Professional Documents
Culture Documents
Meriem
Meriem
Meriem
مناقشة :
ال يمكن إنكار قيمة التكرار في اكتساب العادة ،غير أن ذلك ال يبرر أنها وليدته فقطن فالتجربة تثبت أن
غياب االهتمام واإلرادة من أسباب الفشل في التعلم واكتساب عادة مهما كانت محاوالت التكرار ،فالمريض
الذي يتجرع الدواء المر وهو كاره له ،ال يصير لديه شرب الدواء عادة ،إذ يتمنى اليوم الذي يشفى فيه
ليكف عن شرب هذا الدواء ،فضال عن ذلك فإن العادة ليست آلية محضة مجردة من الوعي والعمليات العقلية
ونشاط الفكر .ثم إن أنصار هذا االتجاه ساووا بين اإلنسان واآلالت الميكانيكية ،ألن فعل العادة تحكمه طبيعة
الحياة اإلنسانية ويدخل في تكوينه استعداد الفرد وقابليته في أن يتغير هو بنفسه ،فضال عن ذلك فالقول أن
العادة فعل يتضاءل وينقص معه الوعي والشعور قول غير مؤسس ،فاالنتباه واالهتمام يحرسان دائما فعل
العادة وإن كانت حراسة غير واضحة فالعادة يراقبها ضعف الوعي فهو يتدل لتصحيح مسارها وتوجيه
عجزها.
نقيض االطروحة :العادة سلوك ذهني مرتبط بالنفس
األنصار :أكد على هذا الطرح كل من :فون دير فيلت"" ،بيرلو"" ،رافسون .....
منطوق نقيض األطروحة :منطلقين من فكرة مفادها أن العادة ناتجة عن تدخل استعداد الكائن الحي في أن
يتغير هو بنفسه ،فثمة نوع من المرونة تساهم في تكوين العادات مرتبطة بالميل واالهتمام وحضور الملكات
العقلية العليا
الحجج :برروا موقفهم بما يلي:
-حسب العالم "فون دير "فيلت" فالذي يتعلم تنفيذ حركة ما ،فإنه يعيدها بمقياس مخالف و موقع لنطاق
االستجابة األولى ،فالعادة حسبه أنموذج في االستجابة وليست فقط سلسلة من الحركات المحددة ،يقول" :إن
الحركة الجديدة ليست مجرد تجميع حركات قديمة ..إنها تحذف الحركات غير المجدية والزائدة ،فهي تنظم
تبعا المدارات وإيقاعات أخرى '' بمعنى أن العادة حركة أصيلة ال تعاد فيها بوجه أو بآخر التخطيطات
األولى ،فهي تتطلب إعادة تنظيم الحركات األولية تبعا لبنية الموضوع أو الموقف.
-إن العادة حسب "بيرلو" قابلة للتغيير ،تحوي في طياتها على بعض التغير والتقدم في الفعل ،فالعازف على
آلة موسيقية عندما يكرر لحنا أو عزفا فإنه ال يعيده بصورة آلية وباتقان واحد ،فقد يكون اإليقاع سريعا أو
بطيئا ،وحتى في المشي تارة نمشي ببطئ وتارة باستعجال ،نقلل خطواتنا أو نوسعها.
-إن العادة مرتبطة على الدوام بعملية انتخاب بين مجموعة من الحركات انتخاب يؤدي إلى اكتشاف الحركة
الناجحة واستبقاءها.
-إنها صفة خاصة بالكائنات الحية في مقابل الثبات الذي هو صفة األجسام الجامدة ،طالما حاولنا كما يقول
"أرسطو " " :رمي الحجر في الهواء ألف مرة فإنه ال يصعد إليه (الهواء) دون قوة تدفعه" هذه المقولة تؤكد
على ثبات األجسام الجامدة حتى لو كررنا آالف المرات رفع الحجر لألعلى لن تصبح لديه عادة الصعود
بنفسه لألعلى دون وجود شخص يدفعه.
ليست العادة سلوكا آليا فالتكرار لوحده ليس له مفعول ،فالمريض الذي تنقصه اإلرادة ويفتقر سلوكه اآللي
إلى الغاية المرجوة ،فالمريض باألبراكسيا يبقى عاجزا عن أخذ ملعقة وحملها إلى فمه إذا طلبنا منه ذلك،
لكنه في مقدوره أن يقوم بهذا العمل أحسن قيام لو كان مدفوعا بدافع الجوع ،فاإلرادة هي أساس تكون وتشكل
السلوكات االعتيادية ،يقول "رافسون" " :العادة استعداد إلى تغير ما أحدثته في كائن ما ،استمرار أو تكرار
هذا التغير بعينه" ،فاإلنسان ال يتعلم بالتكرار وإنما بالبدء من جديد شرط االنتباه المستمر واإلرادة اليقظة(مثل
تعلم سياقة السيارة) ،فاالنتباه يحرس دائما الفعل التعودي والعادة ليست خالية من الشعور وإنما هذا األخير
يعمل دور الرقيب عليها فلو أخطأنا أثناء الضرب على اآللة الكاتبة أو الكتابة على الكراس لشعرنا بخطئنا
وانتبهنا له ،وإلى حركة أصابعنا حتى ال تخطئ مرة ثانية.
إن العامل اإلدراكي مهم في التعلم ،وهذا ما أكدت عليه" الجشتالت" فإدراك مجموع يغير تماما إدراك
عناصره ،إن الجزء فالكل غير الجزء وهو منفصل على الكل ،فالنوطة في اللحن أو اللون في مجموعة
األلوان غير النوطة واللون مأخوذا في انفراد ،بمعنى أن السلوك االعتيادي يتغير إدراكي له بتغير البنية أو
الشكل العام له ،وهذا يدل على أنه مصحوب بالذاكرة واإلرادة وليس آلية خالصة وليد التكرار ،فمثال التلميذ
الذي ترسخت بذهنه مقولة فلسفية ال يستطيع توظيفها إال بربطها بإطارها العام أو سياقها الذي وردت فيه ال
يفهمها إال من خالل االتجاه الفلسفي الذي جاءت في سياقه.
مناقشة :
بالغ أنصار هذا االتجاه في رد العادة لفاعلية الذهن والنفس ،حيث ركزوا أن العادة مصحوبة باالنتباه
والتركيز ،وهذا التفسير يجعل من العادة واإلرادة شيء واحد ،باعتبار أن هذه األخيرة مصحوبة بنشاط
الفكر ( بالميول االنتباه ،التركيز) ،لكن الواقع العلمي يثبت اختالف العادة عن اإلرادة ،ثم إنهم تجاهلوا البعد
المادي لها كونها حركات آلية خالية من الشعور .ولو كانت العادة تحكمها حيوية الوعي فكيف نفسر الرتابة
والجمود والتحجر في السلوكات التعودية؟ ثم إنه قد يكنس اإلنسان عادات دون أن يكون لميله أو إلرادته أثر
كتعلم كتابة النصوص بواسطة لوحة المفاتيح ....
تركيب :
كموقف تركيبي يمكن القول أن هناك عادات تأخذنا وعادات نأخذها ،األولى تعرف بالعادات الروتينية وهي
عادات منفعلة ال تخضع لسلطان العقل تنجم عن آلية محضة وتجعلنا عبيد لها ،والعادات المرتبطة
باالستعدادات التي تنطوي على تربية الجسم من طرف الفكر ،تخضع لمراقة العقل تتحكم فيها الذاكرة
واإلرادة ،فاألفعال التي هي من قبيل الروتين تنقلنا إلى مجال الغرائز والمنعكسات ،أما األفعال التي هي من
قبيل العادة فهي أفعال نابعة من اإلرادة فأنا الذي أسوق سيارتي وليست سيارتي هي التي تقودني ،فالعادة
وليدة التكرار والوعي معا ،فال يمكن اكتسابها مجرد التكرار ما لم يتم ذلك بواسطة العقل واالهتمام الذي
يوليه الشخص لمحاوالته أثناء قيامه بالسلوك ،يقول عالم النفس الفرنسي "موريس برادين" ":المفارقة في
العادة أنها إبداع من آليات ويقول "االن " ":العادة تمنح الجسم الرشاقة والسيولة ،بخالف العادات الروتينية
فإن ميزتها الصالبة"
الخاتمة :
نستنتج أخيرا أن اكتساب السلوك التعودي وتكوين العادات ال يرتبط بالتكرار لوحده ،فهو عامل غير كاف ،
إذ ال بد من حضور الفاعليات العقلية والنفسية فهي ليست سلوك آلي محض ،وال مجرد تكرار لحركات
روتينية بل سلوك خاضع لمراقبة العقل الذي يعدله ويوجهه حسب الضرورة ،فالعادة تجمع بين تكرار الفعل
بطريقة آلية لتثبته وبين حيوية الوعي لتوجيه العادات والتحكم فيها ،فهي تعود للجسم والعقل معا ،كونها تبنى
عن طريق محصلة من الرغبة واإلرادة لتعطيها دفعة نحو تحقيقها وبلورتها إلى جملة من السلوكات التي
تهدف إلى التكيف مع مقتضيات العالم الخارجي ،وهذا ما يوضحه قول "بول غيوم " ":إن علم النفس ال
يجد صعوبة في استخالص شرطين في تكوين العادات وهما :من جهة مرات تكرار الفعل ومن جهة أخرى
االهتمام الذي يوليه الشخص لفشله وانجاحه" ويقول المفكر اللبناني "جميل صليبا " " :العادة كيفية نفسانية
تحصل بتكرار فعل مصحوب بالوعي يولد في المرء بالتدريب والممارسة قدرة على آداء ماكان في بداية
األمر عاجزا عن آداءه"