولى‬
‫قبلة حقيرة‪ ،‬قبلة للنسيان‪ ،‬قبلة إلسكاتها‪ .‬وعلى ما يبدو‪ ،‬هناك قبلة يجب إخفاؤها‪ ،‬خاصة اآلن‪ ،‬خاصة أمام لوسي‪ .‬كانت بحاجة إلى‬
‫معرفة المشاعر التي كانت لدى صديقتها تجاه هذا الشرير‪ .‬ألنه إذا كانت لوسي معجبة به ‪ -‬فالفكرة نفسها قلبت بطنها ‪ -‬فسيتعين‬
‫‪.‬على آنا أن تعترف لها بكل ذلك‪ .‬كانت تأمل أال تفعل ذلك‪ .‬ال يا عزيزي هللا ال‬
‫لماذا ال تخبرني بما حدث بعد أن غادرت؟" سألتها‪ ،‬بدت خفيفة‪ .‬ضوء السبر؟ لقد حاولت‪ ،‬على األقل‪" .‬لقد رأيتك تتحدث مع الوافد "‬
‫الجديد‪ ،‬دافنبورت"‪ .‬يا لها من صدفة أنها تلعثمت عندما نطقت اسمه‪ .‬نظرت لوسي إليها للحظة‪ .‬هل كان هناك شك في عينيها؟‬
‫"وأضافت آنا بسرعة‪" :‬إذن‪ ،‬ما رأيك فيه؟‬
‫أوه‪ ،‬إنه وسيم جًد ا‪ .‬ومؤدب أيًض ا‪ ".‬كلمات مثيرة لالشمئزاز آلنا أن تسمعها بالتأكيد‪ ،‬لكن لوسي قالتها مع افتقار كبير للحماس‪" ،‬‬
‫واألفضل من ذلك‪ ،‬مع تكشيرة ‪ -‬تكشيرة حقيقية وأصيلة‪ .‬عالمة ممتازة‪ ،‬ممتازة‪ ،‬وأصبحت أفضل عندما أضافت لوسي‪" :‬من‬
‫‪".‬المؤسف أنه ممل للغاية‬
‫ممل؟ أطلقت آنا ضحكة كان من المستحيل إيقافها وخنقتها بيدها‪ .‬من بين كل اإلهانات التي يمكن أن أوجهها لهذا الرجل‪ ،‬لن تكون‬
‫‪.‬هذه واحدة منها بالتأكيد‬
‫ال تنظري إلي بهذه الطريقة يا آنا‪ ،‬أؤكد لك! حتى السيد روسينغتون يستخدم مجامالت أصلية أكثر من مجامالته‪ ،‬وهذا يعني الكثير‪"،‬‬
‫نظًر ا ألنه كان من الممكن أن يكون آدم في عدن‪ .‬أو ربما حتى التفاحة!» هزت رأسها بعدم تصديق‪ ،‬وحاولت آنا أن تتخيل تفاحة‬
‫‪.‬يمكنها التحدث واإلطراء‪ .‬وخلصت إلى أنه ليس سيئا فيما يتعلق بالسيد روسينغتون‬
‫تابعت لوسي‪" :‬حًق ا يا آنا‪ ،‬لقد فكرت في األمر وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن األقوال التي استخدمها السيد دافنبورت تعود على األقل‬
‫" ‪.‬إلى وقت خبز بسكويت عائلة آلن‪ ،‬تلك التي تناولناها يوم االثنين الماضي‬
‫كادت آنا أن تكسر أحد أسنانها بسبب تلك البسكويت‪" .‬هذا مستحيل‪ .‬ال شيء يمكن أن يكون قديًما إلى هذا الحد!» صرخت وهي‬
‫‪.‬تهتز وهي تضحك‪ .‬كانت تلك أول ضحكة حقيقية أطلقتها منذ الليلة السابقة‪ ،‬وشعرت باالرتياح‬
‫حاول قضاء نصف ساعة مع السيد دافنبورت" ‪ -‬أذهلت آنا ‪" -‬وبعد ذلك سنتحدث عن األمر مرة أخرى‪ .‬كما تعلمون‪ ،‬يجب أن "‬
‫أخبره أنه من المؤسف حًق ا أنه مبتذل للغاية‪ .‬بشعره الداكن وأنفه المستقيم‪ ،‬كنت أتوقع شخصية قوية”‪ .‬كان لديها لهجة مستاءة‪.‬‬
‫بالتأكيد هذا‬

‫كان االتهام خطيرا‪" .‬عندما تعرفت عليه ألول مرة‪ ،‬اعتقدت لبضع لحظات رائعة أنه قد يكون نذاًل حقيقًيا‪ .‬هل يمكنك أن تتخيل مدى‬
‫"إثارة ذلك؟‬
‫‪.‬الى حد ما‪ .‬غمرت الذكريات عقلها – وخديها – وشعرت وكأنها غارقة في الماء المغلي‪ .‬سعلت وغيرت الموضوع بسرعة‬
‫وماذا عن السير كولن؟ ماذا يمكنك ان تقول لي؟" سألت بحيوية مبالغ فيها‪" .‬منذ أن تعثرت به لالبتعاد عن روزماري‪ ،‬أشعر «‬
‫"‪.‬بالذنب الشديد‬
‫كان وجه لوسي أقل ذهواًل لو قالت آنا إنها تستطيع الطيران‪" .‬أوه‪ ،‬هيا‪ ،‬أنت ال تصدقين ذلك يا آنا‪ .‬هذا الرجل خسارة كاملة لدرجة‬
‫"‪.‬أن القلق عليه هو مضيعة للوقت‬
‫"‪.‬اآلن‪ ،‬اآلن‪ ،‬ال تكن لئيًما‪ .‬إنه في الحقيقة ليس سيًئ ا للغاية"‬
‫نظرت لوسي إليها وفمها مفتوح‪ ،‬عاجزة عن الكالم‪ .‬كان مثل هذا الحدث أكثر من نادر‪ ،‬نظًر ا ألنه حدث مرتين فقط على األكثر في‬
‫حياتها بأكملها‪ ،‬وخالل بقية زيارتها توقفت عن مضايقة آنا إلقناعها بالذهاب معها إلى المناسبات االجتماعية‪ :‬الحقيقة إن دفاع آنا عن‬
‫‪.‬السير كولن كان بمثابة شهادة على الوقت الصعب حًق ا الذي كانت صديقتها تمر به‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪9‬‬
‫من منا ال يتمنى موت والده؟‬
‫وبعد أن قام بترتيب منديله أمام المرآة دون مساعدة الخادم‪ ،‬كان مستعدًا للخروج‪ .‬رفع رأسه وزم شفتيه بإحكام‪ .‬لم يتبق الكثير للقيام‬
‫به‪ .‬كان قلبه ينبض بشكل أسرع‪ .‬تسابق دمه من خالل معابده‪ .‬بضعة أشهر فقط وسينتهي كل شيء‪ .‬وهللا لقد شعر بالغضب والتعب‪.‬‬
‫وضع يده على جبهته وفركها ببطء‪ ،‬محاوًال التخلص من قلقه‪ .‬بحق هللا‪ ،‬كان من السخافة الخوف من دودة مثل ليوبولد ديميرسي‪.‬‬
‫‪.‬أخذ نفًس ا عميًقا‪ ،‬وتوجه نحو الحائط‪ ،‬وأسند ظهره إليه‪ .‬كان بحاجة إلى التهدئة‬
‫‪.‬لقد ترك أفكاره تتدفق‪ .‬مخاوفه‪ .‬ثم تذكر كلمات الحكم بإعدام والدته‪ .‬كلمة بكلمة‪ ،‬مقطًع ا بمقطع‬
‫‪.‬ال أعتقد أن اللقيط الذي تحمله في بطنك العاهرة هو لي‪ . . .‬جملة قصيرة باهتة‬
‫‪. . .‬ال أريد أن أعرف شيًئ ا أكثر‪ ،‬ال منك وال عن هذا األمر‬
‫كانت هذه الرسالة هي التي تمسك بها عندما كان يفتقر إلى الشجاعة‪ ،‬وهي الرسالة التي رأته خالل السنوات التي ال نهاية لها‪ ،‬حيث‬
‫قام‪ ،‬دون أن يدع نفسه يشتت انتباهه بالرحمة أو الحب‪ ،‬بالسرقة والغش والترهيب والضرب ‪ -‬ولكن ليس قتل‪ ،‬ليس بعد‪ .‬ذريعة‬
‫‪.‬مجعدة من ثالث جمل مكتوبة بخط يد ثابت تلخص مؤلفها بشكل مثالي‬
‫‪.‬أنا أرسل لك المال‪ .‬تخلص منه‬
‫‪.‬لكن مارثا لم تتخلص منه‪ ،‬ولم يكن كريستوفر لقيًط ا ‪ -‬على األقل ليس في نظر المجتمع‬
‫فيودور دوستويفسكي ‪-‬‬

‫‪.‬كريس؟" سأل ماثيو عند الباب"‬


‫"فجأة رفع رأسه وابتعد عن الحائط‪" .‬ماذا يا مات؟‬
‫‪.‬مع قليل من المثابرة يمكننا أن نتمكن من الحصول على سنداتهم اإلذنية ‪ DeMercy.‬لدي هذين االسمين لدائني“‬
‫جيد"‪ ،‬أجاب‪ ،‬مشتتا‪ .‬ال يمكن للمرء أن يقول إن ليوبولد عاش حياة معتدلة‪ .‬كان قد عاد لتوه في اليوم السابق من لندن‪ ،‬حيث مكث "‬
‫لمدة شهر تقريًبا‪ .‬إن التزاماته المستمرة ‪ -‬أو باألحرى السيدات الالتي رحبن به في أسرتهن والنوادي التي كان يتوقف فيها ليسكر‬
‫ويقامر ‪ -‬جعلته مهمًال وسهل الهجوم عليه‪ .‬لقد بّس ط عمل كريستوفر بطريقة محرجة‪ .‬إذا لم أستعجل‪ ،‬فسوف يدمر نفسه‪ ،‬فكر‬
‫كريستوفر بسخرية‪ .‬لم يتبق الكثير بعد الفحص الدقيق‪ :‬كانت ملكية والده‪ ،‬ريفرستون مانور‪ ،‬مرهونة بالكامل بالفعل‪ .‬سيكون األمر‬
‫‪.‬مزعًج ا جًد ا إذا لم أحصل على تلك المتعة بعد كل المتاعب التي بذلتها للوصول إلى هنا‬
‫"كريس‪ ،‬هل أنت بخير؟"‬
‫‪.‬لم يرد كريستوفر وهو يتجه نحو الباب‪ .‬لم يكن بحاجة إلى دجاجة أم‪ ،‬ليس الليلة‪ ،‬اللعنة‬
‫لكن الدجاجة األم اللعينة لم تتحرك للسماح له بالمرور‪" .‬هل تريدني أن أذهب معك يا كريس؟ لن يكون من السهل عليك رؤيته مرة‬
‫"‪.‬أخرى‬
‫هل ترغب في خوض معاركي من أجلي؟" سأل وهو يسخر منه‪ .‬كان أطول من ابن عمه بنحو ثماني بوصات‪ ،‬وكان حجمه ضعف"‬
‫حجمه‪ .‬تدريب شاق ولكنه ضروري‪ ،‬ألنه كان مرتبًط ا بجوانب ثانوية معينة في وظيفته‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬اعتاد في السنوات القليلة‬
‫الماضية على تفويض المهام التي كانت جسدية في المقام األول‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان يفضل أن يظل مستعًد ا للعمل‪ :‬فكسر ساقي شخص ما‬
‫‪.‬يتطلب قوة أكبر مما قد يتصوره المرء‪ ،‬ولم يكن هذا أمًر ا يمكن للمرء أن يرتجله على الفور إذا لزم األمر‬
‫لم يستجب ماثيو‪ ،‬وحاول كريستوفر‪ ،‬الزفير ببطء‪ ،‬السيطرة على نفسه‪ .‬قال وهو يعدل لهجته‪" :‬ال تقلقي علي"‪" .‬أنا أعرف كيف أدير‬
‫"‪.‬نفسي‬
‫‪.‬أنا أعرف‪ ".‬ألقى ماثيو نظرة قلقة‪ ،‬ولم تبدو كلماته قابلة للتصديق بشكل خاص"‬
‫‪. . ".‬تجاهله كريستوفر وأجبره على االلتفاف حوله‪" .‬آه‪ ،‬كريس‬
‫"ماذا االن؟"‬
‫"‪.‬تلك العائلة البطلة"‬

‫‪.‬فمها األحمر الناعم ورائحة الفاكهة‪ .‬وربما الزهور‪ .‬نظر كريستوفر بصمت إلى ماثيو‬
‫"‪.‬لقد أخبرتني أن أتحقق من ديونهم"‬
‫"‪.‬اجعل األمر سريًع ا يا مات"‬
‫هل ما زلت مهتًما بشراء ديونهم؟ أحد دائنيهم"‬
‫سيكون منفتًح ا على بيعك له‪ ،‬وربما يمكننا أن نضع أيدينا على رهنهم العقاري‪ ».‬عض شفته‪ .‬كان هناك شك في عينيه‪" .‬كريس‪،‬‬
‫إنهم عائلة محترمة‪ .‬ال أعرف ما الذي فعلته بك هذه الفتاة‪ ،‬ولكن لمرة واحدة‪ ،‬هل يمكنك أن تسمحي بذلك؟‬
‫ال تبدأ مجدًد ا بوخزك اللعين‪ ،‬حسًن ا يا مات؟" بادر كريستوفر‪ .‬عزيزي هللا الذي في السماء وجميع القديسين‪ ،‬هل أراد حًق ا أن يعظه "‬
‫هذه الليلة؟ "أنا متأكد من أنه لوال وجودك لكنت وصلت إلى هنا منذ عامين ‪ -‬على األقل منذ عامين‪ .‬ال أعرف لماذا أستمر في سحبك‬
‫‪.‬معي مثل الكرة والسلسلة‬
‫"‪ ".‬ال أعرف‪ ".‬فكر ماثيو في األمر‪ ،‬منشغاًل ‪" .‬ربما يكون ذلك بسبب" وازعي الدموي"‬
‫‪.‬ليس من المرجح دموي‪ ،‬يعتقد كريستوفر‪ .‬على أية حال‪ ،‬أقل احتمااًل بكثير من أن تتلقى لكمة في قدحك القبيح إذا لم تصمت‬
‫"‪.‬لكن ماثيو استمر‪" .‬أنت بحاجة إلى شخص يمكنه إصالح الفوضى التي تسببها‪ ،‬وأنت تعرف ذلك‬
‫بالطبع‪ :‬التصحيح‪" .‬بالطبع‪ ،‬التصحيح! أوًال‪ ،‬أفسدت بعض الحقير‪ ،‬ثم انتهى بي األمر بمساعدة عائالتهم‪ .‬حتى أنك تجعلني أدفع‬
‫"تكاليف تعليم أبناء فورتسكو‪ ».‬نظر إليه بغضب‪" .‬أوه‪ ،‬هل تصدق أنني لم أكن على علم؟‬
‫"هز ماثيو كتفيه‪ .‬كان الالمباالة هو اسمه األوسط‪" .‬هل أردت أن تتركهم يعيشون في الشوارع؟‬
‫اضربه وانتهي من األمر‪ .‬لكن أين؟ في الفم أم على األنف؟ «طبًع ا‪ ،‬وهللا‪ ،‬ليتعاملوا مع األمر بأنفسهم!» قال منفجرا‪" .‬أنت تعلم جيًد ا‬
‫"‪.‬أن أولوياتي موجودة في مكان آخر‬
‫أوه حًق ا؟" ماثيو تجعد جبينه‪ .‬أو أنه كان يقلد شخًص ا يتمتع بقدرة عقلية على التذكر‪ ،‬كما اعتقد كريستوفر‪ ،‬أو أنه كان يجهد ‪ -‬دون "‬
‫‪.‬أن يتظاهر ‪ -‬للقيام بشيء آخر‪ .‬نظًر ا لعدم وجود وعاء الغرفة في األفق‪ ،‬كان يميل إلى االعتقاد بأنه األول‬
‫بطبيعة الحال‪ .‬لقد ذكرت شيًئ ا كهذا‪ "،‬اعترف ماثيو أخيًر ا وهو يتأمل‪" .‬يبدو لي أن هناك ثأًر ا من شخص ما في كوكستون‪ ،‬وإذا "‬
‫ركزت في األمر فسوف يتبادر إلى ذهني االسم‪ .‬يجب عليك تكرار ذلك ل‬

‫‪.‬أكثر من مرة يا كريس‪ ،‬ألن بضع مئات من المرات في اليوم ليست كافية‪ ،‬كما ترون‬
‫)أنت تعرف لماذا يحاول إزعاجك‪ ،‬أليس كذلك؟(‬
‫‪.‬أنا لست خائفا‪ ،‬مات‪ .‬أنا لست خائفا من ذلك الخنزير‪ .‬ال تقلق بشأني‬
‫قال كريستوفر متعًبا‪" :‬ماثيو‪ ،‬استمع"‪" .‬أفعل ما يحلو لك‪ .‬قم بإدارة األموال على النحو الذي تراه مناسًبا‪ ،‬وال يهمني ذلك‪ .‬كل ما‬
‫‪.‬أحتاجه هو أن تتوقف عن إزعاجي‪ .‬إذا أردت أن أبقيك هادًئ ا‪ ،‬يجب أن أدفع ثمن أطفال شخص دمرت حياته‪ ،‬فليكن‬
‫"‪.‬ابتسم ماثيو كما لو كان مشتتا‪" .‬كريس‪ ،‬أنت تعرف ماذا يعني أن أبقى معك حتى لو كنت ال تحب الطريقة التي أعمل بها‬
‫"أنت لم تستمع إلى الكلمة التي كنت أقولها‪ ،‬أليس كذلك؟"‬
‫"‪.‬هذا يعني أنك تحبني"‬
‫"‪.‬قال بحدة‪" :‬ال‪ ،‬هذا يعني أنك إذا لم تحرك قدميك‪ ،‬فستجد نفسك تبصق أسنانك في الكوب‬
‫‪.‬أوه‪ .‬ال يبدو ذلك ممتًع ا‪ ".‬تحرك ماثيو بعناية بعيًد ا عن الطريق"‬
‫‪.‬هكذا يقولون‪ ".‬مر به كريستوفر وتوجه بسرعة إلى الدرج"‬
‫مهال انتظر! هل تريد أم ال تريد هذه السندات اإلذنية؟"‬
‫السندات اإلذنية‪ .‬ديون آنا‪ .‬توقف كريستوفر والتفت نحو ابن عمه بشيء من السخط‪ .‬الحظ عالمات القلق المعتادة على جبين ماثيو‪.‬‬
‫من المعتاد جًد ا بالنسبة لماثيو أن يكون لديه هذا التعبير بتجاعيد متوازية‪ .‬نموذجية ومتعبة‪ .‬افرحي يا ألم الرقبة‪ .‬لمرة واحدة ليس‬
‫لديك سبب للتذمر‪ .‬في الواقع‪ ،‬كان قد قرر ترك اللعبة مع هذه الفتاة‪ ،‬كما وعد‪ .‬لم يكن لديه أي فكرة عما سيفعله برهنها العقاري‬
‫الرديء‪ ،‬ولم يكن يريد المساعدة في شراء ديونها‪ .‬لم يفكر في آنا تشامبيون مرة واحدة خالل خمسة أيام؛ لم يكن يريد أن يفعل شيًئ ا‬
‫‪.‬معها‬
‫‪.‬قال‪ :‬اعرض على الدائن ما يريد واشتري الرهن‬
‫‪.‬ها هو‬

‫أمامه‪ ،‬كان ليوبولد ديميرسي يرقص مع امرأة عجوز إلى حد ما‪ ،‬نظرت إليه مسحورة وضحكت مثل فتاة صغيرة‪ .‬في الثانية‬
‫والخمسين من عمره‪ ،‬حافظ ليوبولد على فخره‪ .‬كان شعره األسود‪ ،‬المخَّط ط بالشيب‪ ،‬ال يزال ممتلًئ ا‪ ،‬ولم تظهر على جسده النحيل‬
‫أي عالمات على التجاوزات التي عرف كريستوفر أنه قادر عليها‪ .‬كان دانيال يشبهه كثيًر ا‪ ،‬ال سيما في المظهر الجانبي الرقيق ألنفه‬
‫وشكل عينيه المستطيلين قلياًل ‪ ،‬وهي السمة التي نقلها أيًض ا إلى كريستوفر‪ .‬كان وجه ليوبولد ال يزال يظهر كل عالمات الجمال‬
‫‪.‬المالئكي ‪ -‬المالئكي السخيف ‪ -‬التي فتنت مارثا‬
‫‪.‬ابي‬
‫كان كريستوفر قد قرر منذ ما يزيد قليًال عن ثالثة عشر عاًما — عندما اكتشف هوية إل — أنه لن ينادي ليوبولد ديميرسي أبًد ا‬
‫بـ«األب»‪ ،‬وال حتى في ذهنه‪ .‬والمرة األولى التي تعرفوا فيها على بعضهم البعض‪ ،‬في ناٍد في لندن قبل ما يقرب من أربع سنوات ‪-‬‬
‫لقاء قصير وعشوائي‪ ،‬ألن كريستوفر لم يكن مستعًد ا بعد لالنتقام‪ ،‬لكنه كان على وشك الوصول إلى هناك؛ لقد كان يصل إلى هناك‬
‫بخطوات طويلة‪ ،‬ويتسلق التسلسل الهرمي االجتماعي أعلى كل شهر ‪ -‬لقد أصيب كريستوفر بالذهول ألن هذه الحادثة لم تثير أي‬
‫مشاعر‪ .‬لذلك هذا صحيح‪ .‬ليس لدي أب‪ ،‬لقد فكر في نفسه‪ .‬لقد كان مقتنعا بالفعل‪ ،‬لكنه تمكن في النهاية من تأكيد ذلك‪ .‬وبعد مرور‬
‫عام ونصف‪ ،‬عندما اتصل بأحد عشاق ليوبولد ‪ -‬سوزان الساحرة للغاية ‪ -‬لم يكن لديه أي مخاوف في استخدام كل سحره لكسبها‬
‫‪.‬إليه‪ .‬حتى قبل أن يقابلها‪ ،‬كان قد قرر أنه سيغويها‪ ،‬ثم سيوجهها حيث يريدها – ضد ليوبولد‬
‫يتذكر أن كل شيء كان يسير على ما يرام‪ :‬قبلت سوزان زهوره‪ ،‬والشوكوالتة‪ ،‬وهداياه باهظة الثمن‪ ،‬وضحكت على كل نكاته ‪-‬‬
‫حتى األكثر إرهاًق ا ‪ -‬وأخيرًا دعته إلى منزلها‪ .‬ظهر كريستوفر في منزلها بالشجاعة والثقة الهادئة التي كان يحتاجها في مسألة‬
‫‪.‬إدارية مشتركة‪ .‬حسًن ا‪ ،‬إنها مسألة إدارية شائعة وممتعة‬
‫استقبلته سوزان وهي ترتدي ثوًبا قرمزًيا المًع ا‪ .‬كانت رؤيا‪ :‬شعر أشقر طويل‪ ،‬بشرة بيضاء ناعمة‪ ،‬عيون رمادية مشوبة باللون‬
‫األزرق‪ .‬عندما تركت ثوب النوم يسقط‪ ،‬اضطر كريستوفر إلى االعتراف بأنها واحدة من أجمل وأمثل النساء التي رآها على‬
‫اإلطالق‪ .‬فأخذته بيده‪ .‬وعلقت وهي تضعها على صدرها‪" :‬يدك باردة"‪ .‬ثم قادته بلطف إلى سرير كبير باللون األبيض الناصع‬

‫المالءات‪ ،‬ووقفوا هناك في مواجهة بعضهم البعض‪ .‬قبلته سوزان بشغف وعن علم‪ ،‬رد لها قبلة‪ ،‬وعندما أنزلت يدها إلى ذبابة‬
‫بنطاله‪ ،‬سمح لها بذلك‪ ،‬سعيدة ألنه لم يكن يوجه تصرفاتها‪ .‬بلمسة خفيفة وحسية‪ ،‬بحثت سوزان عن رجولته ولمستها بلطف‪ .‬ثم‬
‫‪.‬نزلت ببطء على ركبتيها أمامه وبدأت تداعبه بفمها‪ ،‬وتتذوقه بلسانها‬
‫"‪.‬وبعد بضع دقائق توقفت‪" .‬لدينا مشكلة‬
‫همم؟" نظر كريستوفر إلى األسفل‪ ،‬وكان عليه أن يالحظ أن المشكلة كانت صغيرة بالفعل‪ ،‬حسًن ا‪ ،‬لقد تقلصت‪ .‬كان مرتبًك ا‪ ،‬وقد "‬
‫الحظ خيانة جسده بينما كانت سوزان‪ ،‬عارية وجميلة‪ ،‬تقف على قدميها ونظرة شفقة على وجهها‪ .‬لم يكن يعرف ماذا يقول‪ .‬لم يكن‬
‫يعرف حتى ماذا يفكر‪ .‬لم يكن يعرف كيف تمكن من الوصول إلى الباب لمغادرة ذلك المنزل في أسرع وقت ممكن‪ ،‬واصطدم بحافة‬
‫‪.‬الباب وسقط تمثااًل صغيًر ا أثناء االندفاع ‪ -‬أعقبه ضحك لم يكن على اإلطالق فهم‬
‫ومنذ ذلك اليوم فصاعدًا‪ ،‬أصبح ليوبولد "أبي" بالنسبة له‪ .‬حدث هذا الغطاس عندما أدرك‪ ،‬وحيًد ا ومذهواًل ‪ ،‬أن كراهيته قد زادت‪ ،‬ولم‬
‫تتضاءل‪ ،‬من مالحظة أنه كان لديه أب‪ ،‬على كل حال‪ .‬وبكل سرور أدرك أنه كان عليه أن يدمر والده أوًال‪ ،‬ثم يقتله‪ .‬لم يكن ماثيو‬
‫‪.‬يعلم شيًئ ا عن هذا الجزء األخير من الخطة‪ ،‬لكن كريستوفر كان يعلم دائًما أن هذه ستكون نهاية ليوبولد‪ :‬الموت على يد ابنه‬
‫‪.‬نظر إلى الرجل الذي يرقص أمامه‪ .‬لقد وجدتك يا أبي‪ .‬وقريبا سوف آخذ مكانك‬
‫دانيال‪ .‬كان دانيال هو مفتاح التقرب منه‪ .‬أين كان أخوه غير الشقيق اللعين؟ لقد رآه ليس بعيًد ا‪ ،‬فسار نحوه‪ ،‬دون أي انفعال خاص‬
‫‪.‬هذه المرة‪ .‬واستقبله دانيال بنفس الحماس‬
‫"السيد‪" .‬دافنبورت"‪ ،‬قال وهو يلقي التحية عليه بشكل قاطع‪" .‬كيف حالك في المدينة؟"‬
‫أجاب بسرور‪" :‬جيد جًد ا‪ ،‬شكًر ا لك"‪ .‬بدا دانيال في حالة مزاجية سيئة ذلك المساء‪ .‬حتى أفضل‪ .‬لن يضطر إلى تحمل حس الفكاهة‬
‫التافه‪" .‬الناس هنا في كوكستون ودودون بشكل ال يصدق‪ ".‬وأشار نحو اآلنسة إدواردز‪ ،‬التي كانت ترقص مع شاب ذو شعر أحمر‪.‬‬
‫قال‪" :‬يا لها من فتاة جميلة"‪ .‬أراد أن يختبر مشاعر أخيه غير الشقيق تجاهها‪ ،‬لكن دانيال أومأ برأسه فقط بالموافقة‪ .‬أ‬

‫‪.‬رجل قليل الكالم‪ ،‬أليس كذلك؟ "هذه الجماالت في البالد تشبه الزهور البرية المتفتحة‪ ،‬أال تعتقد ذلك؟" قال إليقاظه قليال‬
‫لقد نجح في القيام بذلك‪ ،‬حتى لو لم يكن بالطريقة التي كان يتوقعها‪ .‬وال حتى بالطريقة التي كان يأملها‪ ،‬في الواقع‪ .‬في الواقع‪ ،‬انفجر‬
‫دانييل في الضحك بصوت عاٍل ‪ "" .‬الزهور البرية التي ‪ "'." . ".‬لم يستطع االنتهاء‪ .‬ربما كان يخشى أنه ال يستطيع إدارة األمر‪ .‬قام‬
‫بتطهير حلقه محاوًال استعادة كرامته‪ .‬قال وهو يشير بإصبعه إلى زاوية عينه‪ ،‬حيث كان هناك وميض من الشك‪« :‬من المؤكد أن‬
‫"الزهور البرية تتفتح‪ ،‬أيها الرجل الطيب‪" .‬ولكن من أين لك بحق السماء هذه األقوال؟‬
‫ربما ظهرت في عقله الصغير إمكانية أنه كان غير مهذب بشكل غامض‪ ،‬هذا إذا كان لديه واحد‪ ،‬وهو ما شكك فيه كريستوفر بشدة‪.‬‬
‫غير متحضر‪ .‬ال يطاق والبغيض‪ .‬الحقيقة هي أن دانيال كان قادًر ا على أن يصبح جاًد ا مرة أخرى ويعيد تشكيل وجهه بحيث يعكس‬
‫توقعات المجتمع المناسبة‪ .‬ال يعني ذلك أن كريستوفر احتج أو تذمر بأي شكل من األشكال‪ :‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬كان مثاًال‬
‫‪.‬للتناغم التام‬
‫"قال نادًما‪" :‬عفًو ا إذا كنت قد أساءت إليك يا سيد دافنبورت"‪" .‬تصرفاتي كانت غير مبررة‬
‫‪".‬ال يغتفر؟ دانيال‪ ،‬أنت ال تعرف ماذا يعني ذلك‪ .‬وأكد له بابتسامة ورغبة قاتمة في تقطيع قلبه إلى أشالء‪" :‬أنت لم تسيء إلي‬
‫حقا‪ ،‬يجب أن تعذرني‪" .‬ال أعرف ما الذي حدث لي‪ "،‬توسل إلى أخيه مرة أخرى‪" .‬لقد فكرت في ما ستفعله لوسي إذا سمعتك تقول"‬
‫شيًئ ا كهذا‪ .‬كانت ترفع أنفها وتجعد فمها‪ . . .‬ومن ثم ستأخذ اللون الرقيق لليمونة التي لم تنضج بعد‪ .‬على أية حال‪ ،‬ستكون خضراء‬
‫اللون”‪ ،‬قال بنبرة اعتذارية أكثر مصداقية بعض الشيء‪" .‬حتى لو تم استخدامها كثيًر ا‪ ،‬فمن المؤكد أنها استعارة تناسبها‪ .‬إنها فتاة‬
‫"‪.‬جميلة جًد ا وذكية ومتحمسة‪ .‬نظر إلى كريستوفر بتعبير عارف‪" .‬ال تقلل من شأنها إذا كنت تريد أن تمتلكها‬
‫هذا الصبي المصقول للغاية قد تجاوز بالتأكيد حدود فكر كريستوفر السخيف‪ .‬ماذا كان رأي دانيال؟ أنه يعرف أكثر مما يعرف عن‬
‫النساء؟ في الواقع‪ ،‬لم تكن لوسي قد تحولت إلى اللون األخضر الليموني في وقت سابق عندما قال إنها تبدو مثل زهرة أو وردة‪ ،‬أو‬
‫أًي ا كان ما قاله بحق الجحيم – فهو لم يتذكر‪ .‬كان سيالحظ ذلك‪ ،‬ألنه كان يراقبها بعناية‪ .‬لقد أراد أن يفهم‪ ،‬في الواقع‪ ،‬ما إذا كانت ال‬
‫تزال تحترمه؛ وبعبارة أخرى‪ ،‬أراد أن يعرف ما إذا كانت آنا‬
‫‪.‬لقد أخبرها البطل بأي شيء‪ .‬لقد أعطاه سلوكها اللطيف تماًما اإلجابة التي كان يأمل فيها‪ ،‬والحمد هلل‬
‫نظر إلى دانيال‪ ،‬الذي استمر في الضحك لنفسه‪ .‬كان كريستوفر يتأرجح بين الشعور بالحاجة إلى لكمه‪ ،‬وعلى الرغم منه‪ ،‬عدم‬
‫العثور عليه مكروًه ا إلى هذا الحد‪ .‬لكن باختصار هل كان أخوه غير الشقيق ينوي الزواج من هذه الفتاة أم ال؟ لقد تحدث عنها‬
‫بحماس‪ ،‬ولكن بعد أن قدم له النصيحة حول كيفية الحصول عليها‪ ،‬بقي السؤال دون إجابة‪ .‬ربما يتعين على كريستوفر أن يكسبها‬
‫‪.‬بغض النظر عن السبب لتجنب المشكلة في جوهرها‪ .‬وألعطيك درسا لن تنساه يا أخي الصغير‬
‫‪.‬تضاءل مزاج دانيال المبتهج فجأة عندما اجتاحته جدية غريبة‪ .‬اتبع كريستوفر اتجاه عينيه‬
‫)‪.‬إنه ليوبولد‪ ،‬كريستوفر‪ .‬تنفس(‬
‫‪.‬لكنه لم يتنفس بينما انضم إليهم الرجل الذي أعطاه الحياة‬
‫‪.‬وأخيرا يا بابا‬
‫‪.‬وها هو والده على بعد ثالثة أقدام منه‬
‫وهنا كانت كراهيته التي تضخمت وانفجرت من روحه‪ .‬لكن كريستوفر شعر بها في أعماقه‪ ،‬مخفية وباردة‪ .‬ذلك البرد الذي غطى‬
‫‪.‬عواطفه‪ .‬فقط ربما شعر قلبه وكأنه يمزح قليال‬
‫صفع ليوبولد دانييل على كتفه وقال كلماته األولى‪" :‬سوني" ‪ -‬إحباط غامض ممزوج برغبة في إحراجه‪ ،‬بصوت يتدحرج مثل‬
‫الحصى في الممشى ‪" -‬ربما يجب أن أخبرك أننا في مرحلة جديدة"‪ .‬قاعة الرقص والهدف هو الرقص وليس مجرد الوقوف هنا‬
‫‪.‬بنظرة غبية على وجهك‪ ،‬كما أنت‬
‫هذه الجملة الوحيدة التي خرجت من فم والده كانت أفضل من قطعة قمامة في سلة المهمالت‪ .‬لقد كان من حسن الحظ‪ ،‬كما اعتقد‬
‫كريستوفر‪ ،‬أن ليوبولد كان حقيًر ا صارًخ ا‪ .‬لقد جعل مهمته أسهل‪ ،‬ألنه اعتاد لسنوات عديدة على ابتالع الشعور بالذنب الذي تثيره‬
‫‪.‬فيه دموع ضحاياه وعذوبتهم وتعاطفهم‪ .‬من المؤكد أن قسوة ليوبولد ‪ -‬واألكثر من ذلك‪ ،‬التباهي بكبريائه ‪ -‬جعلت كل شيء أسهل‬
‫"‪...‬قبض دانييل على فكه‪ ،‬وتراجع خطوة إلى الوراء‪ .‬قال ببرود‪" :‬أبي‪ ،‬اسمح لي أن أقدمك إلى‬
‫أوه‪ ،‬الصمت‪ ".‬نظر ليوبولد نحو كريستوفر‪ .‬كانت عيناه مشرقة بشكل ال يصدق‪ ،‬وكانت عيناه أفتح من اللون األخضر مقارنة "‬
‫بعيني دانيال‪ .‬كانت هناك بضعة شعيرات دموية حمراء تلتف حول بياض عينيه المصفر‪ ،‬لكنه كان لونه واضًح ا‬

‫قزحية العين التي جذبت انتباه كريستوفر‪ .‬كان بطول كريستوفر تقريًبا‪ ،‬والذي نادًر ا ما كان في وضع يسمح له بعدم النظر إلى‬
‫"‪.‬األسفل لتبادل النظرات مع شخص آخر‪" .‬السيد‪ .‬قال له والده‪" :‬دافنبورت‪ ،‬يا لها من متعة رؤيتك مرة أخرى‬
‫‪).‬إنه يتذكرك يا كريستوفر(‬
‫لحظة من الحيرة‪ .‬لقاء في ناٍد مليء بالدخان‪ ،‬لقاء اعتقد كريستوفر في بعض األحيان أنه كان يحلم به فقط‪ .‬ولكن بدال من ذلك‪ ،‬كان‬
‫‪.‬هنا‪ .‬ولم يكن والده قد نسي ذلك‬
‫قال وهو يحييه بأدب‪ .‬كان صوته مؤكًد ا وحاسًم ا‪ .‬ولم يشك في ذلك قط‪ ،‬على أي حال‪" .‬إنه لشرف لي أن "‪. DeMercy،‬السيد"‬
‫"‪.‬تتذكرني بعد كل هذا الوقت‬
‫)كم تكرهه يا كريستوفر؟(‬
‫أجاب ليوبولد‪" :‬حسًن ا‪ ،‬ربما يكون األمر مريًح ا فقط عند رؤية أحد سكان المدينة في هذا الريف المروع"‪ .‬أنا أكرهه بشدة‪ ،‬بشدة‪.‬‬
‫"دانيال‪ ،‬أنت تعرف السيد دافنبورت وأنا التقينا في أحد األندية في لندن قبل بضع سنوات‪ ".‬خفض صوته وغمز البنه الذي بدا كما‬
‫"‪.‬لو كان يبتلع ضفدًع ا‪ .‬بركة من الضفادع‪" .‬من الواضح أنه نادي السادة‬
‫فغضب دانيال المتأنق بشدة‪ .‬نار مشتعلة في عينيه‪ ،‬نار في واٍد أخضر‪ ،‬بأضواء ودخان وغضب ومرارة‪ .‬لقد كانت ثقيلة وال تطاق‬
‫تقريًبا‪ .‬لم يقل شيًئ ا لبضع لحظات‪ ،‬متوتًر ا‪ .‬وقال أخيرًا‪« :‬إذا سمحت لي يا أبي‪ ،‬فقد وعدت أحدًا بأنني سأرقص‪ .‬السيد دافنبورت‪".‬‬
‫‪.‬أومأ برأسه وابتعد‪ ،‬والكراهية في كل حركاته‪ ،‬بخطوات سريعة تفتقر إلى األناقة‬
‫‪".‬تنهد ليوبولد وهو يراقب ابنه وهو يذهب‪" .‬أيها الشباب‪ ،‬سيد دافنبورت‪ ،‬أنتم ال تعرفون على اإلطالق كيف تستمتعون بالحياة‬
‫شعر كريستوفر باألفكار فارغة من رأسه‪ ،‬مذهواًل جًد ا بحيث لم يتمكن من فهم ما كان يحدث‪" .‬ربما أساء ابنك الفهم يا سيد‬
‫"‪...‬ديميرسي‪ .‬يبدو أنه قد فهم تقريًبا‬
‫وقال‪" :‬من الواضح أنه فهم كلمة "بورديللو"‪( .‬تنفس‪ ،‬كريستوفر‪).‬‬
‫تعال يا سيد دافنبورت‪ ،‬ال تظهر هذا الوجه‪ ".‬كان هناك طفيف"‬
‫انزعاج في صوته‪ ،‬ممزوج بالوهم ربما‪" .‬ال تقل لي أنه حتى معك ال يمكن استخدام بعض المصطلحات‪ .‬أحيانا أتساءل‪ ." . .‬نظر‬
‫حوله بغضب‪ ،‬وترك الجملة غير مكتملة‪" .‬السيد‪ .‬دافينبورت‪ ،‬كيف لرجل من هذا العالم مثلك أن يتمكن من البقاء في هذه الحفرة‬
‫"‪.‬المهجورة؟ يبدو األمر غير قابل للتصور‬

‫استعاد كريستوفر رباطة جأشه‪ .‬بعد كل شيء‪ ،‬كان يعرف عن بيوت الدعارة أكثر من والده‪ ،‬أليس كذلك؟ "أوه‪ ،‬بالكاد وصلت منذ‬
‫‪.‬بضعة أيام يا سيدي‪ .‬لكنني أعتقد أنه قد يكون هناك شيء مثير لالهتمام في هذه األجزاء‬
‫حًق ا؟ أنت متفائل للغاية إذن‪ .‬وأؤكد لك أن الملل هنا قاتل‪ ،‬والنساء قبيحات كؤخرة الحمار‪ ،‬والقمار نادر وسيئ‪ .‬لوال بعض األماكن "‬
‫»النائية‪ ،‬لكنت قد ركضت بالفعل ألغرق نفسي في النهر‪ .‬هل تقامر يا سيد دافنبورت؟‬
‫"‪.‬بالطبع يا سيدي"‬
‫"‪.‬سأدعوك لبعض ألعاب النرد أو البطاقات في هذه الحالة"‬
‫"‪.‬سأكون ممتنا لك"‬
‫أومأ ليوبولد برأسه لكنه بدا مشتتا‪" .‬اآلن‪ ،‬إذا سمحت لي‪ ،‬أنا‬
‫‪.‬يجب أن تنضم إلى عدد قليل من األصدقاء في الجزء الخلفي من الغرفة‬
‫إنه يهرب يا كريستوفر‪ .‬سوف يبتعد عنك بعد ذلك(‬
‫)‪.‬دقيقتين فقط‬
‫"ال‪ ،‬ال يمكنك الذهاب بهذه الطريقة‪" .‬لحظة واحدة يا سيدي‪ ،‬إذا سمحت لي‬
‫هو قال‪" .‬أنا أريد أن أطلب منكم ‪ . . .‬مع العلم أنك ال تخاف من التحدث بصراحة‪ ،‬في الواقع‪ ." . .‬خفض صوته ونظر إليه في‬
‫عينيه‪" .‬أردت أن أسألك إذا كان بإمكانك أن تقترحي علّي بعض األماكن ‪ -‬كيف يمكنني أن أقول ذلك؟ ‪ -‬مكان خاص ال تبدو فيه‬
‫"‪.‬السيدات‪ ." . ."...‬توقف مؤقًت ا وهو يبتسم‪" .‬الجزء الخلفي من رباعي األرجل‬
‫حتى ليوبولد ابتسم‪ ،‬وشعر بالسعادة أخيًر ا‪ .‬كان كريستوفر يعلم جيًد ا أن االبتسامة يمكن أن تجرح بقدر الخنجر؛ لكنه لم يكن يعلم أن‬
‫‪.‬الخناجر في بعض األحيان ال تقطعك ولكنها تجعلك تنتفخ من الداخل‬
‫قال والده مبتهًج ا‪« :‬حسًن ا‪ ،‬رجل تجري عروقه دًم ا»‪" .‬جيد‪ ،‬هذا يعني أنني سأرافقك بنفسي إذا كنت تريد‪ ،‬دافنبورت‪ .‬دعنا نذهب في‬
‫"‪.‬غضون يومين‬
‫شعر بجلطة داخل نفسه‪ .‬ربما قلبه أو ربما روحه – لم يستطع كريستوفر أن يقول ذلك‪ .‬كان هناك شيء واحد فقط يخيفه أكثر من‬
‫‪.‬االضطرار إلى الذهاب إلى بيت للدعارة مع والده‪ :‬مالحظة أن ليوبولد اعتبره مساًو ا له حًقا‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪10‬‬
‫‪.‬ما اخترعته الحكاية‪ ،‬يعيد التاريخ إنتاجه أحياًن ا‬
‫فيكتور هوجو‪-‬‬
‫"!اآلنسة إدواردز"‬
‫رفعت لوسي يدها في تحية وتوقفت خارج المدخل‬
‫‪.‬منزلها بينما كان كريستوفر يمتطي حصاًن ا تجاهها‬
‫‪،‬آنسة إدواردز‪ ،‬إلى أين أنت ذاهبة لتفعلي هذا؟" سألها"‬
‫"‪.‬النزول من حصانه‪" .‬إذا سمح لي باالستفسار بالطبع‬
‫بعد ظهر ذلك اليوم‪ ،‬كانت لوسي ترتدي فستاًن ا قصيًر ا من الموسلين األصفر وتحمل مظلة من نفس اللون‪ ،‬وشعرها األشقر وتوهج‬
‫بشرتها يجتمعان ليجعال منها بقعة مبهرة أمام خضرة الريف‪ .‬يعتقد كريستوفر أن أي رجل يمكن أن يقع في حب هذا‬
‫‪.‬سيدة؛ في هذه اللحظة أشرقت بنورها‬
‫‪.‬السيد‪" .‬دافنبورت‪ ،‬يا لها من متعة رؤيتك‪ "،‬قالت بمرح"‬
‫"ماذا تفعل في هذه األجزاء؟"‬
‫‪ . . ".‬لقد أتيت لزيارتك يا آنسة إدواردز‪ .‬اليوم أنت"‬
‫عض لسانه قبل أن يتمكن من نطق جملة تحتوي على كلمات "ذهبي"‪ ،‬و"شعر أشقر"‪ ،‬و"شمس" ‪ -‬وربما بهذا الترتيب‪ .‬ال يعني ذلك‬
‫أنه كان يتبع نصيحة أخيه غير الشقيق الغبي‪ ،‬كما هو واضح‪ .‬بعد كل شيء‪ ،‬لم يكن بحاجة إلى ذلك‪ .‬في الواقع‪ ،‬كان من الواضح له‬
‫‪".‬أن اآلنسة إدواردز كانت غاضبة منه بالفعل‪ .‬قال أخيًر ا‪" :‬أنت مضيء بشكل إيجابي‬
‫ردت لوسي بتصرفها المشمس‪" :‬شكًر ا لك‪ ،‬أنت لطيف جًد ا"‪" .‬أما بالنسبة لمكالمتك االجتماعية الكريمة‪ ،‬فأنا أخشى أنني يجب أن‬
‫"‪.‬أبلغك بأن لدي ارتباًط ا مسبًق ا بعد ظهر هذا اليوم‬
‫"أوه‪ ،‬أنا آسف جًد ا‪ .‬هل يمكنني االنضمام إليكم؟"‬

‫هزت لوسي رأسها اعتذاريًا‪" .‬إنه شيء صغير ممل‪ ،‬أؤكد لك‪ .‬أمضيت إحدى فترات ما بعد الظهر مع النساء الالتي يتحدثن عن‬
‫"‪.‬العباءات والمفارش المصنوعة من الدانتيل‪ .‬ربما في يوم آخر‬
‫أجاب كريستوفر وهو يتنهد بارتياح‪" :‬بالتأكيد"‪ .‬لم يكن يرغب في البقاء بصحبة اآلنسة إدواردز؛ انتبه‪ ،‬لقد وجدها رائعة‪ ،‬وكان يعلم‬
‫أنه كان عليه أن يسحرها‪ ،‬لكنه حتى اآلن قام بعمل سيئ للغاية في هذا الشأن‪ .‬كان أخوه غير الشقيق على حق تماًما‪ ،‬واألسوأ من‬
‫‪.‬ذلك أنه كان لديه الكثير من األشياء ليهتم بها بعد ظهر ذلك اليوم ولم يتمكن من قضاء الوقت معها‬
‫"‪.‬اسمح لي أن أرافقك إلى وجهتك على األقل"‪ ،‬اقترح بأدب‪" .‬سيدة شابة مثلك يجب أن تتم مرافقتها دائًما"‬
‫ال تقلق‪ .‬كليمنت يتبعني عن بعد‪ .‬هل تراه؟" أشارت خلفها نحو إحدى خادمات منزل عائلة إدواردز‪ .‬كان على بعد حوالي خمسين "‬
‫قدًما‪ ،‬متظاهًر ا أنه كان هناك بالصدفة‪" .‬والدتي تفكر مثلك‪ ،‬ونادرا ما أتمكن من الهروب من عينيها الجهنمية الساهرة‪ ".‬شخرت‪.‬‬
‫"‪".‬وأعتقد أنني كنت أسير بهذه الطريقة كل يوم تقريًبا عندما كنت طفًال‬
‫»‪.‬أرى‪ .‬لكن اسمح لي مع ذلك بمرافقتك"‬
‫أومأت برأسها بابتسامة‪ ،‬وبدأوا في المشي ببطء‪ .‬كان ريف شهر يوليو دافًئ ا وعبًق ا‪ .‬ارتفعت الحرارة من األرض‪ ،‬وكان للسيقان‬
‫الطويلة لحقول القمح‪ ،‬التي كانت جاهزة تقريًبا للحصاد‪ ،‬لغتها الغريبة والغامضة‪ .‬وبعد اثني عشر يوًما‪ ،‬كان كريستوفر قد اعتاد‬
‫تقريًبا على صمت هذا المكان‪ .‬بصراحة‪ ،‬لم يكن صمًت ا؛ بل كان باألحرى مزيًج ا من الرسائل السرية بين الحشرات والطيور في‬
‫السماء وحيوانات األرض‪ .‬الشعر الخفيف‪ ،‬واألناشيد المبهجة‪ ،‬والحفيف غير العادي‪ ،‬واألصوات غير المتوقعة كلها مجتمعة‪ ،‬كما لو‬
‫‪.‬كانت في محادثة هامسة ال نهاية لها‬
‫ساروا أمام بوابة كبيرة صدئة‪ ،‬بدت في غير مكانها بين الحقول الزراعية الذهبية والخضراء‪ ،‬بين أشجار الجنجل والقمح‪ .‬أدى مسار‬
‫حجري طويل مغطى بالفروع الميتة إلى منزل محطم‪ ،‬أصبح اآلن مهجوًر ا وضحية لألشباح القديمة‪ .‬لقد اسودت جدرانه بسبب‬
‫‪.‬حريق تركه في حالة مروعة لكنه لم يهزمه‪ ،‬إذ كان ال يزال يقف فخوًر ا ومشؤوًما‬
‫هذا هو منزل القرية القديم المسكون"‪ ،‬أخبرته لوسي عندما الحظت اتجاه عينيه‪" .‬يشعر جميع األطفال بالرعب من ذلك‪ ،‬ويقول "‬
‫‪".‬الكثيرون إنهم يسمعون صرخات مروعة قادمة من هناك‬
‫"وأنت تمشي على هذا الطريق كل يوم دون أن تشعر بالخوف؟"‬

‫"‪.‬أجابت بابتسامة باهتة‪" :‬بالطبع أنا خائفة‪ ،‬مثل الجميع"‪" .‬أنا دائما أحافظ على مسافة منه‪ ،‬كما تعلم‬
‫استمروا في السير في صمت لفترة أطول قليًال بينما كانت الصراصير تتغزل ببعضها البعض بين القمح‪ ،‬الذي أنتج هو نفسه ألحانه‬
‫‪.‬المتعبة التي ال هوادة فيها‬
‫قالت لوسي وهي تشير إلى منزل من الطوب األحمر‪" :‬ها نحن هنا‪ ،‬أوشكنا على الوصول"‪ .‬كانت صغيرة نوًع ا ما‪ ،‬وتقع في نهاية‬
‫طريق قصير تحده أشجار الزيزفون الكثيفة‪ ،‬والتي كانت مهملة‪ .‬كانت جدران المنزل تتقشر بشدة‪ ،‬كما لو كانت بحاجة إلى‬
‫‪.‬إصالحات منذ سنوات‬
‫لذلك‪ ،‬نحن اآلن أمام منزل صديقك" ‪ -‬كما كان يقول ذلك‪ ،‬أدرك أنه ال يحتاج إلى ‪" -‬اآلنسة تشامبيون"‪ .‬لقد عض لسانه‪ ،‬ولكن "‬
‫‪.‬بحلول ذلك الوقت كان الحكم قد سقط‪ ،‬وكانت حقيقة أنه يعرف بالضبط مكان إقامة عائلة البطل واضحة تماًما‬
‫ابتسمت لوسي لكنها تركتها‪" .‬نعم‪ ،‬أنا وآنا نعيش على بعد أقل من نصف ميل من بعضنا البعض‪ .‬وكما قلت‪ ،‬نحن نحب قضاء فترة‬
‫ما بعد الظهر في الحديث عن أشياء غير مفهومة على اإلطالق للجميع‪ ،‬باستثناء لنا‪ .‬ضحكت وأخفضت رأسها‪ ،‬كما لو كانت تتذكر‬
‫‪.‬شيًئ ا من تلك األشياء‬
‫"‪.‬ال يبدو األمر مرهًقا جًد ا"‬
‫‪.‬اعذرني؟" قالت لوسي وهي تبدو مذعورة"‬
‫قلت أن هذا ال يبدو ممًال للغاية‪ .‬كنت قد أطلقت عليه ذلك في وقت سابق‪ ،‬وأنا"‬
‫"‪.‬يعتقد‬
‫حسًن ا‪ ،‬ربما ال يكون األمر مرهًق ا‪ ،‬لكنه بالتأكيد عذاب ال يطاق"‬
‫‪.‬أي شخص يأمل في التمسك بعقله العقلي‬
‫"‪.‬ال شيء يمكن أن يكون تعذيًبا معك هناك"‬
‫حسًن ا‪ ،‬لقد تسربت الكلمات‪ ،‬وكان األمر جيًد ا‪ ،‬ألنه كان مجرد رسالة‬
‫التعبير‪ ،‬أليس كذلك؟ بالتأكيد لم يكن طلًبا للدخول‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬بدا األمر مثل ذلك كثيًر ا‪ ،‬اللعنة‪ .‬قال لنفسه‪ :‬يجب أن أنتبه إلى الكلمات‬
‫التي أستخدمها‪ .‬ال أريد مطلًق ا الدخول إلى ذلك المنزل‪ ،‬ولن أفعل ذلك‪ .‬إن رؤية اآلنسة تشامبيون مرة أخرى سيكون بالتأكيد أمًر ا‬
‫غبًيا‪ ،‬وسيكون ذلك بمثابة استفزاز للسيدة الشابة إلى أبعد الحدود‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإن زيارتها بعد إصرارها على التوقف عن‬
‫جميع النزهات االجتماعية ‪ -‬كان يعلم جيًد ا أنها إذا تغيبت عن الحفالت األخيرة كان ذلك بسببه ‪ -‬كان أمًر ا غير منطقي إلى حد أنه‬
‫‪.‬يقترب من ما ال يمكن تصوره‬
‫‪.‬لحسن الحظ‪ ،‬لم تتأثر لوسي بدعوته للدخول‪ .‬في الواقع‪ ،‬بدت أكثر استعداًد ا لفعل أي شيء غير ذلك‬

‫قالت مستمتعًة ‪" :‬إذا كنت أرغب في إيذائك‪ ،‬فسأطلب منك أن تأتي معي يا سيد دافنبورت"‪ .‬تظاهرت بالتفكير في األمر‪ ،‬ثم هزت‬
‫رأسها‪" .‬واليوم‪ ،‬على أي حال‪ ،‬ال أتذكر أي إساءة ارتكبتها بحقك كانت خطيرة جًد ا لدرجة أنني أشعر بأنني مضطر إلى مثل هذه‬
‫‪".‬القسوة‬
‫ضحك كريستوفر بصدق لمرة واحدة‪ ،‬ألن االرتياح الذي شعر به كان مؤكًد ا‪ .‬يمكنه العودة إلى المنزل وشرب شيء ما ودراسة‬
‫‪.‬تحركاته األخيرة ضد والده‬
‫‪".‬أجاب‪" :‬أشكرك كثيًر ا يا آنسة على اهتمامك اللطيف"‪ .‬ثم أضاف فجأًة ‪" :‬لكنني أعتقد أنني سأفتقد صحبتك كثيًر ا‬
‫‪".‬لماذا قال الشيطان شيئا كهذا؟ هل كان مجنونا؟ ربما‪ ،‬وبدت حالته خطيرة‪ ،‬ألنه رفع صوته وقال مرة أخرى‪" :‬دعني أدخل معك‬
‫كان األطفال خائفين وهم يراقبون آنا‪ .‬ولم يكن بوسعهم أن يفعلوا غير ذلك‪ .‬كان الساحر على وشك قتل األميرة الجميلة‪ ،‬وكان األمير‬
‫ال يزال في الغابة‪ ،‬يقاتل ضد الكرنب السبعة الشريرة وأربع أشجار الخبز‪ ،‬التي كانت تدفنه تحت عدد ال يحصى من األرغفة‬
‫‪.‬الساخنة‬
‫‪.‬وكان األمير يعلم أنه ال يستطيع مساعدة األميرة‪ "،‬واصلت آنا بينما أطلقت جريس صرخة"‬
‫كانوا يجلسون على سجادة على األرض‪ ،‬بين الوسائد التي استخدموها ككراسي‪ ،‬متجهين نحو النافذة‪ .‬كانت غريس تجلس في حضن‬
‫آنا‪ ،‬وكان اإلخوة على كل جانب‪ .‬وكانت نورا تجلس على كرسي قريب‪ ،‬وتقوم بالخياطة‪ .‬حتى أنها كانت تستمع إلى القصة بابتسامة‬
‫‪.‬باهتة‪ ،‬وتتظاهر بالتفكير في أشياء أخرى بينما تتمتم "همًما" بين الحين واآلخر‬
‫وهكذا عرف األمير أنه ال يستطيع أن يفعل إال شيًئ ا واحًد ا لألميرة‪ .‬وأعطى سيفه للتنين الرمادي وقال له‪« :‬خذ هذا إلى بينيلوب "‬
‫الجميلة‪ ،‬عزيزي جريجو‪ ،‬بسرعة الريح»‪" .‬طار غريغو بعيًد ا‪ ،‬وفتح جناحيه الرماديين الكبيرين المخططين باللون األخضر‪ "،‬قالت‬
‫"‪.‬آنا‪ ،‬مقلدة التنين الطائر برفرفة ذراعيها‪" ،‬وفي لحظة وصل إلى برج قلعة الساحر الشرير‬
‫وتساءلت هل ربما كانت تعرض إخوتها لتوتر عاطفي شديد للغاية؟ اللحظة الدرامية للغاية عذبتهم‬

‫‪.‬قلوب صغيرة‬
‫كيف سيعيش األمير بدون سيف؟" اعترض دينيس‪" .‬هو"‬
‫»!لن يكون قادًر ا على قطع األرغفة بعد اآلن وملئها بالملفوف الشرير‪ .‬سوف ُيسَّط ح بالخبز‬
‫وأوضحت آنا‪" :‬األمير يعرف ما يخاطر به‪ ،‬لكن الحب يعني في بعض األحيان تقديم التضحيات"‪ .‬يا لها من فلسفة قذرة تعني تهدئة‬
‫أخيها الصغير بكل قوة التفاهة التي ال تقبل الجدل‪ .‬وتابعت‪“ :‬أخذ التنين غريغو السيف إلى األميرة التي تمكنت من تقشير البطاطس‬
‫العمالقة‪ .‬لقد قطعته إلى قطع وألقته في الزيت المغلي‪ ،‬وكانت الرائحة التي انتشرت في جميع أنحاء القلعة جيدة جًد ا لدرجة أن ذلك‬
‫الساحر لم يستطع المقاومة‪ .‬ركض إلى المطبخ‪ ،‬ووجد على الطاولة خمسة وعشرين رطًال من رقائق البطاطس الساخنة والمقرمشة‪.‬‬
‫انغمس فيها وبدأ يحشو نفسه دون أن يتمكن من التوقف‪ ،‬وكلما أكل أكثر‪ ،‬أصبح أكثر تورًما‪ ،‬وأصبح أكبر حجًما‪ »،‬قالت وهي تفتح‬
‫ذراعيها على نطاق واسع‪« ،‬وأكبر» ‪ -‬كانت ذراعاها متساويتين‪ .‬على نطاق أوسع ‪" -‬ثم أصبح كبيًر ا جًد ا لدرجة أنه انفجر أخيًر ا‬
‫‪.‬بشاذ جنسي‪ ".‬وهي تحاكي االنفجار بيديها‬
‫‪.‬بووف"‪ ،‬كررت جريس"‬
‫طارت األميرة على متن غريغو التنين وانضمت مجدًد ا إلى أميرها المحبوب‪ ،‬الذي كان مدفوًن ا بالكامل في جبل من الخبز "‬
‫‪.‬والملفوف الشرير‪ ،‬وأنقذته‪ .‬وكان لديهم الخبز والملفوف ليأكلوه لبقية حياتهم‬
‫‪.‬مثلنا!" ‪ -‬صرخت غريس"‬
‫‪.‬بالضبط!" قالت آنا وهي تضحك"‬
‫ال أرغب على اإلطالق في مقابلة ملفوف غاضب" ‪ ،‬جاء ذلك"‬
‫‪.‬صوت حنون على كتفيها‬
‫!لوسي‬
‫نهضت آنا بسرعة مع إخوتها وأختها‪ .‬مررت يديها على فستانها لتنعيمه ثم استدارت‪ ،‬مع االبتسامة المشرقة التي كانت تحملها دائًما‬
‫‪.‬لصديقتها‬
‫‪.‬ثم رأته‬
‫‪.‬له‬
‫ركلة في الرأس‪ .‬ال بد أن شخًص ا ما قد ركلها على رأسها‪ ،‬ألن الصدمة كانت قوية جًد ا لدرجة أنها فقدت ساقيها‪ ،‬ولم تتمكن من رفع‬
‫‪.‬نفسها إال بوضع يديها على كتفي جريس‪ ،‬مما أدى إلى سقوطها أيًضا‬
‫‪.‬آه!" انتحب الطفل"‬

‫‪.‬نظرت إليها آنا مذعورة‪ ،‬وأساءت جريس فهم تعبيرها المخيف‬


‫‪".‬قالت وهي تهدئها وهي تعانق ساقيها‪" :‬أنت لم تؤذيني‪ ،‬كما تعلمين‬
‫نظرت نورا لألعلى ورأت الضيف الجديد‪ ،‬فقفزت من كرسيها‪" .‬يا إلهي يا آنسة لوسي‪ .‬لم نرا وصولك‪ .‬كان عليك أن تسمح لنفسك‬
‫‪.‬بالدخول ورفيقك‬
‫‪.‬اتجهت عيون األطفال جميعها نحو هذا الرجل طويل القامة‬
‫مشعوذ!" انفجرت جريس وهي تشير بإصبعها الصغير نحوه دون تردد‪ .‬تعرفت عليه على الفور‪ ،‬بسبب الوصف الذي قدمته أختها "‬
‫‪.‬في القصة الخيالية‬
‫جمال!" صاحت لوسي‪ .‬لقد تركت ضحكة صغيرة تفلت من أيدينا والتي كانت ملحوظة تماًما على الرغم من محاولة لوسي إخمادها"‬
‫‪.‬بيدها‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬لم تكن آنا تضحك‪ .‬كما أنها ال تستطيع التحدث أو التنفس أو التحرك أو حتى ترمش‪ .‬أصبح عقلها فارًغ ا تماًما‪،‬‬
‫‪.‬وظهر ذلك في حالة السكون التام لجسدها‬
‫)‪.‬أنا كريستوفر دافنبورت‪ ،‬آنا‪ .‬هل تتذكرينه؟ لقد قبلك منذ أكثر من أسبوع بقليل‪ .‬لقد أهانك‪ .‬وضحك عليك‪ ،‬وهدد عائلتك(‬
‫عائلتها‪ .‬عائلتها – يا إلهي‪ ،‬هذا صحيح – كانت عائلتها هنا معها اآلن! كانت آنا خائفة بالتأكيد؛ لقد كانت سخيفة‪ ،‬لكنها كانت ال تزال‬
‫األخت الكبرى لثالثة أطفال صغار! وقفت شامخة وتحركت أمامهم لحمايتهم بشراسة لم تصدق أنها تمتلكها‪ .‬كيف سمح له بالدخول‬
‫إلى منزلها أيها الوغد؟‬
‫‪".‬وبما أنها لم تتمكن من إثارة الجدل‪ ،‬قالت‪" :‬نورا‪ ،‬من فضلك خذي األطفال إلى المطبخ واعطيهم القليل من الخبز‬
‫‪.‬من هو هذا الرجل‪ ،‬آنا؟" سأل أنتوني"‬
‫"‪.‬أنتوني‪ ،‬اذهب إلى المطبخ اآلن"‬
‫الحظت لهجتها الحادة وتمايل رأسها المفاجئ‬
‫‪.‬قرر األخ أنه من األفضل عدم طرح أي أسئلة‪ ،‬وتبع نورا مع األطفال اآلخرين‪ ،‬على الرغم من أنه كان متردًد ا بعض الشيء‬
‫"‪.‬ال تقلق يا أنتوني‪ "،‬قالت جريس وهي تهدئه وهم يتجهون إلى المطبخ‪" .‬قريبا سوف يذهب" لوطي"‬
‫لكن رغم تفاؤل هذه الكلمات إال أن الساحر كان بخير‪ .‬وها هو واقف عند المدخل‪ ،‬غير منزعج وهادئ‪ .‬ربما سلمية‪ ،‬حتى‪ .‬من ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬شعرت آنا وكأنها تتالشى‪ ،‬ووقفت في المنتصف‬

‫الغرفة‪ ،‬تنظر إليه بكراهية لم تشعر بها من قبل‪ ،‬تجاه أحد‪ .‬كراهية غير مؤذية‪ ،‬لألسف‪ ،‬وفي الواقع رد عليها نظراته بنظرته‬
‫‪.‬الزرقاء الهادئة تماًما‬
‫‪.‬آنا‪ ،‬هل تشعرين بتحسن؟" سألت لوسي وهي تدخل الغرفة"‬
‫‪ .‬ربما لم تكن كلمة "حسًن ا" هي المصطلح األكثر مالءمة‪ .‬بالكاد تمكنت آنا من التوجه نحوها‪ ،‬وصرفت عينيها عن ذلك‪ . . .‬من ذاك‬
‫‪..‬‬
‫"‪.‬أعلم أنك ال تهتمين به‪ ،‬ولكن في الحقيقة‪ ،‬لم يكن ذلك خطأي‪ "،‬همست لوسي لها عندما اقتربت‪" .‬أراد أن يرافقني هنا بأي ثمن"‬
‫كانت صديقتها آسفة للغاية‪ ،‬وماذا يمكن آلنا أن تفعل؟ تطرده من منزلها أمامها؟ خدش وجهه حتى مسحت النظرة المتعجرفة منه؟ أو‬
‫تطلب منه تناول الشاي معهم وتقدم له القليل من البسكويت وتبتسم له بكل ود؟‬
‫!اوه عليك العنه‬
‫لكنها لم تبتسم له‪ ،‬على أقل تقدير‪ .‬انها تنفست بعمق‪" .‬ال يهم‪ ،‬لوسي‪ "،‬أجابت أخيرا‪ .‬كانت لهجتها أكثر هامدة من شمعة مطفئة‪.‬‬
‫"‪".‬سأضطر إلى قتلك بالطبع‪ ،‬ولكن آمل أال يفسد ذلك صداقتنا‬
‫ضحكت لوسي بهدوء‪ .‬تمتمت قائلة‪" :‬سنكون هنا لمدة خمس دقائق فقط‪ ،‬أقسم لك"‪" .‬ثم سأعود سرا‪ .‬سأضطر إلى الطيران بعيًد ا‬
‫"‪.‬على تنين رمادي‬
‫‪.‬هل يمكنني الدخول أم ستجعليني أبقى في المدخل يا آنسة تشامبيون؟" سأل كريستوفر برباطة جأش"‬
‫‪.‬كان يسلي نفسه‬
‫)‪.‬كما لو أنه كان يسلي نفسه منذ ثمانية أيام‪ .‬أليس هذا صحيًح ا يا آنا؟ لقد بكيت وتوسلت‪ ،‬لكنه كان يسلي نفسه كثيًر ا(‬
‫فنظرت إليه بغضب‪ .‬والخوف‪ .‬والعار‪ .‬ذلك العار اللعين الذي لم تستحق أن تشعر به‪ .‬ولم تعرف حتى كيف ترد عليه‪ .‬ثم رأت‬
‫النظرة المتسائلة على وجه لوسي‪ ،‬وقالت ما لم تكن تريد أن تقوله أبًد ا‪" :‬من فضلك‪ ،‬تفضل بالجلوس‪ .‬هنا‪ ".‬بدا صوتها مثيًر ا للشفقة‬
‫‪.‬ومضطرًبا‪ .‬وكانت يرثى لها للغاية ومضطربة‬
‫دخل كريستوفر إلى الغرفة‪ .‬كان حجمه مثيًر ا لإلعجاب‪ ،‬تماًما كما تذكرت‪ .‬جلس‪ ،‬وحتى األريكة المكسورة‪ ،‬التي ابتلعت الضيوف‬
‫بشكل عام‪ ،‬لم تفعل شيًئ ا من هذا القبيل له‪ .‬حتى وهو جالس‪ ،‬ظل كبيًر ا بشكل ال يصدق‪ .‬ويهدد بشكل ال يصدق‪ .‬ولكن لماذا كان هنا؟‬
‫هل كانت مجرد صدفة سيئة الحظ؟ او اخرى ‪ . . .‬أم أنه ال يزال غاضًبا منها؟‬

‫‪.‬أكل االحتمال في قلبها وأمعائها‪ .‬هللا في الجنة‪ ،‬كان إخوتها في المطبخ ووالدها في حديقة الخضروات‬
‫أوه‪ ،‬لماذا كان هذا السيد هنا؟‬
‫طهرت لوسي حلقها وحاولت بدء محادثة مهذبة‪ .‬كان التوتر شديًد ا لدرجة أنه بدا كما لو كانوا ينظرون إلى بعضهم البعض من خالل‬
‫‪.‬دخان أسود كثيف‬
‫"‪.‬إذن يا آنا‪ "،‬بدأت بمرح‪" .‬لقد جئت لسبب مهم للغاية اليوم‪ ،‬وهو السبب الذي ال يمكن تأجيله"‬
‫أوه‪ ".‬وقبالته‪ ،‬وذلك الخوف في حفرة بطنها‪ ،‬وتلك الكلمات التي ما زالت تسخر منها مراًر ا وتكراًر ا‪ ،‬ودموعه وضعفه وقوته التي "‬
‫‪. . .‬سحقتها وسلبت منها كل جزء من كرامتها‪ ،‬و ربما كان أسوأ شيء هو أنه كان يداعبها‬
‫"‪.‬دخلت نورا وهي تحمل صينية بها فناجين الشاي‪" .‬آنا‪ .‬لقد صنعت الشاي‪ .‬لضيوفك‬
‫"‪.‬وقفت بشكل مؤلم‪" .‬شكرا جزيال يا نورا‬
‫أخذت الصينية منها‪ ،‬واهتز إبريق الشاي بشكل خطير‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تمكنت من عدم قلبها‪ ،‬ووضعتها على طاولة الصالون‪ .‬ساعدتها‬
‫لوسي في صب الشاي‪ ،‬ربما ألنها الحظت أنها تعاني من بعض المشاكل‪ .‬حقا عدد غير قليل من المشاكل‪ .‬يا له من تعبير لطيف أن‬
‫نقول إنها كانت ترتجف مثل زغب الهندباء في مهب الريح‪ .‬وكانت أمام كريستوفر مباشرة‪ ،‬الذي كان يستمتع بالمشهد وقد رفعت‬
‫‪.‬شفتيه إلى األعلى لترسم ابتسامة خفيفة‬
‫ولكن لماذا كان هنا؟ وماذا لو أدرك أنه شخص فظيع ومخز وطلب منها العفو؟‬
‫)‪...‬آنا(‬
‫ولكن بالتأكيد! يجب أن يكون ذلك! ال يعني ذلك أنه كان من الممكن لها أن تنسى هجومه‪ ،‬بالطبع‪ ،‬لكن الفكرة هدأتها‪ .‬كان هذا هو‬
‫!األمر‪ ،‬وال شك في ذلك‬
‫"كيف حال والدتك يا آنسة إدواردز؟"‬
‫لقد تحدث كريستوفر إلى لوسي‪ ،‬لكن آنا شعرت بنظرته عليها‪ .‬بالطبع ال‪ .‬إنه ال يريد االعتذار‪ ،‬فكرت بغضب وهي تضغط على‬
‫‪.‬مقبض فنجان الشاي‬
‫"‪.‬أوه‪ ،‬ألقول الحقيقة‪ ،‬لقد كانت غير سعيدة بشكل ال يصدق لبعض الوقت"‬
‫‪.‬سعل كريستوفر‪ ،‬وهو يبصق رشفة من الشاي في فنجانه؛ ومن الواضح أنه لم يكن يعتقد أن هذا النوع من االستجابة ممكن‬

‫تابعت لوسي‪" :‬البد أن هذا هو الطقس"‪" .‬أحاول أن أبقى بعيًد ا عنها قدر اإلمكان‪ ،‬ألنها عندما تكون هكذا‪ ،‬ال يأتي منها شيء جيد‪".‬‬
‫"‪.‬توقفت وغيرت الموضوع فجأة‪" .‬لكن آنا‪ ،‬كما كنت أقول‪ ،‬لدي أخبار مهمة جًد ا ألقدمها لك‬
‫"‪.‬استمع كريستوفر بعناية‪ ،‬واستجابت آنا‪ ،‬وهي تحاول إبعاد فكرة من ذهنها ال تستطيع التخلص منها‪" .‬لقول‬
‫‪.‬أعلم أنك ال تزال تشعر بالذنب ألنك تعثرت بالسير كولن عن طريق الخطأ‪ "،‬قالت بنظرة عارفة لن يفهمها سوى االثنين"‬
‫‪".‬قالت آنا وهي تومئ برأسها بطريقة مشتتة‪" :‬مممم‬
‫يجب أن تعلمي‪ "،‬أوضحت لوسي لكريستوفر‪ ،‬الذي نظر إليها دون أن يفهم‪" ،‬أن آنا كانت السبب غير المقصود" ‪ -‬نظرت إلى آنا ‪"-‬‬
‫" ‪".‬ألسر روزماري للسير كولن أثناء الحفلة التي أقيمت في منزلي منذ أسبوع تقريًبا‬
‫سماع تلك اإلشارة في ذلك المساء سلب آنا أنفاسها‪ ،‬وحاولت أن تهدأ‪ .‬وتذكرت أنه لم يكن من الصعب الشهيق والزفير‪ .‬لقد كانت‬
‫‪.‬تفعل ذلك منذ ما يقرب من تسعة عشر عاًما‪ ،‬وال يمكنها أن تنسى اآلن‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬لم يكن لدى كريستوفر أي رد فعل من أي نوع يمكن أن يشير إلى أي نوع من المشاعر‪ ،‬كما لو كان ذلك المساء‬
‫‪.‬بالنسبة له شيًئ ا قد شهده بالفعل ألف مرة‪ .‬وربما‪ ،‬اعتقدت آنا‪ ،‬وهي تشعر ببطنها تنقبض‪ ،‬أن هذا هو بالضبط ما حدث‬
‫‪.‬حًقا؟" سأل بأدب"‬
‫"‪.‬أومأت لوسي‪" .‬بالضبط‪ ،‬ولم تكن لديها أدنى فكرة عن كيفية االعتذار‬
‫كم كان كل هذا قاسيًا للغاية‪ ،‬حتى بالنسبة للقدر‪ .‬خفضت آنا رأسها نحو فنجان الشاي وأغلقت عينيها‪ .‬بدأت تشعر بخدودها تحمر‪.‬‬
‫‪.‬لوسي‪ ،‬سأضطر حقًا لقتلك‪ ،‬بعد كل شيء‬
‫لم يقل الرجل شيًئ ا في المقابل‪ ،‬وانحنى ليأخذ رشفة من الشاي‪ .‬ولكن عادت على شفتيه ابتسامة طفيفة كانت قد عادت إليه منذ وقت‬
‫سابق‪ ،‬وتمنت آنا بشدة أن تنفتح حفرة واسعة وتبتلعه بالكامل‪ .‬حفرة كبيرة‪ ،‬حفرة صغيرة – يا إلهي‪ ،‬ما المشكلة في ذلك؟ ومع ذلك‪،‬‬
‫‪.‬وعلى الرغم من مشروعية صالتها‪ ،‬إال أنها لم تستجب‬
‫"‪.‬حسًن ا يا آنا‪ ،‬يمكنك التوقف عن الشعور بالذنب"‬
‫‪.‬أثارت نبرة صديقتها فضولها‪ ،‬بغض النظر عن الوضع السخيف الذي وجدت آنا نفسها فيه‪ ،‬ونظرت إلى لوسي بتساؤل‬

‫ال يمكنك التخمين؟" نظرت إليها لوسي كما لو كانت على وشك اإلعالن عن أنها اكتشفت للتو إكسير الحياة‪ .‬وبعد وقفة مسرحية‪" ،‬‬
‫»‪.‬قالت‪“ :‬لقد أعلنوا للتو خطوبتهم‪ .‬سوف يتزوج السير كولن وروزماري روثرهام على الفور‬
‫ال!" وضعت آنا فنجان الشاي على صحنها‪ ،‬وبمجرد أن أدركت ذلك‪ ،‬للحظة ‪ -‬انتهى األمر بسرعة كبيرة جًد ا ولكنه كان ال يزال "‬
‫نعمة ‪ -‬نسيت هذا الرجل ووجوده هناك‪ ،‬وصرخت بسعادة‪" :‬أوه‪ ،‬لكن هذا رائع‪ .‬لوسي!" وأضافت وكأنها أهم شيء في العالم‪" :‬وهذا‬
‫‪.‬كله بفضلي فقط!"‪ .‬أضاء وجهها بشكل مشع‪ ،‬واحمرت خديها من البهجة‪ ،‬وأشرقت عيناها بشكل مشرق‬
‫ثم التقت عيناها بعينيه‬
‫ذبلت ابتسامتها على شفتيها‪ ،‬وتناثرت أفكارها مثل العصافير بعد طلقة نارية‪ .‬لماذا؟ لماذا ينظر إلي هكذا؟ لم تكن تريد البكاء‪ ،‬ولم‬
‫تكن تريد أن تشعر بهذا األلم في بطنها‪ ،‬لكن يا إلهي‪ ،‬كان هناك ‪ -‬هناك ‪ -‬والضباب خيم على رؤيتها‪ .‬كان كريستوفر يريد نفس‬
‫النظرة ‪ -‬تلك النظرة اللعينة‪ ،‬كما لو كان يستطيع أن يلتهمها ‪ -‬حتى في مكتبة عائلة إدواردز‪ ،‬وشعرت آنا بشيء يرتعش بداخلها‪.‬‬
‫انزلق فنجان الشاي والصحن من يديها وسقطا على األرض‪ ،‬وبدا الضجيج الذي أحدثاه مستحياًل بالنسبة لألطباق الصغيرة جًد ا‪ .‬تناثر‬
‫‪.‬الشاي في كل مكان‪ :‬على األرض‪ ،‬على فستانها‪ ،‬على فستان لوسي‬
‫‪.‬قفزت على قدميها‬
‫‪.‬أوه‪ ،‬آنا‪ ،‬اترك األمر‪" .‬سوف أساعدك‪ "،‬عرضت لوسي"‬
‫وقفت هي وكريستوفر بسرعة‪ ،‬متطلعين إلى الكارثة‪ .‬اختار أنتوني هذه اللحظة بالضبط لدخول الغرفة‪ .‬ربما كان كذلك‬
‫‪.‬فقط خارج الباب طوال الوقت‪ .‬كان يلوح بسيف خشبي في يده اليسرى‪ ،‬وهو دليل ملموس على شجاعته كأخ رجولي‬
‫قال لكريستوفر‪« :‬سيدي‪ ،‬توقف عن إخافة أختي‪ ».‬باعتراف الجميع‪ ،‬بدت لهجته تهديدية‪ ،‬لكنه كان ال يزال طفًال ولم يكن طوله‬
‫‪.‬حتى خمسة أقدام‪ ،‬وفي مواجهة هذا الرجل العمالق‪ ،‬بدا وكأنه يساعد في مسرحية مهزلة من الكتاب المقدس‬
‫مذعورة‪ ،‬لم تستطع آنا حتى أن تتساءل كيف تمكن أنتوني من قراءة أفكارها‪ .‬الفكرة الوحيدة التي تتبادر إلى ذهني هي أنها اضطرت‬
‫‪".‬إلى إبعاده عن أنظار كريستوفر‪ .‬في الحال‪ .‬قالت بجدية تامة‪" :‬أنتوني‪ ،‬السيد ليس هنا ليلعب‬
‫‪.‬هل هذا الرجل يخيفك يا آنا؟" سأل أنتوني"‬

‫"‪.‬أنتوني‪ ،‬اخرج من هنا"‬


‫‪.‬لم يستمع لها شقيقها‪ ،‬والتفت مرة أخرى نحو كريستوفر‪" .‬سأدافع عن أختي‪ .‬إعلم أن‪ ".‬أظهر سيفه ووضعه في موضع الهجوم‬
‫نظر كريستوفر إليه باعتداد وإلى السالح الذي كان يحمله وأجاب باقتضاب‪" :‬سيدي‪ ،‬أنت تدرك أنه بسيفك الممسك بهذه الطريقة‪ ،‬ال‬
‫»‪.‬يمكنك أبًد ا الدفاع عن أي شخص‪ .‬من الغباء من جانبك أن تعتقد ذلك‪ ،‬ناهيك عن تجربتها‬
‫شهق أنتوني‪ ،‬وارتعش وجهه الصغير بشكل مؤلم‪ .‬أنتوني الهادئ‪ ،‬الذي لم يبكي أبًد ا ‪ -‬شقيقها الصغير الذي كان فخوًر ا جًد ا بعمره‪،‬‬
‫‪.‬وربما فخوًر ا جًد ا بأي عمر ‪ -‬أسقط رأسه وسيفه‬
‫للحظات قليلة‪ ،‬لم تستطع آنا أن تقول أو تفعل أي شيء‪ ،‬ألن ثالثة أشياء أزعجتها تماًما‪ ،‬ولم تكن تعرف أيها أزعجها أكثر‪ .‬األول هو‬
‫أن كريستوفر دافنبورت قد أهان للتو شقيقها‪ ،‬وهو طفل يبلغ من العمر عشر سنوات‪ .‬والثاني هو أن كريستوفر دافنبورت كان سيًئ ا‬
‫حًق ا‪ ،‬بعد كل شيء‪ .‬كانت لديها بعض الشكوك حول الموضوع – وهي شكوك لم تعترف بها حتى لنفسها حتى تلك اللحظة – بسبب‬
‫الطريقة التي ضمها بها في المكتبة بنوع من الحنان اليائس‪ .‬والثالث هو أن كريستوفر دافنبورت قد أطلق على شيء صغير أصغر‬
‫!وأضعف منه بكثير لقب "سيدي"‪ .‬سيد‬
‫ربما كان االعتبار األخير هو الذي غرس فيها الجنون الالزم للرد‪ .‬تحركت أمام أنتوني‪ ،‬وفعلت لوسي الشيء نفسه‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫‪.‬إنشاء جدار بينه وبين كريستوفر‬
‫"‪-‬حسًن ا‪ ،‬ما المشكلة‪ "،‬سأل كريستوفر‪ ،‬دون أن يفهم‪" .‬المقبض كان غير صحيح"‬
‫!يصفع‬
‫وكان صوتها أعلى من صوت سقوط األطباق على األرض‪ .‬لقد نسيت آنا أنها كانت خائفة منه؛ لقد نسيت العواقب المحتملة‪ .‬في نوبة‬
‫من الغضب منعتها تماًم ا من استخدام العقل‪ ،‬رفعت ذراعها اليمنى‪ ،‬وبكل قوة السخط المقدس الذي أثاره هذا الحدث األخير ودعمته‬
‫بإهانات الماضي‪ ،‬صفعته بشدة لدرجة أن رأس كريستوفر بقي كما هو‪ .‬إلى الجانب لبضع لحظات‪ .‬بدأت آثار األصابع الخمسة‬
‫‪.‬تظهر ببطء على خده‪ ،‬كما لو أنه موسوم بالنار‬
‫‪.‬مصدومة‪ ،‬وضعت لوسي يدها على فمها‪ ،‬ومن خلف أخته‪ ،‬نظر أنتوني أيًض ا إلى األعلى بدهشة‬
‫"!صرخت آنا بجانب نفسها‪" ،‬اخرج! اخرج االن! اخرج من منزلي‬

‫قام كريستوفر بتقويم رأسه ونظر في عينيها دون غضب‪ .‬ال‪ ،‬لقد كان باألحرى نوًع ا من االهتمام المندهش‪ .‬وربما ألم مندهش‪ ،‬ال‬
‫عالقة له بالصفعة التي تلقاها للتو‪ .‬واستمرت للحظة واحدة فقط‪ .‬ثم‪ ،‬دون أن ينبس ببنت شفة‪ ،‬انقلب فجأة على كعبيه وذهب إلى‬
‫"المدخل‪ .‬كان على وشك الخروج عندما أوقفه صوت أنتوني الخافت‪" :‬سيدي؟‬
‫أنتوني‪ ،‬ال‪ ." . .‬بدأت آنا‪ ،‬لكنها توقفت بعد ذلك‪ .‬كان من حق شقيقها أن يقول شيًئ ا للرجل الذي سخر منه بحقد ال مبرر له‪ .‬عالوة "‬
‫‪.‬على ذلك‪ ،‬فإن الضرر قد وقع بالفعل‪ :‬وال يمكن أن يصبح أسوأ‬
‫)بالطبع‪ .‬ال يمكن أن يصبح األمر أسوأ من ذلك يا آنا‪ .‬هل تدركين ما فعلته؟(‬
‫لقد دافعت عن أخي الصغير‪ ،‬وهذا ما فعلته‪ .‬أخي الصغير اللطيف الذي ال حول له وال قوة‪ .‬لقد صعدت إلى الجانب‪ ،‬وفعلت لوسي‬
‫الشيء نفسه‪ ،‬تاركة أنتوني على مرأى ومسمع‪ .‬واجه كريستوفر‪ ،‬الذي كان ينتظر عند عتبة الباب‪ ،‬واقًفا منتصًبا بال حراك مثل‬
‫المسلة‪ .‬كان يحمل في إحدى يديه القفازات التي لم يرتدها بعد‪ .‬لقد كانت بيضاء تماًما وأنيقة تماًما‪ .‬تماما دون مزقت‪ ،‬كما هو الحال‬
‫‪.‬في كل شيء عنه‬
‫‪.‬حدقت عيون أنتوني الواضحة في عينيه‬
‫طفل مسكين‪ .‬اعتقدت آنا أنه لن ينسى قريًبا هذا اإلذالل‪ .‬عندما يكون األلم ال مفر منه‪ ،‬يمكن أن يكون االنتظار طويًال للغاية‪،‬‬
‫وأصابعها متوترة كما لو كانت تحضر عصير الفاكهة الطازج‪ .‬من المحتمل أن يقول بعض الجمل الطفولية المثيرة للشفقة والتي‬
‫‪.‬ستؤذيه أكثر‬
‫مرت بضع ثواٍن ‪ ،‬بضع ثواٍن بدت وكأنها ساعات‪ .‬ولكن أخيًر ا‪ ،‬تحدث الصبي الصغير الغريب‪ .‬وبصوت واضح وبدون أي أثر‬
‫‪".‬للخوف قال‪" :‬أأذن لك بالزواج من أختي إذا أردت‬
‫‪.‬لبضع لحظات مأل الصمت التام الغرفة‬
‫‪.‬وبدا أنه حتى الريف صمت‪ ،‬حتى األشجار والطيور على األغصان قررت فجأة أن تصمت‬
‫ثم انفجرت لوسي بالضحك‪ .‬لقد كان ضحًك ا ال يمكن السيطرة عليه‪ ،‬وحاولت قمعه دون جدوى‪ .‬كان فم آنا مفتوًح ا ولم تستطع‬
‫‪.‬إغالقه‪ .‬نظرت إلى صديقتها بعينين زجاجيتين‪ ،‬غير قادرة على النطق بكلمة أو فكرة‬
‫ظل كريستوفر ساكًن ا‪ ،‬وأصبحت عالمة الصفعة واضحة أكثر فأكثر على وجهه‪ .‬تجاهل الفتاتين واتجه نحوهما‬

‫»‪.‬أنتوني‪ .‬قال‪« :‬سيدي‪ ،‬إذا أتيت معي إلى الخارج‪ ،‬فسوف أعلمك كيف تمسك السيف‬
‫‪.‬وقبل أن تتمكن أخته من فعل أي شيء على اإلطالق‪ ،‬ركض أنتوني إلى جانب كريستوفر‪ ،‬وغادر االثنان الغرفة مًعا‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪11‬‬
‫‪.‬الزواج يبسط حياتنا ويعقد يومنا‬
‫إدموند روستاند ‪-‬‬
‫‪.‬نظر كريستوفر إلى الخريطة أمامه وتنهد‬
‫‪ DeMercy‬أثناء الليل حقل يقع إلى الغرب من النهر في ملكية‬
‫تم تدميرها بالنيران‪ .‬في البداية اشتعلت النيران في الحظيرة‪ ،‬ثم انتقلت النار نحو الحبوب الجاهزة للحصاد‪ .‬لم يكن الحريق الكبير‬
‫الذي كان كريستوفر يأمل فيه‪ .‬لقد ذهب إلى هناك على ظهور الخيل في ذلك الصباح والحظ أن األضرار كانت محدودة‪ .‬أفضل من‬
‫ال شيء‪ ،‬على أية حال‪ ،‬والتوقف أمام البقايا المحترقة هناك مأله بإعجاب راٍض ‪ .‬كانت عائلة المزارعين الذين عملوا هناك ‪ -‬والذين‬
‫عملوا هناك ‪ -‬تنظر إلى نفس المشهد‪ .‬كان المزارع النحيل ذو الشعر األشعث القذر يبكي‪ .‬وكانت زوجته بجانبه‪ ،‬وكانت تحمل طفلة‬
‫صغيرة من يدها‪ .‬نظرت الزوجة والفتاة حولهما‪ ،‬بال مشاعر‪ ،‬لكنه – رب األسرة – لم يستطع أن يمنع بكاءه‪ .‬برأسه منخفض‪ ،‬مسح‬
‫دموعه بذراعه‪ .‬الطفلة الصغيرة‪ ،‬التي ربما كانت في الخامسة من عمرها‪ ،‬أمالت رأسها وهي تتأمل وجه والدها‪ ،‬حيث اختلطت‬
‫‪.‬الدموع بالسخام‬
‫مع رعشة غير عقالنية‪ ،‬أمسك كريستوفر منفضة سجائر من مكتبه وألقاها على الحائط‪ ،‬مما أدى إلى تحطيمها‪ .‬ثم أنزل رأسه‬
‫ووضع يديه على جبهته‪ ،‬وفرك صدغيه بإصبعيه السبابة ببطء‪ .‬يا إلهي‪ ،‬كم سنة مضت وهو يسعى لتحقيق هدفه دون أن يأخذ أي‬
‫‪.‬راحة؟ من المؤكد أنه ال يستطيع التوقف اآلن‪ ،‬لكنه كان يود أن يفعل ذلك‪ ،‬على األقل لمدة خمس دقائق‬
‫‪.‬كان هناك طرق على الباب‬

‫"‪.‬ادخل"‬
‫"‪.‬ظهر ماثيو في المكتب‪" .‬أنت تعلم أن هناك جرًس ا صغيًر ا إذا كنت تريد االتصال بشخص ما‬
‫"همم؟"‬
‫"‪.‬هذا الشيء الذي كسرته‪ ".‬أومأ برأسه في اتجاه قطع الزجاج‪" .‬إذا قرعت الجرس الصغير‪ ،‬فسوف يأتي شخص ما على أية حال"‬
‫‪.‬وهذا هو سبب مجيئك إلى هنا لتخبرني أال أكسر الحلي؟" بادر"‬
‫"‪.‬أجاب ماثيو‪" :‬ال‪ ،‬ألعطيك بعض األخبار المهمة يا ابن العم الغبي"‪" .‬لقد خطب دانييل ديميرسي هذا الصباح‬
‫أوه‪ ،‬الجحيم الدموي‪ .‬كان فم كريستوفر ملتوًيا‪ .‬اللعنات! لقد تصرف بحماقة شديدة‪ .‬بطبيعة الحال‪ ،‬كان ينبغي عليه أن ينسى أمر‬
‫‪.‬اآلنسة إدواردز بعد ظهر ذلك اليوم قبل أربعة أيام‪ .‬واآلن بعد أن فكر في األمر‪ ،‬كان خده ال يزال يؤلمه‪ ،‬وكان يفركه بال تفكير‬
‫بعد الصفعة‪ ،‬أخذه ذلك الشاب الصغير ذو الشعر البني على عجل نحو حديقة الخضروات في الخلف ("أسرع يا سيدي‪ ،‬وإال‬
‫سيلحقون بك!")‪ ،‬حيث التقى بالسيد تشامبيون والرجل العجوز‪ - .‬لكنه لم يكن بهذا العمر‪ ،‬ولم يتجاوز الخامسة والخمسين من عمره‪،‬‬
‫رغم أنه بدا أكبر سًن ا بكثير ‪ -‬استقبل كريستوفر بابتسامة ملتوية على وجهه اللطيف‪ .‬عند وصولها الهثة‪ُ ،‬منعت آنا من الصراخ‬
‫بحضور والدها‪ ،‬وتمكن كريستوفر من تعليم أنتوني بعض أساسيات المبارزة بالسيف دون انقطاعات مزعجة‪ .‬كان هذا الرجل‬
‫الصغير ذكًيا جًد ا‪ ،‬هكذا فكر اآلن وهو يبتسم‪ .‬يا له من مؤسف أن لديه مثل هذه األخت الحمقاء‪ .‬وربما كان هذا هو السبب وراء‬
‫‪. . .‬سعيه اليائس لتزويجها‬
‫تالشت االبتسامة على شفتيه وهو ينظر إلى ماثيو‪ .‬واعترف بأن احتمال زواج دانيال من اآلنسة إدواردز كان مدعاة للقلق‪ .‬الرغبة‬
‫‪. . .‬في إذالل اآلنسة تشامبيون تخاطر بتأخير خطته‪ .‬اللعنة‪ ،‬كان عليه أن يجعل لوسي تقع في حبه وبدًال من ذلك‬
‫‪".‬قال وهو يتنهد مستسلًما‪" :‬أعتقد أن دانيال سوف يتزوج لوسي إدواردز‬
‫كريس‪ ،‬دعني أهيئ المشهد‪ ،‬بدًال من القفز إلى استنتاجات متسرعة‪" .‬لذا‪ ،‬كما كنت أقول‪ "،‬تابع ماثيو بهدوء‪ ،‬متجاهًال النظرة التي "‬
‫وعدت أمامه أنه لن ُيقتل إال بعد تعذيب بطيء‪" ،‬كنت أقول إنه من المحتمل أن النار التي أشعلناها الليلة الماضية أشعلت نارهم‪.‬‬
‫عصبية‪ ،‬ألن جاسوسنا أخبرني أن هناك قتااًل مروًع ا بين والدك ‪ -‬بين ليوبولد ودانيال هذا‬

‫‪.‬صباح‪ .‬وكما تعلم‪ ،‬كان ليوبولد دائًما يؤيد زواج دانيال من اآلنسة إدواردز‬
‫"‪.‬أمسك كريستوفر رأسه بين يديه‪" .‬القرف‬
‫‪.‬انتظر‪ ،‬فاألفضل لم يأت بعد‪ ".‬توقف مؤقًت ا بشكل مؤكد‪ ،‬ال يبدو أنه يريد االستمرار"‬
‫في مفاجأة صادقة‪ ،‬تساءل كريستوفر كيف يمكن أنه لم يقتله بعد بعد مرور عشرين عاًما‪ .‬من وقت آلخر كان يريد ذلك‪ ،‬في أعماقه‪.‬‬
‫‪.‬وبالنظر إلى وجهه الراضي عن نفسه‪ ،‬اعتقد كريستوفر أن اللحظة ربما قد حانت‬
‫"لذا؟" انه تنهد‪" .‬هل ستخبرني‪ ،‬أم سأضطر إلى انتزاع ابتسامتك بينما أقتلع لسانك؟"‬
‫ابتسم ماثيو‪" .‬لقد قرر دانيال تجاهل تعليمات والده يا كريس!" كشف كل شيء في نفس واحد‪" .‬وهذا الصباح أعلن أنه مخطوب لفتاة‬
‫"‪...‬أخرى‪ ،‬فتاة قبيحة‪ ،‬بحسب ليوبولد‪ ،‬مثل‬
‫قال كريستوفر وهو ينهي جملته‪" :‬أفترض أنها حمار حمار"‪ .‬لقد شعر باالرتياح‪ ،‬ولكن ليس تماما؛ كان بحاجة لمعرفة المزيد‪" .‬كم‬
‫"تبلغ ثروة هذه الخطيبة؟‬
‫»‪.‬هذا هو الجزء األفضل‪ :‬إنها مفلسة تماًم ا‪ .‬وهي في متناول يدك بالفعل‪ ،‬ألنك اشتريت سنداتها اإلذنية منذ بضعة أيام"‬
‫‪.‬توقف كريستوفر عن التنفس‬
‫وخلص ماثيو إلى القول‪" :‬سوف يتزوج من آنا شامبيون"‪" .‬لكنني أراهن أنك تعرف بالفعل‪ .‬لهذا السبب كنت عليها منذ البداية‪ .‬أليس‬
‫‪.‬كذلك؟ لقد جعلتني أذهب حًقا هذه المرة‬
‫‪.‬بابتسامة متوترة على وجهه‪ ،‬لم يقل كريستوفر شيًئ ا‬
‫مرتبط ‪ . . .‬أنا مخطوبة‪ .‬كررت آنا ذلك مرارا وتكرارا‪ ،‬في محاولة إلقناع نفسها بذلك‪ .‬هل هذا هو الشعور عندما يتحقق الحلم؟‬
‫حاولت أن تفهم ارتباكها ذلك الصباح‪ ،‬باحثة عن تحليل التطورات‪" .‬الحدث"‪ ،‬عرض زواج من الرجل الذي كانت تتمناه‪ ،‬والذي‬
‫اعتقدت أنه حلم مستحيل‪ ،‬أصابها بالذهول‪ .‬نعم‪ ،‬مذهول‪ ،‬لست سعيًد ا أو متحمًس ا – كان ذلك قادًما اآلن – ولكن‬

‫مذهولة‪ ،‬ألنه كيف بحق السماء كان من الممكن أن يكون دانيال قد أحبها؟ وكيف كان يفتقدها كثيرًا في األيام السابقة حتى أنه كان‬
‫يطرق بابها ويرمي بنفسه عند قدميها ويطلب منها الزواج؟‬
‫ملكة جمال البطل؟ هل ستتزوجني؟" أحنى دانييل رأسه الجميل ذو الشعر البني الفاتح إلى األسفل وقبل يدها بهدوء‪ .‬بدت عيناه ذات"‬
‫‪.‬اللون األخضر الداكن — المفتوحة على مصراعيها‪ ،‬والمشرقة‪ ،‬والحقيقية — أكثر جمااًل في ضوء الصباح‬
‫لم تكن آنا قادرة على االستمتاع باللحظة بشكل مكثف ألن العاطفة التي شعرت بها كانت عميقة ومفهومة في آن واحد مقارنة بعاطفة‬
‫‪.‬األيام السابقة‪ ،‬والتي كانت عنيفة وسخيفة للغاية لدرجة أنها استنزفتها من كل عقالنية‬
‫"‪-‬مسحت صوتها‪" .‬السيد‪ .‬ديميرسي‬
‫‪.‬دانيال‪ ،‬من فضلك‪ .‬اتصل بي دانيال‪ ،‬آنا"‬
‫آه‪ ،‬الحنان الذي نطق به اسمها كان كذلك‬
‫‪.‬مختلف عن صوت الرجل الذي بصق عليها في حالة من الغضب‬
‫دانيال‪ "،‬بدأت محرجة‪" ،‬أنت تعلم أن عائلتي ليس لديها أي عائلة"‬
‫"‪.‬حسنا‪ ،‬ليس لدي‪" . . .‬ليس لدي أي مهر على اإلطالق‪ ،‬دانيال ‪. . .‬‬
‫ال حاجة للقلق بشأن ذلك‪ ".‬للحظة فكرة أظلمت وجهه‪ .‬أجاب بنبرة خائفة‪" :‬آنا‪ ،‬يجب أن أعترف بشيء ستكتشفه قريًبا‪ .‬أنا لست "‬
‫آسف‪ ،‬ولكن لسوء الحظ ال أستطيع مساعدته‪ .‬وأنا أقدم لك اعتذاري مقدما‪ .‬فرك جبهته بشكل غير مريح‪" .‬لم يوافق والدي على‬
‫زواجنا‪ ،‬إذا قبلت عرضي‪ .‬وربما سيحاول أن يجعلني أدفع ثمن ذلك‪ .‬ولكن لدي دخل جيد من والدتي‪ ،‬والذي أنوي استخدامه لدعمك‬
‫و‬
‫‪.‬أحبائك‪ .‬ليست هناك حاجة للمهر على اإلطالق من جانبك‬
‫عمق هذه البادرة يعكس عمق قلبه وعمقه‬
‫‪.‬مشاعر لها‪" .‬ال أستطيع أن أسمح لك أن تتصادم مع والدك بسببي!" احتجت بفزع‬
‫هز دانيال كتفيه بال مباالة‪" .‬لن تكون هذه هي المرة األولى على أي حال‪ .‬بجانب ذلك ‪ ." . .‬قال وهو يخفض رأسه بخجل‪" :‬الحياة‬
‫‪".‬لن تكون جديرة بالعيش إذا لم يتمكن المرء من محاربة األسياد السيئين واآلباء السيئين‬
‫نظرت آنا إليه وشعرت أنها تحبه‪ .‬كيف ال يمكنها ذلك؟ لقد كان كل ما كان صادًقا وعادًال وصالًح ا‪ .‬لقد كان رجًال يتبع ضميره دائًما‪،‬‬
‫‪،‬حتى في حاالت الخسارة الشخصية – في الحب وفي الحرب‪ .‬وفي حالة روثرهام‪ ،‬فكرت آنا بابتسامة – رغم ذلك‬

‫كما ذّك رت نفسها‪ ،‬لوال مناوراتها البسيطة للتسلية‪ ،‬لكانت روزماري ستظل طليقة وغير مشغولة بسعادة‪ .‬لكن هذا لم يكسر القاعدة‬
‫العامة‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫آنا‪ ،‬لقد عرفت أنني أحببتك منذ عدة أشهر‪ .‬لقد كنت جباًن ا ألنني لم أتقدم من قبل‪ ،‬وآمل أن تسامحيني‪ .‬هل أنا أحمق عندما أعتقد أن "‬
‫مشاعري قد تكون متبادلة؟ الحقيقة هي ذلك‪ ." . .‬توقف‪ ،‬محرًج ا‪ ،‬وأصبحت ابتسامته ابتسامة طفل صغير‪ ،‬منزعًج ا ولكن لطيًف ا‪.‬‬
‫"‪".‬الحقيقة هي أنه منذ المرة األولى التي رقصنا فيها مًع ا ‪ -‬حتى قبل أن تدوسي على قدمي للمرة العاشرة ‪ -‬وقعت في حبك‬
‫سألت آنا نفسها‪ ،‬أليس هذا هو إعالن الحب األكثر رومانسية في العالم؟ قالت وهي تضحك وتحاول إخفاء انفعالها‪" :‬لدي أسلحة ال‬
‫‪ُ".‬تهزم‬
‫‪.‬لم يقل دانييل شيًئ ا وانتظر‬
‫‪.‬اه بالطبع‪ .‬االجابة‪ .‬كان من المفترض أن تجيب‪ ،‬أليس كذلك؟ "هل تحبينني يا آنا؟ هل ستتزوجني؟" سأل دانيال‬
‫فهل هذا هو الحب إذن؟ هذا الهدوء‪ ،‬هذا السالم‪ ،‬هذه الثقة‬
‫كل شيء سيحدث لألفضل؟‬
‫وكان من الواضح أنها تحب هذا الرجل؛ لقد كان دائًم ا هو المفضل لديها‪ ،‬ولم تكن تحلم به إال لمدة ثالثة أشهر‪ ،‬حتى لو أنها لم تفكر‬
‫فيه كثيًر ا بصدق خالل األسبوعين األخيرين‪ ،‬ألنها كانت مشغولة جًد ا بشتم السيد دافنبورت‪ .‬لقد أخذ الفارق المذهل بين الرجلين‬
‫أنفاسها‪ :‬بدا دانييل ديميرسي وكأنه عمالق مقارنة بالبائس والمحتقر والعنيف كريستوفر دافنبورت‪ .‬كان دانيال لطيًف ا وساخًر ا وقادًر ا‬
‫على الشعور بالفرح الطفولي؛ كان حماسه صادقا‪ ،‬وكان قلبه شفافا‪ .‬لقد كان مختلًفا تماًما عن السيد اآلخر‪ ،‬الذي بدا حتى في حضور‬
‫أنتوني قبل أيام قليلة غير قادر على تحرير نفسه من قسوته الغريبة‪ .‬في تلك المناسبة كان قد خلع سترته في شمس الظهيرة‪ ،‬ومد‬
‫ذراعه‪ ،‬وأمسك بسيف أنتوني الخشبي كما لو كان األمر خطيًر ا وليس لعبة‪ .‬حاول أنطوني تقليده بنفس نظرة الجدية على وجهه‬
‫‪.‬الطفولي‬
‫‪.‬لقد أصاب المشهد آنا بالشلل‬
‫‪.‬لم تعد تفكر بذلك أبًد ا‪ .‬ويجب أال يحدث ذلك مرة أخرى أبًد ا‬
‫لقد أدركت أن كريستوفر كان بمثابة شخصية ذكورية قوية‪ ،‬ولكن ماذا‬
‫كانت عائلتها بحاجة إلى شخصية لطيفة وكريمة وصادقة مثل الشخص الذي أمامها‪ .‬كان العالم مليًئ ا بالسادة السيئين‪ ،‬كما قال دانيال؛‬
‫هي‬

‫‪.‬سيبقيهم بكل سرور بعيًد ا عن األطفال األبطال حتى ال يصبحوا في وضع يسمح لهم بالتعرض للخطر‬
‫"هل تتزوجيني يا آنا؟"‬
‫سمعت آنا أصوات أنتوني ودينيس في الردهة‪ ،‬وأدركت أنه لم يعد لديها المزيد من الوقت‪ .‬ولحسن الحظ أنها كانت متأكدة من‬
‫‪.‬اختيارها‬
‫‪ . . ".‬دانيال"‬
‫"‪.‬كان من المستحيل أال أحبه‪ .‬سأتزوجه‪ ،‬قررت‪ .‬فأجابت‪" :‬نعم يا دانيال"‪" .‬سوف اتزوجك‬
‫استمع كريستوفر إلى ماثيو دون أن يتأثر قبل أن يطلب منه مغادرة غرفته‪ .‬نظر إليه ابن عمه بنظرة متشككة‪ ،‬وتردد لبضع لحظات‪،‬‬
‫‪.‬لكنه في النهاية ابتعد‪ .‬لقد عرفه جيًد ا بما يكفي ليعرف متى يكون من األفضل تركه وشأنه‬
‫جلس كريستوفر على حافة مكتبه وفي يده كأس من الويسكي‪ .‬لقد وصلت أخيرًا إلى دائرة كاملة‪ ،‬أليس كذلك؟ كان يعتقد أنه يتوقع أن‬
‫يشعر بالرضا‪ .‬كانت التطورات التي نقلها ماثيو مثالية‪ :‬كانت آنا الزوجة المثالية لدانيال‪ ،‬ألنها كانت فقيرة بما يكفي لعدم تهديد‬
‫خطته‪ .‬وكان الشيء المميز في الجزء العلوي من الكعكة هو أن ليوبولد لم يكن على استعداد لهذه المشاركة‪ .‬قال في نفسه‪ :‬لو تم‬
‫تكليفي باختيار زوجة لهذا المهرج‪ ،‬لم يكن بإمكاني حتى أن أقوم بعمل أفضل‪ .‬إنها مثالية‪ ،‬مثالية ببساطة‪ .‬أخذ جرعة كبيرة من‬
‫زجاجه‪ .‬أدرك أن هذه هي الطريقة التي تعتقد بها آنا أنها ستحقق الثراء‪ ،‬وهو يبتسم بسخرية‪ .‬لم يكن دانيال ثرًيا في الواقع‪ .‬ستكتشف‬
‫‪.‬قرر أنني يجب أن أقدم لها التهنئة ‪ DeMercy.‬ذلك عندما يأخذ كل شيء من عائلة‬
‫وقف وخرج بسرعة من الباب‬
‫"‪.‬آنا‪ ،‬يجب أن تعلمي أن مقابلة والد خطيبتك هو اختبار مروع حتى بالنسبة للقلب األكثر محبة"‬

‫عاد دانيال إلى منزلها بعد ظهر ذلك اليوم ليخبرها عن مواجهته مع ليوبولد‪ ،‬ولكن بشكل خاص ليطلب يد آنا رسمًيا للزواج من السيد‬
‫تشامبيون‪ .‬لم تستطع آنا إال أن تضحك على نظراته القلقة‪ .‬فأجابت‪" :‬ال تخف يا دانيال"‪" .‬سأتحدث معه أوًال ثم سأتصل بك‪ .‬عالوة‬
‫على ذلك‪ ،‬فإن والدي ليس سيًئ ا للغاية؛ سيتحدث معك عن الطماطم والبصل ‪ -‬باختصار‪ ،‬أي شيء يتعلق بحديقته النباتية ‪ -‬وإذا أثبتت‬
‫‪.‬أنك على دراية بالبستنة‪ ،‬فسوف يمنحك يدي‬
‫وهذا من المفترض أن يهدئني؟ أجاب‪" :‬أنا مرعوب أكثر"‪ ،‬وقد نظر إلى األمر حًق ا‪" .‬لكن يا آنا‪ . . .‬هل يمكنك أن تقدم لي القليل "‬
‫"من المساعدة؟‬
‫حسنا‪ ،‬هذا لن يكون عادال‪ .‬ولكن إذا أصررت ووعدتني بأنني سأستخدم هذا ضدك في المستقبل‪ ،‬فسأحاول اقتراح اإلجابات "‬
‫‪.‬الصحيحة‬
‫"‪.‬استخدامه ضدي؟ أنت رائعتين للغاية"‬
‫ابتسم لها بمحبة‪ ،‬ونظرت آنا إلى األسفل‪ ،‬واحمرت خجًال بسبب ما قرأته في نظرته‪ .‬وضع يده بلطف تحت ذقنها‪ ،‬ثم اقتربت شفتيه‬
‫‪.‬من شفتيها بحنان‬
‫تلك اللحظة التي طال انتظارها وحلم بها طويال؛ ذلك الوجه الجميل الحنون؛ تلك العيون الخضراء‪ ،‬التي نظرت إليها بشكل مشرق‬
‫للغاية‪ .‬اقترب دانييل أكثر‪ ،‬وأغلقت آنا عينيها‪ ،‬مستعدة لتذوق كل لحظة ‪ -‬وتأمل أال تفتقر إلى أي شيء تحتاجه لتصبح قبلتها األولى‬
‫‪.‬الحقيقية‬
‫"انفتح الباب األمامي لمنزل األبطال فجأة‪ ،‬وخرج أنتوني وركض نحوه‪" .‬السيد‪ .‬دافنبورت! استقبله‪" .‬هل تبحث عن أختي؟‬
‫"أجاب وهو ينزل من حصانه‪" :‬يمكنك أن تناديني كريستوفر"‪" .‬نعم‪ ،‬أنا أبحث عن أختك‪ .‬هل هي في المنزل؟‬
‫"‪.‬هز أنتوني رأسه‪" .‬ال‪ ،‬لقد خرجت‬
‫"هل تعرف أين ذهبت؟"‬
‫"‪.‬ال‪ .‬لقد جاء هذا الرجل األنيق مرة أخرى"‬
‫‪.‬هل ذهبت مع ذلك الرجل؟" قال فجأة"‬
‫‪،‬ال‪ ،‬لقد ذهب بمفرده مسبًق ا‪ .‬اختفت آنا بعد فترة وجيزة"‬
‫‪،‬وأعتقد أنها مختبئة في مكان ما لتضحك أو تبكي‪ .‬أنت تعرف‬

‫»‪.‬إنها تفعل ذلك أحياًن ا يا سيدي‬


‫أفهم‪ ".‬عاد إلى حصانه بسرعة‪" .‬جيد‪ ،‬اآلن ال بد لي من ذلك"‬
‫‪.‬قل وداعا‪ ،‬أنتوني‬
‫‪".‬هل ستعود يا سيدي؟" "كريستوفر"‬
‫"‪.‬هل ستعود يا كريستوفر؟" "يمكنك االعتماد عليه"‬
‫دخلت آنا الحديقة السرية ‪ -‬حديقة لوسي ولها ‪ -‬وهي تنظر بحنين إلى األفخاخ المهجورة التي نصبوها منذ سنوات عديدة لحماية‬
‫مساحتهم الخاصة‪ .‬دلو ماء صدئ معلق على شجرة الكرز‪ ،‬فارغ وبال حياة‪ .‬وبالقرب منه تمثال خشبي عليه رسم فظيع‪ ،‬على األقل‬
‫كان فظيًع ا؛ كان له فم برتقالي‪ ،‬وعينان صفراء‪ ،‬وجسم أحمر ‪ -‬وقد أصبح اآلن باهًت ا‪ ،‬مجرد ظل مثير للشفقة للوحش الذي كان من‬
‫المفترض أن يخيف أي زائر متهور‪ .‬على األرض كان هناك حبل مربوط بجرس مخبأ في مكان بعيد بين األدغال‪ .‬ضحكت وحاولت‬
‫‪.‬سحبها‪ .‬لن يرن الجرس‬
‫‪.‬اليوم يمكن ألي شخص أن يغزو مملكتنا‪ ،‬لوسي‪ ،‬فكرت بأسف‪ .‬لحسن الحظ أن سمعة هذا المنزل تبعد حتى األكثر شجاعة‬
‫ومع ذلك‪ ،‬لم يبقها ولوسي بعيًد ا عن بعضهما البعض‪ ،‬على اإلطالق‪ .‬عندما كانوا أطفااًل ‪ ،‬كانوا يقتربون من المنزل المسكون ببطء‬
‫شديد‪ ،‬بعد أن أصبحوا على دراية بالحديقة المدمرة‪ ،‬والنوافذ المكسورة‪ ،‬والمصاريع المحطمة‪ .‬لم يدخلوا المنزل‪ ،‬وقد حدث ذلك‬
‫مرات قليلة فقط؛ وبدًال من ذلك‪ ،‬سيبقون في الخارج‪ ،‬في الحديقة‪ ،‬في زاوية صغيرة خاصة بهم‪ ،‬في مساحة خضراء واسعة حيث‬
‫‪.‬يصبحون بطريقة سحرية جنيات وأميرات وساحرات شريرات‬
‫ذهبت إلى تلك الزاوية اآلن‪ .‬بدا أصغر بكثير مما تتذكره‪ .‬جلست تحت شجرة التوت التي استقبلتها بأغصانها الودية في ظل حرارة‬
‫الظهيرة التي ال تطاق‪ .‬كم من الوقت مضى منذ أن كانت في هذا المكان؟ لم تكن تعرف‪ .‬بالتأكيد أشهر عديدة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬عندما كانت‬
‫طفلة‪ ،‬لم تدع أسبوًع ا يمر دون الذهاب إلى هناك‪ .‬كان كل شيء بسيًط ا جًد ا في ذلك الوقت‪ .‬جلست على العشب‪ ،‬ممسكة بجسدها‬

‫ركبتيها بين ذراعيها‪ ،‬وتقول لنفسها إن الحياة تجبرنا أحياًن ا على اتخاذ خيارات البالغين‪ .‬وفكرت في االختيار الذي اتخذته في ذلك‬
‫‪.‬اليوم بالذات‬
‫من المؤسف أن اآلنسة تشامبيون ليست في المنزل‪ ،‬فكر كريستوفر‪ ،‬ويبدو أن ال أحد يعرف في أي حفرة جهنمية يمكن العثور‬
‫‪.‬عليها‪ .‬شعر باإلحباط الشديد‪ ،‬فأخذ الطريق وغادر‪ ،‬مبتعًد ا بسرعة عن المنزل المبني من الطوب األحمر‬
‫أين ذهبت أيتها الفتاة اللعينة؟ تساءل‪ .‬أريد فقط أن أهنئكم‪ .‬لقد كان صحيًح ا‪ :‬لقد كان يرغب كثيًر ا في أن يقدم لها أطيب تمنياته‪ .‬كان‬
‫‪.‬من الممكن أن يكون ذلك تصرًف ا مؤدًبا للغاية‪ ،‬وكان سيستمتع كثيًر ا برؤية وجهها‪ ،‬مغروًر ا باحتمال زواج مهم للغاية‬
‫‪.‬ابتسم في ترقب قاس‬
‫واصل ركضه في الطريق المطروق كما لو كان الشيطان يتبعه‪ ،‬ولم يلق سوى نظرة خاطفة على المنزل المسكون‪ ،‬ويمر أمامه مثل‬
‫صاعقة البرق‪ .‬ترددت كلمة لوسي في ذهنه مراًر ا وتكراًر ا‪" :‬هذا هو منزل القرية القديم المسكون‪ .‬جميع األطفال يشعرون بالرعب‬
‫‪”.‬من ذلك‪ ،‬ويقول الكثيرون إنهم يسمعون صرخات مروعة قادمة من هناك‬
‫واصل تحفيز الحصان‪ ،‬والتحرك بسرعة إلى األمام مباشرة‪ .‬وقال صوت لوسي مرة أخرى‪ ،‬بخاتم صناعي كان مسلًيا سًر ا‪« :‬بالطبع‬
‫‪.‬أنا خائفة‪ ،‬مثل الجميع‪ .‬أنا دائما أحافظ على مسافة منه‪ ،‬كما تعلمون‬
‫‪.‬قام بسحب الزمام بقوة‪ ،‬وتوقف الحصان في لمح البصر‬
‫‪.‬أنا دائما أحافظ على مسافة‪ ،‬كما تعلم‬
‫‪.‬بقي بال حراك في منتصف الطريق تحت الشمس‬
‫‪.‬بالطبع أنا خائف‪ ،‬مثل الجميع‬
‫أدار الحصان وعاد في االتجاه اآلخر بسرعة الريح‪ .‬وصل إلى البوابة الصدئة‪ ،‬وتوقف‪ ،‬ونزل عن حصانه‪ .‬نظر إلى الطريق‬
‫‪.‬المؤدي إلى المنزل المتهدم‪ ،‬والمحاط بشجيرات تنمو بشكل كبير‬
‫‪.‬بيت السحرة‬
‫‪.‬آنا شامبيون‪ ،‬أعلم أنك هناك‬
‫تحت الشجرة‪ ،‬وجدت آنا الجرس القديم‪ .‬لقد كان يفتقد المصفق ولم يعد يرن‪ .‬كان لديها ارتعاشة من القلق‪ ،‬لكن ذلك كان طبيعيا‪.‬‬
‫عندما كانت هي ولوسي فتاتين صغيرتين‪ ،‬تجنبتا الذهاب إلى ذلك المكان عندما كانا بمفردهما‪ .‬كان بإمكانهما مًع ا التغلب على العالم‪،‬‬
‫لكن عندما كانا لوحدهما‪ ،‬انجذبتا لنفس الخرافات السخيفة التي يعتقدها المزارعون ‪ -‬حتى لو لم يعترفوا بذلك أبًد ا‪ ،‬وال حتى لبعضهم‬
‫‪.‬البعض‬
‫هزت آنا رأسها وهي تضحك على نفسها‪ .‬لم تعد طفلة بعد اآلن‪ ،‬وبعد ظهر هذا اليوم كانت بحاجة إلى أن تكون بمفردها وأن تفكر‪.‬‬
‫‪.‬وأن يهدأ‬
‫ألن قبلة دانيال كانت ‪ . . .‬ممتاز‪ .‬كانت تلك القبلة التي تخيلتها ماليين المرات‪ ،‬مما جعلها عاجزة عن الكالم‪ .‬كان األمر كما تخيلته‬
‫تماًم ا‪ :‬اقتربت شفتاه ببطء‪ ،‬وعلى استحياء؛ لقد خدش شفتيها بلطف ثم أبعدهما فجأة‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬كما لو أنهما لم يعد بوسعهما االبتعاد‬
‫أكثر‪ ،‬المست شفتاه شفتيها مرة أخرى‪ ،‬بجرأة أكبر‪ ،‬وأكثر ثباًت ا‪ ،‬وعذوبة ال متناهية‪ .‬أخيًر ا التقى لسانه بلسانها اللطيف والفضولي‪،‬‬
‫‪.‬ووجد مساحة داخل فمها المفتوح قليًال‬
‫‪.‬القبلة المثالية‬
‫‪.‬أحلى قبلة يمكن تخيلها‬
‫هل هذا هو الشعور عندما تتحقق الرغبة؟‬
‫كان دانييل قد ابتعد عنها‪ ،‬وحدقت فيه آنا‪" .‬دانيال‪ "،‬تمتمت‪ .‬هناك أمامها‪ ،‬كانت عيناه جميلة جًد ا‪ ،‬سعيدة جًد ا‪ ،‬ومحبة جًد ا‪ .‬خفضت‬
‫‪.‬وجهها وأخذت يده‪ .‬كانت هادئة قليال‪ .‬ثم رفعت رأسها‪ .‬تحطم قلب دانيال عندما رأى تعبيرها‬
‫"‪.‬دانيال‪ "،‬همست والدموع تتساقط على وجهها‪" ،‬سامحني إذا استطعت‪ .‬ال أستطيع أن أتزوجك يا دانيال‪ . . .‬أنا ال أحبك"‬
‫دخل كريستوفر الحديقة‪ ،‬وداس على العصي ولم ينتبه للقمامة‪ .‬دلو يتأرجح على حبل من شجرة كما لو كان معلًق ا‪ .‬ذهب في هذا‬
‫‪.‬االتجاه‬

‫كانت نملة تسير ببطء على إحدى ساقي آنا‪ ،‬مستفيدة من وضعية جلوسها‪ .‬ابتسمت آنا في ذلك بعناية‪ .‬قالت‪" :‬لقد حان وقت عودتك‬
‫"‪.‬إلى المنزل يا صغيرتي"‪" .‬وأنا كذلك‬
‫رفعت بلطف ورقة بالقرب منها‪ .‬في البداية لم ترغب النملة الصغيرة في الركوب؛ ثم بدت سعيدة بمالذها الجديد‪ .‬كانت آنا على‬
‫وشك وضعه بأمان‪ ،‬لكن صوت الخطوات الوحشية جعل يدها ترتعش‪ .‬النملة سقطت دون أي خطأ من جانبها‪ .‬استمعت آنا دون أن‬
‫تتحرك‪ ،‬والورقة الميتة في يدها‪ .‬كان أحدهم يدوس دون وعي على األغصان المتساقطة وأنقاض الحديقة‪ .‬في لحظة من الرعب‬
‫‪.‬المجنون‪ ،‬اعتقدت أنه قد تكون هناك ساحرة تمر من هناك لسرقة روحها‪ .‬نهضت فجأة‪ ،‬ممسكة بتنورتها بقوة بين يديها‬
‫‪.‬لوسي‪ ،‬لقد دخل شخص ما حديقتنا‬
‫التفتت نحو الضوضاء ورأت الدخيل‪ .‬للحظة‪ ،‬أصبحت رؤيتها غير واضحة؛ ثم في عينيه الداكنتين الغاضبتين‪ ،‬في وجهه المتقلص‬
‫‪.‬بشكل فظيع‪ ،‬في قبضتيه المغلقتين‪ ،‬رأت مصيرها الرهيب‬
‫"‪.‬تمتم كريستوفر دافنبورت‪" :‬آنا تشامبيون"‪" .‬يا لها من مفاجأة رائعة‬
‫‪.‬وبدون أن تسأل أو تتساءل‪ ،‬هربت آنا‪ ،‬بحًث ا عن الخالص المستحيل‬
‫رأى كريستوفر الوعي الفظيع في عينيها‪ ،‬وتشنج وجهها‪ ،‬والصراخ الصامت في فمها‪ .‬أراد أن يبتسم لها ويقول لها‪" :‬آنا‪ ،‬ال تخافي‪.‬‬
‫‪.‬أريد فقط أن أقدم لك تهنئتي‪ .‬لن ألمسك يا آنا‪ ،‬ولكن عندما هربت هاجمها بقفزة واحدة‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪12‬‬
‫‪.‬الذاكرة هي الجنة الوحيدة التي ال يمكن طردنا منها‬
‫جان بول ريختر —‬
‫لقد سقطوا على العشب جنًبا إلى جنب‪ .‬تمكنت آنا من االبتعاد عنه بالتدحرج جانًبا‪ ،‬وحاولت النهوض عن األرض‪ ،‬لكن دون جدوى‪،‬‬
‫‪.‬حيث قفز كريستوفر عليها ولف ذراعيه حولها‬
‫"!حررني يا سيدي‪ .‬قم بإزالتي في الحال"‬
‫لقد قاتلوا بضراوة في العشب الطويل واألغصان الجافة الميتة‪ .‬وضربته آنا بقبضتيها وخدشت وجهه ورقبته‪ ،‬فسحبت منه الدم‪ .‬كان‬
‫فستانها عبارة عن فوضى مجعدة وظهر بشكل غير الئق على جسدها‪ .‬بدأت في الركل بشكل محموم‪ ،‬لكن ساقيه كانت مثبتة بين‬
‫‪.‬قدميها‪ ،‬فباعدتهما‪ .‬وأخيرًا تمكن كريستوفر من اإلمساك بها من معصميها واإلمساك بذراعيها بينما كان مستلقيًا فوقها‬
‫ماذا افعل؟ سأل نفسه‪ .‬ماذا بحق الجحيم أفعل؟‬
‫‪.‬كان يلهث بشدة‬
‫أرجوك دعنى أذهب!" صرخت‪ .‬كان شعرها أشعًث ا‪ ،‬ووجهها"‬
‫مذهولة وعينيها مفتوحة على مصراعيها‪ .‬تم سحب الفستان الوردي الذي كانت ترتديه إلى ما فوق ركبتيها البيضاء‪ .‬لقد كان ممزًق ا‬
‫وعليه بقع من األوساخ والعشب‪" .‬أتوسل إليك‪ ،‬دعني أذهب يا سيد دافنبورت!" تصدع صوتها وأصبح فجأة طفولًيا للغاية‪ ،‬ورجع‬
‫‪ . . ".‬إلى عصر المخاوف المجهولة‪ .‬كان وجهها مغلقا في كشر فظيع‪" .‬ال تؤذيني‪ . . .‬لو سمحت ‪ . . .‬كريستوفر‬
‫‪.‬لم تعد قادرة على قول المزيد‪ ،‬وبكت بشدة‬

‫أوه‪ ،‬آنا‪ ،‬أنا آسف‪ "،‬تمتم‪ .‬أنزل وجهه إلى تجويف كتفها‪ ،‬وكادت رائحة الخبز والتفاح‪ ،‬وماذا بالضبط؟ "أنا آسف جًد ا"‪ ،‬كرر كالمه "‬
‫وهو يقبل رقبتها ويجعلها تتأوه خائًف ا‪" ،‬لكن ال يمكنني أن أتركك تذهبين"‪ .‬أغمض عينيه بإحكام وابتلع بقوة عدة مرات‪ .‬فكر في أن‬
‫هؤالء األشخاص الملعونين أخذوا مني كل شيء‪ ،‬وأدرك أنه كان على وشك البكاء – كم من الوقت مضى منذ أن بكى؟ ما يقرب من‬
‫‪.‬ستة عشر عاًما – لقد أخذوا مني كل شيء‪ ،‬يا آنا‬
‫لقد شعر بها تتشدد‪ ،‬وهمست بـ "ال" اليائسة التي كانت ناعمة جًد ا لدرجة أنه بالكاد يستطيع سماعها‪ .‬ما كان ال لبس فيه هو صوت‬
‫بكاءها الرقيق‪ .‬جعلت دموعها شعره رطًبا‪ ،‬وازدهر قلبه المكسور النابض بشدة بداخله‪ .‬تنفس كريستوفر بعمق على كتفها‪ ،‬وكان‬
‫دفءها قريًبا جًد ا‪ ،‬وتساءل مرة أخرى‪ ،‬وهو بالكاد يصدق أن ذلك ممكن‪ ،‬يا إلهي‪ ،‬ماذا أفعل؟‬
‫وكانت اإلجابة مرعبة للغاية لدرجة أنه لم يكن لديه الشجاعة لالعتراف بها‪ ،‬ومع ذلك لم يتوقف‪ .‬وفجأة ترك معصميها‪ ،‬ووضع يديه‬
‫‪.‬بين ساقيها‪ ،‬وضغط بوحشية على معظم مناطقها الخاصة‬
‫!ال! سيدي‪ ،‬ال! ال تفعل ذلك بالنسبة لي‪ .‬من فضلك يا كريستوفر"‬
‫بدأت تضربه بشكل هستيري‪ ،‬يائس‪ ،‬على رأسه المخفض‪ ،‬على ظهره‪ ،‬تسحبه وتضربه‪ ،‬لكن كان األمر كما لو أن هذا الرجل لم‬
‫‪.‬يشعر بأي من ضرباتها عندما هاجم جسدها بيديه المسيئتين والقاسيتين‬
‫!دافنبورت! كريستوفر‪ ،‬من فضلك! من فضلك‪ ،‬من فضلك‪ ،‬ال"‬
‫حاولت إيقافه لكن ال فائدة‪ ،‬وسمعت صوت تمزيق القماش‪ .‬تمت إزالة الطبقة األخيرة التي كانت تحميها‪ ،‬وهناك استلقيت بال حماية‬
‫‪.‬ومكشوفة تحته‬
‫‪.‬ال!" صرخت‪ ،‬وكأنها صراخ حيوان‪ ،‬ولم يكن من الممكن التعرف على صوتها وتغير وجهها من الرعب"‬
‫لقد وضع نفسه فوقها بشكل أكثر مباشرة‪ ،‬وسحقها بثقله‪ ،‬بينما صرخت بجنون ومزقت شعره‪ ،‬محاولة سحب رأسه وفمه بعيًد ا‪ ،‬الذي‬
‫‪.‬بدأ في تقبيل وجهها ورقبتها‪ .‬أنزل كريستوفر بنطاله وأمسك بحوضها بعنف‪ ،‬ورفعه لألعلى وسحب فخذها نحوه‬
‫ال تفعل ذلك بي! لو سمحت!" عواء آنا يصل إلى السماء الزرقاء المبهرة‪" .‬كريستوفر! من فضلك‪ ،‬ال تفعل ذلك‪ . . .‬ال!" صرخت "‬
‫بيأس وهي تحاول تحرير نفسها من قبضته الشرسة‪ .‬قامت كريستوفر بفتح ساقيها من خالل رفع ركبتيها في وضع فاحش ال يمكن‬
‫تصوره‪ ،‬وخاص بها‬

‫كانت أجزائها ‪ -‬جسدها األنثوي األكثر حميمية وسرية ‪ -‬مرئية تماًما‪ .‬أضاء ضوء الشمس كل التفاصيل وأظهر كل فارق بسيط في‬
‫‪.‬اللون‬
‫!لطفا يا رب! من فضلك‪ ،‬من فضلك‪ ،‬ال"‬
‫لم يتردد لحظة واحدة‪ ،‬ربما ثانية واحدة‪ ،‬ثانية واحدة فقط‪ ،‬عندما سأل نفسه مرة أخرى‪ ،‬يا إلهي‪ ،‬ماذا أفعل؟‬
‫اقترب الجزء األكثر وحشية من جسده‪ ،‬الذي لم يرحم الصرخات اليائسة أو الصرخات الفظيعة‪ ،‬من فتحة ما كان يبحث عنه‪ ،‬لمسه‬
‫وأحس بدفئه‪ ،‬بينما كانت آنا تتلوى لتتحرر من قبضته‪ .‬من هذا المصير‪ ،‬يتوسل الرحمة‪ ،‬ويكافح كالحيوان حتى الذبح‪ ،‬ويتحول إلى‬
‫‪.‬حالة همجية مثيرة للشفقة‬
‫"!ال! لو سمحت! ال تفعل ذلك بي! ال يمكنك ربما‪ .‬ال أعتقد‪ ،‬ال‪ . . .‬ارجوك ‪ . . .‬من فضلك ال! ال"‬
‫فرفع يده اليمنى وضربها على وجهها‪ ،‬ثم مرة أخرى‪ .‬كان يضرب وجهها ذهاًبا وإياًبا‪ ،‬ومالمحها الناعمة‪ ،‬براحة يده‪ .‬صفع أذنيها‪،‬‬
‫وصدغيها‪ ،‬وخديها‪ .‬صفع آنا‪ ،‬التي كانت في حالة ذهول من قوته‪ ،‬وقوته المتعمدة والمعمية‪ ،‬وتوقفت عن القتال في وابل الصفعات‪،‬‬
‫‪.‬ولم تعد تفهم أي شيء‪ ،‬باستثناء لحظة واحدة‪ ،‬لحظة واحدة من الوضوح‪ .‬للحظة واحدة أدركت أن هذه كانت نهايتها‬
‫‪.‬جذبها كريستوفر نحوه‪ ،‬وأحنى رأسه إلى كتفها‬
‫تمتم‪" :‬لن يأخذوك مني"‪ ،‬وانحنى عليها فجأة واندفع إليها‪ .‬لقد شعر بألم حاد عندما غزا فتحةها الضيقة وغير المجهزة‪ ،‬وكان‬
‫‪.‬بداخلها‬
‫شعرت آنا بألم حاد عندما دخل عليها كريستوفر‪ .‬صرخت مراًر ا وتكراًر ا‪ ،‬ليس من أجل الحصول على شفقة الرجل الذي كان‬
‫يضغط عليها ويمزقها من الداخل‪ ،‬ألنه كان من المستحيل أن يتحرك للشفقة‪ ،‬ولكن ألن األلم كان ال يصدق‪ .‬للحظة ظنت أنها‬
‫‪.‬ستموت‪ ،‬ورحبت باألمر باعتباره نعمة‪ ،‬لكن الموت لم يأت‪ ،‬وكان األلم يعود بقسوة أكبر مع كل دفعة‬
‫اللهم ال! ال! ال ‪ ." . .‬صرخت وتشقق صوتها عدة مرات بسبب آالم الطعن وصراخها الشديد الذي منعها من ذلك"‬

‫‪.‬عمليه التنفس‬
‫الرجل الذي كان عليها‪ ،‬يخفي وجهه‪ ،‬كان يلهث بشدة داخلها‬
‫كتف‪ .‬كان يدفعها بعمق‪ ،‬ومزق جسدها العذري بال رحمة‪ .‬امتزجت رائحته بالغضب والعرق والنعناع والكحول‪ ،‬فغطتها واختلطت‬
‫بها‪ .‬خدشت لحيته الخفيفة في فترة ما بعد الظهيرة ذقنها‪ ،‬وعلى الرغم من أنها لم تترك أي عالمات على جلدها‪ ،‬إال أنها شعرت‬
‫‪.‬بالقلق من العالمات التي ظهرت تحتها ‪ -‬الجروح المريرة على روحها‬
‫"!كن رحيما ‪ . . .‬كن رحيما! كاٍف ! لو سمحت! يؤلمني‪ .‬إنه يؤلم بشدة"‬
‫هذا الرجل لم يسمعها‪ .‬ولم يستجب لصراخها‪ .‬لم يتفاعل مع خدوشها ولكماتها‪ ،‬التي أصبحت أضعف من أي وقت مضى‪ .‬استخدم‬
‫جسدها وألحق به األذى كما لو كان قوقعة بال مشاعر‪ ،‬مستمتًع ا بالضرر الذي أحدثه بداخلها‪ ،‬كما لو كان يقطعها بزجاج أو بشفرة‪،‬‬
‫يقطعها إلى قطعة من اللحم النابض‪ ،‬ثم يقطعها أكثر – دائًم ا أكثر‪ .‬طلبت آنا المساعدة بشدة‪ ،‬لكن لم يأت أحد إلنقاذها‪ .‬لم يكن من‬
‫الممكن أن يسمعها أحد في الطريق القاحل‪ ،‬ولو أن صرخة ضعيفة وصلت إلى أذن أحد المارة المنعزلين‪ ،‬لكانت الخرافة قد دفعته‬
‫‪.‬إلى الهروب بعيًد ا عن هذا المنزل الشرير النهم‬
‫!أشفق يا كريستوفر‪ ،‬من فضلك! من فضلك‪ ،‬يكفي"‬
‫بكت وبكت دون أن تلتقط أنفاسها‪ ،‬دون أن تتمكن من التوقف‪ .‬كانت مثبتة تحت جسده ومستلقية على العشب األخضر المحترق‪،‬‬
‫وشعرت بأن أجزائها الداخلية تمزق على يد الرجل الذي دمرها إلى األبد‪ ،‬وشعرت بأنه يسرق منها أحد أجمل ممتلكاتها‪ ،‬من الداخل‬
‫والخارج‪ .‬الخارج‪ .‬صرخاتها أخافت الطيور من الحديقة‪ ،‬بينما كانت األشجار تراقب عذابها بال حراك‪ .‬لقد تم اآلن تدنيس ذكرياتها‬
‫‪.‬عن هذا المكان إلى األبد‬
‫عندما رفع كريستوفر وجهه وذهب لتقبيلها‪ ،‬كانت نظرة الرعب على وجهها ال تقاس‪ .‬وبصرخة دفعته بعيًد ا عندما سقط عنها‪.‬‬
‫حاولت االبتعاد‪ ،‬فتدحرجت عن ظهرها ووضعت يديها على األرض لتقف على قدميها‪ ،‬لكنه سحبها على كتفيها وضغطها على‬
‫األرض وضرب وجهها‪ ،‬مما جعل الدم يسيل على خديها‪ .‬صعد عليها مرة أخرى‪ ،‬ووضع يده بين فخذيها‪ ،‬ورفع حوضها وقربه‬
‫‪.‬منه‪ .‬لقد اخترقها مرة أخرى من الخلف مثل الحيوان‬
‫"ال! كريستوفر! من فضلك ال!" كان رد فعلها يائًس ا ولكن لم تعد هناك قوة في جسدها أو روحها‪" .‬كيف استطعت؟ كيف؟"‬

‫صه‪ "،‬همس‪ ،‬وهو يتحدث للمرة األولى منذ أن بدأ الكابوس‪ .‬كان يلهث‪ ،‬وكان صوته أجش‪ .‬يبدو أن ألمها ال يعني شيًئ ا بالنسبة له‪" .‬‬
‫"‪".‬إذا كنت جيًد ا‪ ،‬فسوف ينتهي األمر‪ .‬سينتهي كل شيء بسرعة‬
‫دعني أذهب‪ . . .‬لو سمحت ‪ . . .‬كريس ‪ . . .‬كريستوفر! بكت‪ ،‬وواصلت البكاء بصمت‪ ،‬ولم تعد تقاوم‪ ،‬ولم تعد تصرخ‪ ،‬مرهقة‪" .‬‬
‫وضعت يديها على جانبي وجهها‪ ،‬محترًق ا من شمس الصيف‪ ،‬ثم أمسكت بالعشب بين قبضتيها‪ ،‬وهي تعض على شفتيها حتى ال تفكر‬
‫‪ -‬حتى ال تفكر‪ ،‬يا عزيزي هللا‪ ،‬حتى ال تفكر ‪ -‬ولكنه كان هناك‪ ،‬بداخلها جسم؛ لقد كان هناك‪ ،‬يا عزيزي هللا‪ ،‬كان هناك‪ .‬وكان داخل‬
‫‪ . . .‬رحمها‪ .‬يا هللا يا إلهي‬
‫‪ . . ".‬أوشكت على اإلنتهاء ‪ . . .‬كن جيد"‬
‫بدأ يتحرك بداخلها مرة أخرى‪ ،‬ببطء‪ .‬وببطء بدأ يستمتع بذلك مرة أخرى‪ .‬كانت آنا ال تزال تحت رحمة هذا الرجل‪ ،‬والحرارة‬
‫السائلة التي مألتها ‪ -‬دمها ‪ -‬جعلت حركاته أقل إيالما‪ .‬كان تدفق اللون األحمر يزيل آخر قوتها المنطفئة‪ ،‬ومعاناتها الجسدية أيًضا‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬كانت آنا تعاني دائًم ا من الجروح في قلبها‪ ،‬وكانت تبكي من العجز واإلذالل بينما كان الرجل الذي الهث ومتعرق يجثم‬
‫‪. .‬فوقها ويستمر في سرقة ما ليس له‪ ،‬ويدفعها بقوة وثقيلة داخلها‪ ،‬داخل وخارج‪ ،‬دون توقف‬
‫"‪.‬ال تبكي‪ "،‬تمتم هذا اللص وهو يضع فمه على رقبتها‪" .‬ال تبكي يا عزيزتي"‬
‫بهذه الكلمات نزف روحها كما ينزف جسدها‪ .‬شعرت آنا بالقذارة والذنب‪ ،‬وبكت أكثر بؤًس ا وفزًع ا‪" .‬ال ‪ . . .‬ال تقل ‪ ." . .‬بكت‪ ،‬لكنه‬
‫‪.‬أمسك وجهها‪ ،‬وأداره نحو وجهه‪ ،‬وحاول تقبيلها‪ .‬قاومت‪ ،‬ولم يقبل كريستوفر سوى زاوية واحدة من فمها‬
‫)كوني جيدة يا آنا‪ .‬انتظري حتى ينتهي‪ .‬هل ترين؟ هل ترين مدى سعادته معك؟ هل ترين كم يحبك؟(‬
‫ال! أرادت الصراخ‪ .‬ال! ال! ومن ثم قتال ومحاربة ولكمه وخدشه‪ .‬لكنها لم تستطع ‪ . . .‬لم تعد قادرة على ذلك‪ .‬لقد أرادت فقط أن‬
‫ينتهي األمر‪ .‬بينما كانت مستلقية على األرض‪ ،‬مع تعرض كل جزء منها لإليذاء‪ ،‬حتى أفكارها قد تم انتهاكها حيث يمكنها التظاهر‬
‫بأنها في مكان آخر‪ .‬كانت تشير إلى مرور الوقت بضرباته على ظهرها‪ ،‬مما أدى إلى هزها في حركة متكررة ومخزية‪ .‬كان وجهها‬
‫‪.‬يالمس العشب‪ ،‬لألمام والخلف‪ ،‬لألمام والخلف‬
‫‪ . . ".‬هنا‪ ،‬هناك تقريًبا‪ . . .‬زيادة قليال فقط ‪ . . .‬فتاة جيدة"‬

‫كان صوته داخل جسدها عبارة عن حركة مد إيقاعية وفاحشة‪ .‬كانت الدموع تنهمر بال توقف من عينيها المفتوحتين‪ ،‬مثل قطرات‬
‫‪.‬المطر المالحة من العار‪ .‬كانت تقطر على أوراق العشب الخضراء وتبلل األرض المرئية تحتها‪ ،‬ساخنة ومليئة بالحياة‬
‫‪.‬أوه‪ ،‬آنا‪ ،‬آنا‪ "،‬تمتم كريستوفر‪ ،‬وهو يلمس رقبتها وخدودها بخفة بشفتيه‪ .‬بدأ بيده اليسرى يفرك فخذها بلطف رهيب"‬
‫‪ . . ".‬لن ينتهي األمر أبًد ا‪" .‬ال! ال ‪ ." . .‬توسلت بيأس‪" .‬ال‪ ،‬هذا ليس عادال‪ . . .‬ال‬
‫لماذا كان يذلها بهذه الطريقة؟ كم سيكون عليها أن تتحمل؟ استسلمت‪ ،‬صرخت وهو يتوغل فيها أعمق وأعمق‪ .‬همس قائًال‪" :‬اآلن‬
‫"‪.‬أنت لي‪ ،‬أنت لي‬
‫كان يداعب وجهها وشعرها‪ ،‬ويعانقها بحنان سخيف ومجنون‪ ،‬ويغطي وجهها ورقبتها بقبالت صغيرة‪ .‬لعبت أصابعه بين ساقيها‬
‫‪.‬بإصرار ومعذبة‪ .‬حتى الحقيرة‬
‫‪ . . ".‬ال ‪ ." . .‬تأوهت آنا‪" .‬من فضلك‪ ،‬كريستوفر‪ . . .‬كاٍف "‬
‫صه‪ . . .‬انتهى األمر‪ ،‬انتهى األمر‪ ." . .‬وكان أنفه يدفن في شعرها‪ ،‬وهو يستنشق رائحتها‪ ،‬كما لو كان مخمورا‪" .‬ال تخافوا‪" . . ".‬‬
‫‪. . ".‬كل شيء على ما يرام اآلن‬
‫يا إلهي‪ .‬وهللا الرجل كان في كل مكان داخلها‪ ،‬خارجها‪ .‬لقد لمسها‪ ،‬ولعقها‪ ،‬ومألها‪ .‬كان يستمتع بها بشهوة‪ ،‬وكانت كل حركة منه‬
‫تتبعها أخرى‪ ،‬ثم أخرى‪ ،‬ثم أخرى‪ .‬في حيرة من أمرها‪ ،‬شعرت آنا بكل أنفاسه‪ ،‬وبكل تأوهاته‪ ،‬وبكل قبالته‪ .‬كان عرقه يتساقط‬
‫عليها؛ تقطرت سعادته عليها‪ .‬كان يتغذى بشراهة من بطنها‪ ،‬ويشرب من نبع عصائرها التي لم تكن حمراء وال مؤلمة‪ ،‬إذ لم يعد‬
‫‪.‬هناك دم‪ .‬وانزلقت منها قطرات من بين أصابعه؛ تدفقت منها قطرات عند لمسته مثل نهر من المخمل والزيت‬
‫هل تشعرين بذلك يا آنا؟ ‪ . .‬؟" تمتم‪ ،‬ولسانه يتذوق جلدها‪ ،‬ويترك لعابه حيث كان ال يزال مبلال بالدموع‪" .‬هل تشعر كم هي جميلة "‬
‫"اآلن؟‬
‫أسندت خدها على األرض‪ ،‬في العشب العطر المشبع بالدموع‪ ،‬وأغمضت عينيها‪ .‬نبض قلبها الجامح وتنفسها جعلها في حالة ذهول‬
‫ودوار‪ .‬لم تتمكن من التفكير بوضوح‪ :‬ربما كانت رائحة العشب الطويل هي التي خيمت على عقلها‪ .‬أو ربما كان الدفء القادم من‬
‫‪.‬األرض‬

‫‪ . . ".‬أوه‪ ،‬آنا‪ . . .‬أنت مثل الجنة ‪ ." . .‬دخل همسه فيها كأنفاسه‪ .‬مثل جسده‪" .‬ملكتي ‪ . . .‬ملكتي الرائعة"‬
‫أخذ وجهها بين يديه وأداره نحو وجهه‪ ،‬ولم تتفاعل آنا‪ ،‬إذ كانت مرتبكة بسبب الكثير من المداعبات‪ ،‬واستسلمت للكثير من التحفيز‪.‬‬
‫‪.‬قبل جفنيها‪ ،‬وخدودها‪ ،‬وزاوية فمها نصف المفتوح‪ .‬وضع شفتيه على شفتيها باحًث ا عن لسانها‬
‫‪.‬ن‪-‬ال‪ ." . ".‬توسلت وهي محيرة"‬
‫صه‪ ." . .‬وضع إبهامه على شفتيها‪ ،‬ودفعه قليًال إلى فمها‪" .‬أوه‪ ،‬آنا‪ ." . .‬كان يتأوه‪ ،‬ويسحب بيده حوضها نحوه قدر اإلمكان‪" .‬‬
‫"عزيزتي‪ ،‬ال أستطيع المقاومة بعد اآلن‪ ." . .‬أسند جبهته على كتفها‪ ،‬وتوقف عن الحركة للحظات قليلة‪ ،‬وأخذ نفًس ا عميًقا طوياًل ؛ ثم‬
‫‪. . ".‬دفعها مرة أخرى وهو يرتجف‪" .‬آنا‪ ،‬آنا‪ ." . .‬دعا بهدوء‪" .‬أوه‪ ،‬آنا‪ . . .‬تعال إلي يا حبيبي‬
‫ماذا كان يقول هذا الرجل وماذا يريد منها؟ لم تكن آنا تعرف ذلك‪ ،‬ولم تستطع فهمه‪ ،‬وتوقفت عن التساؤل عنه‪ ،‬وهي في حيرة من‬
‫‪.‬أمرها‪ .‬شعرت بالحر‪ ،‬وخدرتها روائح الحديقة وجسدها‪ ،‬واستحوذت عليها وتأثرت دون أدب‪ ،‬وتغلب عليها فتور غريب‬
‫‪. . ".‬نعم‪ ،‬هكذا‪ . . .‬أوه‪ ،‬انها جيدة من هذا القبيل‪ ،‬يا عزيزي"‬
‫كم كان الوقت‪ ،‬وكم من الوقت قضوا هناك؟‬
‫آنا لم تعرف‪ .‬لقد نسيت‪ ،‬تماًما كما نسيت‬
‫نفسها في حيرة من حواسها‪ .‬شعرت أن رحمها يسخن بشكل ال يطاق‪ ،‬كما لو كان هناك شيء يحاول الهروب‪ ،‬أو االنفجار‪ ،‬أو إيجاد‬
‫مخرج‪ .‬كانت تشتكي‪ ،‬وأصبح عقلها فارًغ ا‪ .‬ولم تعد قادرة على تذكر أي شيء أو أي شخص‪ .‬شعرت بين ساقيها بضغط شديد‪،‬‬
‫وأحست بشيء قادم‪ ،‬كما شعرت بالحاجة واإللحاح‪ .‬قبل كريستوفر فمها وهي تتنفس بشكل غير متساو‪ .‬تحت يده كان هناك دفء‬
‫خافت ال يمكن إيقافه ينمو‪ ،‬وهذا الدفء انفجر أخيًر ا فجأة في موجات صغيرة ‪ -‬صدمات صغيرة كثيرة جًد ا جعلتها تذهل بشكل ال‬
‫‪.‬يمكن السيطرة عليه‬
‫‪”.‬فتاة جيدة ‪ . . .‬يا إلهي‪ ،‬لقد كنت جيًد ا جًد ا يا حبيبتي"‬
‫قّبل مؤخرة رقبتها بخفة وأبعد يده عن أعضائها الحساسة التي كانت حساسة ومنتفخة‪ .‬للحظات قليلة كانت آنا في مكان آخر‪ ،‬في‬
‫‪.‬مكان بال ذكريات‪ ،‬حيث ال يوجد سوى صوت قلبها الذي يصم اآلذان‪ ،‬وشعرت بتحركه بشكل غامض‬

‫‪.‬داخلها بقوة أكبر‪ .‬أخيًر ا‪ ،‬مع تشنج‪ ،‬انهار وانسحب منها أخيًر ا‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪13‬‬
‫‪.‬إن مشهد ساحة المعركة بعد القتال يكفي إللهام األمراء بحب السالم ورعب الحرب‬
‫نابليون بونابرت‪-‬‬
‫لبضع دقائق ظلوا على األرض بال حراك‪ .‬كانت آنا تحته‪ ،‬وكانت تتنفس بهدوء‪ ،‬دون أن تبكي‪ .‬كان كريستوفر في األعلى‪ ،‬محاواًل‬
‫تهدئة قلبه المتحمس‪ .‬كان يعلم أنها ال تستطيع التحرك‪ ،‬وتستشعر حرارتها؛ تحته كان يشعر بالجسد البريء الذي اغتصبه‪ .‬تنفس‬
‫‪.‬بعمق وجلس‪ .‬مع بعض اإلحراج‪ ،‬قام بتقويم سرواله وغطى نفسه‬
‫نظر إلى الفتاة التي تتنفس بهدوء بجانبه‪ .‬كانت ممدودة‪ ،‬وتنورتها مرفوعة‪ ،‬وكانت قذرة‪ ،‬والدماء على ثوبها وجلدها‪ .‬كان جسدها‬
‫مكشوًف ا بقسوة‪ ،‬ورأى صدرها يصعد ويهبط ببطء‪ .‬كان لها خد واحد متكئ على األرض‪ ،‬وكأن األمر ال يستحق عناء رفع رأسها‪.‬‬
‫أمسك التنورة من الحاشية‪ ،‬وسحبها ببطء إلى األسفل‪ ،‬وغطى جسدها المصاب‪ .‬لم تتفاعل‪ .‬ظل كريستوفر صامًت ا‪ ،‬غير قادر على‬
‫قول أي شيء لها‪ .‬كان الهدوء مذهًال بعد الصرخات الفظيعة التي حدثت في وقت سابق؛ كانت تلك المعركة الرهيبة بمثابة حلم بعيد‬
‫‪.‬المنال في ضوء النهار المتالشي‬
‫يبدو أن آنا لن تتحرك أبًد ا‪ ،‬ولن تقول أي شيء على اإلطالق؛ ومع ذلك‪ ،‬تحدثت فجأة‪ .‬وفي صمت الحديقة‪ ،‬قالت بصوت واضح‬
‫"للغاية‪" :‬اآلن‪ ،‬هل ستقتليني؟‬
‫كان كريستوفر مذهوًال للغاية لدرجة أنه لم يتمكن حتى من فتح فمه لعدة لحظات‪" .‬أقتلك؟ بالطبع ال‪ ".‬أجاب وهو يمرر يده على‬
‫"‪.‬شعره‪" .‬سوف أتزوجك‪ ،‬بطبيعة الحال‬

‫وكأنها ميتة‪ ،‬لم تتحرك على اإلطالق؛ ثم بدأت تضحك بشكل غير متماسك بضحكة عالية ومشوشة مخيفة أكثر من صرخاتها‬
‫‪".‬السابقة‪" .‬اقتلني يا سيدي ألنني لن أتزوجك أبًد ا‪ ،‬وإذا تركتني على قيد الحياة‪ ،‬فستموت بيدي‬
‫وضعت راحتيها على األرض وسحبت نفسها على ركبتيها‪ .‬على ما يبدو‪ ،‬وقفت على قدميها دون جهد‪ ،‬وأدارت ظهرها إليه‪ ،‬لكن‬
‫‪.‬كريستوفر الحظ قبضتيها المغلقتين وهي تبتلع ألمها حتى ال تظهر الضعف‬
‫"‪.‬لقد وقف أيًض ا‪ .‬وأوضح لها بهدوء‪" :‬لن تتمكني أبًد ا من قتلي يا آنا"‪" .‬وسيكون عليك أن تتزوجيني‪ .‬ليس لديك خيار آخر‬
‫التفتت فجأة وأعطته صفعة قوية حتى أنه لم يتوقعها‪" .‬ال تناديني باسمي األول! ال أريد أن أسمعك تقول اسمي! ال تجرؤ مرة‬
‫"!أخرى‬
‫قام كريستوفر بتقويم رأسه ونظر إلى هذا الوجه المخدوش‪ .‬لقد تركت قطرة من الدم خطًا أحمر على خدها‪ ،‬ففصلته إلى قسمين‪ ،‬كما‬
‫‪.‬لو كان صفيحة مكسورة‬
‫"‪.‬أومأ برأسه وكرر‪" :‬سيتعين عليك الزواج مني يا آنسة تشامبيون‪ .‬ليس لديك أي بدائل‬
‫ابتعدت آنا عنه عدة خطوات حتى وصلت إلى الشجرة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم تتكئ عليه‪ ،‬بل وقفت بشكل مستقيم ونظرت في عينيه‪ .‬أجابت‬
‫بنظرة عاطفية‪" :‬أفضل أن أموت"‪ .‬كان تصريحها واضًح ا جًد ا – أن هذا البديل أفضل بال حدود من الزواج منه – لدرجة أنه شعر‬
‫‪.‬أن الغضب الذي هدأ للتو بدأ يتضخم داخله مرة أخرى‬
‫"حًق ا؟" سألها ببرود‪" .‬اعتقدت أنك تهتم كثيًر ا بعائلتك‪ .‬هل ستتركهم بمفردهم إذن؟"‬
‫فتحت عينيها على نطاق واسع‪ ،‬ويبدو أنها عادت إلى رشدها‪ .‬وتابع كريستوفر بال هوادة‪« :‬ربما تظن أن خطيبك سيعتني بأحبائك‪.‬‬
‫‪.‬أنت ال تأخذ في االعتبار أنه بمجرد أن أبلغته بذلك‪ . . .‬شيء ‪ . . .‬سوف يتحداني في مبارزة إذا كان رجًال‪ .‬وال تخف‪ :‬سأقطعه إرًبا‬
‫"نظرت آنا إليه بقلق‪" .‬لي ‪ . . .‬خطيب؟‬
‫قال وهو يصحح نفسه‪" :‬إذا كان لديك خطيبة"‪ .‬يا إلهي‪ ،‬كل ما احتاجه هو أن تكتشف أنه كان يتجسس على عائلة ديميرسي‪ .‬مع هذه‬
‫"‪...‬الفتاة ارتكب خطأ تلو اآلخر‪" .‬إذا أخبرتني باسمه‪ ،‬أستطيع أن‬

‫" ‪ -‬ليس لدي خطيب!" صرخت مستاءة‪" .‬يجب أال تخبر أحدًا بأي شيء! ال ينبغي ألحد أن يعرف"‬
‫قال لها بغضب‪" :‬سيعرف الجميع ما إذا كنِت ستكونين عنيدة بشأن هذا األمر"‪" .‬سأخبر والدك بنفسي‪ .‬لم يكن يبدو بصحة جيدة‬
‫‪.‬عندما رأيته قبل بضعة أيام‪ ،‬ولكن بالتأكيد أنت تعرف الكثير عن ذلك‬
‫»!ال! لن تفعل ذلك! إذا كنت تجرؤ‪ ،‬وأنا‪ . . .‬سوف أشجبك‪ ،‬وسيشنقونك‪ ،‬أنت تعرف ذلك"‬
‫أنت تعيشين في قصة خيالية يا آنسة‪ .‬ستكون كلمتي ضد كلمتك‪ ،‬وسيكون من السهل جًد ا العثور على شخص مستعد ليقسم أنك "‬
‫بالكاد امرأة فاضلة‪ ،‬تأكد من ذلك‪ .‬أنت لم تعد عذراء اآلن‪ .‬يمكن ألي شخص أن يأتي إلى المحاكمة ويؤكد أنه كان معك‪ .‬أعتقد أن‬
‫»‪.‬األمر كله سيكون غير سار بالنسبة لك‪ ،‬وكذلك بالنسبة لوالدك‬
‫"‪ -‬ن‪-‬ال أحد‪ . . .‬لن يقول أحد"‬
‫ليس لديك أي فكرة عما يرغب الناس في فعله مقابل المال‪ ".‬أصبح صوت كريستوفر منخفًض ا ولطيًفا‪" .‬هل تريد حًقا أن تتورط في "‬
‫مثل هذا المستنقع؟ الحياة معقدة بالفعل كما هي‪ .‬ال أعرف إذا كنت قد سمعت عن الحريق الليلة الماضية الذي أحرق الحقول الواقعة‬
‫على الجانب الغربي من النهر‪ ،‬باتجاه أندرهيل‪ .‬تندلع الحرائق بهذا الوتيرة المؤسفة في البالد‪ ،‬أال تجدون ذلك؟ أتمنى أن ال يحدث‬
‫‪.‬ذلك لمنزلك أبًد ا‪ ،‬يا آنسة تشامبيون‬
‫وضعت يدها على بطنها وكأنها لكمت في بطنها‪" .‬كيف ‪ . . .‬كيف استطعت؟" بدأت الدموع التي بدت أنها لن تعود أبًد ا إلى عينيها‬
‫‪.‬الجافتين تتساقط مرة أخرى على خديها‪ ،‬وتختلط بالدم والتراب‬
‫‪.‬أوه‪ ،‬اآلن‪ ،‬ال تبدأ في البكاء مرة أخرى!" لقد قطع"‬
‫مرة واحدة وإلى األبد هذا حطمها‪ .‬كان العالم مكاًن ا قبيًح ا للغاية بحيث ال يمكن النظر إليه‪ ،‬فغطت عينيها بيدها‪" .‬لماذا تريدني أن‬
‫أتزوجك بالقوة يا سيدي؟ لن أقول شيًئ ا ألي شخص ‪ -‬لن يعرف أحد أبًد ا ‪ -‬لكنني ال أستطيع الزواج منك‪ ،‬أتوسل إليك‪ .‬لديك‬
‫"بالفعل ‪ ." . .‬توقفت‪ ،‬غير قادرة على االستمرار‪ .‬ابتلعت‪ ،‬وتشنج فمها‪" .‬لماذا تكرهني كثيرا؟‬
‫)لماذا تكرهها كثيرًا يا كريستوفر؟(‬
‫كانت هناك لحظة صمت‪ .‬أجاب أخيًر ا‪" :‬أنا ال أكرهك"‪ .‬هذا صحيح‪ ،‬لقد كان غاضًبا منها‪ ،‬حتى اآلن‪ .‬كان لديه غضب ال يمكن‬
‫السيطرة عليه في صدره ولم يستطع إخماده‪ ،‬ألن هذه الفتاة كانت ملعونة للغاية‪ . . .‬ملعون جدا ‪ . . .‬يا إلهي‪ ،‬حتى أنه لم يعرف‬
‫‪.‬السبب أيًضا‬

‫‪. . .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنه سيتزوجها بأي ثمن‪ .‬لقد تم اتخاذ القرار بالفعل‪ ،‬بقدر ما كان الدافع وراء الحصول عليها‬
‫)‪.‬لتغتصبها يا كريستوفر‪ .‬لقد اغتصبتها(‬
‫لقد جاء إليه فجأة‪ ،‬ولم تكن فكرة سيئة‪ ،‬بعد كل شيء‪ .‬بالنسبة له أن يصبح زوجها كان أمًر ا مماًل ‪ ،‬ال شك أنه لم يكن رومانسًيا‪. . . ،‬‬
‫ولم يفكر أبًد ا في الزواج من أجل الحب‪ .‬بصراحة‪ ،‬لم يفكر قط في الزواج‪ .‬لقول الحقيقة كاملة‪ ،‬لم يفكر في ما سيفعله بحياته بعد‬
‫‪.‬انتهاء ثأره من ليوبولد‬
‫ثأره ضد ليوبولد‪ ...‬وضد دانيال‪ .‬نعم‪ ،‬ألنه في بعض األحيان حتى األمراء الملعونين من القصص الخيالية ال يحصلون على ما (‬
‫)يريدون‪ .‬أليس هذا صحيًح ا‪ ،‬يا أخي الصغير؟‬
‫نظرت إليه آنا مخدرة عمليا‪" .‬اذا انت تحبني؟ أوًال ‪ ." . .‬قالت وهي تغمض عينيها وكأن ذكرى ما حدث للتو تمنعها من االستمرار‪.‬‬
‫‪".‬أوال قلت‪ ." . .‬لكنها لم تستطع أن تكمل‪ ،‬وماتت الجملة كالهمس على شفتيها‬
‫نظر كريستوفر إليها بصمت‪ .‬هل قلت لها أنني أحبها؟ تساءل‪ .‬فرك جبهته محاوًال أن يتذكر‪ .‬ربما ‪ . . .‬نعم‪ ،‬ربما شيء من هذا‬
‫القبيل‪ ،‬هذا صحيح‪ .‬يا له من هراء‪ ،‬اآلن بعد أن فكر في األمر‪ ،‬وربما قال ذلك فقط ليجعلها تتوقف عن البكاء‪ .‬ألنه عادة لم يكن‬
‫‪.‬يهمس بمثل هذه الكلمات اللطيفة أثناء ممارسة الجنس‪ .‬في الواقع‪ ،‬لم يهمس بأي شيء على اإلطالق‬
‫ال تكثر من الكلمات التي تقال في بعض األمور‪ . . .‬لحظات يا آنسة تشامبيون‪ "،‬نصحها باقتضاب‪" .‬أنت ال تدرك ذلك‪ ،‬ولكن "‬
‫عندما يكون الرجل‪ ." . .‬لقد ألغى الجملة ألنها كانت شاحبة بشكل مخيف‪ ،‬وكان يخشى أن يراها تسقط على األرض‪ .‬لقد استمر‬
‫بطريقة مختلفة‪" .‬أعتقد يا آنسة أنك تبالغين في تقدير خائنتي‪ ،‬وهو ما أجده ممتًع ا‪ ،‬كما يجب أن أقول‪ .‬على أية حال‪ ،‬من واجبي أن‬
‫أخبرك أن هذه هي المرة األولى التي‪ ." . .‬تردد وهو يبحث عن الكلمة الصحيحة‪" .‬انه ‪ . . .‬لقد حدث لي حادث من هذا النوع‪ .‬أنوي‬
‫" ‪.‬إجراء تعديالت سواء وافقت أم ال‬
‫نظرت إليه آنا كما لو أنه ال يغتصب النساء كل يوم فحسب‪ ،‬بل يقتلهن‪ ،‬ويقطعهن‪ ،‬ويتبلهن‪ ،‬ويأكلهن‪ .‬ولم تكن لديها أي استجابة‪،‬‬
‫‪.‬فاتكأت على الشجرة خلفها‬
‫‪.‬أحكم كريستوفر قبضتيه‪ ،‬ولو كانت هناك حجارة في يديه‪ ،‬لكان قد حولها إلى غبار‬

‫قال لها‪" :‬أنت فتاة سخيفة"‪" .‬وسوف تتزوجيني‪ ،‬ألنك ال تستطيعين أن تفعلي غير ذلك‪ .‬بجانب ذلك ‪ ." . .‬نظر إليها منحرفا‪" .‬عالوة‬
‫على ذلك‪ ،‬قد تكونين حامًال‪ .‬لم تفكر في ذلك؟ ال‪ ،‬أنت غبي جدًا‪ .‬لكنني ال أنوي أن أترك ورائي أي أوغاد‪ ".‬وكاد أن يتلعثم في‬
‫‪.‬الكلمة األخيرة‪ .‬أغمض عينيه وأعاد فتحهما؛ فتح وأغلق قبضتيه‪ .‬لم يساعد‬
‫بصمت‪ ،‬أعطته نظرة يأس ممزوجة باالزدراء‪ .‬قرر كريستوفر أنه كان من المفترض أن تتوقف هذه الفتاة عن جعله يشعر بالذنب‪.‬‬
‫ربما كانت هناك حاجة لتوضيح األمور قليًال ‪" .‬لذلك‪ ،‬سأتزوجك وبسرعة‪ ،‬ألنني أنوي تحمل مسؤولياتي‪ .‬على الرغم من أنك تستحق‬
‫‪.‬ذلك‪ ،‬ألنك استفزتني لفعل ما ال يمكن تصوره‬
‫وكان هذا صحيحا‪ ،‬اللعنة‪ ،‬صحيح دموي‪ .‬ألنه يستطيع التعامل مع كراهيته لعائلة ديميرسي‪ ،‬يمكنه تحمل الحرارة‪ ،‬يمكنه تحمل‬
‫‪. . .‬الكحول‪ ،‬يمكنه تحمل كل شيء‪ .‬لكن وهللا لوال أنها حثته على ذلك لتركها بسالم‪ ،‬لو‬
‫‪ . . ".‬بدا وجهها يسقط‪" .‬ال ‪ . . .‬ال‬
‫"!توقف عن الثرثرة مرة واحدة وإلى األبد"‬
‫)لماذا يا كريستوفر؟ لماذا ال تزال تؤذيها؟(‬
‫رفعت آنا رأسها‪ .‬ولم يكن هذا هو رد الفعل الذي كان يتوقعه‪ ،‬وال‬
‫هل كان يتوقع النظرة المباشرة واالتهامية؟‬
‫أنت ال تؤمن بما تقوله‪ ،‬وال أعرف حتى السبب"‬
‫أنت تقول ذلك‪ .‬إلى جانب االشمئزاز كان هناك أيضا مفاجأة في صوتها‪" .‬لكن هذا واضح جًد ا بالنسبة لك ‪ -‬ال يمكن أن يكون أي‬
‫شيء آخر‪ ،‬وال حتى بالنسبة لرجل يفتقر إلى الضمير مثلك‪ :‬أنا أحتقرك‪ .‬ال يمكنك الزواج بي‪ ،‬وأنت تعرف ذلك‪ .‬أنا أحتقرك وسأظل‬
‫"‪.‬أحتقرك دائًما‬
‫"‪.‬دائمًا‪ .‬هز كتفيه‪" .‬الصبر‬
‫كان القليل جًد ا ضرورًيا لقتل النظرة‪ .‬في بعض األحيان كلمة واحدة فقط‪" .‬من فضلك يا سيدي‪ ".‬كانت تتوسل إليه اآلن وكانت‬
‫شاحبة مثل ضباب الصباح‬
‫وكما ميؤوس منها‪" .‬ال أستطيع الزواج منك‪ .‬الفكر الذي لك‪ ." . .‬خفضت رأسها‪ ،‬غارقة‪" .‬فكرة أنك تستطيع‪ . . .‬ال استطيع ‪. . .‬‬
‫"‪.‬سأموت منه يا سيدي‬
‫يستمع‪ ".‬مرر كريستوفر أصابعه من خالل شعره‪ ،‬مستدعًيا أكبر قدر ممكن من السحر‪" .‬لقد أخذت بالفعل ما أردت منك‪ .‬أنا "‬
‫أتزوجك ألنني أهنتك‪ ،‬ولهذا السبب أستطيع االنتظار‪ ." . .‬بحثت عن كلمة قد ال تخيفها‪ .‬لم يستطع التفكير في واحدة‪" .‬سوف أكون‬
‫صبوًر ا معك يا آنا‪ .‬سأسمح لك بذلك‬

‫طوال الوقت الذي تحتاجه لتعتاد علي‪ ".‬خففت لهجته عندما رأى الرعب في عينيها‪" .‬ال تخافوا‪ .‬لن يحدث ذلك ‪ ." . .‬توقف مؤقًت ا‬
‫ووضع يده أمام عينيه وأغلقهما‪ .‬كان رأسه يؤلمه والصراخ في ذلك اليوم سيبقى معه إلى األبد‪ .‬وتابع بلطف‪" :‬ليست في نيتي‬
‫"‪-‬إيذاءك"‪" .‬أنا‬
‫ولكن ماذا تقول؟" قالت بشكل ال يصدق وقاطعته‪ .‬يبدو أن عدم ترابط هذه الكلمات أزعجها لدرجة أنها نسيت ألمها‪" .‬أنت! هل لديك"‬
‫"الشجاعة ‪ . . .‬؟‬
‫‪".‬عض كريستوفر شفته السفلية بينما حطم الصمت األغنية المتبقية لذلك اليوم‪ .‬وأخيرًا قال‪" :‬أنا أعطيك كلمتي‬
‫"أوه‪ .‬كلمتك‪ ".‬أومأت آنا بقوة مؤلمة‪" .‬وقل لي‪ ،‬هل يستحق األمر الكثير‪ ،‬بصدق؟"‬
‫‪ . . ".‬آنا "‬
‫‪".‬يتذكر ‪ ." . .‬تجاهلته وابتسمت بشكل ال يصدق وقالت‪" :‬تذكر أنك أخبرتني ذات مرة أنك غشاش"‬
‫آنا ‪" . . .‬سيدة البطلة"‪ ،‬أضاف وهو يصحح نفسه‪" .‬لن أستمر في مناقشة هذا معك‪ .‬سأمنحك مهلة حتى صباح الغد لتتعقل‪ ،‬وبعد "‬
‫»‪.‬ذلك سأتحدث مع والدك‬
‫كان هناك خوف في عينيها وغريزة بدائية لحماية نفسها‪" .‬ال يمكنك تقديم نفسك في منزلي ووجهك بهذه الحالة!" صرخت‪" .‬سوف‬
‫"!يفهم والدي على الفور‪ ." . .‬أضافت وتوقفت وابتلعت عدة مرات‪" .‬ال تأتي غدا‪ ،‬أتوسل إليك‬
‫لمس كريستوفر خده‪ ،‬فوجده مؤلًما ومخدوًش ا‪ ،‬مثل حقل مدمر‪ .‬كان صامتًا‪ ،‬ويده على خده‪ ،‬غارقًا في أفكاره‪ .‬وأخيرا أومأ‪" .‬سآتي‬
‫"‪.‬إلى منزلك بعد ظهر يوم الخميس‪ ،‬إذن‬
‫الحظ وجود قطرة من الدم على جلدها‪ ،‬وشعر بنفسه يختنق قليًال‪ .‬وهللا إنها طفلة‪ .‬طفل فقط‪ .‬أخرج مندياًل واقترب منها‪ ،‬وقدمه لها‬
‫‪".‬بحالوة غير متوقعة‪ .‬تمتم قائًال‪" :‬سأكون زوجًا صالحًا لك يا آنا‬
‫نظرت إلى ذراعه الممدودة بالمنديل وكأنها خدعة‪ ،‬وبدأ فمها يرتجف‪ .‬استندت يدها على الشجرة‪ ،‬وتضاعف جسدها بشكل ال يمكن‬
‫‪.‬السيطرة عليه‪ .‬وذراعها على بطنها‪ ،‬تقيأت ألمها وروحها‪ ،‬وقد اهتزت بسبب القيء الذي ال يمكن إيقافه‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪14‬‬
‫‪.‬الندم‪ :‬رؤية الجنة والشعور بالجحيم‬
‫بطريقة ما بدأت آنا في العودة إلى منزلها‪ .‬تبعه كريستوفر بضع خطوات إلى الخلف‪ .‬سارت بمفردها وهي تنظر مباشرة أمامها‪ .‬كان‬
‫الوقت متأخًر ا جًد ا‪ ،‬وقد تركت الشمس بالفعل بعض الخطوط الحمراء عبر السماء‪ .‬كان الطريق هو نفسه‪ ،‬وكان يبدو مألوًفا جًد ا عند‬
‫الغسق‪ .‬بالتأكيد لم يتغير؛ لم يكن األمر كما لو كان طويًال وال نهاية له‪ ،‬مشوًه ا مثل الهلوسة في الضباب‪ .‬رأت آنا المنزل المبني من‬
‫الطوب األحمر من بعيد‪ .‬في عدة أماكن‪ ،‬بدت الجدران حزينة ومظلمة‪ ،‬وبها جروح عميقة‪ .‬ولكن كل ما يتطلبه األمر هو القليل من‬
‫‪.‬الطالء لجعل هذا المكان جميًال مرة أخرى‪ .‬أو ربما ال‬
‫مشيت بشكل أسرع‪ .‬والبد أن ينتهي الطريق عاجًال أم آجًال‪ .‬وحتى ضجيج الخطوات التي خلفها يجب أن ينتهي‪ ،‬تلك الخطوات التي‬
‫تبعتها فعلت ذلك بانتصار وفخر‪ .‬وكانت تود الهرب‪ ،‬ألن عائلتها كانت بالتأكيد قلقة بشأن تأخرها غير المعتاد‪ .‬كانت ترغب في‬
‫‪.‬الهرب‪ ،‬لكنها لم تستطع‪ .‬لم تستطع أن تبدو هاربة للرجل الذي يسير خلفها بجرأة دون تردد أو شك‪ .‬ال‪ ،‬ورفعت رأسها إلى أعلى‬
‫وصلت إلى طريق الدخول الذي تصطف على جانبيه أشجار الزيزفون‪ ،‬وسارت على طوله مختبئة خلف األشجار‪ .‬كانت الحديقة‬
‫مهجورة‪ .‬ولم تمشي أمام المنزل‪ .‬ربما كان هناك من يراقبها من النافذة‪ ،‬في انتظار عودتها؛ ال يمكن رؤيتها في هذه الحالة‪ .‬سيكون‬
‫‪. . .‬األطفال خائفين‪ ،‬وأبيها‬
‫جورج أ‪ .‬مور—‬

‫وحافظت على نفسها بعيًد ا عن األنظار‪ ،‬وتوجهت إلى الجزء الخلفي من المنزل للدخول عبر نافذة غرفة مغلقة ‪ -‬مغطاة بمالءات‬
‫بيضاء كبيرة وُت ترك لتجميع الغبار ودودة الخشب ‪ -‬مما يضمن لها وسيلة للهروب‪ ،‬معظمها ألغراض استراتيجية‪ .‬التهرب في حالة‬
‫إزعاج الزوار‪ ،‬مثل السيد كالرك المزعج في وقت سابق‪ .‬توقفت أمام النافذة‪ ،‬متجنبة النظر إلى انعكاس صورتها في الزجاج‪ ،‬وقد‬
‫أذهلتها هذه الفكرة‪ :‬هل حدث هذا حًق ا؟ لكن عندما؟ قبل اسبوعين؟ أو قبل عامين؟ أو حتى مائتي؟‬
‫وضعت يديها على النافذة وفتحتها‪ .‬لم تنظر إلى أصابعها النازفة‪ ،‬وأظافرها المكسورة‪ ،‬وارتعاشها غير المنضبط‪ .‬حاولت ببطء رفع‬
‫نفسها للدخول‪ ،‬وكان األمر كما لو أن شظايا ال حصر لها من الزجاج كانت تقطعها من الداخل‪ .‬تمكنت أخيًر ا من الدخول إلى‬
‫الغرفة‪ ،‬وسارت إلى الباب‪ ،‬واصطدمت بالطاولة كما فعلت‪ .‬تحركت المالءة البيضاء لتكشف عن رف مكسور أسفل قطعة األثاث‬
‫‪.‬القديمة‬
‫‪.‬وضعت آنا أذنها على الباب‪ ،‬ثم فتحته ودخلت إلى الردهة المظلمة لهذا الجزء غير المستخدم من المنزل‬
‫آنا!" صرخت نورا من الخلف‪ ،‬وكان صوتها يرعب آنا‪" .‬آنا! آنا ‪ ." . .‬تصدع صوت نورا‪ ،‬ثم تحول إلى همس يشبه صوت فرخ "‬
‫‪. . ".‬صغير مرض‪" .‬عزيزتي السماء‪ ،‬آنا‬
‫سمعت المرأة العجوز تركض نحوها‪ .‬لم تكن قادرة على التحرك‪ ،‬فأخذتها نورا من يدها وجعلتها تستدير نحوها‪ .‬كان وجه المرأة‬
‫‪.‬المستدير والمجعد يرتجف‪ ،‬واهتزت ذقنها المزدوجة دون أي كرامة‬
‫قالت بصوت هامس‪" :‬آنا‪ ،‬يا إلهي"‪ .‬ثم أخذت يدها األخرى أيًض ا‪ " .‬يا طفلتي ماذا حدث لك؟ فستانك ‪ ." . .‬توقفت‪ .‬كان فمها نصف‬
‫مفتوح‪ ،‬كما لو أنها ستقول شيًئ ا آخر‪ ،‬لتضيف شيًئ ا آخر‪ .‬لكنها لم تقل شيئا‪ .‬لم تستطع قول أي شيء‪ .‬لم تستطع ذلك ألن رعب‬
‫السؤال كان كبيرًا جدًا ‪ .‬تمنت أن تتمكن من إنكار ما رأته وأن تنكر حدوث شيء قبيح‪ .‬تمنت لو كان بوسعها اإلنكار‪ ،‬لكن وجهها‬
‫‪.‬السمين الدائم أصبح فجأًة عجوًز ا‪ ،‬ولم تستطع قول أي شيء‬
‫حاولت آنا أن تقول "أنا بخير‪ ،‬ال شيء"‪ ،‬ولكن كل ما خرج منها هو الصمت‪ .‬وفي الصمت ألقت بنفسها بين ذراعي نورا‬
‫‪.‬القصيرتين‪ ،‬بحثًا عن شفاء لجراحها التي كانت أكبر بكثير من جراح هذه المرأة الصغيرة‬

‫آنا‪ ،‬يا إلهي‪ ،‬آنا‪ ." . .‬سالت دموع كبيرة على وجه نورا‪ ،‬سالت دموًع ا كبيرة عبر التجاعيد وجفاف الجلد‪" .‬آنا‪ ،‬ماذا فعلوا بك يا "‬
‫‪.‬طفلتي الصغيرة؟ ماذا ‪ . . .‬؟" لم تجد كلمة واحدة‪ ،‬فصمتت‪ .‬وال حتى كلمة واحدة لتعزية طفلها في البكاء‬
‫وهكذا وقفوا يبكون في أحضان بعضهم البعض‪ .‬بدأت نورا تئن بصوت منخفض‪ ،‬مثل بكاء طفولي‪ ،‬يأتي من جسد متعب ومنهار‪.‬‬
‫‪.‬مثل األلم الذي لن يختفي أبًد ا‬
‫)‪.‬آنا‪ ،‬ماذا تفعلين بهذه المرأة المسنة؟ ربما تريدين كسر قلبها(‬
‫مع رأسها على صدر نورا‪ ،‬شعرت آنا بالذعر المفاجئ‪ .‬وقف شعرها على رأسها‪ ،‬ولم تستطع التقاط أنفاسها‪ ،‬وكأنها تشاهد ناًر ا‬
‫تحرق كل شيء عزيز عليها‪ .‬وقفت بشكل مستقيم ورفعت رأسها‪ .‬نظرت إلى نورا المدمرة‪ ،‬وداعبت رأسها بيدها‪ ،‬وظهر اللون‬
‫الوردي ألصابع آنا من تحتها من خالل الشعر األبيض الرقيق الرقيق‪" .‬ال تبكي" تمتمت وهي تحبس دموعها‪" .‬كل شي سيصبح‬
‫‪».‬على مايرام‪ .‬أنا ‪ . . .‬لن يعلموا‬
‫أخذت يدها وقادتها إلى الغرفة غير المأهولة‪ .‬تبعتها نورا مثل دمية تطايرت في مهب الريح‪ ،‬وقد اختفت طرقها السريعة والمسيطرة‬
‫‪.‬في إدراكها المفاجئ لعجز الحب‬
‫‪.‬أوه‪ ،‬آنا‪ . . .‬ال ‪ ." . .‬بكت‪ ،‬وبدأت مرة أخرى في أنينها الذي ال ينتهي من أعماقها"‬
‫نورا‪ ،‬استمعي لي‪ ".‬أخذتها من كتفيها‪ ،‬وهزتها بلطف‪" .‬أنا بحاجة إليك‪ .‬يجب أن تكون قويا‪ .‬ستخبرين الجميع أنني مريضة‪ ،‬حتى "‬
‫‪.‬لوسي‪ .‬على األقل لبضعة أيام حتى أبدو طبيعًيا مرة أخرى‬
‫‪. . ".‬رفعت نورا يدها ومسحت على وجهها‪" .‬آنا‪ ،‬آنا‪ ،‬من‪ . . .‬من ‪ . . .‬؟ أنا ‪ . . .‬سأقتله‪ ،‬أنا‬
‫"‪.‬ال‪ ،‬ال"‪ ،‬قالت وهي تهز رأسها‪ ،‬وابتسامة تطل من بين الخدوش والغبار على وجهها‪" .‬استمع لي‪ .‬كل شي سيصبح على مايرام"‬
‫‪. . ".‬لكن نورا لم تصدق ذلك‪ .‬لم تستطع أن تصدق ذلك مرة أخرى‪" .‬آنا‪ ،‬ال‬
‫"‪.‬إنه يريد أن يتزوجني"‪ ،‬قالت‪ ،‬وفمها يرتعش‪" .‬لن يعرف أحد أي شيء"‬
‫ال!" جفل نورا من األلم‪ ،‬وانفجر الرعب الكامل من تعجبها‪" .‬ال يا آنا‪ ،‬أنت ال تستحقين ذلك‪ . . .‬لن تتزوجيه! بدًال من ذلك‪ ،‬سأقتله‪"،‬‬
‫"‪-‬أنا‬

‫ال ‪ . . .‬نورا ‪ . . .‬ال أعرف ‪" . . .‬ال أعرف ماذا سأفعل"‪ ،‬أجابت مع تنهيدة مرهقة‪" .‬من فضلك‪ ،‬اآلن أنا فقط بحاجة إلى النوم‪" .‬‬
‫أريد أن أنام‪ ،‬أنام فقط‪ ".‬شعرت بالدموع تعود إلى عينيها ودفعتها إلى الداخل‪ .‬سيكون لديها الوقت للبكاء‪ .‬وأكدت لها أخيًر ا أن "كل‬
‫"‪.‬شيء سوف يعتني بنفسه"‪" .‬أعدك‬
‫نورا أبقت رأسها منخفضا وهي تبكي بهدوء‪ .‬فجأة‪ ،‬أصبح الضغط والمعاناة في ذلك اليوم‪ ،‬الذي استمر مراًر ا وتكراًر ا‪ ،‬أكثر من‬
‫الالزم‪ ،‬مع الدفع والضرب‪ ،‬ولم تعد آنا قادرة على تحمل ذلك‪ .‬كانت الملزمة تضغط عليها‪ .‬سوف يقتلها إذا لم تصرخ‪ ،‬إذا لم تفعل‬
‫‪. . .‬ذلك‬
‫أنا بحاجة إليك‪ ،‬أنت ال تفهم!" لقد انفجرت‪" .‬الرجاء مساعدتي! يجب عليك مساعدتي!" توقف صوتها فجأة‪ ،‬وتساقطت على وجهها "‬
‫!قطرات ساخنة من األلم لعدم القدرة على تحديد أي شيء على اإلطالق‪ ،‬حتى وقت ألمها‪" .‬لو سمحت! نورا‬
‫قفزت السيدة العجوز‪ .‬وباإلضافة إلى الحزن الذي خيم على عينيها على مر السنين‪ ،‬أظهرت نورا الندم ألنها لم تكن قوية بما فيه‬
‫‪.‬الكفاية‪ .‬عدم قطعه من القماش الصحيح‪ .‬من كونها قديمة ومهزومة‬
‫"‪.‬مرت لحظة‪ .‬ثم‪ ،‬بيد مرتجفة‪ ،‬ربتت على خد آنا‪" .‬حسًن ا‪ "،‬قالت‪ ،‬وبدا صوتها المتشقق ال يقبل الجدل‪" .‬أنا هنا‪ .‬معك‬
‫شكًر ا لك‪ .‬اوه شكرا لك‪ ".‬ابتسمت آنا لها بين دموعها وتنهداتها‪ .‬الضعف يجعل المرء أقوى‪ ،‬ويبدو أن نورا تنمو‪ ،‬عمالقة في "‬
‫‪.‬ساحة‬
‫قالت بإصرار‪" :‬سوف آخذك إلى غرفتك"‪" .‬سأخبر والدك وإخوتك أنك مصاب بالبرد‪ .‬سأقوم بإعداد الماء لالستحمام‪ .‬سأعد لك‬
‫"‪.‬بعض المرق الساخن‬
‫‪.‬مسحت هذه العمالقة عينيها بسرعة وفعلت كل األشياء التي وعدتها بها‪ ،‬وكل ذلك في نفس الوقت‬
‫أيقظ كريستوفر نفسه‪ .‬منذ متى كان هناك؟ كان الظالم قد حل اآلن؛ كان القمر خارًج ا وشبه مكتمل‪ ،‬مما يعرض اكتشافه للخطر‪ .‬كان‬
‫بحاجة إلى المغادرة؛ انطفأ الضوء األخير في المنزل المبني من الطوب األحمر منذ فترة‪ .‬كانت الفتاة قد ذهبت قبل عدة ساعات‪،‬‬
‫وهي تمشي بشكل مستقيم مثل السهم في بلدها المدلل‬

‫‪.‬فستانها الذي كان يتحرك حولها مثل طيران الفراشات‪ ،‬وربما كانت اآلن في سريرها البريء النظيف‬
‫تبادر إلى ذهنه صرخة‪ ،‬شبح صدى بعيد‪ ،‬صرخة يائسة وشنيعة‪ .‬لقد كانت مجرد ذكرى‪ ،‬ولكن للحظة مروعة ظن كريستوفر أنه‬
‫‪.‬سمعها بالفعل‪ .‬استدار نحو المنزل المسكون الذي ابتسم بشراهة ليس ببعيد عنه‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪15‬‬
‫يجب أن تأتي الخطبة للفتاة الصغيرة كمفاجأة‪ ،‬سواء كانت سارة أو غير سارة حسب الحالة‪ .‬ال يكاد يكون من الممكن السماح لها‬
‫‪.‬بالترتيب لنفسها‬
‫أوسكار وايلد‪-‬‬
‫في الليلة األولى نامت منهكة بعد الحمام الذي أخذته بنفسها دون مساعدة نورا‪ .‬استلقت على السرير ودخلت على الفور في نوم عميق‬
‫‪.‬ونسيان‬
‫أثناء الليل‪ ،‬استيقظت فجأة وشعرت بألم نابض في جسدها‪ ،‬مثل وحش نائم‪ ،‬مثل الوحش الذي خلقته قبل سنوات عديدة من لوح‬
‫خشبي‪ ،‬بفم برتقالي مفتوح على مصراعيه في صرخة‪ .‬في حيرة‪ ،‬تساءلت عما فعله ذلك الوحش بداخلها‪ ،‬ثم تذكرت‪ .‬نهضت من‬
‫السرير وذهبت إلى النافذة‪ .‬كان القمر أبيض اللون وشبه مكتمل بينما كان يسود السماء المظلمة‪ ،‬السماء التي كانت زرقاء مبهرة قبل‬
‫‪.‬ساعات قليلة‬
‫مشيت إلى حوض الماء الخاص بها وغسلت وجهها لفترة طويلة‪ ،‬مما أدى إلى محو ذكرى القبلة‪ .‬القبلة األخيرة‪ ،‬تلك التي لم ترفضها‬
‫جالدها‪ .‬قبلة عندما أكلتها من شفتيها تركتها جائعة بشكل سخيف‪ .‬وبينما كانت قطرات الماء تتدفق على جلدها‪ ،‬سألت نفسها إذا كان‬
‫‪.‬بإمكانها أن تسامح نفسها على هذه القبلة‪ .‬سيختفي األلم الجسدي‪ ،‬لكن بالنسبة للجروح األخرى‪ ،‬لم تكن متأكدة‬
‫‪.‬مسحت وجهها وعادت إلى السرير‪ ،‬حيث تمددت وعينيها مفتوحتين‪ ،‬دون نوم ودون بكاء‬
‫‪.‬لقد بذلت نورا قصارى جهدها من أجل آنا في األيام التالية‪ .‬لقد دللتها‪ ،‬وهدأتها‪ ،‬وجعلتها تأكل كل األطعمة التي تحبها‬

‫لقد أبعدت الزوار‪ ،‬بما في ذلك إخوتها ووالدها‪ .‬لم يتمكن أفراد األسرة من الترحيب بها إال لفترة وجيزة‪ ،‬بينما أخفت آنا وجهها الذي‬
‫كان مساحيق التجميل كثيفة‪ ،‬وكان المكياج شيًئ ا لم تستخدمه من قبل‪ .‬عالجت نورا الخدوش والكدمات باألعشاب ذات الرائحة‬
‫‪.‬الكريهة التي زعمت أنها صنعت العجائب‬
‫في الليلة التي سبقت وصوله إلى منزلهم‪ ،‬وجدت آنا نفسها أمام مذكراتها المفتوحة‪ .‬لقد كتبت البدائل المختلفة الممكنة‪ ،‬ولم يكن هناك‬
‫‪.‬سوى أربع جمل ‪ -‬أربع جمل تشمل مستقبلها بأكمله‬
‫‪.‬أعادت قراءة الجملة األولى‪ :‬اطلب العدالة للجريمة‪ .‬والثاني‪ :‬أقتل نفسي‬
‫‪.‬ثم الثالث‪ :‬الزواج من كريستوفر دافنبورت‬
‫‪.‬وأخيرًا األخير‪ :‬اقتل كريستوفر دافنبورت‬
‫‪.‬لقد شطبت واحًد ا تلو اآلخر‪ .‬ولم يبق سوى احتمالين‬
‫أمضت تلك الليلة وعينيها مفتوحتين على مصراعيهما في الظالم مرة أخرى‪ .‬وعندما حضر كريستوفر إلى منزلها في اليوم التالي‪،‬‬
‫كانت العالمات التي كانت على وجهها قد اختفت عملًيا‪ ،‬وكان النزيف قد توقف تقريًبا‪ .‬كانت اآلثار الحمراء الباهتة على مالبسها‬
‫‪.‬الداخلية البيضاء هي الدليل الوحيد المتبقي على ما حدث‬
‫وصل كريستوفر إلى المنزل المبني من الطوب األحمر راغًبا في االنتهاء منه وبسرعة‪ .‬ربما بمجرد إبرام اتفاقيات الزواج‪ ،‬سيكون‬
‫قادًر ا على الحصول على نوم جيد ليًال دون اللجوء أوًال إلى تناول الكحول‪ ،‬وهو األمر الذي لم يتعامل معه جيًد ا‪ .‬كان ذلك بالتأكيد‬
‫بسبب اآلثار الالحقة التي شعر بها‪ .‬وقبل أن يغادر نظر إلى نفسه في المرآة‪ .‬كانت عيناه غائرتين بعمق وكان لونه شاحًبا‪ ،‬بينما‬
‫‪.‬كانت عالمات الخدش تتعافى ولكنها ال تزال مرئية قليًال‬
‫)لن تتزوجك يا كريستوفر‪ .‬أنت تعرف ذلك‪ ،‬أليس كذلك؟(‬
‫في األيام القليلة الماضية‪ ،‬مكث معظم الوقت في المنزل حتى تلتئم جروحه‪ .‬ولكن كان هناك شخص آخر يعاني من جروح أعمق من‬
‫‪. . .‬جروحه‬
‫)‪.‬آنا(‬
‫‪.‬أي أخيه‪ .‬لقد ذهب إلى لندن ليلعق جراحه‪ ،‬بحسب ما نقله ماثيو المتفاجئ إلى كريستوفر ‪. . .‬‬
‫تفاجأت ألن فسخ الخطبة مع دانيال بشكل غير متوقع جاء مثل انهيار أرضي على سفح الجبل‪" .‬كريس‪ ،‬لن تصدق أبًد ا ما حدث‪ .‬لقد‬
‫انتهت الخطوبة من يوم آلخر‪ "،‬أوضح له‪ ،‬بخيبة أمل وعدم تصديق‪ .‬بعد أخذ كل األمور بعين االعتبار‪ ،‬كان رد فعله مفهوًما‪ :‬فقد‬
‫حذف كريستوفر تفاصيل محددة من القصة ‪ -‬وهي تفاصيل مهمة إلى حد ما في الواقع‪" .‬هذا هو آخر شيء أردناه‪ .‬أليس كذلك؟ و‬
‫ليوبولد ‪ ." . .‬تردد ماثيو‪ ،‬وهو ال يعرف ما إذا كان سيقول ذلك أم ال‪ .‬وأخيرًا‪ ،‬بعد تنهيدة‪ ،‬قال‪" :‬ليوبولد في السماء السابعة‪ ،‬كما‬
‫‪.‬يمكنك أن تتخيل‪ .‬ربما لهذا السبب قرر دانييل الرحيل بعد ظهر يوم األحد‬
‫األحد بعد الظهر‪ .‬جيد‪ .‬وهذا يعني أن آنا لم تتردد لحظة في إخباره‪ .‬ال بد أنها أرسلت له رسالة في ذلك اليوم بالذات‪ .‬قال كريستوفر‬
‫لنفسه إن هذا ال يعني إال أنها ستتزوجني‪ .‬بالتأكيد‪ .‬وكرر ذلك لنفسه مرة أخرى‪ .‬ثم أخذ نفسا وطرق باب منزل البطل‪ .‬وانتظر‪.‬‬
‫وانتظر بعض أكثر‪ .‬وبعض أكثر‪ .‬لقد تذكر المرة األولى التي كان فيها هناك‪ .‬لقد ترك الباب األمامي مفتوًح ا جزئًيا‪ ،‬ألن آنا كانت‬
‫تنتظر صديًق ا عزيًز ا في ذلك اليوم‪ .‬وبدًال من ذلك‪ ،‬كان اآلن ينتظر‪ ،‬وبدا أن كل شيء يصده‪ .‬اعتاد كريستوفر على ذلك‪ ،‬وطرق‬
‫الباب مرة أخرى دون أن ينزعج‪ .‬وبعد بضع دقائق سمع ضجيًج ا خلف المدخل وخفق قلبه‪ .‬لكن وجه أخت آنا الصغيرة هو الذي‬
‫‪.‬ظهر عندما ُفتح الباب أخيًر ا‬
‫هل أنت ملك التوماسبيدر؟" سألت الطفلة وهي تنظر إليه وأنفها في الهواء‪ .‬كانت خصالتها ذات اللون البني الكستنائي أفتح من لون"‬
‫‪.‬شعر أختها الكبرى‪ ،‬على الرغم من وجود تشابه في المالمح الناعمة للخدين واالبتسامة‬
‫‪.‬التومسبيدر؟" سأل"‬
‫"!عنكبوت الطماطم يا سيدي"‬
‫بدت الفتاة الصغيرة مرعوبة حًق ا من جهله‪ ،‬وقد كانت كذلك بالفعل‬
‫‪.‬اعترف كريستوفر بأنه ال يرحم على اإلطالق‬
‫‪.‬هل هي حكاية خرافية أخرى؟" سأل"‬
‫أومأت برأسها بقوة صغر سنها‪" .‬األمر ال ينتهي بشكل جيد بالنسبة لـ‬
‫»‪.‬ملك التوماسبيدر‪ ،‬يا سيدي‬
‫جمال‪ ".‬نادى صوت آنا الهادئ الطفل وقلب كريستوفر"‬
‫‪.‬تخطيت في البداية‪ ،‬ثم بدأت في الضرب بنمط غير منتظم‬
‫ظهرت ببطء وهي تسير نحو الباب‪ .‬كان وجهها نصف‬
‫يغطيها شعرها‪ .‬كانت المحالق الرقيقة تحجب الكدمات غير المرئية تقريًبا‬

‫ربما يكون غير مرئي للجميع‪ ،‬ولكن ليس له‪ .‬كانت ترتدي فستاًن ا أصفر باهًت ا كان قبيًح ا للغاية‪ ،‬ومع ذلك بدا كريستوفر أعمى‪ ،‬كما ‪-‬‬
‫‪.‬لو كان ينظر إلى انعكاس الشمس في مجرى مائي‬
‫"‪.‬آنا لم تنظر إليه‪" .‬جريس‪ ،‬ماذا قلت لك؟ "اذهب وأكمل دروسك مع إخوتك‬
‫بدأت الفتاة الصغيرة تظهر عبوًس ا‪ .‬تذمرت‪" :‬حسًن ا"‪ ،‬ثم هربت دون أن تنظر إلى الوراء مرة واحدة ‪ -‬أو ربما فعلت ذلك مرة واحدة‬
‫‪.‬فقط‬
‫‪".‬وقف كريستوفر بال حراك عند العتبة‪ ،‬وأوضح صوته‪ .‬قال بهدوء في نصف همس‪" :‬مساء الخير يا آنسة تشامبيون‬
‫‪.‬ولم ترد عليه أو تنظر إليه‪ .‬كانت عيناها مثبتتين على الحديقة‪ ،‬وبدا أنها غير مدركة لوجوده‬
‫"‪.‬أخذ أكبر نفس ممكن‪ ،‬ثم زفر للحظة‪" .‬أريد أن أتحدث إلى والدك‪ ،‬يا آنسة‬
‫الطباخة القصيرة التي عاشت هناك‪ ،‬كم كان عمرها؟ مائة؟ – انحنى عبر باب غرفة الرسم ونظر إليه كما لو كان بقعة قذارة –‬
‫‪.‬وبشكل أكثر دقة‪ ،‬بقعة قذارة كبيرة جًد ا ورائحة كريهة جًد ا‬
‫تنحيت آنا جانًبا لتسمح له بالدخول‪ .‬بدا وجهها خالًيا من المشاعر‪ ،‬وخالًيا حتى من الخوف‪ ،‬ساكًن ا ومختلًف ا عن الوجه الذي بدأ يتعرف‬
‫‪.‬عليه‪ ،‬وجهها المتغير الذي يضم آالف التعبيرات‬
‫)‪.‬لقد سرقتهم منها يا كريستوفر(‬
‫تبعها إلى غرفة الرسم‪ .‬كانت خطواتها بطيئة ولم تصدر أي ضجيج‪ .‬ولم يفعل ذلك‪ .‬وقفت الطاهية عند الباب‪ ،‬وكأنها تريد أن تمنعه‬
‫من الدخول‪ .‬وكانت تحمل في يدها ملعقة خشبية‪ ،‬بدا األمر مزعًج ا لها بشكل مدهش‪ .‬وضعت آنا يدها على كتفها‪ .‬قالت بصوت‬
‫‪".‬خافت‪" :‬نورا‪ ،‬دعني والسيد بمفردنا‪ ،‬واحتفظ باألطفال معك‬
‫"هل أنت متأكد؟"‬
‫أومأت برأسها‪ .‬أمسكت نورا بالملعقة بقوة ثم استدارت لتذهب إلى المطبخ‪ .‬لكنها حدقت أوًال في كريستوفر‪ ،‬ونظرت عن كثب إلى‬
‫يديه‪ ،‬ويبدو أنها ال تزال تتوقع رؤية الدم الذي ال بد أنه كان هناك‪ .‬فتح كريستوفر قبضتيه وأغلقهما محاوًال تهدئة نفسه‪ .‬كل شيء‬
‫‪.‬يسير بشكل جيد للغاية‪ .‬تماما‬
‫ذهبت آنا إلى غرفة الرسم الشاغرة‪ ،‬المليئة بأشعة الشمس بعد الظهر‪ .‬اتجهت نحو النافذة وأرجعتها إليه‪ .‬توقف كريستوفر في‬
‫منتصف الغرفة وظل واقفًا‬
‫‪.‬نظر إلى ظهر آنا‪ .‬ولم تكن قد نظرت إليه بعد منذ وصوله‬
‫"‪.‬دعونا ننتهي من هذا‪" .‬اين والدك؟" سأل فجأة‪" .‬ليس لدي كل اليوم‬
‫مع لمس أصابعها زوايا زجاج النافذة‪ ،‬لم تتحرك آنا‪ .‬كان رأسها مائًال إلى أحد الجانبين‪ ،‬وكان منحنى رقبتها‪ ،‬الذي بقي ظاهرًا بسبب‬
‫‪.‬تسريحة شعرها‪ ،‬أبيض من الشحوب ومن ضوء الشمس‪ .‬مشتتة الذهن‪ ،‬ولم تقل شيًئ ا لعدة ثوان‬
‫‪.‬يجب أن أوضح لك بعض التفاصيل يا سيدي‪ "،‬قالت أخيًر ا بصوت ال يخصها‪ ،‬ذلك الصوت الذي لم يكن صوتها"‬
‫وأنت تحافظ على ظهرك لي؟" سأل كريستوفر والمرارة تتضخم بداخله‪ .‬لقد حاول إبقائه منخفًض ا‪" .‬لقد قللت تماًما من حظي الجيد "‬
‫"‪.‬إذا كنت خائًفا مني كثيًر ا لدرجة أنك ال تستطيع النظر في عيني‬
‫‪".‬بدأت متجاهلة إياه قائلة‪" :‬أول شيء‪ ،‬عليك أن تسمح لي باالستمرار في رعاية أحبائي عندما نتزوج‬
‫‪.‬عندما نتزوج‬
‫تنفس كريستوفر مرة‪ ،‬ثم مرتين‪ ،‬ثم ثالث مرات‪ ،‬ثم تنفس مرارًا وتكرارًا‪ .‬وبعد خمسة أيام من ضيق التنفس‪ ،‬رحب بالهواء مثل‬
‫‪.‬البركة‪ ،‬واستمتع بكل نفس‬
‫‪".‬وأجاب بعد عدة ثوان‪" :‬سوف أقبل قرارك في هذا الصدد‬
‫قالت دون أن تتحرك على اإلطالق أو تبدي أي إشارة إلى أنها سمعته‪« :‬الشيء الثاني‪" ».‬لن تسيء معاملة عائلتي تحت أي ظرف‬
‫من الظروف‪ .‬إذا رأيت أن األسلوب العنيف الذي عاملتني به أمر مألوف بالنسبة لك‪ ،‬فسوف أتركك وأدينك يا سيدي‪ ،‬دون أن أهتم‬
‫‪.‬بالعواقب‬
‫"‪...‬أجاب بجفاف‪" :‬لقد أخبرتك بالفعل يا آنسة‪ ،‬أنه ليس من عادتي أن أسيء المعاملة‬
‫أوه‪ ،‬هادئ!" وضعت يدها على جبهتها وهزت رأسها‪ ،‬كما لو أنها لم تعد قادرة على االستماع إلى المزيد‪ .‬بقي هادًئ ا‪ ،‬يراقب جسدها"‬
‫وشعرها وفستانها التالف‪" .‬الشيء الثالث‪ ".‬كانت متعبة‪ ،‬كما لو كانت تمشي لعدة أيام‪" .‬ال يستطيع والدي االنتقال من هذا المنزل‪ ،‬لذا‬
‫فهو هنا‪ ." . "...‬بدت غير متأكدة وبدت غير قادرة على الحفاظ على رباطة جأشها التي أظهرتها حتى تلك اللحظة‪" .‬هنا هو المكان‬
‫"‪.‬الذي يجب أن نعيش فيه‪ .‬بعد أن نتزوج‬
‫‪.‬ربما لم يفهم‪" .‬ال بد من انك تمزح!" صاح‬

‫لكن ال‪ ،‬على اإلطالق‪ .‬لم تكن لديها الرغبة في المزاح معه‪ .‬مذهوًال‪ ،‬نظر كريستوفر حوله‪ .‬كانت غرفة الرسم مثيرة للشفقة‪ ،‬وكان‬
‫‪.‬المنزل منكمًش ا ومنهاًر ا‬
‫كيف تتوقع من رجل مثلي أن يعيش هكذا بين البراغيث؟" انفجر‪" .‬وانظر إلّي بحق هللا!" شعرت يديه بالحكة وهو يمررها خالل "‬
‫‪ .‬شعره‪ .‬الجحيم الدموي‪ ،‬لم يستطع التحرك هناك‪ .‬ولم تتضمن خطته شيئا من هذا القبيل‪ .‬الثراء‪ ،‬نعم؛ البذخ‪ ،‬نعم؛ التباهي‪ ،‬نعم؛ لكن‬
‫‪..‬‬
‫جزء من المنزل مغلق"‪ ،‬أوضحت آنا دون أن تلتفت‪" .‬إذا أعدنا فتح جميع الغرف‪ ،‬فأنا متأكد من أن ذلك سيكون كافًيا بالنسبة لك‪" ،‬‬
‫"‪.‬عالوة على ذلك‪ ،‬سيكون لديك دائًما منزلك لتقديم الرقصات والحفالت‪ .‬لن يجبرك أحد على البقاء هنا‬
‫تظاهر كريستوفر بأنه لم يسمع الجملة األخيرة‪ .‬يا إلهي‪ ،‬كل هذا صغير جًد ا‪ ،‬ومقذر جًد ا من الداخل! كانت األريكة القديمة مصنوعة‬
‫‪.‬من المخمل البالي‪ ،‬وكان السجاد باه اًت‬
‫ال أستطيع قبول أي ترتيب آخر يا سيدي‪ .‬إذا لم توافق‪ ،‬ال أستطيع أن أتزوجك‪ .‬ابي ‪ ." . .‬توقفت‪ ،‬مدركة أنه سيكون من السخافة "‬
‫أن تشرح له السبب‪ .‬وأضافت بصوت أكثر حيوية‪" :‬سيدي‪ ،‬ال ينبغي لنا أن نتزوج رغمًا عنا"‪" .‬لذلك أطلب منكم إعادة النظر في‬
‫‪".‬األمر والتخلي عن الفكرة‬
‫أجاب بنبرة جليدية‪" :‬ال تكن سخيًف ا"‪ .‬لعنة هللا‪ ،‬لم يكن بحاجة إلى هذا التعقيد‪ .‬انطلقت عيناه من طاولة الصالون القديمة إلى األريكة‬
‫المكسورة إلى الوسائد المتهالكة‪ .‬نعم‪ ،‬حتى الوسائد كانت كارثة‪ .‬ربما كانتا جميلتين ذات يوم‪ ،‬لكن السنوات — ومعارك الطفولة‪،‬‬
‫بكل المرح السعيد والرمي الجامح للوسائد — دمرتهما‪ .‬في الواقع‪ ،‬في المرة األولى التي كان فيها هنا الحظهم‪ .‬وأثناء وقوفه في‬
‫‪.‬المدخل مع لوسي‪ ،‬الحظ آنا ‪ -‬نعم بالطبع ‪ -‬واألطفال يجلسون على األرض بالقرب منها‪ ،‬وصوتها الناعم يروي لهم حكاية خرافية‬
‫وتذكر اآلن أن كل ما حولهم كان نفس الوسائد القديمة‪" .‬حسًن ا‪ ".‬لقد صدم من كلماته الخاصة‪" .‬حسًن ا‪ "،‬كرر‪ ،‬وهو أكثر اقتناًع ا‪.‬‬
‫"لكن يجب أن تسمح لي بتجديد هذا المكان وبسرعة‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬يجب أن يكون هناك عدد كاف من الموظفين‪ .‬سأتحمل جميع‬
‫‪.‬النفقات بالطبع‬
‫أومأت برأسها‪ ،‬لكن كتفيها تدلتا‪ ،‬كما لو أنه ضربها‪ .‬أسندت رأسها على اللوحة‪" .‬أنا أطلب منك فقط يا سيدي" ‪ -‬وبدت‬

‫‪.‬يتألم عند نطق الكلمات ‪" -‬أنا أسألك‪ . . ".‬أطلب منك فقط الحد من اإلزعاج والضجيج عن والدي وعائلتي ‪-‬‬
‫يا إلهي‪ ،‬استديري يا آنا‪ .‬انظر إلَّي ‪" .‬سأفعل كل ما هو ممكن"‪ ،‬أجاب بصعوبة بالغة‪ ،‬ألن الكلمات لم تكن تريد أن تخرج من فكيه‬
‫‪.‬المطبقتين‬
‫قالت‪" :‬شيء أخير"‪ .‬ثم صمتت‪ ،‬ومررت إصبعها عبر لوح الزجاج‪ ،‬مما جعله يتحرك كما لو كان ضائًع ا في الشفافية‪ .‬قالت بعد‬
‫"‪...‬صمت طويل‪" :‬إذا حاولت‪ ،‬إذا حاولت االقتراب مني بعد زواجنا‬
‫"‪-‬لقد أخبرتك بالفعل"‬
‫"‪.‬سأقتلك يا سيدي"‬
‫)هل أنت أيًض ا مصدر إزعاج وضجيج يا كريستوفر؟(‬
‫الى الجحيم معها‪" .‬سأتمكن من إبقاء نفسي بعيًد ا عن سريرك‬
‫"‪.‬دون بذل مجهود كبير يا آنسة‬
‫صمتت لدقائق ثم قالت‪ :‬سأتحدث مع صديقي‬
‫"‪.‬األب قبل أن تفعل‪ .‬ظروف حالنا ‪ ." . .‬قالت متوقفة‪" .‬ظروف خطوبتنا يجب أال تكون معروفة‬
‫كما تتمنا‪ ".‬مأل كريستوفر رئتيه ببعض األنفاس الكبيرة‪" .‬سأطلب رخصة زواج‪ ،‬وسوف نتزوج في غضون أسبوعين على أبعد "‬
‫"‪.‬تقدير‪ .‬لن يكون من الصعب تبرير االستعجال‪ ،‬نظرًا لظروف والدك الصحية‪ .‬واآلن التفت نحوي‬
‫‪.‬آنا لم تتحرك‬
‫"أتوقع التعاون منك يا آنسة‪ .‬هل هذا واضح؟"‬
‫‪.‬الصمت‬
‫اآلن التفت نحوي واستجب لي‪ .‬تذكر أنك أنت"‬
‫‪”.‬طرف يستفيد من هذا الزواج؛ لذلك أطالبكم بالتوقف عن هذا الموقف‬
‫آنا لم تقل شيئا‪ .‬رفعت جبهتها عن الزجاج ونظرت إلى الخارج متأملة‪ ،‬كما لو كانت تبحث عن إجابة في األشجار‪ ،‬وفي مقعد‬
‫‪.‬الحديقة المدمر‪ ،‬وفي شجيرات الورد الذابلة‬
‫قال كريستوفر لنفسه‪ :‬لن أذهب إليها‪ .‬لن آخذها من ذراعيها وأديرها‪ .‬لن أهزها ألجعلها تنظر في عيني‪ .‬خطا خطوة‪ ،‬وفي تلك‬
‫‪.‬اللحظة ظهرت نورا من باب المطبخ‬
‫"هل أصنع لك القليل من الشاي يا آنا؟"‬
‫‪.‬التفتت نحو الطباخ القصير‪ ،‬ورأى مظهرها الشاحب‪" .‬ال‪ .‬لن يكون لدى السيد أي شيء‬

‫شعر كريستوفر بتدفق ساخن من الغضب يتصاعد في رأسه‪ .‬إذا اعتقدت هذه الفتاة أنها تستطيع االستمرار في التصرف بهذه‬
‫‪.‬الطريقة‪ ،‬فهي مستعدة لمستشفى األمراض العقلية‪" .‬في الواقع‪ ،‬أريد بعض الشاي يا نورا‪ "،‬قال صراحة‬
‫‪.‬دخلت الطاهية إلى الغرفة‪ ،‬وبدا أنها أصبحت فجأة أصغر سًن ا وربما أطول‬
‫‪.‬فأجابت‪" :‬أنا ال أتلقى أوامر منك يا سيدي"‪ ،‬ولو بصقت عليه الكلمات لكان غارًق ا تماًما‬
‫‪.‬تركته دهشته وفمه مفتوًح ا على مصراعيه لعدة لحظات‬
‫‪.‬هل تأكل الذباب؟" ضحك القزم اللعينة‪ .‬لقد تجعدت أنفها في وجهه كما لو كانت تفوح منه رائحة كريهة"‬
‫"‪...‬كفى‪ ،‬فكر كريستوفر‪" .‬اذا كنت تؤمن!" انفجر وهو يصرخ في وجهها‪" :‬إنك تسمحين لنفسك بـ‬
‫"‪.‬السيد‪ .‬دافنبورت"‬
‫قاطعه صوت آنا الهادئ‪ .‬استدار نحوها وهي تنظر إليه مباشرة بعيون واضحة‪ ،‬ولم يكن قادًر ا على النظر بعيًد ا‪ .‬أنا لم آخذ تلك‬
‫‪.‬الشرارة منك يا آنا‪ .‬فذابت فيه أعصابه‪ ،‬وأحس بالرغبة في البكاء‪ .‬لقد عرفت ذلك يا عزيزي‪ .‬كنت أعرف‬
‫‪".‬السيد‪" .‬دافنبورت"‪ ،‬كررت‪ ،‬وشفتاها الضيقة تشكالن خًط ا رفيًع ا‪" ،‬تذكري ما قلته لك"‬
‫‪.‬وضع كريستوفر يده على عينيه محاوًال تهدئة مشاعره‬
‫هل يجب أن أسمح لنفسي بأن أتعرض لإلهانة من قبل طباخ عجوز ذابل؟ أبدًا‪ .‬وال حتى في مليون سنة‪ .‬تنفس بعمق ولفترة طويلة‪،‬‬
‫‪.‬ثم أعاد فتح عينيه وحدق بكراهية في المرأة السمراء‪ ،‬التي بدت طويلة جًد ا‪ ،‬حتى لو لم يكن طولها حتى خمسة أقدام‬
‫"تنفس‪" .‬هل تتفضلين بأن تحضري لي بعض الشاي يا نورا؟‬
‫قال هذه الكلمات بأدب – أو شيء من هذا القبيل – ولم يتمكن كريستوفر من فهم سبب خروجها مثل نعيق حاد‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنه لن‬
‫يكون قادرا على القيام بعمل أفضل‪ ،‬حتى لو أراد ذلك‪ .‬نظر إلى آنا‪ .‬هل كان ذلك جيًد ا بما فيه الكفاية؟ هل هي أكثر سلمية قليال‬
‫اآلن؟‬
‫)!هل تريدها أن تكون مسالمة يا كريستوفر؟ ها(‬
‫أجبرت آنا على االبتسامة للسيدة العجوز‪ .‬ماذا قلت لك يا نورا عزيزتي؟ سيكون السيد لطيًف ا معنا‪ ".‬بالفعل لم تعد عيناها تنظر إليه‬
‫‪. . .‬بعد اآلن‪ .‬كانت خطيبته تتظاهر مرة أخرى بأنه غير موجود‪ ،‬وأنه ليس موجودًا‬
‫‪.‬خطيبة‬
‫)‪.‬خطيبتك‪ ،‬كريستوفر(‬

‫"!كريستوفر"‬
‫"‪.‬استدار نحو الباب الجانبي‪ ،‬حيث ظهر أنتوني‪ ،‬وهو يركض نحوه‪ ،‬كما كان يفعل دائًما‪ ،‬منذ أن تعلم الركض‪" .‬أهًال سيدي‬
‫يعتقد كريستوفر أن شخًص ا واحًد ا على األقل في الغرفة ال ينظر إلّي وكأنني ملفوف فاسد‪ .‬وبقدر ما كان يعتاد على معاملته كنبات‪،‬‬
‫"‪.‬كان يشعر باالرتياح حًقا‪" .‬مرحبا أنتوني‬
‫"أصبحت آنا شاحبة واقتربت من أخيها‪" .‬أنتوني‪ ،‬لماذا لم تبقى هناك؟‬
‫بقيت بعيدة قدر اإلمكان عن كريستوفر‪ ،‬لكنه مع ذلك اعتقد أنه يستطيع شم رائحة التفاح والزهرة‪ .‬لكن اي واحدة؟‬
‫"لقد أنهيت دروسي يا آنا‪" .‬سيدي‪ "،‬قال له من األسفل‪ ،‬نظًر ا لفارق قدمهما ونصف في االرتفاع‪" .‬هل أتيت من أجل أختي؟"‬
‫‪.‬أنتوني ‪ ." . .‬قالت آنا وهي توبخه وتضع يدها على كتفيه"‬
‫ولكن ماذا تعتقد أنني غول؟ أصيب كريستوفر بالذهول‪ ،‬بغضب ولكن بصدمة سخيفة‪ .‬يا إلهي‪ ،‬لن آكل أخيها! بحق المسيح‪ ،‬بعد‬
‫خمسة أيام من التوتر‪ ،‬هذه الفتاة تضغط على حظها كثيًر ا‪ .‬أجاب باقتضاب‪" :‬نعم‪ ،‬جئت من أجل أختك"‪" .‬لطلب يدها‪ ،‬في الواقع‪.‬‬
‫"‪.‬أذكر أنك أعطيتني موافقتك بالفعل‬
‫"‪.‬أومأ أنتوني دون مفاجأة‪" .‬هل ستتزوجينه يا آنا؟" حاولت أن تبتسم‪" .‬نعم أنتوني‬
‫"هل يعرف أبي؟"‬
‫"‪.‬ليس بعد"‬
‫"أصبح أنتوني متأمال‪" .‬هل يمكنك إدارة األمور بشكل جيد في حديقة الخضروات يا كريستوفر؟‬
‫"كان السؤال يفتقر تماًما إلى أي نوع من المنطق‪ ،‬ونظر إليه كريستوفر متشكًك ا في أنه فهمه‪" .‬الخضروات ‪ . . .‬الحديقة يا أنتوني؟‬
‫نعم‪ .‬طماطم‪ ،‬بصل‪ ،‬جزر‪ .‬سيريد والدي أن يعرف إذا كنت تفهم الزراعة‪ .‬هل تعرف شيئا عن ذلك؟ موسم الزراعة‪ ،‬موسم "‬
‫الحصاد‪ ،‬أشياء من هذا القبيل؟‬
‫وضع كريستوفر يده على جبهته وفركها‪ .‬يا إلهي‪ ،‬هذه العائلة جعلته يفقد عقله‪" .‬بصراحة ال‪ ".‬هز كتفيه‪" .‬أتصور أن ذلك لن يكون‬
‫"‪.‬مشكلة خطيرة‬
‫"‪.‬من النظرة على وجه أنتوني‪ ،‬كان من الواضح أنها ستكون مشكلة خطيرة للغاية‪" .‬أعتقد أنه سيفعل ذلك يا سيدي‬

‫"‪.‬حًق ا؟" لقد فكر لبضع لحظات‪" .‬يمكنك أن تساعدني إذن"‬


‫‪".‬لكن أنتوني هز رأسه‪ .‬وأوضح أن "هذا لن يكون عادال‬
‫أوه‪ ".‬وأوقف ابتسامة ساخرة‪ "" .‬إذن أنت تلعب بنزاهة إذن؟ هذا شيء جيد‪ ،‬إنه كذلك بالفعل‪ ".‬انه متوقف‪" .‬ماذا لو علمتك في "‬
‫"المقابل حركات أخرى للمبارزة؟‬
‫‪.‬كان يعتقد أن األمر برمته بسيط للغاية عندما يتعلق األمر بالرغبات‪ .‬في الواقع‪ ،‬أضاء وجه الصبي الصغير‬
‫‪".‬أجاب‪" :‬حسًن ا‬
‫"‪.‬ال"‬
‫مذهوًال‪ ،‬أدار أنتوني عينيه نحو آنا‪ ،‬التي كانت قد فعلت ذلك‬
‫تكلم بصراحة‪ ،‬وشعر كريستوفر بأن عضالته تصلب بقوة من أجل احتواء غضبه‪ .‬اآلن هذا يكفي‪ .‬خطا خطوة نحوها‪ ،‬ورأى‬
‫تالميذها يكبرون‪ .‬انتقل إلى جانبها وظهره إلى أنتوني ووضع جانبه على جانبها‪ .‬أصبحت شاحبة‪ ،‬كما لو كانت على وشك اإلغماء‪،‬‬
‫‪.‬لكن كريستوفر مع ذلك أدار فمه إلى أذنها‪ .‬لقد كاد يلمس جلدها عمًد ا‬
‫"‪.‬سيدة البطلة‪ ،‬انتبهي‪ "،‬همس بقسوة‪" .‬من اآلن فصاعدا سأكون جزءا من هذه العائلة"‬
‫كان وجهها يتشنج ‪ -‬من الذعر والذكريات واأللم ‪ -‬لكنها لم تتحرك‪ ،‬ولم يتوقع كريستوفر منها أن تفعل ذلك‪ .‬كانت تدافع عن أفراد‬
‫عائلتها حتى لو كلف ذلك حياتها‪ ،‬وفي الواقع عندما هسهست رًد ا على ذلك‪ ،‬لم يهتز صوتها‪" .‬يجب أن تنتبه جيًد ا لما تقوله وتفعله يا‬
‫"‪.‬سيد دافنبورت‬
‫أجاب بحدة‪" :‬ال تقلق"‪" .‬واآلن اذهب وتحدث مع والدك ثم اتصل بي‪ ".‬أخذ خطوة إلى الوراء‪ ،‬واتجه نحو أنتوني‪ ،‬الذي نظر إليهم‬
‫"في حيرة‪ .‬قال‪" :‬يمكننا أن نبدأ إذا أردت"‪" .‬ماذا يمكنك أن تخبرني عن الطماطم؟‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪16‬‬
‫‪.‬ال‪ ،‬ليس الجسد هو الذي مريض‪ ،‬بل الروح‬
‫الكسندر دوماس‪ ،‬األب ‪-‬‬
‫"‪.‬كانت رائحة الكاكاو في كل مكان عندما دخلت آنا المطبخ‪ .‬استقبلها والدها بابتسامة ملتوية‪" .‬صباح الخير يا آنا عزيزتي‬
‫ابتسمت له وأعطته قبلة صغيرة على خده‪ .‬سمعا خطوات سريعة في الصالة الصغيرة الواقعة بين المطبخ وغرفة الرسم‪ ،‬وبعد وقت‬
‫‪.‬قصير من دخول دينيس وجريس من الباب‬
‫‪.‬يا لها من رائحة!" صاح دينيس‪ .‬رأى البسكويت على الطاولة فتقدم وأخذ اثنتين منه في يده الصغيرة"‬
‫"‪.‬دينيس‪ "،‬وبخته نورا‪" .‬تناول واحدة تلو األخرى"‬
‫"‪.‬هل أصبحنا أغنياء؟" سألتها جريس‪" .‬لقد صنعت الحلويات كل يوم هذا األسبوع"‬
‫"‪.‬همف"‬
‫نظرت آنا إلى نورا‪ ،‬وكانت تعلم جيًد ا أنه بسببها بدأت الطباخة الصغيرة في إعداد العجين في وقت مبكر جًد ا من الصباح‪ :‬كانت‬
‫‪.‬تحاول تحفيز شهية آنا‪ ،‬ألنها تضاءلت تحت وطأة األفكار التي أثرت عليها‪ .‬عقلها وكذلك معدتها‬
‫"ابتسمت لها ابتسامة قسرية وأعطتها قبلة على خدها‪" .‬نورا‪ ،‬ولكن في أي وقت استيقظت؟‬
‫لم تجب نورا‪ ،‬بل أشارت بدًال من ذلك إلى البسكويت‪" .‬جرب واحدة‪ .‬انهم بخير‪ ".‬كان منطقها ‪" -‬أنا أستيقظ مبكًر ا‪ ،‬وأنت تأكل‬
‫البسكويت" ‪ -‬ال تشوبه شائبة‪ ،‬فتناولت آنا قطعة شوكوالتة فلورنتينية‪ ،‬وجلست ثقيلة على طاولة الطعام المصنوعة من خشب البتوال‪،‬‬
‫‪.‬واستندت على مرفقها واضعة ذقنها في يدها‬

‫‪.‬دخل أنتوني المطبخ وهو يخدش رأسه‪ .‬كان حزينا وهو يجلس بجانبها‬
‫‪".‬قال‪" :‬الصباح‬
‫نظر دينيس إلى زاوية المطبخ‪ ،‬وانخفض فمه عندما توقف عن المضغ‪ .‬لقد سمح بحماس "أوه!" قطع البصق من البسكويت في كل‬
‫‪.‬مكان‪" .‬ما هؤالء؟" وأشار نحو عدة طرود وسالل ملفوفة تحتوي على طعام وفواكه‪ ،‬كانت مكدسة في جبل صغير بألوان مختلفة‬
‫لم تالحظهم آنا‪ ،‬وتوقفت يدها في الهواء بينما كانت على وشك وضع قطعة بسكويت في فمها‪" .‬من أرسل تلك األشياء؟" سألت فجأة‪.‬‬
‫‪.‬اندفع الدم إلى رأسها حتى قبل أن تسمع الجواب‪ ،‬ألنها عرفت‬
‫‪.‬السيد‪" .‬دافنبورت‪ ،‬عزيزي"‪ ،‬أجاب السيد شامبيون‪ ،‬وهو يفرك خده الخشن‪ .‬ارتجفت يدها من الغضب‪ ،‬وتصلب ظهرها"‬
‫‪".‬وأضاف والدها‪" :‬إنه شاب جيد‬
‫كيف يمكنه ذلك‪ ،‬ذلك الخنزير؟‬
‫"‪.‬قالت لها نورا‪" :‬لقد استهلكت كل ما لدينا من دقيق لصنع البسكويت"‪" .‬لم أستخدم أًيا من تلك السالل‬
‫)!آه‪ ،‬نورا عرفت كيف تقرأ أفكارها(‬
‫‪.‬هل هذه األشياء لنا؟" سأل دينيس"‬
‫كانت اإلثارة في عينيه مشوبة بالكفر‪ .‬لقد كانت سنوات‬
‫في منزل البطل منذ أن رأوا العديد من األلوان مًع ا‪ .‬أجاب السيد تشامبيون‪" :‬نعم يا دينيس"‪" .‬أنت و‪ . . .‬لك‬
‫"‪.‬إخوة‬
‫‪.‬نسي دينيس الحلويات‪ ،‬وركض نحو الهدايا‬
‫‪".‬احتجت جريس وهي تتسابق بجواره قائلة‪" :‬إنها ليست كلها ملكك‬
‫‪.‬دينيس‪ ،‬ال تلمس أي شيء!" صرخت آنا"‬
‫توقف دينيس وجريس خائفين‪ ،‬بل وحتى والدها نظر إليهما‬
‫"آنا بشكل غريب‪" .‬ولماذا ال يا آنا‪ ،‬عزيزتي؟‬
‫كانت ترتجف من العجز‪ ،‬ولم تستطع اإلجابة – في النهاية‪ ،‬ماذا؟‬
‫هل يمكنها أن تقول؟ اللعنات! اللعنة عليك إلى الجحيم‪ ،‬كريستوفر دافنبورت اللعين! "آنا‪ ،‬ال يمكنك أن تؤذي‪ ." . .‬توقف السيد‬
‫‪.‬تشامبيون وهو يعاني من ضيق في التنفس‬
‫يا إلهي‪ ،‬هل سينتهي هذا يوًما ما؟ "بالطبع يا أبي‪ "،‬وافقت‬
‫"‪.‬بعجلة‪" .‬أنت محق‬
‫‪.‬اقترب دينيس من الهدايا‪ ،‬ونظر بشك إلى إحداها‬
‫ثم توقف عن التردد وبدأ في فتحهما‪ ،‬وركضت جريس نحوه‬

‫‪.‬جنًبا إلى جنب مع صرخة‪ .‬فقط أنتوني استمر في تناول وجبة اإلفطار في صمت‪ .‬كان يراقب وهو عابس‬
‫‪.‬أخرج دينيس دمية من علبة ذهبية‪ .‬لم يكن مهتًما بها‪ ،‬وتركها تتأرجح على زاوية الطاولة‬
‫‪.‬دينيس!" صرخت غريس في وجهه غاضبة"‬
‫تجاهلها شقيقها وصرخ‪ ،‬ألنه وجد في الصندوق التالي لعبة جديدة تماًم ا‪ :‬أنبوب ملون ربما يبلغ طوله ثماني بوصات‪ .‬رفع الطفل‬
‫‪.‬عينه إلى النهاية التي بها ثقب‪ ،‬وأدار الطرف اآلخر‪ ،‬ثم قال "أوه!" من العجب‪ ،‬كما لو كان يشهد نوعا من السحر‬
‫قامت غريس بتسوية شعر الدمية‪ ،‬وترتيب خصالت شعرها األشقر بعناية‪ .‬قالت لها‪" :‬سأدعوك مارغريت"‪ .‬التفتت نحو آنا‪" .‬إنها‬
‫"!جميلة يا آنا‪ .‬ينظر‬
‫أعطت خدود الدمية الوردية الملونة بشكل واضح وشعرها الالمع مظهًر ا مبتذًال‪ .‬كان فستانها المخملي ذو اللون األحمر الداكن غنًيا‪،‬‬
‫مثل فستان عاهرة‪ ،‬ونظرت عيناها الزرقاوان إلى آنا وكأنها تسخر منها‪ .‬وضعت آنا البسكويت على الطاولة ونهضت فجأة وهي‬
‫‪.‬تشعر باالختناق‬
‫دون أن يعرف أن هذا الصوت اخترق قلب أخته الكبرى مثل الخنجر‪ ،‬فتح دينيس طرًد ا آخر‪ .‬إال أن صوته كان يفتقر إلى الحماس‬
‫‪».‬وهو يقول‪« :‬آه‪ ،‬كتب‬
‫رفع أنتوني رأسه بسرعة‪ .‬أوه‪ ،‬أنتوني‪ ،‬ال‪ .‬ليس انت ايضا‪ .‬لكنه وقف ببطء وسار نحو الصندوق‪" .‬فلسفة!" صرخ مذهواًل ‪ ،‬وعبر‬
‫صوته عن فرحة شديدة لدرجة أن قلب آنا أصدر صريًر ا مؤلًم ا لم يكن يسمعه أحد سواها‪ .‬هذا الرجل اللعين‪ ،‬فكرت بابتسامة حزينة‪،‬‬
‫يعرف حًق ا كيف يلعب أوراقه جيًد ا‪ ،‬هذا أمر مؤكد‪ .‬الدموع‪ ،‬التي أصبحت رفيقتها الدائمة‪ ،‬غمرت عينيها‪ .‬لقد كان هذا حدًث ا نادًر ا‪،‬‬
‫وكان نادًر ا حتى قبل بضعة أسابيع‪ .‬لكنها لم تعد ذلك الشخص اآلخر‪ :‬لقد استسلمت‪ ،‬وأمضت لياليها في عزاء نفسها‪ ،‬متجمعة بينما‬
‫كانت الدموع تنهمر على خديها‪ .‬بقيت هناك‪ ،‬على وسادتها الرطبة‪ ،‬وشعرت أن شيًئ ا عميًق ا بداخلها يذوب وهي تغرق في غياهب‬
‫النسيان؛ كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي تمكنت من النوم بها‪ .‬وحتى اآلن خفضت رأسها نحو صدرها‪ ،‬وهي ترتجف من عدم‬
‫‪.‬الثقة‪ ،‬وتوجهت بسرعة نحو الباب‬
‫"‪.‬آنا‪ ،‬انتظري"‪ ،‬صرخت نورا وهي تحمل مظروًف ا لها‪" .‬هناك مالحظة لك"‬
‫لم تفهم‪ ،‬أخذت الورقة البيضاء المختومة ونظرت إليها بهدوء‪ .‬ثم استجمعت قواها‪ ،‬الحظت حزن الطباخة‪ ،‬وغادرت على عجل‬
‫‪.‬لتختبئ في الغرفة الخلفية‪ ،‬حيث كان كل شيء مغطى باللون األبيض‬

‫المالءات‪ ،‬وحيث يمكن أن تبقى بمفردها لفترة من الوقت‪" .‬لكن هذا المكان لن يكون ملكك لفترة طويلة‪ ،‬أليس هذا صحيًح ا؟" ضحك‬
‫"‪.‬صوت الذكور داخل رأسها‪" .‬سوف أهرب منه‪ ،‬مثل البقية‬
‫أغلقت آنا الباب واستندت عليه‪ ،‬وتركت نفسها تنزلق إلى األرض‪ .‬وبقيت على تلك الوضعية‪ ،‬وجبهتها على ركبتيها‪ ،‬وظهر األلم‬
‫‪.‬على وجهها المحمر‪ .‬ضعيف‪ ،‬غبي‪ ،‬مثير للشفقة‬
‫‪.‬وقالت انها سوف تتزوج هذا الرجل‬
‫‪. . .‬ذلك الرجل القاسي والعنيف‪ ،‬يشكل خطرًا عليها وعلى عائلتها‪ .‬وإذا أراد أن يلمسها مرة أخرى‬
‫‪.‬يا هللا ساعدني‬
‫‪ . . .‬ال‪ ،‬فهي لن تسمح له بذلك‪ .‬إنها تفضل قتله‪ .‬سوف تجد طريقة‪ .‬هي ارادت‬
‫بكت بشدة دون أن تتمكن من التوقف‪ .‬لقد وعد كريستوفر بوقتها‪ .‬وقت! ارتفعت زاوية فمها بابتسامة وهمية‪ .‬كم من الوقت يعتقد أنه‬
‫سيستغرق؟ شهر‪ ،‬يوم‪ ،‬ساعة؟ تذكرت السالل الموجودة في المطبخ‪ ،‬وتلك الفواكه الملونة‪ ،‬والصناديق المغلفة المملوءة بالسم‪ .‬يمكنه‬
‫‪.‬شراء أي شيء وكل شيء‪ .‬حتى أنه سيشتري محبة عائلتي‬
‫رفعت رأسها ونظرت بغباء إلى الرسالة التي كانت تحملها بين يديها‪ .‬فتحت الختم الذي كان عليه بعناية‪ ،‬كما لو أن تعويذة قد تخرج‬
‫‪.‬منه‪ ،‬وقرأت‬
‫‪,‬ملكة جمال البطل‬
‫لقد فتحت حسابات في محالت القرية لك ولعائلتك‪ .‬اشتري كل ما تحتاجه دون القلق بشأن التكلفة‪ .‬على وجه الخصوص‪ ،‬أود منك‬
‫‪.‬شراء خزانة مالبس جديدة‬
‫قرص مضغوط‬
‫‪.‬حدقت في المذكرة‪ ،‬مستاءة‪ .‬اآلن أراد أن يشتريها‬
‫‪.‬إنها تفعل ذلك عن قصد‪ .‬هذا ما اعتقده كريستوفر وهو يواجه الباب األمامي المغلق لمنزل البطل‪ .‬طرق للمرة الثالثة‬

‫جعله ينتظر لفترة طويلة قبل أن تسمح له بالدخول أصبح عادة مزعجة‪ ،‬وبالتأكيد لم يكن ذلك من قبيل الصدفة‪ .‬أوه ال‪ ،‬بالتأكيد ليس‬
‫‪.‬من قبيل الصدفة‪ .‬سمع أخيًر ا شخًص ا يأتي من خلف الباب‪ ،‬وعندما فتح الباب‪ ،‬ظهر وجه آنا دون ابتسامة‪ .‬كريستوفر مشدود فكيه‬
‫‪".‬حدقت فوق كتفيه وفي المسافة‪ .‬قالت بصراحة دون أي مجامالت أو تحيات‪" :‬لم نكن نتوقع قدومك هذا الصباح‬
‫أجاب ببرود‪" :‬أنت لست مهذًبا جًد ا مع خطيبتك‪ ،‬كما أرى"‪" .‬على أية حال‪ ،‬سأكون هنا كثيًر ا لمتابعة العمل الذي يتم إنجازه في‬
‫"‪.‬منزلك‪ ،‬لذا تعتاد على ذلك‪ ".‬توقف لفترة وجيزة‪" .‬أنا بحاجة للتحدث معك حول ذلك‬
‫"‪.‬عندي ضيوف‪ .‬يبتعد"‬
‫"‪.‬سأكون سريًع ا في ذلك‪ ،‬خمس دقائق فقط‪ .‬اسمحوا لي أن تأتي في"‬
‫"‪.‬ال"‬
‫‪.‬بذل كريستوفر جهًد ا ال يصدق حتى ال يمسكها من رقبتها‬
‫اآلنسة تشامبيون‪ ،‬لقد أخبرتك بالفعل أنه يجب عليك تغيير موقفك‪ ".‬منزعًج ا ‪ ،‬مرر يده من خالل شعره‪" .‬لن يعمل األمر بهذه "‬
‫"‪.‬الطريقة‪ ،‬أنا أحذرك‬
‫ويبدو أنها لم تسمعه حتى‪ ،‬فبعد أن كان غير مرئي‪ ،‬أصبح اآلن غير مسموع‪ .‬وفي كل مرة كان أمام خطيبته‪ ،‬بدا أن حضوره‬
‫‪.‬الجسدي يفقد تأثيره بشكل خطير‬
‫لماذا أرسلت هذه األشياء هذا الصباح؟" كان الغضب واضحا في صوتها العالي‪ .‬عزيزي هللا‪ ،‬هل هذا هو سبب غضبها الشديد؟ "‬
‫"‪ -‬بسبب الهدايا؟ "ولكن ماذا كنت تعتقد أنك تفعل؟" واصلت‪" .‬أنت ترغب في شراء عائلتي مع عدد قليل من‬
‫كفاك عبثا‪ .‬قال وهو يكذب‪" :‬ال أرغب في شراء أحد"‪ .‬كيف أتحدث مع شخص ال ينظر في وجهي؟ "أردت فقط أن أقدم بعض "‬
‫‪.‬الهدايا إلخوتك وأختك‪ .‬اعتقدت أنني كنت أفعل شيًئ ا ستقدره‪ .‬واآلن دعني أدخل‪ ".‬دفع الباب بيده‪ ،‬لكن آنا أغلقته‬
‫أنت ‪ . . .‬يجب ‪ . . .‬ال ‪ ." . .‬كانت قادرة على التحدث فقط في طفرات قصيرة‪ .‬الحظ كريستوفر فمها ضيًقا ومليًئ ا بالغضب‪" .‬لن "‬
‫‪».‬يحدث مطلقا مرة اخري‪ .‬وأنا لن تسمح بذلك‪ .‬ال نريد منك شيئا‬
‫أوه حًق ا؟" اللعنة‪ ،‬كان بحاجة إلى التزام الهدوء‪ ،‬ولكن وهللا أنها يمكن أن تستفزه! "يا آنسة البطلة‪ ،‬استمعي‪ ".‬يجب أن يكون لدى هذه"‬
‫الفتاة بعض العقول في مكان ما؛ هم فقط بحاجة إلى العثور عليها‪ ،‬أليس كذلك؟ "يجب أن تفهم ذلك‬

‫!من الضروري أن تقبل أموالي‪ .‬ال أستطيع أن أتحمل استمرارك في العيش في هذه الظروف المتهالكة‪ .‬ال تجعلني أخجل من زوجتي‬
‫خجالن؟ أنت؟ مني؟" بدت آنا مستاءة للغاية لدرجة أنها وجهت عينيها نحوه‪ .‬نظرتها ‪-‬الصادقة إلى الخير‪ ،‬النظرة التي أعطتها له!‪" -‬‬
‫"!كانت مليئة بالكراهية لدرجة أنها لم تكن خائفة‪" .‬أنت يا سيدي ال تعرف شيًئ ا عن العار‬
‫آنا‪ ".‬قرص طرف أنفه وأغلق عينيه‪" .‬لقد استسلمت لمطالبك‪ ،‬رغم أنها كانت سخيفة‪ ".‬فتح عينيه بغضب مرة أخرى‪" .‬واآلن "‬
‫"!ستقبلينني وهللا! دعني ادخل‬
‫لقد دفع الباب بعنف‪ ،‬ودفعه فجأة بيده‪ ،‬وقفزت آنا كما لو كانت قد احترقت‪ .‬دخل كريستوفر وخطا خطوات كبيرة وهو متجه إلى‬
‫‪.‬غرفة الرسم‬
‫السيد‪ .‬دافنبورت! كانت اآلنسة إدواردز الفاتنة تجلس على األريكة‪ ،‬ووقفت برشاقة بدت وكأنها ولدت بها‪" .‬إنه لمن دواعي "‬
‫"‪.‬سروري الحقيقي أن أراك‬
‫"‪.‬قال كريستوفر وهو يحييها‪" :‬آنسة إدواردز"‪ .‬والحقيقة أنه كان في حالة ذهول‪ .‬لم يعتقد أن أحدًا كان مع آنا‪" .‬كل السعادة ملكي‬
‫‪.‬انضمت إليهم آنا‪ ،‬شاحبة ولكن هادئة‪" .‬السيد‪ .‬ال تستطيع دافنبورت البقاء طويًال يا لوسي‬
‫"‪.‬السيد‪ .‬دافنبورت‪ ،‬لقد أخبرتني آنا للتو باألخبار الرائعة‪ .‬لكم مني أحر التهاني"‬
‫شكرًا لك يا آنسة إدواردز"‪ .‬وخطرت في ذهنه فكرة‪ ،‬وأضاف بحقد محسوب‪« :‬أتمنى أن تساعد خطيبتي في االستعدادات للزفاف‪" .‬‬
‫سيكون ذوقك الذي ال تشوبه شائبة ال يقدر بثمن‪ .‬وربما يمكنك حتى أن تتمكن من الحصول على بعض المعنى لها! كان يعتقد في‬
‫‪.‬نفسه‬
‫نظرت آنا إليه كما لو أنه صفعها‪ ،‬وحتى لوسي بدت مرتبكة‪« .‬كنا نتحدث عن ذلك للتو يا سيد دافنبورت‪ .‬ال شيء يمكن أن يجعلني‬
‫‪".‬أكثر سعادة‪ ،‬وآنا تعرف ذلك‪ .‬قالت مشددة على الكلمات الثالث األخيرة‪" :‬إذا أرادت‪ ،‬فسأساعدها بكل سرور‬
‫‪.‬أضاءت ابتسامة حقيقية وجه آنا‪ .‬استدارت هي ولوسي لمواجهته كما لو كانا جداًر ا‬
‫يبدو أن طلبي ال يعني الكثير بالنسبة لآلنسة إدواردز‪ ،‬فهم كريستوفر وهو منزعج‪ .‬سيكون من الصعب وضعها بجانبي‪ .‬كان على‬
‫‪.‬وشك الرد عندما سمعوا طرًق ا بقوة ال تصدق على الباب األمامي‪ ،‬وقد تفاجأوا جميًع ا قليًال وقفزوا‬

‫‪.‬ذهبت لوسي إلى النافذة ومدت رقبتها لترى من الذي صنع هذا المضرب‬
‫‪.‬هل كنِت تنتظرين شخًص ا ما يا آنسة تشامبيون؟" سأل كريستوفر‪ .‬آنا لم تنظر إليه أو تستجيب"‬
‫‪".‬قال‪" :‬أعتقد أن ذلك القريب هو الذي يعيش معك يا سيد دافنبورت‬
‫لوسي‪" .‬لقد رأيته فقط في الكنيسة‪ ،‬ولكني أقسم أنه هو"‪ .‬ماثيو؟! انه حقا ال يمكن أن يكون‪ . . .‬ذهب كريستوفر إلى النافذة‪ .‬اعترف‬
‫قائًال‪" :‬إنه ابن عمي بالفعل"‪ ،‬وهللا وحده يعلم كم كان يكره قول تلك الكلمات بصوت عاٍل ‪ .‬عليك اللعنة‪ .‬كان من الواضح أن ماثيو‬
‫سيتعين عليه مقابلة آنا عاجًال أم آجًال‪ ،‬لكن كريستوفر أراد أوًال أن يمنحه جزًءا من رأيه‪ ،‬وهو وصف طويل جًد ا ومفصل يسرد‬
‫جميع العظام ‪ -‬القليل منها الذي لم يكن ابن عمه على علم بوجوده‪ ،‬كان متأكدا ‪ -‬ذلك‬
‫‪.‬سوف ينكسر في حالة ترك شيء ال ينبغي له أن ينزلق‪ .‬أذهلهم صوت عاٍل آخر‬
‫‪".‬قال‪" :‬تركه بالخارج لن يكون له أي معنى يا آنسة تشامبيون‬
‫" ‪.‬تنهد وفرك جبهته بأطراف أصابعه‪" .‬قد يستمر هذا لساعات‪ .‬سأضطر إلى تقديمه لك‪ ،‬إذا جاز لي ذلك‬
‫"‪.‬أوه‪ ،‬كم هو رائع!" صاحت لوسي‪" .‬لقد مرت العصور التي أردت مقابلته"‬
‫‪ . . ".‬السيد‪" .‬دافنبورت‪ "،‬قالت له آنا‪" .‬إذا كنت ترغب في الذهاب افتح الباب لـ ‪ . . .‬نسبي"‬
‫نسبي؟ أود أن أقول إنه يعاني من ألم فظيع في الرقبة‪" .‬بالطبع‪ .‬ربما توقف هنا ليخبرني بشيء ما‪ .‬سنكون هنا لبضع دقائق فقط‪،‬‬
‫‪.‬على أي حال‬
‫‪.‬غادر الغرفة على عجل وذهب إلى الباب األمامي‪ .‬فتحها فوجد اإلزعاج يبتسم أمامه‬
‫"مات‪ ،‬ماذا بحق الجحيم‪-‬؟"‬
‫ابن عم!" قاطعه بصوت عاٍل لدرجة أن الفتيات سمعنه بالتأكيد‪ ،‬كان من الممكن أن يسمعنه في منتصف الطريق حول العالم‪" .‬‬
‫"‪".‬حسنا‪ ،‬لماذا هذا الوجه؟ من مات؟ "آه‪ ،‬بالطبع‪ ،‬هذا هو وجهك المعتاد‬
‫"مات‪ ،‬ماذا تفعل هنا؟"‬
‫"هل ستطلب مني الدخول أم ال؟"‬
‫كان عليه أن‪ .‬قال بجدية‪« :‬ماثيو‪ ،‬ال أعرف ما الذي لديك‬
‫‪.‬في ذهنك‪ ،‬ولكن تأكد من مراقبة لسانك‬
‫أوه‪ ،‬لن أقلق على لساني لو كنت مكانك‪ ،‬بشعر مثل"‬
‫الذي ‪ -‬التي‪ .‬بماذا مشطت شعرك هذا الصباح‪ ،‬أيها القنفذ الهستيري؟‬

‫"تنهد كريستوفر‪" .‬لقد مر وقت طويل منذ أن هددتك بالعنف الجسدي‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫"‪.‬خدش ابن عمه رأسه وهو يفكر في ذلك‪" .‬حوالي نصف ساعة‪ ،‬يبدو لي‪ .‬ربما خمس وأربعون دقيقة‬
‫جيد‪ ،‬حان الوقت بالنسبة لي أن أبدأ من جديد‪ ،‬إذن‪ .‬لم يكن عليك أن تأتي إلى هنا اليوم‪ ،‬وأنت تعرف ذلك‪ .‬تصرف جيًد ا اآلن إذا "‬
‫»‪.‬كنت تريد االحتفاظ بكل ذراع من ذراعيك قطعة واحدة‪ ،‬على األقل حتى الليلة‪ ،‬عندما سأكسرهما مًعا‬
‫‪.‬ضحك ماثيو‪ .‬ولم يبدو عليه القلق‪" .‬أنا ال أفهم لماذا أنت قلق للغاية‪ ،‬كريس‪ .‬هل ترى؟ لقد وضعت وجهي الجدي‬
‫استقال كريستوفر وتخلى عن الجدال‪ .‬قاده إلى غرفة الرسم‪ ،‬وكانت الكلمات األولى التي خرجت من فم ماثيو عندما وطأت قدمه إلى‬
‫الداخل هي "يجب أن تكوني اآلنسة تشامبيون‪ ،‬على ما أعتقد‪ .‬لقد كنت أشعر بالفضول الشديد للقاء السيدة الشابة التي استحوذت على‬
‫‪.‬قلب ابن عمي‬
‫حقيقة أنه لم يقدم نفسه حتى كانت أقل ما يثير القلق في هذه المرحلة‪ .‬لكن لماذا لم يعصر كريستوفر رقبته عندما أتيحت له الفرصة؟‬
‫‪. . .‬على سبيل المثال‪ ،‬هذا الصباح‪ .‬كان من الممكن أن يكون هذا الصباح مثالًيا‪ .‬أو حتى صباح أمس‪ ،‬أو‬
‫"أجبرت آنا على ابتسامة مملة‪" .‬أنت ابن عم السيد دافنبورت؟‬
‫‪ . . ".‬بالتأكيد يا آنسة‪ ،‬في خدمتك‪ .‬نحن أقارب‪ ،‬لكني أؤكد لك أن الغباء صفة ورثها هو وحده‪ ،‬لذلك"‬
‫‪.‬للحظة بدت آنا وكأنها نسيت أن خطيبها كان هناك‪ .‬عندما نظرت إلى ماثيو وفمها مفتوح‪ ،‬عاد لونها‬
‫‪.‬فكر كريستوفر بسرعة في الخيارات الممكنة‬
‫‪.‬أحدهما‪ :‬القضاء على ابن عمه في الحال‬
‫‪.‬الثاني‪ :‬قدميه إلى الشابات الالتي ينظرن إليه بغرابة‪ ،‬كل واحدة على طريقتها‬
‫"‪.‬قال لهم ببرود‪" :‬هذا ماثيو دافنبورت‪ ،‬ابن عمي البعيد"‪" .‬اآلنسة آنا تشامبيون واآلنسة لوسي إدواردز‬
‫ابتسمت لوسي لماثيو بحرارة‪" .‬كنت على علم أنك تعيش في منزل السيد دافنبورت‪ ،‬ولكن هذا أمر فظيع لم نلتقي به من قبل‪ ،‬أال‬
‫"تعتقد ذلك؟‬
‫‪.‬أنا ال أختلط كثيًر ا في المجتمع‪ ،‬في الواقع‪ .‬أترك ذلك لكريس‪ .‬لقد هيئته شخصيته لذلك‪ ،‬ألنه دائًما ما يكون مبتهًج ا وودوًد ا"‬
‫‪.‬سمحت لوسي بضحكة صغيرة قبل أن تغطي فمها بيدها‬

‫اضحك اآلن يا مات‪ ،‬فكر كريستوفر‪ .‬سنتحدث عن هذا الحقا‪ .‬كان على وشك تمرير أصابعه من خالل شعره‪ ،‬لكنه بالكاد توقف في‬
‫الوقت المناسب‪ .‬ألقى نظرة على آنا‪ .‬لقد كانت أكثر حيوية بعض الشيء‪ ،‬أم أن األمر بدا كذلك بالنسبة له فقط؟ كاد أن يرحب‬
‫‪.‬بحضور متى‬
‫‪.‬بالكاد‬
‫‪.‬اآلن حان الوقت إلخراجه من هناك قبل أن يتسبب في بعض األضرار التي ال يمكن إصالحها‬
‫"قالت لوسي‪" :‬ابن عمك لطيف جًد ا يا سيد دافنبورت"‪" .‬لماذا لم تعرفنا من قبل؟‬
‫لم يقل كريستوفر شيًئ ا واقترب من ماثيو‪" .‬مات"‪ ،‬همس وهو يمسك بذراعه ويضغط عليها بقوة‪" .‬السيدات يرغبن في البقاء‬
‫بمفردهن‪ ،‬واآلن بعد أن فكرت في األمر‪ ،‬لدي ما أقوله لك‪ .‬انه مهم جدا‪ ".‬لقد سحبه من ذراعه‪ ،‬لكن ماثيو تملص من حريته‪ ،‬ودون‬
‫‪.‬أن يبالي بالخطر – والسخافة – ركض لالختباء خلف لوسي‬
‫‪".‬قال بينما كان كريستوفر ينظر إليه بصمت يعده بمستقبل مؤلم‪" :‬آنسة إدواردز‪ ،‬أخبريه أنني ال أزعجك من فضلك‬
‫ضحكت لوسي وأعطت كريستوفر نظرة انتقادية‪ .‬وبخته قائلة‪" :‬يا سيد دافنبورت‪ ،‬أنت فظيع"‪" .‬ابن عمك هو شاب مبهج بشكل‬
‫"‪.‬إيجابي‬
‫‪.‬كان يعتقد أن البهجة اإليجابية ستكسبه ضربة جيدة‪ ،‬لكنه قرر بحكمة أن يظل هادًئ ا‪ .‬لكن متى لم يفعل الشيء نفسه‬
‫قال‪" :‬أبلغني ابن عمي اليوم أنه سيتزوجك قريًبا جًد ا يا آنسة تشامبيون"‪" .‬أردت مقابلتك على الفور‪ ،‬لكنه لم يرغب في اصطحابي‬
‫"‪.‬معه‪ ،‬لذلك قررت أن آتي وحدي‬
‫‪".‬تمتمت آنا‪" :‬هذا أمر منطقي‬
‫ما هو المنطقي؟ هل جئت وحدي أم أنه لم يرغب في اصطحابي معه؟ لم يمنحها الوقت للرد — لكن آنا بدت مندهشة للغاية لدرجة "‬
‫أنها ربما لم تكن قادرة على قول الكثير — وتابع‪« :‬الحقيقة هي يا سيداتي‪ ،‬أنني لم أؤمن بإمكانية وجود شيء‪ .‬فتاة مستعدة لتحمله‬
‫على وجه األرض كله‪ .‬لذلك أسرعت إلى هنا لمعرفة ما الذي يمكن أن يدفع فتاة صغيرة تتمتع بكامل قواها العقلية إلى الزواج من‬
‫‪.‬مثل هذا الشخص الفاسد‬
‫"!يا للقرف‪" .‬ماثيو‬
‫‪”.‬اهدأ يا كريس‪ .‬أنا لست قلًق ا من أنني سأسيء إلى اآلنسة تشامبيون‪ .‬أي شخص يقرر الزواج منك يجب أن يتمتع بروح الدعابة"‬
‫ضحكت لوسي‪ ،‬وحتى آنا ابتسمت‪ ،‬بالرغم من تصلبها‪" .‬ال تقلق يا سيد‪ . . .‬دافنبورت‪ ".‬بدا أنها تعاني من مشاكل‪ ،‬وأعطتها بعض‬
‫"‪.‬السعال‪" .‬في الواقع‪ ،‬هذا سؤال قد يطرحه أي شخص‬
‫شعر كريستوفر بالغضب المتزايد بداخله‪ .‬ذكاء ابن عمه كان في غير محله هنا‪ .‬ألم يالحظ أن آنا لم تكن مستمتعة على اإلطالق؟‬
‫‪.‬كان يظنه أذكى من ذلك‬
‫وبدًال من ذلك بدا أن متى لم يالحظ توترها وال شحوبها غير الطبيعي‪ ،‬فسألها مرة أخرى‪" :‬هل من الممكن أنه استغلك في لحظة‬
‫"ضعف ليجعلك تقبلين؟‬
‫‪.‬رمشت آنا عينيها‪ ،‬ولم تعرف كيف ترد‪ .‬ولحسن الحظ‪ ،‬أخرجتها لوسي من هذا الوضع المحرج‬
‫فقاطعتها قائلة‪" :‬اآلن بعد أن فكرت في األمر يا سيد دافنبورت‪ ،‬كانت آنا مريضة حتى قبل يومين‪ ،‬ثم كانت مخطوبة البن عمك‪ .‬هل‬
‫تعتقد أن الحمى التي تعاني منها قد أضعفتها إلى هذا الحد‪ ،‬في رأيك؟‬
‫"لست متأكد‪ .‬انه ممكن‪ .‬كم كان ارتفاعها؟"‬
‫"‪.‬يبدو أنها عالية بما فيه الكفاية‪ ،‬ألنها لم تنهض من السرير لعدة أيام"‬
‫أوه‪ ،‬لم يكن شيًئ ا‪ "،‬تمتمت آنا وقد أصبح لونها شاحًبا‪ .‬قال كريستوفر لنفسه‪ ،‬إذا استمرت على هذا النحو‪ ،‬فسوف تختفي أمام عيني "‬
‫!مباشرة‪ .‬لكن أال يدرك هذان الشخصان المعاناة التي تعيشها آنا؟ يا له من زوجين من الحمقى غير حساسين‬
‫آنا‪ ،‬ماذا تقصدين‪ ،‬ال شيء؟" اعترضت لوسي وهي مندهشة‪" .‬نورا هددتني بالسكين عندما حاولت االلتفاف حولها لرؤيتك في "‬
‫‪".‬غرفتك‬
‫‪.‬نورا‪ .‬نورا وملعقتها الخشبية المزعجة‪ .‬كريستوفر‪ ،‬الذي تذكر ذلك جيًد ا‪ ،‬فهم تماًما الحالة الذهنية لآلنسة إدواردز‬
‫حًق ا؟" سأل ماثيو‪ ،‬كما لو كان غارًق ا في أفكاره‪ ،‬والتفت ببطء نحو آنا‪ .‬وعلى الرغم من استمراره في االبتسام‪ ،‬إال أنه يبدو أن وجهه"‬
‫تغير فجأة‪ ،‬وشعر كريستوفر بأول عالمات الخطر‪ .‬كان ماثيو أكثر ذكاًء من ذلك‪ ،‬بعد كل شيء‪" .‬كنت تشعرين بالمرض لدرجة أنك‬
‫"ال ترغبين في استقبال الزوار‪ ،‬يا آنسة تشامبيون؟‬
‫"‪.‬أوه‪ ،‬ال شيء خطير يا سيدي‪ ".‬أعطت ضحكة خفيفة‪" .‬ال شئ خطير‪ .‬حًقا"‬
‫ماثيو‪ ،‬يجب أن نذهب اآلن‪ ".‬اقترب كريستوفر منه وأمسكه من ذراعه‪ .‬لم يحتج ابن عمه‪ ،‬وهذا – على عكس ما بدا – لم يكن "‬
‫‪.‬عالمة جيدة‬

‫قالت لوسي‪" :‬لقد كان من دواعي سروري الحقيقي أن أتعرف عليك يا سيد دافنبورت"‪" .‬آمل أن أراكم مرة أخرى قريبا جدا‪ .‬الجمعة‬
‫‪.‬القادمة‪ ،‬أوعدني أنك ستأتي إلى الحفلة في منزلي‬
‫بالتأكيد يا آنسة إدواردز‪ .‬واآلن بعد أن حظيت بشرف مقابلتك‪ ،‬ال شيء يمكن أن يمنعني‪ .‬وأود أن أسألك شيًئ ا أخيًر ا قبل أن أذهب‪«.‬‬
‫تقدم نحوها وهمس بشيء في أذنها‪ .‬ضحكت لوسي وهزت رأسها‪ ،‬ثم تمتمت بشيء ردًا على ذلك‪ .‬ابتسم ماثيو وهو يستمع‪ .‬لكن‬
‫عينيه ظلتا جديتين‪ .‬قال بصوت عاٍل ‪" :‬أنا أفهم"‪" .‬يجب أن يكون القرب من ابن عمي‪ ،‬إذن‪ .‬إنه يميل إلى أن يكون له هذا التأثير‬
‫"—‬
‫‪ . . ".‬ماثيو"‬
‫"لنذهب إذا‪ .‬اآلنسة تشامبيون‪ ،‬هل تتفضلين بمرافقتنا إلى الباب؟"‬
‫"‪.‬سارع كريستوفر للتدخل‪" .‬هذا ليس ضروريا على اإلطالق‬
‫"‪.‬من فضلك‪ "،‬توسل إليها ماثيو بابتسامة متوترة‪" .‬فقط بضع ثواٍن أخرى في شركتك قبل أن تتركني وحدي معه"‬
‫‪.‬مات‪ ،‬يا له من شيطان‪ . . .‬؟" توقف عن الحديث ألن لوسي كانت تنظر إليه في حيرة"‬
‫"‪.‬أجابت آنا‪" :‬بالطبع يا سيد دافنبورت‪ ،‬سأرافقك بكل سرور"‪" .‬ستكون مجرد لحظة‪ ،‬لوسي‬
‫‪.‬توجه ثالثتهم نحو الباب‪ ،‬ووصلوا إليه بصمت‪ .‬فتحها كريستوفر بسرعة‪" .‬اآلنسة تشامبيون‪ "،‬قال وهو يغادرها‬
‫"‪.‬رفع ماثيو الحاجب‪" .‬أنت تسميها" ملكة جمال البطل "‪ "،‬كريس "‪ .‬رومانسي جًد ا منك‬
‫"‪.‬ماثيو‪ ،‬أنت حقا تذهب بعيدا جدا"‬
‫"‪.‬ويبدو أن ابن العم مقتنع بذلك‪ .‬قال أخيرًا‪" :‬جيد"‪" .‬لنذهب إذا‪ .‬يا آنسة‪ ،‬لقد كان من دواعي سروري‬
‫لقد رحلوا‪ .‬ذهبت آنا لتغلق الباب‪ ،‬لكن ماثيو‪ ،‬دار حوله‪ ،‬ووضع يده عليه وأبقاه مفتوًح ا‪ .‬قال كما لو كان بالصدفة‪" :‬آه‪ ،‬لقد تذكرت‬
‫للتو شيًئ ا مضحًك ا"‪" .‬لقد قلت أنك مريض‪ ،‬أليس كذلك؟ "مريضة جًد ا" – أغمض عينيه في منتصف الطريق وحدق بها باهتمام –‬
‫‪"".‬حتى أنك لم تتمكني من مغادرة غرفتك‬
‫"‪-‬أوه‪ ،‬لكنه كان"‬
‫قال وهو ينهي جملته بلطف‪" :‬لم يكن هناك شيء‪ ،‬أعلم ذلك"‪" .‬هل تريد أن تعرف شيًئ ا غريًبا؟ كان لدى كريس أيًض ا مشكلة أبقت‬
‫عليه‬

‫"المنزل لعدة أيام‪ ،‬ما يقرب من أسبوع‪ .‬هل تجد أن هذه صدفة غريبة؟‬
‫"‪.‬هذا يكفي يا ماثيو‪ .‬دعنا نذهب"‬
‫"‪.‬الصمت‪ ،‬كريستوفر"‬
‫ربما عليه أن يمسكه من رقبته ويرميه من األمام‬
‫‪.‬الشرفة‪ ،‬فكر كريستوفر‪ .‬أو ربما عليه أن يمنعه من التحدث أكثر مع آنا‪ .‬لكنه كان يعلم أن ذلك سيكون بال معنى‪ ،‬ألن متى فهم ذلك‬
‫‪.‬الجحيم الدموي‬
‫استدار ماثيو نحو آنا‪ ،‬التي كان رأسها منحنًيا‪ .‬قال لها بصوت منخفض‪« :‬عليك أن تعلمي يا آنسة أنه يبدو أن ابن عمي تعرض‬
‫لهجوم قط مسعور‪ .‬لقد كان مغطى بالجروح والخدوش التي‪ ،‬بالمناسبة‪ ،‬حسنت بشكل كبير وجهه القبيح‪ .‬أطلق ضحكة صغيرة‬
‫حزينة‪" .‬أخبرني أنه تعرض لسقطة سيئة‪ ،‬وإذا نظرت عن كثب يمكنك رؤية بعض الندوب عليه‪ .‬أنت ال تريد أن ترفع عينيك وإلقاء‬
‫"‪.‬نظرة؟ ال ‪ . . .‬؟ أفهم‪ .‬ال تهتم‬
‫ماثيو ‪ ." . .‬كريستوفر لم يكمل جملته‪ .‬ماذا يمكن أن يقول‪ ،‬على أي حال؟"‬
‫ألقول الحقيقة‪ ،‬كان هو نفسه يبدو مثل قط مسعور خالل تلك األيام‪ "،‬تابع متى‪" .‬إحتدم غيظا‪ .‬حًق ا يا آنسة تشامبيون‪ ،‬كان يجب أن "‬
‫»‪.‬تراه‬
‫نظرت آنا لألعلى‪ ،‬في حيرة من أمرها‪ .‬بدت مذهولة‪ ،‬ولكن كان هناك شيء آخر في عينيها ‪ -‬ضوء‪ ،‬ضوء بدا وكأنه ‪ . . ...‬يأمل؟‬
‫هل تعتقد أنني لم أالحظ‪ ،‬كريس؟" قال ماثيو وهو يبتسم بمرارة‪" .‬وبالصدفة‪ ،‬أخبرتني هذا الصباح أنك ستتزوجين‪ .‬مثل هذا‪ .‬دونما "‬
‫سابق إنذار‪ ،‬على حين غرة‪ ،‬فجأة‪ .‬ال أريد أن أجرح مشاعرك يا ابن عمي العزيز‪ ،‬ولكن يجب أن أعترف بأن لدي انطباع بأن‬
‫‪.‬خطيبتك تفضل أن ُتغمس في مرجل من الحساء الساخن المغلي بدًال من أن تصبح زوجتك‬
‫‪.‬حدق كريستوفر به دون أن يقول أي شيء‪ .‬كانت آنا أيًض ا صامتة‪ ،‬متكئة على الباب المفتوح لتتمكن من الصمود‬
‫"هللا يا كريستوفر‪ ".‬كان صوت ماثيو بالكاد همًس ا‪ ،‬لكنه كان همًس ا قاسًيا‪" .‬ماذا فعلت ‪ . . .‬؟"‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪17‬‬
‫‪.‬أفضل مرآة هو صديق قديم‬
‫"يا إلهي‪ ،‬كريستوفر‪ ،‬ماذا فعلت؟"‬
‫بدا وجه ماثيو يذبل فجأة‪ ،‬كما لو أن الجلد قد علق للتو‬
‫هو ‪ -‬هي‪ .‬لم يبق شيء من الشاب المبتهج منذ دقائق قليلة‪ ،‬وبقلب مثقل التفتت آنا نحو خطيبها لترى ما إذا كانت معاناة ابن عمه قد‬
‫‪.‬أثرت عليه‬
‫‪.‬من الواضح أنه ال‬
‫كان كريستوفر عديم المشاعر‪ ،‬أو باألحرى كان يبتسم‪" .‬ماثيو‪ ،‬حاول أال تبكي إذا كنت تستطيع ذلك‪ .‬ومنذ متى وأنت تجدف أمام‬
‫السيدات؟‬
‫‪.‬لم يكن هناك أي أثر للخجل على وجهه‪ ،‬وحدقت فيه آنا‪ ،‬غير مصدقة على الرغم من كل شيء‬
‫لم أصدق أنك قادر على ذلك يا كريستوفر‪ ".‬ولكن في غمغمته المنخفضة والمحزنة‪ ،‬بدا أن ماثيو يتحدث إلى نفسه‪" .‬أبدًا‪ .‬وال حتى "‬
‫في مائة عام‪ .‬أنا حقا غبي كما تقول‪ " .‬ارتسمت نصف ابتسامة على وجهه ونظر إلى األسفل‪ ،‬كما قد تفعل فتاة منزعجة‪" .‬لقد‬
‫ساعدتك دائًما‪ ،‬وأنت تعرف ذلك‪ .‬ولكن هذا كثير جًد ا‪ ،‬كثيًر ا حًق ا‪ .‬هل تفهم؟" رمش بعينيه ليمنع دموعه‪ ،‬ونظر إليه كريستوفر بنظرة‬
‫انزعاج نافذ الصبر‪" .‬أال تفهم؟ ال؟" أصبح صوت ماثيو غاضبا‪" .‬هل تعتقد حًق ا أن ماضيك يمنحك الحق؟ ‪ ." .‬توقف فجأة‪ ،‬كما لو‬
‫‪.‬أن مقًص ا غير مرئي قد قطع الكلمات وهو في حلقه‪ .‬صدم ماثيو‪ ،‬والتفت نحو آنا‪ .‬يبدو أنه نسي وجودها حتى تلك اللحظة بالذات‬
‫جورج هربرت—‬

‫ما الماضي؟ فكرت آنا‪ .‬بأي حق؟‬


‫‪.‬للحظة طويلة كان الجميع عاجزين عن الكالم‪ .‬بدا ابنا العم مذهولين‪ ،‬سواء الذي تحدث أو الذي استمع‬
‫"‪-‬كريس‪ ،‬أنا"‬
‫"دون أن يتركه يكمل‪ ،‬اقترب كريستوفر منه‪ ،‬وضربه بقوة على عتبة الباب‪" .‬ماذا بحق الجحيم تعتقد أنك تفعله يا ماثيو؟‬
‫"!السيد‪ .‬دافنبورت! كريستوفر! اتركه وشأنه في الحال"‬
‫‪.‬ركضت آنا بينهما ووضعت يدها على ذراع خطيبها‪ ،‬ناسية الرعب الذي فعله بها‬
‫"!نظر كريستوفر إليها‪ ،‬وقد أعمى بالغضب‪" .‬آنا‪ ،‬ال تتورطي في هذا!" زمجر‪" .‬البقاء للخروج منه‬
‫ابتعدي عن هذا األمر يا آنسة البطلة"‪ ،‬ردد ماثيو صدى ذلك‪ ،‬على الرغم من أنه كان أكثر هدوًءا‪ .‬كان بال حراك بين يدي ابن عمه"‬
‫"‪.‬الذي أبقاه مرتفًع ا عن األرض من ياقة سترته‪ ،‬مثل كيس بطاطس نصف فارغ‪" .‬هذا بيننا‬
‫"‪...‬السيد‪ .‬دافنبورت‪ ،‬ال أستطيع"‬
‫أكد ماثيو مجدًد ا‪ ،‬مبتسًما لها كما لو كان يشرب الشاي بدًال من أن يتدلى في قبضتي ابن عمه الضخم والعنيف‪" :‬ابتعدي يا آنسة‬
‫"‪.‬البطلة"‪" .‬دعونا نسوي األمر بطريقتنا‬
‫هل هو مجنون؟ لطيفة ولكن مجنونة؟ تساءلت آنا عن ذلك‪ ،‬وقلبها في حلقها ورأسها على وشك االنفجار من ضخ الدم بسرعة كبيرة‪،‬‬
‫‪.‬لكنها تراجعت خطوة إلى الوراء كما طلب منها‬
‫"إذًا كريس ماذا تريد أن تفعل؟" سأل ماثيو‪" .‬هل تعتقد أنك سوف تشعر بالتحسن بعد ذلك؟"‬
‫شدد كريستوفر قبضتيه بقوة على السترة‪" .‬أوه‪ ،‬إلى الجحيم معها!" لقد بادر بالخروج وأسقطه فجأة‪ .‬مشى بعيًد ا وظهره إليه‪ ،‬ونظر‬
‫‪".‬نحو المسار القصير الذي تصطف على جانبيه األشجار‪ .‬تمتم بضجر‪" :‬لم يكن عليك أن تأتي إلى هنا اليوم‬
‫بدأت آنا في التنفس مرة أخرى‪ .‬ربما كان ماثيو يعرف ما كان يفعله‪ .‬وربما اهتم به كريستوفر‪ .‬جاءتها الفكرة بإلحاح وأمل بخبر‬
‫‪.‬غير متوقع ولكنه طال انتظاره‬
‫قام ماثيو بتسوية سترته‪ .‬بدأ قائًال ‪" :‬ملكة جمال البطل"‪ .‬كان هناك ظالم على وجهه وفي عينيه البنيتين الكبيرتين‪" .‬اآلنسة‬
‫تشامبيون‪ "،‬كرر‪ ،‬واضًح ا صوته‪" .‬أود ‪ . . .‬أود أن أعتذر عما حدث منذ قليل‪ ،‬في غرفة الرسم‪ .‬لألشياء التي قلتها‪ .‬أتوسل إليك أن‬
‫"‪.‬تسامحني‬

‫"‪.‬أومأت آنا برأسها‪ ،‬وسقطت خصلة من شعرها في عينيها‪" .‬ليس هناك ما يغفر‬
‫"أدار ماثيو رأسه نحو ابن عمه‪" .‬كريس ‪ . . .‬؟‬
‫"‪.‬أسرع يا ماثيو‪ .‬هيا بنا نذهب"‬
‫‪.‬ولم يلتفت حتى لينظر إليه‬
‫توتر فك ماثيو‪" .‬من أجل محبة هللا يا كريستوفر!" له‬
‫تحرك الصدر ألعلى وألسفل مع نفس عميق مرة‪ ،‬مرتين‪ ،‬ثالث مرات‪ .‬وأخيرًا قال بصوت عاٍل ‪" :‬أعتذر نيابًة عن ابنة عمي اآلنسة‬
‫"‪.‬تشامبيون‪ .‬أشعر باألسف عليه‬
‫‪. . .‬هذا يكفي!" اتخذ كريستوفر خطوة نحوه‪ ،‬واقتربت آنا منه‪ ،‬مستعدة لخنقه‪ .‬لو أنه تجرأ على ذلك"‬
‫‪.‬رفع ماثيو يده بضجر‪" .‬دعونا نذهب إلنهاء هذه المحادثة في مكان آخر‪ ،‬كريس‪ .‬آنسة تشامبيون‪ ،‬كان من دواعي سروري مقابلتك‬
‫"‬
‫اتصل بي آنا‪ "،‬قالت باندفاع‪ ،‬متأثرة‪ .‬كان هذا الصبي النحيل‪ ،‬الذي بدا وكأنه مراهق تقريًبا‪ ،‬يقف إلى جانبها ‪ -‬موقف شخص "‬
‫‪.‬غريب تماًم ا ‪ -‬ضد شخص بدا له بمثابة أخ أكثر من كونه ابن عم‬
‫ابتسم لها ماثيو بحرارة‪ ،‬وأضاءت عيناه بطريقة بدت غير حقيقية تقريًبا‪ ،‬وسرعان ما أصبح مرة أخرى الشاب الصبياني الذي التقت‬
‫به في غرفة الرسم قبل بضع دقائق‪" .‬لقد أحدثت ضجة كبيرة‪ ،‬أليس كذلك؟" لقد تفاخر بطريقة بارعة مستحيلة‪ .‬وبنظرة ارتياح‪ ،‬بدأ‬
‫"‪.‬بتنعيم شعره‪" .‬يمكنك االتصال بي ماثيو‪ ،‬من الواضح‬
‫أطلقت آنا ضحكة هستيرية صغيرة‪ .‬فأجابت‪" :‬أنا سعيدة جًد ا بلقائك يا ماثيو"‪ ،‬مدركة أنها سعيدة حًق ا‪ .‬وألول مرة منذ ما يقرب من‬
‫"‪.‬أسبوع‪ ،‬شعرت باالرتياح قليًال‪" .‬سنرى بعضنا البعض مرة أخرى قريًبا جًد ا‪ ،‬كما آمل‬
‫"‪.‬تحول كريستوفر نحوهم فجأة‪" .‬ماثيو‪ ،‬لن أنتظر ثانية أخرى‬
‫يبدو أنه كان يواجه مشاكل في احتواء غضبه‪ ،‬حيث أصبحت عيناه الضيقتان داكنتين‪ ،‬وتحولتا إلى اللون األسود تقريًبا في وضح‬
‫‪.‬النهار‬
‫)هل هو الغضب فقط؟ أم أن بداخله أيًض ا ألًما يا آنا؟(‬
‫لكن ماذا كانت تفكر؟ كان التوتر يجعلها غير منطقية‪ ،‬أو ربما كانت حاجتها السخيفة إلى أن تكون قادرة على تصديق ذلك‪ ،‬على‬
‫‪. ..‬الرغم من كل شيء‬
‫‪.‬يفتقد ‪ . . .‬آنا ‪ . . .‬نعم‪ ،‬سنرى بعضنا البعض مرة أخرى قريًبا‪ ،‬أكد ماثيو"‬

‫قبلها على يدها‪ ،‬وضغط عليها بلطف بشيء يشبه المودة‪ ،‬قبل أن ينزل على الدرجات الخمس للشرفة األمامية‪ .‬تبعه كريستوفر‬
‫‪.‬بغضب‪ ،‬دون أن يودعها أو حتى ينظر إلى الوراء‬
‫"!ركضت آنا من بعده‪" .‬كريستوفر‬
‫لم يتوقف‪ .‬لقد لحقت به عن طريق الركض‪ ،‬ولمسته‪ ،‬وتمسكت بكمه‪ ،‬ووقفت في ظل ارتفاعه المذهل‪ .‬استدار كريستوفر نحوها‪،‬‬
‫‪.‬ضخًما ومخيًف ا‪ ،‬لكنها كانت شجاعة‬
‫"‪...‬السيد‪ .‬قالت‪" :‬دافنبورت‪ ،‬إذا لمسته كثيًر ا"‬
‫"!هذه الشؤون ال تهمك يا آنسة تشامبيون"‬
‫عندما هز ذراعه بعنف‪ ،‬تركتها‪ ،‬وبحجم كبير على نحو غير عادي‬
‫خطوات ذهب بعيدا‪ .‬كل ما كان بوسع آنا فعله هو مشاهدتهما وهما يركبان حصانيهما ويبتعدان بسرعة عبر الممر‪ .‬كريستوفر‬
‫دافنبورت ضد ماثيو دافنبورت‪ ،‬مع فارق طول يبلغ حوالي ثماني بوصات بين االثنين‪ ،‬حسب تقديراتها بقلق‪ .‬خطيبي رجل نبيل‪ ،‬إذا‬
‫‪.‬كان ال يزال لدى أي شخص أي شكوك‬
‫"هل أنت معجب بها يا كريس؟"‬
‫‪،‬لقد وصلوا إلى روكفيلد بارك دون أن يتبادلوا كلمة واحدة‬
‫‪.‬أعطوا خيولهم ليوسف‪ ،‬وكانوا اآلن يسيرون نحو مدخل المنزل‬
‫توقف كريستوفر‪ ،‬ونظر إلى ابن عمه للتأكد من أنه لم يتعرض لضربة شمس على رأسه الغبي‪" .‬في الحب بالطبع!" أجاب بسخرية‪.‬‬
‫"‪".‬يا إلهي‪ ،‬ماثيو‪ ،‬يجب أن تكبر حًقا‬
‫أنت على حق‪ .‬ال أعلم كيف خطرت في ذهني فكرة كهذه‪ ".‬أعطى كريستوفر النظرة التي يعرفها جيًد ا‪ .‬القرف‪ .‬وكانت الخطبة على"‬
‫وشك أن تبدأ‪" .‬الجحيم الدامي‪ ،‬دعنا ننتهي من األمر يا كريستوفر!" صرخ بالتأكيد بصوت أعلى من المعتاد‪" .‬أنت مدين لي‬
‫"‪.‬بتفسير‬
‫‪".‬أجاب بتوتر‪" :‬أنا أحذرك يا ماثيو‪ ،‬توقف عن الشعور بألم في الرقبة‪ ،‬ألنني وصلت إلى نهاية صبري لهذا اليوم‬
‫لقد كان صحيحا‪ .‬حرارة شهر يوليو اللعينة‪ ،‬وليوبولد الذي لم يراه في اليومين الماضيين بحجة التزامات سابقة‪ ،‬والمشاكل التي كان‬
‫يواجهها في العثور على عمال إلصالح‬

‫‪.‬بيت البطل – كانت هذه كل األشياء التي طغت عليه أو جعلته ينفجر‬
‫)‪.‬وفكر في االبتسامة التي وجهتها إلى ماثيو ولوسي‪ .‬ولكن ليس لك يا كريستوفر(‬
‫كريستوفر"‪ .‬خفض متى صوته وكانت عيناه حزينتين‪ ،‬مثل عيني طفل صغير يستعد للصفع‪" .‬لقد اغتصبتها بعد أن أخبرتك "‬
‫"‪.‬بخطوبتها‪ ،‬وهذا يجعلني شريكك بطريقة ما‪ .‬يجب أن أعرف لماذا فعلت ذلك‬
‫فتح كريستوفر فمه ليتحدث – “أغلق فخك يا مات” – ولكن ما خرج كان كالتالي‪“ :‬ال أعرف! ال أعلم‪ ،‬لعنة هللا!» لقد صدمه ذلك‪،‬‬
‫وحتى صوته فاجأه‪ .‬بدا األمر يائًس ا جًد ا‪" .‬أنا ال أحب هذه الفتاة حتى‪ .‬السيد المسيح!" لقد ركل سحابة من الغبار في الهواء‪ .‬أخذ نفسا‬
‫عميقا‪ ،‬ثم آخر وآخر‪ .‬وضع يده على عينيه‪ ،‬وحاول إبطاء تدفق الدم المجنون في عروقه‪ .‬بدأ يتحدث مرة أخرى‪ ،‬أكثر هدوءا‪" .‬لقد‬
‫"‪.‬حدث ذلك‪ ،‬وهذا كل ما في األمر يا مات‪ .‬لقد حدث‪ .‬أعتقد ‪ ." . .‬انه متوقف‪" .‬أعتقد أن كراهيتي لدانيال أجبرتني قليًال‬
‫"أجبرت يدك قليال؟" نظر إليه ماثيو بصدمة‪" .‬يا إلهي‪ ،‬كريستوفر‪ ،‬لقد أردت أن تثير غضب أخيك‪ :‬هل هذا ما تقوله لي؟"‬
‫واعترف بأن األمر لم يكن جيًد ا على اإلطالق‪ ،‬لكنه لم يكن يعرف ما حدث له قبل أسبوع‪ .‬لماذا بحق الجحيم فعل ما فعله؟ أجاب‬
‫"وهو يهز كتفيه‪" :‬طبيعي‪ ،‬هكذا انتهت األمور‪ .‬واآلن يجب أن أتزوجها‪ .‬إنه أمر كوميدي‪ ،‬أال تعتقد ذلك؟‬
‫"أوه‪ ،‬بالتأكيد! ويقول كوميدي! هل أنت خارج عقلك تماما؟"‬
‫رفع كريستوفر يده إلى جبهته‪ .‬يا هللا ما هذا الحر وما هذا البلبلة‪ .‬كان بحاجة إلى الدخول إلى الداخل ليشرب شيًئ ا بارًد ا وقوًيا‪ ،‬أو‬
‫ربما قوًيا فقط‪" .‬اسمع‪ ،‬ليست هناك حاجة لك لجعل هذا الوجه حزينا‪ .‬سأتزوجها‪ ،‬أليس كذلك؟ سأضطر إلى تحملها لبقية حياتي‪،‬‬
‫‪.‬وأود أن أقول إن هذا أكثر من مجرد عقاب كاٍف‬
‫عزيزي هللا‪ ،‬كريستوفر‪ ،‬ماذا تقول؟ هل تستمع لي على اإلطالق؟ " ضرب ماثيو نفسه على الهيكل بيده ليجعل كريستوفر يفهم رأيه"‬
‫!في حالته العقلية‪" .‬أنت لست قادًر ا حًق ا على التفكير‪ ،‬أليس كذلك؟ هذه الفتاة خائفة منك! إنها ال تستطيع حتى أن تنظر في عينيك‬

‫أوه حًق ا؟ لم أكن قد الحظت‪ .‬أجاب بتعب‪" :‬ال تضيع وقتك في الشعور باألسف عليها"‪" .‬إنها أسوأ ساحرة قابلتها في حياتي‪ ،‬وإذا كان‬
‫‪".‬هناك ضحية في هذا الزواج‪ ،‬فهي بالتأكيد ليست هي‬
‫‪.‬لم يستطع ماثيو أن ينطق بإجابة حتى لو حاول‪ .‬فتح فمه‪ ،‬ثم أغلقه مرة أخرى‪ ،‬ثم فتحه مرة أخرى وأغلقه‪ .‬لم يخرج شيء‬
‫‪.‬لكن عينيه كانتا تحكمان على كريستوفر‪ .‬بحق الجحيم‪ ،‬كانوا يحكمون عليه‬
‫لقد كانت تطلب ذلك‪ ،‬في سبيل هللا!" انفجر كريستوفر‪" .‬لم تكن هناك يا ماثيو‪ ،‬لكني أؤكد لك أنها استفزتني بما يتجاوز كل الحدود! "‬
‫ال أعرف ما الذي حل بي‪ .‬لم أخطط لذلك‪ ،‬لكنه حدث‪ ،‬اللعنة‪ ،‬لقد حدث‪ .‬ال أستطيع أن أفعل أي شيء آخر حيال ذلك اآلن‪ ".‬نظر إلى‬
‫ابن عمه بينما كان يفرك مؤخرة رقبته بيده ببطء‪ .‬وأكد له بصوت خافت‪" :‬لن أكون زوجًا سيئًا لها"‪" .‬سأعطيها كل ما تريد‪ .‬يجب‬
‫‪.‬أن تصدقني يا مات‬
‫ولكن كريس‪ ،‬ماذا تقول؟" سأله دون أن يكون هناك غضب‪ ،‬بل اآلن واأللم في عينيه‪" .‬أنت ال تدرك كيف ستكون حياتك‪ ،‬إذا "‬
‫"‪...‬أحبت‬
‫"‪.‬ديمرسي؟" قال وهو ينهي جملته بسخرية‪" .‬بالتأكيد‪ ،‬كانت ستكون سعيدة معه بالطبع"‬
‫"!أنت تعلم جيًد ا أن دانيال ليس مثل والده كريستوفر"‬
‫حسًن ا‪ ،‬خذ جانبه إذن!" فجأة رفع ذراعه‪ ،‬مشيرًا إلى أسفل الممر بغضب شديد مثل حركاته‪" .‬اكشف له عن خطط ثأري‪ .‬دع كل هذه"‬
‫"‪-‬السنوات من النضال تذهب سدى‪ .‬ستفعل كل هذا من أجل آنا‪ ،‬أليس كذلك؟ بينما‬
‫ولكن كيف يمكنك أن تقول مثل هذا الشيء؟" قاطع ماثيو بشكل محموم‪" .‬أنت تعلم أنني لن أخونك أبًد ا! ولكن ما قمت به ال يغتفر‪" ،‬‬
‫ويجب أن تعرف ذلك! يجب عليك أن تطلب المغفرة من هذه الفتاة! " وأشار ليشدد على كالمه ليقنعه‪ ،‬بنفس يأس من يرى صديقه‬
‫"يغرق فيمد يده ليراه يغرق في البحر‪" .‬عزيزي هللا‪ ،‬متى أصبحت بهذه القسوة؟‬
‫أنا مثل هذا‪" .‬أنت الشخص الذي لم يرد أن يفهم ذلك أبًد ا"‪ ،‬أجاب كريستوفر‪ ،‬وقد أصبح هادًئ ا فجأة‪ .‬تم إخماد غضبه بسبب المرارة "‬
‫الشديدة التي أثقلت كاهله‪ ،‬لدرجة أنه شعر بحاجة ال تصدق إلى االستلقاء‪" .‬لكن ربما اآلن سأقنعك بهذا‪ ،‬وسوف تندم على عدم تركي‬
‫"‪.‬في تلك الحديقة منذ عشرين عاًما‬

‫أصابت هذه المالحظة ماثيو بشدة لدرجة أنه كان يعتقد أنه من الممكن رؤية آثار الصفعة على وجهه‪ .‬قال بصوت منخفض‪" :‬أنت‬
‫حًق ا خنزير يا كريستوفر"‪" .‬إنها ضربة منخفضة‪ ،‬وأنت تعرف ذلك‪ ".‬بالطبع كان يعرف ذلك ويقول ذلك عمدا‪ .‬وقد نجح األمر‪ :‬فقد‬
‫خفت النظرة على وجه ماثيو‪" .‬كريس‪ ،‬استمع‪ ." . .‬ابتلع ونظر إليه بشكل غير مريح‪" .‬أنا آسف لقول ذلك في منزل اآلنسة‬
‫"‪.‬تشامبيون في وقت سابق‬
‫نظر إليه كريستوفر بعينيه نصف مغلقة‪ .‬لقد انتهى األمر؛ انتهت الخطبة‪ ،‬على األقل لهذا اليوم‪ .‬أجاب بعد دقيقة كاملة من الصمت‪،‬‬
‫"ال أريد أن أتحدث عن األمر بعد اآلن يا ماثيو"‪ ،‬ثم توجه نحو المنزل دون أن يقول أي شيء آخر‪ .‬تبعته خطوات ابن عمه الناعمة‪،‬‬
‫‪.‬لكنه لم يحاول اللحاق به‬
‫من السهل جًد ا التالعب بك يا مات‪ ،‬فكر كريستوفر وهو يسير عبر المدخل األمامي لروكفيلد ويمر عبر الغرف الفاخرة‪ ،‬التي كانت‬
‫كبيرة جًد ا‪ .‬هذه هي المشكلة مع األشخاص مثلك الذين لديهم قلوب رقيقة‪ :‬من غير المجدي استخدام العنف‪ ،‬ألنه أكثر من كاٍف‬
‫للتحدث معك عن الصداقة والحب وغيرها من الهراء من هذا القبيل‪ ،‬وعلى الفور تتراجع‪ .‬لقد كان ماثيو دائًما شخًص ا جيًد ا‪ ،‬حتى‬
‫عندما كان صغيًر ا‪" .‬وأنت لم تتغير على اإلطالق منذ عشرين عاًم ا"‪ ،‬قال ذلك بازدراء ساخر‪ .‬أنت ال تزال كما هي‪ ،‬نفس األحمق‬
‫الواثق من ذلك الوقت‪ .‬الوقت لم يجعل ماثيو قاسًيا – بالتأكيد ال‪ .‬لكن ذلك زاد من صالبة كريستوفر‪ ،‬وكان ابن عمه على حق في‬
‫ذلك‪ .‬وكان ذلك أمًر ا جيًد ا‪ ،‬ألن كريستوفر لم يعد ضعيًف ا وال ضحية دموية‪ .‬لم يعد الطفل الصغير الذي هرب من بيت الدعارة في‬
‫‪.‬كوفنت جاردن‬
‫)ليس من بيت دعارة كوفنت جاردن‪ ،‬كريستوفر‪ .‬من يد برنارد جونز‪ .‬هل تتذكر برنارد‪ ،‬كريستوفر؟ برنارد الغول؟(‬
‫لقد تذكر كل ذلك بوضوح مدهش‪ .‬العربة األنيقة التي صعدوا إليها بعد مغادرة بيت الدعارة‪ .‬الحوذي عديم التعبير الذي فتح لهم‬
‫األبواب‪ .‬وبرنارد الذي لم يعد قادرًا على االنتظار حتى توقفت العربة بسبب شيء ما يسد الشارع‪" .‬هل تريد أن ترى شيئا؟" لقد سأل‬
‫‪.‬كريستوفر‪ ،‬وبدا أن سؤاله المتحّمس يتردد صداه داخل العربة مثل جندب مجنون‬
‫"لم يتمكن من رؤية أي شيء من نافذة العربة الصغيرة‪ ،‬على الرغم من أن كريستوفر ظل ينظر إلى الخارج‪" .‬ماذا؟‬
‫"‪.‬كانت يد برنارد اليسرى تالمس بنطاله‪" .‬لدي هنا‪ .‬اقترب‪ .‬سأظهر لك‬

‫لكن كريستوفر لم يستطع التحرك‪ .‬لماذا شعر بهذا الذعر الغامض الذي ينخره في حفرة معدته؟ كان يعتقد أن كل هذا يبدو غريًبا‬
‫للغاية‪ ،‬وبدا برنارد غريًبا بالتأكيد‪ ،‬أليس كذلك؟ "ال أريد أن أرى ذلك‪ ،‬الشيء الخاص بك‪ ".‬كان يدفع باتجاه باب العربة‪ .‬كان الهواء‬
‫‪.‬في الداخل هناك تفوح منه رائحة العرق‪ ،‬وكان هناك أيًض ا لمحة من رائحة أخرى لم تكن ملحوظة‪ ،‬رائحة حلوة وسكرية‬
‫تعال اآلن‪ ،‬ال تكن سيئا‪ ".‬حرك الغول يده على ذبابة بنطاله‪ ،‬وخرج صوته على شكل دفعات صغيرة بال نفس‪" .‬سأعطيك الحلوى‪" ،‬‬
‫كيًس ا من الحلوى‪ ".‬مد يده نحوه ‪ -‬يد لزجة‪ ،‬بأصابع بيضاء مثل الديدان السمينة ‪ -‬وأمسك كريستوفر من شعره‪ ،‬وسحبه إلى هناك إلى‬
‫‪.‬أسفل‪ ،‬نحو بطنه الممتلئ‬
‫"!ترك لي"‬
‫‪.‬تملص كريستوفر كالثعبان وعض يده‪ ،‬ومأل فمه بالدم والعرق‬
‫آه! نذل!" أمسك برنارد بيده الجريحة بيده األخرى‪ ،‬وأصيب بالذهول‪ ،‬كما لو أنه تعرض لإلهانة‪ ،‬ووجهه العبوس على وشك "‬
‫البكاء‪ .‬متجاهًال ألمه‪ ،‬فتح كريستوفر باب العربة‪ ،‬وقفز إلى الشارع‪ ،‬وركض بأسرع ما يمكن دون النظر إلى الوراء‪ .‬ربما كان هناك‬
‫من يتبعه؛ لم يكن يعرف على وجه اليقين‪ .‬كما أنه لم يكن يعرف إلى أين هو ذاهب أو من يطلب المساعدة‪ .‬كان يعلم فقط أنه كان‬
‫عليه أن يهرب‪ ،‬وركض بعيًد ا لدرجة أنه شعر بأن قلبه سينفجر ‪ -‬ركض بسرعة مذهلة‪ .‬أمضى الليلة في جرين بارك‪ ،‬وفي اليوم‬
‫‪.‬التالي التقى بماثيو‪ ،‬وطلب ماثيو من والدته أن تأخذه معهم إلى المنزل‬
‫‪.‬وكانت والدته قد قالت ال‬
‫تدحرجت آنا من جانب واحد من السرير إلى الجانب اآلخر‪ .‬لقد انزلقت الورقة الخفيفة من إحدى الزوايا‪ ،‬وكشفت عن قدم‪ .‬انقلبت‬
‫منزعجة‪ ،‬ثم استدارت مرة أخرى‪ ،‬ثم شخرت وجلست‪ ،‬وتركت المالءة تسقط على األرض‪ .‬نهضت من السرير ومضت باتجاه‬
‫النافذة‪ ،‬دافعة الستارة الثقيلة إلى الجانب‪ .‬كان القمر في طريقه إلى االنخفاض وبالكاد يضيء الممر الذي تصطف على جانبيه‬
‫األشجار ومقعد الحديقة‪ .‬كانت األرجوحة تتحرك ببطء في النسيم الخفيف‪ ،‬كما لو أن أ‬

‫قررت كائنات الليل أن تلعب هناك في تلك الليلة‪ ،‬متمايلة في ضوء القمر األثيري الشاحب‪ .‬عندما كانت طفلة‪ ،‬اعتقدت آنا أن هذا‬
‫العفريت قد يكون سيسيلي‪ ،‬أختها الصغيرة التي نجت بالكاد لمدة عام واحد‪ .‬ظلت والدة آنا صامتة لعدة أشهر بعد وفاة سيسيلي‪،‬‬
‫وشعرت آنا بالوحدة والحزن في المنزل‪ ،‬الذي فقد فجأة الفرح‪ .‬لقد شعرت بالحاجة إلى صديقة‪ ،‬وبدأت تتحدث مع سيسيلي كما لو‬
‫كانت ذات حضور حقيقي‪ .‬يا لها من ضحكة‪ ،‬وأي ألعاب لعبت‪ ،‬وأي سباقات خاضتها مع أختها الصغيرة في تلك الغرف الفارغة من‬
‫المنزل! ثم التقت بلوسي عندما كانت في السابعة من عمرها‪ ،‬وما زالت تعتقد أن سيسيلي هي التي جمعتهما مًع ا في ذلك اليوم‬
‫الممطر منذ فترة طويلة في الحقل بين منزليهما‪ .‬ومنذ ذلك الحين‪ ،‬لم تعد سيسلي مرة أخرى لزيارة آنا‪ ،‬ولكن حتى اآلن‪ ،‬بعد اثني‬
‫‪.‬عشر عاًما تقريًبا‪ ،‬حاولت التجسس على الوجود المؤذي ألختها‬
‫غمرت األفكار عقلها‪ ،‬وكانت ألول مرة أفكاًر ا أعطتها بعض الشجاعة للمستقبل‪ .‬وأعتقد أنني ال أريد مقابلة ماثيو دافنبورت‪ .‬كانت‬
‫تعرف‪ ،‬مثل أي شخص آخر في القرية‪ ،‬أنه يعيش مع كريستوفر‪ ،‬على الرغم من أنه غالًبا ما كان بعيًد ا للعمل‪ .‬بدت لها فكرة مقابلة‬
‫دافنبورت أخرى أمًر ا بغيًض ا لدرجة أنها كانت تأمل أال يحدث ذلك أبًد ا‪ .‬لكن متى أظهر صفات بشرية‪ ،‬على عكس ابن عمه‪.‬‬
‫‪:‬ابتسمت وهي تتذكر الرسالة التي أرسلها بعد ظهر ذلك اليوم‬
‫‪،‬عزيزتي آنا‬
‫لقد الحظت قلقك هذا الصباح وأنا أكتب ألطمئنك‪ :‬ما زلت على حالي‪ .‬لقد رفض كريستوفر تحديي‪ ،‬مما أثار خيبة أملي كثيًر ا؛ لم‬
‫أخسر قتااًل معه مطلًق ا‪ ،‬وأؤكد لك أنه في الماضي أصيب وجهي بقبضته بشكل خطير‪ ،‬مما ترك خدوًش ا خفيفة أكثر من مرة كانت‬
‫‪).‬مرئية عدة مرات بالعين المجردة (إذا حاول المرء فقط أن يفعل ذلك حًق ا) فحصها بعناية‬
‫عزيزتي آنا‪ ،‬هذه الكلمات ال يمكن أن تعبر عن مدى سعادتي بلقائك‪ .‬أتمنى أن أراك مجدًد ا قريًبا جًد ا‪ ،‬ربما في منزل صديقتك‬
‫‪.‬المحبوبة‪ ،‬يوم الجمعة المقبل‬
‫‪،‬وديا‬
‫ماثيو دافنبورت‬

‫كان لدى آنا عيون جافة‪ .‬لم تكن ترغب في البكاء‪ ،‬ليس كما تفعل كل ليلة‪ ،‬إذ كان يطاردها الظهيرة الرهيبة التي حدثت قبل ستة أيام‪.‬‬
‫كانت ذكرى ذلك النفس الساخن على رقبتها والصوت المتمّلق لذلك الغازي بداخلها ترافقها دائًما‪ ،‬مثل الظل‪ .‬هزت رأسها لتجنب‬
‫التفكير في األمر اآلن‪ .‬كان عليها أن تتصرف‪ ،‬ونقطة البداية يمكن أن تكون ما اكتشفته هذا الصباح‪ ،‬تلك العبارة المبهمة‪" :‬ماضيك‬
‫‪...". . ".‬ال يمنحك الحق في‬
‫‪.‬افعل ما تريد"‪ ،‬فكرت وهي تنهي الجملة" ‪. . .‬‬
‫ماذا حدث لكريستوفر؟ ما الذي جعله قاسًيا إلى هذا الحد‪ ،‬ومقتنًع ا جًد ا بأنه يستطيع التصرف خارج حدود أي أخالق؟ وقررت أنها‬
‫سوف تكتشف ذلك‪ .‬كان من المؤسف أنها لم تستطع أن تطلب المساعدة من لوسي‪ .‬لقد كانا مًع ا ال يهزمان في حل األلغاز الكبيرة‬
‫والصغيرة‪ ،‬مثل اللغز األول الذي حلوه‪ ،‬سر المجرفة المسروقة التي تركت في الشمس‪ ،‬والغموض الذي ال ُينسى قبل ثالثة أسابيع‬
‫فقط‪ ،‬البودنج المختفي ‪ -‬أو من ترك روزماري مع ال شيء لألكل؟‬
‫مضاءة بالقمر الصغير‪ ،‬الذي ألقى ضوًءا شاحًبا جديًد ا على تذكاراتها‪ ،‬قامت آنا بتقويم ظهرها‪ .‬قالت لنفسها إن الخطوة األولى‬
‫لمعرفة ذلك هي ماثيو‪ .‬ربما اآلن بعد أن عرف ما يمكن أن تفعله ابنة عمه‪ ،‬سيدير ظهره له ليصبح حليًف ا لها‪ .‬وربما بمساعدته‬
‫‪.‬سينتهي حفل الزفاف‪ .‬وإذا اكتشفت شيًئ ا يمكن أن يدمرك يا خطيبي الخسيس فلن أتردد في استخدامه‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪18‬‬
‫‪.‬ما في االسم؟ تلك التي نسميها وردة بأي اسم آخر ستكون رائحتها حلوة‬
‫وليام شكسبير‪-‬‬
‫"ما اسم حصانك؟"‬
‫أجاب كريستوفر‪" :‬ليس له اسم يا جريس"‪ .‬في الحقيقة ماذا‬
‫‪".‬ربما يكون األمر أكثر غباًء من إعطاء اسم للحصان؟ وأضاف بلطف‪" :‬أنتم أيها األطفال يمكنكم أن تقرروا ما إذا كنتم تريدون ذلك‬
‫كان في مطبخ منزل البطل في زيارته اإللزامية لخطيبته‪ .‬لم تعجب آنا بهذه الزيارات على اإلطالق‪ ،‬وكان كريستوفر على علم‬
‫بذلك‪ ،‬لكن لم يكن من الممكن تجنب الحفاظ على مظهر الخطوبة المثالية‪ .‬وعلى أية حال‪ ،‬لم يكن بوسعه إال أن يأتي‪ ،‬ألنه كان‬
‫بحاجة إلى مراقبة أعمال التجديد التي تتم في الكوخ‪ .‬من المؤكد أن السيد تشامبيون لم يستطع االهتمام باألمر‪ ،‬وفيما يتعلق بفكرة‬
‫ترك األمر آلنا ‪ -‬والتي كان رد فعله عليها بـ "سخيفة!" عندما عرضت عليه ذلك قبل يومين‪ ،‬لم يكن قد فكر في األمر حتى‪ .‬من‬
‫‪.‬المؤكد أن النساء ال يعرفن شيًئ ا عن مثل هذه األشياء‬
‫‪.‬هل نسميه نومينون؟" اقترح أنتوني"‬
‫‪.‬نومينون؟ تساءل كريستوفر في حيرة‬
‫‪.‬ال‪ "،‬ردت غريس مع عبوس متسلط على وجهها الصغير المستدير"‬
‫"!دعونا نسميه باسل"‬
‫"وماذا عن فارتي؟" قال دينيس‪" .‬هل فارتي ليس جيًد ا؟"‬
‫قالت آنا‪ ،‬التي كانت تجلس وتخيط شيًئ ا ما بالقرب من النافذة‪ ،‬بهدوء‪" :‬أنا أفعل ذلك‬
‫‪".‬ال أعتقد أن فارتي يبدو لطيًفا جًد ا بالنسبة السم‬
‫التفت كريستوفر نحوها بصدمة‪ .‬عندما كانا في نفس الغرفة‪ ،‬تحدثت آنا معه بأقل قدر ممكن ‪ -‬فقط عن التقدم المحرز في العمل في‬
‫المنزل واألشياء العملية ‪ -‬واستخدمت كلمات قليلة جًد ا‪ ،‬وأظهرت قدرة رائعة على اإليجاز عندما أرادت ذلك‪ . .‬في الواقع‪ ،‬عندما‬
‫كانت مع اآلخرين‪ ،‬بدا أنها ال تستطيع أن تكون هادئة أبًد ا‪ .‬في ذلك اليوم لم تكن آنا قد نظرت إليه حتى‪ .‬إذا شاركت‪ ،‬فمن المؤكد أن‬
‫‪.‬ذلك كان بسبب الحصان وليس بسببه‬
‫كان رأسها منحنًيا فوق فستان صغير باللونين الوردي واألخضر بينما كانت تخيط جيًبا ممزًق ا‪ .‬كانت يداها شاحبتين وسريعة‬
‫تتحركان برشاقة‪ ،‬كما لو أن دفع اإلبرة عبر القماش يتطلب لمسة رقيقة‪ .‬أشرق عليها الضوء الذي جاء من نافذة المطبخ‪ .‬الفستان‬
‫األبيض الذي كانت ترتديه عانق جسدها‪ .‬بدا أن كريستوفر يشعر بدفئها‪ ،‬كما لو كانت بجواره مباشرة ‪ -‬أو تحته ‪ -‬وليس عبر‬
‫‪.‬الغرفة‪ .‬كان صامتا‪ ،‬بالكاد يتنفس‬
‫‪.‬إذن‪ ،‬المقدمة إذن؟" قال أنتوني وهو يحاول مرة أخرى"‬
‫رمش كريستوفر والتفت إلى الصبي الصغير‪ .‬اعترف قائًال‪« :‬يبدو األمر جيًد ا‪ ،‬لكنك تفهم أن مناداته باسم ال أفهمه قد يوقعني في‬
‫مشكلة‪ .‬ماذا لو سألني أحدهم ماذا يعني ذلك؟‬
‫أستطيع أن أشرح ذلك‪ ".‬رفع أنتوني الكتاب الذي كان يقرأه وأظهر له الكلمة الموجودة على الغالف‪ ،‬وإذا كان هذا هو العنوان‪ ،‬فإن"‬
‫!كريستوفر لم يرغب في معرفة األشياء الفظيعة التي يمكن أن تكون كامنة بداخله‪ .‬يا لها من عائلة من المجانين‬
‫أجاب وهو يلقي نظرة مضطربة على الكتاب‪" :‬ربما يمكنك أن تشرح لي ذلك بالطبع"‪ .‬وأضاف بنبرة حاسمة‪« :‬أو يمكن أن نسميه‬
‫‪».‬باسيل‬
‫‪.‬صفقت جريس بيديها‪ ،‬لكن يبدو أن االثنين اآلخرين لم يرغبا في شيء من هذا القبيل‪ ،‬فبدأا في الجدال وضرب بعضهما البعض‬
‫"!مقدمة"‬
‫ماذا عن فارتيبيت؟ ألنها ذات رائحة كريهة قليًال‪ ،‬أليس كذلك؟" تنهد كريستوفر ورفع يديه‪ .‬لقد سارع إلى تهدئتهم"‬
‫المزاج‪ .‬وأكد لهم‪" :‬ال تقلقوا"‪" .‬قريًبا سيكون لديك ثالثة خيول‪ ،‬يمكنك أن تطلق عليها جميع األسماء التي تريدها‪ ".‬كان هذا صحيًح ا‪:‬‬
‫‪.‬كان العمل في اإلسطبالت يتقدم بسرعة‪ ،‬وستصل الخيول والعربة التي ستستخدمها عائلة البطل في غضون أيام قليلة‬
‫‪.‬بدا أن هذا التكتيك ناجح‪ ،‬ألن أنتوني ودينيس توقفا عن الجدال بعد عدة تبادالت للكلمات األخيرة وبعض الكلمات األخيرة‬

‫إهانات خيالية‬
‫‪".‬لقد تقرر‪ .‬قال كريستوفر وهو يراقب‪" :‬سُيطلق عليه اسم باسيل"‬
‫األطفال الثالثة يهدئون أنفسهم‪ .‬في ذلك الصباح‪ ،‬وألول مرة‪ ،‬بدا أن كل شيء يسير في االتجاه الصحيح‪ :‬حتى نورا اقتصرت على‬
‫بضع نقرات تحت أنفاسها‪ ،‬وأمسكت بالسكين مرة واحدة فقط ‪ -‬وليس الستخدامها ضده بل لتقشيرها‪ .‬بطاطا‪" .‬هل تريد أن تأخذه في‬
‫‪.‬جولة؟" ثم اقترح أن يقودهم إلى الخارج‬
‫‪.‬يا له من خطأ كبير‬
‫‪".‬نظرت خطيبته المروعة فجأة إلى األعلى‪ .‬قالت‪" :‬إنها ليست لعبة يا أطفال"‪" .‬اتركوا باسيل وشأنه‬
‫"‪.‬يا إلهي‪ ،‬لم يكن من الممكن أن تكون ضده حتى في هذا؟ ودعا‪" :‬هيا يا أطفال"‪ .‬أرادت القتال؟ سيعطيها واحدة‪" .‬يأتي‬
‫‪.‬لقد غادر بسرعة حتى ال يسمع االحتجاجات المزعجة‪ ،‬وركض جريس ودينيس خلفه‬
‫انضمت إليهم آنا في الخارج في المساحة المفتوحة بجوار المنزل‪" .‬دينيس! جمال!" اتصلت بهم مرة أخرى بسخط‪" .‬باسيل ليس هنا‬
‫للترفيه‪ ".‬لم تتجرأ حتى على إلقاء نظرة على كريستوفر‪ ،‬واقتربت من الحصان وربتت على خطمه بحنان لم يعهده منذ سنوات‬
‫‪.‬عديدة‬
‫"‪.‬كان من الممكن أن يخنقها كريستوفر‪" .‬هيا يا دينيس‪ "،‬صرخ‪" .‬تعال‪ ،‬سأساعدك‬
‫‪.‬التفتت إليه آنا بغضب‪ ،‬وشعر كريستوفر بألم مبتهج يطعنه في أمعائه‪ .‬أنت تنظر إلي يا آنا‪ .‬أنت تنظر إلي‬
‫"‪.‬ال تناقضني يا سيد دافنبورت"‬
‫رد بحدة‪ ،‬واقترب منها بما يكفي ليتمكن من الوقوف فوقها‪" :‬أنت من ال ينبغي أن تناقضني‪ ،‬يا آنسة تشامبيون"‪" .‬لم أكن أعتقد أنه‬
‫"‪.‬حتى هذا سوف يزعجك‬
‫‪.‬لمعت عيناها‪ ،‬وتساءل كريستوفر عما إذا كانت تحاول بالصدفة حرق حاجبيه بقوة عقلها‬
‫ال يجب أن تناقش سلطتي أمام األطفال"‪ ،‬هسهست دون أن تتراجع‪ .‬رفعت رأسها لألعلى واحمرت خدودها‪ .‬بدت شفتيها أكثر "‬
‫‪.‬احمراًر ا من أي وقت مضى‬
‫‪".‬تمتم قائًال‪" :‬أنت تعلم جيًد ا أنني سأفعل ذلك‬
‫لقد اقترب منها كثيًر ا لدرجة أنه كان يلمسها تقريًبا‪ .‬آنا لم تتحرك‪ .‬خطا خطوة صغيرة أخرى‪ ،‬فالمست سترته فستانها وصدرها‬
‫‪.‬الناعم‬

‫‪.‬فقدت خديها فجأة كل األلوان‬


‫"‪.‬ابتسم كريستوفر بقسوة‪" .‬توقفي عن جعل نفسك أحمق واذهبي بعيًد ا‪ ،‬يا آنسة البطلة‬
‫لقد كانا قريبين من بعضهما البعض لدرجة أن كل ما كان عليه فعله هو خفض رأسه لتقبيل شفتيها‪ ،‬أو خفضه أكثر قليًال ليلمس‬
‫رقبتها وصدرها‪ ،‬الذي ارتفع وسقط بسرعة تحت مالبسها الخفيفة‪ .‬كانت الشمس تضرب‪ ،‬وكانت الحرارة تؤثر على عقله‪ .‬كان يأمل‬
‫‪.‬أن تستسلم آنا قريًبا‪ ،‬ألنه شعر بالدوار قليًال‪ ،‬وكان يخشى أن يقول ‪ -‬أو ما هو أسوأ من ذلك‪ ،‬أن يفعل ‪ -‬أشياء غير مستحسنة‬
‫‪.‬واصلت النظر إليه لبضع لحظات أطول‪ ،‬ولكن في النهاية تغلب عليها الخوف‪ .‬ابتعدت عنه بالرجوع خطوة إلى الوراء‬
‫"‪.‬تمتمت وهي تنظر إلى األسفل‪" :‬أنا أفي بجميع طلباتك يا سيد دافنبورت"‪" .‬ال تجعل األمور صعبة للغاية بالنسبة لي‬
‫"‪.‬أنت لم ترتدي خاتمك يا آنسة"‬
‫كان هذا الحجر الشفاف‪ ،‬على قاعدة بسيطة وأنيقة‪ ،‬قد ُت رك في الصندوق مباشرة بعد أن أعطاه لها‪ .‬آنا لم ترتديه‪ .‬لم تنظر إليها‬
‫‪.‬حتى‪ ،‬وال حتى عندما وضعها على إصبعها أمام أفراد عائلتها‬
‫سأرتديه في األماكن العامة يا سيدي‪ ".‬وعادت نحو األطفال‪" .‬دينيس‪ ،‬جريس‪ ،‬ادخال المنزل"‪ ،‬أمرتهما بشكل قاطع قبل أن تستدير "‬
‫‪.‬وتسير نحو المدخل‬
‫‪.‬نظرت جريس‪ ،‬المفزعة‪ ،‬إلى أختها أوًال‪ ،‬ثم إلى كريستوفر‬
‫‪".‬قال‪" :‬يمكنك أن تأخذي توصيلة إذا أردِت يا جريس‬
‫آه‪ ،‬الرغبة! ال يقاوم جًد ا في هذا العمر مع عدم وجود نصف تدابير‪ ،‬ساطع جًد ا‬
‫‪.‬الزاهية في عيون جريس! ومع ذلك‪ ،‬هزت الفتاة الصغيرة كتفيها‪ ،‬وركضت خلف أختها الكبرى‪ ،‬بنظرة أخيرة من الندم‬
‫"تنهد كريستوفر‪" .‬هل نأخذ هذه الرحلة‪ ،‬دينيس؟‬
‫"!نعم"‬
‫رفعه كريستوفر على الحصان‪ ،‬ال‪ ،‬على باسيل‪ ،‬متفاجًئ ا‬
‫"كم كان هذا الطفل خفيًفا ورفيًع ا‪ .‬وحثه على "انتظر بشدة"‪" .‬هل أنت خائف من أن تكون هناك بمفردك؟‬
‫ال‪ ".‬بدا دينيس صغيًر ا‪ ،‬لكنه تشبث برقبة الحصان دون أي خوف‪ .‬وفي سن السابعة تقريًبا‪ ،‬أظهر شجاعة ملحوظة‪" .‬كريستوفر‪" ،‬‬
‫"هل تعتقد أنه يحب اسمه الجديد؟‬
‫أجاب بتشتت انتباهه وهو ينظر نحو المنزل قليًال ‪" :‬بالطبع"‪ .‬لم تعد آنا بالخارج بأي حال من األحوال‪ ،‬وقام كريستوفر بسحب باسيل‬
‫من الصندوق‬

‫‪.‬زمام األمور‪ ،‬مما جعله يمشي ببطء في بعض الدوائر الصغيرة في المنطقة الصخرية المحصورة أمامهم‬
‫‪".‬أكثر ‪ Fartybit‬قال دينيس‪" :‬كان يحب‬
‫حًق ا؟" نظر إلى ساعة جيبه وأدرك‪ ،‬مما أصابه بخيبة أمل كبيرة‪ ،‬أنه تأخر عن موعده األول في اليوم ‪ -‬متأخر بشكل ال يصدق‪ .‬قال"‬
‫‪".‬له‪" :‬دينيس‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬وهذا يكفي‬
‫‪".‬قال الصبي بطاعة‪" :‬حسًن ا‬
‫لم يكن من المتوقع تماًما أن يكون مطيًع ا ويقول الحقيقة‪ ،‬على الرغم من أنه ربما كان خائًفا جًد ا من كريستوفر لدرجة أنه لم يتمكن‬
‫من الدخول في نوبة غضب‪ .‬لم يقل دينيس كلمة واحدة عندما أعاده كريستوفر إلى المنزل بعد فترة قصيرة‪ .‬في الداخل‪ ،‬قال‬
‫كريستوفر وداًع ا للسيد تشامبيون واألطفال وحتى نورا‪ .‬لكنه لم ير آنا‪ ،‬التي كانت بال شك متحصنة في زاوية ما‪ ،‬حيث كان‬
‫‪.‬كريستوفر يعلم أنها ستبقى هناك طوال فترة وجوده‬
‫ورغم تأخره‪ ،‬بقي في الفناء يلقي نظرة أخيرة على نوافذ المنزل‪ .‬ربما كان هناك ظل خلف إحدى نوافذ الطابق العلوي‪ ،‬لكنه لم‬
‫يستطع الجزم بذلك‪ .‬كان هذا هو ما حدث لهذا اليوم‪ :‬لقد انتهى عمله الروتيني الممل‪ ،‬ولن يضطر إلى رؤية خطيبته التي ال تطاق‬
‫‪.‬مرة أخرى حتى اليوم التالي‬
‫لقد تسلق على باسيل‪ ،‬الذي كان كريستوفر متأكًد ا من أنه يحب اسمه‪ ،‬وهو يسخر من هذا الصبي الصغير الحنون الحاقد‪ .‬وقبل أن‬
‫حًق ا؟" سأله‪ .‬ولم يكن غريًبا أن يوجه هذه الكلمات القليلة إلى حصانه ‪ Fartybit‬يغادر‪ ،‬ربت على رقبته شكرًا له‪" .‬هل كنت تفضل‬
‫‪".‬القوي الفخور الذي تبعه طوال السنوات الثالث الماضية بمودة خجولة‪ .‬لكن الحصان لم يرد قط‪" .‬أو ربما كنت ترغب في شيء ما‬
‫حفز باسيل بخفة‪ ،‬وبدأ في الهرولة قبل أن يتحرك بشكل أسرع وفي النهاية يركض‪ .‬لم يبد مستاًء من االسم الذي ُأطلق عليه‪ ،‬وال من‬
‫‪.‬عدم قدرته على اختياره لنفسه‬
‫)عالوة على ذلك‪ ،‬ال يحق ألحد أن يختار اسمه‪ .‬أليس كذلك يا كريستوفر؟(‬

‫قال له والد ماثيو‪ ،‬فرانك‪ ،‬عندما رحب به في منزلهما‪" :‬سنقول أنك ابن ابن عمي‪ ،‬مارك دافنبورت‪ ،‬وزوجته إيزابيال‪ ،‬اللذين توفيا‬
‫قبل عامين في جزر الهند الغربية"‪ .‬قبل ثالثة أيام فقط‪ ،‬هرب كريستوفر من برنارد‪ ،‬وتجول في جميع أنحاء لندن دون أن يأكل شيًئ ا‬
‫تقريًبا‪ .‬قبل ثالثة أيام فقط‪ ،‬قامت السيدة دافنبورت بسحب ماثيو بعيًد ا عن الحديقة‪ ،‬وهي تصرخ بأنها لن تسمح لكريستوفر أبًد ا‬
‫‪.‬بالدخول إلى منزلها وأن ماثيو لن يراه مرة أخرى أبًد ا‬
‫‪.‬قبل ثالثة أيام فقط كان اسمه كريستوفر سميث‬
‫األمور تتغير في ثالثة أيام‪ .‬في بعض األحيان يتغيرون حتى في ثالث دقائق‪ .‬ويمكن أن يتغير االسم األخير بسرعة أكبر‪ ،‬ألنه ليس‬
‫‪.‬أكثر من سلسلة من الحروف مرتبة واحدة تلو األخرى‬
‫‪.‬دافنبورت‬
‫وهكذا قرروا‪ ،‬وهكذا كان األمر‪ ،‬لكن كريستوفر أخبر نفسه أنه كان آنذاك‪ ،‬وسيظل دائًما‪ ،‬كريستوفر سميث‪ ،‬ابن مارثا سميث‪ .‬لقد‬
‫آمن بذلك اعتقاًد ا راسًخ ا‪ ،‬واستمر في قول ذلك لمدة أربع سنوات‪ ،‬حتى قرر أنه ليس صحيًح ا‪ ،‬وأنه كان يكذب على نفسه‪ .‬لم يكن‬
‫كريستوفر سميث‪ ،‬ليس بعد اآلن‪ .‬لقد كان كريستوفر دافنبورت‪ ،‬االبن المحترم لمارك وإيزابيل‪ .‬كان كريستوفر دافنبورت‪ ،‬ومارثا‬
‫سميث — هذه العاهرة — لم تكن تعني له شيًئ ا؛ حتى أقل من ال شيء‪ .‬تذكر الشعور الذي سببته له هذه الفكرة‪ ،‬دوخة قوية جعلته‬
‫يمسك بمقبض باب العربة وهو يخرج منها‪ .‬قبل دقائق قليلة من عودة كل شيء إلى طبيعته‪ :‬كان في العربة مع عمته وماثيو‪ ،‬وكانا‬
‫ذاهبين إلى الحالق‪ ،‬كما يفعالن كل أسبوعين‪ ،‬لقص شعرهما‪ .‬نظر كريستوفر إلى الناس والمتاجر من خالل نافذة العربة؛ كان يجلس‬
‫متثاقاًل ‪ ،‬وساقه اليمنى تحت فخذه األيسر‪ .‬وكان ماثيو يجلس مقابله‪ ،‬وأراد أن يفعل الشيء نفسه‪ .‬تذكر كريستوفر أن السيدة دافنبورت‬
‫"‪.‬رفعت حاجبها‪" .‬ماثيو‪ ،‬اجلس بشكل صحيح‬
‫"‪.‬وضع قدميه على األرض وأطاع ابن عمه‪ .‬توقفت الحافلة في شارع فليت‪ ،‬وخرجت السيدة دافنبورت لتنادي ابنها‪" .‬تعال يا مات‬
‫تبعها ماثيو‪ ،‬وكان كريستوفر خلفه مباشرة‪ ،‬يزحف على وسادة المقعد الناعمة‪ .‬لقد أمسك بمقبض الباب بينما كان يضع قدمه على‬
‫الدرج‪ ،‬وتوقف للحظة لينظر حوله‪ .‬كان العديد من األشخاص يسيرون على جانبي الشارع‪ ،‬وينظرون بفضول إلى نوافذ المتاجر‬
‫‪،‬وأكشاك البائعين المتجولين‪ .‬لقد كانت منطقة مزدحمة للغاية‬

‫حيث كان الرجال يرتدون المعاطف والقبعات ويحملون عصي المشي‪ ،‬وكانت النساء يرتدين القلنسوات والقبعات الصغيرة المتقنة‪.‬‬
‫‪.‬كان ضجيج الشارع مبهًج ا وهادًئ ا وغير ضار تماًما‬
‫"!توقف أيها الحقير"‬
‫انتصب الشعر على ذراعيه‪ ،‬وتقلصت معدته‪ ،‬كما لو كان في ملزمة‪ .‬التفت إلى يساره‪ ،‬نحو األصوات القاسية غير المتوقعة‪،‬‬
‫الطفولية الغاضبة‪ ،‬وكأنه يستعيد مشهدًا من حياته المنسية‪ .‬كان أربعة أطفال يطاردون طفاًل آخر كان يهرب بشراسة‪ ،‬لقد ركض‬
‫وركض‪ .‬ال بد أنه كان في الثامنة أو التاسعة من عمره‪ ،‬وكان هزياًل مثل الهيكل العظمي‪ ،‬وله وجه صغير منمش وشعر بني داكن‬
‫بسبب األوساخ‪ .‬كان حول رقبته مندياًل أبيض اللون‪ ،‬على األقل كان أبيًض ا في السابق‪ ،‬لكنه اآلن أصبح لونه قذًر ا وبيًج ا رمادًيا ال‬
‫‪.‬يوصف‬
‫"!قاتل!" كان األطفال يصرخون‪ ،‬وكانوا يرشقونه بشيء ما – ربما حجارة أو قمامة‪" .‬قاتل"‬
‫‪.‬في هذه اللحظة‪ ،‬تخيل كريستوفر في ذهنه أنه سمع صوًت ا يتردد‪ .‬إذا كنا متأكدين من قدرتنا على التغلب عليهم‪ ،‬فإننا نتوقف‬
‫‪. . .‬إذا كنا متأكدين‬
‫لكنه لم يتوقف منذ وفاة سيمون‪ ،‬أليس كذلك؟ ولم يطارده أحد في الشارع منذ أربع سنوات‪ .‬واآلن ذهب ليقص شعره عند الحالق‪.‬‬
‫ليس مثل هؤالء األطفال هناك‪ ،‬الذين يرتدون مالبس مدمرة ويطاردون بعضهم البعض كما لو كانوا يركضون للنجاة بحياتهم؛ ليس‬
‫‪.‬مثل الصبي الذي كان مطارًد ا‪ ،‬والذي بالكاد تجاوز الزاوية بحًث ا عن طريق للهروب‬
‫‪.‬بهذه الطريقة يمكننا الحصول عليهم في وقت آخر‬
‫‪.‬وقبل أن يتاح له الوقت للتفكير في األمر‪ ،‬قفز من العربة‪ ،‬واصطدم بكتف ماثيو‪ .‬وكان ابن عمه قد سقط على األرض‬
‫‪.‬يا السماوات!" صرخت السيدة دافنبورت"‬
‫‪.‬ربما أصيب ماثيو‪ ،‬لكن كريستوفر لم يكلف نفسه عناء التوقف‪ ،‬حيث كان يركض بسرعة فائقة خلف عصابة األطفال‬
‫"كريستوفر!" صرخ ابن عمه قلقا‪" .‬أين ‪ . . .‬؟"‬
‫كريستوفر لم يسمع الباقي‪ .‬وعندما انعطف إلى الطريق الجانبي — الذي كان طوياًل وضيًقا ومهجوًر ا لألسف — رأى الصبي‬
‫المنهك ذو النمش والمنديل‪ .‬ربما كان على بعد مائة ياردة‪ ،‬وكان األطفال األربعة في العصابة قد وصلوا إليه وأحاطوا به‪ .‬أمسك به‬
‫طفالن‪ ،‬كانا في نفس عمر كريستوفر تقريًبا‪ .‬ووقف طفل آخر أصغر حجًما جانًبا‪ .‬كان الصغير‬

‫ربما عمره أربع سنوات‪ ،‬وربما شقيق أحد األوالد األكبر سنا‪ .‬كان الطفل األخير‪ ،‬والذي كان أطول طفل ‪ -‬والذي كان شاًبا حًقا ‪ -‬ال‬
‫بد أن يبلغ من العمر أحد عشر أو اثني عشر عاًما ويبدو أنه زعيم العصابة‪ .‬كان يرتدي قميًص ا كبيًر ا جًد ا‪ .‬كان نحيًف ا وعظمًيا‪ ،‬وله‬
‫وجه غائر وأنف منتفخ يبدو مستديًر ا بشكل غير متناسب مقارنة ببقية جسمه النحيل‪ .‬أظهر جسده النحيل قوة غير عادية‪ ،‬وأخافت‬
‫‪.‬عبوسه القاسي الطفل الصغير الذي أصيب بالشلل من الخوف‬
‫‪.‬اتركني وحدي!" بكى‪ ،‬والبصاق األخضر واألبيض يسيل على وجهه"‬
‫‪.‬اتركه لوحده!" صاح كريستوفر وهو يركض نحوهم"‬
‫تحولت أربعة أزواج من العيون نحوه على الفور‪" .‬ما هذا؟" توقف كريستوفر على بعد حوالي عشر ياردات منهم‪ ،‬متجمًد ا أمامهم‬
‫يحدق به‪ ،‬وتختفي جرأته في لحظة‪ .‬وفجأة أدرك أنه وحيد في مواجهة عصابة من األطفال العنيفين والغاضبين‪ .‬ماذا بحق الجحيم‬
‫سأفعله هنا؟ سوف يذبحونه‪ .‬ما نوع الفكرة المجنونة التي خطرت له؟‬
‫‪.‬ماذا تريد أيها الحقير؟" سأله القائد وهو يحدق به بعينين داكنتين وغاضبتين"‬
‫شعر كريستوفر فجأة بالحاجة المهينة للتبول‪" .‬اتركه وشأنه"‪ ،‬كرر‪ ،‬ولكن بصوت أكثر هدوًءا‪ ،‬وبصوت يبدو محرًج ا مثل صرير‬
‫‪.‬الفأر‬
‫"‪.‬نظر إليه القائد بشدة‪" .‬قلها مرة أخرى أيها الوغد‪ .‬لم أسمعه جيًد ا من هنا‬
‫استجمع كريستوفر كل شجاعته وحملق في األنف المنتفخ – ألن النظر في عينيه أمر غير وارد – كرر كريستوفر‪“ :‬اتركه وشأنه!‬
‫”ماذا تريد معه؟‬
‫"‪.‬ما الذي يهمك؟" نظر القائد إلى مالبس كريستوفر الجميلة‪" .‬ارجع إلى أمك"‬
‫بعيون واضحة للغاية‪ ،‬نظر الطفل الصغير البالغ من العمر أربع سنوات إلى كريستوفر‪ ،‬مندهًش ا‪" .‬إنه ابن قاتل"‪ ،‬أوضح له بصوت‬
‫خافت لطيف‪ ،‬ورفع يديه في الهواء وكأنه يقول‪ ،‬هذه نهاية المناقشة‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫‪.‬ماذا بحق الجحيم يهمني؟ يعتقد كريستوفر‪ .‬إذن فهو ابن قاتل‪" .‬اتركه وشأنه"‪ ،‬كرر للمرة الرابعة‪ ،‬وكان صوته غير مسموع تقريًبا‬

‫بدا زعيم العصابة ممزًق ا بين الركض نحو كريستوفر وإنهاء القتال مع الطفل الذي كان يضع يديه عليه‪" .‬تعال إلى هنا وقل ذلك أيها‬
‫"‪.‬األحمق‬
‫ثني ركبتيه‪ ،‬التقط كريستوفر حجًر ا من األرض ورفعه بيده المرتجفة‪ .‬أجاب بصوت الفأر‪« :‬أنت الوغد»‪ ،‬وبخوف مجنون رمى‬
‫‪.‬الحجر‪ .‬من الخوف لم يصوب حتى نحو الجميع‪ ،‬لكن رغم كل الظروف أصاب الحجر الصبي‪ ،‬ليس بقوة كبيرة‪ ،‬لكنه أصابه‬
‫آه!" فرك الصبي كتفه المصاب‪ ،‬وبدا متفاجًئ ا أكثر منه جريًح ا‪ ،‬لكنه نسي على الفور أمر الطفل الذي حاصروه‪" .‬لذا‪ ،‬تريد أن "‬
‫"!تموت‬
‫‪.‬جون‪ ،‬هل قام بأذيتك؟" سأل الصبي الصغير بعيون صافية‪ ،‬وهو ينظر إلى كريستوفر بنظرة عتاب صامتة ولكنها غاضبة"‬
‫لم يرد جون‪ ،‬فتراجع كريستوفر‪ ،‬وقلبه ينبض بسرعة وبصوت عاٍل في صدره‪ .‬كما لو كانوا يتبعون أوامر محددة‪ ،‬خطى األطفال‬
‫الثالثة ‪ -‬وتبعهم على الفور حتى أصغرهم ‪ -‬خطوة إلى األمام‪ ،‬وتركوا ابن القاتل‪ ،‬الذي توقف عن البكاء وكان يحدق في المشهد‬
‫بعيون واسعة ومفعمة باألمل‪ .‬ال يبدو أنه قادر على مساعدة كريستوفر‪ .‬لم يكن قادًر ا حتى على مسح البصاق األخضر عن وجهه‪.‬‬
‫كان يتراجع إلى الوراء‪ ،‬وكان كريستوفر متأكًد ا من أنه سيرحل خالل ثواٍن قليلة‪ .‬لم يتبق سوى شيء واحد ليفعله كريستوفر‪:‬‬
‫‪.‬الركض‬
‫"!توقف أيها األرنب"‬
‫‪.‬بدا األطفال قريبين بشكل خطير من خلفه‪ ،‬وأصبح صوت خطواتهم أعلى فأعلى‬
‫"!اآلن سوف نضربك حتى اللب‪ ،‬أيها الحقير"‬
‫ركض كريستوفر بشكل أسرع‪ .‬قال لنفسه‪ :‬إذا تمكنت من العودة إلى عمتي وماثيو‪ ،‬سأكون آمًن ا‪ .‬لم يستطع أحد أن يركض بأسرع ما‬
‫‪.‬يمكن‪ ،‬ولم يتمكن أحد من اللحاق به‪ .‬أستطيع أن أفعل ذلك‬
‫"!توقف يا ابن العاهرة"‬
‫‪.‬مع عدم وجود حتى خمسين ياردة للذهاب إلى الشارع‪ ،‬توقف‪ ،‬كما لو كان مجنونا‪ .‬أمامه مباشرة كانت نهاية الزقاق‪ ،‬والخالص‬
‫‪.‬ال‪ ،‬فكر‪ ،‬والتفت نحو العصابة‬
‫لقد ظل واقفًا بينما ركض األطفال نحوه‪ .‬أصابه حجر ألقاه طفل أشقر صغير في بطنه‪ ،‬مما منحه أكبر متعة صادمة في حياته كلها‪.‬‬
‫!ال يضر! لقد فهم في لمح البصر‪ .‬كان نهر النشوة يغلي فوقه‪ ،‬ويغمر كل جزء من جسده‪ .‬أستطيع التغلب عليهم‬

‫وأصابه حجر آخر في عينه اليسرى‪ ،‬فتسبب له بألم ودماء‪ ،‬لكن األمر لم يكن يهمه‪ ،‬ألن هذا األلم لم يؤذيه‪ .‬لقد مر أكثر من خمسة‬
‫عشر عاًم ا قبل أن يتمكن من فهم األمر‪ ،‬لكن هذا كان ‪ -‬كانت هذه الحياة‪ ،‬كان هذا ألًما‪ ،‬ولهذا السبب لم يؤذيه‪ .‬وقف ساكًن ا‪ ،‬يراقب‬
‫األطفال يقتربون منه‪ ،‬على بعد عشر ياردات منه‪ ،‬ثم خمسة‪ ،‬ثم ثالثة‪ ،‬ثم توقف جون‪ ،‬وفتح ذراعيه‪ .‬قال بهدوء غريب‪" :‬اآلن سنقوم‬
‫‪".‬بتمزيقك أيها الحقير‬
‫وبدون صوت ألقى كريستوفر نفسه عليه‪ .‬وقف الطفل األصغر جانًبا‪ ،‬لكن الطفلين اآلخرين ألقوا بأنفسهم على الفور في المعركة‪.‬‬
‫وانتهى األمر بكريستوفر على األرض‪ ،‬حيث تم ركله بشدة‪ .‬لقد شعر باللكمات وشد شعره‪ ،‬ولكن كان األمر كما لو كان بعيًد ا جًد ا‪،‬‬
‫خارًج ا عن نفسه‪ .‬لقد عض وخدش وضرب مثل حيوان مجنون محاصر‪ .‬حاولوا اإلمساك به‪ ،‬لكنه أفلت مذعوًر ا وعنيًف ا‪ .‬جعلته‬
‫اللكمة المربعة في وجهه يرى نقاًط ا مضيئة‪ ،‬ولكن من خالل المراوغة كان قادًر ا على تجنب لكمة أخرى‪ ،‬وشعر بقبضته تضرب‬
‫لحم شخص آخر الناعم‪ .‬لقد تم صفعه مرة‪ ،‬مرتين‪ ،‬ثالث مرات على وجهه‪ ،‬وبدأ على الفور في العض والركل‪ ،‬وضرب في كل‬
‫اتجاه دون هدف واضح ‪ -‬فقط ضرب‪ ،‬ضرب بشكل أعمى‪ .‬سمع بضع صرخات حادة‪ ،‬لكنه لم يكن متأكدًا من مصدرها‪ .‬من ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬لم يصرخ كريستوفر‪ ،‬على الرغم من تعرضه للضرب مراًر ا وتكراًر ا‪ .‬وكان يضربهم أيًض ا‪ ،‬وفي لحظة ما خدش وجه طفل‬
‫‪.‬كان فوقه‪ ،‬وكان تحت أظافره لحم وجلد‪ .‬لمس ذلك الطفل خده فالحظ أن يده كانت حمراء ولزجة بالدم‪ .‬سارع بسرعة إلى قدميه‬
‫‪.‬فيل‪ ،‬ماذا تفعل؟" زأر جون وهو يحاول اإلمساك بكريستوفر من ذراعيه بينما ركل كريستوفر الطفل اآلخر في ساقه"‬
‫خفض فيل رأسه في الخجل وأخذ خطوة إلى الوراء‪ .‬رأى األطفال الثالثة على األرض وهم يتلوون بغضب‪ ،‬ثم يتجهون نحو مدخل‬
‫الشارع‪ .‬ارتجفت شفتاه‪ ،‬ولمس يده مرة أخرى خده الدامي‪" .‬ال أستطيع أن أفعل هذا يا جون!" قال‪ ،‬صوته متصدع‪" .‬إنها تؤلم‬
‫"!كثيرا‬
‫‪.‬أخذ خطوة أخرى إلى الوراء‪ ،‬وبعد ذلك‪ ،‬تخلى عن كل كرامته‪ ،‬وبدأ في الهرب‬
‫‪.‬كان يهرب منه‬
‫شعر كريستوفر بنفسه يرتعش من فرحة عظيمة لدرجة أن عينيه امتألت بالدموع‪ .‬سيمون‪ ،‬قائدي‪ ،‬اعتقد أن لكمة في معدته جعلته‬
‫!يفقد أنفاسه دفعة واحدة‪ .‬تغلبت عليه! لقد تغلبت على واحد منهم‬

‫‪.‬فيل‪ ،‬أين الـ‪-‬؟!" أرعد جون عندما أعطاه كريستوفر خطاًف ا يميًن ا على فمه"‬
‫‪.‬فيل!" الصبي األصغر‪ ،‬الذي كان ينظر إلى المشاجرة كما لو كان مذهوال‪ ،‬صاح بيأس‪ .‬ثم بدأ بالبكاء وركض خلف الهارب اآلخر"‬
‫!كريس! كريستوفر"‬
‫كان كريستوفر على األرض‪ ،‬يمزق خصلة من الشعر األشقر من طفل هائج‪ .‬التفت ليسمع صوت ابن عمه الذي رآه عند مدخل‬
‫الشارع‪ .‬لقد أوقفته السيدة دافينبورت‪ ،‬التي كانت تصرخ بجانب نفسها‪" ،‬إنه جانح يا ماثيو‪ .‬ال تذهب هناك! كنت أعلم أنه ال ينبغي لنا‬
‫!أن نأخذه إلى منزلنا‬
‫سقطت لكمة‪ ،‬وارتطم رأس كريستوفر باألرض‪ .‬وكان فوقه جون والصبي اآلخر في العصابة‪ ،‬الصبي األشقر الضعيف ولكن‬
‫الشرس‪ .‬من خالل الضرب‪ ،‬تمكن كريستوفر من عضه لدرجة أنه كاد أن يقطع إصبعه‪ .‬صرخ الصبي األشقر من األلم وهو يمسك‬
‫بيده النازفة‪" .‬سأقتلك أيها الوغد!" صرخ‪ ،‬ولم يكن بعيًد ا عن الوفاء بوعده‪ .‬لقد كانوا يذبحونه حًق ا‪ ،‬لكن كريستوفر شعر وكأنه ملفوف‬
‫في وسادة كبيرة‪ .‬اين االلم؟ تساءل‪ .‬أين الخوف؟‬
‫أمسكه الصبي األشقر من ذراعيه ليثبته‪ ،‬لكن كريستوفر ‪ -‬الذي كان يعض ويركل للدفاع عن نفسه من جون‪ ،‬الذي كان ال يزال‬
‫يضربه ‪ -‬كان قادًر ا على التخلص منه‪ .‬ألقى جون نفسه فوقه‪ ،‬وبدأا في القتال‪ ،‬ويتدحرجان في الشارع ويضربان بعضهما البعض‬
‫بقبضات اليد المغلقة‪ .‬نهض الصبي األشقر ليدخل القتال من جديد‪ ،‬لكن ابن القاتل — نعم هو الذي ظهر مرة أخرى من مكان ال‬
‫يعرفه‪ ،‬ربما بعد هروبه أواًل — قفز على كتفيه من الخلف ووضع ذراعه حول رقبته‪ .‬اندفع الصبي األشقر بشكل محموم‪ ،‬وتمكن‬
‫‪.‬من رمي الصبي اآلخر على األرض‬
‫!وبسحبة جيدة‪ ،‬تحرر ماثيو من قبضة أمه‪ ،‬وبدأ بالركض نحوهم‪" .‬كريس! كريستوفر‬
‫‪.‬هيا يا جون!" صرخت االشقر‪" .‬الناس قادمون!" بعد تعرضه للضرب‪ ،‬هرب دون أن يتوقف النتظار رفيقه"‬
‫جبان!" صرخ جون من األرض وهو يضغط على كريستوفر بذراعيه وهو يتلقى عدة لكمات على رأسه‪ .‬لقد تمكن من التحرر "‬
‫واالنتقال إلى الجانب من خالل التدحرج بعيًد ا والوقوف على قدميه بسرعة‪ .‬وكان في حالة سيئة للغاية‪ :‬كان الدم يقطر من أحد‬
‫‪.‬جانبي وجهه‪ ،‬وكان فمه ينزف أيًضا‬

‫‪.‬كان كريستوفر يقف على قدميه ويواجهه‪ .‬فقال له‪" :‬اآلن تقدم لألمام"‪ .‬ركض ابن القاتل إلى جانبه‬
‫بدا جون متردًد ا‪ ،‬وألقى نظرة سريعة على ماثيو والسيدة دافنبورت‪ ،‬اللذين كانا يركضان مسرعين‪" .‬سأمسك بك عندما تكون وحيًد ا‬
‫‪.‬أيها القاتل!" صرخ وأدار ظهره لهم وهرب من مكان الحادث‬
‫‪.‬هرب‬
‫وقف كريستوفر هناك‪ ،‬وهو يرتجف من أعصابه‪ ،‬منزعًج ا وشاحًبا‪ ،‬بقبضتيه المضمومتين‪ .‬لم يستطع أن يشعر باأللم الناتج عن‬
‫‪.‬جروحه أو بالدم الدافئ الذي يسيل على وجهه‪ .‬قال لنفسه في حالة ذهول ال معنى له‪ :‬أنا متأكد من ذلك أيها القائد‪ .‬لقد تغلبت عليهم‬
‫"ركض ماثيو إليه وهو الهث‪" .‬كريس ‪ . . .‬؟‬
‫"‪.‬استدار كريستوفر نحوه‪ ،‬وتراجع ماثيو خطوة إلى الوراء‪ ،‬رافًع ا ذراعيه أمامه‪" .‬كريس‪ ،‬هذا أنا‬
‫لبضع لحظات لم يفهم من هو هذا الطفل – أو أين كان – أو ما يجب عليه فعله بعد ذلك‪ .‬ثم عاد لحسن الحظ إلى رشده‪" .‬مات" قال‬
‫‪.‬بصوت منخفض‬
‫‪.‬وانهار على األرض‬
‫"مومياء!" صرخ ماثيو مرعوًبا راكًع ا إلى جانبه‪" .‬كريس ‪ . . .‬؟"‬
‫‪.‬ال تلمسه!" صرخت السيدة دافنبورت"‬
‫‪.‬أنا بخير‪ ،‬مات‪ "،‬قال‪ ،‬وهو يهمس فقط‪ .‬لكنه كان صحيحا‪ :‬لقد كان بخير‪ .‬أفضل مما كان عليه في أي وقت مضى"‬
‫"وانحنى عليه ابن القاتل‪" .‬مهال‪ ،‬شكرا‪ .‬قال له باحترام‪ :‬لقد كنت قاسًيا‪" .‬أنا روبرت باريت‪ .‬ما اسمك؟‬
‫‪.‬كريستوفر ‪ . . .‬أجاب سميث‪ .‬ثم أغمض عينيه وأصبح كل شيء أسود"‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪19‬‬
‫أنا ال أؤيد االرتباطات الطويلة‪ .‬إنها تمنح الناس فرصة اكتشاف شخصية بعضهم البعض قبل الزواج‪ ،‬وهو أمر أعتقد أنه ال ينصح به‬
‫‪.‬أبًد ا‬
‫أوسكار وايلد‪-‬‬
‫أوه‪ ،‬آنا‪ .‬واآلن ما هو العذر الذي يمكن أن تقدمه لي الختيار هذا المشد الفظيع؟ ذهبت لوسي معها إلى صانع القبعات‪ ،‬ووضعت "‬
‫على الطاولة الكبيرة عدًد ا ال يحصى من الفساتين‪ ،‬والمالبس الداخلية‪ ،‬وغيرها من العناصر التي ال يمكن تحديدها بسهولة في فئة‬
‫معينة‪ .‬وقالت‪" :‬أنت ال تحب هذا الشيء الوردي الصغير"‪ ،‬مشيرة إلى أحد األكسسوارات التي تركت على الجانب في الزاوية ويمكن‬
‫أن تكون أي شيء من مسحوق البودرة إلى بروش إلى عصفور صغير سقط من شجرة‪ .‬وانتهى األمر عن طريق الخطأ على هذا‬
‫الجدول‪" .‬في الواقع‪ ،‬ليس من الواضح ما الغرض منه‪ ،‬أليس كذلك؟ حسًن ا‪ ،‬إنه لطيف للغاية مع ذلك‪ ،‬وأعتقد أنني سأأخذه من أجلي‪.‬‬
‫‪. . ".‬ومع ذلك‪ ،‬آنا‪ ،‬عليك أن تختاري هذه المالبس الداخلية العادية جًد ا‬
‫نظرت صاحبة القبعات إلى الشابتين‪ ،‬في حالة ذهول‪ ،‬كما لو أنها ال تستطيع فهم المشهد الذي أمامها‪ .‬كانت هناك هاتان الفتاتان‪،‬‬
‫أليس كذلك؟ كان أحدهم أشقًر ا وكان منظره رائًع ا‪ ،‬مبتهًج ا ومليًئ ا باإلثارة والذوق الرفيع‪ .‬ربما كانت العروس ليكون‪ .‬ال‪ ،‬في الواقع‪.‬‬
‫كانت تلك هي الفتاة األخرى‪ ،‬التي كانت مملة ومتجهمة بجانبها‪ ،‬والتي‪ ،‬مع كشرها‪ ،‬رفضت جميع أجمل الفساتين في المجموعة‬
‫بأكملها وجميع قطع المالبس الداخلية األكثر إثارة لالهتمام‪ ،‬فقط لتختار القطن والمالبس الداخلية‪ .‬التطبيق العملي‪ .‬ونعم‪ ،‬السيد‬
‫دافنبورت ‪ -‬الذي كان ساحًر ا للغاية عندما دخل متجرها قبل أسبوع لدرجة أنها كادت أن تغمى عليها من العاطفة ‪ -‬ترك حساًبا‬
‫‪.‬مفتوًح ا لآلنسة شامبيون فقط‬

‫‪.‬الحب هو بالتأكيد شيء غير مفهوم‪ ،‬فكرت ماري وهي تطلق تنهيدة‬
‫‪.‬اعذرني؟" سألت لوسي"‬
‫"‪.‬أجابت‪" :‬ال‪ ،‬ال شيء"‪" .‬سأترككما بمفردكما قليًال حتى تتمكنا من اتخاذ القرار بهدوء‪ .‬سوف اعود بعد قليل‬
‫غادرت من خالل الباب الذي خرج إلى الجزء الخلفي من المحل‪ .‬في الشارع كانت هناك عربات تمر بين الحين واآلخر‪ ،‬وكان هناك‬
‫عدد قليل من األشخاص يسيرون على األقدام‪ ،‬وينظرون إلى الداخل‪ ،‬لكن كل شيء كان هادًئ ا في المتجر الذي تغمره الشمس‪ .‬في‬
‫تلك اللحظة لم يكن هناك سوى لوسي وآنا‪ ،‬األمر الذي أراح آنا كثيًر ا‪ .‬رائحة العطر النسائي الحلوة معلقة في الهواء‪ ،‬ممزوجة‬
‫‪.‬برائحة الغبار والغراء الغامضة‬
‫همست لوسي‪" :‬ال يمكنك أن تخبرني أنك ال تشعر بأي قدر من الذنب تجاه ماري المسكينة"‪" .‬مما ال شك فيه أنها سوف تغرق‬
‫"أحزانها في زجاجة الشيري التي تخفيها في الخلف‪ .‬لماذا تفعل هذا؟‬
‫ابتسمت آنا‪" .‬ليس لدي أي شيء ضدها‪ .‬لكن هل تبدو كل هذه األشياء المزركشة طبيعية بالنسبة لك؟ تفضلي" ‪ -‬التقطت فستاًن ا وردًيا‬
‫"‪.‬وأبيًض ا فاتح اللون تركه على الطاولة ‪" -‬انظري هنا‪ .‬ولم يتمكن أحد من معرفة ذلك‬
‫تعالي اآلن يا آنا‪ .‬بالطبع لن تضعه كل يوم‪ .‬الى جانب ذلك‪ ،‬سيكون لديك خادمة شخصية‪ ،‬أليس كذلك؟ سوف تساعدك على ارتداء "‬
‫"!مالبسك و‪ . . .‬أوه‪ ،‬أنظر إلى هذا‬
‫‪.‬لقد سحبت فستاًن ا أزرًقا ناعًما من الكومة‪ .‬كان منتفًخ ا جًد ا لدرجة أنه بدا كما لو أنه قد يطفو في أي لحظة‪ ،‬ويرتفع بجنون مثل الخبز‬
‫"‪.‬لوسي‪ ،‬ضعي هذا الشيء جانبًا‪ ".‬إبتسمت‪" .‬لست بحاجة إلى خادمة شخصية‪ ،‬كما تعلمون‪ .‬أحب أن أكون مستقًال"‬
‫"‪.‬لكن ال يمكنك أن تكوني زوجة السيد دافنبورت بدون خادمة شخصية‪ ،‬آنا! زوجك لن يوافق"‬
‫كل ما يريده‪ ،‬بالطبع‪ ،‬فكرت آنا‪ .‬سيدة دافنبورت؟ لقد ارتجفت من الفكرة نفسها‪ .‬لم يبق سوى عشرة أيام قبل الزفاف‪ ،‬وكانت مشغولة‬
‫باالهتمام بأعمال المنزل‪ ،‬وإعادة فتح الغرف‪ ،‬ونقل األثاث والذكريات‪ .‬كانت أيامها مليئة بالجري واالختيار والتحول‪ .‬غالًبا ما يأتي‬
‫المساء دون أن تالحظه‪ .‬أكثر لحظة كانت تخافها كل يوم كانت زيارة خطيبها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان األطفال ينتظرونه بفارغ الصبر‪،‬‬
‫وليس فقط بسبب الهدايا التي قدمها لهم‪ ،‬بل اعترفت بألم‪ .‬ال‪ ،‬على الرغم من شخصيته الصارمة وحقيقة أنه لم يبتسم أبًد ا‪ ،‬إال أنهم‬
‫أحبوه‪ .‬لرؤية عائلتها ترحب به بشيء قريب من المودة التي تسببها‬

‫‪.‬ألمها‪ ،‬وعرفت أن ذلك كان حماقة‪ .‬بعد كل شيء‪ ،‬كان كريستوفر يتصرف فقط كما طلبت‪ :‬بأدب ولطف‬
‫هل تحب هذا الشاش؟" قالت لوسي‪ ،‬وهي تدعو آنا إلى حقيقة األربطة المنتفخة ‪ -‬والمواد المصنوعة من الجنون‪ ،‬فكرت آنا وهي "‬
‫تفكر في األشياء المحيرة الموجودة على الطاولة‪ .‬ولكن من على أرض هللا الخضراء كان يظن أن يجمع هذه األقمشة بهذه الطريقة‬
‫السخيفة؟‬
‫‪.‬تعالي اآلن يا آنا‪ ،‬ال تظهري هذا الوجه‪ .‬ستحتاج إلى مالبس أنيقة‪ :‬سيكون لديك حياة اجتماعية أكثر نشاًط ا اآلن"‬
‫ال أرى السبب‪ ".‬هزت رأسها‪" .‬أنا متأكد من أن السيد دافنبورت سوف ينسجم بشكل جيد مع نفسه‪ ".‬كان هذا صحيًح ا‪ :‬استمر "‬
‫خطيبها في المشاركة في كل مناسبة اجتماعية تقريًبا‪ ،‬لكنه لم يصر أبًد ا على رحيلها‪" .‬على أية حال‪ ،‬سأكون هناك ليلة الغد‪ ،‬أليس‬
‫كذلك؟ أنا متلهف جًد ا لرؤية السيد بيمبروك مرة أخرى‪ ».‬وماثيو دافنبورت‪ .‬لم تتمكن من نقل الحفلة في منزل لوسي ألي شيء في‬
‫العالم‪ .‬لقد كانت بحاجة ماسة إلى اكتشاف شيء قد يؤدي إلى إلغاء حفل الزفاف دون التعرض لخطر االنتقام‪ .‬وكان من الواضح أنها‬
‫ال تستطيع الزواج منه‪ .‬حتى اآلن‪ ،‬عند التفكير فيه ‪" -‬صباح الخير يا آنسة تشامبيون"‪ ،‬الكلمات الوحيدة التي تمتم بها لها في ذلك‬
‫الصباح ‪ -‬انقبض قلبها وبطنها إلى عقدة‪ .‬لقد خفف األسبوع األول من خطوبتهما من مخاوفها قليًال‪ ،‬لكنها لم تزول تمامًا‪ :‬كيف ذلك؟‬
‫كان هذا الرجل شرًس ا للغاية‪ ،‬وربما كان األمر األكثر إزعاًج ا هو أنه طويل القامة‪ .‬ما حدث على العشب ‪ -‬تلك الصفعات القوية‪،‬‬
‫واأللم الشديد الذي أعقب ذلك‪ ،‬واإلذالل الذي جعلها تعاني منه‪ ،‬ببطء وصدمة ‪ -‬حدد شخصيته‪ .‬لقد أرادها‪ ،‬فأخذها‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫تأكيده أن هذا لم يحدث له من قبل‪ ،‬إال أن آنا لم تكن قادرة على تصديقه‪ .‬كان لديها خوف جنوني منه‪ .‬لقد أخذها حينها‪ ،‬خالًف ا لكل‬
‫قانون‪ .‬وتساءلت بقلق شديد‪ ،‬ماذا سيفعل عندما كان زوجها‪ ،‬بحقوق الزوج؟‬
‫ال‪ ،‬لم تستطع الزواج منه‪ .‬لم تكن تعرف عنه شيًئ ا تقريًبا‪ ،‬باستثناء تعليقات السيرة الذاتية النادرة التي كانت متداولة بين أهل القرية‪،‬‬
‫والتي لم تبدد أًيا من شكوكها على اإلطالق‪ .‬من هو حًق ا‪ ،‬وما هو ماضيه؟ لم تسأله؛ لم تكن تريد أن تسأله‪ .‬لقد حرمته حتى من‬
‫‪.‬الكلمات والنظرات‬
‫بدأت لوسي بالتنقيب في حاوية على الطاولة‪ ،‬مليئة بالقطع والقطع الملونة التي تعطي انعكاسات ملونة والمعة في كل مرة يتم‬
‫تحريكها‪ ،‬وأخرجت شيًئ ا يمكن أن يكون في الواقع شريًط ا عند الفحص الدقيق‪ .‬منذ متى من المفترض أن تتألق الشرائط بهذا الشكل؟‬

‫تساءلت آنا‪ .‬دون أن تنطق بكلمة واحدة‪ ،‬وقفت هناك‪ ،‬تراقب المخمل الالمع المتدلي من يدي صديقتها مثل الثعبان السام‪ .‬قالت‬
‫لنفسها‪ :‬إذن هذا هو المتوقع من السيدة دافنبورت‪ .‬لقد اعتدنا أن نكون ملكات العالم‪ ،‬هل تتذكرين يا لوسي؟ فكرت باألسف‪ .‬واآلن‬
‫‪.‬أنظر إلي‪ :‬أنا أشتري المالبس بأموال هذا الرجل‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪20‬‬
‫‪.‬ليست مساعدة أصدقائنا هي التي تساعدنا بقدر ما تساعدنا المعرفة الواثقة بأنهم سيساعدوننا‬
‫أبيقور ‪-‬‬
‫"وهكذا تضمن لي أرباًح ا كبيرة يا دافنبورت؟"‬
‫مع هزة طفيفة لرأسه‪ ،‬أخرج كريستوفر خصلة من الشعر من عينيه ليرى والده وجهًا لوجه بشكل أفضل‪ .‬أجاب‪" :‬بالتأكيد يا سيدي"‪.‬‬
‫في المرات القليلة األولى على األقل‪" .‬على أية حال‪ ،‬أنت تعرفني‪ ،‬وأنت‬
‫‪.‬أعلم أنني بنفسي سأستثمر في هذه الصفقة‬
‫في الغرفة الصاخبة بمنزل عائلة إدواردز‪ ،‬كان الناس يسيرون‬
‫‪.‬مثل النمل يتسابق‪ ،‬يتدافع للحصول على رقصة‪ ،‬أو كأس‪ ،‬أو قطعة حلوى من طاولة البوفيه الممتلئة‬
‫قال ليوبولد متأمًال ‪" :‬بعد الحريق الذي حدث قبل بضعة أسابيع‪ ،‬اعتقدت أن تجربة نوع جديد من االستثمار يمكن أن يفيدني"‪" .‬حقا‬
‫‪. . ".‬عار لعين‪ ،‬هذا الحقل المحترق‪ .‬يجب أن يكون ذلك المزارع‬
‫"هل تقول المزارع؟"‬
‫»‪.‬حسًن ا‪ ،‬نعم‪ ،‬البائسون الجائعون مثل هؤالء ال يفعلون شيًئ ا سوى التمرد«‬
‫"هل تعتقد أنه فعل ذلك عن قصد‪ ،‬إذن؟"‬
‫ال أعرف‪ ،‬وال أهتم‪ .‬ربما نسي ببساطة النار التي كان لديه"‬
‫أشعل‪ .‬هؤالء الناس ليس لديهم الكثير من العقول‪ ،‬كما تعلمون‪ .‬يمكنهم فقط القيام بأشياء بسيطة دون أن يفهموا السبب‪ .‬شخر‬
‫"‪.‬وغضب‪" .‬على أية حال‪ ،‬كنت سأعتقله لو لم يهرب‪ .‬عليك اللعنة‬
‫في الواقع‪ ،‬كان ذلك قلياًل من الحظ السيئ‪ .‬من خالل رشوة القضاة‪ ،‬كان ليوبولد سيتأكد من وضع هذا المزارع في السجن ولن يرى‬
‫‪،‬ضوء النهار مرة أخرى‪ .‬ربما كان ماثيو هو من ساعده على الهروب بأمان‬

‫جنبا إلى جنب مع عائلته‪ .‬كان ابن عمه الغبي من النوع الذي يأخذ مثل هذه األمور على محمل الجد‪ .‬نعم‪ ،‬لقد ساعدهم بالتأكيد على‬
‫مغادرة القرية والمقاطعة ‪ -‬وبسرعة؛ وربما بسرعة كبيرة لدرجة أنه لم يكن لديهم الوقت لتوديع أصدقائهم وعائالتهم‪ .‬لمع وجه الفتاة‬
‫‪.‬الصغيرة التي لم تبكي وهي تواجه الحقل المحترق في ذهن كريستوفر‪ ،‬ومّر ر يده على جبهته كما لو كان يمحو الفكرة المزعجة‬
‫أكد له ليوبولد قائًال‪" :‬سوف أجده‪ ،‬كما تعلم"‪" .‬لن يكون قد ذهب بعيدًا‪ ،‬هذا ابن العاهرة‪ .‬ولهذا األمر‪ . . .‬حسنًا‪ ،‬دافينبورت‪ .‬لقد‬
‫"‪.‬أقنعتني‬
‫تم التنفيذ‪ .‬لقد فعلت ذلك‪ .‬اجتاحته موجة من الفرح الشديد بعنف نهر يفيض بالحجارة والذكريات‪ ،‬ذكريات يتقاذفها التيار كأغصان‬
‫‪.‬مكسورة‬
‫وتابع والده‪" :‬في نهاية المطاف‪ ،‬السعر المطلوب ليس مرتفًع ا‪ ،‬عالوة على ذلك" ‪ -‬نظر إلى كريستوفر بنظرة معرفة ‪" -‬أريد أن أثق‬
‫‪. . ".‬بك ألنني معجب بك يا دافنبورت‪ .‬يبدو أنك الوحيد الذي يستمتع بالحياة في أرض الموتى هذه‪ .‬وعن الليلة الماضية‬
‫"الليلة الماضية يا سيدي؟"‬
‫نعم‪ ".‬أخفض صوته‪ ،‬وهو يبتسم له بكل متعة خنزير أمام ثمرة بلوط – وكان لدى كريستوفر شعور بأنه بلوط دموي‪" .‬لقد كنت "‬
‫»‪.‬حذًر ا للغاية بعد أن كنت مع تلك العاهرة‪ . . .‬نعم‪ ،‬ذات الشعر األحمر ذات الصدور الكبيرة‬
‫فكر كريستوفر في الفتاة ذات الوجه الجميل من بيت الدعارة في بريدجتاون‪ .‬كان يعتقد أنها ال بد أن تكون في السادسة عشرة من‬
‫‪".‬عمرها‪ .‬سبعة عشر على األكثر‪ .‬أجاب‪" :‬بياتريس‬
‫هل تتذكر اسمها!" صاح ليوبولد بإعجاب‪" .‬أنت رومانسي حقيقي‪ .‬يجب أن أعترف أنني ال أتذكر سوى مؤخرتها الجميلة‪ .‬مع تعبير"‬
‫"راٍض على وجهه‪ ،‬وضع يديه على وركيه‪" .‬إنها ليست مثل بيوت الدعارة في لندن‪ ،‬ولكنها مخزنة بشكل جيد‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫وافق كريستوفر بإيماءة من رأسه‪ .‬كانت الفتاة التي دخلت الغرفة مع ديميرسي‪ ،‬شاحبة ونحيفة ذات شعر أشقر طويل‪ ،‬أصغر سًن ا‬
‫‪.‬من الفتاة التي كان معها‬
‫"وما رأيك يا دافنبورت؟" تابع ليوبولد‪" .‬هل استمتعت ‪ . . .‬؟"‬
‫ألجل المسيح‪" .‬بالطبع يا سيدي‪ ".‬ولم يكن لديه حتى هذه الفتاة‪ .‬لقد طلب منها عدم قول أي شيء لآلخرين مقابل إكرامية كبيرة‪.‬‬
‫بياتريس‬

‫نظرت إليه دون انفعال‪ ،‬بعينيها الكبيرتين الواضحتين‪ .‬لقد ظلوا في الغرفة يتحدثون‪ ،‬وطلب كريستوفر بعض المعلومات حول بيت‬
‫الدعارة‪ .‬بمجرد أن ينتهي كريستوفر من هذا الثأر مع والده‪ ،‬سيكون من دواعي سرور السيدة أماريليس رؤية كريستوفر مرة أخرى‪،‬‬
‫لتعلم الدرس الذي تستحقه ‪ -‬كان هذا أمًر ا مؤكًد ا‪ .‬وبعد حوالي عشرين دقيقة‪ ،‬بعد الحد األدنى من الوقت‪ ،‬غادر كريستوفر الغرفة‪،‬‬
‫‪.‬وكان ينتظر والده في الخارج‪ ،‬يستنشق أنفاًس ا عميقة من الهواء حتى يصفو رأسه تحت ضوء مصابيح الشارع‬
‫قال ليوبولد‪" :‬حسًن ا"‪" .‬أنتم أيها الشباب تحتاجون إلى دليل لمتع الحياة‪ ،‬أال تعتقدون ذلك؟" مر ظل على وجهه‪ ،‬ونظر إلى دانيال‪،‬‬
‫الذي كان على مسافة بعيدة منهم‪" .‬متى ستعود معي؟ أوه‪ ،‬عفوًا‪ ،‬أضاف بسرعة بابتسامته الدموية المعتادة‪" ،‬سوف تتزوج‪ ،‬وأعتقد‬
‫"أن هذه األشياء لن تهمك بعد اآلن‪ .‬تلك الفتاة هناك‪ ،‬صحيح؟‬
‫وأشار نحو آنا‪ ،‬والتفت كريستوفر لينظر إليها‪ .‬كانت تتحدث إلى ماثيو‪ ،‬وضحكت بنظرة سعادة‪ ،‬وحركت يديها كما لو كانت تسحب‬
‫في الهواء‪ .‬كانت ترتدي ببساطة اللون األبيض والبيج‪ .‬كان الفستان جديًد ا‪ ،‬وقد دفع كريستوفر ثمنه‪ .‬هذا الفكر جعله يشعر بالفخر‬
‫‪.‬بغباء‪ ،‬وأدى اإلحساس اللطيف إلى تدفئة أسفل بطنه‬
‫"هذه آنا تشامبيون‪ ،‬أليس كذلك؟"‬
‫بدا هذا االسم‪ ،‬الذي قاله والده بصوت عاٍل ‪ ،‬وكأنه تجديف تقريًبا‪ ،‬مما جعل كريستوفر يطبق قبضتيه‪ .‬حاول فتحهم مرة أخرى‪ .‬أنت‬
‫تعرف جيًد ا من هي‪ ،‬فكر بغضب‪ .‬لقد كانت مخطوبة لدانيال‪ ،‬أال تتذكر؟ ثم هجرته بسرعة‪ ،‬وأخبرته من يعرف القصة‪ .‬لقد‬
‫اغتصبتها يا أبي‪ ،‬وإذا كنت تعرف هذا‪ ،‬فسوف تحبني أكثر‪ .‬أجاب‪" :‬هذا صحيح"‪ ،‬ونظر إليها مرة أخرى‪ .‬كان ماثيو يهز رأسه‪،‬‬
‫‪.‬وبدا أن آنا فقدت لونها فجأة‪ ،‬كما لو أن محادثتهما أصبحت أكثر جدية‪ ،‬جدية للغاية‪ .‬ماثيو‪ ،‬انتبه جيًد ا لما تقوله‪ ،‬فكر بعدم ارتياح‬

‫كانت آنا تنوي المضي قدًم ا في بحثها خالل المساء‪ ،‬لكنها كانت تتحدث بالفعل مع ماثيو لمدة ثالث دقائق ونصف دون إحراز أي‬
‫تقدم‪ .‬كان من الممكن أن يكون أي شخص متوتًر ا بحلول ذلك الوقت‪ ،‬لكنها كانت تحاول عدم إظهار مدى توترها‪ .‬كان كريستوفر في‬
‫زاوية الغرفة مع ليوبولد ديميرسي‪ ،‬وكان يراقبها وكأنه حارس سجن‪ .‬عرفت آنا أنه كان يراقبها حتى دون أن تدير رأسها نحوه‪ ،‬كما‬
‫لو كان ذلك بسبب غريزة البقاء الحيوانية الغريبة‪ .‬درات‪ .‬كما هو الحال دائًما‪ ،‬بدأ قلبها ينبض بجنون‪ ،‬على الرغم من أن كريستوفر‬
‫‪.‬كان على بعد أكثر من ثالثين قدًم ا منها – يا إلهي! يجب أن أسرع قبل أن ينضم إلينا ذلك الرجل الفظيع‬
‫"ماثيو‪ ،‬أنا أعرف القليل عنك‪ "،‬قالت‪ ،‬وغيرت الموضوع فجأة وقاطعته في منتصف الجملة‪" .‬لماذا ال تخبرني المزيد؟"‬
‫"لم ينخدع ماثيو‪ ،‬وابتسم‪" .‬ماذا تريد أن تعرف عن ابنة عمي‪ ،‬آنا؟‬
‫‪.‬احمر خجال ونظرت إلى أسفل‬
‫"‪.‬ال تقلق‪ "،‬أضاف ماثيو بأدب‪" .‬أنا أفهم موقفك‪ .‬سأخبرك بما أستطيع"‬
‫يجب أن تعتبرني جباًن ا‪ ،‬أعلم ذلك‪ .‬وأنا كذلك‪ ،‬أال ترى؟ لم تكن قادرة على كبح االرتعاش في صوتها‪ ،‬وكرهت نفسها في تلك "‬
‫اللحظة‪ .‬يا إلهي‪ ،‬لقد كانت على وشك البكاء أمام شخص غريب‪ :‬لقد ذهب كبريائها تمامًا‪ .‬لقد أخذت مني أشياء كثيرة يا كريستوفر‬
‫دافنبورت‪" .‬أنا جبان حًق ا‪ ،‬ألن‪ ." . .‬قالت وهي تستعد لنفسها‪" .‬ماثيو‪ ،‬أريد أن أسألك شيئا‪ .‬قال لي ابن عمك‪ ." . .‬كان من الصعب‬
‫‪... . .‬عليها أن تفكر مرة أخرى في ما قاله كريستوفر على العشب‪ ،‬ألن الكثير من األفكار القاسية كانت تراودها‪ ،‬و‬
‫هزت رأسها في محاولة للتخلص منهم‪" .‬أخبرني أنني إذا قررت عدم الزواج منه أو التنديد به‪ ،‬فيمكنه االنتقام من عائلتي‪.‬‬
‫يكون ‪ . . .‬هل هذا ممكن‪ ،‬هل تعتقد؟‬
‫‪.‬نظر ماثيو إلى األسفل‪ ،‬وكان هذا جواًبا كافًيا بالفعل‪" .‬نعم" أجاب دون تردد‬
‫سمعت صوت قلبها يحدث داخلها صوت ارتطام كصوت سقوط حجر‪ .‬وحتى ذلك كان بال معنى‪" .‬ولكن إذا كنت تعرف ما هو قادر‬
‫"عليه‪ ،‬فكيف يمكنك أن تظل قريًبا منه يا ماثيو؟‬
‫‪ . . ".‬وتحولت خديه إلى اللون المعروف تقنيًا بـ«األحمر العار»‪" .‬ال‪ ،‬أنت ال تفهم‪ . . .‬آنا‬

‫فقاطعته قائلة‪ :‬إذا قررت اإلدانة به‪ ،‬هل ستشهد ضده؟‬


‫تغير اللون األحمر العار فجأة إلى اللون األحمر الذي أخرجني من هنا‪" .‬ال"‪ ،‬همس‪ ،‬أو ربما كان يحرك شفتيه فقط‪ .‬نظر لألعلى ولم‬
‫يتجنب رؤية عينيها الحزينتين‪ .‬بطريقة ما شعر بالمسؤولية‪" .‬من فضلك ال تنظر إلي بهذه الطريقة‪ .‬هل تدين أخيك؟ هل ستدين لوسي‬
‫إدواردز؟» لم ترد آنا‪ ،‬واستمر مترددا‪" .‬ال تظني أنني ال أفهم ألمك يا آنا‪ .‬لكني على يقين أن ابن عمي‪ . . .‬ليس كذلك‪ ." . .‬لم يكمل‬
‫جملته‪ ،‬وكأنه ال يستطيع أو ال يستطيع أن يقول المزيد‪ .‬وقال‪" :‬أنا أتفهم مخاوفك"‪" .‬لكن يمكنني أن أؤكد لك أنه لم يفعل ذلك‬
‫أبًد ا‪ . . ".‬أبدًا‪ .‬أبدا‪ ،‬آنا‪ ،‬من قبل‪ .‬ولن يفعل ذلك مرة أخرى أبًد ا‪ .‬أعلم أن كالمي ال يعني شيًئ ا بالنسبة لك‪ ،‬وال أستطيع أن ألومك‪ .‬لكن‬
‫يجب أن تصدقني‪ ،‬حتى لو كنت بالكاد تعرفني‪" .‬حتى لو كنت ابن عم ذلك"‪ ،‬قال مبتسًما‪" :‬سيدي المحترم‪ .‬عليك ان تصدقني‪ .‬لن‬
‫"‪.‬أكذب عليك بشأن هذا‬
‫لقد كان مقتنعًا بأنه يقول لها الحقيقة‪ ،‬وقد فهمت آنا ذلك‪ .‬لكنه لم يكن هناك في العشب‪ ،‬لم يستطع ذلك‪" . . .‬كيف يمكنك ان تكون‬
‫متأكدا؟" سألته بهدوء‪ ،‬وهي تتذكر تلك اللحظات المحفورة في قلبها وفي عينيها‪ ،‬والتي كانت تستعد للدموع‪ .‬ليس اآلن يا أصدقائي‪.‬‬
‫"‪"...‬لقد كان تصرفًا متهورًا‪ ،‬وهو ال يستطيع السيطرة على نفسه‪ ،‬كما تعلمين جيدًا‬
‫‪.‬آنا ‪ ." . .‬قاطعها متى مرًة أخرى‪ ،‬واضعًا يده على جبهته‪ ،‬وكأنه يعيد ترتيب أفكاره "‬
‫لقد قفز علّي يا ماثيو! لقد فاجأني في تلك الحديقة وقفز علّي في لعبة عشوائية من الغرائز الحيوانية! وتأتي إلي وتقول‪" :‬لن يفعل ذلك‬
‫مرة أخرى"؟ لكن متى كان متأكًد ا جًد ا – متأكًد ا بشكل سخيف‪ .‬لماذا؟ "ماثيو‪ ،‬يبدو أنك متردد‪ .‬هناك شيء لم تخبرني به‪ ،‬أنا‬
‫"‪.‬أعرفه‬
‫كان صامًت ا وحازًم ا‪ ،‬ولم يمنحها وجهه أي أمل‪ .‬لن يخون ابن عمه‪ .‬هذا ما فهمته آنا بوضوح مؤلم‪ .‬سأضطر إلى الزواج منه‪.‬‬
‫سأضطر إلى الزواج من كريستوفر‪ .‬حبست أنفاسها طويال حتى آلمتها‪ .‬ال يجب أن أبكي‪ .‬انا غير ملزم‪ .‬همست وهي تلهث بتعب‬
‫"‪.‬مثل طائر صغير سقط من عشه‪" :‬لقد عرفته منذ زمن طويل"‪" .‬من فضلك أخبرني ما الذي أتوقعه عندما يصبح زوجي‬
‫لم يكن هناك شيء سوى الصمت عندما أخذ ماثيو بعض األنفاس وأصبح الثلم الموجود على جبينه أكثر وضوًح ا‪" .‬لقد عرفته إلى‬
‫‪،‬األبد‬

‫أجاب أخيًر ا‪" :‬هذا صحيح كثيًر ا"‪" .‬ولقد رأيته في جميع المواقف األكثر سخافة‪ .‬حتى أنني رأيته يضحك ذات مرة‪ ،‬إذا كنت تصدق‬
‫ذلك‪ .‬ولكن هذه هي المرة األولى التي رأيته‪ . . .‬مثله‪ ".‬أومأ برأسه قليًال إلى يساره‪ ،‬حيث كان كريستوفر ال يزال يتحدث مع‬
‫ليوبولد‪" .‬ال أعرف كيف أجيبك يا آنا‪ .‬وال حتى أنا أعرف‪ ".‬كان يفرك صدغيه بأصابعه‪ ،‬كما لو كان يحاول تجميع الكلمات لتكوين‬
‫جملة يصعب نطقها‪ .‬بدأ كالمه قائاًل ‪« :‬اسمع‪ ،‬أعلم أن ما سأقوله لك سيبدو مروًع ا‪ ،‬لكن يجب أن أقوله على أية حال‪ ،‬حتى لو كنت‬
‫سأبدو أسوأ مما تعتقده عني بالفعل‪ .‬آنا ‪ . . .‬ربما مع الوقت‪ . . .‬ربما يمكنك أن تجد أشياء جيدة عنه‪ ،‬عن كريستوفر‪ .‬إنه ليس سيًئ ا‬
‫‪. . ".‬تماًما‪ ،‬صدقني‪ .‬لو أمكنك قضاء بعض الوقت معه‬
‫"‪-‬على جثتي‪ .‬كذبت وهي تقلب شفتيها‪« :‬يمكنني أن أفعل ذلك‪ ،‬لكني بحاجة إلى معرفة المزيد يا ماثيو‪ .‬أنت‬
‫يا لها من وجوه جادة‪ "،‬قاطعها صوت عزيز عليها – صوت لوسي – من فوق كتفها‪ .‬لقد كانت قريبة جًد ا لدرجة أنها كانت مثيرة "‬
‫‪.‬للقلق‬
‫توقفت آنا عن التنفس‪ .‬إنها المرة األولى التي ال أشعر فيها بالسعادة لرؤيتها‪ ،‬أدركت ذلك بنوع من التعب المفاجئ‪ .‬في اآلونة‬
‫األخيرة‪ ،‬كل هذه األشياء التي تحدث ألول مرة بدت لها وكأنها معاناة مؤلمة في روحها‪ .‬نظرت إلى ماثيو‪ .‬في الوقت الحالي‪،‬‬
‫سيتعين علي أن أستقر على هذا األمر‪ .‬رسمت ابتسامة على وجهها وتوجهت نحو صديقتها‪ .‬وسرعان ما نظرت إلى األسفل بشكل‬
‫‪.‬محرج‪ :‬كانت لوسي مع دانيال‬
‫ابتسم ليوبولد مثل قطة تجلس على األريكة‪" .‬الزوجة ضرورة‪ .‬أليس كذلك يا دافنبورت؟ ليس دائًما مصدر إزعاج‪ ،‬ولكنه في الحقيقة‬
‫‪.‬ضرورة دائًما‬
‫رأى كريستوفر بطرف عينه أن دانيال قد ُقِّد م للتو إلى ماثيو وأنه أعطى آنا ابتسامة باردة‪ .‬ردت عليه باالحمرار والنظرة إليه بنظرة‬
‫حزينة ومحرجة‪ ،‬ورأسها مائل إلى أحد الجانبين‪ .‬بدأ كريستوفر في قبض قبضتيه وإرخاءهما‪ ،‬متحكًما في أنفاسه وأمر قلبه بإبطاء‬
‫‪.‬وتيرته‪ ،‬في سبيل هللا‬
‫"‪.‬هل توافق؟ دافنبورت؟" "قطعًا"‬

‫لقد كان من الذكاء الشديد منك أن تجد زوجة أقل منك بكثير‪ .‬وسوف تكون دائما ممتنة لك‪ .‬الفتيات الفقيرات هن األكثر خضوعا‪" .‬‬
‫"أليس كذلك؟‬
‫بالتأكيد‪ ،‬وآنا شامبيون على وجه الخصوص‪ .‬أدار نظرته بعيًد ا عنها‪ ،‬ليجد ليوبولد يحدق به بما بدا أنه سخرية‪ .‬قال منزعًج ا‪ :‬إنه‬
‫يعتقد أنني أحبها‪ ،‬كما لو كنت تلميًذ ا‪ .‬وأنا من سيكسب ثقته؟ "أنت على حق‪ "،‬اعترف‪" .‬الزوجة المطيعة هي كل ما أحتاجه‪ .‬على أية‬
‫حال‪ ،‬لمجرد أنني سأتزوج‪ ،‬فهذا ال يجعل الرجل يتوقف عن كونه رجًال‪ .‬هل انا على حق؟ سأعترف بأنني أفتقد بياتريس الحلوة‬
‫‪.‬بالفعل‬
‫اآلن أنت تتحدث يا دافنبورت‪ "،‬قال ليوبولد‪ ،‬مفعًم ا بالحيوية واالرتياح اآلن‪ ،‬دون أي عالمة سخرية باقية‪ ،‬كما الحظ كريستوفر‪" .‬‬
‫‪"".‬للحظة خشيت أن تكون أنت أيًض ا قد بدأت بكتابة القصائد عند غروب الشمس‪ ،‬كما يفعل ابني‬
‫ضحك كريستوفر بجدية دون أن يضطر إلى إجبار نفسه‪ .‬كان سماع تشويه سمعة أخيه غير الشقيق أمًر ا ممتًع ا‪ ،‬اللعنة‪" .‬حقا يا‬
‫"سيدي؟‬
‫نعم بالتأكيد‪ ".‬بدا ليوبولد مشتتا‪ ،‬ثم أضاءت نصف ابتسامة وجهه‪" .‬حسًن ا يا دافنبورت‪ ،‬ما رأيك في هذا المساء؟ أعشق القدوم إلى "‬
‫عائلة إدواردز‪ .‬أفضل المشروبات الكحولية وأفضل النبيذ والطعام من الدرجة األولى‪ .‬بجانب ذلك ‪ ." . .‬توقف مؤقًت ا وفي عينيه‬
‫"بريق كما لو كان يحب الحلويات وقد رأى للتو كعكة‪" .‬إلى جانب ذلك‪ ،‬فإن السيدة إدواردز امرأة لطيفة جًد ا‪ ،‬أال تعتقد ذلك؟‬
‫وقفت شعرات كريستوفر واحدة تلو األخرى‪ ،‬ومنعته حالة الصدمة من اإلجابة‪ .‬كان يأمل أال يكون يلهث‪ ،‬لكن لو سقط في بحيرة من‬
‫‪.‬المياه الجليدية لكان من األسهل عليه أن يتنفس‪ ،‬كان ذلك مؤكًد ا‬
‫"‪.‬ضحك ديميرسي مستمتًع ا‪" :‬أرى أنك تفكر مثلي"‪" .‬يبدو أن بيني وبينك الكثير من األشياء المشتركة أيها الشاب‬
‫أشياء كثيرة أيها القذر‪ .‬لم يرغب كريستوفر في التساؤل عما إذا كان والده قد أنجب هذه المرأة قبله أم بعده أم ال‪ .‬لقد حدث ذلك مرة‬
‫واحدة فقط‪ ،‬هكذا فكر وهو يحاول تهدئة الغثيان الذي يشعر به‪ .‬مرة واحدة‪ ،‬وهذا كل شيء‪ .‬لم يكن يريد رؤيتها مرة أخرى بعد ذلك‪،‬‬
‫وحتى أنه لم يعرف السبب‪ .‬ولم تتقبل لويز رفضه جيًد ا أيًض ا‪ ،‬وكانت توجه إليه بعض اإلهانة بين الحين واآلخر‪ . . .‬حتى في‬
‫األماكن العامة‪ .‬لكن باهلل عليك أن تخبر والده! كان يأمل على األقل أنها وفرت له التفاصيل‪ ،‬على الرغم من أنه شكك من ابتسامة‬
‫ليوبولد الخبيثة في أنها‬

‫لم أفعل ذلك‪ .‬ال يعني ذلك أنه كان هناك الكثير مما يجب معرفته على أي حال‪ .‬لقد ذهب إلى منزلها‪ ،‬كما رتبوا‪ ،‬وكانت تنتظره في‬
‫الحديقة‪ .‬كانت األضواء مضاءة داخل المنزل‪ ،‬وتردد صدى صوت البيانو ‪ -‬ربما لوسي وأصابعها الرخيمة على المفاتيح ‪ -‬طوال‬
‫الليل‪ .‬عندما اقتربت لويز منه‪ ،‬أخذها كريستوفر بسرعة إلى طاولة الجناح‪ ،‬ورفع تنورتها دون أن ينظر إليها تقريًبا‪ .‬كان يريد بشدة‬
‫أن يمحو ذكرى ذلك المساء السابق‪ ،‬ذكرى اشتعلت بداخله مثل نار جهنم ‪ -‬ذكرى قبلة مسروقة من فتاة وقحة‪ .‬لم يتمكن من التخلص‬
‫‪.‬من الذكرى بشكل جيد‪ ،‬أدرك اآلن بسخرية قاتمة‪ ،‬ألنه في أقل من شهر سوف يتزوج تلك الفتاة الوقحة نفسها‬
‫التفت نحوها‪ .‬كانت لديها بضع خصالت من الشعر تتدلى أمام خديها الورديين والبيضاء‪ ،‬وكانت تبتسم‪ ،‬لكن عينيها كانتا خجولتين‪،‬‬
‫ومن الواضح أن شيًئ ا ما قد أزعجها‪ ،‬ألنها أصبحت متصلبة بشكل غير طبيعي‪ .‬كانت تتحدث مع دانييل‪ ،‬وكان ينظر إلى وجهها‪ ،‬ال‪،‬‬
‫‪.‬ليس وجهها‬
‫‪.‬شفتيها‬
‫قال‪" :‬عفوا يا ديميرسي‪ ،‬يجب أن أطلب من خطيبتي أن ترقص‪ .‬إنها واحدة من تلك المضايقات الضرورية للحفاظ على سالم‬
‫"األسرة‪ .‬أال توافقين؟‬
‫"‪.‬انا افترض ذلك"‬
‫نظر كريستوفر إلى الليدي إليانور‪ ،‬زوجة ليوبولد‪ .‬جلست في الزاوية مع سيدتين أخريين‪ ،‬ونظرت إلى األسفل‪ ،‬ولم تشارك في‬
‫المحادثة‪ ،‬وبدًال من ذلك كانت ضائعة في أفكارها الخاصة‪ .‬يعتقد كريستوفر أن ليوبولد لم يرقص بالتأكيد مع زوجته لسنوات عديدة‪.‬‬
‫‪.‬ربما لم يرقص معها قط‬
‫حسًن ا‪ ،‬خذني لرؤية خطيبتك الجميلة‪ ،‬دافنبورت‪ ".‬أصبح التوهج الجائع في عيون ليوبولد أقوى‪" .‬لم أتقدم لها بعد بتهنئتي‪ ،‬بعد كل "‬
‫"‪.‬شيء‬
‫تهاني الخالصة على خطوبتك‪ ،‬يا آنسة تشامبيون‪ ".‬آنا فقط هي التي فهمت المفارقة المريرة في كلمات دانيال‪ .‬لقد نظر إليها بطريقة"‬
‫تبدو مستاءة مع مثل هذه النظرة الغريبة في شفافيته‬

‫‪.‬العيون التي كانت مختلفة عنه‪ .‬لقد جعلها تحمر خجًال بشدة عندما كان يحدق بإصرار وتعمد في شفتيها‬
‫‪".‬نظرت إلى األسفل‪ ،‬في حيرة من أمرها‪" .‬شكًر ا لك سيد ديميرسي‬
‫"قالت لوسي‪" :‬آنا‪ ،‬هل تدركين أنه يمكنك أن تكوني مرافقتي خالل ما يزيد قليًال عن أسبوع؟‬
‫"‪.‬عندما يحدث ذلك‪ "،‬تدخل ماثيو بابتسامة صفيقة‪" ،‬آمل أن تتركني وحدي مع صديقتك آنا"‬
‫كان لدى آنا أسباب تجعلها تنزعج من ماثيو‪ ،‬وهي أسباب وجيهة في ذلك‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬عندما نظرت إليه‪ ،‬اكتشفت الكثير مما أدهشها‬
‫‪.‬أنها لم تستطع البقاء غاضبة منه لفترة طويلة‪ ،‬خاصة وهو ينظر إليها بعينين كبيرتين بشكل ال يصدق‬
‫أجابت بابتسامة صادقة رغم نفسها‪" :‬ال تخطئوا‪ ،‬سأكون صارمة للغاية"‪" .‬خاصة معك‪ .‬أنت متحرر مخيف‪ ".‬ضحك ماثيو بشكل‬
‫‪.‬متعجرف وهو ينفخ صدره بغطرسة‬
‫أوه‪ ،‬آنا‪ ،‬أنت تتابع صفقتنا تماًم ا‪ ".‬التفت نحو دانيال ولوسي‪" .‬يجب أن تعلم أنه ال شيء يمكن أن يضمن نجاح شاب في المجتمع "‬
‫"‪.‬أفضل من سمعة كونه ُمغوًيا خطيًر ا‪ ،‬وقد توسلت إلى ابن عمي الذي سيصبح قريًبا لنشر هذه اإلشاعة‬
‫لذا فإن الشابات يحبون الخليعات‪ .‬هل هاذا هو؟" سأل دانيال‪ .‬كانت لهجته مقبولة‪ ،‬لكن آنا فهمت السخرية الكامنة وراء هذه "‬
‫‪.‬المالحظة ورغبته في إيذاءها في نظرته الجريحة‬
‫أوه‪ ،‬دانيال‪ ،‬لم أرفضك بسبب كريستوفر‪ .‬كانت تتألم ألنها فقدت احترامه‪ ،‬ولكن ليس الكبرياء الذي كان يأكل قلبها‪ .‬األسوأ هو رؤية‬
‫براءته ملوثة بكل هذا القذارة‪ ،‬الذي كان مختلًفا عنه تماًم ا‪ .‬أنا آسف‪ ،‬دانيال‪ ،‬لم أكن أريد هذا‪ .‬لكن الحب ‪ -‬لم أكن أعرف ما هو‪ ،‬وما‬
‫زلت ال أعرف‪ .‬ربما لن أعرف أبًد ا‪ .‬نظرت إلى عينيه الخضراوين‪ ،‬المظلمتين باالستياء‪ .‬لكن بالنسبة لي‪ ،‬لست أنت يا دانيال‪ .‬ليس‬
‫‪.‬انت‬
‫أكد ماثيو قائًال ‪" :‬بالطبع أيها المتحررون يا سيد ديميرسي"‪" .‬إذا كانوا ساحرين بشكل ال يصدق‪ ،‬مثلي‪ ،‬فهذا يعني نزهة في الحديقة‪.‬‬
‫و آنا‪ ." . .‬لقد أعطاها نظرة حلوة يبدو أنها ال تزال تطلب المغفرة‪" .‬هل ترغبين بأن تكوني أول فتاة أرقص معها؟ سوف تحسدك‬
‫"‪.‬بشدة جميع السيدات الشابات الحاضرات‬
‫قالت‪" :‬بكل سرور"‪" .‬لكنني أحذرك‪ :‬ستكون رقصتك األولى في المساء وربما األخيرة‪ .‬قد ال تعلم أنني راقصة سيئة للغاية‪ .‬حتى‬
‫‪.‬أقوى األحذية وأكثرها ثباًت ا ال تتناسب مع نعال القماش التي أرتديها عندما أتمكن من ركلها‬

‫ضحكت لوسي‪" :‬أستطيع أن أؤكد ذلك"‪" .‬ولكن يجب عليك أيًض ا أن تدرك أن كل ركلة من ركالت آنا هي عالمة القدر ويجب أن‬
‫»‪.‬تؤخذ بالقدر المناسب من االحترام واالمتنان‪ .‬ربما ال تعرف قصة السير كولن وروزماري روثرهام‬
‫أنا كلي آذان صاغية‪" .‬ركالت القدر هي في الواقع مادتي المفضلة‪ ".‬لفت انتباهه شيء ما إلى يساره‪ ،‬فتوقف عن االبتسام‪ .‬قال "‬
‫‪".‬ببرود‪" :‬أوه‪ ،‬هنا يأتي ابن عمي‬
‫لقد انهار شيء ما بداخل آنا‪ ،‬وحل مكانه االرتباك والخوف واأللم‪ .‬يا إلهي‪ ،‬لماذا ال يسمح لي بذلك؟‬
‫نظر إليها ماثيو ثم أطلق تنهيدة صغيرة‪ .‬تمتم قائًال‪" :‬سيداتي وسادتي‪ ،‬إذا بدأنا الحديث عن الطقس وتجنبنا أي مواضيع مثيرة‬
‫‪".‬لالهتمام‪ ،‬فربما يرحل‬
‫"‪.‬قال دانييل بشكل قاطع‪" :‬ال أعتقد أن هذا سينجح يا سيد دافنبورت"‪" .‬أنت ابن عم يحب التحدث عن الطقس‬
‫نظرت إليه لوسي بسرعة‪ ،‬متفاجئة بعض الشيء وحذرة بعض الشيء‪ .‬لوسي لن تنسى فن األخالق الحميدة‪ ،‬حتى في صحبة السوء‪.‬‬
‫التفتت نحو ليوبولد وكريستوفر بابتسامة مشرقة‪ ،‬وابتسم الرجالن‪ .‬تم تقديم ماثيو إلى السيد ديميرسي‪ ،‬وتعرفت آنا في ماثيو على‬
‫نفس النظرة الثابتة‪ ،‬واالبتسامة الثابتة‪ .‬لكن كريستوفر كان لديه تلك االبتسامة أكثر من أي شخص آخر‪ .‬ربما كان لديه أيًض ا ابتسامة‬
‫أخرى‪ ،‬تلك االبتسامة الساخرة التي أعطاها إياها بال هوادة‪ .‬لقد كان هنا‪ ،‬على بعد أقل من خطوتين‪ ،‬وكان يمثل تهديًد ا وخطورة في‬
‫كل شيء‪ ،‬حتى في غرفة مليئة بالناس‪ .‬ويبدو أيًض ا أنه كان يتبختر بشكل أكثر خمواًل من المعتاد‪ ،‬إذا كان ذلك ممكًن ا‪ .‬ربما سيفشل‬
‫حفل الزفاف‪ ،‬بعد كل شيء‪ ،‬قالت لنفسها وهي تشعر باالشمئزاز‪ .‬إذا استمر في نفخ نفسه بهذه الطريقة‪ ،‬فمن المؤكد أنه سينفجر‬
‫‪.‬عاجًال أم آجًال‬
‫قال لها ليوبولد‪« :‬يا آنسة تشامبيون‪ ،‬أخلص التهاني على خطوبتك‪ .‬السيد دافنبورت رجل نادر‪ ».‬كان ليوبولد يستمتع بوقته‪ .‬لقد كان‬
‫‪.‬يبذل قصارى جهده ليجعل دانيال يدفع ثمن تمرده الصغير‬
‫‪.‬لكن يبدو أن دانيال لم يسمعه حتى‪ .‬كان بارًد ا تماًما وساكًن ا تماًما؛ ربما كان عقله قد ترك جسده للحظة أثناء ذهابه في نزهة‬
‫أجابت آنا‪" :‬شكًر ا لك سيد ديميرسي"‪ .‬نادر بالفعل‪ ،‬كريستوفر هو ذلك بالتأكيد‪ ،‬قالت لنفسها‪ .‬ربما فريدة من نوعها‪ ،‬ولكن حتى هذا‬
‫‪.‬هو أكثر من الالزم‬

‫‪.‬أنت مرحب بك جدا‪ .‬من دواعي سروري دائًما التحدث إلى فتيات أذكياء مثلك"‬
‫"‪.‬أنت طيب جدا"‬
‫أردت أيًض ا أن أهنئك على العربة التي وصلت بها هذا المساء‪ .‬إنه جديد‪ ،‬أليس كذلك يا دافنبورت؟"‬
‫‪-‬لماذا يقول هذا؟ وقفت آنا هناك في الكفر‪ .‬ربما أساءت فهمه؛ بالتأكيد لم يفعل‬
‫‪”.‬وتابع ليوبولد‪« :‬رائع حًق ا يا دافنبورت‪« .‬والخيول الجميلة جًد ا‪ .‬لقد كثر الحديث عن حجم األموال التي تنفقها على الهدايا لخطيبتك‬
‫شعرت آنا بالدم يسيل من وجهها‪ .‬ولكن ماذا ‪ . . .‬؟ فتحت لوسي فمها كما لو كانت مذهولة‪ .‬كان لدى ماثيو نظرة على وجهه‬
‫لشخص ابتلع صرصوًر ا وشعر به يزحف داخل حلقه‪ .‬وحده دانيال بدا غير منزعج‪ ،‬كقشرة فارغة سرقت منها يد قاسية كل‬
‫‪.‬عواطفه‬
‫‪.‬أوه‪ ،‬ال شيء يا سيدي‪ "،‬أجاب كريستوفر‪ ،‬وهو راٍض جًد ا لدرجة أنه بدا أطول‪ ،‬إذا كان ذلك ممكًن ا"‬
‫‪.‬توقفت الموسيقى في حلبة الرقص‪ ،‬وبدا الصمت الذي خيم عليهم يصم اآلذان‬
‫سيكون من الصعب العثور على شاب كريم آخر مثله‪ ،‬اآلنسة تشامبيون‪ ".‬كما هو الحال دائًما‪ ،‬أصبح صوت ليوبولد أكثر انخفاًضا "‬
‫ولكنه أصبح أكثر قوة‪ .‬وكما هي الحال دائمًا‪ ،‬كان كل من حوله يعلقون على كل كلمة يقولها بسبب الكاريزما التي يتمتع بها والتي ال‬
‫يمكن تفسيرها‪ ،‬والتي تتحدى المنطق واألخالق‪" .‬إنه ينفق ثروة لتجديد منزلك‪ ،‬أليس كذلك؟ عدد قليل جدا من الرجال سيفعلون ذلك‪.‬‬
‫‪.‬اسمحوا لي أن أقول إنك كنت محظوظة حًق ا في اختيار زوجك‬
‫لم يكن لدى آنا أي فكرة عن كيفية الرد‪ ،‬ومألت دموع الغضب عينيها‪ .‬على الرغم من حقيقة أن ليوبولد كان أمامها مباشرة وعلى‬
‫الرغم من أنه كان يتحدث معها بالفعل‪ ،‬إال أنها ما زالت غير قادرة على تصديق ذلك‪ .‬لم تصدق أنه كان يقول مثل هذه األشياء‪ ،‬وال‬
‫‪.‬أنه كان يبذل قصارى جهده إلهانتها أمام الجميع‬
‫‪.‬وأمام خطيبها‬
‫‪.‬خطيب من المفترض أن يدافع عنها‬
‫خطيب كان يعلم جيًد ا أن دينه لها لن يكون أبًد ا‬
‫‪.‬سداد‬
‫خطيب ابتسم لليوبولد وأجاب‪" :‬هذا بالضبط ما أريده‬
‫‪.‬قل لها دائًما أيًضا‬
‫‪. . .‬وهذا بالضبط ما أقوله لها دائًما‬

‫‪ . . .‬هذا هو بالضبط‬
‫لماذا كانت الدموع في عينيها تكبر؟ لماذا أرادوا أن يدحرجوا وجهها رغم كل شيء؟ كانت تعلم أنها ال تستطيع أن تتوقع أي شيء‬
‫‪.‬آخر‪ .‬كانت تعرف ذلك‪ ،‬اللعنة‪ .‬كانت تعرف ذلك‪ ،‬ومع ذلك كانت تتوقع خالف ذلك‪ .‬وكانت تتوقع العدالة في النهاية‬
‫أخذت لوسي نفسا عميقا‪ ،‬وبدا أن صدرها ينتفخ فجأة‪ .‬عرفت آنا أنها كانت على وشك الخروج في احتجاج ساخط‪ .‬من فضلك يا‬
‫‪.‬لوسي‪ ،‬قالت لنفسها وهي تغمض عينيها‪ .‬ال تجعل بلدي الذل أسوأ‬
‫‪.‬لم تكن لوسي هي التي بدأت في الكالم‬
‫"‪.‬أنت مخطئ تماًما يا أبي"‬
‫‪.‬فتحت آنا عينيها‬
‫كرر دانيال‪" :‬أنت مخطئ تماًما يا أبي"‪" .‬و انت‬
‫"‪.‬مخطئ أيًض ا يا دافنبورت‪ .‬أنت المحظوظ يا سيدي‬
‫دانيال‪ ".‬لم تستطع آنا إال أن تقول اسمه‪ ،‬ثم سقطت"‬
‫صامتة‪ ،‬غمرتها المشاعر التي فاضت صدرها وأخرجت المرارة‪ .‬لم تكن متأكدة‪ ،‬ولكن ربما ذرفت دموعها‪ .‬ما كانت تعرفه هو أنها‬
‫‪.‬شعرت بالسعادة وأنها على وشك االنفجار‪ .‬لم تختف براءته‪ .‬لقد عاد دانيال لها‬
‫ابتسم لها بلطف قال لها‪" :‬آنا‪ ،‬اآلن أنا حًق ا بحاجة إلى إشارة القدر تلك"‪ ،‬وبدا أنهما الشخصان الوحيدان في الغرفة المزدحمة‪" .‬هل‬
‫"ترقص معي؟‬
‫أجابت بكل العواطف التي مألت قلبها وصوتها‪" :‬بكل سرور"‪ .‬أمسكها دانيال بيدها وقادها إلى حلبة الرقص دون أن يكلف نفسه‬
‫‪.‬عناء النظر إلى اآلخرين‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪21‬‬
‫‪.‬فن الحياة أشبه بالمصارعة منه بالرقص‬
‫ماركوس أوريليوس—‬
‫"‪.‬يبدو أنك لن ترقص مع خطيبتك‪ ،‬بعد كل شيء"‬
‫وجد ليوبولد دائًم ا الجانب الممتع من األشياء‪ .‬إن التسلية بالنسبة له‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬تعني عادًة أن شخًص ا آخر لم يكن مستمتًع ا على‬
‫اإلطالق‪ .‬معه‬
‫‪.‬عيون مليئة بالسخرية‪ ،‬نظر إلى كريستوفر‬
‫)‪.‬اضحك معه يا كريستوفر‪ .‬اكسب محبته(‬
‫لكن كريستوفر لم يرد عليه حتى‪ ،‬وليس ألنه ال يستطيع ذلك‬
‫يقرر ما سيقوله أو ألنه فجأة لم يعد يتحمله‪ .‬في الواقع‪ ،‬لم يسمعه تقريًبا‪ .‬كانت عيناه مثبتتين على آنا‪ ،‬التي كانت يدها القفازية ممسكة‬
‫‪.‬بإحكام في يد دانييل‪ ،‬والتي كانت تعبر الغرفة‪ ،‬وتمر بين الناس دون أن تراهم‬
‫جاء شاب أشقر إلى لوسي الستعادة الرقصة التي وعدته بها‪ .‬أجابت‪" :‬بالتأكيد يا سيد روسكين"‪ ،‬وبدت مرتاحة تماًما الحتمال‬
‫‪.‬االنفصال عنهما‬
‫همس ماثيو بشيء في أذن لوسي‪ ،‬وابتسمت وهي تبتعد‪ .‬لم يالحظ كريستوفر ذلك حتى عندما شاهد خطيبته تدخل حلبة الرقص‪.‬‬
‫رفعت آنا رأسها عالًيا‪ ،‬وكانت عيناها تلمعان وخدودها بلون التفاح األحمر‪ ،‬وكانت لها نفس الرائحة‪ ،‬كما كان كريستوفر يعرف ذلك‬
‫‪.‬جيًد ا‬
‫قال ليوبولد بابتسامة منحنية في مجرد تلميح من السخرية‪" :‬إذا سمحتم لي أيها السادة‪ ،‬سأذهب أيًض ا لرؤية سيدة حول رقصة تدين‬
‫لي بها‪ .‬يبدو أن أحدنا يجب أن يكون قادًر ا على التعامل مع ذلك‪ ،‬أال تعتقد ذلك يا دافنبورت؟‬

‫"‪.‬نظر كريستوفر إليه مرة أخرى‪" .‬بالطبع‪ "،‬أجاب بشكل قاطع‪" .‬أراك الحًقا يا ديميرسي‬
‫"‪.‬ابتعد ليوبولد‪ .‬بمجرد أن أصبحا بمفردهما‪ ،‬ربت ماثيو على كتفه‪" .‬عمل جيد يا كريس‬
‫ممتاز‪ .‬اآلن بالنسبة لخطبته‪ ،‬هذا ما يحتاجه كريستوفر بالضبط! أجاب بغضب‪" :‬ال تكن سخيًف ا يا مات"‪ .‬لم يكن من الممكن أن‬
‫‪.‬أتصرف بشكل مختلف‪ ،‬وأنت تعرف ذلك‬
‫كانت آنا في منتصف حلبة الرقص‪ ،‬في مواجهة دانيال‪ .‬لم تكن ترتدي القالدة الكهرمانية التي أهداها إياها كريستوفر قبل بضعة أيام‬
‫‪ -‬تلك التي اختارها لها شخصًيا‪ ،‬ألنه اعتقد أنها تتناسب مع لون عينيها ‪ -‬وكان انقسامها الطفيف يظهر بشرتها الحليبية بشكل غير‬
‫‪.‬محتشم‬
‫"‪.‬أوه حًق ا؟" أجاب ماثيو‪" .‬بالنسبة لي‪ ،‬بدا أنك تستمتع برؤية ليوبولد وهو يهين خطيبتك"‬
‫بدأت الموسيقى‪ .‬تحرك دانيال نحو آنا‪ ،‬ولكن بدا أن هناك بعض اإلحراج بينهما‪ ،‬ألنهما لم يتمكنا من النظر في عيون بعضهما‬
‫‪.‬البعض‬
‫ال تقل مثل هذه القمامة‪ .‬قال كريستوفر‪“ :‬لم يرغب أحد في إذاللها”‪" .‬بقول ذلك‪ ،‬أراد ليوبولد إيذاء ابنه‪ ،‬وبقدر ما يهمني‪ ،‬فأنت تعلم"‬
‫‪".‬جيًد ا أنني ال أستطيع انتقاده بسبب ذلك‬
‫بالتأكيد‪ ،‬بالطبع ال‪ ".‬تنهد ماثيو‪" .‬كريس‪ ،‬محاولة معاقبتها ألنها تعتبرك كومة ال قيمة لها لن تحسن رأيها فيك‪ .‬أنت تدرك ذلك‪" ،‬‬
‫"أليس كذلك؟‬
‫كان دانيال يقول شيًئ ا آلنا‪ ،‬وكانت تجيبه بجدية‪ .‬تعثرت آنا‪ ،‬سواء بسبب انفعاالتها أو إحراجها أو شرود ذهنها المستمر الذي جعلها‬
‫‪.‬تصطدم بالكراسي والناس‪ .‬أمسكها دانيال قبل أن تسقط‬
‫)ماذا تتوقع أيًض ا من أمير القصص الخيالية الدموي؟(‬
‫حمل جسدها بين ذراعيه‪ .‬كان يلمس فستانها‪ ،‬الذي اشتراه كريستوفر‪ .‬كان الخاتم الموجود في إصبعها‪ ،‬وهو الخاتم الذي اشتراه‬
‫‪.‬كريستوفر أيًض ا‪ ،‬يلمع‬
‫أجاب بطريقة آلية‪" :‬أنت تتحدث هراء يا ماثيو"‪" .‬ليس كذلك‪ ." . .‬وفجأة أغلق فمه‪ ،‬ألن ما كان يحدث في حلبة الرقص منعه من‬
‫إنهاء جملته‪ .‬لقد نهضت آنا مرة أخرى بعد الحادث المحرج وكانت تعيد ضبط مالبسها بإهمال متفاخر‪ .‬كان عليها أن تدرك أن‬
‫دانيال كان يحاول أن يظل جاًد ا‪ .‬لقد حاول حقًا‪ .‬أدار رأسه حتى ال ينظر إليه‬

‫ها‪ .‬لم يكن يريد أن يضحك‪ ،‬فعض على شفتيه بقوة أكبر‪ ،‬ولكن دون جدوى‪ .‬ارتفعت زوايا فمه بال هوادة‪ .‬لقد الحظت ذلك‪ ،‬لكنها‬
‫‪.‬تظاهرت‪ ،‬بطريقة كريمة‪ ،‬بالسعال مراًر ا وتكراًر ا‪ .‬ووضعت يدها على فمها لتخنق ما ينفجر من تحتها‪ ،‬محاولة الهرب‬
‫‪.‬نظر دانيال إليها‪ .‬لسوء الحظ نظرت إليه‬
‫‪.‬وكانت نهاية‬
‫تم االستيالء على الضحك ‪ -‬الحر‪ ،‬الذي ال يمكن السيطرة عليه‪ ،‬وغير المنطقي في هذه الغرفة المزدحمة‬
‫لهم كما لو كانوا في الفخ‪ .‬قبضت عليهم وسجنتهم‪ ،‬وأعمتهم بالدموع التي مألت أعينهم‪ ،‬وأصمت آذانهم من عبارات الراقصين‬
‫‪.‬اآلخرين الصادمة‪ ،‬وهزت أجسادهم‬
‫‪.‬قنابل الفرح التي تركت شظاياها في رجل كان يراقبها‪ ،‬على بعد ياردات قليلة‪ ،‬والدم يغلي بجنون في عروقه‬
‫)‪.‬ليس هناك مكان لك‪ ،‬كريستوفر(‬
‫مع تشويش عقله بسبب قلبه النابض‪ ،‬توجه كريستوفر فجأة إلى حلبة الرقص‪ .‬أمسك ماثيو بذراعه وأمسك به‪" .‬كريستوفر‪ ،‬ال تفعل‬
‫‪. . ".‬ذلك‬
‫"!أيها العقالء‪ ،‬ملجأ األقوياء‪ ،‬أين أنت بحق الجحيم عندما تكون في حاجة إليك؟ هز كريستوفر ذراعه‪" .‬ال تتورط في هذا يا ماثيو‬
‫هل تريد لكمة دانيال في منتصف الغرفة؟ هذه فكرة رائعة يا كريس!» أومأ برأسه بحماس وترك ذراعه‪" .‬استمع إلى ما سنفعله‪" :‬‬
‫‪.‬بينما تضربه بشدة‪ ،‬سأعود إلى المنزل وأحزم أمتعتنا‪ .‬ألنه بعد الشجار ستنتهي األمور بالنسبة لنا هنا‪ ،‬أنت تعرف هذا‬
‫وضع كريستوفر يده على عينيه‪ .‬القرف! القرف‪ ،‬القرف‪ ،‬القرف! لقد شعر بقلبه ينبض بشدة‪ ،‬وكان عليه أن يهدأ‪ .‬كان عليه أن يفعل‬
‫ذلك‪ ،‬اللعنة‪ .‬كان يعلم أن آنا تحب دانيال‪ ،‬أليس كذلك؟ ولم يحدث أي فرق بالنسبة له على اإلطالق‪ .‬إذن‪ ،‬بحق هللا‪ ،‬لماذا كان يأخذ‬
‫‪.‬هذا األمر بشكل سيء للغاية؟ ألن هذا يحرجني أمام الجميع‪ ،‬هذا هو السبب‪ .‬كان يتنفس بهدوء أكبر‪ .‬هذا هو السبب الوحيد‬
‫‪".‬قال ماثيو‪" :‬كريس‪ ،‬استمع‪ ،‬الطريقة الوحيدة لتحسين وضعك هي التأكد من أن آنا ستقع في حبك عاجًال أم آجًال‬
‫يا إلهي‪ ،‬أنت تبدو كفتاة صغيرة! ال أريدها أن تحبني‪ ،‬وهللا!» بسبب البكاء بصوت عاٍل ‪ ،‬هل يمكن لهذه الليلة اللعينة أن تصبح "‬
‫!أسوأ؟ "أريدها أن تخاف مني‪ ،‬وسوف أنجح على ما يرام‪ .‬اللعنة‪ ،‬ستكون زوجتي في أقل من عشرة أيام‬

‫"‪.‬إذا تزوجتك يا كريستوفر"‬


‫"‪.‬ما الذي كان يتحدث عنه ابن عمه الغبي؟ أجاب بجفاف‪" :‬ال تتحدث عن هراء"‪" .‬ليس لديها بديل آخر‬
‫لن أكون متأكدًا لو كنت أنت‪ .‬لديها الكثير من الشكوك حول هذا الزواج‪ .‬وكريستوفر‪ ،‬ربما ال ينبغي لي أن أقول هذا‪ ،‬لكن بما أنك "‬
‫أنت‪ ،‬فال بد لي من ذلك‪" .‬الشكوك" ليست بالضبط الكلمة التي سأستخدمها لتحديد حالتها العقلية فيما يتعلق بك‪" .‬الرفض التام" أو‬
‫‪".‬المعارضة المطلقة" أو "اإلرادة الحازمة على الفرار" من شأنه أن يجسد المفهوم بشكل أفضل‬
‫نظر كريستوفر إليه بتوتر‪ .‬هل يمكن أن يكون على حق؟ التفت نحو آنا‪ ،‬خطيبته‪ .‬ألنها خطيبته وهللا! كان دانيال يهمس لها بشيء‪،‬‬
‫وكانت تهز رأسها بخجل‪ .‬ابتسمت له مثل اللؤلؤة بين اللون الوردي واألحمر في فمها‪ .‬أثناء الرقص‪ ،‬لمست يداها يد دانييل‪،‬‬
‫‪.‬واقتربت أجسادهما ثم ابتعدتا‪ ،‬لتقتربا مرة أخرى‬
‫استمع إلي يا كريس‪ "،‬تابع ماثيو‪ ،‬بعد نظرته‪" ،‬ابدأ في جذبها‪ .‬اعترف بأنك تصرفت بشكل مشين‪ ،‬واسقط عند قدميها‪ ،‬واطلب منها"‬
‫"‪.‬المغفرة‪ .‬هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكنك القيام به‬
‫‪.‬أبدا في مليون سنة‪" .‬أو ‪ ." . .‬رد‬
‫"أو ماذا؟"‬
‫أو سأجد طريقة لجعلها أكثر عقالنية‪ .‬هذه الساحرة تكره‬
‫‪. . .‬أنا؟ ممتاز‪ .‬إنها ال تريدني في سريرها؟ فقط كذلك‪ .‬إنها ليست جميلة حتى‪ ،‬و‬
‫)‪.‬أنت مثل الجنة‪ "،‬قلت لها‪ ،‬كريستوفر"(‬
‫وكانت هناك نساء على استعداد إلرضائه في كل مكان‪ .‬في اآلونة األخيرة‪ ،‬ألزمته التزاماته بالعفة المزعجة‪ ،‬لكنه سيتجاوز ‪. . .‬‬
‫ذلك قريًبا‪ .‬الليلة أو ربما غدا‪ .‬أو في اليوم التالي على أبعد تقدير‪ .‬في سبيل هللا‪ ،‬لم يكن األمر مهما‪ .‬الشيء المهم هو أنه ال يريد آنا‪.‬‬
‫لم يكن يريدها؛ لن يطلب أبًد ا ممارسة الحب معها بعد الزفاف‪ .‬إال إذا كانت تريده بالطبع‪ ،‬ففي هذه الحالة سيكون من الواضح أنه‬
‫‪.‬ملزم بإرضائها‬
‫)!إال إذا كانت تريده‪ ".‬ها"(‬
‫‪.‬لكن يا إلهي‪ ،‬لن يسمح لها بعد اآلن بتعريضه للسخرية‬
‫سأجد طريقة أيتها الساحرة‬
‫ما الذي يمر برأسك يا كريستوفر؟" بدا صوت متى منهًك ا للغاية‪ ،‬وكأن هذه المعركة المستمرة استنزفت قوته‪" .‬أليس ما فعلته لها "‬
‫‪. . ".‬كافيا؟ أنا أحذرك‪ ،‬لن أسمح لك بذلك‬

‫توقف عن ذلك‪ .‬أنا لن أفعل أي شيء‪ ".‬كان يحدق به ببراءة‪ ،‬ثم أعطاه ابتسامة‪" .‬في الواقع‪ ،‬سأحاول أن أعاملها بشكل أفضل من "‬
‫‪.‬اآلن فصاعدا‪ ".‬على األقل حتى بعد الزفاف‪ .‬ال أريد إخافتها‬
‫بدا ماثيو أكثر قلقا من ذي قبل‪ .‬ربما كانت االبتسامة هي التي كشفت عن نواياه‪ .‬نعم‪ ،‬من الواضح أنني بالغت في األمر‪ ،‬فكر‬
‫كريستوفر‪ .‬لم يهتم بصوت ماثيو المتذمر‪ ،‬نظر إلى وجه خطيبته المشرق‪ ،‬الذي أضاء بالسعادة‪ .‬ال تخدع نفسك يا دانيال‪ .‬في أعماقه‪،‬‬
‫تضخم غضبه ثم تبدد عندما يتذكر‪ .‬لن تراها أبًد ا جميلة كما رأيتها‪ .‬ورأى لها في العشب‪ .‬وتذكر خديها الساخنين للغاية‪ ،‬اللذين‬
‫توهجا أكثر إشراقا مما هما عليه اآلن‪ .‬على الرغم من أنهم كانوا مبللين من البكاء‪ ،‬إال أنهم أحرقوا فمه عندما قبلها‪ .‬لقد لعق النكهة‬
‫الحلوة الممزوجة بالدموع المالحة من جلدها‪ ،‬وأخيرًا قبل شفتيها الرطبتين والمفترقتين‪ .‬لقد استجابت لقبلته واستمتعت به‪ ،‬ووجهها‬
‫‪.‬يحترق من الهجران والسرور‬
‫‪.‬أنا فقط رأيتها جميلة مثل ذلك‬
‫قال دانييل بتردد‪" :‬لقد كنت غير عقالني يا آنا"‪ .‬لقد اختفت رباطة جأشها التي حافظ عليها‪ ،‬حتى عندما رفضته‪ .‬ولم يعد يريد إخفاء‬
‫ألمه‪ .‬ربما كان على استعداد لترك األمر‪" .‬أنت ‪ . . .‬لقد كنت صادًق ا معي‪ ،‬لكن لم يكن من السهل قبول ذلك‪ .‬اقصد اني ‪ . . .‬أنا‪ ،‬آنا‪.‬‬
‫‪ ." ..‬تراجع صوته‪ .‬بعد كل شيء‪ ،‬لقد قال ما يحتاج إليه‬
‫‪ . . ".‬دانيال"‬
‫‪".‬اعذرني‪ .‬أنا ال ألومك‪ .‬قال وهو يضحك متوتًر ا بعض الشيء‪" :‬لكن بالتأكيد‪ ،‬أنا أحرجك"‬
‫هذا أقل ما أستحقه‪ .‬قالت وهي تبتسم‪" :‬ال شيء يمكن أن يحرجني بعد سقوطي الوشيك منذ لحظات قليلة"‪ .‬تساءلت عن اللون الذي‬
‫كان يتحول إليه وجهها؛ وكان من الصعب معرفة ما إذا كان لونه أرجوانًيا أم قرمزًيا أكثر‪" .‬وشكًر ا مرة أخرى على عملية اإلنقاذ‬
‫"‪.‬البطولية‬
‫إلى جانبها‪ ،‬كانت لوسي ترقص مع رجل نبيل بالكاد تعرفه آنا ‪ -‬روسكين‪ ،‬ريدسكين‪ ،‬شيء من هذا القبيل ‪ -‬ولم تكن تستمتع بوقتها‪،‬‬
‫‪.‬إذا حكمنا من خالل التعبير الباهت على وجهها‬
‫‪.‬حسًن ا‪ ،‬هذا هو هدف األصدقاء‪ ،‬أليس كذلك؟" سأل دانيال"‬

‫نظرت آنا مرة أخرى إليه‪" .‬ولمنع الفتيات الخرقاء من السقوط على األرض؟" سألت مع تلميح من الضحك يعود إلى شفتيها‪.‬‬
‫وأعربت عن أملها أنها لن تبدأ في الضحك مرة أخرى‪ .‬يا إلهي‪ ،‬كم كان ذلك محرجًا في وقت سابق‪ .‬أحد تلك األشياء التي ال تريد‬
‫‪.‬أن تحدث لك أبًد ا‪ ،‬وبعد ذلك‪ ،‬عندما تحدث‪ ،‬تصبح واحدة من أفضل ذكريات حياتك‬
‫"‪.‬حتى دانيال ضحك‪" .‬أن تضحك من السقوط‪ ،‬إذا كان هناك أي شيء‬
‫هذا تغير االبتسامة على وجهها‪ .‬لقد تأثرت آنا اآلن‪ ،‬وأخفضت نظرتها بخجل إلخفاء مشاعرها‪ .‬لقد أصبحت تعتقد أن المودة ال‬
‫"تظهر بسهولة‪ ،‬كما يظهر الغضب‪ .‬ربما كان لألمر عالقة بالخوف من جعل نفسك عرضة للخطر‪" .‬إذًا‪ ،‬نحن أصدقاء يا دانيال؟‬
‫‪.‬إذا كنت تفعل لي الشرف‪ ".‬كان صوته يحمل نفس المشاعر"‬
‫"‪.‬سوف أكرمك بالسقوط عدة مرات إذن‪ ".‬ضحكت ونظرت لألعلى‪" .‬إذا كنت ستفعل الشيء نفسه"‬
‫"‪.‬بالطبع"‪ ،‬أجاب بمرح لم يكن مسموًعا تقريًبا‪" .‬عالوة على ذلك‪ ،‬ستكون هذه هي الطريقة الوحيدة للبقاء بين ذراعيك"‬
‫)هذا هو األلم الذي الذع‪ ،‬أليس كذلك‪ ،‬آنا؟(‬
‫نظرت إلى األسفل مرة أخرى‪ ،‬وشعرت بالذنب‪ .‬الحب غريب جدًا يا دانيال‪ .‬إنه أمر غريب عندما يكون لديك‪ ،‬بل وأغرب عندما ال‬
‫‪.‬يكون لديك‬
‫هو كان صامتا لفترة وجيزة‪ .‬كان ينظر بتأمل عبر الغرفة‪ .‬بدأ كالمه‪ ،‬وقد بدا جدًيا على نحو غريب‪" ،‬بصفتي صديًق ا لك‪ ،‬هل‬
‫يمكنني أن أشير إلى أن خطيبك لديه طريقة غريبة في إظهار مشاعره لك يا آنا؟ "عفوا‪ ،‬لم أقصد أن أؤذيك‪ "،‬أضاف بسرعة‪" .‬أقسم‬
‫"أنني لن أسألك أبًد ا لماذا قررت الزواج من مثل هذا الشخص‪ ".‬انه متوقف‪" .‬لماذا قررت الزواج من مثل هذا الشخص يا آنا؟‬
‫دانيال!" ضحكت آنا بصوت عاٍل ونظرت بعيًد ا عنه‪ .‬لم تستجب‪ .‬لم تتمكن من التفكير في إجابة محتملة‪ ،‬ولكن عاجًال أم آجًال كان "‬
‫عليها أن تجد عبارة ذات مصداقية‪ ،‬ألن الجميع استمروا في طرح نفس السؤال عليها‪ .‬لماذا تتزوجينه؟ ماذا عنه جعلك تقعين في‬
‫حبه؟ لم تكن لوسي شديدة اإلصرار‪ ،‬ولكن حتى هي‪ ،‬على الرغم من سعادتها الحقيقية بحفل الزفاف‪ ،‬كانت تطلب بعض المعلومات‬
‫من حين آلخر‪ .‬آنا لم تقل شيئا‪ .‬من المحتمل أنها أساءت إلى لوسي بهذا السلوك‪ ،‬لكن يا إلهي‪ ،‬ماذا يمكنها أن تقول؟‬
‫كان بإمكانها أن تشعر بعيني خطيبها عليها‪ ،‬مثل ثقل ال يصدق ‪ -‬حجر مرعب حول رقبتها‪ .‬من أجل محبة هللا‪ ،‬لماذا كان عليه أن‬
‫‪.‬يحدق بها بشدة؟ ربما أزعجته صداقتها مع دانيال‬

‫‪.‬ال‪ ،‬تلك كانت فكرة سخيفة‪ .‬لم يهتم كريستوفر بها على اإلطالق‪ .‬ألم يكن األمر كذلك؟ كان يتزوجها فقط بسبب الحادث‬
‫‪).‬أو ربما يحبك يا آنا(‬
‫رقم ال يمكن ألي رجل في الحب أن يفعل ذلك‪ . . .‬ال‪ .‬على أية حال‪ ،‬لم يكن كريستوفر يعلم شيًئ ا عن خطوبتها مع دانيال‪ ،‬والتي‬
‫استمرت لمدة ست ساعات كاملة خالل صباح حار قبل أسبوعين تقريًبا‪ .‬هزت رأسها لعدم الخوض في ما حدث في فترة ما بعد‬
‫‪.‬الظهر في وقت الحق من ذلك اليوم‪ ،‬ولكن كما هو الحال دائًما‪ ،‬كان من المستحيل عدم الخوض في األمر‬
‫‪.‬أوه‪ ،‬كيف دفعت ثمن رفضها لدانيال‬
‫ألقت نظرة على خطيبها‪ ،‬وأصبحت ساقيها ضعيفة‪ .‬لم يعد هناك من ينقذها اآلن‪ ،‬فكرت بيأس؛ وفي غضون تسعة أيام ستكون‬
‫‪.‬زوجته‪ ،‬وما زالت عيناه تبدوان جائعتين كما كانتا في ذلك المساء‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪22‬‬
‫‪.‬ال تطرح أي أسئلة‪ ،‬ولن ُيقال لك أي أكاذيب‬
‫زاوية حمراء وبيضاء من البطاقة ‪ -‬اآلس الماسي ‪ -‬خرجت من تحت كم الصبي الصغير‪ .‬كان هو وكريستوفر جالسين في غرفة‬
‫الرسم وأمامهما مجموعة من أوراق اللعب‪ ،‬موضوعة على طاولة صغيرة لطيفة في الردهة‪ .‬تم ترشيح ضوء الصباح بدقة‪ ،‬مما‬
‫‪.‬أعطى توهًج ا ناعًما للغرفة المعاد بناؤها‬
‫‪.‬هكذا يا كريستوفر؟" سأل أنتوني وهو يركز‪ .‬رفع ذراعيه‪ ،‬وأظهر كمه"‬
‫‪ . . ".‬أجاب بحدة‪" :‬ال تكن سخيًف ا يا أنتوني"‪" .‬سوف يتم تحديك على الفور في مبارزة‪ .‬أفضل طريقة‬
‫نظر أنتوني خلفه وهز رأسه قليًال‪ .‬أصبح كريستوفر هادًئ ا على الفور دون أن يلتفت‪ ،‬ولكن من الخطوات الخفيفة التي سمعها وبسبب‬
‫حاسته السادسة‪ ،‬التي حذرته حتى قبل أن يشير إليه أنتوني‪ ،‬عرف أن آنا كانت هناك‪ .‬لقد تفاجأ‪ :‬لم تدخل أبًد ا الغرفة التي كان فيها‬
‫‪.‬طوًع ا إذا لم يكن ذلك ضرورًيا‪ .‬كانت غريبة‬
‫‪.‬مشيت آنا إليهم‪ .‬وكان هذا غريبا حقا‬
‫كان كريستوفر يجلس على أريكة جديدة ومثيرة لإلعجاب‪ ،‬وكانت ناعمة ومريحة وزرقاء اللون‪ .‬كان متردًد ا في النهوض للمغادرة‪،‬‬
‫لكنه اضطر إلى ذلك لسوء الحظ؛ إذا بقي هناك‪ ،‬سيكون من الصعب عليه أن يحافظ على هدوئه‪ ،‬وهو ما كان عليه القيام به بأي‬
‫ثمن‪ .‬وبعد رقصة الجمعة السابقة‪ ،‬كان قد تعهد بعدم إخافة هذه الفتاة قبل الزفاف؛ سيكون لديه عمر كامل بعد ذلك للقيام بذلك‪ .‬ولم‬
‫يدعوها حتى إلى ذلك‬
‫تشارلز ديكنز‪-‬‬

‫ارقص لتتجنب أي إغراء لهزها من كتفيها حتى يصبح شعرها متشابًك ا‪ .‬حافظ على هدوئك‪ :‬كان هذا هو نظام اليوم‪ .‬لقد كان األمر‬
‫بسيًط ا للغاية‪ ،‬ومع ذلك فإن هللا وحده كان يعلم لماذا كان كريستوفر متأكًد ا إلى حد ما من أنه لن يتمكن من التعامل مع األمر إذا كان‬
‫‪.‬في حضورها‪ .‬كان غضب تلك الليلة ال يزال مشتعاًل بداخله مثل الحمم البركانية في أحشائه ‪ -‬ناري‪ ،‬سميك‪ ،‬وأحمر‬
‫‪.‬ملكة جمال البطل‪ "،‬استقبلها ببرود"‬
‫دون الرد بتحيتها الخاصة‪ ،‬نظرت آنا إلى البطاقات الموجودة على الطاولة‪" .‬أنتوني‪ ،‬ماذا تفعل مع هؤالء؟" قالت وهي تشير بتعجب‬
‫‪.‬ال شيء يا آنا‪ ".‬يعتقد كريستوفر أنها ليست خدعة ناجحة تماًما‪ .‬هذه الكذبة واضحة على وجه أنتوني مثل شارب الشوكوالتة"‬
‫"أنتوني!" اتسعت عيناها بعدم تصديق‪ ،‬ولم تتمكن من نطق كلمة واحدة لبضع لحظات‪" .‬هل هذه البطاقة التي أخفيتها في جعبتك؟"‬
‫"‪.‬ال"‬
‫‪".‬قال له كريستوفر قبل أيام قليلة‪" :‬أنكر‪ ،‬أنكر دائًما يا أنتوني‬
‫‪.‬حتى عندما ال يكون هناك أي احتمال على اإلطالق للتصديق يا كريستوفر؟" سأل الصبي"‬
‫"خاصة بعد ذلك‪ .‬ليس لديك ما تخسره‪ ،‬أليس كذلك؟"‬
‫غاضبة‪ ،‬استدارت آنا نحو كريستوفر بنظرة على وجهها لم تعد بأي شيء جيد سيأتي منها‪ .‬لقد كانت مذهولة وغاضبة‪ ،‬باختصار‪،‬‬
‫!كانت غير سارة‪ ،‬كما هو الحال دائًما‪" .‬السيد‪ .‬دافينبورت‪ ،‬أنت ال تعلم أخي كيفية الغش‬
‫"هل تريدين شيًئ ا يا آنسة تشامبيون؟"‬
‫"‪-‬السيد‪ .‬دافنبورت! ال"‬
‫من المؤسف يا آنا‪ ،‬منذ متى تشعرين بالحاجة إلى النعيق في وجهي"‬
‫"لذا؟" هاجمها قبل أن يدرك ذلك‪ .‬حافظ على الهدوء؟ كان ذلك لعب أطفال‪" .‬أال تستطيعين الصمت كعادتك؟‬
‫يبدو أنها بذلت جهًد ا ال يصدق للتوقف عن الصراخ‪ ،‬أو ربما عن خدش عينيه‪ .‬تنفست بعمق وأغلقت عينيها‪ ،‬وبعد لحظات قليلة‬
‫أعادت فتحهما‪ .‬تشير النظرة على وجهها‪ ،‬والتي كانت محددة بشكل غير عادي‪ ،‬إلى أنها ليست البطاقات التي ترغب في مناقشتها‪.‬‬
‫"‪.‬قالت‪" :‬سيدي‪ ،‬جئت إلى هنا ألنني بحاجة إلى التحدث معك"‪" .‬وحيد‬
‫‪.‬لماذا أرادت التحدث معه بمفرده بعد ثالثة أيام فقط من الزفاف؟ شك كريستوفر في أن األمر لم يكن من أجل متعة شركته‬

‫"أنتوني‪ ،‬هل يمكنك أن تتركني وحدي مع السيد دافنبورت‪ ،‬من فضلك؟"‬


‫أومأ شقيقها برأسه دون أن يقول شيًئ ا‪ ،‬وبينما كان يقف من على األريكة‪ ،‬انزلقت البطاقة من كمه‪ ،‬وسقطت برشاقة على األرض‪ .‬لم‬
‫‪.‬يقل أحد كلمة واحدة‪ ،‬واتجه أنتوني إلى الباب بسرعة كبيرة وركض إلى الخارج دون تردد‬
‫لم تجلس آنا‪ ،‬فوقف كريستوفر‪ .‬خطت بضع خطوات وحاولت النظر إليه‪ .‬بدت غير قادرة على ذلك‪ ،‬فأدارت ظهرها إليه‪ ،‬متجهة‬
‫‪.‬نحو النافذة‬
‫"‪.‬لن أتحدث معك يا آنسة‪ ،‬إذا لم تواجهيني على الفور"‬
‫لقد أطاعته ببطء‪ ،‬لكنها استمرت في تجنب النظر إليه‪" .‬السيد‪ .‬دافنبورت‪ ،‬أردت أن أبلغك‪ ." . .‬قالت متوقفة‪ .‬كانت آنا تواجه صعوبة‬
‫‪.‬في التحدث‪ ،‬ونظرت إلى نقطة فوق رأسه‬
‫"شعر كريستوفر وكأنه ال يستطيع التنفس‪" .‬إذن ماذا تريد بحق الجحيم؟‬
‫استندت على الحائط وبدأت في عصر يديها بقوة‪ .‬يا إلهي‪ ،‬لقد شعرت وكأنها تحاول تحويلهم إلى كرات‪" .‬يجب ان تعرف ‪ ." . .‬لقد‬
‫‪. . ".‬تلعثمت أخيًر ا‪" .‬سيدي‪ ،‬أردت أن أخبرك‬
‫‪.‬لقد سقط شيء ما في الخارج — ربما سلًم ا أو طوبة — ومألت الضوضاء الغرفة وعقل كريستوفر أيًضا‬
‫‪.‬هل غيرت رأيها؟ تساءل‬
‫هل ستتزوج ديميرسي؟ ماذا قالت له؟ ماذا؟ "ماذا؟" رعد صوته‪" .‬ماذا لديك لتقول لي يا آنسة؟" شهقت آنا‪ ،‬خائفة‪ .‬وكشفت "سيدي‪،‬‬
‫‪".‬أنا لست حامل‬
‫بسرعة‪ .‬أسقطت يديها على جانبيها واستعادت ما يشبه رباطة جأشها‪ .‬لكن وجهها‪ ،‬األحمر كالنار‪ ،‬برز أمام فستانها القطني األبيض‬
‫‪.‬في تباين لوني قوي وملفت للنظر‬
‫لم يتحدث كريستوفر لعدة دقائق‪ .‬ولم يكن متأكدًا من شعوره‪ .‬ورغم أنه ربما كان من السابق ألوانه الجزم بذلك على وجه اليقين‪ ،‬إال‬
‫أنه بدا أنه لن يصبح أًبا ‪ -‬ليس على الفور‪ ،‬على األقل‪ .‬أب ‪ . . .‬ليصبح أبا‪ .‬عزيزي هللا‪ ،‬كان هذا صحيًح ا‪ :‬عاجًال أم آجًال سيحدث‪.‬‬
‫عاجًال أم آجًال‪ ،‬ستطلب آنا أن تصبح أمًا؛ كان ذلك ال مفر منه‪ .‬هذه الفتاة التي لم تستطع حتى النظر في عينيه وهي واقفة أمامه‬
‫‪.‬ستكون أم أطفاله‪ .‬عاجال أم آجال‬
‫أجاب أخيًر ا‪" :‬أشكرك على هذه المعلومات"‪ .‬انظر إلَّي ‪ .‬يا إلهي‪ ،‬انظري إلّي يا آنا‪ .‬وأضاف بسخرية ال مبرر لها‪" :‬ومع ذلك‪،‬‬
‫‪.‬أتصور أنني كنت سأالحظ ذلك بمفردي‪ ،‬في غضون بضعة أشهر"‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬لم يساعد ذلك في جعلها ترغب في النظر إليه‬

‫"‪.‬لقد أخبرتك لسبب واضح"‬


‫سبب؟ شيء مشدود في بطنه‪ .‬دون أن يعرف السبب‪ ،‬كان يعرف بالفعل‪ .‬حافظ على الهدوء‪ .‬يحفظ ‪" . . .‬تنوير لي‪ ،‬إذن‪ "،‬بادر‪.‬‬
‫"‪".‬ليس لدي وقت ألضيعه‬
‫نظرت آنا إلى أوراق اللعب على الطاولة‪ ،‬دون أن تذكرها‪" .‬سيدي‪ ،‬لقد قلت‪ ." . .‬كان فمها ملتوًيا وتوترت في الكالم‪" .‬لقد قلت أن‬
‫"‪.‬زواجنا ضروري ألنني قد أكون حامًال‬
‫للحظة لم يدرك كريستوفر ما كانت تقوله‪ .‬لم يرد أن يدرك‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان األمر برمته واضًح ا للغاية‪ :‬لقد كان كذلك منذ البداية‪ .‬لقد‬
‫جاءه هذا اإلدراك مثل دلو سقط في البئر‪ .‬ولم تتوقف أبدا عن األمل‪ .‬استمر الدلو بداخله في االنخفاض بشكل أعمق وأعمق‪ .‬إنها ال‬
‫‪.‬تزال تأمل أال تضطر إلى الزواج مني‬
‫"‪.‬اآلن يمكنك سحب عرضك يا سيدي"‬
‫وقف كريستوفر بال حراك‪ ،‬وقبضتيه مشدودتان‪ .‬ننسى دانيال‪ ،‬آنا‪ .‬حاول أن يتغاضى عن المشاعر المظلمة التي بدأت تزحف‬
‫‪.‬بداخله‪ .‬أجاب باقتضاب‪" :‬ما قلته لي ال يغير شيًئ ا"‪ .‬هل يمكن لهذه الفتاة أن تكون هادئة يوًما ما؟ ال‪ ،‬بالتأكيد ال‬
‫"‪.‬سيدي‪ ،‬إعلم أنه لن يكون لك أطفال مني أبدًا"‬
‫‪.‬نمت المشاعر فيه‪ ،‬ولم يعد كريستوفر قادرا على السيطرة عليها‪ .‬لقد هرعوا إلى دماغه‪ ،‬ومنعوه من التفكير بوضوح‬
‫‪.‬ستكون لك الحرية في العثور على زوجة‪ . . .‬ابتعد!" صرخت رافعًة يديها دفاًع ا؛ خطوتين وكان كريستوفر عليها"‬
‫لم يستمع إليها وأمسكها من معصميها‪ ،‬وضرب ظهرها بالحائط ودفعها بيديها إلى الخلف‪ .‬لقد ظل بعيًد ا عنها قدر اإلمكان‪ ،‬على‬
‫األقل بقدر ذراعيه الممدودتين‪ ،‬لكنه شعر بوضوح شديد بالغضب الذي كان يندفع عبر جسده‪ .‬الغضب – وليس هذا فقط‪ .‬الجحيم‬
‫!الدموي‬
‫وعلى الرغم من خوفها‪ ،‬إال أن آنا لم تصرخ‪ .‬لم تستطع ذلك‪ ،‬كان المنزل مليًئ ا بالناس‪ ،‬وكانوا سيسمعون ذلك‪ ،‬مما يجعل خطوبتهم‬
‫تبدو مميزة حًق ا‪ ،‬أليس كذلك؟ أليس كذلك أيتها الساحرة الشريرة المزعجة؟‬
‫"!دعني أذهب على الفور!" هسهست وهي تحاول تحرير معصميها‪" .‬شخص ما سوف يأتي"‬
‫كان جسدها يبعث الدفء اللطيف الذي كان ناعًما ومريًح ا‪ .‬نظر كريستوفر إلى األسفل وضغط على معصميها بقوة أكبر‪ .‬هو لم يكن‬

‫‪.‬االقتراب منها أكثر؛ لم يستطع االقتراب أكثر‪ .‬لكن يا إلهي‪ ،‬كم كان يريد أن يدفعها إلى الحائط‪ ،‬إلى نفسه‬
‫‪. . ".‬كريستوفر‪ ،‬دعني أذهب!" قالت وهي تحاول أن تبدو آمرة‪" .‬أردت فقط أن أعطيك اإلمكانية"‬
‫‪.‬نظر لألعلى وتوقفت آنا في منتصف الجملة‪ ،‬بينما اتسعت عيناها من الرعب‬
‫)نحن لم نعد نلعب بعد اآلن‪ ،‬أليس كذلك يا عزيزتي؟(‬
‫"هل يجب أن أجعلك حامًال حتى أتزوجك؟" بدا صوته هادئا تماما‪" .‬هل هذا ما تقوله لي؟"‬
‫في ذهول‪ ،‬هزت آنا رأسها وحاولت التحدث‪ ،‬ولكن لم يخرج شيء‪ ،‬وال حتى صوت؛ ظهرت على فمها فقط تكشيرة مخيفة‪ ،‬فمها‬
‫‪.‬أحمر مثل حبة الكرز‪ ،‬ومنقسم قليًال مثل المشمش المنفتح إلى نصفين‬
‫اوه عليك العنه‪ .‬كما لو أن كريستوفر أطلق النار على معصميها وتراجع على الفور‪ .‬لقد جاءه إدراك مفاجئ‪ ،‬إدراك أنه على الرغم‬
‫من أنه جديد تماًما‪ ،‬إال أنه ال جدال فيه‪ :‬لن أكون قادًر ا على الوفاء بوعدي‪ .‬لن أستطيع‪ .‬لقد صرخ بهذا في نفسه‪ ،‬وكان يعلم أنه ال‬
‫يمكن دحضه‪ .‬الجحيم الدموي! لقد أراد هذه المرأة‪ ،‬ولم يكن هناك مفر من ذلك‪ .‬ال أستطيع االنتظار طويال‪ ،‬آنا‪ .‬لقد شعر بالندم‬
‫‪.‬والرغبة الملحة‪ ،‬الرغبة التي ألحقت به العار‪ ،‬لكن ذلك كان موجوًد ا دون أدنى شك‪ .‬أنا آسف يا عزيزتي‬
‫‪.‬وخرج بسرعة وذهب إلى الجانب اآلخر من الغرفة‪ .‬فركت معصميها المتألمين‪ ،‬خائفة‪ ،‬وكأنها تقرأ أفكاره‬
‫‪.‬ولو كانت قادرة على ذلك لودعت الزواج منها‬
‫اللعنة‪ ،‬في بعض األحيان فاجأه غباؤه‪ .‬تنحنح بتوتر ومرر يده على كمه ليتخلص من ذرة الغبار غير المرئية‪ .‬قال بال مباالة‪" :‬كن‬
‫"‪.‬حذًر ا عندما تقول أشياء معينة‪ ،‬يا آنسة تشامبيون"‪" .‬يبدو وكأنه دعوة‬
‫‪." . ".‬ن‪-‬ال"‬
‫"‪.‬أوه‪ ،‬تعال اآلن‪ ،‬ال تجعل هذا الوجه‪ ".‬ضحك بسخرية‪" .‬ليس لديك الكثير من حس الفكاهة‪ ،‬كما أرى"‬
‫أجابت وهي تشعر باالشمئزاز‪" :‬متع نفسك مع أي امرأة تجدها تقدر مفاتنك‪ ،‬إن وجدت يا سيدي"‪ .‬اآلن أصبح وجهها شاحًبا مثل‬
‫فستانها‪" .‬لكن ليس معي‪ .‬لن أسمح لك أن تلمسني مرة أخرى بأي شكل من األشكال‪ .‬هل هذا واضح؟ بدأت بفرك معصميها دون أن‬
‫"‪.‬تدرك ذلك‪" .‬أو أنا‪ . . .‬أو سأقول ‪ . . .‬سأخبر ماثيو‬
‫‪.‬بدت مثيرة للشفقة تماًما‪ ،‬وانفجر كريستوفر ضاحًك ا‪ ،‬ولم يكن األمر مسلًيا له بشكل خاص‬

‫"فأجاب‪" :‬في الواقع‪ ،‬هذا تهديد مروع"‪" .‬أال يبدو األمر قاسًيا جًد ا بالنسبة لك؟‬
‫‪.‬لقد شعر بالحاجة إلى إيذاءها وتخويفها‪ ،‬دون أن يفهم السبب‪ .‬وكان راضيا تماما عن النتائج‪ .‬عينيها مليئة بالدموع‬
‫"‪.‬لقد أعطيتني كلمتك يا سيدي"‬
‫لم يكن األمر سوى همسة‪ ،‬وخرج من حلقها بشكل مؤلم‪ ،‬متورًم ا من الخوف‪ ،‬وعبر شفتيها ترتجفان مثل أجنحة الفراشة‪ .‬ولم تكن‬
‫كلماتها أكثر من صالة‪ ،‬وتوسل‪ ،‬واستسالم‪ .‬وهذا ما أراده كريستوفر‪ ،‬أليس كذلك؟ ومع ذلك‪ ،‬كان يشعر باإلحباط‪ ،‬الذي بدا مثل األلم‬
‫بشكل رهيب‪ .‬وضع يده على جبهته‪ ،‬وأحنى رأسه قليًال‪ .‬قال بهدوء‪" :‬سوف أفي بكلمتي‪ ،‬طالما أنك تفعلين الشيء نفسه‪ ،‬يا آنسة‬
‫تشامبيون"‪ .‬كان يعلم أنه قال الشيء الصحيح ألن آنا تحولت إلى اللون األبيض مرة أخرى‪ .‬وتابع دون أن يخفف من حدة كالمه‪:‬‬
‫"بعد ثالثة أيام سنتزوج‪ ،‬وال أريد أن أسمع المزيد من الحديث عن هذا األمر‪ .‬هل هذا واضح بالنسبة لك؟ ال تدفعني إلى فعل أي‬
‫"‪.‬شيء قد ال يعجبك‬
‫أغلقت عينيها‪ .‬لم تستطع تحمل رؤيته‪ ،‬وكان هذا كل ما استطاعت رؤيته‪ ،‬بعد كل شيء‪ .‬بالنسبة لكريستوفر‪ ،‬بدت تشعر بالغثيان ‪-‬‬
‫"‪...‬وربما في حالة ذهول طفيف ‪ -‬عندما تمتمت‪" :‬سيدي‪ ،‬أنت حًق ا أسوأ شخص‬
‫‪.‬أوه‪ ،‬ال تبدأ بهذا مرة أخرى‪ ،‬حسًن ا؟ لقد أخبرتك بالفعل أنني أجد صوتك مزعًج ا بال نهاية"‬
‫‪.‬وبدون كلمة أخرى‪ ،‬توجه نحو الباب‬
‫‪".‬كريستوفر"‬
‫"توقف عند الباب وظهره لها‪" .‬ما هو اآلن؟‬
‫"أنت ال تخدعني‪ ،‬أليس كذلك يا كريستوفر؟"‬
‫‪.‬فوضع يده اليسرى على عتبة الباب وأخفض رأسه‬
‫"أجاب بحدة‪" :‬ال تقلقي يا آنسة البطلة"‪" .‬سأفي بكلمتي كما وعدت‬
‫‪.‬رفع رأسه وغادر دون أن ينظر إلى الوراء‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪23‬‬
‫‪.‬إنها حقيقة رائعة يجب التأمل فيها‪ ،‬وهي أن كل مخلوق بشري قد خلق ليكون ذلك السر العميق والغموض بالنسبة لبعضه البعض‬
‫تشارلز ديكنز‪-‬‬
‫أخذت آنا مارغريت بلطف من األريكة التي وضعت فيها‪ ،‬وأحضرتها إلى مكتب السكرتيرة‪ ،‬وأجلستها بجانب مذكراتها‪ .‬أضاء ضوء‬
‫‪.‬الشموع وجه الدمية الالمع‪ ،‬مما منحها حركة غير عادية في التعبير‪ ،‬كما لو أنها تشارك آنا في الحالة الذهنية‬
‫‪".‬غمست آنا قلمها في الحبر وكتبت‪" :‬غًد ا سأتزوج‬
‫"‪.‬لقد حان اليوم‪ ،‬ماجي"‬
‫نظرت الدمية إليها بهدوء بعينيها الصافيتين‪ ،‬وبقيت صامتة بال حراك‪ .‬آنا لم تتوقع أي شيء آخر في هذا الشأن‪ .‬لمست وجه الدمية‬
‫بالقلم‪ ،‬ومشطت حلقة شقراء على الجانب‪ .‬لقد شعرت بالوحدة أقل بكثير في ظالم الليل مع الدمية باعتبارها صديقتها المقربة‪ .‬ومع‬
‫ذلك فقد كرهتها في اليوم الذي رأتها فيه للمرة األولى‪ .‬اللعنة‪ ،‬لقد فكرت عندما نسيت جريس الدمية وتركتها في الزاوية وهي تعود‬
‫إلى رسوماتها وألوانها المفضلة‪ .‬أخذتها آنا وذهبت بسرعة إلى المطبخ‪ .‬لقد وضعت اللعبة ‪ -‬وهي مظهر غير الئق للشكل البشري‬
‫وعاجزة بشكل يبعث على السخرية ‪ -‬في صناديق القمامة وقررت دفنها بين القشور القديمة والطعام الفاسد‪ .‬كانت آنا قد حملت الدمية‬
‫رأًس ا على عقب؛ سقطت قبعة مارجريت الصغيرة في النفايات‪ ،‬وبرزت مثل بقعة حمراء في هذه القذارة النتنة‪ ،‬ونظرت عيناها‬
‫‪ ،‬العمياء إلى القمامة‪ .‬تم تمديد تجعيد الشعر األشقر إلى أسفل‬

‫‪.‬أشعث والمعة‪ .‬عروسة‪ .‬لقد كانت مجرد دمية ذات خدود متوردة ومالبس مبتذلة صنعها شخص ما لبيع الدمية بسهولة أكبر‬
‫‪.‬من فعل هذا بك يا مارجريت؟" لقد سألتها آنا"‬
‫‪.‬شعرت بألم مفاجئ ولكن مألوف في حلقها‪ .‬كانت قد التقطت القبعة وهزتها إلزالة الفضالت عنها‪ ،‬ثم أعادتها بلطف إلى رأسها‬
‫‪.‬أنت ضحية يا ماجي الصغيرة‬
‫‪.‬لقد اصطحبتها إلى غرفتها‪ ،‬ومنذ ذلك الحين أصبحت صديقتها المقربة خالل الليالي الطوال‬
‫"‪.‬اليوم هو الليلة األخيرة التي نقضيها هنا‪ "،‬تمتمت آنا اآلن‪" .‬غًد ا سننتقل إلى غرفة جديدة"‬
‫وكانت غرفتها الجديدة تنتظرها على الجانب اآلخر من المنزل‪ ،‬الجانب الذي أعيد فتحه‪ .‬تم تجديد المنزل بأكمله‪ ،‬باستثناء غرفة‬
‫والدها في الطابق السفلي – حتى ال يزعجه – وغرفتها‪ .‬لقد أرادت آنا أن تظل غرفتها كما كانت حتى اللحظة التي ستضطر فيها إلى‬
‫مغادرتها في اليوم التالي‪ .‬أما اآلن‪ ،‬فإن غرفتها ستعاني نفس مصير الغرف األخرى‪ :‬سيتم تأثيثها بأسلوب رقيق ومبهج وتتألق مثل‬
‫‪.‬حلقة تبرز من الرمال‬
‫نظرت إلى األثاث البالي وغير المكلف الذي نشأت فيه‪ .‬الصندوق المظلم المهيب الذي كان يخيفها كثيًر ا عندما كانت طفلة‪ ،‬أصبح‬
‫اآلن مغلًق ا وفارًغ ا‪ .‬على الرغم من خوفها اآلن‪ ،‬شعرت آنا بقلبها يغرق‪ .‬كانت األريكة القديمة مهترئة ومكسورة والفراش ناعم‪.‬‬
‫وحتى أسابيع قليلة فقط‪ ،‬كان السرير ذو األربعة أعمدة قد سمح آلنا بإغالق ستائر السرير الخفيفة والحلم بأنها تنام على سحابة‪،‬‬
‫‪.‬متظاهرة بأنها الفتاة الصغيرة التي قال الجميع إنها لم تعد كذلك‬
‫‪".‬وكتبت‪" :‬كل قطعة أثاث هي جزء مني سأتركه الليلة‬
‫"‪.‬سوف تعجبك الغرفة الجديدة‪ ،‬كما سترين يا ماجي‪ .‬إنه مناسب لك أكثر مني«‬
‫تم تزيين الغرفة بظالل الباستيل الرقيقة‪ .‬لقد اختارتها لوسي‪ ،‬ولم تعترض آنا على الزخارف الجميلة على الجدران‪ ،‬وال على السرير‬
‫الكبير الناعم‪ ،‬وال على األريكة األنيقة والمتفاخرة‪ .‬كانت تفضل شيًئ ا بسيًط ا‪ ،‬أشبه بما كان موجوًد ا في غرفتها عندما كانت فتاة‬
‫صغيرة‪ ،‬لكنها احتفظت بذلك لنفسها‪ .‬كان كريستوفر سيشعر باالستياء من األثاث الرديء للغاية‪ ،‬وإذا كان كل شيء يحتاج إلى التألق‬
‫‪،‬ليجعله سعيًد ا‪ ،‬فيجب أن تكون هذه هي الطريقة‪ .‬بجانب ذلك‬

‫فكرت بمرارة‪ ،‬ما هو نوع الديكور الذي يمكن أن يخفف من الرعب الذي يسببه باب الغرفة المجاورة‪ ،‬التي ستكون غرفة زوجها‬
‫المستقبلي؟‬
‫لم تكن تعرف ما كانت تأمله في زواجها‪ ،‬لكن لم يكن هذا هو الحال‪ ،‬ومن المؤكد أن كريستوفر لم يكن الرجل الذي تخيلت الزواج‬
‫منه‪ .‬لقد جعلها تشعر بالسوء ألن األطفال أحبوه كثيًر ا‪ .‬كيف كان ذلك ممكنا؟ كان ينبغي أن يخافوا منه‪ ،‬كما فعلوا مع البعبع المختبئ‬
‫في الخزانة القديمة في نهاية الردهة‪ .‬تذكرت فجأة‪ :‬ال‪ ،‬تلك الخزانة لم تعد موجودة‪ .‬لقد تم التخلي عنه مع ساكنه المروع‪ ،‬وهو اآلن‬
‫‪.‬يخيف األطفال اآلخرين في منزل آخر‬
‫والبعبع الذي سيصبح زوجها سيعيش معها ومع عائلتها‪ ،‬بدًء ا من اليوم التالي‪ .‬نظرت آنا إلى معصميها حيث ال تزال الكدمات‬
‫‪.‬األرجوانية تظهر على بشرتها الشاحبة‪ .‬لقد قلبت صفحات مذكراتها ووجدت الخيارات المذكورة من قبل‬
‫‪".‬قرأت‪" :‬اقتل كريستوفر دافنبورت‬
‫في جميع أنحاء المقاطعة‪ ،‬في غرفته ذات اإلضاءة الضعيفة بواسطة مصباح ال يزال مشتعاًل ‪ ،‬لم يتمكن كريستوفر من النوم‪ .‬قام من‬
‫‪.‬سريره واتجه نحو األوراق المتناثرة على الطاولة المليئة بالحسابات والسهام‪ .‬سيستغرق األمر شهًر ا‪ ،‬وربما شهرين‪ ،‬لتنفيذ خطته‬
‫‪.‬غدا كان يتزوج‬
‫بمجرد أن ينتهي ثأره ‪ -‬عندما يصبح تعذيب دانيال بال جدوى ‪ -‬ماذا سيفعل بهذه الفتاة السخيفة التي اتخذها زوجة له؟ كان يتوقع ندًما‬
‫مريًر ا‪ ،‬كان يعلم ذلك‪ ،‬لكن إعادة النظر في األمر اآلن ال فائدة منها‪ :‬لقد أهانها‪ ،‬وكان حفل الزفاف أمًر ا ال مفر منه‪ .‬لم يكن أمام آنا‬
‫أيًض ا أي خيار‪ :‬فهي ستقول نذورها في اليوم التالي‪ .‬لن ترفض الزواج منه‪ .‬لن تغير رأيها في اللحظة األخيرة‪ .‬كرر كريستوفر‬
‫‪.‬مراًر ا وتكراًر ا جميع األسباب التي تجعل مثل هذا االحتمال غير قابل للتصور وغير منطقي وال معنى له‬
‫‪.‬يا له من مؤسف أنه كان يتعامل مع فتاة ال يمكن تصورها‪ ،‬وغير منطقية‪ ،‬وال معنى لها‬
‫‪.‬ترددت في ذهنه عبارة لم يكن أحد ليفكر في قولها في الموقف الذي قيلت فيه بشكل سخيف‬

‫‪.‬اذهب إلى الجحيم يا سيد دافنبورت‬


‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪24‬‬
‫‪.‬الزواج يشبه الحياة من حيث أنه ميدان معركة وليس مفروشًا بالورود‬
‫روبرت لويس ستيفنسون—‬
‫لم يحدث من قبل أن يأتي زوجان يعانيان من هذه الهاالت السوداء تحت أعينهما إلى الكنيسة ليتزوجا كما حدث في اليوم التالي‪ .‬في‬
‫‪.‬ذلك الصباح الملبد بالغيوم ‪ -‬بدا األمر وكأنه قد تمطر ‪ -‬تجمع حشد صغير لحضور حفل زفاف كريستوفر دافنبورت وآنا تشامبيون‬
‫أحبائي األعزاء‪ "،‬دوى صوت القس جراهام في صحن الكنيسة‪" ،‬لقد اجتمعنا أمام هللا‪ ،‬وفي مواجهة هذه الشركة‪ ،‬لننضم مًع ا إلى "‬
‫‪. . ".‬هذا الرجل وهذه المرأة في زواج مقدس‬
‫نظرت آنا مباشرة إلى القس المسن دون أن تسمح لعينيها بالنظر إلى يمينها‪ ،‬حيث كان خطيبها يقف فخوًر ا وصامًت ا في بدلته المظلمة‬
‫المهيبة‪ .‬بصعوبة بالغة‪ ،‬سار والدها بها في الممر‪ ،‬وشعرت هي نفسها بساقيها تكادان تتفككان بينما كانت غريس ‪ -‬في فستانها‬
‫الوردي الجديد المليء بالدانتيل‪ ،‬والذي أعطاها مظهر السحابة عند غروب الشمس ‪ -‬تسير أمامها ‪ ،‬يسقط بتالت الورد بدقة ورشاقة‬
‫فنان‪ .‬لم تنظر آنا إلى الرجل الذي كان ينتظرها عند المذبح؛ لم تكن قادرة على ذلك‪ ،‬ولم يكن من الحكمة أن تهرب على الفور‪ .‬لقد‬
‫ظنت أنها لن تكون قادرة على إكمال المشي على األقدام الثالثة األخيرة التي تفصلها عن كريستوفر‪ ،‬ولكن بما أنها فعلت ذلك في‬
‫‪.‬الماضي – في لحظة يائسة – فإنها لم تسمح لنفسها بأن تكون ضعيفة‪ ،‬ولذلك وقفت‪ .‬مستقيم وطويل‪ ،‬يمشي بفخر‬

‫استمر القس في التحدث بأسلوب متعجرف إلزامي‪" :‬ال ينبغي ألحد أن يتزوج دون مشورة أو باستخفاف‪ ،‬أو إلشباع شهوات جسدية‬
‫‪...". . ".‬فقط‬
‫إن وجود لوسي بالقرب منها فشل في ابتهاجها‪ ،‬لكنه ال يزال يمنحها ابتسامة‪ :‬فقد أمضت صديقتها ساعة جيدة في ترتيب وإعادة‬
‫ترتيب شعرها وتصفيفه قليًال‪ .‬لقد أرادت أن تضع القليل من أحمر الخدود ‪ -‬لحسن الحظ بشكل خفيف جًد ا ‪ -‬إلخفاء الهاالت السوداء‬
‫من الليلة السابقة التي لم تنام فيها‪ .‬لم تقل آنا ال‪ ،‬ألن تدليل لوسي لها كان له تأثير مهدئ على أعصابها‪ .‬تحدثت معها صديقتها‬
‫بالنميمة والتوافه لتساعدها في التغلب على قلقها‪ ،‬ورغم أن آنا لم تسمع خلف ابتسامتها الغائبة كلمة واحدة‪ ،‬إال أنها شعرت ببعض‬
‫‪.‬االرتياح‪ .‬شخص واحد على األقل في المنزل لم يذكر كريستوفر دافنبورت لها‬
‫‪. . ".‬إن الهدف من الزواج هو تحقيق الفرحة المتبادلة بينهما وتقديم المساعدة والراحة لبعضهما البعض‪ ،‬في السراء والضراء"‬
‫)‪.‬اهرب يا آنا(‬
‫لم تستطع الركض‪ .‬لم تستطع ذلك‪ ،‬ألنها لو استدارت لكانت رأت عائلتها بأكملها أمامها‪ .‬كانت ستشاهد والدها‪ ،‬الذي جعلها تشعر‬
‫بالقلق بسبب السعادة التي أظهرها عندما رآها تتزوج من رجل موثوق به ورصين مثل كريستوفر دافنبورت‪ .‬كانت ترى أنتوني‪،‬‬
‫األنيق في بدلته الجديدة‪ ،‬الذي كان ساكًن ا وعابًس ا وهو يتحمل عبء كونه شقيقها األكبر‪ .‬كانت ترى دينيس‪ ،‬الذي يتلوى بقلق في‬
‫المقعد‪ ،‬يزعج من حوله ويحاول إقناع غريس باالنضمام إليه في تمرده‪ .‬كانت فرصة دينيس للنجاح ضئيلة‪ .‬ال شك أن الفتاة الصغيرة‬
‫كانت تحدق بنظرة واسعة إلى أختها الكبرى التي ستتزوج وهي تتخيل عوالم مختلفة وحكايات خرافية جديدة‪ .‬من المؤكد أن نورا قد‬
‫بكت بالفعل في منديلها‪ .‬لقد رفضت الزواج‪ ،‬لكن آنا تمكنت من إقناعها بالفكرة قليًال‪ ،‬وذلك بفضل المظهر اللطيف للرجل الذي‬
‫‪.‬بجانبها‬
‫ومع ذلك‪ ،‬إذا كان أي شخص يستطيع أن يوضح سبًبا وجيًها لعدم ربط هذين الشخصين مًع ا في الزواج‪ ،‬فليتحدث اآلن أو يصمت "‬
‫"‪.‬إلى األبد‬
‫‪.‬شعرت بأن كريستوفر يقف إلى جانبها‪ ،‬هادًئ ا ومصمًما‪ .‬يبدو أن هذا الرجل لم يكن لديه شك أو تردد‬
‫‪.‬ولم تعرف آنا ماذا تفعل‬
‫!أدركت برعب أن اللحظة قد حانت‪ .‬وكان القس على وشك استجوابهم‪ .‬وهللا ال أعلم! أنا ال أعرف ما يجب القيام به‬

‫‪. . ".‬هل تقبل هذه المرأة لتكون زوجتك الشرعية"‬


‫‪.‬زوجة شرعية‪ .‬سمعت آنا الكلمات وكأنها بعيدة‪ ،‬مثل كلمات تتكرر في صدى مشوش‬
‫‪ . . ".‬أن نعيش مًع ا في ترتيب هللا في حالة الزواج المقدسة؟ هل ستحبها وتعزيها وتكرمها وتحفظها في المرض وفي الصحة ‪". . .‬‬
‫‪. . .‬أحبها‪ ،‬احترمها‬
‫»وبعد أن تترك الجميع‪ ،‬احفظ نفسك لها فقط‪ ،‬حتى يفرقكما الموت؟ ‪". . .‬‬
‫‪".‬لم يكن لدى قلب آنا الوقت الكافي للتوقف عن النبض‪ .‬قال كريستوفر‪" :‬أنا أفعل‬
‫‪.‬كان يعتقد أن األمر قد انتهى تقريًبا‪ .‬كلمة صغيرة من الدجاجة المجاورة له وانتهى األمر‪ .‬كلمة واحدة صغيرة‬
‫هل تقبلين أن يكون هذا الرجل زوجك الشرعي‪ ،‬لتعيشا مًع ا بموجب وصية هللا في حالة الزواج المقدسة؟" بجانبه‪ ،‬كانت آنا صامتة "‬
‫جًد ا لدرجة أنها ربما لم تكن تتنفس‪" .‬هل تطيعه وتخدمه‪ ،‬وتحبه‪ ،‬وتكرمه‪ ،‬وتحفظه في المرض والصحة‪ ،‬وتترك كل اآلخرين‪،‬‬
‫"وتحتفظ بنفسك له فقط حتى يفرقكما الموت؟‬
‫أبقى كريستوفر نظرته إلى األمام مباشرة‪ .‬ولم ينظر إلى الفتاة التي على يساره‪ .‬لم يكن قلًق ا‪ ،‬وبالتأكيد لم يكن لديه أي خوف على‬
‫‪.‬اإلطالق‬
‫‪.‬ومرت ثانية دون أي رد‬
‫بدا الصمت المطلق وكأنه ينهار جدران الكنيسة‪ .‬شعر كريستوفر بهم يقتربون منه مثل غطاء التابوت‪ .‬لم يتحرك‪ ،‬ولم يرمش حتى‪.‬‬
‫‪.‬لكن في ذلك المكان لم يكن لديه هواء‪ .‬سيتعين على شخص ما أن يفتح الباب وسرعان ما؛ وإال فإنهم جميعا سيختنقون‬
‫‪.‬ثانيتين من الصمت‬
‫‪.‬ثم ثالثة‬
‫‪،‬أبقى كريستوفر عينيه على وجه القس البالي والمترهل‬
‫الذي أعطى ابتسامة محيرة ‪ -‬ابتسامة بدت وكأنها تمزق جلده الجاف والمتوعك‪ .‬سعل أحدهم بشكل غريب‪ ،‬وعلى أحد الجانبين كانت‬
‫هناك ضحكة مكتومة سيئة‪ .‬كان هناك حشد كبير من الناس خلفه – مائة‪ ،‬أ‬

‫‪.‬ألف‪ ،‬مليون شخص ‪ -‬وشعر بهم يتحركون‪ ،‬ويتنفسون‪ ،‬ويتجمعون ضد بعضهم البعض مثل الديدان في صندوق‬
‫‪.‬أربع ثواٍن ‪ ،‬ولم يصدر صوت من فم خطيبته‬
‫من المؤكد أن كريستوفر كان بحاجة إلى فك عقدة ربطة عنقه‪ :‬لقد كانت ضيقة للغاية ومنشاة‪ ،‬وكانت تخنقه‪ .‬لكنه لم يرفع ذراعه ولم‬
‫‪.‬يضع يده على حلقه‪ .‬بقي ساكًن ا تماًما‪ ،‬مختنًقا في صمت‬
‫"‪.‬أفعل"‬
‫تردد صدى الجواب في الكنيسة الكبيرة ذات اإلضاءة الزاهية‪ .‬كان صوت خطيبته ‪ -‬زوجتي ‪ -‬منعًش ا وعذًبا‪ ،‬وكان يتدفق عليه مثل‬
‫‪.‬القفز السعيد على جدول في الربيع‬
‫"ابتسم القس‪ ،‬مرتاحا‪" .‬من يزوج هذه المرأة من هذا الرجل؟‬
‫‪.‬تقدم جيمس تشامبيون إلى األمام‪ ،‬ونظر إليه كريستوفر‪ .‬وكان والد زوجته يترك ابنته بين يديه‬
‫‪.‬أخيرًا‬
‫أمسكها بيدها اليمنى وأدرك أنها كانت تهتز بشكل ال يمكن السيطرة عليه‪ .‬لقد خفف قبضته‪ ،‬ولمسته لطيفة‪ .‬آه يا عزيزي‪ .‬كانت يدها‬
‫باردة كالثلج‪ .‬نظر إليها كريستوفر؛ كانت شاحبة ومتعبة‪ ،‬ذات تسريحة شعر بسيطة وفستان محتشم يكاد يكون خالًيا من الدانتيل‪ .‬لم‬
‫‪.‬تكن ترتدي أي مجوهرات‪ ،‬كما لو كان ذلك في أي يوم آخر‪ ،‬ولكن هذا كان اليوم الذي أصبحت فيه زوجة‪ .‬زوجته‬
‫كرر كريستوفر بعد القس‪ ،‬بدأ يقول نذوره بإلحاح غريب‪ ،‬كما لو أن الفتاة التي بجانبه ‪ -‬والتي لم تنظر إليه بعد منذ دخلت الكنيسة ‪-‬‬
‫‪.‬قد تستدير وتهرب‪ ،‬أو تختفي في لمح البصر‪ .‬ضوء ونفخة من الدخان‬
‫أنا‪ ،‬كريستوفر‪ ،‬أعتبرك يا آنا‪ ،‬زوجتي الشرعية‪ ".‬خفضت رأسها متجنبة عينيه حتى أثناء زواجها منه‪" .‬أن نمتلك ونحتفظ‪ ،‬في "‬
‫السراء والضراء‪ ،‬لألغنياء والفقراء‪ ،‬في الصحة الجيدة والمرض‪ ،‬أن نحب ونحتفظ بعزيزنا‪ ،‬حتى يفرقنا الموت‪ ،‬وفًقا لشرائع هللا‬
‫"‪.‬المقدسة‪ ".‬بالكاد ضغط على يدها‪ ،‬واهتزت كتفيها‪" .‬وبهذا أتعهد لك إيماني‬
‫‪.‬أطلق يدها وانتظر‬

‫كم مرة ستطلب مني أن أقول نعم؟ أال يكفي أنني هنا‪ ،‬مع كل ما قمت به؟ كان عليها أن تعطي موافقتها مرارا وتكرارا‪ ،‬تماما كما‬
‫فعلت قبل دقيقة واحدة‪ ،‬عندما أصبح عقلها فارغا تماما‪ .‬كان الرعب من قول نعم مساويا للخوف من قول ال؛ لم تكن تعرف ماذا‬
‫‪.‬تقول‪ ،‬وفي الفراغ كانت الكلمات التي قالها خطيبها للتو ال تزال باقية‪ :‬أعرف‬
‫على أمل أن يكون ارتعاشها قد انتهى‪ ،‬مدت يدها وأمسكت بيد الرجل الذي بجانبها‪" .‬أنا‪ ،‬آنا‪ ،‬أعتبرك يا كريستوفر زوجي الشرعي‪".‬‬
‫لم يكن صوتها صوتها‪ ،‬لكنه بدا كذلك‪ ،‬ونعم‪ ،‬لقد جاء من فمها‪ ،‬لكنه لم يكن صوتها‪" .‬أن تمتلك وتحتفظ‪ ،‬في السراء والضراء‪،‬‬
‫لألغنياء والفقراء‪ ،‬في الصحة الجيدة والمرض‪ ،‬أن تحب وتحافظ على عزيزتك وتطيع‪ ".‬هل هذا الرجل يبتسم؟ من المحتمل‪ .‬لقد‬
‫طلب طاعتي بالفعل‪ ،‬وقد رضي بذلك‪ ،‬كما هو الحال دائما‪" .‬حتى يفرقنا الموت حسب شرائع هللا المقدسة‪ ".‬أغلقت عينيها‪" .‬وبهذا‬
‫"‪.‬أتعهد لك إيماني‬
‫‪.‬تركت يدها وفتحت عينيها‬
‫‪.‬أعطى القس الخاتم لكريستوفر‪ ،‬ولمعت خاتم الزواج قليًال في راحة يده‬
‫‪.‬دائرة صغيرة من الذهب‬
‫أمسك كريستوفر بيدها‪ ،‬لكنها لم تكن قادرة على فتح قبضتها نصف المغلقة‪ ،‬لذلك أمسك بطرف إصبعها الدائري وتمكن من تمديده‬
‫"‪.‬بلطف‪ .‬ثم‪ ،‬لمس الجلد ببطء‪ ،‬ووضع عليه دبلة الزواج‪ .‬كانت أصابعه ثابتة وهو يقول‪" :‬بهذا الخاتم تزوجتك‪ .‬بجسدي أكرمك‬
‫سقطت يدها بشدة على جانبها‪ .‬كان الخاتم يحرقها‪ ،‬مربوًط ا بثقل غير مرئي يسحبها إلى األسفل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان الخاتم صغيًر ا جًد ا‬
‫‪.‬وغير ضار‬
‫‪".‬أخذهم القس بأيديهم اليمنى وانضم إليهم‪" .‬الذي جمعه هللا ال يفرقه إنسان‬
‫‪".‬لقد أوشك األمر على االنتهاء‪ ،‬أم أنه لم يبدأ بعد؟ في حالة ذهول‪ ،‬سمعت آنا الجملة "أعلنكما اآلن زوًج ا وزوجة‬
‫خيم االرتباك على عقلها واستولى على ساقيها وعضالتها وقلبها‪ .‬كانت اآلن السيدة دافنبورت‪ .‬لم تعد كما كانت باألمس‪ ،‬وال هذا‬
‫‪.‬الصباح‪ ،‬وال حتى الشخص الذي كانت عليه قبل دقيقة واحدة‬
‫"‪.‬يمكنك اآلن تقبيل العروس"‬
‫‪.‬ال! ال! أخذت جرعة كبيرة من الهواء لكنها لم تستطع رفع رأسها‪ .‬شعرت بأصابع كريستوفر تحت ذقنها‬

‫!ال‬
‫رفع وجهها بلطف خجول وغير عادي‪ .‬نظرت إليه آنا للمرة األولى خالل الحفل بأكمله‪ ،‬فضعفت ساقاها وقفز قلبها إلى صدرها ثم‬
‫‪.‬غاص في أحشائها بقطرة أصابت بطنها بتشنج‬
‫!ال‬
‫انحنى زوجها نحوها‪ .‬لقد سلبها الخوف حسها المنطقي‪ ،‬واستدارت آنا جانًبا‪ ،‬متجنبة إياه‪ ،‬وسمحت له فقط بتقبيل زاوية فمها‪ .‬أوقف‬
‫بوصة واحدة من شفتيها ثم‪ ،‬بيده اللطيفة ولكن القاسية‪ ،‬قام بتقويم وجهها‪ .‬وضع شفتيه على شفتيها وغطاهما للحظة‪ ،‬ثم ختم زواجهما‬
‫‪.‬بقبلة‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪25‬‬
‫‪.‬ال تجد متعة في الوعود‪ ،‬وال خوًف ا في التهديدات‬
‫حسًن ا‪ ،‬كان زوجها فظيًع ا‪ .‬حسًن ا‪ ،‬لم يكن على اإلطالق الشخص الذي كانت ستختاره طوًع ا‪ .‬لكن ‪ . . .‬ولكن إذا توقف المطر بعد‬
‫عاصفة رهيبة‪ ،‬فسوف تقدر ذلك‪ ،‬أليس كذلك؟ عالوة على ذلك‪ ،‬ألكون صادًق ا‪ ،‬شعرت آنا بالهدوء تقريًبا ‪ -‬على مضض بعض‬
‫الشيء‪ ،‬ألن األمر لم يكن يبدو عادًال‪ ،‬بل هادًئ ا‪ .‬اللعنة‪ ،‬لم تكن جريمة‪ .‬لماذا يجب عليها أن تشكو من أي وقت مضى؟ وقد تضاءلت‬
‫مخاوفها للمرة األولى بعد شهر من الخوف‪ .‬لقد مر أسبوع منذ حفل الزفاف‪ ،‬ولم يحاول كريستوفر االقتراب على اإلطالق ‪ -‬رغم‬
‫أنها عندما ذهبت إلى السرير‪ ،‬أغلقت الباب بين غرفهما ووضعت كرسًيا عليه ‪ -‬وعاملتها بطريقة باردة وغير ودية‪ .‬طريقة‪ .‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬فقد تصرف ضمن توقعات المجاملة الرسمية لصالح من كان هناك معهم ‪ -‬وكان هناك دائًما شخص حاضر ‪ -‬وهو ما لم يمنع‬
‫وجوده على أي حال من أن يبدو منتشًر ا‪ ،‬حتى من مسافة بعيدة‪ .‬حتى من مسافة بعيدة‪ ،‬بدا أنها قادرة على شم رائحة العشب الطازج‬
‫والقرفة‪ .‬ومؤخرًا أيضًا تناول الكاكاو‪ ،‬ألنه كان مهووسًا ببسكويت نورا‪ .‬أخفاهم الطباخ عنه‪ ،‬لكن كريستوفر تمكن دائًما بطريقة ما‬
‫‪.‬من رشوة شخص ما‪ .‬كانت آنا على يقين من أنه كان يفسد إخوتها‪ ،‬ويرد الجميل باأللعاب‪ ،‬والرحالت الصغيرة‪ ،‬والمال‬
‫لقد تنهدت‪ .‬يا له من معلم رائع‪ ،‬زوجها‪ .‬لم تره إال قليًال‪ ،‬ألنها كانت تتجنبه‪ ،‬وأيضًا ألنه كان بعيدًا عن المنزل معظم الوقت‪ ،‬وال‬
‫‪.‬يعود إال لتناول الوجبات الرئيسية‪ .‬في أحد األيام كان في لندن‪ ،‬ولم يروا بعضهم البعض على اإلطالق‬
‫المثل‪-‬‬

‫سمعته في عدة مناسبات يعود في وقت متأخر من الليل‪ .‬فكرت اآلن أنه ربما لديه حبيبة‪ .‬من يعرف من هو‪ .‬أتمنى أال تكون السيدة‬
‫إدواردز بعد‪ .‬أدارت رأسها إللقاء نظرة سريعة من نافذة المطبخ‪ .‬أدت الشمس الحارقة في النصف األخير من شهر أغسطس إلى‬
‫تدفئة الريف‪ .‬بعد االنتهاء من دروسهم مع معلميهم الجدد‪ ،‬ذهب دينيس وأنتوني إلى اإلسطبالت مع فيليب‪ ،‬الخادم الذي يعتني أيًض ا‬
‫بالخيول‪ ،‬ولويس‪ ،‬المدرب األعور‪ .‬كان والدها يستريح ‪ -‬لم يعد يغادر غرفته أبًد ا تقريًبا‪ ،‬فكرت بألم في قلبها ‪ -‬بينما كانت فيكتوريا‪،‬‬
‫الخادمة العجوز التي تم تعيينها بناًء على طلب كريستوفر‪ ،‬في السرير مصابة بنزلة برد وتعتني بها نورا بخلطاتها‪ .‬حتى جريس‬
‫‪.‬الصغيرة كانت معها‪ ،‬ألنها أخذت دورها كمساعدة طبيب على محمل الجد‬
‫كانت آنا في المطبخ تغسل أطباق الغداء بينما كانت تدندن بأغنية مزارع خارج اللحن‪ .‬همهمت ألنها لم تبق بمفردها أبًد ا لبضع‬
‫ساعات خالل النهار‪ ،‬وكانت القدرة على التركيز على أفكارها تبدو وكأنها حفلة‪ .‬من يمكن أن يكون لوسي لخطيبها؟ تساءلت وهي‬
‫تفكر في األمر‪ .‬غسلت طبًق ا ووضعته على جانبه حتى يجف‪ .‬دانيال؟ لم تكن لوسي مهتمة به‪ ،‬وربما كان األمر أفضل بهذه الطريقة‪،‬‬
‫حيث ترى أن الشاب ال يزال يحمل مودة تجاه آنا‪ .‬المودة‪ ،‬وليس الحب ربما‪ .‬اعتقدت أنه ربما لم يكن حًبا أبًد ا‪ .‬في الواقع تلك القبلة‬
‫التي أعطاها لها‪ . . .‬وضعت طبًق ا آخر ليجف‪ .‬إن لم يكن دانيال‪ ،‬ماثيو؟ لم يعد لها عالقة به بعد اآلن‪ ،‬ولكن كلما عرفته أكثر‪ ،‬كلما‬
‫‪. . .‬أحببته أكثر‪ .‬شعرت لوسي بنفس الطريقة‪ .‬ويبدو أن األمر غالبًا ما يسير على هذا النحو‬
‫آنا‪ ،‬ماذا تفعلين بحق الجحيم؟" سأل صوت زوجها من خلفها‪ .‬كان صوته مفاجًئ ا‪ ،‬كما كان الحال دائًما عندما كانا بمفردهما‪ .‬وحيد‪" .‬‬
‫‪.‬شيء لم يحدث لمدة أسبوع تقريًبا‪ ،‬ولن يكون من الضروري أن يحدث اآلن‪ ،‬أو بوضوح‪ ،‬أو مرة أخرى‬
‫تجمدت آنا ويداها في ماء األطباق وتوقفت على الفور عن الطنين‪ .‬للحظة منعها الذعر من التفكير‪ .‬تسارعت دماءها بسرعة كبيرة‬
‫لدرجة أنها أصيبت بالذهول واضطرت إلى االتكاء على حافة الخزانة لتتمكن من الوقوف‪ .‬ماذا يفعل هنا في هذا الوقت من اليوم؟‬
‫‪.‬أمسكت بمنشفة على جانبها ومسحت يديها ببطء‬
‫‪.‬هادئ‪ .‬تظاهر بالهدوء‪ .‬ال تخافوا‬
‫‪.‬التفتت نحوه‬
‫ال تزعجيه يا آنا‪ .‬كل شيء سيكون على ما يرام‪ .‬سيأتي شخص ما(‬
‫)‪.‬قريبًا‬

‫‪".‬أجابت‪" :‬أنا أغسل األطباق يا سيدي‬


‫‪.‬لقد تم القبض عليها متلبسة‪ ،‬وحتى لو أرادت ذلك – وهي أرادت ذلك بالفعل‪ ،‬اللعنة – فلن تتمكن من قول أي شيء آخر‬
‫لم يعجبه هذه الكلمات على اإلطالق‪ .‬وقف عند باب المطبخ ونظر إليها كما لو كان مجنونا‪ .‬أجاب بانزعاج‪" :‬هذا ليس واجبك‪ ،‬وأنت‬
‫"تعلم ذلك جيدًا"‪" .‬ماذا جرى لك؟‬
‫وسرعان ما حل التهيج محل خوفها‪ ،‬حيث لم يتمكن أحد من إطالق مجموعة كاملة من المشاعر السلبية بداخلها مثل زوجها‪ .‬نفخت‬
‫آنا خديها ثم أخرجت الهواء من فمها قبل أن تتمكن من إيقاف نفسها‪ .‬يا إلهي كم هو متحذلق! أوضحت وهي تحاول إخفاء االنزعاج‬
‫"‪-‬في صوتها‪" :‬هذا لليوم فقط"‪" .‬فيكتوريا ليست بخير‪ ،‬و‬
‫قال قاطعًا‪" :‬الموظفون في هذا المنزل غير مناسبين على اإلطالق"‪" .‬لقد قمت بتوظيف أشخاص جميعهم مرضى وغير قادرين‬
‫وغير مؤهلين بالتأكيد إلدارة األسرة‪ .‬إذا كنت ال تريد السماح لها بالرحيل‪ ،‬فستظل بحاجة إلى استئجار خادمة أخرى‪ ،‬قادرة على‬
‫‪.‬أداء واجباتها‬
‫وأين سنضعهم يا سيدي؟" لقد نادته بـ "سيدي"‪ ،‬وكانت تعلم أنه ال ينبغي لها ذلك‪ .‬طلب منها كريستوفر أن تناديه باسمه األول بعد "‬
‫الزفاف بينما كانت العربة تعيدهما إلى المنزل‪( .‬وكانت تلك الدقائق العشر التي قضاها برفقته‪ ،‬في تلك المساحة الضيقة للغاية‪ ،‬قد‬
‫سلبت منها كل الهواء واأللوان‪ .‬ولحسن الحظ‪ ،‬كان هذا كل ما قاله‪ ،‬وبعد ذلك صمت‪ ).‬لقد نادته علًن ا باسمه‪ .‬االسم األول‪( .‬تساءلت‬
‫اآلن‪ :‬هل حدث هذا من قبل؟ ربما ال‪ .‬في الواقع‪ ،‬لم تكن قد تحدثت معه حتى)‪ .‬ولكن على انفراد‪ ،‬كان الوضع مختلًف ا‪ .‬ألم يكن األمر‬
‫"‪-‬كذلك‪ . . .‬سيد؟ "لقد مألنا كل غرفة احتياطية تقريًبا بالموظفين الالزمين للعربة‪ ،‬و‬
‫ال تتحدث بمثل هذا الهراء؛ ال يزال هناك مساحة‪ .‬لديك تفويض مطلق — أنت تعرف ذلك — وإذا لم يكن من الممكن أن تهتم "‬
‫بالعثور على المزيد من المساعدة‪ ،‬فسوف أفعل ذلك‪ .‬هذه ليست المرة األولى التي أفعل فيها ذلك‪ ،‬وال أريد أن أراك تفعل أشياء ال‬
‫ينبغي لك القيام بها‪ ،‬مثل إزالة الغبار والكنس وتلميع الفضيات‪ .‬غاضًبا‪ ،‬دخل الغرفة ووقف على بعد بضعة أقدام منها‪" .‬كل هذا‬
‫يجب أن يتوقف يا آنا‪ .‬ال يجوز لزوجتي القيام باألعمال المنزلية‪ .‬هل تدرك كيف سيبدو هذا إذا وصلت إلى هنا مع بعض الضيوف؟‬
‫"‬
‫أجبرت آنا نفسها على عدم التراجع ‪ -‬جزئًيا ألنها أرادت أن تظهر شجاعتها‪ ،‬وجزئًيا ألن خزانة المطبخ لم تسمح لها بالذهاب إلى أي‬
‫مكان‪ .‬قالت وهي غير قادرة على احتواء سخريتها‪" :‬أوه‪ ،‬يا له من مشهد فاضح‪ ،‬أتفق معك يا سيدي"‪ .‬إلى الجحيم معه وفارغه‬

‫"‪.‬الطنانة‪" .‬ومع تصرفك الحساس هذا‪ ،‬ال أعرف كيف ستتمكن من النجاة من هذا العار‬
‫عبس كريستوفر‪ ،‬وخشيت آنا للحظة أن تكون قد تمادت أكثر من الالزم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أدركت أن وجهه بدا غاضبا‪ ،‬وبدا منزعجا‪. . .‬‬
‫لكن ‪ . . .‬ولكن هل كان حقا؟ لم تستطع إال أن تتساءل‪ .‬لقد رأت كريستوفر غاضًبا عدة مرات‪ ،‬لكن يبدو أنه يتصرف اآلن‪ .‬لكن‬
‫لماذا؟‬
‫"‪.‬قال‪" :‬أنت بحاجة إلى تعيين خادمة أخرى يا آنا"‪" .‬وطباخة لتحل محل نورا‬
‫‪.‬ربما أساءت فهمه‪" .‬ماذا قلت؟" سألت مذهولة‬
‫‪".‬وأوضح سريًع ا‪" :‬من الواضح أن نورا ستبقى رفيقتك‪ ،‬لكنها ال تستطيع طهي الطعام ثم الجلوس معنا على الطاولة‬
‫أغلقت آنا فمها ونظرت في األمر‪ .‬كانت نورا كبيرة في السن‪ ،‬وقد حان وقت الراحة‪ ،‬وربما يكتفي زوجها بهذا التنازل‪ ،‬وينسى‬
‫"‪.‬مطالبه األخرى التي ال معنى لها‪" .‬سأحاول التحدث معها يا سيدي‬
‫‪.‬جيد‪ .‬ولكنك بحاجة إلى خادمة شخصية ومربية"‬
‫بالطبع ال! هناك بالفعل الكثير منا في هذا المنزل‪ " .‬كانت تأمل أن يفهم من النظرة على وجهها أن الشخص الكثير جًد ا هو‪ ،‬وبشكل "‬
‫‪”.‬أكثر تحديًد ا‪" .‬أنت تحتفظ بخادمك‪ ،‬لكني لست بحاجة إلى خادمة شخصية‪ .‬أما إخوتي فأنا أعتني بهم بنفسي‪ ،‬كما تعلمون‬
‫"‪-‬هل يجب أن تكوني دائًم ا غير معقولة يا آنا؟" قال كريستوفر وهو يمرر يده على شعره‪" .‬نستطيع"‬
‫لقد وافقت على كل شيء يا سيدي!" لقد بادرت‪" .‬لقد طلبت مني أن أسمح لك بإدارة محاسبة المنزل‪ .‬لقد طلبت مني أن أرافقك في "‬
‫"‪...‬أمسياتك بالخارج في المجتمع‬
‫"‪.‬وهو ما لم تفعله أبًد ا‪ ،‬وهو اختالق ألف عذر في كل مرة"‬
‫لقد طلبت مني أن أكون متعاوًن ا والعديد من األشياء السخيفة‪ .‬يجب أن تترك مساحة صغيرة للتنفس اآلن! انفجرت وغاضبة‪ .‬ابتعدت"‬
‫عنه وأمسكت بالطبق الذي تركته ليجف‪" .‬واآلن‪ ،‬من فضلك دعني أنهي‪ ،‬ألن لدي أشياء أخرى يجب أن أفعلها اليوم‪ .‬أنت ‪ ,‬ال؟"‬
‫‪.‬سألته بمرارة‪« .‬قريًبا يجب أن أخرج في زيارة‪ ،‬أال تتذكرين؟ المكالمات االجتماعية التي تجبرني على إجرائها في الحي يا سيدي‬

‫أمسكت بالمنشفة ومسحت الطبق‪ ،‬محاولًة تجاهل الشعور بالحكة في رقبتها؛ كان زوجها يحدق بها‪ ،‬وشعرت بذلك‪ ،‬مما جعلها‬
‫‪.‬متوترة مثل وتر الكمان‬
‫يا إلهي‪ ،‬لكن لماذا ال يرحل؟‬
‫تظاهرت بعدم االهتمام ورفعت ذراعها لتضع الطبق الجاف على الرف‪ ،‬لتقف على أطراف أصابعها‪ .‬وسمعت زوجها يقترب‪ ،‬وكاد‬
‫‪.‬الطبق أن ينزلق من يدها‬
‫دعني أساعدك‪ "،‬غمغم‪ .‬ماذا كان ذلك في صوته؟ الرقة والحنان؟ يا إالهي‪ .‬لم تكن لهجته أي إشارة إلى الغطرسة منذ لحظة سابقة‪"،‬‬
‫!وقد أصيبت بالشلل وذراعها مرفوع عندما توقفت عن التنفس‪ .‬ال‪ ،‬من فضلك‪ ،‬ال‬
‫‪.‬خلفها‪ ،‬رفع كريستوفر يده ليأخذ الطبق‪ ،‬بالكاد يلمس أصابعها‪ ،‬ثم أبعد الطبق ببطء‬
‫خفضت آنا ذراعها بسرعة‪ .‬لماذا كان قلبها يصدر الكثير من الضجيج كما كان يرتجف من الخوف مثل الزلزال؟‬
‫‪.‬شكرا لك" تمتمت دون أن تلتفت"‬
‫‪.‬لم يرد زوجها‪ ،‬بل وقف خلفها‪ ،‬وكان قريًبا جًد ا منها‪ .‬ذهبت آنا إلى الجانب‪ ،‬لكنه وضع يده على وركها األيمن‬
‫"!أسوأ مخاوفها‪ .‬التفتت فجأة‪" .‬سيدي‪ ،‬ال تلمسني‬
‫ولكن ماذا كان الشيطان في عينيه؟ هل كان البؤس هو الذي احترق هناك؟ لماذا؟ صمتت وشعرت أن وجهها بدأ يحمر‪ .‬تحركت مرة‬
‫أخرى لتبتعد‪ ،‬لكن يديه كانتا ممسكتين بها بقوة‪ .‬لم يكن يرتدي قفازات‪ ،‬وكانت تشعر بالدفء من مالمسته الخفيفة لبشرتها‪ ،‬حتى من‬
‫‪.‬خالل مالبسها الخفيفة‬
‫سيأتي شخص ما‪ ،‬شخص ما‪ .‬قريبًا‪ .‬ليساعدني هللا‪ .‬وضعت آنا كفيها على ساعديه‪ ،‬ودفعتهما لتحريكهما‪" .‬سيدي‪ ،‬دعني أذهب!‬
‫ال ‪ "! . . .‬صوتها تراجع‪ .‬أين كانت غطرسته؟ لماذا كان فمه منحنًيا هكذا؟ لم تتمكن من النظر بعيدا‪ .‬شعرت بالضياع‪ ،‬وال تعرف‬
‫‪.‬السبب‪ :‬هل هذا هو الوحش الذي أرعبها؟ وقفت ساكنة بينما شعرت بمشاعر مدهشة في أعماقها‬
‫آنا"‪ ،‬تمتم وهو يدفعها نحو الخزانة‪ ،‬متكًئ ا على جسدها‪ .‬انها ال تزال لم تتحرك‪ .‬لقد شعرت به قريًبا‪ ،‬كان عليها‪ ،‬يا إلهي! ‪ -‬وما "‬
‫زالت لم تتحرك‪ .‬كانت متجمدة حتى في عقلها‪ ،‬وأفكارها متناثرة في كل مكان‪ .‬رفع كريستوفر يده ووضعها على خدها‪ .‬كان دافًئ ا‬
‫‪.‬وجاًف ا‪ .‬ومرة أخرى استرخت بطنها‪ ،‬كما لو كانت تبكي‬
‫‪.‬س‪-‬سيدي‪ ." . .‬لقد تلعثمت"‬

‫"آنا"‪ ،‬كرر بهدوء وهو يميل رأسه نحو وجهها‪" ،‬أال تقبلين زوجك؟"‬
‫كانت أفواههم قريبة جًد ا‪ .‬قلبها ‪ . . .‬أين ذهب قلبها؟ كان هذا الشيء اللعين في حلقها‪ ،‬وكان يضربها بصوت عاٍل داخلها مما يؤذيها‪.‬‬
‫تمتمت قائلة‪" :‬دعني أذهب يا سيدي"‪ .‬وما زالت تحدق به‪ ،‬في عينيه‪ ،‬وما زالت تتساءل‪ :‬هل هذا هو الوحش الذي ابتلعني بالكامل؟‬
‫"‪.‬من فضلك‪ ،‬آنا"‬
‫‪.‬لو سمحت‬
‫لقد كانت مذهولة لدرجة أنها لم تستطع التحرك‪ .‬قام بضرب خدها بإبهامه‪ .‬كانت شفتيه على مسافة إصبع منها‪ .‬أنفاسه كانت بالفعل‬
‫‪.‬بداخلها‬
‫لماذا ال أدفع هذا الرجل بعيًد ا؟ رمشت مرة واحدة‪ ،‬ثم مرتين‪ ،‬ثم مرارا وتكرارا‪ .‬ثم مرة أخرى حتى تذكرت‪ .‬العشب‪ .‬المكتبة‪ .‬حتى‬
‫‪.‬القبلة التي قدمها لها يوم زفافهما‬
‫)لم يستمع أبًد ا إلى ما أسعدك‪ ،‬أليس كذلك يا آنا؟(‬
‫أدارت وجهها إلى الجانب‪ ،‬مظلًما بالحزن والكراهية‪" .‬دعني أذهب‪ "،‬أمرت ببرود‪ .‬ولم تعد خائفة‪ .‬كانت تعلم أنه لن يجبرها‪ :‬فقد‬
‫‪.‬كتب ذات مرة في عينيه صادًق ا وضمنًيا في طلبه تقبيله‬
‫أطلق كريستوفر أنيًن ا ناعًم ا وأسقط جبهته ليلمس خدها‪ .‬كان أنفاسه ال يزال يالمس بشرتها‪ ،‬واستمر دفءه في االندماج مع أنفاسها‪.‬‬
‫لقد وقف هناك لبضع لحظات بينما كانت أصوات الطبيعة المبهجة تأتي من خالل النافذة المفتوحة‪ .‬ثم أنزل يديه ورفع رأسه واستقام‬
‫‪.‬ورجع خطوة إلى الوراء‬
‫‪.‬كان هذا هو تحوله‬
‫وها هو زوجها مرة أخرى‪ ،‬وقد تغير مرة أخرى إلى نفس الرجل الذي كان عليه من قبل‪ ،‬وبنفس التعبير القاسي القاسي على وجهه‪،‬‬
‫‪.‬المتغطرس والبعيد‬
‫‪.‬سارت آنا بسرعة نحو الباب‪ ،‬متصلبة‪ ،‬دون أن تنظر إليه مرة أخرى‬
‫"‪.‬آنا"‬
‫‪.‬توقفت عند الباب واتجهت نحوه‪ .‬ولم يظهر أي عالمة على العاطفة‬
‫"‪.‬قال لها بأمر واقع‪" :‬لن أنتظر إلى األبد"‪" .‬يجب أن يكون هذا واضًح ا لك‬
‫هنا كان الوحش‪ .‬تراجعت آنا ثم هربت من المطبخ وقلبها ينبض في صدرها بعنف‪ ،‬مما جعلها تقريًبا‬

‫‪.‬أعمى بالخوف‬
‫‪".‬كانت يده ترتعش‪ ،‬وكتبت توقيعه على الوثيقة‪" :‬جيمس تشامبيون‬
‫»‪.‬قال كريستوفر‪« :‬جيد‪ ،‬اآلن لم يعد لديك ما يدعو للقلق‬
‫أومأ والد زوجته برأسه دون أن يجيب‪ ،‬منهكًا من التعب‪ .‬في غرفة شامبيون هاوس التي استخدمها كريستوفر كمكتب‪ ،‬كانت حرارة‬
‫‪.‬فترة ما بعد الظهر خانقة‬
‫"أيها السادة‪ ،‬هل انتهينا هنا؟"‬
‫بالطبع يا سيد دافنبورت‪ "،‬أجاب أحد المحامين المذكورين في هذه القضية‪ ،‬وهو رجل قصير القامة ومستدير‪ ،‬ذو عيون منتفخة مثل"‬
‫‪.‬عيون الضفدع األمريكي‬
‫‪.‬جيد‪ .‬سوف أراك بالخارج‪ ،‬إذن‪ .‬سيد تشامبيون‪ ،‬سأتصل بنورا‪ .‬سوف تساعدك على العودة إلى غرفتك"‬
‫"‪.‬شكرا لك يا بني"‬
‫عندما ينتهي الوقت من عمله‪ ،‬فكر كريستوفر‪ ،‬كل ما يتبقى للرجال فعله هو مشاهدة األشياء تتالشى‪ .‬وعلى الرغم من زياراته الطبية‬
‫المستمرة‪ ،‬إال أن حالة والد زوجته كانت تسوء يوًم ا بعد يوم‪ .‬في بعض األحيان لم يتذكر حتى تاريخ ميالده‪ .‬آه‪ ،‬الوقت‪ . . .‬يا له من‬
‫‪.‬ابن العاهرة‬
‫وقال للمحاميين‪" :‬أيها السادة‪ ،‬إذا اتبعتموني"‪ .‬أرشدهم‪ ،‬ومشى نحو الباب األمامي‪ ،‬وعندما فتح الباب لخروجهم‪ ،‬وقفت زوجته هناك‪.‬‬
‫ألكون صادًق ا‪ ،‬كانت مشكلة بسيطة ‪" -‬مشكلة" ُتعرف أيًض ا باسم "حدث غير متوقع"‪ .‬اللعنة‪ ،‬لم أكن بحاجة إلى هذا‪ .‬لقد حاول إخفاء‬
‫‪.‬حظه السيئ‪" .‬العودة بهذه السرعة؟" سألها ببرود‬
‫‪.‬نظرت آنا إلى الرجلين معه متفاجئة إلى حد ما‪ .‬أجابت‪" :‬نعم"‪ .‬يبدو أنها تنتظر أن يتم تقديمها‬
‫جهز نفسك النتظار طويل جًد ا إذن‪ .‬رأى كريستوفر ضيفيه بسرعة‪ ،‬ثم‪ ،‬دون كلمة أخرى‪ ،‬سار نحو مكتبه‪ ،‬والتقى نورا والسيد‬
‫‪.‬تشامبيون في الردهة‬
‫‪.‬مشكلة طفيفة أخرى‬
‫"يا أبي‪ "،‬سمع آنا تصرخ‪" ،‬لماذا تقف على قدميك؟"‬

‫‪".‬قالت نورا بمرارة‪« :‬اسألي زوجك»‪ ،‬وهي حريصة كالعادة على لفت االنتباه السلبي إلى كريستوفر‪" .‬لقد أتعبه‬
‫‪.‬من يا كريستوفر؟" قالت آنا متفاجئة‪" .‬كريستوفر!" دعت"‬
‫أسرع بخطواته وعاد إلى مكتبه وأغلق الباب خلفه‪ .‬تم إنقاذه مؤقًت ا فقط‪ ،‬ألنه بعد لحظة فتحت آنا الباب بقوة‪" .‬لماذا كنت بحاجة إلى‬
‫‪.‬والدي يا سيدي؟" اتهمته من الباب‬
‫‪.‬مشى كريستوفر نحو زجاجة الويسكي التي احتفظ بها على طاولة صغيرة بالقرب من النافذة‪ ،‬وأدار ظهره لها‬
‫‪.‬سيدي‪ ،‬من هم هؤالء األشخاص الذين أحضرتهم إلى هنا؟ عادًة ما تعتني بشؤون عملك في روكفيلد"‬
‫‪.‬فتح ببطء زجاجة الخمر‬
‫‪.‬السيد‪ .‬دافنبورت‪ ،‬أنا أطلب إجابة"‬
‫سكب كريستوفر إصبًع ا من الويسكي بعناية في كأس‪ ،‬ثم قطفه‬
‫‪.‬رفعه ومشى إلى المكتب‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم يجلس خلفه‪ ،‬بل اتكأ عليه فقط‪ ،‬في مواجهة زوجته‬
‫"‪.‬لن أغادر حتى تجيبني يا سيدي"‬
‫أخذ رشفة من الزجاج‪ .‬كانت آنا ال تزال ترتدي قبعة على رأسها وكانت تحمل مظلة‪ .‬لقد لوحت بها بطريقة مزعجة إلى حد ما‬
‫‪".‬بالفعل‪ .‬تنهد‪ ،‬ألنها ستبدأ بالصراخ كامرأة مجنونة‪ .‬أجاب أخيًر ا‪" :‬والدك ليس على ما يرام‬
‫"كانت صامتة‪ ،‬واأللم يبرق على وجهها مثل ظل يد عدو‪ .‬ثم تمتمت‪" :‬وما عالقة هؤالء الناس بذلك؟‬
‫وأوضح‪" :‬هؤالء الناس محامون"‪ .‬هل من األفضل أن تأخذ الطريق الطويل لشرح ذلك أم أن تقوله بسرعة؟ سيكون من األفضل عدم‬
‫‪".‬قول ذلك على اإلطالق‪ ،‬ولكن‪" . . .‬لقد عينني أبوك وصيا على إخوتك وأختك وعلى جميع أمواله‬
‫هذا ال يبدو سيئا للغاية بعد كل شيء‪ ،‬أليس كذلك؟ ربما أنا قلق من أجل ال شيء‪ .‬آنا قد تأخذ األمر على ما يرام‪ .‬جيد جًد ا‪ ،‬على‬
‫األقل‪ .‬في الواقع‪ ،‬لقد تعاملت مع األمر بشكل سيء للغاية‪ :‬بدا أنها فقدت لونها وصوتها‪ .‬لقد وقفت هناك تلهث للحصول على الهواء‬
‫‪.‬مثل سمكة في مرج‬
‫الجحيم الدموي‪ .‬رفع كريستوفر يديه لوقف االنفجار الوشيك‪ .‬قال بهدوء‪" :‬وهذا هو الحل األفضل يا آنا"‪" .‬ال يمكن لوالدك‬
‫"‪...‬االستمرار‬

‫أنت؟!" صرخت بجانب نفسها‪ ،‬واتخذت خطوة نحوه وأشارت بإصبعها إليه بطريقة ميلودرامية إلى حد ما‪" .‬أنت؟! ولي أمرهم؟ "‬
‫"‪-‬انت مجنون! أنت! انت لن تكون‬
‫"‪.‬بالفعل انا‪" .‬اعتباًر ا من اليوم"‪ ،‬أجاب بجفاف‪ ،‬متخلًيا عن لهجته اللطيفة‪" .‬ليس لك رأي في هذا األمر"‬
‫!ليس لدي رأي؟ أنا أختهم وأعلم ما هو خير لهم! ومن المؤكد أنه ليس أنت"‬
‫»‪.‬اه كال؟ "اه كال؟ وهذا غريب‪ ،‬ألن لدي ورقة تثبت عكس ذلك تماًما‬
‫كان التهيج يتصاعد بداخله‪ .‬حاول التهدئة‪ .‬يمكنه أن يحاول الجدال معها بشكل منطقي‪ ،‬بدًال من إذاللها وجعلها تبكي‪ .‬لقد فكر في‬
‫‪.‬ذلك‪ .‬المنطق وأنا البطل‪ :‬ال مستحيل‪ .‬قرر أن يحاول على أي حال‬
‫بدأ كالمه قائًال‪" :‬تعالوا اآلن يا آنا‪ ،‬هذا ال يغير شيئًا بالنسبة لك وألحبائك"‪" .‬أنا أفضل شخص للتعامل مع شؤون عائلتك‪ .‬وبقدر ما‬
‫"‪...‬يتعلق األمر بإخوتك‪ ،‬يمكنك االستمرار في االعتناء بتعليمهم‪ ،‬ربما بقدر أقل من التساهل‪ ،‬ولكن‬
‫هل تنصحني بكيفية تربية األطفال؟" ولو كان قد نصحها بشأن كيفية تقطيعها إلى قطع وطهيها‪ ،‬فربما كانت ستأخذ األمر بشكل "‬
‫أفضل‪ ،‬فقد كان متأكًد ا من ذلك‪" .‬هل سمعت بشكل صحيح؟ أنت!" يبدو أن الغضب جعلها أطول‪" .‬لن أثق بك في تعليم دودة‬
‫"!األرض‬
‫ضرب كريستوفر كأسه على الطاولة‪ ،‬وانسكب الخمر في كل مكان‪ .‬قفز واقفا على قدميه‪ ،‬مملوءا بالغضب وأكثر ‪ -‬شيء آخر‪ ،‬يشبه‬
‫‪.‬الحمى‪ ،‬كان متعبا للغاية‬
‫شهقت آنا‪ ،‬ولمع الخوف في عينيها‪ ،‬لكن الغضب كان شديدًا‪ ،‬وتابعت بجانب نفسها‪“ :‬أنت إنسانة عنيفة بال أخالق! أنا أختهم الكبرى‪،‬‬
‫" !ولن أسمح لهم بالبقاء تحت وصايتك‬
‫أخذ نفسا عميقا قبل أن يتحدث‪ ،‬ووضع يده على جبهته‪ .‬وبعد بضع ثواٍن استعاد ضبط النفس وأجاب‪" :‬أنت أختهم‪ ،‬هذا صحيح تماًما‪،‬‬
‫ولكن قبل كل شيء‪ ،‬أنت امرأة‪ ،‬ومن المفترض أنه يجب عليك التصرف على هذا النحو‪ .‬ضعي في اعتبارك ما يستلزمه منصبك –‬
‫”— التطريز والدردشة مع األصدقاء – لكن اتركي األمور الجادة للرجال‪ .‬أنت تعلم جيًد ا أنك ال تستطيع تقديم‬
‫لم تكن تستمع‪ ،‬وخدودها احمرت من الغضب‪" .‬سوف أوقفك!" لقد قاطعته‪" .‬أنت ال ‪ . . .‬سأنتقل فوًر ا إلى ‪ . . .‬أنا‬

‫!سوف أتحدث مع والدي على الفور‬


‫أوه‪ ،‬جيد"‪ ،‬أجاب‪ ،‬وهو يهز رأسه بحماس مبالغ فيه‪" .‬لماذا"‬
‫أال نذهب إلى هناك اآلن‪ ،‬إذن؟ ال استطيع االنتظار لسماع ما لديك لتقوله له‪ .‬ربما يمكنك الصراخ في وجهه‪ ،‬حسًن ا‪ ،‬آنا؟ أو اشرح له‬
‫لماذا ال تريدني أن أكون وصًيا على إخوتك‪ .‬أم تفضل أن أشرح له ذلك بنفسي؟‬
‫رفعت المظلة ووجهتها نحوه كالبندقية‪ .‬كان ال يزال الغضب في عينيها‪ ،‬ولكن األمل قد ذهب بالفعل‪ .‬آه‪ ،‬يا لها من فتاة صغيرة‬
‫سخيفة‪ ،‬زوجته‪" .‬أنت! لقد فعلت كل هذا من وراء ظهري‪ .‬فعلت ذلك عن قصد!" اتهمته‪" .‬كيف تمكنت من إقناع والدي؟ كيف أقنعته‬
‫بعدم قول أي شيء لي؟‬
‫‪.‬لدي طرقي‪ ،‬آنا‪ .‬كريستوفر لم يستجب‬
‫"لماذا قد قمت بفعلها؟" سألته مرة أخرى‪" .‬هل تعتقد أنه يمكنك التحكم بي بشكل أفضل بهذه الطريقة؟"‬
‫أنا ال أعتقد‪ ".‬أنا "أعرف" ذلك‪ ،‬عزيزتي آنا‪" .‬أوه‪ ،‬هذا ما تخاف منه إذن؟" أخذ رشفة من الويسكي وابتلعها ببطء‪" .‬أنت تعتقد أنني‬
‫"فعلت ذلك ل‪ . . .‬يتحكم ‪ . . .‬أنت؟‬
‫"!ارتعش وجه آنا‪" .‬أنت مخلوق مثير لالشمئزاز والخسيس‪ .‬ال يوجد لديك العار‬
‫يعتقد كريستوفر أن هذه الفتاة تعرف بالضبط كيف ُت خرج أسوأ ما فيه‪ .‬وبالنظر إلى أنه حتى أفضل ما فيه لم يكن جيًد ا بشكل خاص‪،‬‬
‫كان الوضع خطيًر ا‪" .‬آنا‪ ،‬السيطرة على نفسك‪" .‬سوف يسمعونك"‪ ،‬قال وهو يحافظ على هدوئه‪ ،‬ولكن فقط من خالل بذل جهد‪ ،‬ألنه‬
‫شعر بالفعل بالحاجة القوية إلى الصراخ‪" .‬أو تعال إلى الغرفة وأغلق الباب‪ ".‬تقدم نحوها بضع خطوات ثم توقف‪ .‬بالتأكيد لن يكون‬
‫من الحكمة االقتراب أكثر‪" .‬أنت تقولين إنك في وضع يسمح لك بحماية هؤالء األطفال‪ ،‬ومع ذلك تفتقرين إلى الشجاعة لتجرؤ على‬
‫‪".‬البقاء في غرفة بمفردك مع زوجك‬
‫زوج!" خفضت صوتها وعيناها تومض بالكراهية‪" .‬أنت تعلم أنني كنت أود أن أقتلك بدًال من الزواج منك‪ ،‬لكن يمكنني دائًما "‬
‫"!االهتمام بذلك‬
‫)‪.‬ال شيء يا كريستوفر‪ .‬قلبك ينكسر قليًال‪ ،‬لكنه ال شيء(‬
‫سوف تتوقفين اآلن يا آنا‪ ،‬أو بحق هللا‪ ." . .‬لقد قبض قبضتيه وأوقف نفسه‪ ،‬وبذل جهًد ا هائًال حتى ال يتسرع نحوها‪ .‬وهزها‪ .‬بقوة‪" .‬‬
‫"يجب أن تصبح أكثر عقالنية مما أنت عليه اآلن إذا كنت ال تريد أن تعاني من عواقب موقفك‪ .‬أنت‬

‫لقد طلبت مني بعض الوقت لتعتاد علي‪ ،‬وأنا أعطيك إياه – يجب أن تدرك ذلك‪ .‬يمكنني أن أتحمل افتقارك إلى االنضباط بصبر‬
‫القديس‪ ،‬لكني أحذرك‪ ،‬لن يدوم ذلك إلى األبد‪ .‬يجب أال تنسي أنك زوجتي‪ ،‬وسوف تبدأين بالتصرف على هذا النحو عاجًال أم آجًال‪.‬‬
‫‪.‬لديك واجبات تجاهي‪ ،‬وأنت تعرف ذلك‬
‫كم احمرت وجنتاها بالنار عندما غضبت! ونظرت عيناها الغاضبة إليه أخيًر ا‪" .‬أنا؟ تجاهك؟ ال يا كريستوفر‪ ،‬عليك واجب أخالقي‬
‫»!أن تختفي من على وجه األرض‪ ،‬وبسرعة‬
‫)‪.‬ال شيء‪ .‬ال شيء‪ .‬تنفس(‬
‫بدأ يشعر بأنه أصبح ساخًن ا بشكل خطير‪ .‬كان قلبه ينبض بشكل أسرع‪ ،‬ودمه يجري بجنون في عروقه‪ .‬واألمر األسوأ هو أنه بدأ‬
‫يرى كل شيء بظالل حمراء‪ ،‬وبعد ذلك فهم الخطر بوضوح‪ .‬لقد فهم أنه على وشك فقدان السيطرة‪ .‬لقد فهم أنه سيؤذيها‪" .‬من أجل‬
‫"‪.‬مصلحتك يا آنا‪ "،‬قال ببطء بصوت منخفض جًد ا‪ ،‬وهو يسحب كل مقطع لفظي‪" ،‬اذهبي اآلن‪ .‬وبسرعة‬
‫كان هناك ألم وذعر على وجهها‪ ،‬والدموع في عينيها‪ .‬عضت آنا شفتها‪ .‬من المؤكد أنها لم تستطع أن تخطئ في غضبه‪ ،‬فتراجعت‬
‫‪.‬حتى اختفت عن األنظار‪ .‬تردد صدى خطى هروبها الخائف في الردهة‬
‫ذهب كريستوفر إلى باب المكتب وضربه بعنف شديد لدرجة أن الجدران بدت وكأنها تهتز‪ .‬وقف واضًع ا إحدى يديه فوق عينيه‪،‬‬
‫‪.‬مستمًع ا إلى الصوت الغريب لنبض قلبه‬
‫قال لنفسه بعد عدة دقائق‪ ،‬بينما كان العقل يذيب ظالم عقله وحواسه‪ ،‬لم يكن األمر سيًئ ا للغاية‪ .‬لقد هددت بقتلي مرتين فقط‪ ،‬بعد كل‬
‫‪.‬شيء‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪26‬‬
‫‪.‬هناك أوتار في قلب اإلنسان من األفضل أال تهتز‬
‫تشارلز ديكنز‪-‬‬
‫"‪.‬قال له ليوبولد وابتسامة تشبه الوتد في قلبه‪" :‬حسًن ا جًد ا يا دافنبورت‪ ،‬يمكننا الذهاب لرؤية تلك األرض إذا كنت ترغب في ذلك‬
‫‪.‬بكل سرور‪ ،‬ديميرسي‪ .‬أنا أشتريه منك بسعر جيد‪ ".‬وسأستعيد كل شيء‪ ،‬تأكد من ذلك"‬
‫دار ليوبولد حول المكتب وربت على كتفه‪ .‬قال قبل أن يضحك‪" :‬أنا أستمتع بالتعامل معك"‪" .‬وأشياء أخرى بالطبع‪ .‬لكن ربما ال‬
‫يمكنك قول الشيء نفسه أيها الشاب؛ باألمس فقدت الكثير من المال‪ .‬دون أن يرف له جفن‪ ،‬يجب أن أعترف‪ .‬أنت العب فظيع يا‬
‫‪.‬دافنبورت‬
‫"‪...‬أعطى كشر استقالته‪" .‬هذا صحيح يا سيدي‪ .‬ربما يمكنك أن تعلمني بعض‬
‫ُف تح الباب دون سابق إنذار وهرع دانييل إلى مكتب والده‪ .‬توقف فجأة‪ ،‬مذهوًال‪ ،‬مالحظًا كريستوفر‪" .‬السيد‪" .‬دافنبورت"‪ ،‬استقبله‬
‫‪".‬ببرود‪" .‬أعذرني على المقاطعة‪ ،‬لكني لم أعلم أنك هنا‪ .‬قال‪ ،‬يا أبي‪ ،‬ووجهه المظلم يزداد قتامة‪" ،‬أريد أن أتحدث إليك‬
‫حتى األمراء يدخلون المعارك في بعض األحيان‪ ،‬فكر كريستوفر بسعادة‪ .‬ربما للمرة األولى‪ ،‬كان على وشك قضاء وقت ممتع في‬
‫‪.‬ريفرستون مانور‬
‫أجاب ليوبولد منزعًج ا‪« :‬ليس اآلن يا دانيال»‪" .‬أنا مشغول‪ ،‬كما ترون‪ .‬وأنت كبير بما يكفي لتعرف أن أحدهم يقرع قبل الدخول‬

‫‪.‬الغرفة – وخاصة في هذه الغرفة‬


‫أب ‪ ." . .‬أوه‪ ،‬هناك‪ ،‬فكر كريستوفر‪ ،‬ماذا لدينا"‬
‫هنا؟ هل كان دانيال غاضًبا جًد ا لدرجة أن البخار كان يخرج منه مثل غالية تغلي؟ هل كانت قبضتاه مشدودتين بشدة لدرجة أنه كان‬
‫يجعد األوراق التي كان يحملها بين يديه؟‬
‫"‪.‬ال أستطيع االنتظار يا أبي"‬
‫هللا وحده يعلم كم كان كريستوفر يود أن يكون حاضرًا في هذا الجدال بين األب واالبن‪ .‬أوه‪ ،‬كان سيدفع أي ثمن لرؤية ذلك‪ .‬لكن‬
‫‪.‬اللعنة‪ ،‬كان من المستحيل البقاء في الغرفة؛ من الواضح أنه كان وقحا‬
‫‪".‬قال كريستوفر‪" :‬يمكنني االنتظار في غرفة الرسم يا ديميرسي‬
‫كان دانيال هو الذي هز رأسه ردا على ذلك‪ .‬ما هو األخ الصغير جيدة! «ال يا سيد دافنبورت‪ ،‬ابق‪ .‬كنت سأأتي للتحدث معك في أي‬
‫‪.‬حال‬
‫أقل قليال جيدة‪" .‬أوه؟" قال بانزعاج غامض‪ .‬ذّك ر نفسه على الفور بعدم االرتياح السخيف‪ ،‬ألنه بالتأكيد لم يكن متأنًقا مثل دانيال‪،‬‬
‫‪.‬الذي قد تكون لديه شكوك حوله‬
‫نعم‪ ،‬أردت أن أعرف‪ ." . .‬قرأ دانييل شيًئ ا ما من قطعة من الورق كان يحملها في يده‪" .‬لقد اشتريت للتو الحقول من عائلة الظالل‪"،‬‬
‫"أليس كذلك؟‬
‫أود أن أقول أن هذا ليس من شأنك‪ .‬كان مثل هذا السؤال المباشر طائًش ا لم يتوقعه من هذا الطفل الكبير‪ .‬كان دانيال يستخدم دائًما‬
‫الكلمات بطريقة غير مجدية وملتوية‪ .‬أجاب بشكل قاطع‪" :‬سيكون والدك بالتأكيد قادًر ا على توضيح جميع تفاصيل العقد الذي‬
‫‪".‬وقعناه‬
‫ال أعتقد ذلك حتى"‪ ،‬قال ليوبولد غاضًبا بعض الشيء‪ ،‬كما لو أن دانييل قد أزعجه قلياًل ‪" .‬دافنبورت‪ ،‬تجاهله‪ :‬فهو بالتأكيد سيقسم "‬
‫روحك إلى قسمين بسبب شكوى أو أخرى‪ .‬يمكنك معرفة ذلك من التعبير على وجهه‪ .‬هل ترى؟ عندما يكون لديه هذه التجهم‪ ،‬فهذا‬
‫يعني أنه على وشك أن يبدأ في التذمر مثل امرأة صغيرة‪ .‬دانيال‪ ،‬ابتعد عن عيني‪ ." . .‬كان كريستوفر في حالة من السعادة بسبب‬
‫!هذه الكلمات ‪ -‬يا لها من نبرة االستياء الرائعة التي استخدمها ديميرسي الكبير مع ابنه‬
‫لم يتحرك دانيال‪ ،‬ويبدو أنه لم يتأذى من هذه الكلمات‪ .‬صرخ بغضب‪" :‬ال يمكنك بيع تلك األرض وأنت تعرف ذلك يا أبي"‪" .‬هذه‬
‫االتفاقية التي وقعتها مع الراحل مارتن شادوز تضمن ألرملته الحقوق القانونية الستخدامها وهي على قيد الحياة‪ ".‬مشى إلى‬

‫"‪.‬كريستوفر‪ ،‬يسلمه العقد‪" .‬أتصور أن والدي لم يخبرك بكل تفاصيل هذا األمر‪ . . .‬شأن‬
‫"‪.‬تجاهل كريستوفر الذراع الممدودة ألخيه غير الشقيق‪" .‬أنت مخطئ يا سيد ديميرسي‪ .‬وأنا على علم بذلك تماما‬
‫استقرت المفاجأة والغضب على وجه دانيال المشلول‪ .‬للحظات قليلة لم يتمكن من الكالم‪ ،‬وقد أصابه الذهول الشديد‪" .‬هل تعني أنك‬
‫""تعلم بالفعل أن هناك حقوق انتفاع لهذه األرض؟" سأل أخيرا‪ ،‬غير قادر على تصديق ذلك‪"" .‬األرملة وأوالدها‬
‫كان من األفضل توضيح الوضع‪ .‬وقال كريستوفر‪" :‬أقصد أن أقول إن العقد الذي تلوحون به مثل العلم به عيب"‪" .‬الشرط غير‬
‫صالح‪ .‬سأستفيد من تلك األرض على الفور كما أراه مناسًبا‪ .‬ابتسم بال مباالة‪" ،‬من الواضح أنني آسف لألرملة‪ ،‬لكن ال يمكنني فعل‬
‫"‪.‬أي شيء حيال ذلك‪ .‬سيكون عليها أن تذهب‬
‫ليس من السهل أن تهز عينيك‪ ،‬وتجعد جبينك‪ ،‬وتثني شفتيك وأنفك في نفس الوقت‪ ،‬لكن دانيال نجح بشكل جيد للغاية‪ .‬حتى أنه تمكن‬
‫‪.‬تماًما من إغالق نفسه في صمت غاضب‬
‫ضحك ليوبولد‪ .‬كان على كريستوفر أن يعترف بأن والده يفهم فن الضحك‪ .‬كان يعرف متى يستخدمه كسالح فتاك‪ ،‬ومتى يستخدمه‬
‫للتملق‪ ،‬ومتى يستخدمه لإلغواء‪ .‬كان قادرا على التكيف مع كل الفروق الدقيقة‪ .‬في هذه الحالة‪ ،‬كان السخرية واالشمئزاز والوهم‬
‫مترابطة في ضحكة ليوبولد‪ ،‬فضًال عن التسلية الحقيقية‪ .‬نعم‪ ،‬هذا ما جعله جيًد ا في ذلك‪ .‬لقد كان حًق ا يتمتع بالكثير من المرح في‬
‫‪.‬اإلذالل‪ .‬يعتقد كريستوفر أن الخط الدقيق الذي يفصل بين المحترف والفنان موجود هنا‬
‫ماذا أخبرتك يا دافنبورت؟" كانت لهجة ليوبولد استمراًر ا مثالًيا لضحكته‪" .‬ابني لديه قلب رقيق‪ .‬دانيال‪ ،‬لقد سمحت لك بالفعل "‬
‫‪.‬بالعيش في هذا المنزل‪ .‬ال تطلب مني أن أتحمل وجودك في مكتبي‬
‫‪.‬هذه الكلمات ضربت دانيال في صميمه‪ .‬ويشتبه كريستوفر في أن الرد الذي قدمه كان موجًها إليه وليس إلى والده‬
‫أجاب باقتضاب‪" :‬أنا ال أبقى في هذا المنزل من أجلك‪ ،‬وأنت تعرف ذلك"‪" .‬ولن أسمح لك بارتكاب هذا الظلم يا أبي‪ .‬كان مارتن‬
‫شادوز صديًقا جيًد ا لي‪ ،‬بل كان أيًض ا صديقك العزيز‪ ،‬يا إلهي! كيف يمكن أن تتصرف مثل هذا؟ وأنت يا سيد دافنبورت‪ ." . .‬التفت‬
‫"‪-‬نحوه‪" .‬من غير الممكن أال تتأثر بحالة هذه األرملة و‬
‫لماذا ال تدعمهم بنفسك يا دانيال؟" قاطع ليوبولد‪" .‬بأموالك بالطبع‪ .‬أيًض ا‪ ،‬بهذا المعدل‪ ،‬لن يدوم األمر طوياًل ‪ ،‬كما ترى"‬

‫كما تعطي لكل فقير يسألك‪ .‬هل ستأتي متسوًال مني إذن؟‬
‫»‪.‬أنا ال أريد أموالك‪ ،‬وأنت تعرف ذلك‪ .‬أريد أًبا قادًر ا على التصرف بطريقة الئقة لمرة واحدة فقط"‬
‫هذا عدم احترام لك يا بني‪ ".‬لم يكن هناك غضب في صوت ليوبولد‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬يبدو أن كلمات ابنه قد أسعدته عملًيا اآلن‪" .‬اآلن "‬
‫اخرج‪ ،‬وإال سأخذ حزامي وأجعلك تصر مثل الفأر‪ ،‬تماًما كما كنت طفًال‪ .‬وسوف تصرخ أكثر مما كنت تفعل حينها‪ ،‬ألنك تصبح‬
‫‪.‬أكثر ليونة مع مرور كل يوم‬
‫لم يعره دانيال أي اهتمام وألقى على كريستوفر نظرة تبشر بالقتال‪ .‬لم يرف له جفن‪ .‬حذره أيها األمير الصغير‪ ،‬لقد حذره بصمت‪.‬‬
‫‪.‬أنت ال تريد أن تتحدىني‪ .‬سوف تجعد مالبسك‬
‫‪".‬قال دانييل‪" :‬ال آمل الكثير من والدي‪ ،‬لكنني أطلب منك توضيًح ا يا سيد دافنبورت‬
‫ووجهك يا دانيال‪ .‬سوف تتجعد وجهك كذلك‪" .‬أوه حًق ا ‪ . . .‬أنت "الطلب"‪ . . .‬؟" واجه مشاكل في احتواء غضبه‪ ،‬فصمت لبضع‬
‫لحظات قبل أن يتابع‪ .‬قال أخيًر ا‪" :‬ال ينبغي لي أن أجيبك يا سيد ديميرسي‪ ،‬لكنني سأفعل ذلك من منطلق االحترام الذي أكنه لوالدك‪.‬‬
‫العمل هو العمل‪ ،‬وعندما يكون لديك مسؤولياتك الخاصة‪ ،‬إذا قمت بذلك‪ ،‬فسوف تفهم ما يعنيه ذلك‪ .‬من يدري أي نوع من الحشرة‬
‫رآها دانييل عندما نظر إلى أخيه غير الشقيق‪ ،‬كان قبيًح ا جًد ا وسوداء جًد ا‪ ،‬إذا حكمنا من خالل الغثيان على وجهه‪ .‬كان كريستوفر‬
‫يود أن يتجاهل ذلك‪ ،‬أو على األقل يجده مسلًيا‪ ،‬لكنه أدرك أن هناك خطًر ا حقيقًيا في السماح لنفسه باالنجراف إلى الغضب‪ .‬قال‬
‫"‪.‬بسرعة لوالده‪" :‬اآلن سأغادر يا ديميرسي"‪" .‬سأتركك وحدك إلنهاء هذه المحادثة‪ .‬يمكننا تأجيله حتى الغد‬
‫ال‪ ،‬ابق"‪ ،‬دعاه ليوبولد‪" .‬وأنت يا دانيال‪ ،‬افعل ما يحلو لك‪ .‬ساعد تلك المرأة‪ ،‬وادعم أطفالها‪ ،‬وتخلص من أموالك‪ .‬ربما ستسمح لك "‬
‫"‪.‬بالحصول عليها‪ ،‬شكًر ا لك‪ ،‬وهللا وحده يعلم مدى حاجتك لذلك‪ .‬اآلن اخرج قبل أن أطردك‬
‫ابتسم كريستوفر بإحكام‪" .‬ال تكن صارًما جًد ا مع ابنك يا سيدي" حثه بتنازل‪ .‬ثم‪ ،‬عندما علم أنه ال ينبغي له أن يفعل ذلك — مجبًر ا‬
‫نفسه على عدم القيام بذلك — التفت نحو دانيال وخاطبه مباشرة‪ .‬كان يعتقد أنه سيذهب إلى الجحيم‪ .‬يحتاج هذا المهرج الالمع إلى‬
‫‪".‬نصيحتين حًق ا‪ .‬وقال‪" :‬أنا متأكد من أنك ستحصل قريبًا على ضمير متسخ عندما يحين دورك التخاذ القرارات يا سيد ديميرسي‬

‫ضاق األخ الصغير عينيه ولم يتراجع‪" .‬السيد‪ .‬أجاب بجفاف‪" :‬دافنبورت‪ ،‬أفضل أن أغوص برأسي في األرض من ارتفاع مائة قدم‬
‫»‪.‬بدًال من أن أصبح مثلك‪ .‬قال وهو يرفع ذقنه‪« :‬وأنا متأكد من أن زوجتك ال تعلم كيف تدير عملك‬
‫شعر كريستوفر بشعور مزعج يغلي في رقبته ورأسه‪" .‬هذا ليس عمًال للنساء‪ ،‬أال تعتقدين ذلك؟" سأله‪ .‬بدا صوته عصبيا بشكل‬
‫"‪.‬خاص‪" .‬يجب على رجل مثلك أن يعرف ما هو مناسب وما ال يناسب آذان النساء‬
‫قال ليوبولد ساخًر ا‪" :‬كنت سأقسم أنك ستذكر اسم تلك الفتاة‪ ،‬عاجاًل أم آجاًل ‪ ،‬دانيال"‪" .‬أنت يمكن التنبؤ به للغاية‪ .‬وأنت يا دافينبورت‪،‬‬
‫اعذره‪ :‬ابني يهاجمك ألن زوجتك كسرت قلبه‪ .‬حلت لحظة صمت بينما كان ليوبولد يراقب كريستوفر بعناية‪ .‬واختتم كالمه قائًال‪" :‬ال‬
‫‪،".‬يبدو أنك مندهش أيها الشاب"‪" .‬أعتقد أنك تعلم بالفعل أن ابني كان مخطوًبا لزوجتك لفترة قصيرة‪ ،‬ربما تكون عابرة‬
‫أعطى كريستوفر إيماءة مقتضبة‪" .‬كما قلت لك يا سيدي‪ ،‬أنا ال أوقع عقًد ا أبًد ا دون معرفة كل التفاصيل"‪ .‬ابتسم لدانيال بسخرية مع‬
‫رغبة شديدة في إيذائه‪ .‬إن وجود دانيال أمامه شخصًيا عندما كان يراه كل يوم في عيون زوجته كان أمًر ا مبالًغ ا فيه حًق ا‪" .‬أنا آسف‬
‫"‪.‬جًد ا لقلبك المريض يا سيد ديميرسي‬
‫هز دانييل رأسه‪ ،‬وعاد تكشيرة شفتيه ‪ -‬االشمئزاز ‪ -‬إلى وجهه‪" .‬أنا آسف أيًض ا‪ ،‬ولكن لزوجتك يا سيد دافنبورت‪ ".‬لم يبدو محرجا‪.‬‬
‫"‪.‬لقد شهد الحوار بين ليوبولد وكريستوفر دون أن يظهر أي انفعال‪" .‬آنا تستحق األفضل‬
‫شعر كريستوفر بالدم يقصف صدغيه‪ .‬كان يعلم أنه ذهب بعيدًا جدًا‪ ،‬ولكن العودة إلى الوراء اآلن كان مستحيًال‪" .‬واألفضل‪ ،‬كما‬
‫"‪.‬أتخيل‪ ،‬سيكون أنت‬
‫أجابه أخوه غير الشقيق‪ ،‬وقد خرج صوته متقطًع ا من حنجرته‪" :‬أي شخص‪ ،‬سيكون أي شخص أفضل منك‪ .‬كم مضى على‬
‫زواجك؟ عشرة أيام؟" انفجر‪ ،‬ولم يعد قادرا على كبح جماح نفسه‪" .‬ولقد خنتها بالفعل‪ ،‬في سبيل هللا! هل تعتقد أنها ال تعرف األماكن‬
‫" التي ترتادها؟" أعطى والده نظرة اشمئزاز‪" .‬أنت تهينها بوحشية يا سيد دافنبورت‪ .‬أليس لديك حتى القليل من االحترام لها؟‬
‫وال ينبغي له أن يهشم وجه أخيه‪ .‬ال ينبغي له ذلك‪ .‬ليس هنا‪ ،‬وخاصة أمام والده الذي كان يراقب بابتسامة سعيدة‪" .‬ديمرسي‪ ،‬أنا‬
‫أحذرك"‪ ،‬قال بجدية‪ ،‬حيث وجد صعوبة في فتحه‬

‫‪".‬قال بفكيه المطبقين‪" :‬ال تذكر زوجتي بعد اآلن‪ ،‬وإال سأجعلك تندم على ذلك‬
‫بدا أن المنطق السليم يراوغ دانيال في تلك اللحظة‪ .‬وقال وهو يرفع صوته متهمًا‪« :‬ال أعرف كيف تمكنت من إقناعها بالزواج منك‪،‬‬
‫لكنك خدعتها‪ ،‬هذا أكيد»‪" .‬لو عرفت أي نوع من الرجال أنت‪ ،‬لهربت منك آالف األميال‪ .‬ربما تكون قد فهمت بالفعل ‪ -‬إنها تخاف‬
‫!كلما اقتربت منها‪ ،‬ومن الواضح أنك ال تجعلها سعيدة يا دافنبورت‬
‫)األمر واضح يا كريستوفر‪ .‬أو ربما كنت تعتقد أنها سعيدة معك؟(‬
‫ال تكن سخيفًا"‪ ،‬أجاب كريستوفر وهو يقبض قبضتيه‪ .‬ومما زاد الطين بلة أنه كان على يقين من أنه سيستخدم قبضتيه قريًبا جًد ا‪" .‬‬
‫"إنها زوجتي ولن تتركني‪ .‬بالتأكيد لن تكون معك أبًد ا‪ ،‬إذا كان هذا ما تأمله‪ .‬ضحك لكنه لم يكن يستمتع‪ .‬كان هذا بالتأكيد أبعد ما‬
‫"يمكن أن يتخيله عن المتعة‪" .‬كم كانت مدة خطوبتك؟ يوم؟‬
‫حتى ليوبولد انفجر ضاحًك ا‪ ،‬وبدا األمر حقيقًيا هذه المرة‪ .‬بعد كل شيء‪ ،‬كان لديه كل األسباب للضحك‪" .‬أوه‪ ،‬حتى أقل من ذلك يا‬
‫دافنبورت"‪ ،‬أشار ليوبولد‪" .‬فقط ست ساعات فقط‪ ،‬أم أنني مخطئ يا دانيال؟ خطوبة استمرت فقط من الصباح حتى الليل‪ .‬أنت‬
‫»‪.‬تعرف حًق ا كيف تسحر النساء يا بني‬
‫‪.‬قال كريستوفر لنفسه‪ :‬لقد استمر يوًما كامًال‪ .‬وزوجتي تجده أكثر جاذبية مني بكثير‪ ،‬أؤكد لك‬
‫فقال له أبوه‪« :‬احذر يا دانيال»‪" .‬السيد‪ .‬سوف يقوم دافنبورت بتمزيقك إلى أجزاء صغيرة إذا واصلت استفزازه‪ .‬لم تكن جيًد ا أبًد ا‬
‫"‪.‬في الدفاع عن نفسك‬
‫يبدو أن دانيال لم يسمعه‪ .‬بدًال من ذلك‪ ،‬حدق في كريستوفر‪ ،‬وعيناه الخضراء مشتعلتان باالزدراء‪" .‬آنا نقية جًد ا بحيث ال يمكنها أن‬
‫!تحب رجًال مثلك‪ .‬بطريقة ما كنت قد خدعتها‪ .‬لقد شككت في ذلك بالفعل‪ ،‬لكنني اآلن متأكد من ذلك يا دافنبورت‬
‫"!زمجر كريستوفر‪" :‬لقد أخبرتك ذات مرة‪ ،‬ال تذكر زوجتي‬
‫"!دانيال"‬
‫صوت خائف قادم من المدخل جعلهم جميًع ا يستديرون فجأة‪ .‬كانت السيدة إليانور في القاعة‪ ،‬فنظرت إليهم بصدمة‪ .‬كان فستانها معلًقا‬
‫عليها مثل الجلد المترهل‪" .‬دانيال‪ ،‬ماذا يحدث؟" سألت في أ‬

‫‪. . ".‬صوت خافت‪ .‬كانت شاحبة‪ ،‬وشعرها منسدل‪ ،‬وكأنها مهملة‪" .‬كان هناك صراخ‬
‫"‪-‬بدا دانيال فجأة وكأنه ينكمش‪" .‬أمي‪ ،‬أنا‬
‫"!ماذا بحق الجحيم تعتقد أنك تفعل هنا؟" قال ليوبولد‪" .‬اذهبوا إلى غرفكم"‬
‫‪ ." . ".‬لكن الصراخ"‬
‫هذا هو ابنك‪ ،‬الذي يصرخ مثل أنثى في الحرارة‪ .‬لماذا ال تعيره فستانك يا إليانور؟ سيبدو بالتأكيد أفضل عليه منك‪ .‬اآلن إغرب عن"‬
‫"!نظري‪ .‬اآلن‬
‫أبي‪ ،‬احترم زوجتك"‪ ،‬قال دانييل وقد أصبح هادًئ ا فجأة‪ .‬أكد لها بهدوء‪" :‬ال بأس يا أمي"‪" .‬لقد كان مجرد سوء تفاهم ودي بيني "‬
‫"‪.‬وبين هذا السيد‬
‫لم تبدو السيدة إليانور مطمئنة‪ ،‬كما أن جفونها نصف المغلقة بجانب األكياس تحت عينيها أبرزت مظهرها السيئ‪" .‬هل ستأتي معي‬
‫"‪.‬إذن يا دانيال؟" توسلت إليه‪" .‬لو سمحت‬
‫يا لها من امرأة أشعث‪ ،‬فكر كريستوفر وهو ينظر إليها ببرود من أعلى إلى أسفل‪ .‬لقد أرادت الزواج من ليوبولد‪ ،‬وهي اآلن ليست‬
‫‪.‬أكثر من ممسحة أرضية‪ .‬وهو يناسبها أفضل من هذا الفستان الشهير‬
‫"‪.‬أجاب دانييل وهو ينظر إلى كريستوفر‪" :‬حسًن ا يا أمي"‪" .‬سيتعين علينا مناقشة هذا مرة أخرى‪ ،‬دافنبورت‬
‫"‪.‬االعتماد عليه"‬
‫‪.‬استدار دانيال ليذهب إلى السيدة إليانور عند المدخل‪" .‬يأتي‪ ".‬أخذ ذراعها بلطف ومشى معها‬
‫هز ليوبولد رأسه‪" .‬يا له من مشهد جميل‪ ،‬إيه‪ ،‬دافنبورت؟ أنا ال أفهم من الذي يتبعه ابني هذا‪ .‬ولوال أن زوجتي كانت دائمًا قبيحة‬
‫كالحصان‪ ،‬لقلت إنه من رجل آخر‪ .‬لكنني وجدت صعوبة في ممارسة الجنس معها لكي أنجب ابني البكر‪ ،‬وكان علي أن أفعل ذلك‪،‬‬
‫‪”.‬يا للجحيم! وأتساءل من يستطيع أن يفعل ذلك طوعا‬
‫وقال كريستوفر وهو يقلل من شأن الموقف‪" :‬إنه ليس مصدر إزعاج"‪" .‬أرجو أن تعذروني على المبالغة في رد الفعل‪ .‬كل ما في‬
‫‪.‬األمر أنني معتاد على الدفاع عن أشيائي‬
‫قال‪" :‬هذا يظهر أنك رجل ذو خصيتين"‪ ،‬وربت على ظهره‪ .‬ثم ابتسم له والده مثل االبن الذي طالما أراده ‪ -‬والذي كان مضحًك ا‬
‫‪.‬على أية حال ‪ -‬وفي وقت آخر كان كريستوفر سيقدر هذه المفارقة‪ .‬لكن منع ذلك كان بمثابة صوت مزعج في رأسه‬
‫‪.‬آنا غير سعيدة معك‪ ،‬دافينبورت‬

‫‪.‬لكنها لي‪ ،‬دانيال‪ .‬إنها ملكي‪ ،‬وليس هناك ما يمكنك فعله حيال ذلك‬
‫‪.‬لكنها لم تكن لكريستوفر‪ ،‬وكان يعرف ذلك‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪27‬‬
‫أوه ال! لماذا الصراخ ضد األهواء؟ أليست هي الشيء الجميل الوحيد على وجه األرض‪ ،‬ومصدر البطولة والحماس‪ ،‬والشعر‪،‬‬
‫والموسيقى‪ ،‬والفنون‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ ،‬مصدر كل شيء؟‬
‫غوستاف فلوبير‪-‬‬
‫"‪.‬هنا يأتي هذا الرجل األنيق‪ ،‬آنا"‬
‫نظرت إلى أعلى من عجينة المعجنات التي كانت تعجنها‬
‫بقوة‪" .‬أي رجل أنيق يا أنتوني؟" مسحت العجينة الطحينية من يديها على مئزرها وشخرت‪ .‬الزيارة بعد ظهر هذا اليوم لم تكن‬
‫مرحب بها؛ كانت تصنع الخبز وكان عليها االنتهاء قبل أن يعود زوجها إلى المنزل ويبدأ في التذمر‪ .‬ذهبت إلى النافذة ورأت دانيال‪.‬‬
‫"‪".‬اذهب ودعه يدخل‪ ،‬أليس كذلك يا أنتوني؟ أحضروه إلى هنا‬
‫‪.‬أجاب شقيقها‪" :‬أرسل دينيس"‪" .‬أو اتركه بالخارج‪ .‬هذا ما تفعله دائًما مع كريستوفر‬
‫"هذا ليس صحيحا‪ "،‬كذبت‪ .‬لم يبدو أنطوني مقتنًع ا‪ ،‬واستسلمت آنا‪" .‬دينيس هل ستذهب‪ . . .‬؟"‬
‫‪.‬انخرط الطفل في معركة شرسة بالوسائد‪ ،‬وأعلن هدنة وركض إلى الباب‬
‫"جلست جريس على طاولة المطبخ ونظرت إلى أعلى من الرسم الذي كانت ترسمه‪" .‬هل يمكنني رسم صورته يا آنا؟‬
‫"‪.‬بالطبع‪ ".‬من المؤكد أن دانيال لم يسبق له أن رأى صورة مثل تلك التي رسمتها أختها‪" .‬سوف يجعله سعيدا"‬
‫‪.‬وسرعان ما أعقبت خطوات أخيها السريعة خطوات دانيال األبطأ التي يتردد صداها في الممرات‬

‫‪".‬قابلته آنا عند المدخل‪ .‬قالت‪" :‬دانيال‪ ،‬يا لها من متعة رؤيتك‬
‫قبلها دانيال على يدها بلطف‪ .‬لقد سحرتها عندما نظرت إليه‪ .‬وكان من الواضح أن السماء أشرقت أكثر إشراقا بالنسبة للبعض من‬
‫اآلخرين‪ .‬في ذلك اليوم‪ ،‬كان خطيبها السابق وسيًما جًد ا‪ :‬كانت مالبسه تبرز شعره البني‪ ،‬الذي أضاءته الشمس أكثر؛ كان وجهه‬
‫المتناسق مدبوًغ ا بعض الشيء‪ .‬وبدا لها أن جسده أكثر عضاًل مما كان عليه في المرة األخيرة التي رأته فيها‪ .‬فقط عيناه بدت باهتة‪،‬‬
‫‪.‬وخافتة‪ ،‬واالبتسامة على وجهه كانت قسرية‬
‫"آنا"‪ ،‬استقبلها بأدب‪" .‬هل اضايقك؟"‬
‫"‪.‬ال يوجد أي إزعاج‪ ،‬أنت تعرف هذا"‬
‫من الزاوية المقابلة للغرفة‪ ،‬حيث تم ترتيب الكراسي‬
‫‪. . ".‬صاح دينيس قائًال‪" :‬إنشاء حصنين مختلفين‪ ،‬لكن هذا ليس عدًال! آنا! أنتوني‬
‫صه‪ ،‬األطفال‪ "،‬وبخت‪" ،‬لدينا ضيف‪ .‬أنتوني‪ ،‬ال تزعج أخيك‪ .‬من علمك التصرف بهذه الطريقة غير المهذبة؟" لكنها كانت تعلم "‬
‫"‪.‬ذلك جيًد ا‪ ،‬لسوء الحظ‪" .‬العب بنزاهة‪ ،‬وإال سأجعلك تتوقف على الفور‬
‫‪.‬هز أنتوني كتفيه وألقى وسادة على دينيس بينما لم يكن ينظر‬
‫قالت آنا وهي تتنهد مستسلمة وهي تتخلى عن توبيخ شقيقها مرة أخرى‪" :‬معذرة يا دانييل‪ ،‬إذا كنت أقوم بعمل فظيع في الترحيب‬
‫"بك"‪" .‬لكنني متأكد من أنك ال تمانع‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫"‪.‬ال على اإلطالق يا آنا‪ .‬من فضلك واصل ما كنت تفعله"‬
‫لقد وضعت الغالية على الشاي‪" .‬أنتوني‪ ،‬عندما يصبح الماء جاهًز ا‪ ،‬األمر متروك لك لملء األكواب‪ .‬نورا خارجة‪ ،‬وفيكتوريا تقرأ‬
‫‪.‬ألبيها‬
‫"‪.‬عادت إلى الطاولة وبدأت في العجن مرة أخرى‪ .‬قالت‪" :‬دانيال‪ ،‬اجعل نفسك في بيتك"‪" .‬خذ الكرسي واجلس بجانبي‬
‫سأقف بجانبك إذا لم يكن لديك مانع‪ ".‬اختفت نظرة االضطراب إلى حد ما من وجهه‪ ،‬ونظر إليها بطريقة جعلتها تندم على عدم "‬
‫‪.‬الترحيب به بشكل أكثر رسمية‬
‫"هل هناك سبب محدد لوجودك هنا يا دانيال؟"‬
‫"لماذا نعم‪ ".‬أصبح جدًيا للغاية واقترب منها ليتحدث بصوت منخفض‪" .‬هل يمكنك إرسال إخوتك إلى غرفة أخرى؟"‬
‫"لماذا‪ ،‬لماذا؟ أجابت بسرعة‪" :‬سأحاول"‪" .‬دينيس‪ ،‬جريس‪ ،‬أنتوني‪ ،‬لماذا ال تذهبوا للعثور على فيكتوريا وأبي؟‬
‫‪.‬أنا أرسم صورة الرجل المحترم!" ‪ -‬صاحت غريس بسخط"‬

‫"يمكنك االنتهاء في وقت الحق‪ .‬قد تحتاج فيكتوريا إلى مساعدة في قراءة هذا الكتاب الكبير بنفسها‪ .‬هل تريد مساعدتها يا أنتوني؟"‬
‫نظر إليها شقيقها ثم إلى دانيال‪ .‬لن يتحرك من هذا المكان‪ ،‬فكرت آنا بحزن‪ .‬سوف يدافع عن أراضي كريستوفر‪ .‬آه‪ ،‬األخ الصغير‪،‬‬
‫‪. . .‬إذا فقط‬
‫"‪.‬أجاب أنتوني‪" :‬حسًن ا"‪ .‬لقد نسيت آنا دائًما مدى صعوبة التنبؤ بتصرفات ذلك الطفل‪" .‬دعنا نذهب‪ .‬هيا يا دينيس‬
‫"‪.‬ال‪ ،‬أنا باق هنا‪ ".‬بدا صوته الصغير حاقًد ا من خلف كومة الكراسي‪" .‬أريد بسكويت"‬
‫‪.‬تحول أنتوني نحو آنا وهز كتفيه‬
‫‪.‬تنهدت آنا‪" :‬لن يكون األمر سهًال"‪" .‬تعال‪ .‬قطعتان من البسكويت إذا غادرت اآلن‬
‫وبعد بعض التردد تراجعت صفوف المعارضة‪ .‬كان دينيس أول من استسلم‪ ،‬وحذت جريس حذوه‪ .‬وحمل كل منهم قطعتين من‬
‫‪.‬البسكويت في أيديهم‪ ،‬وغادروا دون مزيد من االحتجاجات‬
‫"قالت آنا وهي تبتسم‪" :‬البسكويت يصنع المعجزات يا دانييل"‪" .‬أليس لديك واحدة؟‬
‫"أجاب‪" :‬بكل سرور"‪ .‬ولم يترك جانبها أبًد ا‪ ،‬حتى بعد رحيل األطفال‪ .‬أدار ظهره للطاولة واتكأ عليها وواجهها‪" .‬هل جعلها نفسك؟‬
‫أوه‪ ،‬ال‪ .‬البسكويت في هذا المنزل ال يمكن صنعه إال بواسطة نورا‪ .‬ذات مرة حاولت أن أصنعها بدًال منها‪ ،‬ووجدت ضفدعتين في "‬
‫سريري‪ .‬لقد كان تمرًد ا عاًم ا‪ ،‬أنت‪ ." . .‬نظرت آنا من العجين واحمر خجال‪ .‬حتى أنها نسيت إنهاء الجملة ألنها الحظت الطريقة‬
‫"‪.‬التي نظر بها إليها‪ .‬كريمة‪ ،‬هل من الممكن أنه لم ينساها بعد؟ "لقد قلت أنه يجب عليك التحدث معي يا دانيال‬
‫كان تعبيره يعكس قلًق ا بالًغ ا‪ ،‬ولكن ليس القلق عليها‪ ،‬بل عليها‪" .‬بالفعل‪ ".‬أخذ نفسا عميقا‪" .‬آنا‪ ،‬ال أرغب في أن أكون طائًش ا‪." . .‬‬
‫" ‪.‬خدش رأسه بالتنهد‪" .‬ولكن ماذا أقول؟ بالطبع سيبدو هذا طائًش ا‪ .‬الحقيقة انه ‪ . . .‬آنا‪ ،‬يجب أن أعلمك بالتأكيد مسألة تتعلق بزوجك‬
‫قفز قلبها‪ ،‬وارتعشت يداها في العجين‪ .‬كريستوفر؟ ماذا فعل كريستوفر؟ ولماذا ينظر إلّي دانيال بهذه الجدية؟‬
‫)حادثة في العشب يا آنا؟ حادثة أخرى في العشب؟ لماذا سمحت بحدوث هذا؟(‬
‫‪ . . .‬ال! أعلم‪ ،‬أنا متأكد من ذلك! أنا متأكد من ذلك! يا إلهي ‪ . . .‬لطفا يا رب‬
‫أخبرني يا دانيال‪ .‬هل فعل شيئا ‪ . . .‬شيء لم يكن ‪ . . .‬الذي ‪ -‬التي"‬

‫"لم يكن صحيحا؟‬


‫أوه‪ ،‬كريستوفر‪ ،‬كريستوفر‪ .‬وما زالت لم تفهم زوجها‬
‫ولم يكن لديه طريقة لمعرفة ما يمكن توقعه منه‪ .‬في بعض األحيان بدا وكأنه إنسان تقريًبا ‪ -‬على سبيل المثال‪ ،‬عندما كان يتحدث مع‬
‫‪. . .‬ماثيو أو أنتوني‬
‫)وللحظة كان هناك شيء يلمع في عينيه‪ ،‬أليس كذلك؟(‬
‫ولكن بعد ذلك أصبح بعيًد ا وال يمكن فهمه‪ .‬هل كان هناك ظالم وظالم فقط بداخله؟ أم كان هناك شيء مدفون حًيا يطل من ‪. . .‬‬
‫األسفل؟ كان هناك ألف سؤال ولكن ليس هناك إجابة واحدة‪ .‬كانت متأكدة من شيء واحد فقط‪ ،‬وهو الكراهية التي كانت تشعر بها‬
‫‪.‬تجاهه‪ .‬لقد كانت كراهية غذتها وغذتها ونمت؛ لقد كانت كراهية لم ترغب أبًد ا في إطفائها أو نسيانها‬
‫"هل تعرفين أي شيء عن شؤون العمل التي يتعامل معها زوجك؟"‬
‫شؤون العمل؟" أطلقت تنهيدة ارتياح كبيرة بعد أن أوقفتها ذكرياتها ومخاوفها عن التنفس‪" .‬إنها مسألة تجارية تريد التحدث معي "‬
‫"عنها يا دانيال؟‬
‫أخبرتها النظرة المتوترة على وجهه أنه ليس هناك ما يدعو إلى السعادة‪" .‬آنا‪ ،‬من الممكن أال يكون زوجك سعيًد ا برؤيتي هنا عندما‬
‫"‪.‬يعود إلى المنزل اليوم‪ .‬منذ فترة قصيرة‪ ،‬كان بيننا – كيف يمكنني أن أقول ذلك؟ – خالف‪ . . .‬في منزل والدي‬
‫لقد أجريت مناقشة حول األعمال‪ ،‬كما تقول؟" لقد شكلت رغيًف ا وبدأت في صنع رغيف آخر‪ .‬كانت تحب صنع الخبز‪ .‬لقد كان "‬
‫مريًح ا للغاية‪ .‬أراد كريستوفر أن يسلبها حتى تلك المتعة‪ .‬أراد أن يأخذ منها كل شيء‪" .‬ال شيء ال يمكن التغلب عليه‪ ،‬آمل‪ .‬على أية‬
‫"‪...‬حال‪ ،‬لن يعود قبل بضع ساعات‪ ،‬لذا إذا كنت ترغب في مناقشة‬
‫"‪.‬آنا‪ "،‬تمتم بالحرج‪" .‬لم تكن مناقشة بسيطة‪ .‬أود أن أقول إن األمر كان أكثر من حجة‪ .‬بسبب األعمال ‪ . . .‬و بالنسبة لك"‬
‫‪. . ".‬نسيت آنا الخبز‪" .‬إلي؟ كيف؟ ‪ . . .‬لماذا؟ لم يكن عليك أن تخبره‬
‫ظهرت خطوط أفقية على جبين دانييل‪ ،‬وقد تجعد بعمق في دهشة‪" :‬لم تكن هناك حاجة إلخباره بأي شيء يا آنا‪ .‬كان زوجك على‬
‫"‪.‬علم بالفعل بأمرنا‪ ." . .‬توقف مؤقًت ا‪ ،‬باحًث ا عن الكلمة الصحيحة‪ ،‬والنقش الصحيح‪" .‬فماذا نسميها؟ ‪ . . .‬صباحنا الجنون‬

‫ماذا تقول؟" هل عرف كريستوفر عنها وعن دانيال؟ ولكن متى وكيف؟ "ال يوجد لدي فكرة! ولم يذكر لي كلمة قط‪ .‬أتظن أنه عرف"‬
‫»ذلك من أبيك دانيال؟‬
‫" ‪.‬ال أعتقد ذلك‪ .‬يبدو أن اليوم هي المرة األولى التي يطرح فيها هذا الموضوع بالنسبة لهم"‬
‫‪.‬حًق ا؟ هذا غريب‪ .‬قلت له شيئا‪ ،‬وأنا ال أعرف‪ . . .‬أوه‪ ،‬الماء يغلي‪ .‬ماذا يجب أن تفكر بي! اعذرني‪ .‬أنا حقا مضيفة مخزية"‬
‫أجاب دانييل‪" :‬ليست كلمة "مخزية" هي الكلمة التي كنت سأستخدمها"‪ .‬وكانت االبتسامة التي قدمها لها هي كل ما يلزم لتوضيح‬
‫‪.‬رأيه فيها‬
‫شعرت بدفء وجهها وقالت بسرعة‪" :‬على أية حال‪ ،‬إذا لم يسألني كريستوفر عن أي شيء‪ . . .‬عن ذلك الصباح‪ ." . .‬توقفت ألن‬
‫الموضوع لألسف لم يساعد وجهها على استعادة لونه الطبيعي‪ .‬واختتمت كالمها بعد لحظات قليلة‪" :‬هذا يعني أن الموضوع ليس له‬
‫أي أهمية بالنسبة له"‪ .‬وإال لكان قد أخبرني بذلك بالتأكيد بألفي كلمة عديمة الفائدة ومتغطرسة ونظرته القاتمة تلك‪ .‬شاهدت دانيال‬
‫وهو يصب الشاي في األكواب وألقت باللوم عليه بصمت‪ .‬كانت تعرف أن هذا غير عادل‪ ،‬لكنها لم تستطع منعه‪ .‬اعتقدت أنه خطأك‬
‫أيًض ا يا دانيال‪ .‬لو لم أذهب في ذلك اليوم للتفكير في تلك الحديقة‪ . . .‬تنهدت وحاولت إبعاد تلك الذكرى‪ ،‬رغم أنها ما زالت تطاردها‬
‫بعد مرور شهر‪ .‬كانت هناك بضع ساعات هنا وهناك‪ ،‬رغم ذلك‪ ،‬تمكنت فيها من عدم التفكير في األمر‪ .‬عادت إلى عمل الخبز‬
‫‪.‬لتتحكم في توترها‪ ،‬تضغط عليه‪ ،‬تكسره‪ ،‬تشوهه بالقوة‬
‫"‪.‬عاد دانيال إليها ومعه الشاي‪ .‬أجاب بأدب‪" :‬ال‪ ،‬أنا ال أفكر في األمر مثلك يا آنا"‪" .‬في الواقع‪ ،‬أعتقد أن زوجك غيور للغاية‬
‫"‪.‬من يا كريستوفر؟" نظرت آنا لألعلى فجأة‪" .‬ال بد من انك تمزح"‬
‫كان النفس الذي استنشقه دانييل عميًقا وثقياًل للغاية لدرجة أنه بدا وكأنه يسحب كل الهواء من الغرفة‪ .‬ومع ذلك لم يكن ذلك كافًيا‬
‫‪.‬بالنسبة له‪ ،‬فاحتفظ بالهواء في رئتيه لبضع لحظات‬
‫"قال بتردد‪" :‬آنا‪ ،‬اعذريني على وقاحتي‪ ،‬لكن يجب أن أسألك هذا"‪" .‬ال يبدو لي أنك سعيد‪ .‬هل انا مخطئ؟‬
‫"‪-‬دانيال"‬
‫قال لها وهو يقاطعها‪" :‬آنا‪ ،‬زوجك يتصرف بتصرفات تقلقني"‪" .‬يجب أن أكون صريًح ا معك‪ ،‬حتى لو كان هذا من شأنه أن يعرض‬
‫صداقتنا للخطر‪ ،‬لكن هذا واجبي‪ ،‬و‪ ." . ...‬ولم يكمل الجملة‪" .‬يأخذ‬

‫وتابع‪" :‬الصفقة التجارية التي أنهىها للتو مع والدي"‪" .‬سوف يطرد األرملة من بيتها مع طفليها‪ ،‬وليس لديه سبب مالي للقيام بذلك‪،‬‬
‫‪".‬ألنه ال يحركه اليأس‬
‫هذا غير ممكن!" صاحت آنا‪ .‬وضعت العجينة جانبًا ومسحت يديها بسرعة بمئزرها‪ ،‬وامتزج غضبها بالدهشة السخيفة‪ .‬نفس "‬
‫الدهشة السخيفة التي ال تنتهي أبًد ا‪ ،‬اللعنة! يا إلهي‪ ،‬متى ستعترف بأن روح كريستوفر كانت سوداء بالكامل؟ "زوجي سيفعل هذا‪،‬‬
‫"‪ -‬هل أنت متأكدة؟ هل يعلم ماثيو؟ يجب أن نشرك ماثيو‪ .‬بالتأكيد سوف‬
‫"آنا‪ ،‬هل تتحدثين مع ماثيو دافنبورت لتجعلي زوجك يستمع إليك؟"‬
‫‪.‬اللعنة‪ ،‬لقد تحدثت دون تفكير‪ .‬نظرت بعيًد ا وهي تلتقط الخبز مرة أخرى‬
‫لكن دانيال استمر في التحديق بها وقراءتها‪ .‬تمتم قائًال ‪" :‬آنا‪ ،‬يبدو لي ذلك‪ . . ."...‬يبدو لي أن زوجك ال يعاملك ‪ . . .‬ال يعاملك ‪. . .‬‬
‫"‪.‬بشكل صحيح‪ .‬إنه يذكرني بوالدي في بعض األحيان‬
‫"ليس صحيح؟"‬
‫لم يكن كريستوفر حنوًن ا في األماكن العامة‪ ،‬بالطبع‪ ،‬لكن آداب السلوك لم تسمح له بالمزيد من العروض العامة حتى لو أراد ذلك ‪-‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬لم يسيء معاملتها بطرق واضحة‪ .‬تساءلت بال مباالة عما إذا كان دانيال يشير إلى السيدة إدواردز‪ .‬هل كان غاضًبا‬
‫‪.‬ألن كريستوفر كان يخونها؟ لم يكن لديها الشجاعة لطرح السؤال وبقيت صامتة‬
‫"قال دانييل‪" :‬في بعض األحيان يبدو لي أنك خائف منه"‪" .‬هل انا مخطئ؟‬
‫لقد ذهلت آنا‪" .‬خائف منه‪ . . .‬؟" أوه‪ ،‬قد تقول ذلك بهذه الطريقة إذا كنت تريد استخدام تعبير ملطف‪ .‬ولكن يا إلهي‪ ،‬كيف تمكنت من‬
‫!معرفة ذلك؟ وال حتى لوسي تعرف‬
‫الحظ دانيال رد فعلها وأظلم وجهه‪ .‬انتظر الجواب الذي لم يأِت قط؛ ثم فرك جبهته بأصابعه‪ ،‬وكأنه يتخذ قرارًا صعبًا‪ .‬قال أخيًر ا‪:‬‬
‫"‪".‬لم أخبرك أبًد ا بأي شيء عن طفولتي"‪" .‬ربما ينبغي علي ذلك‬
‫"‪-‬دانيال"‬
‫أتذكر والدتي‪" .‬عندما كنت صغيًر ا يا آنا‪ "،‬قال ذلك‪ ،‬وهو يتحدث بسرعة‪ ،‬كما لو كان يخشى أن يغير رأيه‪ .‬لقد كانت امرأة لطيفة "‬
‫ولطيفة‪ ،‬وقبل كل شيء‪ ،‬ساذجة‪ .‬كانت تبكي كثيًر ا‪ ،‬ولكن من حولي كانت‬

‫شخص مختلف‪ ،‬بابتسامات حقيقية جعلتني أفهم كيف كان يمكن أن يكون األمر لو لم تكن متزوجة من والدي‪ .‬أخذ رشفة من الشاي‪،‬‬
‫بالكاد يبلل شفتيه‪" .‬لقد كان يعاملها بشكل سيء دائًما‪ .‬دائمًا‪ .‬وفي إحدى المرات رأيتها تقاوم‪ ،‬وكان والدي يضربها بشدة‪ .‬رهيب جًد ا‬
‫"‪.‬لدرجة أن الذكرى ستطاردني طوال أيام حياتي يا آنا‪ .‬كنت طفال‬
‫ظل يحدق في الفضاء‪ ،‬كما لو أن الذاكرة سحقته‪" .‬لقد كان يوًما مشمًس ا وحدث أنني دخلت غرفتها عن طريق الخطأ‪ .‬أردت رؤيتها‪،‬‬
‫لكن والدي كان هناك معها‪ .‬ماذا كان يقول ‪ ." . .‬ابتلع‪ ،‬وتحركت حنجرته صعودا وهبوطا بسرعة‪" .‬كان يحمل حزامًا‪ ،‬وحتى يومنا‬
‫هذا ما زلت أسمع الضجيج الذي أحدثه عندما ضربها‪ .‬لقد كنت هناك يا آنا‪ ،‬كنت هناك‪ ." . .‬آه‪ ،‬العار‪ ،‬خمسة عشر عاًما لم تكن‬
‫كافية لمحوه‪ ،‬وتساءل لفترة وجيزة عما إذا كانت مائة سنة ستكون كافية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان يعلم في أعماقه‪ .‬يمكن لدانيال أن يعيش إلى‬
‫األبد‪ ،‬لكن ذلك لن يكون كافًيا‪" .‬حاولت الدفاع عنها في البداية‪ .‬صرخت في وجه والدي‪ ،‬وهو‪ . . .‬نظر إلي‪ ،‬وكان طويل القامة‬
‫وكبيًر ا جًد ا‪ .‬لقد أدار الحزام علّي وضربني على بطني حيث يكون أكثر ليونة‪ . . .‬و انا ‪ ." . .‬توقف وصمت للحظة‪ ،‬غير قادر على‬
‫االستمرار‪ .‬لكن السر الذي كان يثقل كاهل روحه كان ال بد أن يخرج‪" .‬أنا ‪ . . .‬هل تعلم ماذا فعلت يا ابن أمي؟ لقد هربت يا آنا‪.‬‬
‫‪”.‬تركتها بين يديه وهربت‬
‫وكان أمامها نفس الطفل الذي هرب‪ ،‬لطيًف ا ومبهًج ا وذكًيا‪ .‬طفل رفض األلم الجسدي الفظيع ونتيجة لذلك تلقى ألًما أكبر ‪ -‬عبًءا‬
‫‪.‬مؤلًما ‪ -‬دون أن يغفر‬
‫دانيال ‪ ." . .‬أمسكت بيده‪ ،‬وشعرت بدهشة بدفء دموعها تنهمر على وجهها‪ ،‬لكنها لم تكن لها‪ ،‬ليس هذه المرة‪ .‬كم من الوقت "‬
‫"!مضى منذ أن بكت من أجل شخص آخر؟ "دانيال‪ ،‬لقد كنت مجرد طفل‬
‫وضع يده األخرى على عينيه وأغلقهما‪" .‬أنت ال تفهمين يا آنا‪ .‬أنت ال تفهم‪ .‬هز رأسه‪“ .‬بقيت والدتي في السرير لمدة أسبوعين‬
‫بسبب الضرب الذي تلقته‪ ،‬وعندما تعافت‪ . . .‬لم تكن هي نفسها كما كانت من قبل‪ .‬مات شيء بداخلها بعد ظهر ذلك اليوم‪ .‬ظل‬
‫صامًت ا لبضع ثوان‪ ،‬وهو يضغط على يد آنا حتى آلمتها‪" .‬لم يكن والدي بهذه القسوة من قبل‪ ،‬ولم يكرر أبًد ا شيًئ ا بهذه الخطورة مرة‬
‫أخرى‪ .‬هل تفهم؟ لو أنني لم أهرب‪ ." . .‬لقد ظل صامًت ا لبضع دقائق‪ ،‬وصمتت آنا أيًض ا‪ .‬كل ما يمكنها فعله هو اإلمساك بيده‬
‫‪.‬واالستماع‬
‫وبعد أن تنحنح‪ ،‬تابع دانيال‪« :‬بعد ذلك اليوم‪ ،‬حبست أمي نفسها في مكان ال يمكن الوصول إليه داخل نفسها‪ ،‬وحيدة تماًما‪ .‬كل مرة‬

‫عدت إلى المنزل من المدرسة الداخلية ووجدتها بعيدة‪ .‬آنا‪ ،‬تلك كانت أمي – تلك المرأة التي ظلت معي طوال الصباح قبل ثمانية‬
‫عشر عاًم ا تلعب بأغطية قديمة‪ ،‬وتبني الكهوف في جميع أنحاء المنزل – كانت أمي تموت كل يوم‪ ،‬وكان ذلك كله خطأي‪ .‬اآلن ‪. . .‬‬
‫اآلن تتجول روحها بشكل أعمى تقريًبا‪ .‬إنها تمشي في الغرف دون أن ترى األشخاص الموجودين معها‪ .‬تقضي أيامها دون أن تدندن‬
‫بأي أغنية‪ ،‬دون أن تنظر إلى أي زهور‪ ،‬دون أن تقرأ أي كتب‪ ." . .‬لقد ابتلع عدة جرعات كبيرة من الهواء‪ ،‬كما لو كان يغرق‬
‫‪.‬الماضي‬
‫‪).‬لكن الماضي لقيط يعود دائًما يا دانيال(‬
‫أفعل ما بوسعي‪ ،‬لكنني لست موجوًد ا دائًما للدفاع عنها ضد والدي‪ ،‬الذي ال يزال ‪ ." . "...‬غارًق ا‪ ،‬عض شفته‪" .‬على أية حال‪ "،‬قال"‬
‫بصوت ضعيف‪ ،‬وهو يرفع يده عن عينيه ويتركها تسقط إلى جانبه‪" ،‬لقد فات األوان اآلن‪ .‬لقد أتيحت لي الفرصة وأهدرتها‪ ،‬وال‬
‫‪”.‬أستطيع أن أفعل شيًئ ا أكثر من الندم على اختياري‬
‫)االختيار؟ ولكن ما هو الخيار الذي كان لديك أيها الحيوان األليف؟(‬
‫دانيال‪ ،‬أنت مخطئ!" قالت له بإلحاح شخص يمكنه أن يحدث فرًق ا‪" .‬لم تتمكن من إنقاذ والدتك‪ ،‬ولكن كيف يمكنك ذلك؟ هي وحدها "‬
‫"القادرة على إنقاذ نفسها‪ .‬هي وحدها القادرة على إنقاذ نفسها؛ لم يفت الوقت بعد! لماذا ال تتركه؟ لماذا تبقى مع رجل كهذا؟‬
‫"رفع رأسه‪ .‬نظرت عيناه‪ ،‬ببريقهما اليقظ‪ ،‬إلى عينيها‪" .‬لماذا ال تتركين زوجك؟‬
‫‪.‬جفل آنا ولم يقل شيئا‪ .‬أخرجت مندياًل ومسحت به خديها وعينيها‬
‫أسباب والدتي هي ذلك‪ . . .‬أجاب دانيال‪" :‬لقد تضررت"‪" .‬ليس لديها المزيد من الروح‪ .‬إنها ال تملك القوة للنهوض من الكرسي‪" ،‬‬
‫ناهيك عن ترك والدي‪ .‬وما هو أسوأ‪ ." . .‬أغمض عينيه ألن الكلمات كانت صعبة عليه أن يقولها‪" .‬واألسوأ من ذلك أنها تحبه يا‬
‫آنا‪ ".‬ارتعد صوته‪ .‬كان عليه أن يتوقف مؤقًت ا الستعادة رباطة جأشه‪ .‬وقال هامسًا‪" :‬أعتقد أنه على الرغم من كل شيء"‪“ .‬على الرغم‬
‫من الطريقة التي يعاملها بها‪ ،‬وعلى الرغم من القسوة التي يظهرها لها‪ ،‬وعلى الرغم من إدانته بارتكاب جرائم ضد العدالة‪ ،‬إن لم‬
‫يكن ضد القانون…‪ . . .‬وأعتقد أنه على الرغم من كل ذلك‪ ،‬فإن أمي ال تزال تحبه‪ .‬ولن تتوقف عن األمل في أن تتمكن من تغييره‬
‫"‪.‬يوًما ما‪ .‬ابتسم بحزن‪" .‬إنه أمر مروع يا آنا‪ ،‬أن تحب شخًص ا ال يستحق ذلك‬
‫دموعها منعتها من رؤية عيون دانييل بوضوح‪ ،‬لكنها استطاعت أن تكتشف سًر ا آخر مخفًيا خلف خضرة قزحية عينه‪ ،‬سر‬

‫‪.‬ربما أسوأ من األول‪" .‬أنت أيًض ا تحب والدك‪ ،‬أليس كذلك؟" همست له‬
‫"وأنت يا آنا؟" أجاب‪" .‬هل تحبين زوجك؟"‬
‫‪.‬لقد ترك كريستوفر ليوبولد بسرعة كبيرة‪ .‬لقد قرر إلغاء الموعدين األخيرين في اليوم ألنه كان بحاجة لرؤية زوجته‬
‫‪.‬تلك المرأة الغبية‬
‫‪.‬وقد تختفي في أي لحظة‪ ،‬بحسب ما قاله أخوه غير الشقيق‬
‫وصل إلى المنزل المبني من الطوب األحمر‪ ،‬لكنه توقف لينظر إلى المبنى من مسافة بعيدة‪ ،‬كما فعل في المرة األولى‪ .‬نزل من‬
‫‪.‬حصانه وقاد باسيل ببطء من اللجام‬
‫‪.‬وصل إلى نهاية الممر‪ ،‬ورأى ذلك‬
‫‪.‬مقيد أمام اإلسطبالت ‪ DeMercy‬حصان‬
‫اندفع الدم إلى رأسه‪ ،‬وكاد أن يجعله أعمى‪ .‬للحظة هو‬
‫وقف ساكًن ا تماًما دون أن يتنفس؛ ثم ترك باسيل في الزقاق واتجه فوًر ا إلى الجزء الخلفي من المنزل‪ ،‬حيث كانت هناك نافذة مرت‬
‫بها زوجته مرة واحدة‪ ،‬ومرة عندما أرادت الدخول دون أن يراها أحد‪ .‬دخل بسهولة وبسرعة‪ ،‬واتجه بهدوء نحو األصوات في‬
‫‪.‬المطبخ‪ .‬لم يقابل أحدًا‪ ،‬وكأن البيت قد نام بألوانه وأصواته‬
‫وظهر في المدخل‪ .‬كان دانيال وآنا في مكان قريب‪ .‬كانت ترتدي مئزًر ا وكانت تبكي؛ يداها مغطيتان بالدقيق‪ ،‬وكانت تمسك بيده‪ .‬بدا‬
‫‪.‬دانيال منزعًج ا ونظر إليها كما لو كان يريد أن يقرأ ما بداخلها‬
‫‪".‬قال وهو يدخل الغرفة بخطوات سريعة وطويلة‪" :‬يا له من مشهد رومانسي مؤثر‬
‫‪.‬استدارت آنا ودانيال في نفس الوقت‪ ،‬وتركا أيدي بعضهما البعض‪ .‬بدت آنا مذعورة‪ .‬بدا دانيال متفاجًئ ا وغاضًبا‬
‫"‪.‬دافنبورت"‪ ،‬قال شقيقه‪ .‬كان يمشي حول الطاولة ويتحرك نحوه‪" .‬لذلك نلتقي مرة أخرى"‬
‫‪.‬ابتسم كريستوفر وضربه‬

‫جاءت اللكمة بسرعة كبيرة لدرجة أن دانييل وجد نفسه على األرض قبل أن يدرك أنه سقط‪ .‬كان الرضا الذي جلبته هذه الضربة‬
‫لكريستوفر ال يوصف‪ ،‬وزاد فقط عندما رأى قطرات الدم تتدفق من شفة أخيه غير الشقيق ‪ -‬قطرة سقطت ولطخت المنديل األبيض‬
‫‪.‬الذي كان يرتديه حول رقبته‬
‫"كريستوفر!" صرخت آنا‪ .‬ركضت نحوه وفتحت ذراعيها أمام دانيال‪" .‬كريستوفر ماذا تفعل؟"‬
‫ال تدخلي في منتصف هذا يا آنا!" صرخ وهو يدفعها إلى الجانب‪ .‬سقطت بقوة على األرض‪ ،‬مع صرخة صغيرة من الخوف واأللم‪".‬‬
‫‪.‬لم يكن هذا األلم جسدًيا‪ ،‬على األقل ليس هذا فقط‬
‫نهض دانيال مرة أخرى بعد لحظة الدوخة التي سببتها اللكمة غير المتوقعة‪ .‬على قدميه اآلن‪ ،‬نظر إلى األسفل ورآها على األرض‪.‬‬
‫‪.‬ارتدى وجهه تعبير شخص يرى أسوأ مخاوفه تحدث‬
‫‪.‬أنت الفتوة!" لقد صرخ"‬
‫‪. . ".‬لقد حذرتك يا ديميرسي‪ ،‬وإذا حاولت ذلك مرة أخرى"‬
‫انقَّض عليه دانيال مثل الكبش الضارب‪ ،‬فضرب كريستوفر‬
‫المعدة برأسه‪ .‬ألقته الضربة على الطاولة‪ ،‬مما أدى إلى اصطدامه بظهره‪ .‬وسقطت بعض األرغفة البيضاء على األرض‪ ،‬مما أدى‬
‫‪.‬إلى ظهور سحب من الدقيق‬
‫"!وقفت آنا في حالة ذهول وتوسلت قائلة‪" :‬من فضلك توقف عن ذلك! سوف يسمعونك! أنت يا دانيال! على األقل أنت‬
‫مدت ذراعيها نحو االثنين‪ ،‬لكن كان من المستحيل عليها التدخل‪ :‬لقد كانا أكبر منها بكثير ومنشغلين بمهاجمة بعضهما البعض بحيث‬
‫لم يتمكنا من االستماع‪ .‬أمسك كريستوفر رأس أخيه غير الشقيق بيده اليمنى‪ ،‬وسحبه من شعره‪ ،‬ولكمه في وجهه بقبضته اليسرى قبل‬
‫أن يرفع قدمه ويركله في بطنه‪ ،‬ويقذفه إلى الخلف‪ .‬كان دانيال يتحرك بشكل ال يمكن السيطرة عليه‪ ،‬فقفز كريستوفر نحوه لكنه أخطأ‬
‫وارتطم باألرض‪ .‬قفز عليه دانيال وضربه بلكمة في أنفه بدت وكأنها انقسم الخشب إلى قسمين‪ .‬شعر كريستوفر بالدم يتدفق من‬
‫وجهه إلى فمه ورقبته‪ .‬كان في حالة ذهول‪ ،‬وتمكن أخوه غير الشقيق من تجاوزه‪ ،‬وإمساكه على األرض والجلوس فوقه‪ ،‬وتوجيه‬
‫‪.‬ضربات مثل حجارة البرد على وجهه‪ ،‬واحدة تلو األخرى‬
‫"!دانيال‪ ،‬من فضلك"‬
‫اقتربت آنا من االثنين وهي ترتجف‪ ،‬ممدودة يديها‪ .‬وقف دانيال ساكًن ا وأشار إليها بالتوقف‪ ،‬ومد ذراعيه إلى الجانبين‪" .‬آنا‪ ،‬ال‬
‫"!تقتربي! ابق بعيدا‬

‫)‪.‬احترس يا دانيال‪ .‬في المعركة‪ ،‬ال ترفع عينيك عن الخصم(‬


‫دفعه كريستوفر إلى الجانب محاوًال رفعه عنه‪ .‬لقد فشل‪ ،‬لكن دانيال تحرك بدرجة كافية مما سمح لكريستوفر برفع ركبة واحدة‪،‬‬
‫والتي استخدمها إلعطائه ضربة مروعة أسفل بطنه‪ .‬لقد استخدم كل ما في وسعه من قوة في هذا الوضع‪ ،‬وبارتياح ال يصدق رأى‬
‫‪.‬شقيقه يتغير لونه‪ ،‬ويخرج زفيًر ا فجأة‪ ،‬ويسقط على الجانب وعيناه مغمضتان من األلم‬
‫‪.‬من فضلك‪ ،‬من فضلك توقف!" توسلت آنا"‬
‫قفز كريستوفر على أخيه‪ ،‬وجلس على بطنه وثبت ذراعيه تحت ساقيه‪ .‬أمسك شعره بيده اليسرى ورفع قبضته اليمنى‪ ،‬استعداًد ا‬
‫‪.‬لضربه بكل ما لديه من قوة‪ .‬كان يأمل أن يكون دانييل قد نظر في المرآة قبل أن يغادر‪ ،‬ألن سماته المميزة سُتعاد ترتيبها قريًبا‬
‫‪.‬ركضت آنا إليه‪" .‬كريستوفر‪ ،‬من فضلك!" مجنونة ‪ ،‬أمسكت بقبضته المرفوعة‪ .‬ولم تفهم مدى خطورة ذلك‬
‫‪.‬آنا‪ ،‬انزلي!" زمجر وهو يسحب قبضته من يدها"‬
‫آنا‪ ،‬اذهب بعيدا!" صرخ دانيال وهو يحاول التحرر‪" .‬آنا‪ ،‬من فضلك!" هل يمكنها االستماع إليهم؟ هل سبق لها ذلك؟ ال‪ ،‬وسقطت "‬
‫لها‬
‫الركبتين بجانبهم‪ .‬مدت ذراعيها‪ ،‬وكاد كريستوفر أن يسقط أرضًا مندهشًا عندما أحاطته بذراعيها واحتضنته‪ .‬نعم‪ ،‬لقد عانقته‪،‬‬
‫بطريقة سخيفة – في ظل هذه الظروف كان من الجنون أن تفعل ذلك‪ ،‬وهذا آخر شيء يمكن للمرء أن يتوقعه‪ .‬بالنسبة لكريستوفر‪،‬‬
‫‪.‬بدا هذا منطقًيا جًد ا ومريًح ا جًد ا وناعًما جًد ا‬
‫أسندت آنا رأسها على صدره بمستوى قلبه‪ ،‬الذي كان ينبض بأصوات سريعة تصم اآلذان‪ .‬قالت‪" :‬من فضلك يا كريس"‪" .‬كاٍف ‪ .‬لو‬
‫"‪.‬سمحت‬
‫كان منظر هؤالء الثالثة‪ ،‬جميعهم على األرض‪ ،‬غريًبا جًد ا‪ :‬دانيال مستلقًيا على طوله؛ كريستوفر فوقه بقبضته في الهواء؛ وآنا التي‬
‫‪.‬كانت تعانقه ورأسها إلى األسفل‬
‫"‪.‬من فضلك كريستوفر"‬
‫أغمض عينيه‪ .‬دخل حضن زوجته الدافئ بداخله بعاطفة مريرة‪ :‬كان يعلم أنها مجرد خدعة لصرف انتباهه عن دانيال‪ ،‬لكنه لم يكن‬
‫قادًر ا على التفكير بوضوح‪ .‬كان يعلم أنه أحمق‪ ،‬وكان يعلم أنها كانت تستخدم قوتها بسخرية إلبعاده عن الرجل الذي تحبه‪ ،‬لكنه لم‬
‫يستطع دفع جسدها الرقيق بعيًد ا‪ .‬ولم يتمكن حتى من تجاهل ذلك‪ .‬سقطت ذراعيه على جانبيه وبقي بال حراك‬

‫‪.‬بينما بكت آنا على سترته‪ ،‬واجتاحته العاطفة رغًما عن إرادته‬


‫)‪.‬أنت سخيف ‪ -‬هل تعلم ذلك‪ ،‬أليس كذلك؟ دمية سخيفة في يد هذه المرأة(‬
‫فتح عينيه وأمسك معصميها وحرر نفسه من حضنها‪ .‬وقف على الفور‪ ،‬ودفعها بعيًد ا‪ ،‬ووضعت آنا كفها على األرض لتمنعها من‬
‫‪.‬السقوط مرة أخرى‪ .‬وبعد لحظة نهضت هي أيًض ا‪ ،‬واستندت إلى نفسها بيديها‪ ،‬وجلس دانييل وقد دمر وجهه الشاحب‬
‫"كريستوفر؟" دعا أنتوني‪ ،‬وهو يطل برأسه من خالل الباب‪" .‬آنا؟"‬
‫‪.‬استدار ثالثتهم نحو المدخل؛ أسرع دانيال إلى قدميه‬
‫أنتوني‪ ،‬ارحل‪ ،‬وأبِق أخيك وأختك بعيًد ا‪ "،‬قال كريستوفر بهدوء وبالمباالة رجل يخفي سًر ا ‪ -‬سر الدم الذي تحركه العاطفة عناق‪" .‬‬
‫‪.‬قام بتعديل سترته والحظ طعم الدم في فمه‪ .‬ال بد أن وجهه كان كارثًيا إذا كان يشبه وجه أخيه غير الشقيق‬
‫"‪.‬عصياًن ا‪ ،‬دخل أنتوني إلى المطبخ‪ .‬قال وهو يلتفت إلى أخته‪" :‬سألتقط الخبز"‪" .‬سوف أستقيم قليًال يا آنا‪ .‬بابا سيكون هنا قريبا‬
‫وكان هناك أرغفة على األرض‪ .‬بدا المطبخ وكأن إعصاًر ا قد ضربه‪ .‬بدا وجها كريستوفر ودانيال وكأنهما بحاجة إلى أكثر من‬
‫مجرد "تقويم"‪ .‬وضعت آنا يدها على عينيها التي كانت ال تزال مبللة‪" .‬أنتوني ‪ ." . .‬بدأت‪ ،‬لكنها توقفت بعد ذلك‪ ،‬ربما ألنها لم‬
‫‪.‬تعرف ماذا تقول لذلك الصبي الصغير‪ ،‬الذي بدا أنه الشخص األكثر نضًج ا في الغرفة‬
‫نظر كريستوفر إلى دانيال‪" .‬ال تظهر وجهك في هذا المنزل مرة أخرى يا ديميرسي‪ ".‬كان صوته هادًئ ا لكنه حازم‪ ،‬وهو صوت‬
‫"‪.‬يجب أن يؤخذ على محمل الجد‪" .‬في المرة القادمة لن تفلت من هذا القدر الضئيل‬
‫لقد أحببتك أكثر عندما تحدثت مثل كتاب البالغة المطبوعة‪ ،‬دافنبورت‪ ".‬كان صوته منخفًض ا ألنه تذكر أن أنتوني كان هناك‪ .‬لم "‬
‫يكن يريده أن يسمع‪ ،‬لكن األطفال الصغار يسمعون دائًم ا كل شيء مهما كان األمر‪" .‬ومع ذلك‪ ،‬فأنا أدرك أنك مختلف تماًما عما‬
‫"‪.‬تريد أن يعتقده اآلخرون‬
‫"‪.‬من فضلك يا دانيال‪ "،‬توسلت آنا‪ ،‬وهي تضع عينيها على زوجها‪ ،‬كما لو كانت تسيطر عليه بنظرها‪" .‬اذهب اآلن"‬

‫‪. . ".‬هز دانيال رأسه‪" .‬ال أستطيع أن أتركك هنا معه‪ ،‬آنا‪ ".‬لقد كانت مالحظة وليست فرضية‪" .‬إنه خطير‪ ،‬و‬
‫ما زلت لم تفهم مدى خطورة ذلك‪ .‬حاول كريستوفر االقتراب منه مرة أخرى‪ ،‬لكن آنا مدت ذراعيها إلى األمام وأوقفته‪" .‬دانيال‪،‬‬
‫توقف عن ذلك‪ "،‬أمرته دون أن تنظر إليه‪ ،‬بل حدقت في زوجها بعينين ثابتتين‪" .‬وأنت يا كريستوفر‪ ،‬اهدأ‪ .‬لن أسمح لك أن تكون‬
‫"‪.‬عنيًف ا في هذا المنزل‬
‫تحرك دانييل إلى الجانب ليلتف حولها‪ ،‬لكنها لم تسمح له بذلك‪ .‬لقد اقتربت من زوجها ‪ -‬وبنفس الدهشة الحلوة والمرة التي حدثت في‬
‫‪.‬اللحظة السابقة‪ ،‬عانقت زوجته كريستوفر مرة أخرى‪ .‬وكانت مثل الدرع بينه وبين دانيال‬
‫العناق ال يكلفك شيئا يا آنا؟ كان يفكر بنفس السخرية المملة‪ ،‬بينما أجبرته بحة مزعجة على تطهير حلقه‪ .‬األلم‪ ،‬الذي كان مختلًفا‬
‫‪.‬تماًم ا عن ألم أنفه الدامي‪ ،‬انفجر مثل الدمل في أعماقه‪ .‬لقد تحرر من يديها ولكن بدون قوة‪ .‬لقد تراجع‬
‫"‪.‬قالت آنا‪" :‬من فضلك‪ ،‬دانيال‪ ،‬ارحل"‪" .‬ال تخافوا بالنسبة لي‪ .‬زوجي لن يفعل لي أي شيء‬
‫"‪-‬آنا‪ ،‬أنا"‬
‫"‪.‬اذهب‪ ،‬دانيال‪ .‬سيأتي والدي قريًبا‪ ،‬ويجب أال يراك بوجهك بهذه الطريقة‪ .‬اذهب من خالل غرفة الطعام‪ .‬أنت تعرف الطريق"‬
‫"‪-‬آنا"‬
‫»!خارج! قبل أن تصل عائلتي إلى هنا‪ ،‬من فضلك"‬
‫لكن دانيال لم يرغب في الذهاب‪ .‬تومض شيء في وجهه‪ ،‬أ‬
‫"‪-‬خوف رهيب من اتخاذ االختيار الخاطئ‪" .‬آنا‪ ،‬ال أستطيع! أال تفهم؟ ال أستطيع أن أتركك مع‬
‫"!هذا منزلي يا دانيال‪ ،‬وأنا أطلب منك المغادرة‪ .‬اخرج اآلن"‬
‫وبدا له أنها طلبت منه قتلها بدال من ذلك‪" .‬عزيزي هللا‪ ،‬آنا‪ُ ." . .‬صدم كثيًر ا لدرجة أنه كان يجدف أمام امرأة‪ ،‬حدق في كريستوفر‪،‬‬
‫وبرزت عيناه الخضراوين في تناقض حاد مع احمرار الدم على وجهه‪" .‬إذا آذيتها يا دافنبورت!" قال بصوت جاء من هللا وحده يعلم‬
‫‪".‬أي جزء منه – جزء كهفي وسري وربما قديم‪" .‬إذا لمستها بإصبعك‪ ،‬سأقتلك‪ ،‬أقسم لك‬
‫قال كريستوفر‪" :‬ارحل يا ديميرسي"‪ ،‬ولكن بضجر‪ ،‬كما لو أن الغضب الذي حدث قبل لحظات لم يترك سوى أثر‪" .‬ارحل‪ ،‬إال إذا‬
‫‪".‬كنت تريد مني أن أقتلك بنفسي هنا‪ ،‬أمام زوجتي‬

‫أسقط أنتوني المكنسة التي كانت في يده‪ ،‬مما تسبب في استدارة الثالثة فجأة‪ .‬لقد نسوا أمره‪ ،‬إذ ضاعوا في خطاباتهم الخاصة‪ ،‬من‬
‫‪.‬النوع الذي يلقيه الكبار الذين يعتقدون أن الطفل غير مرئي‬
‫ركض الصبي الصغير نحوهم‪ ،‬وكان وجهه جدًيا وحازًم ا‪ .‬كان أنتوني يعرف ما يجب عليه فعله‪ ،‬كما يفعل كل األطفال في سن‬
‫"‪.‬الحادية عشرة‪ .‬قال باقتضاب‪« :‬تعال يا سيدي‪ ،‬وأمسك بيد دانيال‪" .‬سأرشدك إلى الباب‬
‫‪.‬لقد سحبته قليًال ولكن بلطف‪ .‬نظر إليه دانيال بهدوء ونظر نحو آنا‬
‫"‪.‬اذهب يا دانيال‪ ،‬من فضلك‪ "،‬توسلت إليه‪" .‬إذا بقيت‪ ،‬سيكون األمر أسوأ"‬
‫وفي عينيه ألم قديم ممزوج بألم جديد‪ .‬بعد هزيمته‪ ،‬ترك نفسه ُينجر بعيًد ا كما لو كان ُيسحب في المد‪ .‬عند المدخل استدار للمرة‬
‫‪.‬األخيرة لينظر إليها‬
‫قالت له آنا بنبرة هادئة‪" :‬اذهب يا دانيال"‪" .‬ال تخافوا بالنسبة لي‪ .‬ليست كذلك ‪ ." . .‬توقفت عن الحديث فجأة‪" .‬ال تخافوا"‪ ،‬كررت‬
‫"‪.‬بهدوء‪" .‬ال تقلق يا دانيال‬
‫)‪.‬هل يؤلمك كريستوفر؟ لقد جاء إليك من كل اتجاه(‬
‫‪.‬اختفى دانيال ببطء بالقرب من الزاوية‪ ،‬وبعد فترة وجيزة سمعوا الباب األمامي ُيغلق‬
‫ظلت آنا وكريستوفر هادئين في المطبخ‪ .‬عاد أنتوني بعد لحظة‪ .‬بدأ بتسوية الفوضى‪ ،‬متجاهًال الشخصين البالغين ساكنين كالتماثيل‬
‫‪.‬في منتصف الغرفة‪ .‬بعد كل شيء‪ ،‬األطفال معتادون على الشجار‬
‫نظرت آنا‪ ،‬مصدومة وحائرة‪ ،‬إلى كريستوفر‪ ،‬واستغرق دقيقة لدراستها أيًض ا‪ .‬أخذ ينظر إلى شكلها‪ ،‬وشفتيها الحمراء‪ ،‬وعنقها‬
‫األبيض الناعم‪ ،‬والمئزر الذي كانت ترتديه‪ ،‬والذي كان مغطى بالدقيق‪ .‬كانت هناك بقعة بيضاء على عظمة وجنتها‪ ،‬التي برزت‬
‫مقابل لون خدها الوردي‪ ،‬وهو ما لم يالحظه عندما دخل المطبخ‪ .‬ربما تكون قد فعلت ذلك للتو‪ ،‬حيث مسحت دموعها بيديها‬
‫المطحونتين‪ .‬إن سلطة هذه المرأة علّي يجب أن تنتهي‪ ،‬فكر بنوع من اليأس النزيه‪ .‬وهناك طريقة واحدة فقط‪ .‬وخرج من الغرفة‬
‫‪.‬متوجهًا إلى مكتبه‬

‫‪.‬لعدة دقائق‪ ،‬منع الخوف آنا من التحرك‪ .‬اعتقدت أن زوجي كان بجانب نفسه‪ .‬بجانب نفسه‬
‫ومرة أخرى تفاجأت بحقيقة أنها يمكن أن تتفاجأ‪ .‬لقد أدركت فجأة هذه الرغبة الخفية في عدم اإليمان بطبيعة كريستوفر العنيفة على‬
‫الرغم من األدلة التي استمرت في التراكم أمام عينيها‪ .‬ولكن ما الذي تحتاج إلى معرفته أيًض ا لتقتنع بأنه قادر على قتل شخص ما؟‬
‫شاهد أنتوني بأعين يقظة‪ .‬يا إلهي‪ ،‬إنه صغير جًد ا‪ ،‬فكرت آنا‪ .‬ابتسمت له لتخفي مدى خوفها‪" .‬هل رأيت يا أنتوني؟ أنت ودينيس‬
‫لستما وحدكما الذين تتقاتالن‪ .‬هل كنت خائًف ا؟” ألنني كنت خائًفا جًد ا‪ .‬قامت بفرك الورك الذي سقطت عليه عندما سقطت‪ .‬لقد دفعها‬
‫‪.‬كريستوفر دون أن يشعر بأي ندم‬
‫)‪.‬لكنك احتضنته يا آنا‪ ،‬أليس كذلك؟ وتوقف(‬
‫ولم تكن تعرف ما الذي حصل لها‪ .‬في حالة عقلها‪ ،‬لم تكن لتفكر بالتأكيد أن عناًق ا – عناًق ا منها – يمكن أن يثني زوجها عن فعل أي‬
‫‪.‬شيء‬
‫أجاب أنتوني‪" :‬ال‪ ،‬لم أكن خائًف ا"‪ .‬ال شك أنه فوجئ بهذا السؤال‪ .‬بالسكين‪ ،‬كان يكشط العجين عن األرض‪ .‬ولم ينظر نحوها‪" .‬أنت‬
‫‪.‬بحاجة للقتال من أجل األشياء الخاصة بك‪ .‬كريستوفر يقول ذلك دائًما‬
‫األشياء الخاصة بك‪ .‬سرت قشعريرة في عمودها الفقري‪ ،‬والتي ال تزال تؤلمها بعد سقوطها قبل قليل‪" .‬أوه؟" سألته بقلق‪" .‬لكن يا‬
‫"‪...‬أنتوني‪ ،‬أنت تعلم أنه ليس عليك االستماع إلى كل ما‬
‫اعلم اعلم‪ .‬لقد أخبرتني بذلك بالفعل‪"،‬قاطعها وهو ينفخ‪ .‬ولهجته ‪ . . .‬مفاجئ جًد ا‪ ،‬وغير صبور جًد ا‪ . . .‬يبدو مشابًها بشكل مخيف "‬
‫‪.‬لشخص آخر‪ .‬شخص طويل القامة ويعني‬
‫)ماذا فعلت لعائلتك‪ ،‬آنا؟(‬
‫‪.‬تشددت دواخلها‪ ،‬اخترقها الندم الشديد‬
‫)لماذا سمحت له بالدخول إلى هذا المنزل؟(‬
‫‪.‬شعرت بالحاجة إلى مغادرة الغرفة والبقاء بمفردها‪ ،‬لتبكي بال هوادة‬
‫"‪.‬أنتوني‪ ،‬هل يمكنك االنتهاء هنا؟" سألته بسرعة‪" .‬أوه‪ ،‬لقد انتهيت تقريًبا‪ ،‬كما أرى‪ ".‬إبتسمت‪" .‬سأعود فوًر ا وسنقوم بإعداد العشاء"‬
‫‪.‬ذهبت مسرعة إلى غرفتها‪ .‬األلم‪ ،‬كما هو الحال دائما‪ ،‬يتطلب تحية الدموع والعذاب‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪28‬‬
‫‪.‬ولكن يمكن احتواء ما ال نهاية من العاطفة في دقيقة واحدة‪ ،‬مثل حشد من الناس في مساحة صغيرة‬
‫غوستاف فلوبير‪-‬‬
‫كان كريستوفر في غرفة زوجته‪ .‬نظر إلى دمية تستقر على طاولة صغيرة أمامه بينما بدأت األشجار المرئية من خالل النافذة تلقي‬
‫بظاللها ببطء في شمس الظهيرة المتأخرة‪ .‬لقد مسح الدم عن جسده‪ ،‬ولكن بدا وكأن هناك حيواًن ا ما على وجهه؛ مخلوق أحمر منتفخ‬
‫‪.‬عضه حيث كان ينبغي أن يكون له أنف‬
‫أمسك الدمية المبتسمة من الطاولة الصغيرة‪ .‬آنا مجرد فتاة صغيرة‪ .‬بدت خصالت هذه اللعبة الشقراء للغاية وألوانها المبهجة مختلفة‬
‫تماًم ا عن بساطة زوجته المنعشة‪ .‬ولم يكن ليتفاجأ كثيًر ا لو أنه وجد‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬مجرفة أو مسدًس ا في تلك الغرفة بدًال من‬
‫‪.‬شيء فاخر كهذا‬
‫‪.‬صوت طفيف جعله يتجه نحو الباب‬
‫)‪.‬إنها هنا يا كريستوفر(‬
‫قفز شيء ما في صدره عندما دار مقبض الباب‪ ،‬و‬
‫‪.‬وبعد لحظة فتحت زوجته الباب‪ .‬توقفت ميتة‬
‫‪.‬ماذا تفعل في غرفتي؟" سألت وهي متجمدة في المدخل"‬
‫"‪.‬ضع هذه الدمية واتركها"‬
‫‪".‬أنا حقا ال أعتقد ذلك‪ ،‬أيها الساحرة‪ .‬وأمر قائًال‪" :‬ادخل وأغلق الباب‬
‫"‪.‬لها بهدوء‪" .‬وال تحاول حتى مناقشة األمر‪ ،‬إال إذا كنت تريد مني أن أسحبك إلى هنا من شعرك‬
‫عضت آنا شفتها ودخلت في لحظة ال نهاية لها حيث ألقت الذاكرة والخوف بظاللهما على وجهها‪ .‬وأغلقت الباب خلفها‬

‫"‪.‬ها‪" .‬ماذا تريد؟" كان صوتها حازًما‪ ،‬لكن كريستوفر كان متأكًد ا من أن ذلك لن يستمر لفترة طويلة‪" .‬لقد حان وقت العشاء تقريًبا‬
‫وضع الدمية على الطاولة ومشى نحو النافذة بستارتها المفتوحة‪ ،‬واضًع ا مسافة أكبر بينهما‪ .‬ثم التفت إلى زوجته وجلس وظهره إلى‬
‫‪.‬زجاج النافذة واضعا ذراعيه على بطنه‪ .‬بقيت آنا حيث كانت‪ ،‬وكانا على طرفي نقيض من الغرفة‪ ،‬والسرير في المنتصف‬
‫‪.‬لم يتحدث أحد‪ .‬مرت ثواني ببطء‬
‫درسها كريستوفر بعناية‪ ،‬وحاولت هي أيًض ا دراسته لكنها لم تستطع التحكم في ذلك لفترة طويلة‪ .‬خفضت رأسها واستسلمت مهزومة‬
‫وخائفة‪" .‬سيد ‪ ." . .‬بدأت‪ ،‬ثم توقفت فجأة‪ .‬عصرت يديها بتوتر‪" .‬سيدي‪ ،‬ربما ينبغي عليك أن تجعل الطبيب يفحص جروحك‪ .‬إذا‬
‫‪. . ".‬كنت ترغب في كمادات ألنفك‬
‫واصل كريستوفر التحديق بها‪ ،‬وتالشى صوتها‪ .‬بدأت مرة أخرى‪" :‬دانيال"‪ ،‬قالت وهي تنظر إليه‪ ،‬وتجهد عينيها‪" .‬لقد توقف دانيال‬
‫فقط ليخبرني‪ . . .‬قضية تجارية‪ . . .‬أنك انتهيت يا سيدي‪ .‬ويبدو أن هناك بعض المشاكل‪ ،‬و‪ ." . .‬توقفت في منتصف الجملة‪" .‬أود‬
‫منك أن تعيد النظر"‪ ،‬ثم واصلت متجاهلة عينيه الباردتين‪" .‬تلك األرض‪ ." . .‬باإلحباط‪ ،‬توقفت‪" .‬لماذا أنت بشدة ضده؟" سألت فجأة‪.‬‬
‫«ال أعتقد أنك فعلت ذلك من أجل المال‪ ،‬فال يبدو لي أنك تريد ذلك؛ يمكنك رمي المال بكلتا يديك‪ .‬وبالتأكيد لم تفعل ذلك بالنسبة لي‪.‬‬
‫‪.‬ربما تكون عنيًف ا جًد ا لدرجة أنك تغتنم كل فرصة لمهاجمة شخص ما‬
‫لم يقل شيًئ ا‪ ،‬وعقد ساقيه ببطء أمامه‪ .‬وواصل التفكير في زوجته‪ ،‬التي كانت ال تزال ترتدي المئزر‪ ،‬وراهن أن رائحة الدقيق والخبز‬
‫‪.‬الدافئ ال تزال تفوح منها‬
‫‪).‬ال تزال البقعة على وجهها يا كريستوفر(‬
‫انسحب بعيًد ا عن النافذة‪ ،‬وفجأة جلس مستقيًم ا‪ .‬كان لدى آنا وميض من الخوف في عينيها‪ ،‬لكنها لم تتحرك‪ ،‬بل وصلت إلى حد‬
‫‪.‬تصلب يديها‪ ،‬التي كانت تضغط إحداهما داخل األخرى أسفل صدرها مباشرًة‬
‫ذهب كريستوفر إلى الطاولة الصغيرة وجلس على حافتها‪ .‬ولم يكن قد اقترب منها أكثر‪ .‬قال وهو يمد ساقيه أمامه‪" :‬آنا‪ ،‬ربما تتذكر‬
‫‪".‬المحادثة التي دارت بيننا قبل بضعة أيام‬
‫‪. . ".‬المحادثة يا سيدي؟" سألت بهدوء‪ .‬ثم بدا أنها تفهم‪" .‬حول الوصاية"‬
‫"‪.‬بالضبط"‬

‫"لقد توترت مثل القوس‪" .‬لماذا تطرحه اآلن؟‬


‫كان مبتسًما ومسترخًيا وهادًئ ا‪ ،‬ولكن في داخله كان يطفئ النيران‪ .‬قال بهدوء‪« :‬ألنني يا زوجتي العزيزة‪ ،‬قررت أنك ستدفعين ثمن‬
‫‪».‬عدم انضباطك مع أفراد عائلتك من اآلن فصاعًد ا‬
‫المثالي على فمها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان هناك شيء مفقود‪ :‬لم تكن خائفة‪ .‬آنا لم ‪ O‬الصمت‪ .‬صمت مليء بالفزع الذي اتخذ شكل حرف‬
‫"‪.‬تصدقه‪ ،‬فهم كريستوفر‪ .‬قالت عندما استعادت قدرتها على التعبير عن فكرة ما‪" :‬ال يمكنك أن تكون جاًد ا"‪" .‬أنت فقط تريد إخافتي‬
‫ال‪ ،‬أنا جاد للغاية‪ ،‬آنا‪" .‬أوه‪ ،‬سوف ترى‪ ".‬هز كريستوفر كتفيه بال مباالة‪" .‬في البداية‪ ،‬سأبيع هذا المنزل‪ .‬ربما ال تعلمين ذلك يا آنا‪،‬‬
‫لكني أحتفظ بالرهن العقاري في حوزتي‪" .‬والمدفوعات مؤخًر ا" ‪-‬ابتسم‪"-‬لم تكن منتظمة‪ ،‬لسوء الحظ‪ .‬نحن ننتقل إلى روكفيلد‪ ،‬كما‬
‫‪.‬كان ينبغي لنا أن نفعل في البداية‬
‫"ولكن ماذا تقول؟ هل كنت تشرب؟"‬
‫هادئ‪ .‬أنا لست هنا ألتجادل معك‪ .‬جئت فقط ألقول لك أنني لن أتحمل تمردات أخرى من جانبك‪ .‬ألنك ملكي‪" .‬أنت تنتمي لي‪ ،‬آنا‪" .‬‬
‫"‪.‬وحان الوقت لتفهم ذلك‬
‫تجعدت كما لو أنه ألقى عليها سائاًل كريه الرائحة‪ .‬نظرت إلى الطاولة‪ ،‬على الرغم من عدم وجود أي شيء ذي أهمية عليها‪ :‬بعض‬
‫‪".‬األوراق‪ ،‬كتاب‪ ،‬تلك الدمية الصغيرة المثيرة للغثيان‪ .‬أجابت ووجهها يرتجف‪" :‬أنا لست من األشياء الخاصة بك يا سيدي‬
‫بالطبع أنت كذلك‪" .‬بالطبع أنت كذلك‪ .‬واآلن استمع لي جيدًا‪ ،‬ألني لن أكرر كالمي‪ .‬توقف للتأكيد على كلماته‪ .‬قال لها وهو يرفع يده‬
‫لمنعها من االحتجاج‪“ :‬سأشتري منزًال صغيرًا لوالدك ولنورا”‪" .‬لقد وجدته بالفعل يا آنا‪ ،‬وهو ليس بعيًد ا عن روكفيلد‪ .‬لن أمنعك من‬
‫‪.‬الذهاب لرؤيتهم‪ ،‬ال تقلق‪ .‬لكنني ال أريد المعوقين تحت األقدام‬
‫‪.‬كريستوفر‪ ،‬أنت ال تقول‪ ." . .‬وخرجت الجملة دون أن تدرك ذلك‪ .‬وضعت يدها على فمها"‬
‫"‪.‬نظر إليها بصمت‪ ،‬وبعد بضع دقائق بدأ يتكلم‪" .‬أنا ال أريد حتى إخوتك في المنزل‬
‫‪.‬كانت مصدومة وفمها مفتوًح ا على مصراعيه ولم تستطع قول كلمة واحدة‪ .‬كل ما خرج كان الكفر الصامت‬
‫يمكنهم العيش مع والدك أو الذهاب إلى مدرسة داخلية ‪ -‬القرار متروك لك‪ .‬ماذا تفضل؟" وانتظر الجواب الذي لم يأت‪ .‬لم يكن "‬
‫‪".‬يتوقع ذلك بصدق‪ .‬قال‪" :‬حسًن ا‪ ،‬سأقرر إذن‬

‫"‪.‬انتهى‪" .‬هذا كل شيء يا آنا‪ ".‬لقد وقف بسرعة‪" .‬غًد ا سأخبرك بتفاصيل هذه الخطوة‬
‫‪.‬وجدت صوتها‪" .‬لماذا تخبرني بهذا الهراء السخيف يا سيدي؟ أنت تحب عائلتي ولن تؤذيهم أبًد ا‬
‫‪.‬أنت تحب عائلتي‬
‫أدرك كريستوفر أن هذه كانت المرة األولى التي يسمعها تقول شيًئ ا إيجابًيا عنه‪ .‬ومن المفارقات أن ذلك لم يكن صحيحا‪ .‬تمتم‪" :‬أوه‪،‬‬
‫كم أنت مخطئة يا آنا"‪ .‬بدا صوته مريًر ا حتى في أذنيه‪ .‬ألنه لم يحب أحدًا‪ ،‬وفكرة الحب – اإليجابية‪ ،‬الضرورية‪ ،‬وحتى الصحيحة‬
‫– سببت له نوعًا من االنزعاج الذي ال يمكن تفسيره‪ .‬أوه‪ ،‬لقد شعر بالتعاطف مع بعض األشخاص في العالم‪ ،‬كان ذلك صحيًح ا ‪-‬‬
‫تعاطف لن يمنعه أبًد ا من متابعة أهدافه‪( .‬وهذه هي الحياة يا آنا‪ .‬إما أن تفوز أو تخسر‪ ).‬وسيفوز في تلك الليلة بين فخذي زوجته‪.‬‬
‫ألنها إذا لم تستسلم فسينفذ تهديداته تماما كما وعد‪ .‬لم يكن يريد ذلك‪ ،‬لكنه سيفعل ذلك‪ .‬سيستمر في إنهاكها بألف طريقة حتى تنكسر‬
‫‪.‬تحت أصابعه مثل جذع زهرة‬
‫"‪.‬أنا ال أصدقك"‬
‫أنت ال تعرف كيف تقرأ عيني إذن‪ .‬أجاب‪" :‬فكر فيما شئت"‪" .‬في الواقع‪ ،‬ما عليك سوى االنتظار حتى الغد لتعرف مدى جديتي‪".‬‬
‫وقعت عيناه على الدمية ذات الفستان األرجواني‪" .‬لقد حان الوقت لكي تكبري يا آنا‪ .‬ولكني أرى أنك مازلت تلعب بالدمى‪ ".‬وصل‬
‫‪.‬إلى الوجه الخزفي وهو يبتسم له عبر الطاولة‬
‫‪.‬ال تلمسها"‪ ،‬أمرته‪ ،‬وسمع في صوتها أنها منزعجة"‬
‫)‪.‬لقد فزت بالفعل يا كريستوفر(‬
‫التقط هذا الشيء الطفولي‪ ،‬وأزال بإصبعه خصلة أشقر من وجهها الالمع الملون‪ .‬لم تتحرك زوجته‪ ،‬ولم تقترب لتأخذ الدمية من‬
‫يديه‪ ،‬ولكن كان على وجهها تكشيرة متوترة‪ .‬شاهدت عيناها مفتوحة على مصراعيها‪ .‬إنها دمية‪ ،‬آنا‪ .‬إال دمية دموية‪ ،‬وأنا زوجك‬
‫!وهللا‬
‫"!ضعه على الفور يا سيدي"‬
‫أرادت أن يبدو األمر وكأنه أمر‪ ،‬لكنه بدا له وكأنه نداء‪ .‬ابتسم كريستوفر وكاد يشعر بألمها‪ .‬يا عزيزي‪" .‬آنا‪ ،‬أنت ال تعرفين الكثير‬
‫‪،‬عني‪ "،‬بدأ بلطف‪" .‬دعني أشرح لك شيئا‪ .‬كيف تعتقد أنني وصلت إلى ما أنا عليه اآلن؟ لقد بدأت من األسفل‬

‫‪.‬أنت تعرف‪ .‬لم يكن من الممكن أن أفعل ذلك أبًد ا لو كان لدي أي وازع أو أي أفكار أخرى‬
‫نظر إلى الدمية بين يديه‪ ،‬كما لو كان يتأمل‪ ،‬ولمس وجهها بلطف‪ .‬ثم رفع ذراعه ورماها على الحائط‪ .‬انفجرت ابتسامة الدمية إلى‬
‫‪.‬شظايا ال حصر لها‪ .‬يبدو أن التأثير قد مأل الغرفة بأكملها‬
‫‪.‬ال!" وضعت آنا يديها على وجهها"‬
‫لم تعد السمات المثالية للدمية موجودة؛ لقد تم تحطيمها إلى قطع مفككة وغير منتظمة‪ .‬لم يكن لديها سوى عين عمياء واحدة فقط‪،‬‬
‫‪.‬زرقاء للغاية‪ ،‬بينما ابتلع ثقب أسود في منتصف وجهها األخرى‬
‫"ال ‪ ." . .‬همست آنا‪" .‬لماذا؟"‬
‫وفي عينيها‪ ،‬في لحظة واحدة سريعة‪ ،‬تغيرت‪ .‬وفي لحظة واحدة سريعة – غمضة عين – أصبح الكذب المزعوم حقيقة‪ .‬لقد صدقته‬
‫‪.‬أخيًر ا‬
‫من فضلك كريستوفر‪ ".‬أصبح صوتها خافًت ا‪ ،‬خافًت ا‪" .‬من فضلك ال تلوم عائلتي‪ .‬لم يفعلوا أي شيء‪ .‬أنا آسف لما حدث‪ .‬لن يحدث "‬
‫ذلك مرة أخرى‪ .‬من فضلك‪ ،‬ال تفعل ذلك‪ ." . .‬تالشت الجملة في أنين‪ .‬تدفقت الدموع على وجهها واختلطت بالدقيق‪" .‬كما ترى‪ ،‬أنا‬
‫‪.‬أتوسل إليك‪ . . .‬هل انت سعيد االن؟ لقد فعلت كل ما أردت يا سيدي‪ ." . .‬خفضت رأسها‪ ،‬ووضعت يدها على عينيها‬
‫كل ما أردته؟ لن أقول ذلك‪ .‬تضخم النصر بداخله‪ .‬نصر غير أخالقي‪ ،‬نصر مخزي‪ ،‬حتى هو يستطيع أن يدرك ذلك‪ .‬كان يعلم أن "‬
‫خزيه كان حًق ا في عدم الشعور بأي خجل‪" .‬أنت تتحداني طوال الوقت‪ ،‬وأنت تعرف ذلك‪ .‬لقد جعلتني اليوم أبدو سخيًف ا مع صديقك‪.‬‬
‫‪.‬ال‪ ،‬ال تقل كلمة واحدة‪ ،‬آنا‪ .‬نظًر ا ألنك غير قادر على إرضائي في األشياء القليلة التي أطلبها‪ ،‬فال تتردد في فعل الشيء نفسه‬
‫"‪-‬سوف أتغير يا كريستوفر‪ .‬انا سوف اتغير‪ .‬سأتجنب كل ما يزعجك‪ .‬أنا ‪ . . .‬أقسم لك أنني"‬
‫‪.‬كن هادئًا‪ .‬ال أعرف ماذا أفعل بكالمك‪ .‬لقد قلت هذا من قبل ولم تحافظ على كلمتك"‬
‫كريستوفر!" كانت بال حراك ومذهولة‪" .‬ال يمكنك أن تكون جاًد ا‪ ،‬ال يمكنك أن تكون! أنتوني يعشقك! لقد أخذته معك إلى لندن "‬
‫‪. . ".‬األسبوع الماضي! لن تفعل ذلك‪ .‬أعلم أنك لن تفعل ذلك‬

‫ذهب كريستوفر إلى الباب وفتحه متجاهًال إياها‪ .‬بدأ بالمغادرة‪ ،‬لكنها اقتربت منه ومدت يدها وأمسكت بيده‪ .‬لقد لمسته‪ ،‬لقد لمسته حًقا‬
‫»!وصدًق ا‪" .‬كريستوفر! كريستوفر‪ ،‬من فضلك‬
‫‪.‬لقد تحرر من قبضتها فجأة لكنه توقف وانحنى على عتبة الباب‬
‫هل ترى كم هي مدمرة يا كريستوفر؟ يمكنك أن تطلب منها أي شيء تريده اآلن‪ .‬اسألها يا كريستوفر‪ .‬اطلب منها أن تحقق كل (‬
‫)‪.‬رغباتك‬
‫"‪.‬تمتم كما لو أنه اقتنع فجأة‪" :‬حسًن ا"‪" .‬حسنًا يا آنا‪ ،‬سأعطيك فرصة أخرى‬
‫‪.‬وأزهر األمل على وجهها مثل الوردة‪ .‬لقد أضاءتها بلطف‪ ،‬وبدت أكثر لطًف ا وجماًال‪ .‬بل وأكثر له‬
‫"‪.‬وتابع‪" :‬لكنك ستغير موقفك"‪" .‬سوف تحتاج إلى أن تظهر لي حسن نيتك‬
‫سأفعل‪ "،‬أجابت‪ ،‬مكسورة وولدت من جديد في نفس الوقت‪" .‬ال تشك‪ .‬لن تضطر إلى الشكوى مني‪ .‬سأقوم بتوظيف جميع الموظفين"‬
‫"‪-‬الذين تطلب مني ذلك‪ .‬لن أفعل أي شيء في المنزل بعد اآلن‪ .‬أنا لن‬
‫"‪.‬آنا‪ .‬ما رأيك أن أهتم بكل ذلك؟ "سوف تكون مطيًع ا ومحترًما‬
‫لقد أصابها ذلك‪ ،‬وأصابها بشدة‪ .‬اشتعلت عيناها بوميض متبقي من التمرد‪ ،‬لكن النيران انطفأت عندما تنهدت مستسلمة‪ .‬اآلن‬
‫سأخبرك بما أريده حًق ا‪ ،‬يا زوجتي الحبيبة‪ ،‬فكر‪ ،‬وشعر بألم ممزوج بشعور رقيق ال يستطيع تجاهله في حفرة معدته‪ .‬سوف ينطفئ‬
‫‪.‬النور في عينيك وسيسيطر عليهم الخوف‬
‫"‪...‬سوف أكون‪ ،‬أقسم لك يا كريستوفر‪ ،‬أنا"‬
‫"‪.‬والليلة لن تقفل باب غرفتك"‬
‫توقفت آنا عن الكالم‪ ،‬وتوقفت عن الحركة‪ ،‬وتوقفت عن التنفس‪ .‬المجمدة بواسطة‬
‫‪.‬في هذه الفكرة‪ ،‬بدت وكأنها تتحول إلى عمود رخامي‪ ،‬أو باألحرى‪ ،‬قطعة من الطباشير جاهزة للتفتت إلى قطع عند أدنى لمسة‬
‫‪.‬استدار كريستوفر وغادر دون انتظار إجابتها‬
‫بدت الغرفة وكأنها تبتسم لها بألوانها الباستيل الناعمة‪ ،‬غريبة جًد ا في تلك اللحظة‪ ،‬عندما كان يجب أن يكون كل شيء أحمر‪ ،‬أسود‪،‬‬
‫‪.‬رمادي‪ ،‬أرجواني‪ .‬نظرت إلى مارغريت‪ ،‬كلها ممزقة‪ ،‬وصوت بداخلها يحكي لها قصة امرأة مكسورة‬
‫إنها تمشي عبر الغرف دون رؤية األشخاص الموجودين بالقرب منها‪ .‬تقضي أيامها دون أن تدندن بأي أغنية‪ ،‬دون أن تنظر ‪. . .‬‬
‫‪. . .‬إلى أي زهور‬
‫‪.‬فهل هذا هو المصير الذي كان ينتظرها؟ وكان هناك باب بين غرفتها وغرفة زوجها‬
‫)‪.‬لكنه ليس زوجك‪ ،‬أليس كذلك؟ ليس بعد‪ .‬سوف يصبح زوجك في غضون ساعات قليلة(‬
‫‪.‬كان هناك باب‪ ،‬ولن ُيغلق في تلك الليلة‬
‫كانت مارغريت عبارة عن بقعة أرجوانية على األرض‪ ،‬وتألقت تجعيداتها بشكل غريب بين شظايا الخزف‪ .‬كان جزء من وجهها ال‬
‫يزال سليًما‪ ،‬بينما اختفى الباقي‪ ،‬تارًك ا فجوة مروعة حيث كانت هناك عين زرقاء غامضة وابتسامة فخورة‪ .‬اقتربت آنا منها وركعت‬
‫‪.‬بجانبها‬
‫تمتمت قائلة‪" :‬عذرًا‪ ،‬ماجي"‪" .‬كان عليك أن تعاني هذه المرة‪ ،‬لكنه سيأتي ورائي قريًبا‪ ".‬وضعت يدها على بطنها‪ ،‬وتأرجحت ذهاًبا‬
‫"وإياًبا‪" .‬ماذا يمكنني أن أفعل؟ ماذا؟‬
‫ماثيو؟ هل يستطيع ماثيو مساعدتها؟ عادت بتفكيرها إلى عيني كريستوفر‪ ،‬إلى الحسم الذي سحق به مارغريت ألنه كان يعلم أن ذلك‬
‫سيؤذي آنا‪ .‬ال‪ ،‬ماثيو لم يستطع إيقافه‪ .‬ربما ‪ -‬ربما فقط ‪ -‬يمكنه إخفاء عائلة البطل‪ .‬أو مساعدتهم على الهروب‪ .‬لكن والدها ‪. . .‬‬
‫‪ . . .‬والدها‬
‫)هل تتذكرين العشب يا آنا؟ هل تتذكرينه بداخلك؟(‬
‫نعم‪ ،‬تذكرت‪ .‬وتذكرت األلم الفظيع الذي شعرت به‪ ،‬وتذكرت اعتقادها بأنها تريد الموت في ذلك اليوم‪ .‬لمست جانب الوجه الخزفي‬
‫الصغير الذي كان ال يزال سليما‪ .‬قالت وقد سقطت دمعة على القطع المكسورة‪" :‬لقد كنِت على حق يا ماجي"‪" .‬عاجال أم آجال‬
‫"‪.‬سنستسلم جميعا‬

‫‪.‬عاد كريستوفر إلى غرفته بعد العشاء‪ ،‬تارًك ا آنا ونورا مع األطفال في غرفة الطعام‬
‫خالل الوجبة قال القليل جدا‪ .‬لقد أزعجته جريس ودينيس باألسئلة حول وجهه المدمر‪ ،‬وفي الواقع كان من الغريب لو لم يفعلوا ذلك‪.‬‬
‫لم يقل أنتوني شيًئ ا‪ ،‬وكذلك السيد تشامبيون‪ .‬نظرت إليه نورا بارتياب ولم تبدو مقتنعة تماًما بإجاباته‪" :‬لقد اصطدمت بالستارة يا‬
‫‪".‬جريس‪ ،‬وال‪ ،‬لم أقاتل ملك البطاطس المهروسة‬
‫أجابت الفتاة الصغيرة‪" :‬هذا شيء جيد"‪" .‬عندما يكون المنتج مصنوًع ا من البطاطس المهروسة‪ ،‬فإنك ال تعرف أبًد ا ما يمكن توقعه‪.‬‬
‫"يمكن أن يتخذ أي شكل‪ ،‬لكن اللون يكون دائًما أصفر‪ .‬أليس هذا صحيًح ا يا آنا؟‬
‫‪.‬نظر كريستوفر إلى زوجته التي حاولت أن تبدو هادئة‬
‫أجابت ويدها ترتجف‪" :‬إال إذا واجهت ُمشكل المرق"‪ .‬عندما مرر لها كريستوفر الفاصوليا الخضراء‪ ،‬تسببت ارتعاشة يديها في‬
‫‪.‬سقوط إحداها عن الصينية‪ .‬كان يود أن يضع يده على يدها ليوقف حركتها غير المنضبطة‬
‫لم يكن قد أكل إال بالكاد‪ ،‬والتزم الصمت دون أن يشارك في أي من المحادثات‪ ،‬حتى عندما سأله دينيس‪« :‬هل سيبقى أنفك معوًج ا يا‬
‫»كريستوفر؟‬
‫‪.‬هز كتفيه دون أن يجيب‬
‫"‪.‬قالت جريس‪" :‬آمل ذلك"‪" .‬أنت أكثر وسامة بهذه الطريقة‬
‫كان لدى الفتاة الصغيرة فكرة غريبة إلى حد ما عما هو جميل‪ ،‬و‬
‫لم يعتبر كريستوفر ذلك مجاملة‪ .‬ألقى نظرة سريعة على زوجته‪ ،‬التي كان فمها يتجهم بتكشيرة مريرة‪ ،‬ولم يستطع أن يتحمل دقيقة‬
‫واحدة أخرى ليكون الشخص الوحيد الذي الحظ ذلك‪ .‬نهض بسرعة‪ ،‬متذرًع ا بأن أنفه يؤلمه‪ ،‬وذهب إلى غرفته‪ ،‬حيث ألقى بنفسه‬
‫‪.‬على السرير‬
‫‪.‬وكان ال يزال هناك بعد ما يقرب من ساعتين‪ .‬ساعتين من التفكير وذراعه فوق عينيه‬
‫يا إلهي ماذا أفعل؟‬
‫كان المكان مختلًف ا عما كان عليه قبل شهر‪ ،‬وكان الوضع مختلًف ا‪ ،‬لكن السؤال كان هو نفسه‪ ،‬والعنف سيكون هو نفسه‪ ،‬ولو لم يكن‬
‫في المرة األولى جعله وحًش ا‪ ،‬لكان قد تصرف مثله‪ .‬وحش دون أن يكون وحًش ا‪ ،‬أو هكذا كان يعتقد‪ ،‬واآلن ما هو التفسير اآلخر‬
‫الذي يمكن أن يكون هناك؟‬
‫)‪.‬لقد أعجبك ذلك يا كريستوفر‪ .‬لقد أحببت اغتصابها(‬

‫إن صورة زوجته ودانيال يدا بيد جعلته يقوي عزمه على األمر الذي بدأ يتعثر‪ .‬كم من الوقت قبل أن تصبح آنا عاشقة ألخيه غير‬
‫‪.‬الشقيق؟ سوف يتوقف عن ذلك‪ .‬وكانت زوجته وهللا‪ ،‬وال تشاركه إال فراشه‬
‫‪.‬قريبا جدا سوف تعود إلى غرفتها‬
‫جلس كريستوفر‪ ،‬وأراح مرفقيه على ركبتيه‪ ،‬ووضع رأسه بين يديه‪ .‬ألم يكن مثل والده؟ ألم يكن حقًا على وشك التالعب بقلب فتاة‬
‫صغيرة بطريقة متعمدة دون أي عذر قد يسمح له حتى بالتفكير في إمكانية وجود ضمير؟‬
‫‪.‬هي من تجبرني على فعل هذه األشياء‪ .‬هي‪ ،‬كل شيء لها‬
‫‪.‬قصف اليأس على صدغيه وفي صدره‬
‫وماذا يوجد باألسفل يا كريستوفر؟ أليست هذه إثارة؟ أنت(‬
‫)‪.‬ال أستطيع االنتظار ‪ -‬قل الحقيقة‬
‫القرف‪ .‬القرف‪ ،‬القرف‪ .‬فقام ونظر في المرآة‪ :‬كان لديه منتفخ‬
‫‪. . .‬أنفه‪ ،‬وجرح تحت إحدى عينيه‪ ،‬وكدمات في كل مكان‪ ،‬وهاالت سوداء حول عينيه‪ .‬آنا كرهته بالفعل‪ ،‬واآلن‬
‫‪.‬لن أؤذيها‪ .‬وسوف تزول هذه الكراهية لدانيال‪ ،‬ويختفي هذا الغضب عليها‬
‫سمع شخًص ا – زوجته – يدخل الغرفة المجاورة‪ ،‬وبدأ قلبه ينبض بجنون‪ .‬ال أستطيع إال أن أقتصر على التحدث معها الليلة‪ ،‬فكر‬
‫‪.‬وهو يفتح ويغلق قبضتيه ليهدأ‬
‫‪.‬أنا لست وحشا‪ ،‬وهللا‪ .‬أنا لست والدي‬
‫انتظر حوالي عشر دقائق‪ ،‬ثم سار نحو الباب الممنوع الذي أزعجته بأغنيتها العذبة والرهيبة لمدة عشر ليال‪ .‬لن أدخل‪ ،‬قال في‬
‫‪.‬نفسه‪ .‬سأخبرها من الباب أنها إذا كانت ال تريدني فسوف أبقى بالخارج‬
‫لكن يده وصلت مباشرة إلى مقبض الباب وأنزلته برفق‪ ،‬كما لو كان مصنوًع ا من الزجاج‪ .‬للحظة مخيفة‪ ،‬ظن أنه يشعر بمقاومة‪،‬‬
‫‪.‬كما لو كان مغلًق ا‪ ،‬لكنه بعد ذلك دفع إلى األمام بأصابعه وفتح الباب بسهولة‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪29‬‬
‫!ما أسرع ما تأتي أسباب الموافقة على ما نحب‬
‫جين اوستين‪-‬‬
‫كانت آنا تقف بالقرب من النافذة عندما دخل كريستوفر إلى غرفتها‪ .‬أدارت ظهرها إلى الباب وكانت تنظر للخارج‪ .‬كانت ترتدي‬
‫ثوب نوم يصل تقريًبا إلى األرض‪ ،‬وكان عملًيا للغاية ولكنه ليس أنثوًيا‪ .‬لم يكن شعرها الطويل مسجوًن ا في الكعكة التي احتفظت بها‬
‫دائًم ا‪ ،‬بل تم سحبها إلى الخلف على شكل ذيل حصان ناعم نزل على ظهرها‪ .‬عندما نظر كريستوفر إلى شعرها‪ ،‬أصبح فمه جاًف ا‪،‬‬
‫‪.‬وعلم أنه كذب للتو على نفسه‪ .‬سوف يأخذها – وفي تلك الليلة‬
‫استدارت آنا نحوه في الغرفة المضاءة بشمعة‪ ،‬ودخل ضوء القمر عبر الستائر المفتوحة‪" .‬أنت ال تضحك يا سيدي؟" هي سألت‪.‬‬
‫"أمسكت بنفسها بقوة في حضن انفرادي‪ ،‬ويدها اليسرى ملفوفة حول ذراعها األيمن‪" .‬هل تريد مني أن أعطيك جولة من التصفيق؟‬
‫لم يتوقع كريستوفر مثل هذا الهجوم المباشر‪ .‬أخذ نفسا عميقا ورفع يديه لتهدئتها‪ " .‬آنا ‪ ." . .‬تمتم‪ .‬أنا حقا بحاجة لجعل الحب لك‪.‬‬
‫"‪".‬ال أريد أن أؤذيك‬
‫ابتسمت‪ ،‬ولكن لم يكن هناك أي شيء مبهج يمكن العثور عليه في الثنية الملتوية لشفتيها‪" .‬أنت ال تريد أن تؤذيني‪ ،‬أنا أفهم‪ .‬لديك‬
‫حس دعابة غريب‪ ،‬هل سبق ألحد أن أشار لك بذلك؟‬
‫"‪ -‬لن يكون األمر مؤلًما يا آنا‪ .‬إذا كنت خائًفا"‬
‫"‪.‬أنا لست خائفا‪ .‬أنت ببساطة تثير اشمئزازي"‬
‫)وماذا عن ذلك يا كريستوفر؟ كم يؤلمك ذلك؟(‬
‫‪،‬ألم تقل أنك ستكون أكثر حذرًا؟" سألها"‬
‫يشعر بألم في صدره‪" .‬هذه ليست بالضبط الكلمات التي كنت أتوقعها‬

‫"‪.‬لكى اسمع‬
‫أوه‪ ،‬لكن كلماتي ال تهمك‪ ،‬ليس حًقا يا سيدي‪ .‬أنا«‬
‫افهم االن‪ .‬كل تلك األشياء التي تحديتني بها بعد ظهر هذا اليوم – كل هذه التفاهات – لم تكن سوى مهزلة‪ .‬أليس كذلك؟" لم يقل‬
‫كريستوفر شيًئ ا‪ ،‬وتابعت‪« :‬ال أفهم سبب رغبتك في اللجوء إلى هذه الحيلة‪ .‬كان بإمكانك أن تأخذني في أي وقت دون موافقتي‪ ،‬كما‬
‫»‪.‬تعودت‬
‫هذه ليست الطريقة التي أريدك بها‪ .‬لقد أخبرتك بذلك بالفعل‪ ".‬تقدم نحوها لكن االحتقار على وجهها جعله يتوقف‪" .‬إذا أعطيتني "‬
‫"فرصة‪ ،‬سأجعلها ممتعة‬
‫‪.‬بدت كما لو أنه ضربها بيد مفتوحة‪" .‬أنت تجعلني مريضا يا سيدي‪ .‬افعل ما يجب عليك‪ ،‬ولكن ال تطلب مني أي شيء آخر‬
‫تنهد كريستوفر‪ .‬يا إلهي‪ ،‬األمر ليس سهًال ‪ .‬قال‪" :‬اسمع"‪ .‬ركض يده من خالل شعره‪ ،‬وخفض رأسه‪" .‬ليست هناك حاجة ألن تنظر‬
‫إلي كما لو أنني على وشك تقطيعك إلى ألف قطعة‪ .‬إنه أمر طبيعي ل‪ . . .‬أنت زوجتي‪ ،‬وأنت تعرف ذلك‪ .‬وأنا متأكد من أنك تريد‬
‫‪.‬أطفااًل‬
‫"‪.‬ليس منك"‬
‫)‪.‬ليس منك يا كريستوفر(‬
‫‪.‬بالنسبة لك‪ ،‬أنا الوحيد هنا‪ ،‬وحان الوقت لقبول ذلك"‬
‫"‪.‬ولهذا السبب أنا هنا الليلة‬
‫‪.‬ال‪ .‬أنت حقير‪ ،‬ولهذا أنت هنا الليلة"‬
‫"‪.‬أنا زوجك‪ ،‬آنا‪ .‬من حقي أن أطلب منك ذلك"‬
‫الحق‪ . . .‬؟ أنت؟" هزت رأسها ببطء بعدم تصديق"‬
‫"‪.‬ينفي حتى إمكانية سماع تلك الكلمات‪ .‬تمتمت قائلة‪" :‬يا إلهي‪ ،‬ولديك أيًض ا الشجاعة للنظر في عيني بينما تقول ذلك‬
‫‪. . ".‬آنا‪ ،‬استمعي"‬
‫"وهل كان هذا هو سبب ضربك دانيال؟"‬
‫إن قول هذا االسم لم يكن بالضبط أذكى خطوة‪" .‬ال أعتقد أنني‬
‫"‪.‬أجاب‪" :‬أحتاج إلى سبب خاص لشق وجه ذلك المهرج"‪" .‬وجهه موجود لهذا السبب على األرجح‬
‫أوه‪ ،‬لقد "شقت" وجهه بالتأكيد‪ "،‬وافقت‪ ،‬وألقت نظرة فاحصة على وجه كريستوفر المدمر‪ .‬لمعت بعض الحيوية في عينيها عندما "‬
‫تحدثت‪ .‬على الرغم من أنها فكرت في ألمه‪ ،‬إال أنها لم تستطع إال أن تشعر ببعض الفرح‪" .‬إنه ألمر جيد أنك سعيد جًد ا بذلك‪ ،‬ألنه‬
‫بعد هذا الشجار التنويري الذي حدث بعد ظهر هذا اليوم‪ ،‬أصبح وجهك يحمل عالمة مذهلة‬

‫‪.‬تشبه القيء القط‪ .‬وأنا مهذب للغاية بحيث ال أستطيع أن أوضح لك أنه لو كانت معركة عادلة‪ ،‬لكان دانييل قد هزمك على األرجح‬
‫ال‪ ،‬آنا‪ .‬لقد خسر‪ .‬وكذلك أنت‪" .‬أنصحك بأن تكون حذرًا فيما تقوله‪ .‬ال تدافع عن الخاص بك‪ . . .‬دانيال ‪ . . .‬أمامي‪ ،‬ألنني في المرة‬
‫‪.‬القادمة سأفعل أكثر من مجرد صفعه قليًال‬
‫"‪...‬وميض الخوف في عينيها‪" .‬اتركه وشأنه" أمرت بسرعة‪" .‬سوف تتركه بمفرده‪ ،‬يا كريستوفر‪ ،‬أو أنا‬
‫"أو ماذا؟"‬
‫قالت بسرعة‪" :‬سيدي‪ ،‬ال تغضب منه"‪" .‬لم يكن لخطوبتنا القصيرة أي عالقة بك‪ ،‬على األقل‪ ،‬ليس حتى اليوم‪ .‬ال أعرف مدى‬
‫»‪.‬معرفتك باألمر‪ ،‬ولكن اعلم أنه ليس بيني وبين دانيال سوى صداقة حميمة‬
‫صداقة وثيقة – بالطبع‪ ،‬فكر كريستوفر‪ .‬وذلك الصديق المقرب سيكون اآلن زوجك لوال ما فعلته بك‪ .‬وبالتأكيد لن تنظر إلي بتلك‬
‫‪.‬العيون‪ ،‬أليس كذلك؟ تلك العيون اللعينة مليئة بالكراهية‬
‫فسكت‪ ،‬وتابعت زوجته‪« :‬من أخبرك بذلك بالمناسبة؟ أبوه؟" انتظرت إجابة‪ ،‬لكن لم يأت أحد‪" .‬خطوبتنا بالكاد استمرت نصف يوم‪،‬‬
‫‪.‬كما تعلم‪ .‬وال حتى أنت يمكن أن تكون من الحماقة بحيث تفكر كثيًر ا في األمر‬
‫شاهدها كريستوفر بأعين ضيقة لفترة طويلة‪ .‬عرفت آنا كيف تكذب عندما أرادت ذلك‪ ،‬لكن شحوبها وألمها خاناها‪ .‬أجابني بفظاظة‬
‫‪».‬متعمدة‪« :‬إذا أبقيته بعيًد ا عن أشيائي‪ ،‬فلن يكون لديه ما يخشاه‬
‫أصابها هذا القذارة حيث أرادها‪ :‬في بطنها‪" .‬هل يسعدك كثيًر ا عندما تشير إلّي بـ "الشيء المفضل لديك"؟" بصقت هذه الكلمات في‬
‫"‪.‬غضب عاجز‪" .‬ولكن سيأتي اليوم الذي لن تضحك فيه بعد اآلن‬
‫‪.‬ثم ضحك ليؤذيها أكثر‬
‫‪.‬هل تهددين بقتلي مرة أخرى‪ ،‬آنا؟ ألنك تقول ذلك منذ فترة طويلة‪ ،‬وما زلت في صحة مثالية"‬
‫أنت لست بصحة جيدة يا سيدي‪ .‬أنت مخطئ‪ .‬أنت مريض‪ ،‬وفاسد من الداخل‪ ،‬ومثير لالشمئزاز‪ .‬اشتعلت عيناها باالشمئزاز‪" .‬‬
‫»"وليس لديك حتى القليل من الكرامة‪ .‬أال تستحي أن تأخذ امرأة تجدك جذابة مثل قشرة األبرص؟‬
‫‪.‬بدت لهجتها متفاجئة بشكل مؤلم وحقيقي‪ ،‬وشعر كريستوفر بأن غضبه يتصاعد إلى دماغه ويحرمه من الوصول إلى العقل‬

‫يا إلهي‪ ،‬هذه الفتاة تعرف دائًم ا متى تقول الشيء الخطأ‪" .‬يا آنا‪ ،‬تلك هي الكلمات التي ال ينبغي عليك قولها‪ ،‬وخاصة هذه الليلة‪".‬‬
‫حاول أال يرفع صوته‪ ،‬لكنه خرج مشوًه ا على أية حال‪ .‬الى الجحيم مع هذا‪ .‬لقد حان الوقت إلنهاء األمر‪" .‬واآلن دعونا ننتهي من‬
‫"‪.‬هذه المحادثة غير السارة وننتقل إلى أشياء أكثر إمتاًع ا‪ ،‬أال تقولين ذلك؟ لمرة واحدة أعتقد أنني سوف أستمتع بك‪ . . .‬شركة‬
‫‪.‬وسرعان ما اتخذ خطوتين كبيرتين تجاهها‪ ،‬وتوقف أمامها‬
‫"كيف استطعت؟" سألته آنا دون انفعال‪" .‬كيف يمكنك الحصول على المتعة من امرأة ال تريدك؟"‬
‫‪».‬أوه‪ ،‬في نواٍح عديدة‪ "،‬أجاب بابتسامة قاسية‪« .‬وسأعلمك إياها كلها"‬
‫آنا مالت رأسها إلى الجانب ونظرت بعيدا‪ .‬كان غير مبال وبعيدا‪ .‬كان األمر كما لو أنه لم يكن أمامها‪" .‬أطلب منك فقط أن تفعل ذلك‬
‫"‪.‬على عجل‬
‫‪.‬آنا‪ ،‬أنظري إلي‬
‫أمسك ذراعها فجأة وكان عليها‪ ،‬وسحقها على الحائط‪ ،‬وألحق بها األذى عمدا‪ .‬ضغط جسدها الناعم على أجزائه األكثر حساسية‪ .‬وما‬
‫‪.‬زالت لم تنظر إليه‪ .‬كانت ال تزال تبدو وكأنها تمثال بال روح‪ .‬وضع يده على خدها وأدار وجهها نحوه‪ .‬وما رآه صدمه‬
‫)ولكن ماذا تفعل يا كريستوفر؟(‬
‫الرجل المحكوم عليه باإلعدام‪ ،‬الذي يقف على المشنقة بينما يتم وضع غطاء الرأس فوق رأسه‪ ،‬سيكون له نفس التعبير في عينيه كما‬
‫كانت لدى آنا آنذاك ‪ -‬مفتوحة على مصراعيها ومستعدة إللقاء نظرة على آخر لحظة من الضوء‪ .‬لقد أخفت زوجته وراء كلمات‬
‫التحدي التي قالتها عاطفة بدائية ال يمكن السيطرة عليها ‪ -‬تلك المشاعر التي تجعل الطفل يبكي في المهد‪ ،‬ألنه حتى قبل أن يعرف ما‬
‫‪.‬هي الحياة‪ ،‬فإنه يخشى الموت بالفعل‬
‫"‪.‬أوه‪ ،‬آنا‪ ،‬عزيزتي‪ "،‬تمتم‪" .‬لكنك خائف"‬
‫كان هناك ألم في حلقه‪ ،‬وكان جديًد ا‪ ،‬ال هوادة فيه‪ ،‬وحاًد ا‪ .‬لقد كان ألم الخوف الذي نسيه منذ سنوات‪ .‬ليس لدي سوى هذه الفرصة‪،‬‬
‫فكر في لحظة الذعر الذي توقف عن التنفس‪ ،‬وإذا أخطأت سأقتلها من الداخل وسأموت أيًض ا‪ .‬لماذا كان يفعل هذا بزوجته؟ لماذا‬
‫يجرها إلى هذا االنتقام مثل الخروف للذبح؟ نظر إلى زوجته‪ ،‬وعينيها مفتوحتين على اتساعهما‪ ،‬وخصالت شعرها تحيط بوجهها‪،‬‬
‫‪.‬وبشرتها الشاحبة الشفافة في ضوء القمر‪ .‬لكنك لن تموت بين ذراعي الليلة‬

‫‪.‬ابتعد كريستوفر عنها ووضع يديه على الحائط بجوار رأسه‪ ،‬ولوح فوقها دون أن يلمسها‬
‫‪.‬آنا‪ ،‬ال تخافي مني‪ ".‬انحنى صدغه إلى الجانب‪ ،‬ولمس راتبها بخفة"‬
‫‪.‬وفكرت‪ ،‬هذا األلم‪ ،‬ذلك األلم الفظيع‪ ،‬قريًبا جًد ا‬
‫لقد وعدت نفسها بعدم البكاء‪ ،‬لكن وعود الروح المكسورة ال تساوي الكثير‪ ،‬أليس كذلك؟ قريبا جدا سوف أنتهي‪ .‬مارغريت تنتظرني‬
‫بالفعل في صندوقها‪ .‬قريًبا جًد ا ستتدمر ابتسامتي‪ ،‬مثل ابتسامتها‪ ،‬وسيكون لدي أيًض ا هذا الثقب في وجهي‪ .‬سوف تسقط عيني بعد‬
‫‪.‬ذلك أيًضا‬
‫"‪.‬آنا‪ ،‬استمعي‪ ".‬رفع زوجها ساعديه عن الحائط واقترب منها‪ .‬وضع جبهته حتى شعرها‪" .‬ال أريد أن أؤذيك‪ .‬ال تبكي"‬
‫لكن آنا لم تكن قادرة على التوقف‪ ،‬ألنها أدركت فجأة الحقيقة الصادمة‪ :‬أنها هي الشريرة‪ ،‬وليس هو‪ .‬لقد كانت هي التي كان من‬
‫‪.‬المفترض أن تنقذ عائلتها‪ ،‬ولم تستطع ذلك‪ .‬وبقدر ما أرادت ذلك‪ ،‬لم تستطع ذلك‪ ،‬وال بعد ألف عام‬
‫ربي اغفر لي‪ .‬أنتوني‪ ،‬دينيس‪ ،‬غريس‪ ،‬وجميع من أوكلوا لي حياتهم دون أدنى شك‪ ،‬سامحوا لي‪ .‬أنا على وشك خيانتك يا حبيبي‪ .‬أنا‬
‫‪.‬على وشك ارتكاب الجريمة التي ستدينني إلى األبد‬
‫"!ال أستطيع أن أفعل ذلك يا كريستوفر!" انفجرت وهي تبكي من اليأس‪" .‬من فضلك‪ ،‬أتوسل إليك! ال تطلب مني أن أفعل ذلك"‬
‫‪.‬ذكرى ‪ -‬صوت مدفون بالذنب ‪ -‬قال بداخلها‪" :‬لقد كان خطأي‪ .‬هل تفهم؟ لو لم أهرب في ذلك اليوم لكنت أنقذتها‬
‫"!سامحني من فضلك‪ ،‬وال تلوم عائلتي"‬
‫ارتجفت أكتافها دون كرامة‪ ،‬وبللت دموعها ثوب النوم القطني الخفيف‪ .‬وضعت ذراعيها حول زوجها‪ ،‬ودفنت وجهها في صدره‪،‬‬
‫وشعرت به يرتجف قليًال ‪" .‬كريستوفر‪ ،‬أال تفهم؟ سأفعل لو كان بوسعي‪ ،‬لكني ال أستطيع! اللهم اغفر لي ‪ . . .‬ال أستطيع أن أفعل‬
‫!ذلك‪ . . .‬ال أستطيع أن أفعل ذلك‬
‫‪.‬لقد سلبها رعبها عقلها‪ ،‬وتمسكت به بقوة‪ ،‬كما لو كانت تبحث عن الحماية‪ ،‬متشبثًة بأي شيء لتمنعه من السقوط‬

‫لألبد‪ .‬بكاءها اليائس منعها من قول المزيد‪ .‬لم يكن هناك هواء في رئتيها‪ ،‬وكانت تأخذ فترات طويلة ومؤلمة من نفس إلى آخر‪.‬‬
‫‪.‬وكان رأسها يضغط على صدر زوجها في طلب عزاء سخيف‬
‫وقف كريستوفر ساكًن ا لبضع لحظات‪ ،‬ثم سحب ذراعيه من الحائط واحتضنها حول كتفيها‪ .‬قام بمسح شعرها بيد واحدة‪ ،‬وأعطاها‬
‫قبالت صغيرة على أعلى رأسها‪" .‬صه‪ "،‬تمتم‪" .‬كل شيء على ما يرام‪ ".‬كان يهزها ببطء‪ ،‬ويتمايل بلطف‪ .‬وكرر‪" :‬كل شيء على‬
‫"‪.‬ما يرام‪ ،‬ال تقلق"‪" .‬ال تبكي‬
‫استمر في هزها وتقبيل شعرها حتى هدأ بكاؤها‪ ،‬األمر الذي استغرق إلى األبد‪ .‬وعندما انتهت دموعها أخيًر ا‪ ،‬استمرت آنا في البكاء‬
‫بجرعات كبيرة من الهواء بين ذراعيه‪ ،‬في عناق غريب بين الضحية والجّالد‪ .‬لم تستطع التفكير في عواقب رفضها؛ أرادت أن‬
‫تنسى كل شيء في هذا الدفء غير العادل والمريح‪ ،‬والذي كانت متأكدة من أنه سيطاردها في اليوم التالي‪ .‬لم تنظر لألعلى‪ .‬لم تكن‬
‫‪.‬مستعدة لقراءة حكم اإلعدام في عينيه‬
‫)ماذا فعلت يا آنا؟(‬
‫‪.‬وضع كريستوفر يده على خدها ورفع وجهها؛ التقت عيونهم‬
‫آنا"‪ ،‬تمتم وهو يخفض رأسه ويضع شفتيه الدافئتين على خدها‪ ،‬وقد بردته الدموع‪" .‬استمع لي‪ .‬سأكتفي ببعض القبالت الليلة‪ ،‬ما "‬
‫رأيك؟ فقط عدد قليل من المداعبات‪ .‬لن أطلب المزيد‪ ،‬لن أؤذيك‪ ،‬ال‪ . . .‬لن أمارس الحب معك‪ ".‬وضع يده على ظهرها واحتضنها‬
‫"بلطف بينما كان ينتظر إجابتها‪" .‬هل يمكنك إدارة؟‬
‫هل يمكنها ذلك؟ هل يمكنها أن تقبل أن يلمسها مثل هذا الرجل الشنيع‪ ،‬الذي يرغب في تهديد عائلتها ‪ -‬العائلة التي تحبه وترحب به‬
‫كل ليلة مثل االبن؟ هل يمكنها إرضاء الرجل الذي يسحق الضعفاء واألبرياء بشكل روتيني‪ ،‬كما كشف دانيال؟ هل يمكنها أن ترضي‬
‫رجًال ألقى بها بعد ظهر أحد أيام يوليو‪/‬تموز على العشب‪ ،‬وانتهك أحالمها‪ ،‬واغتصب ذكرياتها؟ تساءلت وفمه على خدها وحرارته‬
‫المشتعلة عليها‪ :‬هل يمكنني أن أفعل ذلك؟‬
‫وماذا كان البديل؟ وتضرب من جديد بخنجر الخيانة على أحبابها؟‬
‫‪.‬لدي فرصة ثانية‪ .‬يمكنني اتخاذ خيار مختلف‪ .‬كم مرة يحدث ذلك في الحياة؟ "هل سيكون هذا كافيا بالنسبة لك؟" سألته في همس‬

‫نعم‪ ".‬تحدث على خدها‪ ،‬وقام بتدفئة وجهها‪ ،‬ولم يكن الصوت الذي أصدره أكثر من مجرد نفس‪" .‬ال يجب أن تخاف‪ ،‬هل ترى؟ لن "‬
‫"‪.‬أذهب ‪ . . .‬لن أدخل إلى داخلك‬
‫"أنت ال تكذب علي؟"‬
‫ال‪ ".‬تنفس زوجها بحماس على بشرتها‪" .‬أقسم باهلل يا آنا‪ .‬دعني أعانقك وأقبلك لبضع دقائق فقط‪ . . .‬فقط عدة دقائق ‪ . . .‬ال يمكنك "‬
‫"‪.‬أن تتخيل مدى حاجتي إليه‬
‫أدار رأسه إلى الجانب باحًث ا عن شفتيها‪ .‬أبقت آنا عينيها مفتوحتين بينما كان فمه يلمس فمها‪ .‬شعرت بحرارته ثم بلسانه الذي كان‬
‫بطيًئ ا ولطيًف ا ومتملًك ا في الوقت نفسه‪ .‬شعرت بتشنج في بطنها وأغلقت عينيها‪ .‬تشنج من الرعب‪ ،‬أو من ذكرى دامعة‪ ،‬وشيء آخر‬
‫‪.‬لم تستطع تحديده‬
‫"قبلها كريستوفر ببطء‪ ،‬دون اعتداء‪ .‬أمسكها‪ ،‬ثم حرك فمه على جلدها‪ ،‬وسألها‪" :‬آنا‪ ،‬هل أنا بغيضة بالنسبة لك إلى هذا الحد؟‬
‫لم تجب بل أعادت فتح عينيها على نبرته الغريبة والحزينة‪ .‬ما المشكلة مع زوجي؟ لماذا يتصرف بهذه الطريقة السخيفة وغير‬
‫المتسقة؟‬
‫‪.‬لماذا ‪ . . .‬لماذا تفعل هذا بي؟" سألته في همس"‬
‫إنه خطأك‪ ،‬كل ما لديك‪ ." . .‬أجاب بيأس‪ ،‬خده ضد راتبها‪" .‬لقد سحرتني‪ ،‬وال أستطيع‪ ." . .‬كانت شفتيه تالمسها بخفة مما جعلها "‬
‫‪ . . ".‬ترتجف قليًال‪" .‬أنت ال تعرف‪ . . .‬كم أردت‪ . . .‬كم يا إلهي‬
‫قبلها مرة أخرى‪ ،‬وشعرت بالدوار جعلها تتمسك به‪ ،‬وتمسك أصابعها بثوبه لتثبت نفسها‪ .‬أوه‪ ،‬هذا الرجل قاسي للغاية‪ ،‬ذّك رت نفسها‪.‬‬
‫حتى قبالته كانت قاسية‪ ،‬ألن ذلك التشنج في بطنها ظل ينمو‪ .‬ارتفع إلى صدرها وأعلى‪ ،‬مباشرة إلى دماغها‪ .‬عاد زوجها إلى‬
‫شفتيها‪ ،‬يستعيدهما‪ ،‬يعضهما‪ ،‬يلمسهما بلسانه‪ ،‬حول حوافهما‪ .‬يده على مؤخرة رقبتها سحبتها نحوه‪ ،‬ودفعت لسانه بالكامل إلى فمها‪.‬‬
‫هزتها تهوره‪ .‬الخوف ممزوج بتلك المشاعر التي ال يمكن تحديدها‪ ،‬ولكن أي منها؟ ما الذي كان يخلق ذلك الدفء في بطنها؟ هل‬
‫‪ . . ".‬كان الذعر أم الكراهية؟ ومهما كان األمر‪ ،‬فقد جعلها تقول له‪« :‬كريستوفر‪ . . .‬ال‬
‫‪. . ".‬خمس دقائق ‪ . . .‬من فضلك يا من فضلك‪ . . .‬فقط خمس دقائق أخرى"‬

‫دفعها نحو الحائط‪ ،‬وشعرت آنا بشيء قوي يضغط على لحمها‪ ،‬مستعًد ا اللتهامها‪ .‬فتحت عينيها فجأة‪ ،‬واضعة يديها بين صدرها‬
‫"‪...‬وصدر زوجها‪" .‬كريستوفر!" انها الهث‪" .‬كريستوفر‪ ،‬ال‪ ،‬ال‬
‫‪. . ".‬أقسمت ‪ . . .‬أنت تعرف ‪ . . .‬أوه‪ ،‬آنا‪ "،‬قال بصوت أجش‪" .‬أعطني ‪ . . .‬دقيقة واحدة فقط"‬
‫تفوح رائحة بسكويت الشوكوالتة والقرفة من أنفاسه؛ كادت أن تتذوقه عليه وهو يعضها قليًال على شفتيها‪ ،‬ويلعقها بهدوء‪ ،‬ويقبلها‬
‫بخفة‪" .‬رائحتك ‪ ." . .‬تمتم قائًال‪" :‬رائحتك تجعلني أشعر بالجنون‪ . . .‬ولكن ما هو؟" لمس بيديه جسدها وثدييها ووركيها‪ .‬وضع فمه‬
‫‪.‬على رقبتها‪ ،‬فأطرقت رأسها وهي ترتجف‪ .‬هناك شيء خاطئ معي‪ ،‬يا إلهي‬
‫‪.‬أوه‪ ،‬آنا‪ "،‬تمتم‪ ،‬ومرر إحدى يديه بين ساقيها‪ ،‬وضغط على قماش ثوب النوم"‬
‫!ال‪ ،‬هذا ال يمكن أن يكون صحيحا‪" .‬ال ‪ . . .‬كريستوفر‬
‫‪. . ".‬عناق ‪ ." . .‬قال بصعوبة‪" .‬إنه ‪ . . .‬عناق"‬
‫الذي ‪ -‬التي؟ أهذا ما يقصده بـ "المداعبات"؟ يا هللا يا هللا ‪ . . .‬إذا هذا‬
‫هو كيف ينوي تأكيد تقديمي‪ .‬من خالل إعطائي المتعة‪ ،‬وإجباري على اإلجابة‪ .‬شعرت بالحرارة‪ ،‬وضيق التنفس‪ ،‬وقلبها ينبض‬
‫بجنون‪ .‬لقد كانت خائفة‪ ،‬وكان هو أكبر منها بكثير وأكثر همجيًة بكثير‪ .‬و بعد ‪ . . .‬ومع ذلك‪ ،‬كانت هناك بالفعل تلك األوقات ‪ -‬تلك‬
‫األوقات اللعينة التي اضطرت فيها إلى التوقف والنظر إليه شارد الذهن ضد إرادتها ‪ -‬بدا فيها لطيًفا تقريًبا‪ ،‬وتغيرت عيناه فيها لجزء‬
‫من اللحظة‪ .‬في تلك اللحظات‪ ،‬أصبح وجهه الجدي أخف وزنا‪ ،‬وأصبحت عيناه طفولية‪ ،‬أعزل‪ ،‬وحتى حزينة‪ .‬لكن ال يمكن أن يكون‬
‫هناك أي خير فيه‪ ،‬فال بد أنها أخطأت في ذلك‪ .‬إن الشعور الذي ال يدعمه المنطق على اإلطالق ال يمكن أن يهزم آالف األدلة على‬
‫روحه الشريرة‪ .‬تلوح في األفق كريستوفر‪ .‬وقف فوقها بقوته الهائلة‪ ،‬وحرارته‪ ،‬ورائحة بشرته الحلوة المنعشة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وعلى‬
‫‪.‬الرغم من سخافتها‪ ،‬فقد تبين أن مداعباته القسرية كانت حساسة وغير مرحب بها‪ ،‬على الرغم من ذعرها من أن ذلك كان خطأ‬
‫)أال تتذكرين بعد اآلن من هو هذا الرجل يا آنا؟(‬
‫ليساعدني هللا‪ .‬شعرت أن الجزء األكثر حميمية من جسدها يطلق حرارة سائلة بينما كانت يده تفرك على ثوب نومها‪ .‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬القماش‬
‫سوف يتلطخ‪ ،‬فكرت بطريقة غير متماسكة‪ .‬ال أستطيع أن أتسخ‪ ،‬ال أستطيع‪ . . .‬ومع ذلك‪ ،‬إلى جانب القلق‪ ،‬كانت هناك متعة حسية‬
‫‪.‬ال يمكنها تجاهلها‪ .‬كان عقلها وجسدها كيانين‪ ،‬كل منهما يتقاتل من أجل أهداف مختلفة ال يمكن التوفيق بينها‬

‫‪.‬أوه‪ ،‬حبيبي‪ ،‬حبيبي‪ ." . .‬تمتم لها‪ ،‬قبلها خلف أذنها‪ ،‬ولعقها بهدوء ورفع قميص نومها ببطء بإصبعه‪ ،‬باحًث ا عنها"‬
‫ال‪ ،‬أنا مبلل هناك‪ . . .‬ال يجب عليك‪ ،‬ال تفعل‪" . . .‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬كريستوفر!" حاولت إيقاف يده‪ ،‬لكن يده كانت أقوى‪ ،‬فمد يده إليها‪ .‬لقد‬
‫‪.‬لمسها حيث كانت األكثر سخونة‪ ،‬حيث كانت غير محتشمة‬
‫جعلها الخجل تخفض رأسها‪ ،‬لكن ال يبدو أن جسدها يشعر بأي ندم‪ .‬لقد أراد المزيد؛ لقد أرادت خيانتها‪ ،‬ألن زوجها اختار الطريقة‬
‫األكثر قسوة وحالوة إلثبات مدى انتمائها إليه‪ ،‬ومدى ارتباطها به بشكل ال ينفصم‪ .‬آنا لم تستسلم؛ لم تستطع االستسالم‪ .‬أغلقت ساقيها‬
‫‪.‬بإحكام‬
‫"‪.‬دعني أعانقك من فضلك‪ "،‬توسل إليها‪" .‬ال تخفي نفسك يا عزيزي"‬
‫اقترب من فمها‪ ،‬ورفع وجهها المذل‪ ،‬وبدأ في خلع قميص نومها‪ .‬هل يريد خلع مالبسي؟ تساءلت آنا‪ ،‬مستاءة‪" .‬ال!" تراجعت خائفة‪،‬‬
‫‪.‬ووضعت يديها على يده‪ ،‬وفتحت عينيها‬
‫خفض كريستوفر جبهته ليلمس جبهتها‪" .‬أردت فقط ‪ . . .‬قال وهو يواجه مشاكل في إخراج الكلمات‪" :‬أقوم بلمسك"‪" .‬ال تقل لي ال يا‬
‫آنا‪ ،‬ال تفعل ذلك‪ . . .‬فقط عدد قليل من المداعبات‪ . . .‬خمس دقائق‪ .‬دقيقة واحدة ‪ . . .‬واحد‪ ،‬من فضلك‪ ،‬واحد فقط‪ ." . .‬قبلها مرة‬
‫‪.‬أخرى وترك ثوب النوم الذي سقط على قدميها‪ .‬قال تعالي وهو يمسك بيدها ويسحبها نحو السرير‬
‫)في السرير يا آنا‪ .‬إنه يريدك في السرير‪ .‬وأنت تعرفين ما سيفعله بك عندما يكون هناك‪ ،‬أليس كذلك؟(‬
‫‪ . . ".‬آنا لم تتحرك‪ .‬لم تضطجع له كالفريسة فيأكلها فكاه‪ .‬لقد استاء من الذعر الذي مألها وجعلها عمياء‪" .‬ماذا ‪ . . .‬؟ ال‬
‫اقترب من فمها مرة أخرى‪ .‬همس قائًال ‪" :‬أريد فقط أن أضمك يا آنا‪ ،‬فقط أضمك"‪ .‬قبل رقبتها وهو يتنفس عليها‪" .‬فقط لحظات قليلة‬
‫‪. . ".‬بالقرب منك‬
‫‪.‬ثني ركبتيه قليًال ورفعها بين ذراعيه دون عناء‪ .‬كانت آنا مستندة إلى صدره‪ ،‬محاصرة ضده‬
‫)‪.‬قل ال‪ .‬اطلب منه المغادرة‪ .‬اآلن(‬
‫قصف الخوف في جسدها ورأسها‪ .‬كانت حرارته تحيط بها‪ .‬سمعت دقات قلبه واستنشقت رائحته‪ .‬أغلقتها‬

‫‪.‬عيون ولم يقل ال‬


‫وضعها في منتصف السرير وأزال قميصه‪ .‬و‬
‫"‪.‬وعندما استلقى بجانبها كان صدره عاريًا‪ .‬همس وهو يفرك بطنها بيده‪" :‬كم أنت جميلة يا آنا"‪" .‬كم أنت جميلة يا عزيزتي‬
‫"‪...‬أذهلها دفء جلده وجعل الدموع في صوتها‪" .‬كريستوفر‪ ،‬من فضلك‪ ،‬أنا‬
‫‪. . ".‬ال‪ ،‬ال تخافوا‪ ".‬قبل فمها بينما كان يداعب شعرها ببطء‪" .‬انا اريد التمسك بك ‪ . . .‬فقط للحظة"‬
‫بقيت آنا على ظهرها‪ ،‬لكنه ‪ . . .‬بدأ مرة أخرى في خلع ثوب نومها‪ ،‬و‪ . . .‬يا إلهي‪ ،‬ال‪ ،‬هل كان يريد حًق ا رؤيتها عارية؟ "ال يا‬
‫كريستوفر‪ ." . .‬غطت عينيها بيديها‪ ،‬وهي ال تعرف ماذا تفعل‪ .‬هل يمكنها أن ترفض؟ وتساءلت‪ ،‬باإلضافة إلى الذعر ‪ -‬وربما‬
‫"‪...‬الكراهية أيًض ا ‪ -‬كانت لديها فكرة سخيفة وغير متوقعة‪ :‬وماذا لو لم يجدني جميلة؟ "ال تخلع مالبسي‪ ،‬ال‬
‫صه‪ . . .‬انتظر ‪ ." . .‬انحنى زوجها إلى الجانب وأطفأ الشمعة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬دخل ضوء القمر الغادر عبر النافذة‪ .‬كان ال يزال هناك "‬
‫ما يكفي من الضوء للسماح لهم برؤية الخطوط العريضة ألجسادهم‪" .‬هل هذا أفضل؟" سألها بحناٍن هَّز أحشائها‪ .‬وضع فمه على‬
‫‪ . . ".‬أذنها بينما استأنف مداعبتها بين فخذيها الخجولتين‪" .‬ال تخجلي يا آنا‪ . . .‬أنت جميل جدا‬
‫‪.‬هل أنا جميل؟ تساءلت في حيرة‬
‫"أنت حقا ال تعرف ذلك‪ ،‬أليس كذلك يا عزيزتي؟"‬
‫قبل وجهها ورقبتها‪ .‬لسانه يلعق جلدها‪ .‬انتقل الى‬
‫الحصول على فوقها عن طريق االنزالق بين ساقيها‪ .‬وفجأة‪ ،‬أصبح جسده فوقها‪ ،‬والشعور به هناك مأل آنا بذكرى رهيبة لم تستطع‬
‫‪.‬دفعها بعيًد ا‪ .‬تذمرت ورفعت يديها دفاعًا عنه‪ ،‬لكنه وضعهما على صدرها ليبقيهما منخفضين‬
‫آنا‪ ،‬أقسم"‪ ،‬ذّك رها بصوته اللطيف ولكن الحازم‪" .‬لن أذهب أبعد من ذلك‪ ،‬عليك أن تصدقني‪ .‬أريد فقط أن أجعلك تشعر بالرضا‪" ،‬‬
‫‪. . ".‬هذا فقط‪ ." . .‬قبل وجهها‪ ،‬وخدشها بخفة بشعره‪" .‬دعني أشعر ببشرتك‪ . . .‬فقط لمدة دقيقة‪ ،‬للحظة‬
‫واصل مداعبتها بهدوء ولطف‪ ،‬وكانت آنا تتنفس بصعوبة‪ ،‬وهي تحاول االنتقال إلى إيقاع مداعباته‪ .‬كان جسده فوق جسدها‪ ،‬لكنه لم‬
‫يكن ثقيال عليها‪ .‬خفيف بشكل غير متوقع ووقائي بشكل غير متوقع‪ ،‬بدأ مرة أخرى في تحريك يده عليها‪ .‬ببطء هو‬

‫‪.‬رفعت ثوب نومها فكشف عورتها ثم رفعته إلى األعلى ليظهر سرتها وبطنها‬
‫افتح ساقيك قليًال ‪ .‬دعني أدللك‪ "،‬أمرها‪ .‬لقد أطاعت‪" .‬ها نحن ذا‪ ،‬هكذا‪ .‬جيد ‪ ." . .‬شقت أصابعه طريقها إلى المساحة الصغيرة "‬
‫تحت ثوب النوم‪ .‬لمسها‪ ،‬وقام بعمل دوائر صغيرة‪ ،‬وتحرك بشكل إيقاعي ودقيق‪ .‬قبلها على فمها بينما تنفسه الالهث يداعب بشرتها‪.‬‬
‫‪".‬أوه‪ ،‬آنا‪ . . .‬ذوقك ‪ ." . .‬رفع قميص نومها وكشف عن ثدييها‪ .‬ثم خلعه‬
‫كانت عارية من تحته‪ ،‬وال يغطيها سوى جسده‪ .‬لقد كانت خائفة وخجولة في نفس الوقت‪ ،‬وليس فقط أحدهما أو اآلخر‪ .‬أوه‪ ،‬لماذا لم‬
‫تتذكر من هو هذا الرجل؟ لماذا كان ينتابها هذا الشعور بالشوق في بطنها وصدرها ورأسها كلما لمس بشرتها؟‬
‫"‪ -‬همست‪ ،‬واحمرت خجًال‪ ،‬ألنها مذنبة لدرجة أنها لم تتمكن من فتح عينيها‪" :‬ال تنظر إلي"‪" .‬من فضلك ال‬
‫ال أستطيع أن أرى‪ . . .‬ال أستطيع رؤية أي شيء‪ ." . .‬أخذ يدها وقبل كفها بلطف‪" .‬آنا‪ ،‬هل أنا مقرف جًد ا بالنسبة لك؟" سأل في "‬
‫"همس‪" .‬ألن تضرب وجهي؟‬
‫فتحت آنا عينيها وهي تتنفس بصعوبة‪ .‬في نصف الضوء‪ ،‬جعلته جروحه يبدو لطيًفا وعزاًل تقريًبا‪ .‬كان قد سألها عناًق ا‪ :‬أكان ذلك‬
‫أمًر ا؟ أم كان مناشدة؟ كان ينظر إليها بال حول وال قوة‪ .‬استجمعت شجاعتها ولمسته ألول مرة‪ .‬وبعاطفة غريبة‪ ،‬أحست بخشونة‬
‫‪.‬خده‪ ،‬وأنفه المنتفخ من اللكمة‪ ،‬وعينيه الذئبيتين اللتين ميزته وأطلقت شرارة حتى في الظالم‬
‫و قبلة ‪ . . .‬هل تقبلينني بقبلة يا آنا؟"‬
‫بخجل‪ ،‬قبلته على وجهه‪ ،‬على فمه‪ ،‬وعلى طرفي عينيه‪ .‬لم تكن لديها الشجاعة للعق جلده‪ ،‬لكنها أرادت تجربة الطعم‪ ،‬لمعرفة ما إذا‬
‫كان النعناع والقرفة مثل قبالته‪ .‬لم تستطع؛ لقد ذهبت بالفعل إلى أبعد من ذلك‪ ،‬وكان عليها أن تخنق الدافع السخيف الذي دفعها إلى‬
‫مداعبته‪ ،‬ولمسه‪ ،‬ومنحه المتعة ‪ -‬المتعة التي كان يمنحها إياها‪ .‬تخيلت آنا بشكل غامض الندم والعار الذي سيتبع ذلك‪ ،‬ومع ذلك لم‬
‫‪.‬تتمكن من التوقف‪ ،‬وتمسكت بقوة‪ .‬لمست جسده‪ ،‬الذي كان يخيفها عادًة ‪ ،‬وكتفيه‪ ،‬ووركيه‪ ،‬وصدره‬
‫أوه‪ ،‬آنا‪ . . .‬آنا حبيبتي ‪ ." . .‬كان لصوت زوجها صوت جديد ضعيف‪ ،‬فالتفت ليقبلها ويلعب بلسانها ويتحداها في معركة حلوة "‬
‫وعنيفة‪ .‬ووضع يده على صدرها‬

‫وشعرت آنا بدفئه وبالخجل والظلم‪ .‬لكنه قبلها‪ ،‬وهي – لماذا شعرت براحة شديدة تحت جسده؟ لماذا شعرت بتلك المتعة المتوترة‪،‬‬
‫وكأنها تنتظر شيًئ ا ما؟ لماذا كان فم زوجها على صدرها؟‬
‫غطت نفسها بيديها لكنها لم تحتج‪ .‬لم تحتج‪ ،‬وال حتى عندما لعق أصابعها بينما كانت مداعباته تذوبها‪ ،‬بينما أخذ إحدى يديها‬
‫‪.‬ووضعها على خده‪ .‬لم تحتج‪ ،‬وال حتى على تقبيل فم زوجها حلمة ثديها‪ .‬بدأ يمصها بلطف‪ ،‬يدغدغها بهدوء‪ ،‬كما لو كان له الحق‬
‫)هل تراه يا آنا؟ هل تراه يأخذ منك كل شيء؟(‬
‫في حيرة‪ ،‬تركت شفتيه تشعل النار في جلدها وتركته يلمسها مراًر ا وتكراًر ا – كيف يمكنني مواجهته غًد ا؟ لم تكن سوى قبالت‬
‫ومداعبات ‪ -‬هذا ما قاله لها ‪ -‬وكان عليها أن تقبل ذلك‪ ،‬أليس كذلك؟ كان عليها أن تفعل ذلك‪ ،‬ولم يكن بوسعها أن تفعل أي شيء‬
‫‪. . .‬آخر‬
‫أوه‪ ،‬كريس‪ ،‬يا إلهي‪ ." . .‬قالت عندما قرص بشرتها الحساسة بلطف‪ .‬عضت شفتيها‪ .‬المتعة‪ ،‬العار‪ . . .‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬كان عليها أن تضع "‬
‫‪ . . ".‬حدًا لكل هذا‪ .‬أقسمت‪ :‬يجب أن أطلب منه أن يتوقف اآلن‪" .‬كريس ‪ . . .‬لو سمحت‬
‫آنا‪ ،‬كم‪" . . .‬كم حلمت بك‪ "،‬تمتم‪ ،‬وهو يواصل تقبيلها‪ ،‬وينزل إلى األسفل نحو سرتها‪ ،‬ويلعق جلدها‪ ،‬ويداعبها بحنان ال هوادة فيه‪"،‬‬
‫‪.‬ويثير حرارتها وآهاتها‪ .‬أوه‪ ،‬ماجي‪ ،‬فكرت بينما تردد صدى مداعبات زوجها الرطبة بشكل غير محتشم‪ .‬ماجي‪ ،‬اغفر لي‬
‫ثني كريستوفر ركبتيها ورفعهما‪ .‬كما لو أنها استسلمت‪ ،‬فقد دللته‪ .‬لقد كانت طاعة‪ ،‬ال شيء سوى الطاعة‪ .‬سمحت له بفتح ساقيها‬
‫أكثر ووضع شفتيه على فخذها‪ .‬على الرغم من أنها كانت تشعر بالقلق عندما شعرت بشيء ‪ -‬إصبع ‪ -‬ينزلق إلى الداخل‪ ،‬فقد استقبله‬
‫‪.‬نهر ساخن بحالوة‬
‫‪.‬كريس؟" قالت الهثة"‬
‫ال بأس‪ ،‬حسًن ا يا حبي‪ ." . .‬لعقها كريستوفر ببطء من داخل فخذها ثم تحرك لألسفل‪ .‬إلى أين؟ أين كان يلمسها ويكسر كل "‬
‫مقاومتها؟ لقد فقدت اإلحساس بالوقت والحدود تماًما‪ .‬كانت خمس دقائق قد أصبحت خمسين دقيقة‪ ،‬كانت تدرك ذلك‪ ،‬لكنها لم تعد‬
‫قادرة على االحتجاج‪ ،‬ليس بعد اآلن‪ .‬التوتر في جسدها‪ ،‬تنفسها الساخن‪ ،‬تنهداتها ‪ -‬كل شيء فيها استجاب بشكل طبيعي‪ ،‬في إيقاع‬
‫مثالي مع قبالته ولمساته‪ .‬كانت تشتكي ‪ ،‬وأغلقت عينيها‪ .‬لم تكن تريد أن تفتحهما‪ ،‬كانت المداعبات لطيفة للغاية؛ كانت القبالت كذلك‬

‫‪. . .‬حلو‪ .‬لم تكن تريد أن تعرف سبب سقوط رأسه هناك‪ .‬لم تكن تريد أن تعرف أين شفتيه‬
‫فتحت عينيها بصدمة‪" .‬ال!" مدت يدها وأمسكت به من شعره وسحبته بقوة لكنه لم يتزحزح‪ .‬شق لسانه طريقه إلى ثلمتها الرطبة‬
‫‪. . .‬الفاضحة‪ ،‬ولعقه ببطء‪ .‬لقد لعقها هناك‪ ،‬حيث كانت كل أسرارها‬
‫"!ال‪ ،‬ليس هذا يا كريس‪ ،‬من فضلك"‬
‫‪.‬كان يلعق رحيقها‪ ،‬رحيقها الفاحش الحار‪ .‬لقد لعقها حيث كانت على وشك االنفجار‪ ،‬ليجعلها تنفجر‪ ،‬يجعلها تنفجر‪ . . .‬في فمه‬
‫كريستوفر‪ ،‬ال!" لقد سحبته مرة أخرى‪ ،‬وتوسلت الهًث ا‪ ،‬واهتزت‪ ،‬وأخيرًا عاد إلى سرتها‪ ،‬وأوقف الفاحشة‪ .‬كان بطنها منتفًخ ا‪" ،‬‬
‫وكذلك ثدييها‪ .‬كان كل شيء فيها متوتًر ا‪ ،‬يسأل‪ ،‬يتوسل‪" .‬ال ال! ‪ ." . .‬لكن أي نوع من النساء كانت؟ ماذا على االرض؟ "إنه أمر‬
‫‪. . ".‬غير أخالقي‪ ،‬ال تفعل ذلك‬
‫"‪.‬ضحك كريستوفر بهدوء‪" .‬أوه‪ ،‬آنا‪ "،‬قال وهو يضع جبهته على بطنها‪" .‬ال يوجد شيء أكثر أخالقية‬
‫توسلت قائلة‪" :‬ال تضحك"‪" .‬ال ‪ ." . .‬ال تضحك علي‪ .‬ال تحكم علي يا كريس‪ .‬وشعرت بالخوف‪ ،‬لكن األمر كان مختلًفا اآلن‪ ،‬أليس‬
‫كذلك؟ ولم تعد خائفة من إرضائه‪ .‬كانت خائفة من عدم إرضائه‪ .‬اآلن أرادته على فمها‪ .‬اآلن أرادت منه أن يقبلها بحنان وعاطفة؛‬
‫لقد أرادته اآلن ‪ -‬نعم‪ ،‬أرادته ‪ -‬بينما ربما كان يعتبرها امرأة سيئة‪ .‬لم تكن لديها الشجاعة لتسحبه نحو فمها‪ ،‬وال لتناديه‪ ،‬وال لتتوسل‬
‫إليه‪ ،‬وبقيت تتألم‪ ،‬وتشعر بأنها قذرة بعض الشيء وجميلة بعض الشيء‪ ،‬في حين أن إصبعه كان جزًءا من منه – كان داخل جسدها‪،‬‬
‫‪.‬يرحب به جسدها‬
‫أنا ال أضحك عليك أيها السخيف‪ ".‬عاد كريستوفر إلى صدرها وقبله بتملك في كل إيماءة‪ ،‬بعدوانية لطيفة في كل إيماءة‪ .‬قال لها‪" :‬‬
‫"هذا حقي"‪ .‬وآنا‪ ،‬المنتصرة‪ ،‬غرزت أصابعها في شعره‪ ،‬وهي تراقبه وهو ينحني فوقها‪ .‬لقد شاهدته يمتلك كل شيء لها‪ .‬انتشرت‬
‫ساقاها على نطاق واسع‪ ،‬عارية تحت جسده‪ ،‬وكانت تسمح له بفعل أي شيء – كانت تعرف ذلك‪ .‬لقد ضربها‪ .‬و بعد ‪ . . .‬ومع ذلك‬
‫فإن ما ظهر على وجهه لم يكن السخرية الراضية من النصر‪ .‬ال‪ ،‬كان كما لو كان ضائًع ا‪ ،‬ضائًع ا فيها‪ ،‬سعيًد ا – سعادة ال وسيط لها؛‬
‫سعادة طبيعية وغريزية‪ .‬وعندما عاد فمه إلى فمها‪ ،‬استقبلته آنا بالمثل‬

‫‪.‬السعادة‪ ،‬وبأصابعها في شعره ضمته بالقرب منها‪ ،‬وقبلته بشغف جامح‪ ،‬وألول مرة‪ ،‬طواعية‬
‫"كم عذبتني يا آنا‪ ،‬كم‪ ." . ..‬هو همس‪" .‬هل حقا لم تفهمي يا حبيبتي؟"‬
‫زاد من إيقاع ضربته‪ ،‬وكأنه يعاقبها‪ ،‬فضاعت آنا‪ ،‬متشبثًة بجسده‪ .‬كان الدفء الذي أخذه منها في العشب يعود‪ ،‬كان ذلك أمًر ا ال مفر‬
‫منه؛ ذلك الدفء الذي لم تكن قادرة على التفكير فيه دون األلم والخجل‪ .‬والعار‪ :‬هل سيعود ذلك أيًض ا‪ ،‬تساءلت مع بصيص أخير من‬
‫الوضوح؟ شعرت بأن زوجها أدخل إصبًع ا آخر فيها‪ ،‬ولم تعد قادرة على التساؤل عما إذا كان األمر سيًئ ا أم خطأ‪ ،‬أو إذا كانت هي‬
‫مخطئة‪ .‬سيطلب زوجها عاجًال أم آجًال أن يصبح زوجها‪ ،‬ليدخل بداخلها‪ ،‬كما فعلت يده اآلن‪ .‬ربما حتى في الليلة التالية‪ .‬لكنها ال‬
‫تستطيع أن تقلق بشأن ذلك اآلن؛ ليس اآلن ألنه كان لطيًفا جًد ا؛ ليس اآلن بعد أن كانت القشعريرة تهز جسدها؛ ليس اآلن ألنها‬
‫‪.‬أرادت ذلك‪ ،‬كثيًر ا إلبقائه قريًبا منها‬
‫"إنه ال يؤلم‪ ،‬أليس كذلك يا حبيبتي؟"‬
‫هزت آنا رأسها‪ .‬أغمضت عينيها‪ ،‬وتنفست بصعوبة‪ ،‬وضغطت فخذها على يده‪ ،‬ناسية الشرف‪ ،‬ناسية األخالق‪ .‬أخرج كريستوفر‬
‫"!الجزء القاسي من جسده‪ ،‬وشعرت به يضغط بقوة على فخذها المرتفع‪ .‬تصلبت وعادت إلى رشدها‪" .‬ال يا كريستوفر! لقد أقسمت‬
‫"‪.‬انا فقط اريد ‪ . . .‬فقط للمس لك‪ ." . .‬التفت مع فمه على راتبها‪" .‬سأبقى بالخارج يا آنا‪ ،‬عزيزتي"‬
‫"‪...‬كريس‪ ،‬ال"‬
‫‪. . ".‬صه"‬
‫قبلها‪ ،‬وفرك عضوه المخادع ساقيها‪ ،‬لكنه‬
‫استمرت األصابع في االنغماس فيها ‪ -‬أواًل للخارج‪ ،‬ثم للداخل ‪ -‬في حركة سلسة ولكن مزعجة‪ .‬مرة أخرى للخارج‪ ،‬ثم للداخل‪،‬‬
‫‪. . .‬ثم‬
‫"كريس؟"‬
‫‪.‬بالكاد اخترقها‪ ،‬ربما نصف بوصة‬
‫"‪.‬هذه يدي يا حبيبتي"‬
‫"ولكن ألم تكن يداه تالمس حلمتيها وتداعبهما بلطف؟ "كريستوفر ‪ . . .‬؟‬
‫‪. . ".‬ال ‪ . . .‬ال تقلق ‪ . . .‬أقسمت"‬
‫ثم ماذا كان ينزلق بداخلها‪ . . .‬انش ‪ . . .‬؟‬
‫"أوه ‪ . . .‬كريس ‪ . . .‬ماذا ‪ . . .‬؟"‬

‫دفن رأسه في كتفها‪ ،‬ممسًك ا بها‪ ،‬ثم رفع رأسه‪ ،‬وبحث عن فمها‪ ،‬وقبلها بأنين‪ .‬دفعها إلى األمام ببطء‪ ،‬وحافظ على ركبتيها‬
‫مرفوعتين‪ .‬أعطاها الوقت للتأقلم مع الغزو‪ ،‬فتحركت ببطء‪ ،‬وارتجفت من محاولتها السيطرة على نفسها‪ .‬استجابت آنا لقبلته‪،‬‬
‫وتمسكت به‪ ،‬ورحبت به‪ .‬لم يكن اإلصبع هو الذي مأل الجزء السري منها أخيًر ا‪ ،‬بل كانت تعرف ما هو ومدى العمق الذي يمكن أن‬
‫‪.‬يصل إليه‬
‫‪ . . ".‬أوه‪ ،‬آنا‪ . . .‬أنت زوجتي اآلن‪ . . .‬انتي زوجتي"‬
‫‪.‬لقد مألها – زوجها الذي خدعها ودخل فيها‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪30‬‬
‫‪.‬ولحسن الحظ‪ ،‬فإن الروح لديها مترجم في العين ‪ -‬غالًبا ما يكون مترجًما فاقًد ا للوعي ولكنه ال يزال مخلًص ا‬
‫شارلوت برونتي‪-‬‬
‫استيقظت مع أول ضوء في الصباح‪ ،‬وشعرت بثقل دافئ بجانبها‪ .‬في اللحظات األولى من الوعي‪ ،‬اعتقدت أنه كان الباذنجان‪ .‬غالًبا‬
‫‪.‬ما حدث أن انزلقت القطة سًر ا إلى سريرها عندما كانت تنام في منزل لوسي‪ .‬لكنها كانت في منزلها اآلن‪ ،‬ولم يكن لديهم قطط‬
‫تذكرت‪ ،‬وهي تفتح عينيها على اتساعهما في الغرفة‪ :‬أن زوجها مارس الجنس معها الليلة الماضية‪ .‬كانت ذراعه هي التي تحيط بها‬
‫‪.‬اآلن حتى وهو نائم‪ ،‬وكان يتنفس بصعوبة بسبب أنفه المصاب‪ .‬كان جسده النائم عاريًا‪ ،‬خلف جسدها مباشرة‬
‫لقد خدعها كالعادة‪ ،‬وحقيقة أنها وجدت قبالته ممتعة‪ ،‬وكذلك تلك المداعبات ‪ -‬وأخيرًا‪ ،‬هو داخلها ‪ -‬جعلتها تغمض عينيها‪ .‬كانت‬
‫عارية تحت المالءة‪ ،‬وأخبرها ضوء الصباح أن الوقت قد حان للنهوض‪ ،‬لكن ذراعه كانت تضغط عليها‪ ،‬رغم أنها خفيفة ومريحة‪.‬‬
‫كان الخوف من إيقاظه أكبر من أن يرتدي حتى مالبسه‪ :‬كان ذلك يعني رؤيته مرة أخرى‪ ،‬ومن المؤكد أنه سيضحك عليها‪ ،‬وقد تم‬
‫‪.‬ترويضه أخيًر ا‬
‫)‪.‬لكنك أحببت ذلك ‪ -‬أن يتم ترويضك ‪ -‬أليس كذلك؟ تم ترويضك من قبل من كان على استعداد إللحاق األذى بأحبائك(‬
‫هل كان سيفعل ذلك حقًا؟ هل كان سيفصلها فعًال عن عائلتها؟ تساءلت وهي تتنفس بصعوبة حتى ال توقظه‪ .‬كريستوفر‪ ،‬الذي علم‬
‫المبارزة ألنطوني‪ .‬الذي أعطى الخيال‬

‫‪.‬إجابات على أسئلة جريس‪ ،‬ولكن بهدوء‪ ،‬وتمتم تقريًبا‪ ،‬كما لو كانت تخجل‪ .‬من لم يوبخ دينيس عندما وجده يتطفل في غرفته‬
‫وبدا أنه يصدق ذلك‪ .‬بدت عيناه متأكدة من ذلك‪ .‬غير سعيد تقريًبا‪ ،‬في الواقع‪ ،‬العتقاده أنه سيفعل أي شيء لمجرد إخضاعها‬
‫‪.‬إلرادته‪ .‬فقط للفوز‬
‫ومع ذلك يمكنه الحصول على أي امرأة يريدها‪ .‬ربما كان لديه الكثير‪ .‬لكنه أرادها أيضًا؛ ومع ذلك‪ ،‬سواء كان ذلك بدافع الرغبة أو‬
‫‪.‬الحقد‪ ،‬فهذا شيء لم تكن تعرفه‬
‫و هي ‪ . . .‬هل ستسعده من اآلن فصاعًد ا‪ ،‬داخل السرير وخارجه؟ هل لن تعرض عائلتها للخطر بعد اآلن؟ لقد خانتهم بالفعل مرة‬
‫واحدة‪ ،‬وكادت أن تخونهم‪ ،‬وكادت أن تضحي بهم على مذبح الخوف‪ .‬ألنه لو تركها بعد رفضها‪ . . .‬استمرت الفكرة في تعذيبها‪.‬‬
‫تكّو نت في عينيها بعض الدموع ثم سقطت‪ ،‬وكادت أن تمسحها‪ ،‬لكنها خافت أن توقظه‪ .‬في الضوء‪ ،‬كان من األسهل تحديد شكل كل‬
‫‪.‬شيء ومظهره الجانبي‪ .‬تحركت يدها ببطء إلى عينيها‪ ،‬وشعرت بذراع زوجها يتحرك عليها‪ .‬لقد جمدت‬
‫استيقظ كريستوفر‪ .‬كان مستلقًيا على جنبه‪ ،‬وأمامه كانت هناك أمواج بنية‪ ،‬وشعر زوجته منسدل على الوسادة‪ .‬لعدة لحظات لم يفعل‬
‫‪.‬شيًئ ا‪ ،‬وال حتى يتنفس؛ ثم ابتسم وحرك ذراعه على جلد الفتاة الناعمة التي أمامه‬
‫سمع شهقتها‪ .‬هل هي تبكي؟ بدا الجو بارًد ا مع وجود المالءة الخفيفة فقط على السرير‪ .‬هل فعل شيًئ ا خاطًئ ا؟ هل كان يؤذيها؟ كال‪،‬‬
‫‪.‬كان متأكًد ا‪ :‬ربما تحب زوجته دانيال‪ ،‬أو على األقل تكرهه‪ ،‬لكنها استمتعت بتلك الليلة بين ذراعيه‬
‫‪.‬آنا‪ ،‬هل أنت مستيقظة؟" سألها بصوت أجش"‬
‫‪".‬لم تستجب لعدة ثوان‪ .‬قالت أخيرًا‪" :‬لقد أقسمت كذبًا يا سيدي‬
‫ابتسم‪ .‬لقد توقع هذه الكلمات بالضبط‪" .‬أوه‪ ".‬لم تتمكن آنا من رؤيته‪ ،‬وكان ذلك أمًر ا جيًد ا‪ .‬لم تكن تحب ابتسامته‪" .‬بالطبع‪ ".‬مستلقًيا‬
‫‪.‬على ظهره‪ ،‬سحب ذراعه عنها ووضعها في عينيه‬

‫"هل هو شيء تفعله في كثير من األحيان؟"‬


‫فكر كريستوفر في األمر‪ .‬أجاب‪" :‬ال‪ ،‬ليس في كثير من األحيان"‪ .‬رفع ذراعه عن عينيه وأدار رأسه نحو مؤخرة رقبة زوجته‪.‬‬
‫"‪".‬عادة بعد المرة األولى ال يعمل األمر بعد اآلن‬
‫‪".‬لم تبدو آنا مستمتعة بشكل خاص‪ .‬قالت بجفاف‪" :‬أرى‬
‫"‪.‬آنا‪ ،‬لم أرغب في خداعك‪ "،‬تمتم لتهدئة الغضب الذي يشعر بها‪" .‬أردت أال تكون خائًفا"‬
‫وضع يده على فخذها‪ ،‬لكنها تحركت‪ ،‬منزعجة‪ .‬جلست ووضعت قدميها على األرض‪ ،‬وبحثت عن ثوب نومها‪ .‬وجدته‪ ،‬التقطته‪،‬‬
‫ورفعت ذراعيها لترتديه‪ .‬نظر بسرعة إلى ظهرها‪ ،‬الذي كان مغطى بشعر منسدل‪ ،‬وهي تتمدد لترتدي ثوب النوم‪ .‬تم إخفاء جسدها‬
‫ببطء بالمالبس‪ .‬غطى القماش كتفيها وكتفها‪ .‬الحظ وركيها العريضين والمريحين‪ ،‬والحظ وجود كدمة كبيرة على ردفها األيسر‪،‬‬
‫كان قد أعطاها إياها في اليوم السابق عندما ضربها أرًض ا بعنف‪ .‬يتناقض اللون األرجواني للكدمة بشكل حاد مع بشرتها البيضاء‪.‬‬
‫‪.‬وأخيرًا أخفى ثوب نومها تلك البقعة‬
‫غير قادر على منع ذلك ‪ -‬حتى دون أن يحاول في الواقع ‪ -‬جلس في السرير‪ ،‬ووضع ذراعيه حول خصرها‪ ،‬وانحنى ليقبلها على‬
‫‪.‬خدها‬
‫أحنت آنا رأسها إلى الجانب بقشعريرة ال تهدأ‪" .‬كريستوفر‪ ،‬عد إلى غرفتك‪ "،‬أمرته‪ .‬حاولت إبعاد ذراعيه عن جانبيها‪ ،‬لكن قبضته‬
‫"‪.‬كانت قوية جًد ا‪ ،‬واقترب منها أكثر‪" .‬كريستوفر! إنه متأخر‪ .‬دعني أذهب‬
‫إنها ال تزال خائفة مني‪ .‬يا إلهي‪ ،‬هل ستتغلب على ذلك؟ همس قائًال‪" :‬ال تخافي يا آنا"‪" .‬يجب أن تعلم أنني لن أؤذيك‪ ".‬أعطاها‬
‫‪.‬بعض القبالت على تجويف كتفها ولعق جلدها بلطف‬
‫بقدر ما كانت خجولة كالعروس ‪ -‬كانت عروًس ا في الواقع ‪ -‬فقد تصلبت‪ .‬لكن كريستوفر الحظ أن أنفاسها بدأت تتسارع وبدت‬
‫‪. . .‬وكأنها تنكمش بين ذراعيه‪ .‬لقد أدرك أن هذا هو رد فعلها الطفولي‪ ،‬لكنها كانت ال تزال ليلة زفافهما األولى‪ ،‬و‬
‫‪. . ".‬سيدي" قالت وهي تخفض رأسها‪" .‬سيدي‪ ،‬أود‪ . . .‬انا بحاجة الى معرفة"‬
‫"‪.‬رفع كريستوفر رأسه من منحنى رقبتها ونظر إلى ملفها الشخصي‪" .‬ماذا؟" سأل بلطف‪" .‬أخبرني‬
‫"الصمت قليال‪" .‬هل تحبني يا كريستوفر؟‬

‫‪.‬دار السؤال في رأسه للحظات‪ ،‬وأدهشه بسبب غبائه المطلق‬


‫‪.‬هللا يا نساء‬
‫‪.‬ال‪ ،‬آنا‪ ،‬أنا ال أحبك‪ .‬أنت فقط جزء من إنتقامي‬
‫‪،‬ولكن في هذه األثناء سوف تحصل على كل المتعة التي تستطيعها‪ .‬أليس كذلك(‬
‫)كريستوفر؟‬
‫هذا الفكر أزعجه‪ .‬تعال اآلن‪ ،‬فهو لم يغتصبها على اإلطالق‪ .‬هم‬
‫كانوا متزوجين‪ ،‬بعد كل شيء‪ ،‬وهو‪ . . .‬أوه‪ ،‬إلى الجحيم معها‪ .‬منزعًج ا ‪ ،‬أسقط ذراعه من جانبها وتراجع قليًال‪ .‬وانتهزت زوجته‬
‫‪.‬الفرصة لتنهض فجأة‪ ،‬وابتعدت عن السرير دون أن تنظر إليه‬
‫‪.‬هل ستشعر بتحسن إذا أخبرتك أنني أحبك؟" أراد أن يعرف‪ .‬يمكنه الكذب إذا لزم األمر"‬
‫‪".‬أجابت دون أن تلتفت‪" :‬سيساعدني ذلك على فهم سلوكك‬
‫)‪.‬وعندها ستحصل على كل اإلجابات التي تحتاجها يا كريستوفر‪ .‬ولن تزعجك بشكاويها بعد اآلن(‬
‫حقيقي‪ .‬ربما لن تنسى أمر دانييل‪ ،‬ولكن بما أنه راٍض عن غروره‪ ،‬فيمكنه أن يطمئن قلبها‪ .‬ماذا يهم إذا كذب كذبة أخرى إذا كانت‬
‫تخدم غرًض ا ما؟‬
‫‪.‬أحبك يا آنا‪ ،‬حاول أن يقول في ذهنه‬
‫قال‪" :‬أنا ال أحبك يا آنا"‪ .‬الكلمات جاءت خاطئة‪ .‬ربما كان يعتقد أنه من السخرية أن يخدعها بشأن ذلك أيًض ا‪ .‬وأضاف بلطف‪" :‬لكن‬
‫"الحب ليس ضروريًا للزواج الجيد"‪" .‬أنا معجب بك وهذا شيء‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫"بنفس الطريقة التي تحب بها السيدة إدواردز؟"‬
‫الّس يدة‪ . . . .‬؟" عبس‪ .‬لقد نسي تماما تلك المرأة‪ .‬ستندهش إذا عرفت مدى اختالف ممارسة الحب معك‪ .‬مختلف ‪ . . .‬نعم ‪" . . .‬‬
‫وأكثر جماال‪ ،‬كان عليه أن يعترف‪ .‬لقد كانت جميلة ألن سعادته امتزجت مع متعتها‪ ،‬وكان منتبًها لها في كل تأوه‪ ،‬وكل إثارة‪ ،‬وكل‬
‫"إجابة‪ .‬كان يراقبها وظهرها إليه‪ ،‬فخوًر ا ومحرًج ا‪" .‬هل أنت غيورة يا آنا؟ هل تريد مني أن أكون مخلصا؟‬
‫‪.‬ال سيدي‪ .‬ال تتردد في الحصول على أكبر عدد تريده من النساء"‬
‫كانت هذه الكلمات باردة‪ ،‬وفي الحقيقة كان يشعر بالبرد تحت المالءات‪ .‬ربما حان الوقت الرتداء مالبسك وبدء اليوم‪" .‬لن أقول نفس‬
‫"‪.‬الشيء لك‪ ،‬إذا كان هذا ما تتوقعه‬

‫التفتت آنا لتنظر إليه‪ ،‬واحمرت خجًال عندما التقت عيناها بعينيه؛ كبر تالميذها‪ ،‬ومنعتها ذكريات الليلة السابقة من الظهور بمظهر‬
‫الالمباالة‪ .‬نظرت بسرعة إلى األسفل‪ .‬بدت لكريستوفر أجمل من أي وقت مضى‪ ،‬وقاوم الرغبة في الذهاب إليها على الفور‪ .‬أكيد‬
‫!يستطيع أن يتحدث مع زوجته لمدة خمس دقائق دون أن يقفز عليها‪ ،‬وهللا‬
‫"فأجابت‪" :‬ال‪ ،‬لم أتوقع ذلك"‪ .‬لعبت بيديها قليًال‪ ،‬ثم تنهدت وغيرت الموضوع‪" .‬يا سيد‪ ،‬تلك األرملة التي ستخرجها من ممتلكاتها‬
‫قاطعه فجأة‪" :‬ال تقلق بشأن ذلك"‪" .‬سوف ترى‪ .‬سيكون دانيال الخاص بك هو الذي يتعامل مع هذا األمر‪ .‬وربما سيضاجع دانيال تلك‬
‫األرملة؛ هللا وحده يعلم مدى حاجته إليه‪ .‬ابتسم ابتسامة شريرة لم تستطع زوجته فهمها وتابع‪" :‬بما أنك تهتم كثيًر ا برفاهية ذلك‬
‫"‪.‬الرجل‪ ،‬فأنت من بين كل الناس لن ترغب في أن تحرمه من متعة الشعور بأنه على حق و متفوق جًد ا على البشر العاديين‬
‫"‪...‬ولكن ماذا تقول يا كريستوفر؟ ال أستطيع أن أصدق أن ضميرك"‬
‫قال‪" :‬آنا‪ ،‬ال تتورطي في أشياء ال يمكنك فهمها"‪ ،‬وتوقف عن الكالم‪ .‬كانت لهجته نهائية‪ ،‬وهي نفس اللهجة التي يستخدمها مع‬
‫شخص ليس لرأيه أي قيمة على اإلطالق‪ .‬تراجعت زوجته إلى الوراء‪ ،‬مذعورة‪ .‬التفتت بعيدا وسارت نحو الخزانة‪ .‬بدأ يتحدث مرة‬
‫»‪.‬أخرى بلطف أكثر‪" :‬اسمع‪ .‬ال تهتم بعملي‪ ،‬وفي المقابل ستكون لك الحرية في إدارة المنزل كما تراه مناسًبا‬
‫فتحت باًبا على الخزانة‪ ،‬وخرج صوتها مشوًبا بسخرية مريرة عندما قالت‪« :‬لقد كنت على حق إذن‪ .‬إنك تجد خطًأ في أفعالي فقط‬
‫"‪.‬لتتمكن من قمعي‬
‫أجاب بطريقته الصادقة‪" :‬ليس حًق ا"‪" .‬لكنني على استعداد للتوصل إلى بعض التسوية‪ ".‬مجنون‪ ،‬هذه المرأة مجنونة‪ ،‬فكر عندما رآها‬
‫تهز رأسها‪ .‬هل هي سعيدة من أي وقت مضى؟ "يمكنني االستغناء عن ذلك‪ ،‬كما تعلم‪ "،‬أوضح بتنازل‪" ،‬لكنني أريد أن ألتقي بك في‬
‫‪".‬منتصف الطريق‪ ،‬ويجب أن تشكرني لمرة واحدة‬
‫"‪.‬قلبك الطيب يحركني يا سيدي"‬
‫جيد‪ ".‬لم يكن األمر أنه لم يسمع سخريتها‪ ،‬بل كان فقط أنه فضل تجاهلها‪ .‬وفي الحقيقة أراد االنتقال إلى أشياء أخرى‪" .‬تعال هنا "‬
‫"‪.‬اآلن‬

‫‪.‬تخلت آنا عن البحث عن فستان وأغلقت الدوالب‪ .‬تحركت نحو الباب الذي أدى إلى أسفل الردهة‬
‫‪.‬أوه ال‪ .‬ال تهرب مني‪ .‬ألقى كريستوفر البطانية جانًبا على عجل‪ ،‬ونهض واتجه نحوها‬
‫كريستوفر‪ ،‬قم بالتغطية!" صرخت آنا وهي تغطي عينيها بيدها‪ .‬كان وجهها مشتعاًل بالنار لدرجة أنها كانت تستطيع طهي وجبة "‬
‫"‪.‬اإلفطار عليه في ذلك الصباح‪ .‬تمتمت قائلة‪" :‬يجب أن أذهب إلى الطابق السفلي يا سيدي"‪" .‬أنا متأخر‬
‫يبدو أنها تريد مغادرة الغرفة بهذه الطريقة‪ ،‬في ثوب نومها‪ .‬انضم إليها كريستوفر عند الباب عندما فتحته‪ .‬كان خلفها‪ ،‬ودفع الباب‬
‫‪.‬وأغلقه مرة أخرى‬
‫"كريستوفر ماذا؟"‬
‫آنا‪ ،‬أنت ال تزالين خائفة مني‪ ،‬أليس كذلك؟" سأل في همس‪ .‬أمسكها وبدأ في خلع ثوب النوم األبيض الرقيق‪ .‬تمتم قائًال‪" :‬لن أؤذيك "‬
‫"أبًد ا بهذه الطريقة"‪ .‬وخطر بباله تفصيل‪ ،‬فأضاف‪« :‬لن يحدث مرة أخرى يا آنا»‪ .‬قبل خدها‪" .‬هل تصدقني؟‬
‫كيف يمكنني أن أصدقك؟ فكرت آنا دون أن تجيب وهو يحتضنها ويقبل رقبتها بحنان‪ .‬أنت ال تسألني حتى إذا كنت أرغب في‬
‫‪.‬ممارسة الحب معك أم ال‬
‫وكانت يدا زوجها تلمسانها بالفعل‪ ،‬حلوة ومتغطرسة‪ ،‬وتحركان جسدها بطريقة غير عادلة وال مفر منها‪ .‬األيدي التي كذبت على‬
‫جسدها؛ األيدي التي أعلنت الحب‪ .‬األيدي الكاذبة ‪ -‬كاذبة تماًم ا مثل كريستوفر‪ ،‬الذي أخبرها بالحقيقة في مناسبة واحدة فقط‪ .‬عندما‬
‫‪.‬لم يخبرها بالكذبة التي كانت تريد سماعها‬
‫‪).‬ولكن ما الذي سيغيره ذلك بالنسبة لك يا آنا؟ ربما لن تستمري في كرهه(‬
‫نشرت كريستوفر ساقيها بتلك اليدين‪ .‬انه ال يريد حقا أن‪ . . .‬في الصباح! "ال ‪ . . .‬كريس‪ ،‬يجب أن أذهب! هذا ليس الوقت‬
‫‪. . ".‬المناسب‪ ،‬ال تفعل‬
‫"‪.‬همس وهو يداعبها‪" :‬إنه شهر العسل"‪" .‬على أية حال‪ ،‬سأكون سريًع ا يا عزيزتي‪ .‬ال تقلق‬
‫‪.‬لكنه كذب‪ ،‬كما هو الحال دائما‬

‫‪.‬عندما نزل كريستوفر إلى الطابق السفلي‪ ،‬وجد ثالثة أزواج من عيون األطفال تنظر إليه بعتاب‬
‫لقد تأخرت يا كريستوفر"‪ ،‬أشار أنتوني وهو يأخذ آخر قطعة بسكويت أمامه من الطبق الموجود في منتصف الطاولة‪" .‬لقد اختفى "‬
‫"‪.‬البسكويت كله‬
‫أرى‪ ".‬وقال انه يتطلع إلى زوجته‪ .‬من المؤكد أنها كانت وراء مقاطعة إفطاره‪ .‬لم ترفع آنا رأسها من الشاي الذي كانت تحتسيه‪" ،‬‬
‫‪.‬وكانت تشعر بالحرج الشديد من النظر إليه‬
‫‪.‬ال يوجد بسكويت يا نورا؟" سأل الطباخ الذي كان يجلس على الطاولة مع آنا واألطفال"‬
‫"‪.‬همف"‬
‫"السيد‪ .‬البطل لن ينضم إلينا اليوم؟"‬
‫قال أنتوني‪" :‬لقد انتهى بالفعل"‪" .‬لقد عاد إلى غرفته‪" ".‬كريستوفر‪ "،‬أعلنت جريس وهي تنهض عن الطاولة‪" .‬إذا أصبحت‬
‫"‪.‬أيها الطبيب عندما أكبر‪ ،‬سأعيد ترتيب أنفك‬
‫أوه‪ ".‬لمسها كريستوفر‪ .‬لقد ضربه ذلك األخ غير الشقيق اللعين"‬
‫جيد‪ ،‬اعترف لنفسه‪ .‬من كان يعلم إذا كان في حالة سيئة مثله هذا الصباح‪ .‬كان يأمل ذلك‪ .‬وبالفعل‪ ،‬كان يأمل له ما هو أسوأ‪ .‬لسوء‬
‫الحظ‪ ،‬ال يبدو األمر محتمًال للغاية‪" .‬ألم تقل أنه يبدو جيًد ا بالنسبة لي؟" سأل وهو يأخذ كوب الشاي ويمأله بالشاي‪ .‬حتى لو اعتقدت‬
‫‪.‬غريس أن األمر قبيح‪ ،‬فمن المؤكد أن هناك حاجة للقلق‬
‫"قال دينيس‪" :‬كم أنت غبية يا جريس"‪" .‬أال تعلمين أن الرجال فقط هم من يصبحون أطباء؟‬
‫"‪.‬هذا ليس صحيحا"‪ ،‬احتجت الفتاة الصغيرة‪" .‬كريس‪ ،‬أخبره بذلك"‬
‫وضع كريس الكوب على الطاولة ووقف‪ .‬كما اختفى كرسيه‪ .‬أين أخفوها؟ نظر حوله لكنه لم يراه‪ ،‬فأجاب بحسرة‪" .‬ال أعرف إذا‬
‫"كانت هناك طبيبات يا غريس‪ .‬آنا‪ ،‬ماذا تقول؟‬
‫تظاهرت زوجته بعدم سماعه‪ ،‬واحمرت خجًال بشدة‪ .‬حاول كريستوفر أن يتخيل كيف ستكون حياتهم المستقبلية مًع ا إذا ظلت دائًما‬
‫خجولة معه‪ .‬ال مزيد من المناقشات‪ ،‬ال مزيد من الجمل المريرة‪ ،‬ال مزيد من النظرات المسببة لالشمئزاز أو التآكل‪ ،‬هذا ما عّده‬
‫لنفسه‪ .‬حسًن ا‪ ،‬يمكنني البقاء على قيد الحياة‪ .‬ستكون الجنة‪ ،‬ألكون صادًق ا‪ .‬أراد أن يجربها‪ .‬قال‪« :‬على أية حال‪ ،‬لن تضطري إلى‬
‫القيام بأي عمل يا جريس‪" ».‬من أجل دعم‬

‫أنت‪ ،‬زوجك سوف يقوم بكل التفكير عندما تتزوجين‪ .‬لذا‪ ،‬لو كنت مكانك‪ ،‬فلن أهتم حًق ا بدراسة الطب وكل األشياء األخرى‪ .‬اترك‬
‫‪.‬الدراسة إلخوانك‪ .‬بالنسبة لك ليست هناك حاجة‬
‫‪ . . ".‬نظرت آنا لألعلى فجأة‪" .‬كريستوفر‪ ،‬ماذا تقول!" انفجرت وهي تنظر إليه‪" .‬غريس‪ ،‬ال تستمعي إلى هذا‪ . . .‬هذا‬
‫بدت غير قادرة على العثور على الكلمة المناسبة لوصف نصيحة زوجها غير المرحب بها بشكل صحيح‪ .‬تحول كريستوفر بسرعة‬
‫‪.‬إلخفاء ابتسامة‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪31‬‬
‫‪.‬هناك كتب يعتبر ظهرها وأغلفتها أفضل أجزائها على اإلطالق‬
‫تشارلز ديكنز‪-‬‬
‫عندما غادر زوجها المنزل أخيًر ا ‪ -‬في ذلك اليوم بدا أنه لم يرغب في المغادرة أبًد ا ‪ -‬كان بإمكان آنا إلقاء نظرة فاحصة على الرسالة‬
‫التي أعطتها لها نورا عندما نزلت إلى الطابق السفلي‪ .‬لقد أخفته على عجل ألنها تعرفت سريًع ا على هويته‪ :‬كان مكتوًبا على الظرف‬
‫‪".‬اآلنسة روكسان فوجميند"‪ ،‬وكان يحمل ختًما غير معروف‬
‫"لقد قلبتها اآلن وابتسمت‪" .‬من سلمها يا نورا؟‬
‫المزارعة وتلك الفاكهة الموجودة في الزاوية"‪ ،‬أجابت الطباخة الصغيرة‪ ،‬التي لم تكن ترغب في التخلي عن هذا الدور وكانت "‬
‫غاضبة إلى حد ما عندما اقترحوا عليها الفكرة‪ .‬ربما كانت مقتنعة بأن الطباخ الجديد سوف يسممهم‪ ،‬أو األسوأ من ذلك‪ ،‬سيجعلهم‬
‫‪.‬يفقدون الوزن‬
‫تطلبت اآلنسة روكسان االهتمام الكامل من آنا‪ ،‬ولكن أين يمكنها االختباء لتقرأ تلك الرسالة؟ فجأة خطرت في ذهنها اإلجابة‪ :‬مكتب‬
‫زوجها‪ .‬من الواضح أن ال تحصل حتى‪ .‬رقم أوه‪ ،‬حسًن ا‪ ،‬ربما قليًال‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان صحيًح ا أيًض ا أن األطفال لن يبحثوا عنها هناك‪،‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد مرت فترة من الوقت منذ أن بحثت في أدراجه‪ .‬ال يعني ذلك أنها وجدت شيًئ ا مثيًر ا لالهتمام على اإلطالق‪،‬‬
‫‪. . .‬ولكن‬
‫ركضت إلى هناك بسرعة وفتحت الباب بدبوس شعر في أقل من دقيقة‪ .‬كانت متوترة أثناء قيامها بذلك‪ :‬كان حضور زوجها قويًا جدًا‬
‫‪.‬في تلك الغرفة لدرجة أنها كانت تخشى دائمًا رؤيته يظهر من خلف الباب‬

‫‪.‬دخلت وأغلقت الباب خلفها‪ .‬جلست بجوار النافذة‪ ،‬حيث سمح لها المنظر برؤية الطريق‪ ،‬وفتحت رسالة اآلنسة فوجميند‬
‫‪،‬عزيزتي آنا‬
‫أعتذر عن السماح لي بالكتابة إليك‪ ،‬ولكن كما يمكنك أن تتخيل القلق بعد ما حدث باألمس ‪ -‬بسببي ‪ -‬لم يمنحني السالم‪ .‬آنا‪ ،‬أعلم أن‬
‫هذا سيسيء إليك‪ ،‬لكنني قررت الذهاب إلى لندن للتحقيق مع زوجك‪ .‬لن أسألك مرة أخرى كيف تمكن من إقناعك بالزواج منه‪،‬‬
‫لكنني ال أستطيع أن أقنع نفسي بأن مشاعرك تجاهه جاءت فجأة كما تقول ‪ -‬أو‪ ،‬على حد تعبيره‪" ،‬ازدهرت بين عشية وضحاها مثل‬
‫"‪.‬زهرة برية‬
‫أود أن أسمع منك‪ ،‬إذا كان بإمكانك الرد على هذه الرسالة؛ سأنتظر بفارغ الصبر لتلقي ردكم قبل المغادرة‪ .‬أنا قلق للغاية بعد ظهر‬
‫أمس‪ .‬آنا‪ ،‬أتمنى أن تعلمي أن صداقتي ثابتة وحاضرة دائًم ا من أجلك‪ ،‬وأدعو هللا أن ال تترددي في أن تأتمني على كل واحدة من‬
‫مشاكلك دون تردد‪ .‬يمكنني مساعدتك في إخراجك من أي موقف صعب (أي!)‪ .‬آنا‪ ،‬صدقيني‪ ،‬ال توجد فضيحة أسوأ من الحياة التي‬
‫‪.‬تقضيها مع رجل عنيف‬
‫كنت سأأتي إلى منزلك هذا الصباح لو لم يمنعني الخوف من التسبب في مشكلة‪ .‬فقط قل الكلمة وسأسرع إليك؛ إن كسر وجه زوجك‬
‫‪.‬مرة أخرى سيمنحني رضًا ال حدود له‬
‫‪.‬أحر التمنيات‪ ،‬د‪.‬ديم‬
‫‪.‬ابتسمت آنا وتوجهت إلى مكتب زوجها‪ ،‬ومع دقات قلبها العالية‪ ،‬بدأت هناك على الفور في صياغة رد على اآلنسة روكسان‬
‫‪،‬عزيزي دانييل‬

‫كما تسمي نفسك اآلن ‪ -‬أتمنى لك رحلة سعيدة إذا كنت ستغادر إلى لندن‪ .‬العقل الضبابي سيكون مفيًد ا بالتأكيد ‪ Fogmind،‬أو‬
‫هناك‪ ،‬أال تعتقد ذلك؟‬
‫‪ -‬اهتمامك بي‪ ،‬على الرغم من لطفه الشديد‪ ،‬ليس له ما يبرره‪ .‬لم يحدث لي شيء منذ ظهر األمس‬
‫)ال شيء يا آنا؟(‬
‫‪.‬توقفت مؤقًت ا عندما أصبح خديها دافئين‪ ،‬وربما جسدها‪ .‬ثم هزت رأسها وبدأت في الكتابة مرة أخرى‬
‫لم يحدث لي شيء منذ ظهر األمس يمكن أن يقلقك‪ .‬أعلم أنك لن تبقيني في الظالم فيما يتعلق باألشياء التي ستكتشفها‪ ،‬ألننا أصدقاء‪،‬‬
‫‪.‬ولهذا السبب نفسه‪ ،‬ال تشعر باإلهانة إذا لم أقدم المزيد من التوضيحات لطلبي هذا‬
‫لكن أردت أن أطمئنك‪ :‬كريستوفر ال يضربني‪ .‬لم يحدث ذلك أبًد ا أثناء خطوبتنا‪ ،‬وال منذ أن تزوجنا‪ .‬على أية حال‪ ،‬سأتذكر عرضك‬
‫المدروس للمساعدة في حال احتجت إليها‪ .‬أطلب منك شيًئ ا واحًد ا‪ :‬ال تتحدث عن مخاوفك مع لوسي‪ .‬أخشى أنها لن تمنحني لحظة‬
‫‪.‬من الراحة‪ ،‬وأنها قد تحاول حك عيني زوجي لتصنع منهما تحًف ا صغيرة ساحرة‪ ،‬ربما ثقالة ورق‬
‫‪.‬أنهت الرسالة‪ .‬كان الوقت ينفد‬
‫‪،‬مع جزيل الشكر عزيزي دانيال‪ .‬صديقك‬
‫آنا‬
‫مالحظة‪ :‬سوف تتفاجأ عندما تعرف أن المالحظات الختامية لرسالتك هي نفسها التي استخدمها زوجي عند اإلشارة إليك‪ .‬أتصور أن‬
‫هذا سوف يزعجك‪ ،‬وأنا بالفعل أبتسم للنظرة التي على وجهك اآلن (هيا‪ ،‬توقف عن ذلك‪ ،‬دانيال‪ ،‬وإال فسوف تحصل على تجاعيد‬
‫مبكرة تتجه نحو جبينك)‪ .‬ربما ال ينبغي لي أن أذكر‬
‫يا لها من مصادفة‪ ،‬لكني أعلم أنك ستكون قادًر ا على تقدير المفارقة‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬نظًر ا لتعاطفكم المتبادل‪ ،‬أعتقد أنه سيكون من األفضل‬
‫أن تبتعد أنت وكريستوفر عن بعضكما البعض في المستقبل القريب‪ ،‬حتى في أي مناسبة اجتماعية تتواجدان فيها‪ .‬كلمة نصيحة‪ :‬لقد‬
‫تورم أنف زوجي بشكل كبير لدرجة أنه إذا كنت معه في نفس الغرفة‪ ،‬فسيكون من المستحيل عدم التواجد بالقرب منه‪ ،‬ألنه يخيف‬
‫‪.‬اآلخرين‬
‫سارعت آنا إلى تنظيف المكتب‪ ،‬وإزالة كل آثار وجودها هناك‪ .‬قبل أن تغادر‪ ،‬فتحت جميع أدراج المكتب‪ ،‬دون أن تهمل األدراج‬
‫‪.‬المغلقة‪ ،‬التي كانت فارغة مرة أخرى هذه المرة‬
‫‪.‬شعرت باإلحباط‬
‫أين كان زوجها يخفي وثائقه؟ وألنهم كانوا هناك‪ ،‬كانت متأكدة من ذلك‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬األوراق المتعلقة بالوصاية‪ .‬ولكن أين‬
‫كانوا؟ لقد بحثت بالفعل في جميع الكتب الموجودة على الرفوف‪ .‬لم يكن هناك الكثير لقول الحقيقة‪ .‬ربما كان كريستوفر خائًف ا من‬
‫تدمير عقله من خالل القراءة كثيًر ا‪ .‬في الواقع‪ ،‬لم يكن على علم عملًيا بكل جانب من جوانب المعرفة اإلنسانية‪ .‬لماذا تلوث هذا‬
‫الجهل الطاهر بالقراءة المتهورة؟‬
‫وواصلت بحثها‪ .‬لقد فحصت جميع القيعان الزائفة‪ ،‬واكتشفت ثالثة منها‪ ،‬ولم تجد شيًئ ا‪ .‬نظرت خلف كل اللوحات وفي سلة‬
‫‪.‬المهمالت‪ .‬ال شئ‪ .‬عادت إلى الكتب غاضبة‪ ،‬والحظت أخيًر ا شيًئ ا قد أفلت منها‬
‫‪.‬الموقد‬
‫تم إعادة تزيين رف المدفأة وفًق ا لتعليمات زوجها بالرخام الثقيل والجص‪ ،‬وعندما شاهدت هي ولوسي الخليط المذّهب من الزهور‬
‫والكروم‪ ،‬اعتقدتا أن ذوق كريستوفر كان مبهرًج ا للغاية لدرجة أنه كان غير قانوني تقريًبا‪ .‬ولكن ربما أراد األمر بهذه الطريقة لسبب‬
‫‪.‬ما‪ ،‬فكرت‪ ،‬وظهرت ابتسامة على وجهها‬
‫بقي السيد أوين‪ ،‬وبعد ذلك يمكنه العودة إلى المنزل‪ .‬السيد أوين‪ . . .‬السيد أوين‪ . . .‬آه‪ ،‬نعم‪ ،‬ذلك الرجل الممتلئ ذو البقعة الصلعاء‬
‫‪.‬الذي طلب منه القرض الصغير‬

‫لم يكن األمر مهًما جًد ا‪ ،‬فكر في األمر‪ .‬ال شيء عملًيا‪ ،‬فكر كريستوفر‪ .‬قرر أن هذا يكفي لهذا اليوم‪ .‬سأبلغه أن الموعد قد تم تأجيله‬
‫إلى الغد‪ .‬إذا أسرع‪ ،‬فيمكنه االنتهاء في الوقت المناسب للعودة إلى المنزل لقضاء فترة ما بعد الظهر في الحكاية الخيالية التي روتها‬
‫آنا لألطفال‪ .‬ال يعني ذلك أنه وافق على مثل هذا الهراء العاطفي‪ ،‬انتبه؛ لقد أراد فقط معرفة الجزء من القصة الذي ستخبره به‬
‫‪.‬زوجته في ذلك اليوم‪ ،‬وبأي طريقة خيالية ستقتله في النهاية‬
‫نهض من كرسيه بعد أن أغلق مكتبه ومد ذراعيه على نطاق واسع قدر اإلمكان‪ .‬ألقى نظرة على كتاب على رف قريب‪ .‬وهي طبعة‬
‫قديمة بغالف بني اللون‪ ،‬مهترئة في عدة أماكن‪ .‬مد يده‪ ،‬وأخذها‪ ،‬وقلب صفحات قليلة‪ .‬كان يعرف كل التفاصيل‪ ،‬كل خدش‪ ،‬كل ثنية‬
‫‪:‬في الورقة الصفراء‪ .‬انه يقرأ‬
‫‪.‬يجب أن تنتقل قلعة وسيادة أوترانتو من العائلة الحالية عندما يصبح المالك الحقيقي أكبر من أن يسكنها ‪. . .‬‬
‫‪.‬وأغلق الكتاب بجلطة‪ .‬أعاده إلى مكانه ثم عاد إلى مقعده خلف المكتب‬
‫)‪.‬ال يمكنك أن تأخذ قسطًا من الراحة يا كريستوفر‪ .‬وال حتى لمدة نصف ساعة(‬
‫لقد ذّك ره ذلك الكتاب بذلك مرة أخرى‪ ،‬تماًما كما ذّك ره بعد ظهر أحد األيام الباردة قبل اثني عشر عاًما عندما ذهب إلى مكتب فرانك‬
‫دافنبورت لقراءته‪ .‬وبعد ذلك قرصه من متى‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬في البداية أراد فقط إخفاء ذلك‪ .‬وكان مقتنًع ا بأنه سيعيدها إليه عاجًال أم‬
‫آجًال – ولكن أوًال كان على متى أن يتوسل إليه لعدة أيام‪ .‬ربما أشهر‪ .‬لكي نكون صادقين تماًما‪ ،‬فإن فكرة أن كريستوفر قضى فترة‬
‫ما بعد الظهر وهو في الثالثة عشرة من عمره في قراءة كتاب (وكتاب ابن عمه‪ ،‬ليس أقل من ذلك!) بدت وكأنها مستحيلة أكثر من‬
‫‪.‬كونها حقيقة فعلية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد حدث ذلك بعد أربعة أحداث عشوائية ومتزامنة‬
‫األول كان بعد ظهر يوم ممزوًج ا بالمطر والصقيع‪ .‬والثانية أن متى كان طريح الفراش مصابًا بنزلة برد‪ ،‬والثالثة أنه لم يالحظ‬
‫السرقة بعد بعد يومين‪ .‬وأخيرا‪ ،‬الرابع هو أن خطرا رهيبا يلوح في األفق على كريستوفر‪ .‬من المؤكد أن إزعاج مربية بدينة بصوت‬
‫حاد أمر صعب على طبلة األذن‪ ،‬كان يفكر وهو يركض إلى غرفة الطعام‪ .‬ربما لهذا السبب يختارون مثل هؤالء السمينين‪ .‬كان قد‬
‫توقف ل‬

‫لحظة التقاط الكتاب من المكان الذي أخفاه فيه ‪ -‬خلف األريكة ‪ -‬قبل البحث عن العزلة واألمان في مكتب عمه‪ ،‬حيث لن تبحث عنه‬
‫‪.‬سونيا‬
‫لقد ثبت أن االختباء فكرة حكيمة إلى حد ما‪ ،‬ألنه عندما اكتشفت المربية الفوضى في غرفة اللعب‪ ،‬بدأت بالصراخ‪ .‬ال يعني ذلك أن‬
‫كريستوفر كان له أي دور في تلك الكارثة‪ ،‬انتبه‪ :‬من الطبيعي أن يتلف األثاث عندما يحاول المرء تحريك عربة صغيرة بالبخار‪ .‬لقد‬
‫قرأ عن هذه اآللة‪ ،‬وحاول إعادة إنتاج الطريقة التي تعمل بها‪ .‬لم يكن األمر سيًئ ا للغاية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬لم يكن األمر أن السجادة‬
‫قد احترقت بالفعل‪ .‬ليس كل ذلك‪ ،‬على األقل؛ لو أنها قطعت قدمًا واحدة فقط من النهاية‪ ،‬لكانت جيدة كالجديدة‪ ،‬لكنه شكك في أن‬
‫سونيا كانت ستعتقد ذلك‪ .‬لقد كانت دائًم ا تثير ضجة حول األشياء‪ .‬لو حاول أن يقترح عليها هذا الحل ‪ -‬أو لو وجدته على أية حال ‪-‬‬
‫لنفخت خدودها الوردية الكبيرة‪ ،‬ومررت يدها على شعرها المجعد األشقر الداكن‪ ،‬ثم وضعت يديها عليها‪ .‬الوركين‪ ،‬نبح توبيخا‬
‫عليه‪ .‬حسنا‪ ،‬بالتأكيد أكثر من واحد‪ .‬وأخيًر ا‪ ،‬كانت ستنفجر في واحدة من صيحات المعركة المفضلة لديها‪" :‬اآلن سأخبر السيدة‬
‫دافنبورت‪ ،‬كريستوفر!" ال يعني ذلك أنه كان سيحدث فرًق ا‪ .‬حتى سونيا فهمت أنه إذا لم يكن األمر يتعلق بماثيو‪ ،‬فإن العمة هزت‬
‫‪.‬كتفيها ونسيت األمر برمته على الفور‬
‫آمل أال تخبر عمي بأن كريستوفر كان يتمنى ذلك مع شعور بسيط بالذنب‪ .‬لكن بصراحة‪ ،‬ما الذي كان بإمكانه فعله بعد ظهر ذلك‬
‫اليوم إن لم يكن إجراء بعض التجارب العلمية؟ كان ماثيو في السرير‪ ،‬ولم تسمح له عمته بالنهوض‪ .‬ولم يتوقف نقر المطر المزعج‬
‫‪.‬على زجاج النافذة‪ ،‬ومنعه من الخروج‬
‫"!لقد كان مشتًت ا عن أفكاره ألنه سمع سونيا قادمة من الردهة‪" .‬كريستوفر‬
‫قام بتقييم لهجتها‪ .‬كان هناك تهيج‪ ،‬بالتأكيد‪ .‬ضيق في التنفس (ربما كانت تمشي بسرعة)‪ .‬ربما شهية طفيفة‪ .‬ولكن هل كان هناك أثر‬
‫يذكر من اللطف الذي قد يسمح له بالخروج أو األمل في المغفرة؟‬
‫"كريستوفر! كريستوفر دافينبورت‪ ،‬اخرج في الحال! أين أنت أيها الوغد؟"‬
‫‪.‬ال بالتأكيد ال‪ .‬ظل صامًت ا‪ ،‬على أمل أال تأتي سونيا إلى مكتب عمه‪ .‬مرت بجانبها‪ ،‬وشعر كريستوفر باالرتياح بشكل مفهوم‬

‫وبعد ساعة خرج من مخبئه تحت المكتب الخشبي الداكن‪ ،‬وسار نحو الطاولة القصيرة في الزاوية اليمنى‪ .‬كان عليها زجاجة بها‬
‫سائل كهرماني يبدو لذيًذ ا جًد ا بالفعل‪ .‬سكب كريستوفر بعًض ا منه في كوب وجربه‪ .‬لقد أحرقت حلقه‪ ،‬وكادت نكهة الدخان أن تجعله‬
‫يتقيأ‪ .‬عمي ليس على حق في كل شيء‪ ،‬هكذا فكر وهو يجلس على الكرسي ذو الذراعين والكتاب بين يديه‪ .‬كان يأمل أنه‪ ،‬على‬
‫الرغم من شربه تلك المادة‪ ،‬سيظل قادًر ا على معرفة شيء ما عن الرسائل التي أرسلها إلى عمه منذ أكثر من عام‪ .‬رسائل والدته ‪.‬‬
‫ألنه لم يكن من السهل عليه أن يسلمهم إليه‪ .‬لقد أخفاها لمدة ست سنوات‪ ،‬وأعاد قراءتها لمدة ست سنوات دون حتى أن يظهرها‬
‫بالطبع‪ .‬ست ‪ L.‬لمتى‪ .‬لمدة ست سنوات تحاول اكتشاف بعض األدلة‪ :‬شارع‪" ،‬الشارع الشرقي"؛ مدرسة السيدة وايت؛ ومن كان‬
‫سنوات دون إحراز أي تقدم‪ .‬وفي النهاية أعطاهم لعمه‪ ،‬ألنه إذا كان هناك شخص يمكنه مساعدته في الوصول إلى حقيقة األمر‪ ،‬فهو‬
‫فرانك دافنبورت‪ .‬كان دفتر والدته ‪ -‬المذكرات الغريبة التي تتحدث عن عوالم أفضل وبعيدة ‪ -‬هو الشيء الوحيد الذي لم يعطه إياه‪.‬‬
‫‪.‬في الغالب ألنه اعتقد أن ذلك لن يكون مفيًد ا له‪ ،‬ولكن أيًض ا ألنه أراد االحتفاظ به لنفسه‪ .‬لنفسه فقط‬
‫كان ملتًف ا ببطانية رمادية قديمة وجدها على ظهر الكرسي‪ ،‬يشعر بالدفء على الرغم من البرد‪ .‬في الواقع كان الجو بارًد ا جًد ا في‬
‫مكتب عمه‪ :‬لم تكن ماري قد أشعلت النار منذ أن خرج فرانك ولن تعود حتى اليوم التالي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم يغادر كريستوفر‪ ،‬على‬
‫الرغم من أن سونيا توقفت عن البحث عنه‪ .‬شعر باالرتياح مع رائحة الغليون الخفيفة في الهواء ‪ -‬ربما كان علّي أن أحاول تدخينه‪،‬‬
‫‪.‬كما ظن‪ ،‬ولكن مع ذكرى تجربته الفاشلة مع الويسكي‪ ،‬قرر التخلي عن الفكرة‬
‫‪.‬بدأ القراءة‬
‫مانفريد‪ ،‬أمير أوترانتو‪ ،‬كان له ابن واحد وابنة واحدة‪ :‬األخيرة‪ ،‬عذراء جميلة جًد ا‪ ،‬تبلغ من العمر ثمانية عشر عاًما‪ ،‬تدعى‬
‫‪. ..‬ماتيلدا‬
‫قال في نفسه إنه كتاب نموذجي لمتى‪ .‬األمر كله يتعلق بالمعركة الشرسة بين الملل والرتابة‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬هذا الكتاب لم يكن من‬
‫تأليف متى‪ ،‬ولهذا السبب كان كريستوفر يأمل في شيء ما‬

‫أكثر تشويقا‪ .‬ولكن لم يكن هناك أي شيء مثير في بريدجتاون في كينت‪ ،‬وحتى أقل من ذلك في منزل السيدة شارب‪ ،‬جدة ماثيو‬
‫ألمه‪ .‬هناك اكتشف ابن عمه الصغير قلعة أوترانتو عندما كان هناك في زيارة في وقت سابق من ذلك الشهر‪ .‬لم يذهب كريستوفر‬
‫معه ومع عمته ‪ -‬لقد أقام مع عمه‪ ،‬الذي لم يتمكن من مغادرة لندن ‪ -‬ولم يشعر بخيبة أمل بشأن ذلك على اإلطالق‪ ،‬حيث كانت‬
‫للسيدة شارب طريقة غريبة في تجعيد أنفها عندما كانت رأته وعاقبته باستمرار‪ .‬ليس دائًما بشكل غير عادل‪ ،‬بالتأكيد‪ ،‬لكن هذا لم‬
‫يغير الحقيقة‪ ،‬أليس كذلك؟ لقد افتقد ماثيو قليًال خالل هذين األسبوعين‪ ،‬كان عليه أن يعترف بذلك‪ ،‬لكن عدم رؤية عمته كان أمًر ا‬
‫لطيًف ا‪ ،‬كما كان األمر بالنسبة إلى عمه لنفسه لمرة واحدة‪ .‬كان الذهاب معه في نهر التايمز المتجمد تجربة مثيرة للغاية بالفعل‪ .‬كان‬
‫من المؤسف أن ابن عمه الغبي لم يتمكن من الحضور‪ ،‬فكر كريستوفر بأسف‪ ،‬لكن ستتاح لهم الفرصة للعودة مرة أخرى عاجًال أم‬
‫‪.‬آجًال‪ ،‬وربما حتى في العام المقبل‬
‫‪. . .‬كان مانفريد قد تزوج ابنه من إيزابيال ابنة ماركيز فينسينزا ‪. . .‬‬
‫ربما يستطيع أن يرمي الكتاب على الحائط ويحصل على كتاب آخر‪ .‬نظر حوله؛ لم يكن هناك سوى الدوريات وسجالت التسجيل‬
‫‪.‬القديمة‬
‫‪. . .‬يا له من مشهد في عيني األب! ‪ -‬رأى طفله محطًما إلى أشالء وكاد ُيدفن تحت خوذة ضخمة ‪. . .‬‬
‫أوه‪ ،‬الوضع يتحسن‪ ،‬فكر بارتياح‪ ،‬وانغمس بسرعة أكبر في القراءة‪ .‬توقف مرة واحدة فقط‪ ،‬عندما ظن أن الظالم قد حل‪ .‬غادر‬
‫‪.‬ليحضر شمعة‪ ،‬ثم انغمس بين أشباح الكتاب وعمالقة الكتاب مرة أخرى‬
‫وهدد ثيودور بالتدمير لكل من حاول إبعاده عنها‪ .‬طبع ألف قبلة على يديها الباردتين ونطق بكل تعبير يمكن أن يمليه عليه ‪. . .‬‬
‫‪. . .‬الحب اليائس‬
‫‪.‬مر الوقت بسرعة‪ ،‬وكان وقت العشاء قد اقترب بالفعل‪ .‬لقد تسبب البرد في خدر أصابعه‪ ،‬وشعر بالتصلب تحت البطانية‬
‫لكن حزن ثيودور كان جديًد ا جًد ا بحيث لم يتمكن من االعتراف بفكرة حب آخر‪ ،‬ولم يكن مقتنًع ا إال بعد محادثات متكررة مع ‪. . .‬‬
‫إيزابيال عزيزته ماتيلدا بأنه ال يستطيع أن يعرف السعادة إال في مجتمع شخص يمكنه أن ينغمس معه إلى األبد‪ .‬الحزن الذي استحوذ‬
‫‪.‬على روحه‬
‫هذا كان هو؛ لقد انتهى األمر‪ .‬لم يكن سيئا‪ ،‬أليس كذلك؟ ومع ذلك لم يعجبه أحد؛ في الواقع‪ ،‬تحت عبارة "النهاية" كتب شخص‬
‫‪:‬غامض بدقة‬
‫‪:‬وفي اليوم السادس عشر من شهر مايو من عام ربنا ‪ 1798‬نجد أن‬
‫نهاية هذا الكتاب مروعة‬
‫‪:‬ونشير هنا إلى أن‬
‫إن مصير إيزابيال هو أسوأ ما يمكن أن تتمناه‬
‫تمت صياغة هذه الوثيقة وتوقيعها من قبل صاحبة الكتاب وصديقتها المفضلة‪ ،‬اللتين تتمتعان بكامل قواهما العقلية (وأيًض ا معدة‬
‫‪:‬ممتلئة) تقسمان وتؤكدان وتعلنان ما يلي‬
‫!لن يكونوا أبًد ا ال مثيل لهم‪ ،‬من قبل جوف‬

‫شخص غامض‪ ،‬نعم‪ .‬بدا هذا الكتابة اليدوية غريبا بالنسبة له‪ .‬بدا األمر مألوًف ا‪ ،‬وكان صحيًح ا‪ ،‬لكنه لم يتعرف عليه‪ .‬ربما ألننا نرى‬
‫فقط األشياء التي نتوقع رؤيتها‪ .‬ربما ألن المطر كان ال يزال يضرب النافذة‪ ،‬وكان ال يزال تحت البطانية‪ ،‬وكان ال يزال في المكتب‬
‫تفوح منه رائحة تبغ الغليون‪ ،‬وكل شيء سيئ ‪ -‬الموت واأللم ‪ -‬بدا في غير محله هنا‪ .‬و بعد ‪ . . .‬ومع ذلك‪ ،‬كانت هذه الكلمات‬
‫‪.‬مبهجة‪ ،‬وشعر كريستوفر بعدم االرتياح‪ .‬ومع ذلك كان يخشى قراءة التوقيعات تحت القسم‬
‫ال‪ ،‬لم يكن هذا بالضبط‪ .‬لم يكن خائًف ا من قراءة التوقيع األول‪ .‬ألنه على الرغم من أنه كان مكتوًبا بطريقة أكثر غموًض ا‪ ،‬وأقل مياًل ‪،‬‬
‫‪.‬وأكبر مقارنة بالكتابة التي عرفها كريستوفر‪ ،‬إال أن القلم كان ال لبس فيه‪ .‬مطمئنة‬
‫صاحب الكتاب‬
‫باربرا شارب‬
‫‪.‬ولكن تحت ‪ . . .‬تحته كان هناك توقيع ثان‪ .‬غير معروف ولكن مألوف‪ .‬مألوفة جدا اللعينة‬
‫صديقتها المذكورة‪ ،‬وكاتبة العدل بامتياز‬
‫قرأ كريستوفر‪" :‬كاتب العدل المتميز"‪ .‬ثم قرأ مرة أخرى‪ ،‬وأخذ يحدق في تلك العبارة وكأنه تائه‪ .‬مرة بعد مرة‪ .‬وظل يحدق فيها‬
‫دقائق بعد دقيقة حتى أعمى عنها ولم يستطع أن يرفع بصره عنها‪ .‬لم يسمح لعينيه بقراءة التوقيع الموجود تحته‪ .‬لماذا؟‬
‫‪. . ".‬كاتب العدل التمييز ‪". . .‬‬
‫‪. . ".‬صديقتها المذكورة"‬
‫‪. . ".‬صديقتها المذكورة آنفًا‪ ،‬وكاتبة العدل المتميزة“‬
‫تلك التي تتميز باالزدهار‪ ،‬والمستديرة‪ ،‬مع تجعيدات مرحة‪ .‬لم يفعل‬
‫التعرف عليهم‪ ،‬أليس كذلك؟ لم يتعرف على حروف الدال المنتفخة‪ ،‬وال على حروف النون الرقيقة‪ ،‬وال على أي من األبجدية المنمقة‬
‫‪.‬التي خلقت بها‪ ،‬في دفتر مالحظات بغالف أسود‪ ،‬عالًما بعيًد ا بعد سنوات‪ .‬عالم أفضل‬
‫‪. . ".‬صديقتها المذكورة آنفًا‪ ،‬وكاتبة العدل المتميزة“‬

‫‪".‬وترك عينيه تنظران إلى األسفل‪ .‬لقد قرأ "مارثا أسكي‬


‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪32‬‬
‫‪.‬القتل دائما خطأ‪ .‬ال ينبغي ألحد أن يفعل أي شيء ال يستطيع التحدث عنه بعد العشاء‬
‫أوسكار وايلد‪-‬‬
‫نظر إلى زوجته التي كانت تجلس تحت النافذة تخيط‪ .‬كان من السخيف أنه شعر بالحرج لمجرد التحدث معها‪ .‬ففي نهاية المطاف‪،‬‬
‫كانت زوجته‪ ،‬زوجته حًق ا‪ .‬منذ عدة أيام‪ ،‬ولم يكن هناك أي فائدة من التفكير في األمر في هذا الوقت من بعد الظهر‪ ،‬فكر بابتسامة‬
‫"على وجهه‪" .‬آنا‪ ،‬هل يمكنني التحدث معك للحظة؟‬
‫لم تنظر إليه‪" .‬ألن تخرج اليوم؟" سألت كما لو كانت مشتتة‪ .‬لكنها لم تكن كذلك‪ .‬لقد كانت خجولة‪ ،‬تلك الفتاة السخيفة‪ ،‬وكانت تحاول‬
‫‪.‬عدم إظهار ذلك‬
‫"ال‪ .‬هل يمكنك أن تأتي إلى مكتبي؟ لدى شىء ألريك إياه‪ ".‬بدت زوجته قلقة‪" .‬اآلن؟ ماذا؟"‬
‫"‪.‬يا سبيل هللا‪" .‬آنا‪ ،‬ال شيء خطير‪ .‬يأتي‬
‫‪.‬لقد تنهدت‪ .‬تركت الخياطة وتبعته إلى الغرفة‬
‫‪".‬قالت وهي تدخل الغرفة خلفه‪" :‬أخبرني إذن‬
‫هل تتذكر أنني وذهبت أنا وأنتوني إلى لندن منذ بعض الوقت‪ ".‬هو"‬
‫التقطت الرسالة التي كانت موضوعة فوق مكتبه وسلمتها لها‪" .‬لقد تلقيت الرد الذي كنت أنتظره هذا الصباح‪ ".‬كان يأمل أال تتفاعل‬
‫آنا بشكل سيئ مع األخبار التي كان على وشك أن يخبرها بها‪ .‬ولكن ال‪ ،‬لماذا هي؟ وقالت انها سوف تكون سعيدة‪ ،‬إذا كان أي شيء‪.‬‬
‫‪.‬قطعًا‪" .‬من مدرسة وستمنستر‪ .‬أنتوني سوف يذهب إلى هناك يوم االثنين المقبل‬
‫"وقفت آنا هناك‪" .‬ماذا؟‬
‫"‪.‬قال‪" :‬سوف يذهب أنتوني إلى مدرسة داخلية"‪" .‬انه يريد‬

‫"انها عبس‪" .‬ماذا تقول؟‬


‫"‪-‬كانت األمور تسير بشكل جيد إلى حد ما‪" .‬إنه أمر جيد لـ‬
‫فتحت عينيها على نطاق واسع‪ .‬هي فهمت‪" .‬ال! كيف استطعت؟" هناك‬
‫‪،‬كان الغضب في عينيها واأللم أيًض ا‪ .‬هل هي مذعورة؟ "ال! لقد قلت‪ "...‬رفع كريستوفر يديه ليوقف هذا الثرثرة غير المتماسكة‪" .‬آنا‬
‫"‪-‬يستمع‬
‫"ال!" كانت شفتيها ترتعش‪" .‬كيف؟ ‪ . . .‬لماذا؟"‬
‫"‪-‬آنا‪ ،‬استمعي"‬
‫ماذا ‪ . . .‬أي خطأ ارتكبت؟" سألته بصوت مكسور"‬
‫"يمسك بطنها بين ذراعيها‪" .‬ماذا تريد مني أكثر من ذلك؟ لماذا تصر‪-‬؟‬
‫"‪-‬آه من أجل محبة هللا يا آنا!" لماذا لم تسمح له هذه المرأة بالتحدث؟ "لم ترتكب أي خطأ‪ .‬المدرسة الداخلية جيدة"‬
‫" لماذا تفعل هذا بي؟ لماذا تأخذه بعيدا عني؟"‬
‫"‪-‬أنتوني يريد"‬
‫‪ . . ".‬ال! ال تأخذ أخي بعيدا عني! ال تفعل ذلك! ال"‬
‫كان من المستحيل التفكير مع هذه المرأة‪ .‬لقد كان أحمق حتى‬
‫"!اعتبره‪ .‬وتوجه نحو الباب وفتحه بسرعة‪" .‬أنتوني!" ارتفع صوته من المدخل‪" .‬أنتوني‪ ،‬تعال إلى هنا اآلن‬
‫‪! . . ".‬تردد صدى صوته في جميع أنحاء المنزل‪ ،‬وشهقت آنا‪" .‬كريستوفر‪ ،‬والدي‬
‫‪.‬كريستوفر؟" نادى أنتوني وهو يركض"‬
‫أوه‪ ،‬أنتوني‪ ،‬أنت هنا‪ ".‬بالنسبة لرجل مثله أن يشيد بصبي صغير كان أقصر منه بحوالي قدمين كمنقذ‪ ،‬كان هذا يعني الكثير‪" .‬من "‬
‫فضلك كرري ألختك ما أخبرتني به عن رغبتك في الذهاب إلى مدرسة داخلية‪ ".‬لقد كان األمر جباًن ا بعض الشيء بالتأكيد‪ ،‬لكن‬
‫‪.‬اللحظة تتطلب بالتأكيد إجراءات طارئة‬
‫التفت أنتوني دون انزعاج لينظر إلى أخته بوجه جدي مثل وجه دبلوماسي في مهمة‪" .‬أود أن أذهب إلى المدرسة الداخلية‪ ،‬آنا‪ .‬قال‬
‫"‪-‬كريستوفر‬
‫أنت ‪ . . .‬تريد الذهاب؟" قالت‪ .‬كان صوتها هادًئ ا‪ ،‬لكنها كانت شاحبة مثل المالءة ولم تبدو مؤمنة جًد ا بأخيها األصغر‪" .‬أنت لم "‬
‫تفعل ذلك‪ . . .‬لم تكن قد ذكرت من أي وقت مضى‪ . . .‬أنتوني‪ ،‬لماذا لم تخبرني؟ لماذا أخبرته وليس أنا؟‬
‫‪.‬هز أنتوني كتفيه دون أن يجيب‬

‫قال له كريستوفر‪" :‬لدي أخبار لك يا أنتوني"‪ .‬التقط الرسالة التي تركتها زوجته تسقط على األرض وسلمها للصبي‪" .‬ابدأ بالتفكير‬
‫‪.‬في األشياء التي تود أن تأخذها معك‪ ،‬ألنه لم يتبق سوى أسبوع واحد حتى رحيلك‪ .‬لقد تم قبولك في الكلية الملكية للقديس بطرس‬
‫احمرت خدود أنتوني وسقط فمه مفتوًح ا‪ .‬لم يكن يعرف كيف يظهر فرحته بأي طريقة أخرى‪ ،‬ولم يتوقع منه كريستوفر أن يفعل ذلك‬
‫على أي حال‪ .‬كان للصبي طريقته الخاصة في إظهار الحماس‪ .‬بدأ يقرأ الرسالة التي أعطاها إياه صهره‪ ،‬وكان ال يزال يبدو جدًيا‬
‫‪.‬للغاية‪ .‬لكن ‪ . . .‬لكن ‪ . . .‬إيه؟ ال يا أنتوني‪ ،‬هذا لن يجدي نفًع ا‪ ،‬فكر كريستوفر‪ .‬بدأت عيناك تدمع يا ولدي‬
‫ال تزال آنا تحمل تلك النظرة الشاحبة والمذهلة التي كانت تبدو عليها من قبل‪ .‬لماذا عليها دائما أن تجعل كل شيء صعبا؟ وأعلن‪:‬‬
‫“سأرافقه بنفسي للدخول يوم االثنين المقبل”‪" .‬يمكنك أن تأتي معنا‪ ،‬من الواضح‪ .‬سيعود أخوك إلى هنا في نهاية كل أسبوع إذا كانت‬
‫»‪.‬دراسته تسمح بذلك‬
‫"بدت آنا مستنزفة‪ .‬وضعت يدها على جبهتها وفركتها وكأنها تجمع أفكارها‪" .‬لكن ‪ . . .‬قريبا جدا؟‬
‫‪ ".‬المدرسة على وشك البدء‪ ،‬وأنتوني ال يستطيع تحمل التأخير‪ .‬سيكون عليه أن يتبع وتيرة زمالئه التالميذ"‬
‫‪.‬وأبي؟" بدا صوت زوجته خافتا"‬
‫‪”.‬سوف تخبر السيد تشامبيون‪ .‬لكنه سيكون سعيًد ا‪ ،‬كما أتخيل"‬
‫"ولكن لماذا لم تقل لي أي شيء يا كريستوفر؟"‬
‫‪".‬ألنك كنت ستحدث ضجة كبيرة‪ .‬قال‪" :‬لقد غاب عن ذهني‬
‫‪.‬أجاب‬
‫لقد انزلقت ‪ . . .‬أوه‪ ،‬أفترض أنه حدث ذلك‪ "،‬علقت بجفاف‪ .‬تغيرت"‬
‫"‪.‬تجاه أخيها‪" .‬أنتوني‪ ،‬هل يمكنك أن تتركني أنا وكريستوفر بمفردنا‪ ،‬من فضلك‬
‫‪.‬اللعنة‪ ،‬إنها تريد أن تجادل‪ .‬وسيكون االنفجار صاخًبا بشكل ال يصدق‬
‫آنا‪ ،‬ليس هناك فائدة من ذلك‪ ." . .‬قال‪ ،‬لكنه توقف بعد أن رأى تعبيرها‪" .‬أنتوني‪ "،‬قال بعد ذلك‪" .‬إذا أردت‪ ،‬يمكنك إنهاء قراءة تلك"‬
‫"‪.‬الرسالة في غرفتك‪ .‬إنه ملك لك بعد كل شيء‬
‫"‪.‬أومأ أنتوني‪ .‬وقال‪" :‬سأفتقدك كثيرًا يا آنا"‪" .‬واآلخرون كذلك‬
‫بدا غير مؤكد‪ .‬ثم أشار بيده أن تنحني إليه‪ .‬لقد داعبته آنا ببعض الجهد‪ ،‬كما لو كانت تمسك به‬

‫‪.‬وزن غير مرئي‪ .‬همس أنتوني بشيء في أذنها‪ ،‬ثم خرج من المكتب وركض إلى غرفته والرسالة مشدودة بين يديه‬
‫"وقفت آنا بشكل مستقيم‪ .‬أظلم الفزع عينيها ووجهها‪" .‬ماذا تحاول أن تفعل يا كريستوفر؟ لماذا تتصرف بهذه الطريقة؟‬
‫"‪.‬ال أفهمك"‬
‫هل هذه طريقتك لحرماني من المودة؟ شرائها بـ‪ "-‬للحظة كان يميل إلى معاودة االتصال بأنطوني‪" .‬آنا" هو"‬
‫‪.‬قاطعتها قائلة‪" :‬ال يمكنك التفكير حًق ا‪ . . .‬يا الهى! إذا كان ذلك ألنني لم أتحدث معك عن ذلك‪ ،‬فذلك فقط ألنك كنت ستشتكي‬
‫ال تكذب علي‪ ".‬نظرت إليه بعناية‪ ،‬وكان يشعر بعدم االرتياح‪ .‬لماذا اذن؟ لم يكن يكذب‪" .‬لم تقل أي شيء‪ ،‬ألنك أردت أن تكون "‬
‫"أنت من أسعد أخي‪ .‬أليس كذلك؟‬
‫"ماذا؟" لقد كان مذهوًال‪" .‬ماذا تقول؟"‬
‫"أنت تحب هذا الطفل‪ .‬هل انا على حق؟"‬
‫ليس هذا السؤال‪ .‬ليس مجددا! "حب؟ هل هو دائما الحب الذي يمأل الخاص بك‬
‫رأس صغير يا آنا؟ ال يرى الجميع العالم بألوان الباستيل‪ ،‬كما تعلمون‪ .‬اسمع‪ ،‬إنه يحب المدرسة‪ ،‬لقد طلب مني الذهاب‪ ،‬وأعتقد أن‬
‫"‪.‬ذلك سيكون مفيًد ا له‪ .‬هذا كل شيء‬
‫"‪.‬اجب على سؤالي"‬
‫‪".‬أطلق كريستوفر نفخة صغيرة من الهواء من شفتيه المنفصلتين‪ .‬اعترف أخيًر ا قائًال‪" :‬أنت تعلم جيًد ا أنني أجد عائلتك محبوبة جًد ا‬
‫محبوب؟" ضحكت بمرارة‪ ،‬وهزت رأسها‪" .‬أنت لم تجب يا كريستوفر‪ .‬اسمحوا لي أن أكون واضحا وضوح الشمس‪ .‬إذا تمردت "‬
‫عليك ‪ -‬على سبيل المثال‪ ،‬إذا قلت لصديقك ليوبولد ديميرسي وزمالء عملك ما أعتقده عنهم‪ ،‬أو إذا لم أرتدي الفستان الذي اخترته‬
‫لي ليلة الخميس في منزل مورتيمر ‪ -‬حسًن ا‪ ،‬إذا لم أفعل كل األشياء التي تطلبها" ‪ -‬بالكاد احمرت خجاًل ‪" -‬سوف تهاجمني مع أفراد‬
‫"‪.‬عائلتي‪ ،‬أليس كذلك؟ هكذا قلت‬
‫آنا‪ ،‬هل من الضروري التحدث عن هذا بعد؟" كان هناك عنصر من اليأس في صوته وفي جسده أيًض ا‪" .‬أنت تعرف بالفعل أنه من "‬
‫الضروري بالنسبة لي أن يكون لدي زوجة منضبطة‪ ،‬لكن يجب أن تدرك أنني أترك لك الكثير من الحرية‪ ،‬وال يبدو أنني الوحش‬
‫"‪...‬الذي‬
‫"إجابة‪ .‬هل ستسبب أي ضرر لعائلتي؟ نعم أو ال؟"‬
‫"‪.‬ظل كريستوفر صامًت ا لبضع لحظات‪ ،‬وشدد فكيه‪" .‬نعم‪ "،‬اعترف أخيًر ا بضجر‪" .‬أنت تعرفها‬

‫"‪.‬نظرت آنا إليه باهتمام منسحق‪" .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد بدت سعيًد ا جًد ا ألنطوني منذ فترة قصيرة‬
‫اللعنة‪ ،‬من الواضح أنني ال أحب ذلك!" انفجر‪" .‬ولكن لماذا يجب عليك دائًما مناقشة كل شيء؟" ولماذا يجب أن يفقد أعصابه دائًما؟"‬
‫"اسمع‪ "،‬تابع بهدوء أكثر‪" ،‬اآلن نحن على ما يرام‪ ،‬أليس كذلك؟ " ليست هناك حاجة لذلك‪ ." . .‬انه متوقف‪ .‬وتابع بلطف‪" :‬آنا‪،‬‬
‫استمعي لي"‪ .‬اقترب منها ولمس وجهها المضطرب‪ ،‬ثم خفض رأسه لتقبيل شفتيها‪" .‬ال تكن غاضًبا دائًما‪ .‬ألست سعيًد ا من أجل‬
‫”أخيك؟‬
‫لكنها ظلت جامدة وحزينة‪ ،‬وهي تهمة حية لخداع كريستوفر دافنبورت‪" .‬أخي يعشقك‪ ،‬وأنت تشتريه بتقليد عاطفة غير موجودة‪.‬‬
‫‪.‬كيف يمكنني أن أكون سعيًد ا لذلك؟” أغمضت عينيها‪ ،‬وقد امتألت دموعها وتدفقت على وجهها‬
‫‪).‬لم يحدث هذا منذ فترة‪ ،‬أليس كذلك يا كريستوفر؟ وربما كنت تأمل أال يحدث ذلك بعد اآلن(‬
‫‪.‬آنا‪ ،‬ال تفعلي‪ ." . .‬بدأ‪ ،‬متعًبا جًد ا من رؤيتها تبكي‪ ،‬متعًبا جًد ا من جعله يشعر بالشرير"‬
‫"هل تعرف ماذا قال لي اآلن؟"‬
‫"‪.‬ال‪ ".‬أطلق تنهيدة غاضبة‪" .‬أخبرني"‬
‫‪،‬قال إنه اآلن يستطيع مغادرة هذا المنزل دون أي قلق"‬
‫"‪.‬ألنك هنا للدفاع عنا‬
‫تدحرجت دمعة أخيرة على خدها‪ .‬كان كريستوفر صامتا‪ ،‬وله‬
‫‪.‬أدارت الزوجة رأسها وغادرت الغرفة‬
‫ماثيو‪ ،‬هل أنت مخطوبة للوسي؟" سألت جريس بينما كانوا يجلسون على الطاولة‪ .‬كانت آنا ولوسي وماثيو يتحدثون بحيوية‪ ،‬بينما "‬
‫‪.‬بقي كريستوفر هادًئ ا‪ .‬كان السيد تشامبيون قد تناول العشاء مع نورا مقدًما‪ ،‬ألن اإلرهاق منعه من تحمل الضجيج والساعة المتأخرة‬
‫"‪.‬ضحكت لوسي‪" .‬جمال!" فتساءلت‪" .‬عادًة ما يكون أنتوني هو من يطرح هذا النوع من األسئلة‬
‫عند سماع اسمه‪ ،‬هز الطفل كتفيه وألقى نظرة خائفة‪ .‬ابتسمت آنا لنفسها‪ .‬حتى أخي الضميري‬

‫‪.‬لديه ضعفه‪ .‬نظرت إليه بمودة‪ .‬يبلغ من العمر أحد عشر عاًما تقريًبا‪ .‬لقد أصبح رجًال صغيرًا‬
‫لم يبدو ماثيو محرًج ا وابتسم للفتاة الصغيرة‪" .‬ألم نتفق على أنك ستصبحين خطيبتي عندما تكبرين؟" سأل‪" .‬هل تحاول التخلص‬
‫"مني؟‬
‫ليس األمر أنني ال أحبك"‪ ،‬أكدت له جريس‪ ،‬مستخدمة شوكتها لمطاردة حبة بازالء كانت تتدحرج على طبقها‪" .‬األمر أنني لست "‬
‫‪.‬متأكًد ا من رغبتي في الزواج‪ .‬يقول كريستوفر إن علّي أن أفعل ذلك‪ ،‬ألنني ال أستطيع أن أصبح طبيبًا‬
‫اختنقت لوسي بسبب كمية من الطعام‪" .‬السيد‪ .‬قالت له عندما تمكنت من التقاط أنفاسها‪" :‬دافنبورت‪ ،‬هل قلت حًق ا مثل هذا الشيء‬
‫"لجريس؟‬
‫"‪.‬وأكد دينيس‪" :‬نعم‪ ،‬لقد قال ذلك"‪" .‬كنت هناك‬
‫هز كريستوفر كتفيه بشكل عرضي‪" .‬لقد قلت الحقيقة فحسب‪ ،‬وهذا أفضل من أن تمأل رؤوسهم بأفكار غير واقعية‪ ،‬كما يفعل‬
‫"‪.‬بقيتكم‬
‫‪.‬أظهر وجه لوسي أنها مستعدة للقتال‪ ،‬وابتسمت آنا‪ .‬ال فائدة يا لوسي‪ ،‬لقد حاولت التواصل معها بصمت‪ .‬زوجي هو قضية خاسرة‬
‫"‪.‬ولسوء الحظ‪ ،‬لم تفهم صديقتها رسالتها المعقولة‪" .‬إذا كان الجميع يفكرون مثلك يا سيد دافنبورت‪ ،‬فسيظل العالم دائًما على حاله‬
‫"‪.‬ال أرى لماذا يجب أن يتغير"‬
‫‪".‬أنت ال ترى السبب‪ ." . .‬دهشتها منعتها من إكمال كالمها‪" .‬النساء غير مؤهالت فكرًيا للمالحقات العلمية‪ ،‬يا آنسة إدواردز"‬
‫"‪.‬وأوضح كريستوفر‪" .‬الكذب على جريس لن يغير هذا الواقع‬
‫استجاب وجه لوسي لهذه المالحظة دون كلمات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يبدو أن جريس كانت غاضبة جًد ا‪" .‬أنا ال أهتم بما تقوله يا كريس"‪،‬‬
‫أصرت‪ ،‬وشعرت آنا بصدرها يقفز من الفخر‪" .‬عندما أكبر‪ ،‬سأفعل‬
‫"‪.‬أرتدي زي الرجال وسأصبح طبيبًا على أية حال‬
‫رفع كريستوفر حاجبه متفاجًئ ا‪ .‬فأجاب بجفاف‪« :‬ال أفعل‬
‫»‪.‬أعتقد ذلك يا جريس‪ ،‬ولكننا سنناقش األمر مرة أخرى خالل الخمسة عشر عاًما القادمة‬
‫وضعت آنا يدها على جبهتها بهدوء‪" .‬ال تستمعي إلى زوجي يا لوسي"‪ ،‬نصحتها‪ ،‬فنظر إليها بنظرة غاضبة‪" .‬إنه فكريا‬
‫"‪.‬غير صالح ل‪ . . .‬األنشطة الذهنية‬
‫حتى لوسي بدت مقتنعة‪" .‬حسًن ا‪ ،‬إذن‪ ،‬دعنا نتحدث مع شخص ما‬
‫يكون‪ .‬أنتوني‪ ،‬أختك أخبرتني أنك سترحل‪ .‬أنت ذاهب ل‬

‫"لندن؟ إلى المدرسة الداخلية؟ أليس هذا رائعا؟‬


‫نعم" أجاب دون أن ينظر في عينيها‪ ،‬وقد احمر خجًال قليًال‪ .‬أرادت آنا أن تبتسم لكنها لم تستطع‪ .‬أوه‪ ،‬أنتوني‪ ،‬فكرت وهي تحاول "‬
‫ذلك‬
‫تخلص من هذا الحزن األناني‪ .‬ماذا سأفعل بدونك؟‬
‫خدش ماثيو رأسه بعناية‪" .‬أتساءل كيف حالك‬
‫‪. . ".‬أريد أن أذهب إلى المدرسة الداخلية‪ ،‬أنتوني‪ .‬أتفهم أنني مجبر على الذهاب‪ ،‬لكني أطلب الذهاب‬
‫قالت لوسي‪" :‬هيا يا ماثيو‪ ،‬األمر مفهوم تماًم ا"‪" .‬إن أفضل تجارب الحياة تحدث هناك‪ ،‬أو على األقل هذا ما أخبرني به دانيال ‪-‬‬
‫‪.‬دانييل ديميرسي‪ .‬ويقول إنه فقط في ساحات المدارس يدخل المرء في معارك حقيقية ويكتشف الشجاعة الحقيقية‬
‫"تجمدت آنا عند سماعها هذا االسم‪ ،‬لكن أنتوني نظر لألعلى بقلق‪" .‬هو قال ذلك؟‬
‫بالضبط‪ ".‬ابتسمت لوسي‪ ،‬غير مدركة لنظرة كريستوفر المستنكرة‪ ،‬تلك التي الحظتها آنا وكانت تتألم بسببها‪" .‬لقد حضر دانيال "‬
‫وستمنستر بنفسه‪ .‬يجب أن يخبرك ببعض مغامراته‪ .‬يمكنه أن يقترح أفضل مكان إلخفاء وجباتك الخفيفة وحيل الغش دون أن يتم‬
‫»‪.‬القبض عليك‪ .‬يمكنني أن أطلب منه أن يأتي معي إلى هنا بعد ظهر أحد األيام إذا كنت ترغب في ذلك‬
‫‪".‬نظر أنتوني إلى كريستوفر‪ ،‬ثم هز رأسه‪ .‬أجاب‪" :‬ربما سيكون لدي الكثير ألقوم به"‪ ،‬لكنه بدا محبًط ا‪" .‬شكرًا لك يا آنسة إدواردز‬
‫نظرت إليه في حيرة‪" .‬أنا أفهم"‪ ،‬قالت‪ ،‬ولكن يبدو أنها لم تفهم‪ .‬التفتت نحو كريستوفر‪ ،‬الذي كان يراقب الحوار بينهما‪" .‬سوف تفتقد‬
‫"أنتوني كثيًر ا يا سيد دافنبورت‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫"‪.‬أجاب‪" :‬ال أعرف"‪ .‬كانت الالمباالة في صوته أعمق من السكين الذي كان يحمله في يده‪" .‬أتصور أن الجميع سوف يفتقدونه‬
‫‪.‬ال‪ ،‬ليس أنت‪ ،‬كريستوفر‪ .‬ابتلعت آنا األلم الذي لم يخرج من حلقها منذ ظهر ذلك اليوم‬
‫"‪.‬ال تهتمي به يا لوسي‪ "،‬نصحها ماثيو‪" .‬لقد كان في مزاج سيئ منذ أن التوى أنفه"‬
‫قالت لوسي وهي تبتسم وهي تنظر إلى شكلها الجديد‪" :‬فهمت"‪ .‬لقد فكرت في كيفية استعادته بسبب تعليقاته‪ ،‬وبدت وكأنها دب يحاول‬
‫الحصول على العسل‪" .‬لكن ملفك الشخصي أصبح أكثر إثارة لالهتمام اآلن يا سيد دافنبورت‪ ،‬وال تقلق‪ ،‬فلن نكشف السر الذي ال‬
‫"‪.‬يوصف وراءه‬

‫سر ال يوصف؟" سأل كريستوفر‪ .‬في الواقع‪ ،‬كانت هناك حقيقة ال توصف إلى حد ما‪ ،‬ولهذا السبب كان متأكًد ا تماًما من أن آنا لم "‬
‫تقل كلمة واحدة ألي شخص‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كانت لوسي تبتسم له بشكل مثير للقلق‪ .‬نظر لزوجته بنظرة استفهام‪ ،‬لكنها تجنبت النظر‬
‫‪.‬إليه‬
‫قالت لوسي‪« :‬لم تكن آنا واضحة تماًم ا‪ ،‬ولكن يبدو أن الحادث الذي تعرضت له كان يتعلق بوعاء حجرة‪ ،‬وطاولة صالة‪ ،‬وغرفة‬
‫"مظلمة‪ .‬هل هذا صحيح؟‬
‫للحظة لم يتحرك‪" .‬وعاء الغرفة؟" كرر‪ .‬يا الهى‪ .‬ماذا بحق الجحيم قالت زوجته؟‬
‫تعال اآلن يا سيد دافنبورت‪ ،‬هذا يمكن أن يحدث ألي شخص‪ ،‬أن يتعثر في الظالم‪ "،‬قالت لوسي وهي تواسيه‪ ،‬لكن التأثير فسد "‬
‫‪... . ".‬ألنها أطلقت ضحكة‪ ،‬ثم حاولت يائسة إخفاءها بالسعال‪ .‬ربما ال تكون العواقب مدمرة إلى هذا الحد دائًما‪ ،‬ولكن‬
‫أسوأ مما كان يتوقع‪ .‬سأقوم بضربك الليلة يا زوجتي الصغيرة‪ .‬التفت إليها ليخبرها بذلك بعينيه‪ ،‬لكن آنا أبقت رأسها لألسفل ولم‬
‫‪.‬تنظر إليه‬
‫)‪.‬إنها ال تزال تعارضك يا كريستوفر(‬
‫مرة أخرى كان هناك ذلك الشعور المزعج في صدره الذي رفض أن يرحل‪ .‬ربما كان ذلك قلياًل من الطعام الذي ال يفسد‪ ،‬أو ربما‬
‫كان مليًئ ا بخيبة األمل‪ .‬إنها ليست سعيدة معي أبًد ا‪ ،‬أبًد ا‪ .‬لم يكن من المنطقي أن يفاجئه ذلك‪ ،‬ومع ذلك فقد تفاجأ‪ .‬إنها حقا مكروهة‪ ،‬ال‬
‫‪. . .‬تطاق‬
‫تعال اآلن يا كريس‪ ،‬ال تقلق‪ "،‬اقترح ماثيو‪" .‬إذا كنت تفضل أن تخبر الجميع أنك كسرت أنفك عندما كنت تدافع عن بعض األيتام "‬
‫"‪.‬من التعرض لالعتداء‪ ،‬أو عن سيدة عجوز صغيرة من التعرض للسرقة‪ ،‬فلن ننكر ذلك‬
‫"‪.‬هادئ يا مات"‬
‫‪".‬وعلقت لوسي قائلة‪" :‬يبدو أن ابن عمك ال يعرف كيفية التعامل مع الخسارة يا ماثيو‬
‫حًقا؟ حسًن ا ‪ ،‬سيتعين عليه عاجًال أم آجًال أن يعترف بوجود عقبات ال يمكن التغلب عليها حتى بالنسبة له‪ .‬لكن أخبرني يا كريس؛ آنا"‬
‫»تركت تفاصيل واحدة‪ .‬هل كان وعاء الغرفة ممتلًئ ا أم فارًغ ا؟‬
‫هل تسمح اآلداب بخنق الضيف المضايق؟‬
‫‪".‬حاول كريستوفر أن يتذكر‪ .‬ربما لذلك‪ .‬قال‪" :‬مسلي جًد ا يا ماثيو‬

‫قال‪ .‬قال وهو يشير إلى ماثيو بالسكين الذي كان يحمله في يده‪" :‬لكن يا آنسة إدواردز‪ ،‬دعيني أقدم لك بعض النصائح‪ :‬ال تتعلقي به‬
‫"‪.‬أكثر من الالزم‪ ،‬ألنه في وقت الحق‪ ،‬لسوء الحظ‪ ،‬سأضطر إلى عصر يده"‪ .‬رقبة‬
‫‪.‬نظر إلى زوجته التي نظرت أخيًر ا إلى األعلى‪ .‬رأى ابتسامتها بخجل‪ ،‬وأسنانها المكسورة تظهر بين شفتيها الحمراء‬
‫"‪.‬هل رأيت يا ماثيو؟" بدت لوسي مندهشة حًق ا‪ .‬كان صوتها خالًيا من أي أثر للسخرية هذه المرة‪" .‬ابتسامة حقيقية"‬
‫"‪.‬نعم ‪ . . .‬لقد رأيت"‬
‫حتى نبرة ابن عمه بدت وكأنها تظهر الدهشة‪ ،‬والتفت كريستوفر نحوهم‪ ،‬مذهواًل من االتهام المتضمن في كلماتهم‪" .‬تعالي اآلن‪ ،‬هذه‬
‫‪.‬ليست المرة األولى التي ترى فيها صديقتك تبتسم‪ ،‬يا آنسة إدواردز‪ "،‬قال لها منزعًج ا‬
‫مالت لوسي رأسها إلى الجانب ونظرت إليه بشكل غريب‪ .‬الغريب ولكن بلطف‪ .‬منذ أن تعرفت عليه بشكل أفضل‪ ،‬لم تنظر إليه‬
‫‪".‬كثيًر ا بهذه الطريقة‪ .‬قالت بهدوء‪" :‬أوه‪ ،‬لكنني لم أتحدث عن ابتسامة زوجتك يا سيد دافنبورت‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪33‬‬
‫‪.‬التقليدية ليست األخالق‬
‫حدث اجتماعي آخر‪ ،‬مع المزيد من االبتسامات والمزيد من الضوضاء‪ .‬خنقت آنا تنهيدة أخرى‪ .‬لقد كان ذلك نوًع ا من االنتقام لها‪،‬‬
‫‪.‬ألنها كانت تحتقر هذه الكرات والمجامالت التي تأتي معها حتمًا‬
‫"‪.‬الّس يدة‪" .‬دافنبورت‪ "،‬قالت اآلنسة أبيروورثي‪" ،‬يا له من فستان رائع"‬
‫احمر خجال آنا بشكل غير مريح‪" .‬شكًر ا لك‪ .‬هي ملكك ‪ ." . .‬ماذا يمكنها أن تقول عن هذا الفستان األرجواني الزاهي‪ ،‬إال أنه كان‬
‫‪".‬متفاخًر ا ومبهًج ا ومفرًط ا؟ واختتمت كالمها قائلة‪" :‬إنها جميلة جًد ا‬
‫"‪.‬السيد‪ .‬قالت السيدة مورتيمر‪" :‬دافنبورت‪ ،‬هل قابلت زوجي؟ إنه يرغب في التحدث معك"‬
‫‪".‬نظر كريستوفر حوله‪ .‬أجاب بإحدى ابتساماته التي لم تلفت انتباه أحد‪" :‬بالتأكيد ستكون لدينا فرصة لذلك قبل أن تنتهي الليلة‬
‫حتى أنت ال تستطيع تحمل هذه الثرثرة‪ ،‬فكرت آنا‪ .‬ولم تكن المرة األولى‪ .‬بدا زوجها لطيًف ا‪ ،‬لكنها بدأت تتعرف عليه بدرجة كافية‬
‫‪.‬لتالحظ فيه نفس الملل‪ .‬أنت ال تعترف بذلك‪ ،‬لكنك ال تستطيع تحمله‬
‫الّس يدة‪" .‬دافنبورت‪ ،‬عليك ببساطة أن تأتي وتتناول العشاء معنا يوم السبت‪ "،‬قالت لها اآلنسة أبيروورثي بأدب‪" .‬هل تلقيت "‬
‫"دعوتنا؟‬
‫نعم‪ ،‬لكني ال أريد أن آتي‪ .‬أنتوني على وشك الرحيل و‪" . . .‬أوه حًق ا ‪ ." . .‬حاولت سريعًا أن تجد عذرًا‪ ،‬لكن زوجها أعطاها عذرًا‬
‫شارلوت برونتي‪-‬‬

‫‪.‬نظرة آمرة‪ .‬لكنه بالطبع كان يفكر في شؤونه التجارية اللعينة‪ .‬ولم يكن بوسعها أن تفعل شيًئ ا سوى الطاعة‬
‫)‪.‬أنت دمية في يديه‪ ،‬آنا‪ .‬تحركي كما يريد‪ .‬أسرعي(‬
‫أجابت بلطف‪" :‬بالطبع يا أنابيل"‪ .‬أسرع يا كريستوفر‪ .‬نظرت منحرفة إلى زوجها الغريب‪ ،‬بعينيه الذئبيتين‪ ،‬وزمت شفتيه هكذا‬
‫بإحكام‪ ،‬وأنفه‪ ،‬الذي أصبح اآلن ذو حدبة صغيرة ومنحني قليًال إلى اليمين‪ .‬حتى قبل شهرين لم تكن تعرفه؛ واآلن أصبحا متزوجين‪،‬‬
‫‪.‬ولم يكن هو زوجها فحسب‪ ،‬بل كان أيًض ا سيدها‪ .‬كل ما حدث وما زال يحدث بيننا هو خطأ ومرض‬
‫ولكن ألم تكن عيناه حلوة أحياًن ا عندما ينظر إليها؟ وألم تكن شفتاه تحمالن ابتسامات خفية؟ وأنفه المنحني ‪ -‬نعم‪ ،‬حتى هذا ‪ -‬ألم (‬
‫)يجعله محبوًبا تقريًبا؟‬
‫نظرت إلى السيدة إدواردز‪ ،‬التي لم تكن بعيدة‪ ،‬وتفحصت عينيها المسنتين‪ ،‬والتجاعيد الصغيرة المغطاة بالمكياج‪ ،‬وجمالها يتالشى‬
‫أكثر فأكثر يوًم ا بعد يوم‪ .‬سيدة إدواردز‪ ،‬عندما كان كريستوفر يمارس الحب معك ‪ -‬إذا لم يكن األمر ال يزال يحدث ‪ -‬هل تمتم بنفس‬
‫الكلمات التي تمتم بها لي؟ هل احتضنك بنفس الحالوة الشرهة؟ هل ابتسمت لك عيناه وكأنك أجمل امرأة في العالم؟ شعرت بألم‬
‫‪.‬غريب في صدرها وهي تفكر بهذا‬
‫‪. . .‬بحق الجحيم؟ تساءلت بصدمة‪ .‬من أين أتت تلك األفكار؟ هذا الرجل وحش‪ .‬يا إلهي‪ ،‬ال بد لي من ذلك‬
‫اقتربت منها لوسي وأشارت عبر الغرفة منهم‪ .‬همست قائلة‪" :‬يبدو أن ماثيو ودانيال ‪ -‬هناك ‪ -‬منخرطان في محادثة جادة"‪" .‬أخشى‬
‫‪".‬أن سلوك زوجك معدي‬
‫ابتسمت آنا‪ .‬ربما مع قليل من الصعوبة‪ ،‬لكنها ابتسمت‪ .‬على أية حال‪ ،‬كان هناك مودة واضحة بين الرجلين‪ ،‬مما أسعدها‪ .‬شعرت‬
‫‪.‬بزوجها ينظر إليها‪ ،‬وسرعان ما نظرت بعيدا‬
‫"‪.‬لماذا ال ينضمون إلينا؟" سألت لوسي بإنزعاج‪ .‬رفعت يدها لجذب انتباههم‪" .‬إنهم لم يقولوا مرحبًا لنا بعد"‬
‫رفعت آنا ذراعيها في الهواء وتظاهرت بالجهل التام‪ .‬في الواقع‪ ،‬ربما كانت تستعرض واحدة من أفضل تعابيرها الفارغة‪ .‬كانت‬
‫‪.‬على يقين من أن دانيال لن يأتي‪ ،‬طالما كانت هي وكريستوفر في مكان قريب‬
‫"‪.‬قالت لوسي‪" :‬ها هم هنا"‪" .‬انهم قادمون‬

‫سرت قشعريرة في بطنها وظهرها‪ .‬من المحتمل أن يتوقفوا للحظة فقط‪ ،‬فكرت وهي تحاول أن تهدأ‪ .‬ال يمكنه تجنب ذلك‪ :‬سيكون‬
‫‪.‬هذا عرًضا واضًح ا لسوء األخالق تجاه لوسي‬
‫ولكن عندما نظرت إلى وجه دانييل‪ ،‬زاد انزعاجها‪ ،‬ألن الشاب اقترب بابتسامة مغرور ونظر إلى كريستوفر ورأسه مرفوع بشكل‬
‫غير طبيعي‪ .‬قَّبل أيدي السيدات وحَّيى الجميع بحرارة‪ ،‬باستثناء شخص واحد‪ ،‬أومأ له برأسه فقط‪ ،‬وهو ما بدا وكأنه تمايل ال إرادي‬
‫‪.‬لرأسه‪ .‬أجاب كريستوفر بنفس الحماس‪ .‬كانت آنا تأمل أال تكسر أسنانه بسبب الضغط على فكه بقوة‬
‫يجب أن أفصل بينهما – وبسرعة‪ .‬قالت له بسرعة‪« :‬ربما ينبغي لنا أن نذهب اآلن»‪ ،‬وأومأ زوجها برأسه ببرود‪" .‬لقد أردت مقابلة‬
‫"‪.‬السيد جاكسون‪ ،‬على ما أذكر‬
‫"‪...‬نعم‪ ".‬أدار كريستوفر رأسه نحو السيدات‪" .‬بعد إذنك‪ ،‬ينبغي لي أنا وزوجتي"‬
‫قالت لوسي‪" :‬أوه‪ ،‬انتظر لحظة يا سيد دافنبورت"‪" .‬آنا‪ ،‬كنِت ستهربين قبل أن تخبري دانييل باألخبار؟" التفتت نحوه‪" .‬يجب أن تعلم‬
‫"‪.‬أن أنتوني سيغادر يوم االثنين إلى مدرسة وستمنستر‬
‫ابتسم دانيال‪" .‬أنتوني سوف يذهب إلى المدرسة الداخلية؟ إذا كنت أتذكر بشكل صحيح األسئلة التي طرحها الصبي‪ ،‬أعتقد أنه‬
‫‪.‬سيتمكن من إحراج أكثر من أستاذ واحد‬
‫وافقت لوسي‪" :‬هذا صحيح جًد ا"‪" .‬لكنني أعتقد أنه خائف أيًض ا‪ .‬أوضحت‪« :‬أوه‪ ،‬قلياًل فقط‪ ،‬لكنه فخور للغاية لدرجة أنه ال يعترف‬
‫بذلك‪ ،‬وأعتقد أن الحصول على بعض االقتراحات حول الحياة هناك سيساعده‪ .‬هل ستذهب معي لرؤيته في إحدى هذه األمسيات؟‬
‫‪.‬سيكون من الجميل أن أسمعك تتحدث عن الحياة الرهيبة والمغامرة التي تختبئ داخل تلك الفصول الدراسية الباردة‬
‫‪.‬وقف كريستوفر بال حراك بجانب آنا التي حبست أنفاسها‬
‫"‪.‬أجاب دانيال بشكل مراوغ‪" :‬ال أعرف يا لوسي"‪" .‬هذا الصبي لم يهتم بي أبًد ا‬
‫أوه‪ ،‬لكنه اآلن معجب بك يا دانيال‪ ،‬قالت آنا في نفسها‪ .‬بعد كل شيء‪ ،‬لقد كسرت أنف كريستوفر‪ .‬وأخي لديه طريقة في التفكير‬
‫‪.‬خاصة به‬
‫قالت لوسي وكأنها تقرأ أفكار آنا‪" :‬أنت مخطئ يا دانيال"‪ .‬لم تحصل على شيء من تلك الفتاة‪ .‬ال شيء تقريبا‪" .‬منذ بضعة أيام كان‬
‫"‪.‬لدي انطباع واضح بأنه كان مفتوًن ا بك إلى حد ما‬

‫حًقا؟" بدا دانيال متفاجًئ ا بسرور‪ .‬كان هذا نموذجًيا بالنسبة له – أن يضيء لسبب كهذا‪" .‬هل تعتقدين أن هذا ممكن يا آنا؟" سأل "‬
‫‪.‬متجاهال زوجها‬
‫ال تشعر أنك مضطر إلى ‪: "DeMercy،‬على عكس اآلداب تماًما‪ ،‬اتخذ كريستوفر خطوة نحو آنا ووضع يده على وركها‪ .‬أجاب‬
‫"‪.‬إهمال أي من التزاماتك المهمة تجاه صهري"‪" .‬إنه فتى ذكي‪ ،‬وبالتالي سيكون قادًر ا على االستغناء عنك‪ . . .‬يساعد‬
‫‪.‬دانيال‪ ،‬ال تعطه أي حبل‪ .‬ال تفعل ذلك‪ ،‬فكرت آنا بشكل محموم‬
‫قال وهو يستفزه بدًال من ذلك‪" :‬أوه‪ ،‬سأخصص بضع ساعات ألنطوني ودافنبورت"‪" .‬إن أي نصيحة يمكن أن تكون مفيدة دائًما في‬
‫الحياة‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬ال يمكنك أن تتخيل هذا النوع من الحرية للجميع الذي يمكن أن يحدث في وقت تناول الوجبات الخفيفة إذا‬
‫ُس رقت تفاحة شخص ما‪ .‬لقد نظر بعناية إلى األنف الملتوي دون أن يظهر أدنى شعور بالذنب‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬بدا وكأنه شماتة‪" .‬يمكنني‬
‫"تعليم بعض اللكمات لهذا الصبي‪ ،‬أال تعتقد ذلك؟‬
‫"اه على الحب ‪ . . .‬قاطعته آنا بسرعة‪" :‬دانيال‪ ،‬لماذا ال تخبرنا عن إقامتك في لندن؟" هل رأيت‪-‬؟‬
‫ضغط زوجها على جانبها بقوة‪ ،‬وقربها منه‪" .‬أخبرني يا ديميرسي‪ .‬هل أصبت بنزلة برد في المدينة؟" فسأله باألدب الكامل‪.‬‬
‫"‪".‬صوتك يبدو حاًد ا بعض الشيء الليلة‬
‫حاد؟" قالت السيدة مورتيمر‪ ،‬وشعرت آنا بالحاجة إلى الضحك بشكل هستيري‪" .‬أنا ال أعتقد ذلك‪ .‬أتمنى أال تمرض يا سيد "‬
‫»‪.‬ديميرسي‪ ،‬وإال سأضطر إلى إعادة تخصيص جميع المقاعد على الطاولة مساء الغد‬
‫)‪.‬استفد من التحويل على الفور(‬
‫وقفت آنا على أطراف أصابعها وقربت شفتيها من أذن زوجها‪ .‬أي أن هذا ما كانت تود أن تفعله‪ ،‬لكن أذنه كانت عالية جًد ا لدرجة‬
‫"‪.‬أنه كان من الصعب الوصول إليها عملًيا‪ .‬همست بشكل استباقي‪" :‬كريستوفر‪ ،‬توقف عن ذلك"‪" .‬أنت تتصرف مثل طفل‬
‫"‪.‬قال بهدوء‪" :‬هذا ليس صحيحًا على اإلطالق"‪ .‬وأخفض وجهه بلطف نحوها‪" .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فقد بدأ ذلك‬
‫"‪.‬رفعت آنا شفتيها قليال‪" .‬هذه يا سيد دافنبورت‪ ،‬هي الجملة األكثر نضًج ا التي سمعتك تقولها منذ أن عرفتك‬
‫كانت سعيدة ومتفاجئة لرؤيته يرتاح‪ .‬أعطاها ابتسامة باهتة‪ ،‬بالكاد ملحوظة‪ ،‬مما جعلها تخفف من إرادتها‪ .‬لم يدخر كريستوفر أي‬
‫ابتسامات عليها في الليل‪ ،‬لكن تلك كانت مقدمة للحب‪ .‬حتى الكلمات المعسولة التي قالها لها لم تكن لها أي قيمة في تعطيل حواسه‪.‬‬
‫ولكن خالل النهار‪ . . .‬خالل النهار بقي‬

‫‪.‬البعيد‪ ،‬المنغلق في أعماقه‪ ،‬في المعارك الداخلية التي أظلمت عينيه‪ .‬عندها أصبحت االبتسامة ثمينة‬
‫)ولكن ماذا حدث لك يا آنا؟(‬
‫ماذا قال لها دانيال قبل أسبوع عندما تحدث عن والدته؟‬
‫‪.‬إنه ألمر مروع يا آنا أن تحب شخًص ا ال يستحق ذلك‬
‫ووصفت نفسها بأنها غبية‪ ،‬وتحركت‪ ،‬واستدارت مرة أخرى نحو األشخاص المحيطين بها‪ .‬الحظت أن دانيال كان ينظر إليها‬
‫‪.‬بطريقة غريبة‪ ،‬بحزن تقريًبا‪ ،‬لكنه مرتاح؛ دانيال‪ ،‬الذي عرف كيف يقرأ أفكارها‪ .‬خفضت رأسها‪ ،‬واحمر خجال‬
‫‪".‬لوحت السيدة مورتيمر بيدها لشخص ما‪ .‬قالت‪" :‬إذا سمحت لي‪ ،‬يجب أن أعود اآلن إلى زوجي‬
‫الّس يدة‪" .‬مورتيمر‪ ،‬سأذهب معك‪ "،‬قالت اآلنسة أبيروورثي وهي تنضم إليها‪" .‬يجب أن أسأل السيدة روبرتسون إذا كانت راضية "‬
‫عن الخادمة الجديدة التي أوصيت بها‪ .‬وأضافت بحرج لم تصدقه آنا ولو للحظة‪" :‬تعلمين‪ ،‬سلوك الخادمة التي أمامها‪ . . ...‬أوه‪،‬‬
‫"‪.‬عفوا‪ ".‬لقد توقفت على مضض‪" .‬من غير المناسب الحديث عن هذا‬
‫من يدري أين تعلمت أنابيل دائًم ا كيفية صنع الوجه المناسب للمناسبة المناسبة؟ فكرت آنا‪ .‬ال يمكن أن يكون األمر سهًال‪ ،‬نظًر ا لعدم‬
‫وجود أي مشاعر‪ .‬كيف ال تخلط بينهم؟ على سبيل المثال‪ ،‬أال يحدث أن تستخدم الوجه للفرح عندما تقصد استخدام الوجه لالشمئزاز‪،‬‬
‫أو تستخدم الوجه للغضب بدًال من الوجه لللطف؟ وفي منتصف الطريق بين الغثيان واإلعجاب‪ ،‬اعتقدت آنا أنه سيتعين عليها أن‬
‫‪.‬تسألها عاجًال أم آجًال‬
‫لمعت عيون السيدة مورتيمر بالبهجة‪" .‬أوه‪ ،‬بالتأكيد يا آنسة أبيروورثي‪ ،‬أنت على حق تماًما! من األفضل عدم الحديث عن أشياء‬
‫معينة‪ ".‬أخذت إجازتها على عجل؛ ربما تحسنت حالتها المزاجية كثيًر ا بسبب اإلشاعة التي ذكرت أنها لم تعد تشعر بالقلق بشأن عدد‬
‫األشخاص الذين سيتواجدون في منزلها لتناول العشاء في اليوم التالي‪ .‬قالت وهي تبتعد‪" :‬أوه‪ ،‬سيد دافنبورت‪ ،‬تذكر أن زوجي‬
‫‪".‬يرغب في مقابلتك‬
‫" ‪.‬بالتأكيد يا سيدة مورتيمر‪ .‬سأنضم إليكم في لحظة«‬
‫"أخذت السيدتان إجازتهما‪ ،‬وسمعت آنا السيدة مورتيمر تقول بما يشبه الجشع‪« :‬قلت يا أنابيل إنه غير أخالقي‪ . . .‬؟‬
‫لم تتمكن من سماع رد أنابيل‪ ،‬ووجد الخمسة أنفسهم اآلن في مجموعة غريبة جًد ا‪ .‬كان الجليد قطبًيا شمالًيا‪ ،‬كما كانت آنا تأمل‬
‫أن ماثيو سوف يكسر األمر قليًال ‪ ،‬لكن يبدو أنه ال يريد ذلك‪ .‬كان يراقب دانيال وكريستوفر كما لو كان يتوقع منهم أن يتعاملوا مع‬
‫األمر بمفردهم‪ .‬كان هذا أمًر ا غير مرغوب فيه على اإلطالق‪ ،‬فكرت آنا بقلق‪ ،‬نظًر ا للمحاوالت السابقة ‪ -‬غير الناجحة بشكل‬
‫متزايد‪ .‬الوحيد الذي كان مرتاًح ا هو لوسي‪ .‬بالطبع الحظت الكراهية بين هذين االثنين — كان ذلك واضًح ا — لكنها على األقل لم‬
‫‪.‬تكن تعلم أن وعاء الحجرة في الليل لم يكن هو ما أهان كريستوفر دافنبورت‬
‫تنحنح دانييل ونظر مباشرة إلى كريستوفر‪ ،‬ولكن ‪ -‬بشكل غير متوقع ‪ -‬دون عداء‪ .‬وقال‪" :‬أود حًق ا أن أقوم بزيارة أنتوني بعد ظهر‬
‫الغد إلى دافنبورت"‪ .‬وأضاف بعد لحظة وبشكل عرضي للغاية‪" :‬إذا لم يكن لديك مانع"‪ .‬لم يكن األمر سهًال‪ .‬ال‪ ،‬على االطالق‪ .‬كان‬
‫‪.‬الضفدع ال يزال هناك في حلقه‪ ،‬وحاول ابتالعه‪ .‬آنا احترمته أكثر‪ ،‬إذا كان ذلك ممكنا‬
‫ولم يرد كريستوفر على الفور‪ .‬لقد ُأخذ على حين غرة‪ ،‬فهذا الرجل الذي يعرف دائًما ما يفعله في المعركة غالًبا ما يكون محرًج ا في‬
‫وقت السلم‪ .‬فأطرق رأسه‪ ،‬ووضع يده على جبهته‪ ،‬وفركها بأطراف أصابعه‪ .‬وأكد أن "هذا لن يفيده"‪ .‬توقف مؤقًت ا ثم نظر لألعلى‪.‬‬
‫"‪".‬لكنك حر في أن تفعل ما تريد‪ ،‬ديميرسي‬
‫شعرت آنا بإحساس غريب يسخن قلبها وبطنها‪ .‬ما الذي أراه على وجه زوجي؟ المشاعر؟ لم يكن لديها الوقت لتبتهج بها‪ ،‬ألنها‬
‫‪.‬اختفت بمجرد ظهورها‪ .‬لقد سقط الحجاب المعتاد للغطرسة وعدم القدرة على االختراق على وجهه‬
‫‪.‬تحول وجهه إلى اليسار‪ .‬تابع دانيال نظرته‪ ،‬ونفس الحجاب الداكن أظلم أيًض ا مالمحه‪ :‬كان ليوبولد ديميرسي قادًما في طريقهم‬
‫‪.‬العائلة كلها مًع ا‪ ،‬هكذا اعتقد كريستوفر عندما انضم إليهم ليوبولد‪ .‬كان بحاجة إلى التحدث معه كثيًر ا لتفويت هذه الفرصة‬
‫وقال والده مساء الخير للجميع‪ .‬تم الترحيب به من قبل وجوه ودية إلى حد ما‪ ،‬وألقى نظرة طويلة على كريستوفر ودانيال‪ ،‬كما لو‬
‫‪.‬كان مندهًش ا لرؤيتهما قريبين جًد ا من بعضهما البعض‬
‫دانيال‪ ،‬أال ترقص هذا المساء؟" سأل ابنه‪ .‬كانت النغمة واحدة من النغمتين اللتين احتفظ بهما لدانيال‪ :‬السخرية‪ .‬وكان اآلخر"‬

‫إزعاج‪ .‬نظر إلى أعلى وأسفل إلى لوسي‪ ،‬التي كانت جميلة باللونين األزرق واألبيض‪ ،‬بشعرها األشقر الذي يلمع مع كل األضواء‬
‫"الموجودة في الغرفة‪" .‬أنت ال تطلب من هذه السيدة الشابة الجميلة أن ترقص؟‬
‫أطبق دانييل فكه‪ ،‬وبدا وجهه وكأنه يحارب مشاعر مختلطة‪ .‬لقد ظل هادًئ ا لما بدا وكأنه قرن من الزمان بينما كانت لوسي تحدق به‪.‬‬
‫وأخيرا كسر هذا الصمت الوقح‪" .‬لوسي‪ ،‬هل يمكنك أن تشرفيني بالرقصة القادمة؟" بدا صوته وكأنه قادم من داخل خوذة من القرون‬
‫‪.‬الوسطى‪ ،‬وكان بعيًد ا جًد ا ومعدنًيا‬
‫"‪.‬أجابت‪" :‬شكًر ا لك يا دانيال"‪ ،‬وبدا صوتها بعيًد ا أيًض ا‪ ،‬ولكن حزيًن ا أيًض ا‪" .‬أنا ملتزم بالفعل‬
‫"‪.‬قال ماثيو‪" :‬لترقص معي في الواقع يا ديميرسي"‪" .‬لم أشعر بحماس كبير منذ أن تم تأكيدي‬
‫"بدا دانيال متألًما من نبرة لوسي‪ .‬لقد نسي والده وحاول مرة أخرى‪" .‬والواحد بعد ذلك‪ ،‬إذن؟‬
‫‪.‬سوف نرى‪ .‬أعترف أنني متعب بعض الشيء هذا المساء"‬
‫دانيال‪ ،‬عليك أن تكون أسرع في اتخاذ قراراتك‪ "،‬نصحه ليوبولد‪ .‬اهتز صوته العميق واألجش بضحكة أوقفها‪" .‬أنت دائًما بطيء "‬
‫"‪.‬جًد ا يا بني‬
‫يعتقد كريستوفر أن الطريقة التي يتمكن بها دانيال من عدم قتل والده هو أمر يتحدى كل قواعد المنطق‪ .‬ومع ذلك كان من الواضح‬
‫أنه يكرهه‪ .‬والكراهية‪ ،‬عندما ال تكون متبادلة‪ ،‬تؤذي بقدر الحب‪ .‬لقد كان األمر ال مفر منه‪ ،‬ألن ليوبولد لم يكن يكره دانيال‪ .‬ولم‬
‫‪.‬يحبه أيضًا‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬لم يبدو أنه يكن لديه أي مشاعر على اإلطالق تجاهه‬
‫"‪.‬وأضاف ليوبولد‪" :‬آه‪ ،‬دافنبورت"‪" .‬أريد أن أتحدث معك بشأن مسألة ما في وقت الحق‬
‫لقد حان الوقت يا أبي‪ .‬لقد شعر بقلبه ينبض بجنون‪ ،‬وكان يأمل أال يظهر أي عاطفة‪ .‬لقد نجح‪ ،‬ليس ألنه كان بارد الدم‪ ،‬بل ألنه تعلم‬
‫"‪.‬أن يتظاهر بذلك‪" .‬اآلن جيد أيًض ا يا سيدي‬
‫أوه ال‪ ،‬ليس اآلن‪ ".‬التفت نحو آنا‪ ،‬التي تراجعت قليال تحت نظرته‪" .‬اآلن أتمنى أن أحصل على شرف الرقص مع زوجتك "‬
‫»الساحرة‪ .‬هل ستمنحيني هذا الشرف يا سيدة دافنبورت؟‬
‫)ما رأيك في ذلك يا كريستوفر؟(‬
‫توقف عن التنفس‪ ،‬هذا ما كان يفكر فيه‪ .‬إلى جانبه‪ ،‬بدا أن آنا تتخبط‪ .‬كان نفورها من ليوبولد واضًح ا جًد ا لدرجة أن كريستوفر‬
‫خشي أن يرى ذلك مكتوًبا على جبهتها‪ .‬القرف‪ .‬القرف‪ .‬القرف! فالتفت إليها فشهقت زوجته‪ .‬للحظة بدا األمر وكأنهم قد عادوا إلى‬
‫األيام الخوالي‪ :‬غطى الخوف القديم وجهها وعينيها‬

‫‪.‬تألق مع تلميح من الدموع‪ .‬لقد فهمت ما أراد زوجها منها أن تفعله‬


‫)لقد قمت بترويضها جيًد ا يا كريستوفر‪ .‬هل أنت راٍض ؟(‬
‫‪".‬أجابت مستسلمة‪" :‬بالطبع يا سيد ديميرسي‬
‫"أومأ ليوبولد‪" .‬أنت ال تمانع‪ ،‬أليس كذلك يا بني؟‬
‫"ابن‪ .‬ومرت لحظات قليلة من الصمت‪" .‬بالطبع ال يا ديميرسي‬
‫‪.‬أجاب كريستوفر أخيرا‬
‫ابتسم ليوبولد‪" .‬هل ترى كيف يتم ذلك يا دانيال؟ انها ليست كذلك‬
‫"‪.‬صعب‬
‫كانت آنا متصلبة وتكافح من أجل التقاط أنفاسها‪ .‬آنا معها‬
‫مزاجه الحار اللعين‪ ،‬الذي يمكن أن يؤذيه إذا بدأت تغضب على حلبة الرقص‪ ،‬قبل الرقص مع ليوبولد! وضع فمه حتى أذنها‪.‬‬
‫‪". . ".‬تصرف بشكل جيد تماًما‪ "،‬هسهس‪" ،‬وإال‬
‫‪.‬وترك الجملة معلقة‪ .‬خفضت وجهها ولم تحتج‪ ،‬لكن شفتيها انحنت إلى ابتسامة حزينة ورمشت للحظة أو اثنتين‬
‫‪.‬كانت الموسيقى على وشك البدء‪ ،‬وأمسك ماثيو بذراع لوسي‪ .‬فعل ليوبولد الشيء نفسه مع آنا‪ ،‬التي بدا وجهها فجأة بال لون‬
‫‪.‬كان كريستوفر ودانيال بمفردهما‪ .‬كان يعتقد أن هذا غير ممكن‪ .‬هذه الليلة ال يمكن أن تصبح أسوأ‪ .‬بدأ بالمغادرة‬
‫‪.‬دافنبورت‪ ،‬يجب أن أتحدث معك‪ "،‬قال دانيال بنبرة بدت مستسلمة‪ ،‬مما أوقفه"‬
‫هل هذا ضروري؟" سأل كريستوفر‪ .‬وصلت زوجته إلى حلبة الرقص مع ليوبولد‪ ،‬ووقفت في مواجهته‪ .‬أبقت رأسها منحنيًا دون أن"‬
‫‪.‬تنظر إليه‬
‫"‪.‬نعم إنه كذلك"‬
‫"‪.‬ديمرسي‪ ،‬لقد أخبرتك بالفعل أال تهتم بشؤون عملي‪ ،‬إذا كان هذا هو ما يدور حوله األمر"‬
‫‪.‬بدأت الموسيقى‪ ،‬والمست أصابع ليوبولد عروسه‬
‫ال‪ .‬بصراحة‪ ،‬أردت أن‪ . . .‬تصحيح ‪ . . .‬بعض األشياء التي قلتها لك في مكتب والدي في ذلك اليوم‪ .‬فأخذ نفسًا‪ ،‬ثم تابع‪" :‬يبدو أن "‬
‫‪".‬زوجتك تشعر بالمودة تجاهك‪ ،‬على عكس ما كنت أعتقد‬
‫نظر كريستوفر بعيًد ا عن حلبة الرقص‪ .‬ستتركني زوجتي غًد ا إذا لم يكن لديها أب مريض وإخوة تحت وصايتي‪ .‬قال‪" :‬من‬
‫الواضح"‪ .‬نظر إلى أخيه غير الشقيق بابتسامة محملة بالغطرسة‪ .‬ربما الليلة شيء سوف يذهب لي‬

‫"الطريق بعد كل شيء‪" .‬لكن دعني أفهم يا ديميرسي‪ :‬هل تقدم لي اعتذاًر ا؟‬
‫لن أسميها‪ . . .‬يا جيدا جدا‪ ".‬لم يكن أخوه الصغير سعيًد ا على اإلطالق‪ ،‬وكان الحرج الذي مأل عينيه مشهًد ا ممتًع ا للغاية "‬
‫لكريستوفر‪« .‬ولكن فقط بسبب األشياء التي قلتها لك عن زوجتك دافنبورت‪ .‬أما بالنسبة للباقي‪ ،‬فأنت ال تزال وغًد ا‪ ،‬وأنت تعرف‬
‫‪.‬ذلك‬
‫اتسعت ابتسامة كريستوفر‪ .‬أجاب ساخًر ا‪" :‬حسًن ا‪ ،‬أقبل اعتذارك المتواضع"‪" .‬وإذا كنت قد انتهيت تماًما اآلن‪ ." . .‬حاول مرة أخرى‬
‫‪.‬المغادرة‪ ،‬وأعاد عينيه إلى حلبة الرقص‬
‫قال دانيال وهو يوقفه‪" :‬انتظر"‪" .‬لدي طلب أن أطلب منك‪ .‬أتمنى أال يكون لديك أي اعتراض على بقاء أنا وآنا أصدقاء‪ .‬إننا نعرف‬
‫‪. . ".‬بعضنا البعض منذ وقت طويل‪ ،‬سنوات‪ ،‬كما يمكن للمرء أن يقول‪ .‬وحتى لو كان بيننا خالفاتنا‬
‫انسى ذلك‪" .‬يمكنني قبول ذلك‪ .‬بينكما‪ ،‬هناك معرفة رسمية ولكن ال شيء آخر‪ .‬وقال وهو ينظر إليه بنظرة متعجرفة‪" :‬وزوجتي‬
‫‪.‬ستحترم رغبتي‪ ،‬كوني مطمئنة"‪ .‬نظر إليها؛ لم تكن تراقب ليوبولد‪ ،‬بل كانت تنظر حولها‪ ،‬متجنبة لمسته ونظرته‬
‫‪".‬زفر دانيال ببطء قبل اإلجابة‪ .‬أجاب بانزعاج‪" :‬غيرتك في غير محلها يا دافنبورت"‪" .‬أنت تهين زوجتك بهذا السلوك السخيف‬
‫هذا ال ينبغي أن يهم بالنسبة لك‪ .‬عش حياتك الخاصة وتوقف عن التدخل في حياتي‪ ".‬استمع لكالم شخص تزوج فقط ليسرق "‬
‫‪.‬خطيبتك‬
‫"‪.‬أوه‪ ،‬سأفعل ذلك بكل سرور‪ ،‬ولكن يبدو أنك تظهر في طريقي‪ ،‬مثل العشب في الحقل"‬
‫‪.‬قال ليوبولد شيًئ ا آلنا وهو يضحك‪ ،‬وبدا أنها أصبحت شاحبة من الغضب‬
‫"‪.‬كما تعلم‪ ،‬ديميرسي‪ ،‬صوتك حاد حًق ا‪ ،‬إنه يخترق طبلة أذني"‬
‫"‪.‬من أجل آنا‪ ،‬أنا أجبر نفسي على التحدث معك‪ ،‬ألنني أؤكد لك أن كل كلمة أقولها لك تبدو وكأنها مضيعة للهواء ال تغتفر"‬
‫»‪.‬هل انتهيت؟ لقد كان والدك على حق عندما قال إنك تتذمرين مثل امرأة صغيرة"‬
‫أجاب دانييل ساخًر ا‪" :‬من الواضح أنك تكن لوالدي احتراًما كبيًر ا"‪" .‬ال بد أن هذا هو السبب وراء ظهورك كصورة الفرح ذاتها اآلن‬
‫"‪.‬وهو يرقص مع زوجتك‬

‫هل يجب أن ألكمه مرة أخرى؟ ربما يغير صوته إلى األبد – وحياته الجنسية‪ ،‬تساءل كريستوفر وهو يحدق بغضب‪ .‬وأخيرًا انقلب‬
‫‪.‬على كعبيه وابتعد فجأة دون أن يستجيب‬
‫‪.‬كانت هذه هي المرة األولى التي ترقص فيها مع ليوبولد ديميرسي‪ ،‬وكانت تأمل بصدق أن تكون األخيرة‬
‫"‪.‬تبدين جميلة الليلة يا سيدة دافنبورت"‬
‫"‪.‬تنهدت آنا‪ .‬هل كان عليها حقا أن تتحدث؟ "شكرا لك سيدي‬
‫"كيف تحب أن تكون متزوجا حديثا؟"‬
‫هذا سؤال شخصي قليًال‪ ،‬أال تعتقد ذلك؟ ولم يفعل هذا‬
‫"‪.‬ابتسامة الرجل تبدو طفيفة‪ . . .‬موحية؟ "جيد جًد ا يا سيدي‬
‫"آنا ‪ -‬أستطيع أن أدعوك آنا‪ ،‬أليس كذلك؟"‬
‫بالطبع ال‪ .‬النظرة الرهيبة التي أعطاها لها كريستوفر‬
‫"‪.‬منذ فترة قصيرة جعلتها تتذكر أن اسمها لم يعد يخصها بعد اآلن‪" .‬بالطبع يا سيدي‬
‫ضحك ليوبولد‪ .‬قال مستمتًع ا‪" :‬أوه‪ ،‬دعني أقول إنك ال تبدو متحمًس ا جًد ا لهذا االحتمال يا آنا"‪" .‬لكن ال تتردد في التحدث معي‬
‫»بصراحة‪ .‬لبعض الوقت بدا األمر وكأننا سنكون بيني وبينك أقارب‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫لقد صدمت آنا‪ :‬لماذا طرح هذه القصة القديمة؟ ألم يكن يمسكها بقوة أكثر مما تسمح به اآلداب؟ لم تجب وابتعدت عنه‪ .‬حاولت‬
‫التركيز على أفكار أخرى‪ .‬لوسي مثال‪ .‬الطريقة التي بدت بها غير سعيدة منذ فترة قصيرة عندما تردد دانيال في دعوتها‪ .‬هل من‬
‫الممكن أن‪-‬؟‬
‫"‪.‬لقد قللت من تقديرك يا آنا"‬
‫)‪.‬تجاهله‪ .‬تجاهله(‬
‫واصلت آنا متابعة قطار أفكارها‪ .‬أظهرت لوسي تماما‬
‫المباالة مفرطة عندما كانت تتحدث عن دانيال‪ .‬لكن قبل دقائق قليلة من تلك النظرة الكئيبة ‪ -‬التي لم تكن قادرة على االختباء فيها‬
‫‪...‬خلف قناعها االجتماعي ‪ -‬كان هناك بالفعل‬
‫وتابع ليوبولد‪" :‬أنا آسف تقريًبا ألنني كنت معارًض ا جًد ا للزواج بينك وبين ابني"‪" .‬ربما تمكنت من الحصول على القليل من الدم من‬
‫"‪.‬هذا اللفت‬

‫هذه الكلمات أعادت آنا إلى الواقع فجأة‪" .‬سيدي‪ "،‬هسهست بسخط‪ ،‬والغضب يمنعها من االمتناع‪" ،‬ابنك لديه دماء في جسده أكثر‬
‫‪.‬منك‪ ." . " . . .‬توقفت فجأة وهي تعض على شفتها‬
‫"‪.‬بدا أن ضحكة ليوبولد المنخفضة والشماتة تلتف حولها‪" .‬أوه ال‪ ،‬ال تتوقف‪ ،‬آنا‪ .‬لقد كنت رائًع ا‬
‫ال تخف يا ليوبولد‪ .‬سيأتي اليوم الذي أستطيع فيه أن أخبرك بكل ما أفكر فيه فيك‪ .‬ولكن هل سيكون األمر كذلك اليوم حًق ا؟ أم أنها‬
‫"أصبحت أكثر مثل زوجها؟ "أنت من أبلغت زوجي بخطوبتي البنك‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫هز ليوبولد رأسه‪" .‬ال" أجاب مع وميض عجب في عينيه‪" .‬في الواقع‪ ،‬اعتقدت أن هذه كانت إستراتيجيتك لجعل نفسك تبدو أكثر‬
‫‪.‬إثارة لالهتمام بالنسبة له‪ .‬كان من الممكن أن يكون األمر ذكًيا‪ ،‬عالوة على ذلك‪ ،‬من الواضح أنه ليس لديك نقص في األدمغة‬
‫ال‪ ،‬لقد كان أنت‪ ،‬ليوبولد‪ .‬واآلن أنت تخبرني بمجموعة من األكاذيب‪ .‬ألنك لم تتغلب بعد على تمرد دانيال‪ .‬ألنك مازلت لم تتمكن من‬
‫"إيقافه‪" .‬هل تحاول استفزازي يا سيدي؟‬
‫نعم يا آنا‪ ".‬حسًن ا‪ ،‬يمكنك تسمية هذا الرجل بأشياء كثيرة‪ ،‬لكن ما يمكن التنبؤ به ليس واحًد ا منها‪" .‬لديك مزاج ناري‪ ،‬وأود أن "‬
‫"‪.‬أعرف إذا كان هذا هو السبب الذي يجعلك تجذب الرجال مثل النحل للعسل‬
‫فتحت عينيها على نطاق واسع‪ ،‬وخدودها احمرت‪" .‬أسلوبك في الكالم غير الئق‪ "،‬تلعثمت‪ ،‬وصوتها بالكاد يخرج‪" .‬توقف في‬
‫"‪.‬الحال‪ ،‬وإال سأضطر إلى إيقاف هذه الرقصة‬
‫"‪.‬ابتسم ليوبولد قائًال‪" :‬أوه ال‪ ،‬لن تفعل ذلك"‪" .‬زوجك لن يوافق‪ ،‬أليس كذلك؟ إنه حريص جًد ا على أن تكون لطيًفا معي‬
‫)‪.‬يريدك أن تكوني لطيفة معه يا آنا(‬
‫على الرغم من صعوبة األمر‪ ،‬إال أنها تمكنت من الرد‪ ،‬جزئًيا بسبب السخط وجزئًيا بسبب الخوف من أن يكون ليوبولد على حق‪.‬‬
‫‪".‬زوجي لن ‪ . . .‬زوجي لن يرفض يا سيدي‬
‫»‪.‬ضحك ليوبولد مرة أخرى بمودة‪" .‬أوه‪ ،‬في الواقع أنا أعتقد أنه سيفعل ذلك‪ .‬أنت ال تعرفينه جيًد ا يا آنا‬
‫)أنت ال تعرفينه جيًد ا على اإلطالق‪ ،‬أليس كذلك يا آنا؟(‬
‫"لماذا تعتقد ذلك؟ هل تريد أن تخبرني شيًئ ا عنه؟"‬
‫"‪.‬ال‪ ،‬ال يوجد شيء أود أن أخبرك به"‬
‫"و ما الذي تحاول التلميح به بقولك هذا؟"‬
‫أجاب وهو يبتسم ببراءة‪" :‬ال شيء على اإلطالق"‪" .‬أعجبني‬
‫"‪.‬الزوج كثيرا‬

‫بالطبع أنت معجب به‪ ،‬فكرت بحزن‪ ،‬وهي تبتلع طعامها للتخلص من الرمل المر الذي خدش حلقها‪ .‬لن يتوقف عند أي شيء‪ ،‬مثلك‪.‬‬
‫‪.‬أنتم مخلوقون لبعضكم البعض‬
‫"‪.‬وأنا بدأت أحبك كثيًر ا أيًض ا يا آنا"‬
‫كان ينبغي عليها أن تشعر بأنها عارية أمام نظراته المبتذلة المتعمدة‪ ،‬وبدًال من ذلك شعرت ببساطة بالتعب‪ .‬واصلت الرقص كما لو‬
‫‪.‬كانت تتحرك بخيوط غير مرئية‪ ،‬بينما كان زوجها‪ ،‬على مسافة غير بعيدة‪ ،‬يراقبها‪ ،‬مثل سيد مع ماشيته‬
‫)‪.‬جيد‪ .‬هذا كل شيء‪ ،‬آنا‪ .‬ابتسمي‪ .‬تبدو مهذبة(‬
‫"لماذا أنت متأمل جًد ا يا آنا؟"‬
‫‪،‬سيدي‪ ،‬ال تحملني هكذا من فضلك‪ "،‬أجابت دون أي انفعال"‬
‫‪.‬االبتعاد عنه عندما يقترب منها كثيًر ا‬
‫أوه‪ ،‬لم أالحظ‪ .‬اغفر لي‪ ،‬أجاب‪ .‬لكن عيونه"‬
‫‪.‬واستمر في لمسها بشكل غير الئق‪ ،‬وظلت ابتسامته تملقها‬
‫أدركت آنا أخيًر ا أن زوجي يمارس الدعارة معي‪ .‬ألن تلك كانت الحقيقة‪ ،‬أليس كذلك؟ هذا ما كان قلبها يخبرها به لقد وقعت في‬
‫»‪.‬حفرة بالوعة‪ ،‬ولن تخرج القذارة من جسدي أبًد ا‪ .‬قالت لليوبولد بهدوء وهي تفلت يديه‪« :‬أنت مقزز يا سيدي‪ ،‬وتنتهي رقصتنا‬
‫"‪.‬هنا‬
‫‪.‬ابتعدت بسرعة وتركته وحيدا في حلبة الرقص‬
‫"‪.‬عليك أن تعتذر له"‬
‫علق كريستوفر ألول مرة على الحادث الذي وقع في‬
‫‪.‬العربة التي أعادتهم إلى المنزل في نهاية المساء‬
‫"نظرت آنا إليه بالكفر‪" .‬ماذا؟‬
‫لقد سمعتني‪ .‬لقد تخليت عنه في منتصف الرقصة‪ ،‬و"‬
‫" ‪.‬حتى لو ضحك معي بشأن ذلك‪ ،‬فقد كان مستاًء جًد ا منك حًقا‬
‫"‪ -‬وأنت تقف إلى جانبه؟ كان سلوكه"‬
‫هادئ‪ ".‬كانت عيناه صارمتين‪ ،‬نفس العيون التي وصفتها بمحبة بملكته في ظالل السرير‪" .‬سوف تعتذر له‪ ،‬وهذا كل شيء‪ .‬وكن "‬
‫‪،‬شاكرًا ألنني أطلب ذلك فقط‪ .‬لقد وثقت بك في هذا يا آنا‬

‫‪.‬وأنت عصيتني‪ .‬أنا أحذرك‪ :‬ال أريد أن يصبح هذا عادة‬


‫لكن كريستوفر‪ ." . .‬كانت تواجه مشكلة في التحدث‪ .‬لكن كان عليها أن تشرح له األمر‪ ،‬وكان عليه أن يفهم‪" .‬هذا الرجل أهانني‪" .‬‬
‫"أال يهمك هذا؟‬
‫ال تكن سخيفا‪ .‬ما الذي يمكن أن يقوله بهذه الخطورة؟"‬
‫"‪...‬لم يكن األمر يتعلق بالكلمات التي استخدمها‪ ،‬لكني أؤكد لك أن النبرة هي التي"‬
‫أوه‪ .‬بالطبع النغمة‪ ".‬انه مبتسم بتكلف‪" .‬دعني أخبرك بشيء واحد‪ :‬ال يهمني "نبرته"‪ .‬أنا بحاجة إليه‪ ،‬وسوف تقدم له اعتذارك في "‬
‫‪.‬أول فرصة‬
‫لقد شعرت بألم شديد بسبب هذا‪ ،‬وخيبة أمل أخرى‪" .‬أوه‪ ،‬كريستوفر‪ "،‬تمتمت لنفسها أكثر منه له‪" ،‬لم أتوقع منك شيًئ ا مختلًف ا‪ ،‬ولكن‬
‫لماذا‪ . . ...‬لماذا يؤذي نفس الشيء؟ خرج هذا السؤال الحزين من فمها قبل أن تعرفه‪ ،‬وتاله سؤال آخر‪" .‬هل أنا ال أستحق الكثير‬
‫"بالنسبة لك؟" سألته وقد تصدع صوتها‪" .‬هل أستحق القليل جًد ا بحيث يمكن ألي شخص أن يعاملني بعدم احترام؟‬
‫‪”.‬متألًما‪ ،‬بدا وكأنه يشعر بألمها للحظة‪ .‬ثم هز رأسه‪" .‬ال تكن سخيًف ا‪ .‬كان ديميرسي يمزح فقط‬
‫"‪...‬من المؤكد أنه لم يكن"‬
‫"‪.‬ال تناقضني"‬
‫‪،‬ارتجفت شفتيها‪" .‬إلى أي مدى سوف تذهب مع طلباتك‬
‫كريستوفر؟" سألت في الهمس‪ .‬كان عليها أن تعرف‪ .‬كانت خائفة من رد فعله‪ ،‬ولكن كان عليها أن تعرف‪" .‬هل تريد مني أن أذهب‬
‫"إلى السرير معه ربما؟‬
‫اتسعت عينا كريستوفر‪ ،‬وأدركت آنا أنها قالت أسوأ شيء ممكن‪ ،‬وهو الشيء الذي ال ينبغي أن تقوله أبًد ا تحت أي ظرف من‬
‫الظروف‪ .‬وعندما رفع يده فجأة‪ ،‬عرفت أنه سيضربها‪ ،‬سيضربها حًق ا‪ .‬وضعت يدها على وجهها دفاعًا عنها‪ .‬أغمضت عينيها‬
‫‪.‬وأخفضت رأسها بين كتفيها المضمومتين‪ ،‬وارتعش قلبها في صدرها وربما نسيت النبض‪ .‬وانتظرت‪ .‬وانتظرت الضربة الحتمية‬
‫لكن ذلك لم يحدث قط‪ .‬جلس كريستوفر مقابلها‪ ،‬وتحرك إلى جانبها‪ ،‬وأمسكها بعنف من شعرها‪ ،‬وجعلها ترفع رأسها‪ .‬فتحت آنا‬
‫‪.‬عينيها‪ ،‬وكادت تبلل نفسها من الخوف‪ :‬كان زوجها بجانبه‬

‫‪".‬قال لها وقد تشوه وجهه بانقباضات الغضب‪" :‬ال تقل شيًئ ا كهذا مرة أخرى‪ ،‬إذا كنت تريدين البقاء قطعة واحدة‬
‫كانت آنا متحجرة لفترة طويلة؛ ثم عاد صوتها إليها بطريقة ما‪ ،‬وكذلك تنفسها‪ .‬تمتمت بشيء من األمل‪" :‬لذا يا كريس‪ ،‬إذا كنت تهتم‬
‫‪".‬بي قلياًل ‪ ،‬فال تهينني أمام ذلك الرجل‬
‫سأبقيك بعيًد ا عنه من اآلن فصاعًد ا"‪ ،‬اعترف بصوت هامس‪ ،‬وهو يخفف قبضته على شعرها‪" .‬ولكن عندما تراه مرة أخرى‪" ،‬‬
‫سيكون عليك االعتذار‪ .‬ال يهمني كيف‪ .‬المهم هو أن تقوم بإصالحه‪ .‬ال‪ ،‬قالها وهو يرفع يده ليوقف اعتراضاتها‪ ،‬متجاهًال األلم الذي‬
‫"‪.‬أصابها بسبب الظلم الذي تتعرض له في هذه المعاملة‪" .‬قل ال زيادة‬
‫ابتلعت آنا طعامها بصعوبة‪ ،‬وهي تحاول مرة أخرى خنق تلك الرمال‪ ،‬أو ربما تلك األشواك‪ ،‬ولم تعد متأكدة بعد اآلن‪ .‬ثم اقترب‬
‫‪.‬منها هذا الرجل المروع وقبلها بشغف وعدوانية بينما كانت دموع اليأس تنهمر على وجهها‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪34‬‬
‫أعطني يا رب معنى السخرية‪ .‬امنحني نعمة فهم النكتة‪ ،‬حتى أعرف في الحياة القليل من الفرح وأتمكن من مشاركة ذلك مع‬
‫‪.‬اآلخرين‬
‫السير توماس مور—‬
‫في شقته في لندن‪ .‬أحضر كريستوفر معه اثنين فقط إلى كوكستون‪ :‬األول المتعلق بوالدته‪ ،‬واآلخر الذي كانت ‪ L.‬كانت الرسائل من‬
‫والدته تحمله بين يديها قبل وفاتها‪ .‬لقد احتفظ بها هناك‪ ،‬في مكتبه في روكفيلد‪ ،‬ألنه أراد إعادة قراءتها قبل أن يقتل والده‪ .‬أو يمكنني‬
‫أن أجعله يقرأها‪ ،‬هكذا فكر‪ ،‬مستمتًع ا بهذا االحتمال اآلخر‪ .‬وهذا من شأنه أن يساعده على قضاء الوقت‪ .‬يا إلهي‪ ،‬سيكون هذا‬
‫ميلودرامًيا بعض الشيء‪ ،‬اعترف لنفسه بأسف ساخر‪ ،‬لكنني لست متأكًد ا من أنه سيقدر ذلك‪ :‬ستكون الحياة عادية جًد ا إذا لم نمنحها‬
‫لمسة شعرية‪ .‬أليس كذلك؟‬
‫في الحقيقة‪ ،‬لن يكون إجبار ليوبولد على قراءة هذه الرسائل أمًر ا سهًال‪ ،‬وكان كريستوفر متأكًد ا من ذلك‪ .‬ربما لن يستسلم‪ ،‬وال حتى‬
‫بعد تعرضه للضرب مرات ال تحصى‪ ،‬وال حتى قبل الموت‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يعني ذلك أنه كان ضرورًيا‪ .‬ألن احتمالية القيام به ظلت‬
‫مبهجة مهما تخيلها‪ .‬آه‪ ،‬لقد كانت كلمة «قتل» تخيفه‪ ،‬و‪-‬ما لم يحسب ذلك الرجل الذي انتحر بعد أن دمره والذي يطارد أحالمه‬
‫أحياًن ا‪ -‬فإنه كان دائًم ا يخجل منها‪ .‬لكن "قتل األب" ‪ -‬تلك الكلمة اللعينة بامتياز؛ هذا المفهوم الذي كان بحكم تعريفه ال يغتفر‪ ،‬كان له‬
‫صدى جميل بالنسبة لكريستوفر‪ .‬كان يعلم أن هذا سيكون أفضل عمل في حياته‪ ،‬واألكثر عدالة‪ .‬لقد كان ينتظر ذلك لسنوات‪ ،‬وبدا‬
‫أنه يحدث كل يوم‬

‫أقرب‪ .‬نشهد كل يوم ابتسامات ليوبولد التي كانت تلتصق بجلده؛ نشهد كل يوم أقواله‪ ،‬التي كانت غير مبالية بشكل واعي بمصير‬
‫اآلخرين؛ كل يوم يشهد المظالم التي ينثرها خلفه مثل أثر فتات الخبز‪ .‬كل يوم‪ ،‬بل وأكثر من ذلك‪ ،‬إن أمكن‪ ،‬بعد اإلهانة التي‬
‫تعرضت لها في الليلة السابقة‪ .‬بدت آنا حزينة للغاية‪ ،‬وغير عزاء للغاية عندما أخبرها أنها يجب أن تعتذر لهذه الدودة‪ .‬حتى بعد أن‬
‫مارست الحب معه‪ ،‬حتى بعد أن همست باسمه‪ . . .‬اوه عليك العنه‪ .‬فرك كريستوفر عينيه وهو متعب‪ .‬قرر أن يعود إلى المنزل في‬
‫وقت مبكر قلياًل بعد ظهر ذلك اليوم‪ ،‬كما قرر‪ ،‬وحقيقة أن أخيه غير الشقيق كان يزور منزل البطل‪ ،‬وأن آنا ال تزال تشعر بالمودة‬
‫‪.‬تجاهه ‪ -‬لذلك األحمق الذي بدا دائًما وكأنه خرج مباشرة من المنزل‪ .‬الخياط – ال عالقة له باألمر‬
‫ال أعرف إذا كانت تحبه‪ ،‬وال أهتم‪ ،‬قال في نفسه بينما وصل حصانه إلى المنزل المبني من الطوب األحمر‪ .‬المهم أنها تظل خاضعة‪.‬‬
‫‪.‬هذا كل ما أريده منها‬
‫لقد سار بهدوء في ممر الزيزفون‪ .‬ترك الحصان مع لويس وتوجه إلى الجزء الخلفي من المنزل‪ .‬كان الوجود المحدود لخدم المنازل‪،‬‬
‫الذين بدا وكأنهم خرجوا مباشرة من "محكمة المعجزات" في العصور الوسطى‪ ،‬يعني أن أحدًا لن يالحظ ذلك‪ .‬وسار نحو المطبخ‪،‬‬
‫‪.‬حيث كانوا مجتمعين بالتأكيد‪ .‬وعلى الرغم منه‪ ،‬فقد عشق أيًض ا تلك الغرفة غير الرسمية‬
‫جاء بصمت‪ ،‬وتوقف في الردهة بالخارج‪ ،‬وسمع صوت أخيه األنيق يقول‪« :‬وهكذا يا أنتوني‪ ،‬الحيلة تكمن في إخفاء قطعتين من‬
‫الطعام‪ ،‬وليس قطعة واحدة من الطعام — أًيا كان ما يبدأ بالتعفن بسهولة — في منزلك‪ .‬غرفة العدو‪ .‬مع مرور كل يوم‪ ،‬ستنمو‬
‫حوله رائحة مزعجة‪ ،‬وسيحاول الشاب المسكين العثور على مصدر هذه الرائحة‪ .‬عندما يجد أول العناصر التي تم إخفاؤها بلطف ‪-‬‬
‫وأخشى أنها أقل إثارة للغثيان ‪ -‬فسوف يعتقد أنه آمن ويتوقف عن البحث‪ .‬في سذاجته‪ ،‬سيكون مقتنعا بأن الرائحة الكريهة سوف‬
‫"‪.‬تتالشى في بضع ساعات‪" .‬لسوء الحظ" ‪ -‬تنهد بحزن ‪" -‬سيكون مخطًئ ا لألسف‬
‫"‪.‬ضحكت لوسي موسيقيا‪" .‬دانيال‪ ،‬أنت شرير تماًما‬
‫‪».‬لوسي‪ ،‬يمكنك أن تكوني رحيمة‪ :‬لم يسرق أحد باب مسكنك من قبل‪ .‬وأؤكد لك أن كل شيء بعد ذلك مباح"‬
‫"أريد أن أذهب إلى المدرسة الداخلية مع أنتوني"‪ ،‬صرخت جريس عابسًة ‪" .‬لماذا ال أستطيع؟"‬
‫‪".‬أوضحت آنا بلطف‪" :‬ألنك ال تزال صغيًر ا جًد ا‬
‫‪.‬آه‪ ،‬تلك العادة الدموية التي تتبعها وهي عدم إخبار األطفال بالحقيقة‪ ،‬فكر كريستوفر بغضب‬

‫"‪.‬قال دينيس مناقضًا لها‪" :‬هذا ليس السبب"‪" .‬أخبرني كريستوفر أن اإلناث ال يمكنهن الذهاب إلى هناك‬
‫‪. . ".‬أصرت‪" :‬حسًن ا‪ ،‬سأذهب"‪" .‬سوف أتنكر‬
‫‪".‬في الردهة ابتسم كريستوفر‪ ،‬ثم دخل الغرفة‪ .‬قال بينما كان الجميع يستديرون نحوه‪" :‬لكن عليك أن تقّصي شعرك يا جريس‬
‫كريس!" صاحت جريس بسعادة‪ ،‬ونهضت من الطاولة التي كانت ترسمها وركضت نحوه‪ .‬سحبته بيدها وقبلته على خده‪ ،‬فشعر "‬
‫‪.‬بإحراج غريب أمام أخيه‪ .‬وقف بسرعة‪ ،‬وذهب إلى الطاولة‪ ،‬وتوقف بجانب زوجته‬
‫"‪.‬قالت غريس التي لم تكن قد تركت يده بعد‪" :‬ال يهمني إذا اضطررت إلى قص شعري"‪" .‬هذا هو مقدار رغبتي في أن أصبح جندًيا‬
‫جندي اآلن؟" هز كريستوفر رأسه‪ .‬قرر أال يقول أي شيء‪ ،‬وبدًال من ذلك ألقى على آنا نظرة صارمة‪ .‬على األقل أراد أن يكون "‬
‫‪.‬صارما‪ .‬ابتسمت له مترددة‪ .‬آه يا عزيزي‪ .‬لن أجعلك تفعل ذلك‪ ،‬حقًا‬
‫‪".‬نعم"‪ ،‬أكدت جريس‪ .‬بدت خجولة ويتوسل‪" .‬لكن عليك أن تعلمني إطالق النار يا كريستوفر‪ ،‬كما فعلت أنتوني"‬
‫أوه‪ ".‬سكب لنفسه كوبًا من الشاي‪ .‬لن أعلمك أبدًا يا جريس إنه ليس شيًئ ا مخصًص ا لإلناث‪" .‬ال أستطبع‪ .‬أنت ال تزال صغيرا جدا‪" .‬‬
‫وبالمناسبة‪ ،‬أنتوني‪ ." . .‬نظر إلى الشاب الصغير الذي كان يجلس بجانب دانييل‪" .‬هل تريد التصوير أكثر قليًال قبل أن يحل الظالم؟‬
‫يوم االثنين ستغادر‪ ،‬ولن تكون لدينا فرصة أخرى‪ .‬وأشار كريستوفر إلى أن آنا أومأت برأسها كما لو كانت تتوقع تلك الكلمات‬
‫‪.‬بالضبط‪ .‬في الواقع‪ ،‬كان لفكرة طرد دانيال من المنزل عالقة باقتراحه‪ .‬ليس كل شيء‪ ،‬ولكن بالتأكيد شيء يتعلق به‬
‫أجاب أنتوني‪" :‬أود ذلك يا كريستوفر"‪ .‬نظر إلى دانيال‪ ،‬وبدا ممزًق ا‪" .‬لكنني أود أيًض ا أن أعرف ما حدث لباب منزلك يا سيد‬
‫"‪.‬ديميرسي‬
‫وضع األخ غير الشقيق يده على ذقنه وكأنه يفكر مليًا‪" .‬يمكننا الجمع بين االثنين‪ ،‬أليس كذلك يا دافنبورت؟" سأل‪" .‬يمكنني أن أبقيك‬
‫"‪.‬برفقة أخيك أثناء تدربك على الرماية‬
‫ملعون األخ غير الشقيق‪ .‬لقد كان يفعل ذلك عمدا بالتأكيد‪ .‬قال بصراحة‪" :‬ال أعرف يا ديميرسي"‪" .‬ال أعتقد أنه من المستحسن أن‬
‫"‪.‬تقترب مني عندما يكون لدي مسدس في يدي‬

‫"ضحك دانيال بصوت عاٍل ‪ ،‬مستمتًع ا‪ ،‬ووقف في مواجهته دون أدنى انزعاج‪" .‬هل تطلق النار بهذا السوء؟‬
‫"‪.‬على العكس من ذلك"‪ ،‬أجاب بتهديد مستتر في عينيه‪ .‬وال حتى محجبة جدا‪ ،‬في الواقع‪" .‬أنا ماهر جًد ا"‬
‫"‪.‬أجاب دانييل بنفس النظرة‪" :‬يا لها من صدفة"‪" .‬أنا كذلك‪ .‬في الواقع‪ ،‬ربما أكثر كفاءة منك‪ .‬ولذلك أنا لست خائفا‬
‫"نظرت لوسي من واحدة إلى أخرى بابتسامة صفيق‪" .‬إذًا‪ ،‬دانيال‪ ،‬هل هذا تحدي؟‬
‫‪».‬بوضوح‪ .‬هل تقبل ذلك يا دافنبورت؟ الفائز هو من يسجل أكبر عدد من األهداف"‬
‫‪".‬زم كريستوفر شفتيه بغطرسة ال يمكن السيطرة عليها‪" .‬من الواضح أنك تحب الخسارة يا ديميرسي‬
‫"‪.‬سأعتبر ذلك بمثابة نعم"‬
‫صفقت جريس يديها بحماس‪" .‬كم هو رائع!" صرخت وأظهرت الغمازة على خدها األيسر‪ .‬لقد نسيت الرسومات المستحيلة التي‬
‫‪.‬كانت ترسمها وركضت إلى الخارج‪ .‬بعد لحظة تبعها أنتوني ودينيس‬
‫هل أنت متأكد؟" سألتهم آنا مع قليل من القلق في صوتها‪ .‬يبدو أن زوجته هي الشخص الوحيد في الغرفة الذي وجد كريستوفر "‬
‫"‪-‬مخيًف ا‪ .‬ربما لم تكن عالمة جيدة‪" .‬لقد فات الوقت بالفعل و‬
‫‪".‬ضحك دانيال وكان هادًئ ا تماًما‪" .‬ال تقلقي يا آنا‪ ،‬زوجك لن يطلق النار علي‬
‫"‪.‬لن أكون متأكدًا من ذلك"‬
‫"هل قلت شيًئ ا يا دافنبورت؟"‬
‫ال ال شيء‪ ".‬نظر إلى أخيه‪ ،‬مستسلًما لالضطرار إلى ذلك"‬
‫‪.‬تحمل حضوره البغيض‪ .‬على األقل سأشعر بالرضا عندما أهزمك يا دانييل‪" .‬هيا إذن‪ "،‬حث‬
‫‪.‬ساروا عبر الردهة‪ ،‬ودون أن يتحدثوا‪ ،‬وصلوا إلى الغرفة التي تم حفظ األسلحة فيها‬
‫لحظة واحدة يا دافنبورت‪ "،‬قال المتأنق الذي ال يطاق مع وميض مريب في عينيه الخضراوين‪" .‬التحدي ليس تحدًيا إذا لم نراهن "‬
‫على شيء ما‪ .‬أال توافق؟ إال إذا ‪ ." . .‬توقف وأعطاه نظرة ساخرة‪ .‬كان على كريستوفر أن يعترف بأن دانيال كان يعرف أيًض ا‬
‫"‪.‬كيف يبدو ساخًر ا بشكل جيد‪ ،‬إذا حاول ذلك‪" .‬ما لم تكن الهزيمة هي ما تخاف منه‪ ،‬فمن الواضح‬

‫"فتح كريستوفر خزانة وأخرج مسدسين مصقولين متطابقين‪" .‬ماذا تريد أن تراهن؟‬
‫قال دانييل دون تردد‪" :‬تلك األرض تحدثنا عنها منذ فترة"‪ .‬نظر كريستوفر بعيًد ا عن األسلحة وحدق به بصمت‪ .‬وتابع شقيقه‬
‫»بشجاعة‪" :‬إذا فزت‪ ،‬فسوف تعطيني إياها‪ .‬إذا خسرت ‪ . . .‬حسًن ا‪ ،‬ماذا تريد يا دافنبورت إذا فزت؟‬
‫"‪.‬الطالق النار عليك‪ .‬قال‪" :‬إنك تبتعد عن عيني"‪" .‬ديمرسي‪ ،‬أنت تعاني من ألم ال يصدق في الرقبة‬
‫‪.‬نعم"‪ ،‬اعترف‪ ،‬وبدا سعيًد ا جًد ا"‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪35‬‬
‫‪.‬لن يتم اكتشاف أي شيء أبًد ا إذا اعتبرنا أنفسنا راضين عما تم اكتشافه بالفعل‬
‫سينيكا—‬
‫صباح الغد سيغادر أخي األكبر"‪ ،‬كتبت آنا في ذلك الصباح المشمس بينما كان األطفال يتلقون الدروس مع معلميهم‪ ،‬وكان المنزل "‬
‫‪".‬يمضي بدونها‪" .‬كنت أعلم أن هذه اللحظة ستأتي‪ ،‬لكنني ما زلت أتساءل كيف سأتدبر األمر‬
‫‪.‬توقفت لتمسح عينيها‪ ،‬فسقطت دمعة على الورقة‪ ،‬فصبغتها‬
‫وكتبت بعد أن نظفت الفوضى‪" :‬وال أستطيع حتى البقاء في المنزل للتعافي‪ ،‬ألنه مساء الغد‪ ،‬سيكون هناك عشاء غبي في روكفيلد‬
‫بارك"‪ .‬نظرت إلى الفستان األزرق الداكن على عارضة أزياء بجانبها وتنهدت بهدوء‪" .‬طلب مني كريستوفر أن أقضي الليلة هناك‬
‫بعد انتهاء المساء‪" .‬من المحتمل أن يكون الوقت متأخًر ا يا آنا‪ "،‬قال صباح أمس‪ ،‬و‪ -‬أقسم!‪ -‬بدا لي متردًد ا‪ .‬ربما حتى خجولة‪.‬‬
‫"يمكننا البقاء في روكفيلد والعودة يوم الثالثاء بحلول وقت الغداء‪ .‬هل تعتقد أن عائلتك يمكنها العيش بدوننا لبضع ساعات؟ أجبته‬
‫"‪.‬دون أدنى تردد‪" :‬أنا متأكد من أنهم يستطيعون ذلك"‪" .‬يبدو أنها فكرة جيدة بالنسبة لي‬
‫بدا زوجي سعيًد ا برد الفعل الفوري هذا؛ أعتقد أنه كان يتوقع بعض االعتراض‪ .‬اقترب مني بينما كنت أقوم بالتطريز عند النافذة‪« ،‬‬
‫"‪.‬وانحنى فوقي‪ .‬همس لي‪" :‬يمكننا إذن أن نعتبرها رحلة شهر العسل"‪" .‬ماثيو خارج المدينة‬
‫احمررت خجًال وشعرت بالذنب بعض الشيء‪ ،‬نظًر ا إلثارته‪ ،‬وألن التضمين الرومانسي للموقف قد أفلت مني تماًما‪ .‬أنا"‬

‫لم يقبلها إال لسبب واحد‪ ،‬في الواقع‪ :‬الدخول إلى مكتبه ليًال‪ .‬ألنني أريد – وال بد لي – أن أجد شيئًا يحررني من سلطته‪ .‬ألنني أريد‬
‫– وال بد لي – أن يهدأ قلبي عندما يكون بالقرب مني‪ .‬ألن المعاناة التي يسببها لي بسلوكه الذي ال يمكن تفسيره تزعجني؛ كثيرا ما‬
‫‪.‬أجد نفسي أبكي وحدي‬
‫أحياًن ا أجلس بجانب النافذة وأنغمس عن طيب خاطر في كل تلك األفكار التي تجعلني حزيًن ا‪ .‬مثلما حدث عندما أفكر في االعتذار "‬
‫إلى ليوبولد ليلة الغد‪ .‬مثًال عندما أالحظ الخداع الذي يستخدمه زوجي لكسب مودة عائلتي‪ ،‬وأتذكر سواد قلبه الذي سمح له باإلساءة‬
‫إلّي منذ شهر ونصف‪ .‬مثلما يحدث عندما يعود إلى المنزل في وقت متأخر من الليل وال أعرف حتى أين كان‪ ،‬وعيناه متعبتان‬
‫‪.‬ويائستان‪ ،‬كما لو أنه ذهب إلى الجحيم وعاد‬
‫لقد حدث ذلك أيًض ا في تلك الليلة‪ ،‬ولم أستطع إيقاف نفسي‪" .‬كريستوفر‪ ،‬إنها الثالثة صباًح ا‪ "،‬قلت له بصوت منزعج عندما قبلني "‬
‫إليقاظي‪ .‬لم يكن يعلم أنني لم أنم بعد‪" .‬ألم يكن لديك امرأة بالفعل الليلة؟" ابتسم في الضوء الخافت لشمعة مضاءة‪ .‬قال بصوت هامس‬
‫"من السخرية‪" :‬ال ينبغي أن يكون هذا مهًما يا آنا"‪" .‬ألم تقل أنك ال تهتم إذا كنت مخلًص ا لك أم ال؟‬
‫شعرت باإلهانة لدرجة أنه كان يضحك علي! أدرت ظهري له‪ ،‬وغطيت نفسي بالمالءة‪" .‬أنا ال أهتم‪ ،‬في الحقيقة‪ "،‬أجبت بنبرة "‬
‫منزعجة‪ ،‬وأنا أحبس الدموع الحمقاء التي مألت عيني‪" .‬أود فقط أن تسمح لي بالنوم‪ ".‬تمتم قائًال‪" :‬قريبًا"‪ ،‬ووضع يده على كتفي‬
‫"وجعلني أتجه نحوه‪" .‬هل تمانع بشدة؟‬
‫نظرت إليه وأنا ال أزال أشعر باإلهانة‪ ،‬لكن شيًئ ا ما في مظهره أوقف التعليق الساخر الذي كنت على وشك اإلدالء به من فمي‪" .‬‬
‫"هل هناك شيء يزعجك يا كريستوفر؟" سألته‪ ،‬ورفعت يدي ألبعد شعره عن عينيه‪" .‬أخبرني ما األمر يا كريس‪" ".‬صه‪ "،‬همس‪.‬‬
‫‪'.‬تعال الى هنا‪ '.‬قَّبل فمه فمي‪ ،‬ولمستني يداه‪ ،‬ومرة أخرى ُتركت أسئلتي دون إجابة‬
‫"‪.‬كان هناك طرق على باب غرفتها‪ ،‬وتوقفت آنا عن الكتابة ونظرت من مذكراتها‪ .‬قالت‪" :‬ادخل"‪" .‬آه‪ ،‬هذا أنت يا كريستوفر‬

‫يا إلهي‪ ،‬اآلن سوف تشتكي‪ .‬ال‪ ،‬لن "تشكو"؛ سوف تنفجر‪ .‬سوف تقتلني‪ .‬تنهد كريستوفر‪ :‬سوف تمزق جلدي‪ .‬من األفضل أن تقول‬
‫ذلك بسرعة‪ .‬صاح قائًال‪" :‬آنا‪ ،‬عليك أن تقومي باالستعدادات النهائية لتناول العشاء في منزلي‪ .‬وال يمكنك أال تفعل ذلك اليوم‪ ،‬ألننا‬
‫‪.‬سنكون غًد ا في لندن للذهاب مع أنتوني‬
‫"‪-‬لكن"‬
‫ال أريد أن أسمع أي حجج‪ ".‬ورفع يده لوقف احتجاجاتها‪" .‬اليوم سأكون خارج كوكستون للقيام ببعض االلتزامات التي ال يمكن "‬
‫‪.‬تجنبها‪ ،‬ولذا سيتعين عليك القيام بذلك‪ .‬سيكون هذا واجبك‪ ،‬من بين أمور أخرى‬
‫‪".‬جعلت زوجته وجها‪ .‬قالت‪" :‬حسًن ا‬
‫حسًن ا"؟ ال توجد تهديدات متذمرة أو سيئة‪ ،‬هل سمعها بشكل صحيح؟ حاول كريستوفر أن يتذكر ما إذا كان بالصدفة لم يشرب "‬
‫‪.‬الويسكي بدًال من الشاي في ذلك الصباح‬
‫"وأضافت‪" :‬لكن ذكرني بشيء واحد"‪" .‬عند التحضير لحفلة‪ ،‬هل من المفترض أيًضا أن ُيضرم النار في المنزل؟‬
‫قال وهو يفكر في األمر‪" :‬يجب أن أتحقق"‪ .‬كان مرتاحا‪ .‬لم تكن آنا غاضبة‪ ،‬وال حتى قليًال‪ .‬اقترب منها وقال بهدوء‪" :‬لم أكن‬
‫‪".‬ألضعك في هذا الموقف لو كان بإمكاني تجنبه‪ ،‬أؤكد لك‬
‫"‪.‬قالت وهي تهز كتفيها‪" :‬ال تقلق"‪" .‬أنت تعلم أنني أتوقع منك دائًما األسوأ‪ ،‬لذا ال يمكنك أن تخيب ظني‬
‫ابتسم وهو يجلس على حافة المكتب‪" .‬هل هذا ما تكتبه في يومياتك؟" سأل وهو يغض الطرف عن خربشات زوجته غير المقروءة‪.‬‬
‫""إهانات لي في قانونك الغريب؟‬
‫‪.‬ال تخطئ‪ ،‬أنا ال أكتب عنك أبًد ا‪ .‬لن أتمكن من العثور على ما يكفي من الكلمات الفظيعة لوصفك"‬
‫أوه حًق ا؟" وضع فمه على أذنها بوقاحة‪ ،‬وهمس بصوت ناعم جًد ا لدرجة أنه بالكاد مسموع‪" :‬هذا يعني أنني سأطلب منك تكرار هذه"‬
‫"‪.‬الجملة لي الليلة‪ ،‬آنا‪ .‬عندما أكون بين رجليك‬
‫كريستوفر!" دفعت زوجته رأسه للخلف وصفعته صفعة خفيفة ‪ -‬كانت قاسية جًد ا في الواقع ‪ -‬ولكن برقة معينة مقارنة بتلك التي "‬
‫اعتاد عليها‪" .‬أنت فاحش"‪ ،‬اتهمته وهي تحمر خجًال‪ ،‬ونظرت إلى مذكراتها‪" .‬وماذا ال تزال تفعل هنا؟ اعتقدت أنك قلت أن لديك‬
‫‪.‬التزامات ال مفر منها‬

‫‪.‬فرك كريستوفر خده‪" .‬نعم‪ "،‬اعترف على مضض‪ .‬وقف‪ ،‬وذهب إلى الباب‪ ،‬ونظر إلى الوراء مرة أخيرة‬
‫"‪.‬هرم الكنز"‬
‫عنوان غامض ووثيقة غامضة‪ .‬في صمت زوجها‬
‫في مكتبها في روكفيلد‪ ،‬كادت آنا أن تقفز من اإلثارة عندما اكتشفت صندوًق ا أحمر صغيًر ا أسفل رف المدفأة‪ ،‬مخبأ بنفس الطريقة‬
‫التي أخفى بها كريستوفر األشياء في منزل األبطال‪ .‬لكي نكون صادقين‪ ،‬كان من المفترض أن تشرف على االستعدادات للحفلة‪،‬‬
‫‪.‬وليس التحقيق‪ ،‬لكنها كانت متأكدة من أن ثيا ‪ -‬مدبرة المنزل المتغطرسة ‪ -‬ستحقق نتائج جيدة بمفردها‬
‫في الصندوق األحمر كانت هناك وثائق‪ .‬اثنان فقط‪ ،‬لسوء الحظ‪ ،‬لكنهما كانا مثيرين لالهتمام‪ .‬أحدهما كان "هرم الكنز"‪ .‬وسرعان ما‬
‫رأت األرقام واألسماء المدرجة؛ كانوا جميًع ا غرباء باستثناء اثنين‪ :‬ليوبولد ديميرسي وكريستوفر دافنبورت‪ .‬بدا األمر وكأنه نوع‬
‫من العمل‪ .‬وأًيا كان من شارك فقد دفع مبلًغ ا ملحوًظ ا إلى حد ما‪ ،‬وحقق مكاسب عالية على المدى القصير‪ .‬ظهر اسم ليوبولد ثالث‬
‫مرات‪ ،‬مع زيادة المخاطر تدريجًيا في كل مرة‪ .‬هل هذا هو السبب وراء عدم رغبة كريستوفر في الدخول في صراع معه؟ تساءلت‬
‫آنا‪ .‬لم تكن تعلم‪ ،‬لكنها عرفت أن في هذا الكنز المصري شيًئ ا غير منطقي‪ .‬فركت عينيها‪ ،‬وتفحصت مرة أخرى أعمدة الحسابات‬
‫المستحقة الدفع والحسابات المستحقة القبض‪ .‬كان األمر غريًبا‪ ،‬ألنه بدا حًق ا أن األموال التي دخلت الحسابات لم ُتستخدم أبًد ا لشراء‬
‫أو إنتاج أي شيء‪ ،‬ولكن ببساطة تم إعادة استثمارها في نفس الهرم‪ .‬عمليا‪ ،‬تم استخدام كل إيرادات جديدة لدفع فوائد االستثمارات‬
‫السابقة‪ ،‬وبما أن األرقام في الحسابات المدينة كانت تتزايد (سواء بسبب زيادة عدد المستثمرين‪ ،‬أو زيادة المبلغ المدفوع من قبل‬
‫مستثمر واحد)‪ ،‬فقد كان األمر مفتوحا‪ .‬دورة‪ .‬لقد كان حًقا هرًما‪ ،‬كما فهمت آنا‪ .‬ومن كان في األعلى أعطى واحًد ا وأخذ اثنين من‬
‫الثاني والثالث مشارًك ا في الصفقة التجارية؛ أما الثاني والثالث فقد أخذا أربعة من الخامس والسادس والسابع‪ ،‬وهكذا إلى أجل غير‬
‫مسمى‪ .‬أو باألحرى‪ ،‬ليس إلى أجل غير مسمى‪ ،‬فكرت‪ ،‬منزعجة‪ .‬وسوف يأتي يوم تكون فيه المبالغ التي سيتم دفعها مرتفعة للغاية‪،‬‬
‫ولن يتم العثور على مستثمرين جدد‪ .‬ثم من هو في‬

‫لن يكون لقاع الهرم أي مكاسب بل خسائر فقط‪ .‬وضعت يدها على جبهتها وأغلقت عينيها‪ .‬القلق جعل صدرها يضيق‪ .‬بالتأكيد يجب‬
‫‪.‬أن يكون هناك تفسير‪ ،‬قالت لنفسها بشكل معقول‪ .‬ربما ال أعرف السوق مثل كريستوفر‬
‫)لماذا يخفي زوجك هذه الوثائق إذن يا آنا؟(‬
‫‪ . . .‬لم يكن هو من صنع هذا الهرم‪ ،‬بل هو روبرت باريت‪ .‬ظهر اسم كريستوفر كمستثمر فقط‪ .‬لكن‬
‫قررت أن أفكر في هذا الحًق ا‪ .‬لقد تأخر الوقت‪ ،‬ولم تعد قادرة على المكوث أكثر‪ .‬وانتقلت إلى الوثيقة الثانية التي تتضمن االعتمادات‬
‫وديون القمار‪ .‬وكانت أسماء المدينين لزوجها مجهولة؛ كان دائنوه أشخاًص ا من جميع أنحاء المقاطعة‪ .‬يبدو أن الحظ السيئ يالحق‬
‫كريستوفر هنا في كوكستون‪ .‬أكبر دين تراكم على زوجها كان مع ليوبولد ديميرسي‪ .‬هذا غريب‪ ،‬فكرت‪ ،‬عابس‪ .‬بدا كريستوفر‬
‫بارًع ا في لعب الورق عندما كان يعطي دروًس ا ألنطوني‪ .‬ألم يكن هو الذي ادعى "الفوز دائمًا"‪ ،‬ولو بشكل غير عادل؟ لقد كان األمر‬
‫‪.‬غريًبا بالفعل‪ ،‬ولكن كان عليها اآلن أن تغادر الغرفة بسرعة‪ ،‬ألنها ألقت نظرة على كل ما كان موجوًد ا في الصندوق‬
‫فكرت في أن كل شيء تقريًبا يصحح نفسه‪ .‬قبل لحظة من استبدال الملفات‪ ،‬الحظت في الزاوية ورقتين قديمتين مطويتين من الورق‬
‫قد سقطتا بينما كانت تسرع إلغالق ملف‪ .‬كانتا رسالتين‪ ،‬صفحتين اصفررا بفعل الزمن – كم كان عمرهما؟ – مكتوبتان بخط يد‬
‫مجهول ومائل لم يكن خط يد زوجها‪ .‬نظرت إلى الورقة األولى؛ كان متجعًد ا وباهًت ا مع وجود بقع داكنة في أجزاء معينة مما جعله‬
‫غير مقروء تقريًبا‪ .‬ويبدو أن هذا ال بد أنه تم انتشاله من مكان ال يمكن الوصول إليه‪ .‬ولم يكن لها تاريخ‪ ،‬وكل ما كان مكتوبًا عليها‬
‫‪:‬هو ما يلي‬
‫كنت سأتخلى عن كل السنوات التي عشتها حتى اآلن‪ ،‬كل هذا الوقت‪ ،‬الذي طالني مثل ساق ميتة‪ ،‬فقط ألعيش لحظة واحدة‪ ،‬مجرد‬
‫‪.‬لحظة‪ ،‬يا مارثا‬
‫كنت تغادر من مبنى متهالك‪ ،‬وكان بعض رفاقك الكسالى يسيرون بجانبك‪ .‬كانت أمسية الشتاء باردة‪ ،‬وكنت ترتدي معطًفا رمادًيا‬
‫‪.‬ووشاًح ا رمادًيا على رأسك‬
‫‪.‬وانفجار اللون على وجهك‬

‫ابتسامتك البيضاء وشفاهك الحمراء‪ ،‬وخدودك المشتعلة في الضباب المتصاعد من أنفاسك؛ عيناك الزرقاوان بين الشعر الذي سقط‬
‫‪.‬من حجابك‬
‫كانت تلك المرة األولى التي رأيتك فيها يا مارثا‪ ،‬وإذا طلب مني أحد في تلك اللحظة أن أسأل ما هي الحياة‪ ،‬لكنت أشرت إليك وقلت‪:‬‬
‫‪"".‬إنها تلك الفتاة هناك‬
‫‪.‬ل‬
‫عندما انضم كريستوفر إلى زوجته في غرفة النوم ذلك المساء‪ ،‬وجدها جالسة على طاولة الزينة الخاصة بها‪ .‬كان بإمكانه من الخلف‬
‫رؤية شعرها الطويل‪ ،‬الذي كانت تمشطه ببطء‪ ،‬يتدلى على ظهرها‪ ،‬وانعكاس وجهها في المرآة‪ .‬كما هو الحال دائما‪ ،‬كان هادئا‬
‫‪.‬للحظة قبل أن يتحدث‬
‫‪.‬هل كل شيء جاهز لمساء الغد يا آنا؟" سأل"‬
‫أثناء العشاء‪ ،‬تحدثوا فقط عن رحلة أنتوني‪ ،‬وهو أمر منطقي‪ .‬لكن الشاب الصغير لم يقل شيًئ ا بينما كانت جريس تبكي‪ .‬من المحتمل‬
‫‪.‬أن يبكي دينيس في اليوم التالي‬
‫‪.‬أجابت زوجته‪« :‬بالتأكيد يا سيدي»‪ ،‬وهي تحرك الفرشاة ببطء عبر خصالت شعرها الالمعة‬
‫بالتأكيد يا سيدي‪ "،‬قدمي‪ .‬لقد أخبروه أنها وصلت إلى روكفيلد واختفت على الفور‪ .‬ربما كانت قد اختبأت في مكان ما بالمنزل "‬
‫لتقرأ‪ ،‬تاركة الموظفين ألنفسهم‪ .‬آنا‪ ،‬أعرف كل ما تفعلينه‪ ،‬وكان يود أن يقول لها‪ .‬أنت أحمق حتى ال تفهم ذلك‪ .‬فأخذ نفسًا عميقًا‬
‫"وسألها مرة أخرى‪" :‬ألم تفعلي شيئًا آخر اليوم؟‬
‫قالت بال مباالة‪" :‬حسًن ا‪ ،‬لقد ساعدت أنتوني في إغالق صناديقه"‪" .‬و ‪" . . .‬آه‪ ،‬نعم‪ ،‬لقد ذهبت إلى الكنيسة لتسليم بعض المالبس‬
‫"‪.‬القديمة‬
‫أوه‪ ،‬هذا كل شيء‪ ،‬حًق ا‪ ،‬فكر كريستوفر بضجر‪ .‬وماذا قلت أنت ودانيال لبعضكما البعض خارج الكنيسة؟ استند إلى الحائط دون أن‬
‫‪.‬يقول أي شيء‪ ،‬ووضع يده على عينيه‪ ،‬وفركهما ببطء‬
‫"تحولت آنا لتنظر إليه‪" .‬كريستوفر‪ ،‬هل كل شيء على ما يرام؟‬

‫وواصل النظر إليها ولم يجيب‪ .‬شعرت آنا بعدم االرتياح ووضعت يدها على مؤخرة رقبتها قبل أن تعود لتنظر إلى المرآة‪ .‬وقف‬
‫كريستوفر ساكًن ا‪ ،‬وهو يتنفس ببطء‪ ،‬محاواًل إخماد الغضب‬
‫بداخله‪ .‬أوه‪ ،‬آنا‪ ،‬أنا أفوز معك دائًما‪ .‬أليس كذلك؟‬
‫كان يجب أن يطلق النار على أخيه قبل يومين‪ ،‬اللعنة‪ .‬لكن‬
‫بدال من ذلك لم يفعل‪ .‬وبدًال من ذلك‪ ،‬رفع دانييل مسدسه وصوب نحو زجاجة موضوعة على جذع شجرة على مسافة بعيدة عن‬
‫المنزل‪ .‬لقد ضغط على الزناد وأصاب الهدف‪ .‬ثم أخذ كريستوفر مسدسه ووضعه في مكانه‪ .‬وبدون تردد رفع ذراعه‪ ،‬ودون أن‬
‫‪.‬يصوب تقريًبا أطلق النار‪ ،‬فأصاب هدفه‬
‫‪.‬طلقة أخرى أطلقها دانيال وأصيبت زجاجة أخرى‬
‫‪.‬طلقة أخرى أطلقها كريستوفر وأصيبت زجاجة أخرى‬
‫‪.‬طلقة وزجاجة‬
‫‪.‬طلقة وزجاجة‬
‫‪.‬طلقة أخرى‬
‫‪.‬آخر‬
‫ثم صوب دانيال بندقيته وأطلق النار على الهدف األخير‪ .‬وكان لديه‬
‫!ٌم فَت قد‪ .‬نعم لقد غاب‪ .‬وبشكل فظيع – على األقل قدم‬
‫انفجرت الفرحة الجامحة داخل كريستوفر‪ .‬كان النصر شعوًر ا شائًع ا بالنسبة له‪ ،‬ومع ذلك كان يشعر به في كل مرة وكأنه النصر‬
‫األول‪" .‬أال تستطيع تحمل الضغط يا ديميرسي؟" كان مثار‪ ،‬والدخول‬
‫"‪.‬موقف اطالق النار‪" .‬يبدو أنك خسرت‬
‫أجاب دانيال‪" :‬األمر لم ينته بعد يا دافنبورت"‪ .‬كان هادئا و‬
‫"‪.‬حذرا‪ ،‬دون أي ندم على اإلطالق‪" .‬يمكنك أن تفوت أيضا‪" ".‬ال‬
‫‪.‬وبينما كان األطفال هادئين بوقار‪ ،‬صوب بندقيته وصوبها بيد ثابتة‬
‫‪.‬وللحظة لم يستطع إطالق النار‬
‫طرأت على ذهنه فكرة سخيفة مفادها أن خسارة التحدي ستكون الطريقة المثالية له للتخلص من أرض الظالل‪ .‬إن خسارة التحدي‬
‫‪.‬يمكن أن تكون أمًر ا جيًد ا‪ ،‬بعد كل شيء‬
‫‪.‬لقد نظر إلى الزجاجة التي أمامه وضغط على الزناد‪ .‬صرخ األطفال‪ ،‬وتحطم الهدف األخير‬

‫استيقظت آنا وتحركت ببطء من كتف زوجها وانقلبت على ظهرها‪ .‬لم يتحرك كريستوفر واستمر في النوم‪ ،‬ويتنفس بسهولة‪ ،‬وكأن‬
‫‪.‬كوابيسه لم تلحق به بعد في تلك الليلة‬
‫عرفت آنا أن الوقت قد فات للغاية‪ .‬لقد حان وقت النوم‪ ،‬وإال فإنها ستكون حطاًما في الرحلة مع أنتوني في اليوم التالي‪ .‬لكنها حلمت‬
‫بشيء ما‪ ،‬شيًئ ا كان منطقًيا لكل المعلومات التي كانت لديها‪ .‬وكان ذلك غريًبا‪ ،‬ألن لقائها بدانيال في وقت سابق من بعد ظهر ذلك‬
‫‪.‬اليوم لم يوضح أي شيء على اإلطالق‬
‫ال أعرف مارثا‪ "،‬قال لها عندما سألته إذا كان قد صادف هذا االسم من قبل‪" .‬بالتأكيد ليس من بين أقارب زوجك في لندن‪ ،‬ولكن "‬
‫ليس له أي صلة به‪ .‬وال حتى مع فرانك دافنبورت على ما يبدو‪ ،‬على الرغم من الترحيب به في منزله عندما كان طفًال‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫إذا كنت قلًق ا‪ ،‬يجب أن أعترف أنني لم أجد شيًئ ا غير عادي في حياته‪ . . .‬بصرف النظر عن الحظ الغبي المطلق الذي يتمتع به في‬
‫شؤون األعمال والقمار‪ .‬وعلى أية حال‪ ،‬لم يشتكي أحد من أي وقت مضى‪ .‬ولم يكن لدى أحد أي شيء سيئ ليقوله عنه‪ ،‬أو جيد في‬
‫هذا الشأن‪ ».‬كان هناك تردد في عيني دانيال‪ .‬ثم قرر أن يشرح‪" .‬أو أي شيء على اإلطالق‪ ،‬ألكون صادًق ا‪ .‬دعنا نقول فقط أن ذكر‬
‫‪”.‬اسمه أدى إلى إغالق أكثر من باب في وجهي‬
‫لم تكن هذه المعلومات مطمئنة للغاية‪ ،‬واألكثر من ذلك أنها لم تكن مفيدة جًد ا‪ .‬لقد كان عديم الفائدة اللعنة! لقد خاطرت بإثارة غضب‬
‫زوجها من أجل ال شيء‪ .‬إذا كان قد علم باللقاء فقد طلبته مع دانيال‪ . . .‬لحسن الحظ‪ ،‬كريستوفر ال يعرف ذلك‪ .‬يا إلهي‪ ،‬كان‬
‫!سيصنع مشهًد ا حول ذلك‬
‫‪.‬لكن هذا الحلم‪ ،‬لقد انزلق منها قبل لحظة من أن تتمكن من اإلمساك به‪ .‬ماذا حلمت؟ لقد كررت بال معنى التفاصيل التي عرفتها‬
‫"هل تعتقد حًق ا أن ماضيك يمنحك الحق؟ ‪ . .‬؟"‬
‫‪. . ".‬لم يفعل شيًئ ا كهذا من قبل‪ ،‬ولن يفعل ذلك مرة أخرى أبًد ا"‬
‫‪.‬ثم كان هناك الهرم وديون القمار‪ . . .‬و مارثا و ل‬
‫‪.‬وبعينين مفتوحتين على مصراعيهما‪ ،‬حدقت في الظالم لفترة طويلة‪ ،‬قبل أن يدفعها التعب إلى النوم‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪36‬‬
‫‪.‬قد يكون الموت كفارة عن أخطائنا‪ ،‬لكنه لن يصححها أبًد ا‬
‫نابليون بونابرت‪-‬‬
‫يا إلهي‪ ،‬الجو بارد جًد ا في الخارج‪ .‬استيقظ كريستوفر وهو يرتجف في الظالم ووضع يده على عينيه ليغطي صور الحلم التي ما‬
‫زالت تومض في ذهنه‪ .‬شارع مونماوث‪ ،‬المتسولون الذين كانوا يشعلون النيران التي ربما تم إخمادها بعد ثالث دقائق‪ ،‬الشارع‬
‫‪. . .‬الرطب‪ ،‬البرد‪ ،‬والهواء الذي الذع عندما يستنشق‪ ،‬مثل شظايا الزجاج‬
‫استلقى على ظهره ببطء‪ ،‬محاواًل أال يزعج نوم زوجته الهادئ‪ .‬لقد أراد أن يعود إلى النوم‪ ،‬لكن صور "محكمة المعجزات" غير‬
‫‪.‬الحقيقية تلك لم تختفي‪ .‬ماذا قال جورج عندما رأى متى؟ تساءل بابتسامة‪" .‬مجرد إلقاء نظرة على هذا الرب الصغير‪ ".‬هذا ما قاله‬
‫توقف عن محاربة ذكرياته‪ ،‬وتركها تجتاحه‪ .‬وجد نفسه مرة أخرى تحت هذا الرواق في ‪ 2‬مارس ‪ ،1814‬مغطى بكومة من‬
‫الصحف القديمة وفي مكان ما بين االستيقاظ والنوم‪ .‬ورأى نفسه مرة أخرى ينهض من سريره‪ ،‬عندما دعاه جورج‪ ،‬وعاش من جديد‬
‫دهشة رؤية ابن عمه في ذلك الشارع‪ ،‬وهو آخر مكان كان يتوقع رؤيته فيه‪ .‬كان هناك ثالثة متسولين يحيطون بماثيو‪ ،‬ونهض‬
‫‪.‬كريستوفر ‪ -‬في ذاكرته التي اختلطت اآلن بحلم ‪ -‬وركض نحوهم‬

‫لندن‪ 2 ،‬مارس ‪1814‬‬


‫"!اتركه وشأنه يا جورج"‬
‫مع إضاءة وجهه بابتسامة‪ ،‬استدار ماثيو نحوه‬
‫كريستوفر‪ .‬اختفت نظرة الخوف من وجهه وحل محلها تعبير قوي عن السعادة لدرجة أن كريستوفر كان يخشى أن يراه ينفجر‪ .‬ابن‬
‫!عم غبي‬
‫‪.‬هل هو صديقك؟" سأل جورج بخيبة أمل‪ .‬لقد أراد أن يضرب هذا الصبي الصغير"‬
‫أومأ كريستوفر برأسه وسحب ماثيو جانًبا إلى الحائط على بعد خمسة عشر أو عشرين قدًما‪" .‬ماذا تفعل هنا بحق الجحيم؟" قال‬
‫"‪.‬بلطف‪" .‬هذا ليس مكانا لك‬
‫‪".‬هز ابن عمه كتفيه‪ .‬كان كل ما قاله ردًا على ذلك هو "عد إلى المنزل يا كريس‬
‫لقد أتيت إلى هنا بمفردك سيرا على األقدام؟ هل تعرف ما الذي يمكن أن يحدث لك في الشوارع في هذا الوقت من الليل وأنت "‬
‫"‪.‬ترتدي مثل هذا؟ أنت حًقا خارج عقلك‬
‫"‪.‬إنها الساعة التاسعة مساًء فقط‪ ".‬كان الهدوء الذي أجاب به متى مزعًج ا للغاية‪" .‬ال يزال ضوء النهار عملًيا"‬
‫‪.‬كان الجو أغمق من الظالم في الخارج‪ ،‬وأطلقوا نفثات خفيفة من البخار‪ ،‬والتي توهجت تحت ضوء المصباح‬
‫صحيح‪ ،‬عمليا في وضح النهار! مقدس ‪ ." . .‬قال كريستوفر قبل أن يتوقف ليرتعش‪ .‬كان يرتدي معطًفا رًث ا وخرًق ا‪ ،‬كان قد "‬
‫"استبدلها بمالبسه الجديدة في وقت سابق من بعد ظهر ذلك اليوم ليجمع بعض المال‪" .‬من أخبرك بحق الجحيم أين كنت؟ بوب؟‬
‫‪.‬لم يقل ماثيو شيًئ ا وهو ينظر بعيًد ا‬
‫"‪.‬إنه خائن لعين إذن"‬
‫ماذا تقول يا كريس؟" نظر إليه ماثيو مع"‬
‫"‪.‬التعاطف محفوظة لصديق مريض‪" .‬إنه يهتم بك كثيًر ا‪ ،‬ولهذا أخبرني‬
‫"‪.‬اذهب بعيًد ا يا مات‪ "،‬صرخ‪" .‬سأمشي معك لبعض الوقت حتى نصل إلى منطقة أكثر أماًن ا"‬
‫بدا الصبي النحيل الذي أمامه وكأنه ال يزال طفاًل ‪ -‬في الخامسة عشرة من عمره تقريًبا‪ ،‬بدا في الثانية عشرة ‪ -‬وبدا أكثر طفولية‬
‫‪".‬عندما أجاب‪" :‬فقط إذا عدت معي إلى المنزل‬
‫"‪...‬مات‪ ،‬لقد أخبرتك في المذكرة"‬
‫أوه‪ ،‬المذكرة! بالطبع!" أخرجها من جيبه بحماس شديد‪" .‬آسف‪ ،‬أعذروني للحظة‪ ،‬ألنه ينبغي أن يكون صوت الباريتون‪ ،‬كما "‬
‫"‪.‬أفترض‪ ،‬لقراءة مثل هذا العمل الفني‬
‫‪.‬كان كريستوفر بارًد ا ومتعًبا ويفكر جدًيا في قتل ابن عمه الذي أنقذ حياته قبل ثماني سنوات‬
‫متجاهًال الخطر‪ ،‬تابع ماثيو‪" :‬آمل أن يكون لديك عدد قليل من المناديل‪ ،‬ألنه كان علي استخدام ثالثة‪ ،‬كانت كلماتك مؤثرة للغاية‪".‬‬
‫سعل عدة مرات وبدأ في قراءة الكلمات المكتوبة على قطعة من الورق‪" :‬مرحًبا مات‪ .‬لقد هربت‪ .‬ال تبدو بالنسبة لي‪ .‬وجودك في‬
‫الجوار كان أمًر ا مقبواًل يوًما واحًد ا من أصل ثالثة‪ .‬الوداع‪" .‬كريس‪ ".‬توقف مؤقًت ا‪ ،‬وأخفض اليد التي كانت تحمل الرسالة‪ ،‬وتغيرت‬
‫"‪.‬النظرة على وجهه‪ .‬أصبح جديا‪" .‬ماذا يمكنني أن أقول يا كريستوفر؟ كنت أتمنى أن تكون قد بذلت المزيد من الجهد عند توديعي‬
‫نظر بعيدا ‪ ،‬بالحرج‪" .‬لم أكن أريد أن أؤذيك يا مات‪ .‬كل ما في األمر أنني اضطررت إلى المغادرة على عجل‪ ،‬ألنه‪ . . .‬أنت ال‬
‫‪. . ".‬تعرف‬
‫"‪.‬أنا أعرف"‬
‫"كيف؟"‬
‫"‪.‬أعلم أن والدي كانا يعرفان والدتك"‬
‫تصاعد الغضب من خالله بشدة‪" .‬أبوك؟" قال ببطء‪" .‬لك‬
‫‪.‬أرسلك األب؟ وربما هو في انتظارك قاب قوسين أو أدنى‬
‫ال‪ .‬أراد أن يأتي معي‪ . . .‬انتظر‪ ،‬دعني أكمل‪ .‬عندما ركضت"‬
‫"‪ -‬له أن يخبره أنك هربت ‪ "" -‬لقد كتبت‬
‫إذا كنت ال تريد مني أن أبحث عنك‪ ،‬كان عليك أن تشرح لي أسبابك بشكل أفضل‪ ،‬كريستوفر‪ .‬اسمحوا لي أن أستمر‪ .‬عندما أخبرته"‬
‫"‪...‬أنك هربت‪ ،‬كان منزعًج ا‬
‫"!منزعج يا مؤخرتي"‬
‫انتظر‪ ،‬اللعنة! لقد كان مستاًء لكنه لم يصدم‪ .‬قال لي قصة والدتك و‪ . . .‬وفهمت سبب رحيلك‪ .‬اعتقدت أنك ال تريد رؤيته مرة "‬
‫‪.‬أخرى‪ ،‬ولذلك تظاهرت بانتظاره‪ .‬وبينما كان يحصل على معطفه وقبعته‪ ،‬هربت من دونه‬
‫"إذن فهو ال يعرف أين أنت؟"‬
‫‪.‬ال‪ .‬لم أكن ألخبره أبًد ا أين يجدك‪ .‬جئت سرا‪ .‬لقد كنت أبحث في جميع أنحاء المدينة لمدة ساعتين"‬
‫"‪.‬اوه ايها المسكين‪ ".‬نظر إلى المعطف الدافئ الذي كان يرتديه ماثيو‪" .‬فإنه يكسر قلبي"‬

‫‪.‬هل تريد التنافس على من هو األسوأ حاًال يا كريس؟ حسًن ا‪ ".‬خلع معطفه في غضب غاضب"‬
‫"مات‪ ،‬ما الـ‪-‬؟"‬
‫‪.‬مرحًبا يا سيدي!" صرخ ماثيو وهو يمد معطفه لجورج‪" .‬خذها‪ .‬أنا ال أحتاج إليها"‬
‫"مذهوًال‪ ،‬أمسك كريستوفر بذراعه‪" .‬ماثيو‪ ،‬هل أنت مجنون أو شيء من هذا؟ ماذا بحق الجحيم تفعلون؟‬
‫قال ابن عمه بصراحة‪" :‬سأترك نفسي أموت إلقناعك بالعودة إلى المنزل"‪ .‬ربما يجب أن أتوقف عن مناداته بـ "ابن العم"‪ ،‬فكر‬
‫‪.‬كريستوفر‪ ،‬ألنه لن يطلق على فرانك دافينبورت لقب "عمه" أبًد ا مرة أخرى‬
‫‪.‬بدأ ماثيو يهتز‪ .‬كان البرد مروًع ا‪ ،‬ولكن من المؤكد أن ماثيو كان يتظاهر ببعض الشيء‪ ،‬ألنه لم يخلع معطفه إال قبل ثالث ثواٍن فقط‬
‫‪.‬ابتعد يا جورج"‪ ،‬أمر كريستوفر الصبي األكبر الذي اقترب"‬
‫"‪-‬لكن"‬
‫ابق بعيدا‪ ".‬لم يكن كريستوفر يبلغ من العمر ثالثة عشر عاًما ونصف حتى‪ ،‬لكنه كان يبلغ طوله ستة أقدام تقريًبا‪ ،‬وكانت بنيته جيدة"‬
‫‪.‬إلى حد ما بالنسبة للمراهق‪ .‬وكان أيًض ا صديًق ا لألخوين باريت‪ .‬تركها جورج وذهب بعيًد ا وهو يتمتم‬
‫‪.‬قال ماثيو‪" :‬إذا لم يكن يريدها‪ ،‬فسأرميها بعيًد ا"‪ .‬لقد ألقى بها على األرض على بعد بضعة أقدام منهم‪ ،‬في الشارع الرطب‬
‫"‪.‬ال تكن سخيًف ا‪ .‬سوف تصاب بااللتهاب الرئوي‪ ".‬فذهب ليأخذه ثم عاد إلى ابن عمه‪" .‬هيا‪ ،‬ارتديه"‬
‫"‪.‬ال‪ .‬ليس حتى تعود إلى المنزل"‬
‫ماثيو‪ ،‬ال أستطيع! إذا أخبرك والدك فكيف ال تفهم؟ أنا ال ‪ ." . .‬كان صوته يرتجف‪ ،‬وهذا ما فاجأه‪ .‬ولم يتعذب من هذا على "‬
‫اإلطالق؛ في الواقع‪ ،‬كان سعيًد ا ألنه اكتشف أخيًر ا اسم الكلب الذي تخلى عن والدته‪ .‬لقد كان يرغب في معرفة ذلك منذ سنوات‪،‬‬
‫ومن المؤكد أن هذا الوخز في صوته كان بسبب البرد‪ .‬وأوضح بصوت خالي من المشاعر‪" :‬لقد خدعني والدك طوال الوقت"‪" .‬إنه‬
‫‪.‬خطأه أيًض ا أن والدتي ماتت‪ .‬ارتدي معطفك مرة أخرى – هيا‬
‫"‪.‬ال"‬
‫لكن لم يهتم؟ هل يمكن أن يكون أنانًيا لدرجة أنه ال يستطيع أن يضع نفسه في مكان كريستوفر ولو لمرة واحدة؟ "إذا لم ترتدي‬
‫المعطف اآلن‪ ،‬سأفعل‬
‫‪ . . ".‬اهرب‪ ،‬ولن تراني مرة أخرى أبًد ا يا مات‪ »،‬حذره‪" .‬أنا أعول إلى ثالثة‪ .‬واحد‬
‫نظر إليه ماثيو وهو يرتجف‪ ،‬لكنه لم يتحرك‪ .‬ومما زاد من التأثير المثير للشفقة‪ ،‬أن شفتيه بدأت تتحول إلى اللون األرجواني‬
‫‪.‬الخطير‬
‫‪ . . ".‬اثنين"‬
‫‪.‬وال حركة إال من بخار فمه وصرير أسنانه‬
‫‪.‬لن تتمكن من اإلمساك بي أبًد ا يا مات‪ .‬ولكن إذا ارتديته‪ ،‬سأبقى هنا للتحدث معك"‬
‫"هل تعرف حتى كيفية العد إلى ثالثة‪ ،‬كريس؟ كم من الوقت سوف يستغرق لك؟"‬
‫»!اذهب إلى الجحيم إذن!" ألقى المعطف على األرض أمام المتسولين المذهولين‪" .‬ال يهمني إذا مت‪ .‬سأغادر اآلن يا مات"‬
‫"‪.‬افعل ما تريد"‬
‫تحول كريستوفر وبدأ في الجري‪ .‬ولم تكن هناك خطى خلفه‪ .‬لم يتوقف‪ .‬ليس على الفور‪ .‬ركض مسافة مائة وخمسين قدًما قبل أن‬
‫‪.‬يستسلم وينظر إلى الوراء‪ .‬وكان ابن عمه ال يزال هناك حيث تركه‪ ،‬وهو يتجمد بهدوء‬
‫القرف‪ .‬ومع ذلك كان عليه أن يتوقع ذلك‪ .‬كان ماثيو يعاني من االبتزاز العاطفي في دمه‪ :‬ألم يكن هو الشخص الذي رفض تناول‬
‫الطعام لمدة ثالثة أيام في عام ‪ 1806‬إلجبار والديه على السماح ليتيم في منزلهم ‪ -‬وهو ابن غير شرعي لعاهرة؟‬
‫‪.‬أنت خنزير‪ ،‬ماثيو!" صرخ وهو يستدير ويعود للخلف‪" .‬أعد معطفك!" زأر وأمسك بالقميص"‬
‫"‪.‬ال"‬
‫ورفع قبضة يده اليمنى‪" .‬أعد معطفك مرة أخرى‪ ،‬وإال سأكسر أسنانك كلها!" توقف في الجو بقبضته المغلقة‪ ،‬لكن ابن عمه لم يرمش‬
‫له حتى‪ .‬كانت عيناه الكبيرة قادرة على إطفاء أي غضب‪" .‬أوه‪ ،‬الجحيم الدموي!" صرخ بإحباط وتركه‪" .‬حسنا إذا‪ .‬إذا كان األمر‬
‫»!هكذا‪ ،‬فسأخلع حذائي أيًض ا‬
‫وبحركة متشنجة خلع معطفه وألقى به على األرض بالقرب من اآلخر‪ .‬مالبسه التي كانت أخف من مالبس ابن عمه‪ ،‬وسرعان ما‬
‫‪.‬أصيب جسده بالقشعريرة‬
‫أنت تخسر الكثير من الوقت‪ ".‬أظهر تصريح ماثيو بالضبط مدى الضرر الذي ألحقته به هذه البادرة‪ ،‬أي ليس على اإلطالق‪" .‬أشعر"‬
‫أن فرصي في العيش تتضاءل بسرعة‪ .‬لماذا ال تعود معي إلى المنزل وتتوقف عن التصرف كاألحمق؟‬

‫‪.‬كيف ال يفهم؟ ربما خفف فرانك من نسخة القصة التي رواها لماثيو‪" .‬مات‪ ،‬استمع‪ .‬كان يعرف دائًما من هي والدتي‬
‫أومأ ماثيو‪" .‬نعم‪ ،‬لم يكن لديه أي شك في الداخل‪ ،‬حتى لو أخبرني أنه لم يكن متأكًد ا إال قبل عام لسبب لم يشرحه لي‪ ".‬استنشق‬
‫الهواء البارد وزفر نفخة بيضاء دافئة‪" .‬وكيف اكتشفت ذلك يا كريس؟ لم أعتقد أبًد ا أن والدتي ربما كان لديها أصدقاء‪ .‬أقصد‬
‫"‪.‬األصدقاء الحقيقيين‬
‫اصدق ذلك‪ .‬لم يذكر أحد مارثا أسكي على اإلطالق‪ ،‬وحتى‪ ." . .‬وبدون وجود شاهد قبر‪ ،‬لم يبق حتى اسمها‪" .‬لقد حاولوا بكل "‬
‫الطرق الممكنة التخلص من ذاكرتها‪ ،‬لكنها لم تمحى‪ ،‬ليس بالكامل"‪ .‬على الرغم من البرد‪ ،‬كان هناك فخر في صوته‪" .‬لقد وجدت‬
‫اسمها بالصدفة‪ ،‬وواجهت والدك بعد ظهر هذا اليوم‪ ".‬ابتلع‪ ،‬متذكًر ا كيف سقط قلبه عندما قرأ الحقيقة في عيني فرانك‪ .‬لقد كان األمر‬
‫مضحًك ا حًق ا؛ كان يجب أن تكون هناك‪ .‬تحول إلى اللون األبيض كالورقة‪ ،‬وتلعثم بأنها صدفة وأنه ال يعلم‪ . . .‬لم أكن أعرف أي‪. .‬‬
‫"‪ .".‬عض شفته بقوة‪ .‬مارثا أسكي – أنكرت حتى بعد أن رحلت وماتت منذ فترة طويلة‪" .‬ثم توقف عن الكذب‪ ،‬واآلن أعرف‬
‫"‪...‬أخبرني أنه ال يريدك أن تعرف‪ ،‬ألن فكرة االنتقام كانت ستدمر حياتك‪ .‬ال تنظر إلي بهذه الطريقة‪ .‬أنا فقط أخبرك بما قاله لي"‬
‫لم يخبرني‪ ،‬ألنه كان يشعر بالخجل‪ ،‬وهذا هو السبب الوحيد!" الغضب – الغضب كان كل ما يشعر به‪" .‬أنت ال تعرف الحقيقة "‬
‫"‪-‬كاملة يا مات‪ .‬هو وأمك‬
‫"‪.‬لقد رفضوا تربيتك كابن لهم‪ ،‬أعلم ذلك"‬
‫ابتلع كريستوفر ريقه‪ ،‬وكان يؤلمه‪ .‬ربما كان يصاب بالبرد‪" .‬كان من الممكن أن تبدأ والدتي حياتها من جديد‪ . . .‬لم يكن أحد‬
‫ليعرف‪ ،‬وال حتى والديها‪ .‬كل ما كان عليها فعله هو عدم رؤيتها في األشهر القليلة األخيرة من الحمل‪ .‬ولكن عندما سألت والديك‬
‫قالوا ‪ . . .‬قالوا ‪ ." . .‬توقف عن الحديث ليحارب االنفعال الذي كان يمنعه من التحدث بوضوح‪ .‬وعندما تأكد أن صوته لن يتشقق‪،‬‬
‫"‪.‬تحدث مرة أخرى‪" .‬أنا أتحدث هراء‪ ،‬مات‪ .‬ال تهتم‪ .‬لم يكن من المفترض أن أولد‪ ،‬وهذه هي الحقيقة‬
‫هز ابن عمه رأسه‪ ،‬واآلن كان الذنب على وجهه‪" .‬لن يأخذوك بسببي يا كريس‪ ".‬ارتعش فمه في كشر غريب‪ .‬كان كريستوفر يأمل‬
‫أن يكون ذلك بسبب البرد وليس بسببه‬

‫كان على وشك البدء في البكاء‪" .‬كطفل حديث الوالدة كنت على وشك الموت‪ ،‬كما تعلمون‪ .‬تقول والدتي ذلك طوال الوقت‪ ،‬لقد كانت‬
‫معجزة أنني نجوت في السنة األولى‪ .‬أخبرني والدي أنها كانت بجانب نفسها‪ .‬لقد ماتت تقريًبا من اليأس‪ .‬وعندما قالت ال لوالدتك‪ ،‬لم‬
‫‪.‬يكن لدى والدي الشجاعة لالعتراض‬
‫أمك ‪ . . .‬ماذا يمكن أن أتوقع من والدتك؟ لكن والدك‪ ." . .‬كان صوته يرتجف‪" .‬كان على والدك أن يعرف ما الذي سيحدث لفتاة "‬
‫‪”.‬في العشرين من عمرها بمفردها مع طفل صغير‪ .‬كان يعلم أن والديها سوف يرفضونها‪ .‬لقد أرسلها إلى موتها يا مات‬
‫"‪-‬لقد بحث عنها الحًق ا‪ .‬هذا ما أقسمه لي‪ ،‬لكنه لم يتمكن من العثور عليها‪ .‬لو أنها ظهرت"‬
‫"‪.‬أوه‪ ،‬إذن هذا خطأها‪ ،‬إذن‪ .‬هل هذا ما تحاول إخباري به؟" غير سعيد‪ ،‬نظر ماثيو إلى األسفل‪" .‬أنا آسف"‬
‫ولكن لم تكن هناك حاجة لذلك‪ .‬الغضب داخل كريستوفر ضده‬
‫لقد ذهب بالفعل‪ .‬تمتم قائًال‪" :‬ال يهم"‪ .‬كان متى ضعيًف ا‪ ،‬وكان البرد يؤذيه حتى عندما كان يرتدي مالبس دافئة‪ .‬تبا‪ .‬فرك يديه‬
‫‪.‬ببعضهما وداس بقدميه على األرض‪" .‬ما رأيك أن نرتدي معاطفنا مرة أخرى؟" سأل‬
‫‪.‬أنت ترتدي لك‪ .‬أنا في انتظار عودتك إلى المنزل معي أوًال"‬
‫ال أستطبع‪" .‬ولكنني ال أستطيع بحق المسيح‪ ،‬أال تفهمين؟ كان يجب أن يخبرني! كان يجب أن يخبرني!" وضع يده على عينيه‪ ،‬ولم‬
‫يشعر حتى بالبرد‪ ،‬ألنه كان ساخًن ا جًد ا من الكراهية التي بداخله‪" .‬والدتك لم تكن تريدني في منزلها‪ ،‬وهذا جيد! والدك لم يصر‪ ،‬وال‬
‫بأس بذلك أيًض ا‪ ،‬اللعنة! ولكن كان يجب أن يخبرني! بحق الجحيم‪ ،‬كان يجب أن يخبرني! ولم يفعل ذلك قط‪ ،‬أال تفهمين؟ أبًد ا يا‬
‫!مات‪ ،‬أبًد ا‬
‫"‪ -‬كريس‪ ،‬أنا أعلم‪ ،‬ولكن"‬
‫ال‪ ،‬ال‪ ،‬كيف يمكنك أن تفهم؟ أنت؟" اآلن بدا يائًس ا‪ ،‬وقد كان كذلك بالفعل‪ .‬لقد كان يائًس ا‪" .‬لقد كان والدك يعرف دائًما من هي "‬
‫"‪-‬والدتي‪ ،‬وكان يعرف دائًم ا من هو والدي!" أخذ نفسا كبيرا‪ ،‬ثم آخر‪ ،‬ثم آخر‪" .‬و األن ‪ . . .‬اآلن أعرف أيًض ا‪ .‬أنا أعلم و‬
‫‪.‬أنت تريد االنتقام الخاص بك‪ ،‬أليس كذلك؟ تريد الذهاب إلى كوكستون وقتله"‬
‫أجاب‪" :‬يجب أن أنتقم"‪ ،‬وفجأة خيم عليه هدوء غريب‪" .‬أعلم أنك ال تستطيع أن تفهم‪ ،‬ألنها كانت كذلك بالنسبة لك‪ . . .‬لقد كانت‬
‫‪.‬مجرد عاهرة‪ ،‬أليس كذلك؟ ولكن بالنسبة لي ‪ . . .‬بالنسبة لي لم تكن كذلك‬

‫ووضع يده على وجهه وغطى عينيه بأصابعه‪" .‬لقد تخلت عن كل شيء من أجلي‪ .‬هل يمكنك أن تتخيل ما حدث؟ ال أعرف كيف‬
‫انتهى بها األمر في بيت الدعارة هذا‪ .‬ال أستطيع إال أن أتخيل أنه كان مثل الغرق قليًال في كل مرة‪ ،‬وكل ذلك ألنني كنت هناك معها‪،‬‬
‫‪.‬مثل حجر لعين مربوط حول رقبتها‬
‫خفض رأسه‪ ،‬وانتظر ماثيو في صمت حتى يبدأ في التحدث مرة أخرى‪ ،‬واضًع ا يديه المخدرتين تحت إبطه لتدفئتهما في هواء الليل‬
‫‪.‬البارد‬
‫قال كريستوفر بصوت متعب‪" :‬هناك الكثير من المذنبين لما حدث لها‪ ،‬ولكن واحًد ا فقط هو الذي يهم حًق ا‪ :‬ليوبولد ديميرسي"‪ .‬الرجل‬
‫"‪.‬الذي أغوى أمه‪ .‬الرجل الذي دمرها مثل ورقة محترقة‪ .‬الرجل الذي كان والد كريستوفر‪" .‬وسوف يدفع‪ .‬سأغادر غدا‬
‫"‪.‬ال‪ ،‬أنت لست كذلك"‬
‫كريستوفر لم يغضب حتى من هذا‪ .‬لم يفهم سبب معارضة ابن عمه لذلك‪ ،‬لكنه كان يعلم أنه يستطيع إقناعه عاجًال أم آجًال‪ :‬كان من‬
‫‪.‬الواضح أن ديميرسي يجب أن يموت‬
‫"‪.‬قال بهدوء‪" :‬كنت ستفعل الشيء نفسه في مكاني"‪" .‬إذا قتلني أحد‪ ،‬فسوف تنتقم لي‪ .‬أنا أعلم أنه‬
‫هذا صحيح‪ ".‬وكان اعتراف متى دون أي تأكيد أو شك‪" .‬لكنني بالتأكيد ال أستطيع أن أفعل ذلك بسكين جيب رخيصة الثمن ‪ -‬هل "‬
‫هذا حًق ا ما تفكر في استخدامه؟ قل لي شيًئ ا بصراحة‪ :‬إذا انتقمت ثم تم شنقك بسبب ذلك‪ ،‬فهل هذا سيجعلك سعيًد ا؟‬
‫"‪-‬ماثيو"‬
‫"هل تعتقد أن والدتك أرادت ذلك لك؟"‬
‫أمي ‪ ." . .‬خفض كريستوفر رأسه وابتسم‪ .‬هو"‬
‫‪.‬ال يمكن أن تستمر‬
‫أنت تريد أن تموت من أجل انتقامك‪ ،‬هل هذا ما تريده؟ سوف تفعل ذلك"‬
‫‪.‬ال تفلت من العقاب أبًد ا‪ ،‬أنا أعرف ذلك‪ .‬سوف يحصلون عليك‪ .‬إنه انتحار‪ .‬ليس لديك حتى خطة لقتل والدك‬
‫"‪-‬وقال‪" :‬لدي واحدة في الواقع"‪" .‬كنت أفكر في تعيين نفسي و‬
‫"هل ستقدم نفسك له وأنت ترتدي مثل هذا‪ ،‬مثل المتشرد؟"‬
‫"‪.‬ماذا يفعل هذا الشأن؟" أجاب وهو يهز كتفيه‪" .‬لن ينظر إلى مالبسي"‬
‫‪.‬وهذه هي فكرتك الكبرى عن االنتقام‪ ،‬إذن؟ خطة مصححة لن تنجح أبًد ا"‬

‫الى الجحيم معها!" انفجر غاضبا‪« .‬أنت تعرف ما أود حًق ا؛ هل تريد أن تضحك جيدا؟ أود أن أجعل والدي يعيش محنة والدتي من "‬
‫جديد‪ :‬ارميه في التراب‪ ،‬وأجعله يعاني المزيد والمزيد من العار‪ ،‬وأنزع منه كل ما يجعله فخوًر ا جًد ا! أرغب في شراء العقار الذي‬
‫يعيش فيه وإشعال النار فيه! أود أن آخذ كل ما يملكه وأتركه بدون فلس واحد باسمه‪ .‬أريد أن أدمره‪ .‬أريده أن يكون يائًس ا جًد ا لدرجة‬
‫أنه ليس لديه بديل سوى قتل نفسه! توقف مؤقًت ا وهو يرتجف من البرد والغضب‪" .‬لكنني أعلم أن هذا مستحيل‪ "،‬واصل بعد قليل‪،‬‬
‫‪".‬وهو يهدئ نفسه‪ ،‬وفقدت عيناه وهجها الشرير‪ .‬واختتم بصوت هامس الهث‪" :‬سأكون سعيًد ا بقتله‬
‫وقف ماثيو يفكر في األمر لبضع دقائق‪ ،‬وهو ينقر بقدميه على األرض‪ .‬قال أخيًر ا‪" :‬أنت على حق تماًما يا كريس"‪" .‬أراد ديميرسي‬
‫أن يصبح لورًد ا‪ ،‬أليس كذلك؟ ولهذا السبب تخلى عن والدتك بعد أن وعدها بالزواج منها‪ .‬لقد سنحت فرصة لزواج أفضل‪ ،‬ولم‬
‫"‪.‬يستطع أن يتركها تفلت من أيدينا‪ .‬أعطاه نظرة آسف‪" .‬وتريد إذاللها أكثر بجعل نفسك تبدو مقرًف ا وقذًر ا بالنسبة له‬
‫"هز كريستوفر كتفيه‪ ،‬ونظر إلى معاطفهم الميتة المتروكة على األرض‪ ،‬وقد أصبحت مبللة‪" .‬الجو بارد جًد ا يا مات‪ .‬لماذا‪-‬؟‬
‫"‪...‬يستمع‪ .‬قلت أوًال أنه من المستحيل أن تتركه مفلسًا ووجهه في الغبار‪ .‬لكن إذا وضعنا أنفسنا في هذه المهمة"‬
‫"‪ -‬قاطعه كريستوفر بغضب‪" :‬يا لها من غباء"‪" .‬إنه أمر سخيف حتى‬
‫ال‪ ،‬هذا ليس سخيفا‪ .‬علينا فقط أن نجد طريقة‪ ".‬خفض رأسه ووضع يده على جبهته‪" .‬ربما ‪ . . .‬ربما إذا استثمر أمواله بطريقة "‬
‫خاطئة‪ . . .‬إذا اشترى األسهم‪ ،‬ودفع أكثر بكثير من قيمتها‪ ،‬كما هو الحال في فقاعة بحر الجنوب‪ ." . .‬قام بجمع يديه مًع ا ونفخ فيهما‬
‫"لتدفئتهما‪" .‬أنت تفهم‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫"همم؟"‬
‫"‪.‬ال‪ ،‬أنت ال تفهم‪ ".‬أطلق تنهيدة‪" .‬كريس‪ ،‬الدراسة أكثر قليًال لن تؤذيك حًقا"‬
‫"هل ستتعب نفسك في شرح ذلك لي‪ ،‬أم تعتقد أنك ستستمر في النظر إلي بهذه االبتسامة حتى نصبح كالنا تماثيل جليدية؟"‬
‫حسنا حسنا‪ ".‬ابتسم ماثيو‪ ،‬ولسبب غير مفهوم أصبح الليل أقل ظلمة‪ .‬فقط كان لديه القدرة على القيام بمثل هذه األشياء‪" .‬كانت "‬
‫شركة بحر الجنوب شركة ال تقوم على شيء‪ ،‬على "فقاعة"‪ .‬على األسهم‬

‫‪.‬التبادل من السهل أن تفقد كل شيء في لحظة‪ .‬الجحيم‪ ،‬حتى نيوتن‪ ،‬بعقله الكبير‪ ،‬خسر الكثير خالل القرن الماضي‬
‫‪".‬قال كريستوفر في وجه ابن عمه الذي يعرف كل شيء‪" :‬ربما كان قد درس كثيًر ا‬
‫‪.‬ال تشتت انتباهي؛ الجو بارد بالخارج‪ "،‬تذمر ماثيو"‬
‫أعرف كل شيء‪ ،‬على االطالق‪ .‬ربما تكون اللكمة ‪ -‬ربما ليست قوية جًد ا ‪ -‬هي ما أحتاج إلى توجيهه له‪ ،‬كما قال كريستوفر‪ .‬هذا‬
‫من شأنه أن يدفئه‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫هذا ممكن يا كريس‪ ".‬خرج صوت ابن عمه المتحذلق تماًم ا من فمه في السحب البيضاء‪" .‬من الممكن أن تخدع والدك وتسبب له "‬
‫"‪.‬الخراب المالي‬
‫"تنهد كريستوفر‪" .‬هل ترغب في إنشاء واحدة من هذه ‪ . . .‬فقاعات في هذه الحالة؟‬
‫فكر ماثيو في األمر وعبس‪" .‬ال أعرف‪ .‬لديهم حدودهم اآلن‪ ،‬لكننا سنجد طريقة‪ .‬سوف أساعدك‪ .‬إذا لم يكن في البورصة‪ ،‬فال يزال‬
‫بإمكانك أن تعرض عليه نوًع ا من االستثمار المتهور‪ .‬كان يراقبه بعناية‪ ،‬كما لو كان يحاول تشريحه‪ .‬لقد كان األمر مزعًج ا بعض‬
‫‪.‬الشيء‪ ،‬ألكون صادًق ا‪ .‬فرك كريستوفر مؤخرة رقبته بيده‬
‫قال ماثيو‪" :‬من الواضح أنك ال تستطيع تقديم نفسك له فوًر ا بعد بدء عملك‪ .‬يجب أن تبدأ من األسفل مع قليل من الخداع ثم تهدف‬
‫تدريجًيا إلى األعلى‪ .‬لقد أمال رأسه إلى اليسار وبدا مرة أخرى مثل الجراح الذي كان يحاول أن يقرر أي جزء يجب تقطيعه أوًال‪.‬‬
‫"وال أحد يجبرنا على قصر أنفسنا على عمليات االحتيال المالي‪ .‬لديك العديد من المواهب يا كريس‪ ،‬وبعضها ليس كذلك – كيف‬
‫يمكنني التعبير عن ذلك؟ – صحيح‪ .‬ولكن ال يزال من المفيد‪ ،‬هذا أمر مؤكد‪ .‬أنت تهزمني دائًما في الورق‪ ،‬وليس الحظ فقط‪ ،‬أليس‬
‫كذلك؟‬
‫ابتسم كريستوفر‪ .‬حتى في البرد كان يشعر بالدفء بقدر معين من الرضا‪ .‬قال بوقاحة‪" :‬ليس لديك أي دليل على أنني أغش أثناء‬
‫"‪.‬اللعب"‪" .‬من المرجح أنك لست جيًد ا في ذلك‬
‫أو ربما لم أتمكن أبًد ا من اإلمساك بك متلبًس ا‪ ،‬مما يعني أنك بارع في ذلك‪ ".‬هز ماثيو رأسه من كتف إلى كتف لإلحماء‪ ،‬وهو "‬
‫يرتجف بشدة‪" .‬لديك أيًض ا العديد من األصدقاء‪ ".‬نظر إلى الشارع الكئيب والرجال الذين ناموا بعيًد ا عنهم‪" .‬كما قلت‪ ،‬هذا ليس مكانا‬
‫بالنسبة لي‪ .‬إذا حاولت الهروب من المنزل‪ ،‬فسينتهي بي األمر عائًما في النهر بعد يوم على األكثر‪ .‬ليس انت‪ .‬أنت تعرف أشخاًص ا‬
‫يجعلونني خائًف ا حتى من مسافة ميل واحد‪ ،‬أشخاص يمكن أن يكونوا مفيدين جًد ا في مواقف معينة‪ .‬هناك الكثير من القوانين أكثر أو‬
‫أقل‬

‫طرق لكسب المال يا كريس‪ ،‬وهناك الكثير من األشخاص الذين يستحقون أن يتعرضوا للغش‪ ،‬وهذا هو أفضل جزء من األمر‬
‫‪.‬برمته‬
‫خدش كريستوفر رأسه‪ ،‬مفتوًن ا على الرغم من نفسه‪ .‬أجاب بعدم اليقين‪" :‬حتى لو كان ذلك ممكًن ا‪ ،‬فسوف أضطر إلى االنتظار‬
‫‪”.‬لسنوات"‪ .‬ثم أخذ نفسا عميقا‪" .‬ال‪ .‬طعنة واحدة في صدره وسأنهي كل شيء غًد ا‬
‫هذا انتقام عظيم حًق ا يا كريس‪ .‬تهانينا‪ .‬حتى لو نجحت ‪ -‬وبدت خطتك غامضة بعض الشيء‪ ،‬في الواقع ‪ -‬فلن يستغرق األمر سوى "‬
‫‪.‬لحظة واحدة حتى يموت ديميرسي‪ .‬ال‪ ،‬أمثاله يجب أن يعانوا فقط بعد أن ُيرموا في التراب‪ ،‬كما قلت‬
‫"‪...‬إذا كانت خطتي غامضة‪ ،‬فماذا عن خطتك؟ إنه مليء بالمجهول‪ ،‬وهو عمليا"‬
‫قاطعه ماثيو‪" :‬يمكننا أن نفعل ذلك يا كريس"‪" .‬وإلى جانب ذلك‪ ،‬استمع‪ :‬إنه ليس مكتوًبا على الحجر‪ .‬يمكنك دائًما المحاولة‪ ،‬وإذا لم‬
‫ينجح األمر‪ ،‬يمكنك العودة إلى الفكرة األصلية‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫شعر كريستوفر بسقوط أصابع قدميه من البرد‪ ،‬وشعر بألم شديد في يديه‪ .‬لكنه ما زال يأخذ الوقت الكافي ليسأل‪" :‬وماذا لو بينما‬
‫"كنت أحاول أن أصبح ثرًيا وأجد طريقة لتدميره‪ ،‬نهض ديميرسي ومات؟‬
‫ال‪ ،‬لن يموت‪ .‬الناس مثله ال يفعلون ذلك أبًد ا‪ .‬لم يكن التفسير علمًيا‪ ،‬لكنه أقنع كريستوفر على الفور‪ .‬كانت بعض األشياء صحيحة‪" ،‬‬
‫وكان هذا هو الحال‪ .‬وتابع ماثيو‪“ :‬وإذا وصل األسوأ إلى األسوأ‪ ،‬فيمكننا أن نبقى على علم بحالته الصحية”‪ .‬توقف مؤقًت ا‪ ،‬وأدرك‬
‫"‪-‬كريستوفر أنه على وشك أن يقول شيًئ ا ال يحبه‪" .‬ابي‬
‫ال!" رفع أحد المتسولين الذين كانوا على مقربة من المكان‪ ،‬وكان قد نعس‪ ،‬رأسه ألعلى ونظر إليهم بغضب‪ ،‬ثم انحنى إلى سريره‪" .‬‬
‫‪" . . ".‬ال" كرر بصوت أخفض‪" .‬والدك ال‬
‫ال تكن غبيًا يا كريس‪ ".‬لقد كان غاضًبا اآلن ولم يعد يتملقه‪" .‬هل تعتقد أن هذه لعبة؟ إذا كان األمر كذلك‪ ،‬فمن األفضل أن تذهب "‬
‫‪”.‬إلى كوكستون غًد ا‪ .‬لكن إذا كنتم تريدون الجدية‪ ،‬فنحن بحاجة إليه‬
‫)‪.‬سوف يخونك مرة أخرى يا كريستوفر(‬
‫"‪.‬سوف يخونني يا ماثيو"‬
‫‪،‬هز ابن عمه رأسه‪" .‬ال‪ ،‬لن يستطيع أن يخونك‬
‫"ألنه لن يعرف شيئا‪ .‬سوف ينفق القليل من المال لمؤسستنا – ماذا يجب أن نسميها؟ إنه مدين لك بذلك‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫‪.‬الصمت‬

‫"‪ -‬ألق نظرة فاحصة على الواقع يا كريس‪ .‬للوصول إلى والدك‪ ،‬تحتاج إلى"‬
‫"‪.‬إنه ليس والدي"‬
‫"ماذا؟"‬
‫إنه ليس والدي‪ ".‬لقد كان إدراًك ا مفاجًئ ا‪ ،‬وبارًد ا مثل البرد"‬
‫شارع‪" .‬ال تدعوه بذلك‪ ،‬ألنه ليس كذلك‪ .‬إنه مجرد خنزير لعين‪ ".‬حدق فيه ماثيو‪ ،‬وظهر نفس اإلدراك في عينيه‪" .‬أنت على حق‪"،‬‬
‫وافق‪" .‬إنه مجرد خنزير‪ .‬ولكن للوصول إليه تحتاج‬
‫"‪.‬المال يا كريس واسم‬
‫بالطبع االسم‪ .‬كان كريستوفر صامًت ا‪ ،‬وهو يطبق قبضتيه في‬
‫الهواء البارد الجليدي‪ .‬أوه‪ ،‬لقد كان فرانك حازًما جًد ا عندما فرض عليه هذا االسم "دافنبورت"! ألم يكن واضحا اآلن لماذا؟ لقد‬
‫طلبت منه مارثا ذلك من قبل سنوات‪ ،‬ورًد ا على ذلك في ذلك الوقت قتلتها ال‪ .‬شعور متأخر بالذنب‪ ،‬كان هذا هو اسمه الدموي‪ .‬ولم‬
‫يستطع التخلص منه! لم يستطع‪ ،‬في سبيل هللا! ألن ليوبولد ديميرسي لن يربط أبًد ا بين كريستوفر دافنبورت ومارثا أسكي الغامضة‬
‫!والمنسية من ماضيه‪ ،‬ألن هذا االسم ‪ -‬ذلك االسم اللعين‪ ،‬ذلك االسم المكروه ‪ -‬كان جيًد ا لشيء ما‪ ،‬اللعنة‬
‫هيا كريس‪ ،‬لنعد إلى المنزل‪ .‬لن تتمكن أبًد ا من أن تصبح شخًصا مهًما إذا بقيت في هذا الشارع النتن دون أن تدرس — والكثير يا "‬
‫"‪.‬كريس‪ ،‬أحذرك اآلن — ودون مال‪ .‬حتى أنت تعرف ذلك‬
‫كان يعرف ذلك‪ ،‬لكنه لم يستطع العودة‪" .‬ال أريد رؤيته مرة أخرى يا مات‪ ".‬ألن هذه كانت القضية برمتها‪ ،‬أليس كذلك؟ رؤيته مرة‬
‫"‪.‬أخرى‪ .‬رؤية الرجل الذي خانه‪" .‬بالنسبة لي مات والدك اليوم‬
‫)‪.‬العم فرانك‪ ،‬كريستوفر‪ .‬الشخص الذي علمك كيفية السباحة(‬
‫نظر ماثيو إلى األسفل‪" .‬أفهم‪ ".‬كان صوته متشققا‪ ،‬مثل بلورات الجليد في الشارع‪" .‬لكنك لن تضطر إلى التحدث معه مرة أخرى‪،‬‬
‫كريس‪ ،‬وال مع والدتي‪ ".‬رفع رأسه ونظر إليه في عينيه‪" .‬أقسم‪ .‬سأتحدث نيابة عنك‪ .‬لكن يجب عليك العودة إلى المنزل‪ ".‬أعطى‬
‫"ابتسامة خجولة‪" .‬ربما لن تكونا عمتك وعمك بعد اآلن يا كريستوفر‪ ،‬لكنني سأبقى ابن عمك‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫هكذا بدا األمر‪ .‬لكن يا إلهي‪ ،‬يا لها من خطة سخيفة‪ .‬وكم كان الجو باردا! كريستوفر لم يجيب على الفور‪ .‬ربما لم تكن هناك أدنى‬
‫فرصة لجلب هذا الشيء الفقاعي الذي كان يتحدث عنه ماثيو إلى العمل‪ ،‬ولكن من المؤكد أن "ابن العم" المزعج كان سيترك نفسه‬
‫يموت إذا لم يعد معه إلى المنزل ‪ -‬أو على األقل كان سيفعل ذلك أمسك‬

‫نزلة برد أخرى‪ ،‬مع كل األعراض المحتملة هذه المرة‪ .‬بجانب ذلك ‪ . . .‬ماذا قال؟ "إنها ليست مكتوبة على الحجر‪ ." . .‬دعونا‬
‫‪.‬نحاول ذلك‪ ،‬ثم‬
‫حسًن ا‪ ،‬سأعود"‪ ،‬تمتم‪ ،‬وخف مزاج ماثيو كما لو أنه لم يعد يشعر بالبرد‪ ،‬وهو ما كان على األرجح هو الحال‪" .‬ولكن فقط حتى "‬
‫أصبح ثرًيا بما يكفي ألتمكن من االعتماد على نفسي مرة أخرى‪ ".‬التقط معطف متى من األرض؛ كان مبلًال‪ ،‬لكن لحسن الحظ بدا‬
‫جافًا من الداخل‪ .‬لقد سلمه إليه فجأة‪ ،‬وما زال ابن عمه يرفض إعادته مرة أخرى‪ .‬قال بوضوح‪" :‬سأذهب‪ ،‬ولكن بشرطين"‪" .‬األول‬
‫هو أنه ال يجوز لك انتقاد أساليبي‪ ،‬حتى عندما ال تعجبك‪ .‬ربما بالنسبة لك هذه الخطة السخيفة هي وسيلة إللهائي عن قتل ديميرسي‪،‬‬
‫‪.‬لكن انتهى بك األمر في فوضى ال يمكنك حتى أن تتخيلها‪ ،‬وإذا كنت تريد الخروج منها‪ ،‬فهذا هو الوقت المناسب‬
‫ابتسم ماثيو مرة أخرى‪" .‬أنت لست سيًئ ا كما تظن يا كريس‪ .‬لن تدوس على األبرياء‪ ،‬وأما اآلخرون‪ . . .‬يجب على شخص ما أن‬
‫" ينظف بعدك‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫انحنى كريستوفر اللتقاط معطفه‪ ،‬ولألسف الحظ أنه كان مبتاًل تماًما‪ .‬تنهد‪ ،‬وأدخل ذراعه في كم مبلل ومتجمد‪ .‬وتابع‪« :‬الشرط‬
‫الثاني يتعلق بوالدك‪ .‬لقد أخبرتك بأشياء عنه الليلة‪ ،‬أشياء لم ترغب في سماعها‪ .‬لن أفعل ذلك مرة أخرى من اآلن فصاعدا‪ .‬أعلم أنك‬
‫‪".‬تحبينه ‪ ." . .‬زم شفتيه‪ .‬وأضاف وهو ينظر إليه بنظرة ثقيلة‪" :‬لكنك لن تدافع عنه أمامي مرة أخرى‬
‫كان هناك توقف‪" .‬حسنا‪ "،‬أجاب ماثيو بتردد‪" .‬ولكن هناك شيء واحد أريد أن أقوله لك يا كريس‪ .‬والدي يحبك ‪ . . .‬ال‪ ،‬هذه المرة‬
‫فقط‪ ،‬من فضلك‪ ،‬أقسم أنني سأرتدي معطفي مرة أخرى‪ .‬والدي يحبك‪ ،‬ولم يسامح نفسه أبًد ا ألنه لم يحتضنك عندما ولدت‪.‬‬
‫أعتقد ‪ . . .‬أعتقد أنه توقف عن حب والدتي لهذا السبب بالذات‪ .‬أو ربما لم يحبها أبًد ا وهذا هو السبب‪ ." . .‬الجملة تأخرت‪.‬‬
‫"كريستوفر‪ ،‬لقد ظلمك‪ ،‬أعلم‪ .‬لكن في النهاية كان صادقًا‪ ،‬أليس كذلك؟ لم يكن بإمكانه أن يخبرك عن الفشل في تبنيك‪ ،‬وبدًال من‬
‫"‪...‬ذلك‬
‫‪.‬بدًال من ذلك ال شيء! لقد اعترف بذلك فقط عندما سألته عن سبب كره والدتي لك"‬
‫هز ماثيو رأسه‪" .‬ال‪ .‬كان بإمكانه أن يأتي بعذر‪ .‬لقد كانوا زمالء الدراسة في بريدجتاون‪ ،‬أليس كذلك؟ كان بإمكانه أن يقول إنهما‬
‫تشاجرا لسبب ما‪ ،‬وبدًال من ذلك اعترف لك بكل شيء‪ .‬قلت أنه كان غير صادق معك‪ ،‬وهذا صحيح‪ ،‬لكنه لم يكن كذلك‬

‫"‪.‬غير شريفة اليوم‪ .‬وأنت يا كريس" ‪ -‬نظر إلى عينيه محاوًال أن يفهم نفسه ‪" -‬لقد حطمت قلبه اليوم‬
‫"‪.‬نظر كريستوفر إليه بنظرة قاتمة‪" .‬هل انتهيت؟" "نعم‬
‫"‪.‬ثم ارتدي هذا المعطف الدموي"‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪37‬‬
‫!كل شيء أفضل من الكذب والخداع‬
‫كانوا في حديقة خضراء بالقرب من المهجع‪ ،‬وأطل عليهم دير وستمنستر بأهميته الهادئة‪ .‬إنها كبيرة‪ ،‬فكرت آنا‪ .‬كبير جدا‪ .‬صليت‬
‫‪.‬لنفسها‪ ،‬ال تلتهم أخي الصغير‪ ،‬ألن الدير كان مظلًما أيًض ا‪ .‬إنها فريدة من نوعها‪ ،‬ولن يكون هناك مثلها أبًد ا‬
‫كان أنتوني جاًد ا وبدون دموع في الفناء مستعًد ا لتوديعها ولكريستوفر‪ .‬بوجهه الصغير المهيب وعدم خوفه‪ ،‬بدا وكأنه أستاذ أكثر من‬
‫‪.‬كونه تلميًذ ا في اليوم األول من المدرسة‬
‫"‪.‬حسًن ا‪ ،‬أنتوني‪ ،‬ها نحن هنا"‪ ،‬أعلن زوجها بنبرة أشبه بالكالم‪" .‬أنا وأختك سنعود إلى المنزل لنخبر الجميع أنك بخير"‬
‫أومأ أنتوني‪ .‬كم نما في الشهر الماضي‪ ،‬هذا الرجل الصغير؟ شعرت آنا بأن خديها يتبلالن‪ ،‬وشعرت بالغباء ألن شقيقها وزوجها كانا‬
‫‪.‬ينظران إليها وكأن لديها ثالثة أذرع وسبع أرجل وأكثر من مائة عين‪ ،‬بالنظر إلى كمية الدموع التي استطاعت ذرفها‬
‫آنا‪ ،‬أنت تخدعني‪ "،‬وبخها أنتوني بهدوء‪ ،‬والحظ النظرات التي كان يوجهها إليهم األوالد اآلخرون في الفناء‪" .‬أنا ال أموت‪ ،‬كما "‬
‫"‪.‬تعلمون‬
‫"‪.‬أوه‪ ،‬أنتوني‪ ،‬ابتسم لي‪ ،‬أخي‪" .‬أعلم‪ ،‬أعرف"‪ ،‬أجابت وهي تسحب منديًال‪" .‬لكن اكتب لنا رسالة الليلة‬
‫"‪.‬أنا سوف"‬
‫ليو تولستوي‪-‬‬

‫هل لديك سحر الحظ السعيد عليك؟" كان هذا تقليًد ا عائلًيا‪ :‬باستخدام دبوس‪ ،‬كانوا يعلقون كيًس ا صغيًر ا داخل قميصهم الداخلي‪" ،‬‬
‫مملوًء ا بالزهور الصغيرة واألعشاب العطرية‪ .‬في اليوم السابق‪ ،‬كانت آنا قد وضعت حصى صغيرة من الطريق بجوار منزلهم في‬
‫‪.‬حقيبة أخيها‬
‫أخذ كريستوفر نفسًا مبالغًا فيه – ربما لقمع تعليق ساخر – وبدا أنتوني غير مرتاح‪ .‬همس قائًال‪" :‬صه‪ ،‬آنا‪ ،‬تحدثي بصوت أكثر‬
‫‪".‬ليونة‬
‫قالت متجاهلة إياه‪" :‬احتفظ بها معك دائًم ا"‪ .‬سوف يحميك يا أنتوني‪ ،‬وسوف يمنحك استقاللية الفكر‪" .‬وتذكر أن األمر يتطلب الخيال‪،‬‬
‫"‪.‬وليس العلم‪ ،‬لتحقيق االكتشاف‬
‫"‪.‬نعم‪ ،‬نعم‪ "،‬أجاب‪ ،‬وشخر‪" .‬ال تقلق"‬
‫يمكننا أن نذهب‪ ،‬أم هل ترغبين في قضاء الليلة هنا يا آنا؟" سألها زوجها بفارغ الصبر‪ .‬مد يده ألنطوني الذي أخذها‪" .‬وداعا يا "‬
‫"‪.‬أنتوني‬
‫"‪.‬مع السالمة‪ .‬وأضاف بجدية‪" :‬وكريستوفر‪ ،‬قريًبا سأتمكن من سداد كل ما أنفقته علّي "‬
‫‪.‬حسًن ا‪ ،‬يا رجلي الصغير‪ .‬لم تقل آنا ذلك له بصوت عاٍل ‪ ،‬لكن أنتوني سمعها على أي حال‪ ،‬وكانت متأكدة من ذلك‬
‫"‪.‬بدا كريستوفر متفاجًئ ا وهز رأسه‪" .‬هذا لن يكون ضروريا‬
‫أجاب‪" :‬سيكون ذلك ضرورًيا بالنسبة لي"‪ ،‬وكانت آنا فخورة جًد ا لدرجة أنها شعرت كما لو أنها ارتفعت عن األرض بوصة أو حتى‬
‫‪.‬اثنتين‬
‫"‪.‬قال زوجها دون انفعال‪" :‬افعلي ما يحلو لك"‪" .‬ال فرق بالنسبة لي‬
‫أوه‪ ،‬كريستوفر‪ ،‬كيف يمكنك؟ كيف يمكنك أن تكون باردا جدا؟ "أنتوني‪ "،‬تمتمت ألخيها‪" .‬ادرس كما تريد‪ ،‬لكن ال تصدق كل ما‬
‫"‪.‬يقولونه لك‬
‫كانت تلك هي المرة الثالثة فقط التي تقول فيها ذلك؛ ومع ذلك‪ ،‬لم يستطع زوجها التوقف عن إظهار هذا الوجه المزعج‪ .‬شخر وقال‪:‬‬
‫‪"".‬اآلن‪ ،‬إذا انتهيت من جعل أخيك يبدو سخيًف ا‪ ،‬فيجب علينا أن نذهب حًقا‬
‫‪.‬دقيقة فقط‪ ".‬انحنت على أنتوني الذي انسحب بعيًد ا"‬
‫"‪.‬أوه‪ ،‬آنا‪ ،‬اعفيني من فضلك"‬
‫هل يمكنها االستماع إليه؟ على ما يبدو ال‪ ،‬والقبلة التي أعطتها‬
‫‪.‬كان أكبر وأعلى صوًت ا من المعتاد‪ .‬لم تكن راضية عن ذلك‪ ،‬فعبثت بشعره‪ ،‬فقام بتنعيمه على الفور بيديه المسعورتين‬
‫"‪.‬تعالوا اآلن يا آنا‪ "،‬حثها كريستوفر فجأة‪" .‬دعنا نذهب"‬

‫‪.‬أمسكها من ذراعها فوق الكوع مباشرة واستدار وسحبها بشكل غريب إلى حد ما‬
‫"!اكتب يا أنتوني"‪ ،‬صرخت آنا وهي تدير رأسها‪ ،‬في محاولة لمواكبة خطوات زوجها الطويلة‪" .‬سنفتقدك"‬
‫وعندما غابوا عن األنظار‪ ،‬واصلوا السير بخطى سريعة نحو العربة التي سيعودون بها إلى المنزل‪ .‬بل سار كريستوفر بخفة؛ كانت‬
‫‪.‬تطير تقريًبا‪ ،‬بعد أن جرها‪ ،‬ولم تلمس قدميها األرض إال من حين آلخر‬
‫‪.‬قالت‪" :‬أنت لم تتمنى حتى حًظ ا سعيًد ا ألخي يا سيدي"‪ .‬وشعرت مرة أخرى بالرغبة في البكاء‬
‫"‪.‬أترك هذا الهراء لك‪ ،‬ألنك تتعامل معه بشكل جيد"‬
‫أوه‪ ،‬كريس‪ ،‬هذا الطفل يعشقك‪ .‬إنه يعشقك‪ ،‬وال يعلم أنك ستبيعه بنبض القلب‪ .‬شعرت بقلبها يتوتر‪ ،‬ولم تعد قادرة على المشي‪ .‬ما‬
‫مدى أهمية السعادة إذا كانت مبنية على كذبة؟ توقفت على حجر مرصوف بالحصى‪ ،‬وكاد زوجها الذي كان يمسك بذراعها أن‬
‫‪.‬يتعثر‬
‫"آنا‪ ،‬ما األمر؟" سأل بعصبية‪" .‬ألم تقل وداعا ألخيك بما فيه الكفاية؟"‬
‫‪.‬نظرت إليه بصمت‪ .‬آه كم كانت عيناه قاسيتين‪ ،‬وكم كان مظهره متعجرًف ا‪ ،‬وكم كان خداعه قاسًيا‪ .‬قاسية جدا‬
‫"‪.‬لن أعتذر لديميرسي هذا المساء"‬
‫لقد فتحت فمها حتى قبل أن تعرف الكلمات التي ستخرج‪ ،‬وكانت مصعوقة تقريًبا عند قولها‪ .‬لقد قالتها‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬وقلبها ينبض‬
‫‪.‬بجنون‪ ،‬شاهدت زوجها بنفس التوقع اليائس الذي يشعر به المرء أمام مزهرية تتأرجح على حافة الطاولة قبل أن تسقط‬
‫لم يكن سؤاًال‪ ،‬بل كان بياًن ا‪ .‬وقف كريستوفر بجانب زوجته‪ ،‬محاواًل فهم معنى هذا التمرد‪ ،‬الذي كان مثيًر ا للغضب وال معنى له‪،‬‬
‫مثل كل الثورات األخرى التي سبقته‪ .‬وفي ذلك اليوم بالذات‪ ،‬اللعنة‪ .‬في ذلك اليوم الدموي‪ ،‬الذي كان القلق ينهشه‪ ،‬مع احتمال اتخاذ‬
‫الخطوة الحاسمة في خطته ‪ -‬إلقناع والده باستثمار كل شيء في الهرم ‪ -‬في ذلك اليوم بالذات‪ ،‬تبا‪ ،‬الذي كان يحتاج فيه حًقا إلى البقاء‬
‫‪،‬هادًئ ا! وكل الحق‬

‫"‪.‬آنا‪ ،‬لنلعب مرة أخرى‪ ،‬فكر وهو يثني ويمد أصابعه‪" .‬بالطبع سوف تفعل‬
‫هزت رأسها‪" .‬ال‪" .‬لن أطيعك يا كريستوفر"‪ ،‬كررت ذلك مفكًر ا وهي تنظر إلى الفضاء‪ .‬وأوضحت وهي توجه عينيها نحوه‪:‬‬
‫"‪«.‬وليس هذا المساء فقط‪ ،‬لن يحدث مرة أخرى أبًد ا‪ .‬انتهى‬
‫ال يمكنك الهرب مني‪ ،‬آنا‪ .‬ال يمكنك‪ .‬فجأة كان لديه طعم سيئ في فمه‪ .‬سيئة وحامضة‪ ،‬ألنها لم تستطع الهروب منه‪ ،‬رغم أنها‬
‫أرادت ذلك‪ .‬قال بصراحة‪" :‬ال أريد أن أتجادل معك"‪" .‬سأتظاهر بأنني لم أسمع ذلك‪ .‬تعال‪ ".‬وسحبها من ذراعها‪ ،‬لكن زوجته لم‬
‫"‪.‬تتحرك‪" .‬آنا‪ ،‬توقفي عن ذلك‬
‫ويبدو أنها لم تسمعه أو حتى تراه‪ .‬كم من الوقت مضى منذ أن شعر بأنه غير مرئي في عيون زوجته؟ منذ وقت طويل‪ ،‬وكان يأمل‬
‫‪.‬أال يحدث ذلك مرة أخرى أبًد ا‪ ،‬وأن الشفافية اللعينة التي عانى منها خالل حياته قد انتهت أخيًر ا‬
‫هذا المساء لن آتي إلى حفلتك‪ ".‬كانت نبرة آنا غير مبالية‪ ،‬وهي نفس النبرة التي استخدمتها لتخبره عن طعام العشاء‪ .‬نبرة شخص "‬
‫‪.‬لم يكن خائًف ا‪ ،‬ولم يعد من الممكن السيطرة عليه‬
‫تنفس كريستوفر بعمق‪ .‬لقد تجاهل اللسعة المزعجة التي نمت فجأة في صدره وما زالت تنمو‪ .‬لقد تجاهل الحرق‪ .‬لقد تجاهل الخدوش‬
‫‪.‬والجروح والعدوى‬
‫ماذا تحاول ان تفعل بالضبط؟" سألها‪" .‬أنت فقط تريدين إزعاجي‪ ،‬أو ربما" ‪ -‬نظر إليها من جانب بسخرية ‪" -‬لقد خدعت نفسك "‬
‫"‪.‬باالعتقاد أنه يمكنك التمرد بالفعل‬
‫وبسحبها‪ ،‬حررت زوجته ذراعها‪ ،‬وواجهته على الممشى الصخري‪ .‬قالت له بصوت مضخم‪" :‬لم أعد دميتك يا سيدي"‪" .‬من االن‬
‫"‪.‬فصاعدا‬
‫بالطبع أنت كذلك‪ .‬اندلع فيه غضب أعمى مع طفرة حمضية عنيفة‪ .‬هل تعتقد جديًا أنني سأسمح لك بالهرب؟ أجاب ببرود وهو يتحكم‬
‫"‪.‬في نفسه‪" :‬كما تريد إذن"‪" .‬لكنني أقترح عليك أن تفكر ملًيا فيما ستواجهه‬
‫"‪.‬ال يهمني ما تفعله‪ .‬ليس بعد اآلن"‬
‫أنت تعلم أنني لن أتوقف حتى أفوز‪ ،‬فلماذا‪ . . " . . .‬؟" هو" )هل تسمع صوتها يا كريستوفر؟ هل تسمع كم هو بعيد؟(‬
‫بدأت‪ ،‬لكنه توقف عندما هزت رأسها‪ .‬لم تكن تستمع إليه‪ .‬لم تكن تريد االستماع إليه‪" .‬حسًن ا إذن‪ "،‬صرخ‪ .‬وكان الغضب فيه يتزايد‬
‫ويتزايد‪ ،‬ويشعر به ينتفخ في لحمه‪ ،‬ويقبض عضالته‪ ،‬ويسرع دمه‪ .‬و بعد ‪ . . .‬ومع ذلك بدا األمر مختلًفا‬

‫له هذه المرة‪ .‬ألنه لم يشعر باإلثارة وهو يتوقع المعركة التي كانت على وشك أن تبدأ‪ .‬ألن التعب قد زرع أوتاده فيه‪ .‬أدرك أنه لم‬
‫‪.‬يعد قادًر ا على القتال بعد اآلن‪ .‬معها‪ ،‬مع والده‪ ،‬مع أي شخص‬
‫‪.‬لم يعد يستطيع ذلك‬
‫وكما هو الحال دائما‪ ،‬فعل‪ .‬تصلب‪ ،‬أدار رأسه إلى الوراء‪ .‬وقال‪" :‬أول من يدفع سيكون أخوك‪ ،‬كما يمكنك أن تتخيل"‪" .‬سوف يعود‬
‫"‪.‬معنا إلى المنزل‪ .‬ثم سنرى‬
‫‪.‬ابتلعت زوجته بقوة ورمشت‪ .‬كانت الدموع موجودة بالفعل‪ ،‬لكنها لم تطلب منه التوقف‬
‫)إنها ال تطلب منك التوقف يا كريستوفر‪ .‬إنها تكرهك كثيًر ا‪ .‬لكنك تعلم ذلك‪ ،‬أليس كذلك؟ فيم تفكر؟ فيم تفكر يا كريستوفر؟(‬
‫"‪.‬يمكنك أن تأتي معي يا آنا‪ ،‬إذا كنت ترغب في ذلك ‪ -‬من الواضح أنني ال آمرك"‬
‫‪.‬سار بسرعة نحو حديقة المدرسة‬
‫‪.‬كان أنتوني ال يزال بالخارج‪ ،‬وكان يتحدث مع صبي أشقر صغير كان لديه سيل من النمش على أنفه‬
‫‪.‬أنتوني‪ "،‬نادى كريستوفر بصوت عاٍل من مسافة بعيدة"‬
‫مندهًش ا‪ ،‬أدار صهره رأسه‪ .‬وفي لمح البصر أضاءت عيناه البنيتان عندما رآه مرة أخرى بشكل غير متوقع‪ ،‬وحلت االبتسامة محل‬
‫النظرة الجادة التي كانت لديه حتى تلك اللحظة‪ .‬وأظهر وجهه سبب ذلك‪ :‬كان خائًفا‪ ،‬تماًما مثل أي صبي آخر في اليوم األول من‬
‫‪.‬المدرسة‬
‫‪.‬كريستوفر!" صرخ وهو يركض نحوه"‬
‫حسنا‪ ،‬آنا‪ ،‬ابتهجي‪ .‬شعر كريستوفر بشفتيه تتدليان بخيبة أمل ال يمكن ألحد أن يسميها ابتسامة‪ .‬انظر كيف تضحي بأخيك من أجل‬
‫‪.‬الكراهية التي تكنها لي‬
‫‪.‬وصل إليه أنتوني‪" .‬هل كل شيء بخير؟" سأل‬
‫‪.‬قال كريستوفر شاحًبا‪« :‬ليس بالضبط‪ ».‬ليس على اإلطالق‪ ،‬في الواقع‬
‫"هل نسينا شيئا؟"‬
‫نعم أنتوني‪ .‬نسيت أن أخبرك أنك لن تحضر هذا‬
‫المدرسة‪ ،‬ومن اآلن فصاعدا سأحاول تدمير مستقبلك‪ .‬كان الصبي الصغير الذي أمامه يراقبه بهدوء‪ ،‬غير مدرك للمشاكل التي كان‬
‫كريستوفر يواجهها في نطق كلماته‪ .‬أال تتساءل عن مدى سوء تصرف شخص مثلي لشاب صغير مثلك يا أنتوني؟‬
‫أنتوني‪ "،‬بدأ‪ .‬أنت بحاجة إلى هذا الدرس أيها الشاب‪ .‬يجب أال تثق بأي شخص أبًد ا‪ ،‬أبًد ا‪ .‬هل قال له هذا‪ ،‬وتساءل اآلن؟ لم يفعل"‬

‫يتذكر‪ .‬ربما ال‪ .‬كرر "أنتوني"‪ ،‬ونظر إلى األسفل واضًع ا يده على جبهته‪ .‬توقف للحظة ثم ابتسم ابتسامة مريرة‪ .‬قال‪" :‬أنتوني‪ ،‬لقد‬
‫نسيت أن أعطيك شيًئ ا"‪ .‬أدخل يده داخل سترته وأخرج كيًس ا صغيًر ا من القماش األسود يبلغ طوله حوالي ثالث في أربع بوصات‪،‬‬
‫‪.‬وناوله للصبي‬
‫ما األمر يا كريستوفر؟" فتح أنتوني الكيس الصغير وابتسم‪ .‬ألنه تعرف على مجموعة البطاقات المميزة التي علمه بها صهره "‬
‫‪.‬الغش‬
‫تمتم كريستوفر‪" :‬أعتقد أن هذا سيكون مفيًد ا"‪ .‬وأضاف بعد برهة وهو يتنحنح‪« :‬ولكن احتفظ بها سًر ا‪ ،‬وال تشارك أسرارنا إال مع‬
‫‪.‬األشخاص الجديرين بالثقة»‪ .‬وتذكرني إذا استطعت‬
‫‪".‬أجاب الصبي‪" :‬حسًن ا‬
‫‪.‬وداعا أنتوني‬
‫‪.‬صعدوا بهدوء إلى العربة‪ ،‬وتحركت الخيول بجهد؛ كان المدرب يصفع زمام األمور على ظهورهم‬
‫لم يتحدث أي منهما لفترة طويلة‪ .‬ثم ابتسم لها كريستوفر ابتسامة منفصلة‪ .‬اعترف قائًال‪" :‬لقد ضربتني يا آنا"‪" .‬لقد حاول الكثيرون‪،‬‬
‫"‪.‬ولكن كل ما يتطلبه األمر هو أنت في النهاية‬
‫آنا لم تقل شيئا‪ .‬كان كريستوفر مندهًش ا جًد ا عندما لم يكن لديه الشجاعة لخيبة أمل أنتوني‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬لم تكن كذلك؛ لقد‬
‫‪.‬أدركت ذلك بالفعل‪ ،‬وقبل فترة طويلة‬
‫‪.‬أتخيل أنك اآلن ستتركني‪ "،‬تابع كريستوفر‪ ،‬كما لو كان يالحظ شيًئ ا ال مفر منه ولكنه غير مهم لحسن الحظ"‬
‫)سوف تتركينه‪ ،‬أليس كذلك يا آنا؟(‬
‫ولم ترفع عينيها عن نافذة العربة‪ .‬وسرعان ما تم استبدال منظر الشوارع والمحالت التجارية بالريف‪ ،‬بألوان مألوفة ومفهومة‪ .‬مر‬
‫‪.‬الوقت دون أن تالحظ ذلك وهي محتضنة بحركة العربة‪ ،‬التي كانت مفاجئة أحياًن ا وهادئة أحياًن ا أخرى‪ ،‬في الرحلة إلى المنزل‬
‫"‪.‬أنت ال تحبني‪ ،‬أليس كذلك يا كريستوفر؟" سألته كأنها تستيقظ‪" .‬لقد أخبرتني بذلك مرات عديدة"‬
‫‪".‬أدار زوجها رأسه نحو النافذة‪ .‬كرر بعيًد ا‪" :‬أنا ال أحبك‬
‫فلماذا نحن هنا؟ تساءلت بحزن‪ .‬نظرت إلى زوجها‪ ،‬الذي كان ينظر اآلن‪ ،‬في انعكاس غريب ومثير للسخرية لألدوار‪ ،‬إلى المنظر‬
‫الخارجي‪ .‬لماذا نحن معا؟ ما الذي يربطنا بعيًد ا عن كوب عصير الليمون الغبي هذا؟ ماذا؟ ماذا؟ ماذا‪-‬؟‬
‫توقفت عن التنفس فجأة‪ .‬كان األمر كما لو أن البرق قد ضربها‪ ،‬فشعرت بالحرق والعمى‪ ،‬واستنارت في لمح البصر‪ .‬أصبح حلقها‬
‫جاًف ا‪ ،‬وعيناها مزججتان‪ .‬لقد فهمت‪ ،‬ال شيء يا كريستوفر‪ ،‬ال شيء يربطنا‪ ،‬وكل شيء اجتمع وأصبح واضًح ا في ذهنها‪ .‬ال شيء‬
‫يربطنا‪ ،‬لكن شيًئ ا ما يفرقنا ‪ -‬ومن الواضح جًد ا أن ذلك تسبب في أسوأ أزمة في زواجنا ودفعك لتطلب مني ‪ -‬أن تأمرني ‪ -‬بممارسة‬
‫الحب معك‪ .‬شعرت بقلبها يسقط بضربة صامتة عديمة الفائدة‪ ،‬مثل صوت قطع العشب‪ .‬غثيان في صدرها‪ ،‬في بطنها‪ ،‬في رأسها‪.‬‬
‫غثيان وألم في كل جزء من جسدها‪ .‬نظرت إلى زوجها كما لم تفعل من قبل‪ .‬كريستوفر‪ ،‬هل تريد أن تخبرني من هو الطفل المذكور‬
‫في تلك الرسالة؟‬
‫‪.‬نظرت بعيدا عنه ونظرت من النافذة‬
‫)‪.‬لكن عيناك ال ترى أي شيء‪ ،‬أليس كذلك يا آنا؟ إنها ال ترى سوى الظالم اآلن(‬
‫لقد سمحت لعقلها بالربط بين أجزاء القصة التي بدأت تصبح أكثر منطقية بينما كان قلبها ينبض بقفزات جامحة‪ ،‬وتردد في رأسها‬
‫‪.‬ذكريات الصراخ والبكاء‬
‫دعني أخبرك قصة يا كريستوفر‪ .‬أوه‪ ،‬أعلم أن الحكايات الخيالية التي أختلقها تبدو سخيفة بالنسبة لك‪ ،‬لكن هذه لن تكون كذلك‪ ،‬كما‬
‫ترى‪ .‬يتعلق األمر بمارثا‪ ،‬التي أغراها "ل"‪ ،‬وحملت بطفله‪ .‬لنفترض أنها لم ُت جهض وأن الطفل ‪ -‬الذي لديه عيون زرقاء‪ ،‬مثل‬
‫‪.‬عينيك ‪ -‬يعتقد الجميع أنه االبن الشرعي لمارك دافنبورت‬
‫)هل أصبح كل شيء واضًح ا اآلن يا آنا؟(‬
‫ماذا حدث يا كريستوفر؟ شيء فظيع‪ ،‬شيء أعطاك الحق في أن تدوس على األبرياء؟‬
‫‪.‬أخذت عدة أنفاس عميقة حتى تتمكن من إغراق الهواء المرير والحرارة الحارقة‬
‫‪.‬ال يجب أن أتقيأ‪ .‬انا غير ملزم‬
‫‪.‬أغمضت عينيها وابتلعت جرعات فارغة مرارا وتكرارا‬

‫لقد أتيت إلى هنا لالنتقام‪ ،‬أليس كذلك يا كريستوفر؟ هذا العقد ‪ -‬ذلك االحتيال ‪ -‬مخصص لوالدك‪" ،‬إل"‪ ،‬الرجل الذي اكتشف ماهية‬
‫‪.‬الحياة عندما رأى والدتك‬
‫ربما كانت مخطئة؛ ربما كان منطقها خاطئا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لماذا كان كل شيء متناسًبا مًع ا بشكل جيد ومثالي؟‬
‫من هو إل كريستوفر؟‬
‫لكنها عرفت بالفعل‪ .‬ألنه إذا كان هناك شيء ال يمكن تفسيره ‪ -‬ال يمكن تفسيره حتى اآلن‪ ،‬على األقل ‪ -‬فهو السبب وراء رغبة‬
‫‪ L.‬كريستوفر في الزواج منها‪ .‬ألنه ال يوجد شيء يربطهم مًع ا‪ ،‬باستثناء‬
‫ل" هو سبب دخولي إلى هذه القصة‪ ،‬أليس كذلك يا زوجي؟"‬
‫‪.‬كما في ليوبولد ‪L.‬‬
‫‪.‬ودانيال هو أخوك‬
‫أصبح تنفسها ضحًال‪ .‬لقد دفعت ثقلها إلى األسفل‬
‫‪.‬إلى روحها‪ ،‬لكنه سيعود ال محالة‬
‫متى علمت بخطوبتي مع دانيال‪ ،‬كريستوفر؟ لقد افترضت أنك علمت باألمر بعد ذلك اليوم من شهر يوليو‪ ،‬ولم أربط األمر على‬
‫اإلطالق باالغتصاب‪ .‬ولكن هل اكتشفت ذلك على الفور؟ وضعت يدها على عينيها المفتوحتين على مصراعيها‪ ،‬ونظرت إلى العالم‬
‫من خالل أصابعها‪ .‬ولكن هل كان هناك حقا عالم للنظر إليه؟ لقد قلت شيًئ ا بعد أن اغتصبتني‪ ،‬هل تتذكر؟ لقد تحدثت عن خطيبي‬
‫الوهمي هناك على العشب وأنا بالكاد أستطيع الوقوف‪ ،‬وأنا – يا إلهي‪ ،‬كم أغبى مني – كنت أعتبره مجرد افتراض‪ .‬لكن هذا لم يكن‬
‫‪.‬كذلك‪ ،‬أليس كذلك يا زوجي؟ أخبرك أحدهم عني وعن دانيال‪ ،‬وظننت أنك تستطيع أن تأخذني منه في ذلك اليوم‬
‫‪.‬لم تر أي عالم أو ألوان‪ .‬أغلقت عينيها‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬لم نكن مخطوبين حتى‪ ،‬وهو أمر مثير للسخرية‪ .‬لو سألتني‪ ،‬لم يكن ليحدث أي من هذا‪ .‬أستطيع أن أخبرك بهذا‬
‫اآلن‪ ،‬فكرت وهي تفتح عينيها وتحدق في جانب وجهه‪ .‬ستكونين سعيدة‪ ،‬ألن المهم بالنسبة لك هو أال أعود إليه‪ .‬ولكن هل تعرف‬
‫لماذا؟ لن أقول أي شيء لك‪ .‬تفضل وفكر أنني أحبه‪ :‬إن كبريائي‪ ،‬الذي ُأذل بألف طريقة‪ ،‬سيجنبني على األقل هذه الضربة األخيرة‪.‬‬
‫‪.‬ودفعت دموعها إلى الوراء‬
‫‪. . .‬كم كانت ساذجة‪ .‬ساذج؟ أوه‪ ،‬ال‪ ،‬غبي‪ .‬مجنون‪ .‬ألنه حتى في الليلة السابقة‪ ،‬كانت تفكر بين ذراعيه‬
‫‪.‬أوه‪ ،‬ولكن كل شيء واضح جدا اآلن‬
‫كم بقي من هذه الرحلة؟ لقد كانت طويلة جًد ا‪ ،‬وبطيئة جًد ا‪ ،‬وال تنتهي‪ .‬ولماذا كانت هذه العربة صغيرة جًد ا وزوجها كبيًر ا جًد ا‪ ،‬و‬
‫لماذا أخذ مساحة كبيرة؟ ولماذا كانت ركبتيه قريبة جدا من راتبها؟‬
‫يجب أن أحذر دانيال‪ ،‬لقد فهمت‪ .‬يجب أن أخبره قبل أن تدمريه‪ .‬كريستوفر المسكين‪ ،‬ثأرك سوف يفشل؛ لن تحصل على ما تريد‪ .‬لم‬
‫‪.‬تتكلم وتركت نفسها تتقلب في حالة ذهول‪ .‬ما أريده هو أن أنسى‬
‫كانت متأكدة من أنها لن تتذكر أي شيء عن هذه الرحلة‪ .‬بدا السفر على الطرق وكأنه حلم حتى تمكنت من رؤية تالل كوكستون‬
‫‪.‬الهادئة تلوح في األفق‬
‫"‪.‬نعم‪ ،‬سأتركك يا كريستوفر"‬
‫‪.‬وكان صوتها حازما وواضحا‪ ،‬وقالت هذه الكلمات دون تعثر‪ .‬نظر إليها زوجها بنظرة باردة‪ ،‬هادئة‬
‫‪.‬يا لها من أحمق‬
‫"‪.‬قالت دون انفعال‪" :‬أريدك أن تخرج من حياتي وحياة عائلتي"‪" .‬ال أريد رؤيتك مرة أخرى‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪38‬‬
‫‪.‬الفصل األخير دموي‪ ،‬مهما كانت بقية المسرحية ممتعة‪ .‬أخيًر ا‪ ،‬يتم إلقاء بعض األوساخ على رأسك‪ ،‬وها أنت هناك إلى األبد‬
‫بليز باسكال —‬
‫كتبت آنا في مذكراتها‪" :‬دانيال خارج المدينة"‪" .‬أخبرتني لوسي أنه لن يعود لمدة أربعة أو خمسة أيام‪ ،‬وهذا أمر مؤسف حًق ا‪ .‬ال‬
‫أعرف كيف أصل إليه عبر الرسائل؛ سأنتظر عودته ألخبره بما اكتشفته‪ ،‬أو باألحرى ما أعتقد أنني اكتشفته‪ .‬ألنه ماذا لو كنت‬
‫‪. . ".‬مخطًئ ا وكان كل شيء على ما يرام‬
‫توقفت عن الكتابة ووضعت رأسها بين يديها‪ .‬كانت ال تزال تفكر في كريستوفر‪ ،‬ولكن لماذا؟ لقد تحررت منه‪ ،‬أليس هذا ما أرادته‬
‫أكثر من أي شيء آخر؟‬
‫كريستوفر الذي كذب‪ .‬لقد كان يتظاهر دائًما معهم جميًع ا‪ .‬من سماها ملكة بينما جعلها عبدة‪ ،‬يئن في نومه‪ ،‬يهدأ دون أن يستيقظ إذا‬
‫‪. . .‬فركته‬
‫ما الذي كنت تحلم به؟ أبوك؟‬
‫لم ينظر كريستوفر إلى األسفل أبًد ا‪ ،‬ولم يكن خائًفا أبًد ا‪ .‬دائًما منيع ومنيع دائًم ا‪ .‬ولكن في بعض األحيان‪ ،‬مثلما كان يمر بها في‬
‫‪. . .‬الصالة‪ ،‬كان يجذبها إليه ويمسكها بقوة دون عدوان‪ ،‬دون احتضان‪ ،‬دون تقبيل‪ .‬ثم يغادر فجأة‪ ،‬محرًج ا تقريًبا‪ ،‬كما لو كان‬
‫)‪.‬انس األمر يا آنا‪ .‬أغلق الباب في وجه الفصل اللعين(‬
‫همساته الساخنة والرقيقة في ظالم غرفتهم‪ .‬كان يضحك‪" :‬أوه‪ ،‬حبيبتي تخجل"‪" .‬لكن دعني أفعل ذلك يا آنا‪ . . .‬أنا فقط‬

‫"‪.‬أريد أن أعشقك‪ ." . .‬ثم يضيف‪« :‬أطيعوا‪ .‬كوني فتاة جيدة‬


‫‪.‬لقد قال ذلك ليثير غضبها‪ ،‬وقد نجح األمر‬
‫‪.‬يذهب ‪ . . .‬اذهب إلى الجحيم يا كريس"‬
‫ال‪ ،‬أنا لن أذهب إلى هناك‪ . . .‬أنا باق هنا ‪ . . .‬هنا يبدو األمر كذلك"‬
‫"‪.‬احسنت حبيبي‬
‫كاٍف ‪ .‬وكتبت‪" :‬ال أريد أن أفكر في األمر بعد اآلن"‪" .‬لكن أنا"‬
‫ال يسعني إال أن أتساءل‪ :‬هل سيكون سعيًد ا حًق ا بعد أن دمر والده؟ كتبت آنا‪« :‬عندما عدنا من لندن باألمس‪ ،‬لم يعد حتى إلى المنزل‪.‬‬
‫قال بأكثر طريقة مهذبة ممكنة‪" :‬لن نرى بعضنا البعض مرة أخرى‪ ،‬كما طلبت"‪" .‬إذا كنت تريد‪ ،‬يمكنني تعيين شخص آخر ليكون‬
‫‪.‬وصيا على إخوتك وأصولك‪ ".‬أومأت بإيماءة طفيفة باالتفاق مع رأسي‪" .‬دانيال ديميرسي؟" سألني‬
‫"هل تريد مني أن أسأله عنك؟"‬
‫لقد فاجأني سؤاله كثيًر ا‪ ،‬ولم أتمكن من ذلك لبضع لحظات"‬
‫إجابة‪ .‬كنت في حيرة‪ ،‬ومازلت‪ :‬لماذا يسلم إخوتي وأختي إلى من يكرهه‪ ،‬ويحتقره؟ ال أعتقد أنه سيفعل ذلك‪ ،‬رغم كل شيء‪ .‬للحظة‬
‫‪ -‬ويجب أن أقول إنها لحظة مليئة باألمل ‪ -‬اعتقدت أنني قد أساءت فهم كل شيء‪ ،‬وأنني أخطأت في فهم كل شيء‪ .‬لكنني أدركت بعد‬
‫ذلك بطريقة غريبة ومتأخرة وسخيفة أنه تعرف على أخيه؛ ربما تعلم أن يحترمه‪ .‬ومع ذلك – وهذا ما يزعجني وأالحظه دائًما – لن‬
‫‪».‬يواجه أي مشكلة في تدمير دانيال ووالده‪ .‬أجبته‪" :‬حسًن ا‪ ،‬شكًر ا"‪' .‬بخير‪ '.‬فانقلب على عقبيه وغادر دون كلمة أخرى‬
‫‪.‬سمعت خطوات متحمسة في الردهة‬
‫‪.‬صاحت نورا‪" :‬آنا"‪ .‬كانت تبكي‬
‫"نورا ‪ . . .‬؟ "‬
‫انفتح الباب وظهرت نورا صغيرة أشعث في الداخل‬
‫مدخل‪ .‬ركضت آنا إليها‪ ،‬على أمل أنه من المستحيل إيقافها‪ ،‬حتى في مواجهة ما ال يمكن إصالحه ‪ -‬على أمل أن تسمع أن كل شيء‬
‫‪.‬على ما يرام‪ " .‬نورا ماذا ‪ . . .‬؟" لكنها عرفت‪ .‬لقد عرفت بالفعل‬
‫‪.‬وكان هذا هو الجواب‪" .‬أبوك‪ .‬والدك مريض يا آنا‬

‫لذلك هذا كل شيء‪ .‬وجهك القبيح ال يزال هنا؟" صدمه ماثيو بعد بضعة أيام‪ .‬هو نفسه كان لديه كشر‪ ،‬من حيث الوجوه القبيحة‪" ،‬‬
‫"‪.‬يمكن أن يهزمهم جميًع ا‪" .‬سأضطر إلى العثور على مكان آخر للعيش فيه ألنني ال أستطيع تحملك لفترة طويلة‬
‫‪.‬كريستوفر لم يجيب‪ .‬كان يقف أمام طاولة الخمور‪ ،‬وسكب لنفسه إصبًع ا آخر من الويسكي‪ .‬زوجان آخران من األصابع‪ ،‬في الواقع‬
‫ضع هذا الزجاج جانًبا يا كريس‪ ".‬اآلن بدا صوت ابن عمه عصبًيا ومزعًج ا أيًض ا‪" .‬أنت تعلم أنك ال تستطيع أن تحمل قيمة الخمور"‬
‫"‪.‬الخاصة بك‬
‫"‪.‬اخرج من الجحيم"‬
‫"ماثيو لم يغادر بالطبع‪ ،‬بل استجاب بدًال من ذلك‪" .‬ماذا فعلت آلنا لدفعها لطردك؟ هل تريد أن تخبرني؟‬
‫ال شيء‪ ،‬لم أفعل شيئا‪ .‬لقد خفض رأسه بابتسامة شخص يعرف كيف يعمل العالم‪ .‬ووافق‪ .‬لذا‪ ،‬ألول مرة في حياتي‪ ،‬تصرفت‬
‫‪.‬بطريقة يمكنك وصفها بأنها الئقة‪ .‬قال بشكل قاطع‪" :‬اخرج"‪ .‬ذهب إلى النافذة ونظر إلى السماء الصافية في ذلك الصباح‬
‫لقد كان البقاء بعيًد ا عن منزل البطل أمًر ا سهًال للغاية‪ ،‬أدرك ذلك بدهشة‪ .‬يا إلهي‪ ،‬ما لديهم من ارتباك هناك‪ .‬األطفال يصرخون؛‬
‫نورا تتمتم‪ .‬آنا تكرهني‪ ،‬وهي تشتكي باستمرار‪ .‬لم يكن األمر أنه سمح لنفسه بتشتيت انتباهه على اإلطالق‪ ،‬لكنه أدرك أنه أصبح‬
‫‪.‬أكثر وضوًح ا اآلن‬
‫)وعندما تأوهت من تحتك يا كريستوفر؟ أال تتذكر ذلك؟(‬
‫‪.‬حسًن ا‪ ،‬وماذا في ذلك؟ لقد استمتع به‪ ،‬وهذا كل شيء‪ .‬ال شيء آخر‪ .‬هناك اآلالف من النساء مثلها‪ ،‬بل أفضل منها‬
‫)لم تقل لك أبًد ا "أنا أحبك"‪ ،‬أليس كذلك يا كريس؟(‬
‫وكان ابن عمه ال يزال يصرخ‪" .‬أنا متأكد من أنه يمكنك حل المشكلة‪ ." . .‬قال ثم توقف‪" .‬كريستوفر‪ "،‬بدأ مجدًد ا بتغيير لهجته‪،‬‬
‫"مستخدًم ا نفس نبرة الطبيب اللعينة مع مريضه‪" .‬لماذا ال نترك كل شيء وننهي األمر؟‬
‫اوقع كل شئ‪ .‬لماذا ال تطلب مني أن أتوقف عن التنفس إذن؟ نظر إليه‪ .‬استمر ماثيو في قول أشياء غبية‪ ،‬لكن لحسن الحظ تعلم عدم‬
‫االستماع إليه على مر السنين‪ .‬سنوات عديدة‪ .‬لقد كان متى يتبعه دائًم ا في كل رحلة‪ ،‬بكل الطرق‪ .‬ولكن اآلن هذا يكفي‪ ،‬قرر فجأة‪.‬‬
‫هذا يكفي‪ .‬يجب أن أتخلص من ثقله‪ .‬نعم‪ ،‬كان سيتحرك بمفرده‪ ،‬كان هذا هو مستقبله‪ .‬ال أحد يخبره بما يجب عليه فعله‪ ،‬ومتى يقفز‪،‬‬
‫‪.‬وإلى أي مدى‪ .‬كفى‪ ،‬كفى‪ ،‬ليذهبوا جميعًا إلى الجحيم‬

‫أعتقد دائًما أنهم مثاليون‪ ،‬وأحكم دائًما‪ ،‬ودائًم ا ما يحطمون روحي‪ .‬سأتركك هنا يا مات‪ .‬يمكنك أن تبدأ حياتك من جديد‪ ،‬ربما مع‬
‫‪.‬لوسي‪ ،‬وسيكون ذلك أفضل لك أيًضا‬
‫أسقط كل شيء‪ ،‬هذا ما قاله ابن عمه‪ .‬نظر إلى الزجاج بين أصابعه‪ ،‬وفكر في تلك الفتاة القوية اإلرادة التي كانت أمه‪ ،‬تلك الفتاة التي‬
‫شعرت بالحاجة إلى ترك رأيها بشكل ال يمحى على صفحات الكتاب‪ ،‬ولكن في اليوم الذي قتلت فيه نفسها لم يكتب حتى مالحظة‪.‬‬
‫‪".‬أنت لم تتركي حتى سطرين يا أمي‪ "،‬فكر‪ ،‬وهو يرفع عينيه نحو عشب الحديقة‪ .‬لم يكن لديك أي شيء آخر لتقوله‬
‫قال وهو يقاطع الثرثرة‪" :‬كل شيء يسير وفًق ا للخطة يا مات"‪" .‬أبي" ‪ -‬اتسعت عينا ابن عمه ‪" -‬سيقوم والدي باستثماره األخير في‬
‫"‪.‬الهرم اليوم‬
‫وفي غضون أيام قليلة سينتهي كل شيء‪ ،‬وسيدرك أنه لم يعد لديه أي شيء‪ .‬سيكتشف أن ديونه ‪ -‬التي تعاقد عليها في الغالب مع‬
‫كريستوفر‪ ،‬سواء عن علم أم ال ‪ -‬كبيرة جًد ا لدرجة أنها ستؤدي به إلى السجن‪ .‬سيكتشف أن أرضه‪ ،‬المرهونة بشدة‪ ،‬لم تعد ملًك ا له‪.‬‬
‫وسيكتشف أن الهرم الذي استثمر فيه كل آماله وكل أمواله قد انهار‪ .‬وهو معها‪ .‬لن يشكك أحد في انتحاره في تلك المرحلة‪ .‬دحرج‬
‫الزجاج بين أصابعه‪ ،‬متجاهًال صوت ابن عمه المزعج‪ .‬وبعد ذلك سأختفي‪ .‬ربما سأزيف موتي‪ ،‬وستكون آنا أرملة وغنية‪ ،‬وحرة‬
‫‪.‬كما تريد‬
‫قال ماثيو‪" :‬ال بد أنك تمزح"‪ .‬تلك النغمة الدموية كانت ال تزال موجودة‪ .‬من أجل المسيح‪ ،‬هل يستطيع أن يتركه وشأنه؟ "ألم تغير‬
‫"الموعد؟‬
‫"‪.‬لم أستطع"‬
‫"‪.‬قال ماثيو بعقالنية‪" :‬لكن ال يمكنك الذهاب اليوم"‪" .‬جنازة والد زوجك اليوم‬
‫"‪.‬هز كريستوفر كتفيه‪" .‬ال أملك خيارا‬
‫ليس لديك خيار؟" شهق ماثيو من الصدمة‪ ،‬ولسبب آخر ‪ -‬خارج أخالقياته المعتادة التي ال تطاق‪" .‬ولكن أي نوع من الرجال أنت يا"‬
‫‪.‬كريستوفر؟ لقد رحب بك جيمس تشامبيون في منزله مثل االبن‬
‫نعم‪ ،‬جيمس تشامبيون‪ .‬ذلك الرجل المثير للشفقة – فاشل كأب‪ ،‬فاشل كمالك لألرض‪ .‬كان في حالة ذهول شديد لدرجة أنه وضع كل‬
‫‪.‬شيء على أكتاف آنا لسنوات بينما كان يحبس نفسه في عالم المحاصيل القليلة‪ ،‬عالمه الريفي‪ ،‬غير مهتم بمستقبل أطفاله األربعة‬

‫لقد تذكره ‪ -‬شعره البني القصير أصبح رماديا؛ تجاعيده وجفونه المتدلية‪ .‬وعيناه الغائرتان اللتان تحيط بهما دوائر دائمة؛ صوته‬
‫المتقطع وفمه الملتوي‪ ،‬كل جملة منه مؤلمة‪ ،‬سواء بالنسبة له أو ألي شخص سيئ الحظ بما يكفي لسماعه يقولها‪" .‬ما يفعله لك ‪. . .‬‬
‫هل تفكر في هذه البذور يا كريستوفر؟» لقد سأله قبل أقل من شهر بينما كان هو وأنتوني يزرعان السبانخ في حديقة الخضروات‬
‫‪.‬خلف المنزل‬
‫أجاب وهو يتصبب عرقا تحت الشمس الحارقة‪« :‬جيد جًد ا يا سيد تشامبيون‪ ».‬لقد نظر إلى أعلى من األرض‪ ،‬حيث كان‪ ،‬وهو‬
‫‪.‬مشمر عن أكمامه‪ ،‬يمأل الحفر التي حفرها أنتوني جيًد ا وضبطها بشكل مثالي‬
‫كان جيمس يجلس في ظل شجرة قريبة‪ ،‬وحاول النهوض ليرى بنفسه العمل الذي كان يهتم به كثيًر ا‪ .‬لم يكن قادًر ا على اإلدارة‪،‬‬
‫‪.‬فجلس مثقاًل ‪ .‬بالحزن والوعي في عينيه المتعبتين‪ ،‬كان يراقب صهره وابنه وهما ينهيان الصف دون خطأ‬
‫تذكر كريستوفر دفء الشمس على ذراعيه العاريتين‪ .‬لقد تذكر تركيز أنتوني‪ ،‬وكان مصممًا بشدة على إرضاء والده‪ .‬وتذكر العرق‬
‫‪.‬والتعب الذي أصابه في نهاية هذا اليوم‪ .‬وتذكر أن والد زوجته كان يجلس في وضح النهار المتالشي‬
‫"‪.‬قال لمتى‪" :‬سوف تحضر جنازتي"‪" .‬التوصل إلى بعض العذر‪ .‬اآلن اخرج وإال سأطردك‬
‫سار ثالثة أطفال يرتدون مالبس سوداء نحو الكنيسة‪ ،‬بشكل غريب وغير طبيعي في شمس منتصف النهار‪ .‬قادتهم آنا إلى داخل‬
‫‪.‬المبنى المظلم‪ ،‬وجلست العائلة بأكملها في المقعد األمامي‬
‫‪".‬أنا هو القيامة والحياة‪ ،‬يقول الرب"‪ ،‬بدأ القس جراهام‪" .‬من آمن بي ولو مات فسيحيا"‬
‫‪.‬عاد أنتوني بسرعة من لندن قبل ثالثة أيام‪ .‬كان وجهه منضبًط ا‪ ،‬جدًيا‪ ،‬ولم يكن يبكي‬
‫‪. . ".‬وعلى الرغم من أن الديدان تدمر هذا الجسد بعد أن تدمر جلدي‪ ،‬إال أنه في جسدي«‬

‫‪.‬تذكرت آنا والدها‪ ،‬وأنفاسه األخيرة‪ ،‬وعندما نظر إليها دون أن يتعرف عليها بعد اآلن‬
‫‪".‬ألننا لم ندخل هذا العالم بشيء‪ ،‬وواضح أننا ال نقدر أن نخرج منه بشيء"‬
‫بدت النعمة غريبة جًد ا بسبب افتقارها إلى اللون؛ أضاءت خصالتها وجهها‪ ،‬وتناوبت تعابير وجهها بين األسى والجهل‪ ،‬ففي الرابعة‬
‫من عمرها ماذا يعرف المرء عن الموت؟‬
‫‪».‬إن كل إنسان يمشي كالظل‪ .‬بالتأكيد لقد انشغلوا عبثا‪ .‬يذخر ثروات وال يعلم من يجمعها«‬
‫اجتمع األصدقاء حول عائلة البطل في هذه اللحظة الصعبة‪ .‬كانت لوسي إلى جانبهم‪ .‬حتى السيدة إدواردز كانت هناك‪ .‬كان السيد‬
‫جوتمان جاًد ا‪ ،‬وكذلك السير كولن‪ .‬لقد جاء السيد كالرك‪ ،‬على الرغم من اللطف القليل الذي أظهرته آنا له دائًما‪ .‬كانت روزماري‬
‫هناك — وكان هناك أيًض ا عدد قليل من أصدقاء زوجها — لكن معظم الناس لم يأتوا‪ ،‬كما لو كانوا يعرفون أنه ال فائدة من االبتسام‬
‫لها‪ ،‬هذه الفتاة المملة المظلمة‪ .‬وكانت نورا قريبة‪ ،‬وكانت تبكي وتنهدات هادئة كاألطفال‪ .‬كان رأس ماثيو معلًقا منخفًض ا‪ ،‬ووجهه‬
‫متوتًر ا‪ .‬اجتمع حشد صغير في الكنيسة لتوديع هذا الرجل الصغير الذي عاش بال شيء تقريًبا في السنوات األخيرة من حياته‪ .‬كان‬
‫لديه أحالم كبيرة‪ ،‬مثل أي شخص آخر‪ ،‬في شبابه؛ ثم استقر على حياة أسرية سعيدة‪ ،‬وأخيرًا مرض‪ .‬اعتقدت آنا أنه بدأ ينعزل عن‬
‫‪.‬العالم قبل أن يبدأ مرضه في التأثير عليه‪ ،‬في اللحظة التي فقد فيها زوجته‬
‫اإلنسان مثل العشب أيامه‪ :‬في الصباح يزهر‪ ،‬ويقطع في المساء‪ ،‬وييبس‪ .‬زهرة أيامي هي األلم والغرور‪ .‬تساقطت الزهرة "‬
‫"‪.‬ورحلنا‬
‫انفتح باب الكنيسة الكبير محدًث ا ضجيًج ا ال مفر منه‪ .‬للحظة‪ ،‬انفجر ضوء النهار في الداخل المظلم‪ ،‬وبدا األمر بالنسبة آلنا وكأنه حلم‬
‫‪.‬تقريًبا‪ :‬وفاة والدها وتوديعه‪ .‬دخل دانييل — ربما كان قد هرع إلى هناك ألنه عاد لتوه من لندن — وأغلق الباب خلفه بصمت‬
‫‪. . ".‬إن الذي تزرعه ال يحيا إال إذا مات أوًال«‬
‫وماذا عن بذورك يا أبي؟ الطماطم الخاصة بك‪ ،‬الفراولة الخاصة بك؟ تساءلت آنا‪ ،‬وشق وعي حزين طريقه إلى قلبها‪ :‬لن آكل شيًئ ا‬
‫‪.‬لذيًذ ا مرة أخرى أبًد ا‬
‫أوه الوفاة‪ ،‬حيث يكون لديك اللدغة؟ يا الجحيم أين نصرك؟"‬

‫وكانت الرحلة طويلة أخذتهم من الكنيسة إلى المقبرة‪ .‬وصلوا أخيًر ا‪ ،‬وكان المكان أخضًر ا ومشجرة‪ ،‬وكان النهار دافًئ ا‪ ،‬وكان الريف‬
‫‪.‬يغني‪ .‬ووجدوا أنفسهم أمام القبر المفتوح الذي كان ينتظر رفات والدهم‬
‫"‪.‬يولد اإلنسان وينبثق كالزهرة؛ مثل ظل عابر‪ ،‬يختفي سريًع ا"‬
‫أخذت آنا حفنة من التراب وألقتها على التابوت‪ .‬فعل أنتوني الشيء نفسه‪ ،‬كما فعل دينيس وجريس ونورا‪ .‬كان عليك أن تفعل هذا‬
‫أيضًا يا كريستوفر‪ .‬اعتبرت آنا غياب كريستوفر بألم بمثابة إهانة أخيرة لوالدها‪ ،‬حتى اآلن بعد أن مات‪ ،‬حتى اآلن بعد أن كان بعيًد ا‬
‫عن كل هذا البؤس‪ ،‬حتى اآلن ألنه ال يستطيع أن يشعر‪ .‬يا أبي‪ ،‬أنت تستحق أن ُت حب أكثر‪ .‬القبر امتأل‪ .‬أصبحت حياة والدها مجرد‬
‫‪.‬ذكرى‬
‫"‪.‬نحن نرسل هذا الجسد إلى األرض‪ .‬األرض إلى األرض‪ ،‬والرماد إلى الرماد‪ ،‬والغبار إلى الغبار"‬
‫‪.‬قال ليوبولد وهو يضع توقيعه على العقد‪« :‬جيد يا دافنبورت‪" ».‬أنا سعيد جًد ا‪ ،‬كما تعلم‪ .‬أعتقد أنك قمت بحل جميع مشاكلي المالية‬
‫"‬
‫‪.‬ابتسم كريستوفر‪ ،‬وخطرت في ذهنه صورة حديقة نباتية تحت الشمس‬
‫اقترب منها دانيال بالخجل المقفر الذي يخيم على روح المرء عندما يشهد ألًما ال رجعة فيه‪ .‬خجول‪ ،‬عاجز‪ ،‬وربما غاضب‪ ،‬بسبب‬
‫‪.‬ما ال يمكن تغييره‬
‫‪".‬وقال بصوت منخفض‪" :‬آنا‪ ،‬أقدم تعازّي الحارة‬
‫"‪.‬ابتسمت آنا له ووضعت منديلها على عينيها‪" .‬شكًر ا لك دانيال‬
‫"كيف حالك؟"‬
‫"‪.‬كشرت‪" .‬ال بأس‬

‫ارتجف وجه دانيال‪ ،‬وازداد الغضب في عينيه‪" .‬آنا‪ ،‬إذا كنت أعرف ما أقول‪ ،‬للتخفيف‪ ." . .‬تمتم‪ .‬كلمات‪ .‬كلمات تغطي البحار‬
‫بالمنديل‪ .‬الكلمات التي لم تفعل سوى القليل من الخير‪" .‬إذا كنت بحاجة إلى أي شيء ‪ -‬لك أو ألحبائك ‪ -‬فاعلم أنه يمكنك دائًما اللجوء‬
‫"‪.‬إلي‬
‫‪.‬أومأت برأسها‪ ،‬ولكن من بعيد‪ .‬الكثير من األلم كان يربك عقلها‬
‫‪".‬أضاف بتردد وهو ينظر حوله‪" :‬لقد تلقيت رسالة من زوجك عند عودتي من رحلتي يا آنا‬
‫‪.‬إنه ليس هنا يا دانيال‪ .‬كريستوفر لم يأت‪ .‬ولكن لم تخرج أية كلمات من فمها؛ كانت أضعف من أن تقولها‬
‫‪".‬وقال‪" :‬يبدو أنه يريد التحدث معي بشأن شيء ما‬
‫نعم‪ ،‬عليك أن تصبح الوصي على إخوتي وعلى ميراث أنتوني‪ .‬لكنها كانت منهكة‪ ،‬منهكة من السهر واأللم‪ .‬كيف يمكن أن تواجه‬
‫‪.‬مثل هذه المناقشة؟ "أنا على علم بذلك‪ ،‬دانيال‪ .‬ولكن دعه يتحدث معك عن ذلك‪ "،‬أجابت بصوت ضعيف‬
‫"‪.‬نظر إلى األسفل‪ .‬تمتم قائًال‪" :‬لقد ذكرت ذلك فقط ألبقيك على اطالع يا آنا"‪" .‬عذرًا‪ ،‬لقد كنت عديم اللباقة‬
‫ال‪ ،‬لقد كنت لطيًفا جًد ا‪ ،‬كما هو الحال دائًم ا‪ .‬همست‪" :‬األمر فقط أنني اآلن متعبة للغاية"‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬عليها أن تتغلب على هذا "‬
‫التعب‪ ،‬أليس كذلك؟ كان عليها أن تطلب منه مقابلته ‪ -‬في اليوم التالي على أبعد تقدير ‪ -‬لتكشف له شكوكها‪ .‬على العكس من ذلك‪،‬‬
‫كانت بحاجة إلى أن تذكر شيًئ ا ما على الفور‪ ،‬في هذه اللحظة‪ ،‬حتى لو كانت تبكي؛ حتى لو كانت بالكاد تستطيع الوقوف‪ .‬خطر‬
‫غامض يهدد هذا الشاب‪ .‬لم تكن تعرف متى‪ ،‬وال تعرف أين ‪ -‬في بعض األحيان كانت تتساءل حتى لو كان ذلك ‪ -‬ولكن كان من‬
‫واجبها‪ ،‬واجبها الذي ال مفر منه‪ ،‬أن تحذره‪" .‬دانيال ‪ ." . .‬بدأت‪ .‬لكن األلم المزعج منعها من االستمرار‪ .‬وألم في عينيها وفي‬
‫‪.‬صوتها‬
‫"ما هذا؟"‬
‫‪.‬كريستوفر يمكن أن يكون أخوك‬
‫‪.‬تنفست بعمق وببطء‬
‫‪.‬يريد االنتقام من عائلتك‬
‫‪.‬قبضت قبضتيها وفتحت فمها لتتحدث‬
‫‪.‬يجب أن تكون حذرًا يا دانيال‬
‫ال شئ‪ .‬ال شيء يا دانيال‪( ".‬لماذا يا آنا؟)"‬

‫الشاب الذي يقف أمامها ‪ -‬هذا الرجل الذي كان صحًيا ومخلًص ا ومتجانًس ا ومباشًر ا ‪ -‬لم يسألها عن أي شيء آخر ألنه عانى من‬
‫‪.‬أجلها‬
‫)لماذا يا آنا؟ لماذا؟(‬
‫من بين كل الحقائق التي قيلت‪ ،‬فإن أكثر الحقائق إيالًم ا هي تلك التي نكتشفها عن أنفسنا‪ .‬وآنا‪ ،‬التي كانت مستاءة‪ ،‬فهمت ذلك‪ .‬أنا‬
‫أكرهك يا كريستوفر‪ ،‬ولكن ال أستطيع أن أخون سرك‪ .‬تركها هذا االعتراف في حيرة من أمرها كطفلة ضّلت طريقها إلى المنزل‪،‬‬
‫‪.‬ونظرت إلى منديلها‪ .‬لقد أطلقت تنهدات عالية النبرة كانت جبانة وحقيرة‬
‫‪.‬عض دانيال شفته ووضع يده على عينيه‪ .‬لقد أغلقهم‪ " .‬آنا ‪ ." . .‬تمتم‬
‫رأتها لوسي في حالة يأس وركضت إلى جانبها واحتضنتها بلطفها الذي ال عيب فيه‪" .‬أخرجها‪ .‬هيا‪ ،‬دعها تخرج‪ "،‬همست‪ .‬وبكت‬
‫"‪.‬معها وشاركتها ألمها‪ ،‬ألنها لم تستطع أن تخفف األلم‪" .‬أخرجها ‪ . . .‬اتركيه يا آنا‬
‫يا صديقي العزيز‪ .‬صديقتي اللطيفة‪ ،‬اللطيفة‪ ،‬أرادت أن تخبرها‪ .‬ال تدع نفسك تتلوث من تعفن بلدي‪ .‬ال تشفق علي‪ .‬كانت تواجه‬
‫محنة رهيبة‪ ،‬وشعرت باإلرهاق‪ :‬فقد استطاعت أن ترى األمر على حقيقته‪ ،‬ولم يكن هناك أي عذر ممكن‪ .‬رفعت رأسها من صدر‬
‫لوسي الدافئ‪ .‬وبجانبهم كان دانيال‪ ،‬حزيًن ا ومخلًص ا‪ ،‬وال يستحق الطعنة التي كانت تعطيه إياها‪ .‬آنا‪ ،‬الذئب في مالبس الحمالن‪،‬‬
‫اختارت إسقاط يد الخيانة عليه‪ .‬دانيال‪ ،‬أرجوك سامحني‪ .‬لكن الغفران كان مستحيًال‪ ،‬وكانت تعرف ذلك‪ .‬لقد عرفت ذلك‪ ،‬على الرغم‬
‫‪.‬من أنها لم تكن قادرة على فعل أي شيء آخر‪ .‬أنا أحبه يا دانيال‪ .‬أنا أحب كريستوفر‪ .‬وسوف تحترق روحي معه في النهاية‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪.‬االنتقام ليس له بصيرة‬


‫‪39‬‬
‫كان ضوء النهار ال يزال ساطًع ا‪ ،‬لكن اللون األحمر لغروب الشمس غطى السماء بأكملها‪ ،‬مخفًيا اللون األزرق‪ .‬استدار كريستوفر‬
‫‪.‬نحو الغرفة‪ ،‬وتوقف لينظر من النافذة‪ .‬كان عليه أن يقابل ليوبولد في آخر أمسية ممتعة له‪ ،‬أو هكذا كان والده يعتقد‬
‫‪.‬وفي الواقع كان على وشك الموت‬
‫كان يعتقد أنه أمسيتنا األخيرة كأب وابنه‪ .‬لكنه لم يكن يسخر‪ ،‬ال‪ .‬بل كان مهيًبا تماًما‪ .‬ولن يقتله دون أن يشعر بأهمية هذه اللفتة في‬
‫‪.‬كل لحظة‪ .‬لن أضحك يا ليوبولد‪ .‬للموت كرامته الخاصة‪ ،‬حتى بالنسبة ألمثالك‬
‫"‪.‬عرف كريستوفر أن اللحظة قد حانت‪ ،‬ألنه تلقى في ذلك الصباح رسالة تقول‪" :‬لقد انهار الهرم‪ .‬بوب‬
‫هرع ماثيو إلى لندن لمساعدة روبرت على االختفاء‪ .‬بالطبع‪ ،‬لم تكن أخبار الكارثة المالية قد وصلت بعد إلى ليوبولد‪ .‬سيخبره‬
‫‪.‬كريستوفر بعد قليل‪ ،‬وبعد ذلك‪ ،‬سيقتله في النهاية‬
‫)‪.‬شنًق ا يا كريستوفر‪ .‬أنت على وشك شنقه(‬
‫لقد خطط لكل شيء‪ :‬المكان‪ ،‬الطريقة‪ ،‬الكلمات‪ .‬وعندما ينتهي كل شيء‪ ،‬كان يعلق جثته على شجرة في أراضي ريفرستون‪ .‬مع‬
‫رسالة انتحار إذا استطاع إقناع والده بكتابة واحدة؛ خالف ذلك‪ ،‬ال شيء‪ .‬بعد كل شيء‪ ،‬فإن أسباب االنتحار ستكون واضحة للغاية‬
‫بعد التحقيق‪" .‬عملية احتيال يا سيدي‪ "،‬سيدلي كريستوفر بشهادته أمام القاضي‪" .‬لقد كان ضحية عملية احتيال‪ .‬في لندن شاركوا في‬
‫عدة؛ ربما سمعت عنه‪ .‬لقد خرجت للتو‬
‫نابليون بونابرت‪-‬‬

‫في الوقت المناسب‪ ،‬ونصحت السيد ديميرسي‪ ،‬ولكن‪ ." . .‬تنهيدة منسحقة‪ ،‬وجه مظلم‪ .‬ثم بعد صمت‪" :‬ال أستطيع أن أجد السالم‬
‫اآلن‪ .‬لو كنت أعرف فقط‪ . . .‬عندما أعطيته األخبار في تلك الليلة‪ . . .‬ولكن يجب أن تصدقني‪ .‬لم يبدو مستاًء على اإلطالق‪.‬‬
‫‪. . ".‬ضحك‪ ،‬وأظهر الهدوء‬
‫وحتى لو كانت هذه الكلمات كاذبة‪ ،‬فإنها ستكون صادقة بطريقة سخيفة إلى حد ما‪ ،‬ألن ليوبولد‪ ،‬لو كان قادًر ا على اختيار مصيره‪،‬‬
‫كان سيضحك بهذه الطريقة تماًم ا‪ ،‬وكان سيتظاهر بهذا الهدوء عندما رأى األشياء تنهار من حوله‪ .‬له‪ .‬وحتًما كان سيقتل نفسه أيًضا‪.‬‬
‫‪.‬بعد قضاء ساعات ال حصر لها معه‪ ،‬وإجراء محادثات ال حصر لها معه‪ ،‬لم يكن لدى كريستوفر أي شك في ذلك‬
‫)ألن عينيه تشبهان إلى حد كبير عيون فورتسكيو‪ ،‬أليس كذلك يا كريستوفر؟(‬
‫نعم‪ ،‬كان ليوبولد دودة‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬لكنه لم يكن ليقبل أن يزحف‪ .‬كان األمر مؤسًف ا‪ ،‬ألن خطة كريستوفر األصلية كانت تتضمن‬
‫تركه يعاني ألسابيع‪ ،‬أو حتى أشهر‪ ،‬قبل قتله‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬كانت هذه هي األوهام اللطيفة التي هددته على مر السنين‪ :‬االنتقال‬
‫إلى ريفرستون بمجرد أن أصبح ملًك ا له؛ مستمتًع ا برؤية والده وهو يتوسل ويفتقر إلى كل كرامة؛ رؤيته يطلب المساعدة من الجميع‪،‬‬
‫‪.‬حتى كريستوفر ‪ -‬وخاصة هو‬
‫‪.‬األوهام‬
‫لقد أجبره الواقع على اتخاذ خيار أكثر استعجاًال ‪ .‬بعد أن ألقى فشله في وجهه – “هل ترى يا أبي؟ أخذ ابن مارثا أسكي كل ما كان‬
‫لك‪ .‬هل تتذكر مارثا يا أبي؟» — سيقتله على الفور‪ .‬ألن ليوبولد لن ينتحر‪ .‬أوه‪ ،‬سوف يلوث البراز مالبسه‪ ،‬وسيتورم وجهه بنفس‬
‫الطريقة وبنفس القذارة التي واجهتها مارثا‪ ،‬لكن األمر سيكون أسوأ بالنسبة لليوبولد‪ .‬ألنه لم يكن ليختار أين ومتى وكيف بنفسه‪ .‬أوه‬
‫‪.‬ال‪ .‬وسيكون كريستوفر هناك لمشاهدته وهو يموت‪ .‬وأن أشرح له السبب‬
‫نظر إلى ساعة جيبه‪ :‬لقد حان الوقت‪ .‬لقد شعر بالهدوء‪ ،‬شبه هادئ‪ .‬كان على وشك إنهاء كل شيء‪ ،‬أخيًر ا‪ .‬كان يتوقف في كوكستون‬
‫حتى تهدأ األمور‪ ،‬ثم يودع هذا الجحيم إلى األبد‪ .‬لم يكن هناك الكثير ليفعله‪ :‬لقد كان قد سارع بالفعل في إنجاز المهام األكثر ملاًل ‪،‬‬
‫مثل نقل السلطة القانونية لورثة البطل إلى دانيال‪ .‬وعندما التقى بأخيه غير الشقيق في فترة ما بعد الظهر السابقة‪ ،‬لم يستطع‬
‫كريستوفر إال أن يتساءل كيف سيتدبر األمر هذا المتأنق‬

‫‪.‬ذات مرة ُت رك بال مال‪ ،‬بال ممتلكات‪ ،‬وبدون منزل يعيش فيه مع أمه الفزاعة‪ .‬وبدون أب بالطبع‬
‫لكن ماثيو سيقدم له المساعدة‪ .‬ومن الواضح أن آنا‪ .‬وحتى هو كريستوفر‪ .‬نعم‪ ،‬اللعنة‪ ،‬حتى هو‪ .‬ألنه لن يطالب أخيه بسداد ديون‬
‫‪.‬ليوبولد‪ .‬فهو لن ُيغرقه – ليس تماًما – حتى لو كان اإلغراء قوًيا‬
‫وكان قد ذّك ره قائًال ‪" :‬أنت مدين لي يا ديميرسي"‪" .‬لم أطلب منك أي شيء منذ أن ضربتك قبل أسبوعين‪ .‬سوف تقوم بالتوقيع‪.‬‬
‫"‪.‬وسنكون متعادلين‬
‫وضع دانيال يده على جبهته وهو يكافح‪ .‬كان شقيقه شديد الدقة‪ ،‬ومخلًص ا للغاية‪ ،‬حتى عندما كان على بعد خطوة واحدة فقط من‬
‫الحصول على ما يريد – من الحصول على آنا‪ .‬وأخيًر ا أجاب‪" :‬حسًن ا يا دافنبورت"‪ ،‬ولم يكن صوته يبدو منتصًر ا وال شماتة‪« .‬إذا‪،‬‬
‫»‪.‬كما تقول‪ ،‬وافقت زوجتك أيًض ا‬
‫أوه نعم‪ ،‬لقد "وافقت"‪ .‬لم تعد زوجته بعد اآلن‪ .‬وربما لم تكن زوجته قط‪ .‬كريستوفر لم يستجب‪ .‬وفي صمت‪ ،‬قدموا جميع التوقيعات‬
‫‪.‬الالزمة‪ .‬كان المحامي ذو العيون الفأرية في الزاوية صامًت ا لدرجة أنهم لم يتمكنوا من سماعه‬
‫"‪.‬اآلن أنت تعرف أين الباب يا ديميرسي"‬
‫دانيال لم يتحرك‪ .‬توقف أمام المكتب ومد يده‪ .‬ها هو‪ ،‬هكذا فكر كريستوفر‪ .‬اليد الممدودة الحتمية والمثيرة لالشمئزاز‪ .‬لم يهزها‪،‬‬
‫‪.‬واستدار دانيال أخيًر ا وغادر‬
‫‪).‬سيجعلها سعيدة يا كريستوفر(‬
‫‪.‬سوف تجعلها سعيدة‪ ،‬دانيال‬
‫وبقدر ما كان يشعر بالقلق‪ ،‬فقد قرر بالفعل وجهته التالية‪ .‬ومع وجود القليل من المال في جيبه وهوية جديدة‪ ،‬سينتقل إلى مانشستر‬
‫للبدء‪ .‬ثم ربما إلى أمريكا‪ .‬كان يزيف موته بجثة ما ليخرجها من الشارع‪ ،‬ولم يكن عليه إال أن ينشر الخبر بين المتسولين‪ .‬كم من‬
‫الناس ماتوا ولم يعرف أحد من هم؟ جثث وحشية‪ ،‬مهجورة‪ ،‬منسية‪ ،‬وغير موجودة عمليا؟ مصير الرجال الذين عاشوا بمفردهم؛‬
‫‪.‬وربما من المفارقات أن هذا سيكون مصيره أيًض ا في النهاية‬
‫كان على استعداد للمغادرة‪ .‬أخذ وثائق الهرم ورسائل والدته‪ .‬فتح الدرج وأخرج المسدس‪ .‬ثم ارتدى معطفه ليحميه من الليل الرطب‪،‬‬
‫‪.‬وخرج إلى اإلسطبل‬

‫واستقبله يوسف عندما رآه يقترب من مملكته‪" .‬هل ستخرج في هذا الوقت من الليل يا سيدي؟ قريبا سوف يكون الظالم‪ .‬هل يجب أن‬
‫أتصل بجاريت من أجل العربة؟‬
‫»‪.‬ال‪ .‬سوف آخذ السيارة وسأقودها بنفسي يا جوزيف"‬
‫"‪.‬سأحصل عليه لك في غمضة عين‪ ،‬إذن"‬
‫أومأ كريستوفر برأسه وذهب إلى االسطبالت‪ .‬رفع باسيل كمامته‬
‫"‪.‬لتحيته‪ ،‬وقام كريستوفر بضربه‪ .‬قال‪" :‬لن تأتي معي هذا المساء"‪" .‬لكن األمر لن يكون هو نفسه بدونك‬
‫إنها جاهزة يا سيدي‪ "،‬أبلغه جوزيف بعد بضع دقائق‪" .‬المصباح مملوء ولو ‪ . . .‬حتى لو لم يضيء الطريق كثيرًا»‪ .‬توقف مؤقًت ا‪" ،‬‬
‫عابًس ا‪ .‬مثل أي شخص آخر في السادسة عشرة من عمره‪ ،‬كان يشبه بشكل غامض الزبيب عندما يفكر في األمور‪" .‬لكن الليلة القمر‬
‫"‪.‬بدر تقريًبا‪ ،‬أليس كذلك؟ سيبدو األمر مثل ضوء النهار‬
‫"‪.‬نعم جيد‪ .‬شكرا جوزيف"‬
‫أخذ مكانه في السيارة ووجه الخليج األبيض والبني ‪-‬غير المسمى‪ -‬نحو ريفرستون مانور‪ .‬توقف في مكان غير بعيد‪ ،‬على تلة‬
‫صغيرة أتاح له خالل الشهرين الماضيين رؤية المسكن الذي كان يكرهه بشدة‪ .‬لقد شاهد المنظر مرة أخرى في تلك الليلة‪ ،‬ثم انطلق‬
‫بالسيارة ووصل بسرعة إلى هناك‪ .‬وبينما كان يعهد بعربته إلى خادم‪ ،‬اعتبر المنزل وكأنه للمرة األولى‪ .‬نظر إلى الحديقة‪ .‬الباب‬
‫األمامي‪ .‬الممرات الطويلة واألرضيات الالمعة والزخارف واللوحات‪ .‬أراد أن يتذكر كل تفاصيل ذلك اليوم‪ .‬لقد كان ينتظر لمدة‬
‫‪.‬عشرين عاما‬
‫"دافنبورت"‪ ،‬استقبله ليوبولد عندما دخل مكتبه‪ .‬نهض والتقى به‪" .‬هل ترغب في شرب شيء ما؟"‬
‫‪.‬نظر بعناية إلى والده‪ .‬شعره‪ ،‬مالمحه‪ .‬عينيه التي تشبهه أكثر‬
‫‪).‬إنه على وشك الموت يا كريستوفر(‬
‫ال‪ ،‬شكرا لك يا سيدي‪ "،‬أجاب‪" .‬في الواقع‪ ،‬أنا في عجلة من أمري قليًال‪ .‬لقد توقفت ألخبرك أنه لسوء الحظ لن أتمكن هذا المساء "‬
‫من مرافقتك‪ .‬لقد حان شيء ما‪ ." . .‬عض على شفته السفلية ونظر إلى والده بنظرة ندم‪" .‬ليس لدي إذن للحديث عن هذا معك‪،‬‬
‫‪".‬ولكن‪ ." . .‬تردد مرة أخرى‪ ،‬ونظر إليه مرة أخرى جانًبا‪ ،‬ثم قال‪" :‬قد يكون هذا مفيًد ا لك أيًض ا يا ديميرسي‬
‫‪.‬هادي و مسترخي‪ .‬ولكن في الداخل كان هناك حريق‪ .‬يجب أن يقول نعم‪ .‬يجب عليه‬

‫آه‪ ،‬شيء سري؟ القمار يا دافنبورت؟» ابتسم والده ابتسامة مسلية حطمت قلبه للمرة األخيرة‪" .‬آمل أن ال يكون ذلك بالنسبة لك‪" .‬‬
‫‪.‬بقدر ما أنت غير كفؤ‪ ،‬فسوف تخسر كل شيء‬
‫ضحك كريستوفر – بتوتر ولكن بحماس – للمرة األولى‪" .‬ال‪ ،‬لحسن الحظ أنها ليست القمار‪ .‬كما قلت لك‪ ،‬إنه شيء‪ . . .‬خاص‪.‬‬
‫أوه‪ ،‬إلى الجحيم معها! لقد كنت متفهًما جًد ا معي‪ .‬عندما وصلت إلى هذه المدينة‪ ،‬قدمتني إلى المكان الذي لم أكن ألحلم به إال مرة‬
‫»‪.‬واحدة فقط‪ ،‬أود أن أرد لك الجميل‬
‫‪.‬لقد أثارت فضولي كثيًر ا! أبصقها يا دافنبورت"‬
‫"اسمع‪ ،‬هذه هي المرة األولى التي أشارك فيها‪ ،‬ولذا فأنا لست متأكًد ا مما أتوقعه‪ .‬هل سمعت من قبل عن نادي هيلفاير؟"‬
‫"‪.‬توهجت عيون والده بالحسد والمفاجأة‪" .‬بالطبع‪ .‬من لم يسمع عنها؟ لكنها لم تكن هناك منذ فترة طويلة‬
‫هذا صحيح‪ ،‬لكن بعض أصدقائي استخدموه كمصدر إلهام‪ ،‬والليلة يرتدون مالبس ‪ . . .‬دعونا نسميها نوعا خاصا من الترفيه‪" . . .‬‬
‫"‪.‬على بعد أميال قليلة من هنا‬
‫"اجتماع سري خاص جًد ا‪ ،‬هل تقول ذلك؟"‬
‫تماًم ا‪ .‬لقد فاتني االجتماع األول الذي عقدوه في لندن‪ ،‬اللعنة‪ ،‬ومما أخبروني به‪ ،‬فإن تفويت االجتماع كان خطأ من جانبي‪ .‬خطأ "‬
‫‪.‬كبير جدا‪ .‬ويبدو أنهم يفعلون‪ . . .‬أشياء خاصة‪ .‬وال يفعلون نفس األشياء مرتين أبًد ا‪ ،‬فهذه إحدى قواعد النادي‬
‫"‪.‬يبدو األمر محفًز ا للغاية"‬
‫إنه كذلك‪ .‬سوف ترى‪ .‬وأكد "إنه كذلك"‪" .‬المشكلة الوحيدة ‪ ." . .‬أعطاه نظرة متشككة‪" .‬المشكلة الوحيدة هي السرية‪ .‬ال يريد‬
‫أصدقائي المخاطرة برؤيتهم من قبل أشخاص غير جديرين بالثقة‪ ،‬ألن ‪ . . .‬ألنه في بعض األحيان يمكن أن تخرج األمور عن‬
‫السيطرة‪ ،‬كما يقولون‪ .‬نحن رجال‪ ،‬في النهاية‪ ،‬وذوي دماء حارة ‪ -‬أليس هذا ما تقوله دائًما؟ وال أحد يريد شهوًد ا إذا كان شخص ما‪.‬‬
‫"‪ . ..‬إذا كانت بعض النساء‪ . . .‬اشتكى أو أصيب‬
‫"‪.‬ضيق ليوبولد عينيه ونظر إليه باهتمام شخص يعرف ما كان يتحدث عنه‪" .‬أفهم‬
‫‪).‬لقد انتهى األمر تقريًبا يا كريستوفر(‬
‫قال‪" :‬لقد أخذت السيارة"‪" .‬إذا أتيت معي‪ ،‬فسوف أقود األمر بنفسي‪ .‬الجو مشرق الليلة‪ ،‬ولن أواجه أي مشاكل في العثور على‬
‫الطريق‪ .‬قال وهو يبتسم لوالده بنظرة الشريك قبل السرقة‪" :‬لست قلًق ا بشأن طريق العودة‪ ،‬ألنه سيكون بالفعل قد بزغ الفجر بحلول‬
‫‪".‬ذلك الوقت‬

‫"‪.‬لقد قلت أنه سيكون ترفيًها فريًد ا يا دافنبورت"‬


‫"‪.‬فريد‪ .‬أجاب‪" :‬هكذا يبدو"‪" .‬إذا كنت ال ترى ذلك‪ ،‬فسأضطر إلى إبالغك عما إذا كان األمر يستحق ذلك أم ال‪ ،‬يا سيدي‬
‫إنه أمر مثير لالهتمام‪ ،‬اللعنة‪ ،‬حتى لو لم يكن شيًئ ا جديًد ا بالنسبة لي‪ ،‬على ما أعتقد‪ ".‬كان يحك أنفه‪ ،‬وهي عادته عندما يكون "‬
‫متحمًس ا بشكل خاص‪ ،‬كما الحظ كريستوفر‪" .‬ليس لديك الكثير من الخبرة في هذا النوع من األشياء ‪ -‬ليس بعد على األقل ‪ -‬إال أنا يا‬
‫كريستوفر‪ . . .‬أه آسف‪ ".‬توقف مؤقًت ا بينما انتشرت االبتسامة على وجهه‪" .‬لقد استخدمت اسمك األول‪ .‬آمل أنك لم تشعر باإلهانة‪.‬‬
‫‪.‬أنت أصغر مني كثيًر ا لدرجة أن األمر خرج تلقائًيا‬
‫لحظة صمت وحيرة حائرة‪ .‬ثم هناك عاطفة مختلفة أيًض ا‪ :‬األلم‪" .‬دافنبورت" لم يكن ملًك ا له‪ ،‬لكن "كريستوفر" كان اسمه ‪ -‬اسمه‬
‫‪.‬اللعين ‪ -‬ولم يرد أن يستخدمه والده‪ .‬لم يكن يريد ذلك‪ ،‬اللعنة‬
‫‪.‬يمكنك االتصال بي كما تريد‪ ،‬ديميرسي‪ ".‬وقل نعم‪ .‬تعال معي يا أبي"‬
‫شكًر ا لك كريستوفر‪ ".‬فنظر إليه بلطف‪ .‬أو بما يمكن اعتباره لطًف ا معه‪ ،‬أي أنه ربما كان أكثر عطًف ا منه لطيًف ا‪" .‬يبدو لي أنك غير "‬
‫صبور جًد ا للوصول إلى الترفيه الليلة‪ ،‬أم أنني مخطئ؟ من الواضح أنك تشعر بالوحدة الشديدة اآلن بعد أن أصبحت أنت‬
‫"‪.‬وزوجتك‪ . . .‬يعيشون منفصلين‬
‫)‪.‬هل ترى كيف يستمتع بوقته؟ تفضل يا كريستوفر‪ .‬اجعله يستمتع أكثر(‬
‫سواء كان هذا مفاجأة أو غضب كريستوفر‪ ،‬فإنه لم يكن له أي معنى‪ .‬لقد كان األمر معروًف ا في المدينة‪ ،‬ولم يكن بوسع والده تجنب‬
‫"‪.‬إثارة هذه المشاكل‪ ،‬حتى لو أراد ذلك‪ .‬لقد كان جزًءا أساسًيا من طبيعته‪ ،‬بعد كل شيء‪" .‬أنا ال أنكر ذلك يا سيدي‬
‫ذهب ليوبولد إلى طاولة المشروبات الكحولية ومأل كأسين بالويسكي‪" .‬شكًر ا لك يا سيدي‪ ،‬ولكن‪ ." . .‬قال كريستوفر وهو يحاول‬
‫‪.‬إيقافه‬
‫"‪.‬هيا‪ ،‬أنت ال تريد مني أن أشرب وحدي"‬
‫"‪.‬ال بالطبع أل"‬
‫)‪.‬رشفة واحدة فقط يا كريستوفر‪ .‬ثم عندما تنتهي‪ ،‬يمكنك أن تشرب زجاجة كاملة‪ .‬اثنتان‪ .‬مائة(‬
‫‪.‬اقترب منه والده وهو يمد له الزجاج‪ .‬قبلها كريستوفر بابتسامة وبالكاد يبلل شفتيه بها‪ .‬أثاره الخمور‬

‫أود أن أشرب نخبك يا كريستوفر‪ ".‬رفع ليوبولد كأسه‪" .‬واآلن بعد أن أفكر في ذلك‪ ،‬الذهاب معك هذا المساء يمكن أن يكون أفضل "‬
‫"‪.‬وسيلة لالحتفال باألرباح التي حققتها بالنسبة لي‬
‫‪.‬هذا كل شيء‪ .‬هذه هي الطريقة الوحيدة يا أبي‪ .‬يقول لي نعم‪" .‬األرباح التي أنت على وشك تحقيقها"‪ ،‬صححه بطريقة آلية‬
‫"‪.‬ال‪ ".‬أعطاه ليوبولد ابتسامة لطيفة‪" .‬الربح الذي حققته‪ .‬بعد ظهر هذا اليوم فقط"‬
‫لم يقل كريستوفر شيًئ ا‪ .‬ال شئ‪ .‬ولم يتردد إال قلبه‪ . . .‬اه قلبه ألم يكن قلبه قد اكتشف ذلك بالفعل؟‬
‫‪.‬ألم يعد ابن عمك من لندن؟" ‪ -‬سأل ليوبولد"‬
‫‪.‬حتى دمه تسارع بجنون‪ ،‬ولكن بال نهاية – لم يكن هناك مخرج‪ ،‬وال أمل ممكن‬
‫"‪.‬ألم يخبرك بشيء؟" ضحك ليوبولد‪" .‬إنه لطيف‪ ،‬صديقك هذا‪ .‬روبرت باريت"‬
‫واصل كريستوفر النظر إلى ليوبولد دون أن يتكلم‪ .‬لقد أصبحت رؤيته ضبابية من الضغط الذي كان يشعر به في صدغيه‪ ،‬أو ربما‬
‫‪.‬من انهيار الوهم الذي استمر مدى الحياة‪ .‬انهيار الشيء الوحيد المهم حقا‬
‫‪.‬رمش‪ .‬عاد العالم من حوله إلى التركيز‬
‫‪.‬أخذ ليوبولد رشفة من الويسكي‪" .‬أنت ال تقول أي شيء يا كريستوفر‪ ،‬يا ولدي‪ .‬عادًة ما تكون على استعداد لتأييد أي بيان لي‬
‫‪.‬الصمت‬
‫ال؟" ابتسم ليوبولد بسخرية‪" .‬حسًن ا‪ ،‬هذا يعني أنني سأقوم بالتحدث إذن‪ ".‬جلس على حافة المكتب‪ ،‬ممدًد ا ساقيه أمامه‪ ،‬مسترخًيا‪" .‬‬
‫مثل هذه الوضعية غير الرسمية؛ واثق جدا من نفسه‪ .‬نموذجي جًد ا لكريستوفر‪" .‬كان صديقك سعيًد ا جًد ا عندما اتصلت به قبل بضعة‬
‫"‪.‬أسابيع ألشرح له أنه يمكنه الحصول على المزيد من الصفقة معي مقارنة بما وعدته به‬
‫‪ . . .‬احصل على المزيد مقارنة بـ ‪. . .‬‬
‫رقصت الكلمات في ذهن كريستوفر‪ ،‬وهرب المعنى منه‪ .‬بدا وكأنه يستشعر في فمه طعًما حلًو ا‪ ،‬مثل طعم اللوز والكراميل‪ ،‬طعم‬
‫الخيانة الحلو الذي ال ُينسى‪ .‬هل كان متفاجًئ ا حًق ا؟ منذ سنوات مضت‪ ،‬ألم تقل له فتاة‪" :‬أنت ولد صغير جيد" وأعطته قبلة على‬
‫جبهته‪ ،‬ثم باعته لبرنارد جونز؟‬

‫من المحتمل أن ابن عمك لم يعثر على باريت في لندن يا كريستوفر‪ .‬إنه أمر مؤكد بالفعل‪ ،‬ما لم يتمكن بوبي من التواجد في مكانين"‬
‫في وقت واحد ‪ -‬وهو ما أشك فيه‪ ،‬مع األخذ في االعتبار أنه رجل صغير غير مهم لدرجة أنه بالكاد قادر على التواجد في مكان‬
‫‪.‬واحد‪ .‬لقد كان هنا شخصيا بعد ظهر هذا اليوم لصرف بعض األسهم الجديدة‬
‫أفرغ كريستوفر كأسه وأحس بالكحول يحرق حلقه مثل األلم الذي يحرق أحشائه‪ .‬مشى نحو الطاولة ووضع الزجاج جانًبا‪ ،‬ثم عاد‬
‫‪.‬إلى منتصف المسافة عبر الغرفة‬
‫لقد أرادوا استثمار الكثير اليوم"‪ ،‬قال ذلك الصوت الناعم القادم من شفتي والده‪ ،‬والذي تحول إلى ابتسامة شخص فاز‪" .‬صديقك "‬
‫جوتمان‪ ،‬على سبيل المثال‪ .‬وعشرات من صغار المزارعين المحليين الذين انتهزوا الفرصة لالستثمار في نطاق ‪ . . .‬ماذا تسميها يا‬
‫‪.‬كريستوفر؟ 'هرم'؟" كان وجهه مالئكيًا رغم كل شيء‪ .‬خداع كامل للطبيعة‪ .‬لم يكن لديك أمل يا أمي‪ .‬ليس مع هذا الرجل‬
‫تابع ليوبولد‪" :‬ربما نسيت أن أخبرك بهؤالء األعضاء الجدد‪ ،‬لكنني آمل أال أكون قد أزعجتك‪ .‬يجب أن تكوني سعيدة‪ ،‬كما تعلمين‪.‬‬
‫لقد أدت قوانين األسوار إلى انخفاض كبير في أعداد صغار المزارعين ‪ -‬حتى لو كانوا قد جمعوا لي معظم ثروتي ‪ -‬ويواجه هؤالء‬
‫القالئل مشاكل ال حصر لها في تدبر أمورهم‪ .‬بالنسبة لهم‪ ،‬كانت هذه الصفقة بمثابة شعاع من الضوء في أحلك األيام‪ .‬ابتلع كأسه في‬
‫جرعة واحدة ووضعها على المكتب‪ .‬وتابع بنبرة ندم‪« :‬نعم‪ ،‬من المؤسف أن يستيقظوا جميًع ا غًد ا وليس في أيديهم أي شيء‪ .‬أعتقد‬
‫أن صديقك هذا وغد يا كريستوفر ومن المحتمل أن يهرب بكل أمواله الليلة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬بالنسبة لي‪ ،‬فقد استردت كل ما استثمرته‪ ،‬بما‬
‫في ذلك الربح الذي توقعته ‪ -‬وفي الواقع‪ ،‬حتى مع القليل اإلضافي‪ ،‬سأخبرك‪ .‬أليس هذا رائعا بالنسبة لك أيضا؟ إذا لم أكن مخطًئ ا‪،‬‬
‫‪.‬فأنت أحد أكبر دائني‪ .‬فكر فقط‪ :‬اآلن سوف أكون قادًر ا على سداد كل ما أدين لك به‪ ،‬وفي وقت أقرب بكثير مما كان متوقًع ا‬
‫‪.‬لعدة لحظات طويلة‪ ،‬كان الصوت الوحيد في الغرفة هو تكتكة الساعة‬
‫‪.‬تيك‪ ،‬توك‪ ،‬تيك‬
‫)هل سمعت ذلك يا كريستوفر؟ هذا كل ما عليك قوله؟(‬
‫‪.‬توك‬
‫ثم مأل صوت ليوبولد الغرفة مرة أخرى‪" .‬ال يبدو أنك جيد جًد ا‬
‫سعيد بالنسبة لي‪ ،‬كريستوفر‪ ،‬يا ولدي‪ .‬كان والده يتمتع بروح ممثل كوميدي‪ ،‬وتصرف طبيعي حقيقي‪" .‬أنت قلق بشأن هؤالء‬
‫المزارعين؟ أنت‬

‫ال ينبغي أن يكون‪ .‬لقد كانوا سعداء‪ ،‬على األقل لهذا اليوم‪ .‬وما قيمة لحظة الفرح‪ ،‬حتى لو جرفتها صحوة قاسية؟ ضحك وهو يهز‬
‫رأسه‪" .‬يا إلهي‪ ،‬لقد أصبحت مثل ابني الغبي‪ ،‬أليس كذلك؟ شاعر دموي‪ ".‬توقف مؤقًت ا ونظر إليه بأعين نصف مغلقة‪" .‬أرى أنه ال‬
‫‪.‬يزال لديك ما تقوله يا كريستوفر‪ .‬حسًن ا‪ ،‬اسمح لي أن أستمر‪ ،‬وال تخف من مقاطعتي إذا أصبحت عاطفًيا للغاية‬
‫‪.‬رفع كريستوفر رأسه عاليًا‪ ،‬وثبت عينيه على والده‪ ،‬متجاهًال ساقيه المهتزتين بشكل خطير‬
‫‪.‬كان عليه أن يفكر – وبسرعة‬
‫هل تعرف الشيء المضحك؟ بالنسبة لي‪ ،‬فشل هؤالء المزارعين أفضل من الربح الذي حققته”‪ .‬توقف للتأكيد على الكلمات التي كان"‬
‫على وشك أن يقولها‪" .‬لم أخترهم بالصدفة‪ ،‬على األقل ليس كلهم‪ .‬لقد اخترت بشكل خاص أولئك الذين يجاورون أراضيي‪ .‬وبعضهم‬
‫طلب مني قرضًا للمشاركة في الهرم‪ .‬أليس هذا مسليا؟ اآلن‪ ،‬ببضعة عمالت معدنية فقط‪ ،‬سأمتلك ممتلكاتهم‪ .‬ظهر انتصار ال يمكن‬
‫"‪.‬كبته في ابتسامته‪" .‬كما ذكرت لك قبل بضعة أيام‪ ،‬أنا سعيد جًد ا بانتقالك إلى هنا‪ ،‬دافينبورت‪ .‬ربما كنت سأدمر بدونك‬
‫ببطء‪ ،‬وضع كريستوفر يده داخل معطفه‪ ،‬الذي لم يخلعه عند المدخل‪ .‬أخرج مسدسه ووجهه نحو والده‪ .‬تراجع إلى الوراء‪ ،‬وذهب‬
‫‪.‬إلى الباب‬
‫‪.‬لقد قفله‬
‫ال يبدو أن ليوبولد معجب‪ .‬لم يتسع بؤبؤ عينيه‪ ،‬ولم يلمع وجهه بالرعب‪ .‬كان كريستوفر قد صوب مسدسه عدة مرات نحو أشخاص‬
‫‪.‬آخرين‪ ،‬وكان يتوقع رد فعل مختلًف ا عن رد فعل والده‬
‫)‪.‬لكنه ليس مثل "األشخاص اآلخرين"‪ ،‬أليس كذلك؟ إنه والدك(‬
‫"هل كان هذا هو الترفيه الخاص الذي أعددته لي يا كريستوفر؟"‬
‫فم كريستوفر اللعين‪ .‬لم يستطع أن يبتسم‪ .‬ثم‪ ،‬في محاكاة ساخرة لالبتسامة‪ ،‬تحدت شفتاه الجاذبية وانحنت إلى األعلى‪ .‬أجاب بهدوء‪:‬‬
‫"‪".‬نعم‪ ،‬هذا كل شيء في األساس"‪" .‬إذا كنا ال نريد تقسيم الشعر‪ ،‬كما يفعل الشعراء‬
‫هذه الكراهية التي تكنها لي أمر ممتع للغاية‪ ،‬يجب أن أعترف بذلك‪ .‬لكن حتى باريت لم يعرف السبب‪ .‬هل تتفضل بشرح ذلك لي "‬
‫"قبل أن تقتلني؟‬
‫ال‪ ".‬لقد كان صحيحا‪ .‬لم يعد يريد أن يشرح أي شيء بعد اآلن‪ :‬ال جمل منمقة‪ ،‬وال ضريح‪ .‬ال وداعا‪ .‬لقد كان متعبًا‪ ،‬وهو فقط"‬

‫أراد قتله‪ .‬في الحال‪ .‬بهذا المسدس‪ .‬لم يكن األمر شاعرًيا‪ ،‬لكن هذا لم يكن مهًما‪ .‬ولم يكن من المهم أيًض ا أال يعتقد أحد أنه كان‬
‫انتحاًر ا‪ .‬كان عليه أن يهرب في تلك الليلة بالذات‪ ،‬واآلن‪ ،‬بعد أن تم الفعل‪ ،‬لن يكون هناك ما يبقيه هنا‪ .‬نظر من النافذة المفتوحة‬
‫‪.‬لمكتب الطابق األرضي‪ :‬كان عليه فقط الخروج من ريفرستون مانور حًيا‪ ،‬وفي كوكستون لن يسمعوا منه مرة أخرى أبًد ا‬
‫"أال تعتقد أنني أستطيع الصراخ؟"‬
‫"‪.‬تفضل‪ ".‬رفع المسدس بيد ثابتة‪" .‬سأقتلك قبل أن يأتي أي شخص"‬
‫"‪.‬سوف يعتقلونك"‬
‫"‪.‬ال أهتم"‬
‫تنهد ليوبولد‪ ،‬كما لو كان منزعجا‪ .‬ثم قام وابتعد‬
‫‪.‬من المكتب‬
‫‪.‬ال تتحرك يا ديميرسي‪ "،‬أمره كريستوفر"‬
‫لم يعره ليوبولد أي اهتمام وسار معه إلى طاولة المشروبات الكحولية‬
‫ظهره له‪" .‬أوه‪ ،‬أنا متأكد من أنك ستسمح لي بشرب شيء ما قبل أن تقتلني‪ ".‬سكب بضعة أصابع من الويسكي في كأس‪ .‬لم يكن في‬
‫"عجلة من أمره‪ .‬بدا صوت سقوط الخمر في الزجاج وكأنه لن ينتهي أبًد ا‪ .‬ثم التفت نحوه‪" .‬أليس كذلك يا كريستوفر؟ ‪ . .‬ابني؟‬
‫)أليس كذلك يا كريستوفر؟(‬
‫لم يستطع اإلجابة‪ ،‬ألن عقله ظل فارًغ ا تماًم ا لعدة لحظات‪ .‬لقد حاول جمع أفكاره‪ ،‬ولكن فكرة واحدة فقط‪ ،‬واحدة فقط‪ ،‬عادت إليه‬
‫‪.‬بقلق شديد مراًر ا وتكراًر ا‪ :‬إنه يعرف‪ .‬لقد عرف دائما‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪40‬‬
‫‪.‬كل العائالت السعيدة تشبه بعضها البعض؛ كل عائلة غير سعيدة هي غير سعيدة بطريقتها الخاصة‬
‫ليو تولستوي‪-‬‬
‫ابتسم ليوبولد‪ ،‬وكان كريستوفر متأكًد ا من أنه لن ينسى أبًد ا حالوة تلك االبتسامة‪" .‬هل تعتقد حًق ا أنني ال أعرف يا بني؟ كنت أتمنى‬
‫‪.‬أن تكون قد حصلت على القليل من ذكائي على األقل‬
‫"حتى متى؟" تمكن من سؤاله بصوت ثابت‪ ،‬بعد أخذ كل األمور بعين االعتبار‪" .‬إلى متى؟"‬
‫أجاب والده‪" :‬أوه‪ ،‬لسنوات عديدة"‪ .‬كان هناك تسلية في صوته وسخرية محببة‪ .‬والمخيف أن تحت ذلك كان الفخر‪ .‬كان فخورًا‬
‫بكريستوفر‪" .‬لقد تابعت صعودك بأكمله‪ ،‬في الحقيقة‪ .‬ويجب أن أعترف أنه يبدو أن أحد أطفالي ليس ضعيًف ا بعد كل شيء‪ .‬أخذ‬
‫ليوبولد رشفة من كأسه‪ .‬لم يكن يمزح اآلن‪ :‬كانت تحياته صادقة‪ .‬صادق بشكل مخيف‪" .‬لقد قطعت شوًط ا طوياًل ‪ ،‬ولم تخف من‬
‫تلويث يديك‪ .‬أحسنت‪ .‬بالطبع‪ ،‬لقد ساعدتك في مناسبتين‪ ،‬في تلك المرة عندما كانوا على وشك إلقاء القبض عليك‪ .‬هل تذكر؟ في بيت‬
‫"‪.‬القمار هذا‪ ،‬لكن تشحيم العجالت الصحيحة أنقذ مؤخرتك‪ .‬يجب عليك حقا أن تشكرني‬
‫نعم‪ ،‬يجب أن أشكرك‪ ".‬وعلى الرغم من كل ذلك‪ ،‬ضحك كريستوفر‪ ،‬ألن والده كان يتمتع بروح الدعابة‪" .‬إذا كنت تعرف من أنا‪" ،‬‬
‫"‪.‬فستعرف لماذا أنت على وشك الموت‬
‫"‪.‬أنت تريد االنتقام ألمك‪ ،‬أليس كذلك؟ مارثا أسكي‪ .‬تلك العاهرة"‬
‫)‪.‬تلك العاهرة‪ ،‬كريستوفر‪ .‬والدتك(‬

‫من الواضح أن ليوبولد كان يأمل أن ُيقتل‪ .‬يعتقد كريستوفر أنه ربما سئم من الحياة‪ .‬ربما كان االستيقاظ كل يوم في هذا الوجود قد‬
‫أرهقه على المدى الطويل‪ .‬من يستطيع أن يلومه؟ وعلى أية حال‪ ،‬فإنه سوف يجد الراحة قريبا‪ .‬أخذ كريستوفر البندقية ووجهها نحو‬
‫"‪.‬قلبه دون أن يرتعش‪" .‬بالضبط‬
‫"‪.‬أتعلم يا بني‪ ،‬أنا ال أفهم لماذا تسبب لها الكثير من المتاعب‪ .‬لقد كانت مجرد عاهرة"‬
‫لم يقل كريستوفر شيًئ ا‪ ،‬وكان مندهًش ا ألنه لم يشعر بأي غضب‪ .‬ظل ينظر إلى ليوبولد‪ ،‬ويتفحص مالبسه الجميلة‪ ،‬ووضعيته‬
‫‪.‬الحازمة‪ ،‬وعيناه الخضراء الجليدية تلمعان بشكل مشرق‬
‫خطا ليوبولد خطوة نحوه‪ ،‬ولم يكن هناك سوى بضعة أقدام بينهما‪" .‬هل تريد أن تعترف بوالدتك كما تستحق يا كريستوفر؟" سأل‬
‫بابتسامة ودية‪ .‬واقترب خطوة أخرى‪" .‬يجب أن تعلم أنه حتى هي كانت تتمتع بصفاتها الجيدة‪ ،‬بطريقتها الخاصة‪ .‬على سبيل المثال‪،‬‬
‫عندما أخذتني بكل شيء في فمها‪ ،‬تمكنت من رؤية الجنة‪ .‬لقد امتصتني كما لو كانت تبتلع روحي‪ .‬كان على وجهه نظرة حالمة‪ ،‬كما‬
‫لو كان يستعيد الذكرى‪" .‬حقًا يا بني‪ ،‬عليك أن تفتخر‪ .‬وعندما أطرحها على مؤخرتها‪ . . .‬يا إلهي‪ ،‬كم أحببت ذلك عندما وضعته في‬
‫‪.‬مؤخرتها‪ .‬لقد استمتعت باألمر كثيًر ا لدرجة أنني اضطررت إلى تغطية فمها لمنعها من الصراخ بصوت عاٍل‬
‫"‪.‬ابتسم كريستوفر‪" .‬أنت تريد أن تموت إذن‬
‫ال يهم ما أريده‪ ،‬كريستوفر‪ ،‬ابني‪ ".‬لقد اتخذ خطوة أخرى أقرب‪ .‬كان المسدس يالمس سترته فوق قلبه مباشرة‪ .‬منبهًر ا‪ ،‬حدق "‬
‫"‪.‬كريستوفر في عينيه‪ .‬عيون رجل كان على وشك الموت‪" .‬لقد وصلت إلى هذا الحد‪ .‬لقد طاردتني طوال هذه السنوات‪ .‬اقتلني االن‬
‫أدرك كريستوفر أن والده سيموت بابتسامة على شفتيه‪ .‬ولم يفاجئه ذلك على اإلطالق؛ ربما كان يعلم دائًما أن هذه ستكون آخر‬
‫‪.‬ذكرى له عنه‪ .‬فأجاب‪" :‬كما تريد يا أبي"‪ .‬ومع ذلك ظل واقًفا بال حراك وذراعه مرفوعة‬
‫تعال‪ .‬أال تريد االنتقام لذكرى تلك العاهرة التي كانت لديك كأم؟"‬
‫)‪.‬أطلق النار يا كريستوفر‪ .‬أطلق النار على تلك االبتسامة(‬
‫‪.‬نعم‪ .‬وأخيرا سأكون حرا‪ .‬لكنه لم يطلق النار‪ ،‬ليس بعد؛ أبقى إصبعه على الزناد وانتظر أكثر‬
‫والدتك لم تتوقف أبًد ا عن حبي‪ .‬هل تعرف أن؟" كانت نبرة والده خفيفة‪ ،‬كما لو كان يتحدث بين األصدقاء‪" .‬ال"‬

‫حتى بعد أن هجرتها‪ ،‬بعد أن استخدمتها كل ما أردت”‪ .‬ضحك‪ ،‬وكان وجهه قريًبا جًد ا من وجه كريستوفر لدرجة أنه كان يشم رائحة‬
‫"الويسكي في أنفاسه‪" .‬هل تتساءل لماذا أنا متأكد جًد ا؟‬
‫)لماذا هو متأكد إلى هذا الحد يا كريستوفر؟(‬
‫هذا ألنني رأيتها مرة أخرى‪ ،‬يا بني‪ ،‬بعد سنوات قليلة‪ ،‬وكانت ال تزال تحبني بجنون‪ ،‬وبشكل يبعث على السخرية‪ .‬آه‪ ،‬والدتك كانت"‬
‫"‪.‬حمقاء‪ ،‬دعني أخبرك‬
‫‪.‬كريستوفر لم يتكلم‪ .‬لم يسأل‪ .‬لكن أعضائه الداخلية كانت مضطربة تماًما‪ ،‬كما لو أنه تم إلقاؤه من عربة مسرعة‬
‫"أنت حقا ال تعرف يا ابني؟"‬
‫‪.‬الصمت‬
‫ال‪ ،‬أعتقد أنك لم تكن تعرف‪ ".‬ابتسم ليوبولد تحسبا‪" .‬لكن أنا"‬
‫أعتقد أنك تستطيع أن تتخيل أين التقيت بها‪ .‬نعم‪ .‬بإمكانه‪ .‬لكنه لم يجيب‪ .‬أمسكت يده بالمسدس بثبات‪ .‬كان بال حراك وتوقف عن‬
‫التنفس‪ .‬تابع ليوبولد بهدوء‪« :‬في بيت الدعارة هذا في كوفنت جاردن‪ ،‬يا بني‪ ،‬نفس البيت‪ .‬أنت تتذكر ذلك‪ ،‬أليس كذلك؟ مكان غريب‬
‫إلى حد ما‪ ،‬قبل أن تشعل النار فيه‪ .‬لقد كنت أحمًق ا عاطفًيا تماًما في تلك المناسبة يا كريستوفر‪ ،‬واعذرني إذا أوضحت لك ذلك‪».‬‬
‫توبيخ حسن النية‪ ،‬مع تساهل النضج تجاه الشباب‪ ،‬أو تساهل األب مع ابنه‪" .‬على أية حال‪ ،‬في أحد األيام ذهبت إلى هناك ألفرغ‬
‫خصيتي قليًال ‪ ،‬ومن أجد هناك؟ أمك‪ .‬تعرفت عليها على الفور‪ ،‬حتى لو كانت مرهقة من قبل كل الرجال الذين مارسوا الجنس معها‬
‫على مر السنين‪ .‬كانت لهجة ليوبولد هادئة تماًم ا‪ ،‬كما لو لم يكن هناك مسدس يصوب نحو قلبه؛ كما لو أنه لم يتعمد استفزاز الشخص‬
‫"‪.‬الذي يحمل هذا المسدس‪" .‬لم أكن أريد أن أكون وقحة‪ ،‬واخترتها في تلك الليلة‬
‫)حًق ا يا كريستوفر؟ هل تريد حًقا أن تعرف؟(‬
‫"لكنني أردت أن أجعل لقاءنا أكثر قليًال‪ . . .‬أنت تعرف ‪ . . .‬حية‪ .‬هل أخبرك كيف؟"‬
‫كانت عيون كريستوفر معتادة على مكتب والده‪ .‬لقد كان هناك كثيًر ا خالل الشهرين الماضيين‪ .‬كان يستطيع أن يتذكر كل كلمة قالها‬
‫‪.‬له‪ ،‬كل ابتسامة‪ .‬لكنه اآلن يشعر وكأنه لم يكن هناك‪ .‬ال‪ ،‬لقد عاد إلى تلك الغرفة بورق الجدران ذو اللون األصفر الفاتح والبيج‬
‫"‪.‬لقد حصلت عليها مع بعض األصدقاء الذين كانوا معي"‬
‫‪ . . .‬الغرفة التي رآها كريستوفر قبل سنوات عديدة‪ .‬لقد استيقظ في سرير في تلك الغرفة‪ ،‬وكانت هناك فتاة ذات ريشة‪ .‬ريشة‬

‫ال تنظر إلي بهذه الطريقة يا كريستوفر‪ .‬لم أفعل الكثير في تلك الليلة‪ .‬لقد قمت في الغالب بمراقبة االثنين اآلخرين‪ ،‬اللذين كانا "‬
‫‪.‬يتناوبان معها‪ ،‬وقدمت لهما بعض االقتراحات‬
‫‪.‬الزهرة على فستانها اهتزت مع جسدها‬
‫"‪.‬لقد كان األمر ممتًع ا جًد ا يا بني‪ .‬ولكن ليس من أجل والدتك‪ ،‬على ما أعتقد‪ .‬لقد بكت طوال الوقت"‬
‫)‪.‬ليس من أجل والدتك‪ ،‬كريستوفر(‬
‫لقد استمتعت حًق ا بهذا المساء كثيًر ا‪ ".‬ابتسم والده‪ ،‬ومرة أخرى تلك الحالوة‪ . . .‬آه‪ ،‬تلك الحالوة‪" .‬لدرجة أنني عدت بعد يومين "‬
‫للبحث عنها‪ ،‬ألنني أردت‪ ،‬كما تعلمون‪ ،‬الظهور مرة أخرى‪ .‬لكن عندما سألت عنها‪ ،‬أخبروني أنها لم تعد تعمل هناك‪ ،‬ولم يتمكن‬
‫أحد من أن يشرح لي كيفية العثور عليها‪ .‬ضاقت عينيه ونظرت إليه وحاولت قراءة أفكاره‪ .‬طفل عار أمام أبيه‪" .‬لكن العاهرات ال‬
‫"يتوقفن عن العمل‪ ،‬أليس كذلك يا بني؟ ماذا حدث لها؟‬
‫)ماذا حدث لها يا كريستوفر؟(‬
‫"هل ماتت؟"‬
‫لم يقل شيئا‪ .‬وشددت قبضته على المسدس‪ .‬لقد دفع البرميل‬
‫‪.‬عميقا قدر استطاعته في صدر والده‬
‫‪.‬دعني أخمن ‪ . . .‬لقد انتحرت"‬
‫)هل تتذكر ما حدث لوالدتك‪ ،‬كريستوفر؟(‬
‫لم يتفاعل على اإلطالق‪ .‬لم يرمش حتى‪ .‬لم يكن ليتحرك أ‬
‫العضالت حتى لو بدأت األرض كلها تهتز‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أومأ ليوبولد برأسه‪ ،‬كما لو كان قد أجاب‪" .‬لكن بالطبع‪ "،‬تمتم‪" .‬لقد تخيلت‬
‫‪”.‬ذلك‪ .‬ففي نهاية المطاف‪ ،‬كانت دائمًا فاشلة‬
‫تنحنح كريستوفر‪ ،‬وبدا هذا الفعل البسيط هو األصعب في حياته كلها‪ .‬ربما كان كذلك‪" .‬أود أن أقول أننا قلنا كل شيء حًق ا‪ . . .‬أبي‪"،‬‬
‫"‪.‬قال‪ ،‬هامًد ا ومرهًق ا ولكنه قرر أخيًر ا إنهاء هذه القصة‪" .‬اآلن سأقتلك‬
‫‪.‬حدق في عيني ليوبولد‪ ،‬واقتربا بشكل غير محسوس‪ .‬ضغطت فوهة المسدس بشكل أعمق في لحمه‬
‫"‪.‬استمر‪ ،‬أطلق النار يا بني"‬
‫ابتلع كريستوفر لعاًبا من فمه الفارغ‪ ،‬جاًف ا وخشًن ا مثل األرض في أغسطس‪ .‬فكر مرة أخرى في أمه‪ ،‬التي لم تكن حتى الحب الثاني‬
‫‪.‬لليوبولد‪ ،‬بل الحب األلف‪ ،‬أو المليون‪ .‬أمه – لم تكن شيئًا في أعين العالم‬
‫”هيا يا فتى‪ .‬أنت ال تريد االنتظار‪ ،‬أليس كذلك؟"‬

‫‪.‬ارتعشت يد كريستوفر‪ ،‬ونظر إليها وكأنها ال تخصه‪ .‬أمي‪ ،‬أمي‪ ،‬أمي المجروحة‪ ،‬أمي المقتولة‪ ،‬سأنتقم لك‬
‫"‪.‬اضغط على الزناد يا ابن العاهرة"‬
‫هذا الرجل لم ينظر لألسفل لقد قام هو وهو وحده بإبادة وقتل والدة كريستوفر‪ .‬عندما صعدت على ذلك الكرسي ووضعت رأسها في‬
‫تلك المشنقة‪ ،‬عرفت مارثا أنه لن يفتقدها أحد؛ كانت تعلم أن ال أحد سينتقم لها‪ .‬لكنك كنت مخطئة يا أمي‪ .‬عض كريستوفر بقوة على‬
‫شفته ليصرف نفسه عن األلم الذي يطعنه في صدره وبطنه ورأسه وفي كل ذرة من جسده‪ .‬أردت أن تأخذني معك‪ ،‬لكن حياتي‬
‫‪.‬ستكون مفيدة لشيء ما في النهاية‬
‫"‪.‬أطلق النار يا ابني‪ .‬انتقم ألمك"‬
‫نعم‪ ،‬لقد حان الوقت‪ .‬قتله كان على حق وما هو أكثر من ذلك‪ ،‬كان ضروريا‪ .‬قالت له مارثا قبل أيام قليلة من انتحارها‪" :‬الربيع قادم‬
‫"‪.‬يا عزيزي"‪" .‬ستكون األمور أفضل في أي وقت من األوقات‬
‫‪.‬استعد إلطالق النار‪ .‬لم تغب عينا أبيه‪ ،‬ولم ينتفض صدره‪ .‬ظل ساكًن ا ومنتبًها‪ ،‬وعلى وجهه ابتسامة طفيفة‪ ،‬غير مفهومة وبعيدة‬
‫أغمض كريستوفر عينيه‪ ،‬وزفر بهدوء‪ ،‬ثم حرك إصبعه ببطء على الزناد‪ .‬لمسه‪ ،‬وشعر بالمعدن البارد تحت إصبعه‪ .‬لقد كان األمر‬
‫جاهًز ا‪ ،‬وكانت العدالة قد انتظرت لسنوات عديدة‪ ،‬سنوات عديدة جًد ا‪ .‬لقد ألقيت والدته في النهر لتتعفن في قبر بال اسم‪ ،‬فُقتلت حياًة‬
‫‪.‬وموتًا‪ .‬لم يستطع قتلها مرة ثانية‪ :‬كان عليه أن يطلق النار‬
‫‪.‬اندلع عرق بارد على جبهته وعلى جلده‪ .‬كان ليوبولد صامتا‪ .‬كان هناك توهج ال يمكن تفسيره في عينيه والذي قتل مارثا‬
‫)‪.‬يجب أن تفعل هذا يا كريستوفر(‬
‫خفف قبضته على السالح‪ ،‬وبدت ذراعه ثقيلة جًد ا‪ .‬ما الذي كان يفعله؟ لماذا لم يضغط الزناد اللعين؟‬
‫‪.‬يا إالهي‬
‫‪.‬كان قلبه ينبض بجنون‪ ،‬ولكن لماذا؟ وأصبحت قوة إصبعه ‪ -‬العدالة ‪ -‬أقل فأقل‬
‫‪.‬يا إالهي‬
‫‪.‬العرق في عينيه‪ ،‬والبرد على جلده‪ .‬وفي قلبه‪ ،‬وفي أنفاسه‪ .‬وعواطفه الزلقة‪ ،‬المتآكلة والعدوانية‪ ،‬تسري في دمه – دم ابن عاهرة‬
‫)!أطلق النار‪ ،‬كريستوفر‪ .‬أطلق النار‪ .‬أطلق النار! أطلق النار(‬

‫‪.‬ال أستطيع أن أفعل ذلك‬


‫كان ال يزال ينظر إلى والده‪ ،‬وكان والده ال يزال ينظر إليه‪ .‬واعترف بصمت أنه ال يستطيع إطالق النار على هذا الرجل‪ .‬لقد كان‬
‫يائًس ا‪ ،‬ولكن أكثر من أي شيء آخر كان مندهًش ا – أذهل عندما وجد وحًش ا تحت سريره‪ .‬لم يصدق ذلك؛ ثم واجهه‪ .‬كان يشعر‬
‫‪.‬بالخوف واأللم بالطبع‪ .‬ولكن األهم من ذلك كله‪ ،‬الدهشة‪ ،‬ألن هذا الوحش كان موجوًد ا وقد لحق به‬
‫‪.‬ال أستطيع أن أفعل ذلك‬
‫أربع كلمات صغيرة‪ ،‬قصيرة جًد ا لدرجة أنها بالكاد كانت موجودة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ها هم — أليس هذا مضحًك ا؟ — أربع كلمات صغيرة‬
‫‪.‬وانتهى كل شيء‬
‫‪.‬سامحيني يا أمي‬
‫خفض ذراعه‪ .‬ثقيلة‪ ،‬خالية من الغضب والحياة‪ .‬ومع ثقله عديم الفائدة‪ ،‬سقطت يده على جانبه دون أن يصدر صوتا‪ ،‬وكان المسدس‬
‫‪.‬ثقيال في يده‪ .‬انهارت كتفيه‪ .‬لقد أصبح أقصر‪ ،‬وأكثر رشاقة‪ ،‬وأصغر مما كان يشعر به منذ عقود‬
‫)‪.‬استرح يا كريستوفر‪ .‬لقد انتهى األمر اآلن(‬
‫لقد أحنى رأسه‪ ،‬وكانت الحرارة الرطبة تمأل عينيه‪ .‬لم يدرك ذلك على الفور‪ ،‬وال حتى عندما بدأت الدموع تتساقط على خديه‪ .‬ومع‬
‫‪.‬ذلك‪ ،‬كانت طقوًس ا ال ُت نسى‪ ،‬على الرغم من أنه كاد أن ينساها‪ .‬طقوس قديمة وأبدية‬
‫‪.‬مرت دقيقة‪ ،‬ثم دقيقتين‬
‫ثم وضع ليوبولد يده على رأس كريستوفر‪ ،‬وقربه منه أكثر‪ .‬لمست معابدهم‪" .‬هل تعتقد أن األمر سيكون سهًال يا بني؟" سأله في‬
‫همس لطيف‪" .‬هل تعتقد أنه سيكون من السهل أن تنظر إلى وجه رجل وتقتله؟" تحركت أصابعه بخفة على رأس كريستوفر‬
‫‪.‬المنخفض مع لمحة من المداعبة التي يعطيها األب لطفل يبلغ من العمر خمس سنوات‬
‫لم يجب كريستوفر‪ ،‬ووضع يده على عينيه‪ .‬سقط المسدس من يده األخرى‪ ،‬وسقط بقوة على سجادة أرضية المكتب‪ .‬بكى دون أن‬
‫‪.‬يصدر أي صوت‬
‫وبعد لحظات قليلة‪ ،‬أزال ليوبولد يده أخيًر ا وتراجع خطوة إلى الوراء‪" .‬حسنا" قال بدون انفعال في صوته لم يكن هناك سوى البرودة‬
‫اآلن‪ .‬انتهت اللعبة مرة واحدة وإلى األبد‪" .‬إذا لم يكن هناك شيء آخر يا كريستوفر‪ ،‬لدي بعض األشياء للقيام بها اآلن‪ ".‬فابتعد عنه‬
‫واتجه نحو الباب‪ .‬كانت خطواته تحمل مشية النصر الهادئة‪ .‬أدار المفتاح بهدوء وفتح الباب‪ .‬تالشت خطواته وهو يبتعد عنه في‬
‫‪.‬الردهة الفارغة‬

‫كريستوفر لم ينظر لألعلى‪ .‬وألول مرة منذ سنوات عديدة‪ ،‬احترقت عيناه بالدموع الغزيرة‪ ،‬التي تدحرجت على وجهه ومداعبت‬
‫‪.‬جلده‪ .‬أعاده ذلك إلى اللحظة الحتمية التي كان يخافها أكثر من غيرها‬
‫‪.‬اللحظة التي كان عليه أن يواجه فيها نفسه‬
‫وضع يده على عينيه‪ ،‬وهو يبكي ويمتص الهواء إلى أعماق روحه‪ .‬كانت الثواني تدق على مدار الساعة في المكتب‪ ،‬ولم تتوقف؛ لم‬
‫‪.‬يتوقف أي شيء من حوله‪ ،‬لكن كريستوفر لم يكن قادًر ا على الحركة‪ ،‬معلًق ا في الزمن الذي بدا وكأنه ال ينتهي أبًد ا‬
‫أوه‪ ،‬مامي‪ .‬كان يجب أن أموت حينها‪ .‬رفع وجهه إلى السماء – إلى السقف – في وضعية كانت نموذجية بالنسبة له في األيام‬
‫المشمسة‪ ،‬عندما كانت أشعة الشمس تشعره بالقوة‪ .‬واآلن فقط الدموع نزلت ببطء‪ ،‬وبللت جلده ورقبته ووشاح رقبته‪ .‬لقد كنِت على‬
‫‪.‬حق يا أمي‪ .‬لقد كنت دائما على حق‪ .‬و اليوم ‪ . . .‬اليوم قتلتك‪ . . .‬مرة اخرى‬
‫مسح وجهه بيده‪ ،‬وفرك ظهرها على أنفه‪ ،‬مثل الطفل الذي عاد فيه‪ .‬كم دقيقة مرت؟ عشرة؟ مائة؟ لكن ما الذي يهمه ذلك اآلن؟ لم‬
‫يعد هناك أي عجلة‪ ،‬ولم يعد هناك أي هدف‪ .‬نظر حوله ونظر إلى ذلك المكتب الذي يشبه مكتبه تماًما‪ ،‬حتى الرائحة ‪ -‬مزيج من‬
‫الكحول والحبر والوثائق القديمة‪ ،‬وربما حتى رائحة غليون غامضة‪ .‬كان المسدس عند قدميه‪ ،‬لكنه لم يلتقطه‪ .‬رفع يديه ونظر إلى‬
‫‪.‬راحتيه‪ .‬ال يزال مندهشا‪ ،‬ال يزال غير مصدق‪ .‬لم تكن أيديه تهتز‪ ،‬لكن حتى أنهم خانوه‬
‫خفض رأسه‪ .‬انحنى إلى األسفل‪ ،‬وتوجه نحو الباب‪ .‬خرج عبر الممرات الطويلة ووجد نفسه بالخارج‪ ،‬في حلم تقريًبا‪ ،‬ثم جلس في‬
‫عربته‪ ،‬دون أن يعرف حتى كيف دخل‪ .‬حرك الزمام وانطلق الحصان حامًال روحه مثل شارون المثير للشفقة‪ . .‬لم يشعر بيديه‬
‫وقدميه وذراعيه وساقيه‪ .‬ولم تعد حواسه ملًك ا له‪ .‬كانت الصدمة التي لحقت بجسده جسدية قبل أن تكون عقلية‪ ،‬وتنفسه غير المنتظم‬
‫‪.‬أدخله في ذهول حيث كان قلبه يضخ تدفًق ا مستمًر ا من الدم المجنون غير المعقول‬
‫في حالته المضطربة‪ ،‬لم يهدأ على الفور‪ ،‬بل ببطء شديد‪ ،‬شيًئ ا فشيًئ ا‪ ،‬في هواء المساء المنعش‪ .‬سار في الطرق المهجورة دون أن‬
‫يتعرف عليها‪ ،‬ذهابا وإيابا‪ ،‬في دائرة‪ ،‬بال منطق‪ .‬كان يود لو كان باسيليوس معه؛ كان يود أن يركض تحت القمر‪ ،‬متشبًث ا بباسيل‪،‬‬
‫‪.‬متسابًق ا ضد الليل ‪ -‬وربما يخسر‪ ،‬ولكن معه‬

‫ماذا اآلن؟‬
‫أعطى ضوء القمر للعالم شحوًبا بارًد ا وكئيًبا‪ ،‬وكانت األصوات البعيدة غير مفهومة وغير مألوفة‪ .‬كان الطفل سيشعر بالخوف‬
‫‪.‬وسيبحث عن مكان يختبئ فيه ‪ -‬مكان صغير وسري يمكنه أن ينتظر فيه ضوء النهار المهدئ‬
‫‪.‬سأغادر‪ ،‬كما هو مخطط‬
‫‪.‬يا لها من كارثة خلقها‪ .‬لم يقتصر األمر على أنه لم يقتل والده فحسب‪ ،‬بل دمر معظم المزارعين في المنطقة‬
‫‪.‬الصبر‪ .‬أنا بالتأكيد ال أستطيع سداد كل منهم بنفسي‬
‫هل يمكنه؟‬
‫‪. . .‬ربما لذلك‪ .‬ربما أستطيع أن أدفع لهم مرة أخرى‪ ،‬ولكن ليس من هنا‪ .‬علي أن أذهب بعيدا‪ .‬إذا تورط ماثيو‪ ،‬وساعده دانيال‪ ،‬وأنا‬
‫‪.‬أدرك أنه كان في طريقه إلى المنزل المبني من الطوب األحمر‪ .‬لقد كان هناك تقريًبا‪ ،‬ربما على بعد أقل من نصف ميل‬
‫‪.‬هذا صحيح فقط‪ ،‬قال لنفسه‪ .‬آنا تستحق الوداع مني‪ .‬ومن المفارقات أن الوحيدة التي دفعت ثمن ثأري السخيف كانت هي‬
‫مر بالمنزل المسكون ووصل إلى الممر المليء بأشجار الزيزفون‪ .‬صعد ببطء‪ ،‬وأوقف العربة على مسافة قصيرة‪ .‬ألنه جاء متأخرا‬
‫‪.‬جدا؛ كانت آنا واألطفال نائمين بالتأكيد‬
‫نزل من العربة واقترب من المنزل‪ .‬يجب أن يكون شخص ما مستيقظا؛ كان هناك ضوء في نافذة المطبخ‪ .‬مشى نحو النافذة‪ ،‬وتوقف‬
‫‪.‬إلى جانبها‪ ،‬وأسند ظهره إلى الحائط مثل لص أو طفل يلعب لعبة الغميضة‪ .‬ألقى نظرة خاطفة على الداخل وكان قلبه يتألم‬
‫‪.‬زوجته‪ .‬لقد كانت زوجته‬
‫كانت تجلس على الطاولة‪ ،‬متكئة على دمية‪ ،‬الدمية التي كسرها بنفسه‪ ،‬واعترف بذلك بألم‪ .‬كانت آنا تحمل مالقًط ا في يدها وكانت‬
‫تلصق بعناية القطع التي سقطت من ذلك الوجه الخزفي‪ .‬في صندوق على الطاولة كانت هناك شظايا مختلفة لما كان كامًال في‬
‫السابق‪ .‬يبدو أن الجزء األكبر من العمل قد انتهى؛ لم يتبق سوى أصغر القطع‪ ،‬وقامت آنا بتجميعها بدقة لطيفة‪ .‬لقد كانت جادة‬
‫‪.‬وحذرة‪ ،‬وكانت تتمتم بشيء بينما بالكاد تحرك شفتيها‪ .‬إنها تتحدث إلى الدمية‪ ،‬فهم كريستوفر‪ ،‬وظهرت ابتسامة خفيفة على شفتيه‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫‪41‬‬
‫استمتع بالحياة مع المرأة التي تحبها‪ ،‬كل أيام حياتك الباطلة التي أعطاك إياها تحت الشمس‪ ،‬ألنها نصيبك في الحياة وفي تعبك الذي‬
‫‪.‬تتعب فيه تحت الشمس‬
‫سفر الجامعة‪-‬‬
‫عاد إلى الخلف ودخل المنزل عبر النافذة ذات القفل الملتوي‪ .‬لم يحاول المشي بهدوء أثناء توجهه نحو المطبخ؛ جعل خطواته ثقيلة‬
‫‪.‬عمدا‪ ،‬مدوية في المنزل والجميع نائمون‪ .‬أراد أن تعرف زوجته ما سيأتي‬
‫رأى من الردهة المدخل المضاء‪ ،‬فانجذب إليه مثل الفراشة‪ .‬لقد جاء إلى النور دون أن يتوقف ولو للحظة واحدة؛ إذا كان سُيحرق‪،‬‬
‫‪.‬فمن األفضل أن يتخلص من األمر‬
‫‪".‬قال فجأة وهو يتوقف عند المدخل‪" :‬لن تتمكن أبًد ا من إعادتها كما كانت من قبل يا آنا‬
‫لم ترفع نظرها عن الدمية على الطاولة أو تستجيب‪ .‬كانت ترتدي مالبس سوداء‪ ،‬وعيناها متعبتان‪ ،‬وحولهما هاالت سوداء‪ .‬لقد بدت‬
‫‪.‬له جميلة جًد ا‬
‫‪.‬اقترب منها وبقي على بعد خطوات قليلة منها‬
‫‪.‬أخذت آنا قطعة صغيرة أخرى من الخزف‪ ،‬لكن يدها كانت ترتجف‪" .‬هل أتيت لكسرها مرة أخرى يا سيدي؟" سألت بهدوء‬
‫اقترب منها كريستوفر وتوقف بجانبها‪ .‬نظر إلى الدمية‪ ،‬وقد كانت شظاياها الملتصقة ببعضها البعض تشكل خطوًط ا باهتة على‬
‫"‪.‬وجهها الذي ال حياة فيه‪ ،‬مثل الندوب‪ .‬وأشار بقسوة‪" :‬إنها مدمرة وقبيحة يا آنا"‪" .‬ارمها بعيدا‬
‫"‪.‬ال"‬

‫"نظر كريستوفر إليها من الجانب‪" .‬ال تقل لي أنك تحبها أكثر اآلن بعد أن أصبحت غير كاملة؟‬
‫صمتت زوجته ولم تنظر لألعلى‪ ،‬لكنه عرف الجواب‪" .‬إذن هذا كل شيء‪ ،‬أليس كذلك؟" أسند جانبه على الطاولة وجلس على‬
‫"‪.‬الحافة‪" .‬هل ترى؟ ربما ليس كل ما فعلته كان سيًئ ا بالنسبة لك‬
‫تنهدت آنا وأنزلت مالقطها دون أن ترفع رأسها‪ .‬واعترفت قائلة‪" :‬ربما لم تعد ذاكرتي كما كانت من قبل‪ ،‬ولكن يبدو لي أنك قلت‬
‫‪".‬إنني لن أراك مرة أخرى أبًد ا‬
‫"‪.‬نعم" وافق وهو ينهض‪" .‬هذا هو الحال‪ .‬لقد جئت فقط ألخبرك بشيء ما"‬
‫‪.‬توقف مؤقًت ا ونظر مرة أخرى إلى الدمية على الطاولة ‪ -‬لم تكن قبيحة جًد ا‪ ،‬لقول الحقيقة‬
‫"ماذا تريد أن تقول لي يا كريستوفر؟"‬
‫"‪.‬تململ‪" .‬سأغادر يا آنا‬
‫"‪.‬لم يكن هناك أي رد فعل منها‪ ،‬وال حتى هزة‪" .‬أفهم‬
‫من المحتمل أن أواجه بعض المشاكل المالية في المستقبل"‬
‫‪.‬أشهر"‪ ،‬أخبرها‪ .‬لم تنظر إليه‪" .‬ولكن ال تقلق بشأن ذلك؛ سأستمر في تغطية جميع النفقات لك ولعائلتك‬
‫"‪.‬أوه"‬
‫"‪.‬جيد‪ ".‬ابتلع لعاًبا بدا وكأنه غبار في حلقه‪" .‬الوداع إذن"‬
‫"‪.‬وداع"‬
‫)‪.‬التنفس مؤلم‪ ،‬أليس كذلك يا كريستوفر؟ لكن األمر قد انتهى اآلن تقريًبا‪ .‬اذهب‪ ،‬انَس (‬
‫مشى إلى الباب وسرعان ما سيختفي من حياة هذه المرأة الشابة التي لم يتمكن من تدميرها‪ .‬والذي‪ ،‬في ضوء البدر‪ ،‬أنقذه على األقل‬
‫‪.‬من هذا الندم‪ .‬ذهب إلى المدخل ووضع يده اليسرى على عتبة الباب‬
‫‪.‬آنا ‪ ." . .‬ولم يلتفت نحوها "‬
‫"ماذا؟"‬
‫‪.‬وداًعا أخيًر ا يا آنا‪ .‬أريد فقط أن أقول لك وداعا مرة أخرى‬
‫"‪.‬احبك آنا"‬
‫‪.‬لقد كانت هذه نهاية ممتازة ليوم مذهل‬
‫لماذا بحق الجحيم يقول مثل هذا الشيء؟‬
‫ألني أحبها في هللا‪ .‬أنا أحبها‪ .‬حب‪ .‬معرفة دون تحول‬
‫حولها‪ ،‬جبان مثل الحب البائس اللعين‪ .‬كان األمر واضًح ا جًد ا‬
‫‪.‬اآلن‪ ،‬واضح جدا‪ .‬التفت‪ .‬لم تستجب آنا لتعليقه وبدًال من ذلك كانت تقوم بتلميع وجه الدمية الغبية بقطعة قماش‬
‫لقد نسي كريستوفر كيف يمكن أن تكون زوجته ال تطاق عندما تريد ذلك‪" .‬حسنا‪ ،‬ال يوجد رد؟" سألها بمرارة‪" .‬لم أكن أتوقع منك‬
‫أن تقفز من الفرح أو ترقص على الطاولة لتقول الحقيقة‪ ،‬ولكن بالتأكيد على األقل جملة صغيرة متغطرسة أو ضحكة متعجرفة‪ .‬أال‬
‫" تشعر بأدنى قدر من السعادة اآلن؟‬
‫‪.‬الصمت‬
‫"‪.‬أال يفاجئك هذا على اإلطالق؟" أصر بغضب‪" .‬اعتقدت أنك ستكون فخورًا"‬
‫نعم‪ ،‬هذا يفاجئني‪ ".‬يبدو أن لهجتها البعيدة وغير المبالية تكذب كلماتها‪" .‬لقد كنت على قناعة أنك لن تلجأ أبًد ا إلى الكذب بشأن "‬
‫‪".‬ذلك‬
‫إنها تعتقد أنك تكذب يا كريستوفر‪ .‬على الرغم من أنك لست كذلك‪ ،‬ليس هذه المرة‪ ،‬أليس كذلك؟ لكن دعها تصدق ذلك‪ ،‬كريستوفر‪( .‬‬
‫)‪.‬ال تتوسل‪ ،‬ال تؤذي نفسك بعد اآلن‬
‫‪".‬وضع يده على جبهته وفركها ببطء‪ .‬تمتم قائًال‪" :‬أنا ال أكذب‬
‫نظرت إليه زوجته بنظرة من األلم واأللم‪ ،‬وشعر كريستوفر بالضياع بعد أن لم يرى عينيها لفترة طويلة – عشرة أيام‪ .‬أسند كتفه‬
‫‪.‬على عتبة الباب محاوًال أن يصمد‬
‫ال‪ ،‬حًق ا‪ ،‬ليس عليك ذلك‪ "،‬كررت وهي تهز رأسها وتبتسم بصوت خافت‪ .‬ابتسامة لم ترسمها على وجهها قبل أن تقابله‪" .‬لن أعود "‬
‫‪".‬إلى دانييل بأي حال من األحوال‪ ،‬إذا كان هذا ما تخاف منه‪ ".‬توقفت ونظرت إلى الوراء‪ .‬قالت بصوت هامس‪" :‬ثأرك آمن‬
‫لي ‪ . . .‬؟" شعر كريستوفر باألرض تنهار تحت قدميه‪ .‬كانت األرض تنهار ولم يتمكن من الوقوف إال بالكاد‪ .‬يا إلهي‪ ،‬ما الذي "‬
‫‪ . . .‬عرفته آنا بالضبط؟ ليس هذا‬
‫"قالت‪" :‬لست متأكدة"‪" .‬لكنني أعتقد أنك قد تكون ابن ليوبولد‪ ،‬وأخ دانيال‪ .‬هل هاذا هو؟‬
‫‪. . .‬شهق كريستوفر للحظة‪" .‬أنت ‪ . . .‬؟ ولكن كيف؟" فإذا علمت زوجته أنه أخو دانيال‪ ،‬إذن‬
‫"‪.‬أنا على حق إذن"‬
‫"كيف ‪ . . .‬كيف عرفت؟ ماثيو ‪ ." . .‬ال‪ ،‬وال حتى ذلك‪ .‬ال‪ ،‬لقد أغمض عينيه‪" .‬ماثيو أخبرك؟"‬

‫أوه كريستوفر‪ ".‬كان صوتها حزيًن ا لكنه متعب‪ ،‬وكأنها استسلمت لتوقع األسوأ‪" .‬أال تثق حتى بابن عمك؟ يجب‪ .‬ال‪ ،‬لم يخبرني‪ ،‬من"‬
‫‪.‬الواضح‪ .‬لقد وجدت الرسائل والوثائق في مكتبك‬
‫في ‪ ." . .‬تمتم كريستوفر‪ .‬لقد قلل من شأن زوجته‪ ،‬وإلى حد كبير‪ .‬أو ربما أدرك أنه بالغ في تقدير نفسه‪" .‬في مكتبي ‪ . . .‬ولكن "‬
‫بالتأكيد‪ .‬في ذلك اليوم‪ ،‬قبل الرحلة إلى لندن‪ ،‬عندما اختفيت لمدة ثالث ساعات في منزلي‪ ." . .‬انه متوقف‪ .‬ما اسمه ذلك الشيء الذي‬
‫ولد بين األنقاض؟ تلك الزهرة في وسط النار التي تدوم ما دامت هناك حياة؟ "لقد عرفت الحقيقة يا آنا‪ ،‬عندما طلبت مني مغادرة هذا‬
‫"‪.‬المنزل‬
‫لقد تجاهلت هذه الكلمات‪" .‬ماذا حدث لوالدتك كريستوفر‪ ،‬لتجعلك تكره عائلة ديميرسي كثيرًا؟ أخبرني‪ .‬أنا ‪ . . .‬أعتقد أنك مدين لي‬
‫"‪.‬بذلك‬
‫لقد كان مديًن ا لها بذلك‪ .‬أجاب‪" :‬لقد ماتت"‪ .‬كلمتان‪ ،‬غير كافية وباهتة‪ ،‬ولكن بالمعنى األكبر كان كل شيء هناك‪ ،‬هناك‪" .‬ماتت‬
‫والدتي بسبب ليوبولد ديميرسي‪ ".‬خفض رأسه مبتسما‪ .‬ابتسامة مريرة بالطبع‪ ،‬وهو ال يزال يسمع صوت والده داخل رأسه‪ .‬وأوضح‬
‫بهذا الصوت‪" :‬لقد كانت فاشلة"‪" .‬و أنا أيضا‪ ".‬لقد شاهد زوجته‪ ،‬البعيدة جًد ا عن كل هذا البؤس‪ُ ،‬ت جر ببراءة إلى الوحل‪" .‬آنا‪ ،‬لماذا‬
‫‪.‬لم تخبري دانيال بما اكتشفته؟" سألها بهدوء حيث امتأل قلبه مرة أخرى بأوهام غبية‬
‫‪.‬لم تجب زوجته ولم ترفع رأسها لتنظر إليه‪ .‬ربما لم يقل أي شيء على اإلطالق‬
‫‪.‬آنا‪ ،‬لم أكن أكذب عليك من قبل‪ .‬إذا كنت تريد أن تعرف‪ ،‬فإن ثأري لم يعد موجوًد ا‪ . . .‬و ‪ . . .‬لقد فشلت للتو‪ .‬بائسة"‬
‫"‪.‬أوه"‬
‫إنها ال تأخذني على محمل الجد‪ ،‬اللعنة‪" .‬مرة واحدة عندما أتواضع‪ ،‬سيكون من الجميل لو انتبهت لي‪ ،‬وهللا"‪ .‬غادر المدخل وتوجه‬
‫إلى الطاولة‪ .‬وقف فوقها بطوله‪ .‬وأبقت رأسها منحنيا‪ .‬اوه عليك العنه! كان يعتقد‪ .‬الى الجحيم معها‪ .‬جلس على ركبتيه بالقرب منها‬
‫ليتمكن من النظر في عينيها‪" .‬و ‪ . . .‬آنا ‪ . . .‬ماذا فعلت لك بعد ظهر ذلك اليوم‪ ." . .‬قال بتردد‪" .‬لم يكن األمر مع سبق اإلصرار‪،‬‬
‫‪".‬أقسم لك‬
‫توقف عن هذا يا كريستوفر‪ ".‬أظلمت عيناها‪ ،‬وقفزت فجأة غاضبة‪ ،‬فسقط كرسيها محدثا ضجيجا عاليا في المنزل الهادئ‪ .‬ذهبت "‬
‫إلى النافذة ووقفت وظهرها إليه‪" .‬أبدا لست‬

‫أحببت دانيال‪ ،‬وأنت أحمق"‪ ،‬قالت بصوت غاضب ومتعب‪ .‬لم تكن في صوتها رغبة سوى الرغبة في الراحة‪ ،‬والتوقف عن القتال‪"،‬‬
‫والراحة‪ .‬التفتت نحوه‪ ،‬وجهها متوتر‪" .‬لقد تزوجتني لهذا السبب‪ ،‬ولكن كان عليك أن تعرفي بشكل أفضل‪ .‬ولكن كن على يقين من‬
‫هذا‪ :‬دانيال لن يقبلني أبًد ا‪ .‬أنا ال أحبه‪ .‬اليوم الذي كنت ‪ . . .‬أنت تعرف ‪ . . .‬لقد رفضته بالفعل‪ .‬وكما قلت لك منذ فترة – يبدو لي‬
‫‪.‬أنك ال تعرف كيف تستمع يا كريستوفر – فإن خطوبتنا بالكاد استمرت ست ساعات‬
‫‪.‬ظل كريستوفر صامًت ا لبضع دقائق‪ ،‬غير قادر على الفهم‪ .‬ست ساعات؟ كان هذا ما يردده الجميع‪ ،‬لكنه في الواقع لم يستمع‬
‫‪.‬لقد رفضته بالفعل عندما كنت‪ ." . .‬كرر لنفسه"‬
‫آنا لم تكن مخطوبة عندما فاجأتها في العشب‪ .‬آنا لم تحب أخي‪ .‬وقد آذيتها كثيًر ا عندما كان بإمكاني محاولة ‪ Dear God.‬أغنية‬
‫الدخول إلى قلبها ببطء ولطف‪" .‬أوه‪ ،‬آنا‪ "،‬تمتم‪ .‬مشى أقرب قليال إليها‪ .‬ولكن ببطء‪ .‬بتردد‪ .‬ال تهربي يا آنا‪ .‬لو سمحت‪" .‬هل آذيتك‬
‫"بشدة؟‬
‫‪.‬نظرت بعيدا‪ .‬اتخذ كريستوفر خطوة أخرى أقرب‪ .‬وكانوا على بعد بضعة أقدام فقط‪ .‬آنا لم تحاول الهرب منه‬
‫‪ . . ".‬كان قلبه ينبض بعنف في صدره‪" .‬آنا‪ ،‬أنا‪ . . .‬ماذا فعلت لك‬
‫‪».‬أن تأخذني من أخيك فأنا أعلم«‬
‫اعتقد ال ‪ ." . .‬انه متوقف‪" .‬آنا‪ ،‬أعتقد ذلك‪ . . .‬ربما ‪ ." . .‬قام بدفع الهواء إلى رئتيه‪ ،‬لكنه لم يستطع إبقاء يديه ثابتتين على جانبيه‪".‬‬
‫"أردتك لنفسي يا آنا‪ .‬وهذا هو السبب‪ ." . .‬توقف ومرر يده بتوتر على شعره‪" .‬لم أكن أريده أن يتزوجك‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬لكن لم يكن‬
‫"‪.‬ذلك بغرض الرد عليه"‪ .‬لقد اعترف بذلك ألول مرة‪ ،‬حتى لنفسه‪" .‬من الممكن أنني أحببتك حتى ذلك الحين‬
‫‪.‬اتخذ خطوة أخرى تجاهها‪ .‬لقد أصبحوا اآلن قريبين جًد ا‬
‫‪.‬من الممكن‪ ،‬أنت تقول؟" سألته وقد خفضت عينيها"‬
‫‪ ،‬وضع كريستوفر يده على جانبها‪ .‬آنا لم تدفعه بعيدا‬
‫"‪.‬مما أثار فيه عاطفة قوية لدرجة أنه كان يخشى السقوط‪ .‬لكن لو وقع عليها فال بأس‪ .‬وأوضح‪" :‬لقد أحببتك حينها"‪" .‬وأنا أحبك اآلن‬
‫نظرت آنا لألعلى للحظة واحدة فقط‪ .‬هل من المحتمل أن تكون هناك دموع في عينيها؟ لم تستطع كريستوفر التأكد من ذلك ألنها‬
‫‪.‬أنزلتهما بسرعة‬

‫‪.‬هذا ليس عذرًا‪ ،‬كما تعلمين"‪ ،‬همست‪ ،‬وبدت جريحة كما كانت قبل شهرين‪ ،‬في العشب"‬
‫مسح كريستوفر حلقه واقترب منها أكثر قليًال ‪" .‬أنا ال أطلب منك أن تسامحيني يا آنا‪ .‬أنا أسألك ‪ ." . .‬أنا أطلب منك أن تحبني‪ .‬توقف‬
‫مؤقًت ا وهو يعض شفته‪ .‬كانت المسافة بين جسديهما أقل من خمس بوصات‪ ،‬وكان يشعر بدفء زوجته ويشم رائحتها‪ .‬كان مسكرًا‪.‬‬
‫"وأنت يا آنا؟" سأل في همس‪ .‬ووضع يده األخرى على فخذها أيًض ا‪" .‬هل من الممكن أن ‪ . . .‬أنك تشعر بنوع ما‪ ،‬كما تعلم‪. . .‬‬
‫"الحب‪ ،‬ربما‪ . . .‬لي؟‬
‫‪.‬أخفضت رأسها ولم تجب‬
‫‪.‬إن لم يكن الحب‪ ،‬فربما الصداقة الدافئة‪ .‬سأكون سعيًد ا حتى مع القليل من الالمباالة‪ ،‬كما تعلمون"‬
‫وضع إصبعه على فمها وأدرك أنها كانت تبتسم بخفة‪ .‬احتضنها وجذبها نحوه وطبع قبلة على رأسها‪ .‬وتساءل ما هي تلك الرائحة؟‬
‫الخبز والتفاح وماذا أيًض ا؟ كان سيكتشف ذلك عاجًال أم آجًال‪ ،‬كان متأكدًا من ذلك‪ .‬انحنى وجهه لينظر إلى ملفها الشخصي الجميل‪.‬‬
‫""كراهية معتدلة؟" حاول مرة أخرى‪" .‬أو حتى الكراهية المفرطة؟‬
‫‪".‬ابتسمت آنا‪ .‬تمتمت‪" :‬ربما‬
‫الكراهية المفرطة؟ هل هذا هو جوابك؟" ابتسم أيًض ا‪ ،‬وبحة مزعجة استقرت في حلقه‪ .‬قبلها بخفة على الخد‪" .‬يبدو لي أن هذا هو "‬
‫"األساس المثالي للزواج‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫‪.‬حركت آنا رأسها ألعلى وألسفل مرة واحدة‪ ،‬ببطء شديد‬
‫هل كانت تلك نعم إذن؟" تصدع صوته‪ ،‬ولعن – قليل من الكرامة‪ ،‬وهللا! اقترب منها ودفعها نحو الحائط‪" .‬هل هذا يعني أنني "‬
‫‪.‬سأعود إلى هذا المنزل معك؟" سأل وهو يحرك شفتيه على خدها الناعم الدافئ‪ .‬على جسدها الناعم الدافئ‬
‫"‪.‬نعم"‬
‫لم يتمكن من النظر إلى األعلى‪ ،‬ألنه في لحظات قليلة ‪ -‬لحظة قصيرة‪ ،‬ربما كانت تساوي كل السنوات التي عاشها ‪ -‬تذوق إحساًس ا‬
‫‪.‬جديًد ا‪ ،‬وكان هائًال جًد ا‪ ،‬وكبيًر ا جًد ا لدرجة أنه قد يؤذيه‬
‫"‪.‬يمكنك العودة إذا أردت"‬
‫إذا أردت‪ .‬رفع كريستوفر رأسه وحدق في فمها األحمر الممتلئ‪ .‬أوه‪ ،‬أراد أن‪ .‬وأراد تقبيل هذا الفم‪ .‬وجرب ذوقها وعشقها‬
‫‪.‬والتهامها‪ .‬لقد انحنى رأسه لمقابلتها‪ .‬أدارت آنا رأسها إلى الجانب‪ ،‬وحرمته من قبلة على شفتيها‬

‫‪.‬اللهم ال‪ .‬مع تأوه أسقط جبهته ليلمس وجهها وأغلق عينيه‪ .‬من فضلك ال ترفضني يا حبيبتي‬
‫كررت‪« :‬يمكنك العودة يا كريس»‪ ،‬ومررت أصابعها خالل شعره‪ ،‬الذي كان طوياًل بعض الشيء‪ ،‬وقامت بتصفيفه‪ .‬وأضافت‬
‫‪".‬بصوت هامس‪" :‬أوًال‪ ،‬بالطبع‪ ،‬سيتعين عليك أن تقدم لي اعتذارك‬
‫"لعدة دقائق لم يقل كريستوفر شيًئ ا‪ ،‬مهدًئ ا بلمستها اللطيفة‪ .‬تمتم أخيًر ا‪" :‬لقد مررت بيوم سيء جًد ا يا آنا"‪" .‬أال يمكننا أن نترك األمر؟‬
‫هزت رأسها‪ .‬قالت بحزن‪" :‬ال‪ ،‬أنا آسفة"‪ .‬وضعت يدها األخرى على رأسه‪ ،‬وأمسكت شعره بقبضتيها المغلقتين‪ .‬رفعت رأسها‬
‫بلطف حتى التقت أعينهما‪" .‬لكن ال داعي للقلق يا كريستوفر‪ "،‬همست بابتسامة كانت محبة وشرسة في نفس الوقت‪" .‬سيكون هناك‬
‫"‪.‬بضع كلمات فقط‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫عن المؤلف‬
‫‪.‬تعيش نينا بيناتشي في مدينة قريبة من البحر‪ .‬تستمتع بالمشي على الشاطئ وتخيل قصص إنجلترا في القرن التاسع عشر‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

‫عن المترجم‬
‫شيريدان‪ ،‬وهو مواطن من نبراسكا‪ ،‬حاصل على درجة الماجستير في اللغات الحديثة من جامعة نبراسكا في لينكولن‪ ،‬ودرجة‬
‫الدكتوراه في األدب الفرنسي من جامعة أيوا‪ .‬أثناء وجوده في جامعة أيوا‪ ،‬عمل كمساعد باحث في مختبر الترجمة‪ .‬باإلضافة إلى‬
‫كونه باحًث ا في أدب القرنين التاسع عشر والعشرين‪ ،‬فهو مترجم لألعمال األدبية والمقاالت العلمية من الفرنسية واإليطالية إلى‬
‫‪.‬اإلنجليزية‬
‫شيريدان هو أستاذ اللغة الفرنسية واإليطالية في جامعة إلينوي ويسليان في بلومنجتون‪ ،‬إلينوي‪ ،‬حيث قدم دورات في اللغة والثقافة‬
‫واألدب الفرنسية واإليطالية‪ .‬األدب العالمي المترجم إلى اإلنجليزية؛ تقاليد العلوم اإلنسانية الغربية؛ الدراسات الدولية؛ ودراسات‬
‫المرأة والجنس‪ .‬لقد قاد الطالب في رحالت دراسية إلى شيكاغو‪ ،‬وكذلك في دورات سفر إلى فرنسا وإيطاليا وكندا والمملكة المتحدة‪.‬‬
‫درس الطالب معه في متاحف مثل متحف دورسيه في باريس‪ ،‬وتيت بريطانيا في لندن‪ ،‬ومعارض أوفيزي في فلورنسا‪ .‬لقد شارك‬
‫المذهلة في بادوا‪ Scrovegni ،‬في كيبيك‪ ،‬كندا‪ ،‬وكنيسة )كوخ السكر( ‪ cabane à sucre‬معهم تجارب ثقافية متنوعة مثل‬
‫‪.‬إيطاليا‬
‫‪OceanofPDF.com‬‬

You might also like