Professional Documents
Culture Documents
Constitution
Constitution
القواعد القانونية التي يتضمنها النظام القانوني للدولة ليست في مرتبة واحدة ،وإنما
هي مراتب متدرجة ،وينتج عن ذلك أن كل قاعدة ينبغي أال تخالف القاع دة ال تي تعلوه ا في
المرتب ة ،حيث يظه ر مب دأ دس تورية الق وانين ال ذي يع د نتيج ة متفرع ة من مب دأ ســمو
الدســتور ،1ومن أجل الوقوف مكانة القواع د الدس تورية بالنس بة للق انون ال داخلي (ثاني ا)،
سنميز بداية القانون الدستوري عن القوانين الداخلية األخرى (أوال)
ظهر التمييز بين القوانين الدستورية والقوانين العادية في القرن السابع عشر ،حيث
أطلق الفقه آنذاك على القوانين الدستورية "القوانين األساسية" ،باعتبارها المظه ر األساس ي
2
المعبر عن سيادة األمة ،إضافة إلى أنها قوانين تتعلق بتنظيم السلطات العامة وصالحياتها،
ويبرز االختالف بين القواعد الدستورية عن القوانين العادية في عدد من النقاط (أوال) ،وهو
ما يرتب بالتبعية عددا من اإلثار والنتائج (ثانيا)
يمكن الحديث عن نقط االختالف بين القواعد الدستورية والقوانين العادية من خالل
منظوري سمو الدستور (الموضوعي والشكلي):
فمن حيث السمو الشكلي للقاعدة الدستورية (وال ذي ال يتحق ق إال بالنس بة للدس اتير
الجامدة) 3،نجد أن نقط ة االختالف األولى بين الق وانين العادي ة والدس تورية هي م ا يخص
اإلج راءات المتبع ة في التش ريع والتع ديل ،فالق انون الدس توري يج ري تش ريعه ع ادة إم ا
بأسلوب المنح ة أو العق د أو الجمعي ة التأسيس ية أو االس تفتاء الدس توري 4،في حين يج ري
وضع التشريع العادي والفرعي من قبل السلطة التشريعية المختصة طبقا للدس تور ،كم ا أن
إجراءات تعديل الدستور تكون أكثر تعقيدا من تلك ال تي تع دل به ا الق وانين العادي ة .وعلى
سبيل المثال فالمادة 126من الدستور األردني اشترطت إجراءات خاص ة لتع ديل الدس تور
1محمد رفعت عبد الوهاب" ،النظم السياسية والقانون الدستوري" ،طبعة أبو العزم ،اإلسكندرية 2005 ،ص 509
2علي يوسف الشكري" ،مبادئ القانون الدستوري" ،طبع مؤسسة دار الصادق الثقافية ،2011 ،ص 319
3نذكر بأنه ال يتحقق السمو الشكلي للدساتير المرنة ،بالرغم من تمتعها بالسمو الموضوعي ،وذلك بالنظر لعدم وجود فرق
بین القواعد الدستورية المرنة والقانون العادي من الناحية الشكلية ،ألن إجراءات تع ديل الدس تور الم رن والق انون الع ادي
واحدة ،بمعنى أن الدساتير الجامدة وحدھا تتمتع بالسمو الموضوعي والشكلي معًا أما الدساتير المرنة فال تتمت ع إال بالس مو
الموضوعي فقط دون السمو الشكلي
4
تختلف عن اإلجراءات األقل تعقيدا التي نص عليها في المادة 84منه 5،كما تطلب الدستور
6
المغربي إجراءات خاصة كذلك تضمنها الباب الثاني عشر منه.
أما من حيث السمو الموضوعي فتختلف طبيعة الموضوعات التي يعالجه ا الق انون
الدستوري عن تلك التي يعالجها القانون العادي ،فالقانون الدس توري يح دد اإلط ار الفلس في
واإليديولوجي والقانوني الذي تعمل في ظله سلطات الدولة والهيئ ات الحكومي ة ،كم ا يح دد
تش كيل تل ك الهيئ ات وص الحياتها والعالق ة بينه ا ،وينظم الحق وق والحري ات العام ة
وضماناتها ،في حين يعالج القانون الع ادي موض وعات ال عالق ة له ا بالنظ ام السياس ي في
7
الدولة كالقانون المدني والجنائي والمجال التجاري وغيرها.
وتجدر اإلشارة إلى أن السمو الموضوعي يتحقق لجميع أن واع الدس اتير ،المكتوب ة
منها والعرفية ،وسواء كانت مكتوبة في نصوص جامدة ووفقًا إلج راءات خاص ة ،أم ك انت
مقررة في قوانين عادية ،فالسمو الموضوعي إذ يستند إلى موض وع النص وص ومض مونها
8
ال يمكن أن يكون خاصًا بدساتير معينة ،بل هو عام في جميع الدساتير.
-احترام مبدأ المشروعية :وتدعيم مفهوم مبدأ سيادة حكم القانون بمع نى ض رورة
أن تتصرف السلطات العامة وفقًا لما تقضي به القواعد القانونية القائمة ،بحيث تك ون جمي ع
تصرفات السلطات العامة في الدولة متفقة وأحك ام الق انون بمدلول ه الع ام ،تس توي في ذل ك
السلطة التشريعية أو القضائية أو التنفيذية ،وبالتالي تخضع الدولة بھیئاتھا وأفراده ا جميعهم
ألحكام القانون وال تخرج عن حدوده وإال عدت أعمالها غ یر مش روعة وخروج ا عن مب دأ
المشروعية 9،وال ينعطف مبدأ المش روعية على تص رفات طائف ة دون األخ رى ،ب ل يمت د
ليش مل المحك ومين في عالق اتهم والحك ام أو الرؤس اء في مزاول ة س لطاتهم ،بحيث يك ون
هؤالء وأولئك خاضعين ألحكام الق انون على ح د س واء وه ذا ال يتحق ق إال في ظ ل الدول ة
القانونية 10.وبناء على ذلك يؤدي سمو الدستور إلى إلزام الحكام باحترام قواع ده وأحكام ه،
وإال كانت التصرفات الصادرة عنهم والمخالفة ألحكام الدستور وقواعده باطلة وليس لها أي
11
قيمة قانونية.
أما السمو الشكلي للدستور فيرتب بدوره عددا من النتائج منها :
-ثبات الق..وانين الدس..تورية أك..ثر من الق..وانين العادي..ة :من أهم مم يزات ص ياغة
القاعدة الدستورية أنها تتسم بالعمومية واالقتض اب ،مم ا ينعكس على ثب ات واس تقرار تل ك
القواعد نسبيا أكثر من القوانين العادية ،بحيث ت ؤدي ه ذه الم يزة -االقتض اب -إلى إمكاني ة
تطبيقها ألطول فترة زمنية؛ ألنه ا س تكون ق ادرة على مواجه ة واس تيعاب كاف ة المتغ يرات
المتالحقة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية التي قد تحدث في الدولة.
وهذا الثبات نس بي وليس مطل ق ،وإال أدى إلى ع دم إمكاني ة مالحق ة ه ذه القواع د
للتطورات المتالحقة في الدولة من كافة الجوانب االقتصادية واالجتماعية والسياس ية ،وأدى
ذلك إلى مصادرة ح ق األم ة في تع ديل دس تورها 15،فم ا من دس تور في الع الم إال ويمكن
تعديله ،بل إن من الدساتير من جرى تعديله حتى قبل نف اذه ،مث ل الدس تور األم ريكي ال ذي
عدل قبل نفاذه ،ولم يكن ذلك يتعارض مع صفة الجمود التي يتس م به ا ،فه ذا الدس تور ظ ل
16
نافدًا ما يربو على المئتان وعشرون سنة ،ولم يعدل إال ستة وعشرون مرة فقط.
-عدم جواز مخالفة القوانين العادية للقوانين الدستورية :من بين ما يميز الدستور
الم رن أو الجام د ه و اإلج راءات والش كليات ال واجب اتباع ه في التع ديل ،ف إذا لم يش ترط
المشرع الدستوري إجراءات خاصة في تعديله تختل ف عن تل ك ال واجب اتباعه ا في تع ديل
12عصام سعيد عبد احمد" ،الرقابة على دستورية القوانين (دراس ة مقارن ة) ،الطبع ة األولى ،المؤسس ة الحديث ة للكت اب،
لبنان ،2012 ،ص 79
13ينص الفصل 91من الدستور المغربي لسنة 2011على أنه " يعين رئيس الحكومة في الوظائف المدني ة في اإلدارات
العمومية ،وفي الوظائف السامية في المؤسسات والمقاوالت العمومي ة ،دون إخالل بأحك ام الفص ل 49من ه ذا الدس تور.
يمكن لرئيس الحكومة تفويض هذه السلطة ،".كما ينص الفصل 70منه على أن " للق انون أن ي أذن للحكوم ة أن تتخ ذ في
ظرف من الزمن محدود ،ولغاية معينة ،بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها"...
14مجدي عبد الحميد شعيب" ،القانون الدستوري ونظام الحكم في دول ة اإلم ارات العربي ة المتح دة" ،الطبع ة الثاني ة ،دار
النهضة العربية ،2012 ،ص .108
15عوض الليمون " ،الوجيز في النظم السياسية ومبادئ القانون الدستوري" ،مطبعة دار النشر ،الطبعة الثاني ة،2016 ،
ص 315
16علي يوسف الشكري" ،مبادئ القانون الدستوري" ،طبع مؤسسة دار الصادق الثقافية ،2011 ،ص .320
القانون العادي ،كان الدستور مرنًا وتعد أي مخالفة ألحكامه من قبل المشرع الع ادي تع ديًال
له ،في حين تع د مخالف ة الق انون الع ادي ألحك ام الدس تور الجام د خرق ًا لمب دأ المش روعية
والتدرج القانوني الواجب مراعاته في التشريع ،وبالتالي يكون مصير القانون البطالن سواء
نص الدس تور على ذل ك ص راحة أم لم ينص ،باعتب ار أن ه ذا الحكم نتيج ة منطقي ة لع دم
17
مراعاة مبدأ التدرج القانوني.
-عدم جواز تعديل الق..انون الدس..توري إال بق..انون دس..توري آخ..ر :إن من نت ائج س مو
القوانين الدستورية على القوانين العادية ،ع دم ج واز تع ديلها أو إلغائه ا إال بق وانين أخ رى
مماثل ة له ا في المرتب ة ،فال يمكن إلغ اء أو تع ديل الق وانين دس تورية إال بق وانين دس تورية
مماثلة تتخذ وفق إجراءات ش كليات مماثل ة ،وبالت الي ف إن الق انون الع ادي ال يمكن ه تع ديل
قانون دستوري 18،والقاعدة في ذلك أن القانون األدنى ال يلغي أو يعدل الق انون األعلى من ه
درجة.
تمثل قواعد الدس تور الق انون األساس ي ال ذي يتح دد بمقتض اه النظ ام الق انوني في
الدولة ويتعين على أساسه وجود السلطات العامة ،وما تطلع به من وظ ائف واختصاص ات،
ويشكل مصدرًا لما تقوم به من أعمال وتصرفات 20،وللحديث عن مكان ة الدس تور الداخلي ة
يكمن التطرق إلى ما يلي:
21
مقدمات الدساتير:
17علي يوسف الشكري" ،مبادئ القانون الدستوري" ،طبع مؤسسة دار الصادق الثقافية ،2011 ،ص .320
18عصام علي الدبس" ،القانون الدستوري" ذار الثقافة للنشر والتوزيع ،2011 ،ص .173
19أحمد إدعلي" ،المختصر في النظرية العامة للق انون الدس توري" ،مطبع ة الكرام ة الرب اط-المغ رب ،-الطبع ة الثاني ة،
،2022ص 110
20محمد كاظم المشهداني" ،القانون الدستوري" ،مؤسسة الثقافة الجامعية ،ص273
" 21يبدأ الدستور عادة بديباجة نظرية ،تتضمن إشارة إلى منابع الدستور والمبادئ الجوهرية ال تي يق وم عليه ا ،واأله داف
التي يس عى المجتم ع لتحقيقه ا وترس م الديباج ة -ع ادة -الخط وط الرئيس ية ال تي يبتغيه ا الدس تور ،كمنهج لسياس ة الدول ة
وإرادتها ،وقد تتضمن الديباجة بيانات بالحريات العامة ،وحقوق المواط نين السياس ية واالقتص ادية واالجتماعي ة" ،للمزي د
المرجو االطالع على إبراهيم أبو خزام" ،الوسيط في القانون الدستوري" ،دار الكتاب الجديد المتحدة ،2010ص 68
جرت الدول الحديثة التي قامت بعد الحرب العالمية األولى ،على تضمين مق دمات
الدساتير عددا من المبادئ تحدد األسس السياسية واالجتماعي ة للنظ ام الجدي د 22،ومن أمثل ة
الدساتير التي تتضمن مقدمات ،نجد الدستورين الفرنسيين الصادرين في عه د الجمهوري تين
الرابعة والخامسة ،23والدستور المغربي الحالي.24
وق د نش أ خالف بين فقه اء الق انون الدس توري بش أن م ا يتعل ق بالقيم ة القانوني ة
لمقدمات الدساتير ،بين من يذهب إلى تجري د مقدم ة الدس تور من أي قيم ة قانوني ة ومن أي
ق وة ملزم ة ،فيعتبره ا مج رد مب ادئ وتوجه ات وأه داف ذات قيم ة سياس ية أو فلس فية أو
أخالقي ة ،ومن ه فهي تتمت ع بقيم ة أدبي ة فق ط ،وذل ك ح تى في مواجه ة المش رع الع ادي
(البرلمان) ،إذ بإمكان هذا األخير أن يض ع تش ريعات وق وانين مخالف ة لم ا تض منته مقدم ة
25
الدستور من أحكام.
في حين أعطى اتجاه آخ ر لديباج ة الدس تور قيم ة قانوني ة تع ادل قيم ة النص وص
الدستورية األخرى التي يتضمنها الدستور ،فهي جزء من بني ان الدول ة الق انوني ،إذ أنه ا ﻻ
تصدر عبثا -فهي مثل الدستور -ملزمة للمشرع ويحظر عليه مخالفتها ،وبناء على ذلك فإن ه
26
يجوز التمسك بها والطعن بعدم دستورية أي قانون يخالف أحكامها.
على أن الرأي الراجح يعترف لمقدمة الدستور بالقيم ة القانوني ة اإللزامي ة ،خاص ة
وأن االجتهاد القضائي الفرنسي ق د حس م ه ذا األم ر من خالل مق ررات مح اكم الموض وع
27
ومحكمة النقض وكذا مجلس الدولة الفرنسي
أما بالنسبة للمغرب فإذا كانت القيمة القانونية لديباجة الدستور قد أثيرت فيما س بق-
وأمام غياب قرار واض ح من المجلس الدس توري -من قب ل الفق ه المغ ربي ،بين من يض في
عليها قيمة دستورية وبين من يجردها منها ،لكن هذا النقاش قد حس م في أم ره بع د التع ديل
الدستوري الذي شهده المغرب في 29يولي و 2011حيث نص ه ذا األخ ير ص راحة على
أنه "يشكل هذا التصدير جزء ال يتجزأ من هذا الدستور".
ويترتب عن هذا كون جمي ع المقتض يات ال واردة في مقدم ة الدس تور ،تتمت ع بنفس
القيمة الدس تورية المخول ة لب اقي فص ول الدس تور ،وبالت الي ف ان المحكم ة الدس تورية ،في
حسن مصطفى البحري" ،النظرية العامة للقانون الدستوري" ،الطبعة األولى ،لسنة ،2009ص 93 22
23ورد في مقدمة دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الصادر في الرابع 4أكتوبر 1958ما يلي "يعلن الشعب الفرنس ي
بصفة رسمية ،تمسكه بحقوق اإلنسان ومبادئ السيادة الوطنية بالصورة التي حررت بها في إعالن ،1789وال تي أك دتها
واكملتها مقدمة الدستور سنة 1946وكذلك الحقوق والواجبات الوالدة في ميثاق البيئة لسنة 2004وبمقتضى هذه المبادئ
ومبدأ حرية الشعوب في تقرير مصيرها "...
24تضمن الدستور المغربي الصادر بالظهير المؤرخ في 29يونيو ،2011تصديرا يعتبر بمثابة مقدمة للدس تور ض منه
المشرع الدستوري بعض المبادئ والقيم والتوجهات واألهداف األساسية ،التي تعد في تق ديره بمثاب ة ال دعائم والمرتك زات
األساسية التي تحكم وتضبط الخطة السياسية العامة للدولة سواء على مستوى سياستها الداخلية أو الخارجية.
25عبد الرزاق عريش" ،قراءة أولية في مقدمة الدستور المغربي الجديد" ،مق ال منش ور بموق ع العل وم القانوني ة Maroc
،droitعلى الرابط المختصر ،https://2u.pw/0EhXNJ3تم االطالع في 21/01/2024على الساعة 17:32
26مصطفى أبو زيد فهمي" ،الدستور المصري" ،مطبعة نصر مصر ،الطبعة الثانية ،1958ص.163
27للمزيد انظر في ذلك :حسن مصطفى البحري ،م س ،ص 97وما يليها.
ميدان رقابتها على دستورية القوانين واالتفاقيات ،ملزمة بأن تأخذ في االعتب ار المقتض يات
28
الواردة في ديباجة الدستور.
29
العرف الدستوري:
اختلف الفقه في منزلة العرف الدستوري ،حيث يرى البعض أن للعرف الدس توري
منزلة تسمو على الدستوري المدون لكونه هو المعبر عن إرادة األم ة ،لكن هن اك من ي رى
أن للع رف نفس مرتب ة قواع د الدس تور الم دون ،على أس اس وح دة المص در بينهم ا ،ألن
السلطة الحاكمة وهي تعتاد على اتباع سلوك معين إنما تعبر عن إرادة األمة كذلك ،في حين
يرى آخرون أن القاعدة القانونية المدونة تسمو على القاعدة العرفية بقطع النظر عن السلطة
التي شرعتها (السلطة التـأسيسية األص لية-البرلم ان )-ومك ان وروده ا (الدس تور-الق انون-
الالئحة) ،فكل قاعدة المدونة تسمو على العرف وهذا ال رأي ي ذهب بعي دًا في مج ال إقص اء
العرف الدستوري وهو األقرب ألنصار المدرسة الشكلية ال ذين ال يق رون القاع دة القانوني ة
إال إذا كانت مدونة 30.وعموما فإن الفقه يميز بين 4أنواع من العرف الدستوري:
-العرف المفسر الذي يقتصر أثره على تفسير نص من نصوص الدس تور ،والعم ل
على توضيحه ،وبيان كيفية تطبيقه ،وذلك من أجل إزالة غموض ه ،أي أن ه ال ينش ئ قواع د
جديدة ،وإنما يعمل في دائ رة النص وص وفي نطاقه ا ،من أج ل تحدي د م دلولها ،وتفس يرها
تفسيرا يزيل غموضها.
وتتجلى أهمي ة الع رف الدس توري المفس ر في حال ة إيج از نص وص الوثيق ة
الدستورية 31،وال خالف في أن العرف الدستوري المفسر يقي د ج زءا من الدس تور الم دون
32
الذي يقوم على تفسيره ،فيأخذ تبعا لذلك حكمة سواء كان الدستور مرنا أو كان جامدا.
28ومن هذه القرارات التي استند فيها المجلس الدستوري على الديباجة ،قرار عدد 817بتاريخ 13أكتوبر 2011الصادر
(قرار رقم 11/817صادر في 13أكتوبر ،جري دة رس مية ع دد 5987بت اريخ 17أكت وبر ،)2011في ش أن الق انون
التنظيمي لمجس الن واب ،وظ ف في ه القاض ي الدس توري تص دير الوثيق ة الدس تورية لع ام ،2011اس تنادا على مب ادئ
دستورية جوهرية (مثل مب دأ المس اواة) ،وك رس الفق رة األخ يرة من تص دير الوثيق ة الدس تورية 2011ال تي تنص على
"حظر ومكافح ة ك ل أش كال التمي يز بس بب الجنس أو الل ون أو اإلعاق ة أو الثقاف ة "...أنظ ر :نعيم ة الس امري" ،ديباج ة
الدستور بين القيمة القانونية و التطبيقات القضائية" ،مختبر الدراسات السياس ية و الق انون الع ام ،جامع ة س يدي محم د بن
عبد هللا -فاس -المغرب ،ص 9وما يليها
29يقصد بالعرف الدستوري ،القاعدة غير المدونة التي يؤدي تكرارها ومزاولتها إلى أن تصبح لها ق وة القاع دة القانوني ة،
وكمثال على العرف الدستوري تحديد انتخاب رئيس األولياء في المتحدة األمريكي ة م رة واح دة ه ذا الع رف تم حرق ه من
طرف الرئيس فرانكلين روزفلت ،الذي تم تجديد انتخابه م رتين متوالي تين ،إال أن ه ارتقى إلى مس توى القاع دة الدس تورية
المكتوبة بمقتضى التعديل الدستوري لسنة 1951
30للتفصيل راجع :علي يوس ف الش كري" ،الوس يط في فلس فة الدس تور' ،طبع ة مكتب ة زين الحقوقي ة واألدبي ة ،لبن ان -
بيروت ،-ص .69
31كما حصل مع دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة لعام ،1875حيث لعب العرف دورا هاما في تفسير وتوضيح العدي د
من نصوصه ،وعلى سبيل المثال تفسير المادة الثالثة ،التي تنص على أن "رئيس الجمهوري ة يكف ل تنفي ذ الق وانين" ،حيث
تقرر لرئيس الجمهورية سلطة إصدار لوائح تنفيذية ،على الرغم من عدم وجود نص يقر ل ه ص راحة ه ذا الح ق ،اس تنادا
إلى أن كفالة تنفيذ القوانين ال تتأكد إال بإصدار اللوائح الالزمة لتنفيذها.
32محمد ك اظم المش هداني" ،الق انون الدس توري :الدول ة -الحكوم ة -الدس تور" ،مؤسس ة الثقاف ة الجامعي ة ،اإلس كندرية،
،2011ص .257
القوانين األساسية:
القوانين األساسية هي القواعد المتعلقة -بصفة عامة -بنظام الحكم ومحلها الدستور،
إال أن الس لطة التأسيس ية ت ركت أم ر إص دارها للس لطة التش ريعية ،متمثل ة في البرلم ان،
لتحقيق أكبر ق در ممكن االس تقرار للنص وص الدس تورية ،وتالش ي تع ديل ه ذه النص وص
بصورة متالحقة ،كونها قابلة للتعديل والتغيير وك ل ذل ك يحس ن مع ه إس ناد س لطة إص دار
33
القوانين األساسية للبرلمان
وقد اصطلح الفقه الفرنسي على تسمية تلك القوانين العادية ال تي تص درها الس لطة
التشريعية وال تي تع الج مس ائل تع د دس تورية بطبيعته ا التص الها بنظ ام الحكم من الناحي ة
السياس ية وبتنظيم س ير الس لطات العام ة في الدول ة ب" "les lois organiques
34
(واستخدام تعبير القانون األساسي ناتج ببساطة عن الممارسة وليس له ع واقب قانوني ة)،
وتختلف التسميات المحددة لها في اللغة العربية ،35ويمكن أن ينص المشرع الدستوري في
الورقة الدستورية على مادة معين ة يحي ل تنظيمه ا وش رحها إلى المش رع الع ادي من خالل
ق انون أساس ي ،وق د يق وم المش رع الع ادي دون تف ويض المش رع الدس توري ،بإص دار
تشريعات ذات طبيعة دستورية ،غير أن غالبية القوانين األساسية في مختلف الدول ،تص در
بن اء على تكلي ف من قب ل المش رع الدس توري من خالل أن النص في الدس تور على قي ام
المش رع الع ادي بإص دار ه ذه الق وانين لتنظيم مس ائل وموض وعات معين ة ذات طبيع ة
36
دستورية.
وتحت ل الق وانين األساس ية في ظ ل الدس اتير المرن ة نفس مرتب ة الدس تور ،حيث
تستطيع السلطة التشريعية أن تصدر قانونا يعالج موضوعا من الموضوعات المتصلة بنظام
الحكم في الدولة حتى ولو قرر أحكاما تخالف األحكام المقررة في الوثيق ة الدس تورية ،حيث
يعد ذلك تعديال ألحكام الوثيقة الدس تورية ،م ا دامت الوثيق ة الدس تورية ال تتطلب إج راءات
خاصة لتعديل قواعدها ،وبالتالي يجوز للسلطة التشريعية عن طريق ه ذه الق وانين أن تع دل
33حمود محمد القديمي" ،الق وانين األساس ية ودوره ا في تنظيم المس ائل الدس تورية" ،مجل ة الق انون الدس توري والعل وم
اإلدارية ،إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية ،ألماني ا -ب رلين ،-الع دد ،20غش ت
،2023ص.248
34
"L'emploi de l'expression loi organique résulte simplement de la pratique et n'a pas
de conséquences juridiques", Francis Hamon Et Michel Troper, "DROIT
CONSTITUTIONNEL", Lextenso édition, 35e édition, p 51
35فهي تسمى في الجمهورية الجزائرية "القوانين العضوية" أخذا بالترجمة الحرفية للتعبير الفرنسي ،ويسمونها في كل من
المملك ة المغربي ة والجمهوري ة اإلس المية الموريتاني ة "الق وانين التنظيمي ة" بينم ا يطل ق عليه ا في الجمهوري ة التونس ية
"القوانين األساسية ،انظر (حسن مصطفى البحري" ،النظرية العام ة للق انون الدس توري" ،الطبع ة األولى ،لس نة ،2009
ص ).101
36محمود ياسين النمروطي وعبد الرحمن أحمد أب و بن ات " ،رقاب ة المحكم ة الدس تورية على الق وانين األساس ية دراس ة
تحليلية وصفية مقارن ة بين دول ة فلس طين ومص ر" ،مجل ة جامع ة الزيتون ة للدراس ات القانوني ة ،المجل د 2اإلص دار ،3
،2021ص .38
القانون الدستوري للدولة ،وبالتالي فال جدوى والحال كذلك التفرقة بين قانون دستوري وبين
37
آخر أساسي أو عادي فالكل في مرتبة واحدة.
أما في ما يتعلق بالدساتير الجامدة فيتم التمييز بين القوانين األساس ية ال تي ال ينص
المشرع الدس توري على اج راءات خاص ة إلص دارها وتع ديلها ،حيث تص در وتع دل ه ذه
القوانين ،سواء كان ص دورها تط بيق لنص دس توري أو ك انت ص ادرة تلقائي ا عن الس لطة
التش ريعية ،بنفس اإلج راءات ال تي تص در وتع دل وفقه ا الق وانين العادي ة ،وهك ذا يتص در
التشريع الدستوري سلم تدرج القوانين ،ويلي ه التش ريع الص ادر عن البرلم ان ،س واء تعل ق
األمر بقوانين عادية أو قوانين أساسية تنظم مسائل الدستورية ،لذلك ال يمكن لقانون أساس ي
أن يخالف الدستور ،بينما يترتب عن مخالف ة ق انون أساس ي لق انون ع ادي أو العكس إلغ اء
38
القانون الالحق للقانون السابق له.
بينما إذا نص المشرع الدستوري على إجراءات خاصة لوضع الق وانين األساس ية،
فإن هذه األخير تحتل في ه ذه الحال ة مكان ة أدنى من الدس تور و أعلى من الق وانين العادي ة
39
كما هو الحال بالنسبة للمغرب الذي فرض إج راءات خاص ة لتش ريع الق وانين التنظيمي ة
40
وهو نفس الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي
مفاد هذه النظرية ،ان القواعد و المبادئ الدستورية إنم ا ش رعت للظ روف االعتيادي ة
الطبيعية ،ف إذا تعرض ت الدول ة لخط ر جس يم او ظ روف اس تثنائية( ،كح رب خارجي ة او
داخلية او لعمليات ارهابية منظمة او مظاهرات عنيفة ته دد كي ان الدول ة والمجتم ع) ،الش يء
الذي يمكن أن يشكل تهديدًا وترويعًا ألمن السكان أو خطرًا على س المتهم الجس دية ب ل ق د
يمتد هذا الخطر ليشكل تهديدًا حقيقيًا للوجود البيولوجي لمجموعة من الناس أو لكل الن اس
الشيء الذي يفرض أن ال يتم التعامل مع هذه الظروف االستثنائية بنفس الكيفية واآلليات ال تي
تتبع عادة في الظروف العادية وتكون بالتالي هناك حاجة التخاذ تدابير استعجالية وغ ير
مألوفة انطالقًا من القاعدة الرومانية المعروفة بأن "سالمة الشعب ف وق الق انون" 41،وال ذي
يجوز وفقا له وبناء على شروط وضوابط للس لطات العام ة الخ روج على مقتض ى القواع د
37جابر جاد نصار" ،الوسيط في القانون الدستوري" ،دار النهضة العربية للنشر والتوزيع ،1998 ،ص 67
38أحمد إدعلي" ،المختصر في النظرية العامة للق انون الدس توري" ،مطبع ة الكرام ة الرب اط-المغ رب ،-الطبع ة األولى،
،2020ص 34
39ينص الفصل 19من دستور " 2011ال يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قب ل مجلس الن واب،
إلى بعد مضي 20أيام على وضعها لدى مكتبه... ،ال يمكن إص دار األم ر بتنفي ذ الق وانين التنظيمي ة ،إال بع د أن تص رح
المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور"
40
L’article 61 de la Constitution, dispose : « Les lois organiques, avant leur
promulgation, et les règlements des assemblées parlementaires avant leur mise en
application, doivent être soumis au Conseil constitutionnel qui se prononce sur leur
conformité à la Constitution
41احمد بوز" ،الدستور وتذبير األزمات :قراءة في القواعد المنظمة لحالة الطوارئ الصحية"- ،دراس ات محكم ة ،-مرك ز
تكامل للدراسات واألبحاث ،ص 2
الدس تورية والقانوني ة إلعطائه ا ق درا من الحري ة في التص رف دون خش ية الوق وع في
42
الالمشروعية إلنقاذ الدولة من الخطر المحذق بها.
ف إذا ك انت النص وص الدس تورية ت بين اختصاص ات الس لطات الثالث في الدول ة
(التشريعية والتنفيذية والقضائية) ،ويتعين على كل سلطة االلتزام بصالحياتها وع دم تج اوز
حدودها ،انطالقا من مبدأ المشروعية الدستورية ،فالسلطة التشريعية تختص بوضع القوانين
والسلطة التنفيذية تعمل على تنفيذها وتطبيقها ،أم ا الس لطة القض ائية ف إن مهمته ا تكمن في
تطبيق هذه القوانين على األفراد والس لطات العام ة ،إال أن الدول ة أحيان ا ق د تواج ه ظروف ا
استثنائية يتعين مواجهاتها بطريقة تخ رج فيه ا على المب دأ المش روعية الدس تورية وتخ الف
مبدأ الفصل بين السلطات.
واللج وء إلى تط بيق نظري ة الض رورة رهين بتحق ق مجموع ة من الش روط ال تي
تجعل اللجوء إليها مقيدا ،وحتى ال يكون هناك تعسف في استعمال هذه الوس يلة االس تثنائية،
لذلك اتفق الفقه على عدد من الشروط و الضوابط تتمثل أساسا في:
-وج..ود خط..ر جس..يم يه..دد الدول..ة 43:يعت بر ه ذا الش رط من الش روط األساس ية
الواجب توافرها من أجل إعمال نظرية الضرورة ،فتطبيقها يستلزم وجود هذا الخط ر ال ذي
يهدد الدولة أوال وقبل ك ل ش يء ،ومص در الخط ر ق د يك ون طبيعي ا ك الكوارث وال زالزل
والفيض انات واألوبئ ة واألم راض الفتاك ة ،وق د يك ون اقتص اديا كاإلض راب واالعتص ام
واألزمات المالية واالقتصادية ،وأحيانا يكون داخليا كالعصيان المسلح والتمرد والمظاهرات
العنيفة والعمليات اإلرهابية ،وقد يكون خارجي ا ك الحروب ،.ويجب أن يخ رج ه ذا الخط ر
عن المخاطر المتوقعة والعادي ة ،وأن يك ون غ ير م ألوف ،وأن يك ون جس يما وح اال ،على
اعتب ار أن حي اة ال دول ال تخل و من المش اكل واألخط ار العادي ة ال تي يمكن مواجهته ا
بالتشريعات العادية وال يكون في هذه الحالة مجال لتطبيق نظرية الضرورة ،ك ذلك يجب أن
يكون الخطر قد وقع فعال أو على وشك الوقوع حتى يكون ح اال لتخ رج عن مج ال تط بيق
44
النظرية األخطار المستقبلية أو التي وقعت انتهت
42من ذلك ما نصت عليه المادة 16من دستور فرنسا " 1958إذا تعرضت مؤسس ات الجمهوري ة أو اس تقالل الدول ة أو
وحدة أراضيها أو تنفيذها اللتزاماتها الدولية لخطر داهم وجسيم ،وفي حال توقفت السلطة الدستورية العامة عن حسن سير
عملها المنتظم ،يتخذ رئيس الجمهورية التدابير التي تقتضيها هذه الظروف بعد استشارته الرسمية رئيس الوزراء ورئيس ي
مجلسي البرلمان والمجلس الدستوري"...
43ومن الدساتير التي نصت على شرط الخطر الجسيم الحال ،الدستور الفرنسي الحالي الص ادر س نة 1950حيث نص ت
لمادة 16منه على أنه "إذا أصبحت مؤسسات الجمهورية أو استقالل األمة أو سالمة أراض يها أو تنفي ذ تعه داتها الدولي ة،
مهددة بخطر جسيم وعاجل ترتب عليه القطاع السير المنتظم للس لطات الدس تورية ،ك ان ل رئيس الجمهوري ة أن يتخ ذ من
اإلجراءات ما تطلبه هذه الظروف ،"...وسار في نفس االتج اه الدس تور المغ ربي لس نة 2011والدس تور التونس ي لس نة
2014
44عمر عبد هللا مبارك" ،التنظيم الدستوري لنظرية الضرورة في ليبيا" ،مجلة دراس ات قانوني ة ،الع دد ،2018 ،23ص
161
-تعذر اتباع القواعد العادية لمواجه..ة حال..ة الض..رورة :حتى يمكن للدول ة تط بيق
نظرية الضرورة يجب أن تعج ز الوس ائل واإلج راءات العادي ة عن مواجه ة ه ذه الح االت
الشاذة فتجد الدولة نفسها مضطرة للجوء إلى الوسائل غير العادي ة لمواجه ة الخط ر ،كونه ا
الوسيلة الوحيدة الممكن لمواجهته.
ويتجه بعض الفقه للقول بأنه يشترط لتطبيق نظرية الضرورة أن تجد الدولة نفس ها
أمام استحالة وعجز في الوسائل القانونية العادي ة ،ف إن وج دت وس يلة قانوني ة أو دس تورية
ممكنة للتغلب على هذه الظروف والحاالت الشاذة ،فيجب الرجوع إلى تلك الوس يلة ،ويتج ه
جانب فقهي آخر للقول بأنه يمكن تطبيق نظرية الضرورة متى ال تتعذر على الدولة مواجهة
هذه األخطار بقواعد مشروعية عادية دون أن تصل درجة االس تحالة إلى مرتب ة االس تحالة
45
المطلقة منعا لتفاقم درجة الخطر و اإلضرار بالنظام العام.
45تونصير إبراهيم" ،تشريعات الضرورة دراسة مقارنة بين الدستور الجزائري والمصري" ،مذكرة لنيل شهادة الماجس تير
في الحقوق ،تخصص القانون الدستوري ،السنة الجامعية ،2013/2014كلية الحقوق والعلوم السياس ية -قس م الحق وق،-
جامعة محمد خيدر بسكرة ،الجزائر ،ص 12