Professional Documents
Culture Documents
مصطفى بن بولعيد
مصطفى بن بولعيد
مصطفى بن بولعيد
معلومات شخصية
آريس ،باتنة
الجزائر
باتنة
جزائرية الجنسية
اإلسالم الديانة
الحياة العملية
الجزائرية
الخدمة العسكرية
معاون الرتبة
الجوائز
مصطفى بن بولعيد ( )1956-1917شخصية ثورية وقائد عسكري جزائري ويعد أحد قادة الثورة الجزائرية وجبهة
التحرير الوطني لقب بـأسد األوراس وأب الثورة ،كان له دور مهم كقائد عسكري في مواجهة االستعمار الفرنسي ،كما
كان قائدا سياسيا يحسن التخطيط والتنظيم والتعبئة كما امتلك رؤية واضحة ألهدافه وألبعاد قضيته وعدالتها ،وكان
يتحلى بإنسانية إلى جانب تمرسه في القيادة العسكرية والسياسية.
نشـأته
ولد مصطفى بن بولعيد يوم 5فبراير 1917في قرية اينرَك ب ،المعروفة باسم الدشرة ببلدية أريس والية باتنة من
عائلة أمازيغية شاوية ريفية ميسورة الحال ،والده يدعى محمد بن عمار بن بولعيد وأمـه أبركان عائشة وينتمي إلى قبيلة
أوالد تخريبت من عرش التوابة ،كان أبوه يمتهن التجارة ومعروفا بالورع والتقوى فقام بتقديم ابنه للشيخ محمد بن ترسية
الذي لقنه القرآن الكريم ،ثم وجهه إلى الدراسة في مدينة باتنة حيث تحصل على شهادة التعليم المتوسط باللغتين العربية
والفرنسية بمدرسة األمير عبد القادر حاليا والمعروفة باألهالي سابقا.
غير أن كره والده لإلدارة الفرنسية وخوفه من تأثر ابنه بثقافتها جعاله يوقفه عن الدراسة وأعاده إلى أريس ليمد له يد
العون في التجارة والفالحة وأثناء ذلك كان يتردد يوميا على شيخ يدعى خذير بقرية آفرة لقراءة كتب السيرة النبوية
وسيرة الخلفاء الراشدين وكان شغوفا بذلك ومهتما بتلك المثل العليا ،الشيء الذي جعله يتشبع باألخالق الحميدة وتعاليم
دينه السمحة ،واستمر بن بولعيد في مساعدة والده حتى توفي سنة 1935فتولى مهنة أبيه وتكفل بإعالة عائلته وداوم إلى
جانب ذلك على مالزمة الشيخ خذير والتعلم منه.
انخرط في نادي آريس الذي يحمل عنوان «نادي االتحاد» والذي أسسه الشيخ عمر دردور تلميذ اإلمام عبد الحميد بن
باديس وأثمر هذا النادي ببناء مسجد يسمى اليوم «مسجد ابن بولعيد» وبقي يتعلم وينشط به حتى أواخر سنة .1936
منذ دراسته في مدرسة األهالي الحظ بن بولعيد سياسة التفرقة والتمييز التي تمارسها اإلدارة االستعمارية بين األطفال
الجزائريين وأقرانهم من أبناء المعمرين ،كما الحظ أن تصرفات المعمرين بعيدة كل البعد عن عادات وأخالق الشعب
الجزائري ،فراحت تلك األفكار تتبلور في رأسه وأخذت تراوده فكرة طرد هؤالء المغتصبين فكان أول نشاط له هو
االنضمام إلى نادي آريس وظل يناضل به حتى سفره إلى فرنسا في أواخر 1936حيث انتخب رئيسا لنقابة العمال
الجزائريين هناك ،وبمرور الوقت أدرك أن معاملة الفرد الجزائري وقيمته سواء في فرنسا أو الجزائر معاملة استغالل
وازدراء ،فعاد إلى الجزائر بعد عام وكان محله في أحد أحياء آريس مركز حوار وحديث حول اإلصالح والقضية الوطنية
مع رفاقه في النادي :مسعود بلعقون ،اسمايحي الحاج ازراري ،بن حابة بومعراف ،وأثنـاء أدائه للخدمة العسكرية أظهر
اجتهادا كبيرا الغاية من ورائه التدرب على استعمال القنابل واألسلحة الحديثة آنذاك.
في أفريل 1948قرر الحزب ترشيح بن بولعيد كممثل لمنطقة األوراس في مجلس نواب الجزائر ففاز في الدورة األولى
بـ 10آالف صوت أي %95ونتيجة لذلك استدعاه حاكم آريس وحاول استمالته وإغراءه لكن بن بولعيد رفض عروضه
وتمسك بمبادئه ،ولما استيأس الحاكم من مساومته سارع إلى إقصائه من الدورة الثانية بالتزوير فأدى ذلك إلى وقوع
أحداث عنف دامية في كل من فم الطوب وكيمل وبوزينة.
وتكررت الحادثة سنة 1951بعد تزوير االنتخابات ووقعت احداث دامية في كيمل وتكوت وفم الطوب فحشد االستعمار
جيوشه العسكرية المقدرة بـ 40ألف جندي وطوق بها األوراس من كل الجهات وكثر الظلم وحمالت التفتيش المتالحقة
فأسس بن بولعيد جبهة الدفاع عن الحريات وشارك في هذه الجبهة حزب البيان ومثله ابن خليل ،جمعية
العلماء ومثلها العربي التبسي ،الحزب الشيوعي ومثله عمراني العيد ،حركة االنتصار للحريات الديمقراطية ومثلها محمد
العربي دماغ العتروس وقام بمقاضاة حاكم آريس على حوادث إنسانية.
حاول االستعمار عن طريق عمالئه مرار تصفية بن بولعيد ففي سنة 1948هجمت عليه عصابة بمنزله ليال الغتياله لكنه
رد عليهم بالرصاص فالذوا بالفرار وتكررت نفس العملية في 1951لكنها فشلت كذلك ،وفي نفس العام تعرض أخوه
عمر نهارا في طريق عودته لمنزله لالعتداء من قبل شخصين في جسر آريس فأخرج مسدسه ورماهما فجرح واحدا
وأردى الثاني قتيال.
كما توالت مكائد االستعمار ضده إلضعافه ماديا بوضع عدة مسدسات في حافلته وحجزها من الحين إلى اآلخر ،وإعطاء
العميل بوهالي رخصة نقل لمزاحمة بن بولعيد ومن مكائد االستعمار كذلك محاولة تفريق وحدة األعراش بزرع الفتن
بينها إذ كادت تقع الفتنة بين أكبر عرشين في آريس عرش بوسليمان وعرش بن بولعيد التوابة وهذا بعد أن قام أحد أذناب
االستعمار بقتل رجل من عرش التوابة لكن بن بولعيد كان يقظا ودعا إلى اجتماع صلح في دشرة أوالد موسى تاله آخر
بقروي بلمايل أوخر 1952أسفر عن إنهاء األزمة وخابت آمال العدو الفرنسي في توسيع الهوة بين األعراش.
المنظمة الخاصة
المقالة الرئيسية :المنظمة الخاصة
بعد أن عقد حزب حركة االنتصار للحريات الديمقراطية اجتماعا بالعاصمة يومي 16و 17فبراير 1947تقرر إنشاء
جناح عسكري للحرب هدفه التحضير لثورة مسلحة ونتيجة لذلك قدم العربي بن مهيدي في نفس الشهر إلى آريس وقام
رفقة بن بولعيد بتكوين الخاليا األولى للمنظمة وعين بن بولعيد قائدا لفرع األوراس التابع لقسنطينة آنذاك وأمره بجمع
األسلحة وتخزينها فتم إنشاء خليتين األولى تتكون من صالحي محمد األمير مسؤول وأحمد نواورة ومختاري محمد
الصالح ،والثانية سمايحي بلقاسم مسؤول وبعزي محمد بن لخضر وعزوي مدور ،ليرتفع بعدها العدد إلى 20عضوا
مهيكلين في خمس خاليا رباعية ،وتوجد الخلية األولى بمدينة أريس وتتكون من اسمايحي بلقاسم (قائدا) وصالحي لمير
ومختاري محمد الصالح وبلدي دوعلي ،والخلية الثانية في قرية الحجاج وتضم محمد بعزي (قائدا) وبلقاسم بورزان وعلي
بوغوث ولمبارك عزوي والخلية الرابعة بلمدينة وتتكون من مسعود عايسي (قائدا) وعمار بلهروال ومحمد شريف بن
عكشة ومحمد الصغير تيغزة ،والخلية الخامسة في فم الطوب وتتألف من محمد الهادي بخلوف (قائدا) والصالح نجاوي
وعيسى جار هللا وعلي بن الطيب جار هللا.
بالنسبة للتسليح فكان أعضاء من المنظمة يسافرون إلى جربة تونس لشرائه من الشركات اإليطالية منهم عزوي مدور،
كعباش عثمان ،عاجل عجول وكانوا يشترونه من نوع طاليان ،ألمان ،وأمريكي ويتم تخزينه في انتظار اندالع الثورة ،أما
بالنسبة ألعضاء المنظمة فكان لزاما على كل عضو أن يتدبر سالحه بنفسه ومن ماله الخاص ،كما اشترى بن بولعيد
بنفسه كمية كبيرة بأمواله الخاصة بعضها محلي والبعض اآلخر عن طريق الحدود الليبية التونسية عن طريق عصامي
محمد وعبد القادر لعمودي وذلك سنتي 1949-1948وخزنها في مطامير ،كما كان أحمد نواورة مسؤول مخزن منجم
إيشمول يحضر الديناميت من هناك لصنع القنابل.
وكان بن بولعيد يعقد االجتماعات ثالث مرات في األسبوع مع خاليا المنظمة ويخصهم بالتعرف على إستراتيجية البالد
والتدرب على األسلحة حيث اشترى لذلك الغرض مزرعة بفم الطوب وحولها إلى مركز تدريبات عسكرية كان يحضرها
مع إطارات المنظمة السرية خاصة منهم العربي بن مهيدي وزيغود يوسف.
فـي 1950تم كشف المنظمة السرية بسبب حادث في تبسة وهو طرد ارحيم من المنظمة واتهامه بالوشاية وتهديده بالقتل
ما أدى إلى هروبه وإخباره الشرطة الفرنسية التي قامت بقمع شرس وألقت القبض على مئات من أعضائها ،في حين
تمكن بعض أعضائها من الفرار إلى مختلف ربوع الوطن ،فكان عدد األعضاء الذين التجؤوا إلى األوراس 13عشر
مناضال منهم زيغود يوسف ،رابح بيطاط ،عمار بن عودة ،سليمان بن طوبال وقد كلف مصطفى بن بولعيد مسعود بلعقون
أن يهيء لهم ظروف اإلقامة وكلف مصطفى بوستة بالسفر لقسنطينة لإلتيان بهم ،فأحضرهم مموهين يلبسون لباس النساء
وعلى مرحلتين وتم توزيعهم بين إيشمول وزالطو ومكثوا في األوراس حتى أواخر عام 1953وشاركو في توعية
المناضلين وتدريبهم على استعمال السالح.
وبعد تباطؤ دام سنة كاملة قررت قيادة الحزب في 1951حل المنظمة وإعادة إدماج أعضائها في المنظمة السياسية ،فتم
ذلك في ربوع الوطن باستثناء األورس فقد قام بن بولعيد بتجميد نشاطها مؤقتا ليعيد بعثها بعد أزمة الحزب سنة .1953
بعد اكتشاف المنظمة السرية من قبل السلطات االستعمارية في مارس 1950برز دور بن بولعيد بقوة لما أخذ على عاتقه
التكفل بايواء بعض المناضلين المطاردين وإخفائهم عن أعين العدو وأجهزته األمنية ،وقد أعقب اكتشاف المنظمة حملة
واسعة من عمليات التمشيط واالعتقال واالستنطاق الوحشي بمنطقة األوراس على غرار باقي مناطق الوطن .ولكن بالرغم
من كل المطاردات والمضايقات وحمالت التفتيش والمداهمة تمكن بن بولعيد بفضل حنكته وتجربته من اإلبقاء على
المنظمة الخاصة واستمرارها في النشاط على مستوى المنطقة .وبالموازاة مع هذا النشاط المكثف بذل مصطفى بن بولعيد
كل ما في وسعه من أجل احتواء األزمة بصفته عضو قيادي في اللجنة المركزية للحزب .وقد كلف بن بولعيد
في أكتوبر 1953وبتدعيم من نشطاء المنظمة السرية باالتصال بزعيم الحزب مصالي الحاج الذي كان قد ُن في في 14
مايو 1954إلى فرنسا ووضع تحت اإلقامة الجبرية ،وذلك في محاولة إليجاد حل وسطي
يرضي المركزيين والمصاليين.
وبعد ذلك توصل أنصار العمل الثوري المسلح وفي طليعتهم بن بولعيد إلى فكرة إنشاء «اللجنة الثورية للوحدة والعمل»
واإلعالن عنها في 06مارس 1954من أجل تضييق الهوة التي تفصل بين المصاليين والمركزيين من جهة وتوحيد
العمل وااللتفاف حول فكرة العمل الثوري من جهة ثانية.
وبعد عدة اتصاالت مع بقايا المنظمة السرية ،تم عقد اللقاء التاريخي لمجموعة الـ 22بدار المناضل الياس دريش بحي
المدنية في 24جوان 19541والذي حسم الموقف لصالح تفجير الثورة المسلحة السترجاع السيادة الوطنية المغتصبة منذ
أكثر من قرن مضى .ونظرا للمكانة التي يحظى بها بن بولعيد فقد أسندت إليه باإلجماع رئاسة اللقاء الذي صدرعنه تقسيم
البالد إلى مناطق خمس وُعّين على كل منطقة مسؤول وقد عين مصطفى بن بولعيد على رأس المنطقة األولى :األوراس
كما كان أحد أعضاء لجنة «الستة» «بوضياف ،ديدوش ،بن بولعيد ،بيطاط ،بن مهيدي ،كريم».
ومن أجل توفير كل شروط النجاح واالستمرارية للثورة المزمع تفجيرها ،تنقل بن بولعيد رفقة :ديدوش مراد ،محمد
بوضياف ومحمد العربي ين مهيدي إلى سويسرا خالل شهر جويلية 1954بغية ربط االتصال بأعضاء الوفد الخارجي
«بن بلة ،خيضر وآيت أحمد» لتبليغهم بنتائج اجتماع مجموعة الـ 22من جهة وتكليفهم بمهمة اإلشراف على الدعاية
لصالح الثورة.
ومع اقتراب الموعد المحدد لتفجير الثورة تكثفت نشاطات بن بولعيد من أجل ضبط كل كبيرة وصغيرة إلنجاح هذا
المشروع الضخم ،وفي هذا اإلطار تنقل بن بولعيد إلى ميلة بمعية كل من محمد بوضياف وديدوش مراد لالجتماع في
ضيعة تابعة لعائلة بن طوبال وذلك في سبتمبر 1954بغرض متابعة النتائج المتوصل إليها في التحضير الجاد إلعالن
الثورة المسلحة ودراسة احتياجات كل منطقة من عتاد الحرب كأسلحة والذخيرة.
وفي 10أكتوبر 1954التقى بن بولعيد ،كريم بلقاسم ورابح بيطاط في منزل مراد بوقشورة بالرايس حميدو وأثناء
هذا االجتماع تم االتفاق على:
وطيلة المدة الفاصلة بين االجتماعين لم يركن بن بولعيد إلى الراحة بل راح ينتقل بين مختلف مناطق الجهة المكلف بها
«األوراس» ضمن العديد من الزيارات الميدانية للوقوف على االستعدادات والتحضيرات التي تمت وكذا التدريبات التي
يقوم بها المناضلون على مختلف األسلحة وصناعة القنابل والمتفجرات التقليدية .وفي التاريخ المحدد التأم شمل الجماعة
التي ضمت :بن بولعيد ،بوضياف ،بيطاط ،بن مهيدي ،ديدوش وكريم وذلك بمنزل مراد بوقشورة أين تم االتفاق على
النص النهائي لبيان أول نوفمبر 54إثر مراجعته والتأكيد بصورة قطعية على الساعة الصفر من ليلة فاتح نوفمبر 54
لتفجير الثورة المباركة وأجمع الحاضرون على التزام السرية بالنسبة للقرار النهائي التاريخي والحاسم ثم توجه كل واحد
إلى المنطقة التي كلف باإلشراف عليها في انتظار الساعة الصفر واإلعداد إلنجاح تلك العملية التي ستغير مجرى
تاريخ الشعب الجزائري .وهكذا عقد بن بولعيد عدة اجتماعات بمنطقة األوراس حرصا منه على انتقاء الرجال القادرين
على الثبات وقت األزمات والشدائد ،منها اجتماع بلقرين يوم 20أكتوبر 1954الذي حضره الكثير من مساعديه نذكر
منهم على الخصوص :عباس لغرور ،شيهاني بشير ،عاجل عجول والطاهر نويشي وغيرهم وخالل هذا اللقاء أعلم بن
بولعيد رفاقه بالتاريخ المحدد لتفجير ثورة التحرير كما وزع على الحضور بيان أول نوفمبر وضبط حصة كل جهة
من األسلحة والذخيرة المتوفرة .وقبل مرور أسبوع على هذا اللقاء عقد بن بولعيد اجتماعين آخرين في 30أكتوبر 1954
أحدهما في دشرة «اشمول» واآلخر بخنقة الحدادة التقى أثناءهما بمجموعة من المناضلين وألقى كلمة حماسية شحذ فيه
همم الجميع .وفي الغد عقد اجتماعا قبل الساعة صفر ،وقد ضم هذا األخير قادة النواحي واألقسام وفيه تقرر
تحديد دشرة أوالد موسى وخنقة لحدادة اللتقاء أفواج جيش التحرير الوطني واستالم األسلحة وأخذ آخر التعليمات الالزمة
قبل حلول الموعد التاريخي واالنتقال إلى العمل المسلح ضد األهداف المعنية.
وفي تلك الليلة قال بن بولعيد قولته الشهيرة« :إخواني سنجعل البارود يتكلم هذه الليلة» وتكلم البارود في الموعد
المحدد وتعرضت جل األهداف المحددة إلى نيران أسلحة جيش التحرير الوطني وسط دهشة العدو وذهوله .وفي صبيحة
يوم أول نوفمبر 54كان قائد منطقة األوراس مصطفى بن بولعيد يراقب ردود فعل العدو من جبل الظهري المطل
على أريس بمعية شيهاني بشير ،مدور عزوي ،عاجل عجول ومصطفى بوستة .وقد حرص بن بولعيد على عقد
اجتماعات أسبوعية تضم القيادة ورؤساء األفواج لتقييم وتقويم العمليات وتدارس ردود الفعل المتعلقة بالعدو والمواطنين.
وفي بداية شهر جانفي 1955عقد هذا األخير اجتماعا في تاوليليت مع إطارات الثورة تناول باألخص نقص األسلحة
والذخيرة ،وقد فرضت هذه الوضعية على بن بولعيد اعالم المجتمعين بعزمه على التوجه إلى بالد المشرق بهدف التزود
بالسالح ومن ثم تعيين شيهاني بشير قائدا للثورة خالل فترة غيابه ويساعده نائبان هما :عاجل عجول وعباس لغرور.
االعتقال والعودة لقيادة الثورة وإغتياله
وما أن طلع النهار حتى كانت فرقة الخيالة تحاصر المكان وطلب منهما الخروج وعندما حاول بن بولعيد استعمال مسدسه
[]29[]28
وجده غير صالح وإثر ذلك تلقى هذا األخير ضربة أفقدته الوعي وهكذا تم اعتقال بن بولعيد يوم 11فبراير .1955
الحكم[عدل]
وفي 3مارس 1955قدم للمحكمة العسكرية الفرنسية بتونس التي أصدرت يوم 28مايو 1955حكما باألشغال الشاقة
المؤبدة بعدها نقل إلى قسنطينة لتعاد محاكمته من جديد أمام المحكمة العسكرية في 21يونيو 1955وبعد محاكمة مهزلة
أصدرت الحكم عليه باإلعدام.ونقل إلى سجن الكدية الحصين.وفي السجن خاض بن بولعيد نضاال مريرا مع اإلدارة لتعامل
مساجين الثورة معاملة السجناء السياسيين وأسرى الحرب بما تنص عليه القوانين الدولية .ونتيجة تلك النضاالت ومنها
اإلضراب عن الطعام مدة 14يوما ومراسلة رئيس الجمهورية الفرنسية تم نزع القيود والسالسل التي كانت تكبل
المجاهدين داخل زنزاناتهم وتم السماح لهم بالخروج صباحا ومساء إلى فناء السجن.
الفرار
وفي هذه المرحلة واصل بن بولعيد مهمته النضالية بالرفع من معنويات المجاهدين ومحاربة الضعف واليأس من جهة
والتفكير الجدي في الهروب من جهة ثانية .وبعد تفكير متمعن تم التوصل إلى فكرة الهروب عن طريق حفر نفق يصلها
بمخزن من البناء االصطناعي وبوسائل جد بدائية شرع الرفاق في عملية الحفر التي دامت 28يوما كامال .وقد عرفت
عملية الحفر صعوبات عدة منها الصوت الذي يحدثه عملية الحفر في حد ذاتها ثم األتربة والحجارة الناتجة عن الحفر.
وقد تمكن من الفرار من هذا السجن الحصين والمرعب كل من مصطفى بن بولعيد ،محمد العيفة ،الطاهر
الزبيري ،لخضر مشري ،علي حفطاوي ،إبراهيم طايبي ،رشيد أحمد بوشمال ،حمادي كرومة ،محمد بزيان ،سليمان
زايدي وحسين عريف.
وبعد مسيرة شاقة على ألقدام الحافية المتورمة والبطون الجائعة والجراح الدامية النازفة وصبر على المحن والرزايا
وصلوا إلى مراكز الثورة .وفي طريق العودة إلى مقر قيادته انتقل إلى كيمل حيث عقد سلسلة من اللقاءات مع إطارات
الثورة ومسؤوليها بالناحية ،كما قام بجولة تفقدية إلى العديد من األقسام للوقوف على الوضعية النظامية والعسكرية
بالمنطقة األولى «األوراس» .وقد تخلل هذه الجولة إشراف بن بولعيد على قيادة بعض أفواج جيش التحرير الوطني التي
خاضت معارك ضارية ضد قوات العدو وأهمها :معركة إيفري البلح يوم 1956-01-13ودامت يومين كاملين والثانية
وقعت بجبل أحمر خدو يوم .1956-01-18
اإلغتيال
وقد عقد آخر اجتماع له قبل استشهاده يوم 22مارس 1956بالجبل األزرق بحضور إطارات الثورة بالمنطقة األولى
وبعض مسؤولي جيش التحرير الوطني بمنطقة الصحراء .ومساء اليوم نفسه أحضر إلى مكان االجتماع مذياع الذي كان
ملغما والذي ألقته قوات االستعمار الفرنسي وعند محاولة تشغيله انفجر مخلفا استشهاد قائد المنطقة األولى مصطفى بن
بولعيد وخمسة من رفاقه.
الغموض
غموض شديد يلف قضية إغتيال البطل الشهيد مصطفى بن بولعيد أحد الستة الذين فجروا ثورة التحرير ،وأغرب ما في
األمر هو محاولة البعض التعتيم على هذه القضية والكثير من القضايا التاريخية المتعلقة بثورة التحرير ،وحرمان الجيل
الجديد من معرفة تاريخ وطنه بكل تفاصيله ،رغم مرور أكثر من نصف قرن على اندالع الثورة ،ورغم أن كل ما كنا
نعرفه عن قضية استشهاد بن بولعيد خالل طفولتنا المدرسية هو انفجار مذياع مفخخ في ظروف “غامضة” على مصطفى
بن بولعيد ،ولكن كيف؟ وأين؟ ومتى؟ ومن دبر ونفذ هذا العملية الشنيعة؟ أسئلة كثيرة يطرحها جيلنا على جيل الثورة،
ويريد إجابات صريحة ودقيقة بعيدا عن أي خلفيات سياسية أو شخصية أو قبلية ،وكل ما أردنا ان نفتح هذا الملف بشكل
أكثر عمقا وتفصيال ،كانو ينصحوننا بعدم الخوض في هكذا مسائل ،إال اننا ارتأينا أنه ال بد من معرفة الحقيقة ،وإسكات
صراخ هذه األسئلة التي ال نجد لها جوابا.
ببعض المجاهدين والباحثين في تاريخ الثورة واالستعانة ببعض الكتب والمذكرات التاريخية التي تناولت قضية اغتيال
مصطفى بن بولعيد ،وكان ال بد من الرجوع قليال إلى الوراء لمعرفة الصراع بين قادة األوراس بعد أسر بن بولعيد قائد
المنطقة التاريخية األولى (أوراس النمامشة) ،والذي أدى إلى مقتل شيحاني بشير نائب مصطفى بن بولعيد بأمر من عجول
عجول الذي أصبح عمليا قائدا لألوراس ،في حين تمرد عليه عمر بن بولعيد شقيق سي مصطفى وفي هذا الجو المشحون
بالصراعات ،تمكن مصطفى بن بولعيد من الهرب بأعجوبة من سجن الكدية بقسنطينة في 10نوفمبر 1955رفقة عشرة
من رفاقه كان من بينهم الطاهر الزبيري ،وبعودته إلى األوراس اكتشف سي مصطفى عدة أخطاء ارتكبت في غيابه ،كما
أن أن عجول القائد الفعلي لألوراس فاجأه تمكن بن بولعيد من الهرب من السجن ،كما أن السلطات االستعمارية غاضها
كثيرا تمكن زعيم األوراس من الفرار من قبضتها وإعادة تنظيمه وتوحيده لصفوف المجاهدين.
حسب رواية الطاهر الزبيري آخر قادة األوراس التاريخيين فإن عودة مصطفى بن بولعيد إلى مركز قيادة منطقة
األوراس فاجأت عجول عجول الذي آلت إليه قيادة المنطقة عمليا بعدما تمكن من التخلص من شيحاني بشير نائب بن
بولعيد الذي خلفه على رأس المنطقة قبل اعتقاله على الحدود التونسية الليبية ،وما زاد في تعميق الهوة بين الرجلين هو
اكتشاف بن بولعيد أن عجول هو الذي أمر بقتل نائبه شيحاني بشير رفقة عدد آخر من المجاهدين بسبب أخطاء ال يرى بن
بولعيد أنها تستحق عقوبة الموت فالم عجول كثيرا على هذا األمر وقال له “تستقل الجزائر ولن نجد خمسة رجال مثله”
فقد كان شيحاني رجال مثقفا في زمن طغى فيه الجهل واألمية ،ولم يستسغ عجول هذا التأنيب.
ويؤكد العقيد الزبيري حسبما رواه له شخصيا العقيد الحاج لخضر عبيد أحد قادة األوراس الذي كان قريبا من بولعيد في
تلك الفترة أن عجول لم يبد كبير ترحاب بنجاة بن بولعيد من األسر وفراره من السجن ،بل شكك في صحة هروبه فعال
من سجن الكدية الحصين عندما قال لبعض المجاهدين “سجن فرنسا ليس كرتونا ليهربوا منه بسهولة” ،بل أكثر من ذلك
رفض عجول إعادة االعتبار لبن بولعيد كقائد للمنطقة األولى رغم أنه واحد من الستة المفجرين لثورة التحرير وواجهه
قائال “النظام (الثورة) ما يديرش فيك الثقة غير بعد ست أشهر” بمعنى أن نظام الثورة لن يجدد فيك الثقة قائًد ا للمنطقة إال
بعد ستة أشهر من التحري والتحقق إلى غاية التأكد بأن بن بولعيد ليس مبعوثا من فرنسا الختراق الثورة وإضعافها ،وهذه
الكلمات فاجأت بن بولعيد وأثارت حفيظته وأزعجته كثيرا وشكا هذا األمر للحاج لخضر عبيد عندما قال له “أتعلم ماذا قال
لي عجول؟..الثورة لن تجدد فيك الثقة إال بعد ستة أشهر”.
وأثار عجول قضية عمر بن بولعيد شقيق مصطفى بن بولعيد الذي انفرد بقيادة ناحية من نواحي المنطقة األولى ونصب
نفسه قائدا للمنطقة في غياب أخيه ولم يعترف بعجول وعباس لغرور قائدين لألوراس ،فرد عليه سي مصطفى “سأستدعي
عمر وإن ثبت عليه التهم التي وجهتها إليه فأنا من سينفذ حكم الموت عليه بيدي”.
ولم يكن عجول ينظر بعين الرضا إلى الوفود التي كانت تزور مصطفى بن بولعيد وتهنئه على النجاة وتعلن له الوالء
والطاعة ،متجاوزة عجول ،ولم يكن يمر يوم على سي مصطفى إال ويجتمع مع هؤالء وهؤالء إلعادة تنظيم منطقة
األوراس التي نخرتها االنقسامات بفعل الصراعات الشخصية والعروشية والفراغ الذي تركه غيابه ونائبه ،وتمكن بن
بولعيد في فترة قصيرة من حل العديد من الخالفات والصراعات وإعادة لحمة منطقة األوراس ،فقد كان يحظى بثقة
قيادات الثورة في الداخل والخارج فضال عن مجاهدي األوراس الذين يدينون له بالوالء.
وفي 22مارس 1956استشهد البطل مصطفى بن بولعيد في ظروف غامضة عند انفجار جهاز إشارة (إرسال
واستقبال) مفخخ بإحدى الكأزمات ومعه سبعة من المجاهدين ولم ينجو منهم إال اثنين أحدهم يدعى علي بن شايبة،
ويستغرب الطاهر الزبيري كيف يقتل بن بولعيد بجهاز فرنسي مفخخ رغم أنه حرص في كل مرة على غرار ما أوصاهم
به قبل الهروب من السجن بعدم لمس األشياء المشبوهة حتى ولو كانت قلما ،خشية أن تكون مفخخة ،مما يوحي بأن هناك
مؤامرة دبرت بليل ضد مصطفى بن بولعيد ،ولكن يبقى التساؤل من قتل هذا البطل؟ ومن خطط لهذه المؤامرة؟
ويوضح الزبيري أن الجهاز المفخخ الذي أدى إلى استشهاد مصطفى بن بولعيد تركته فرقة للجيش الفرنسي بمكان غير
بعيد عن مركز قيادة األوراس ،وعند مغادرتها للمكان عثر المجاهدون على الجهاز فحملوه إلى مصطفى بن بولعيد الذي
أراد تشغيله فانفجر الجهاز مما أدى إلى استشهاد البطل بن بولعيد ،ويستدل أصحاب هذه الرواية باعترافات بعض
جنراالت فرنسا في مذكراتهم بأنهم هم من خطط وفخخ الجهاز الذي أدى إلى استشهاد قائد المنطقة األولى ،غير أن هذه
الرواية تبدوا غريبة إذا قسنا ذلك بالحذر الذي يميز بن بولعيد في التعامل مع األشياء التي يخلفها جيش االحتالل ،إذ كيف
يقوم بن بولعيد بتشغيل جهاز دون التحقق منه إال إذا كان واثقا من سالمته من المتفجرات بناء على تطمينات من معه؟
ويروي العقيد الطاهر الزبيري على لسان علي بن شايبة الناجي من االنفجار الذي خلفته القنبلة المخبأة في الجهاز أن
مصطفى بن بولعيد عندما عاين الجهاز الحظ أنه ال يحتوي على بطاريات فطلب منه إحضار البطاريات ولما جاءه بما
طلب تم وضعها في الجهاز وبمجرد تشغيله انفجر مخلفا ثماني قتلى وجريحين ،ولكن سي الطاهر نفسه يشكك في صحة
هذه الرواية ،ويشير إلى أن المجاهدين تحصلوا خالل كمين نصبوه لفرقة لجيش االحتالل على جهاز إشارة وغنموا منها
بعض قطع السالح ،وعندما أحضر المجاهدون جهاز اإلشارة الصغير هذا قال لهم سي مصطفى ـ حسبما رواه موسى
حواسنية للطاهر الزبيري ـ “حطوه حتى انشوفولوا خبير يتأكد إذا فيه مينا” بمعنى ضعوا جهاز اإلشارة هذا جانبا حتى
يفحصه خبير في المتفجرات لعل فيه لغم ،وجاء الخبير وفحص جهاز اإلشارة هذا وتأكد من أن الجهاز غير مفخخ ،وتؤكد
هذه الحادثة الحرص الشديد لبن بولعيد على عدم استعمال أي جهاز يأتي من العدو حتى ولو غنموه في المعارك ،لذلك
يبدوا األمر غامضا عندما ينفجر جهاز إشارة كبير يستعمل في االتصاالت الدولية في كازمة لقائد المنطقة ،خلفه عساكر
العدو في إحدى تنقالتهم!!
أما محمد بوضياف المنسق العام للثورة فيؤكد أن مجاهدا ألمانيا كان ضمن صفوف جيش التحرير هو الذي قتل مصطفى
بن بولعيد عن طريق الخطأ ،ويقول في حوار أجراه معه الصحفي والكاتب خالد بن ققة في 1991بالمغرب “..إن ثورتنا
كان فيها أناس من أمم أخرى كاأللمان ،حتى أن أحدهم قتل مصطفى بن بولعيد خطأ ،إذ وضع قنبلة في مذياع ،ووجده
رجال الثورة في الطريق ،فأخذوه ،وعندما فتح بن بولعيد المذياع تفجرت فيه القنبلة” ،إال أن بعض المجاهدين يقللون من
شهادة بوضياف الذي كان في الخارج عند اغتيال مصطفى بن بولعيد ويعتبرون أن شهادته ال يعتد بها ما دام لم يكن
حاضرا عند حادثة االغتيال ،إال أن شهادة محمد بوضياف لها أهميتها باعتباره المنسق العام للثورة وبالتالي فإن
المعلومات التي يتحصل عليها هي معلومات رسمية خاصة عندما يتعلق األمر بشخصية بحجم بن بولعيد.
غير أن أخطر ما قيل عن استشهاد مصطفى بن بولعيد ما كتبه الرائد الطاهر سعيداني في مذكراته حيث اتهم صراحة
عجول عجول بتدبير عملية اغتيال مصطفى بن بولعيد عندما أمر علي األلماني بتفخيخ جهاز إشارة للتخلص من أحد
الخونة ،ثم قدم الجهاز المفخخ إلى أحد المجاهدين وطلب منه أن يقدمه لمصطفى بن بولعيد على أساس أنه عثر عليه في
الخارج ،وعندما أراد ذلك المجاهد تنفيذ ما أمر به ،كان عجول مع بن بولعيد في إحدى الكأزمات ولما دخل عليهم خرج
عجول وترك بن بولعيد مع المجاهد الذي سلمه الجهاز ،وبمجرد أن شغله بن بولعيد حتى انفجر وقضى عليه.
ويروي الطاهر السعيداني هذه الحادثة مع بعض التفصيل فيقول “ذات يوم فيما كان مصطفى بن بولعيد يتحدث إلى
مجاهديه دخل عليهم جندي يحمل بين يديه مذياعا (لم يكن مذياعا وإنما جهاز إشارة) أعطاه لمصطفى بن بولعيد مؤكدا له
أنه وجده مرميا ،ولكن هذا غير صحيح ،فما إن أمسكه حتى غادر عجول عجول المكان وحينما حاول بن بولعيد فتح
المذياع ليستمع إلى األخبار وإذا به ينفجر عليه ويسقط شهيدا” ويضيف سعيداني الذي كان ضابطا في القاعدة الشرقية
“… في طريقنا لتهنئة الكتيبة التي كان يقودها لخضر بلحاج ـ بعد انتصارها في إحدى المعارك ـ وجدنا وسط المجاهدين
جنديين من األلمان اللذين كانا مجندين في اللفيف األجنبي الفرنسي..أحدهما يدعى علي األلماني اعتنق اإلسالم في القاعدة
الشرقية… وكان متخصصا في المتفجرات فطلبنا منه من باب الفضول كيف تم تلغيم المذياع الذي أعطي لبن بولعيد
فأجابنا أنه لم يكن يعلم بأن المذياع الذي أتاه به عجول عجول من أجل تلغيمه كان موجها لالنفجار في وجه مصطفى بن
بولعيد لقتله بل ظن انه سيرسل لشخص خائن كما قال له عجول” ويختم المجاهد الطاهر سعيداني كالمه “هذا ما أجابني به
علي األلماني وأشهد به أمام الشهداء والتاريخ”.
وباستشهاد مصطفى بن بولعيد تعرضت منطقة األوراس إلى هزة قوية أفقدتها توازنها ولم يتمكن عجول عجول بالرغم
من صرامته من جمع كلمة المنطقة تحت سلطته فرفض عدد من قادة األوراس االعتراف بقيادته للمنطقة بل وحملوه
مسؤولية استشهاد البطل مصطفى بن بولعيد ،وحاول بعضهم اغتياله لكنه تمكن من النجاة بأعجوبة بعدما أصيب بجراح
حسب بعض الشهادات وسلم نفسه إلى الجيش الفرنسي ألسباب ما زالت غامضة رغم اعتراف الكثير من المجاهدين حتى
أولئك الذين اختلفوا معه بوطنيته وشجاعته وقوة شخصيته.
المخابرات الفرنسية تفتخر بـ”نجاحها” في اغتيال بن بولعيد
غير أن الكاتب والباحث محمد عباس المتخصص في قضايا الثورة الجزائرية والحركة الوطنية ينفي بشكل مطلق صحة
هذه الرواية ،ويشكك في مصداقية صاحبها ،مؤكدا أن بعض الجهات التي كانت تنافس عجول عجول على قيادة منطقة
األوراس بعد أسر قائدها هي التي سعت لتلفيق تهمة اغتيال عجول لمصطفى بن بولعيد قصد تشويهه ،مضيفا أن عمر بن
بولعيد شقيق مصطفى كان يسعى لخالفة أخيه على رأس المنطقة األولى عندما كان هذا األخير أسيرا وبعد اغتياله ،كما
أن خالفاته مع عجول معروفة لذلك سعى لترويج رفقة الجماعة التي كانت ملتفة حول مصطفى بن بولعيد إشاعة أن
عجول هو الذي دبر عملية اغتيال بن بولعيد ،مشيرا إلى أن هذا األخير منع شقيقه عمر بعد فراره من السجن من تولي أي
مسؤولية قيادية ،باإلضافة إلى أن عرش بن بولعيد نفسه ال يصدقون رواية تورط عجول في اغتيال سي مصطفى.
ويجزم محمد عباس بأن المخابرات الفرنسية وعلى أعلى المستويات في باريس هي التي دبرت عملية اغتيال مصطفى بن
بولعيد ،باعتراف جنراالتها الذين اعتبروا هذه العملية إنجازا كبيرا لهم يستحق االفتخار ،حيث نشر أحد رجال المخابرات
الفرنسية كتابا تحت اسم مستعار تحدث بالتفصيل عن هذه العملية “الناجحة” التي أدت إلى تعطيل والية األوراس من
1956إلى غاية نهاية 1959وبداية 1960وتحييدها عن الكفاح المسلح بعد أن كانت قلب الثورة النابض حيث اشتدت
االنقسامات بين قياداتها ،ولكن لحسن الحظ أن الثورة امتدت إلى بقية الواليات بشكل ال رجعة فيه.
ويوضح الباحث محمد عباس الذي استقى معلوماته من بعض الشهود والشهادات أن المخابرات الفرنسية وبعد هروب
مصطفى بن بولعيد من السجن خططت لزعزعة استقرار منطقة األوراس (أصبحت والية بعد مؤتمر الصومام في أوت
)1956عن طريق اغتيال بن بولعيد بطريقة ماكرة ،وكانت تعلم أن قيادة األوراس بحاجة إلى جهاز إشارة لالتصال
بقيادة الثورة في الخارج ،فأرسلوا فصيل إشارة إلى المنطقة وتعمدوا ترك مؤن على سبيل الخطأ حتى ال يثيروا شكوك
المجاهدين عندما تركوا جهاز اإلشارة الذي تم تلغيمه بشكل محكم وبمستوى تكنولوجي متطور ،وحمل المجاهدون الجهاز
إلى مصطفى بن بولعيد وقام أحدهم باستعمال بطاريات جهاز اإلشارة إلشعال جهاز إنارة فانفجر الجهاز الملغم واستشهد
ثماني مجاهدين وجرح اثنان وهما علي بن شايبة (ما زال على قيد الحياة) ،ومصطفى بوستة (توفي بعد االستقالل).
وعن السر وراء تعامل بن بولعيد مع جهاز تركه جيش االحتالل بالرغم من أنه طالما حذر رجاله من التقاط األشياء
المشبوهة خشية أن تكون ملغمة ،برر محمد عباس ذلك بان األجل ال ينفع معه الحذر ،وأشار إلى حاجة قيادة األوراس
لجهاز إشارة لالتصال بقيادات الثورة في الداخل والخارج ،فضال عن أن الجهاز كان ملغما بشكل محكم يصعب اكتشافه،
ولكنه تحدث من جهة أخرى عن محاولة ثانية وبنفس الطريقة قامت بها المخابرات الفرنسية في 1957لتمزيق الوالية
الثالثة (القبائل) عندما انفجر جهاز مفخخ على محند أولحاج قائد الوالية ولكنه أصيب بجروح ولم يستشهد.
من جهته يؤكد الدكتور لحسن بومالي الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية أن المخابرات الفرنسية هي التي دبرت عملية
اغتيال مصطفى بن بولعيد ونفذتها عن طريق عمالئها الذين غرستهم في صفوف المجاهدين ،ويضيف أن السلطات
الفرنسية لم تحتمل قضية هروب مصطفى بن بولعيد من سجن الكدية بقسنطينة ببساطة رغم الحراسة المشددة التي كان
خاضعا لها ،فأرادت القضاء عليه بأي وسيلة ،مستعينة في ذلك بعمالئها المندسين بين صفوف المجاهدين لكنه ال يعطي
تفاصيل أكثر عن هؤالء العمالء الذين اغتالت المخابرات الفرنسية بأيديهم أحد الستة المفجرين لثورة التحرير وعضو
مجموعة 22التي خططت الندالعها.
إن هذا التحقيق يطرح أمامنا ثالث فرضيات حول اغتيال مصطفى بن بولعيد ،الفرضية األولى وهي األقوى تدين
المخابرات الفرنسية بتدبير عملية االغتيال هذه ألنها كانت تسعى للقضاء على قائد األوراس مهما كلفها ذلك من ثمن،
وذلك منذ تمكن سي مصطفى من الفرار من سجن الكدية وما يشكله ذلك من خطورة على الوجود االستعماري ،واعتراف
ضباط المخابرات الفرنسية في مذكراتهم بأنهم هم من دبروا عملية االغتيال وهذا االعتراف هو سيد األدلة على أنهم هم
من قتل مصطفى بن بولعيد بدليل أنهم كرروا نفس األسلوب في الوالية الثالثة ،وهذه الفرضية يميل إلى تصديقها بعض
الباحثين والمؤرخين والجهات الرسمية.
الفرضية الثانية وترجح وقوع خطأ أدى إلى استشهاد مصطفى بن بولعيد ،فعلي األلماني طبقا لشهادتي محمد بوضياف
والرائد الطاهر سعيداني قام بتفخيخ جهاز اإلشارة قصد استعماله ضد عدو ،وهذا ما يبرر عدم أخذ مصطفى بن بولعيد
حذره المعتاد عند استعماله لهذا الجهاز وهذه األخطاء كثيرا ما تقع في الحروب والثورات ،وليس مستبعدا أن يكون مقتل
بن بولعيد جاء عن طريق الخطأ.
الفرضية الثالثة وتحمل مسؤولية اغتيال بن بولعيد لعجول إذا فرضنا صدق رواية الرائد سعيداني ،وانطالقا من خلفيات
الصراع بين عجول ومصطفى بن بولعيد الذي وبخه لقتله نائبه شيحاني بشير بطل معركة الجرف ،باإلضافة إلى خالفات
عجول مع شقيق بن بولعيد حول قيادة األوراس ،واألخطر من ذلك محاولة عجول التشكيك في حقيقة
هروب بن بولعيد من السجن ورفضه تجديد الثقة به كقائد لألوراس قبل ستة أشهر طبقا لنظام الثورة الذي يعتمد على مبدأ
“أدنى ثقة يعني أعلى درجة من األمان” ،كما أن بعض المجاهدين حاولوا اغتيال عجول التهامه بالتورط في اغتيال بن
بولعيد لتزعم األوراس ،والسؤال الكبير لماذا سلم عجول نفسه إلى الجيش الفرنسي رغم ما يشهد له
من الشجاعة في محاربة االستعمار؟