Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 14

‫مصطفى بن بولعيد‬

‫مصطفى بن بولعيد‬

‫معلومات شخصية‬

‫مصطفى بن بولعيد‬ ‫اسم الوالدة‬

‫‪ 5‬فبراير ‪1917‬‬ ‫الميالد‬

‫آريس‪ ،‬باتنة‬

‫الجزائر‬

‫‪ 22‬مارس ‪ 39( 1956‬سنة)‬ ‫الوفاة‬

‫باتنة‬

‫الجزائر (مدينة)‬ ‫مكان الدفن‬

‫جزائرية‬ ‫الجنسية‬

‫أسد األوراس‪ ،‬أب الثورة‬ ‫اللقب‬

‫اإلسالم‬ ‫الديانة‬

‫الحياة العملية‬

‫قائد المنطقة األولى إبان الثورة‬ ‫المهنة‬

‫الجزائرية‬

‫جبهة التحرير الوطني‬ ‫الحزب‬


‫قائد المنطقة األولى‬ ‫سبب الشهرة‬

‫الخدمة العسكرية‬

‫معاون‬ ‫الرتبة‬

‫ثورة التحرير الجزائرية‬ ‫المعارك والحروب‬

‫الجوائز‬

‫صليب الحرب ‪1945–1939‬‬

‫مصطفى بن بولعيد (‪ )1956-1917‬شخصية ثورية وقائد عسكري جزائري ويعد أحد قادة الثورة الجزائرية وجبهة‬
‫التحرير الوطني لقب بـأسد األوراس وأب الثورة‪ ،‬كان له دور مهم كقائد عسكري في مواجهة االستعمار الفرنسي‪ ،‬كما‬
‫كان قائدا سياسيا يحسن التخطيط والتنظيم والتعبئة كما امتلك رؤية واضحة ألهدافه وألبعاد قضيته وعدالتها‪ ،‬وكان‬
‫يتحلى بإنسانية إلى جانب تمرسه في القيادة العسكرية والسياسية‪.‬‬

‫نشـأته‬ ‫‪‬‬

‫ولد مصطفى بن بولعيد يوم ‪ 5‬فبراير ‪ 1917‬في قرية اينرَك ب‪ ،‬المعروفة باسم الدشرة ببلدية أريس والية باتنة من‬
‫عائلة أمازيغية شاوية ريفية ميسورة الحال‪ ،‬والده يدعى محمد بن عمار بن بولعيد وأمـه أبركان عائشة وينتمي إلى قبيلة‬
‫أوالد تخريبت من عرش التوابة‪ ،‬كان أبوه يمتهن التجارة ومعروفا بالورع والتقوى فقام بتقديم ابنه للشيخ محمد بن ترسية‬
‫الذي لقنه القرآن الكريم‪ ،‬ثم وجهه إلى الدراسة في مدينة باتنة حيث تحصل على شهادة التعليم المتوسط باللغتين العربية‬
‫والفرنسية بمدرسة األمير عبد القادر حاليا والمعروفة باألهالي سابقا‪.‬‬

‫غير أن كره والده لإلدارة الفرنسية وخوفه من تأثر ابنه بثقافتها جعاله يوقفه عن الدراسة وأعاده إلى أريس ليمد له يد‬
‫العون في التجارة والفالحة وأثناء ذلك كان يتردد يوميا على شيخ يدعى خذير بقرية آفرة لقراءة كتب السيرة النبوية‬
‫وسيرة الخلفاء الراشدين وكان شغوفا بذلك ومهتما بتلك المثل العليا‪ ،‬الشيء الذي جعله يتشبع باألخالق الحميدة وتعاليم‬
‫دينه السمحة‪ ،‬واستمر بن بولعيد في مساعدة والده حتى توفي سنة ‪ 1935‬فتولى مهنة أبيه وتكفل بإعالة عائلته وداوم إلى‬
‫جانب ذلك على مالزمة الشيخ خذير والتعلم منه‪.‬‬

‫انخرط في نادي آريس الذي يحمل عنوان «نادي االتحاد» والذي أسسه الشيخ عمر دردور تلميذ اإلمام عبد الحميد بن‬
‫باديس وأثمر هذا النادي ببناء مسجد يسمى اليوم «مسجد ابن بولعيد» وبقي يتعلم وينشط به حتى أواخر سنة ‪.1936‬‬

‫سفره إلى فرنسا وأداء الخدمة العسكرية‬


‫مع نهاية سنة ‪ 1936‬شد بن بولعيد رحاله مع أخيه عمر إلى فرنسا واستقر بمدينة «فلري» بعمالة «ميتس» للعمل‬
‫بالتجارة وهناك اندمج مع إخوانه المهاجرين الذين انتخبوه رئيسا لنقابة العمال‪ ،‬لكن غربته لم تدم أكثر من سنة حيث عاد‬
‫بعدها إلى مسقط رأسه وإلى نشاطه األول المتعلق بالفالحة والتجارة‪ .‬وفي بداية ‪ 1939‬استدعي ألداء الخدمة العسكرية‬
‫بثكنة بجاية حاليا فأظهر تفوقا عسكريا ومجهودا كبيرا وأنهى الخدمة العسكرية بشهادة شرفية كمقاتل مقدام بالثكنة‬
‫العسكرية لسطيف سنة ‪ ، 1942‬ليعود بعدها إلى مسقط رأسه ويستأنف عمله ويتزوج من عائلة بن مناع وينجب على مر‬
‫السنين ستة ذكور وبنتا‪.‬‬
‫في سنة ‪ 1943‬تم استدعاؤه مجددا للخدمة العسكرية كاحتياطي في قالمة وذلك بعد دخول القوات األمريكية للجزائر‪،‬‬
‫حيث لقي أنواع التنكيل والتعذيب ألنه قام بحركة تمرد داخل الثكنة‪ ،‬ولما سمع أخوه عمـر باألمر أعد ملفا تبريريا‬
‫واستعان بالبشاغا الذي زوده بمبلغ قدره ‪ 7000‬فرنك فرنسي ليتم العفو بعدها عن مصطفى‪ ،‬ليعود مجددا إلى مسقط‬
‫رأسه ويواصل نشاطه التجاري وعمله كرئيس لنقابة التجار‪ ،‬وفي سنة ‪ 1946‬بنى منزال حديثا الموجود حاليا بآريس كما‬
‫حصل على رخصة نقل المسافرين بين آريس وباتنة واشترى حافلتين لذلك‪.‬‬

‫الوعي المبكر والنشاط السياسي‬ ‫‪‬‬

‫بن بولعيد في ريعـان شبـابه‬

‫منذ دراسته في مدرسة األهالي الحظ بن بولعيد سياسة التفرقة والتمييز التي تمارسها اإلدارة االستعمارية بين األطفال‬
‫الجزائريين وأقرانهم من أبناء المعمرين‪ ،‬كما الحظ أن تصرفات المعمرين بعيدة كل البعد عن عادات وأخالق الشعب‬
‫الجزائري‪ ،‬فراحت تلك األفكار تتبلور في رأسه وأخذت تراوده فكرة طرد هؤالء المغتصبين فكان أول نشاط له هو‬
‫االنضمام إلى نادي آريس وظل يناضل به حتى سفره إلى فرنسا في أواخر ‪ 1936‬حيث انتخب رئيسا لنقابة العمال‬
‫الجزائريين هناك‪ ،‬وبمرور الوقت أدرك أن معاملة الفرد الجزائري وقيمته سواء في فرنسا أو الجزائر معاملة استغالل‬
‫وازدراء‪ ،‬فعاد إلى الجزائر بعد عام وكان محله في أحد أحياء آريس مركز حوار وحديث حول اإلصالح والقضية الوطنية‬
‫مع رفاقه في النادي‪ :‬مسعود بلعقون‪ ،‬اسمايحي الحاج ازراري‪ ،‬بن حابة بومعراف ‪ ،‬وأثنـاء أدائه للخدمة العسكرية أظهر‬
‫اجتهادا كبيرا الغاية من ورائه التدرب على استعمال القنابل واألسلحة الحديثة آنذاك‪.‬‬

‫االنخراط في العمل السياسي‬


‫في سنة ‪ 1943‬حل بمدينة آريس محي الدين بكوش الذي خرج من سجن المبيز وقام باالتصال بالحاج اسمايحي‬
‫ازراري‪ ،‬مسعود بلعقون‪ ،‬مختاري الصالح‪ ،‬بعزي لخضر‪ ،‬عايسي مسعود وعقد معهم اجتماعا تعينوا على إثره أعضاء‬
‫في خاليا حزب الشعب بآريس وأشمول وزالطو وتجموت‪ ،‬غير أن بن بولعيد لم يتم تجنيده آنذاك نظرا الستدعائه مجددا‬
‫ألداء الخدمة العسكرية‪ ،‬وبعد خروجه في أواخر شهر ماي ‪ 1945‬قام الحاج ازراري مسؤول خلية الشعب بآريس بتجنيده‬
‫وأصبح يشارك في األعمال السياسية التي يقوم بها الحزب منذ ذلك الحين‪.‬‬
‫في انتخابات سنة ‪ 1946‬التي رشح فيها بودة أحمد ممثل حزب الشعب‪ ،‬شارك مصطفى بن بولعيد في الحملة الدعائية‬
‫ضد المرشحين من عمالء فرنسا في النشاط الذي قام به حزب أحباب البيان‪ ،‬كما كان للحافلتين اللتين يملكهما دور كبير‬
‫في تعزيز ونشر سياسة الحزب في بعض الدواوير التي لم يصلها بعد‪ ،‬وقام بتجنيد وتكوين العديد من الخاليا وفي ‪1947‬‬
‫أصبح مسؤول فرع في حركة انتصار الحريات الديمقراطية وشارك في حملة التوعية على االحتجاج بتحرير جريدة‬
‫«الجزائر الحرة»‪.‬‬

‫في أفريل ‪ 1948‬قرر الحزب ترشيح بن بولعيد كممثل لمنطقة األوراس في مجلس نواب الجزائر ففاز في الدورة األولى‬
‫بـ‪ 10‬آالف صوت أي ‪ %95‬ونتيجة لذلك استدعاه حاكم آريس وحاول استمالته وإغراءه لكن بن بولعيد رفض عروضه‬
‫وتمسك بمبادئه‪ ،‬ولما استيأس الحاكم من مساومته سارع إلى إقصائه من الدورة الثانية بالتزوير فأدى ذلك إلى وقوع‬
‫أحداث عنف دامية في كل من فم الطوب وكيمل وبوزينة‪.‬‬

‫وتكررت الحادثة سنة ‪ 1951‬بعد تزوير االنتخابات ووقعت احداث دامية في كيمل وتكوت وفم الطوب فحشد االستعمار‬
‫جيوشه العسكرية المقدرة بـ ‪ 40‬ألف جندي وطوق بها األوراس من كل الجهات وكثر الظلم وحمالت التفتيش المتالحقة‬
‫فأسس بن بولعيد جبهة الدفاع عن الحريات وشارك في هذه الجبهة حزب البيان ومثله ابن خليل‪ ،‬جمعية‬
‫العلماء ومثلها العربي التبسي‪ ،‬الحزب الشيوعي ومثله عمراني العيد‪ ،‬حركة االنتصار للحريات الديمقراطية ومثلها محمد‬
‫العربي دماغ العتروس وقام بمقاضاة حاكم آريس على حوادث إنسانية‪.‬‬

‫محاوالت اغتياله ومكائد ضده‬

‫حاول االستعمار عن طريق عمالئه مرار تصفية بن بولعيد ففي سنة ‪ 1948‬هجمت عليه عصابة بمنزله ليال الغتياله لكنه‬
‫رد عليهم بالرصاص فالذوا بالفرار وتكررت نفس العملية في ‪ 1951‬لكنها فشلت كذلك ‪ ،‬وفي نفس العام تعرض أخوه‬
‫عمر نهارا في طريق عودته لمنزله لالعتداء من قبل شخصين في جسر آريس فأخرج مسدسه ورماهما فجرح واحدا‬
‫وأردى الثاني قتيال‪.‬‬

‫كما توالت مكائد االستعمار ضده إلضعافه ماديا بوضع عدة مسدسات في حافلته وحجزها من الحين إلى اآلخر‪ ،‬وإعطاء‬
‫العميل بوهالي رخصة نقل لمزاحمة بن بولعيد ومن مكائد االستعمار كذلك محاولة تفريق وحدة األعراش بزرع الفتن‬
‫بينها إذ كادت تقع الفتنة بين أكبر عرشين في آريس عرش بوسليمان وعرش بن بولعيد التوابة وهذا بعد أن قام أحد أذناب‬
‫االستعمار بقتل رجل من عرش التوابة لكن بن بولعيد كان يقظا ودعا إلى اجتماع صلح في دشرة أوالد موسى تاله آخر‬
‫بقروي بلمايل أوخر ‪ 1952‬أسفر عن إنهاء األزمة وخابت آمال العدو الفرنسي في توسيع الهوة بين األعراش‪.‬‬

‫المنظمة الخاصة‬
‫المقالة الرئيسية‪ :‬المنظمة الخاصة‬
‫بعد أن عقد حزب حركة االنتصار للحريات الديمقراطية اجتماعا بالعاصمة يومي ‪ 16‬و‪ 17‬فبراير ‪ 1947‬تقرر إنشاء‬
‫جناح عسكري للحرب هدفه التحضير لثورة مسلحة ونتيجة لذلك قدم العربي بن مهيدي في نفس الشهر إلى آريس وقام‬
‫رفقة بن بولعيد بتكوين الخاليا األولى للمنظمة وعين بن بولعيد قائدا لفرع األوراس التابع لقسنطينة آنذاك وأمره بجمع‬
‫األسلحة وتخزينها فتم إنشاء خليتين األولى تتكون من صالحي محمد األمير مسؤول وأحمد نواورة ومختاري محمد‬
‫الصالح‪ ،‬والثانية سمايحي بلقاسم مسؤول وبعزي محمد بن لخضر وعزوي مدور‪ ،‬ليرتفع بعدها العدد إلى ‪ 20‬عضوا‬
‫مهيكلين في خمس خاليا رباعية‪ ،‬وتوجد الخلية األولى بمدينة أريس وتتكون من اسمايحي بلقاسم (قائدا) وصالحي لمير‬
‫ومختاري محمد الصالح وبلدي دوعلي‪ ،‬والخلية الثانية في قرية الحجاج وتضم محمد بعزي (قائدا) وبلقاسم بورزان وعلي‬
‫بوغوث ولمبارك عزوي والخلية الرابعة بلمدينة وتتكون من مسعود عايسي (قائدا) وعمار بلهروال ومحمد شريف بن‬
‫عكشة ومحمد الصغير تيغزة‪ ،‬والخلية الخامسة في فم الطوب وتتألف من محمد الهادي بخلوف (قائدا) والصالح نجاوي‬
‫وعيسى جار هللا وعلي بن الطيب جار هللا‪.‬‬

‫بالنسبة للتسليح فكان أعضاء من المنظمة يسافرون إلى جربة تونس لشرائه من الشركات اإليطالية منهم عزوي مدور‪،‬‬
‫كعباش عثمان‪ ،‬عاجل عجول وكانوا يشترونه من نوع طاليان‪ ،‬ألمان‪ ،‬وأمريكي ويتم تخزينه في انتظار اندالع الثورة‪ ،‬أما‬
‫بالنسبة ألعضاء المنظمة فكان لزاما على كل عضو أن يتدبر سالحه بنفسه ومن ماله الخاص ‪ ،‬كما اشترى بن بولعيد‬
‫بنفسه كمية كبيرة بأمواله الخاصة بعضها محلي والبعض اآلخر عن طريق الحدود الليبية التونسية عن طريق عصامي‬
‫محمد وعبد القادر لعمودي وذلك سنتي ‪ 1949-1948‬وخزنها في مطامير ‪ ،‬كما كان أحمد نواورة مسؤول مخزن منجم‬
‫إيشمول يحضر الديناميت من هناك لصنع القنابل‪.‬‬

‫وكان بن بولعيد يعقد االجتماعات ثالث مرات في األسبوع مع خاليا المنظمة ويخصهم بالتعرف على إستراتيجية البالد‬
‫والتدرب على األسلحة حيث اشترى لذلك الغرض مزرعة بفم الطوب وحولها إلى مركز تدريبات عسكرية كان يحضرها‬
‫مع إطارات المنظمة السرية خاصة منهم العربي بن مهيدي وزيغود يوسف‪.‬‬

‫إيواؤه للفارين من أعضائها‬

‫فـي ‪ 1950‬تم كشف المنظمة السرية بسبب حادث في تبسة وهو طرد ارحيم من المنظمة واتهامه بالوشاية وتهديده بالقتل‬
‫ما أدى إلى هروبه وإخباره الشرطة الفرنسية التي قامت بقمع شرس وألقت القبض على مئات من أعضائها ‪ ،‬في حين‬
‫تمكن بعض أعضائها من الفرار إلى مختلف ربوع الوطن‪ ،‬فكان عدد األعضاء الذين التجؤوا إلى األوراس ‪ 13‬عشر‬
‫مناضال منهم زيغود يوسف‪ ،‬رابح بيطاط‪ ،‬عمار بن عودة‪ ،‬سليمان بن طوبال وقد كلف مصطفى بن بولعيد مسعود بلعقون‬
‫أن يهيء لهم ظروف اإلقامة وكلف مصطفى بوستة بالسفر لقسنطينة لإلتيان بهم‪ ،‬فأحضرهم مموهين يلبسون لباس النساء‬
‫وعلى مرحلتين وتم توزيعهم بين إيشمول وزالطو ومكثوا في األوراس حتى أواخر عام ‪ 1953‬وشاركو في توعية‬
‫المناضلين وتدريبهم على استعمال السالح‪.‬‬

‫وبعد تباطؤ دام سنة كاملة قررت قيادة الحزب في ‪ 1951‬حل المنظمة وإعادة إدماج أعضائها في المنظمة السياسية ‪ ،‬فتم‬
‫ذلك في ربوع الوطن باستثناء األورس فقد قام بن بولعيد بتجميد نشاطها مؤقتا ليعيد بعثها بعد أزمة الحزب سنة ‪.1953‬‬

‫دوره في التحضير لثورة نوفمبر‬


‫صورة لمجموعة الستة قبل إعالن ثورة نوفمبر ‪ 1954‬الواقفون من اليسار‬
‫إلى اليمين رابح بيطاط‪ ،‬مصطفى بن بولعيد‪ ،‬ديدوش مراد‪ ،‬محمد بوضياف‪ ،‬الجالسين‪ :‬كريم بلقاسم والعربي بن مهيدي‬

‫بعد اكتشاف المنظمة السرية من قبل السلطات االستعمارية في مارس ‪ 1950‬برز دور بن بولعيد بقوة لما أخذ على عاتقه‬
‫التكفل بايواء بعض المناضلين المطاردين وإخفائهم عن أعين العدو وأجهزته األمنية‪ ،‬وقد أعقب اكتشاف المنظمة حملة‬
‫واسعة من عمليات التمشيط واالعتقال واالستنطاق الوحشي بمنطقة األوراس على غرار باقي مناطق الوطن‪ .‬ولكن بالرغم‬
‫من كل المطاردات والمضايقات وحمالت التفتيش والمداهمة تمكن بن بولعيد بفضل حنكته وتجربته من اإلبقاء على‬
‫المنظمة الخاصة واستمرارها في النشاط على مستوى المنطقة‪ .‬وبالموازاة مع هذا النشاط المكثف بذل مصطفى بن بولعيد‬
‫كل ما في وسعه من أجل احتواء األزمة بصفته عضو قيادي في اللجنة المركزية للحزب‪ .‬وقد كلف بن بولعيد‬
‫في أكتوبر ‪ 1953‬وبتدعيم من نشطاء المنظمة السرية باالتصال بزعيم الحزب مصالي الحاج الذي كان قد ُن في في ‪14‬‬
‫مايو ‪ 1954‬إلى فرنسا ووضع تحت اإلقامة الجبرية‪ ،‬وذلك في محاولة إليجاد حل وسطي‬
‫يرضي المركزيين والمصاليين‪.‬‬

‫وبعد ذلك توصل أنصار العمل الثوري المسلح وفي طليعتهم بن بولعيد إلى فكرة إنشاء «اللجنة الثورية للوحدة والعمل»‬
‫واإلعالن عنها في ‪ 06‬مارس ‪ 1954‬من أجل تضييق الهوة التي تفصل بين المصاليين والمركزيين من جهة وتوحيد‬
‫العمل وااللتفاف حول فكرة العمل الثوري من جهة ثانية‪.‬‬

‫وبعد عدة اتصاالت مع بقايا المنظمة السرية‪ ،‬تم عقد اللقاء التاريخي لمجموعة الـ‪ 22‬بدار المناضل الياس دريش بحي‬
‫المدنية في ‪ 24‬جوان ‪ 19541‬والذي حسم الموقف لصالح تفجير الثورة المسلحة السترجاع السيادة الوطنية المغتصبة منذ‬
‫أكثر من قرن مضى‪ .‬ونظرا للمكانة التي يحظى بها بن بولعيد فقد أسندت إليه باإلجماع رئاسة اللقاء الذي صدرعنه تقسيم‬
‫البالد إلى مناطق خمس وُعّين على كل منطقة مسؤول وقد عين مصطفى بن بولعيد على رأس المنطقة األولى‪ :‬األوراس‬
‫كما كان أحد أعضاء لجنة «الستة» «بوضياف‪ ،‬ديدوش‪ ،‬بن بولعيد‪ ،‬بيطاط‪ ،‬بن مهيدي‪ ،‬كريم»‪.‬‬

‫ومن أجل توفير كل شروط النجاح واالستمرارية للثورة المزمع تفجيرها‪ ،‬تنقل بن بولعيد رفقة‪ :‬ديدوش مراد‪ ،‬محمد‬
‫بوضياف ومحمد العربي ين مهيدي إلى سويسرا خالل شهر جويلية ‪ 1954‬بغية ربط االتصال بأعضاء الوفد الخارجي‬
‫«بن بلة‪ ،‬خيضر وآيت أحمد» لتبليغهم بنتائج اجتماع مجموعة الـ‪ 22‬من جهة وتكليفهم بمهمة اإلشراف على الدعاية‬
‫لصالح الثورة‪.‬‬

‫ومع اقتراب الموعد المحدد لتفجير الثورة تكثفت نشاطات بن بولعيد من أجل ضبط كل كبيرة وصغيرة إلنجاح هذا‬
‫المشروع الضخم‪ ،‬وفي هذا اإلطار تنقل بن بولعيد إلى ميلة بمعية كل من محمد بوضياف وديدوش مراد لالجتماع في‬
‫ضيعة تابعة لعائلة بن طوبال وذلك في سبتمبر ‪ 1954‬بغرض متابعة النتائج المتوصل إليها في التحضير الجاد إلعالن‬
‫الثورة المسلحة ودراسة احتياجات كل منطقة من عتاد الحرب كأسلحة والذخيرة‪.‬‬

‫وفي ‪ 10‬أكتوبر ‪ 1954‬التقى بن بولعيد‪ ،‬كريم بلقاسم ورابح بيطاط في منزل مراد بوقشورة بالرايس حميدو وأثناء‬
‫هذا االجتماع تم االتفاق على‪:‬‬

‫إعالن الثورة المسلحة باسم جبهة التحرير الوطني‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫إعداد مشروع بيان أول نوفمبر ‪.1954‬‬ ‫‪.2‬‬
‫تحديد يوم ‪ 22‬أكتوبر ‪ 1954‬موعدا الجتماع مجموعة الستة لمراجعة مشروع بيان أول نوفمبر وإقراره‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫تحديد منتصف ليلة اإلثنين أول نوفمبر ‪ 1954‬موعدا النطالق الثورة المسلحة‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫وطيلة المدة الفاصلة بين االجتماعين لم يركن بن بولعيد إلى الراحة بل راح ينتقل بين مختلف مناطق الجهة المكلف بها‬
‫«األوراس» ضمن العديد من الزيارات الميدانية للوقوف على االستعدادات والتحضيرات التي تمت وكذا التدريبات التي‬
‫يقوم بها المناضلون على مختلف األسلحة وصناعة القنابل والمتفجرات التقليدية‪ .‬وفي التاريخ المحدد التأم شمل الجماعة‬
‫التي ضمت‪ :‬بن بولعيد‪ ،‬بوضياف‪ ،‬بيطاط‪ ،‬بن مهيدي‪ ،‬ديدوش وكريم وذلك بمنزل مراد بوقشورة أين تم االتفاق على‬
‫النص النهائي لبيان أول نوفمبر ‪ 54‬إثر مراجعته والتأكيد بصورة قطعية على الساعة الصفر من ليلة فاتح نوفمبر ‪54‬‬
‫لتفجير الثورة المباركة وأجمع الحاضرون على التزام السرية بالنسبة للقرار النهائي التاريخي والحاسم ثم توجه كل واحد‬
‫إلى المنطقة التي كلف باإلشراف عليها في انتظار الساعة الصفر واإلعداد إلنجاح تلك العملية التي ستغير مجرى‬
‫تاريخ الشعب الجزائري‪ .‬وهكذا عقد بن بولعيد عدة اجتماعات بمنطقة األوراس حرصا منه على انتقاء الرجال القادرين‬
‫على الثبات وقت األزمات والشدائد‪ ،‬منها اجتماع بلقرين يوم ‪ 20‬أكتوبر ‪ 1954‬الذي حضره الكثير من مساعديه نذكر‬
‫منهم على الخصوص‪ :‬عباس لغرور‪ ،‬شيهاني بشير‪ ،‬عاجل عجول والطاهر نويشي وغيرهم وخالل هذا اللقاء أعلم بن‬
‫بولعيد رفاقه بالتاريخ المحدد لتفجير ثورة التحرير كما وزع على الحضور بيان أول نوفمبر وضبط حصة كل جهة‬
‫من األسلحة والذخيرة المتوفرة‪ .‬وقبل مرور أسبوع على هذا اللقاء عقد بن بولعيد اجتماعين آخرين في ‪ 30‬أكتوبر ‪1954‬‬
‫أحدهما في دشرة «اشمول» واآلخر بخنقة الحدادة التقى أثناءهما بمجموعة من المناضلين وألقى كلمة حماسية شحذ فيه‬
‫همم الجميع‪ .‬وفي الغد عقد اجتماعا قبل الساعة صفر‪ ،‬وقد ضم هذا األخير قادة النواحي واألقسام وفيه تقرر‬
‫تحديد دشرة أوالد موسى وخنقة لحدادة اللتقاء أفواج جيش التحرير الوطني واستالم األسلحة وأخذ آخر التعليمات الالزمة‬
‫قبل حلول الموعد التاريخي واالنتقال إلى العمل المسلح ضد األهداف المعنية‪.‬‬

‫وفي تلك الليلة قال بن بولعيد قولته الشهيرة‪« :‬إخواني سنجعل البارود يتكلم هذه الليلة» وتكلم البارود في الموعد‬
‫المحدد وتعرضت جل األهداف المحددة إلى نيران أسلحة جيش التحرير الوطني وسط دهشة العدو وذهوله‪ .‬وفي صبيحة‬
‫يوم أول نوفمبر ‪ 54‬كان قائد منطقة األوراس مصطفى بن بولعيد يراقب ردود فعل العدو من جبل الظهري المطل‬
‫على أريس بمعية شيهاني بشير‪ ،‬مدور عزوي‪ ،‬عاجل عجول ومصطفى بوستة‪ .‬وقد حرص بن بولعيد على عقد‬
‫اجتماعات أسبوعية تضم القيادة ورؤساء األفواج لتقييم وتقويم العمليات وتدارس ردود الفعل المتعلقة بالعدو والمواطنين‪.‬‬

‫وفي بداية شهر جانفي ‪ 1955‬عقد هذا األخير اجتماعا في تاوليليت مع إطارات الثورة تناول باألخص نقص األسلحة‬
‫والذخيرة‪ ،‬وقد فرضت هذه الوضعية على بن بولعيد اعالم المجتمعين بعزمه على التوجه إلى بالد المشرق بهدف التزود‬
‫بالسالح ومن ثم تعيين شيهاني بشير قائدا للثورة خالل فترة غيابه ويساعده نائبان هما‪ :‬عاجل عجول وعباس لغرور‪.‬‬
‫االعتقال والعودة لقيادة الثورة وإغتياله‬ ‫‪‬‬

‫بعد اعتقال مصطفى بن بولعيد في تونس (‪ 11‬فبراير ‪)1955‬‬


‫االعتقال‬
‫وفي ‪ 24‬جانفي ‪ 1955‬غادر بن بولعيد األوراس باتجاه المشرق وبعد ثالثة أيام من السير الحثيث وسط تضاريس طبيعية‬
‫صعبة وظروف أمنية خطيرة وصل إلى «القلعة «حيث عقد اجتماعا لمجاهدي الناحية الطالعهم على األوضاع التي‬
‫تعرفها الثورة وأرسل بعضهم موفدين من قبله إلى جهات مختلفة من الوطن‪ .‬بعد ذلك واصل بن بولعيد ومرافقه عمر‬
‫المستيري الطريق باتجاه الهدف المحدد‪ .‬وبعد مرورهما بناحية نقرين «تبسة «التقيا في تامغرة بعمر الفرشيشي الذي ألح‬
‫على مرافقتهما كمرشد‪ .‬وعند الوصول إلى «أرديف «المدينة المنجمية التونسية‪ ،‬وبها يعمل الكثير من الجزائريين‪ ،‬اتصل‬
‫بن بولعيد ببعض هؤالء المنخرطين في صفوف الحركة الوطنية‪ ،‬وكان قد تعرف عليهم عند سفره إلى ليبيا في‬
‫منتصف أوت ‪ ،1954‬وذلك لرسم خطة تمكن من إدخال األسلحة‪ ،‬الذخيرة واألموال إلى الجزائر عبر وادي سوف‪.‬‬
‫وانتقل بن بولعيد من أرديف إلى المتلوي بواسطة القطار ومن هناك استقل الحافلة إلى مدينة قفصة حيث بات ليلته فيها‬
‫رفقة زميليه‪ .‬وفي الغد اتجه إلى مدينة قابس حيث كان على موعد مع المجاهد حجاج بشير‪ ،‬لكن هذا اللقاء لم يتم بين‬
‫الرجلين نظرا العتقال بشير حجاج من قبل السلطات الفرنسية قبل ذلك‪ .‬وعند بلوغ الخبر مسامع بن بولعيد ومخافة أن‬
‫يلقى نفس المصير غادر مدينة قابس على جناح السرعة على متن أول حافلة باتجاه بن قردان‪ .‬وعند وصول الحافلة إلى‬
‫المحطة النهائية بن قرادن طلب هؤالء من كل الركاب التوجه إلى مركز الشرطة‪ ،‬وحينها أدرك بن بولعيد خطورة‬
‫الموقف فطلب من مرافقه القيام بنفس الخطوات التي يقوم بها‪ ،‬وكان الظالم قد بدأ يخيم على المكان فأغتنما الفرصة‬
‫وتسلال بعيدا عن مركز الشرطة عبر األزقة‪ .‬ولما اقترب منهما أحد أفراد الدورية أطلق عليه بن بولعيد النار من مسدسه‬
‫فقتله‪ .‬وواصال هروبهما سريعا عبر الطريق الصحراوي كامل الليل وفي الصباح اختبأ‪ ،‬وعند حلول الظالم تابعا سيرهما‬
‫معتقدين أنهما يسيران باتجاه الحدود التونسية الليبية ألن بن بولعيد كان قد أضاع البوصلة التي تحدد االتجاه‪ ،‬كما أنه فقد‬
‫إحدى قطع مسدسه عند سقوطه‪.‬‬

‫وما أن طلع النهار حتى كانت فرقة الخيالة تحاصر المكان وطلب منهما الخروج وعندما حاول بن بولعيد استعمال مسدسه‬
‫[‪]29[]28‬‬
‫وجده غير صالح وإثر ذلك تلقى هذا األخير ضربة أفقدته الوعي وهكذا تم اعتقال بن بولعيد يوم ‪ 11‬فبراير ‪.1955‬‬

‫الحكم[عدل]‬

‫وفي ‪ 3‬مارس ‪ 1955‬قدم للمحكمة العسكرية الفرنسية بتونس التي أصدرت يوم ‪ 28‬مايو ‪ 1955‬حكما باألشغال الشاقة‬
‫المؤبدة بعدها نقل إلى قسنطينة لتعاد محاكمته من جديد أمام المحكمة العسكرية في ‪ 21‬يونيو ‪ 1955‬وبعد محاكمة مهزلة‬
‫أصدرت الحكم عليه باإلعدام‪.‬ونقل إلى سجن الكدية الحصين‪.‬وفي السجن خاض بن بولعيد نضاال مريرا مع اإلدارة لتعامل‬
‫مساجين الثورة معاملة السجناء السياسيين وأسرى الحرب بما تنص عليه القوانين الدولية‪ .‬ونتيجة تلك النضاالت ومنها‬
‫اإلضراب عن الطعام مدة ‪ 14‬يوما ومراسلة رئيس الجمهورية الفرنسية تم نزع القيود والسالسل التي كانت تكبل‬
‫المجاهدين داخل زنزاناتهم وتم السماح لهم بالخروج صباحا ومساء إلى فناء السجن‪.‬‬
‫الفرار‬
‫وفي هذه المرحلة واصل بن بولعيد مهمته النضالية بالرفع من معنويات المجاهدين ومحاربة الضعف واليأس من جهة‬
‫والتفكير الجدي في الهروب من جهة ثانية‪ .‬وبعد تفكير متمعن تم التوصل إلى فكرة الهروب عن طريق حفر نفق يصلها‬
‫بمخزن من البناء االصطناعي وبوسائل جد بدائية شرع الرفاق في عملية الحفر التي دامت ‪ 28‬يوما كامال‪ .‬وقد عرفت‬
‫عملية الحفر صعوبات عدة منها الصوت الذي يحدثه عملية الحفر في حد ذاتها ثم األتربة والحجارة الناتجة عن الحفر‪.‬‬

‫وقد تمكن من الفرار من هذا السجن الحصين والمرعب كل من مصطفى بن بولعيد‪ ،‬محمد العيفة‪ ،‬الطاهر‬
‫الزبيري‪ ،‬لخضر مشري‪ ،‬علي حفطاوي‪ ،‬إبراهيم طايبي‪ ،‬رشيد أحمد بوشمال‪ ،‬حمادي كرومة‪ ،‬محمد بزيان‪ ،‬سليمان‬
‫زايدي وحسين عريف‪.‬‬

‫وبعد مسيرة شاقة على ألقدام الحافية المتورمة والبطون الجائعة والجراح الدامية النازفة وصبر على المحن والرزايا‬
‫وصلوا إلى مراكز الثورة‪ .‬وفي طريق العودة إلى مقر قيادته انتقل إلى كيمل حيث عقد سلسلة من اللقاءات مع إطارات‬
‫الثورة ومسؤوليها بالناحية‪ ،‬كما قام بجولة تفقدية إلى العديد من األقسام للوقوف على الوضعية النظامية والعسكرية‬
‫بالمنطقة األولى «األوراس»‪ .‬وقد تخلل هذه الجولة إشراف بن بولعيد على قيادة بعض أفواج جيش التحرير الوطني التي‬
‫خاضت معارك ضارية ضد قوات العدو وأهمها‪ :‬معركة إيفري البلح يوم ‪ 1956-01-13‬ودامت يومين كاملين والثانية‬
‫وقعت بجبل أحمر خدو يوم ‪.1956-01-18‬‬

‫اإلغتيال‬
‫وقد عقد آخر اجتماع له قبل استشهاده يوم ‪ 22‬مارس ‪ 1956‬بالجبل األزرق بحضور إطارات الثورة بالمنطقة األولى‬
‫وبعض مسؤولي جيش التحرير الوطني بمنطقة الصحراء‪ .‬ومساء اليوم نفسه أحضر إلى مكان االجتماع مذياع الذي كان‬
‫ملغما والذي ألقته قوات االستعمار الفرنسي وعند محاولة تشغيله انفجر مخلفا استشهاد قائد المنطقة األولى مصطفى بن‬
‫بولعيد وخمسة من رفاقه‪.‬‬

‫الغموض‬
‫غموض شديد يلف قضية إغتيال البطل الشهيد مصطفى بن بولعيد أحد الستة الذين فجروا ثورة التحرير‪ ،‬وأغرب ما في‬
‫األمر هو محاولة البعض التعتيم على هذه القضية والكثير من القضايا التاريخية المتعلقة بثورة التحرير‪ ،‬وحرمان الجيل‬
‫الجديد من معرفة تاريخ وطنه بكل تفاصيله‪ ،‬رغم مرور أكثر من نصف قرن على اندالع الثورة‪ ،‬ورغم أن كل ما كنا‬
‫نعرفه عن قضية استشهاد بن بولعيد خالل طفولتنا المدرسية هو انفجار مذياع مفخخ في ظروف “غامضة” على مصطفى‬
‫بن بولعيد‪ ،‬ولكن كيف؟ وأين؟ ومتى؟ ومن دبر ونفذ هذا العملية الشنيعة؟ أسئلة كثيرة يطرحها جيلنا على جيل الثورة‪،‬‬
‫ويريد إجابات صريحة ودقيقة بعيدا عن أي خلفيات سياسية أو شخصية أو قبلية‪ ،‬وكل ما أردنا ان نفتح هذا الملف بشكل‬
‫أكثر عمقا وتفصيال‪ ،‬كانو ينصحوننا بعدم الخوض في هكذا مسائل‪ ،‬إال اننا ارتأينا أنه ال بد من معرفة الحقيقة‪ ،‬وإسكات‬
‫صراخ هذه األسئلة التي ال نجد لها جوابا‪.‬‬

‫ببعض المجاهدين والباحثين في تاريخ الثورة واالستعانة ببعض الكتب والمذكرات التاريخية التي تناولت قضية اغتيال‬
‫مصطفى بن بولعيد‪ ،‬وكان ال بد من الرجوع قليال إلى الوراء لمعرفة الصراع بين قادة األوراس بعد أسر بن بولعيد قائد‬
‫المنطقة التاريخية األولى (أوراس النمامشة)‪ ،‬والذي أدى إلى مقتل شيحاني بشير نائب مصطفى بن بولعيد بأمر من عجول‬
‫عجول الذي أصبح عمليا قائدا لألوراس‪ ،‬في حين تمرد عليه عمر بن بولعيد شقيق سي مصطفى وفي هذا الجو المشحون‬
‫بالصراعات‪ ،‬تمكن مصطفى بن بولعيد من الهرب بأعجوبة من سجن الكدية بقسنطينة في ‪ 10‬نوفمبر ‪ 1955‬رفقة عشرة‬
‫من رفاقه كان من بينهم الطاهر الزبيري‪ ،‬وبعودته إلى األوراس اكتشف سي مصطفى عدة أخطاء ارتكبت في غيابه‪ ،‬كما‬
‫أن أن عجول القائد الفعلي لألوراس فاجأه تمكن بن بولعيد من الهرب من السجن‪ ،‬كما أن السلطات االستعمارية غاضها‬
‫كثيرا تمكن زعيم األوراس من الفرار من قبضتها وإعادة تنظيمه وتوحيده لصفوف المجاهدين‪.‬‬

‫عجول يشكك في وطنية بن بولعيد!!‬

‫حسب رواية الطاهر الزبيري آخر قادة األوراس التاريخيين فإن عودة مصطفى بن بولعيد إلى مركز قيادة منطقة‬
‫األوراس فاجأت عجول عجول الذي آلت إليه قيادة المنطقة عمليا بعدما تمكن من التخلص من شيحاني بشير نائب بن‬
‫بولعيد الذي خلفه على رأس المنطقة قبل اعتقاله على الحدود التونسية الليبية‪ ،‬وما زاد في تعميق الهوة بين الرجلين هو‬
‫اكتشاف بن بولعيد أن عجول هو الذي أمر بقتل نائبه شيحاني بشير رفقة عدد آخر من المجاهدين بسبب أخطاء ال يرى بن‬
‫بولعيد أنها تستحق عقوبة الموت فالم عجول كثيرا على هذا األمر وقال له “تستقل الجزائر ولن نجد خمسة رجال مثله”‬
‫فقد كان شيحاني رجال مثقفا في زمن طغى فيه الجهل واألمية‪ ،‬ولم يستسغ عجول هذا التأنيب‪.‬‬

‫ويؤكد العقيد الزبيري حسبما رواه له شخصيا العقيد الحاج لخضر عبيد أحد قادة األوراس الذي كان قريبا من بولعيد في‬
‫تلك الفترة أن عجول لم يبد كبير ترحاب بنجاة بن بولعيد من األسر وفراره من السجن‪ ،‬بل شكك في صحة هروبه فعال‬
‫من سجن الكدية الحصين عندما قال لبعض المجاهدين “سجن فرنسا ليس كرتونا ليهربوا منه بسهولة”‪ ،‬بل أكثر من ذلك‬
‫رفض عجول إعادة االعتبار لبن بولعيد كقائد للمنطقة األولى رغم أنه واحد من الستة المفجرين لثورة التحرير وواجهه‬
‫قائال “النظام (الثورة) ما يديرش فيك الثقة غير بعد ست أشهر” بمعنى أن نظام الثورة لن يجدد فيك الثقة قائًد ا للمنطقة إال‬
‫بعد ستة أشهر من التحري والتحقق إلى غاية التأكد بأن بن بولعيد ليس مبعوثا من فرنسا الختراق الثورة وإضعافها‪ ،‬وهذه‬
‫الكلمات فاجأت بن بولعيد وأثارت حفيظته وأزعجته كثيرا وشكا هذا األمر للحاج لخضر عبيد عندما قال له “أتعلم ماذا قال‬
‫لي عجول؟‪..‬الثورة لن تجدد فيك الثقة إال بعد ستة أشهر”‪.‬‬

‫وأثار عجول قضية عمر بن بولعيد شقيق مصطفى بن بولعيد الذي انفرد بقيادة ناحية من نواحي المنطقة األولى ونصب‬
‫نفسه قائدا للمنطقة في غياب أخيه ولم يعترف بعجول وعباس لغرور قائدين لألوراس‪ ،‬فرد عليه سي مصطفى “سأستدعي‬
‫عمر وإن ثبت عليه التهم التي وجهتها إليه فأنا من سينفذ حكم الموت عليه بيدي”‪.‬‬

‫ولم يكن عجول ينظر بعين الرضا إلى الوفود التي كانت تزور مصطفى بن بولعيد وتهنئه على النجاة وتعلن له الوالء‬
‫والطاعة‪ ،‬متجاوزة عجول‪ ،‬ولم يكن يمر يوم على سي مصطفى إال ويجتمع مع هؤالء وهؤالء إلعادة تنظيم منطقة‬
‫األوراس التي نخرتها االنقسامات بفعل الصراعات الشخصية والعروشية والفراغ الذي تركه غيابه ونائبه‪ ،‬وتمكن بن‬
‫بولعيد في فترة قصيرة من حل العديد من الخالفات والصراعات وإعادة لحمة منطقة األوراس‪ ،‬فقد كان يحظى بثقة‬
‫قيادات الثورة في الداخل والخارج فضال عن مجاهدي األوراس الذين يدينون له بالوالء‪.‬‬

‫بن بولعيد يستشهد بطريقة طالما حذر أصحابه منها!!‬


‫تمثال مصطفى بن بولعيد بأريس والية باتنة‬

‫وفي ‪ 22‬مارس ‪ 1956‬استشهد البطل مصطفى بن بولعيد في ظروف غامضة عند انفجار جهاز إشارة (إرسال‬
‫واستقبال) مفخخ بإحدى الكأزمات ومعه سبعة من المجاهدين ولم ينجو منهم إال اثنين أحدهم يدعى علي بن شايبة‪،‬‬
‫ويستغرب الطاهر الزبيري كيف يقتل بن بولعيد بجهاز فرنسي مفخخ رغم أنه حرص في كل مرة على غرار ما أوصاهم‬
‫به قبل الهروب من السجن بعدم لمس األشياء المشبوهة حتى ولو كانت قلما‪ ،‬خشية أن تكون مفخخة‪ ،‬مما يوحي بأن هناك‬
‫مؤامرة دبرت بليل ضد مصطفى بن بولعيد‪ ،‬ولكن يبقى التساؤل من قتل هذا البطل؟ ومن خطط لهذه المؤامرة؟‬

‫ويوضح الزبيري أن الجهاز المفخخ الذي أدى إلى استشهاد مصطفى بن بولعيد تركته فرقة للجيش الفرنسي بمكان غير‬
‫بعيد عن مركز قيادة األوراس‪ ،‬وعند مغادرتها للمكان عثر المجاهدون على الجهاز فحملوه إلى مصطفى بن بولعيد الذي‬
‫أراد تشغيله فانفجر الجهاز مما أدى إلى استشهاد البطل بن بولعيد‪ ،‬ويستدل أصحاب هذه الرواية باعترافات بعض‬
‫جنراالت فرنسا في مذكراتهم بأنهم هم من خطط وفخخ الجهاز الذي أدى إلى استشهاد قائد المنطقة األولى‪ ،‬غير أن هذه‬
‫الرواية تبدوا غريبة إذا قسنا ذلك بالحذر الذي يميز بن بولعيد في التعامل مع األشياء التي يخلفها جيش االحتالل‪ ،‬إذ كيف‬
‫يقوم بن بولعيد بتشغيل جهاز دون التحقق منه إال إذا كان واثقا من سالمته من المتفجرات بناء على تطمينات من معه؟‬

‫بوضياف‪ :‬بن بولعيد قتله مجاهد ألماني خطأ‬

‫ويروي العقيد الطاهر الزبيري على لسان علي بن شايبة الناجي من االنفجار الذي خلفته القنبلة المخبأة في الجهاز أن‬
‫مصطفى بن بولعيد عندما عاين الجهاز الحظ أنه ال يحتوي على بطاريات فطلب منه إحضار البطاريات ولما جاءه بما‬
‫طلب تم وضعها في الجهاز وبمجرد تشغيله انفجر مخلفا ثماني قتلى وجريحين‪ ،‬ولكن سي الطاهر نفسه يشكك في صحة‬
‫هذه الرواية‪ ،‬ويشير إلى أن المجاهدين تحصلوا خالل كمين نصبوه لفرقة لجيش االحتالل على جهاز إشارة وغنموا منها‬
‫بعض قطع السالح‪ ،‬وعندما أحضر المجاهدون جهاز اإلشارة الصغير هذا قال لهم سي مصطفى ـ حسبما رواه موسى‬
‫حواسنية للطاهر الزبيري ـ “حطوه حتى انشوفولوا خبير يتأكد إذا فيه مينا” بمعنى ضعوا جهاز اإلشارة هذا جانبا حتى‬
‫يفحصه خبير في المتفجرات لعل فيه لغم‪ ،‬وجاء الخبير وفحص جهاز اإلشارة هذا وتأكد من أن الجهاز غير مفخخ‪ ،‬وتؤكد‬
‫هذه الحادثة الحرص الشديد لبن بولعيد على عدم استعمال أي جهاز يأتي من العدو حتى ولو غنموه في المعارك‪ ،‬لذلك‬
‫يبدوا األمر غامضا عندما ينفجر جهاز إشارة كبير يستعمل في االتصاالت الدولية في كازمة لقائد المنطقة‪ ،‬خلفه عساكر‬
‫العدو في إحدى تنقالتهم!!‬

‫أما محمد بوضياف المنسق العام للثورة فيؤكد أن مجاهدا ألمانيا كان ضمن صفوف جيش التحرير هو الذي قتل مصطفى‬
‫بن بولعيد عن طريق الخطأ‪ ،‬ويقول في حوار أجراه معه الصحفي والكاتب خالد بن ققة في ‪ 1991‬بالمغرب “‪..‬إن ثورتنا‬
‫كان فيها أناس من أمم أخرى كاأللمان‪ ،‬حتى أن أحدهم قتل مصطفى بن بولعيد خطأ‪ ،‬إذ وضع قنبلة في مذياع‪ ،‬ووجده‬
‫رجال الثورة في الطريق‪ ،‬فأخذوه‪ ،‬وعندما فتح بن بولعيد المذياع تفجرت فيه القنبلة”‪ ،‬إال أن بعض المجاهدين يقللون من‬
‫شهادة بوضياف الذي كان في الخارج عند اغتيال مصطفى بن بولعيد ويعتبرون أن شهادته ال يعتد بها ما دام لم يكن‬
‫حاضرا عند حادثة االغتيال‪ ،‬إال أن شهادة محمد بوضياف لها أهميتها باعتباره المنسق العام للثورة وبالتالي فإن‬
‫المعلومات التي يتحصل عليها هي معلومات رسمية خاصة عندما يتعلق األمر بشخصية بحجم بن بولعيد‪.‬‬

‫سعيداني يتهم عجول بتدبير مؤامرة اغتيال بطل األوراس‬

‫غير أن أخطر ما قيل عن استشهاد مصطفى بن بولعيد ما كتبه الرائد الطاهر سعيداني في مذكراته حيث اتهم صراحة‬
‫عجول عجول بتدبير عملية اغتيال مصطفى بن بولعيد عندما أمر علي األلماني بتفخيخ جهاز إشارة للتخلص من أحد‬
‫الخونة‪ ،‬ثم قدم الجهاز المفخخ إلى أحد المجاهدين وطلب منه أن يقدمه لمصطفى بن بولعيد على أساس أنه عثر عليه في‬
‫الخارج‪ ،‬وعندما أراد ذلك المجاهد تنفيذ ما أمر به‪ ،‬كان عجول مع بن بولعيد في إحدى الكأزمات ولما دخل عليهم خرج‬
‫عجول وترك بن بولعيد مع المجاهد الذي سلمه الجهاز‪ ،‬وبمجرد أن شغله بن بولعيد حتى انفجر وقضى عليه‪.‬‬

‫ويروي الطاهر السعيداني هذه الحادثة مع بعض التفصيل فيقول “ذات يوم فيما كان مصطفى بن بولعيد يتحدث إلى‬
‫مجاهديه دخل عليهم جندي يحمل بين يديه مذياعا (لم يكن مذياعا وإنما جهاز إشارة) أعطاه لمصطفى بن بولعيد مؤكدا له‬
‫أنه وجده مرميا‪ ،‬ولكن هذا غير صحيح‪ ،‬فما إن أمسكه حتى غادر عجول عجول المكان وحينما حاول بن بولعيد فتح‬
‫المذياع ليستمع إلى األخبار وإذا به ينفجر عليه ويسقط شهيدا” ويضيف سعيداني الذي كان ضابطا في القاعدة الشرقية‬
‫“… في طريقنا لتهنئة الكتيبة التي كان يقودها لخضر بلحاج ـ بعد انتصارها في إحدى المعارك ـ وجدنا وسط المجاهدين‬
‫جنديين من األلمان اللذين كانا مجندين في اللفيف األجنبي الفرنسي‪..‬أحدهما يدعى علي األلماني اعتنق اإلسالم في القاعدة‬
‫الشرقية… وكان متخصصا في المتفجرات فطلبنا منه من باب الفضول كيف تم تلغيم المذياع الذي أعطي لبن بولعيد‬
‫فأجابنا أنه لم يكن يعلم بأن المذياع الذي أتاه به عجول عجول من أجل تلغيمه كان موجها لالنفجار في وجه مصطفى بن‬
‫بولعيد لقتله بل ظن انه سيرسل لشخص خائن كما قال له عجول” ويختم المجاهد الطاهر سعيداني كالمه “هذا ما أجابني به‬
‫علي األلماني وأشهد به أمام الشهداء والتاريخ”‪.‬‬

‫وباستشهاد مصطفى بن بولعيد تعرضت منطقة األوراس إلى هزة قوية أفقدتها توازنها ولم يتمكن عجول عجول بالرغم‬
‫من صرامته من جمع كلمة المنطقة تحت سلطته فرفض عدد من قادة األوراس االعتراف بقيادته للمنطقة بل وحملوه‬
‫مسؤولية استشهاد البطل مصطفى بن بولعيد‪ ،‬وحاول بعضهم اغتياله لكنه تمكن من النجاة بأعجوبة بعدما أصيب بجراح‬
‫حسب بعض الشهادات وسلم نفسه إلى الجيش الفرنسي ألسباب ما زالت غامضة رغم اعتراف الكثير من المجاهدين حتى‬
‫أولئك الذين اختلفوا معه بوطنيته وشجاعته وقوة شخصيته‪.‬‬
‫المخابرات الفرنسية تفتخر بـ”نجاحها” في اغتيال بن بولعيد‬

‫غير أن الكاتب والباحث محمد عباس المتخصص في قضايا الثورة الجزائرية والحركة الوطنية ينفي بشكل مطلق صحة‬
‫هذه الرواية‪ ،‬ويشكك في مصداقية صاحبها‪ ،‬مؤكدا أن بعض الجهات التي كانت تنافس عجول عجول على قيادة منطقة‬
‫األوراس بعد أسر قائدها هي التي سعت لتلفيق تهمة اغتيال عجول لمصطفى بن بولعيد قصد تشويهه‪ ،‬مضيفا أن عمر بن‬
‫بولعيد شقيق مصطفى كان يسعى لخالفة أخيه على رأس المنطقة األولى عندما كان هذا األخير أسيرا وبعد اغتياله‪ ،‬كما‬
‫أن خالفاته مع عجول معروفة لذلك سعى لترويج رفقة الجماعة التي كانت ملتفة حول مصطفى بن بولعيد إشاعة أن‬
‫عجول هو الذي دبر عملية اغتيال بن بولعيد‪ ،‬مشيرا إلى أن هذا األخير منع شقيقه عمر بعد فراره من السجن من تولي أي‬
‫مسؤولية قيادية‪ ،‬باإلضافة إلى أن عرش بن بولعيد نفسه ال يصدقون رواية تورط عجول في اغتيال سي مصطفى‪.‬‬

‫ويجزم محمد عباس بأن المخابرات الفرنسية وعلى أعلى المستويات في باريس هي التي دبرت عملية اغتيال مصطفى بن‬
‫بولعيد‪ ،‬باعتراف جنراالتها الذين اعتبروا هذه العملية إنجازا كبيرا لهم يستحق االفتخار‪ ،‬حيث نشر أحد رجال المخابرات‬
‫الفرنسية كتابا تحت اسم مستعار تحدث بالتفصيل عن هذه العملية “الناجحة” التي أدت إلى تعطيل والية األوراس من‬
‫‪ 1956‬إلى غاية نهاية ‪ 1959‬وبداية ‪ 1960‬وتحييدها عن الكفاح المسلح بعد أن كانت قلب الثورة النابض حيث اشتدت‬
‫االنقسامات بين قياداتها‪ ،‬ولكن لحسن الحظ أن الثورة امتدت إلى بقية الواليات بشكل ال رجعة فيه‪.‬‬

‫ويوضح الباحث محمد عباس الذي استقى معلوماته من بعض الشهود والشهادات أن المخابرات الفرنسية وبعد هروب‬
‫مصطفى بن بولعيد من السجن خططت لزعزعة استقرار منطقة األوراس (أصبحت والية بعد مؤتمر الصومام في أوت‬
‫‪ )1956‬عن طريق اغتيال بن بولعيد بطريقة ماكرة‪ ،‬وكانت تعلم أن قيادة األوراس بحاجة إلى جهاز إشارة لالتصال‬
‫بقيادة الثورة في الخارج‪ ،‬فأرسلوا فصيل إشارة إلى المنطقة وتعمدوا ترك مؤن على سبيل الخطأ حتى ال يثيروا شكوك‬
‫المجاهدين عندما تركوا جهاز اإلشارة الذي تم تلغيمه بشكل محكم وبمستوى تكنولوجي متطور‪ ،‬وحمل المجاهدون الجهاز‬
‫إلى مصطفى بن بولعيد وقام أحدهم باستعمال بطاريات جهاز اإلشارة إلشعال جهاز إنارة فانفجر الجهاز الملغم واستشهد‬
‫ثماني مجاهدين وجرح اثنان وهما علي بن شايبة (ما زال على قيد الحياة)‪ ،‬ومصطفى بوستة (توفي بعد االستقالل)‪.‬‬

‫وعن السر وراء تعامل بن بولعيد مع جهاز تركه جيش االحتالل بالرغم من أنه طالما حذر رجاله من التقاط األشياء‬
‫المشبوهة خشية أن تكون ملغمة‪ ،‬برر محمد عباس ذلك بان األجل ال ينفع معه الحذر‪ ،‬وأشار إلى حاجة قيادة األوراس‬
‫لجهاز إشارة لالتصال بقيادات الثورة في الداخل والخارج‪ ،‬فضال عن أن الجهاز كان ملغما بشكل محكم يصعب اكتشافه‪،‬‬
‫ولكنه تحدث من جهة أخرى عن محاولة ثانية وبنفس الطريقة قامت بها المخابرات الفرنسية في ‪ 1957‬لتمزيق الوالية‬
‫الثالثة (القبائل) عندما انفجر جهاز مفخخ على محند أولحاج قائد الوالية ولكنه أصيب بجروح ولم يستشهد‪.‬‬

‫عمالء المخابرات الفرنسية هم من قتلوا سي مصطفى‬

‫من جهته يؤكد الدكتور لحسن بومالي الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية أن المخابرات الفرنسية هي التي دبرت عملية‬
‫اغتيال مصطفى بن بولعيد ونفذتها عن طريق عمالئها الذين غرستهم في صفوف المجاهدين‪ ،‬ويضيف أن السلطات‬
‫الفرنسية لم تحتمل قضية هروب مصطفى بن بولعيد من سجن الكدية بقسنطينة ببساطة رغم الحراسة المشددة التي كان‬
‫خاضعا لها‪ ،‬فأرادت القضاء عليه بأي وسيلة‪ ،‬مستعينة في ذلك بعمالئها المندسين بين صفوف المجاهدين لكنه ال يعطي‬
‫تفاصيل أكثر عن هؤالء العمالء الذين اغتالت المخابرات الفرنسية بأيديهم أحد الستة المفجرين لثورة التحرير وعضو‬
‫مجموعة ‪ 22‬التي خططت الندالعها‪.‬‬
‫إن هذا التحقيق يطرح أمامنا ثالث فرضيات حول اغتيال مصطفى بن بولعيد‪ ،‬الفرضية األولى وهي األقوى تدين‬
‫المخابرات الفرنسية بتدبير عملية االغتيال هذه ألنها كانت تسعى للقضاء على قائد األوراس مهما كلفها ذلك من ثمن‪،‬‬
‫وذلك منذ تمكن سي مصطفى من الفرار من سجن الكدية وما يشكله ذلك من خطورة على الوجود االستعماري‪ ،‬واعتراف‬
‫ضباط المخابرات الفرنسية في مذكراتهم بأنهم هم من دبروا عملية االغتيال وهذا االعتراف هو سيد األدلة على أنهم هم‬
‫من قتل مصطفى بن بولعيد بدليل أنهم كرروا نفس األسلوب في الوالية الثالثة‪ ،‬وهذه الفرضية يميل إلى تصديقها بعض‬
‫الباحثين والمؤرخين والجهات الرسمية‪.‬‬

‫الفرضية الثانية وترجح وقوع خطأ أدى إلى استشهاد مصطفى بن بولعيد‪ ،‬فعلي األلماني طبقا لشهادتي محمد بوضياف‬
‫والرائد الطاهر سعيداني قام بتفخيخ جهاز اإلشارة قصد استعماله ضد عدو‪ ،‬وهذا ما يبرر عدم أخذ مصطفى بن بولعيد‬
‫حذره المعتاد عند استعماله لهذا الجهاز وهذه األخطاء كثيرا ما تقع في الحروب والثورات‪ ،‬وليس مستبعدا أن يكون مقتل‬
‫بن بولعيد جاء عن طريق الخطأ‪.‬‬

‫الفرضية الثالثة وتحمل مسؤولية اغتيال بن بولعيد لعجول إذا فرضنا صدق رواية الرائد سعيداني‪ ،‬وانطالقا من خلفيات‬
‫الصراع بين عجول ومصطفى بن بولعيد الذي وبخه لقتله نائبه شيحاني بشير بطل معركة الجرف‪ ،‬باإلضافة إلى خالفات‬
‫عجول مع شقيق بن بولعيد حول قيادة األوراس‪ ،‬واألخطر من ذلك محاولة عجول التشكيك في حقيقة‬

‫هروب بن بولعيد من السجن ورفضه تجديد الثقة به كقائد لألوراس قبل ستة أشهر طبقا لنظام الثورة الذي يعتمد على مبدأ‬
‫“أدنى ثقة يعني أعلى درجة من األمان”‪ ،‬كما أن بعض المجاهدين حاولوا اغتيال عجول التهامه بالتورط في اغتيال بن‬
‫بولعيد لتزعم األوراس‪ ،‬والسؤال الكبير لماذا سلم عجول نفسه إلى الجيش الفرنسي رغم ما يشهد له‬
‫من الشجاعة في محاربة االستعمار؟‬

You might also like