Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 10

‫المطلب الثاني‪ :‬مكانة الدستور بالنسبة للقوانين الداخلية‬

‫القواعد القانونية التي يتضمنها النظام القانوني للدولة ليست في مرتبة واحدة‪ ،‬وإنما‬
‫هي مراتب متدرجة‪ ،‬وينتج عن ذلك أن كل قاعدة ينبغي أال تخالف القاع دة ال تي تعلوه ا في‬
‫المرتب ة‪ ،‬حيث يظه ر مب دأ دس تورية الق وانين ال ذي يع د نتيج ة متفرع ة من مب دأ ســمو‬
‫الدســتور‪ ،1‬ومن أجل الوقوف مكانة القواع د الدس تورية بالنس بة للق انون ال داخلي (ثاني ا)‪،‬‬
‫سنميز بداية القانون الدستوري عن القوانين الداخلية األخرى (أوال)‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التمييز بين القانون الدستوري والقوانين الوطنية األخرى‬

‫ظهر التمييز بين القوانين الدستورية والقوانين العادية في القرن السابع عشر‪ ،‬حيث‬
‫أطلق الفقه آنذاك على القوانين الدستورية "القوانين األساسية"‪ ،‬باعتبارها المظه ر األساس ي‬
‫‪2‬‬
‫المعبر عن سيادة األمة‪ ،‬إضافة إلى أنها قوانين تتعلق بتنظيم السلطات العامة وصالحياتها‪،‬‬
‫ويبرز االختالف بين القواعد الدستورية عن القوانين العادية في عدد من النقاط (أوال)‪ ،‬وهو‬
‫ما يرتب بالتبعية عددا من اإلثار والنتائج (ثانيا)‬

‫أوال‪ :‬مظاهر التمييز‬

‫يمكن الحديث عن نقط االختالف بين القواعد الدستورية والقوانين العادية من خالل‬
‫منظوري سمو الدستور (الموضوعي والشكلي)‪:‬‬
‫فمن حيث السمو الشكلي للقاعدة الدستورية (وال ذي ال يتحق ق إال بالنس بة للدس اتير‬
‫الجامدة)‪ 3،‬نجد أن نقط ة االختالف األولى بين الق وانين العادي ة والدس تورية هي م ا يخص‬
‫اإلج راءات المتبع ة في التش ريع والتع ديل‪ ،‬فالق انون الدس توري يج ري تش ريعه ع ادة إم ا‬
‫بأسلوب المنح ة أو العق د أو الجمعي ة التأسيس ية أو االس تفتاء الدس توري‪ 4،‬في حين يج ري‬
‫وضع التشريع العادي والفرعي من قبل السلطة التشريعية المختصة طبقا للدس تور‪ ،‬كم ا أن‬
‫إجراءات تعديل الدستور تكون أكثر تعقيدا من تلك ال تي تع دل به ا الق وانين العادي ة‪ .‬وعلى‬
‫سبيل المثال فالمادة ‪ 126‬من الدستور األردني اشترطت إجراءات خاص ة لتع ديل الدس تور‬

‫‪ 1‬محمد رفعت عبد الوهاب‪" ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري"‪ ،‬طبعة أبو العزم‪ ،‬اإلسكندرية‪ 2005 ،‬ص ‪509‬‬
‫‪ 2‬علي يوسف الشكري‪" ،‬مبادئ القانون الدستوري"‪ ،‬طبع مؤسسة دار الصادق الثقافية‪ ،2011 ،‬ص ‪319‬‬
‫‪ 3‬نذكر بأنه ال يتحقق السمو الشكلي للدساتير المرنة‪ ،‬بالرغم من تمتعها بالسمو الموضوعي‪ ،‬وذلك بالنظر لعدم وجود فرق‬
‫بین القواعد الدستورية المرنة والقانون العادي من الناحية الشكلية‪ ،‬ألن إجراءات تع ديل الدس تور الم رن والق انون الع ادي‬
‫واحدة‪ ،‬بمعنى أن الدساتير الجامدة وحدھا تتمتع بالسمو الموضوعي والشكلي معًا أما الدساتير المرنة فال تتمت ع إال بالس مو‬
‫الموضوعي فقط دون السمو الشكلي‬
‫‪4‬‬
‫تختلف عن اإلجراءات األقل تعقيدا التي نص عليها في المادة ‪ 84‬منه‪ 5،‬كما تطلب الدستور‬
‫‪6‬‬
‫المغربي إجراءات خاصة كذلك تضمنها الباب الثاني عشر منه‪.‬‬
‫أما من حيث السمو الموضوعي فتختلف طبيعة الموضوعات التي يعالجه ا الق انون‬
‫الدستوري عن تلك التي يعالجها القانون العادي‪ ،‬فالقانون الدس توري يح دد اإلط ار الفلس في‬
‫واإليديولوجي والقانوني الذي تعمل في ظله سلطات الدولة والهيئ ات الحكومي ة‪ ،‬كم ا يح دد‬
‫تش كيل تل ك الهيئ ات وص الحياتها والعالق ة بينه ا‪ ،‬وينظم الحق وق والحري ات العام ة‬
‫وضماناتها‪ ،‬في حين يعالج القانون الع ادي موض وعات ال عالق ة له ا بالنظ ام السياس ي في‬
‫‪7‬‬
‫الدولة كالقانون المدني والجنائي والمجال التجاري وغيرها‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن السمو الموضوعي يتحقق لجميع أن واع الدس اتير‪ ،‬المكتوب ة‬
‫منها والعرفية‪ ،‬وسواء كانت مكتوبة في نصوص جامدة ووفقًا إلج راءات خاص ة‪ ،‬أم ك انت‬
‫مقررة في قوانين عادية‪ ،‬فالسمو الموضوعي إذ يستند إلى موض وع النص وص ومض مونها‬
‫‪8‬‬
‫ال يمكن أن يكون خاصًا بدساتير معينة‪ ،‬بل هو عام في جميع الدساتير‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نتائج التمييز‬


‫تتمثل النتائج المترتبة على مبدأ السمو الموضوعي للدستور‪ ،‬فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬احترام مبدأ المشروعية‪ :‬وتدعيم مفهوم مبدأ سيادة حكم القانون بمع نى ض رورة‬
‫أن تتصرف السلطات العامة وفقًا لما تقضي به القواعد القانونية القائمة‪ ،‬بحيث تك ون جمي ع‬
‫تصرفات السلطات العامة في الدولة متفقة وأحك ام الق انون بمدلول ه الع ام‪ ،‬تس توي في ذل ك‬
‫السلطة التشريعية أو القضائية أو التنفيذية‪ ،‬وبالتالي تخضع الدولة بھیئاتھا وأفراده ا جميعهم‬
‫ألحكام القانون وال تخرج عن حدوده وإال عدت أعمالها غ یر مش روعة وخروج ا عن مب دأ‬
‫المشروعية‪ 9،‬وال ينعطف مبدأ المش روعية على تص رفات طائف ة دون األخ رى‪ ،‬ب ل يمت د‬
‫ليش مل المحك ومين في عالق اتهم والحك ام أو الرؤس اء في مزاول ة س لطاتهم‪ ،‬بحيث يك ون‬
‫هؤالء وأولئك خاضعين ألحكام الق انون على ح د س واء وه ذا ال يتحق ق إال في ظ ل الدول ة‬
‫القانونية‪ 10.‬وبناء على ذلك يؤدي سمو الدستور إلى إلزام الحكام باحترام قواع ده وأحكام ه‪،‬‬
‫وإال كانت التصرفات الصادرة عنهم والمخالفة ألحكام الدستور وقواعده باطلة وليس لها أي‬
‫‪11‬‬
‫قيمة قانونية‪.‬‬

‫‪ 5‬أنظر الملحق‪ ،‬ص‬


‫‪ 6‬أنظر الملحق‪ ،‬ص‬
‫‪ 7‬علي يوسف الشكري‪" ،‬مبادئ القانون الدستوري"‪ ،‬طبع مؤسسة دار الصادق الثقافية‪ ،2011 ،‬ص ‪319‬‬
‫‪ 8‬حس ن البح ري‪ " ،‬س مو الدس تور"‪ ،‬مق ال على موق ع الموس وعة القانوني ة المتخصص ة‪ ،‬على الراب ط الت الي‪:‬‬
‫‪ ، https://2u.pw/mMl3UJI‬تم االطالع عليه في ‪ ،22/01/2014‬على الساعة ‪16:18‬‬
‫‪ 9‬راجع‪ :‬أحمد أجعون‪" ،‬القضاء اإلداري"‪ ،‬مطبعة سجلماسة‪ ،‬مكناس ‪-‬المغرب‪ ،2013 ،-‬ص ‪ 6‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ 10‬عبد العزيز سعد ربيع‪" ،‬القيمة القانونية لمقدمات الدساتير"‪ ،‬مجلة كلية الشريعة والقانون بطنطا‪ ،‬اإلصدار ‪ 3‬من الع دد‬
‫‪ ،38‬يوليو ‪ ،2023‬ص‪195‬‬
‫‪ 11‬نزیه رعد‪" ،‬القانون الدستوري العام‪ ،‬المبادئ العامة والنظم السياسية"‪ ،‬المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،1999 ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪-‬حظر تفويض االختصاصات التي منحها الدستور‪ :‬بما ان الدستور يحدد الس لطات‬
‫بشكل مطلق بمعنى ان القاعدة الدستورية أساس السلطات كافة‪ ،‬وهذه السلطات س واء ك انت‬
‫تشريعية أم تنفيذية ال تمارس حقا شخصيا تتصرف به كما تشاء بل تم ارس وظيف ة تح ددها‬
‫النصوص وتبين شروطها ومداها‪ ،‬ذلك أن ك ل س لطة من الس لطات العام ة في الدول ة إنم ا‬
‫تقوم بأعمالها ووظائفها كمفوضة من األمة‪ ،‬وينتج عن ذل ك ب أن ه ذه الس لطات ال تس تطيع‬
‫تف ويض غيره ا في ممارس ة اختصاص اتها‪ 12‬إال إذا س مح الدس تور ب ذلك ووف ق ش روط‬
‫يحددھا‪ ،‬فيعد التفويض مشروعًا في ھذه الحالة نظرًا لكون الدس تور ھو ال ذي س مح ب ه‪،13‬‬
‫‪14‬‬
‫حیث يعد تصرف السلطة نابعًا من الدستور نفسه وال یتوقف على إرادة السلطة وحدھا‪.‬‬

‫أما السمو الشكلي للدستور فيرتب بدوره عددا من النتائج منها ‪:‬‬

‫‪-‬ثبات الق‪..‬وانين الدس‪..‬تورية أك‪..‬ثر من الق‪..‬وانين العادي‪..‬ة‪ :‬من أهم مم يزات ص ياغة‬
‫القاعدة الدستورية أنها تتسم بالعمومية واالقتض اب‪ ،‬مم ا ينعكس على ثب ات واس تقرار تل ك‬
‫القواعد نسبيا أكثر من القوانين العادية‪ ،‬بحيث ت ؤدي ه ذه الم يزة ‪ -‬االقتض اب ‪-‬إلى إمكاني ة‬
‫تطبيقها ألطول فترة زمنية؛ ألنه ا س تكون ق ادرة على مواجه ة واس تيعاب كاف ة المتغ يرات‬
‫المتالحقة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية التي قد تحدث في الدولة‪.‬‬
‫وهذا الثبات نس بي وليس مطل ق‪ ،‬وإال أدى إلى ع دم إمكاني ة مالحق ة ه ذه القواع د‬
‫للتطورات المتالحقة في الدولة من كافة الجوانب االقتصادية واالجتماعية والسياس ية‪ ،‬وأدى‬
‫ذلك إلى مصادرة ح ق األم ة في تع ديل دس تورها‪ 15،‬فم ا من دس تور في الع الم إال ويمكن‬
‫تعديله‪ ،‬بل إن من الدساتير من جرى تعديله حتى قبل نف اذه‪ ،‬مث ل الدس تور األم ريكي ال ذي‬
‫عدل قبل نفاذه‪ ،‬ولم يكن ذلك يتعارض مع صفة الجمود التي يتس م به ا‪ ،‬فه ذا الدس تور ظ ل‬
‫‪16‬‬
‫نافدًا ما يربو على المئتان وعشرون سنة‪ ،‬ولم يعدل إال ستة وعشرون مرة فقط‪.‬‬

‫‪ -‬عدم جواز مخالفة القوانين العادية للقوانين الدستورية ‪ :‬من بين ما يميز الدستور‬
‫الم رن أو الجام د ه و اإلج راءات والش كليات ال واجب اتباع ه في التع ديل‪ ،‬ف إذا لم يش ترط‬
‫المشرع الدستوري إجراءات خاصة في تعديله تختل ف عن تل ك ال واجب اتباعه ا في تع ديل‬
‫‪ 12‬عصام سعيد عبد احمد‪" ،‬الرقابة على دستورية القوانين (دراس ة مقارن ة)‪ ،‬الطبع ة األولى‪ ،‬المؤسس ة الحديث ة للكت اب‪،‬‬
‫لبنان‪ ،2012 ،‬ص ‪79‬‬
‫‪ 13‬ينص الفصل ‪ 91‬من الدستور المغربي لسنة ‪ 2011‬على أنه " يعين رئيس الحكومة في الوظائف المدني ة في اإلدارات‬
‫العمومية‪ ،‬وفي الوظائف السامية في المؤسسات والمقاوالت العمومي ة‪ ،‬دون إخالل بأحك ام الفص ل ‪ 49‬من ه ذا الدس تور‪.‬‬
‫يمكن لرئيس الحكومة تفويض هذه السلطة‪ ،".‬كما ينص الفصل ‪ 70‬منه على أن " للق انون أن ي أذن للحكوم ة أن تتخ ذ في‬
‫ظرف من الزمن محدود‪ ،‬ولغاية معينة‪ ،‬بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها‪"...‬‬
‫‪ 14‬مجدي عبد الحميد شعيب‪" ،‬القانون الدستوري ونظام الحكم في دول ة اإلم ارات العربي ة المتح دة"‪ ،‬الطبع ة الثاني ة‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،2012 ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪ 15‬عوض الليمون‪ " ،‬الوجيز في النظم السياسية ومبادئ القانون الدستوري"‪ ،‬مطبعة دار النشر‪ ،‬الطبعة الثاني ة‪،2016 ،‬‬
‫ص ‪315‬‬
‫‪ 16‬علي يوسف الشكري‪" ،‬مبادئ القانون الدستوري"‪ ،‬طبع مؤسسة دار الصادق الثقافية‪ ،2011 ،‬ص ‪.320‬‬
‫القانون العادي‪ ،‬كان الدستور مرنًا وتعد أي مخالفة ألحكامه من قبل المشرع الع ادي تع ديًال‬
‫له‪ ،‬في حين تع د مخالف ة الق انون الع ادي ألحك ام الدس تور الجام د خرق ًا لمب دأ المش روعية‬
‫والتدرج القانوني الواجب مراعاته في التشريع‪ ،‬وبالتالي يكون مصير القانون البطالن سواء‬
‫نص الدس تور على ذل ك ص راحة أم لم ينص‪ ،‬باعتب ار أن ه ذا الحكم نتيج ة منطقي ة لع دم‬
‫‪17‬‬
‫مراعاة مبدأ التدرج القانوني‪.‬‬
‫‪-‬عدم جواز تعديل الق‪..‬انون الدس‪..‬توري إال بق‪..‬انون دس‪..‬توري آخ‪..‬ر‪ :‬إن من نت ائج س مو‬
‫القوانين الدستورية على القوانين العادية‪ ،‬ع دم ج واز تع ديلها أو إلغائه ا إال بق وانين أخ رى‬
‫مماثل ة له ا في المرتب ة‪ ،‬فال يمكن إلغ اء أو تع ديل الق وانين دس تورية إال بق وانين دس تورية‬
‫مماثلة تتخذ وفق إجراءات ش كليات مماثل ة‪ ،‬وبالت الي ف إن الق انون الع ادي ال يمكن ه تع ديل‬
‫قانون دستوري‪ 18،‬والقاعدة في ذلك أن القانون األدنى ال يلغي أو يعدل الق انون األعلى من ه‬
‫درجة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مكانة الدستور ضمن القانون الداخلي‬


‫تحتل القواعد الدستورية قم ة اله رم الق انوني في الدول ة‪ ،‬وتتم يز بعلوه ا وس موها‬
‫على ما عداها من قواع د‪ ،‬ولئن ك انت بعض الدس اتير تنص ص راحة على بطالن الق وانين‬
‫التي تخالف مقتضيات الدستور‪ ،‬فإن عدم التنصيص الصريح على ذلك ال يع ني ص حة تل ك‬
‫القوانين‪(19‬أوال)‪ ،‬غير أن مبدأ سمو الدستور يرد عليه اسـتثناء يعرف "بنظرية الض رورة"‪،‬‬
‫وتكتسب هذه النظرية اهمية خاصة في األوقات العصيبة التي تمر بها الدولة‪(.‬ثانيا)‬

‫أوال‪ :‬علوية الدستور ضمن القانون الداخلي‬

‫تمثل قواعد الدس تور الق انون األساس ي ال ذي يتح دد بمقتض اه النظ ام الق انوني في‬
‫الدولة ويتعين على أساسه وجود السلطات العامة‪ ،‬وما تطلع به من وظ ائف واختصاص ات‪،‬‬
‫ويشكل مصدرًا لما تقوم به من أعمال وتصرفات‪ 20،‬وللحديث عن مكان ة الدس تور الداخلي ة‬
‫يكمن التطرق إلى ما يلي‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫مقدمات الدساتير‪:‬‬
‫‪ 17‬علي يوسف الشكري‪" ،‬مبادئ القانون الدستوري"‪ ،‬طبع مؤسسة دار الصادق الثقافية‪ ،2011 ،‬ص ‪.320‬‬
‫‪ 18‬عصام علي الدبس‪" ،‬القانون الدستوري" ذار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،2011 ،‬ص ‪.173‬‬
‫‪ 19‬أحمد إدعلي‪" ،‬المختصر في النظرية العامة للق انون الدس توري"‪ ،‬مطبع ة الكرام ة الرب اط‪-‬المغ رب‪ ،-‬الطبع ة الثاني ة‪،‬‬
‫‪ ،2022‬ص ‪110‬‬
‫‪ 20‬محمد كاظم المشهداني‪" ،‬القانون الدستوري"‪ ،‬مؤسسة الثقافة الجامعية‪ ،‬ص‪273‬‬
‫‪" 21‬يبدأ الدستور عادة بديباجة نظرية‪ ،‬تتضمن إشارة إلى منابع الدستور والمبادئ الجوهرية ال تي يق وم عليه ا‪ ،‬واأله داف‬
‫التي يس عى المجتم ع لتحقيقه ا وترس م الديباج ة ‪-‬ع ادة‪ -‬الخط وط الرئيس ية ال تي يبتغيه ا الدس تور‪ ،‬كمنهج لسياس ة الدول ة‬
‫وإرادتها‪ ،‬وقد تتضمن الديباجة بيانات بالحريات العامة‪ ،‬وحقوق المواط نين السياس ية واالقتص ادية واالجتماعي ة"‪ ،‬للمزي د‬
‫المرجو االطالع على إبراهيم أبو خزام‪" ،‬الوسيط في القانون الدستوري"‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتحدة ‪ ،2010‬ص ‪68‬‬
‫جرت الدول الحديثة التي قامت بعد الحرب العالمية األولى‪ ،‬على تضمين مق دمات‬
‫الدساتير عددا من المبادئ تحدد األسس السياسية واالجتماعي ة للنظ ام الجدي د‪ 22،‬ومن أمثل ة‬
‫الدساتير التي تتضمن مقدمات‪ ،‬نجد الدستورين الفرنسيين الصادرين في عه د الجمهوري تين‬
‫الرابعة والخامسة‪ ،23‬والدستور المغربي الحالي‪.24‬‬
‫وق د نش أ خالف بين فقه اء الق انون الدس توري بش أن م ا يتعل ق بالقيم ة القانوني ة‬
‫لمقدمات الدساتير‪ ،‬بين من يذهب إلى تجري د مقدم ة الدس تور من أي قيم ة قانوني ة ومن أي‬
‫ق وة ملزم ة‪ ،‬فيعتبره ا مج رد مب ادئ وتوجه ات وأه داف ذات قيم ة سياس ية أو فلس فية أو‬
‫أخالقي ة‪ ،‬ومن ه فهي تتمت ع بقيم ة أدبي ة فق ط‪ ،‬وذل ك ح تى في مواجه ة المش رع الع ادي‬
‫(البرلمان)‪ ،‬إذ بإمكان هذا األخير أن يض ع تش ريعات وق وانين مخالف ة لم ا تض منته مقدم ة‬
‫‪25‬‬
‫الدستور من أحكام‪.‬‬
‫في حين أعطى اتجاه آخ ر لديباج ة الدس تور قيم ة قانوني ة تع ادل قيم ة النص وص‬
‫الدستورية األخرى التي يتضمنها الدستور‪ ،‬فهي جزء من بني ان الدول ة الق انوني‪ ،‬إذ أنه ا ﻻ‬
‫تصدر عبثا ‪-‬فهي مثل الدستور‪ -‬ملزمة للمشرع ويحظر عليه مخالفتها‪ ،‬وبناء على ذلك فإن ه‬
‫‪26‬‬
‫يجوز التمسك بها والطعن بعدم دستورية أي قانون يخالف أحكامها‪.‬‬
‫على أن الرأي الراجح يعترف لمقدمة الدستور بالقيم ة القانوني ة اإللزامي ة‪ ،‬خاص ة‬
‫وأن االجتهاد القضائي الفرنسي ق د حس م ه ذا األم ر من خالل مق ررات مح اكم الموض وع‬
‫‪27‬‬
‫ومحكمة النقض وكذا مجلس الدولة الفرنسي‬
‫أما بالنسبة للمغرب فإذا كانت القيمة القانونية لديباجة الدستور قد أثيرت فيما س بق‪-‬‬
‫وأمام غياب قرار واض ح من المجلس الدس توري‪ -‬من قب ل الفق ه المغ ربي‪ ،‬بين من يض في‬
‫عليها قيمة دستورية وبين من يجردها منها‪ ،‬لكن هذا النقاش قد حس م في أم ره بع د التع ديل‬
‫الدستوري الذي شهده المغرب في ‪ 29‬يولي و ‪ 2011‬حيث نص ه ذا األخ ير ص راحة على‬
‫أنه "يشكل هذا التصدير جزء ال يتجزأ من هذا الدستور"‪.‬‬
‫ويترتب عن هذا كون جمي ع المقتض يات ال واردة في مقدم ة الدس تور‪ ،‬تتمت ع بنفس‬
‫القيمة الدس تورية المخول ة لب اقي فص ول الدس تور‪ ،‬وبالت الي ف ان المحكم ة الدس تورية‪ ،‬في‬

‫حسن مصطفى البحري‪" ،‬النظرية العامة للقانون الدستوري"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬لسنة ‪ ،2009‬ص ‪93‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪ 23‬ورد في مقدمة دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الصادر في الرابع ‪ 4‬أكتوبر ‪ 1958‬ما يلي "يعلن الشعب الفرنس ي‬
‫بصفة رسمية‪ ،‬تمسكه بحقوق اإلنسان ومبادئ السيادة الوطنية بالصورة التي حررت بها في إعالن ‪ ،1789‬وال تي أك دتها‬
‫واكملتها مقدمة الدستور سنة ‪ 1946‬وكذلك الحقوق والواجبات الوالدة في ميثاق البيئة لسنة ‪ 2004‬وبمقتضى هذه المبادئ‬
‫ومبدأ حرية الشعوب في تقرير مصيرها ‪"...‬‬
‫‪ 24‬تضمن الدستور المغربي الصادر بالظهير المؤرخ في ‪ 29‬يونيو ‪ ،2011‬تصديرا يعتبر بمثابة مقدمة للدس تور ض منه‬
‫المشرع الدستوري بعض المبادئ والقيم والتوجهات واألهداف األساسية‪ ،‬التي تعد في تق ديره بمثاب ة ال دعائم والمرتك زات‬
‫األساسية التي تحكم وتضبط الخطة السياسية العامة للدولة سواء على مستوى سياستها الداخلية أو الخارجية‪.‬‬
‫‪ 25‬عبد الرزاق عريش‪" ،‬قراءة أولية في مقدمة الدستور المغربي الجديد"‪ ،‬مق ال منش ور بموق ع العل وم القانوني ة ‪Maroc‬‬
‫‪ ،droit‬على الرابط المختصر ‪ ،https://2u.pw/0EhXNJ3‬تم االطالع في ‪ 21/01/2024‬على الساعة ‪17:32‬‬
‫‪ 26‬مصطفى أبو زيد فهمي‪" ،‬الدستور المصري"‪ ،‬مطبعة نصر مصر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1958‬ص‪.163‬‬
‫‪ 27‬للمزيد انظر في ذلك‪ :‬حسن مصطفى البحري‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪ 97‬وما يليها‪.‬‬
‫ميدان رقابتها على دستورية القوانين واالتفاقيات‪ ،‬ملزمة بأن تأخذ في االعتب ار المقتض يات‬
‫‪28‬‬
‫الواردة في ديباجة الدستور‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫العرف الدستوري‪:‬‬

‫اختلف الفقه في منزلة العرف الدستوري‪ ،‬حيث يرى البعض أن للعرف الدس توري‬
‫منزلة تسمو على الدستوري المدون لكونه هو المعبر عن إرادة األم ة‪ ،‬لكن هن اك من ي رى‬
‫أن للع رف نفس مرتب ة قواع د الدس تور الم دون‪ ،‬على أس اس وح دة المص در بينهم ا‪ ،‬ألن‬
‫السلطة الحاكمة وهي تعتاد على اتباع سلوك معين إنما تعبر عن إرادة األمة كذلك‪ ،‬في حين‬
‫يرى آخرون أن القاعدة القانونية المدونة تسمو على القاعدة العرفية بقطع النظر عن السلطة‬
‫التي شرعتها (السلطة التـأسيسية األص لية‪-‬البرلم ان‪ )-‬ومك ان وروده ا (الدس تور‪-‬الق انون‪-‬‬
‫الالئحة)‪ ،‬فكل قاعدة المدونة تسمو على العرف وهذا ال رأي ي ذهب بعي دًا في مج ال إقص اء‬
‫العرف الدستوري وهو األقرب ألنصار المدرسة الشكلية ال ذين ال يق رون القاع دة القانوني ة‬
‫إال إذا كانت مدونة‪ 30.‬وعموما فإن الفقه يميز بين ‪ 4‬أنواع من العرف الدستوري‪:‬‬
‫‪-‬العرف المفسر الذي يقتصر أثره على تفسير نص من نصوص الدس تور‪ ،‬والعم ل‬
‫على توضيحه‪ ،‬وبيان كيفية تطبيقه‪ ،‬وذلك من أجل إزالة غموض ه‪ ،‬أي أن ه ال ينش ئ قواع د‬
‫جديدة‪ ،‬وإنما يعمل في دائ رة النص وص وفي نطاقه ا‪ ،‬من أج ل تحدي د م دلولها‪ ،‬وتفس يرها‬
‫تفسيرا يزيل غموضها‪.‬‬
‫وتتجلى أهمي ة الع رف الدس توري المفس ر في حال ة إيج از نص وص الوثيق ة‬
‫الدستورية‪ 31،‬وال خالف في أن العرف الدستوري المفسر يقي د ج زءا من الدس تور الم دون‬
‫‪32‬‬
‫الذي يقوم على تفسيره‪ ،‬فيأخذ تبعا لذلك حكمة سواء كان الدستور مرنا أو كان جامدا‪.‬‬

‫‪ 28‬ومن هذه القرارات التي استند فيها المجلس الدستوري على الديباجة‪ ،‬قرار عدد ‪ 817‬بتاريخ ‪ 13‬أكتوبر‪ 2011‬الصادر‬
‫(قرار رقم‪ 11/817‬صادر في ‪ 13‬أكتوبر‪ ،‬جري دة رس مية ع دد ‪ 5987‬بت اريخ ‪ 17‬أكت وبر ‪ ،)2011‬في ش أن الق انون‬
‫التنظيمي لمجس الن واب‪ ،‬وظ ف في ه القاض ي الدس توري تص دير الوثيق ة الدس تورية لع ام ‪ ،2011‬اس تنادا على مب ادئ‬
‫دستورية جوهرية (مثل مب دأ المس اواة)‪ ،‬وك رس الفق رة األخ يرة من تص دير الوثيق ة الدس تورية ‪ 2011‬ال تي تنص على‬
‫"حظر ومكافح ة ك ل أش كال التمي يز بس بب الجنس أو الل ون أو اإلعاق ة أو الثقاف ة‪ "...‬أنظ ر ‪ :‬نعيم ة الس امري‪" ،‬ديباج ة‬
‫الدستور بين القيمة القانونية و التطبيقات القضائية"‪ ،‬مختبر الدراسات السياس ية و الق انون الع ام‪ ،‬جامع ة س يدي محم د بن‬
‫عبد هللا ‪-‬فاس‪ -‬المغرب‪ ،‬ص‪ 9‬وما يليها‬
‫‪ 29‬يقصد بالعرف الدستوري‪ ،‬القاعدة غير المدونة التي يؤدي تكرارها ومزاولتها إلى أن تصبح لها ق وة القاع دة القانوني ة‪،‬‬
‫وكمثال على العرف الدستوري تحديد انتخاب رئيس األولياء في المتحدة األمريكي ة م رة واح دة ه ذا الع رف تم حرق ه من‬
‫طرف الرئيس فرانكلين روزفلت‪ ،‬الذي تم تجديد انتخابه م رتين متوالي تين‪ ،‬إال أن ه ارتقى إلى مس توى القاع دة الدس تورية‬
‫المكتوبة بمقتضى التعديل الدستوري لسنة ‪1951‬‬
‫‪ 30‬للتفصيل راجع‪ :‬علي يوس ف الش كري‪" ،‬الوس يط في فلس فة الدس تور'‪ ،‬طبع ة مكتب ة زين الحقوقي ة واألدبي ة‪ ،‬لبن ان ‪-‬‬
‫بيروت‪ ،-‬ص ‪.69‬‬
‫‪ 31‬كما حصل مع دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة لعام ‪ ،1875‬حيث لعب العرف دورا هاما في تفسير وتوضيح العدي د‬
‫من نصوصه‪ ،‬وعلى سبيل المثال تفسير المادة الثالثة‪ ،‬التي تنص على أن "رئيس الجمهوري ة يكف ل تنفي ذ الق وانين"‪ ،‬حيث‬
‫تقرر لرئيس الجمهورية سلطة إصدار لوائح تنفيذية‪ ،‬على الرغم من عدم وجود نص يقر ل ه ص راحة ه ذا الح ق‪ ،‬اس تنادا‬
‫إلى أن كفالة تنفيذ القوانين ال تتأكد إال بإصدار اللوائح الالزمة لتنفيذها‪.‬‬
‫‪ 32‬محمد ك اظم المش هداني‪" ،‬الق انون الدس توري‪ :‬الدول ة ‪-‬الحكوم ة ‪-‬الدس تور"‪ ،‬مؤسس ة الثقاف ة الجامعي ة‪ ،‬اإلس كندرية‪،‬‬
‫‪ ،2011‬ص ‪.257‬‬
‫القوانين األساسية‪:‬‬

‫القوانين األساسية هي القواعد المتعلقة ‪-‬بصفة عامة‪ -‬بنظام الحكم ومحلها الدستور‪،‬‬
‫إال أن الس لطة التأسيس ية ت ركت أم ر إص دارها للس لطة التش ريعية‪ ،‬متمثل ة في البرلم ان‪،‬‬
‫لتحقيق أكبر ق در ممكن االس تقرار للنص وص الدس تورية‪ ،‬وتالش ي تع ديل ه ذه النص وص‬
‫بصورة متالحقة‪ ،‬كونها قابلة للتعديل والتغيير وك ل ذل ك يحس ن مع ه إس ناد س لطة إص دار‬
‫‪33‬‬
‫القوانين األساسية للبرلمان‬
‫وقد اصطلح الفقه الفرنسي على تسمية تلك القوانين العادية ال تي تص درها الس لطة‬
‫التشريعية وال تي تع الج مس ائل تع د دس تورية بطبيعته ا التص الها بنظ ام الحكم من الناحي ة‬
‫السياس ية وبتنظيم س ير الس لطات العام ة في الدول ة ب" ‪"les lois organiques‬‬
‫‪34‬‬
‫(واستخدام تعبير القانون األساسي ناتج ببساطة عن الممارسة وليس له ع واقب قانوني ة)‪،‬‬
‫وتختلف التسميات المحددة لها في اللغة العربية ‪ ،35‬ويمكن أن ينص المشرع الدستوري في‬
‫الورقة الدستورية على مادة معين ة يحي ل تنظيمه ا وش رحها إلى المش رع الع ادي من خالل‬
‫ق انون أساس ي‪ ،‬وق د يق وم المش رع الع ادي دون تف ويض المش رع الدس توري‪ ،‬بإص دار‬
‫تشريعات ذات طبيعة دستورية‪ ،‬غير أن غالبية القوانين األساسية في مختلف الدول‪ ،‬تص در‬
‫بن اء على تكلي ف من قب ل المش رع الدس توري من خالل أن النص في الدس تور على قي ام‬
‫المش رع الع ادي بإص دار ه ذه الق وانين لتنظيم مس ائل وموض وعات معين ة ذات طبيع ة‬
‫‪36‬‬
‫دستورية‪.‬‬
‫وتحت ل الق وانين األساس ية في ظ ل الدس اتير المرن ة نفس مرتب ة الدس تور‪ ،‬حيث‬
‫تستطيع السلطة التشريعية أن تصدر قانونا يعالج موضوعا من الموضوعات المتصلة بنظام‬
‫الحكم في الدولة حتى ولو قرر أحكاما تخالف األحكام المقررة في الوثيق ة الدس تورية‪ ،‬حيث‬
‫يعد ذلك تعديال ألحكام الوثيقة الدس تورية‪ ،‬م ا دامت الوثيق ة الدس تورية ال تتطلب إج راءات‬
‫خاصة لتعديل قواعدها‪ ،‬وبالتالي يجوز للسلطة التشريعية عن طريق ه ذه الق وانين أن تع دل‬

‫‪ 33‬حمود محمد القديمي‪" ،‬الق وانين األساس ية ودوره ا في تنظيم المس ائل الدس تورية"‪ ،‬مجل ة الق انون الدس توري والعل وم‬
‫اإلدارية‪ ،‬إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية‪ ،‬ألماني ا ‪-‬ب رلين‪ ،-‬الع دد ‪ ،20‬غش ت‬
‫‪ ،2023‬ص‪.248‬‬
‫‪34‬‬
‫‪"L'emploi de l'expression loi organique résulte simplement de la pratique et n'a pas‬‬
‫‪de conséquences juridiques", Francis Hamon Et Michel Troper, "DROIT‬‬
‫‪CONSTITUTIONNEL", Lextenso édition, 35e édition, p 51‬‬
‫‪ 35‬فهي تسمى في الجمهورية الجزائرية "القوانين العضوية" أخذا بالترجمة الحرفية للتعبير الفرنسي‪ ،‬ويسمونها في كل من‬
‫المملك ة المغربي ة والجمهوري ة اإلس المية الموريتاني ة "الق وانين التنظيمي ة" بينم ا يطل ق عليه ا في الجمهوري ة التونس ية‬
‫"القوانين األساسية‪ ،‬انظر (حسن مصطفى البحري‪" ،‬النظرية العام ة للق انون الدس توري"‪ ،‬الطبع ة األولى‪ ،‬لس نة ‪،2009‬‬
‫ص ‪).101‬‬
‫‪ 36‬محمود ياسين النمروطي وعبد الرحمن أحمد أب و بن ات‪ " ،‬رقاب ة المحكم ة الدس تورية على الق وانين األساس ية دراس ة‬
‫تحليلية وصفية مقارن ة بين دول ة فلس طين ومص ر"‪ ،‬مجل ة جامع ة الزيتون ة للدراس ات القانوني ة‪ ،‬المجل د ‪ 2‬اإلص دار ‪،3‬‬
‫‪ ،2021‬ص ‪.38‬‬
‫القانون الدستوري للدولة‪ ،‬وبالتالي فال جدوى والحال كذلك التفرقة بين قانون دستوري وبين‬
‫‪37‬‬
‫آخر أساسي أو عادي فالكل في مرتبة واحدة‪.‬‬
‫أما في ما يتعلق بالدساتير الجامدة فيتم التمييز بين القوانين األساس ية ال تي ال ينص‬
‫المشرع الدس توري على اج راءات خاص ة إلص دارها وتع ديلها‪ ،‬حيث تص در وتع دل ه ذه‬
‫القوانين‪ ،‬سواء كان ص دورها تط بيق لنص دس توري أو ك انت ص ادرة تلقائي ا عن الس لطة‬
‫التش ريعية‪ ،‬بنفس اإلج راءات ال تي تص در وتع دل وفقه ا الق وانين العادي ة‪ ،‬وهك ذا يتص در‬
‫التشريع الدستوري سلم تدرج القوانين‪ ،‬ويلي ه التش ريع الص ادر عن البرلم ان‪ ،‬س واء تعل ق‬
‫األمر بقوانين عادية أو قوانين أساسية تنظم مسائل الدستورية‪ ،‬لذلك ال يمكن لقانون أساس ي‬
‫أن يخالف الدستور‪ ،‬بينما يترتب عن مخالف ة ق انون أساس ي لق انون ع ادي أو العكس إلغ اء‬
‫‪38‬‬
‫القانون الالحق للقانون السابق له‪.‬‬
‫بينما إذا نص المشرع الدستوري على إجراءات خاصة لوضع الق وانين األساس ية‪،‬‬
‫فإن هذه األخير تحتل في ه ذه الحال ة مكان ة أدنى من الدس تور و أعلى من الق وانين العادي ة‬
‫‪39‬‬
‫كما هو الحال بالنسبة للمغرب الذي فرض إج راءات خاص ة لتش ريع الق وانين التنظيمي ة‬
‫‪40‬‬
‫وهو نفس الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي‬

‫ثانيًا‪ :‬نظرية الضرورة ‪:‬‬

‫مفاد هذه النظرية‪ ،‬ان القواعد و المبادئ الدستورية إنم ا ش رعت للظ روف االعتيادي ة‬
‫الطبيعية‪ ،‬ف إذا تعرض ت الدول ة لخط ر جس يم او ظ روف اس تثنائية‪( ،‬كح رب خارجي ة او‬
‫داخلية او لعمليات ارهابية منظمة او مظاهرات عنيفة ته دد كي ان الدول ة والمجتم ع)‪ ،‬الش يء‬
‫الذي يمكن أن يشكل تهديدًا وترويعًا ألمن السكان أو خطرًا على س المتهم الجس دية ب ل ق د‬
‫يمتد هذا الخطر ليشكل تهديدًا حقيقيًا للوجود البيولوجي لمجموعة من الناس أو لكل الن اس‬
‫الشيء الذي يفرض أن ال يتم التعامل مع هذه الظروف االستثنائية بنفس الكيفية واآلليات ال تي‬
‫تتبع عادة في الظروف العادية وتكون بالتالي هناك حاجة التخاذ تدابير استعجالية وغ ير‬
‫مألوفة انطالقًا من القاعدة الرومانية المعروفة بأن "سالمة الشعب ف وق الق انون"‪ 41،‬وال ذي‬
‫يجوز وفقا له وبناء على شروط وضوابط للس لطات العام ة الخ روج على مقتض ى القواع د‬
‫‪ 37‬جابر جاد نصار‪" ،‬الوسيط في القانون الدستوري"‪ ،‬دار النهضة العربية للنشر والتوزيع‪ ،1998 ،‬ص ‪67‬‬
‫‪ 38‬أحمد إدعلي‪" ،‬المختصر في النظرية العامة للق انون الدس توري"‪ ،‬مطبع ة الكرام ة الرب اط‪-‬المغ رب‪ ،-‬الطبع ة األولى‪،‬‬
‫‪ ،2020‬ص ‪34‬‬

‫‪ 39‬ينص الفصل ‪19‬من دستور ‪ " 2011‬ال يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قب ل مجلس الن واب‪،‬‬
‫إلى بعد مضي ‪ 20‬أيام على وضعها لدى مكتبه‪... ،‬ال يمكن إص دار األم ر بتنفي ذ الق وانين التنظيمي ة‪ ،‬إال بع د أن تص رح‬
‫المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور"‬
‫‪40‬‬
‫‪L’article 61 de la Constitution, dispose : « Les lois organiques, avant leur‬‬
‫‪promulgation, et les règlements des assemblées parlementaires avant leur mise en‬‬
‫‪application, doivent être soumis au Conseil constitutionnel qui se prononce sur leur‬‬
‫‪conformité à la Constitution‬‬
‫‪ 41‬احمد بوز‪" ،‬الدستور وتذبير األزمات‪ :‬قراءة في القواعد المنظمة لحالة الطوارئ الصحية"‪- ،‬دراس ات محكم ة‪ ،-‬مرك ز‬
‫تكامل للدراسات واألبحاث‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫الدس تورية والقانوني ة إلعطائه ا ق درا من الحري ة في التص رف دون خش ية الوق وع في‬
‫‪42‬‬
‫الالمشروعية إلنقاذ الدولة من الخطر المحذق بها‪.‬‬

‫ف إذا ك انت النص وص الدس تورية ت بين اختصاص ات الس لطات الثالث في الدول ة‬
‫(التشريعية والتنفيذية والقضائية)‪ ،‬ويتعين على كل سلطة االلتزام بصالحياتها وع دم تج اوز‬
‫حدودها‪ ،‬انطالقا من مبدأ المشروعية الدستورية‪ ،‬فالسلطة التشريعية تختص بوضع القوانين‬
‫والسلطة التنفيذية تعمل على تنفيذها وتطبيقها‪ ،‬أم ا الس لطة القض ائية ف إن مهمته ا تكمن في‬
‫تطبيق هذه القوانين على األفراد والس لطات العام ة‪ ،‬إال أن الدول ة أحيان ا ق د تواج ه ظروف ا‬
‫استثنائية يتعين مواجهاتها بطريقة تخ رج فيه ا على المب دأ المش روعية الدس تورية وتخ الف‬
‫مبدأ الفصل بين السلطات‪.‬‬
‫واللج وء إلى تط بيق نظري ة الض رورة رهين بتحق ق مجموع ة من الش روط ال تي‬
‫تجعل اللجوء إليها مقيدا‪ ،‬وحتى ال يكون هناك تعسف في استعمال هذه الوس يلة االس تثنائية‪،‬‬
‫لذلك اتفق الفقه على عدد من الشروط و الضوابط تتمثل أساسا في‪:‬‬
‫‪-‬وج‪..‬ود خط‪..‬ر جس‪..‬يم يه‪..‬دد الدول‪..‬ة‪ 43:‬يعت بر ه ذا الش رط من الش روط األساس ية‬
‫الواجب توافرها من أجل إعمال نظرية الضرورة‪ ،‬فتطبيقها يستلزم وجود هذا الخط ر ال ذي‬
‫يهدد الدولة أوال وقبل ك ل ش يء‪ ،‬ومص در الخط ر ق د يك ون طبيعي ا ك الكوارث وال زالزل‬
‫والفيض انات واألوبئ ة واألم راض الفتاك ة‪ ،‬وق د يك ون اقتص اديا كاإلض راب واالعتص ام‬
‫واألزمات المالية واالقتصادية‪ ،‬وأحيانا يكون داخليا كالعصيان المسلح والتمرد والمظاهرات‬
‫العنيفة والعمليات اإلرهابية‪ ،‬وقد يكون خارجي ا ك الحروب‪ ،.‬ويجب أن يخ رج ه ذا الخط ر‬
‫عن المخاطر المتوقعة والعادي ة‪ ،‬وأن يك ون غ ير م ألوف‪ ،‬وأن يك ون جس يما وح اال‪ ،‬على‬
‫اعتب ار أن حي اة ال دول ال تخل و من المش اكل واألخط ار العادي ة ال تي يمكن مواجهته ا‬
‫بالتشريعات العادية وال يكون في هذه الحالة مجال لتطبيق نظرية الضرورة‪ ،‬ك ذلك يجب أن‬
‫يكون الخطر قد وقع فعال أو على وشك الوقوع حتى يكون ح اال لتخ رج عن مج ال تط بيق‬
‫‪44‬‬
‫النظرية األخطار المستقبلية أو التي وقعت انتهت‬

‫‪ 42‬من ذلك ما نصت عليه المادة ‪ 16‬من دستور فرنسا ‪" 1958‬إذا تعرضت مؤسس ات الجمهوري ة أو اس تقالل الدول ة أو‬
‫وحدة أراضيها أو تنفيذها اللتزاماتها الدولية لخطر داهم وجسيم‪ ،‬وفي حال توقفت السلطة الدستورية العامة عن حسن سير‬
‫عملها المنتظم‪ ،‬يتخذ رئيس الجمهورية التدابير التي تقتضيها هذه الظروف بعد استشارته الرسمية رئيس الوزراء ورئيس ي‬
‫مجلسي البرلمان والمجلس الدستوري‪"...‬‬
‫‪ 43‬ومن الدساتير التي نصت على شرط الخطر الجسيم الحال‪ ،‬الدستور الفرنسي الحالي الص ادر س نة ‪ 1950‬حيث نص ت‬
‫لمادة ‪ 16‬منه على أنه "إذا أصبحت مؤسسات الجمهورية أو استقالل األمة أو سالمة أراض يها أو تنفي ذ تعه داتها الدولي ة‪،‬‬
‫مهددة بخطر جسيم وعاجل ترتب عليه القطاع السير المنتظم للس لطات الدس تورية‪ ،‬ك ان ل رئيس الجمهوري ة أن يتخ ذ من‬
‫اإلجراءات ما تطلبه هذه الظروف‪ ،"...‬وسار في نفس االتج اه الدس تور المغ ربي لس نة ‪ 2011‬والدس تور التونس ي لس نة‬
‫‪2014‬‬
‫‪44‬عمر عبد هللا مبارك‪" ،‬التنظيم الدستوري لنظرية الضرورة في ليبيا"‪ ،‬مجلة دراس ات قانوني ة‪ ،‬الع دد ‪ ،2018 ،23‬ص‬
‫‪161‬‬
‫‪-‬تعذر اتباع القواعد العادية لمواجه‪..‬ة حال‪..‬ة الض‪..‬رورة‪ :‬حتى يمكن للدول ة تط بيق‬
‫نظرية الضرورة يجب أن تعج ز الوس ائل واإلج راءات العادي ة عن مواجه ة ه ذه الح االت‬
‫الشاذة فتجد الدولة نفسها مضطرة للجوء إلى الوسائل غير العادي ة لمواجه ة الخط ر‪ ،‬كونه ا‬
‫الوسيلة الوحيدة الممكن لمواجهته‪.‬‬
‫ويتجه بعض الفقه للقول بأنه يشترط لتطبيق نظرية الضرورة أن تجد الدولة نفس ها‬
‫أمام استحالة وعجز في الوسائل القانونية العادي ة‪ ،‬ف إن وج دت وس يلة قانوني ة أو دس تورية‬
‫ممكنة للتغلب على هذه الظروف والحاالت الشاذة‪ ،‬فيجب الرجوع إلى تلك الوس يلة‪ ،‬ويتج ه‬
‫جانب فقهي آخر للقول بأنه يمكن تطبيق نظرية الضرورة متى ال تتعذر على الدولة مواجهة‬
‫هذه األخطار بقواعد مشروعية عادية دون أن تصل درجة االس تحالة إلى مرتب ة االس تحالة‬
‫‪45‬‬
‫المطلقة منعا لتفاقم درجة الخطر و اإلضرار بالنظام العام‪.‬‬

‫‪ 45‬تونصير إبراهيم‪" ،‬تشريعات الضرورة دراسة مقارنة بين الدستور الجزائري والمصري"‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجس تير‬
‫في الحقوق‪ ،‬تخصص القانون الدستوري‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2013/2014‬كلية الحقوق والعلوم السياس ية ‪-‬قس م الحق وق‪،-‬‬
‫جامعة محمد خيدر بسكرة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪12‬‬

You might also like