موقع ساهلة ماهلة مقياس الأسرة واضطراباتها النفسية لــ فريد بكيس

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 145

‫كلية العلوم اإلنسانية و االجتماعية‬

‫قسم العلوم االجتماعية‬

‫مطبوعة بيداغوجية‬
‫=========================================‬

‫األسرة واضطراابهتا النفسية‬

‫======================================‬
‫السنة الثانية ماسرت ختصص علم النفس العيادي‬
‫اعداد الدكتور‪ :‬فريد بكيس‬

‫السنة اجلامعية ‪2023 .2022‬‬


‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة و اضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫التوجهات النظرية يف دراسة االسرة‬ ‫حماضرة األوىل ‪:‬‬

‫‪.1‬التوجهات النظرية يف دراسة االسرة‬

‫‪ 1 . 1‬نظرية الدور و دراسة األسرة‬

‫‪ 2 . 1‬التفاعلية الرمزية و دراسة األسرة‪:‬‬

‫‪ 3 . 1‬السلوكية اإلجتماعية و دراسة األسرة‪:‬‬

‫‪ 4 . 1‬النظرية البنائية الوظيفية ‪:‬‬

‫‪ . 2‬النظرايت اليت فسرت الزواج و الطالق‪:‬‬

‫مقومات الرابطة الزوجية‪:‬‬ ‫احملاضرة التانية ‪:‬‬


‫‪ . 1‬مفهوم الزواج ‪:‬‬

‫‪. 2‬أسباب الزواج و مربراته‪:‬‬

‫‪ .3‬مقومات الرابطة الزوجية‪:‬‬

‫‪. 1 . 3‬اإلطار الثقايف‪-‬االجتماعي‪:‬‬

‫‪ 2 . 3‬مواقف األهل ‪:‬‬

‫‪ 3 .3‬التوقعات والسياسات‬

‫‪ 4 . 3 :‬التكافؤ بني الزوجني ‪:‬‬

‫‪ 5 . 3‬النضج النفسي ‪:‬‬

‫‪ 6 . 3‬النضج العاطفي‪ -‬اجلنسي ‪:‬‬

‫أ‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة و اضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫احملاضرة الثالثة ‪ .‬االسرة و املوروث الثقايف يف اجملتمعات العربية‪:‬‬

‫‪.‬االسرة و املوروث الثقايف يف اجملتمعات العربية‪:‬‬

‫‪ 1‬دينامية الوحدة الزوجية و املوروث الثقايف يف اجملتمعات العربية‪:‬‬


‫‪ 1 . 1‬دور الزوج‪:‬‬

‫‪ 2 . 1‬الـوحدة الزوجيـة‪:‬‬

‫‪ 3 . 1‬االتصال الفكري بني الزوجني‪:‬‬

‫‪ 4 . 1‬املرأة شريك غري مشارك مع الرجل‪:‬‬

‫‪ 5 . 1‬االختيار الزواجي يف ظل ثقافة اجملتمع‪:‬‬

‫‪ 6‬املال ضمن إطار العالقة الزوجية‬

‫احملاضرة الرابعة‪ :‬الفوارق بني الرجل و املرأة‬


‫‪ . 1‬الفوارق بني الرجل و املرأة‪:‬‬

‫‪ 1 . 1‬على املستوى اهلرموين‪:‬‬

‫‪ 2 . 2‬النشاط اجلنسي‪:‬‬

‫‪ .2.3‬العالقات اليت تتم قبل الزواج بني الطرفني‪:‬‬

‫‪ 1 . 3‬عالقة الصداقة‪:‬‬

‫‪ 2 .3‬عالقة امليل اجلنسي‪:‬‬

‫‪ 3 .3‬عالقة احلب‪:‬‬

‫احملاضرة اخلامسة ‪:‬االختيار الزواجي‬


‫‪ .1‬االختبار الزواجي‪:‬‬
‫‪ .2‬حمددات االختيار الزواج‪.‬‬
‫‪ .3‬مقومات شخصية يف عملية االختيار‪:‬‬
‫‪ .4‬العوامل املؤثرة يف االختيار الزواجي‪:‬‬
‫‪ .5‬الزواج املنظم و الزواج احلر‪:‬‬

‫ب‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة و اضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫وظائف األسرة‬ ‫احملاضرة السادسة ‪:‬‬


‫وضائف االسرة‬

‫‪ . 1‬األسرة ‪:‬‬

‫‪ 1 . 1‬األسرة املمتدة‪:‬‬
‫‪ 1 . 1 . 1‬خصائص و مميزات األسرة املمتد ة‬

‫‪ 2 . 1‬األسرة النووية‪:‬‬

‫‪ 3 . 1‬تركيبة العائلة اجلزائرية‪:‬‬

‫‪ 1 . 3 . 1‬العائلة اجلزائرية التقليدية‪:‬‬

‫‪ 2 . 3 . 1‬العائلة اجلزائرية املعاصرة‪:‬‬

‫‪ .2‬التطور التارخيي لوظائف األسرة‪:‬‬

‫احملاضرة السابعة‪ :‬األدوار الزوجية بني احلداثة و التقاليد‬


‫األدوار الزوجية بني احلداثة و التقاليد‪:‬‬
‫‪ 1‬متطلبات األدوار الزوجية التقليدية للمرأة‪:‬‬

‫‪ 2‬متطلبات األدوار الزوجية للرجل‪:‬‬

‫‪ 3‬أثر عمل الزوجني على احلياة الزوجية‪:‬‬

‫‪ 4‬الصعوابت اليت تواجه األسرة اليت يعمل فيها الزوجان‪:‬‬

‫‪.5‬تقسيم العمل بني الزوجني ‪:‬‬

‫‪.6‬العوامل اإلقتصادية و عالقات النفوذ‪:‬‬

‫‪ .7‬متفصل الالشعور بني أفراد العائلة‪:‬‬

‫ج‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة و اضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫احملاضر الثامنة‪ :‬مستوايت النمو النفسي االجتماعي لألسرة‬


‫‪ .‬مستوايت الزواج وطبيعته ‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪.‬مفهوم الزواج ومنوه ‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫مراحل منو الزواج‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫طبيعة النمو الزواجي ‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪ .‬العالقة الزوجية‪ :‬فوائدها و خماطرها ( معطيات التحليل النفسي)‬ ‫‪5‬‬
‫خصائص ومقومات االستقرار ألزواجي‬ ‫‪6‬‬
‫التوافق الزواجي ‪:‬‬ ‫‪7‬‬
‫التكيف الزواجي ‪:‬‬ ‫‪8‬‬

‫احملاضرة التاسعة‪ :‬الصحة النفسية و االسرة‪:‬‬


‫‪ .1‬مفهوم الصحة النفسية‬

‫‪ .2‬الصحة النفسية و الزواج‪:‬‬

‫‪.3‬أثر الوحدة والعزلة على الصحة العقلية ‪:‬‬

‫‪.4‬الصحة النفسية و عالقتها ابلزواج و احلب‪:‬‬

‫‪.5‬معايري األسرة الصحية‬

‫‪ .6‬احلالة الزواجية وأثرها على الصحة النفسية و العقلية‪:‬‬

‫‪.7‬الصحة النفسية و العالقة الزوجية ( معطيات التحليل النفسي)‬

‫‪.8‬الصحة النفسية للوالدين ‪:‬‬

‫‪.9‬الصحة النفسية و العنوسة‪:‬‬

‫احملاضرة العاشرة ‪:‬تصدع الرابطة الزوجية الطالق العاطفي‪:‬‬


‫‪ . 1‬تصدع الرابطة الزوجية ‪:‬‬

‫‪ . 1 . 1‬أنواع التصدع‬

‫‪ 1.1 . 1‬التصدع اخلفي ( التباعد النفسي ) ‪:‬‬

‫‪ 2 . 1 . 1‬التصدع الصريح ( احلرب املفتوحة ) ‪:‬‬

‫‪ . 2‬مفهوم الطالق العاطفي‪:‬‬

‫‪ . 3‬أسباب وعوامل تصدع الرابطة الزوجية‪:‬‬

‫د‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة و اضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ 1 . 3‬عوامل املتعلقة ببناء الرابطة الزوجية‪:‬‬

‫احملاضرة احلادية عشرة التفاعل الزواجي السليب و الطالق العاطفي‬


‫‪.1‬العوامل املتعلقة بسوء ابلتفاعل الزواجي‪:‬‬

‫‪ 1.1‬سوء التواصل الفكري بني الزوجني‪:‬‬

‫‪ 2 . 1‬تقلص التواصل بني الشريكني‪:‬‬

‫‪ 3 . 1‬الكوابح األخرى و تعقيد التواصل‪:‬‬

‫‪ 4 . 1‬مالحظات حول توقف التواصل‪:‬‬

‫‪ .2‬زوال احلب ‪:‬‬

‫‪ 1 . 2‬سريورة زوال احلب‪ :‬معطيات التحليل النفسي‪.‬‬

‫‪.3‬سوء التفاهم و الصراع من أجل السلطة‪:‬‬

‫‪.4‬اجلنس و الصراع من أجل السلطة‪:‬‬

‫‪ 4‬العوامل العاطفية و روابط النفوذ‪:‬‬

‫‪ 5‬تقرير النفقات‪:‬‬

‫‪ 6‬التدخل السليب لألهل‪:‬‬

‫‪ . 7‬تغري األدوار االجتماعية وصراع الدور‪:‬‬

‫‪ .8‬عوامل تصدع الزواج ‪:‬‬

‫‪ . 9‬سوء التوافق اجلنسي‪:‬‬

‫‪ . 2 . 9‬العقم و احلالة النفسية للزوجني ‪:‬‬

‫احملاضرة الثانية عشرة‬

‫احملددات نفسية واجتماعية و اضطراب العالقة االسرية‬


‫‪ . 1‬األسباب النفسية‪:‬‬

‫‪. 2‬الظروف االجتماعية وتصدع الرابطة الزوجية‪:‬‬

‫‪ 1 . 2‬اجملال االقتصادي‪:‬‬

‫ه‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة و اضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ 2 . 2‬اجملال االجتماعي‪:‬‬

‫‪ 3 . 2‬اجملال املهين‪:‬‬

‫‪ . 3‬الصراع األسري‪:‬‬

‫‪.4‬االندفاعية التكنولوجية‪:‬‬

‫‪ . 5‬العدوانية يف عالقة بني الزوجني‪:‬‬

‫الطالق و االضطراابت النفسية االسرية‬ ‫احملاضرة الثالثة عشرة‬


‫‪ . 1‬الطالق شرعا‪:‬‬

‫‪ . 2‬مفهوم فك الرابطة الزوجية‪:‬‬

‫‪ . 3‬الطالق كموقف حتمي‪:‬‬

‫‪ . 4‬الطالق موقف ضاغط ‪:‬‬

‫‪ .5‬قياس شدة العوامل املرهقة‪:‬‬

‫‪ 2 . 5 .‬أتثري الصدمات على االضطراابت النفسية‪:‬‬

‫‪ . 6‬االضطراابت النفسية و املواقف احلياتية‪:‬‬

‫‪.7‬ااثر الطالق على اضطراابت النفسية على املطلق واملطلقة‬

‫‪ .8‬أتثريات الطالق على جوانب النفسية للرجل‪:‬‬

‫‪. 9‬املراحل النفسية اليت متر هبا املطلقة‪:‬‬

‫احملاضرة الرابعة عشرة‪ .‬اآلاثر النفسية واالجتماعية للطالق على األبناء ‪:‬‬
‫‪ .1‬اآلاثر النفسية واالجتماعية للطالق على األبناء ‪:‬‬
‫‪ 2‬التغريات الشخصية واالجتماعية اليت تؤثر على أبناء املطلقني يف حالة الطالق‪:‬‬

‫‪ . 3‬الطالق و األزمات النفسية الداخلية‪:‬‬

‫‪ . 4‬فك الرابط الزوجي و احلضانة‪:‬‬

‫‪ 5‬االجتاه النفسي حنو الطالق لدى اآلابء واألطفال‬

‫‪ 5‬العدوانية بني املطلقني و اثرها على االبناء‪:‬‬

‫و‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة و اضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫احملاضرة اخلامسة عشر‪ :‬مدخل عام ملفاهيم نظرايت العالجات االسرية‬

‫‪.1‬نظرية األنساق‪:‬‬
‫‪1.1‬مفهوم النسق‪:‬‬
‫‪ 2.1‬التكامل‪:‬‬

‫‪ 3.1‬قانون التنظيم الذايت‪:‬‬


‫‪ 4.1‬التوازن الداخلي‪:‬‬
‫‪ .2‬النظرية اآللية‪:‬‬
‫‪ 1.2‬النظرية اآللية األوىل‪:‬‬
‫‪2.2‬النظرية اآللية الثانية‪:‬‬
‫‪ .3‬مدرسة ‪∙:Palo alto‬‬
‫‪ .4‬نظرية االتصال‪:‬‬
‫‪.5‬مفهوم السياق‪:‬‬
‫‪1.5‬منوذج النسق املغلق والنسق املفتوح‪:‬‬
‫‪ 2.5‬املسلمات الرباغماتية للتواصل‪:‬‬
‫‪. 6‬التواصل املرضي‪:‬‬
‫‪. 7‬مفهوم الرابطة املزدوجة‪:‬‬

‫احملاضرة السادسة عشرة‪ :‬املدرسة البنائية و املقابلة يف العالج النسقي األسري‬


‫‪.1‬الرسالة وأبعادها‪:‬‬
‫أ‪ /‬املستوى النحوي‪:‬‬
‫ب‪ /‬املستوى الداليل‬

‫ت‪ /‬املستوى الرباغمايت‪:‬‬


‫‪.‬املقابلة األوىل‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫حتليل الطلب‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬
‫ب‪. .‬املفحوص املعين‪:‬‬
‫ت‪. .‬االدعاء أو التفويض‪:‬‬
‫ث‪ . .‬املعاانة املشرتكة‪:‬‬
‫‪.‬أدوات التحليل يف العالجات األسرية ‪:‬املخطط األسري‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪. 4‬املدرسة البنائية ‪ Ecole structurale‬ل ‪Salvador Minuchin‬‬
‫‪ 1.4‬أهم املفاهيم اليت تعتمد عليها املدرسة البنائية‪:‬‬

‫ز‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة و اضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ 2.4‬مفهوم االنساق التحتية‪:‬‬


‫‪ 3.4‬مفهوم العائلة‪ /‬العائلة العادية‪ /‬العائلة املختلة‪:‬‬
‫‪ 4.4‬املسافات البنشخصية يف اخلريطة األسرية البنائية‪:‬‬
‫‪.5‬التقنية أو العالج البنائي‬
‫‪. 6‬العالج الزواجي‪:‬‬

‫ح‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة و اضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫ط‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫التوجهات النظرية في دراسة االسرة‬ ‫محاضرة األولى ‪:‬‬


‫‪.1‬التوجهات النظرية في دراسة االسرة‬
‫تتعدد التوجهات النظرية لدراسة األسرة و ذلك من أجل فهم العالقة الزوجية و دينامياتها‪ ،‬و‬
‫في ما يلي عرض ألهم التوجهات‪:‬‬
‫‪ 1 . 1‬نظرية الدور و دراسة األسرة‪:‬‬
‫تعتبر من النظريات الهامة في دراسة األسرة خاصة عندما يكون التركيز منصبا ً على‬
‫العمليات الداخلية في األسرة‪ ،‬مثل التنشئة االجتماعية و العالقات األسرية‪ ،‬و قد انبثق عن‬
‫نظرية الدور اتجاهان متباعدان لدراسة األسرة هما‪ :‬التفاعلية الرمزية السلوكية االجتماعية‪.‬‬
‫‪ 2 . 1‬التفاعلية الرمزية و دراسة األسرة‪:‬‬
‫ال شك أن التفاعلية الرمزية تعتبر من أكثر االتجاهات استخداما ً في مجال العلوم اإلنسانية‬
‫و االجتماعية خالل العشرين سنة الماضية‪ ،‬ألن صغر حجم األسرة قد م ّكن من إجراء بحوث‬
‫ُمتع ّمقة بكثرة على عمليات التفاعل داخل األسرة‪ .‬و يُر ّكز هذا االتجاه على دراسة العالقة‬
‫بين الزوج و الزوجة و بين الوالدين و األبناء‪ ،‬فهو ينظر إلى األسرة على أنها وحدة من‬
‫الشخصيات المتفاعلة‪ ،‬ألن الشخصية في نظر هذا االتجاه ‪ ،‬ليست كيانا ً ثابتاً‪ ،‬بل من مفهوم‬
‫و األسرة هي واقع ُمعاش‪ ،‬و ُمتغيّر‪ .‬لقد وجدت التفاعلية الرمزية طريقها إلى سوسيولوجية‬
‫األسرة من خالل أعمال (‪ ،)Burges 1926‬حيث قدّم برنامج عن األسرة و أوضح فيه أن‬
‫األسرة عبارة عن وحدة من الشخصيات المتفاعلة‪ .‬و قدّم أنماطا ً عن األسر بعد تصنيفها في‬
‫ضوء العالقات الشخصية التي تربط بين الزوج و الزوجة و بين الزوجين و األبناء‪ .‬فإتجاه‬
‫تتكون من أداء‬
‫سر األسرة من خالل عمليات التفاعل‪ ،‬و هذه العمليات ّ‬ ‫التفاعلية الرمــزية يُف ّ‬
‫الدور‪ ،‬و عالقات المكانة‪ ،‬و مشكالت اإلتصال‪ ،‬و ُمتّخذي القرارات و عمليات التنشئة‪،‬‬
‫فالتركيز هنا يكون على األسرة كعملية و ليس كوحدة إحصائية‪)1( .‬‬

‫و في عام ‪ 1951‬أضاف (‪ )Hill‬الكثير من التحليل في دراسة األسرة من وجهة نظر‬


‫مكونة من شخصيات متفاعلة يختلفون من حيث‬ ‫التفاعلية الرمزية‪ ،‬حيث اعتبر األسرة جماعة ّ‬
‫أعمارهم‪ ،‬و رغباتهم و حاجاتهم‪ ،‬و معدّل نموهم‪ ،‬ومستويات تف ّهمهم وتناولهم للمشكالت‬
‫المعايشة مع بعضهم البعض‪ .‬وعليه فكل أسرة يُمكن اعتبارها مسرحا ً من الشخصيات‬
‫المتفاعلة‪ ،‬الكل يُصارع من أجل إشباع حاجاته األساسية‪ ،‬وهذا التفاعل يتض ّمن في خلفيته‬
‫نمط الحياة األسرية‪ ،‬و عالقته بالمجتمع األكبر الذي يضم األسرة‪ ،‬و يرى (‪ )Hill‬أن الخالف‬
‫الذي يحدث بين أعضاء األسرة خالل دور الحياة األسرية يرجع إلى عدم تقابل الرغبات‬
‫المختلفة المتطورة ألعضاء األسرة‪)2(.‬‬

‫‪ 3 . 1‬السلوكية اإلجتماعية و دراسة األسرة‪:‬‬

‫(‪ )1‬عبد الباسط ‪ ،‬عبد المعطي ‪،1999 ،‬االتجاهات النظرية في العلوم االجتماعية ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ص ‪134‬‬
‫(‪ )2‬سامية الخشاب‪ 2007 ،‬النظرية االجتماعية و دراسة األسرة‪ ،‬دار الدولية لالستمارات الثقافية‪ ،‬االردن ‪،‬ص ‪65‬‬

‫‪1‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫يهتم هذا اإلتجاه بدراسة المسائل السلوكية من خالل دراسة المواقف التي تعتبر‬
‫السلــــــــــــــــــــــــوك اإلنساني إستجابة لها‪ ،‬و ينظر أصحاب هذا اإلتجاه إلى أن السلوك‬
‫اإلنساني يحدث في مواقف أسرية‪ ،‬و هذه المواقف تُقدّم أحسن الفرص لفهم هذا السلوك من‬
‫منظور إجتماعي‪ .‬و لذلك فاألسرة عبارة عن الجماعات ذات الداللة بالنسبة للفرد‪ ،‬ذلك ألنها‬
‫من أولى الجماعات الهامة من الناحية السلوكية‪ ،‬و تُش ّكل من الناحية المنهجية موقفا ً‬
‫استراتيجيا ً يحتّم البدء به عند تحليل المواقف‪ ،‬وقد إستهوى هذا اإلتجاه كثير من المهتمين‬
‫بدراسة األسرة بصفة عامة‪ ،‬و يرتبط هذا اإلتجاه ارتباطا ً وثيقا ً بأعمال" ‪ ،"Bossard‬فقد‬
‫ر ّكز اهتمامه على المواقف اإلجتماعية و حدّد مفهومها كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الموقف هـو مجموعة من المؤثّرات‪ ،‬خارجة عن نطاق الكائن الحي‪ .‬و لكنها تُؤثّر عليـه و‬
‫يكون منتظمة كوحدة ذات ترابط منطقي‪.‬‬
‫‪ -‬الموقف ليس ُمعادالً للبيئة‪ ،‬ألن البيئة تتض ّمن كالً من األشياء (محيط مادي) بما فيها استجابات‬
‫الفرد‪.‬‬
‫‪ -‬ال ُمؤثّر الذي يُش ّكل الموقف يكون ُمنتظما ً في ضوء عالقة عناصره بعضها ببعض‪ ،‬و ال يُمكن‬
‫أن تعمل ُمستقلّة عن عالقتها باألجزاء األخرى‪.‬‬
‫و وفقا ً لهذا التحديد‪ ،‬فإن المواقف يُمكن أن تُدرس من زوايا ثالث‪ :‬األولى‪ :‬دراسة تبايُنية‬
‫أي تحليل العناصر المتضمنة في الموقف‪ ،‬و الثانية‪ :‬دراسة العمليات أي تحليل العناصر‬
‫المتفاعلة و ما يحدث بينها من تبادل ُمســـــــــــــــــــتمر و الثالثة‪ :‬دراسة المضمون أي تحليل‬
‫لألفكار و اإلتجاهات و الكلمات‪.‬‬
‫فإذا كان اإلتجاه يُر ّكز أساسا ً على دراسة العمليات الداخلية لألسرة‪ ،‬و يُحدّد وحدة دراسة‬
‫في العالقات الدينامية بين الزوج و الزوجـة و األوالد تحت مصطلحات‪ :‬الحاجات و أنماط‬
‫السلوك و عمليات السكب ‪ .‬فإنه يُفيد أيضا ً في فهم العالقة بين األسرة و المجتمع‪ ،‬ألنه يُر ّكز‬
‫على عمليات التفاعل الداخلية لألسرة مع ربطها بالتفاعل اإلجتماعي الذي يحدث في البناء‬
‫اإلجتماعي للمجتمع‪ ،‬فاألسرة محدّدة بنمط الحياة األسرية السائد في المجتمع‪)1(.‬‬

‫‪ 4 . 1‬النظرية البنائية الوظيفية ‪:‬‬


‫تعتبر النظرية البنائية الوظيفية أحد االتجاهات الرئيسية في علم االجتماع المعاصر‪ ،‬وعندما‬
‫تستخدم كإطار لفهم موضوعات األسرة‪ ،‬فإنها تواجه متطلبات عديدة نظرا لتعدد االهتمامات‬
‫و الموضوعات المتاحة داخل نطاق األسرة مثل‪ :‬العالقات بين الزوجة والزوج واألبناء‪.‬‬
‫و كذلك التأثيرات المنبعثة من األنساق األخرى في المجتمع الكبير كالتعليم ‪،‬‬
‫االقتصـــــــــــــــــــاد‪ ،‬السيــــــــــــــاسة‪ ،‬الدين و المهن‪ ،‬وذلك على الحياة األسرية ‪ ،‬و تأثير‬
‫هذه الحياة على تلك األنساق‪ ،‬و قد استمدت هذه النظرية أصولها من االتجاه الوظيفي في‬
‫(‪ )1‬سامية الخشاب‪ 2007،‬مرجع سابق‪، ،‬ص ‪67‬‬

‫‪2‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫علم النفس وخاصة النظرية الجشطالتية‪ ،‬ومن الوظيفة األنتروبولوجيا و من التيارات‬


‫الوظيفية القديمة و المحدثة في علم االجتماع ‪ ،‬وهي التيارات التي تبلورت بشكل واضح‬
‫في ميدان دراسة األنساق االجتماعية ‪،‬و الجدير بالذكر أن النظرية الجشطالتية تركز على‬
‫العالقة بين الكل وأجزائه‪ ،‬و قد إنساق وراء هذا التصور عديد من األنثروبولوجيين‬
‫االجتماعيين حيث يرون عدم إمكانية دراسة أي مظهر من مظاهر الحياة بعيدا عن دراسة‬
‫الكل‪ ،‬هناك عالقة بين الوظيفة ودراسة العالقات المتبادلة بين البناءات في أي نسق‪ ،‬ولهذا‬
‫يكون عمل التحليل الوظيفي هو تفسير هذه األجزاء والعالقات بينها فضال عن العالقة بين‬
‫األجزاء و الكل‪ ،‬في الوقت الذي توجه فيه عناية خاصة إلى الوظائف التي تكون محصلة‬
‫لهذه العالقة‪ ،‬ولهذا فان النظرية البنائية الوظيفية تهدف إلى دراسة السلوك األسري ومحيط‬
‫إسهاماته في بقاء النسق األسري ‪)1(.‬‬

‫‪ . 2‬النظريات التي فسرت الزواج و الطالق‪:‬‬


‫‪ 1 . 2‬النظرية التفاعلية الرمزية‪:‬‬
‫تفترض النظرية أن العالم الرمزي والثقافي يختلف باختالف البيئة اللغوية والعرقية‬
‫وحتى طبقية األفراد ‪ ،‬وفي ضوء هذه الفرضية يهتم دارسوا األسرة بطبيعة التشابه االختالف‬
‫بين العالم الرمزي للزوج والزوجة وتأثير هذا االختالف على تحديد توقعات أدوارهما وعلى‬
‫مجريات التفاعل بينهما ‪ ،‬وقد أكدت الدراسات في هذا الصدد‪ ،‬أنه كلما كان العالم الرمزي‬
‫مختلفا ومتباين كما يحدث في الزيجات بين أفراد ينتمون إلى بيئات لغوية وثقافية مختلفة‬
‫حيت تتبلور توقعات األدوار بينهما بشكل ضعيف وبطيء‪ ،‬وشهد التفاعل بينهما ضروبا من‬
‫التوتر والصراع ويحدث العكس في حالة إشتراك الطرفين في عالم رمزي واحد‪)2(.‬‬
‫و يساهم التشابه في العالم الرمزي بين الرجل و المرأة في عملية االختيار ألزواجي‪ ،‬ومن ثم‬
‫التوافق ألزواجي مستقبال و بناء وحدة زوجية متينة ‪،‬وعلى العكس فإن االختالف في العالم‬
‫الرمزي يؤسس إلى عوامل ممهدة لشقاق األسري ومن ثم االنفصال و الطالق ‪.‬‬
‫إن النظرية التفاعلية الرمزية ال تقتصر على األدوار‪ ،‬و إنما تهتم ببعض المشاكل مثل‪:‬‬
‫المركز‪ ،‬و عالقات المركز الداخلية‪ ،‬التي تصبح أساس أنماط السلطة وعمليات االتصال‬
‫والصراع‪ ،‬وحل المشاكل‪ ،‬و اتخاذ القرارات و المظاهر المختلفة األخرى لتفاعل األسرة‬
‫والعمليات المتعددة التي تبدأ بالزواج وتنتهي بالطالق‪)1(.‬‬
‫‪ 2 . 2‬نظرية الذات ‪:‬‬
‫أكد" روجرز" أن التوافق النفسي يتوفر عندما يكون الفرد متسقا مع مفهوم ذاته‪ ،‬لذا فأن مفهوم‬
‫الذات الموجب يعبر عن التوافق النفسي والصحة النفسية‪ ،‬االيجابية‪ ،‬وأن تقبل الذات وفهمها‬
‫يعتبر بعدا رئيسيا في عملية التوافق الشخصي‪ ،‬وتركز نظرية الذات على أهمية االحترام‬

‫(‪ )1‬محمد أحمد بيومي ‪، 2003،‬عفاف عبد العليم ناصر ‪،‬علم االجتماع العائلي ‪،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ص ‪39‬‬
‫(‪ )2‬شكري ‪ ،‬علياء وآخرون ‪ ، 2009 ،‬علم االجتماع العائلي ‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار المسيرة للنشر ‪ ،‬عمان ‪ ،‬االردن ص ‪71‬‬

‫(‪ )1‬سناء الخولي‪،)2009(،‬األسرة والحياة العائلية ‪،‬دار النهضة العربية ‪،‬لبنان ص‪157‬‬

‫‪3‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫والتقدير وأنه مطلب عام عند كل البشر ويسعى الجميع للحصول على تقدير من اآلخرين‪،‬‬
‫وإن الحب واالحترام والتقدير كالهما مكمل لآلخر‪ ،‬فال يمكن أن يعيش الحب بدون احترام‬
‫وال يعيش االحترام بدون الحب‪ ،‬فاالحترام يولد الحب مع العشرة الطويلة‪ ،‬وهو أساس‬
‫التعامل مع اآلخرين‪ ،‬وهو شرط أساسي إلستقامة العالقة الزوجية ‪،‬والعكس إذا تقلص داخل‬
‫األسرة‪ ،‬لذا فإن إستخدام العنف بكافة أشكاله (اللفظي ‪ ،‬الجسدي ‪،‬الجنسي‪ ،‬االجتماعي)‬
‫يؤدي إلى قلة وانعدام االحترام بين الزوجين ‪ ،‬ما يؤثر سلبا في استقرار الزواج‪ ،‬وقد يؤدي‬
‫إلى الطالق ‪.‬‬
‫‪ 3 . 2‬نظرية القوة‪:‬‬
‫ترى هذه النظرية أن القوة تنبع من المصادر التي يمتلكها الفرد في سعيه نحو سد حاجات‬
‫الشريك وفي تعزيز قدرته على إصدار القرار ‪ ،‬وتتحدد هذه المصادر في ضوء مكانة الفرد‬
‫واألدوار التي يقوم بها وانجازاته العامة ‪ ،‬كعضويته في المنظمات الرسمية أو التطوعية ‪،‬‬
‫وإن ارتفاع مكانة الفرد وتعدد أدواره يرتبط إرتباطا إيجابيا بقوته‪ ،‬وفي تأثيره على مجموعة‬
‫المواقف التي تصادف األسرة في حياتها الزوجية‪ ،‬كاختيار العمل‪ ،‬مثال‪ ،‬ويظهر االهتمام‬
‫بقوة المرأة التي غالبا ما تستمد جانبا من قوتها من الرجل خاصة في المجتمعات التقليدية ‪،‬‬
‫كما تستمد جانبا آخر من قوتها من األنشطة اإلنتاجية والمنزلية التي تقوم بها ‪ ،‬فمثال تكون‬
‫القدرة على اإلنجاب مصدر القوة الحقيقية للمرأة ‪،‬بينما تكون القدرة االقتصادية مصدر للقوة‬
‫ألي من الطرفين الرجل أو المرأة‪ ،‬إذا كانت عاملة ‪،‬وإن سوء استخدام القوة و النفوذ في إطار‬
‫العالقة الزوجية قد يؤدي إلى النزاع والصراع‪ ،‬و تطور األزمات التي قد تعصف باألسرة‪.‬‬

‫‪ 4 . 2‬نظرية التبادل االجتماعي‪:‬‬


‫تقوم هذه النظرية على مجموعة من الفرضيات التي تنظر إلى السلوك االجتماعي على‬
‫أنه يقوم على العالقة المتبادلة بين طرفيه‪ ،‬حيث يتكون التبادل االجتماعي من األفعال اإلرادية‬
‫التي يقوم بها األفراد ويحركها العائد أو المكسب الذي يتوقعون الحصول عليه‪ ،‬وعلى هذا‬
‫األساس فأن مفهوم التبادل يستبعد األفعال القائمة على القهر أو الفرض ألقسري‪ ،‬وقد أكد"‬
‫هومانز "على مبدأ العدالة التوزيعية‪ ،‬حيث أن تكاليف العدالة االجتماعية يجب أن تكون‬
‫مساوية إلى أرباح العالقة لكال الجانبين ‪ ،‬و إذا اختل ميزان التكاليف والنفقات فأن هذا سيؤدي‬
‫في رأيه إلى إلحاق الظلم االجتماعي‪ ،‬في جانب معين من جوانب العالقة ‪،‬وما يؤدي قيام‬
‫ذلك الجانب بتوتير عالقته مع الجانب اآلخر ‪ ،‬وكذلك ما يتصل بالخصومات والنزاعات‪،‬‬
‫واستعمال العنف والقوة بين أفراد الجماعات‪ ،‬فإن العدالة التوزيعية تأكد على أن استعمال‬
‫القوة والتهديد من قبل الجانب اآلخر‪ ،‬وإذا لم يستعمل الجانب المهدد أسلوب العنف والتهديد‬
‫من جانبه فأن هذه ستؤدي إلى هدر حقوقه وهذا ال يتفق مع مبدأ العدالة التوزيعية مطلقا ومع‬
‫مبدأ كرامة اإلنسان والجماعة‪ ،‬و بالتالي عدم مراعاة العدالة االجتماعية ضمن‬
‫العــــــــــــــــــالقة الزوجية وفــــــــــق الحقوق و الواجبات المتبادلة سوف يؤثر سلبا على‬

‫‪4‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫تحقيق الحاجات النفسية االجتماعية لزوجين أو ألحدهما‪ ،‬وهذا بدوره يهدد العالقة الزوجية‬
‫باالنحالل‪)1(.‬‬
‫‪ 5 . 2‬النظرية التطورية‪:‬‬
‫في هذه النظرية يهتم الباحثون بتحديد مراحل التي تمر بها األسرة‪ ،‬فهي عند بعضهم تبدأ مع‬
‫بداية الحياة الزوجية وتنتهي بوفاة الزوجين أو أحدهما ‪ ،‬وهي عند البعض اآلخر تبدأ مع‬
‫إنجاب أول طفل وتنتهي ببلوغ الزوجين مرحلة متقدمة من العمر مع اختالف المراحل‬
‫باختالف األسر‪ ،‬و مهما كان عدد هذه المراحل التي تمر بها دورة حياة األسرة فأن لكل‬
‫منها أعباءها ومسؤولياتها الخاصة ‪ ،‬ففي بداية حياة األسرة‪ ،‬ترتبط أدوار الزوجين بالتكيف‬
‫مع الحياة الجديدة ‪ ،‬ثم تظهر فيها بعد إنجاب األطفال أعباء التنشئة االجتماعية ‪ ،‬وهي أعباء‬
‫تقل مع تقدم األطفال في العمر‪ ،‬وفي نهاية دورة حياة األسرة تتحول إلى أسرة توجيه بالنسبة‬
‫لألسرة الزوجية التي يكونها األبناء‪ ،‬والشك أن كل هذه األعباء واألدوار المتغيرة تختلف‬
‫باختالف عدد من المتغيرات مثل ‪:‬اإلقامة (الريف ‪ -‬الحضر – البادية) و طبيعة األنشطة‬
‫اإلنتاجية وغير اإلنتاجية التي ينخرط فيها الزوجان‪ ،‬وحجم األسرة ‪،‬وطبيعة عمل المرأة ‪،‬‬
‫والمستوى التعليمي للزوجين ‪)2(.‬‬
‫وقد قامت عدة دراسات بنيت على أساس نظرية التبادل االجتماعي" لجورج هومانز وبيتر‬
‫بالو "في مجال دراسة األسرة من حيث تفسير العالقة الزوجية و المتغيرات التي تؤثر فيها‬
‫‪ ،‬من الزواج إلى الطالق‪.‬‬
‫‪ 6 . 2‬نظرية البناء االجتماعي‪:‬‬
‫تنظر النظرية إ لى المجتمع ‪،‬على أنه نوع من الترتيب بين مجموعة نظم يعتمد بعضها‬
‫على بعض‪ ،‬وتعتبر وحدات البناء االجتماعي هي ذاتها بناءات فرعية‪ ،‬على أساس أن التكامل‬
‫أو بقاء الكل يتوقف على العالقات بين األجزاء وأدائها لوظائفها‪ ،‬وينظر البعض على أن‬
‫البناء االجتماعي عبارة عن ترتيب األوضاع أو المراكز أو شبكة العالقات بين األشخاص‬
‫أو الفاعلين‪ ،‬وهكذا يتكون بناء المجتمع أو تنظيمه‪ ،‬لذلك فإن المجتمع يطرح عدة بدائل للسلوك‬
‫الواحد حتى يسهل على الفرد اتخاذ القرار المناسب له‪ ،‬هذا القرار المتخذ له تبعات‪ ،‬إما أن‬
‫يكون جزاء أو مكافآت إجتماعية يقررها المجتمع‪ .‬ورغم ذلك فإن هذه القرارات التي يتخذها‬
‫األفراد بجانبها تكون في النهاية جزء من عملية التبادل االجتماعي التي هي جزء من عملية‬
‫التكامل والتضامن االجتماعي‪)1(.‬‬

‫وتفسر النظرية أن العالقة الزوجية‪ ،‬ال يمكن أن يتخلى عنها الطرفين إال ليحصل أحدهما‬
‫على منفعة ‪ ،‬فالمطلق أو المطلقة حينما يطلب االنفصال ويسعى إليه ‪ ،‬فإنه بذلك يقدم البدائل‬
‫لحياة أخرى وأفضل‪ ،‬فالزوجات يتمسكن باالستمرار في عالقتهن الزوجية‪ ،‬ما لم تظهر‬

‫(‪ )1‬معن خليل عمر ‪ ،‬ن‪198‬قد الفكر االجتماعي المعاصر‪ ،‬دراسة تحليلية ونقدية دار األفاق الجديدة ص‪352- 351‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪Cicchelli (catherine), cicchelli (pugeault-vinzo) -1998- : les théories sociologiques de la famille editions la‬‬
‫‪découverte p : 32‬‬
‫(‪ )1‬علي ليلي ‪، 1982 ،‬البنائية الوظيفية في علم االجتماع و األنثروبولوجيا ‪ ،‬مفاهيم و قضايا‪ ،‬دار المعارف ا لقاهرة ‪ ،‬ص ‪163‬‬

‫‪5‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫أسباب وجيهة أو قوية تدعو لالنفصال والطالق‪ .‬وأيا ً تكن هذه األسباب سواء كانت اقتصادية‬
‫أو نفسية أو اجتماعية أو بدنية أو غيرها‪ ،‬تبدأ بعملية موازنة وطرح بدائل لهذه الحياة‪)2(.‬‬

‫مقومات الرابطة الزوجية‪:‬‬ ‫المحاضرة التانية ‪:‬‬


‫‪ . 1‬مفهوم الزواج ‪:‬‬
‫الزواج مؤسسة اجتماعية‪ ،‬أو مركب من المعايير االجتماعية يحدد العالقة بين الرجل‬
‫والمرأة‪ ،‬ويفرض عليهما نسقا من االلتزامات والحقوق المتبادلة الضرورية الستمرار حياة‬
‫األسرة وضمان أدائها لوظائفها‪ ،‬ويعتبر حفل الزواج إعالنا يتعرف بمقتضاه كل من الزوج‬
‫والزوجة بمكانته الجديدة في المجتمع‪ ،‬وهي التي تكتسب من خالل التعاقد بينهما‪ ،‬الذي يلقى‬
‫كل التدعيم االجتماعي‪ ،‬ومن خالل هذا التعريف للزواج الذي يشمل الجانب المادي منه‬
‫والجانب االجتماعي الذي على أساسه تقوم الحياة االجتماعية ويستمر التعاقد بين األفراد من‬
‫الجنسين في اإلنجاب وإشباع الحاجات لكل منهما وفق ضوابط الدين والمجتمع التي تنظم هذا‬
‫الفعل االجتماعي‪)3(.‬‬

‫وقد جعل الباري عز و جل الزواج سنة في خلقه حيث قال تعالى في كتابه العزيز (ومن آياته‬
‫ورح َمة‪ ،‬إنٌّ في ذَلك آليات‬
‫أن خلق لكم من أنفُسِكم أزواجا ِلتَس ِكنوا إليها و َجعَ َل بينَكم َم َودة َ‬
‫لقوم يتفكرون )( سورة الروم آية ‪ ،) 21‬وقد شرع الكثير من أحكامه وشروطه ووضع‬
‫الحلول للكثير من مشاكله لتستقيم األسرة والمجتمع‪ .‬فالزواج هو عشرة بين اثنين من ذكر‬
‫وأنثى تربطهم معا العالقة الزوجية والتي تستمر لسنوات طويلة تتعرض خاللها إلى الكثير‬
‫من المتغيرات التي تؤثر على هذه العالقة بالسلب و اإليجاب‪.‬‬
‫ينطلق مفهوم الزواج من المفهوم الديني للزواج‪ ،‬فهو نوع من العبادة وجزأ ال يتجزأ من‬
‫التعاليم اإللهية التي تهدف إلى قيام المجتمع اإلنساني واستمرارية الذرية والمجتمعات‬
‫‪،‬ويتحقق هذا المفهوم حين يراعي الزوج والزوجة هذه المعاني اإللهية السامية‪ ،‬بأن يكون‬
‫زواجهما عب ادة وطاعة له سبحانه ومساهمة في بناء المجتمع اإلنساني الذي فضله هللا على‬
‫العالمين‪ ،‬وسخر له ما في الكون من أجل سعادته ‪،‬وراحته‪ ،‬أمنه و سالمته‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫العالقة والمسؤولية المشتركة بين الزوجين ومسيرة الحياة المشتركة في سرائها وضرائها‪،‬‬
‫التي يجب أن تقوم على التكامل فيما بينهما‪ ،‬وليس التفاضل‪)1(.‬‬
‫يمثل الزواج أرقى آلية ضبط إنساني في التعامل مع الغريزة الجنسية وتأسيسها‪ ،‬وقد‬
‫منحت المجتمعات اإلنسانية الزواج صفة القدسية بواسطة عقد يخضع لمراسيم دينية‬
‫(‪ )2‬الفتاح تركي موسى‪ 1998.‬البناء االجتماعي لألسرة‪.:‬المكتب العلمي للنشر و التوزيع‪ .‬أصوان ‪ ،‬ص‪104‬‬
‫(‪ )3‬محمد على محمد وآخرون (‪1985‬م)‪ :‬المرجع في مصطلحات العلوم االجتماعية دار المعرفة الجامعية ‪ :‬القاهرة ص ‪.139‬‬
‫‪-‬مرسي كمال إبراهيم ‪، 2008 ،‬العالقة الزوجية والصحة النفسية في اإلسالم و علم النفس دار عالم الكتيب للنشر والتوزيع ‪ ،‬القاهرة ص ‪95‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪6‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫واجتماعية وشروطا ً قانونية‪ ،‬وقد تقام أحيانا ً بعض المراسم الدينية للزواج استنادا للتعاليم‬
‫وعادات الجماعة‪ ،‬لتأخذ من خالل ذلك صفة اإلشهار واإلعالن الديني أمام رجال الدين وأمام‬
‫الناس‪ ،‬واإلشهار واإلعالن هما شرطان أساسيان للزواج الشرعي في الدين اإلسالمي ‪)2(.‬‬
‫والزواج عالقة روحية تليق برقي اإلنسان‪ ،‬وهي أساس بناء األسرة التي تنشأ وتنمو في‬
‫ظله‪ ،‬وهو ضمان لبقاء النوع اإلنساني ومحافظة على رقيه وتكاثره‪ ،‬فهو ليس قضاء للشهوة‬
‫‪،‬فحسب‪ ،‬بل هو حفظ للنسل وبقاء النوع اإلنساني الذي لن يكون كامالً وراقيا ً وسليما ً بدون‬
‫هذه النظرة السليمة اللتقاء الذكور واإلناث وما يصاحبها من نظم وأحكام ‪)3( .‬‬

‫ويرى الجليدي‪ 1986،‬أن الزواج قد شرع ألغراض سامية‪ ،‬فيه تتحقق العديد من المصالح‬
‫نذكر منها ‪:‬‬
‫‪ -‬الزواج ينظم العالقة بين الجنسين بما يتفق وكرامة اإلنسان ويبعده عن السلوك المدفوع‬
‫بالغريزة والتشبه بالحيوان‪ ،‬ويؤدي ذلك إلى انتشار الفضيلة والعفاف مع مراعاة الفطرة‬
‫اإلنسانية التي فطر هللا عليها اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬يؤدي إلى األلفة والمودة والرحمة من خالل التعايش المشترك والتعاون بين الزوجين في‬
‫أجواء تتسم بالصحة النفسية والراحة والسعادة الروحية‪.‬‬
‫‪ -‬يتم من خالله حماية األنساب والمحافظة عليها واالعتناء بتربية األبناء و رعايتهم‪.‬‬
‫‪-‬يعتبر الزواج أساسا ً لبناء األسرة وتنظيمها وانتشار الصالت بين األسر من خالل قرابة‬
‫المصاهرة التي تنشأ عن الزواج‪.‬‬
‫‪ -‬حفظ النوع اإلنساني وزيادة التعداد السكاني للمجتمع بطريقة سليمة ومضبوطة وصحيحة‬
‫ليس فيها مخاطرة‪)1(.‬‬
‫‪. 2‬أسباب الزواج و مبرراته‪:‬‬
‫إن الزواج كنظام ‪ ،‬قد ال يحدث بصورة تلقائية‪ ،‬كما أنه ليس نتاجا ً ألنماط سلوكية وراثية‬
‫و هي تُس ّمى أحيانا ً بالغرائز ‪ ،‬بل إنه نظام أي أنه يشمل مجموعة متناسقة من العادات و‬
‫التقاليد و االتجاهات و األفكار‪ ،‬فضالً عن التعريفات االجتماعية و القانونية‪ .‬و هكذا فإن‬
‫ال غرائز الجنسية ليست سوى واحدة من العوامل الجوهرية التي تقوم عليها‪ .‬ومعنى ذلك أن‬
‫الزواج يعني أكثر من االستجابة النظامية لدوافع الـجنس‪ ،‬ألن إذا كـان الـزواج و التزاوج‬
‫يعنيان شيئا ً واحداً‪ ،‬فإنـه ال مجال لمعنى الشرعية‪ .‬و بالتالي فاألفراد يتزوجون ألسباب عديدة‬
‫من أجل تحقيق حاجات نفسية اجتماعية‪.‬‬
‫أسباب الزواج عديدة منها‪ :‬تبادل الحب مع شخص آخر‪ ،‬و البحث عن األمن االقتصادي‪،‬‬
‫والمنزل المستقل‪ ،‬و إنجاب األطفال‪ ،‬وتحقيق األمن العاطفي‪ ،‬و االستجابة لرغبات الوالدين‪،‬‬

‫(‪ )2‬المعدللي‪ ،‬هند ‪2002 ،‬الزواج في الشرائع السماوية و الوضعية ‪،‬ط‪ ، 1‬دار قتيبة للطباعة و النشر و التوزيع ‪،‬دمشق ‪،‬ص ‪43‬‬
‫(‪ )3‬بيري ‪،‬الوحشي احمد ‪، 1998،‬االسرة و الزواج ‪،‬مقدمة في علم االجتماع العائلي ‪ ،‬مكتب الجامعي الحديث ‪،‬اإلسكندرية ‪،‬ص ‪33‬‬

‫(‪ )1‬الجليدي ‪ ،‬محمد سعيد ‪، 1986،‬أحكام األسرة في الزواج و الطالق ‪،‬الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع واإلعالن ‪ ،‬معرانة ‪ ،‬لبنان ص ‪27‬‬

‫‪7‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫و الهروب من الوحدة أو من منزل الوالدين‪ ،‬أو من موقف غير مرغوب فيه أو الجاذبية‬
‫الجسمية أو طلبا ً للحماية‪ ،‬أو الوصول إلى وضع اجتماعي معيّن‪ .‬و إن القيم الدينية تدعم هذه‬
‫األسباب ‪ ،‬والزواج أمر شائع ومقرر في جميع أنحاء العالم‪ ،‬فعلى الرغم من مظاهر الصراع‬
‫الذي ينطوي عليه‪ ،‬وتغير أهدافه ووظائفه ومعانيه وكثرة وقوع الطالق‪ ،‬فإن الناس مع ذلك‬
‫يتزوجون‪ ،‬ويرجع ذلك إلى أن التوقعات المعيارية تنظر إلى الزواج كموقف أو حالة مناسبة‬
‫أو مفضلة ومطلوبة‪ ،‬ومهما كانت التعقيدات وااللتزامات التي تصاحبه مثل‪ :‬االختيار‬
‫الزواجي‪ ،‬وحفل الخطبة وعقد القران والبحث عن المسكن ‪،‬على جانب كثير من المتطلبات‬
‫المادية والمعنوية التي تصاحب عملية الزواج‪ ،‬فإن الذين يبقون بدون زواج قلة في معظم‬
‫المجتمعات‪ ،‬وفي هذا دليل واضح على أن الزواج ينجز أو يؤدي وظائف عديدة لكل من‬
‫الفرد والمجتمع‪)1(.‬‬

‫‪ . 3‬مقومات الرابطة الزوجية‪:‬‬


‫تتصف مقومات الزواج بالتنوع والتعقيد حيث تتداخل األطر الثقافية بالجوانب االقتصادية‬
‫والبيولوجية والنفسية‪ .‬وهذا ما يجعل أنماط الزواج في مجتمع ما‪ ،‬تتصف بالخصوصية على‬
‫المستوى الفردي رغم عمومية األطر والتوجهات‪ ،‬ويمكن استعراض أبرز هذه المقومات‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫‪. 1 . 3‬اإلطار الثقافي‪-‬االجتماعي‪:‬‬
‫هو الذي يحدد في أي مرحلة تاريخية من حياة أي مجتمع‪ ،‬أنماط االرتباط الزوجي‬
‫وشروطه وإجراءاته‪ ،‬كما أنه يحدد قبالً األدوار الجنسية الممهدة لهذا الرباط‪ ،‬من خالل‬
‫أساليب التنشئة وغرس مفاهيم الحياة الزوجية واألمومة واألبوة‪ ،‬وهذه األساليب قد تكون‬
‫مستقرة ونمطية كما في المجتمعات التقليدية‪ ،‬هنا يصبح وزن البعد الثقافي حاكماً‪ ،‬فكل من‬
‫الشاب والفتاة يٌهيآن ألدوارهما بشكل تضيق معه دائرة الخيارات‪ ،‬ويحرص المجتمع على‬
‫فرض هذه األدوار من خالل مختلف جماعات الضغط الخاصة بهذه المسألة‪ ،‬ولهذا ال يملك‬
‫الزوجان إال التكيف لألطر المرسومة واألدوار المحددة ‪ ،‬على أن هذا التكيف ال يتخذ طابع‬
‫الحر الواعي‪ ،‬بل هو يتحول إلى نوع من التكيف لما يبدو أنه طبيعة األمور ذاتها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫االختيار‬
‫من خالل تمثّل التوجهات واألدوار والقيم والسلوك بفضل عملية التنشئة ذات التقنين العالي‪،‬‬
‫تتمثّل المرأة أدوارها ومكانتها وكأنها طبيعتها الفطرية‪ ،‬وكذلك هو حال الرجل ‪.‬‬
‫وعل يه تصبح دينامكية الحياة الزوجية ومسار الرباط ألزواجي ومصيره محكومة بهذا‬
‫التقنين من تبعية ورضوخ‪ ،‬أو تسلط وفوقية ومن مرجعيات على اختالفها‪ ،‬ومع اإلفراط في‬
‫التقنين تنحسر عادة األبعاد النفسيّة الذاتية كما تنحسر تأثيراتها إلى حدّ بعيد في تكوين الرباط‬
‫ألزواجي ومس اره‪ ،‬فاألهل هم الذي يحددون على سبيل المثال الخيارات الزوجية المتاحة ‪،‬‬
‫وهم يتخذون القرارات الخاصة بها من خالل سلطتهم المرجعية على األبناء‪ ،‬والزواج يخدم‬
‫في هذه الحالة مصالح الجماعة (من مصاهرة‪ ،‬وأحالف مع الخارج‪ ،‬أو تعزيز الروابط ضمن‬
‫األسرة الممتدة في الداخل‪)2(.‬‬

‫(‪ )1‬فاطمة أبو شعيرة ‪،‬التكوين األسري و مقوماته ‪، 1997‬جامعة الملك عبد العزيز‪ ،‬المملكة العربية السعودية د ت ص ‪113‬‬
‫(‪ )2‬صالح حسن الداهري ‪ ، 2003 ،‬اإلرشاد األسري و ألزواجي ‪،‬دار الصفاء ‪،‬عمان ‪ ،‬األردن ص ‪193‬‬

‫‪8‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫يرى (ابوجادو ‪ ) 2002‬أنه كلما ازدادت المجتمعات حركية‪ ،‬برز وزن األبعاد الذاتية في قيام‬
‫الرباط الزواجي وتحديد مساره ومصـيره‪ ،‬يبدأ األمر بحرية االختيار المتفاوتة في مقدارها‪،‬‬
‫ويسبقه طبعا تحرك أدوار الذكورة واألنوثة‪ ،‬ولقد تأثرت بتــطورات سريعة مع انفجار و‬
‫انفتــاح بعض المجتمــعات‪ ،‬وتزايد التحـوالت االجتماعية‪ ،‬وتعليـم و التكوين األكاديمي لكال‬
‫الجنسين‪ ،‬ما أتاح فرص تكاد تحقق نوع من التكافؤ‪ ،‬أو التساوي أو التوازي‪ ،‬و وزن األدوار‬
‫االقتصادية لكل منهما‪.‬‬
‫وأهم من ذلك بالطبع‪ ،‬انعكاسات هذه التحوالت على صورة الرجل والمرأة‪ ،‬وطبيعة‬
‫الروابط الزوجية‪ ،‬وسيرها باتجاه التكافؤ والشراكة‪ ،‬هنا تصبح المتغيّرات الفردية ذات وزن‬
‫أكبر في االختيار والتكوين والتفاعل على الصعيد ألزواجي‪ ،‬ومع تزايد هذا الوزن تتغيّر‬
‫التوقعات وتصبح أكثر تنوعا وتداخال وحركية‪ ،‬وهو ما قد يوفر المزيد من النضج و النماء‬
‫واالرتقاء‪ ،‬إالّ أنه يحمل ‪-‬في اآلن عينه‪ -‬مزيدا من احتماالت التناقض والصراع والمجابهات‬
‫على اختالفها والتي قد تؤدي إلى تسويات معقولة أو تأزم الوضع ‪)1(.‬‬

‫إن تحول األدوار‪ ،‬بسبب الحركية االجتماعية‪ ،‬ال يؤدي عكس ما قد يتبادر إلى الذهن‪،‬‬
‫إلى انتقال كامل من حال إلى حال يلغي فيه الراهن ما سبقه‪ ،‬بل األغلب هو المرور‪ ،‬بدرجات‬
‫مختلفة من االزدواجية ما بين المعلن الصريح الواعي‪ ،‬وبين المضمر الذي الزال يحمل آثار‬
‫األدوار ونظم التوقعات السابقة‪ .‬فالمرأة التي تنادي بالشراكة والتكافؤ في المسؤوليات‬
‫والحقوق‪ ،‬الزالت مدفوعة بدرجات مختلفة من التمسك باألدوار القديمة بما فيها من تبعية و‬
‫اتكالية وفوائد مختلفة‪ .‬كذلك هو حال الرجل الذي ال يزال يخفي في أعماقه نفس النزوع‬
‫التسلطي الفوقي الموروث ثقافياً‪ ،‬ونفس النظرة إلى المرأة كأداة لتحقيق مختلف رغباته‬
‫وغاياته‪ ،‬وراء شعارات المساواة واالنفتاح والتطور التي يرفعها عاليا‪ .‬تتضمن هذه الحالة‬
‫بالطبع العديد من أوجه الصراع الذي يؤثر على استقرار الرباط الزواجي ونمائه‪ .‬فاالزدواجية‬
‫الداخلية عند كل من الزوجين وما تولده من صراع ما بين نزوع الحداثة وقوة جذبها‪ ،‬وبين‬
‫االرتياح الدفين (غير المعلن) لمميّزات ومغانم األدوار التقليدية‪ ،‬ال بدّ أن تنشط في العالقة‬
‫الزوجية مؤدية إلى العديد من حاالت التذبذب‪ ،‬في جوالت من المجابهات فيها لقاء وتوافق‬
‫أو فصال وتناقض‪ ،‬تبعا لموازين القوى في كل مرحلة وما تتأثر به من متغيّرات خارجية‪،‬‬
‫أو ظرفية‪ ،‬وهو ما يجعل الحياة الزوجية أقرب ما تكون إلى نظام القوى ذي الثبات غير‬
‫المستقر‪)2(.‬‬
‫‪ 2 . 3‬مواقف األهل ‪:‬‬
‫تُؤثر مواقف األهل باإليجاب والسلب في ّ‬
‫تكون الرباط ألزواجي واستقراره‪ ،‬منذ البداية‬
‫يحمل كل من الزوجين تاريخه األسري السابق‪ ،‬بما يميّزه من صحة ونضج واستقاللية‪،‬‬
‫وبالتالي فإن األفراد الذين ينشئون في أسر مستقرة يتميّز مناخها بالنضج والصحة‪ ،‬يغلب أن‬
‫تكون فرصهم في إقامة رباط زوجي معافى كبيرة بشكل ملفت للنظر‪ ،‬وكأننا في بصدد نوع‬

‫(‪ )1‬أبوا جادو ‪ ،‬محمد صالح ‪ 2002‬سيكولوجية التنشئة األسرية‪ ،‬دار المسيرة للنشر و التوزيع‪،‬ط‪ 3‬عمان األردن ص‪245‬‬
‫(‪ )2‬الجوالني‪ ،‬فادية ‪، 2004 ،‬األسرة العربية ‪،‬الكتبة المصرية للطباعة و النشر و التوزيع القاهرة ‪ ،‬ص ‪89‬‬

‫‪9‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫من التجاذب الالواعي بين الزوجين المقبلين على الزواج‪ ،‬وهو ما يمكن فهمه بسهولة بناء‬
‫لمبادئ وديناميات النمو وعالقته بالتاريخ األسري‪.‬‬
‫إن مواقف األهل تظل مؤثرة في أكثر من اتجاه‪ ،‬العديد من األزواج يتجاوزون صراعاتهم‬
‫وأزماتهم بفضل المساندة المعنوية من قبل أهلهم في عالقة أشبه ما تكون "بالعالج الواقعي"‪،‬‬
‫ويدفع إلى الرضا‪ ،‬ويشجع على التضحية‪ ،‬وصوالً إلى تجاوز العقبات‪ ،‬وفي المقابل لدينا‬
‫العديد من حاالت التدخل السلبي على مستوى االختيار‪ ،‬كما على مستوى ديمومة الرباط‬
‫الزوجي‪.‬‬
‫الحالة األكثر شهرة تتمثّل في األهل الذين يتخذون من أوالدهم أدوات لتحقيق رغابتاهم‬
‫و طموحاتهم‪ ،‬كما يتخذون من زواج هؤالء وسيلة لتحقيق بعض مصالحهم في الجاه‪ ،‬أو‬
‫الثراء من خالل " الزواج الصفقة"‪ ،‬يتوسلون تسلق سلم الوجاهة االجتماعية‪ ،‬من خالل عقد‬
‫تكون الروابط الزوجية يدفع األوالد ثمنها عاطفياً‪ ،‬وجنسيا‪ ،‬أو‬‫أنواع من المصهرات التي ّ‬
‫حتى وجوديا‪ .‬أو هم يغالون في طلباتهم المادية في عملية من التنافس على المباهاة االجتماعية‬
‫تكون نتيجتها سد الطريق أمام روابط زوجية كان يمكن أن تحمل الرضا والوفاق لألبناء‪.‬‬
‫يفرط فيها األهل ببناتهم من أجل مكسب مادي‪ ،‬أو‬‫وعلى النقيض من ذلك هناك حاالت ّ‬
‫خالصا ً من أعباء إعالتهم في زيجات محكومة بالفشل المسبق‪ ،‬حيث يتحول األمر إلى عملية‬
‫بيع وشراء‪ ،‬كتلك حالة المغاالة في المهور التي تشيع في بعض البلدان مما يؤدي إلى‬
‫العنوسة‪)1(..‬‬

‫‪ 3 .3‬التوقعات والسياسات‪:‬‬
‫يقبل كل من الزوجين على الرباط الزوجي من خالل قائمة ذاتية من التوقعات والسياسات‪،‬‬
‫فلكل منهما تصوره الشخصي عما سيكون عليه وضعه من حيث المكانة والدور والرضا‪،‬‬
‫وأنماط العالقة‪ ،‬كما أن لكل منهما تصوره الخاص بصدد إدارة الحياة الزوجية على اختالف‬
‫شؤونها‪ .‬وتقوم هذه التوقعات والسياسات على افتراضات شخصية يعتبرها ملزمة للطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬وتنطلق هذه الفرضيات عموما ً من مفهوم كل من الزوجين عن ذاته وحقوقه‪ ،‬ومن‬
‫مفهومه عن الزواج ‪،‬وتؤدي الحوارات التي تسبق الزواج إلى التعرف المتبادل على هذه‬
‫التوقعات والسياسات‪ ،‬مما يؤدي إلى مختلف حاالت التفاهم والتوافق‪ ،‬انطالقا ً من تعديل‬
‫االفتراضات وما يندرج عنها‪ ،‬في اتجاه واقعي فيه الكثير من التسويات والتعديالت‪ ،‬وينجح‬
‫األمر عموما ً إذا قام على أساس من الرغبة األكيدة في إنجاح الرباط الزوجي‪ ،‬واإلرادة‬
‫الواعية االختيارية لبذل الجهد‪ ،‬والتضحية من أجل النجاح‪ .‬وهنا تتدخل مقومات الصحة‬
‫النفسيّة ( البنيوية والوظيفية والتفاعلية ) لتوفير أساس متين لهذا الزواج الذي يجد كل من‬
‫الطرفين فيه ذاته‪ ،‬ويشبع حاجاته‪ ،‬ويمارس وظائفه وأدواره‪ ،‬ويحقق نماء مشروعه الشخصي‬
‫النفسي‪-‬االجتماعي‪ ،‬وكلما توفرت مقومات الصحة النفسية عند الطرفين أصبحا أكثر قدرة‬
‫على المشاركة والتفاعل واالنسجام‪ ،‬والواقعية‪.‬‬

‫(‪ )1‬الخوري ‪ ،‬توما ‪ 1988،‬الزواج و العالقات األسرية ‪،‬دار المعرفة الجامعية ‪،‬اإلسكندرية ‪،‬ص ‪245‬‬

‫‪10‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫ومن التوقعات الشائعة عند الزوجين اللذين لم يصال الدرجة المطلوبة من النضج النفسي‪،‬‬
‫أن يتصور أحدهما أو كالهما أن الزواج عبارة عن مشروع إلرضاء حاجاته ورغباته فقط‪.‬‬
‫وأنه يتو قع العنــاية واالهتمام‪ ،‬وحتى التدليل من الطرف اآلخر بدون مقابل من العطاء‬
‫والمسؤولية ‪ ،‬ومن أبرز السياسات تلك المتعلقة بمسائل اإلنفاق وأولوياته‪ ،‬ومسائل االدخار‬
‫والتخطـيط وتوفير مقومات بناء المسـتقبل وضماناته‪ ،‬في مقابل ميول العيش واالستمتاع‬
‫باالستهالك كذلك ما يتعلق بأمور المحافظة ‪،‬أو االنفتاح في مختلف آفاق التفاعل ما بين‬
‫األصالة والمحافظة وبين الحداثة ومواكبة مستجداتها وتحوالتها ‪)1(.‬‬
‫ومن بين السياسات‪ ،‬اإلنجاب ورعاية األبناء‪ ،‬خصوصا ً بعدما طرأ على الحياة االجتماعية‬
‫من تحوالت أحدثت تغييرات هامة على أنماط الوالدية التقليدية بما كانت تتصف به من ثبات‬
‫في التوجيه والسلوك‪ .‬تتدخل هنا اعتبارات التوازن ما بين العمل واإلنجاز‪ ،‬وبين اإلنجاب‬
‫والتنشئة‪ ،‬والبدّ من توافق في الرؤى والخيارات كي تتحول الوالدية إلى مصدر سعادة ورضا‬
‫‪)2(.‬‬

‫يتضح من خالل استعراض هذه األفكار األولية حول التوقعات والسياسات‪ ،‬كم أن الرباط‬
‫الزوجي هو مشروع يبنى وينمو ويزدهر‪ ،‬أو هو يتعثر‪ ،‬وليس بنا ًء جاهزا ً يقدم كأعطية أو‬
‫هبة‪ .‬وكما أن أسباب التوافق تقوم على مقدار صيانة هذا الرباط وتعهد المشروع بالرعاية‪.‬‬
‫‪ 4 . 3‬التكافؤ بين الزوجين ‪:‬‬
‫يرتبط التكافؤ باألهلية‪ ،‬بحيث يكون كل من الزوجين أهالً لآلخر‪ ،‬ويطرح هنا على‬
‫صعيدين‪ :‬موضوعي ( وهو الذي يشيع الحديث عنه )‪،‬ونفسي ‪ -‬ذاتي ( وهو الذي يظل خفيا)‬
‫‪.‬‬
‫يتمثل التكافؤ الموضوعي عموما ً في السن‪ ،‬والوضع المهني أو االقتصادي‪ ،‬ومستوى التعليم‪.‬‬
‫وتش ّكل هذه الثال ثية مقومات موضوعية إلمكانية إقامة عالقة زوجية متوازنة وقابلة للحياة‪،‬‬
‫حيث يجد كل من الزوجين مكانة معقولة‪ ،‬ال تكلفه أعباء معنوية ونفسية‪ ،‬أو حتى مادية باهظة‪.‬‬
‫وإالّ فإن احتماالت بروز الصراع والتناقضات تكون هي الغالبة‪ .‬فالتكافؤ الموضوعي هو‬
‫الذي يوفر مقومات التوافق والتفاهم‪ .‬والشك أن الحياة الزوجية مملوءة بالمواقف التي تحتاج‬
‫إلى تبادل الرأي واتخاذ قرارات في أمور عديدة‪ ،‬وقد يساعد التقارب بين المستوى التعليمي‬
‫والبيئي على تقليل االحتكاكات بين الزوجين‪ ،‬بينما يزيد التباعد بينهما من حد المناقشات حول‬
‫بعض األمور الحياتية وهذا سوف يزيد بالتالي من اتساع الفجوة بين الزوجين‪)3(.‬‬

‫وفي ذلك يشير )‪ (Atwater, 1985‬إلى أن األفراد اللذين يتزوجون من خلفيات مختلفة من حيث‬
‫الطبقة االجتماعية‪ ،‬أو الديانة أو الساللة أو من أسر مضطربة يواجهون مخاطر الفشل ‪،‬ألنهم‬
‫يدخلون الزواج بفروق ‪ ،‬تلك الفروق التي تأثر سلبا حياة الزوجية معا‪ ،‬و وهناك من الحاالت‬
‫الزواج لم تأثر فيها الفروق ‪ ،‬تلك الحاالت تعد استثناء من القاعدة‪.‬‬

‫(‪ )1‬الخوري ‪ ،‬توما جورج‪ 1988،‬سيكولوجية األسرة‪ ،‬دار الجيل ‪ .‬بيروت ‪ ،‬ص ‪71‬‬
‫(‪ )2‬سناء الخولي ‪، 1995،‬االسرة و الحياة العائلية ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬االسكندرية ‪ ،‬ص ‪165‬‬
‫(‪ )3‬أبوا حميدان ‪،‬يوسف ‪، 2001،‬العالج السلوكي لمشاكل األسرة ‪،‬دار الكتاب الجامعي ‪،‬العين‪ ،‬اإلمارات المتحدة‪ ،‬ص‪170‬‬

‫‪11‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫وقد توصل )‪ (Machey, 1995‬إلى أن توافق األزواج والزوجات في عملية الزواج ينبع منذ‬
‫السنوات األولى للزواج من المساندة االجتماعية من الوالدين في اتخاذ قرار الزواج اإليجابي‪،‬‬
‫واالختيار الجيد للقرين‪ ،‬ومن التكافؤ بين الزوجين في المستوى العمري‪ ،‬واالجتماعي‬
‫والعملي‪)1(.‬‬
‫‪ 5 . 3‬النضج النفسي ‪:‬‬
‫يمكن أن يتجلى النضج النفسي في كل من التفاعل والفاعــلية على مستوى الصحة‬
‫النفسية‪ ،‬والذكاء االنفعالي‪ ،‬و يمثّل التفاعل و القدرة على إقامة عالقات إيجابية قي ّمة مع‬
‫اآلخرين وااللتزام بها ‪ ،‬والرضا والسعادة في هذه العالقات‪ ،‬والغيرية التي تتمثّل في العطاء‬
‫والحب والرعاية‪ .‬و كذلك القدرة على إقامة عالقات مستقرة ومتكافئة‪ ،‬أما الفاعلية فهي تلك‬
‫الصفة المم ّيزة لنوعية األداء السلوكي وأسلوب الحياة‪ .‬و تتجلى في صفات من مثل الواقعية‬
‫بما هي القدرة على التقدير الموضوعي لألمور‪ ،‬والخروج من قوقعة الذاتية‪ ،‬أو ما يشير إليه‬
‫التحليل النفسي تحت اسم "مبدأ الواقع" في مقابل "مبدأ اللذّة"‪ .‬ويعني مبدأ الواقع تلك القدرة‬
‫على حسن وزن األمور ومراعاة القوانين والشروط الموجهة للحياة‪ ،‬والقدرة على تأجيل‬
‫إشباع الرغبات وضبط النزوات ومحاولة إرضائها بشكل يحافظ على مصالح الشخص‪.‬‬
‫وتٌكمل المرونة النفسية هذه الواقعية‪ ،‬حيث يمكن للمرء التكيف الف ّعال النشط مع مختلف‬
‫اعتبارات الواقع فيتقبل الحتمي منها‪ ،‬مما ال يمكن تغييره‪ ،‬ويرفض غير المقبول‪ ،‬و يتكيف‬
‫مع ما يتعين تأجيل تغييره لحين توفر الظروف المناسبة‪ .‬ويستطيع الشخص المتمتع بالمرونة‬
‫التمييز بين هذه الحاالت الثالث‪ ،‬كما أن المرونة تتمثّل في تلك القدرة على تحمل اإلحباط‪،‬‬
‫وتأجيل اإلرضاء‪ ،‬والقبول بالبدائل‪ ،‬ومن الجلي أن كل من الواقعية والمرونة يش ّكالن شرطين‬
‫أساسيين لنجاح الرباط الزوجي الذي ينطلق من القدرة على إقامة العالقات المستقرة‬
‫والمتكافئة‪)2(.‬‬
‫و يتجلى النضج النفسي على الصعيد الحياتي في الوصول إلى االستقاللية والرشد‪ ،‬ونمو‬
‫مركز ضبط داخلي يجعل الشخص قادرا على توجيه حياته انطالقا ً من قناعاته وخياراته‬
‫الذاتية‪ .‬وال نعني بذلك تلك الحالة المعروفة من التركز حول الذات ‪،‬بل نقصد بها القدرة على‬
‫االختيار والقرارات المسؤولة‪ ،‬مما يميّز أحد أبرز أسس حالة الرشد‪ .‬والواقع أن نجاح الرباط‬
‫الزوجي أصبح يتطلب درجة عالية من االستقاللية والرشد والمسؤولية في عصر تتسارع فيه‬
‫الحركية االجتماعية‪ ،‬وتتعقد األطر االجتماعية التقليدية التي كانت تضبط السلوك والعالقات‬
‫والخيارات‪ .‬إننا في عصر يحتاج إلى قوة الشخصية والمتانة النفسية والثقة بالذات وإمكاناتها‪،‬‬
‫والقدرة على المفاضلة بين الخيارات‪ ،‬والقدرة على تحمل الضغوطات ومقاومة اإلغراءات‬
‫كي يمكن إدارة حياة زوجية ناجحة يتوفر لها شرط االستقرار واالستمرار والنماء‪)1( .‬‬

‫إن كال من النضج النفسي والذكاء االنفعالي‪ ،‬ومعهما القدرة على إدارة الذات أمور تنبع‬
‫من الصحة النفسية البنيوية التي تش ّكل أساس الشخصية المعافاة‪ .‬هذه األخيرة هي وليدة التنشئة‬

‫(‪ ، )1‬عالء الدين الكفافي ‪ ، 1999‬اإلرشاد والعالج النفسي األسري – المنظور ألنسقي االتصالي ‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفكر العربي ‪ ،‬القاهرة ص ‪116‬‬
‫(‪ )2‬الجوالني ‪،‬فادية ‪، 2004،‬مرجع سابق الذكر ‪،‬ص ‪91‬‬

‫( ‪ )1‬العزة ‪ ،‬سعيد ‪ 2000 ،‬اإلرشاد األسري أساليبه و نظرياته العالجية ‪،‬مكتبة التفافة للنشر و التوزيع ‪،‬عمان ‪ ،‬ص ‪139‬‬

‫‪12‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫التي توفر األمان والطمأنينة القاعدية والتقبل غير المشروط القائم على الرباط العاطفي الوثيق‬
‫باألم‪ ،‬واألب واألسرة ويلخص مفهوم " الذكاء االنفعالي" الذي قدمه ( جولمان‪ )1997،‬البعد‬
‫التفاعلي النمائي من هذه الحالة ‪،‬أفضل تلخيص‪ ،‬يتكون الذكاء االنفعالي من المقومات الخمسة‬
‫التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬الوعي الذاتي المتمثًل في التعرف على االنفعاالت الذاتية‪.‬‬
‫‪ -‬إدارة الحياة االنفعالية في حاالت الشدائد والضغوط والقلق‪.‬‬
‫‪ -‬تنشيط الدافعية الذاتية الذي يتمثًل في مهارة توجيه االنفعاالت نحو أهداف ذات أهمية للمرء‪.‬‬
‫‪ -‬التعرف على انفعاالت اآلخرين الذي يتضمن القدرة على التعاطف وتفهم اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬فاعلية توجيه العالقات مع اآلخرين من مثل حاالت القيادة‪ ،‬والعشرة والتفاعل البناء‪ ،‬مما‬
‫يمثًل المهارات االجتماعية األساسية‪.‬‬
‫يتصف الذكور من الذين يتمتعون بالذكاء االنفعالي‪ ،‬باالجتماعية‪ ،‬والود واالنفتاح‪،‬‬
‫وااللتزام باآلخرين وبالقضايا العامة‪ ،‬والتعاطف‪ ،‬وتقديم الرعاية‪ ،‬والرضا عن الذات‬
‫واالرتياح مع اآلخرين‪ .‬بينما يتصف اإلناث اللواتي يتمتعن بالذكاء االنفعالي بالثقة بالنفس‬
‫واإليجابية نحو الذات ‪ ،‬واالنفتاح والتلقائية‪ ،‬وحب العشرة‪ ،‬والقدرة الجيدة على تحمل الشدائد‪،‬‬
‫يجب اإلشارة إلى أن التجربة الحبية هي التجربة الحياتية الوحيدة التي تساهم في عملية النضج‬
‫النفسي الذاتي‪ ،‬نعرف أن النضج الذاتي يرتبط في أكثر األحيان باإلحباط و الحرمان و‬
‫المشاكل التي يتعرض لها الفرد خالل حياته‪ ،‬و بنا ًء على هذه المشاكل و اإلحباطات يحاول‬
‫الفرد تنظيم حياته‪ .‬بالمقابل فإن النضج في مرحلة شهر العسل ال يترافق أبدا ً مع الفشل و‬
‫اإلحباط بل يساهم في عملية «اإلثراء النفسي»‪)2(.‬‬

‫من الواضح كم أن الذكاء االنفعالي يش ّكل مؤشرا للنضج النفسي‪ ،‬وكم أنه من المقومات‬
‫األساسية لنجاح الرباط الزوجي واستقراره وترسخه ونمائه‪ .‬على أن الذكاء االنفعالي يتضمن‬
‫تلك القدرات على السلوك اإليجابي البناء الذي يش ّكل أساس التعامل الفعّال مع الحياة وتحدياتها‬
‫سواء في الزواج أو العمل‪)1(.‬‬
‫‪ 6 . 3‬النضج العاطفي‪ -‬الجنسي ‪:‬‬
‫ال يكفي إذا ً أن يصل اإلنسان سن الرشد الجسمي حتى يرتقي إلى مستوى الرشد العاطفي‪-‬‬
‫الجنسي‪ .‬فهذه مسألة أخرى تتعرض للعديد من المتغيّرات والخبرات الوجدانية و العالئقية في‬
‫إيجابياتها وسلبياتها‪ ،‬أكثر ما يعيننا على دراسة النضج العاطفي‪ -‬الجنسي ‪ ،‬قواه المحركة‪،‬‬
‫واتجاها ته المتباينة النظرية السيكودينامية‪ ،‬ونظرية التعلق ‪ .‬فهاتان النظريتان هما اللتان‬
‫تكون الرباط اإلنساني ونضج العالقات العاطفية‪ -‬الجنسية‬‫درستا بعمق وغنى غير مسبوقين ّ‬
‫واضطراباتهما ‪ ،‬وما يسندهما من رغبات وأحالم ودالالت وديناميات‪.‬‬

‫(‪ )2‬محمد ‪،‬يوسف خطار ‪، 2001 ،‬الحب و السعادة الزوجية ‪،‬ط‪ ، 2‬مطبعة نضرة ‪،‬دمشق ص ‪201‬‬
‫(‪ )1‬محمد ‪،‬يوسف خطار ‪ ، 2001 ،‬مرجع سابق ص‪202 ،‬‬

‫‪13‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫أما نظرية التعلق التي وضعها (بولبي) فتبين األهمية المحورية للرباط العاطفي مع األم‬
‫في الطفولة األولى في النضج النفسي‪ .‬فإذا حظي الطفل بالقبول غير المشروط والرعاية في‬
‫عالقة وثيقة ومستقرة مع األم تتكون لديه الطمأنينة القاعدية‪ ،‬وينمو المفهوم اإليجابي عن‬
‫الذات والعالقات والحياة عموماً‪ .‬إنه يصبح قادرا على االنفتاح اإليجابي على العالم‪ ،‬ويبدي‬
‫المبادرة ويتمكن من الوصول إلى االستقاللية‪ ،‬كما تنمو ثقته بنفسه وباآلخرين‪ .‬وهو ما يطلق‬
‫عملية نموه العاطفي واالجتماعي والمعرفي‪ ،‬وبالتالي فإن متانة الروابط األولية مع األم ثم‬
‫الوالدين واألهل التي تصنع أسس النضج النفسي هي ذاتها التي توفر شروط النضج العاطفي‪-‬‬
‫الجنسي‪ ،‬باعتبارهما ارتباط إنساني في المقام األول‪.‬‬
‫وتطرح النظرية السيكودينامية من جانبها العديد من القضايا المتعلقة بالصحة العاطفية‪-‬‬
‫الجنسية‪ .‬قد يكون من أبرزها تعثر االستقالل النفسي عن الوالدين أو أحدهما‪ ،‬من خالل‬
‫استمرار مختلف حاالت التعلق الطفلي‪ .‬وتؤدي العالقة التسلطية من قبل كل من الوالدين‬
‫على احتماالت أخرى الضطراب النضج العاطفي‪ -‬الجنسي‪ ،‬فاألب التسلطي على سبيل المثال‬
‫قد يجعل عملية تماهي ابنه به صعبة‪ ،‬مما يعرقل عبوره إلى االستقالل النفسي العاطفي من‬
‫خالل بناء هويته الذكرية على غرار األب‪ .‬وقد يفشل في الوصول إلى النضج الذي يتمثّل في‬
‫أن يصبح رجال كأبيه‪ ،‬ويبقى في حاالت متنوعة من التبعية الطفلية التي قد ال تخوله إقامة‬
‫رباط زوجي مستقل وراشد‪ .‬واألم التملكية على سبيل المثال‪ ،‬تحول دون استقالل ابنها عنها‪.‬‬
‫وتجهد من خالل إغراقه العاطفي وإغداق الرعاية والعناية عليه‪ ،‬على استمرار العالقة‬
‫الذوبانية بينه وبينها‪ .‬وهو ما يبقيه في حالة من التبعية الطفلية على الصعيد العاطفي‪ ،‬حتى‬
‫ولو تقدم في مراحل الرشد االجتماعي ‪)2(.‬‬

‫المحاضرة الثالثة ‪ .‬االسرة و الموروث الثقافي في المجتمعات العربية‪:‬‬


‫االسرة و الموروث الثقافي في المجتمعات العربية‪:‬‬
‫‪ 1 . 1‬دينامية الوحدة الزوجية و الموروث الثقافي في المجتمعات العربية‪:‬‬
‫يُقصد بالدينامية المعاني والدوافع النفسية العميقة التي قد تكون على المستوى الواعي أو غير‬
‫الواعي‪ ،‬بحيث تُش ِّ ّكل مفاهيم الحياة الزوجية في نفس كال الزوجان‪ ،‬وما يتبع ذلك من مفهوم‬
‫يخص الحياة الزوجية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫طبيعة العالقة و األدوار ال ُمناطة بكل من الزوجة و الزوج فيما‬
‫وسنتناول ثالثة جوانب تُم ِّثّل ما هو ُمه ّم و يحمل مفهوما ً‪ -‬ثقافيا ‪-‬خا ّ‬
‫صا ً في المجتمعات‬
‫العربية‪ ،‬تلك الجوانب الثالثة هي‪:‬‬
‫‪ 1 . 1‬دور الزوج‪ :‬إن معنى الزواج كعملية يتو ّحد فيها شخصان برباط ُمقدّس‪ ،‬يكون فيه‬
‫االثنان في مستوى واحد‪ ،‬هو مفهوم لم يكتمل معانيه في المجتمعات العربية في كثير من‬
‫الحاالت‪ .‬فكثيرا ً ما يُسيء الزوج معنى الوصاية و معنى القوامة ليفرض ّ‬
‫قوته و جبروته‪ .‬فهو‬
‫الحاكم بأمره في البيت و هو الذي يستطيع بكلمة واحدة أن يضع نهاية لهذا الزواج بحيث إذا‬
‫تسلّط أخذ باالنحسار نوعا ً ما‪ ،‬و مع أنه أخذ في‬
‫شاء أرجعه ثانية‪ .‬و مع أن هذا الموقف ال ُم ِّ‬

‫(‪ )2‬صالح حزين ‪، 1995 ،‬سيكودينامية العالقات األسرية ‪،‬دار هجر للطباعة و النشر ‪،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪98‬‬

‫‪14‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫التراجع في كثير من الزيجات العصرية و عند الشباب المثقفين‪ ،‬إال أن العالقة تبقى غير‬
‫ُمتكافئة‪ ،‬و فيها تكون المرأة في وضع ال يُوحي بشيء من األمان‪.‬‬
‫تتكون الوحدة الزوجية بداهة من اثنين‪ ،‬هما الزوج و الزوجة‪ .‬ولكن‬ ‫‪ 2 . 1‬الـوحدة الزوجيـة‪ّ :‬‬
‫هذا التكوين ال يُعطي المعنى الصحيح للوحدة الزوجية في المجتمعات العربية‪ .‬ألن هناك‬
‫طرفا ً ثالثا ً في الموضوع‪ ،‬وال يُمكن حساب الوحدة الزوجية عمليا ًعلى أنه ثنائية القطبين‪ .‬بل‬
‫يجب أن تحسب على أنها ثالثية األقطاب‪ .‬وتُش ِّ ّكل فيها عائلتي الزوجين القطب الثالث‪ .‬من‬
‫ا لمفترض أن تخضع العالقة الزوجية في المجتمعات العربية لحكم األعراف االجتماعية و‬
‫التقاليد الضاربة الجذور في الزمن‪ .‬و قد يختلف دور العائلة الممتدّة (عائلة الزوج أو الزوجة)‬
‫من أناس إلى آخرين حسب وضعهم الثقافي واالجتماعي و االقتصادي‪ ،‬و لكن هذا ال يلغي‬
‫دور العائلة و أثرها تماماً‪ .‬البد أن ننظر إلى المجتمع ككل‪ ،‬إذ مازالت المجتمعات العربية‬
‫تعطي العائلة الممتدّة صالحيات كبيرة في القرارات المهمة التي تخص الزوج و الزوجة‬
‫حتى في المراحل التحضيرية للزواج‪ ،‬فلو ف ّكر رجل في االقتران بامرأة وشك أي فرد من‬
‫العائلة الممتدة بأن عائلتها ال تكافئ عائلتهم في النسب أو المكانة االجتماعية‪ ،‬فإن الضغوط و‬
‫التلويح بعقوبة المقاطعة للرجل تمارس إلثنائه عن عزمه‪)1(.‬‬
‫ُحول البنية الزوجية من وحدة ثنائية إلى‬
‫إن وجود العائلة الممتدّة و دورها في الحياة األسرية ي ّ ِّ‬
‫وحدة ثالثية تكون فيها عائلة الزوج و الزوجة معا ً الطرف الثالث‪ .‬و في كثير من األسر‬
‫ي الزوج باقيا ً‬‫العربية يبقى الزوجان عدة سنوات في بيت عائلة الزوج‪ .‬و يظل سلطان والد ّ‬
‫كما هو قبل الزواج‪ .‬و يبقى الزوج هو اإلبن ال ُمطيع ألمه و أبيه‪)1(.‬‬

‫‪ 3 . 1‬االتصال الفكري بين الزوجين‪:‬‬


‫إن الفرد العربي بصورة عامة يرى صعوبة كبيرة في االتصاالت الفكرية التي تحوي‬
‫شيئا ً من االستبصار‪ .‬و هذا القول على عيوبه التعميمية‪ ،‬ينطبق إلى حدّ ما على مشكالت‬
‫التفاهم و االتصال الفكري بين الزوجين‪ .‬و للصعوبة التي يواجهونها في التعبير عن‬
‫مشاعرهما العميقة‪ ،‬و لعدم قدرتهما على مناقشة المشكلة األساسية التي تزعجهما‪ ،‬فإنهما‬
‫يتجهان صوب مهاجمة بعضهما البعض‪ ،‬و يُكيّل كل منهما االتهامات لعيوب ونقائص‬
‫شخصية لطرف اآلخر بدالً من "مهاجمة" موضوع تلك المشكلة‪ ،‬و تُصبح المشكلة نفسها‬
‫في درجة أقل أهمية مما قد جرى بين الزوجين من هجوم شخصي كل على اآلخر‪ ،‬أي أن‬
‫موضوع الخالف كثيرا ً ما يتوارى خلف الهجوم المتبادل على الشخصيات و األشخاص‪،‬‬
‫وأحيانا ً يكون موضوع الخالف من التفاهة و البساطة بحيث ينسى كل منهما السبب األول في‬
‫الخالف‪ ،‬و هكذا يُؤدِّّي خالف تافه إلى عواقب وخيمة تُهدِّّد استقرار الزواج و دوامه‪.‬‬
‫و من العوامل التي تزيد من هوة عدم التفاهم و فجوة االتصال الفكري بين الزوجين‪،‬‬
‫خاصية "الصفة السحرية للكلمة" في المجتمع العربي‪ ،‬التي وقعها على النفس ال يقل أحيانا ً‬
‫عن وقع الحقيقة‪ .‬فكل من الطرفين يُحاول أن يتفادى الكالم عما يُؤلمه و يرى صعوبة في‬

‫(‪ )1‬منى الصواف‪ ،‬قتيبة الجلبي ‪، 2001،‬الصحة النفسية للمرأة العربية‪ ،‬مؤسسة حورس الدولية للنشر و التوزيع ‪،‬اإلسكندرية ص ‪101‬‬
‫(‪ )1‬عبد الرحمن العيسوي ‪، 1994 ،‬علم النفس االسري ‪،‬دار النهضة العربية للطباعة و النشر ‪ ،‬بيروت ص ‪171‬‬

‫‪15‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫يمر الزوج‬
‫ذكره‪ .‬و هذه الخاصية أدّت إلى ظهور أسلوب غريب في الطالق‪ .‬فيحدث عادة أن ّ‬
‫بأزمة نفسية صعبة‪ ،‬و لكنه ال يتحدث عنها ثم تُفاجأ الزوجة بقرار الطالق على حين غفلة‪.‬‬
‫أما الخاصية األخرى فتتمثل في النظرة الحدية الضيقة ألمور الحياة‪ ،‬حيث يرى الشخص‬
‫شرا ً كلها دون أن يُدرك أن‬
‫األشياء‪ ،‬و من ثم األشخاص‪ ،‬إما أن تكون خيرا ً كلها أو تكون ّ‬
‫اإلنسان بطبعه مزيـــــــــــــــــــج من االثنين‪ ،‬و عندما تُسيطر هذه الخاصية على إنسان‬
‫الشر الكلّي‪ .‬فإذا ظهرت‬
‫ّ‬ ‫ما‪ ،‬فإنه ال ينظر إلى نفسه أو زوجه إال من منظار الخير المطلق و‬
‫مشكلة في المحيط الزوجي ال ينظر إلى مالبسات األزمة الراهنة بل ينظر إلى الشخص الذي‬
‫وراء تلك المشكلة‪ ،‬فقد يكون ذلك الشخص ُمتس ِّّببا ً فيها أو ال يكون‪ ،‬و لكنه في الحالتين محل‬
‫اللوم‪ .‬و هذا األسلوب ال يُمكن أن يُؤدِّّي إلى تفاهم و تعامل‪ ،‬أو إتصال فكري جيد بين الزوج‬
‫و الزوجة‪)2(.‬‬

‫‪ 2 . 1‬الموقف االجتماعي من الجنس‪:‬‬


‫التطرق إليه ال يتم‬
‫ّ‬ ‫إن الجنس موضوع حساس و ُمحرج في المجتمعات العربية‪ ،‬و إن‬
‫بصورة مباشرة‪ ،‬بل يتم التفاهم بلغة الرمز و من بعيد‪ .‬و الرسالة التي ترسل إلى األوالد عن‬
‫الجنس عند الزواج هي رسالة ُمستنبطة و غير ُمعلنة و قد ال يضر هذا كثيراً‪ ،‬و لكن الذي‬
‫يعنينا هنا أن الرسالة التي تستلمها الفتاة عن الجنس غالبا ً ما تكون خاطئة‪ .‬فهي تستلم الرسالة‬
‫من أمها ا لتي تقول أن الجنس وجد لشيئين في الحياة هما لذة الرجل و زيادة النسل‪ ،‬و هكذا‬
‫فإن واجب المرأة األساسي هو أن تكون في ُمتناول زوجها و متعته في أي وقت يشاء تقريبا ً‪،‬‬
‫و أن تم ّنعها ألي سبب سيجعل منها امرأة غير مقبولة من زوجها‪ .‬و تلك الرسالة تقول أيضا ً‪،‬‬
‫و إن التمتع بالجنس ليس شيمة فضليات من النساء‪ .‬و المرأة التي تقول إن الجنس شيء غير‬
‫مرغوب فيه هي امرأة ُمحترمة أكثر‪ ،‬و هكذا تقع المرأة في موقف ُمحرج فهي تثبط من‬
‫غريزتها الجنسية الحالل ما استطاعت‪ ،‬و في نفس الوقت عليها أن تكون في ُمتناول الزوج‬
‫متى أراد التمتّع‪ .‬فإذا لم ترغب بذلك شعرت بالذنب و تأنيب الضمير و اإلحساس بأنها غير‬
‫كفء ألن تُصبح زوجة صالحة‪ .‬و ربما كان مثل هذا التشوش الفكري و العاطفي هو أحد‬
‫األسباب الكثيرة لالضطرابات الرعشة الجنسية وانخفاض الشهوة عند النساء‪)1(.‬‬
‫‪ 4 . 1‬المرأة شريك غير مشارك مع الرجل‪:‬‬
‫تُش ّكٍّل المرأة نصف أو ربما أكثر من نصف المجتمع‪ ،‬فإذا كانت هي شريك الرجل في ذلك‬
‫المجتمع‪ ،‬فالمتوقع أن تشارك بصورة إيجابية في هذا المجتمع‪ .‬ولكن الذي نراه هو أن الـمرأة‬
‫شـريكة في الجسم وليس في العقل‪ .‬إن استعمال العقل يستوجب اتخاذ القرار‪ ،‬و خصوصا ً‬
‫يخص و يُؤ ِّثّر على الشخص الذي سوف يتّخذه‪ .‬فهل للمرأة في المجتمعات العربية‬
‫ّ‬ ‫القرار الذي‬
‫القُدرة على اتخاذ القرار الذي يهم بالدرجة األولى حياتها الخاصة؟ إن بعض المجتمعات‬

‫(‪ )2‬تقية‪ ،‬عمار ‪ ،1988،‬الزواج التقليدي و عالقته بالصحة النفسية‪ ،‬دراسة ميدانية ‪،‬المجلة االسكندانافية و الطب النفسي ‪ ،‬العدد ‪، 44‬ص ‪207‬‬
‫(‪ )1‬منى الصواف‪ ،‬قتتيبة الجلبي ‪ ، 2001،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪139‬‬

‫‪16‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫تفرض على المرأة العربية أن تكون سلبية في كثير من المواقف التي تهم صميم حياتها و‬
‫مصالحها‪.‬‬
‫زوج نفسها باختيارها حتى لو كانت خريجة أكـبر جامعة و‬‫‪ -‬فالمرأة العربية ال تستطيع أن ت ُ ّ ِّ‬
‫حاملة للدكتوراه‪ .‬هذا المبدأ ُمتَّخذ في أكثر الدول العربية‪.‬‬
‫‪ -‬فإذا كانت المرأة تعتمد على الرجل (الذي يكون أباها أو أخاها) في قرار زواجها فهي تعتمد‬
‫على زوجها في قرار طالقها‪.‬‬
‫فالطالق – إن لم تشترط الزوجة ذلك في عقد الزواج – بيد الرجل‪ ،‬فإن أساء استعماله‪ ،‬أثم‬
‫لتسبّبه الضّرر المرأته‪ ،‬و لكن لو أرادت الزوجة تطليق نفسها فلن يُعطى لها هذا الحق تلقائيا ً‬
‫بل عليها أن تُثبت للقاضي‪ ،‬أن ظلما ً أو عذرا ً شرعيا ً قد وقع عليها من ذلك الزوج‪ .‬إننا هنا‬
‫ُقرره المجتمع أو القانون‪ .‬فقد يكون من صالح المجتمع ككل أن‬ ‫لسنا بصدد إعطاء رأينا فيما ي ِّ ّ‬
‫يكون له نظام ُمعيّن أو قانون ُمعيّن في اتخاذ قرار ُمعيّن‪ ،‬و لكن هذا ال يمنع من أن يُس ِّّبب‬
‫هـذا الـتنظيم ضـررا ً نـفسيا ً علـى شخص ُمعيّن‪ ،‬و يبقى ذلك التنظيم واقعا ً لمصلحة المجتمع‬
‫و األمة ككل‪ .‬و قد يكون نظام اجتماعي ُمعيّن يخدم بحق المصلحة العامة لذلك المجتمع‪ ،‬بل‬
‫قد يكون خادما ً لمصلحة المرأة نفسها‪ ،‬و لكنه يُؤدِّّي في بعض األحيان و لعدد محدود من‬
‫النساء ضررا ً نفسياً‪)1(.‬‬
‫ويشير في ذلك "مظهر سليمان ‪ :"2010‬أن الرجال يحتلون الواجهة اللوحة القديمة‬
‫للزواج‪ ،‬إذ يبدو أنهم متحكمون في كل بنوده‪ ،‬فيستنتج المالحظ المتسرع أنه ال يتم أي أمر‬
‫خارج قبضتهم عندما ترتبط الحياة االجتماعية بالشروط التقليدية ‪ ،‬و يستطيع هذا المالحظ‬
‫أن يعتمد أدلة مخ تلفة ليستنتج كذلك أن النساء خاضعات للرجال و أنهن ال يتحركن إال لتنفيذ‬
‫أوامرهم ‪ ،‬زيادة على أنهن مستترات وراء جدران عمياء أو حجاب أو عضو من أعضاء‬
‫عائالتهم‪ ،‬فإنهن غائبات عن مفاوضات التي تجري من أجل إبرام عقد الزواج‪ ،‬أي محرك‬
‫نمط الحياة االجتماعية التقليدي‪ .‬يتفاوض الرجال فيما بينهم وتنتظر النساء اإلعالن عن‬
‫االتفاق الذي يحدده الذكور ليشرعن في تنفيذه (‪)2‬‬
‫إن المرأة ال تستطيع أن تُكمل دراستها‪ ،‬خصوصا ً الدارسات العليا‪ ،‬من غير موافقة ولي‬
‫أمرها من أب أو أخ أو زوج‪ ،‬و هذا ال ينطبق على الذكر‪ ،‬فمن النادر أن يستطيع األب أن‬
‫يُرغم ابنه على إكمال دراسته العليا مثالً‪ ،‬كما ال يُمكن للزوجة أن تفرض رأيها في عمل‬
‫الزوج‪ ،‬و لكنها ال تقدر أن تعمل من غير أن يُوافق هو على ذلك‪ .‬قد يقول قائل‪ :‬إن ذلك‬
‫طبيعي فالمرأة هي التي تلد و تُر ِّّبي األطفال‪ ،‬و قد يُؤ ِّثّر عملها خارج البيت على ذلك‪ .‬نقول‪:‬‬
‫إن ما نقصده ليس هو حق المرأة في العمل‪ ،‬بل في اتخاذ القرار‪ .‬فهل هناك كثير من النساء‬
‫العامالت‪ ،‬يعملن بموافقة أزواجهن‪ ،‬بدون أي تأثير واضح على أوالدهم‪ .‬لكن المقصود هنا‬
‫أن رجاحة عقل المرأة مقارنة بالرجل ال يُؤخذ في اإلعتبار فالقرار قراره سواء أكان في ذلك‬
‫نفع ألوالده أم لم ينفع‪.‬‬

‫(‪ )1‬الرشيدي ‪ ،‬بشير صالح و إبراهيم‪ ،‬محمد الخليفي ‪ ، 2008 ،‬سيكولوجية األسرة ‪ ،‬شركة انجاز العالمية للنشر والتوزيع ‪ ،‬الكويت ص ‪201‬‬
‫(‪ ) 2‬انظر ‪ :‬سليمان مظهر ‪ ، 2010 ،‬نظرية المواجهة النفسية االجتماعية‪ ،‬مصدر المجابهة‪ ،‬ثالة‪ ،‬االبيار ‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫فإذا جعل اإلنسان في وضع ال يستطيع فيه أن يتخذ القرارات األساسية في حياته‪ ،‬فإنه في‬
‫الغالب سوف يُؤدِّّي به إلى السلبية‪ ،‬و الشعور بالعجز و عدم المقدرة على عمل أي شيء‬
‫ليخرج من أزمته‪ .‬إن ا لشعور بالعجز بحد ذاته سواء أكان ذلك من مصلحة المرأة في النهاية‬
‫سب"‬ ‫أم لم يكن‪ ،‬قد يُؤدِّّي في بعض األحيان إلى ظاهرة نفسية معروفة تسمى ب "العجز ال ُمكت َ‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ 5 . 1‬االختيار الزواجي في ظل ثقافة المجتمع‪:‬‬
‫عموما ً مازال الشاب أو الفتاة ال يقدمان على الزواج إال بعد موافقة والديهما الصريحة‪،‬‬
‫وفي كثير من األحيان يضحون بحبهما أو اختيارهما إرضاء لوالديهما‪ ،‬وحتى ال يخرجا‬
‫على طاعتهما‪ ،‬وبالرغم من أن الزوجين ال يقيمان بعد الزواج مع أسرتيهما إال أن طاعتهما‬
‫واألخذ برأيهما وخاصة قبل إتمام الزواج يع تبر من المسائل الحيوية‪ ،‬وهذه السمات المميزة‬
‫لألسرة العربية التي ال زالت تحكمها تقاليد ثقافية مختلفة عن تلك الموجودة في المجتمعات‬
‫الغربية‪.‬‬
‫إن اختيار شريك الحياة كان ال يتم من خالل التفاعل العاطفي بين فردين‪ ،‬ولكنه غالبا ً ما‬
‫يكون مدبرا ً عن طريق الوالدين أو أفراد متقدمين في السن‪ ،‬في المجتمع‪ ،‬هذا وقد كان ينظر‬
‫إلى احتياجات ورغبات الفرد في معظم مجتمعات العالم تقريبا ً كجزء من احتياجات األسرة‬
‫الكلية ورغباتها‪ ،‬ولما كان لآلباء دور كبير وهام في عملية االختيار الزواجي‪ ،‬فإن ( لقاءات‬
‫) الشاب والفتاة قبل الزواج أو الخطبة ( على األقل ) ال توضع في االعتبار‪ ،‬أما اليوم فإن‬
‫احتياجات الفرد وأعبائه تعتبر موضوعا ً قائما ً بذاته وله أهميته القصوى عنده‪ ،‬مما يجعله‬
‫يسعى إلى تحقيقها أوالً بغض النظر عن احتياجات األسرة ككل‪.‬‬
‫ويظهر هذا االتجاه بشكل واضح في نمط األسرة الحضرية‪ ،‬حيث يتجه الفرد إلى اختيار‬
‫الزواج الذي يتفق مع احتياجاته النفسية الخاصة‪ ،‬وحيث يسود اآلن اعتقادا ً شديد بأن هذا‬
‫يؤدي إلى سعادة شخصية عظيمة‪ ،‬ولهذا أصبح هناك التأكيد على العوامل العاطفية أكثر من‬
‫العوامل العملية التي ترجع إلى االحتياجات الواسعة لألسرة‪)1(.‬‬
‫و تجدر اإلشارة هنا‪ ،‬أن التحول من الضبط األبوي أو الرقابة األبوية ( ‪Parental‬‬
‫‪ ) Control‬إلى حرية الفرد في االختيار لم تقض تماما ً على سلطة الوالدين‪ ،‬حيث ما زال‬
‫الوالدان وبدرجات متفاوتة يمارسون التأثير على أبنائهم وخاصة في المجتمعات العربية‬
‫والنامية‪ ،‬ولكن نظرا ً لتضاؤل الرقابة األبوية في العصر الحديث في عملية االختيار الزواجي‬
‫بوجه عام‪ ،‬فإن مقدار الوقت الذي ينفق في العالقات االجتماعية التي تسبق الزواج يتزايد‬
‫باستمرار‪ ،‬وهكذا أصبح اللقاء العائلي بين الفتى والفتاة عالقة غير مباشرة لالختيار الزواجي‬
‫المستقبلي‪ ،‬إال أنه عادة يحاط بالسرية حيث يسود اعتقاد بأن االختيار الزواجي هو قرار‬
‫خاص ‪ ،‬وقد تأثرت فكرة السرية في مثل هذه العالقات الثنائية إلى حد كبير بسبب تزايد‬
‫االعتماد على ( خارج المنزل ) إلشباع االحتياجات الترفيهية‪ ،‬فالترفيه كان محصورا ً في‬

‫(‪ )3‬صالح حزين ‪ 1995 ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪109‬‬


‫(‪ )1‬السعدواي ‪،‬نوال ‪ ، 1990،‬دراسات عن الرجل و المرأة في المجتمع العربي ‪،‬المؤسسة العربية للدراسات و النشر ‪ ،‬بيروت ص ‪59‬‬

‫‪18‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫الماضي داخل نطاق الوحدة األسرية‪ ،‬ولكنه اآلن ونظرا ً لتطور وسائل الترفيه التجارية فقد‬
‫أصبح الوقت الذي يقضيه الشاب في المنزل قليالً للغاية‪)2(.‬‬
‫وهناك عامل آخر ارتبط بالتحرر النسبي من الوالدين‪ ،‬وهو الحرية التي حصلت عليها المرأة‬
‫في العصر الحديث‪ ،‬فاللقاء ما كان ليتم بصورته الحالية إذا كانت الحرية من حق الذكر فقط‪،‬‬
‫لكن حصول المرأة على حق العمل في المهن المختلفة‪ ،‬وفي استكمال تعليمها‪ ،‬وفي مساواتها‬
‫القانونية بالرجل‪ ،‬والسماح لها بحرية أكبر في عالقاتها االجتماعية جعلها تطالب في كثير‬
‫من المجتمعات اآلن بحرية أكبر في إنشاء العالقات التي تسبق الزواج‪ ،‬وهذا ما ال يقره‬
‫المجتمع العربي المسلم بعاداته وتقاليده والحفاظ على التماسك العائلي واالجتماعي‪ ،‬حيث أن‬
‫المجتمع العربي اإلسالمي مجتمع محافظ تسوده قيم وتقاليد تحافظ على مكانته بين األمم‪)1(.‬‬
‫‪ 6 .1‬المال ضمن إطار العالقة الزوجية‪:‬‬
‫يمثل المال في مجتمعنا الحالي‪ ،‬العنصر األسـاسي للسلطة و النفوذ‪ ،‬إنه رمز للقدرة و حتى‬
‫للقيمة الذاتية كما يمكن أن يمثل أحيانا ً القوة الفيزيائية‪ ،‬الذكاء أو المجد‪ .‬أصبح المال في هذه‬
‫األيام معيارا ً لإلعتبار و اإلحترام كما أصبح النجاح المادي البرهان األكيد على القيمة الذاتية‪،‬‬
‫لقد تشكل نوع من الدين الذي يرى في النجاح المادي دليالً على نعمة ربانية‪ .‬يمثل المال‬
‫أيضاً‪ ،‬التبادالت مع الخارج‪ ،‬كما أنه يحدد المستوى اإلجتماعي و مستقبل األطفال و عادات‬
‫الحياة‪ .‬إنه يخلق حتى هذه العادات‪ :‬كم من النفقات ال تستخدم سوى للظهور أو للشهرة‬
‫«المحافظة على مركز معين» أو ببساطة تقليد الجيران‪)2(.‬‬

‫ويمثل المال‪ ،‬داخل إطار العالقة الزوجية‪ ،‬عنصرا ً أساسيا ً في النفوذ أو السلطة الرمزية‪،‬‬
‫أنه اللغة التي تُع ِّّبر عن نفسها بواسطة هذا الحوار اليومي للحياة الماديـة و التـي تشكل مع‬
‫الحوار الجنسـي و الحوار الشفهي بنية العالقة الزوجية‪ .‬أما بالنسبة لمصدر المال فيمكن أن‬
‫نالحظ المسائل التالية‪ :‬إذا كان المال نتيجة لعمل و لكفاءة مهنية فيكون له مدلول تقويمي‬
‫بالنسبة للشخص الذي يجنيه‪ ،‬و لكن أيضاً‪ ،‬يمكن أن يكون له مدلول ُم ِّحبط بالنسبة للشخص‬
‫الذي يجد نفسه في ظروف ال تسمح له بربحه‪.‬‬
‫إن بعض العالقات التقليدية ال تتأثر أبدا ً بعمل المرأة أو بمشاركتها المالية‪ .‬يساهم كل شريك‬
‫ُجرد من‬
‫بقسم معين مـن المـال و يحتفظ بالمقابل بحقوقه الخاصة‪ ،‬فالرجل ال يتحمل أن ي ّ‬
‫ست أنها عزلت الرجل و َحلّت محله‪.‬‬ ‫صورته التقليدية أما المرأة تشعر بالذنب في حال أح ّ‬
‫يمكن القول أخيراً‪ ،‬أن المال‪ ،‬و إذا كان وسيلة للتبادل أو النفوذ‪ ،‬يبقى دائما ً في صلب العالقة‬
‫الزوجية من بدايتها و خالل المراحل الموالية‪.‬‬
‫تكون الرباط الزوجي واستقراره قد تكمن في ما نطلق عليه‬‫ولعل أكثر مناحي التأثير على ّ‬
‫"الصحة المجتمعية"‪ .‬فاألزمات االقتصادية تعتبر من أبرز عوامل إعاقة الزواج كما هو‬
‫معروف‪ ،‬حيث ال يمكن توفير احتياجات تأسيس األسرة‪ .‬وهو ما أصبح يميل إلى التفاقم مع‬

‫(‪ )2‬نادية بلحاج ‪،1997 ،‬المرأة والوضع األسري ‪،‬المركز التفافي العربي ‪،‬الرباط‪ ،‬ص ‪171‬‬

‫(‪ )1‬كيال‪ ،‬باسمة ‪ ( 1986 ).‬سيكولوجية المرأة‪ .‬مؤسسة عز الدين بيروت ‪ ،‬ص ‪63‬‬
‫(‪ )2‬حسون ‪،‬تماضر‪ 1418 ،‬هجري ‪،‬تأثير عمل المرأة على تماسك األسرة ‪،‬دار ا نشر القربي لدراسات ‪ ،‬الرياض ص ‪78‬‬

‫‪19‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫تزايد بطالة الشباب الجامعي‪ ،‬وهدر طاقاته‪ ،‬والحيلولة دون حصوله على حقوقه في حياة‬
‫عاطفية أسرية ومهنية ‪)1(.‬‬

‫المحاضرة الرابعة‪ :‬الفوارق بين الرجل و المرأة‬


‫‪ . 1‬الفوارق بين الرجل و المرأة‬
‫مهما تحدثنا عن أوجه االتفاق بين الرجل و المرأة‪ ،‬وعن وحدة الثقافة و ما يؤمنه االعتقاد و‬
‫التدين من رؤية مشتركة‪ ،‬فالحقيقة الناصعة هي إن هناك االختالف في التركيب الجسمي و‬
‫النفسي و العقلي بين الرجل و المرأة‪ ،‬وهذا يؤدي إلى تباين الوظائف و األدوار و الحياة و‬
‫تباين الطموحات و التطلعات و تباين المعارف و الخبرات ‪،‬وحين ي َّكون الرجل و المرأة كيانا‬
‫واحد هو األسرة ‪،‬هذا يعني تعارض الكثير من الرغبات و الحاجات و المعايير‪.‬‬
‫إن االختالف بين الزوجين يمكن أن يدمر الحياة األسرية كما يحصل في حاالت كثيرة ‪ ،‬و‬
‫يمكن له أن يُثري الحياة األسرية و يكون مدخل للشعور بالتعاون و التكامل على قاعدة‬
‫"نختلف لنتآلف"(‪)2‬‬
‫وتوجد بين الرجل و المرأة فوارق كبيرة في ما يخص الوراثة‪ :‬كالمزاج و الهرمونات و‬
‫الفيزيولوجيا‪ .‬هذه الفوارق لها تأثير على طبيعة التفكير و السمات النفسية عند كل من الرجل‬
‫و المرأة‪.‬‬
‫‪ 1 . 1‬على المستوى الهرموني‪ :‬يفرز كل جسم هرمونات ذكرية و أنثوية على السواء‪ ،‬لكن‬
‫نسبة إفراز هذه الهرمونات تختلف عند كل من الذكر و األنثى التي تساعد على نمو الخواص‬
‫الجنسية الثانوية‪.‬‬
‫‪ 2 . 2‬النشاط الجنسي‪ :‬يُجمع معظم علماء النفس أن المرأة أقل تأثرا ً من الرجل لإلثارة‬
‫البصرية أو التخيلية التي تسبق العمل الجنسي‪ ،‬كما أنها تتميز عن الرجل في أنها ال تهدف‬
‫إلى إشباع رغباتها الجنسية فقط‪ ،‬و النشاط الجنسي عندها متغير و متقطع حيث تضفي المرأة‬
‫على الجنسية طابعا ً روحيا ً فهي أكثر تحفظا ً من الرجال أي هدفها ال يكمن في تحرير التوتر‬
‫العضوي ألن الجنس بالنسبة لها أكثر تعقيدا ً (‪)3‬‬

‫‪ 3 . 3‬األمومة و األبوة‪ :‬تترك الحياة الجنسية للرجل كامل حريته و استقالليته‪ ،‬بينما تحمل‬
‫المرأة تبعات األمومة‪ ،‬و األمومة بالنسبة للمرأة لها صدى بيولوجي إذ تتأثر بالهرمونات‬
‫خالل األشهر األولى من الحمل و حتى فترة الفطـام‪ .‬و ذلك إن منحنى التطور النفسـي و‬
‫الفيزيائي للتوازن الهرموني ال يبلغ أوجه عند المرأة بعد األمومة األولى‪ ،‬و من هنا فإن‬
‫األمومة متميزة أصال عن الجنسية‪ ،‬لذا فإن التجارب الجنسية األكثر نجاحا ً التي تمارسها‬

‫(‪ )1‬فاطمة ابو شعيرة ‪ 1997،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪193‬‬


‫(‪ )2‬الشخيلي عبد القادر ‪،1994 ،‬ا أخالقيات الحوار ‪،‬ط‪ ، 1‬دار الشروق ‪،‬عمان ‪ ،‬ص ‪84‬‬

‫(‪ )3‬عوض‪ ،‬احمد عبده‪ ،‬وحسني الوردي ‪ 2002‬الزواج بين الدين و الطب‪ ،‬مركز الكتاب للنشر‪ ،‬ط‪ ، 1‬القاهرة ‪ ،‬ص ‪97‬‬

‫‪20‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫الـمـرأة ال يمكن أن تعوض لها عن فقدان األمومة‪ ،‬خصوصا ً‪ ،‬حينما يتعلق بتفتحـها الشخصي‬
‫و بالمشاعر الداخلية التي تحصل عليها من هذا التفتّح‪.‬‬
‫مشاعر األبوة هي مشاعر كبرياء و تسلّط ُم ّ‬
‫لطفة أحيانا ً بالشعور بالمسؤولية و بمزيد من الحب‬
‫للزوجة‪ .‬و الرغبة عند الرجل تتجسد مع إرادة التسلّط على األوالد‪.‬‬
‫أخيرا‪ ،‬ال يوجد عند الرجل تعارض بين مشاعره الزوجية و مشاعر األبوة‪ ،‬بينما نجد األمر‬
‫يختلف عند المرأة‪ ،‬فالتوفيق بين مشاعر األمومة و المشاعر الزوجية ال يتم بطريقة سهلة و‬
‫ثابتة‪ ،‬ألن بعض النساء يكن زوجات أكثر منهن أمهات؛ باهتمامهن بأزواجهن أكثر من‬
‫اهتمامهن بأوالدهن‪ .‬و فريق آخر ي ّكن أمهات أكثر منهن زوجات باهتمامهن بأوالدهن أكثر‬
‫من اهتمامهن بأزواجهن كما يعاملن أزواجهن كأوالد‪)1(.‬‬
‫‪ 4 . 1‬الذكاء األنثوي‪َ :‬يتّصف بالحدس و القدرة على فهم الحياة و اإلنسان‪ .‬ذكاء المرأة مشبـع‬
‫بالحـساسيـة و القدرة على الفهم الشامل لألوضاع المعايشة و العالقات اإلنسانية‪ ،‬هذا الذكاء‬
‫يختلف بشكل واضح عن ذكاء الرجل المتجه دائما ً نحو اآللة و تركيبـها و نحو المادة الجامدة‪،‬‬
‫و لهذا يبرع في التحـليـل و المنطق‪.‬‬
‫‪ 5 . 1‬البعد العاطفي األنثوي‪ :‬إن المرأة أكثر إدراكا ً من الرجل لنوعية العالقة التي تقيمها مع‬
‫اآلخرين‪ ،‬فهي تبحث دائما ً عن التبعية و التعلّق العاطفي‪ ،‬ورغبتها القوية ألن تبقى قريبة من‬
‫اإلنسان الذي تحبه‪.‬‬
‫‪ 6 .1‬العدوانية الذكرية‪ :‬مختلفة تماما ً عن العدوانية األنثوية‪ ،‬إنها موجودة عند كل الحيوانات‪،‬‬
‫فقد دلّت التجارب أن حقن الجنين بهرمون مذكر من شأنه أن يزيد العدوانية عنده بعد الوالدة‬
‫حتى و لو كان الجنين مؤنثاً‪.‬‬
‫العدوانية الذكرية هجومية معلنة و حركية فهي تثار بسهولة و العدوانية األنثوية نادرة ألنها‬
‫تتأثر باإليحــــــــــــــــــاء و التدريب و هي في الغالب دفاعية و شفوية‪.‬‬
‫‪ 7 . 1‬النزعة التدميرية‪ :‬عند الرجل هي نتاج عوامل ثقافية إجتماعية موروثة‪ :‬كره األجانب‬
‫و التـنافـس و الصراع في سبيل السلطة و النفوذ و السيادة‪ ،‬الحرب و جميع أشكال النشاط‬
‫التدميري هي من صنع الرجال‪ .‬إن قيم العشيرة و الجماعة أو العرق تكتسب أهمية كبيرة‬
‫بالنسبة للرجل و هذا ما يجعله يطلق عدوانيته تجاه القبائل األخرى‪ .‬و القيم ذات األهمية عند‬
‫المرأة هي القيم التي تدخل في صميم العالقات اإلنسانية الحميمة‪)2(.‬‬
‫‪ 8 . 1‬الزواج‪ :‬يشكل بالنسبة للمرأة وضعا ً حيويا ً و أساسيا ً إذ تحقق بواسطته ذاتها‪ ،‬إنه الهدف‬
‫و الوسيلة لكمالها‪ ،‬أما الهدف األساسي بالنسبة للرجل فهو الدور االجتماعي الذي يبحث عنه‬
‫دائما ً ليحقق بواسطته ذاته و تفتحه‪ .‬فالزواج بالنسبة له يشكل مصدر ارتياح و لكنه ليس‬
‫الهدف و الكمال في حد ذاته‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابو حميدان‪ ،‬يوسف عبد الوهاب ‪ 2001‬العالج السلوكي لمشاكل األسرة و المجتمع ‪،‬دار الكتاب الجامعي‪ ،‬العين‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‬
‫ص‪179‬‬

‫‪djman . g 1980. la violence..le sexe et l amour edition.r.laffont pp 63-64‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪21‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ 9 . 1‬البيت‪ :‬بالنسبة للرجل هو ملجأ يحتمي فيه عندما يواجه مشاكل خارجية و يجد فيه السالم‬
‫و السكون‪ ،‬أما بالنسبة للمرأة فهو العمل و النظام و هو شغلها الشاغل‪ ،‬و المرأة ال تتخذ البيت‬
‫كملجأ‪ ،‬إنها ترتاح عندما تخرج منه‪)1(.‬‬
‫ويرى "مظهر سليمان ‪ "2010‬أن تربية البنت ‪،‬عامة‪ ،‬على فكرة الزواج‪ ،‬وتسهر نساء العائلة‬
‫‪ ،‬خصوصا أمها ‪ ،‬على إقناعها بأن الزواج مغزى حياتها‪ ،‬مهما كان السبيل الذي تتبعه‬
‫والوسائل التي تتخذها من أجل تحقيقه‪ ،‬ويضيف أن الولد يعُّود ‪،‬بداية من الرابعة أو الخامسة‬
‫من عمره ‪،‬أي من وقت ختانه‪ ،‬على أنه مطالب باالبتعاد عن أمه و االمتثال خارج البيت أين‬
‫يجب عليه أن يتهيأ لتغطية أدواره االجتماعية الالحقة ‪.‬ويشجع على متابعة دراساته ويُخبر‬
‫أن الفوز المدرسي ضروري بالنسبة إليه‪ ،‬قد يسهل له تقليد منصب شغل للقيام بواجبه‬
‫العائلي‪)2(.‬‬
‫في هذا الصدد أيضا قام ( السيد عبد هللا ‪ )1996‬بإجراء (‪ )17‬دراسة في مجال االتجاه نحو‬
‫مواضيع مختلفة‪ ،‬أثبت من خاللها وجود فروق في االتجاه وسمات الشخصية بين اإلناث‬
‫والذكور في كل المواضيع التي قام بدراستها‪)3(.‬‬
‫كما قام ( ‪ )Eagley1998‬بمسح مجموعة كبيرة من الدراسات التي تنـاولت الفروق بين‬
‫الجنسيين واستخلص وجود فروق أساسية بين الجنسيين من حيث الشخصية و السمات‬
‫المزاجية واالختالف في تقدير الذات لدى الجنسيين‪)4(.‬‬
‫‪ .2‬العالقات التي تتم قبل الزواج بين الطرفين‪:‬‬
‫هناك أنماط من العالقات تتم بين الرجل و المرأة خارج إطار الزواج‪ ،‬قد تتطور إلى عالقات‬
‫ممهدة إلى الزواج ويشـــــــــــير ( الشطي‪ )1995،‬إلى أن هناك عدة أنواع من العالقات التي‬
‫قد تتم قبل االستعداد للزواج بين الطرفين‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫‪ 1 . 2‬عالقة الصداقة‪ :‬وأساسها اتفاق الميول واتفاق المشارب‪ ،‬والتشابه في العادات واتفاق‬
‫في الهدف الذي يعمل له الصديقان‪ ،‬وهذه هي أسس عالقة الصداقة التي نجدها بين الزمالء‬
‫في المدارس أو المؤسسات‪ ،‬أو بين األفراد‪.‬‬
‫‪ 2 . 2‬عالقة الميل الجنسي‪ :‬وأساسها مجموعة من اإلحساسات والقوى االنفعالية النابعة من‬
‫الغريزة الجنسية‪ ،‬التي ترمي إلى االتصال الجنسي والتناسل‪ ،‬وهي غريزة فطرية طبيعية‪،‬‬
‫وقد تحيط بها مظاهر مساعدة‪ ،‬كالميل إلى جذب انتباه الجنس اآلخر‪ ،‬والتزين بمختلف‬
‫الطرق‪ ،‬لتحقيق هذا الغرض‪.‬‬
‫‪ 3 .3‬عالقة الحب‪ :‬وأساسها مجموعة من االنفعاالت المتنوعة التي تتمركز حول شخص أو‬
‫موضوع معين‪ ،‬شأنها في ذلك شأن أي نوع من أنواع العواطف‪ ،‬وإذا حللنا االنفعاالت التي‬
‫تستثار في المواقف العاطفية فإننا نجدها تشمل انفعال الحنان على من نعطف عليهن وانفعال‬

‫(‪ )1‬حسين ‪،‬طه عبد العظيم‪ ،2004،‬اإلرشاد النفسي ‪،‬دار الفكر ‪،‬ط‪ 1‬عمان ‪ ،‬األردن ص ‪84‬‬
‫(‪ )2‬مظهر سليمان ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪145 -139‬‬
‫(‪ )3‬معتز السيد عبد هللا ‪.‬دراسات في علم النفس االجتماعي و الشخصية ‪.‬مجلد(‪1996.1992.1984)3(.)2(.)1‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪Alex Mucchillie: la psychologie social .2004 P 28‬‬

‫‪22‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫الرغبة في تملكه‪ ،‬والعمل على حمايته‪ ،‬والشعور بالسرور عند سروره‪ ،‬والخوف عليه من‬
‫تعدي الغير‪ ،‬وكراهية من يكرهه ‪)1(.‬‬
‫و يحلل ‪ Sternberg 1988‬الحب إلى ثالثة مكونات‪ ،‬ويجب توفر هذه العناصر متناسقة‬
‫حتى يكون الحب كامال في هذه العالقة وتشمل المكونات ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1 . 2 . 3‬الحميمية ‪:‬وهي الجزء االنفعالي من الحب ‪ ،‬و يتضمن اإلحساس بالقرب و‬
‫االرتباط الوثيق باألخر‬
‫‪ 2 . 2 .3‬العاطفة ‪ :‬وهي العنصر الدافعي من عناصر الحب الذي يوقد مشاعر الرومانسية و‬
‫التجاذب الجسدي و الرغبة الجنسية ‪.‬‬
‫‪ 3 . 2 . 3‬االلتزام واإلقرار‪ :‬و هو العنصر العقالني المتحكم بالعالقة على المدى القريب (‬
‫من خالل القرار بقبولها من حيث المبدأ ) و على المدى البعيد‪ ،‬بااللتزام بإدامة العالقة في‬
‫المستقبل‪)2(.‬‬

‫‪:‬االختيار الزواجي‬ ‫المحاضرة الخامسة‬


‫‪ .1‬االختبار الزواجي‪:‬‬
‫يمكن النظر إلى طريقة االختيار على أنها ( نصف المعركة ) فاختيار الفرد هو الذي يحدد‬
‫نوعية حياته‪ ،‬وهكذا فإن من األسهل واألنفع أن نختار جيدا ً بدالً من أن نحاول تغيير الشخصية‬
‫بعد الزواج‪ ،‬وهذا ال يعني أن شخصية الزوجين ال تتغير على اإلطالق بعد الزواج‪ ،‬فالتغير‬

‫(‪ )1‬عدنان عبد الكريم الشطي ‪ ،1995،‬التحليل النفسي االجتماعي للعالقات األسرية ‪ ،‬جامعة الكويت ‪،‬ص ‪103‬‬

‫‪)2(RICHARD.‬‬ ‫‪GROSS،2002، social psychology hodder end stooght a member of th hodder headline . p 149‬‬

‫‪23‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫يمكن حدوثه من خالل التجربة‪ ،‬والمجهود الذاتي أو بتأثير شريك الزواج‪ ،‬ولكن هذا التغير‬
‫ال يحدث إال من خالل سمات ومالمح الشخصية الموجودة أصالً قبل الزواج ‪.‬‬
‫يعد اختيار شريك الحياة من أهم وأصعب القرارات في حياتنا‪ ،‬فهو يتطلب منا الكثير من‬
‫الوقت والتفكير والجهد العاطفي‪ ،‬وكثيرا ً ما نسمع عن أثر التكافؤ ( االجتماعي ‪،‬المادي‬
‫‪،‬الثقافي ‪ ،‬العمري والديني ) على إنجاح الزواج‪ ،‬وقد تتقارب هذه العوامل المهمة بين‬
‫الطرفين‪ ،‬باإلضافة إلى أهمية التكافؤ الطرفين‪ ،‬من الناحية العاطفية والروحية والقيمية في‬
‫قرار االرتباط‪.‬‬
‫إن االختيار المناسب قد يكون نصف المعركة كما سبق أن قلنا‪ ،‬ولكنه مجرد نصف أي أنه‬
‫بداية التوافق الزواجي وليس نهايته ‪ ،‬فالموقف هنا ال يشبه ما يحدث عند اختيار مهنة‪ ،‬مثالً‪،‬‬
‫فالظروف هنا مختلفة تماما ً من حيث التكيف واإلعداد ‪)1( .‬‬
‫إن االختيار ال يتضمن فقط شخصية الفرد اآلخر‪ ،‬ولكنه يتضمن أيضا ً أشياء أخرى‬
‫مرتبطة به‪ ،‬مثل الظروف التي سيعيش في ظلها الزوجان‪ ،‬ومتطلبات مهنتهما ومكان السكن‪،‬‬
‫ونمط أقاربهما‪ ،‬وهذه األشياء ترتبط أكثر باختيار الزوجة لزوجها أكثر مما ترتبط باختيار‬
‫الزوج لزوجته‪ ،‬ألن من المحتمل وفي معظم الحاالت ‪ ،‬حتى في الوقت الحالي حيث التغير‬
‫االجتماعي السريع ‪،‬أن نجد أن طبيعة مهنة الزوج هي التي تؤثر إلى أبعد مدى في حياة‬
‫أسرته‪ ،‬كما أنها ال تؤثر إلى حد كبير في تحديد دور الزوجة ‪ ،‬ونوع الصالحيات الشخصية‬
‫التي تحتاجها لتنجز هذا الدور بنجاح‪ ،‬وهذا باإلضافة إلى أن مهنة الزوج تحدد إلى حد كبير‬
‫مكانة إقامة األسرة وكذلك مكانة الزوجين في المجتمع المحلي‪.‬‬
‫كثيرا ً ما نسمع أن االرتباط يعتمد على الحظ أو النصيب ‪،‬فالموافقة والرفض في الخطبة‬
‫التقليدية تعتمد باألساس على ما نسميه ذم أو مدح عن الطرف األخر‪ ،‬أو قد يلعب القدر بدوره‬
‫في انجذاب الطرفين لبعضهما في محيط العمل أو الدراسة أو بواسطة األصدقاء ‪،‬وتتم‬
‫الخطبة‪)2(.‬‬
‫وهناك من يلجأ إلى االرتباط بدوافع خارجة عن سيطرتهم‪ ،‬كالهروب من جو عائلي‬
‫تسلطي‪ ،‬أو الخوف من الوحدة والعنوسة‪ ،‬أو للتخلص من الفقر‪ ،‬وقد يبحث شخص عن صفات‬
‫تذكره بأشخاص مهمين في حياته‪ ،‬كأن يختار الرجل زوجة تشبه أمه أو تختار الفتاة رجالً‬
‫يكبرها بعشرات السنين لتعوض حنان أبيها الذي حرمت منه‪ ،‬وال نزال نجد بعض العائالت‬
‫تضغط على أبنائها للزواج بهدف مصالح مادية بين العائلتين كالشراكة واإلرث‪ ،....‬أو‬
‫مصالح اجتماعية‪ ،‬ابن فالن ذو الحسب والنسب‪ ،‬أو ابن العم أو الخالة ‪،‬فال يكون االختيار‬
‫قائما ً على التفاهم والتوافق‪)3(.‬‬
‫‪ .2‬محددات االختيار الزواجي‪:‬‬

‫(‪ )1‬مصطفى حجازي ‪ ، 2006‬مرجع سابق ذكره ‪ ،‬ص ‪129‬‬

‫(‪ )2‬عبد الرزاق ‪ ،‬عماد علي ‪ ، 1998‬المساندة االجتماعية كمتغير وسيط في العالقة بين المعاناة االقتصادية و الخالفات الزوجية مجلة دراسات‬
‫نفسية ‪ ،‬رابطة االخصائيين النفسانيين المصرية‪، ،‬العدد‪ ، 1‬القاهرة‬
‫(‪ )3‬كفافي ‪،‬عالء الدين‪1999 ،‬اإلرشاد والعالج األسري ‪،‬دار الفكر التربوي ‪،‬القاهرة ‪ ،‬ص ‪217‬‬

‫‪24‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ 1 .2‬اختيار الضعف‬
‫تتميز معظم العالقات الحبية بسيرورة مألوفـة و هي إسقاط «مثال األنا» على الموضوع الحبي‪.‬‬
‫و لو افترضنا أن فردا ً ما يعاني من نقص في تحقيق بعض أشكال مثاله‪ ،‬فيختار الشريك الذي‬
‫يمثل له مثاله و الذي يصبح في ما بعد البديل عن هذا المثال‪ .‬و هكذا و بواسطة "التماهي‬
‫النرجسي "‪ " Identification narcissique‬يستطيع الفرد أن يجد عند شريكه الموقف المطابق‬
‫لمثاله‪ ،‬غير أننا نالحظ‪ ،‬في هذا السياق‪ ،‬أن بعض األفراد يمكنهم أن يحققوا أيضا ً فوائد‬
‫نرجسية في اختيارهم لشريك يكون له مميزات سلبية‪.‬‬
‫وجد (‪ )Wynne‬في دراسته حول «تبادل اإلنفصال ‪ » L’échange desdissociation‬أن‬
‫كل شريك يسعى إلى إبعاد بعض مميزاته الشخصية التي تبدو له قبيحة و مخيفة أو مثيرة‬
‫للذنب عن وعيه‪ .‬و لكي ينجح في هذه فإنه يستخدم‪-‬كطريقة في الدفاع‪ -‬بعض أشكال‬
‫«الفصل» التـي تُمكنه من حصر المظاهر المرفوضة في ذاته و إسقاطها على شريكه بطريقة‬
‫الشعورية‪ .‬و هكذا فإن اختيار الشريك يمكن أن يتحقق تبعا ً لحاجته و ذلك بإبعاد صراعه‬
‫الداخلي و المظاهر المرفوضة في ذاته عن حقل الوعـي‪ ،‬ويفترض هذا العمل وجود شريك‬
‫مناسب قادر على أن يتوافق مع هـذه اإلسقاطات و بالتبادل‪)1(.‬‬
‫إن اإلختيار‪ ،‬في هذا المجال‪ ،‬غالبا ً ما يقع على الضعف الكامن عند الشريك إذ يخشى الفرد‬
‫من ضعفه الذاتي فيسقطه على شريكه‪ ،‬هكذا فإن هذا اإلختيار يؤدي إلى تكوين عالقة حبية‬
‫متطابقة‪ ،‬وهذا ما ذكره" ‪ "Richter‬بعبارة "األنا السلبـي ‪" Le moi négatif‬الذي يسند إلى‬
‫الشريك اآلخر»‪.‬‬
‫و لو افترضنا أن شريك األول‪-‬أ ‪-‬ال يتحمل إدراك أي مظهر كرهيه في ذاته فيمكن أن يسعى‬
‫إلى البحث عن شريك آخر‪-‬ب‪ -‬كي يسند إليه هذا الدور‪ ،‬و هكذا يكون ‪ -‬ب‪ -‬قد اضطلع‬
‫بتجسيد الذات السلبية ل ‪-‬أ‪ .-‬هذا النوع من العالقة يمكن أن يحقق إشباع نفسي لكال الشريكين‪:‬‬
‫فمن جهة‪ ،‬يستطيع ‪ -‬ب‪ -‬الممثل الحقيقي للميول المنحرفة أن يحقق إشباع ذاتي بإظهار هذه‬
‫الميول–الميول المنحرفة– كما يمكن أن يحقق فوائد مازوشية و يشبع ميول «العقاب الذاتي»‬
‫عنـده خصوصا ً عندما يعاقب من قبل ‪ -‬أ‪.-‬و من جهة ثانية‪ ،‬فإن ‪ -‬أ– يستطيع‪ ،‬في إطار‬
‫التماهي النرجسي ‪ Identification narcissique‬مع ‪ -‬ب‪ -‬الذي يحمل الميول نفسها‪ ،‬أن يحبس‬
‫هذه الميول في ذاتـه و يعزلها و هكذا يكون قد تخلص من الشعور بالذنب‪)2(.‬‬
‫‪ 2 .2‬مقومات شخصية في عملية االختيار‪:‬‬
‫‪-‬الوعي بالذات ومواجهة مواطن ضعف الشخصية – مهما كان ذلك مؤلما ً – حتى تعي‬
‫احتياجاتك وتدرك ما تريده من الطرف اآلخر‪.‬‬
‫‪ -‬حل المشكالت المتراكمة في الماضي قبل التفكير باالرتباط‪ ،‬فتكرار التأثر بخبرات الماضي‬
‫المؤلمة نظرا ً إلهمالها وعدم معالجتها قد يقضي على فرص السعادة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪WYNNE L., «L’échange des dissociations», in psychothérapies familiales, Paris, P.U.F, 1980, PP.253-254‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪Ruffiot ,A .Eiguer, A :la thérapie psychanalytique du couple paris Duno 1990 p 138‬‬

‫‪25‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪-‬التروي في التعارف واالختيار‪ ،‬فالدراسة والفهم الواضح لنمط شخصية الطرف اآلخر‪ ،‬فسيته‬
‫‪ ،‬و معرفة نقاط قوته وضعفه‪ ،‬سوف يساعد على خلق التفاهم واالحترام والمراعاة‪.‬‬
‫‪ -‬عدم التأثر بضغوط األهل والمعارف‪ ،‬فالعروسان وحدهما سيتحمالن مسؤوليات ونتائج‬
‫الزواج ‪،‬وعلى األهل أال يضغطوا على األبناء للموافقة أو الرفض‪ ،‬ويقوموا بالسؤال عن خلفية‬
‫الطرف اآلخر وعائلته‪ ،‬وعن معشرهم وسلوكياتهم وقيمهم‪ ،‬وعدم التقيد بمصدر واحد‬
‫للمعلومة‪ ،‬فقد يأخذ جانبا ً من التحيز السلبي أو اإليجابي ‪،‬ومن ثم يترك المجال للعروسين‬
‫لالختيار‪ ،‬فاالختيار الشخصي هو ترجمة للحريات التي يتمتع بها الفرد ‪،‬وإن ضغط األهل‬
‫سواء على الفتاة أو على الشاب للزواج يترجم عجز الشباب وتعدي أهلهم على حقوقهم‪.‬‬
‫‪-‬االختيار بالعقل والعاطفة معاً‪ ،‬فاإلعجاب هو المحرك األساسي للمشاعر في بداية االرتباط‪،‬‬
‫حيث يغلب االنفعال واالنجذاب على معظم القرارات والسلوكيات‪ ،‬لذلك يجب اعتماد التفكير‬
‫الواقعي إلى جانب المشاعر حتى ينجح الطرفان في التعرف على بعضهما والتحضير نفسيا ً‬
‫وعاطفيا ً لتحمل مسؤولية‪)1(.‬‬
‫‪ 3 .2‬العوامل المؤثرة في االختيار الزواجي‪:‬‬
‫يرى ‪ Duck 1995‬أن االنتماء هو أ حد العوامل األساسية في ظهور العالقات بين الراشدين‪،‬‬
‫باإلضافة إلى عامل القرب ‪ ،‬تكرار المشاهدة ‪ ،‬و األلفة ‪ ،‬وجاذبية الجسمية ‪ ،‬والتشابه ‪ ،‬والود‬
‫المتبادل و التكامل ‪ ،‬و الكفاءة ‪ ،‬حيت تساهم هذه العوامل في التجاذب بين األشخاص بشكل‬
‫عام و الجنسين بشكل خاص‪ ،‬ما يتيح فرص االختيار ألزواجي خاصة في ما يعرف بالزواج‬
‫الحر و الزواج المرتب الحر‪.‬‬
‫ويعتقد ‪ Argyl 1983‬أن تكرار مشاهدة شخصين لبعضهما البعض و ألفة كل منهما باآلخر‬
‫يدعم االستقطاب في اتجاهات كل منهما نحو اآلخر‪ ،‬ويكون االستقطاب عادة زيادة الود وذلك‬
‫في الحاالت التي يجري فيها التفاعل بين االقران و بين الجنسين‪)2( .‬‬
‫و تتنوع عوامل المؤثرة في االختيار الزواجي‪ ،‬حيث تتداخل فيما بينها ويمكن تلخيصها فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ 1 . 3 .2‬عامل القرب المكاني ‪ :‬تتضمن فكرة االختيار في الزواج بالضرورة وكما تظهر‬
‫في كتابات علم االجتماع العائلي‪ ،‬عامل القرب المكاني( ‪ ) Propinquity Factor‬فقد تبين من‬
‫الدراسات العديدة التي أجريت في هذا المجال أن الناس يتزوجون ممن يلتقون بهم وهؤالء‬
‫يعيشون عادة بجوارهم سواء في المسكن أو العمل ‪،‬وتبين أيضا ً أنه للقرب المكاني أهمية‬
‫وظيفية في لقاء وتعارف الشباب‪)1(.‬‬
‫‪ 2 . 3 . 2‬الموقع االجتماعي‪ :‬يعتبر الزواج من داخل الموقع االجتماعي المماثل ‪ ،‬معيارا ً‬
‫اجتماعيا ً مفضالً وخاصة من وجهة نظر اآلباء ذوي المكانة العالية عندما يشرعون في تزويج‬
‫أبنائهم‪ ،‬وسواء تم االختيار في الزواج عن طريق األشخاص أنفسهم أو عن طريق آبائهم أو‬
‫(‪ )1‬عاصم ‪،‬محمود ندا الحياني ‪، 1995‬اإلرشاد األسري ‪ ،‬جامعة الموصل ‪ ،‬العراق ‪ ،‬ص ‪29‬‬
‫(‪ )2‬روبرت ‪ ،‬مكلفين ‪ 2002،‬علم النفس االجتماعي ‪ ، ،‬ترجمة ‪ ،‬ياسمين حداد ‪،‬دار وائل ‪ ،‬عمان ‪ ،‬ص ‪125‬‬

‫(‪ )1‬عمر معن ‪،‬خليل ‪، 1994‬علم اجتماع االسرة ‪،‬دار الشروق ‪ ،‬عمان ‪ ،‬االردن ‪ ،‬ص ‪39‬‬

‫‪26‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫آخرين‪ ،‬فإن كونه داخل الموقع االجتماعي يعتبر شرطا ً أساسيا ً للمحافظة على نسب العائلة‬
‫ومكانتها‪.‬‬
‫أما األفراد الذين ينتمون إلى مكانة منخفضة فإنهم كثيرا ً ما يتزوجون من أشخاص ينتمون‬
‫إلى مستويات طبقية أعلى من مستوياتهم‪ ،‬وبصرف النظر عما يفضله األفراد‪ ،‬أو يرغبون‬
‫فيه‪ ،‬فإن معظم الزيجات تكون من داخل نفس المكانة‪.‬‬
‫وقد تبين من دراسة حديثة أجريت في جامعة ميتشجان األمريكية أن معايير الزواج من‬
‫داخل الطبقة تظهر بوضوح بين طلبة الجامعة‪ ،‬وعند إجراء مقابالت شخصية مع الطلبة‬
‫والطالبات المتزوجين الذين يعيشون في بيوت الطلبة تبين أن الرجال الذين ينتمون إلى‬
‫عائالت عالية المكانة وآباؤهم من األغنياء يفضلون الزواج من فتيات آباؤهن من نفس‬
‫المستوى المهني والطبقي واالقتصادي‪ ،‬ونفس الشيء يحدث بالنسبة للجماعات المتوسطة‬
‫والموظفين والطبقات الفقيرة والمهن الزراعية‪ ،‬ولكن عندما يحاول األفراد الزواج من طبقة‬
‫اجتماعية أعلى فإن هذا يعتبر دليالً على وجود نمط آخر يسمى (( التداخل الطبقي ) يحاول‬
‫األفراد من خالله الحصول على أفضل صفقة ممكنة بالنسبة ألنفسهم وألبنائهم سواء على‬
‫المستوى المادي أو االجتماعي‪)2(.‬‬

‫‪ 3 . 3 . 2‬االشتراك في القيم والميول والمعتقدات واألفكار‪ :‬حيث نجد بعض الشباب يختار‬
‫الطرف اآلخر نظرا للتقارب في األفكار والمعتقدات والميول بينهما‪ ،‬حيث نجدهما متشاركين‬
‫في الميول واالهتمامات قبل فترة الخطبة‪.‬‬
‫و يرى " ‪ " 1992 Duck‬أن األفراد الدين يتفقون معا في االتجاهات و القيم سوف ينشأ بينهم‬
‫ما يعرف بظاهرة الحب المتبادل وهذا ما يعزز الثقة في األراء و التقدير الذاتي‪.‬‬
‫ويرى" ‪ " 1962 kerckhoff and davis‬من خالل "نظرية المصفاة " ‪" filter theory‬‬
‫أن عالقات بين البشر تمر بسلسلة من المصافي وقد استند في زعمها بين عالقات قريبة‬
‫العهد " ‪ 18‬شهر" و عالقات بعيدة العهد تتجاوز " ‪ 18‬شهر" فوجدا أن التشابه في الخلفية‬
‫االجتماعية أو الديموغرافية مثل العرق و الدين و الطبقة االجتماعية يشكل المصفاة األولى‬
‫ألنها تتحدد إمكانيات اللقاء بين الناس في مقام األول‪ .‬إذا يبدو أن اختيارنا األحباب يتحدد‬
‫بمن يتسنى لنا مقابلتهم في واقع األمر ‪ ،‬و يكون محكوم بالتالي بالظروف االجتماعية ‪ ،‬هذا‬
‫يشكل التشابه في الخصائص النفسية ‪ ،‬وخاصة التشابه في القيم األساسية ‪ ،‬المصفاة الثانية‬
‫للعالقة ‪ ،‬حيث يساهم هذا التشابه في استقرار العالقة و ثباتها أكثر من متغير أخر في حاالت‬
‫العالقات قريبة العهد ‪ .‬أما بالنسبة للعالقات بعيدة العهد فقد كان التكامل في الحاجات العاطفية‬
‫هو المتغير األقدر على التنبؤ باستقرارها و هو أساس المصفاة الثالثة ‪.‬‬
‫‪ 4 . 3 .2‬دور التكامل‪ :‬يشير إلى تعزيز المتحقق لطرفي العالقة نتيجة المتالكهما سمات‬
‫متناقضة مما يؤدي في النهاية إلى منفعة مشتركة ‪.‬و يعتقد" ‪ " winch 1958‬أن الزيجات‬

‫(‪ )2‬إبراهيم أبو العرقوب ‪، 1994 ،‬االتصال اإلنساني و دوره في التعامل اإلنساني ‪ ،‬دارا لمعرفة الجامعية ‪ ،‬االسكندرية ‪ ،‬ص ‪103‬‬

‫‪27‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫السعيدة غالبا ما تعتمد على قدرة كل من الزوجين على سد حاجات الطرف األخر (تكامل‬
‫الحاجات االنفعالية للطرفين )(‪)1‬‬

‫‪ 5 . 3 .2‬التقارب في المستوى التعليمي والثقافي من العوامل التي تتدخل في اختيار شريك‬


‫الحياة‪ ،‬حيث يُعد المستوى التعليمي‪ ،‬بوجه عام‪ ،‬من أقوى المؤشرات للسعادة الزوجية‪ .‬وفي‬
‫ذلك يشير محمد خليفة بركات (‪ 1977‬م) إلى أن قدرة الشخص على االختيار الناجح تتوقف‬
‫على مدى ثقافته االجتماعية‪ ،‬ونظرته الناضجة للحياة واتساع األفق‪ ،‬وبعد النظر‪.‬‬
‫‪ 6 . 3 .2‬دور العوامل االجتماعية كالتقاليد‪ ،‬القيم والعادات السائدة في المجتمع في طريقة‬
‫االختيار‪ :‬ومثال ذلك أنه طبقا للفكرة القديمة عن ذلك‪ ،‬فإنه من السهل أن نفهم أن االتفاق كان‬
‫يتم بين العائلتين أو األهل‪ ،‬وذلك طبقا للعادات والقيم والتقاليد االجتماعية – أما اآلن فإن‬
‫المجتمعات المتقدمة حررت شبابها من تلك القيود‪ ،‬وأصبح األمر متروكا لهم – لكن هذا مع‬
‫األسف قد أعطى مؤشرا خطيرا في عدم استقرار الحياة الزوجية من خالل زيادة نسبة‬
‫الطالق‪.‬‬
‫‪ 7 . 3 . 2‬العامل االقتصادي من األمور المهمة أيضا التي لها دور وتأثير في االختبار للزواج‬
‫‪ ،‬فقد أكدت كثير من الدراسات أهمية العوامل االقتصادية وأثرها في المشكالت األسرية مثل‬
‫مدى توفر السلع والخدمات الكافية‪ ،‬لكل فرد في األسرة‪ ،‬خاصة أن هناك عالقة بين العامل‬
‫االقتصادي‪ ،‬وبعض المشكالت االجتماعية‪ ،‬كإدمان المخدرات‪ ،‬ومشكالت السلوك اإلجرامي‬
‫واألمراض العقلية والنفسية‪)2(..‬‬

‫‪ 8 . 3 . 2‬الناحية الدينية في عملية االختيار‪ :‬إن اإلسالم يرى أن قضية اختيار كل قرين‬
‫لقرينه هي محك السعادة أو شقاء األسرة‪ ،‬وبالتالي فإن اإلسالم يتخذ موقفا وسطا فيها يتعلق‬
‫بأسلوب االختيار في الزواج‪ ،‬فمن المعروف أن اإلسالم يسمح لألهل بالتدخل في االختيار‬
‫مع مراعاة أن لألبناء قدرا من الحرية واالختيار‪ ،‬فأعطى البنت حق االختيار وإبداء الرأي‬
‫فيمن تريد أن تتزوج بالقبول أو الرفض‪.‬‬
‫وقد حثنا اإلسالم أيضا على االختبار الصالح‪ ،‬ويتضح ذلك من خالل ما يلي‪:‬‬
‫صالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم‬
‫يقول تعالى‪ { :‬وأنكحوا األيامى منكم وال ّ‬
‫هللا من فضله وهللا واسع عليم }‪ ،‬سورة (النور – اآلية ‪.)32‬ويقول تعالى‪ { :‬وال ّ‬
‫طيبون‬
‫لل ّ‬
‫طيبات }‪( ،‬النور – اآلية ‪)26‬‬
‫يفوت على نفسه ذلك‪،‬‬‫‪ -‬أن تكون ذات دين وخلق‪ ،‬فقد دعا صلى هللا عليه وسلم بالفقر على من ّ‬
‫ويختار غير ذات الدين‪ ،‬حين قال‪ " :‬تنكح المرأة ألربع‪ :‬ما لها ولحسبها‪ ،‬ولجمالها‪ ،‬ولدينها‪،‬‬
‫فاظفر بذات الدين تربت يداك"‪.‬‬

‫(‪ )1‬روبرت ‪ ،‬مكلفين ‪ ،2002‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪126-125‬‬


‫(‪ )2‬خليفة بركات‪ 1977 ،‬علم النفس التربوي في األسرة‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الكويت ‪ ،‬ص ‪182‬‬

‫‪28‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ -‬أن تكون حسنة المنظر‪ ،‬وأمينة مطيعة‪ ،‬وقد بين صلوات هللا عليه أوصاف خير النساء حين‬
‫برتك‪،‬‬
‫سرتك‪ ،‬وإذا أمرتها أطاعتك‪ ،‬وإذا أقسمت عليها ّ‬
‫قال‪ " :‬خير النساء التي إذا نظرت إليها ّ‬
‫وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك "(‪)1‬‬
‫‪ .3‬الزواج المنظم و الزواج الحر‪:‬‬
‫تختلف العمليات التي يجري وفقا ً لها االختيار ألزواجي من مجتمع آلخر فتندرج وفقا ً‬
‫(للنموذج المثالي) من الزيجات المنتظمة وصوالً إلى اإلختيار الحر‪.‬‬
‫عندما يكون الزواج منظما ً فإن اإلختيار عادة ما يكون من اختصاص الوالدين أو األقارب‪،‬‬
‫و ال تُعطى للعروسين فرصة للتدخل في الموضوع‪ ،‬أما اإلختيار الحر فبالرغم من وجوده‬
‫فهو نادر خاصة في المجتمعات التقليدية‪ ،‬و من هذين النمطين المختلفين توجد تركيبات عديدة‬
‫إلمكانيات االختيار(المرتب الحر‪ .)Arranged Free Choice :‬فمن الممكن أن يُرتّب الوالدين‬
‫للزواج و في نفس الوقت يُعطيان ابنهما أو ابنتهما حق االعتراض‪ ،‬كما يُمكن أن يقوم الشاب‬
‫أو الفتاة باالختيار الحر و يمنحان والديهما حق االعتراض‪ .‬كما أنه من الممكن أن يختار‬
‫الشاب عروسه على أن يُشرك والده في الرأي و االختيار‪.‬‬
‫و لكن عندما يكون اإلختيار الزواجي مرتبا ً يُصبح الزواج باإلضافة إلى كونه تأسيسا ً ألسرة‬
‫جديدة‪ ،‬وسيلة الستمرارية و ثبات األسرة القائمة ‪ ،‬و لذلك فإن الشريك الذي وقع عليه اإلختيار‬
‫له نفس مميزات الجماعة‪ ،‬فالمعايير االجتماعية (الدين‪ ،‬العادات‪ ،‬التقاليد‪ ،‬المستوى‬
‫االجتماعي و االقتصادي و الثقافي‪...‬إلخ) يجب أن تكون متشابهة‪ ،‬باإلضافة إلى ارتكاز‬
‫الزواج المرتب على الحب و الرغبة في انجاب األطفال و الرغبة الجنسية‪ ،‬كما يشمل على‬
‫التشابه في التربية األسرية (أسرة الفتاة و كذا الشباب)‪ ،‬و مهما كان نـــــــــــــــــــــوع الزواج‬
‫فإنه يخضع إلى ضـــــــــــــــــوابط ومعايير إجتماعية تختلف من مجتمع آلخر(المكانة‬
‫اإلجتماعية والمهنية‪ ،‬القدرة‪ ،‬التعليم‪ ،‬السن‪ ،‬والروابط األسرية‪...‬إلخ)‪.‬‬
‫و بالنظر إلى الزواج الحر‪ ،‬فإنه يعبر عن تكوين جماعة أولية تضم كل من الزوج و الزوجة‪،‬‬
‫في حين أن الزواج المرتب أو ما شابه يخضع إلى أسرة الزوج و كذا أسرة الزوجة‪ .‬و بالتالي‬
‫تعدد المعايير من أجل الوصول إلى اختيار الزوجة‪ ،‬و هو ما يُمثّل تكوين إتحاد بين عائلتين‬
‫من خالل زواج أحد أفرادهما من فرد إلى أسرة أخرى‪.‬‬
‫وعموما ً فإن االختيار الحر تماما ً ال يوجد في أي مكان في العالم‪ ،‬ألن هذا يعني الزواج من‬
‫شخص بغض النظر عن رغبات أي فرد آخر‪ ،‬وخاصة رغبة الوالدين أو الجماعة القرابية‪،‬‬
‫ومع ذلك فإن االختيار الحر يتضمن أيضا ً اعتبارات معينة وال يكون لها أية أهمية في الزواج‬
‫مثل ‪ :‬القوة‪ ،‬والمكانة االجتماعية والمهنية‪)1(.‬‬
‫‪ 1 .3‬الخطبة‪:‬‬

‫(‪ )1‬خالد عبد الرحمن عك ‪،،2005،‬بناء األسرة المسلمة ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ص ‪49‬‬

‫(‪ )1‬عبد المجيد السيد منصور ‪ ،‬زكريا احمد الشربيني ‪ ،2000،‬األسرة على مشارف القرن ‪، 21‬دار الفكر العربي‪ ،‬مصر ‪"،‬ط‪ 1‬ص ‪176‬‬

‫‪29‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫تُحدد الخطبة شكل الحياة الزوجية فيما بعد‪ ،‬فالهدف منها ليس فقط تجهيز بيت الزوجة من‬
‫شراء وإيجار وتأثيث أو ترتيب للعرس وملحقاته‪...‬بل هي مرحلة انتقالية ‪ -‬من العزوبية إلى‬
‫االرتباط‪ -‬و نحتاج من الرجل والمرأة أن يكونا مؤهلين عاطفيا ً واقتصادياً‪ ،‬لتحمل التغيير‬
‫في الحريات وااللتزامات والمسؤوليات‪ ،‬حيث يطور الخطيبان فيها من وعيهما الذاتي‬
‫ونضجهما العاطفي‪ ،‬كما ينميان مهارتهما في التعبير عن احتياجاتهما وآرائهما بطريقة‬
‫صحية‪ ،‬وبالتالي تحقيق االرتياح والتآلف الروحي‪.‬‬
‫يجب أن يسبق الخطوبة فترة من دراسة القرار واالختيار‪ ،‬بعكس ما نرى من ممارسات تنتقل‬
‫من خطوة واحدة إلى عشرة – أي ‪ :‬من اإلعجاب إلى القرار – في زمن قياسي‪ ،‬فبعد مبادرة‬
‫الخطيب يتأثر قرار االرتباط إلى حد كبير بما يسمعه الطرفان من محاسن – وظيفة‪ ،‬شهادة‪،‬‬
‫راتب‪ ،‬وسامة‪ ،‬سيرته بين الناس‪ ،‬عائلته‪ -...‬ويتم إغفال طباع الشخصية‪ ،‬والقيم‪ ،‬والمشاعر‪،‬‬
‫وأسلوب التعامل‪ ،‬الطموح‪ ،‬إدارة العواطف والعصبية‪ ،‬فمع الموافقة تقام " الجاهة " وكتب‬
‫الكتاب‪ ،‬ويجد الطرفان نفسيهما متزوجين في نظر الشرع و القانون‪ ،‬وهذا االستعجال له آثار‬
‫سلبية كبيرة‪ ،‬ففي حال لم يتفق الطرفان‪ ،‬فإن االلتزام االجتماعي أمام العائلتين والناس يجعل‬
‫من الصعب فك االرتباط كي ال تحسب عليهما زيجة وطالقاً‪ ،‬فيبلغ الطرفان األلم‪ ،‬ويكمالن‬
‫الرحلة ببداية غير سعيدة ‪،‬كما أنه إذا تم فسخ الخطوبة ‪،‬تترسب عند الطرفين تجربة عاطفية‬
‫سلبية بذكرياتها وآالمها‪ ،‬وهذه الرواسب النفسية والعاطفية قد تؤثر على مستقبل الشاب والفتاة‬
‫)‪(2‬‬
‫في االختيار واالرتباط الحقا ً إذا لم يتداركا ذلك‪.‬‬
‫‪ 2 . 3‬وفي مرحلة الخطوبة يجب على الخطيبين التنبه إلى ما يلي ‪:‬‬
‫‪ 1 . 2 . 3‬دراسة وتحديد شكل العالقة‪ ،‬يجب أن يستثمر الخطيبان فترة الخطوبة لتقييم مدى‬
‫انسجامهما وأسلوب التواصل بينهما‪ ،‬والقدرة على حل المشاكل والتفاهم واحترام ومراعاة‬
‫بعضهم ا في التصرفات والقرارات‪ ،‬ويجب على األهل أن يحترموا خصوصية الطرفين وال‬
‫يقحموا أنفسهم في ما يستطيع األوالد تدبيره‪ ،‬فنصيحة األهل مطلوبة إذا ما كانت بناءة‬
‫ومتوازنة‪.‬‬
‫‪ 2 . 2 .3‬االبتعاد عن العناد‪ ،‬فهناك من يقبل على االرتباط وهو يعلم بعدم تكافؤ عناصر‬
‫العالقة‪ ،‬ولكن العناد والمكابرة يجعل طرفي العالقة يتحديان الظروف اعتقادا ً بأن الحب كفيل‬
‫بتجاوز الحدود العمرية واالجتماعية والثقافية والدينية والشخصية‪ ،‬وبعد ذلك يصطدمان بواقع‬
‫حزين مليء بالمشاكل ‪.‬‬
‫‪ 3 . 2 . 3‬الجرأة في التعبير عن عدم االرتياح وأخذ الموقف الحاسم إذا استدعى األمر ‪:‬‬
‫كأن يتضايق أحد الخطيبين من تدخالت الحماة بشك ٍّل مؤذ‪ ،‬أو أن تكتشف الخطيبة أن خطيبها‬
‫على عالقة بامرأة أخرى‪ ،‬أو أن تعتمد الخطيبة الكذب في كثير من األمور‪ ،‬فإن لم يعدل‬
‫الطرف اآلخر سلوكه‪ ،‬وجب اتخاذ القرار الواعي والتصريح به دون خوف وفسخ الخطوبة‪.‬‬
‫‪ 4 . 2 . 3‬انسجام األسرتين وليس فقط العروسين‪:‬‬

‫)‪(2‬العوا ‪ ،‬عادل ‪،1991‬تحديث األسرة والزواج ‪، ،‬منشورات عويدات بيروت ص ‪23‬‬

‫‪30‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫إن بناء زواج صحي يعتمد على بيئة األسرة وانعكاساتها على التربية لتأثيرها في بناء‬
‫شخصية شريك الحياة ودوافعه النفسية‪ ،‬فالذي يتمتع بجو أسري دافئ ويعيش مع أبويه‬
‫متحابين يحترم الواحد اآلخر‪ ،‬ينشأ قادرا ً على فهم معنى الزواج والمحافظة عليه‪ ،‬كما أن‬
‫الخطوبة تتيح المجال لظهور التناقضات والتشابهات وما يساعد في التعارف ويطور أسلوب‬
‫)‪(1‬‬
‫التعامل بين األسرتين وينعكس على سعادة العروسين‪.‬‬
‫وتؤدي الخطبة وظائف متنوعة لكل من الخطيبين والمجتمع‪ ،‬فهي تقدم للخطيبين مؤشرا ً‬
‫واضحا ً على قرب حدوث االرتباط النهائي وهو الزواج‪ ،‬وتعطيهما فرصة مناسبة لالختيار‬
‫الشخصي المتبادل دون تهديد من القوى المنافسة‪ ،‬وهو الذي يعرف من خالله كل منهما‬
‫توقعات الدور الزواجية من وجهة نظر اآلخر‪ ،‬و كذلك القيم المشتركة بينهما أو المختلفة‪،‬‬
‫وآمال المستقبل وتطلعاته‪ ،‬وتقدم الخطبة الفرصة األخيرة قبل االرتباط الرسمي والقانوني‬
‫)‪(2‬‬
‫لكي يفهم الفرد نفسه وعالقته بالشخص اآلخر‪.‬‬

‫وظائف األسرة‬ ‫المحاضرة السادسة ‪:‬‬


‫وضائف االسرة‬
‫‪ . 1‬األسرة ‪:‬‬
‫‪ 1 . 1‬األسرة الممتدة‪:‬‬
‫تتكون من عدد العوامل الفردية على صلة من القربى‪ ،‬فهي أسرة يرتبط فيها األفراد ببعضهم‬
‫البعض من خالل أصل قرابي و عالقة معينة بين مجموعة من األفراد تربطهم المودة‬
‫والتراحم من خالل الزواج و اإلنجاب‪ ،‬وهي أوسع من األسرة النواة بحيث تمتد لثالث أجيال‪،‬‬
‫بدءا من األجداد و حتى األحفاد و هؤالء جميعا يقيمون في نفس السكن ويشاركون في حياة‬
‫اقتصادية و اجتماعية واحدة تحت رئاسة األب األكبر أو رئيس األسرة‪.‬‬
‫و األ سرة الممتدة تركيبة اجتماعية مكونة من عائلتين أو أكثر يقيمون جميعا في بيت واحد‪،‬‬
‫وغالبا ما يكونون على صلة قرابة ببعضهم ‪ ،‬وغالبا ما يجمع بينهم عمل معين كما في‬
‫المجتمعات الزراعية‪ ،‬التي تقوم باإلنتاج الزراعي‪ ،‬وتبقى األسرة في هذا النمط على االتصال‬
‫)‪(1‬‬
‫بين األجيال‪ ،‬وتسمى أسرة النواة المتصلة‪.‬‬
‫‪ 1 . 1 . 1‬خصائص و مميزات األسرة الممتد ة ‪ :‬ونذكر منها أنها تتميز بالتقارب المكاني‪،‬‬
‫هذا التقارب يمكن من اللقاء بين أفرادها ومالحظة سلوكهم ‪،‬ويكون الزواج فيها على أساس‬
‫االختيار المرتب‪ ،‬فالزواج في هذا الشكل هو ارتباط بين أسرتين أكثر منها ارتباطا بين‬
‫زوجين كما تتميز بنوع من الثبات و االستقرار بالرغم من تعاقب األجيال ‪ ،‬حيث تحتفظ‬

‫)‪ (1‬علي‪ ،‬علي عبد السالم ‪ ،2001،‬المساندة االجتماعية و تخاد قرار الزواج وعالقتهما بالتوافق الزواج ‪،‬مجلة دراسات نفسية ‪ ،‬رابطة االخصائيين‬
‫النفسانيين المصرية‪ ،‬العدد‪ ، 4‬القاهرة‬

‫)‪ (2‬فهد ثاقب ‪ -1998‬الخطوبة والتفاعل ألزواجي والطالق في المجتمع الكويتي في‪ :‬مجلة العلوم االجتماعية‪ ،‬مجلد ‪ ،26‬عدد‪،1‬‬
‫)‪(1‬سيد عبد العاطي سيد وآخرون ‪،) 1997(،‬دراسات علم االجتماع العائلي ‪،‬دار المعرفة الجامعية ‪،‬اإلسكندرية‪ .‬ص ‪67‬‬

‫‪31‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫بمسؤوليتها اتجاه ذويها‪ ،‬وتعتبر بنا ًء اجتماعي أكثر فاعلية في الحفاظ على التراث و التقاليد‬
‫و األعراف ‪ ،‬وكذا نقل ممتلكات األسرة المادية من جيل إلى آخر‪ .‬كما يرتبط األطفال بشبكة‬
‫)‪(2‬‬
‫واسعة من الروابط القرابة حيث يساهمون في عملية التنشئة االجتماعية‬
‫‪ 2 . 1‬األسرة النووية‪:‬‬
‫تعتبر البنية مكونة من الرجل والمرأة وأطفالهم غير المتزوجين‪ ،‬والذين يعيشون في بيت‬
‫واحد‪ ،‬و يعدّ هذا النمط نواة المجتمع الحالي‪ ،‬أو أصغر وحدة اجتماعية متعارف عليها‪ ،‬ويشير‬
‫فاروق أمين (‪ 1983‬م) إلى أن األسرة النووية هي أساسا‪ ،‬سمة تميز المجتمعات الصناعية‪،‬‬
‫حيث يستقل األفراد اقتصاديا عن أسرهم‪ ،‬ويكون لهم دخل خاص بهم‪ ،‬مما يدفعهم إلى تكوين‬
‫أسر خاصة بهم بعد الزواج‪ ،‬كما أنه يمكن تناول بنية األسرة النووية في عدة نقاط‪.‬‬
‫‪ -‬تعاون الزوجين بعضهما مع بعض في دفع المصروفات المادية‪ ،‬أو في تربية األطفال‪،‬‬
‫أو في القيام باألعباء المنزلية‪ ،‬خاصة عندما يكون الزوجان متعلمين‪.‬‬
‫‪ -‬انتش ار الروح الديمقراطية في األسرة ومصارحة الزوجين بعضهما بعضا واشتراكهما في‬
‫تناول ما يتعرضون له من مشكالت‪ ،‬أو قضايا تهم األسرة ككل‪ ،‬وخاصة عندما تكون‬
‫الزوجة عاملة وتشارك مع زوجها في ميزانية األسرة‪ ،‬حيث تتحول في نظر الزوج من‬
‫زوجة مستهلكة إلى زوجة مشاركة له في المسؤوليات‪.‬‬
‫‪ -‬إن عالقات القربى بين الزوجين وبين أسرتيهما األصليتين تقل وتتعرض للتفكك‪ ،‬خاصة‪،‬‬
‫أن بعد المنزل يلعب دورا في ذلك وبالمقابل فإن العالقات مع الجيران وأصدقاء العمل تزداد‬
‫قوة‪.‬‬
‫‪ -‬يزداد اعتماد األسرة على األجهزة الحديثة المساعدة في أعمال البيت‪ ،‬خاصة إذا كانت‬
‫الزوجة عاملة‪ ،‬حيث أنها تضطر أيضا إلى أخذ أطفالها إلى الحضانة‪ ،‬أو روضة األطفال‪،‬‬
‫(أو تركهم عند جدتهم) ومن المؤسف له أن الكثير من هذه االسر آخذة في االستعانة بما‬
‫يسمى بـ "المربية األجنبية" التي تترك آثارا سلبية على تنشئة األطفال‪.‬‬
‫‪ -‬ميل األسر النووية إلى التقليل من الوالدات‪ ،‬وذلك ألن وقت الزوجين المحدود ودرجة‬
‫تعليمهما‪ ،‬تدفعهما إلى التقليل من الوالدات‪ ،‬واالهتمام بنوعية األبناء وليس بعددهم‪)1(.‬‬

‫‪ 3 . 1‬تركيبة العائلة الجزائرية‪:‬‬

‫)‪(2‬عبد الخالق محمد عفيفي ‪ ،2000،‬الخدمة االجتماعية المعاصرة في مجال األسرة و الطفولة ‪،‬جامعة عين شمس‪ ،‬د ت ‪،‬القاهرة ص ‪39‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )1‬فاروق أمين‪" -1983-‬دراسة حول واقع األسرة البحرينية" جمعية االجتماعيين البحريين‪ ،‬سلسلة الدراسات االجتماعية "‪ "3‬وزارة‬
‫االعالم‪/‬البحرين‪( /‬ص‪.)83:‬‬

‫‪32‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ 1 . 3 . 1‬العائلة الجزائرية التقليدية‪:‬‬


‫تتكون من رب العائلة الذي يتمثل في األب وزوجته أو زوجاته ‪ ،‬و أبنائه العزاب والمتزوجين‬
‫كذلك وبناته العازبات‪ .‬إنها أبوية ‪ ،‬كل فرد فيها يجب أن يحترم ويمتثل ألوامر رب العائلة‪.‬‬
‫كما أن هاته العائلة تعد بمثابة وحدة متعددة الوظائف إنتاجية ‪،‬إيديولوجية ‪ ،‬تربوية ‪،‬تسد‬
‫حاجاتها ومتطلباتها بنفسها‪ ،‬و مسؤولة عن تلبية الحاجات الدينية و الروحانية ألفرادها‬
‫واإلشراف على تربيتهم وثقافتهم عن طريق التنشئة االجتماعية ‪ ،‬رب البيت مع أبناءه‬
‫يديرون شؤون و ملكيات العائلة ‪ ،‬فالعمل الخارجي في العائلة الجزائرية التقليدية من‬
‫اختصاص الذكور‪ ،‬أما النساء فوظيفتهم األشغال المنزلية والتربوية ‪.‬‬
‫أما عن العالقات االجتماعية السائدة نجد الوحدة والتماسك كصفة متأصلة‪ ،‬فالعالقات قائمة‬
‫على التعاون والمودة و التضحيات و االلتزام غير المحدود في مختلف المجاالت‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فالفرد ال يُعَّرف به اجتماعيا إال من خالل انتمائه لعائلة‪.‬‬
‫‪-‬كل فرد من العائلة يتعرض لقمع جنسي من خالل طريقة التربية التي يتلقاها ويتضح هذا من‬
‫خالل الفصل بين الجنسين الذي ينتج عنه إحباط‪.‬‬
‫‪ -‬و عن العالقة أم‪ -‬طفل‪ ،‬تكون األم حامية وخانقة‪ ،‬للذكر الطفل كل شيء‪ ،‬له سلوك القوة‬
‫والتي سيطبقها على إخوته بشكل سيطرة‪ ،‬يتقمص الطفل أباه فيجب أن يحترمه ويطيعه‪.‬‬
‫‪ -‬عن العالقة مع الطفلة فيكون هناك تباعد ونقص في الثقة تجاهها ألنها الحاملة لشرف العائلة‬
‫وهذا ما يتعلق بعذريتها ‪ ،‬واألب هو الذي يتخذ قرار زواج ابنته واألم هي المنظمة لذلك‪.‬‬
‫‪-‬ال يستطيع الرجل أن يتخلى عن حقوقه و أولوياته بسهولة ‪ ،‬أنه الطفل الملك ‪ ،‬يأخذ دون‬
‫أن يعطي ‪ ،‬األمور المنزلية ال تهمه ‪ ،‬يريد أن تكون زوجته جميلة دون أن تلفت انتباه‬
‫اآلخرين ‪ ،‬تكون محبة وخاضعة ‪ ،‬مستقلة وجدية و فكاهية ‪،‬أنه يحلم بامرأتين في امرأة واحدة‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬بالنسبة للمرأة والتي تم ترتيبها على أن تكون زوجة جيدة وأم العائلة‪ ،‬و التي تبحث عن شيء‬
‫بعد زواجها ‪ :‬تكون في تناقض بين الصورة الحساسة و أمر إشباع حاجاتها من الحنان ‪،‬و‬
‫االعتراف بشخصها واحترام جسدها‪ ،‬وكيف تطلق العناء لرغباتها أمام زوج صلب؟ تتخلى‬
‫عن ذاتها‪ ،‬عن الذي تريده‪ ،‬لكن ال يمكن أن تتخلى عن منصبها كزوجة‪ ،‬هي أيضا تحلم‬
‫برجلين في رجل واحد ‪ ،‬تنظر إلى الحماية و العاطفية التي لم تجدها في والدها الذي أحبته‬
‫والذي لم يحبها حقا‪ ،‬وتبحث عن زوج يكون دائما محب ‪ ،‬متفهم وحامي‪ ،‬و إن األب غائب‬
‫دائما بحكم العمل وحتى إن كان حاضرا جسميا فهناك نقص ‪ ،‬سحب االستثمار العاطفي من‬
‫طرف األم بالنسبة لألنثى‪ ،‬و فرط االستثمار العاطفي بالنسبة للذكر لهم نتائج سلبية على‬
‫مآل الطفل في العائلة الجزائرية ‪ ،‬لهذا ستبحث المرأة دائما عن هذا النقص‪)1(.‬‬
‫‪ 2 . 3 . 1‬العائلة الجزائرية المعاصرة‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫عبد الرحمن هرفان ‪ 1990 .‬األسرة الجزائرية بين األصالة و المعاصرة ‪ .‬ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ص ‪.82‬‬

‫‪33‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫ما يطلق عليها اآلن األسرة النووية تتكون من الزوج و الزوجة و األبناء غير المتزوجين‪،‬‬
‫إضافة إلى هذا هي أسرة بسيطة تدير شؤونها بنفسها وتبحث عن االستقاللية و االنفراد في‬
‫مسكنها‪ ،‬وبعد االستقالل تعرضت األسرة الجزائرية بفعل عوامل التصنيع و التحضر‬
‫كظهور المدن الصناعية و الهجرة نحوها إلى فقدان الكثير من صفاتها التقليدية البنائية‬
‫منها و الوظائفية‪ ،‬و بالتالي ظهرت محلها صفات ومزايا جديدة ساعدت على بروز شكل‬
‫جديد من العائلة يتماشى والعصر المعاش ‪.‬‬
‫ـ كل فرد من العائلة أصبح وحدة اقتصادية إنتاجية قائمة بذاتها تؤمن احتياجاتها بنفسها وهذا‬
‫راجع لفتح مجال التوظيف‪.‬‬
‫ـ التطور العلمي والثقافي واالختالط الجنسي‪ ،‬و خروج المرأة للعمل جعل من مسألة الزواج‬
‫قضية شخصية وأصبح للمرأة حق في الرأي واالختيار‪.‬‬
‫ـ فقدان العائلة الجزائرية سمات وخصائص العائلة التقليدية‪ ،‬فأصبحت تتميز بالضعف كونها‬
‫تستند على الجانب الرمزي والمصلحي‪.‬‬
‫إن الروابط االجتماعية لم تعد تحدد و تعرف على أساس الروابط الجماعية التي تعرفها‬
‫العائلة التقليدية‪ ،‬و يقدم هذا األخير العائلة الجزائرية المعاصرة في ثالث أنماط حسب دراسة‬
‫له‪:‬‬
‫‪- 1‬النمط األول‪ :‬النمط المفتوح الذي يتم التركيز فيه حول نمط من التفاعل يصبغه التفاهم‬
‫الكلي‪ ،‬التكيف والتقاسم لكل المسائل والمشاكل‪ ،‬باإلضافة إلى التوافق والتضامن‪ ،‬كما أنه‬
‫يعطي صبغة أكثر فردانية للعالقة األسرية‪ ،‬وأكثر تقبال لألفكار والتكنولوجيا الحديثة‪.‬‬
‫‪-2‬النمط الثاني‪ :‬النمط المغلق الذي يتميز باتجاهه التقليدي ‪ ،‬الصارم و المحافظ يطغى‬
‫عليه االتصال المحدود و الشخصي على االتصال الجمعي ‪ ،‬أما األساليب التربوية فتتميز‬
‫بالقسوة والشدة ‪ ،‬فالتقليد من ثوابت األمة و أساس األسرة‪.‬‬
‫‪-3‬النمط الثالث‪ :‬النمط البيني الذي يمثل النموذج المثالي فهو يعتمد على الوسطية والتنوع في‬
‫العالقات والتفاعالت‪ ،‬انه نمط تلتقي فيه الثقافتان التقليدية والحديثة‪ ،‬يتميز باللّيونة والمرونة‪.‬‬
‫(‪1‬‬

‫‪ .2‬التطور التاريخي لوظائف األسرة‪:‬‬


‫منذ فجر التاريخ اإلنساني واألسرة تحتل مكانة رئيسة على صعيد حماية أفرادها وتربيتهم‬
‫وتنشئتهم‪ ،‬بل إن األسرة في الماضي كانت هي المؤسسة الوحيدة التي تؤدي معظم هذه‬
‫الوظائف‪ ،‬ذلك قبل أن تنتزع المجتمعات المعاصرة منها تلك الوظائف شيئا ً فشيئاً‪ .‬ومع ذلك‬
‫فما زالت األسرة تلعب دورا ً حيويا ً في تشكيل شخصية أطفالها في المراحل العمرية المختلفة‪.‬‬
‫لذا تعتبر األسرة محددا ً أساسيا ً للصحة النفسية للفرد والمجتمع‪ ،‬لذلك فقد أولى علماء النفس‬
‫األسرة أهمية خاصة سواء من المنظور الصحي أو اإلنجابي أو من منظور مرضي‪ ،‬واضعين‬

‫(‪ )1‬مصطفى بوتفنوشت ‪، 1984،‬العائلة الجزائرية ‪ ،‬التطور و الخصائص الحديثة ‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ‪ ،‬ص ‪145‬‬

‫‪34‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫في اعتباراتهم ما لألسرة كبناء ونظام ومناخ وأسلوب حياة من تأثير فعال على نمو وتقدم‬
‫أعضائها ‪.‬‬
‫ال شك أن تحقيق ضروريات الحياة المادية كانت أول أهداف الترابطات األولى‪ ،‬و لكنها‬
‫صنع األدوات‬‫ستقرة حيث تنحصر وظائفها في القيام بمستلزمات الحياة‪ ،‬و ُ‬ ‫كانت غير ُم ّ‬
‫البدائية التي يعتمدون عليها في الصيد و جمع الثّمار‪ .‬و بتقدّم العصور تمحورت وظائف‬
‫األسرة و أصبحت أقرب إلى تحقيق الغايات من اإلجتماع اإلنساني‪ ،‬فكانت األسرة وحدة‬
‫اقتصادية تُنتج ما تحتاج إليه العشيرة من مطالب الحياة‪ .‬و كانت هيئة سياسية و إدارية و‬
‫تشريعية‪ ،‬فهي التي تُدير شؤون العشيرة بواسطة مجلس األسر و رؤساء العشائر‪ ،‬حيث تقوم‬
‫و تحكم المنازعات بين األفراد و تدعيم العرف و التقاليد و العادات‪ ،‬و تقوم بضبط السلوك‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلنساني و هي التي تقوم بخطط الدفاع ‪ ،‬باإلضافة إلى العملية التربوية‪.‬‬
‫عندما اتسع نطاق الحياة اإلجتماعية و تفاعلت األسر مع بعضها البعض و نشأت المدن‪،‬‬
‫و بعد ذلك قامت الدول‪ ،‬و أخذت تسلب من األسرة الوظائف واحدة تلو األخرى‪ .‬و أخذت‬
‫تنشئ وظيفة من الوظائف التي أشرنا إليها‪ .‬هيئة ُمستقلّة تأخذ على عاتقها تحقيقها على الوجه‬
‫األكمل لصالح األفراد‪ .‬بوصفهم عناصر في المجتمع بصرف النظر عن التنظيمات األسرية‪،‬‬
‫فانتزعت الدولة السلطة السياسية وأنشأت لها الهيئات الحكومية والمجالس النيابية و انتزعت‬
‫منها الوظيفة اإلقتصادية‪ ،‬و أصبحت من اختصاص العمال والص ّناع و أرباب الشركات‬
‫الصناعية‪ .‬وانتزعت الوظيفة الدينية فأصبحت من رجال الدين السيما عندما انتشرت الديانات‬
‫المو ّحدة‪ ،‬و انتزعت منها وظيفة التربية و التعليم و على هذا النحو المجتمع على معظم‬
‫وظائف األسرة التي كانت األسرة القديمة تقوم بها‪.‬‬
‫يرى كثير من المفكرين والفالسفة الخياليين أن وظائف األسرة يمكن أن تتحول إلى هيئات‬
‫أخرى‪ ،‬إذ يرى هؤالء‪ ،‬أن الشباب يجب أن يتدبروا وفقا ً لمهارتهم ومقدراتهم الشخصية‪،‬‬
‫وليس وفقا ً النتماءاتهم العائلية‪ .‬كما يجب أال يسمح للذكور أو اإلناث بتكوين أسر مستقلة‬
‫وإنما يجب أن يعيشوا في مجتمع كميوني أو شيوعي‪ ،‬وال يقوم اآلباء بتربية أطفالهم وإنما‬
‫(‪)1‬‬
‫يتلقون هذه التربية عن طريق جهات متخصصة في المجتمع‪.‬‬
‫وقد حاولت بعض المجتمعات تطبيق هذه التصورات الخيالية بالفعل مثل‪ ( :‬الكميونات‬
‫الصينية ) ) ‪ ) Chinese Commune‬والكلخوز الروسي ) ‪ ( Ryssiun Kolkhoz‬وذلك عن‬
‫طريق نقل وظائف األسرة التقليدية – التغذية والرعاية والتنشئة االجتماعية والضبط‬
‫االجتماعي – إلى جماعات متخصصة غيرها إال أنه يمكن القول أنه ‪:‬‬
‫‪ -1‬ال يوجد أي مجتمع فصلت فيه هذه الوظائف أحداها عن اآلخر بصورة طبيعية خالل‬
‫النمو التاريخي‪.‬‬

‫(‪ )1‬محمد مصطفى احمدن ‪ 1999 ،‬السكان و األسرة ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬ص ‪10‬‬

‫(‪ )1‬محمد مصطفى احمد ن مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪11‬‬

‫‪35‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ -2‬إذا انفصلت هذه الوظائف فقد يكون األمر راجعا ً إلى تخطيط معين أو نتيجة لحماس‬
‫إيديولوجي‪.‬‬
‫‪ -3‬ال بد أن يبتعد أفراد المجتمع بالتدريج عن النموذج الجديد وأن يعودوا للنسق التقليدي‬
‫الذي تعتبر فيه وظائف األسرة المشار إليها مسؤولية متكاملة تنهض بها ككل‪.‬‬
‫ونستطيع أن نقدم مثالً ح ّيا ً على ذلك بالتجربة الروسية في هذا المجال ‪.‬فقد قامت ثورة (‪1917‬‬
‫) في ظل مناخ فكري حمل اتجاهات مضادة ألنماط العالقات األسرية القائمة‪ ،‬أدى إلى وجود‬
‫مبررات قوية لتغييرها‪ ،‬فاألسرة كانت في رأي قادة الثورة‪ ،‬وراء دافع الملكية الخاصة‪ ،‬ولهذا‬
‫تعرضت األسرة الروسية بنمطها الممتدة لمحنة فريدة في نوعها في تاريخ الثقافات البشرية‬
‫الحديثة نتيجة للتقلبات التي حدثت خالل التجارب الثورية وخاصة عندما شرع في إعادة‬
‫(‪)2‬‬
‫تنظيمها لتتوافق مع المجتمع الذي يتغير بناءه بسرعة‪.‬‬
‫ومع ذلك يوجه النقد اآلن لألسرة الحضرية المعاصرة لفقدها كثيرا ً من وظائفها التقليدية التي‬
‫كانت تقوم بها في الماضي‪ ،‬وبتتبع التاريخ المكتوب نجد أن األسرة في العصور السابقة كانت‬
‫هي النظام االجت ماعي الرئيسي‪ .‬وقد صاحب التغيرات التي تعرضت لها المجتمعات مثل ‪:‬‬
‫زيادة التخصص وتعقد المجتمع الحديث‪ ،‬تغيرات في الوظائف التي كانت األسرة تقوم بها‬
‫من قبل‪ ،‬األمر الذي أدى إلى انتقال عدد كبير منها إلى مؤسسات أو تنظيمات خارج نطاق‬
‫األسرة‪.‬‬
‫وقد أكد )‪ (William Ogburn‬أن مأساة األسرة الحديثة تكمن في فقدانها ألغلب الوظائف‬
‫التي كانت تقوم بها وهي ‪:‬‬
‫‪ 1 . 1 . 2‬الوظيفة االقتصادية ‪ :‬حيث كانت األسرة في الماضي وحدة اقتصادية مكتفية ذات ّيا ً‬
‫ألنها تقوم باستهالك ما تنتجه‪ ،‬وبالتالي لم تكن هناك حاجات للبنوك أو المصانع أو المتاجر‪.‬‬
‫‪ 2 . 1 . 2‬وظيفة منح المكانة ‪ :‬كان أعضاء األسرة يستمدون مكانتهم االجتماعية من مكانة‬
‫أسرهم في الوقت الذي كان اسم األسرة يحظى بأهمية وقيمة كبرى‪.‬‬
‫‪ 3 . 1 .2‬الوظيفية التعليمية ‪ :‬كانت األسرة تقوم بتعليم أفرادها وال يعني ذلك تعليم القراءة‬
‫والكتابة وإنما يعني ‪ :‬الحرفة أو الصناعة‪ ،‬أو الزراعة‪ ،‬والتربية البدنية‪ ،‬والشؤون‬
‫المنزلية‪....‬إلخ‪.‬‬
‫‪ 4 . 1 .2‬وظيفة الحماية ‪:‬كانت األسرة أيضا ً مسؤولة عن حماية أعضائها‪ ،‬فاألب ال يمنح‬
‫ألسرته الحماية الجسمانية فقط وإنما يمنحهم أيضا الحماية االقتصادية والنفسية وكذلك يفعل‬
‫األبناء آلبائهم عندما يتقدم بهم السن‪.‬‬
‫‪ 5 . 1 .2‬الوظيفة الدينية ‪ :‬مثل صالة الشكر عند تناول الطعام‪ ،‬وصلوات األسرة الجماعية‪،‬‬
‫وقراءة الكتب المقدسة‪ ،‬وممارسة الطقوس الدينية‪.‬‬

‫(‪ )2‬احمد حسين اللقاني ‪ 2002 ،‬األسرة التربية بين الحاضر و المستقبل ‪،‬عالم الكتب القاهرة ‪،‬ص ‪153‬‬

‫‪36‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ 6 . 1 .2‬الوظائف الترفيهية‪ :‬كانت الوظيفة الترفيهية محصورة أيضا ً في األسرة أو بين عدة‬
‫أسر وليس في مراكز خارجية مثل المدرسة‪ ،‬أو المجتمع المحلي‪ ،‬أو وسائل الترفيه المختلفة‪.‬‬
‫وتتم هذه الوظائف في إطار التنشئة االجتماعية و هي العملية التي يتم من خاللها تكييف‬
‫الفرد مع بيئته االجتماعية بحيث يصبح عضوا ً معترفا ً به ومتعاونا ً مع اآلخرين‪ ،‬فالتطبيع أو‬
‫التنشئة يتيح لألفراد أن يكتسبوا عادات اجتماعية مقبولة بحيث يصبحوا قادرين على العيش‬
‫في المجتمع‪.‬‬
‫ونتيجة لفقدان األسرة لهذه الوظائف‪ ،‬أصبحت مفككة والدليل على ذلك هو زيادة عدد األسر‬
‫المنهارة بسبب الطالق‪ .‬وقد تعرضت آراء ( اجبرن ) لكثير من النقد حيث يرى بعض علماء‬
‫االجتماع أنه من الخطأ التأكيد على المحتوى التقليدي والشكل المعين للوظائف بدالً من النظر‬
‫إليها باعتبارها وظائف تقلص أداؤها بالنسبة لألسرة‪ ،‬وليس هناك شك في أن األسرة فقدت‬
‫(‪)1‬‬
‫بالفعل بعض وظائفها التقليدية‪ ،‬إال أن هذا الفقدان ينطوي على تغير في الشكل والمضمون‪.‬‬
‫إن األسرة في المجتمعات الصناعية المتقدمة‪ ،‬لم تعد وحدة اقتصادية منتجة في المحل األول‪،‬‬
‫ولكنها أصبحت وحدة اقتصادية مستهلكة‪ ،‬فهل استهالك الوحدة األسرية أقل أهمية كوظيفة‬
‫اقتصادية في المجتمع الحديث عما كان عليه في الماضي كوحدة منتجة ؟وإلى أي مدى‬
‫يستطيع االقتصاد الحالي أن يستمر إذا لم يعتمد على األسرة من حيث هي كذلك في ( استهالك‬
‫) المالبس والمنازل والعربات‪ ،‬المنتجات الغذائية‪ ،‬واألثاث‪...‬إلخ‪.‬‬
‫ويمكن تقديم الدليل بنفس الطريقة على أن الوظائف األخرى التي تدعم نظرية ( اجبرن ) أن‬
‫األسرة فقدتها مثل ‪ :‬التعليم‪ ،‬الدين‪ ،‬الحماية‪ .‬فإذا كانت األسرة قد فقدت بالفعل هذه الوظائف‬
‫المشار إليها فلماذا إذن نجد أن األبناء يعتنقون المعتقدات الدينية والسياسية‪ ،‬وكذلك المعتقدات‬
‫الطبقية المشابهة أو المتماثلة مع تلك التي يعتنقها آباؤهم ؟ ولماذا نرجع أكثر االنحرافات‬
‫وارتكاب الجرائم إلى األسرة وليس إلى دور العبادة‪ .‬كذلك إذا كانت األسرة قد فقدت بالفعل‬
‫وظيفتها التعليمية فلماذا نعتبرها بوجه عام والوالدين بوجه خاص‪ ،‬المفتاح الذي يحدد مدى‬
‫(‪)1‬‬
‫تقدم الطفل في المدرسة ‪.‬‬
‫إال أن النظرية البنائية الوظيفية التي قدمها ( ‪ ( Parsons‬لم تفسر التغيرات الحديثة في أنماط‬
‫األسرة على أنها انهيار أو تفكك‪ ،‬بل على العكس في ذلك تماما ً نجد أن ( بارسونز ) كان‬
‫واضحا عندما أكد أن ( عملية التمايز ) تؤدي إلى تزايد المؤسسات والهيئات والوحدات التي‬
‫تقوم بوظائف محددة‪ ،‬ومعنى هذا أن الوظائف التي كانت تقوم بها في الماضي وحدة واحدة‬
‫( األسرة ) أصبحت تضطلع بها وحدات عديدة متخصصة ‪،‬بينما تقتصر الوحدة األصلية على‬
‫وظائف محدودة‪.‬‬
‫ويشير ( ‪ ( Parsons‬إلى أن التغيرات التي تحدث في األسرة تنطوي على مكاسب كما‬
‫تنطوي على خسائر‪ ،‬والوحدة التي تفقد بعض أو كل وظائفها‪ ،‬وتصبح أكثر حرية في تبني‬
‫وظائف أخرى ‪ :‬عندما تكون وظيفتان مستغرقتان في نفس البناء ثم يحدث أن يقوم بأدائها‬
‫سامية الخشاب‪ ،2007 ، ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪20‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫سامية الخشاب‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪21‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪37‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫بناءان مختلفان‪ ،‬فإنهما تؤديان بدقة وعناية أكثر وبدرجة أكبر من الحرية‪ .‬وإذن فتحرر‬
‫األسرة من األعمال العديدة التي كانت تقوم بها في الماضي يجعلها قادرة على أداء األعمال‬
‫المتبقية لها بطريقة أكثر نجاحاً‪ ،‬كما تصبح في مركز يسمح لها بتلبية االحتياجات العاطفية‬
‫والشخصية لكل من البالغين واألطفال‪.‬‬
‫إن األسرة أصبحت أكثر تخصصا ً عما كانت عليه من قبل‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أنها‬
‫أصبحت أقل أهمية ألن المجتمع أصبح يعتمد عليها أكثر في أداء عديد من وظائفه المختلفة ‪،‬‬
‫إن هذا التغير في وظائف األسرة ‪،‬ال يعني أنه قد حدثت تغيرات عميقة يمكن أن تتحول األسرة‬
‫إلى مكان لممارسة العالقات الجنسية‪ ،‬فكل فقدان لبعض الوظائف استجابة للتغيرات الجارية‬
‫يدعم من وحدة األسرة وتكاملها‪ ،‬ويزيد من قدرتها على مواجهة متطلبات التنشئة االجتماعية‬
‫وتنمية شخصية األطفال وإعدادهم لمواجهة حياة أفضل مما واجهه اآلباء‪ .‬وبمعنى آخر تتحول‬
‫األسرة في مسيرة التقدم إلى وحدة بيولوجية بل على العكس تؤكد صفتها اإلنسانية و‬
‫االجتماعية باستمرار ‪ ،‬وعموما ً تحدد المراجع العلمية وظائف األسرة المعاصرة فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬إنجاب الصغار‪.‬‬
‫‪ -2‬المحافظة الجسدية ألعضاء األسرة‪.‬‬
‫‪ -3‬منح المكانة االجتماعية لألطفال والبالغين‪.‬‬
‫‪ -4‬التنشئة االجتماعية ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -5‬الضبط االجتماعي‪.‬‬
‫باإلضافة إلى وظيفة جديدة لم يهتم بها التحليل السوسيولوجي من قبل وهي‪:‬‬
‫‪ 7 . 1 .2‬الوظيفة العاطفية ( ‪ ) Affectional Function‬ونعني بها ‪ :‬التفاعل العميق بين‬
‫الزوجين وبين اآلباء واألبناء في منزل مستقل مما يخلق وحدة أولية صغيرة تكون المصدر‬
‫الرئيسي لإلشباع العاطفي لجميع أعضاء األسرة‪ ،‬وقد أصبحت هذه الوظيفة من المالمح‬
‫المميزة لألسرة الحضرية الحديثة‪ ،‬بعكس الحال في األسرة الممتدة في المجتمعات الزراعية‬
‫‪،‬حيث يتم التفاعل األولي بين فئة كبيرة من األقارب الذين يعيشون متجاورين‪.‬‬
‫وقد ترتب على هذه الوظيفة الجديدة أن أصبحت األسرة النواة تحمل عبئا ً ثقيالً‪ ،‬ألنها‬
‫(‪)2‬‬
‫أصبحت المصدر الوحيد الذي يستمد منه األفراد الحب والعاطفة ‪.‬‬
‫وقد أشار " الشناوي ‪ " 2001‬أنه برغم من تطور المجتمعات إال أن األسرة مازالت تقوم‬
‫األسرة بعدد من الوظائف تتناول مختلف جوانب شخصية الطفل وحياته و يمكن توضيح هذه‬
‫الوظائف على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ ،‬ص‪161‬‬ ‫(‪ )1‬شكري علياء وآخرون ‪ ، 2009 ،‬علم االجتماع العائلي ط ‪ ،1‬دار المسيرة للنشر ‪ ،‬عمان ‪ ،‬االردن‬
‫(‪ )2‬العراقي ‪ ،‬بثينة السيد ‪ ، 2006 ،‬حياة زوجية بال مشاكل ‪ ،‬ط ‪ 1‬دار طويق للنشر ‪ ،‬الرياض ص ‪87‬‬

‫‪38‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ 8 . 1 . 2‬الوظيفة البيولوجية‪ :‬وهي تشمل اإلنجاب والتناسل و حفظه من االنقراض‪ ،‬وتختلف‬


‫هذه الوظيفة باختالف نوع المجتمع الذي توجد فيه األسرة و باختالف نوع األسرة‪.‬‬
‫‪ 9 . 1 . 2‬الوظيفة النفسية واالجتماعية‪ :‬وتتمثل هذه الوظيفة بتوفير الدعم النفسي‬
‫واالجتماعي لألبناء ‪،‬وإن أهم وظيفة تقدمها األسرة ألبنائها هي تزويدهم باإلحساس‬
‫باألمن و القبول في األسرة و نقل العادات والتقاليد و القيم و العقائد السائدة في األسرة‪،‬‬
‫و تزويدهم بأساليب التكيف كما تتضمن توريث الملكيات الخاصة‪.‬‬
‫‪ 10 . 1 . 2‬الوظيفة الجنسية‪ :‬األسرة هي النظام األساسي‪ ،‬و تعتبر األسرة البيئة التي‬
‫اٍّصطلح عليها المجتمع‪ ،‬ونصت عليها الشرائع المنزلة لتحقيق غرائز الفرد الجنسية و‬
‫إتباع رغباته الجنسية بصورة يقرها المجتمع و يقبلها‪ ،‬و يتعرف بثمرات هذا االتصال ‪،‬‬
‫أي وفق قواعد تمثل في جملتها تنظيمات اٍّجتماعية تتحكم في العادات والتقاليد المجتمعية‪،‬‬
‫وبنا ًء على تعاليم قانونية‪.‬‬
‫‪ 11 . 1 . 2‬الوظيفة العاطفية‪ :‬هي التفاعل المتعمق بين جميع أفراد األسرة في ظل المشاعر‬
‫العاطفية بين الوالدين واألطفال عندما يعملون جميعا من أجل مصلحة الحياة اإلنسانية وحفاظا‬
‫على كيان ووحدة األسرة وهذه الوظيفة تحدد المالمح الرئيسية المميزة لألسرة الحديثة‪.‬‬
‫فاألسرة توفر حسب ألبنائها مظاهر الحب و العطف و االهتمام واالستقرار‪ ،‬مما يساعدهم‬
‫على نضجهم النفسي‪ ،‬و قد تبين بصورة واضحة أن الكثير من األمراض النفسية التي‬
‫تصيب األبناء ترجع إلى افتقاد الحب و الدفء والعالقات العاطفية‪ ،‬وأن قدرا كبيرا من‬
‫التكامل االنفعالي العاطفي يتوقف على مبلغ ما يتوفر لألبناء من إشباع لرغباتهم المتعددة ‪.‬‬
‫‪ 12 . 1 .2‬الوظيفة االقتصادية‪ :‬األسرة جماعة اٍّجتماعية مسؤولة عن توفير الحاجات المادية‬
‫فهي تطعمهم و تأويهم وتكسيهم‪ ،‬واألسرة تحولت إلى وحدات اٍّقتصادية مستهلكة بعد أن هيأ‬
‫المجتمع لألسرة منظمات جديدة تقوم بعمليات اإلنتاج و توفير السلع و الخدمات كما أن‬
‫الحياة في المجتمعات المتقدمة أجبرت أفراد األسرة على السعي للعمل خارج محيط األسرة‪،‬‬
‫مما أدى إلى نشأة روابط وعالقات اقتصادية خارج محيط األسرة‪.‬‬
‫‪ 13 . 1 . 2‬الوظيفة التربوية‪ :‬تقوم األسرة بوظيفة ذات أهمية و تنشئة الطفل عامل من‬
‫عوامل التربية و هذه األخيرة تتضمن حسن التقويم لسلوك األطفال وكذلك رعايتهم و تعويدهم‬
‫على نقل ثقافة المجتمع‪.‬‬
‫فاألسرة تقوم بتزويد الطفل بمبادئ وتقاليد وتعاليم النظام السائد و تحرص فيه الصفات‬
‫والخصال التي تريدها‪ ،‬و بذلك يشب مدفوعا ً إلى نوع السلوك الذي تسير عليه‪ ،‬و لها دور‬
‫(‪)1‬‬
‫أساسي تعمل على تثقيفه وتعليمه وتلقينه العلم والمعرفة‪.‬‬

‫‪ . 2‬الوظائف الزواج (األسرة الممتدة و النووية)‪:‬‬

‫(‪ )1‬محمد الشناوي وآخرون ‪،)2001(،‬التنشئة االجتماعية للطفل‪ ،‬الطبعة األولى ‪،‬دار صفاء للنشر والتوزيع ‪،‬األردن‪ .‬ص ‪206-205‬‬

‫‪39‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫سبق أن أشرنا إلى أن وظائف األسرة تشتمل على حلقة واسعة من النتائج مثل التشكيل‬
‫أو التكوين األساسي للشخصية‪ ،‬واكتساب المكانة‪ ،‬والتنشئة االجتماعية‪ ،‬وامتصاص التوتر‪،‬‬
‫والتعاون االقتصادي ‪،‬واإلنجاب‪ ،‬واالستقرار بالنسبة لألفراد البالغين ( الزوجين ) ومع أن‬
‫عديدا ً من هذه الوظائف يمكن إنجازها بدون زواج إال أن النسق الزواجي يعززها ويقويها‪.‬‬
‫وتختلف وظائف الزواج باختالف بنائه‪ ،‬فعندما يكون الزواج من داخل النسق القرابة أو‬
‫األسر الممتدة يصبح اإلنجاب والمحافظة على اسم األسرة وملكيتها من الوظائف األساسية‬
‫لألسرة‪ ،‬في هذه الحالة يكون عدم اإلنجاب بوجه عام أو عدم إنجاب طفل ذكر سببا ً قويا ً‬
‫لطالق الزوجة‪ ،‬والزواج من أخرى أو الزواج بأخرى مع االحتفاظ بالزوجة األولى‪.‬‬
‫أما في المجتمعات المتقدمة فإن الزواج تكون له وظائف أخرى مختلفة عن تلك التي توجد‬
‫في النمط السابق مثل‪ :‬االستقالل واالستقرار وتأسيس أسرة خاصة ‪ ،‬واإلنجاب‪ ،‬وتحقيق‬
‫الرفقة والسعادة‪ ،‬والحب‪ ،‬واالعتماد على النفس‪ ،‬واألمن االقتصادي‪ ،‬العالقة الجنسية‬
‫المشروعة‪ ،‬وتبادل العواطف‪ ،‬واستبعاد مشاعر الوحدة‪..‬إلخ‪.‬‬
‫أما لماذا يحدث الزواج ‪ ،‬فإن أي سبب من األسباب السابقة يمكن أن يفسر الزواج على‬
‫المستوى الشخصي ‪،‬أما على المستوى االجتماعي فإن جميع المجتمعات تقبل أسبابا ً معينة‬
‫وترفض أخرى ‪ ،‬إال أنه من المؤكد أن العوامل الشخصية في الزواج تعمل من خالله حدود‬
‫(‪)1‬‬
‫اجتماعية واضحة‪ ،‬والوظائف التي يؤديها تتحدد من خالل المضمون الثقافي واالجتماعي‪.‬‬

‫المحاضرة السابعة‪ :‬األدوار الزوجية بين الحداثة و التقاليد‬


‫األدوار الزوجية بين الحداثة و التقاليد‪:‬‬
‫‪ 1.‬متطلبات األدوار الزوجية التقليدية للمرأة‪:‬‬
‫إن المرأة حائرة في وسط تناقضات من القيم والمعتقدات‪ ،‬فإذا كرست المرأة المتزوجة‬
‫حياتها لزوجها ولحياتهما العائلية‪ ،‬فإنها تُدعى بأنها مجرد (ربة بيت)‪ ،‬وحتى إذا كانت راضية‬
‫بهذا الدور الذي تقوم به‪ ،‬فإنها ربما ستشعر بالذنب‪ ،‬ألنها ال تستطيع عمل أكثر من ذلك في‬
‫حياتها‪ ،‬وروتين العمل المنزلي يجعالن ربة البيت غير راضية عن عملها‪.‬‬
‫و إن المرأة العاملة‪ ،‬ربما تصبح محبطة من جراء الضغط الناتج من كونها مسئولة عن‬
‫األعمال المادية‪ ،‬وكذلك مسئولة عن كل شئون البيت في بعض األحيان‪ .‬وربما وجب على‬
‫الزوجة العاملة أن تكون (امرأة خارقة)‪ ،‬يطلب منها القيام بالمهام كافة مثل العمل‪ ،‬واألمومة‪،‬‬
‫والزوجة‪ ،‬وأعمال البيت‪ ،‬في الوقت نفسه وغير ذلك‪ ،‬وغالبا ما يبقى لديها من الوقت والطاقة‬
‫(‪)2‬‬
‫القليل لتلبي حاجتها الخاصة بها‪.‬‬
‫‪ 2‬متطلبات األدوار الزوجية للرجل‪:‬‬

‫(‪ )1‬عبد الرحمن العيسوي‪ 1993 ،‬علم النفس األسري وفقا للتصور اإلسالمي و علمي ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬بيروت ص ‪173‬‬
‫(‪ )2‬محمد بشير ‪ ،1986 ،‬ديناميكية العالقات األسرية‪ ،‬المكتب الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ، ،‬ص ‪124‬‬

‫‪40‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫إن معظم الرجال اليوم يتبنون فكرة القيام بالدور التقليدي‪ ،‬وهو دور العائل االقتصادي‪،‬‬
‫والكثير منهم يميل أكثر للحياة العائلية الشرقية‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق برعاية الطفل وعمل‬
‫البيت‪.‬‬
‫و يحاول الرجال الموازنة ما بين العمل والعائلة‪ ،‬ربما يشعرون باإلحباط من جراء قيود أوقات‬
‫العمل ومسئولياته‪ ،‬إن متطلبات وبرامج العمل تجعل من الصعب على الرجل أن يخصص‬
‫الكثير من وقته لعائلته‪.‬‬
‫كذلك فإن الرجال الذين يحاولون تخصيص وقت أكثر لقضائه مع أسرهم نجدهم يواجهون‬
‫المنافسة مع زمالئهم في العمل الذين يكرسون كل جهدهم لعملهم‪ ،‬وهكذا فإن الرجل الذي‬
‫يحاول القيام بالعمل ورعاية البيت ربما يستطيع عمل ذلك‪ ،‬ولكن سيكون على حساب بعضها‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫والفكرة التقليدية هي االعتقاد بأن الرجل هو الممول االقتصادي الوحيد‪ ،‬وال يستوجب عليه‬
‫أن يمارس أية مسؤوليات أخرى اتجاه العمل المنزلي أو رعاية األطفال‪.‬‬
‫وبصفة عامة فإن أفضل الطرق هي الزواج القائم على الدور المشترك الذي يسمح للزوجة‬
‫في المساهمة في دخل العائلة‪ ،‬كما يسمح للزوج في المساهمة في أعمال البيت ورعاية‬
‫األطفال‪ ،‬وهذا يخلق عالقة متوازنة يشترك فيها الزوجان بالسعادة والكدح في العمل والعناية‬
‫(‪)1‬‬
‫بالعائلة‪.‬‬
‫‪ 3‬أثر عمل الزوجين على الحياة الزوجية‪:‬‬
‫يعدّ الزواج القائم على الدور المشترك ضرورة اقتصادية لكثير من األزواج‪ ،‬فأكثر من‬
‫نصف نساء الواليات المتحدة المتزوجات يعملن خارج بيوتهن‪ ،‬وعلى الرغم من أن تطبيق‬
‫األدوار الزوجية التقليدية ربما يخلق تضاربا وتوترا للزوجين العاملين‪ ،‬إال أن الزوجة العاملة‬
‫ال تتولى غالبا على رعاية األطفال ومسئوليات األعمال المنزلية‪ ،‬لهذا فإن كثيرا من األزواج‬
‫يشعرون بأن لهذه األشياء أعباء ثقيلة بالنسبة للزوجة‪ ،‬ومن الصعب تحطيم األنماط التي تُقر‬
‫(‪)2‬‬
‫على أن واجب الرجل العمل كمعيل للعائلة‪ ،‬بينما تكون المرأة مسئولة عن العناية بالبيت‪.‬‬
‫‪ 4‬الصعوبات التي تواجه األسرة التي يعمل فيها الزوجان‪:‬‬
‫ونتيجة لتصارع و تداخل األدوار بين الزوجين هناك مصاعب تواجههما‪ ،‬وفيما يلي تلك‬
‫الصعوبات‪:‬‬
‫‪ 1 . 4‬تحمل الشخص أكثر من طاقته‪ :‬وهي التي توجد عندما يكون لدى الزوجين التزامات‬
‫ومسئوليات اتجاه البيت والمهنة‪ ،‬فالمرأة العاملة تلتزم بجدول عمل‪ ،‬مثل التنظيف والتسوق‬
‫والطبخ والتدريس لألطفال‪ ،‬ومتابعة نشاطاتهم وترتيب اللقاءات االجتماعية والزيارات‬

‫(‪ )1‬المبي وزماري ‪1989 ،‬ا‪،‬إلرشاد األسري ‪،‬دار قباء ‪،‬القاهرة ص ‪127‬‬
‫(‪ )2‬هوكستاد ارلي و ماشنخ ‪ ،‬آن‪ 1994 ،‬لوردية الثانية في حياة المرأة العاملة ‪، ،‬ترجمة عزة الجوهري دار الدولية للنشر و التوزيع ‪،‬القاهرة ‪،‬‬
‫ص ‪201‬‬

‫‪41‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫واإلجازات وما إلى ذلك‪ ،‬وإذا ما كرس كال الزوجين قسطا كبيرا من وقتهما للعمل‪ ،‬فإن‬
‫المهام المنزلية ستكون مصدر نزاع وخالف بينهما‪.‬‬
‫‪ 2 . 4‬مسؤوليات المهنة‪ :‬إن متطلبات المهنة خلقت مشكالت إضافية للعائالت التي يعمل‬
‫فيها الزوجان‪ ،‬وأهم مشكلة رئيسة هي‪ :‬عدم توفر الوقت الكافي لاللتقاء اليومي بصفة مستمرة‬
‫ودائمة‪ ،‬يحدث انقطاع في برنامج حياة العائلة‪ ،‬وانفصاالت متقطعة‪ ،‬وأعمال إضافية للزوج‬
‫الذي يبقى في البيت‪ ،‬كما أن تغيير مكان العمل يخلق مشكالت أخرى للعائلة‪ ،‬حيث يتطلب‬
‫ذلك حزم األمتعة والنقل والبحث عن عمل جديد للزوج اآلخر‪ ،‬وإيجاد بيت جديد ومدارس‪،‬‬
‫وإنشاء عالقات وصداقات وروابط اجتماعية‪ ،‬وتتزايد المشكالت إذا ما كان أحد الزوجين‬
‫يعمل عمال إضافيا‪ ،‬أو يقطع مسافة بعيدة إلى العمل‪ ،‬أو يتطلب منه حضور االجتماعات‬
‫واللقاءات والمؤتمرات التي تتم خارج المدينة‪.‬‬
‫ليس األزواج فقط هم المستغرقون في العمل خارج المنزل‪ ،‬فهناك عديد من الزوجات يعملن‬
‫أيضاً‪ ،‬وليس هناك شك في أن عمل كل من الزوج والزوجة يؤثر على مدى إنجاز األعمال‬
‫المنزلية‪ ،‬ومن الواضح نتيجة لدراسات عديدة وجود ذلك الفرق الواضح في إنجاز األعمال‬
‫المنزلية بين الزوجات المتفرغات وبين الزوجات العامالت‪ ،‬فعندما تكون الزوجة بعيدة عن‬
‫المنزل معظم ساعات النهار فإنها تواجه أعباء عملين في نفس الوقت‪ ،‬عملها الذي تحصل‬
‫منه على مرتبها باإلضافة إلى عبء األعمال المنزلية ‪.‬‬
‫‪ 3 . 4‬رعاية الطفل والعناية به‪ :‬مشكلة أخرى تواجه الزوجين العاملين وهي النقص في‬
‫أساليب العناية بالطفل‪ ،‬وخالل عشرة العقود األخيرة ازدادت متطلبات العناية بالطفل‪ ،‬ومما‬
‫يدل على ازدياد حجم تلك المشكلة أنه من تحليالت المجالت اليومية المتعلقة بالخدم‬
‫ومشكالتهم في أسرنا حيث نجد بين كل (‪ )% 43‬من األمهات المتزوجات‪ ،‬ولديهم أطفال‬
‫بأعمار أقل من (‪ )6‬سنوات يعملن خارج بيوتهن‪ ،‬وفي إطار النتائج السلبية التي توصلت إليها‬
‫البحوث التي أجريت على آثار الخدم في تربية األطفال يجب أن تكون الزوجات على استعداد‬
‫(‪)1‬‬
‫للتضحية لصالح المجموع العام‪ ،‬الذي تعدّ األسرة وحدة من وحداته‪.‬‬
‫‪.5‬تقسيم العمل بين الزوجين ‪:‬‬
‫يمضي الرجل و المرأة مدة نصف قرن تقريبا ً من الحياة المشتركة بعد أن يكونا قد اتَّحدا‬
‫و قررا العيش سويا ويُطلب منهما في هذه المرحلة تقديم كل ما من شأنه أن يكون موضوع‬
‫رغبة على صعيد العاطفة و الحب و الحنان و الصداقة و التآلف و التقارب الفكري‪ ،‬باإلضافة‬
‫الى تقسيم العمل و التربية المشتركة لألطفال و التمتع الجنسي‪ ،‬و هذه المواضيع ال يمكن‬
‫إشباعها إال ضمن إطار العالقة الثنائية المنظمة‪.‬‬
‫و يعتبر تقسيم العمل تبعا ً للجنس نظاما ً عالمياً‪ ،‬فجميع المجتمعات لديها أعمال للذكور وأخرى‬
‫لإلناث‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فإن اإلسهام الذي تقوم به النساء والرجال واألعمال التي يؤذونها تختلف‬
‫من مجتمع آلخر‪ ،‬وقد وضع (‪ )Durkeim‬نظرية محتواها أنه في المجتمعات البدائية جدّا ً‬
‫كان الرجال والنساء متساويين في القوة والذكاء‪ ،‬وبناء على ذلك كان الجنسان مستقلين‬
‫اقتصادياً‪ ،‬ولكن مع تقدم وتطور صور أخالقية معينة أصبحت النساء أضعف وعقولها‬
‫(‪ )1‬الصقور ‪ ،‬صالح ‪ ، 1996 ،‬آثار التفكك األسري على النظام االجتماعي ‪،‬دار زهران ‪ ،‬األردن ‪ ،‬ص ‪92 - 91‬‬

‫‪42‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫أصغر‪ ،‬وزاد اعتمادها على الرجل‪ ،‬في الوقت الذي وضع تقسيم العمل تبعا ً للجنس قيدا ً على‬
‫حريتها ومركزها الزوجي‪.‬‬
‫وقد قدم ( ميردوك ) )‪ )George P.Murdock,1990‬تفسيرا ً فسيولوج ّيا ً لالختالفات بين‬
‫الجنسين في تقسيم العمل‪ ،‬فهو يرى أن الرجل بقوته الجسمانية المتفوقة يستطيع القيام‬
‫باألعمال العنيفة ألنه ليس معوقا ً كالمرأة باألعباء الفسيولوجية للحمل والرضاعة‪ ،‬ولهذا‬
‫يستطي ع االبتعاد عن أسرته للقنص أو الصيد أو الرعي أو التجارة‪ ،‬أما األعمال الخفيفة التي‬
‫(‪)1‬‬
‫يمكن إنجازها في المنزل أو قريبا ً منه فتستطيع المرأة القيام بها‪.‬‬
‫أغلب الظن أن المسألة تقوم على تصور اجتماعي وليس على تصور فيزيقي‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫نستطيع أن نستنتج أن تأثير القدرات البيولوجية في تقسيم العمل بين الجنسين ال يمكن قبوله‬
‫ألنه ال يقدم تفسيرا ً حاسماً‪ ،‬ففيما عدا الحمل والوالدة والرضاعة يستطيع الرجل بيولوج ّيا ً‬
‫القيام بجميع األعمال التي تقوم بها المرأة‪ ،‬وفي المقابل‪ ،‬تستطيع المرأة القيام بجميع األعمال‬
‫التي يقوم بها الرجل بما فيها األعمال التي تتطلب قوة جسمانيّة خاصة إذا وضعنا في االعتبار‬
‫(‪)2‬‬
‫أن القوة الجسمانيّة لم يعد لها قيمة تذكر في العصر الحديث‪.‬‬
‫و قد أشار "أحمد بيومي ‪" 2003‬إلى األعمال و الوظائف التي يقوم بها الرجال والنساء بوجه‬
‫عام فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬توجد في كل مجتمع قواعد نظامية ثقافية متداخلة في تنميط األعمال تبعا ً للجنس‪ ،‬فبعض‬
‫األنشطة تكون دائما ً تابعة للرجال‪ ،‬وبعض العمال تقوم بها النساء‪ ،‬فالزوجة تقوم دائما ً‬
‫باألعمال المنزلية ( الطبخ‪ ،‬التنظيف‪ ،‬غسل المالبس‪ ،‬وما شابه ذلك ) هذا باإلضافة إلى عبء‬
‫رعاية األطفال ( إذا كان لديها أطفال)‪.‬‬
‫‪ -2‬في معظم المجتمعات‪ ،‬تقوم الزوجات بأشياء أكثر من (األعمال المنزلية ) و ( رعاية‬
‫األطفال ) فهن يسهمن أيضا ً في األنشطة االقتصادية سواء كن مقيمات في الريف أو الحضر‪.‬‬
‫‪- 3‬يمكن بناء على عدم التمييز أو التباين الواضح في العمل في بعض المجتمعات أن يساعد‬
‫األزواج زوجاتهم في األعمال المنزلية‪ ،‬في الوقت الذي يستبعد ذلك في مجتمعات أخرى‪،‬‬
‫حيث يعتبر األزواج أن القيام بهذه األعمال يجلب العار ويستدعي الخجل‪.‬‬
‫‪- 4‬إن إمكانية المساعدة أو القيام باألعمال المنزلية تحتم التواجد بالمنزل‪ ،‬ولهذا فإن العوامل‬
‫أو الظروف التي تبعد الزوج أو الزوجة عن المنزل تنقص من مشاركتها في األعمال‬
‫المنزلية‪ ،‬ولكن حتى إذا كان الزوجان معا ً في نفس الوقت فإنهما ال يتساويان ‪،‬فالزوج يمكن‬
‫أن يكون في المنزل بجسده بينما يكون عقله مشغوالً بمسؤوليات وظيفته‪.‬‬
‫‪ - 5‬ومن المعروف أن الزوجات الريفيات أكثر إسهاما ً وانهماكا ً ومقدرة في األعمال المنزلية‬
‫إذا قورن بالزوجات في المدينة‪ ،‬ومع أن األزواج في القرية تكون أعمالهم في العادة قريبة‬
‫من منازلهم إال أنهم ال يشاركون على اإلطالق في األعمال المنزلية‪ ،‬والمرأة الريفية ال تقوم‬
‫(‪ )1‬عبد المجيد السيد منصور ‪ ،‬زكريا احمد الشربيني ‪ ،2000،‬األسرة على مشارف القرن ‪، 21‬دار الفكر العربي‪ ،‬مصر ‪"،‬ط‪ 1‬ص ‪97‬‬
‫(‪ )2‬الرشيدي ‪ ،‬بشير صالح و إبراهيم‪ ،‬محمد الخليفي ‪ ، 2008 ،‬سيكولوجية األسرة ‪ ،‬شركة انجاز العالمية للنشر والتوزيع ‪ ،‬الكويت ص‪119‬‬

‫‪43‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫باألعمال األنثوية فقط بل تشارك أيضا ً في أعمال الرجل‪ ،‬وهذا يرجع إلى أن أعمال الذكور‬
‫ال تخضع لتحديد واضح في القرية‪ ،‬وقد يقال أن زوجات المدينة مدلالت إذا قورن بزوجات‬
‫القرية فإن نفس القول يمكن أن يصدق على األزواج في القرية إذا قورنوا باألزواج في‬
‫(‪)1‬‬
‫المدينة‪.‬‬
‫تبين من دراسة أجريت على األسرة أن األزواج ذوي الدخول المرتفعة أقل مشاركة في‬
‫األعمال المنزلية‪ ،‬ألنهم في العادة ينشغلون كلية بعملهم‪ ،‬وتستطيع الزوجة نظرا ً لثراء الزوج‬
‫أن تستخدم الخدم للقيام بدالً منها باألعمال المنزلية‪ ،‬ومع ذلك تقع مسؤولية أداء العمل بالمنزل‬
‫كلها على عاتق الزوجة سواء أنجزت بعض هذا العمل بنفسها أو أنجزه غيرها تحت إشرافها‪.‬‬
‫وقد يشعر الزوج تحت ضغط هذه الظروف أن عليه التزاما ً بمساعدة زوجته في أعمالها‬
‫بالمنزل‪ ،‬ومع ذلك فما ال شك فيه أن حياة المرأة العاملة شاقة وعسيرة إذا ما قورنت بحياة‬
‫الزوجة المتفرغة من حيث رعايتها لمنزلها وأسرتها‪ ،‬ويستطيع الزوج أحيانا ً أن ينقذ الموقف‬
‫بتخفيف العبء الجسماني عنها‪ ،‬وأن يقلل إلى الحد األدنى من درجة االستياء الموجهة له‬
‫نتيجة عزوفه عن المشاركة واإلسهام‪ ،‬ومع ذلك فإن مقدرة الزوج على تقديم العون لزوجته‬
‫تعتمد على الوقت الذي يقضيه في عمله‪ ،‬فإذا كان يعمل فترة واحدة في اليوم فإنه في بقية‬
‫ساعات فراغه يستطيع مساعدة زوجته‪ ،‬أما إذا كان يعمل وقتا ً إضافيا ً فإن مساعدته تهبط إلى‬
‫الحد األدنى وقد ال يساعدها على اإلطالق ‪ ،‬وقد تبث من دراسات عديدة حجم التأثيرات‬
‫السلبية التي يتركها كل ذلك على الزوجين‪ ،‬ومن المعروف أن المهنة واألجر يكسبان‬
‫الشخص مكانة وهيبة‪ ،‬ولهذا يكون نصيب النساء المقيدات برعاية الطفل واألنشطة المنزلية‬
‫ضئيل جدا ً من هذه اإلمكانيات‪ ،‬وفي هذا المقام ينصح خبراء األسرة أن تغيير طريقة أداء‬
‫العمل وتوزيعه بين األزواج والزوجات ال بد أن يتم عن طريق إعطاء الزوجات حرية‬
‫االختيار للتخلص من تلك األعباء التقليدية‪ ،‬وتشجيع األزواج لتنمية وإنجاز وظائف معينة ‪،‬‬
‫وكل هذا يجب النظر إليه من منظور إنساني وليس من منظور استقطابي يبحث الفرد في‬
‫عالقته مع شريكه عن بعض الحماية و عن إشباع بعض رغباته‪ ،‬بحيث أنه ينتظر من شريكه‬
‫توكيدا ً قويا ً لقيمته النرجسية و إذا تبدل هذا الشريك فإن العالقة تصبح مهددة و يمكن أن تزول‬
‫(‪)1‬‬
‫الوقت‪.‬‬ ‫مع‬
‫‪.6‬العوامل اإلقتصادية و عالقات النفوذ‪:‬‬
‫‪ 1 . 6‬دور المال ضمن إطار العالقة الزوجية‪:‬‬
‫يؤثر المال في جميع مجاالت الحياة و يؤدي دورا ً ضمن إطار العالقة الزوجية‪ ،‬إذ أنه‬
‫يحصر أو َيحدّ من تأثير العوامل النفسية‪ ،‬كما يمكن أن يُشكل عالقات معقدة بين الشريكين‪،‬‬
‫مون الذي يؤمن الرفاهية لعائلته‪ ،‬ومن هنا كان‬
‫و إن الرجل حسب التصور التقليدي هو ال ُم ّ ِّ‬
‫المال يُمثّل الزمة أو نتيجة طبيعية للقوة الرجولية‪« ،‬إنه رمز قضيبي ‪( Phallique‬يوازي)‬
‫المقدرة الجنسية»‪ .‬تُك ِّّيف المرأة نفسها بتبعيتها للرجل فيدخل أحيانا ً بعض النرجسية‪ .‬ليس لها‬

‫(‪)1‬‬
‫محمد احمد بيومي ‪،‬عفاف عبد العليم ناصر ‪ ،2003،‬علم االجتماع العائلي ‪،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ص ‪169‬‬

‫(‪)1‬‬
‫نادية بلحاج ‪،1997 ،‬المرأة والوضع األسري ‪،‬المركز الثقافي العربي ‪،‬الرباط ‪ ،‬ص ‪182‬‬

‫‪44‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫قيمة إال بالنسبة لزوجها‪ ،‬هذا نمط حياتها الذي تستطيع بواسطته أن تؤثر و تضغط على حياة‬
‫(‪)2‬‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫‪ 2 .6‬المال و النفوذ داخل إطار العالقة الزوجية‪:‬‬
‫ينتظم داخل إطار العالقة الزوجية «تفويض» للسلطة منذ البداية‪ ،‬و ترتبط عالقات النفوذ‬
‫بين الشريكين بعدة عومل منها‪ :‬اإلقتصادية و العاطفيـة و الثقافية‪ ،‬و تؤدي العوامل اإلقتصادية‬
‫دورا ً مهما ً بشكل يُح ْد من تأثير العوامل العاطفية‪« ،‬يُعاش ضمن إطار العالقـة الـزوجيـة‬
‫صراع دائم مـن أجل النفوذ و السلطة و تظهر المنافسة غالبا ً حول الربح المادي‪ ،‬و طبقا ً لهذا‬
‫المعيار فإن الشريك الذي يكسب أكثر يكون هو المهيمن بالضرورة»)‪.‬‬
‫في الظروف اإلقتصادية غالبا ً ما يبقى الرجل رابحا ً في هذا الصراع و هو يميل إلى تدعيم هذا‬
‫المعيار‪« ،‬لكن يحدث أحيانا ً – و هذا كثير التواتر حاليا ً – أن تؤدي البطالة إلى تغيير روابط‬
‫النفوذ بين الشريكين‪.‬‬
‫‪ 3 . 6‬تداول المال بين الرجل والمرأة‪:‬‬
‫َيندر أن تضطلع المرأة بأعباء األسرة المالية لوحدها‪ ،‬لكن البطالة أو عدم توفر العمل بالنسبة‬
‫للرجل قد يفرض ذلك‪ ،‬إن أغلب الرجال يشعرون أن عمل المرأة َي ّ‬
‫حط من قيمتهم الذاتية‪.‬‬
‫تعمل المرأة ألن أجرها يساعد كثيرا ً في القيام بأعباء األسرة‪ ،‬لكن هذا اإللزام غالبا ً ما يقبله‬
‫الرجل على مضض‪ .‬و إن بعض الرجال يشعرون أن عمل زوجاتهم يمنحن حرية التصرف‬
‫(‪)1‬‬
‫و القرار‪ ،‬و أن هذه الحرية ال تخلو من بعض المخاطر المحتملة‪.‬‬
‫‪ .7‬تمفصل الالشعور بين أفراد العائلة‪:‬‬
‫يوجد ضمن السيرورات التي تحكم العالقات األسرية‪ ،‬سيرورة مهمة تتعلق بتمفصل‬
‫حرم أو حتى هذياني من قبل أحد األفراد‪،‬‬ ‫الشعور األفراد في ما بينهم‪ .‬فأي موقف قامع‪ُ ،‬م ِّ ّ‬
‫يقابله من قبل فرد آخر‪ ،‬و بشكل عفوي‪ ،‬موقف نكوصي "‪. "Régressif‬فقد أكدت المالحظات‬
‫العيادية األسرية أن الوظائف التي تستجيب لمختلف الهيئات النفسية الداخلية(أنا و أنا أعلى و‬
‫ض داخلية‪ ،‬لكنها تنتشر و تتوزع بين أفراد األسرة تبعا ً لبعض‬ ‫هو) ال تبقى‪ ،‬بالنسبة لهم‪َ ،‬م ّح ْ‬
‫ي «ضمن إطار العالقة الثنائية‪ ،‬إذ يالحظ نوع من‬ ‫القواعد‪ .‬تبرز هذه المظاهر بشكل َجل ّ‬
‫"التواطؤ الالشعوري ‪ " Collusion inconsciente‬يكون في أساس التنظيم النفسي بين‬
‫الشريكين» ‪ ،‬فإذا اتخذ أحدهما موقفا ً نكوصيا ً فإن اآلخر يتخذ موقفا ً دفاعيا ً و ناضجاً‪ ،‬هذا‬
‫الموقف يمكن أن يكون‪ ،‬إما استجابة مباشرة لتلبية رغبات الشريك األول‪ ،‬أو يقوم على قمعها‬
‫و تحريمها‪ ،‬و إذا أبدى أحد الشريكين مظهرا ً "عصابيا ً ‪" Névrotique‬إكتئاب أو غيره–فإن‬
‫الشريك اآلخر يعمل على كبت هذا المظهر في ذاته و يظهر بمظهر الشخص القوي و الداعم‬
‫(‪)2‬‬
‫لشريكه‪.‬‬

‫‪)2(MILLERY‬‬ ‫‪N., «L’argent et les conflits conjugaux», in Dialogue, 1977, N° 58, P 15‬‬
‫‪)1(MICHEL‬‬ ‫‪A., «Statut professionnel de la femme et structure du couple», Paris, C.O.R.E.S, 1972, VI, P. 175‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪WILLI G., «La collusion narcissique», in Dialogue, 1980, N°68, PP. 40-54‬‬

‫‪45‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫المحاضر الثامنة‪ :‬مستويات النمو النفسي االجتماعي لألسرة‬


‫‪ . 1‬مستويات الزواج وطبيعته ‪:‬‬
‫هناك مستويات للزواج تختلف حسب طبيعته‪ ،‬فالزواج مثل الطفل يولد صغيراً‪ ،‬وينمو‬
‫بالرعاية والتربية‪ ،‬ويضعف باإلهمال والمعاملة السيئة‪ ،‬وإذا كان الطفل في مرحلة الرضاعة‬
‫عرضة لألمراض‪ ،‬وفي حاجة إلى عناية خاصة من الوالدين حتى تمر هذه المرحلة بسالم‪.‬‬
‫فكذلك الزواج في بدايته عرضة للخالفات التي تعصف به‪ ،‬وفي حاجة إلى عناية خاصة‬
‫من الزوجين واألهل حتى تمر هذه المرحلة‪ ،‬ويفهم كل من اآلخر ويتعود على طباعه ويألف‬
‫عاداته وأفكاره‪ ،‬فقد أشارت الدراسات إلى كثرة الخالفات بين الزوجين في بداية الزواج‬
‫بسبب قلة خبرة كل منهما باآلخر‪.‬‬
‫وكما أن نمو شخصية الطفل تعتمد على عالقته بوالديه‪ ،‬والتي يشعر فيها باألمن‬
‫والطمأنينة‪ ،‬فكذلك نجاح الزواج واستمراره يعتمد على العالقة بين الزوجين‪ ،‬والتي يشعر‬
‫فيها كل منهما باألمن والسكن إلى اآلخر‪ ،‬وأي خلل في هذه العالقة يجعله زواجا هزيالً‬
‫(‪)1‬‬
‫مريضاً‪ .‬ال يقوى على االستمرار في تحقيق أهدافه للزوجين و المجتمع‪.‬‬
‫إن اإلنسان عرضة لألمراض واالنحرافات في جميع مراحل حياته ‪ ،‬وفي حاجة إلى‬
‫جهود في تنميته ووقايته من هذه األمراض واالنحرافات‪ ،‬وعالجه إذا مرض أو انحرف‪،‬‬
‫فكذلك الزواج عرضة للخالفات الزوجية في جميع مراحله وفي حاجة إلى جهود كبيرة من‬
‫الزوجين في المحافظة عليه وتقويته وحمايته من الخالفات التي تهدمه‪ ،‬أو تمنعه من تحقيق‬
‫أهدافه النفسية واالجتماعية والروحية‪ .‬وفي حاجة أيضا ً إلى جهود من الزوجين واألهل‬
‫والمجتمع لعالج الخالفات الزوجية في الوقت المناسب‪ ،‬قبل أن تفسد التفاعل الزواجي أو‬
‫تؤدي إلى االنفصال والطالق ‪ ،‬ولكن ليس من الضروري أن يمر الزواج كاإلنسان من‬
‫الطفولة إلى الشباب ثم الشيخوخة ‪،‬إذ يمكن أن تصيبه الشيخوخة في سن مبكرة إذا أهمل‬
‫الزوجان رعايته‪ ،‬وتركا الخالفات الزوجية تقل روابطه‪ ،‬وفي الوقت نفسه يمكن أن يظل‬
‫شبابا ً وال تصيبه الشيخوخة إذا عنيا به‪ ،‬وحفاظا ً على تفاعلهما اإليجابي معا ً ‪،‬والتزما بشروط‬
‫(‪)2‬‬
‫الوقاية من الخالفات الزواجية في وقت مبكر‪.‬‬
‫‪. 2‬مفهوم الزواج ونموه ‪:‬‬
‫تعتبر النظرية التنموية من النظريات الحديثة التي تهتم بنمو األسرة‪ ،‬ويظهر اختالفها‬
‫عن أي نظرية أخرى في محاولتها التوفيق بين االتجاهات المتعددة في النظريات‬
‫األخرى‪ ،‬ولهذا فهي تعتبر نظرية واسعة النطاق ألنها تشمل التحليل في المدى القصير و‬
‫في المدى البعيد ‪ ،‬وتعالج الموضوع في نطاقات واسعة وضيقة في نفس الوقت إال أن الخاصية‬
‫المميزة لها تكمن في محاولتها دراسة التغير في نسق األسرة الذي يحدث بمرور الزمن‪،‬‬

‫(‪ )1‬صالح حسن الداهري‪ 2003 ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪61‬‬


‫(‪ )2‬خوري ‪ ،‬توما ‪ 1988،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪93‬‬

‫‪46‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫وكذلك التغير في أنماط التفاعل وتستخدم النظرية التنموية في تحليالتها التي تبرز فيها "عامل‬
‫الزمن" أداة تصويرية أساسية يطلق عليها دورة حياة األسرة" ‪." Life Family‬‬
‫ناقش سوروكون ‪ Sorokin‬وفي عام ‪ 1930‬أربعة مراحل لدورة حياة األسرة وهي‪:‬‬
‫‪-1‬مرحلة زوجين ينشآن وجودا اقتصاديا مستقال ‪.‬‬
‫‪-2‬مرحلة زوجين مع طفل أو أكثر‪.‬‬
‫‪-3‬مرحلة زوجين مع طفل أو أكثر يعولون أنفسهم‪.‬‬
‫‪-4‬مرحلة زوجين تقدمت بهما السن ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى يحدد" كيرك باتريك " مراحل دورة حياة األسرة تبعا لمكانة األطفال في‬
‫النسق التعليمي وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬أسرة ما قبل المدرسة‪.‬‬
‫‪ -2‬أسرة المدرسة االبتدائية‪.‬‬
‫‪ -3‬أسرة المدرسة الثانوية‪.‬‬
‫‪ -4‬أسرة البالغين‪.‬‬
‫و لكي تستمر األسرة في النمو كوحدة فهي تحتاج إلى نوع من اإلشباع إلى درجة معينة‬
‫في‪:‬‬
‫‪ -1‬المتطلبات البيولوجية‪.‬‬
‫‪ -2‬المتطلبات الثقافية‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -3‬المطامح الشخصية والقيم‪.‬‬
‫نمو الزواج كنمو الشخصية‪ ،‬مفهوم فرضي ) ‪ ( Hypothetical Concept‬نستدل عليه من‬
‫تفاعل الزوجين معاً‪ ،‬ومن أساليب توافقهما الزواجي ومشاعرهما نحو بعضهما وأفكارهما‬
‫عن الزواج واألسرة‪ ،‬واتجاهاتهما في الحياة وجهودهما في تحقيق أهدافهما الزواجية‬
‫واألسرية‪.‬‬
‫ويقصد بنمو الزواج تحويل الزوجين من عادات العزوبية إلى عادات الزوجية‪ ،‬واكتسابهما‬
‫مهارات التعامل معا ً ومع الناس‪ ،‬وتنمية قدراهما على تحسين حياتهما الزواجية وحل‬
‫مشكالتهما وتحمل مسئولياتهما‪ ،‬وتنمية أفكارهما ومشاعرهما نحو بعضهما ونحو الزواج‪،‬‬
‫وتنمية دوافعهما في العمل والتضحية من أجل األهل واألوالد وفي االندماج معا ً في التفكير‬
‫والمشاعر واالهتمامات حتى تكون الزوجة لباسا ً لزوجها والزوج لباسا ً لزوجته‪ ،‬ويتآلف كل‬
‫منهما مع اآلخر ويتكامل معه ‪،‬وينتمي إليه ويتوحد به‪ ،‬ويجد تحقيق ذاته في عمل ما يرضيه‬
‫وينميه ويحميه‪.‬‬

‫(‪ )1‬سناء الخولي‪،) 2009(،‬األسرة والحياة العائلية ‪،‬دار النهضة العربية ‪،‬لبنان‪ .‬ض ‪161-160‬‬

‫‪47‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫فقمة النمو في الزواج تتمثل في السكن النفسي والمودة والرحمة بين الزوجين ليصبح كل‬
‫منهما لآلخر كاللباس للجسم‪ ،‬ويستره ويحميه وال يستغني عنه‪ ،‬ويكونا معا ً كالجسد الواحد‪،‬‬
‫إذا اشتكى منه عضو سهر عليه اآلخرون بالرعاية والحماية ‪.‬وينطبق عليهما قوله – تعالى‬
‫‪ ( : -‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة‪،‬‬
‫إن في ذلك آليات لقوم يتفكرون ) " الروم ‪ . " 21 :‬و عندما ينمو الزواج ويصل إلى هذه‬
‫المرحلة و يغدو كالشخصية السوية يقوم على الحب والعمل والموضوعية في التعامل‬
‫والمرونة في تحديد الطموحات والمثابرة في تحقيق األهداف‪ ،‬والفترة على تحمل الصعوبات‬
‫وحل المشكالت والرضا بالحاضر والتفاؤل بالمستقبل والتسامح مع الزالت‪ ،‬والعفو عند‬
‫المقدرة‪ ،‬وهذا ما يجعل الزواج الناجح أساسه التماسك والترابط‪ ،‬وينعكس ذلك على الصحة‬
‫النفسية للزوجين وأوالدهما‪.‬‬
‫ويخضع نمو الزواج لمبادئ النمو البيولوجي من حيث أنه يمر بمراحل ‪ ،‬لكل مرحلة‬
‫خصائصها ووقتها‪ ،‬وعوامل نموها وتكاملية مع غيرها من المراحل‪ ،‬إذ ال الزواج ينمو دفعة‬
‫واحدة وال تحل مشاكله مرة وإلى األبد‪ ،‬وال تسير العالقة الزوجية فيه على حال واحد مدى‬
‫الحياة‪ ،‬لكنها تنمو على مراحل متصلة متتابعة يصعب الفصل بينهما‪ ،‬فكل مرحلة تتأثر بما‬
‫(‪)1‬‬
‫قبلها وتؤثر فيما بعدها‪.‬‬
‫‪ 1 . 2‬مراحل نمو الزواج‪:‬‬
‫يأخذ نمو الزواج شكل الهرم المقلوب‪ ،‬فانتقال الزواج من مرحلة إلى مرحلة أخرى ال‬
‫يعني أن المرحلة األدنى قد انتهت‪ ،‬بقدر ما يعني إضافة المرحلة الثانية إليها‪ ،‬ثم إضافة الثالثة‬
‫إلى األولى والثانية‪ ،‬وهكذا إلى أن يكتمل نمو الزواج في المرحلة الثامنة‪ .‬والشكل رقم ( ‪) 1‬‬
‫يبين تدرج نمو الزواج‪ .‬ونجد فيه أن الزواج يبدأ من الثقة بين الزوجين وينتهي بالتكامل‬
‫بينهما‪ .‬ونجد فيه أيضا ً أن النجاح في حل المرحلة األولى في اتجاه الثقة بين الزوجين يسهل‬
‫التحول في المرحلة الثانية في اتجاه اإلرادة المشتركة بينهما‪ ،‬ثم تعمل الثقة مع اإلرادة‬
‫المشتركة في تسهيل التحول في المرحلة الثالثة إلى االندماج بين الزوجين‪ ،‬وهكذا تسهم‬
‫التحوالت في المراحل السابقة في حل أزمات المراحل التالية حتى يصل النمو إلى التكامل‬
‫بين الزوجين الذي تجتمع فيه خصائص الزواج الناجح وهي اإلحساس بالثقة واإلرادة‬
‫واالندماج والكفاءة والهوية والتآلف والرعاية الوالدية والتكامل بين الزوجين وهذا الزواج‬
‫السعيد أو الزواج المثالي‪.‬‬
‫أما إذا حدثت إعاقة للتحول في أي مرحلة‪ ،‬فإن الزواج يتوقف عن النمو إلى أن ينجح‬
‫الزوجان في التغلب على هذه اإلعاقة ويعود لزواجهما الحيوية والنمو‪ ،‬فإذا فشال في ذلك‬
‫واستمر الزواج بينهما‪ ،‬فسوف ينمو كالشخصية المنحرفة‪ ،‬فيه الكثير من الخصائص السيئة‬
‫التي تؤدي الى معاناة الزوجين معا ً‪ ،‬من أهمها اإلحساس بعدم الثقة والخجل والشك والذنب‬
‫والنقص والغموض‪.‬‬

‫(‪ )1‬حسن الداهري‪، 2003،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪93‬‬

‫‪48‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫التعامل بين ا‬ ‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫لزوجين‬
‫الرعاية الوالدية للزوجين‬

‫التآلف‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫القيم االجتماعية‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫الكفاءة في األدوار‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫االندماج الزواجي‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬
‫اإلرادة المشتركة‬

‫الثقة بين الزوجين‬


‫( شكل ‪ : 1‬يبين مراحل التدريجية لنمو الزواج )‬

‫‪ 2 . 2‬طبيعة النمو الزواجي ‪:‬‬


‫تفترض نظرية ( أريكسون ) في النمو النفسي اجتماعي أن الزواج كالشخصية يمر‬
‫بثماني مراحل‪ ،‬يحدث في كل منهما تحوال في أفكار الزوجين ومشاعرهما وسلوكياتهما في‬
‫التوافق الزواجي‪ ،‬فيتجه التفاعل بينهما من الناحية السلبية التي تضـــــــــــــــــعف العالقة‬
‫الزوجية‪ ،‬إلى الناحية اإليجابية التي تغــــــــــــــــــــذيها وتنميها‪ ،‬فمراحل النمو في الزواج‬
‫مراحل تحوالت " ‪ " Transitional Staget‬تنطوي كل منها على أزمة يسميها ( أريكسون )‬
‫بأزمة التحول أو أزمة النمو ) ‪ ( Development Crusis‬ويفترض ( أريكسون ) أن كل أزمات‬
‫النمو موجودة في الزواج من بدايته‪ ،‬فكل زواج يحمل جميع أزمات نموه مع عقد قران‬
‫الزوجين‪ ،‬ثم تظهر كل أزمة وفي المرحلة المناسبة لها وتسيطر مشكالتها على العالقة‬
‫الزوجية ‪ ،‬وتتضمن مواجهة بين الزوجين ومع البيئة وتحمل إمكانية النمو والتوافق من ناحية‬
‫وإمكانية التأزم وسوء التوافق من ناحية أخرى ‪،‬أي ‪ :‬إمكانية التفاعل اإليجابي فتقوي العالقة‬
‫الزوجية وإمكانية التفاعل السلبي فتضعف هذه العالقة‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫كما أن النمو المثالي للزواج هو‪ ،‬حل أزمة التحول في كل مرحلة حال نهائياً‪ ،‬لكن هذا ال‬
‫يحدث في الواقع‪ ،‬فكل أزمة تحل بدرجة توضح هذا الحل‪ ،‬مناسب أو غير مناسب‪ ،‬ويقصد‬
‫بالحل المناسب في كل مرحلة تحول العالقة الزواجية من الناحية السلبية إلى الناحية اإليجابية‪،‬‬
‫واستمرار التفاعل اإليجابي والتوافق الحسن بين الزوجين‪ ،‬فالتحول الذي يحدث في كل‬
‫مرحلة يسير على خط متصل من القطب السلبي إلى القطب اإليجابي‪.‬‬
‫ويتبين مستوى حل األزمة واتجاه التحول في المرحلة‪ ،‬ففي المرحلة األولى مثالً يحل كل‬
‫من الزوجين أزمة الثقة وهو حل مناسب‪ ،‬أو في اتجاه عدم الثقة‪ ،‬وهو حل غير مناسب‪،‬‬
‫ويتحدد مستوى نجاحهما أو فشلهما في حل هذه األزمة بنقطة على متصل الثقة وعدم الثقة‪،‬‬
‫فإذا كانت هذه النقطة في منطقة ( أ ) أو ( ب ) أو( ج )كان الحل مناسباً‪ .‬ونما الزواج إلى‬
‫المرحلة التالية‪ ،‬أما إذا كانت في منطقة ( د ) فهذا يعني فشلهما في حل األزمة ونمو عدم‬
‫الثقة‪ ،‬وتوقف الزواج عن النمو أو نموه ضعيف هزيالً تكثر فيه الخالفات‪ ،‬وإذا فشل الزوجان‬
‫في تنمية الثقة فسوف تنمو عدم الثقة ويختل نمو الزواج في المراحل التالية‪ ،‬حيث يكون حل‬
‫األزمات في االتجاه السلبي ‪ :‬اإلحساس بالخجل والذنب والتقمص وتميع الهوية والعزلة‬
‫(‪)1‬‬
‫واألنانية ثم اليأس‪ ،‬فهذا الزواج وإن استمر فهو زواج فاشل ال يحقق أهدافه األساسية‬
‫و يمكن شرح ذلك من خالل الشكل رقم (‪)2‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫اإلحساس‬ ‫اإلحساس‬ ‫اإلحساس‬ ‫اإلحساس‬


‫بالكفاءة‬ ‫باالندماج‬ ‫باإلرادة‬ ‫بالثقة‬
‫المشتركة‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫ب‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ب‬
‫ج‬ ‫ج‬ ‫ج‬ ‫ج‬
‫د‬
‫(‪ )1‬محمد يوسف خطار‪، 2001 ،‬الحب و السعادة بين الزوجين ‪،‬ط‪ 1‬مطبعة نضر دمشق ص‪127‬‬

‫‪50‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫د‬ ‫د‬
‫د‬
‫اإلحساس‬ ‫اإلحساس‬ ‫اإلحساس‬
‫اإلحساس‬
‫بالذنب‬ ‫بالخجل‬ ‫بعدم الثقة‬
‫بالنقص‬
‫والشك‬
‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫اإلحساس‬ ‫اإلحساس‬ ‫اإلحساس‬


‫اإلحساس‬
‫برعاية ‪7‬‬ ‫باأللفة‬ ‫بهموم‬
‫بالتكامل‬ ‫الوالدين‬ ‫الزواج‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬


‫ب‬ ‫ب‬
‫ب‬ ‫ب‬
‫ج‬ ‫ج‬ ‫ج‬ ‫ج‬
‫د‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫د‬

‫اإلحساس‬ ‫اإلحساس‬
‫اإلحساس‬ ‫اإلحساس‬ ‫بفرض‬
‫باألنانية‬
‫باليأس‬ ‫واالنصراف‬ ‫بالعزلة‬ ‫األدوار‬
‫إلى الشهوات‬ ‫وبأهداف‬
‫الزواج‬

‫الشكل رقم ( ‪ : )2‬يبين مراحل نمو الزواج وقطبي الحل في كل مرحلة وتجد مرحلة مقسمة إلى أربع أقسام ( أ ) ‪ ( ،‬ب )‬
‫‪(،‬ج)‪(،‬د)‬

‫‪ . 3‬العالقة الزوجية‪ :‬فوائدها و مخاطرها ( معطيات التحليل النفسي)‬


‫يُبنى الزواج على أسس متداخلة وهو مشروع طويل األمد ينطوي على خصائص محددة‬
‫‪:‬االختيار النوعي للشريك‪ ،‬والتوكيد النرجسي المتبادل للشريكين‪ ،‬والتداخل المتبادل‬
‫للرغبات الالشعورية‪ ،‬واالستخدام المتبادل للعالقة مع الموضوع كنمط دفاعي لمواجهة‬
‫الرغبات قبل التناسلية "‪ " Prégénital‬وغير الخاضعة بشكل تام ألولوية أو هيمنة التناسل‪،‬‬
‫وأخيرا ً توزيع نوعي لألدوار وذلك ضمن تواطؤ "‪" Collusion‬السيرورات النفسية‪-‬الداخلية‬
‫الفردية لكل شريك والتي تنظم نمطا عالئقيًا‪ ،‬مضبوطا ً ذاتياً‪ ،‬مع ردة فعل دورية تسمح ببعض‬
‫(‪)1‬‬
‫التوازن‬
‫و يمكن لالنصهار أن يعاش استيهاميا ً ‪ ،‬كالرعشة الجنسية في بعض األوقات هـذا‬
‫اإلنصهار" ‪" Fusion‬يمكن أن يصبح خطيـرا ً إذا بلغ حدا ً معينا ً فيُحدِّث نكوصا ً "‪Régression‬‬
‫" عنيفا ً في زوال الفردية في الالتمايز ‪. "indistinction‬إن الشخص الضعيف ال يستطيع‬
‫العودة إلى الغموض و عدم التنظيم‪ ،‬تبدأ العالقة الزوجية غالبا ً على هذا النوع من اإلنصهار‬
‫‪)1(KAPLAN‬‬ ‫‪HI, SADOCK BJ. «Human Sexality – in synopsis of psychiatry». Williams Wilkins 1991/pPP‬‬
‫‪193‬‬
‫‪51‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫لكـن المشاكل و التغيرات الحياتية بإمكانها أن تؤثر على استمرار الجو المطمـــــــــــــــئن‪،‬‬
‫و يظهر القلق عندما يصبح الشريك مناقضا ً للصورة المتوحدة مع الذات أو يصبح شخصا ً‬
‫غريبا ً مثيرا ً للقلق‪ ،‬ويحدث كل هذا و كأن الشريك لم يعد يمثل السند األساسي إلسقاطات‬
‫الموضوع الجيد بل أصبح يمثل ركيزة الموضوع المستوعب‪ ،‬و هكذا يخاف األنا من أن‬
‫(‪)2‬‬
‫يستوعب بواسطة الموضوع فيسعى للدفاع عن نفسه ضد هذا اإلستيعاب ‪. .Absorption‬‬
‫‪ . 4‬خصائص ومقومات االستقرار ألزواجي‬
‫يقصد باالستقرار الزواجي نموه وسالمته من االضطراب و التوتر و تمسك كل من الزوجين‬
‫بالزواج ‪،‬نظرا لشعور كال الطرفين بالسعادة و الرضا و التكيف و التوافق‪ ،‬هذه العوامل التي‬
‫تساهم في استمرار العالقة الزوجية في ظل تحقيق الحاجات النفسية االجتماعية ‪ ،‬ويمكن‬
‫تلخيص هذه العوامل في ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1 . 4‬بناء القوة في الوحدة الزواجية ‪:‬‬
‫تعتبر أوضاع أو درجات القوة من المظاهر الهامة في النسق الزواجي عند كل من الزوجين‪،‬‬
‫ويعرف الباحثون مفهوم ( بناء القوة ) في الوحدة الزواجية باستخدام مصطلحات معينة مثل‬
‫اتخاذ القرار( ‪ ) Decision making‬والسلطة ( ‪ ) Authority‬والتأثير ( ‪ ) Influence‬فقوة األسرة‬
‫يمكن قياسها بدمج حصيلة هذه المصطلحات‪ ،‬وفي هذا المجال‪ ،‬فقوة األسرة مفهوم ( متعدد‬
‫األبعاد ) يمكن قياسه بطريقة غير مباشرة على أساس األفعال السلوكية التي تختبر من خاللها‬
‫درجة قوة الفرد‪ ،‬إذن فالقوة في الوحدة الزواجية يمكن قياسها إذا استطعنا أن نجمع حصيلة‬
‫اتخاذ القرارات‪ ،‬وأنماط إدارة التوتر والصراع‪ ،‬ونمط تقسيم العمل السائدة‪.‬‬
‫‪ 2 . 4‬القوة واتخاذ القرار ‪:‬‬
‫يتضمن قياس القوة من خالل اتخاذ القرار بعدين آخرين هما ‪ :‬السلطة والتأثير‪ ،‬ومن‬
‫المعروف أن المعايير االجتماعية تحدد الشخص الذي بيده السلطة‪ ،‬ففي بعض المجتمعات‬
‫تمنح السلطة للزوج‪ ،‬وفي بعضها اآلخر تبقى مع الذكر المسن كما هو الشأن في حاالت‬
‫األسرة الممتدة‪ ،‬وفي بعض األحيان قد تكون السلطة في يد الحماة‪ ،‬إال أنه على الرغم من‬
‫تركز السلطة في يد فرد معين فإن األعضاء اآلخرين يستطيعون ( التأثير ) حين يمارسون‬
‫الضغط على الشخص الذي بيده السلطة‪، ،‬ولهذا قد يكون للزوج السلطة على زوجته وأطفاله‪،‬‬
‫ولكنه يتأثر بهم كثيرا في نفس الوقت‪ ،‬ولهذا كان من المعروف أن الضغط الذي يمارسه أحد‬
‫الزوجين على اآلخر‪ ،‬يؤثر في درجة السلطة‪.‬‬
‫و إن السلطة في الوحدة الزواجية تعكس صورة السلطة في المجتمع الكبير والتقاليد و األنساق‬
‫القيمية التي تساندها وهي كأي ظاهرة اجتماعية تخضع لتأثير عوامل التغير واتجاهات وأبعاد‬
‫النمو االجتماعي واالقتصادي ومستويات النضج الثقافي وغير ذلك ‪.‬‬
‫ومن الواضح أن أوضاع القوة عند كل من الزوجين وتوازنها بينهما‪ ،‬تشكل عنصرا ً هاما ً‬
‫في بناء األسرة‪ ،‬وذلك ألن بعد القوة هو انعكاس حساس لألدوار التي تلعب في الزواج‪ ،‬حيث‬

‫(‪)2‬‬
‫‪WILLI G., «La collusion narcissique», in Dialogue, 1980, N°68, PP. 40-‬‬

‫‪52‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫يقوم كعامل يؤثر في معظم مظاهر العالقة الزوجية ‪،‬وفي محاولة لقياس توازن القوة بين‬
‫(‪)1‬‬
‫األزواج والزوجات‪.‬‬
‫فقد قام ( ‪ ) Blood and Wolfe‬باختيار ثمانية مواقف تتضمن قرارات أسرية ومحاولة‬
‫معرفة موقف كل من الزوج والزوجة‪ ،‬وقد تبين من اإلجابات التي حصل عليها الباحثان‬
‫أن القرارات التي تتخذها الزوجة كانت تتصل بعملها‪ ،‬ثم اختيار الطبيب‪ ،‬والمال الذي ينفق‬
‫على الطعام‪ ،‬ولكن لوحظ أن الزوج كان أكثر تدخالً في القرار المتصل بعمل الزوجة‬
‫بالمقارنة بتدخل الزوجة في اختيار العمل المالئم لزوجها ‪.‬‬
‫ويقوم التفسير النظري التخاذ األزواج قرارات في الوقت الذي تتخذ الزوجات فيه قرارات‬
‫أخرى‪ ،‬على اإلمكانات أو الوسائل الخاصة أو المتاحة لكل منهما‪ ،‬والتي تتعلق بمصدر‬
‫الس لطة والقوة عند كل من الزوجين‪ ،‬وقد تكون هذه الوسائل‪ :‬المال أو الجنس أو االستجابة‬
‫العاطفية أو المهارات‪ ،‬أو قد تكون أي شيء أخر يمتلكه أحدهما ويحتاج إليه اآلخر‪ ،‬ولكن‬
‫اإلمكانات الذكرية األنثوية ترتبط بشدة بعوامل البيولوجية‪.‬‬
‫ومثال ذلك أن أحد تفسيرات سيطرة الذكر ترجع إلى أن األنثى كمنجبة لألطفال ومرضعة‬
‫لهم‪ ،‬يؤدي إلى تكليف الرجال باألعمال الشاقة الخارجية وتكليف النساء بأعمال المنزل‬
‫ورعاية األطفال‪ ،‬إال أن العالم شهد بمرور الزمن عددا ً من التحوالت التاريخية الهامة في‬
‫الحياة اإلنسانية ‪،‬ومنها توصل إلى طرق عديدة للتحكم في الحمل‪ ،‬واالهتمام بالتعليم وارتفاع‬
‫مستوياته‪ ،‬والتحاق المرأة بالعمل األمر الذي أصبحت معه كل الطرق مفتوحة أمام المرأة‬
‫لكي تتنافس مع الرجل على أساس من المساواة‪ ،‬وكما زادت إمكانات المرأة زادت قوتها‪،‬‬
‫فالزوجة المتعلمة الحاصلة على درجة جامعية والتي تشغل مركزا ً مهنيا ً مرموقا ً ال يمكن أن‬
‫(‪)1‬‬
‫تتبع أوامر زوجها الذي ال يساويها في الدرجة العلمية أو زوجها العاطل عن العمل‪.‬‬
‫يالحظ العروسان في طفولتهما المبكرة نموذجا ً خاصا ً لوالديهما‪ ،‬ولآلباء بوجه عام (‬
‫النموذج التقليدي لتمايز الدور تبعا ً للجنس ) فهناك في العادة تدريب معين ( وخاصة للبنت )‬
‫على األعمال التي سوف تقوم بها عندما تصبح زوجة وأماً‪ .‬ولهذا فإنه في أثناء عملية التنشئة‬
‫االجتماعية يعد كل من الزوج والزوجة للدخول في الزواج بتوقعات واضحة عن كيفية تقسيم‬
‫الواجبات بينهما‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك اإلعداد التمهيدي‪ ،‬يبقى شيء ما في الزواج‪ ،‬يرجع إلى‬
‫التجربة الخاصة التي تميز أي جماعة جديدة‪ ،‬والمالحظة الجديرة بالذكر ‪،‬أن كثيرا ً من الفتيات‬
‫في الوقت الحالي يتزوجن دون أية دراية باألعمال المنزلية نتيجة لظروف الدراسة والعمل‬
‫(‪)2‬‬
‫التي ال تتيح الفرصة الكافية للتدريب على هذه األعمال في منازل أسرهن‪.‬‬

‫(‪ )1‬الكندري ‪ ،‬أحمد محمد مبارك ‪ ، 1994 ،‬علم النفس األسري ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬مكتبة الفالح للنشر ‪ ،‬الكويت ص ‪162‬‬

‫(‪ )1‬عالء الدين كفافي ‪ ، 1999 ،‬اإلرشاد والعالج النفسي األسري – المنظور ألنسقي االتصالي ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الفكر العربي ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫ص ‪72 -71‬‬
‫(‪ )2‬محمود ‪ ،‬عبد هللا جاد ‪ ، 2006 ،‬التوافق الزوجي وعالقته ببعض عوامل الشخصية والذكاء االنفعالي ‪،‬كلية التربية ‪ ،‬جامعة المنصورة ‪ ،‬القاهرة‬
‫ص ‪65‬‬

‫‪53‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫وهناك نظريات عديدة حول إمكانيات القوة الزوجية‪ ،‬تختلف منظورها للعوامل التي تسهم‬
‫في القوة النسبية لألزواج والزوجات‪ ،‬وقد عدد ) ‪ ) Centers2002‬وزمالؤه قائمة بخمسة‬
‫إمكانيات ‪:‬‬
‫‪ 1 . 2 . 4‬تنميط الدور ( ‪ : ) Role Patterning‬يكون لألزواج المقدرة على اتخاذ القرارات‬
‫في مجاالت معينة‪ ،‬وهناك خط متصل لقوة الزوج يتدرج من أسفل ( اختيار الطعام ) إلى‬
‫أعلى ( اختيار نوع العمل)‪.‬‬
‫‪ 2 . 2 . 4‬الشخصية ( ‪ : ) Personality‬يمكن أن نعزو وجود عديد من عناصر الشخصية‬
‫إلى القوة النسبية ‪،‬فقد وجد ( سنتر ) أن كال من األزواج والزوجات الذين يتمتعون بدرجة‬
‫عالية من السلطة يوجدون في األسرة التي يسيطر فيها أحد الزوجين على اآلخر‪.‬‬
‫‪ 3 . 2 . 4‬العوامل الثقافية ( ‪ : ) Cultural Factors‬هناك معايير متباينة من حيث النظر إلى‬
‫المدى الذي يجب أن تكون عليه قوة الزوج في الوحدة األسرية‪ ،‬ويؤكد ( ‪ ) Rodman‬في (‬
‫نظرية اإلمكانات في المحيط الثقافي ) أن توزيع القوة الزوجية يمكن أن يكون نتيجة للتفاعل‬
‫بين ‪:‬‬
‫أ‪ -‬اإلمكانات المقارنة للزوج والزوجة‪.‬‬
‫ب ‪-‬التوقعات الثقافية عن توزيع القوة الزوجية ( ‪. ) Hyman Rodman,2003‬‬
‫ج ‪-‬السيطرة على اإلمكانات ذات القيمة ( ‪ : ) Control Calued Resoures‬أن القوة كما‬
‫فسرنها من قبل ‪،‬هي الجانب الذي يتحكم أو يسيطر على اإلمكانات ذات القيمة‪ ،‬فإذا كان ألحد‬
‫الزوجين إمكانات أكثر من شريكه ‪،‬فإنه يصبح الجانب القوي‪.‬‬
‫‪ 4. 2 . 4‬الجدارة واالنهماك‪ (Relative Competence and Relative Involvement(:‬ويعني ذلك‬
‫أن الزوج أو الزوجة الذي يكون أكثر معرفة في مجال معين يصبح أكثر قوة‪.‬‬
‫و لكن تحليل هذه النظريات التي تحاول تفسير بناء ( القوة األسرية ) يكشف أنها جميعا ً تحاول‬
‫تفسير الديناميات ولكنها ال تضع في االعتبار اإلسهامات الممكنة لألعضاء األسرة اآلخرين‪،‬‬
‫وخاصة األطفال واالقارب‪ ،‬فبرغم من أن األطفال ال يكون لهم السلطة‪ ،‬إال أنه يكون لهم‬
‫(‪)1‬‬
‫تأ ثير قوي‪ ،‬كما أنهم يشاركون ويمارسون الضغوط على القرارات التي يتخذها آباؤهم‪.‬‬
‫‪ . 5‬التوافق الزواجي ‪:‬‬
‫يتضمن التوافق ألزواجي تطوير مجموعة من التفاعالت بين الطرفين والتي تؤدي إلى‬
‫الراحة الفردية لكل طرف و لنسلهما مما يساعد كل طرف على التكيف مع ضغوط الحياة‪،‬‬
‫كما تؤدي إلى إحساس كل طرف بالحميمية العاطفية و الجسمية‪ ،‬مما يؤدي إلى الحفاظ على‬
‫العالقة لمدى أطول‪ ،‬ويتضمن هذا تعريف قيمة ضمنية لطول مدة العالقة –استقرار العالقة‬
‫‪)2‬‬
‫– واعتبارها مكونا أساسيا لعالقة صحية‪.‬‬

‫(‪ )1‬حسن الداهري ‪ ،2003 ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪216‬‬


‫‪ )2‬كلثوم بن ميهوم ‪، 2006 ،‬االستقرار الزواجي ‪،‬دراسة في علم النفس ‪ ،‬منشورات الحبر ‪،‬الجزائر ‪،‬ص‪28‬‬

‫‪54‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫وهناك مظهر هام آخر في النسق الزواجي له أهمية كبيرة‪ ،‬وهو ‪ :‬الكيفية التي يتمكن كل‬
‫من الزوج والزوجة من شق طريق الحياة معاً‪ ،‬و االنتقال من الحياة العزوبية إلى األدوار‬
‫الزواجية وقد بذلت محاوالت عديدة لدراسة و تحديد نوع العالقة الزوجية ‪ ،‬و ذلك باستخدام‬
‫مفاهيم معينة مثل التوافق الزواجي و النجاح و الثبات و السعادة و التماسك و التكيف و‬
‫التكامل ‪ ....‬الخ‬
‫وكثيرا ً ما تستخدم هذه المصطلحات بالتبادل لتشير إلى نفس الشيء‪ ،‬وأحيانا ً أخرى تشير كل‬
‫منها إلى معنى مختلف‪ ،‬كما أنها قد تستخدم بمعنى سيكولوجي‪ ،‬لتشير إلى الحالة النفسية ألحد‬
‫الزوجين أو كليهما ‪،‬أو بمعنى اجتماعي‪ -‬نفسي لتشير إلى ( موقف العالقة أو بمعنى‬
‫سوسيولوجي لتشير إلى موقف الجماعة أو النسق‪ ،‬أو تستخدم باإلضافـة إلى ذلك لإلشارة إلى‬
‫تحقيـق الهدف‪ ،‬وواضح أن كل االستخدامات وما تنطوي عليه من مفاهيم تؤكد على المعاني‬
‫(‪)1‬‬
‫التي تتعارض مع عدم التوافق ‪،‬وعدم الرضا‪ ،‬وعدم الثبات والتعاسة إلخ‪.‬‬
‫‪(Weisfeld, et al.‬‬ ‫وقد توصلت العديد من الدراسات منها دراسة )‪ ،(Wyen, 1991‬ودراسة‬
‫)‪ ،1992‬ودراسة )‪ ) Lucas  Peterson, 1992‬إلى أن التعارف الجيد بين الزوجين قبل الزواج‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫واشتراك الزوجين في اتخاذ القرار ألزواجي يؤدي إلى التوافق ألزواجي‪.‬‬
‫إن التوافق في العالقة الزوجية يناظر أي عالقة إنسانية أخرى‪ ،‬إذ أنه من الممكن أن نتحدث‬
‫عن كل شكل من أشكال التوافق في العالقات بين جماعات األصدقاء أو جماعات النظراء‪،‬‬
‫أو جماعات العمل‪ ،‬إال أن الدور الذي تقوم به عالقات األزواج والزوجات تختلف تماما ً عن‬
‫الدور الذي تقوم به العالقات المشار إليها‪ ،‬فالزواج الذي يتحقق عن طريق معيشة فردين من‬
‫جنسين مختلفين في قرب مكاني‪ ،‬هو أمر شائع وله طابع ارتباطي‪ ،‬يصعب انهياره بسبب‬
‫نوع العالقة الرسمية والعلنية التي يقوم بقاؤه عليها‪.‬‬
‫‪ . 6‬التكيف الزواجي ‪:‬‬
‫يمثل التكيف الزواجي جزءا ً رئيسيا ً من جوانب التكيف في حياة اإلنسان العصري‪ ،‬و ال‬
‫شك أن الزواج المنسجم أو المتسق أو المتناعم " ‪" Compatible marriage‬يؤسس على الكثير‬
‫من العوامل من بينها المشاركة في الخبرات‪ ،‬وتكوين الروابط العاطفية العميقة‪ -‬و لفهم ذلك‬
‫نطرح التساؤل ‪ :‬ما الذي يؤدي إليه مثل هذا الزواج الذي يسوده الود والوئام واالنسجام ؟‪.‬‬
‫يشعر الطرفان بالوئام والصحة والموائمة ‪،‬وإن كل منهما مرغوب فيه ومحبوب‪ ،‬وأن الطرف‬
‫اآلخر يحتاج إليه‪ ،‬وإنه معترف به اجتماعيا ً وبدوره وبقيمته‪ ،‬وإنه يشعر أنه آمن غير خائف‬
‫أو مهدد بدرجة ال يمكن أن تتحقق في أية عالقة إنسانية أخرى خالفا ً لعالقة الزواج التي هي‬
‫عالقة مقدسة‪.‬‬
‫وبطبيعة الحال يزيد إنجاب األطفال إلى هذا الزواج المنسجم قيمة ويجعل له معنى أغزر‪،‬‬
‫وتصبح األسرة وحدة قوية تضيف إلى مشاعر الوالدين باإلنجاز والكسب والتحصيل والسعادة‬

‫‪.‬‬
‫(‪ )1‬عبد الحميد شاذلي‪ 2001 ،‬الصحة النفسية والسيكولوجية‪ ،‬المكتبة الجامعية‪ ،‬لطبعة‪ 1‬إلسكندرية ص ‪183‬‬

‫(‪ )2‬محمد قاسم عبد هللا‪ 2001 ،‬مدخل إلى الصحة النفسية دار الفكر للطباعة والنشر‪،‬الطبعة‪،، .1‬عمان ص ‪146‬‬

‫‪55‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫والسرور‪ ،‬ويزيد ذلك من شعورهم باألمان والرضا في مرحلة وسط العمر والشيخوخة ويوفر‬
‫ذلك مزيدا ً من الدفء العاطفي‪ ،‬و التحقيق التكيف الزواجي‪.‬‬

‫‪ 1 . 6‬مقومات التكيف الزواجي ‪:‬‬


‫‪ -1‬ضمان أو كفالة حياة أسرية مالئمة وتوفير ظروف تكفل النمو االنفعالي الصحي وتوفير‬
‫نماذج جيدة لحياة األسرة أو الحياة العائلية أو المنزلية‪.‬‬
‫‪ -2‬توفير االستعداد أو اإلعداد والتأهيل والتهيؤ الجيد للزواج في ضوء فهم الواجبات‬
‫والمسؤوليات والوظائف وغير ذلك من الوقائع والظروف األخالقية المتصلة بالزواج والحياة‬
‫األسرية‪.‬‬
‫‪ -3‬توفير الرعاية الطبية العقلية والنفسية المبكرة للزواج المريض‪ ،‬وقد يتضمن هذا اإلجراء‬
‫توفير العالج للمشاكل الشخصية أو النفسية ألي من الطرفين أو كالهما‪.‬‬
‫‪ -4‬ولقد تبين أنه من الممكن مساعدة المقبلين على الزواج عن طريق تطبيق االختبارات‬
‫والمناقشات والحوار الجماعي واإلرشاد لمساعدة المخطوبين واألزواج‪ ،‬وتوضيح وفهم‬
‫دوافعهم من الزواج وفهم العوامل الرئيسية في تحقيق الزواج السعيد‬
‫‪ -5‬وخير ما نتأسى به هو الهدى اإلسالمي الخالد يأمرنا بالمعروف واإلحسان والذي جعل من‬
‫الزواج مودة وسكينة وهدوء واستقرار وتراحم وتعاطف وتساند وتعاون واحترام‪ ،‬والذي‬
‫أوصانا بالنساء خيرا ً وتحمل نقاط الضعف عندهن‪ ،‬إذا وجدت‪ ،‬والنظر إلى محاسن الواحدة‬
‫منهن وفضائلها‪.‬‬
‫و عموما ‪ ،‬فإن الشخص المتكيف خارج األسرة والذي يشارك غيره من الجماعات واألفراد‬
‫أقدر على التكيف داخل األسرة‪ ،‬ألنه تعود على إقامة عالقات سوية مع الغير‪ ،‬ومؤدى ذلك‬
‫(‪)1‬‬
‫أن الزواج يتأثر بالتنشئة االجتماعية للفرد ‪.‬‬
‫‪Adjustments after marriage‬‬ ‫‪ . 2 . 6‬التكيف بعد الزواج ‪:‬‬
‫بعد الزواج مباشرة يبدأ شهر العسل "‪ "Honeymoon‬ومثل هذه العادة تساعد الزوجين على‬
‫الخروج من البيئة القديمة التي عاشا فيها من حيث األقارب واألصدقاء‪ ،‬والحقيقة أن الزواج‬
‫يتطلب تغيير كثير من العادات والتقاليد وأنماط السلوك‪ ،‬ومن خالل شهر العسل يمكن‬
‫للزوجين تعلم كيف يعيشان معا في المراحل األولى من حياتهما الزوجية والمنزلية‪.‬‬
‫إن الشهر األول من الزواج ليس أمرا سهال‪ ،‬لكي تكون سعيدا كزوج وزوجة ال يتأتى ذلك‬
‫آليا أو ميكانيكيا‪ ،‬ولكنه مثل غيره من النجاحات في أية مشاركة تعاونية ال يتأتى ذلك إال بعد‬
‫خبرة طويلة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬أبوا حميدان ‪،‬يوسف ‪، 2001،‬العالج السلوكي لمشاكل األسرة ‪،‬دار الكتاب الجامعي ‪،‬العين‪ ،‬اإلمارات المتحدة‪ ،‬ص‪130 - 129‬‬

‫‪56‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫إن إعادة التكيف التي بتطلبها الزواج قد تكون مزعجة‪ ،‬ولكن ال بد من إقامة مجموعة جديدة‬
‫من العادات والتكيف لكي تناسب الوضع الجديد والروتين الجديد‪ ،‬من ذلك مواعيد النوم‬
‫واالستيقاظ وتناول الطعام‪ ،‬و ما يحبه الفرد وما يكرهه في الطعام والشراب والعديد من‬
‫األنشطة اليومية التي يصبح على اإلنسان إعادة تكيفها‪ ،‬وإذا فشل الطرف اآلخر في عمل‬
‫بعض التنازالت من جانبه‪ ،‬فإن ذلك قد يكون سببا في حدوث الصدام بين الطرفين‪.‬‬
‫والحقيقة أن األزواج والزوجات الصالحون ال يولدون هكذا بدون تعليم‪ ،‬وإنما النجاح‬
‫الزواجي ثمرة تعلم واكتساب وخبرة وتدريب واستعداد وتهيؤ ذهني وجد واجتهاد ‪ ،‬هذا ال‬
‫يعني أن الزوجين ال يختلفان إطالقا ً طوال حياتهما حتى وأن قررا‪ ،‬بعد عمر طويل من‬
‫الزواج‪ ،‬إنهما لم يختلفا في حياتهما ‪ ،‬ذلك ألنهما يكونان قد نسيا ما حدث من خالفات أو‬
‫(‪)1‬‬
‫اختالفات في الرأي‪.‬‬
‫وقد أجريت دراسة على ‪ 38‬امرأة أو زوجة و‪ 40‬رجال ممن تزوجوا عند إجراء الدراسة‪،‬‬
‫كل زيجة كانت تخضع لمقابلة في منزلها بواسطة شخص مدرب تدريبا ً جيدا ً على إجراء‬
‫المقابالت‪ ،‬وتم تطبيق االختبارات النفسية‪ ،‬ولقد وجد أثر الستجابات على المفردات التي تشير‬
‫إلى القناعة أو الرضا بالحياة بنصيب الفرد في الحياة والتكيف العام أو الكلي‪ ،‬ووجد أن‬
‫الرجال والنساء حصلوا على درجات عالية على المفردات التي تعكس ما يلي ‪:‬‬
‫‪-2‬التمتع بالصحة العقلية‪.‬‬ ‫‪ -1‬غنى أو ثراء الشخصية‪.‬‬
‫‪-4‬االنسجام السيكولوجي ‪.‬‬ ‫‪ -2‬المجموعة كانت متجانسة ومنسجمة في هذا الصدد‪.‬‬
‫‪ -5‬إن األشخاص األسوياء واألصحاء يختارون أيضا أشخاصا أصحاء وأسوياء للزواج منهم‬
‫‪،‬لقد أظهروا أنهم يستمتعون بالحياة معا إلى جانب وجود اهتمامات بناءة لديهم ‪،‬والحقيقة أن‬
‫السعادة الزوجية ال تتوفر تلقائيا ً وال تجري في مجرى سهل بل ال بد من التكيف في أمور‬
‫كثيرة وبصورة مستمرة ومتجددة‪.‬‬
‫أحيانا ً يؤدي الخالف الصريح في الرأي" ‪ " Afrank disagreement‬أو الخالف االنفعالي قد‬
‫يجلي الموقف أو يطهر المناخ أو يزيل الحزن الصامت" ‪ " Unspoken grievonces‬الذي‬
‫تراكم على مر األيام‪ ،‬و ال شك أن الخالف أو عدم االتفاق جزء من التوافق الزواجي‬
‫"‪ ، " Marital adjustment‬وقد يساعد في تحقيق وحدة األسرة‪ ،‬إذا كان مجرد مرحلة من‬
‫التكيف‪ ،‬وإذا كان أحد األزواج يفضل تحاشي الخالف المفتوح ويظل يكبت مشاعره باإلحباط‪،‬‬
‫فإن اإلحباط سوف يؤثر يوم ما على شخصيته ذلك ألن كثرة الضغط تولد االنفجار‪.‬‬

‫و في بعض الحاالت ينشغل الزوج في عمله‪ ،‬أي ينغمس فيه أزيد من الالزم‪ ،‬وفي هذه الحالة‬
‫يعطل توحده مع شريكة حياته "‪ "Identification‬وتصبح عالقاتهما عالقة تقليدية جافة فقط‪،‬‬

‫(‪ )1‬الرفاعي نعيم ‪،‬الصحة النفسية ‪ :2003‬دراسات في سيكولوجية التكيف ‪ ،‬جامعة دمشق‪،‬ط‪ 9‬ص ‪84 - 83‬‬

‫‪57‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫ولكن النجاح في العمل ليس عمالً سلبيا ً على طول الخط‪ ،‬فإن نجاح الفرد في عمله قد يساعده‬
‫على التكيف ‪،‬ومن ثم يصبح قادرا ً على معاملة شريك حياته بموضوعية أكثر‪.‬‬
‫وفي الواقع معظم األزواج يرغبون في إنجاح زواجهم‪ ،‬ولكن الزواج في الحقيقة ال يصبح‬
‫ناجحاً‪ ،‬إال إذا عمد كال الطرفين أو على القليل أحدهما لكي يكون متكيفا ً تكيفا ً كافيا ً لتحقيق‬
‫السعادة السيكولوجية للطرف اآلخر‪ .‬ويستطيع الطرفان أن ينموا نموا ً سعيدا ً ‪ ،‬إذا احترم كل‬
‫منهما شخصية اآلخر‪ ،‬وإذا أراد لآلخر أن يعيش سعيدا ً كما يتمنى لنفسه‪ ،‬وأن يستمتع بالحياة‬
‫(‪)1‬‬
‫الزوجية مثله‪ ،‬بمعنى أن يتوفر ما يعرف باسم الحب الخالق"‪" Creative love‬بينهما‪.‬‬
‫‪ . 7‬التواصل بين الزوجين‪:‬‬
‫ويقصد بالتواصل لغة التفاهم التي تنقل أفكار كل من الزوجين ومشاعرهما ورغباتهما‬
‫واتجاهاتهما إلى الطرف اآلخر‪ ،‬سواء كانت صريحة أو ضمنية‪ ،‬فهي تحدد شكل التفاعل‬
‫وتوجهه وجهة إيجابية إذا كانت جيدة‪ ،‬أو وجهة سلبية إذا كانت رديئة ومشوشة‪.‬‬
‫يوجد في أساس كل عالقة ثنائية رغبة عند كل فرد في إغواء اآلخر وأسره‪ ،‬كما يوجد رغبة‬
‫في أن يكون موضوع حب و إغواء لآلخر‪ .‬و تؤدّي هذه الرغبات دورا ً هاما ً في الميل المتبادل‬
‫و في التواصل مع اآلخر‪ ،‬و يميل التواصل في بداية العالقة إلى التزايد و ذلك ليس ألن‬
‫الرسائل الصادرة في هذه الفترة هي أكثر صدقا ً و أمانة مع الواقع من الرسائل التي تصدر‬
‫في ما بعد‪ ،‬لكن الرغبة في إعالم اآلخر و البحث عن معلومات صادرة عنه‪ ،‬كذلك الرغبة‬
‫في التعبير عند كل فرد تكون عادة حادة جدا ً في بداية العالقة‪ ،‬ويوجـد عند الشريكين رغبة‬
‫في أن يكون الواحد مع اآلخر و رغبة في الكالم و تبادل الحديث في ما بينهما‪.‬‬
‫يميل التواصل إذاً‪ ،‬في الفترة األولى من حياة الزوجين‪ ،‬إلى البروز وإلى التع ّمق في وقت‬
‫ما يزال فيه التواصل سهالً نسبيا ً وفيه الكثير من المتعة‪ ،‬وعلى كل حال‪ ،‬فإن كل شريك يعلم‬
‫أنه في فترة شهر العسل يكون من المهم جدا ً أن يقوم التواصل بمختلف أشكاله‪ ،‬وأن يساهم‬
‫تعودا في هذه الفترة على‬‫بمعرفة متبادلة أفضل‪ .‬من المفروض إذاً‪ ،‬أن يكون الشريكان قد َّ‬
‫التواصل الجيد‪ ،‬و بما أن أولئك الذين لم يستفيدوا من هذا الوقت المناسب لمضاعفة معرفتهم‬
‫المتبادلة‪ ،‬يفقدون فرصة هامة في لعبة عالقاتهم المتبادلة‪ ،‬و هذا ما يؤكد أن بنية العالقة‬
‫الزوجية تت ّم باالعتماد على هذه الفترة إذ يسهل التواصل بسبب الرغبة المتبادلة الكبيرة في‬
‫التواصل والتعارف‪.‬‬
‫هناك دراسات تناولت نمط التواصل بين الزوجين وأثره على التوافق الزواجي‪ ،‬إذ يتطلب‬
‫أن يتعلم الزوجان أن يتواصال بكفاءة مع بعضهما البعض‪ ،‬وقد اتضح من دراسة نافران‬
‫(‪ )1967‬أن الزوجين السعيدين يكون تواصلهما أكثر وأفضل بالمقارنة بالزوجين غير‬
‫السعيدين كما أنهما يتحدثان عن مدى واسع من الموضوعات ويبدوا لديهما المزيد من الفهم‬

‫(‪ )1‬محمد متولي قنديل وصافي ناز شلبي ‪،)2006(،‬مدخل إلى رعاية الطفل واألسرة الطبعة األولى‪ ،‬دار الفكر للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن ‪ ،‬ص ‪81‬‬
‫‪82 -‬‬

‫‪58‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫لما سمعاه ويبديان الكثير من الحساسية إزاء مشاعر بعضهما البعض ويدعمان تواصلهما‬
‫(‪)1‬‬
‫اللفظي بالكثير من اإلشارات غير اللفظية ‪.‬‬
‫‪ 2 . 7‬أساليب التواصل العاطفي‪:‬‬
‫ويقصد بها التواصل الزواجي بكالم الحب والغزل والمداعبة والمالطفة‪ ،‬وإفصاح كل من‬
‫الزوجين للزوج اآلخر عن إعجابه وحبه واستحسانه له وتشوقه إليه ‪،‬هذا وتعتبر أساليب‬
‫التواصل العاطفي بين الزوجين من أهم الخصائص التي تميز الزوجين كجماعة زواجية عن‬
‫غيرها من الجماعات الصغيرة‪ ،‬حيث تقوم ديناميات التفاعل الزواجي على التواصل العاطفي‬
‫بين الزوجين‪ ،‬فبدون الغزل واإلعجاب المتبادل تفتر العالقة الزوجية‪ ،‬ويختل التفاعل‬
‫الزواجي‪ ،‬وقد يخطئ الزوج الذي ال يفصح لزوجته عن حبه‪ ،‬وال يبث عواطفه وحنانه‪ ،‬كذلك‬
‫تخطئ الزوجة التي تستحي من زوجها فال تحدثه عن شوقها إليه وحبها له‪ ،‬فاالمتناع عن‬
‫(‪)2‬‬
‫التعبير من ق بل الزوجين يباعد بينهما ويكون سببا في فتور واختالل العالقة الزوجية ‪.‬‬
‫وقدم لوك مرتكزات االنسجام النفسي في العالقة الزواجية في النتائج العامة اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬يتوقف االنسجام على نمو أواصر المحبة والتعاطف‪ ،‬وتزايد االهتمامات المشتركة‪،‬‬
‫وتعدد معالم النشاط المزدوج واتخاذ مواقف متشابهة‪ ،‬واإليمان بقيم مشتركة واحترام كل فرد‬
‫لشخصية اآلخر‪.‬‬
‫‪ -2‬يستلزم االنسجام في الزواج بالضرورة نوعا من االنسجام مع أسرة الطرف اآلخر‪.‬‬
‫‪ -3‬يتضمن االنسجام العالقات الجنسية‪ ،‬فهي البد أن تقوم على الحب واإلشباع المتبادل‪.‬‬
‫‪ -4‬ينبغي لالنسجام بين الزوجين أن يتضمن القناعة التامة بمسئوليات كل من الزوجين‬
‫وتشاركهما في تحمل أعباء الحياة ومتطلبات الحياة الزوجية العامة‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ -5‬يتوقف االنسجام على قدرة كل من الزوجين على التفاعل العاطفي واالستجابة له ‪.‬‬

‫‪ 1 . 2 . 7‬البعد العاطفي (الوجداني) في العالقة الزوجية‪:‬‬


‫إن أي عالقة زوجية البد من أن يكون الزوجان فيها متوافقين عاطفيا بمعنى أن يحس‬
‫كل منهما نحو اآلخر بشعور الحب والمودة والتقدير واالحترام واالرتباط النفسي والعاطفي‪،‬‬
‫كي تؤدي العالقات الزوجية واألسرية دورها في حياتهما المشتركة‪ ،‬لذا فمن الضروري أن‬
‫يكون هناك قدر ومستوى من العالقات العاطفية المتبادلة‪ ،‬تسمح بتوافر الراحة واالطمئنان‬
‫بين قطبي الحياة الزوجية‪ ،‬تدفعهما نحو البذل والعطاء وتساعدهما على تحقيق االستقرار‬
‫األسري واالستمرار في حياتهما الزوجية‪ ،‬أما عن الحب في مجال العالقات الزوجية فقد دلت‬
‫مجموعة من الدراسات النفسية في ميدان الحياة الزوجية على أن الناحية التعبيرية تكون مهمة‬
‫(‪ )1‬حسين ‪،‬طه عبد العظيم‪ ،2004،‬اإلرشاد النفسي ‪،‬دار الفكر ‪،‬ط‪ 1‬عمان ‪ ،‬االردن ص ‪84‬‬
‫(‪ )2‬مرسي ‪ ،‬كمال ابراهيم‪ ، ،‬العالقة الزوجية والصحة النفسية في اإلسالم وعلم النفس ‪ ، 1995‬دار الفلم للنشر والتوزيع ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬الكويت‪ .‬ص ‪،115‬‬
‫(‪ )3‬كفافي ‪ ،‬عالء الدين ‪ 1999،‬مرجع سابق ص ‪91‬‬

‫‪59‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫أحيانا لتأكيد الشعور بالحب للطرف اآلخر‪ ،‬ألن التفاعل الزواجي يقوم على أساس من‬
‫المشاركة الوجدانية والتعاطف بين الزوجين‪ ،‬وتعاون كل مهما مع اآلخر والتضحية من أجله‪.‬‬
‫‪ 2 .2 . 7‬البعد الفكري (الثقافي) في العالقة الزوجية‪:‬‬
‫يحتل البعد الفكري دورا بارزا في العالقة الزوجية بما يساهم فيه من تشجيع للزوجين‬
‫على إقامة عالقات تدخل فيها العوامل الثقافية‪ ،‬إذ يُتاح لهما النقاش والتحدث وإغناء أفكار‬
‫كل منهما والتواصل بينهما من خالل األفكار واآلراء والمفاهيم التي يتبناها الزوجان حيث‬
‫تعزز األفكار الجوانب البيولوجية والوجدانية وتضيف عليها متعة كبيرة‪ ،‬وأن المتعة الجسدية‬
‫والعاطفية ال تكتمل إال إذا صاحبتها المتعة الذهنية التي ترتقي بالعالقة الزوجية وتحقق نوعا‬
‫من اإلثراء الوجداني فيها ‪ ،‬ويمثل البعد الفكري جانبا مهما في العالقة الزوجية قد يتحدد في‬
‫ضوئه مسار هذه العالقة وشكلها‪ ،‬إن هذا البعد يتأثر بعوامل عديدة أهمها تماثل األصول‬
‫الثقافية واالجتماعية والخلفية األسرية‪ ،‬وعمليات التواصل بين الزوجين (العقلية والعاطفية)‪.‬‬
‫‪1(.‬‬

‫يعد أسلوب حياة ونمط معيشة كل من الزوجين في حياتهما المشتركة‪ ،‬إنما يعكس أسلب‬
‫ونمط حياة األسرة األصلية التي نشأ فيها كل منهما من حيث عاداتها وتقاليدها وقيمها التي‬
‫تسودها‪ ،‬فقد يكون والد الزوج في حياته الزوجية مثال يميل إلى فرض سيطرته على أفراد‬
‫أسرته ما يؤدي الى تعلم االبن منه‪ ،‬وإذا ما تزوج فإنه سيمد سيطرته على زوجته‪ ،‬وقد ترفض‬
‫الزوجة ذلك‪ ،‬ألنها لم تعد عليه من قبل ولم تر أمها خاضعة لسيطرة أبيها‪ ،‬ولكي يتوافق‬
‫الزوجان فإن عليهما أن يعدال من اتجاهاتهما‪ ،‬إذ يقلل الزوج من سيطرته وتتقبل الزوجة تلك‬
‫(‪)2‬‬
‫السيطرة‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫المحاضرة التاسعة‪ :‬الصحة النفسية و االسرة‪:‬‬


‫‪ .1‬مفهوم الصحة النفسية‬
‫في البداية كان التوجه العلمي أن مفهوم الصحة النفسية البد أن يكون مفهوما ً واضحا ً و محددا ً‬
‫تماماً‪ ،‬و يكاد أن يتفق على معناه جميع المهتمين في هذا الميدان العلمي‪ ،‬و لكن هذا الظن لم‬
‫يستمر لدى المهتمين بالتعرف على معنى الصحة النفسية لإلنسان‪ ،‬فقد أدركوا أن هذا المفهوم‬
‫هو مفهوم ثقافي نسبي‪ ،‬فهو غير ثابت و أنه يتأثر بالبيئة االجتماعية التي يعيش فيها الفرد‪ ،‬ومن‬
‫هنا تباينت وجهات نظر العلماء المختصين في الصحة النفسية في االتفاق على تحديد معنــــاه‬
‫و ذلك الختالف منحاهم الفكري الرئيس‪ ،‬و هم أيضا ً يختلفون فيما بينهم باختالف نظرتهم إلى‬
‫)‪(1‬‬
‫طبيعة اإلنسان و ما ينبغي أن تكون عليه الصحة النفسية‪.‬‬

‫(‪ )1‬حسين ‪،‬طه‪ 2004 ،‬عبد العظيم‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪91‬‬
‫(‪ )2‬توفيق ‪ ،‬سميحة كرم ‪ ،1996،‬مدخل الى العالقات االسرية ‪ ،‬مكتبة االنجلو المصرية ‪ ،‬القاهرة ص ‪85‬‬

‫)‪ (1‬سيد يوسف‪ ،‬عزة عبد الكريم‪ ،2006 ،‬الصحة النفسية والجسمية للمسنين‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر ‪،‬القاهرة ‪،‬ص ‪13‬‬

‫‪60‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫تسعى الصحة النفسية إلى جعل إمكانيات الفرد على التكيّف مرنة بدرجة كافية‪ ،‬لكي يُوائم‬
‫نفسه لمطالب الحياة بدون اللجوء إلى األشكال المنحرفة من السلوك‪ ،‬و تكمن الغاية في الصحة‬
‫)‪(3‬‬
‫النفسية في تحقيق ذات اإلنسان لذاته‪ ،‬أي‪ :‬حسن توظيف إمكانيته و طاقته‪.‬‬
‫ويرى (‪ )1986 Wenze , Franzkowiak‬على أنها حالة موضوعية قابلة لالختبار الطبي‬
‫البيولوجي‪ ،‬وتعتبر كذلك التكيف األمثل مع متطلبات المحيط‪ ،‬كما يمكن اعتبارها حدث تفاعليا‬
‫لتحقيق الذات على شكل التعديل الهادف والفعال للبيئة‪ ،‬والصحة وفق هذا التعريف عبارة عن‬
‫مفهوم سيروري" ‪" Processed‬وعالئقي‪ .‬و تركز هذه الرؤية على مظهر الموارد‪ ،‬أي على‬
‫دور عوامل الحماية في الشخصية التي ينبغي تنميتها وتدعيمها‪ ،‬وعلى مهارات وقدرات النمو‬
‫وعلى الطبيعة الممكنة الكامنة للصحة‪.‬‬
‫ويختلف هذا التعريف عن تعريف منظمة الصحة العالمية المذكور‪ ،‬بأن هذا التعريف يستند‬
‫إلى الكفاءة الفردية في تنمية الصحة والحفاظ عليها بدالً من االستناد إلى الحالة المثالية‪ ،‬حيث‬
‫يتم قياس الصحة من خالل المدى الذي يقترب الفرد منه‪ ،‬كما هو األمر في تعريف منظمة‬
‫الصحة العالمية‪.‬‬
‫ويشيران في النقاش العلمي لمفهوم الصحة إلى ثالثة مبادئ تتثمل في‪:‬‬
‫‪ -‬تعتبر الصحة حالة موضوعية قابلة لالختبار الطبي البيولوجي‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن اعتبار الصحة بأنها التكيف األمثل الممكن مع متطلبات المحيط‪.‬‬
‫‪ -‬كما ويمكن اعتبارها حدثا ً سيروريا ً (تفاعلياً) لتحقيق الذات على شكل التعديل الهادف‬
‫)‪(1‬‬
‫والفعال للبيئة ‪.‬‬
‫‪ .2‬الصحة النفسية و الزواج‪:‬‬
‫يساهم الزواج بشكل ايجابي في تدعيم الصحة النفسية لدى األزواج لما يحققه من إشباع للحاجات‬
‫النفسية والبيولوجية واالجتماعية ‪ ،‬فقد أشارت نتائج دراسة ( ديفيد و بروك ‪ )2000‬إلى أن‬
‫األزواج ذوي التفاعل الجيد والرضا عن الدور الجنسي‪ ،‬كان لهم شعور بالبهجة والتفاعل‬
‫واإلحساس العام بالسعادة ‪.‬‬
‫أما األزواج غير المتوافقين فأن سلوكيات كل منهما تؤذي اآلخر أو تحرمه من إشباع حاجاته‬
‫)‪(2‬‬
‫وال تساعدهما على تحقيق أهدافهما من الزواج أو تفسد عالقتهما الزوجية ‪.‬‬
‫‪.3‬أثر الوحدة والعزلة على الصحة العقلية ‪:‬‬
‫ففي دراسة أجريت على ‪ 305‬من حاالت الدخول للمستشفى العقلي ألول مرة في أميركا من‬
‫حاالت "الفصام ‪ "Schizophrenia‬بين الرجال ‪،‬كانت النسب العالية لسكان وسط المدينة‪ ،‬وكان‬

‫)‪ (3‬احمد عبد الخالق ‪،‬أصول الصحة النفسية ‪ ، 1993،‬دار المعرفة الجامعية ‪،‬القاهرة ‪،‬ص ‪32‬‬

‫)‪ (1‬سامر جميل رضوان‪ ،2007،‬الصحة النفسية ‪،‬دار المسيرة للنشر والطباعة‪ ،‬الطبعة ‪ ، 2‬عمان‪ ،‬ص ‪27‬‬
‫)‪ (2‬موسى ‪ ،‬رشاد علي عبد العزيز ‪ ، 2008 ،‬سيكولوجية القهر األسري ‪،‬ط ‪ ، 1‬دار عالم الكتيب للنشر والتوزيع ‪ ،‬القاهرة ص ‪138‬‬

‫‪61‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫معظمهم من العزاب والمنفصلين عن بيوتهم أو المطلقين الذين كانوا يعيشون بمفردهم أو‬
‫)‪(3‬‬
‫يعيشون في عزلة)‬
‫‪.4‬الصحة النفسية و عالقتها بالزواج و الحب‪:‬‬
‫في دراسة تمحورت حول تأثير الحب على الزواج‪ ،‬تبين أن األزواج المحبون‪ ،‬بوجه عام‪،‬‬
‫أسعد حاال ويعيشون أطول ويشربون الكحول بشكل أقل‪ ،‬كما أن معدل زيارتهم لألطباء أقل‬
‫مقارنة بغير المتزوجين‪ ،‬كما يميل األزواج المحبون إلى التشجيع على الوقاية من األمراض‬
‫ودعم السلوكيات الصحية‪ ،‬مثل‪ :‬ممارسة التمارين الرياضية‪ ،‬واالبتعاد عن العادات الضارة‬
‫مثل ‪ :‬اإلفراط في تناول الكحول‪ ،‬كما أن مشاعر الحب تحفز مركز اللذة في الدماغ على إنتاج‬
‫مادة الدوبامين ‪ ،‬وهو ناقل عصبي قوي يؤثر على الشعور باللذة والدافع ‪ ،‬كما ‪،‬أن العناق‬
‫والتالمس باأليدي يؤدي إلى إفراز هرمون اوكسيتيكون الذي يخفض ضغط الدم ويحسن‬
‫)‪(1‬‬
‫المزاج ويزيد القدرة على احتمال األلم‪.‬‬
‫‪.5‬معايير األسرة الصحية‪:‬‬
‫*المشاركة في االنفعاالت سواء االيجابية أو السلبية ‪ ،‬و نعني قيام أفراد األسرة بالتعبير عن‬
‫مشاعرهم و انفعاالتهم لبعضهم البعض‪ ،‬وإشراك أفرد األسرة في كل ما يعترض الشخص‬
‫من أفراح وأقراح ‪.‬‬
‫*فهم االنفعاالت وقبولها لألسرة ككل و فهم المشاعر التي تصدر عن أفراد األسرة والعمل‬
‫على تقبلها اعتمادا على المراحل النمائية العمرية التي يمر بها الشخص‪.‬‬
‫* قبول الفروق الفردية وعدم مقارنة أفراد األسرة معا‪ ،‬ويعني ذلك عدم مقارنة حتى األخوة‬
‫والتوائم سواء بالمستوى التحصيلي‪ ،‬أو السلوكي أو النفسي‪ ،‬أو االجتماعي أو الديني‪.‬‬
‫* التعاون والمشاركة في المسؤوليات و عدم تحميل مسؤولية ما يجري في البيت لشخص‬
‫واحد فقط كالزوجة‪ ،‬فأعمال المنزل يشترك بها كل أفراد المنزل كل حسب قدراته وإمكانياته‪.‬‬
‫* فلسفة عامة للقيم‪ ،‬حيث تنظم وتوجه وبدونها تحدث المشاكل حيث يتم االتفاق على قيم محددة‬
‫يلتزم بها أفراد األسرة والتعاون في تنفيذها معا‪.‬‬
‫* االهتمام والحب وإيصاله لآلخرين‪ ،‬إذ البد أن يحب و يرتاح كل فرد لكل أعضاء األسرة‬
‫بغض النظر عن المشكالت التي يراها فيه ‪ ،‬ويتقبله ويوصل له هذا االحترام‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫* اإلحساس بالمرح والدعابة وإيصالها لآلخرين‪.‬‬
‫‪ .6‬الحالة الزواجية وأثرها على الصحة النفسية و العقلية‪:‬‬
‫لقد وجد أن العجز العقلي يختلف باختالف الحالة الزواجية للفرد‪ ،‬فهل يختلف المتزوجون‬
‫عن غير المتزوجون في االضطرابات العقلية ؟ وهل يختلف الرجال عن النساء في هذا الصدد؟‪.‬‬

‫)‪(3‬إبراهيم‪ ،‬زكريا ‪ ، 1978‬الزواج و الستقرار النفسي ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬مكتبة مصر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ص ‪49‬‬
‫)‪ (1‬فوزي محمد جابر ‪ 2000 :‬الصحة النفسية و سيكولوجية الشخصية اإلسكندرية ‪ .‬مصر ص ‪89‬‬
‫)‪ (2‬أحمد عبد اللطيف أبو أسعد ‪،) 2008(،‬اإلرشاد الزواجي األسري‪ ،‬الطبعة األولى دار الشروق للنشر والتوزيع ‪،‬األردن‪ .‬ص ‪26‬‬

‫‪62‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫بين المتزوجون ال يوجد فرق بين النساء والرجال في العجز العقلي‪ ،‬ولقد وجدت نفس النسبة‬
‫بين األرامل وبين المتزوجات‪ ،‬وعلى العكس من ذلك كان هناك نسبة عالية من االضطرابات‬
‫أو العجز العقلي بين المطلقات‪ .‬فهناك فرق بين حالة الترمل وحالة الطالق وكذلك المطلقون بين‬
‫ا لرجال‪ ،‬فيبدو أن تأثير الطالق يحدث للرجال كما يحدث للنساء لتشابه التجربة التي يمرون بها‬
‫من الحرمان والوحدة‪.‬‬
‫أما العزوبية بالنسبة للرجال والنساء‪ ،‬فكانت مختلفة حيث ال يوجد اختالف المرأة العزباء و‬
‫المتزوجة‪ .‬أما الرجال العزاب فكانت نسبتهم أعلى من الرجال المتزوجون في هذه االضطرابات‬
‫‪.‬وربما يمكن تفسير هذا الوضع بالنسبة للمرأة العزباء‪ ،‬بأنها كثيرة االعتماد على ذاتها‪ ،‬وبالتالي‬
‫ترغب في البقاء عزباء بعيدة عن الزواج "‪" Self-reliant‬والنتائج المستمدة من دراسة‬
‫‪ 1955 Martison‬تؤيد هذا االفتراض‪.‬‬

‫‪.7‬الصحة النفسية و العالقة الزوجية ( معطيات التحليل النفسي)‪:‬‬


‫ما يُعاش ضمن إطار العالقة الزوجية هو اإلغناء النفسي والتوكيد النرجسي لكال الشريكين‪.‬‬
‫إن التصرفات كلها تسعى إليجاد عالقة تهدف إلى توكيد الفرد و خصوصا ً ذلك الذي لم يتوصل‬
‫أبدا ً إلى تعويض النقص النرجسي‪ ،‬و ال إلى األمان الذاتي‪ ،‬أو الذي عانى من الحرمان العاطفي‬
‫َعرض لظروف نفسية داخلية منعته من التوصل إلى تحقيق وحدته الذاتية بشكل تام‪.‬‬ ‫أو ت َّ‬
‫على هذا األساس‪ ،‬فإن اختيار الشريك و تنظيم العالقة معه يقوم بادئ األمر على "التوكيد‬
‫النرجسي ‪ ، "Confirmation narcissique‬هذا التوكيد النرجسي ضروري لبقاء الطرف‬
‫الضعيف‪ ،‬و هو يُش ِّ ّكل مصدرا ً للسعادة و اللذة و ال يمكن أن يتحقق إال عبر عالقة حبية‬
‫صحيحة‪ .‬هذا النوع من العالقات‪ ،‬يُع ِّّبر على مستوى اإلستيهام عن ميل إلى اإلنصهار المتبادل‪،‬‬
‫و عن تشكيل نوع من الحدود الخارجية المشتركة لكليهما‪ :‬إنه يشكل مسعى إلعادة تشكيل نمط‬
‫العالقة(أم ‪ ،‬طفل)‪ .‬إنه عملية ضم جزئي يسمح بتجنب اإلنفصال مع ما يالزمه من قلق الهجران‬
‫كما يمكن أن يُع ِّّبر عن رغبة في التملك المتبادل الذي يُؤ ِّ ّمن فوائد إيروسية مرتبطة باإلنصهار‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫إنصهار مرغوب بحد ذاته ألنه يمثل حنينا ً إلى الطفولة األولى‪.‬‬
‫‪.8‬الصحة النفسية للوالدين ‪:‬‬
‫يشير نجاتي (‪1405‬ه)أن الزواج يرتبط بصحة الزوج والزوجة ‪،‬فلقد تبين أن الصحة الجيدة‬
‫لدى الزوج تساعد في تحقيق السعادة الزوجية وهي أكثر أهمية من صحة المرأة الجيدة‪ ،‬وربما‬
‫يرجع ذلك إلى أسباب اقتصادية تجعل الزوج السليم صحيا قادرا على الوفاء بضرورات الحياة‬
‫‪ ،‬باإلضافة الصحة الجسمية و الجنسية لكال الزوجين هذه الظروف التي تساهم في نمو استقرار‬
‫الزواج ‪،‬ولها تأثير ايجابي على تربية األبناء ويعتبر الزوجين القدوة والنموذج والمثل األعلى‬
‫والقادة لألسر‪.‬‬

‫)‪(2‬‬
‫‪Ruffiot ,A .Eiguer, A :la thérapie familiale psychanalytique ,paris , P .U. R 1992 P‬‬

‫‪63‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫ما تشير إليه الدراسات يؤكد على صحة الوالدين النفسية كعامل هام مؤثر على صحة األبناء‬
‫النفسية حيث أشارت بعض الدراسات إلى أن إصابة احد الوالدين بالمرض النفسي يجعل األبناء‬
‫عرضة لإلصابة به بنسبة ‪ ,%16‬وأنه إذا ما أصيب كال الوالدين فإن نسبة احتمال إصابة األبناء‬
‫بالمرض النفسي تزداد إلى ‪ . %65‬وعالوة على ذلك فإن الصحة النفسية الجيدة للوالدين تنعكس‬
‫)‪(1‬‬
‫على االستقرار األسري استقرار الصحة النفسية لدى األبناء‪.‬‬
‫‪.9‬الصحة النفسية و العنوسة‪:‬‬
‫يعمل الزواج على تنظيم العالقات الجنسية فيشعر كال الجنسين باالنسجام الروحي‬
‫والطمأنينة وتقوى الروابط االجتماعية به ‪،‬إال أن التحوالت االجتماعية والثقافية واالقتصادية‬
‫وحتى السياسية أدت إلحداث تغيرات في نظام الزواج من حيث السن‪ ،‬السكن‪ ،‬االختيار‪...‬األمر‬
‫الذي أدى إلى انتشار ظاهرة العنوسة بين النساء‪ .‬التي انعكست سلبيا على المرأة في شكل‬
‫أمراض نفسية وانحرافات ومصدرا لليأس واإلحباط‪ ،‬وعليه فأمام حرمان المرأة العانس من‬
‫المزايا التي يعود بها الزواج على صحتها النفسية والجسمية كالرغبة في اإلنجاب و إقامة‬
‫عالقات جنسية‪ .‬والتي اعتبرها " فرويد" أساس التوازن النفسي فانعدامها خطر‪ .‬إذ تعيش‬
‫أزمات نفسية تعرقل حياتها العادية‪ ،‬وتخلصا من هذه المعاناة تلجأ هذه األخيرة إلى طرق‬
‫إيجابية مستعينة بميكانيزم التسامي والذي يبدو في نجاح أعمالها وأنها تبدي االستعالء أو التكبر‬
‫عقابا للرجل والمجتمع أو التخلص من ضغوطات هذه األزمة بالسلب ‪،‬كأن تميل للعنف‬
‫والعدوان أو االكتئاب وحتى االنتحار نتيجة لتراكم الغضب بداخلها‪ ،‬وهذه األحداث الضاغطة‬
‫التي تعيشها العانس في هذه المرحلة العمرية ترفع معدل إحباطها فيبدو اضطرابات نفسية مثل‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫(تقدير الذات المنخفض)‪.‬‬

‫المحاضرة العاشرة ‪:‬تصدع الرابطة الزوجية الطالق العاطفي‪:‬‬


‫‪ . 1‬تصدع الرابطة الزوجية ‪:‬‬
‫يقصد بتصدع الرابطة الزوجية تلك الحالة من الجو األسري الذي يسوده مظاهر عدم‬
‫التوافق و االنسجام بين الزوجين وهو نوع من االستجابة يتضمن االبتعاد المادي ( الفيزيقي‬
‫) وحتى عدم النظر إلى هذا الطرف كما لو كان غير موجود‪ ،‬وهو التباعد والفقدان التدريجي‬
‫للشعور بالمودة والمحبة والرغبة بين الزوجين رغم كونهما ال يزاالن تحت سقف واحد ‪.‬‬
‫و هي حالة يعيش فيها الزوجان منفردين عن بعضهما البعض رغم تواجدهما في منزل واحد‪،‬‬
‫ويعيشان في انعزال عاطفي‪ ،‬ولكل منهما عالمه الخاص البعيد عن الطرف اآلخر وينتج عنه‬
‫برودة الحياة الزوجية وغياب الحب والرضا عن العالقة الزوجية‪ .‬هو اختالل التوازن وسوء‬
‫العدالة التوزيعية في الحقوق والواجبات بين الزوجين والذي يؤثر سلبا على الجانب التعبيري‬

‫)‪ (1‬نجاتي‪ ،‬محمد عثمان ( ‪ .) 1405‬علم النفس في حياتنا اليومية‪ .‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الكويت ص ‪185‬‬
‫)‪ (2‬سيجموند فرويد (‪ :)1994‬الحياة الجنسية‪ ،‬ترجمة جورج طرابيش‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ .‬ص ‪86‬‬

‫‪64‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫والجانب النفعي والذي يؤدي إلى تصدع الحياة الزوجية والتنافر وفقدان العاطفة بينهما ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويعيش الزوجان في بيت واحد كأنهم غرباء وبشكل مستمر‪.‬‬

‫‪ . 1 . 1‬أنواع التصدع‬
‫‪ 1.1 . 1‬التصدع الخفي ( التباعد النفسي ) ‪:‬‬
‫نقصد بالتصدع الخفي تلك الحالة من انطفاء عالقة العاطفة‪ -‬الجنس‪ ،‬أو خفوتها إلى درجة‬
‫متقدمة‪ ،‬مع ما يضاف إليها من تراكم التناقضات في التوقعات والسياسات واألولويات وما‬
‫ترتبها من حاجات‪ ،‬يبدو الرباط الزوجي وكأنه قد استنزف على صعيد العاطفة والشراكة‬
‫في تحقيق األهداف على حد سواء‪ ،‬ومع هذا االستنزاف يتزايد التباين وتتقلص منطقة التقاطع‬
‫بين دائرتي الرباط الزوجي ( كل شخص يمثّل دائرة )‪ ،‬وتتباعد هاتان الدائرتان مما ينشأ عنه‬
‫عالمان وجوديان مختلفان‪ :‬كل من الزوجين يبدأ التحرك في فلك خاص به‪ ،‬على مختلف‬
‫(‪)2‬‬
‫األصعدة واالهتمامات‪.‬‬
‫وعلى الرغم من هذا االنطفاء والتباعد‪ ،‬يحتفظ الرباط الزوجي بمظاهره القانونية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬ألسباب تتعلق بالسمعة والمكانة‪ ،‬أو لضرورات مادية أو المنفعة ‪،‬أو لضرورات‬
‫الحفاظ على مرجعية أسرية لألطفال‪ ،‬حيث تتصف الحياة الزوجية بالتماسك ظاهريا ً فقط‪،‬‬
‫كما يتجلى في األنشطة االجتماعية‪ ،‬إنما في الواقع كل من الزوجين أو أحدهما على األقل‬
‫يدير ظهره للرباط العاطفي‪ -‬الجنسي‪ ،‬ويسعى وراء اهتماماته الخاصة‪ .‬وتستمر مع ذلك‬
‫(‪)1‬‬
‫الحياة األسرية الظاهرية‪ ،‬والتعايش تحت سقف واحد‪ ،‬والقيام بأعباء األسرة المادية ‪.‬‬
‫وقد ال ينشأ التباعد عن عوامل تكوينية ذاتية بالضرورة‪ ،‬بل هو يتشكل تدريجيا ً عن تدني‬
‫صيانة الحياة الزوجية‪ ،‬أو تراجعها ألسباب متنوعة‪ ،‬مما يؤدي إلى تراكم التناقضات التي لم‬
‫تجد لها الحلول المناسبة‪ .‬ومع هذا التراكم يتزايد التباين والتباعد‪ ،‬وقد ينشأ التصدع الخفي‬
‫لعوامل خارجية محضة تعطل القدرة على العطاء الالزم لتغذية الحياة األسرية أو عوامل‬
‫خارجية قاهرة‪ .‬منها مثالً عوامل خارجة عن إرادة أحد الزوجين تجعله يفقد مكانته و مرجعيته‬
‫مثل البطالة الدائمة‪ ،‬أو الخسارة المادية وانهيار المكانة المهنية‪-‬االجتماعية‪ ،‬أو سواهما‪ ،‬وقد‬
‫يحدث في هذه الحالة انكفاء نفسي في نوع من اجترار المرارة‪ ،‬واإلحساس بالفشل مما يحول‬
‫الرباط الزوجي إلى مرآة لهذا الفشل والعجز‪ ،‬تولد اآلالم‪ ،‬وتدفع إلى مختلف آليات التجنب‪.‬‬
‫وبه تتحول الحياة الزوجية إلى إطار فارغ من المضمون ويتحول الرباط الزوجي إلى نوع‬
‫من التعايش الذي يقتصر على الظواهر‪ ،‬حيث يتعذر انفجار الصراع علنياً‪ .‬وحيث سحب‬
‫التوظيف العاطفي‪ ،‬ويحل محله البرود والتباعد‪ ،‬أو يحدث توظيف عدواني بديل يظل خفياً‪،‬‬

‫(‪ )1‬موسى ‪ ،‬رشاد علي عبد العزيز ‪ ، 2008 ،‬سيكولوجية القهر األسري‪ ،‬دار الدولية للنشر و التوزيع ‪،‬القاهرة ‪ ،‬ص ‪46‬‬
‫(‪ )2‬كفافي ‪ ،‬عالء الدين ‪ ، 1999 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪377‬‬

‫(‪ )1‬مصطفى حجازي الصحة النفسية‪ ، 2006،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪150‬‬

‫‪65‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫متخذا ً طابع التوترات المكظومة وحرب تسجيل النقاط‪ .‬وقد تكون العملية متبادلة‪ ،‬أو هي تتخذ‬
‫(‪)3‬‬
‫شكل الخسارة ألحد الطرفين دون اآلخر‪.‬‬
‫‪ 2 . 1 . 1‬التصدع الصريح ( الحرب المفتوحة ) ‪:‬‬
‫ينفجر الصراع في هذه الحالة من األزمات الزوجية إلى المستوى العلني‪ ،‬ويتخذ أشكاال‬
‫متنوعة من النزعات الدائمة والشجار والعنف المتبادل‪ ،‬أو الذي يمارسه أحد الطرفين (‬
‫الزوج عادة ) على الطرف اآلخر‪.‬‬
‫و يالحظ تكرار حدوث التصدع الصريح في األسر من الشرائح الشعبية عموما‪ ،‬حيث ال‬
‫يكترث الزوجان لالعتبارات االجتماعية في الحفاظ على المظاهر في صراعهما‪ ،‬ويتصف‬
‫الجو األسري بسيادة العنف والتهديد المتبادل‪ ،‬الذي ينعكس على األطفال في المقام األول‬
‫على شكل فقدان للشعور القاعدي باألمن‪ .‬ويبيّن هذا التصدع عجزا ً عن إدارة الرباط الزوجي‬
‫بشكل معقول من التوافق والمرونة والتسويات الضرورية الستمرار العالقة‪ .‬ويظهر التباين‬
‫الذي سرعان ما يتفاقم إلى حدّ التناقض بسرعة‪ ،‬حين يقوم الزواج على حاالت مختلفة من‬
‫اإلرغام ( إرغام األهل للزوج أو للزوجة على االقتران بمن ال يحب ) أو هو يظهر بسرعة‬
‫إذا ت ّم الزواج بشكل متعجل في حالة استسالم ‪،‬أو من خالل الزواج بدون التعرف الموضوعي‬
‫)‪(3‬‬
‫الكافي على القرين وخصائصه وأوضاعه ‪.‬‬
‫وقد يقوم وفاق لفترة من الزمن ثم تتراكم التناقضات واإلحباط المتبادل بدون بذل الجهد‬
‫الكافي لحلها‪ ،‬أو توفير الصيانة الالزمة الستقرار واستمرار الحياة الزوجية‪ .‬وبمقدار ما‬
‫تتراكم هذه التناقضات يستنزف الزواج‪ ،‬ويعيش كل من الزوجين أو أحدهما الحالة على شكل‬
‫إحباط وغبن لحق به من جراء زيجة غير موفقة‪ ،‬أو حظ عاثر‪ .‬ويتركان األمر و يتفاقم‪،‬‬
‫وكأن الوفاق الزوجي مفروض أن يستمر تلقائيا ً ‪،‬بدون إدارته ورعايته من طرفهما‪.‬‬
‫وال يندر في حاالت أخرى أن يتصدع الزواج بشكل صريح‪ ،‬ويتحول الوفاق إلى شقاق بفعل‬
‫ظروف خارجية ال يحاول الزوجان أو أحدهما بذل الجهد للتعامل معها‪ ،‬أو الحد من آثارها‪.‬‬
‫وخصوصا إذا أدت هذه الظروف إلى إحباط توقعات ‪،‬أو حاجات تبدو أساسية ألحد الطرفين‪.‬‬
‫كما أنه قد يحدث أن تخفت الرغبة التي تشد الزوجين إلى العالقة‪.‬‬
‫وال بدّ أن يصاحب ذلك كله تفجر العدوانية بال حدود ‪ :‬من ضرب مبرح للزوجة واألوالد‪،‬‬
‫أو طردهما‪ ،‬وصوالً إلى االعتداء الخطير على الزوجة مما يهدد سالمتها الجسدية‪ .‬ويحدث‬
‫هذا العنف على خلفية من الشك بوفائها وإخالصها‪ ،‬في حالة من تفجر هذيات االضطهاد‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ويتحول كل من في المنزل إلى ضحايا للعنف الجسدي والنفسي‪.‬‬
‫يش ّكل التصدع الصريح خطوة أكثر تقدما ً على صعيد مشكالت توظيف طاقات الحب‬
‫والعنف‪ .‬فال يقتصر األمر هنا على سحب التوظيف العاطفي من القرين‪ ،‬بل يتجاوزه إلى ما‬
‫يسمى بـ " التوظيف المضاد "‪ ،‬حيث يحل العدوان واالنفصال النفسي والتدمير المتبادل محل‬
‫قوى الترابط والتآلف والحب والبناء‪ ،‬ويحدث التصدع الصريح عادة على خلفية من قصور‬
‫(‪ )3‬محمد عاطف غيث‪. 1987‬المشكالت االجتماعية والتربوية ‪:‬دار المعرفة الجامعية‪ .‬اإلسكندرية ن ص ‪59‬‬
‫)‪(3‬احمد الصامدي ‪ ، 1997،‬مشكالت األسرة العربية ‪ ،‬جامعة اليرموك ‪ ،‬سوريا‪ ،‬ص ‪33‬‬
‫)‪(1‬آليسا دلتوفو ‪،‬العنف العائلي ‪، 1999‬ترجمة نوال اليفة ‪ ،‬دار المدى ‪،‬دمشق ‪،‬ص ‪71‬‬

‫‪66‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫النضج النفسي‪ -‬الشخصي أو النضج العاطفي‪ -‬الجنسي لدى أحد الزوجين أو كليهما‪ ،‬وهو ما‬
‫يجعلهما يبقيان أسيرين لنظم توقعات غير موضوعية‪ ،‬أو عاجزين عن إظهار المرونة والقدرة‬
‫على حل المشكالت واستيعاب األزمات‪ .‬وال يندر أن نجد عند دراسة تاريخهما األسري أن‬
‫أحدهما أو كليهما قد نشأ في أسرة متصدعة أصالً‪ .‬ودخل على عالم الزواج وهو مثقل بتركة‬
‫نفسية تدفع به إلى تكرار المأساة‪ .‬وكأن التصدع يعيد إنتاج ذاته من خالل عدم توافر النضج‬
‫)‪(2‬‬
‫والصحة النفسية‪ ،‬واالفتقار إلى مقومات تأسيس حياة زوجية معافاة‪.‬‬
‫‪ . 2‬مفهوم الطالق العاطفي‪:‬‬
‫وهو الطالق غير المعلن على المأل بل إنه يكون أحيانا من طرف واحد في حين يمكن‬
‫للطرف اآلخر أن يجهله كليا‪ ،‬وتختلف خطورة هذا الطالق باختالف أسبابه وإن إمكانية‬
‫إصالحه تتعلق مباشرة بمدى جدية األسباب المؤدية إليه ‪ ،‬ويطلق عليه بالطالق النفسي الذي‬
‫تمارسه المرأة كنتيجة لعدم قناعتها أهلية زوجها للعب دور الرجل أمامها أو عدم قناعة الرجل‬
‫ألهلية زوجته للعب دور الزوجة أمامه ‪ ،‬ويسمى أحيانا بالزواج الغير الممارس ونعني به‬
‫ذلك الزواج المستمر بدون العالقة الجنسية‪ ،‬وهذا يكون عادة مقدمة للطالق أو ربما الهجر‬
‫الذي يسبق الطالق النهائي‪ ،‬و تُعّرف هذا النمط من األسر ‪،‬باألسرة القوقعة الفارغة ‪ ،‬وفيها‬
‫يعيش األفراد تحت سقف واحد ‪،‬ولكن تكون عالقاتهم في الحد األدنى‪ ،‬وكذلك اتصاالتهم ‪،‬‬
‫ويفشلون في عالقاتهم معاً‪ ،‬وخاصة من حيث االلتزام بتبادل العواطف فيما بينهم‪.‬‬
‫ويحدث الطالق العاطفي نتيجة الضغوط المتتالية لألعمال المختلفة ضمن الحياة الزوجية‬
‫وتحمل المسؤوليات والتغييرات في طبيعة العالقة‪ ،‬وتآكل االتصال االيجابي الذي يؤثر‬
‫على استقرار الزواج وإجهاده والذي كثيرا ما يكون مصحوبا بانخفاض أو قطع كامل‬
‫)‪(1‬‬
‫لالتصال الجنسي‪.‬‬
‫‪ 2 . 2‬المقدمات التي تسبق الطالق العاطفي‪:‬‬
‫في الزواج هناك مقدمات تحدث قبل الطالق العاطفي مثل‪:‬‬
‫‪ – 1‬الشريك الغير المستمتع جنسيا‪.‬‬
‫‪ – 2‬الشريك الذي لديه ديون ثقيلة أو هموم ومشاكل ال يتحدث بها إلى الطرف اآلخر‪.‬‬
‫‪ – 3‬الشريك الذي ال يبوح بتطورات األمراض التي يصاب بها والتي تهدد حياته‪.‬‬
‫‪ – 4‬وجود عالقة جنسية سرية أو سلسلة من العالقات الجنسية الغير مشروعة‪.‬‬
‫في األمثلة السابقة يوجد شريك غافل عما يجري لدى الطرف اآلخر أو يشك فيما يحدث ويفتقد‬
‫)‪(2‬‬
‫إلى المعلومات والدليل بشكل قاطع‪٠‬‬

‫)‪ (2‬غالب‪ ،‬مصطفى ( ‪ .) 1985‬الحياة الزوجية وعلم النفس‪ .‬بيروت‪ :‬دار مكتبة الهالل‪ .‬ص ‪50-49‬‬
‫)‪ (1‬النابلسي ‪ ،‬محمد احمد ‪، 1991 ،‬الخالفات الزوجية ‪ ،‬مجلة الثقافة النفسية ‪ ،‬العدد الخامس ‪ ،‬المجلد الثاني ‪ ،‬تصدر عن مركز الدراسات النفسية‬
‫والجسدية ‪ ،‬طرابلس لبنان ص ‪15‬‬
‫)‪(2‬المخزومي ‪ ،‬أمل ‪ ، 2004 ،‬دليل العائلة النفسي ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار العلم للماليين للتأليف والترجمة و النشر لبنان ‪،‬ص ‪113‬‬

‫‪67‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ 3 . 2‬المراحل التي يمر بها الطالق العاطفي‪:‬‬


‫إن الزواج ال ينهار بين ليلة وضحاها فال يحدث الطالق العاطفي بسبب حادثة أو خطأ ألحد‬
‫الطرفين ‪ ،‬وانما تمتد المشاكل والخالفات على مدى سنين تؤدي إلى هذه النهاية ‪،‬وهناك‬
‫مراحل تمر بها العالقة الزوجية لتصل إلى الطالق العاطفي هي‪:‬‬
‫‪ 1 . 3 . 2‬زعزعة الثقة وفقدانها‪ :‬الثقة بين الزوجين هي مقدار المصداقية في القول والفعل‬
‫التي يتمتع بها كل طرف عند الطرف اآلخر‪ ،‬فيُفقد هذا األمر بين الزوجين تدريجيا‪.‬‬
‫‪ 2 . 3 . 2‬فتور الحب وفقدانه‪ :‬وفيها يشعر الطرفان أو أحدهما إن عاطفته لم تعد كما كانت‬
‫في السابق ولم يعد منجذبا له بل صار منصرفا عنه وال يكاد يلتفت إليه وال ينظر له نظرات‬
‫الحب واإلعجاب ويميل إلى تضخيم عيوبه فيبدوا عازفا عن حبه وتودده له ‪.‬‬
‫‪ 3 . 3 . 2‬األنانية‪ :‬تساهم األنانية في هدم قواعد األسرة عندما يفكر كل منهما بنفسه وبمصلحته‬
‫فقط دون مراعاة لمصلحة الطرف اآلخر وهذه عقبة في طريق اإلصالح بين الزوجين‪.‬‬
‫‪ 4 . 3 . 2‬الصمت الزوجي‪ :‬يعد الصمت الزوجي هو أحد أوجه الجمود في العالقة الزوجية‬
‫وهو عدم تبادل األحاديث والمشاعر الودية مع الطرف اآلخر لقناعته بعدم جدوى الحوار‬
‫معه‪ ،‬وهذا يؤدي إلى زيادة الهوة بين الزوجين مما يهدد العالقة الزوجية بالتمزق‪.‬‬
‫‪ 5 . 3 . 2‬الطالق العاطفي‪ :‬في هذه المرحلة تكثر الحواجز النفسية بين الزوجين‪ ،‬و إذا ما‬
‫اضطروا إلى التعامل في مواقف قليلة فإن هذا التعامل يأخذ صفة البرود أو الحدة أو الجدية‬
‫التي تقترب من التعامل الرسمي ‪ ،‬ويخلو كال الزوجين بنفسه أو ينغمس في أداء األنشطة‬
‫دون احتكاك باآلخر‪ ،‬ولالمتناع الجنسي بينهما يعطي إضافة جديدة لتأزم العالقة بينهما‬
‫)‪(1‬‬
‫ويستقل كل منهما في فراش خاص ‪.‬‬

‫‪ . 3‬أسباب وعوامل تصدع الرابطة الزوجية‪:‬‬


‫‪ 1 . 3‬عوامل المتعلقة ببناء الرابطة الزوجية‪:‬‬
‫وتشمل سوء االختيار الموضوعي في عملية االختيار ألزواجي‪ ،‬باإلضافة إلى عوامل‬
‫خارجية‪ ،‬ضاغطة‪ ،‬و يمكن عرض هذه االسباب كما يلي‪:‬‬
‫‪ . 1 . 1 . 3‬عدم التكافؤ السن‪:‬‬
‫من الهام جدا ً وجود حالة من التوازن العمري بين الزوجين‪ ،‬حتى ينموان معاً‪ .‬وإالّ فقد‬
‫تنشأ حاالت من التفاوت في الحاجات والمتطلبات والرؤى والتوجهات‪ ،‬من مثل ما يحدث بين‬
‫زوج مسن وزوجة صغيرة السن‪ .‬فبينما يكون الزوج قد وصل مرحلة تبدأ حاجته فيها إلى‬
‫االستقرار وتكمن نزواته‪ ،‬تكون الزوجة ما زالت في مقتبل مرحلة الحيوية واالنفتاح على‬

‫)‪(1‬الرشيدي ‪ ،‬بشير صالح ‪ ،‬ابراهيم محمد الخليفي ‪ 2008 ،‬سيكولوجية األسرة والوالدية ‪ ،‬شركة انجاز العالمية للنشر والتوزيع ‪ ،‬الكويت ص ‪36‬‬

‫‪68‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫الحياة‪ ،‬والحاجة إلى إرضاء حاجاتها العاطفية والجسدية‪ .‬وبعد مرحلة البدايات وتنازالتها‬
‫وتحملها‪ ،‬أو فرحتها وجدّتها‪ ،‬تأتي مرحلة إعادة حسابات الربح والخسارة من الطرفين معاً‪.‬‬
‫وقد يبدو كل منهما في نظر اآلخر معوقا ً لحياته أو عبئا ً عليه نظرا ً لتفاوت المتطلبات‬
‫واالحتياجات‪.‬‬
‫وقد يفتح سجل صراع القوة والصراع على المكانة الذي يشكل ردود فعل لإلحباط المختلف‬
‫الناتج عن عدم تناغم مستوى الحاجات ومتطلباتها‪ .‬فسلطة الزوج األكبر سنا ً واألكثر اقتدارا ً‬
‫على الحياة‪ ،‬والتي كانت غير منازعة من قبل زوجة تابعة‪ ،‬قد يتسرب إليها الوهن تدريجيا ً‬
‫وصوالً إلى قلب األدوار‪ ،‬وقلب عالقات السلطة‪ .‬يحدث ذلك تحديدا ً حين تنطفئ العالقة‬
‫العاطفية‪ ،‬وقد يعاني األبناء من هذه الحالة‪ ،‬التي ال يندر أن تدخل في وضعية التصدع‬
‫الخفي(الحرب الزوجية الباردة)‪،‬حيث يصبح الزوج المسن غير متوفر عاطفيا ً وذهنياً‪ ،‬أو‬
‫(‪)1‬‬
‫حتى صحيا ً بما يكفي للتفاعل النفسي النشط‪.‬‬
‫‪ .2 . 1. 3‬تأثير االختيار المبكر ‪:‬‬
‫و الوضع المألوف لسن الزواج هو أن يكون الشباب أكبر من الفتاة سناً‪ ،‬و يرجع ذلك إلى‬
‫أن النضج البيولوجي للذكر عادة ما يكون أبطا من نضج األنثى‪ ،‬كما أن الزوج باعتباره‬
‫رئيس األسرة و المسؤول فيها يحتاج إلى وقت أطول ليصبح ُمؤهالً إلى هذه الوظيفة‪ ،‬هذا و‬
‫تكون اختالفات السن في الزواج أقل في األعمار الصغيرة‪ ،‬و تزيد كلما تقدّم السن ألن الرجال‬
‫يُفضلون دائما ً الزواج ممن تصغرهم سناً‪ ،‬فالقرارات الغير الناضجة غالبا ً ما تكون غير‬
‫صائبة فالزواج المبكر أزيد من الالزم يتعرض لألخطار‪ ،‬وله الكثير من األضرار‪ ،‬ويؤدي‬
‫إلى الكثير من الحرمان من األنشطة التي كان يقوم بها المراهق مع جماعة الرفاق وإلى‬
‫)‪( 2‬‬
‫تحميله أعباء مسؤولية تفوق قدراته وتثقل كاهله‪.‬‬
‫‪ 3 . 1 . 3‬تأثير الزواج المتأخر‪:‬‬
‫إن التأخر في الزواج ‪ ،‬يعمل على وضع الشخص‪ -‬رجال كان أم امرأة‪ -‬في قوالب‬
‫وأوضاع‪ ،‬يكون من الصعب عليه أن يغيره ‪،‬بحسب طبيعة الشخص المقابل في العالقة‪ ،‬أي‬
‫أن التأخر في الزواج‪ ،‬يفقد الشخص المرونة الالزمة‪ ،‬للتوافق النفسي مع أحدهما األخر‪،‬‬
‫ناهيك عن األسباب األخرى ‪ ،‬السيما المتعلقة بالحيوية‪ ،‬واالستعدادات والقدرات‪ ،‬التي تبدأ‬
‫باالنحدار مع مرور الوقت‪ .‬هاتان الحالتان‪ ،‬تقودنا إلى اإلشـارة إلى موضوع مهم ‪ ،‬وهو‬
‫مراعاة عقد الزواج بين أعمار متقـاربة‪ ،‬فاالختالفات الكبيرة في العمر بين الطرفين‪ ،‬يقود‬
‫إلى عدم التوافق‪ ،‬التي يكون مصــيرها في الغالب الفشل‪ ،‬وما دمنا في هذا اإلطار‪ ،‬فهناك‬
‫نقـطة أخرى‪ ،‬وهي زواج المطلق أو المطلقة‪ ،‬للمرة الثانية‪ .‬فأي طرف ‪ ،‬سواء الرجل أو‬
‫المرأة‪ ،‬عندما يعيد تجربة الزواج للمرة الثانية ‪،‬البد و أن يحمل بعض االثار السلبية‪ ،‬التي‬
‫رافقت تجربته األولى‪ ،‬فيبدأ بسحب وتعميم بعض تلك السلبيات على التجربة الجديدة‪ ،‬واحيانا‬

‫(‪ )1‬إحسان محمد‪، 1985،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪165‬‬


‫)‪(2‬المخزومي ‪ ،‬أمل ‪ 2004 ،‬مرجع سابق ص ‪92‬‬

‫‪69‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫يقوم بذلك بشكل ال واعي‪ ،‬فتكون النتائج سلبية‪ ،‬لذا ينبغي التأني تماما‪ ،‬قبل الشروع بالتجربة‬
‫)‪(3‬‬
‫للمرة الثانية‪.‬‬
‫‪ 4 . 1 . 3‬جوانب الحرمان المترتبة على الزواج المبكر‪:‬‬
‫يرغب اإلنسان في يعيش ظروف كل مرحلة من مراحل حياته ومطالبها وشركائها‪ .‬ولكن‬
‫إن تزوج مبكرا ً حرم من األنشطة المناسبة لسنه ‪،‬وكذلك حرم من فرص العمل التي كان‬
‫يستطيع أن يختارها بحرية أكثر‪ ،‬كذلك حرم من بعض الصدقات ومظاهر المرح المصاحب‬
‫لسلوك الصبية‪ ،‬ومن نتائج ذلك رسوب الفتاة الصغيرة في المدرسة إذا تزوجت مبكراً‪ .‬ففي‬
‫إحدى الدراسات في والية أميركية بلغت نسبة ترك المدرسة لدى المتزوجات ‪ ٪90‬منهن‪ .‬أما‬
‫الذكور قد يواصلون الدراسة‪ ،‬ولكنهم ال يشاركون في األنشطة التي كانوا يشاركون فيها أو‬
‫األنشطة الطبيعية بالنسبة لسنهم ‪،‬حيث تصبح عليهم مسؤوليات اقتصادية وشخصية‪ ،‬حتى‬
‫اإلشباع الجنسي واالستقرار في الحياة يبدو أنهما ال يعوضان ما فقده الصبي ‪.‬وبازدياد األعباء‬
‫أو المشاكل أو المسؤوليات وبتقادم العالقة سوف يشعران بفقدان الحرية واألنشطة الترويجية‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تلك التي كانا يتمتعان بها قبل الزواج‪ ،‬وينتج عن ذلك الشعور بالمرارة والسخط أو التبرم‪.‬‬
‫‪ 2 . 3‬عدم التكافؤ التعليمي‪ :‬فالمستوى التعليمي يحدد من حيث المبدأ أفق الرؤية ونوعية‬
‫النظرة إلى الذات والوجود‪ .‬كما يحدد نوع االهتمامات والعالقات ‪ ،‬ومن أبرز مكامن الصراع‬
‫الزوجي تلك الحاالت التي يرتبط فيها أحدهما بآخر مدفوعا ً بنزوة‪ ،‬أو ردّ فعل من نوع ما‪،‬‬
‫سواء أكانت جنسية‪ ،‬أو ردا ً على حالة إحباط وجودي‪ .‬إالّ أن النزوات‪ ،‬كرد فعل‪ ،‬تظل عابرة‪،‬‬
‫ولو طال أمدها‪ ،‬ويتعذر أن تستمر‪ ،‬بعد مرحلة الحماس‪ ،‬سرعان ما تظهر التباينات على‬
‫صعيد قضايا الحياة اليومية الصغيرة‪ .‬إالّ أن هذه قد تتجمع كي تتحول إلى تناقضات كبرى‪.‬‬
‫وتتضاعف الخطورة إذا تالقى التباين التعليمي مع التباين االجتماعي‪ ،‬هنا تطرح مسألة‬
‫المكانة بكل حدتها‪.‬‬
‫‪ 3 . 3‬عدم التكافؤ االجتماعي – االقتصادي‪ :‬فهو غني عن البحث‪ ،‬حيث يش ّكل موضوعا ً‬
‫مطروحا ً بشكل دائم حين النظر في تكوين الروابط الزوجية‪ .‬على أن المسألة هنا تظل قابلة‬
‫للكثير من االستثناءات‪ ،‬إذا توفرت مقومات التكافؤ في صور األخرى‪ .‬وإذا تمتع الزوجان‬
‫بالقدر الكافي من النضج والتوافق العاطفي‪ ،‬والقدرة على إيجاد الحلول المالئمة للمشكالت‪،‬‬
‫وخصوصا ً إرادة إنجاح االرتباط الذي يوفر اإلرضاء النفسي والوجودي للطرفين‪.‬‬
‫‪ 4 . 3‬عدم التكافؤ النفسي‪-‬الذهني‪ :‬ولو أنه يظل خفيا ً بالمقارنة مع بروز وعلنية عدم التكافؤ‬
‫الموضوعي‪ ( ،‬عدم التكافؤ في السن‪ ،‬والوضع المهني أو االقتصادي‪ ،‬ومستوى التعليم) ‪،‬‬
‫الكثير من الروابط الزوجية تنخرط في صراع على المكانة‪ :‬لمن السيطرة على اآلخر‪ ،‬ولمن‬
‫التحكم والمرجعية؟ وتبرز هذه الصراعات حين يكون أحد الطرفين مياالً إلى التسلط العلني‬
‫الصريح ( كما هو الحال عند بعض الرجال)‪،‬أو التحكم التملكي الخفي ( كما هو الحال عند‬
‫بعض النساء)‪،‬بينما يحتاج الطرف اآلخر إلى عالقة قائمة على االستقاللية‪ ،‬أو التكافؤ‪.‬‬

‫)‪ (3‬ثاقب فهد ‪ -1998‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.106‬‬


‫(‪ )1‬موسى ‪ ،‬رشاد علي عبد العزيز ‪ ، 2008 ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪119‬‬

‫‪70‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫يحاول أحد الزوجين إقامة عالقة فوقية‪ -‬تبعية‪ ،‬بينما يقاوم اآلخر هذا الميل رافضا ً موقع‬
‫التبعية‪ ،‬أو االنقياد‪ ،‬ومصرا ً على الشراكة‪ ،‬نحن هنا بصدد تحويل القرين إلى موقع طفلي‬
‫تابع سواء بشكل علني‪ ،‬أم بشكل تحكمي خفي‪.‬‬
‫إالّ أن هذه الحاالت تظل معرضة دوما ً للتحول مع التقدم في السن ومهام األمومة واألبوة‪،‬‬
‫أو تغير المكانة العلمية أو المهنية‪ ،‬ذلك أن الحاجات والتوقعات ال تظل ثابتة خالل مراحل‬
‫المسيرة الزوجية‪ .‬ومع تحوالتها قد تبرز التناقضات على شكل تمرد‪ ،‬أو صراع قوة على‬
‫إعادة تحديد المكانة والعالقة‪ .‬ويحدث ذلك خصوصا ً بسبب التحوالت االجتماعية المتسارعة‬
‫التي تعيد تعريف كل األدوار والممارسات والتوجهات واالحتياجات‪ ،‬ويبرز المأزق جليا ً حين‬
‫يصر أحد الزوجين على نمط العالقة السابقة متجاهالً كل التغيرات والتحوالت‪ ،‬معتبرا ً إعادة‬
‫النظر في المكانة والعالقة تطاوالً غير جائز‪ ،‬وكذلك حين يفرض جمود الدور والمكانة على‬
‫(‪)1‬‬
‫الزوج اآلخر الذي أنجز تقدما ً كبيرا ً في مسيرة نموه الذاتي‪.‬‬
‫‪ 5 . 3‬تدخل األسرة قبل الزواج‪:‬‬
‫إن األهل الذين يتخذون من أوالدهم أدوات لتحقيق رغباتهم وطموحاتهم‪ .‬كما يتخذون من‬
‫زواج هؤالء وسيلة لتحقيق بعض مصالحهم في الجاه‪ ،‬أو الثراء من خالل " الزواج الصفقة"‪،‬‬
‫تكون‬
‫يتوسلون تسلق سلم الوجاهة االجتماعية‪ ،‬من خالل عقد أنواع من المصهرات التي ّ‬
‫الروابط الزوجية يدفع األوالد ثمنها عاطفياً‪ ،‬وجنسيا‪ ،‬أو حتى وجوديا‪ .‬و هناك حاالت ّ‬
‫يفرط‬
‫فيها األهل ببناتهم من أجل مكسب مادي‪ ،‬أو خالصا ً‬

‫المحاضرة الحادية عشرة التفاعل الزواجي السلبي و الطالق العاطفي‬


‫‪.1‬العوامل المتعلقة بسوء بالتفاعل الزواجي‪:‬‬
‫‪ 1.1‬سوء التواصل الفكري بين الزوجين‪:‬‬
‫ما يميز المجتمعات العربية في ما يتعلق بالعالقات الزوجية‪ ،‬هو أن االتصاالت الفكرية‬
‫بين الزوجين يحكمها المستوى الثقافـي و االقتصادي و العادات و التقاليد التي تغلب في هذا‬
‫البلد أو ذاك‪ ، .‬و لنا أن نعتقد أن هذه الخصائص تزداد تعقيدا ً في الموضوعات الجنسية‪ .‬و‬
‫المعلوم أن اضطراب العالقة الزوجية له مساس ُمباشر بالعالقات الجنسية و التوافق الجنسي‪.‬‬
‫وعدم فهم كل من الزوجين لنفسية وطباع الطرف اآلخر حيث كثيرا ما نجد كال من الزوجين‬
‫يتمسك برأيه دون مراعاة للرأي اآلخر‪ ،‬لذا فعلى الرجل أن يناقش أفراد أسرته في أمور‬
‫األسرة‪ ،‬ويكون معتدال في قراراته ال يظلم وال يظلم‪ ،‬ألن المرأة عادة تتغلب عليها العاطفة‬
‫(‪)1‬‬
‫أكثر من العقل في اتخاذ القرارات ‪.‬‬

‫(‪ )1‬مصطفى حجازي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪153‬‬


‫(‪ )1‬غريب السيد احمد‪ ( 1995 ).‬دراسات في علم االجتماع العائلي ‪ .‬ا‪:‬دار المعرفة الجامعية ‪،‬إلسكندرية ‪ ،‬ص ‪69‬‬
‫‪71‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ 2 . 1‬تقلص التواصل بين الشريكين‪:‬‬


‫يبدو أن بعض األزواج قادرون على تحسين تواصلهم و تعميقه و على إعادة اختراع كل‬
‫الطرائق الجديدة للتواصل م ّما يساعد على تنظيم عالقاتهم المتبادلة من وقت آلخر‪ .‬و على‬
‫العكس‪ ،‬فعند الكثيرين يبدأ هذا التقلّص في التواصل بشكل ُمبكر ألن تشكـل "ال «نحن»‬
‫‪ "Nous‬الحقيقي يبدو صعبا ً جداً‪.‬‬
‫إن الزوجين – بكونهما يتمتعان كذلك بأهداف خارجة عن أنفسهما كبقية الجماعات أو الزمر–‬
‫هم بحاجة إلى أن تنساب بينهما رسائل ذات صفة إخبارية و أن تجري بسهولة دون أن تتعقّد‬
‫دائما ً بانتقال «القيم العاطفية»‪ .‬إن الزوجين ال يخرجان عن هذه القاعدة العامة التي تميل إلى‬
‫تحديد تواصل الشحنات العاطفية على الرغم من أهميتها البالغة لصالح فاعلية أفضل‪.‬‬
‫إن مختلف الوظائف العملية التي يجب على الزوجين القيام بها خارج أنفسهما– مهام تربوية‬
‫َفرض أن يكون للعالقات الداخلية حد أدنى من االستقرار و أن‬
‫ْ‬ ‫و غذائية و إجتماعية‪...‬الخ– ت‬
‫يحصل كل شريك على اإلعالم األكثر دقة من شريكه اآلخر‪.‬‬
‫ويمكن القول إذاً‪ ،‬أ نه بفضل تقليص التواصل على الصعيد العاطفي يستطيع الشريكان أن‬
‫يعمال بشكل أفضل على األصعدة االجتماعية و االقتصادية‪...‬الخ‪ .‬و لكن ما إن انتهت هذه‬
‫المهمة ‪،‬فإن الرابط بين الشريكين يضعف جذريا ً و البعض منهم ال يستطيعون اكتشاف‬
‫أهداف مشتركة جديدة و إعادة تنظيم بنية عالقاتهم ويبقى دون هدف مشترك مع تواصل‬
‫(‪)2‬‬
‫محدود على صعيد الحياة العاطفية‪ ،‬و هي شروط ال تعود تسمح بتطوير ميول جديدة كافية‪.‬‬
‫‪ 3 . 1‬الكوابح األخرى و تعقيد التواصل‪:‬‬
‫توجد كوابح أخرى بوجه التواصل ضمن إطار العالقة الزوجية‪ ،‬و يصبح من الصعب أن‬
‫تُحدِّّد تماما ً إن كانت من نسق منظم أو من طبيعة فردية‪ .‬إن البحث عن أمان‪ ،‬أو عن طريقة‬
‫حياة هادئة و تج ّنب النزاعات غالبا ً ما تقود المعنيين إلى تحديد إرادي لمستوى تواصلهم‪ .‬إن‬
‫«الراحة» التي يمكن أن يجدها الشريكان داخل إطار العالقة –العالقة الملجأ– إذا لم يجداها‬
‫في الخارج‪ ،‬قد تقودهما إلى تقليص تواصالهما الداخلي للتعويض‪ .‬إما عن توظيف نشاطاتهما‬
‫(‪)1‬‬
‫الخارجية ال ُمشتركة أو ال ُمنفصلة‪ ،‬و إما االستنفاد الذي ت َن ُجم عن موقف كهذا‪.‬‬
‫‪ 4 . 1‬مالحظات حول توقف التواصل‪:‬‬
‫إن توقّف التواصل بين الشريكين‪ ،‬غالبا ً ما يكون له غاية دفاعية هدفها الحماية‪ .‬أما الوسائل‬
‫و الحيل أو الخدع المستخدمة في هذا المجال فتكون واضحة و يمكن مالحظتها‪ .‬فإضافة إلى‬
‫األوليات المألوفة المستخدمة عادة على الصعيد النفسي الداخلي" ‪ "Intrapsychique‬كالنفي‬
‫و الكبت و النسيان و التبرير و غيره– فإننا نالحظ على صعيد العالقات بين األفراد"‬
‫‪ "Interindividuelle‬آليات متشابهة مثل‪:‬‬

‫‪)2(Barger‬‬ ‫‪, M . Des entretiens familiaux a la représentation de Soi , paris , Ed ,Apsygée ,1990 ,p 71.‬‬
‫(‪ )1‬محمد احمد النابلسي‪ ،1988،‬العالج النفسي للعائلة ‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ص ‪41‬‬

‫‪72‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫التشويـش ‪ : Brouillage‬أي جعل التواصل مبهما ً و ذلك بإضافة «ضجة» بالمعنى التواصلي‪،‬‬
‫مثل‪ ،‬حشد عبارات ُمشتتة أو ُموزعة كما يحصل في التشويش العادي للراديو‪.‬‬
‫النقـل ‪ : Déplacement‬أي تعطيل الرسالة أو الكالم ال ُمهدّد و جعله غير نافع و ذلك بالتظاهر‬
‫بأنه يسمع الكالم و لكن بمعنى آخر‪ ،‬أو نه ال يفهم شيئا ً من التلميح الكالمي و ذلك عبر تمسكه‬
‫بمحتوى واضح و ذي قيمة حتى يتجاهل مظهره ال ُمه ِّدّد و الخاص بالعالقة‪.‬‬
‫اإلعاقة ‪ : Obstruction‬و ذلك بأخذ زمام الكالم و منع اآلخرين من استعماله‪ .‬و تتجلى اإلعاقة‬
‫الماهرة ليس فقط بمنع اآلخرين من اإلجابة بشكل تسلطي‪ ،‬بل بمنع ضمني فيتهرب بذلك من‬
‫اعتراض اآلخرين و نقدهم‪.‬‬
‫التجريد من األهلية ‪ :Disqualification‬و ذلك عبر تجريد ال ُمتكلم بشكل مباشر أو غير مباشر‬
‫من الرسالة الجارحة‪« :‬أنت ال تفهم شيئاً‪ ،‬أنت لست سوى‪.»...‬‬
‫‪ -‬تجريد ذاتي من األهلية ‪ :Autodisqualification‬واضح و جزئي‪ ،‬غالبا ً ما يكون وقائيا ً هدفه‬
‫يعطل أو َيتدارك هجوما ً مخيفاً‪« :‬أعرف أني أُخطئ في أغلب األحيان‪ ،‬ولكن»‪...‬هذا‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫التجريد الذاتي غالبا ً ما يكون على درجة من الذكاء و المهارة إذ يُشجع المتكلم أو الذي يُتوقع‬
‫منه الكالم‪.‬‬
‫التهويـل‪:Dramatisation‬أي جعل الحادث أو التواصل و نتائجه مأساوية‪ .‬هذه المناورات‬
‫المختلفة يمكن أن تهدف إلى تحييد أو إبطال مفعول عناصر العملية االتصالية‪.‬‬
‫ترتبط هذه المناورات كثيرا ً بالقدرة على تحليل العالقة و التعبير الكالمي‪ ،‬و الشريك الماهر‬
‫في هذا المجال يكون وضعه أقل تهديدا ً من غيره‪ ،‬كما يمكنه أن يكون في وضع قوي و يمكن‬
‫محرمات‬
‫أن يدير أو يوقف التبادالت أو االتصاالت التي تزعجه‪ .‬إنه قادر على فرض قواعد و ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫التعرض لها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يصعب الكشف عنها أو‬
‫‪ . 2‬زوال الحب ‪:‬‬
‫الحب هو مجموعة من االنفعاالت المتنوعة التي تتمركز حول شخص أو موضوع معين‪،‬‬
‫و يتأثر الحب بين الزوجين بعدة عوامل منها المسايرة ‪،‬االحترام والتقدير بين الزوجين ‪،‬‬
‫التعاطف فالمسايرة تنمي الحب بينهما ‪ ،‬والحب يدفع كال منهما إلى مسايرة الطرف اآلخر‬
‫والسير في ركابه ‪ ،‬أما المسايرة القائمة على الخضوع واالستسالم فتفسد التفاعل بين‬
‫الزوجين ‪ ،‬وللمسايرة المفرطة تأثير كبير على التفاعل بينهما عندما يسلم أحد الزوجين نفسه‬
‫(‪)2‬‬
‫للطرف اآلخر مما يجعل الطرف اآلخر يمل من سلبيته ويستخف به‪.‬‬

‫‪)1(WATZLAWICK‬‬ ‫‪P., «Une logique de la communication», tr fr, Paris, Seuil, P. 46‬‬


‫(‪)2‬‬
‫االميني ‪ ،‬إبراهيم ‪ ، 2000 ،‬نحو حياة دافئة ‪ ،‬ترجمة إبراهيم السيد ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مؤسسة انصريان للطباعة والنشر ‪ ،‬قم ‪،‬إيران‪.‬ص‪71‬‬

‫‪73‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ 1 . 2‬سيرورة زوال الحب‪ :‬معطيات التحليل النفسي‪.‬‬


‫تشمل الحالة الحبية‪ ،‬في تطورها الطبيعي‪ ،‬على «زوال للمثلنة» عند الشريك"‬
‫‪ "Désidéalisation‬بشكل تدريجي و إحالل آليات تساعد على معرفة اآلخر كشخص كلي‪،‬‬
‫«جيد و سيء» في الوقت ذاته‪.‬‬
‫إن زوال الحب ال يعني العودة إلى الحياد‪ ،‬فالحياد غير موجود في الالشعور‪ .‬إنه يُمثّل عودة‬
‫إلى «الجنون الحبي» و لكن بشكل سلبي و معاكس‪ .‬يتولد في حال زوال الحب «نتاج فكري»‬
‫فرض نفسه على الجهاز النفسي و يُجبره على استخدام دفاعات نكوصية" ‪." Régressives‬هذا‬ ‫َي ِّ‬
‫مفر‬
‫النمط من األداء يدفع الفرد إلى تحقيق اإلنفصال عن الشريك كما لو أن االنفصال واقع ال ّ‬
‫منه‪ .‬يُسمع‪ ،‬في هذه الحال‪ ،‬تعابير كثيرة‪« :‬هذا واقع ال يمكننا أن نفعل شيئا ً تجاهه‪ ،‬و ال يوجد‬
‫أي أمل منه‪ ،‬ال يمكننا سوى أن نستخلص النتائج‪ ،‬إننا ال نحب بعضنا‪ ،‬هذا هو القدر يجب أن‬
‫نَمت ِّثل إلرادته»‪ .‬يمكن أن نتعرف هنا إلى جميع مميزات العشق السالب‪ ،‬فالمثلنة تصبح مثلنة‬
‫معاكسة" ‪ " Contre-idéalisation‬و يحصل انخفاض أو تناقص لقيمة اآلخر من الناحية‬
‫النفسية و الشهوانية‪ .‬هذا الوضع يمكن أن يُعاش كأنه استعادة للذات األصلية التي كانت قد‬
‫سلبت في عملية الحب‪ .‬و تعمل هذه المثلنة المعكوسة على إذالل اآلخر و على إنقاص قيمته‬ ‫ُ‬
‫الذاتية و كالمه و سلوكه و عاداته و أحيانا ً على تمني الموت له بشكل واعٍّ تقريباً‪ .‬هذه المثلنة‬
‫المعكوسة هي نتيجة لعودة اإلنشطار «كله جيد– كله سيء» إذ يتم إنكار األجزاء الجيدة من‬
‫الشريك و يهيمن الكل السيء‪ .‬يشعر الفرد‪ ،‬في هذه الحال‪ ،‬أن شريكه أصبح يُعاش بمثابة‬
‫جسم غريب داخل األنا و بمثابة ُمضطهد داخلي يأتي في األحالم كي يُمارس إزعاجه يُفرض‬
‫على الشخص‪ ،‬في هذه الحال‪ ،‬نشاط نفسي حاد يتعلق بالشريك–الذي كان محبوبا ً في السابق–‬
‫‪،‬ويعمل على إزالة التوظيف الليبيدي عنه ‪« .Désinvestissement libidinale‬هذا النشاط الذي‬
‫يعمل على زوال الحب يسبب ألما ً نفسيا ً عند الشريك المهجور الـذي يتوجب عليه إنجاز عمل‬
‫حداد صعب و طويل»)‪ .‬و يشعر الشريكان باإلهانة و الذّل لكونهما ُخدعا بإيمانهما بالحب‬
‫الدائم‪ .‬يشعران بجرح نرجسي عميق‪ ،‬فردي و مشترك‪ ،‬إنه جرح متقاسم و متبادل‪ ،‬ما يُسمع‬
‫أيضا ً هو األلم الذي يصعب التعبير عنه و الذي ال ينتج عن النرجسية المجروحة فقط‪ ،‬إنما‬
‫عن جرح الموضوع الذي ُجرح في الصميم‪ ،‬هذا األلم يمكن أن يُترجم أو يُعبَّر عنه بطرق‬
‫مختلفة هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الـتهرب‪ ،‬و ذلك عبر توظيف حبّي سريع‪ ،‬هذا التوظيف غالبا ً ما يكون متعددا ً و متكرراً‪.‬‬
‫‪-2‬اإلستغراق في عمل حداد صعب التحقيق و ذلك لكون عمل الحداد في العالقة الحبية يكون‬
‫مؤلما ً و مستحيالً أحياناً‪.‬‬
‫‪ -3‬ظهور اضطرابات نفسية–جسدية أو االكتئاب الذي تظهر دالئله بشكل أساسي عبر السكون‬
‫اإلستــــــــــــــــــيهامي و الخَلل الذي يُصيب األداء قبل الواعي " ‪ "Préconscient‬الذي يُعبَّـر‬
‫عنـه بهـذا األسلوب‪« :‬لم يبقَ عندي أو عندنا أي موضوع أتكلم معه‪ ،‬لقد تعودنا على أن ال‬
‫نتكلم أبداً‪ ،‬إن تمثالت الكالم لم تعد تتشكل لدينا أبداً»‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫(‪)1‬‬
‫‪ -4‬اللجوء أحيانا ً إلى المهدئات بشكل ُمفرط‪.‬‬
‫‪.3‬سوء التفاهم و الصراع من أجل السلطة‪:‬‬
‫إن إساءة استخدام بعض األزواج لسلطاتهم تجعلهم يصدرون أوامر تعسفية أحياناً‪ .‬فقد‬
‫يمنع أحدهم زوجته من زيارة أمها أو أي فرد آخر من عائلتها أو إحدى صديقاتها‪ ،‬ألسباب‬
‫ُكلّف نفسه أن يشرح لها السبب و لذا كثيرا ً ما تصف الزوجة أسبابه‬
‫«ظاهرية» واهية‪ ،‬بل ال ي ِّ‬
‫بأنها غير مقبولة أو معقولة بيد أنها ترضخ لها حفاظا ً على األسرة و األطفال‪ .‬و إذا صعب‬
‫سفي مثل عدم زيارة أمها‪ ،‬فقد تشرع بزيارتها دون علمه‪ .‬و ليست‬ ‫على الزوجة التقيّد بأمر تع ّ‬
‫المشكلة هنا في زيارة الزوجة ألمها بدون علم الزوج‪ ،‬بل في أن الزوجة قامت بعمل يُخالف‬
‫أوامره و بدأت تُخفي عنه بعض األسرار‪ .‬و إخفاء األسرار سواء من قبل الزوج أو الزوجة‪،‬‬
‫يُؤدِّّي إلى ضعف الثقة بينهما‪ .‬فإذا اكتشف الزوج زيارتها ألمها أخذ يظن بها الظنون‪ .‬و‬
‫بزعزعة الثقة بين الزوجين يتهيأ الجو للبارانويا (أي داء الشك)‪ .‬أي أن جو العالقة الزوجية‬
‫الذي تعكر بهذه المخالف البسيطة أخذ منحنى آخر هو الشك و الريبة‪ .‬وهذا الشك و عدم الثقة‬
‫(‪)1‬‬
‫سيزيد من ضعف العالقة الثنائية في الوحدة الزوجية و يزيد من اضطراب العالقة الزوجية‪.‬‬
‫‪.4‬الجنس و الصراع من أجل السلطة‪:‬‬
‫أكد المهتمون بدينامية العالقة الزوجية أن العارض الجنسي ما هو إال نتيجة للخالف و‬
‫سوء التفاهم بين الشريكين‪ .‬أما األسباب التي تؤدي لسوء التفاهم فهـي‪ :‬الحقد و العدوانية تجاه‬
‫الصراع من أجل السلطة في إطار العالقة الثنائية‪.‬‬ ‫الشريك و الخوف من ال َهجر و‬
‫يُحاول كل شريك السيطرة على شريكه‪ ،‬و في هذه الحال‪ ،‬يمكن تفسير «العارض الجنسي»‬
‫في حدود عالقات النفوذ بينهما؛ إذا شعر أحد الشريكين أن شريكه اآلخر يُمارس سلطةً عليه‬
‫حرم شريكه من اإلستجابة‬ ‫فيعمل على كبت رغبته الجنسية و هكذا يكون قد دافع عن نفسه و َ‬
‫الالزمة‪ .‬فلو أخذنا مثالً‪ ،‬مسألة العجز الجنسي" ‪ "Impuissance‬عند أحد الشريكين‪ ،‬نالحظ أن‬
‫هذا الشريك لجأ إلى كف جنسي" ‪ "Inhibition sexuelle‬في أدائه الجنسي مترجما ً بذلك امتناعه‬
‫عن العمل الجنسي التام‪ :‬يحقّق هذا العارض له نوعا ً من التسوية بين نواياه الواضحة مثل‪:‬‬
‫البحث عن إشباع معين و رفض الخضوع لرغبة اآلخر و رفض اإلقرار بسلطته و معاقبته‬
‫يمكن أن ينتج سوء التفاهم بين الشريكين عن نقص أو خطأ و عن رفض واضح للشريك‪:‬‬
‫«يتغذى هذا الرفض الالشعوري للشريك من العدوانية و الحقد و اإلحتقار أو النفور الجسدي‪،‬‬
‫التصرفات الزوجية التي تدخل في إطار تخريب اإلنسجام الجنسي‬ ‫ُّ‬ ‫و يُتيح الفرصة لسلسلة من‬
‫بين الشريكين و عرقلته‪ ،‬فالجو المتو ِّتّر و اإلحباط الدائم على مستوى العالقة الجنسية ما هما‬
‫سوى مظاهر لغياب الرابط العاطفي بين الشريكين يضاف إلى هذه العوامل‪ ،‬عامل المحيط و‬
‫الوسط المهني و االجتماعي اللذان يؤثران بشكل أو بآخر على مستوى األداء الجنسي‬
‫(‪)1‬‬
‫بينهما‪.‬‬
‫‪ 4‬العوامل العاطفية و روابط النفوذ‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪Ruffiot. A., « La passion du désamour», in Dialogue, 1987, N°96, P. 65-66‬‬
‫(‪)1‬‬
‫محمد احمد النابلسي‪ 1988،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫‪)1(Tordjman‬‬ ‫‪. g la violence..le sexe et l amour edition.r.laffont . paris /1980 pp 63-6‬‬

‫‪75‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫تتميز بعض العالقات الزوجية بنوع من «التبعية المتبادلة» "‪ " Co dépendance‬هذه‬
‫التبعية يمكن أن يكون لها طابع متماثل نوعا ً ما‪ ،‬فكثيرا ً ما نالحظ أن األشخاص الضعفاء‬
‫الذين يبحثون عن «التوكيد النرجسي» يكون عندهم رغبة في الحصول على شريك تتطابق‬
‫حالته مع حالتهم ُمحقّقين بذلك تواطؤ "‪ " Collusion‬حقيقيا ً حول هذه اإلشكالية المشتركة‪ ،‬و‬
‫هناك بعض األزواج يتصرفون دائما ً و كأنهم يعيشون باستمرار الصراع من أجل السلطة‪:‬‬
‫ّ‬
‫«الحث المتبادل» إذ يسعى كل شريك إلى إظهار قدر كبير من اإلستقاللية‬ ‫إنهم يواجهون خطر‬
‫(‪)2‬‬
‫فيُثبت على أنه لن يخضع ألحد‪ ،‬و لن يستسلم بالتالي لعملية ابتزاز عاطفي‪.‬‬
‫‪ 5‬تقرير النفقات‪:‬‬
‫إنها المرأة بشكل عام و خصوصا ً عندما يتعلق األمر بنفقات عادية تتوافق مع دورها‬
‫كمربية‪ .‬أما بصدد النفقات التي تتعلق بأمور أشمل كشراء بيت أو سيارة فإن الرجل يُفضّل‬
‫أن يكون له أفضلية في اتخاذ هكذا قرارات‪ :‬يعتقد الرجل أحيانا ً أن زوجته موافقة بكل طيبة‬
‫خاطر لكنه يُدهش عندما يكتشف في ما بعد أنها غير راضية‪ :‬بعد فترة طويلة من الحرمان‬
‫التي عانت منها بسبب تسديد ديون البيت الذي اشتراه وجد نفسه وحيدا ً بعدما رفضت زوجته‬
‫المساهمة بحصتها لكونها اعتبرت أن هذا المشروع ال يعنيها بشيء و إنها تحملت من األلم‬
‫و من المعاناة بما فيه الكفاية‪.‬‬
‫هذا األمر ينطبق أيضا ً على فترات العطل التي يرغب الزوج بتمضيتها عند أهله متذرعا ً‬
‫باألسباب اإلقتصادية في حين أن هذا التصرف يُخفي في الواقع أمورا ً أخرى مثل‪ :‬استمرار‬
‫سلطة األهل‪ ،‬التعلق بالطفولة و الخوف من إغاظة األهل‪...‬هذا التصرف يُدركه الشريك‬
‫)‪(1‬‬
‫اآلخر و ال يُع ِّّبر عنه و هذا من شأنه أن يسبب تراكم الحقد و النزاع المستتر و الضمني‪.‬‬

‫‪ 6‬التدخل السلبي لألهل‪:‬‬


‫‪ 1 . 6‬العائلة الممتدّة‬
‫ُحول البنية الزوجية من وحدة‬‫ذكرنا أن وجود العائلة الممتدّة و دورها في الحياة األسرية ي ّ ِّ‬
‫ثنائية إلى وحدة ثالثية تكون فيها عائلة الزوج و الزوجة معا ً الطرف الثالث‪ .‬و في كثير من‬
‫ي الزوج‬ ‫األسر العربية يبقى الزوجان عدة سنوات في بيت عائلة الزوج‪ .‬و يظل سلطان والد ّ‬
‫باقيا ً كما هو قبل الزواج‪ ،‬و يبقى الزوج هو اإلبن ال ُمطيع ألمه و أبيه‪ .‬و لكن دور اإلبن ال ُمطيع‬
‫ال يُمكن أن ينفذ بالكامل إال على حساب الزوجة في كثير من األحيان‪ .‬فتظل الزوجة تحت‬
‫مزقا ً بينهما‪ .‬و‬
‫رحمة حماتها و تستمر اإلصطدامات بين الزوجة و حماتها‪ ،‬و يكون الزوج ُم ّ‬
‫موقف الزوج صعب للغاية في مثل هذا الوضع ألنه ال يُريد أن ينحاز إلى جانب زوجته التي‬
‫غالبا ً ما تكون في وضع ضعيف‪ ،‬و في نفس الوقت ال يقدر أن يُجابه أمه حتى و إن لم تكن‬
‫(‪)2‬‬
‫‪Willi ,J . la relation de couple , Délachaux et Niestlé , ,tr, fr,paris/ 1984 .P73‬‬
‫)‪ (1‬عبد الرزاق ‪ ،‬عماد علي ‪ ، 1998‬المساندة االجتماعية كمتغير وسيط في العالقة بين المعاناة االقتصادية و الخالفات الزوجية مجلة دراسات‬
‫نفسية ‪ ،‬رابطة األخصائيين النفسانيين المصرية‪، ،‬العدد‪ ، 1‬القاهرة‬

‫‪76‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫البار ال يحتّم عليه عدم ُمعاتبة أمه مهما كان السبب فحسب‪ ،‬بل‬‫ّ‬ ‫على حق‪ ،‬فواجب اإلبن‬
‫اإلنتصار لها أيضا ً‪ ،‬و هكذا فإن الزوجة كثيرا ً ما تكون كبش فداء األزمة‪ .‬و يدفع الزوج ثـمن‬
‫عرض لتأنيب الضمير إن وقف في وجه أمه‪ ،‬حتى و إن لم تكن على‬ ‫المأزق العسير فهو ُم ّ‬
‫حق من وجهة نظره‪ .‬و في نفس الوقت يشعر بالذنب تجاه زوجته التي خذلها‪ .‬و في أحيان‬
‫أخرى يقع الزوجان في مواقف صعبة بين عائلتي الزوج و الزوجة‪ .‬فقد تجد إحدى العائلتين‬
‫شديدة المحافظة و تحرم المرأة أبسط أنواع حقوقها‪ ،‬بينما تكون األخرى أكثر مرونة‪ .‬و كل‬
‫واحدة من األسرتين تريد من الزوجين أن يتبعا أسلوب حياتها‪ ،‬و يبقى الزوجان ممزقين بين‬
‫(‪)1‬‬
‫هذه و تلك‪.‬‬
‫إن تدخل أهل الزوجين بطريقة سلبية ‪،‬قد تحمل العالقة الزوجية الناشئة أعبا ًء ال يٌستهان‬
‫بها‪ ،‬وقد تعرضها لتأزم ‪،‬إذا استسلم الزوجان لهذه التدخالت‪ .‬من أبرزها حاالت التحريض‬
‫التي يمارسها األهل مثل‪ :‬تحريض الزوجة من قبل أمها على إرهاق زوجها بالمطالب‪ ،‬أو‬
‫تحريض الزوج من قبل أمه على التعنت مع زوجته وصوالً إلى إخضاعها ‪ .‬وبذلك تقوم‬
‫الصراعات بين أحد الزوجين وأهله ضد اآلخر وأهله ‪.‬وال يندر أن يتحول األمر إلى حرب‬
‫بين هؤالء يكون الزوجان أداتها ووقودها حين ال يتوفر الود الكافي‪ ،‬أو حين يدخل أحد‬
‫(‪)2‬‬
‫األطراف في "حرب القوة والمكانة" ضد الطرف اآلخر‪.‬‬
‫‪ 2 . 6‬عالقة التملكية بين األم و االبن‪:‬‬
‫وتبقى العالقة التملكية‪ -‬التدخلية من أكثر أنواع الصراعات التي تصيب الحياة الزوجية‬
‫الناشئة‪ .‬في هذه الحالة‪ ،‬التي يغلب أن تكون أم الزوج بطلتها تظل هذه متعلقة بابنها‪ ،‬رافضة‬
‫أن يستقل بكيانه الخاص‪ ،‬ويقيم عالقة زوجية‪ ،‬خارجا ً عن نطاق سيطرتها‪ .‬إننا بصدد وضعية‬
‫تعذر الفطام بين األم وابنها الذي يهيئ وحده السبيل إلى استقالله الوجودي‪ .‬تعيش األم زواج‬
‫ابنها من امرأة أخرى وكأنه خيانة لها‪ ،‬ونكران للجميل‪ ،‬وتنكر لكل ما قدمت من تضحيات‪.‬‬
‫وتدخل عندها في حالة صراع مفتوح على امتالك االبن وأحقية عائداته‪ ،‬معتبرة الزوجة كيانا ً‬
‫غريبا ً دخيالً يحاول أن يزيحها عن موقعها المميّز في عالم ابنها النفسي والوجودي‪ .‬ويفتح‬
‫مع قيام هذا التنافس ملف سلوكيات التدخل والرصد والمتابعة التي ال تدع حتى أدق تفاصيل‬
‫الحياة الزوجية تفلت منها‪ .‬ويوضع الزوج‪ -‬االبن أمام خيار مأزقي ما بين حاجته إلى إقامة‬
‫رباط زواجي راشد ومستقل وبين االتهام بالعقوق‪ ،‬أو االتهام بالضعف تجاه الزوجة والتخاذل‬
‫أمامها ‪.‬‬
‫‪ 3 . 6‬العالقة تملكيه بين األب و االبن‪:‬‬
‫و من حاالت التدخل األقل حدة‪ ،‬يُالحظ أحيانا ً ذلك الميل األبوي الستيعاب حياة ابنه‪ ،‬أو‬
‫ابنته في نوع من توسيع نطاق نفوذه‪ .‬إنه يضم العالقة الزوجية إلى ملكيته الخاصة في نوع‬
‫من التضخم الذاتي الذي يدفع ثمنه بالطبع من خالل التقديمات المادية المشروطة‪ .‬ذلك نموذج‬
‫آخر من نماذج التملك الخفي تحت ستار الرعاية و العطاء الظاهرين‪ ،‬و هنا قد تتعارض‬
‫(‪ )1‬محمود حسن ‪ 1996 ،‬االسرة و مشكالتها ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪،‬بيروت ‪ ،‬ص ‪61‬‬
‫(‪ )2‬النابلسي ‪ ،‬محمد أمين ‪ ، 1999 ،‬الخالفات الزوجية ‪ ،‬مجلة الثقافة النفسية ‪ ،‬العدد ‪، 5‬المجلد الثاني ‪،‬طرابلس ‪ ،‬لبنان ص ‪59‬‬

‫‪77‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫الرؤى والتوجهات ما بين أسلوب قديم يحاول إعادة إنتاج األسرة الممتدة التي تقوم على رأسها‬
‫أب يجمع تحت عباءته كل أبنائه وأسرهم‪ ،‬معتبرا ً الجميع ملكية خاصة له‪ ،‬وبين مقتضيات‬
‫يكرس االستقاللية الذاتية لألبناء‪ .‬وال يندر أن يتحول األمر إلى نوع‬
‫التغيّر االجتماعي الذي ّ‬
‫التحرر من قبل األبناء‪ ،‬قد يكون ثمنه باهظا ً على شكل فقدانهم للدعم المادي الذي‬
‫ّ‬ ‫من معركة‬
‫هم بأمس الحاجة إليه‪ .‬وإذا حدث رضوخ لهيمنة األب بسبب عدم االستغناء عن دعمه‪ ،‬فإن‬
‫األمر قد يتحول إلى معاناة أو صراع زوجي‪ ،‬يشتد تارة‪ ،‬ويخبو تارة أخرى‪ ،‬تبعا ً لمدى بروز‬
‫(‪)1‬‬
‫الحاجة إلى االستقالل بالكيان الذاتي ‪.‬‬
‫و يُؤدِّّي ضعف العالقة الثنائية بين الزوجين – نتيجة تد ّخل العائلة الممتدّة – إلى عدم‬
‫تكامل الثقة بين الزوجين‪ .‬فإن ما يجري من اتصاالت بين الزوجين يت ّم على أساس ما تمليه‬
‫عليهما األصول االجتماعية‪ ،‬و قليالً ما يحدث التفاهم القريب من النفس على المستوى‬
‫العاطفي مثل أن يُصارح أحدهما اآلخر بدخيلة نفسه‪ ،‬و نتيجة لهذا التباعد‪ ،‬تظل خصوصية‬
‫كل منهما قائمة‪ .‬و لكل من الزوجين حياته شبه الخاصة‪ .‬فال تعرف الزوجة مثالً كم يملك‬
‫زوجها من مال‪ ،‬و ال تعرف أحيانا ً راتبه الشهري‪ .‬و نادرا ً ما يكون لهما حساب مشترك في‬
‫البنك‪.‬‬
‫‪ . 7‬تغير األدوار االجتماعية وصراع الدور‪:‬‬
‫إن تكوين أسرة جديدة يتضمن تغيرا أساسيا في األدوار المشكلة ألنماط السلوك لكل من‬
‫األزواج والزوجات‪ ،‬فمعظم هؤالء تكون هذه األدوار جديدة عليهم وليس لديهم خبرة في‬
‫تكييف أنفسهم لمتطلبات التفاعل مع شخصية أخرى‪ ،‬إن مفهوم الدور يستعمل لإلشارة إلى‬
‫التوقعات االجتماعية المرتبطة بموقف معين والموقف هنا هو الزواج‪ ،‬وعناصره هي مكانة‬
‫الزوج والزوجة داخل منظومة العالقة الزوجية‪ ،‬فالشخص الذي يعرف ماذا يتوقع منه في‬
‫موقف معين ويستطيع االستجابة بصورة مالئمة يكون متوافقا مع الدور الذي يلعبه وكل من‬
‫الزوج والزوجة يبدأ حياته الزوجية ولديه توقعات معينة عن دور الشخص اآلخر‪ ،‬ونتيجة‬
‫للتعارض بين التوقعات وما يحدث في الواقع فإنه من المحتمل ألن تحدث الصراعات‪.‬‬
‫وقد ينشأ الصراع بين الزوجين لرغبة أحدهما في تغيير األدوار المتوقعة منه‪ ،‬كأن تقبل‬
‫الزوجة في بداية حياتها الزوجية بأن ينفرد الزوج بالسلطة واتخاذ القرارات األسرية‪ ،‬ولكنها‬
‫بعد مضي فترة من الزواج بأن ترفض دور التابع للزوج وتطالب بالمساواة والمشاركة في‬
‫القرارات مثلها مثل الزوج‪ ،‬أو قد يختلفان بعد اإلنجاب في األمور التي تتعلق باألبناء وتوزيع‬
‫األدوار بينهما فقد يرفض أحد الزوجين التقسيم التقليدي للعمل بينهما بحيث تختص الزوجة‬
‫بالرعاية الجسمية والصحية والغذائية للطفل‪ ،‬بينما يختص الزوج بالجانب المادي وخاصة‬
‫إذا كانت الزوجة تعمل‪ ،‬إن جميع أعضاء األسرة يميلون إلى المشاركة في اتخاذ القرارات‬
‫في شؤون األسرة‪ .‬وفي ذلك ترسيخ للقيم الديمقراطية‪ ،‬وضمان لصحة القرارات‪ ،‬وتنمية‬
‫لقدرات أعضائها وشعورهم بالمسؤولية الجماعية التضامنية‪ .‬ودائما ً في مراحل االنتقال‬

‫(‪)1‬‬
‫إبراهيم‪ ،‬زكريا ‪ ، 1978‬الزواج و الستقرار النفسي ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬مكتبة مصر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ص ‪86‬‬

‫‪78‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫"‪"Stage of transition‬تحدث بعض الصعاب أو المتاعب التي تتعرض له األسرة‪ ،‬وذلك ألن‬
‫مراحل االنتقال الحضاري دائما ً حرجة‪ .‬من ذلك أن ‪:‬‬
‫‪ -1‬الحرية الجديدة تعطي المراهقين في األسرة الفرصة للتوجيه الذاتي أي التصرف بمفردهم‪،‬‬
‫ولكن ذلك دائما ً ما ينقصه الخبرة والنضج وقد نتج عن ذلك زيجات اندفاعية غير واعية تؤول‬
‫مآالً إلى الفشل‪.‬‬
‫‪ -2‬اختالف الحياة الحضرية وتنوعها يؤديان إلى اختالط األدوار " ‪."Confusion of roles‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪ .8‬عوامل تصدع الزواج ‪:‬‬


‫لقد أسفرت بعض الدراسات عن وجود العوامل اآلتية في الزواج الغير السعيد ‪:‬‬
‫‪ - 1‬عدم النضج االنفعالي أو النفسي أو العاطفي لدى أي من الزوجين أو كالهما‪.‬‬
‫‪- 2‬عدم وجود اتجاه واقعي نحو الزواج‪ ،‬وبالعكس من ذلك وجود اتجاه مثالي نحو الزواج أو‬
‫توقع وضع مثالي أو خيالي من خالل الزواج‪.‬‬
‫‪ - 3‬ضعف إدراك مسؤوليات الزواج وواجباته‪.‬‬
‫‪ - 4‬عدم االنسجام من جراء وجود اختالفات في مستوى الذكاء أو السن أو الدين أو القيم والمثل‬
‫والمعايير والعادات و التقاليد‪.‬‬
‫‪ - 5‬العجز الجسمي أو الجنسي‪.‬‬
‫‪ - 6‬عدم وجود أهداف مشتركة لدى الطرفين فيما يتعلق باألطفال أو كيفية إنفاق األموال أو‬
‫قضاء وقت الفراغ‪.‬‬
‫‪ - 7‬وجود عوامل بيئية متناقضة كالتداخل أو التناقض القانوني أو ضعف الصحة أو قلة أو‬
‫ضعف الدخل المالي‪.‬‬
‫‪ - 8‬فشل آبائهم في تدريبهم إزاء االتجاهات الجنسية أو تكوين اتجاهات خاطئة‪.‬‬
‫‪ - 9‬تأسيس حياة أسرية مبكرا ً وبصورة غير مرغوبة‪ ،‬ووجود التوتر والنزاع أو النبذ ‪ ،‬أو‬
‫وجود صعوبة في إعطاء الحب واستقباله" ‪ "Giving and receiving affection‬مثل هذه النتائج‬
‫المستمدة من الدراسات أيدت المالحظات الناشئة من الممارسة اإلكلينيكية العالجية لحاالت‬
‫)‪(2‬‬
‫الطالق‪.‬‬
‫‪ . 9‬سوء التوافق الجنسي‪:‬‬
‫يقصد به عدم استمتاع كال الزوجين أو أحدهما باإلشباع الجنسي مع اآلخر ‪ ،‬وهناك عوامل‬
‫تؤدي إلى سوء التوافق الجنسي هي‪:‬‬

‫(‪ )1‬محمد عبد المولى الدقس ‪، 1987 ،‬التغير االجتماعي بين النظرية و التطبيق ‪ ،‬دار مجدالوي‪ ،‬عمان ‪ ،‬ص ‪146‬‬
‫)‪(2‬غريب السيد احمد‪ ( 1995 ).‬دراسات في علم االجتماع العائلي‪:‬دار المعرفة الجامعية‪. .‬اإلسكندرية ‪ ،‬ص ‪106 - 105‬‬

‫‪79‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪- 1‬جهل الزوج بعوامل اإلثارة الجنسية للمرأة ومعاملتها بقسوة والذي يسبب لها البرود‬
‫الجنسي ويضعف تجاوبها معه وينقص من استمتاعه معها ويثير غضبه عليها‪.‬‬
‫‪ - 2‬جهل الزوجة بالنواحي الجنسية وحياؤها من زوجها أو نفورها من العملية الجنسية أو‬
‫خوفها من الحمل‪.‬‬
‫‪ - 3‬الشذوذ الجنسي عند أحد الزوجين الذي يجعله يمارس الجنس ممارسة منحرفة تؤذي‬
‫الطرف اآلخر وال تحقق له اإلشباع‪.‬‬
‫‪ - 4‬التباين في أهمية العالقة الجنسية حيث يكون هو المهمة األولى عند بعض األزواج وتكون‬
‫(‪)1‬‬
‫له أهمية ثانوية عند الطرف اآلخر مقارنة بأمور أخرى ‪.‬‬
‫‪ 1 .9‬انخفاض الرغبة الجنسية‪:‬‬
‫و هو قليل اإلنتشار بين الرجال‪ ،‬و إذا حدث ذلك فإنه يكون في الغالب نتيجة لمرض‬
‫نفسي آخر مثل اإلكتئاب‪ ، .‬و ال يخلو من صعوبة واضحة في تحديد أسبابه‪ ،‬و هناك عدّة‬
‫عوامل من ال ُممكن أن تشترك في إحداث هذا اإلضطراب‪ .‬و في أكثر األحيان يصعب تمييز‬
‫أي عامل واضح من هذه العوامل ‪.‬‬
‫لهذا تكبر الطفلة وهي ترى أن الجنس الحالل ُمصمم للذة الرجل فقط‪ ،‬وأن دور المرأة‬
‫فيه هو في إنتاج الذرية الصالحة‪ ،‬وعلى الرغم من أن الدين اإلسالمي لم ينكر على المرأة‬
‫أن تستمتع بالجنس الحالل كما هي الحال بالنسبة للرجل‪ ،‬وفي حديث للرسول الكريم ‪ -‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ -‬أسمى اللذة الجنسية الحالل "عسيلة" ونسبها لكل من الرجل والمرأة على‬
‫حدّ سواء ‪ .‬إال أن المجتمعات العربية بثقافتها السائدة ترى أن عدم معرفة البنت عن أمور‬
‫الجنس الحالل شيء والنظر إليه كشيء مثير للقرف واالشمئزاز يُساعد في صون عفتها‬
‫شيء آخر ‪ .‬بل إنه يُبالغ أحيانا ً في التشدّد على منع المرأة من التمتّع بالجنس الحالل‪ ،‬و نحن‬
‫نرى مثل ذلك في استمرار عادة ختن البنات في بعض البالد العربية مثل مصر و السودان‬
‫‪)1( .‬‬
‫حيث تكون الغاية األساسية منها هي خفض الرغبة الجنسية عند المرأة ‪.‬‬
‫أيضا ً فليس من ال ُمستغرب بعد ذلك أن تشب الفتاة على اعتقاد أن الجنس الحالل أمر‬
‫تستمر في ذلك اإلعتقاد حتى بعد الزواج و اإلنجاب‪ ،‬فليس من السهولة أن تنقلب‬ ‫ّ‬ ‫قبيح و أن‬
‫مشاعر الفتاة في فترة بسيطة حول موضوع حساس مثل هذا‪ .‬بينما يزرع هذا المفهوم في‬
‫الفتاة يُطلب من الرجل أن يفض عروسه ليلة الزفاف و لذا ليس بمستغرب أن تتحول غرفة‬
‫نوم العروسين إلى ساحة لل ُمصارعة بينهما‪ ،‬فهو يُريد تأكيد ذكورته (و كمال رجولته)‬
‫بافتضاضها ليلة الزفاف ‪ -‬على هذه الشاكلة ‪ -‬نفورا ً و كرها ً للجنس الحالل من قبل المرأة‪.‬‬
‫و قد يحدث أن يكون ضعف الرغبة الجنسية عند المرأة ستارا ً يخفي رفضها زوجها نفسه‪،‬‬
‫فقد تكون غير قادرة على حبه لسبب ما‪ ،‬و قد يكون الرجل فظا ً غليظ القلب قاسي الطباع‪،‬‬
‫أو سكيرا ً عربيداً‪ ،‬يُؤذي زوجته نفسيا ً و جسديا ً و من ثم يُطالبها أن تستجيب له جنسيا ً و أن‬

‫(‪)1‬‬
‫جالل اسماعيل ‪،1999‬العنف األسري ‪،‬دار قباء للنشر و التوزيع‪ ،‬القاهرة ص ‪68‬‬

‫(‪ )1‬حسين علي مصطفى‪، 2003،‬ثقافتنا الجنسية‪ ،‬بين االسالم و استبداد العادات ‪،‬المركز الثقافي العربي ‪ ،‬المغرب ‪ً ،‬ص ‪62‬‬

‫‪80‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫تستمتع بذلك أيضاً‪ .‬و المرأة في المجتمعات العربية قليلة الخيارات فـإذا رأت أن حياتها مع‬
‫زوجها صعبة جداً‪ ،‬فهي ال تستطيع فـي كثير من األحيان أن تترك زوجها‪ ،‬لحرصها على‬
‫كيان األسر ة تارة‪ ،‬و ألنها لو تركته إلى بيت أبيها تارة أخرى‪ ،‬فستقابل بالرفض من أهلها‬
‫أيضاً‪ .‬وقد الكثير من اآلباء و األمهات يستنكرون ترك المرأة بيت زوجها‪ ،‬و ينصحونها‬
‫بالصبر و التحمل‪ .‬فليس المستغرب عندئذ أن يستعمل ضعف الرغبة الجنسية ستارا ً تُحاول‬
‫التهرب من عالقة جنسية حالل ال ترغب بها‪ .‬و أيضا ً قد يكون الخجل و الحياء‬‫ّ‬ ‫خالله المرأة‬
‫(‪)1‬‬
‫سببا ً آخر لضعف الرغبة ‪.‬‬
‫‪ . 2 . 9‬العقم و الحالة النفسية للزوجين ‪:‬‬
‫يُعرف العقم بأنه عدم حدوث الحمل بعد سنة على الزواج و بدون استعمال موانع الحمل‪.‬‬
‫و يحدث العقم بين حوالي ‪ 10‬و ‪ %15‬من الزيجات‪ .‬كما ينجم عن بعض العيوب البيولوجية‪،‬‬
‫التي قد تكون موجودة في المرأة تارة‪ ،‬و في الرجل تارة‪ ،‬و فيهما معا ً تارة أخرى‪ .‬و لما كانت‬
‫المرأة هي المسؤولة عن اإلنجاب فإن كل اإلتهامات تُشير إليها‪ .‬بينما يُس ِّّبب عقم الرجل عدم‬
‫اإلنجاب‪.‬‬
‫يُس ِّّبب العقم للزوجين حالة أزمة تُهدِّّد استقرارهما النفسي‪ .‬إذ يدخالن في حالة نفسية شديدة‬
‫الحرج تنعكس على قدرتهما على دوام النسل‪ ،‬ففي أول وهلة يلجآن إلى عدم تصديق الخبر‪،‬‬
‫شك أن ُمعاناة هذه‬‫ثم نكرانه‪ ،‬و بعد ذلك يدلفان إلى مرحلة اإلحباط و الغضب‪ ،‬و ليس ثمة ّ‬
‫الكرب النفسية يُؤ ِّثّر سلبا ً على عالقة الزوجين‪ .‬التي تزداد سوءا ً مع مرور األيام‪.‬‬
‫و عندما يعلم الزوجان بخبر العقم‪ ،‬تكون الزوجة في الغالب الطرف األكثر تأثّراً‪ ،‬و تبقى‬
‫على ذلك طيلة مدة العالج‪ .‬سواء أكانت هي السبب أم لم تكن‪ .‬حتى إذا اتضح أن السبب منها‬
‫فإن أنوثتها‪ ،‬و ثقتها بنفسها تتعرضان لإلحباط‪ ،‬و من ثم تفقد احترامها لذاتها‪ ،‬و تنحى جانبا ً‬
‫لقاءها الجنسي مع زوجها‪ ،‬و تعيش في عذاب الضمير و الشعور بالذنب تجاه الزوج‪ ،‬مع أن‬
‫األمر في حقيقته ال ينبغي أن يصل إلى هذه النتائج‪.‬‬
‫و في حالة ما إذا كان العقم ناجما ً من الزوج‪ ،‬فإن الزوجة تقع في عذاب الشعور باإلحباط و‬
‫الالحيلة‪ .‬فهي مشدودة تارة إلى ُمحاولة التخفيف عن زوجها‪ ،‬و التعامل معه بصورة تُساعده‬
‫على عدم شعوره بالنقص‪ ،‬أو الشك في رجولته‪ ،‬كما تقع تارة أخرى في حالة اليأس التي‬
‫تنتاب الزوج‪.‬‬
‫و المالحظ أن الزوجين اللذين يُواجهان العقم‪ ،‬يعيشان حالة من العزلة النفسية و اإلجتماعية‬
‫ال ُمرهقة‪ .‬فهما ال يريان من أقاربهما اإلهتمام الذي كان من قبل بهما‪ ،‬و حتى عندما يلتقيان‬
‫بهما فإن حياتهما تكون مختلفة في ظل غياب األبناء‪ ،‬مما يجعل الزوجين بدون اهتمامات‬
‫ُمشتركة مع أقرانهم‪ ،‬يُضاف إلى ذلك ما سبق أن الزوجين يتفاديان اللقاءات اإلجتماعية و‬

‫‪)1(CHalaby‬‬ ‫‪.K, «Psychological stresses and psychiatric disorders in an outpatient population in Saudi Arabia»,‬‬
‫‪Acta Psychiatr Scand 1986; 73‬‬

‫‪81‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫العائلية‪ ،‬حتى ال يُواجهان األسئلة ال ُمحرجة و ال ُمؤلمة عن عدم وجود أطفال لهما‪ ،‬ويعد العقم‬
‫(‪)1‬‬
‫بصفة عامة احد العوامل في عدم االستقرار الزواجي وسبب في تصدع العالقة‪.‬‬

‫المحاضرة الثانية عشرة‬


‫المحددات نفسية واجتماعية و اضطراب العالقة االسرية‬
‫‪ . 1‬األسباب النفسية‪:‬‬
‫هناك رأي يقول إن الناس الذين عوقهم اإلدمان أو الذين يعانون من النزعات اإلجرامية‬
‫أو أصحاب التاريخ الطويل في المرض العقلي والذين لم تفلح معهم مناهج المعالجة ال يمثلون‬
‫فرصا ً جيدة للزواج‪ .‬وقد يبدون من الجاذبية مما قد يجعل الناس يتورطون في االختالط‬
‫الزواجي بهم‪ .‬ولكن ال ينبغي أن ننظر للزواج‪ ،‬على أنه يصنع المعجزات العالجية لألشخاص‬
‫المرضى والشواذ‪ ،‬فالشخص الشاذ قد يبقى على شذوذه بعد الزواج وينبغي أن نؤمن أن‬
‫اإلنسان ال يمكن أن يتغير إال بإرادته هو‪ ،‬أي إال إذا رغب هو نفسه في التغيير‪ ،‬وبذل الجهد‬
‫لذلك‪ ،‬البد أن ينبع التغير من الذات من داخل الفرد‪ ،‬حتى العالج النفسي ال يؤتى ثماره إال إذا‬
‫كان المريض متعاونا مع المعالج‪ ،‬و التغير يجب أن يبدأ من الداخل‪ ،‬واإلصالح يجب أن‬
‫يكون نابعا ً من تصميم الفرد على التعديل‪ ،‬ومساعدة الطرف اآلخر ال تفيد إال إذا وجد‬
‫االستعداد عند الشخص نفسه‪.‬‬
‫للحالة النفسية للزوجين تأثير على العالقة الزوجية فاألمراض النفسية تؤدي إلى حدوث‬
‫اضطرابات حادة في اإلدراك والتفكير أوفي القدرة العقلية األساسية للتمييز بين الواقع‬
‫والخيال فضال عن اإلصابة باألمراض الجسمية ذات األصل النفسي مثل‪ :‬ارتفاع ضغط الدم‬
‫ومرض السكر واألزمات القلبية‪ ،‬كلها تؤدي إلى حدوث قلق وتزيد من مشاعر االكتئاب‬
‫والحساسية الزائدة والشكوك غير المعقولة واضطرابات النوم و اضطرابات األكل‪ ،‬هذا كله‬
‫يساعد على االتصال والتواصل والتفاعل الغير سليم بين الزوجين‪ ،‬وللغيرة المفرطة والتسلط‬
‫وحب السيطرة ونوبات الغضب المتكررة واالستجابات الطفلية مثل االنفعاالت الزائدة‬
‫وردود األفعال غير المسؤولة أو الخوف أو االنسحاب كلها تساعد على زيادة الفجوة بين‬
‫الزوجين وقد أثبتت البحوث والدراسات أن الدماغ يلعب دورا مهما في العملية الجنسية وهو‬
‫الذي يعطي األوامر للهرمونات بالتحرك ‪ ،‬و افراز هذه السوائل فإذا كان فكر الرجل أو‬
‫المرأة مشغوال بمهام الحياة ومشاكلها أثناء الممارسة الجنسية فإن الدماغ ال يستطيع أن يعطي‬
‫األوامر النشغاله بتلك المشاكل‪ ،‬واذا كانت العوامل البيولوجية سليمة ويحدث البرود الجنسي‬
‫فهذا دليل على أن حالة الفرد النفسية هي التي تلعب دورها في هذه العملية وإن التفاعل بين‬

‫(‪)1‬‬
‫الرواجنة‪ ،‬عيادة احمد‪، 2001 ،‬البرود الجنسي و الضعف وعالجه بالطب العربي الحديث ‪،‬المكتبة الثقافية ‪،‬بيروت ص ‪193‬‬

‫‪82‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫العوامل النفسية وبين تلك الجسمية دورا فعاال في جميع نشاطات الفرد وفعالياته‪ .‬وتؤثر‬
‫المشكالت النفسية في العالقات األسرية بين الزوج وزوجته أو بين الوالدين وأبنائها‪ ،‬تأثيرا‬
‫سيئا في بعض األحيان حيث تظهر سوء التوافق النفسي للفرد وفي عالقاته مع غيره من‬
‫(‪)1‬‬
‫األفراد‪ ،‬وعدم قدرته على التفاهم مع أسرته‪.‬‬
‫‪. 2‬الظروف االجتماعية وتصدع الرابطة الزوجية‪:‬‬
‫تكون الرباط الزوجي واستقراره قد تكمن في ما نطلق عليه‬
‫ولعل أكثر مناحي التأثير على ّ‬
‫"الصحة المجتمعية"‪ .‬فاألزمات االقتصادية تعتبر من أبرز عوامل إعاقة الزواج كما هو‬
‫معروف‪ ،‬حيث ال يمكن توفير احتياجات تأسيس األسرة‪ .‬وهو ما أصبح يميل إلى التفاقم مع‬
‫تزايد بطالة الشباب الجامعي‪ ،‬وهدر طاقاته‪ ،‬والحيلولة دون حصوله على حقوقه في حياة‬
‫عاطفية أسرية ومهنية‪ .‬كذلك فإن األزمات االقتصادية من مثل فقدان العمل المنتظم والدخل‬
‫المضمون‪ ،‬أو تدهورهما يمثالن عناصر فاعلة في الصراعات الزوجية‪ ،‬وصوالً إلى تصدع‬
‫الرباط الزوجي‪.‬‬
‫وفي المقابل فإن إفراط البحبوحة المادية تنعكس سلبا على الرباط الزوجي وما يقتضيه من‬
‫تضحية والتزام‪ .‬فالوفرة المفرطة قد تدفع بكل من الزوجين إلى البحث عن إشباع رغباته‬
‫وملذاته‪ ،‬في حالة من إدارة الظهر لاللتزام األســري و قد ندخل في حالة "التصدع الخفي"‬
‫حيث تتحول العالقة الزوجية إلى نوع من الرباط الشكلي الذي ال يعدو الحفاظ على المظاهر‪.‬‬
‫تكون الروابط الزوجية‪ .‬ففي‬
‫أما األزمات االجتماعية األمنية فتعتبر بدورها من عوامل سوء ّ‬
‫حاالت التهديد للحياة والمستقبل‪ ،‬قد يندفع البعض في ارتباطات متسرعة ال تتوفر لها مقومات‬
‫التكافؤ والتوافق واالستمرارية (من مثل حاالت زواج المالجئ خالل الحرب اللبنانية) ‪.‬و‬
‫حين تنجلي التهديدات‪ ،‬وتستعيد الحياة شيئا ً من طبيعتها يفلس الرباط الزوجي الذي اتخذ طابع‬
‫النزوة الظرفية‪.‬‬
‫وقد تؤدي األزمات األمنية‪ ،‬وهو األعم األغلب‪ ،‬إلى العديد من حاالت التصدع األسري‪،‬‬
‫حيث يعجز الزوجان عن القيام بأعباء الزوجية‪ ،‬أو الوالدية‪ ،‬بسبب التهديدات األمنية‪ ،‬أو‬
‫االنفصال‪ ،‬وتشتت شمل األسرة‪ ،‬أو الوقوع في حاالت القلق واالكتئاب المرضي اللذين‬
‫يطفئان العالقات العاطفية‪ -‬الجنسية‪ ،‬كما هو معروف‪ .‬ويالحظ على هذا الصعيد أن هناك ما‬
‫يشبه " الوراثة النفسية " التي تكرر ذاتها‪ .‬فدراسة حاالت الطالق‪ ،‬والتصدع األسري‬
‫الصريح تش ير إلى أنه ال يندر أن يكون الزوجان أو أحدهما قد نشأ في أسرة متصدعة‬
‫(‪)1‬‬
‫بدوره‪.‬‬
‫‪ 1 . 2‬المجال االقتصادي‪:‬‬
‫ويقصد به كل ما يتعلق بشؤون األسرة المالية دخال وإنفاقا واستهالكا وادخارا و استثمارا‪،‬‬
‫و إن عدم االتفاق حول األمور المالية في األسرة يولد النفور في التفاعل الزوجي ‪ ،‬وتنتج‬

‫(‪)1‬‬
‫عبد الرحمن العيسوي‪. ) 1988(.‬العالج النفسي ‪،‬دار المعرفة الجامعية‪ .‬إلسكندرية ‪ ،‬ص ‪77 - 76‬‬

‫(‪ )1‬حسن محمود ‪، ،1987 ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪52 - 51‬‬

‫‪83‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫الخالفات المالية إما بسبب التبذير أو البخل من قبل الزوجين أو أحدهما‪ ،‬وهذا يجعل التفاهم‬
‫بينهما صعبا‪ ،‬وال يندر أن يحول الزوج مظاهر اإلحباط اليومية في مجال العمل والكسب‬
‫والمكانة االجتماعية إلى حياته الزوجية‪ ،‬التي تتحول إلى ميدان للتشفي‪ ،‬وقد يذهب أبعد من‬
‫ذلك فيسقط فشله الخارجي على الرباط الزوجي الذي يتخذ عندها طابع الغبن الوجودي‪ ،‬مما‬
‫يجعل عنفه مبرراً‪ .‬أما الزوجة فقد تكون الضحية المستسلمة لقدرها في حالة من العجز عن‬
‫المجابه أو هي تتصدى وتجابه مما يحول المنزل إلى ساحة نزاعات ومشاجرات دائمة‪.‬‬
‫و يعد العامل االقتصادي في كثير من المجتمعات مسئوال إلى حد كبير عن األزمات األسرية‪،‬‬
‫فالفقر أو البطالة يؤديان إل نقص الموارد المادية مما يخلق أزمات أسرية تسبب ألفراد األسرة‬
‫الشعور بالقلق والخوف‪ .‬وترتبط التعاسة الزوجية بالهبوط االقتصادي أو تعرض المجتمع‬
‫للضائقة المالية ‪.‬‬
‫‪ 2 . 2‬المجال االجتماعي‪:‬‬
‫إن الصراع والمشاجرات بين الزوجين إنما هي من األمور الطبيعية داخل األسرة مادامت‬
‫في حدود معينة ال تتعداها وللخالفات الزوجية أسباب عديدة منها فارق السن الكبير بين‬
‫الزوجين ‪ ،‬السكن مع أهل الزوج ‪ ،‬العنف بين الزوجين بكافة أشكاله ‪ ،‬قلة الكفاءة في أداء‬
‫األدوار الزوجية ‪،‬إهمال الزوجة لنفسها في مظهرها وزينتها ‪،‬افتقار أحد الزوجين أو كالهما‬
‫إلى استخدام مهارات التواصل أو مهارات حل المشكالت بإضافة إلى اإلدمان على الكحول‬
‫)‪(2‬‬
‫والمخدرات والعقم عند أحد الزوجين ‪.‬‬
‫‪ 3 . 2‬المجال المهني‪:‬‬
‫إن فقدان العمل المنتظم والدخل المضمون‪ ،‬أو تدهورهما يمثالن عناصر فاعلة في‬
‫الصراعات الزوجية‪ ،‬وصوالً إلى تصدع الرباط الزوجي‪ ،‬و قد أثبتت الدراسات أن الناس‬
‫غير الناجحين في عملهم مهيئين للطالق أكثر من غيرهم لشعورهم بعدم الكفاءة في حياتهم‬
‫الزوجية واعتقادهم أن التحرر من الزواج يخفف من أعبائهم المالية ومسؤولياتهم األسرية‬
‫‪،‬أما البطالة فأنها تؤثر بشكل سلبي على الزوجين خاصة واألسرة عامة ألنها تؤدي إلى‬
‫تقويض سلطة الزوج وعدم االحترام الضمني له‪ ،‬وزيادة الصراع بينهما‪ ،‬وقد يكون عمل‬
‫الزوجة عامال من عوامل التفاعل السلبي والتفكك األسري فاألمر يعتمد على الشخصية‬
‫الناضجة للزوجة وفهمها لمسؤولياتها الزوجية األخرى ونضوج شخصية الزوج وتشجيعه‬
‫لزوجته‪ ،‬ورضاه عن عملها واتفاقه معها على األمور المالية ومناسبة عملها لطبيعتها األنثوية‬
‫)‪(1‬‬
‫وظروفها األسرية ‪.‬‬
‫و تظهر األزمات في بعض األسر بسبب عمل المرأة‪ ،‬وكيفية صرف ميزانية األسرة‪،‬‬
‫وباعتبار اإلنفاق مسئولية الرجل ووجوب المشاركة المرأة‪ ،‬وقد يكون لهذا العامل في بعض‬
‫األحيان تأثير على العالقات األسرية‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك فقدرة الشخص على مزاولة عمل‬
‫من األعمال ترتبط با لراحة النفسية التي يتمتع بها في أسرته‪ ،‬وكذا رضاه المهني يؤثر في‬

‫)‪ (2‬عبد الرزاق ‪ ،‬عماد علي ‪ ، 1998‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪41‬‬


‫)‪(1‬حسون تما ضر ‪ ، 1414‬تأثير عمل المرأة على تماسك األسرة في المجتمع العربي ‪،‬دار النشر والمركز القربي للدراسات الرياض ص ‪92‬‬

‫‪84‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫حالته النفسية داخل األسرة‪ .‬باإلضافة الى نوع العمل الذي يزاوله الفرد يحدد مكانته في‬
‫المجتمع‪ ،‬فإذا كان من األعمال التافهة تهتز األسرة‪ ،‬والتعطل يؤدي إلى فقد احترام األسرة‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫وصف" ‪ "Hill‬أزمات األسرة إلى ثالث فئات هي‪:‬‬


‫‪-‬التمزق أو فقدان أحد أفراد األسرة ‪ :Dimemderment‬ويعني هيل هنا بالتمزق فقد أحد أعضاء‬
‫األسرة نتيجة موته في الحرب أو دخول أحد الزوجين المستشفى أو موت أحد الوالدين‪.‬‬
‫‪-‬التكاثر أو اإلضافة ‪ :Accession‬المقصود بالتكاثر ضم عضو جديد لألسرة دون استعداد مسبق‬
‫مثل تبني طفل أو زواج أم‪ ،‬أو حضور أحد األجداد لإلقامة مع األسرة أو المربية‪ ،‬كما في‬
‫مجتمعات الخليج العربي حاليا‪.‬‬
‫‪-‬االنهيار الخلقي ‪ :Demoraligation‬أما االنهيار الخلقي فيشير إلى فقدان الوحدة األسرية‬
‫واألخالقية‪ ،‬ويقصد بها هيل فقدان العائل‪ ،‬أو الخيانة الزوجية‪ ،‬إدمان الخمور والمخدرات‪،‬‬
‫وطور‬
‫ّ ِّ‬ ‫ويمكن أن تؤدي إلى نتائج عديدة من التفكك األسري مثل‪ :‬الطالق‪ ،‬االنتحار‪ ،‬الهجر‪،‬‬
‫هذا النوع من األشخاص آليات دفاعية‪ ،‬كتلك التي كانت مستخدمة أثناء الحالة الحبية‬
‫كاإلنشطار ‪ Clivage‬و المثلنة ‪ Idéalisation‬واإلنكار ‪« ،Déni‬لكن هذه األولويات تُستخدم بطريقة‬
‫)‪(1‬‬
‫معاكسة وسلبية أي بشكل يهدف إلى فسخ األجساد والنفوس وإبعادها عن بعضها بعضاً» ‪.‬‬
‫‪ . 3‬الصراع األسري‪:‬‬
‫يُعدّ الصراع بُعدا ً واقعيا ً من أبعاد واقعنا و حياتنا االجتماعية‪ ،‬وواقع على مستوى األسرة‪.‬‬
‫للتعرف على أسبابه و عوامل حدوثه‬
‫ّ‬ ‫و لذلك اهتم األخصائيون االجتماعيون بدراسة الصراع‬
‫في نطاق األسرة‪.‬‬
‫فطبقا ً للنظرية الوظيفية البنائية‪ ،‬يعني‬
‫و لقد اختلف العلماء في نظرتهم إلى وظيفة الصراع‪ِّ ،‬‬
‫سسة الزواج يعني‬ ‫الصراع حدوث في األنساق االجتماعية‪ .‬و بالتالي الصراع داخل المؤ ّ‬
‫إحداث نتائج ضارة‪ ،‬ألن إحداث الصراع يُؤدّي إلى ظهور العنف‪ ،‬و ينظر فريق من الباحثين‬
‫االجتماعيين إلى األسرة الصغيرة المنعزلة على أنها من أسباب ظهور الصراع في المجتمع‪،‬‬
‫فقد ذكر وينتر‪« :‬من السموم التي خلقها المجتمع الصناعي هي ازدياد اإلحساس بالوحدة‪،‬‬
‫فطريقة حياتنا هي اقتالع األفراد من أصولهم و القذف بهم في عملية كفاح من أجل النجاح»‪.‬‬
‫و الشك أن انتشار األسرة الصغيرة المنعزلة هي التي ساعدت على اقتالع األفراد من‬
‫أصولهم‪ ،‬ففيها تنقطع صلة األفراد بأقاربهم‪ ،‬و أصدقائهم المقربين الذين تربطهم عالقة تفاعل‬
‫يومية‪ .‬و يُؤ ّكد "كوبر" هذا المعنى‪ ،‬فقد ذهب إلى أن األسرة المنعزلة هي المسئولة عن خلق‬
‫صور االغتراب‪ ،‬و عدم المساواة بين األفراد‪ ،‬و قد أرجع ظهور الصراع و العنف في حياتنا‬
‫إلى األسرة الصغيرة المنعزلة‪ ،‬ألن فيها يشعـر األفـراد باإلحباط لعـدم قـدرتهم علـى تحقيق‬
‫المودّة و األلفة و الشعور باألصالة‪ ،‬و الذي يُؤدّي بهم إلى الصراع ثم ظهور العنف‪ .‬و هذا‬

‫)‪ (2‬إقبال محمد بشير ‪ ، 1984 ،‬ديناميكية العالقات األسرية‪ ،‬المكتب الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ، ،‬ص ‪.124‬‬
‫)‪(1‬الخطيب‪ ،‬سلوى عبد الحميد ‪ ( 1993 ).‬الطالق وأسبابه من وجهة نظر الرجل ‪ ،‬السعودي ‪.‬مجلة جامعة الملك سعود‪ 5 ،‬ص ‪.242‬‬

‫‪85‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫بعكس األسرة الممتدة القادرة على التغلّب على األزمات بم تُحقّقه ألفرادها من الحب و األلفة‬
‫)‪(2‬‬
‫و اإلشباع العاطفي‪.‬‬
‫يطرأ على العالقة الثنائية في بعض األوقات‪ ،‬أزمات معينة يمكن أن تؤثر على استمرار‬
‫العالقة‪ ،‬ويحاول الشريكان‪ ،‬في هذه الحال‪ ،‬تنظيم بعض السيرورات الدفاعية كي يتجنبا‬
‫الصدع الذي يهدد عالقتهما‪ ،‬و غالبا ً ما يستخدما األطفال كوسيلة لحل المشاكل التي‬
‫تعترضهما‪ ،‬و يتركز حول الطفل عدد من المؤثرات التي ال تسير بشكل حر بينهما‪ .‬إن‬
‫المحافظة على العالقة يمكن أن تقوم في بعض األحيان على الرفض المشترك لطفل بريء‪،‬‬
‫فبدالً من أن يُع ِّّبر الشريكان عن العدوانية تجاه بعضهما بعضا ً فإنهما يسقطانها على طفلهما‬
‫و يكونا بذلك قد سببا اضطرابات كثيرة للطفل و عراقيل لنموه الطبيعي‪.‬‬
‫سسة األسرية قد يخلق جوا ً متوتّراً‪ ،‬و ينعكس سلبيا ً على العالقة الزوجية‬‫إن الصراع في المؤ ّ‬
‫و كذا األبناء‪ .‬حيث يشعر الطفل الذي تسود في أسرته صراعات زواجية بقدرة أقل في التعامل‬
‫مع المخاوف الطفولة العادية‪ ،‬و يشعر أيضا ً بالعبء النفسي و التي ال يستطيع أو يُسيء‬
‫فهمها‪ .‬و قد يشعر في بعض األحيان أنه مسؤول عن ذلك‪ ،‬و يُؤثّر هذا بدوره على مفهومه‬
‫)‪(1‬‬
‫لذاته (مفهوم سلبي)‪.‬‬
‫‪.4‬االندفاعية التكنولوجية‪:‬‬
‫يرى األنتروبولوجي" ‪ "،J. Henry‬أن مصدر الصراع في حياتنا ال يكمن في بناء األسرة‬
‫الصغيرة المنعزلة‪ ،‬وإنما في المجتمع الكبير الذي وصفه بأنه مجتمع ضد األسرة‬
‫‪ ،Antifamilial‬ففي ظل هذا المجتمع أصبح اإلنسان يُر ّ‬
‫كز على البناء الفيزيقي‪ .‬و قد صنفه ‪J.‬‬
‫‪ Henry‬في قوله‪« :‬هذا اإلنسان عاش فيزيقيا ً و مات عاطفيا» ‪ ،‬و يُضيف أن ما وصلت إليه‬
‫ً (‪)1‬‬

‫المجتمعات المتقدمة من درجة عالية من المنافسة و السعي لتحقيق أقصى فائدة‪ ،‬و اتساع‬
‫نطاق الحراك‪ ،‬و التطلّع إلى األمان‪ ،‬و الصراع من أجل تحقيق مستوى معيشي أفضل‪ ،‬كل‬
‫هذه األبعاد الثقافية يكمن وراءها قوة أسماها االندفاعية التكنولوجية‪ ،‬هذه االندفاعية هي التي‬
‫تُميّز الثقافة المتطورة عن البدائية‪ ،‬إذ أن أهم ما يُميّز الثقافة األولى هو تر ّكزها على خلق‬
‫مزيد من الرغبات‪ .‬ففي ظل هذه الثقافة ليس هناك حدّ للحاجات‪ ،‬فالحاجات متجدّدة و الفرد‬
‫في صراع دا ئم حتى يستطيع إشباعها‪ .‬فهذه االندفاعية جعلت المجتمع يبتعد عن قيم العطف‬
‫و الكرم‪ ،‬و البساطة‪ ،‬و الحب‪ ،‬ففي ظل هذه القيم ينعدم الصراع ‪.‬‬
‫إن ظاهرة الطالق في المجتمعات الحديثة أصبحت إحدى ظواهر التطور السلبية‪ ،‬حيث‬
‫ازدادت النسبة مع التطور الذي عمل على تغيير الروابط االجتماعية‪ ،‬بحيث يس ّهل الطالق‬
‫)‪(2‬‬
‫التخلص من المشكالت التي تواجه العالقة بين الزوجين‪.‬‬
‫‪ .4‬أثر الهجرة والحياة الصناعية‪:‬‬

‫(‪(2) )1‬‬
‫‪BAWIN – LEGROS (BERNADETTE)- 1988- Famille, mariage, divorce (une sociologie comportements‬‬
‫‪Familiaux contemporains, pierre Mardaga, editeur –liege- Bruxelles (p :144‬‬

‫)‪(1‬آليسا دلتوفو ‪ ، 1999 ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪63‬‬


‫)‪ (2‬محمد احمد بيومي ‪،‬عفاف عبد العليم ناصر ‪ ،2003،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪169‬‬

‫‪86‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫تُنسب حاالت الطالق الكثيرة إلى ظروف الهجرة من الريف إلى المدينة‪ ،‬وانتشار الحياة‬
‫الصناعية واالنتقال من حياة الريف البسيطة إلى الحياة الصناعية‪ .‬وإنه من المتوقع قيام أسر‬
‫أكثر صحة وسعادة‪ ،‬أن السلطة في الماضي كانت كلها في يد األب‪ ،‬وكانت روابط األسرة‬
‫تتمثل في الشعور بالواجب والتقاليد واالمتثال والطاعة للقانون وللدين والعادات واألعراف‪،‬‬
‫والبدّ في هذا المقام من إشارة إلى بؤر التفكك االجتماعي في المجتمع‪ ،‬من مثل أحزمة البؤس‬
‫حول المدن الكبرى‪ ،‬تكدس الهجرة الريفية في مساكن من الصفيح‪ ،‬واختالطها بعمالة وافدة‬
‫ذات مستوى اجتماعي ثقافي متدهور‪ .‬نحن هنا بصدد ما يسمى بظاهرة "الالمعيارية‬
‫االجتماعية"‪ .‬حيث الضوابط والمرجعيات غير موجودة‪ ،‬وأزمات البطالة متفاقمة‪ ،‬والفقر‬
‫والعوز متفشيان‪ ،‬ويؤدي ذلك كله إلى العيش دون خط الفقر‪ ،‬الذي يؤدي بدوره إلى "ما دون‬
‫خط البشر "حيث تنهار القيمة اإلنسانية وتنهار معها " االحترام "‪.‬وعندها تهون مختلف‬
‫الممارسات المحطة بمكانة اإلنسان‪ :‬المخدرات‪ ،‬الممارسات الالأخالقية‪ ،‬النشاطات الممنوعة‬
‫‪.‬وكلها تفتح الباب على مصراعيه لمختلف حاالت التصدع األسري الصريح‪ :‬طالق‪ ،‬تفكك‪،‬‬
‫هجر‪ ،‬شيوع جنسي‪ ،‬صراعات زوجية وعنف‪ ،‬وإهمال ونبذ األوالد‪ .‬وقد تكون أكبر حاالت‬
‫األذى التي تصيب "األمن الزوجي‪ -‬األسري" (إذا جاز التعبير)‪ ،‬هو هذه البؤر االجتماعية‬
‫)‪(1‬‬
‫التي أصبحت تهدد األمن المجتمعي ‪.‬‬
‫‪ . 5‬العدوانية في عالقة بين الزوجين‪:‬‬
‫‪ 1 . 5‬مرارة الزواج القائم على التعاسة ‪:‬‬
‫لقد ُوجد أن المشاعر اآلتية هي التي تسود في حالة ما يكون األطفال هم العامل الوحيد في‬
‫بقاء الرابطة الزوجية الشعور(الهم أو الحزن ‪ ،‬االحساس بالضياع ‪ ،‬الشعور باالنحطاط أو‬
‫االنجرار إلى أسفل‪ ،‬و العيش بالخصام أو النزاع) وغير ذلك من مشاعر المرارة كالشعور‬
‫بالضيق والتوتر والسخط‪ .‬في مثل هذه الحاالت التي تعانى رغم قيام الرابطة الزوجية‪ ،‬يحرم‬
‫الزوجان بعضهما من التعضيد العاطفي والمساندة االنفعالية أو المشاركة الوجدانية وقسمة‬
‫الحياة بحلوها ومرها والمشاركة اإليجابية في خبرات الحياة السوية والسعيدة‪ ،‬تلك المشاعر‬
‫التي تعبر عن قيم إنسانية هامة لقيام الزواج وبقائه سعيداً‪ ،‬وبدالً من ذلك يشعر الواحد منهم‬
‫بأنه قد أفسد حياته وضيعها‪ ،‬وإنه قد قيد نفسه في قيد لم تكن هناك ضرورة له‪ ،‬أو إنه استدرج‬
‫لمثل هذه الرابطة غير السعيدة‪ .‬ومن النتائج الغريبة التي وجدت في المجتمع األميركي أن‬
‫نحو نصف شركاء الزواج يقررون أن الواحد منهم ما كان ليلتقط نفس شريك حياته إذا أتيحت‬
‫له فرصة االختيار من جديد‪ .‬وفي ذلك تعبير عن الشعور بالندم‪ .‬ولعل هذا يؤكد أهمية‬
‫ضرورة حسن االختيار بقدر المستطاع قبل وقوع الزواج‪.‬‬
‫‪: Forced marriage‬‬ ‫‪ 2 .5‬الزواج القهري‬
‫قد تضع الظروف الفرد في موقف يجبره على الزواج‪ ،‬كأن تكون هناك عالقة بين الطرفين‬
‫وتتطور إلى حدوث حالة حمل‪ .‬وفي دراسة أرسل فيها استبيان بالبريد إلى مديري المدارس‬
‫الثانوية في واحدة من الواليات األميركية تبين أن في مجتمع مكون من ‪ 40000-1000‬تبين‬
‫)‪(1‬‬
‫‪Cicchelli (catherine), cicchelli (pugeault-vinzo) -1998- : les théories sociologiques de la famille editions la‬‬
‫‪découverte p 105‬‬

‫‪87‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫أن هناك ‪ ٪ 73‬من بنات المدارس الثانوية كن حوامل ومتزوجات‪ .‬وبالطبع مثل هذا الزواج‬
‫له مساوئ زيجات المراهقات يضاف إليها بعض الصعوبات لهذا الزواج‪ ،‬ولهذا الشعور‬
‫انعكاساته ونتائجه السالبة‪ .‬وقد ال يوجد تجانس أو مالئمة أو توائم بينهما أو موافقة أو مناسبة‬
‫أو ائتالف أو توافق أو تطابع بينهما يجمعهما معا‪ ،‬وقد يوافق اآلباء على الزواج كنوع من‬
‫اإلجراء الضروري أو الحتمي‪ ،‬وقد تكون اتجاهاتهم الحقيقية معارضة أو يعُمها التردد أو‬
‫الشعور بخيبة األمل‪ .‬ومثل هذه االتجاهات سوف تؤثر في حياة الزوجين‪ ،‬إضافة إلى ذلك‬
‫‪،‬فإن رعاية الطفل المطلوبة في العام األول من مثل هذا الزواج سوف تضيف إلى الصعوبات‬
‫العادية وال شك أن الزوجين يتحمالن أعباء رعاية الطفل الرضيع وهما ما يزاالن في سن‬
‫(‪)1‬‬
‫مبكرة‪.‬‬
‫‪ 3 . 5‬الضرة الجديدة ‪ ( :‬الكمبيوتر – الضرة اإللكترونية )‬
‫بات موضوع ( الضرة الجديدة ) يؤرق عددا ً كبيرا ً من الزوجات ‪ ،‬فالزوج يقضي ساعات‬
‫طويلة أمام الحاسوب ( الكمبيوتر – الضرة اإللكترونية ) ‪،‬ليس للعمل فحسب وإنما للعب‬
‫والدردشة وغيرها‪ .‬و إن احتجاج الزوجات لم ينبع من عدم رغبتهن باستمتاع أزواجهن‬
‫باللعب بالكمبيوتر‪ ،‬وإنما يشكون انعزال هؤالء األزواج عن أسرهن‪ ،‬وانغماسهن باللعب‬
‫وتحديقهم لساعات في الشاشة الصغيرة‪.‬‬
‫و يبرر بعض األزواج جلوسهم أمام الحاسوب لفترات طويلة بالهروب من الملل وضغوطات‬
‫الحياة والحاجة إلى الصمت وراحة البال‪ ،‬فالحاسوب يتيح لهم الفرصة لقضاء الوقت بسالم‬
‫بعيدا ً عن المشاكل اليومية‪.‬‬
‫يختلف الرجال عن النساء في طريقة التعامل مع الضغط النفسي‪ ،‬حيث يميل الرجل في‬
‫األوقات الصعبة إلى العزلة للتفكير بتركيز‪ ،‬ليستطيع استرجاع سيطرته على حياته ما يرفع‬
‫من نظرته لذاته ولرجولته‪ ،‬ويساعده على التفكير في المشاكل وإيجاد الحلول بنفسه‪ ،‬ألنه‬
‫بطبيعته ال يحب طلب المساعدة إال إذا استعصى عليه حلها‪ .‬أما النساء فتغمرهن مشاعر‬
‫القلق واألرق والضيق عند تعرضهن للضغط النفسي‪ ،‬فتحتاج المرأة للتحدث للترويح عن‬
‫نفسها‪ ،‬ما يساعدها على التفكير وحل المشاكل‪ ،‬ومن هنا نجد أنه من السهل أن يسيء الجنسان‬
‫فهم أحدهما لآلخر‪ ،‬فتعتقد المرأة بأن زوجها لم يعد يهتم بها‪ ،‬ويشعر الرجل بالفشل في إرضاء‬
‫زوجته مهما فعل‪ .‬و يطغى هذا االعتقاد بصفة مؤقتة‪ ،‬ويفرطون في ممارستها إلى حد يحتل‬
‫الوقت الخاص بالزوجين‪ ،‬وهنا تشعر الزوجة ببعد زوجها عنها‪ ،‬بينما يغفل هو عما يسببه‬
‫غيابه عن أسرته طيلة فترة إدمانه على الحاسوب أو االنترنت أو التلفاز‪.‬‬
‫إن إعطاء الزوج المساحة لقضاء الوقت مع نفسه أمر ال تمانعه الزوجة العاقلة‪ ،‬ولكن اإلفراط‬
‫في الغياب عن التواجد الفعال هو خطأ تقع مسؤوليته على الزوج‪ ،‬ألن األسرة تحتاجه‪ ،‬ويجب‬
‫على الرجل والمرأة أن يتدبرا أسلوب تعاملهما مع الضغوطات بطريقة بناءة تفرغ المشاعر‬
‫)‪(2‬‬
‫السلبية وبنفس الوقت ال تؤثر على صميم العالقات الزوجية‪.‬‬

‫(‪ )1‬محمود ‪ ،‬حسن ‪ 1998 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪61‬‬


‫)‪ (2‬حسين ‪،‬طه عبد العظيم‪ ،2004،‬اإلرشاد النفسي ‪،‬دار الفكر ‪،‬ط‪ 1‬عمان ‪ ،‬األردن ص ‪84‬‬

‫‪88‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ 4 . 5‬األخطاء الشخصية هي القوى المؤثرة في حياة الزواج ‪:‬‬


‫كانت أخطر األحزان والهموم األسرية كانت ترجع إلى أخطاء شخصية من أحد األطراف‬
‫تجاه قرينه ‪ ،‬ولم تكن هذه المنغصات آتية من الخارج أو من الظروف الخارجية عن دائرة‬
‫الزوجين‪ .‬معظم األخطاء كانت متصلة بعدم الثبات االنفعالي والنزعات العصابية أو االنطواء‬
‫الحاد أو الظاهر جدا‪ .‬وتؤيد هذه النتائج النظرية القائلة بأن أخطر ما يواجهه الزواج هو‬
‫المزاج العام غير السعيد لكال الزوجين أو ألحدهما ‪.‬‬
‫‪1,6‬المنغصات المشتركة لدى الزوج والزوجة ‪:‬‬
‫هناك عوامل مشتركة في منغصات الزوج والزوجة معا‪ ،‬ولقد ُوجد أن هناك ست مفردات‬
‫تنغص كل من الزوج والزوجة وهي ‪:‬‬
‫‪ -4‬كثرة الشكوى‬ ‫‪-2‬األنانية وعدم اعتبار الغير‪-3 .‬توجيه النقد‪.‬‬ ‫‪-1‬عدم التعاطف‪.‬‬
‫‪ -6‬عدم الصدق‪ ،‬وواضح أن‬ ‫‪ - 5‬ضيق األفق أو العقل‪.‬‬ ‫الزائدة عن الحد‪.‬‬
‫معظم هذه المنغصات‪ ،‬عوامل نفسية وهي األحزان الرئيسية في الحياة الزوجية فكلها عادات‬
‫سلوكية‪ ،‬أما المنغصات األقل خطورة فتسبب عدم السعادة الزوجية‪ .‬وفيها يشترك و يتفق‬
‫(‪)1‬‬
‫الطرفان‪.‬‬
‫‪ 2 . 6‬تعدد الزوجات‪:‬‬
‫لقد كان تشريع التعدّد في اإلسالم لمصلحة الرجل و المرأة معاً‪ .‬فالرجل الذي لم يستطع أن‬
‫يُنجب من امرأته‪ ،‬يجد له مخرجا ً في الزواج من غيرها‪ ،‬و من كانت زوجته مريضة مرضا ً‬
‫ال تستطيع أن تقوم بسببه بوظائف الزوجية‪ ،‬سوف يستطيع أن يجد أخرى تُعطي له هذا الحق‬
‫ُطلّق األولى‪ ،‬و هكذا‪ .‬كذلك وجد هذا التشريع لحماية المرأة‪ ،‬فمعروف أن هناك‬ ‫من دون أن ي ِّ‬
‫زيادة طفيفة في عدد النساء في العالم عن الرجال‪ ،‬و تكون هذه الزيادة أكبر في أيام الحروب‬
‫و الكوارث‪ ،‬و من هنا كانت رحمة هللا بالمرأة أن جعل لها زوجا ً تستأنس به‪ ،‬إذا فقدت من‬
‫(‪)2‬‬
‫سسة التعدّد‪.‬‬
‫كان عائلها و ُمؤنسها في مؤ ّ‬
‫أنه على الرغم من الشريعة اإلسالمية تبيح تعدد الزوجات بالنسبة للرجل المسلم‪ ،‬إال أن‬
‫المضمون الثقافي واالجتماعي في المجتمع العربي يؤكد ويشجع على الشكل األحادي للزواج‬
‫من أجل إنجاز أفضل وأكثر تكامالً الحتياجات الفرد‪.‬‬
‫وتعتبر نسبة من يتزوجون أكثر من واحدة قليلة جدّا ً نتيجة للضغوط الثقافية واالجتماعية‬
‫واالقتصادية التي تستنكر تعدد الزواج وتحبذ الوحدانية في الزواج‪ ،‬وكشفت اإلحصائيات‬
‫التي أجريت حتى اآلن في المجتمعات المسلمة عن تناقص مستمر في حاالت تعدد الزوجات‪،‬‬
‫إلى الدرجة التي يمكن أن يقال إن تعدد الزوجات لم يعد مشكلة بالنسبة للحياة األسرية أو لم‬
‫يعد يشكل ظاهرة جديرة بالبحث‪ ،‬وليس هناك شك في أن التغيرات االجتماعية والثقافية‬
‫واالقتصادية قد أسهمت بشكل حاسم في االختفاء التدريجي لحاالت التعدد هذه‪ ،‬ال يعزز من‬

‫‪)1(TORDJMAN‬‬ ‫‪G., «La maladie conjugale», Paris, Denoël, 1973, P. 57‬‬


‫(‪)2‬‬
‫األخرس محمد صفوح ‪، 1977 ،‬تركيب العائلة العربية ووظائفها ‪،‬طباعة وزاره الثقافة ‪ ،‬دمشق ‪،‬ص ‪129‬‬

‫‪89‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫هذا االتجاه التوسع المستمر في تعليم المرأة واستقاللها من الناحية المادية نتيجة اللتحاقها‬
‫(‪)1‬‬
‫بالعمل في مختلف الميادين األعمال على المستوى العام والخاص‪.‬‬

‫الطالق و االضطرابات النفسية االسرية‬ ‫المحاضرة الثالثة عشرة‬


‫تمهيد‬
‫تعتبر مشكلة الطالق انفصاما قسريا للرابطة الزوجية ‪ ،‬وتعد من الكوارث واآلفات التي‬
‫تطال المجتمعات المتحضرة‪ ،‬حيث أن الطالق يسبب مشاكل نفسية لدى أفراد األسرة و يؤثر‬
‫في مستقبلهم و حياتهم المهنية واالجتماعية ‪،‬ويؤدي فك الرابطة الزوجية إلى انحالل الرباط‬
‫الزوجي عمليا ً وماديا ً ‪ ،‬وشرعياً‪ ،‬مع حاالت متنوعة من إدارة الظهر لمسؤولية رعاية‬
‫األوالد‪ ،‬فهناك حاالت طالق مع توافق الزوجين المطلقين على سياسة لرعاية األبناء‪،‬‬
‫وأخرى يصاحبها مختلف ألوان اإلهمال والتسيب والنبذ وحرمان الزوجة وأبنائها من حقوقهم‪.‬‬
‫و ينجر عن الطالق انطفاء الرباط العاطفي‪ -‬الجنسي‪ ،‬ويسحب كل التوظيف العاطفي مولدا ً‬
‫حالة من الحياد والتباعد تجاه اآلخر‪ .‬وفي حاالت أخرى‪ ،‬يحدث التباعد بعد فترة من‬
‫المجابهات والمنازعات تطول أو تقصر يحدث فيها توظيف مضاد للعدوانية تجاه اآلخر‬
‫والحرب عليه‪ ،‬ومحاولة إنزال أكبر األذى به‪ .‬أما طاقة الحب التي تم سحبها‪ ،‬فيعاد توظيفها‬
‫في عالقة بديلة‪ ،‬أو هي ت ُركز حول الذات على شكل استعادة لالعتبار المفقود‪ ،‬وإزالة للغبن‬
‫الذي وقع عليها‪ .‬وهنا تبدو العدوانية مبررة كدفاع عن الذات‪ ،‬وإنقاذا ً لها من عالقة حملت‬
‫ويعتبر الطالق الحلقة األخيرة في سلسلة المشكالت األسرية‬ ‫المعاناة واإلحباط واألذى‪.‬‬
‫و التفكك األسري‪ ،‬وبالرغم من ضرورته أحيانا ً عندما يصبح الوسيلة التي ال مفر منها‬
‫للهروب من توترات الزواج ومتاعبه ومسئولياته‪ ،‬إال أن هذه الضرورة ال تمنع الضرر إذ‬
‫يبقى سببا ً لكثير من المشكالت لجميع أفراد األسرة‪ ،‬وقد يحتاج األفراد إلى زمن طويل للتكيف‬
‫والعودة للحياة الطبيعية‬
‫‪ . 1‬الطالق شرعا‪:‬‬
‫الطالق مباح بالكتاب والسنة واإلجماع‪ ،‬حيث يقول عز وجل‪ { :‬يا أيها النبي إذا طلقتم النساء‬
‫فطلقوهن لعدتهم وأحصوا العدة} (سورة الطالق ‪ ،‬آية‪)1 :‬‬
‫ومن الناحية الشرعية يتفق الفقهاء في تعريف الطالق على القواعد العامة‪ ،‬وإن اختلفوا في‬
‫بعض الجزئيات‪ ،‬فعلى سبيل المثال يعرف األحناف الطالق على أنه "رفع قيد النكاح في‬
‫الحال أو المآل بلفظ مخصوص" ‪ .‬و يعرفه الحنابلة على أنه " حل قيد النكاح أو بعضه"‪.‬‬
‫ويعرفه علماء الشافعية على أنه " حل النكاح بلفظ الطالق ونحوه" ‪.‬أما علماء المالكية يعرفونه‬
‫بأنه "رفع القيد الثابت شرعا بالنكاح"‪.‬‬

‫(‪ )1‬محمد صديق ‪،‬محمد حسن (‪ :)2002‬العنوسة اآلثار والحلول الممكنة‪ ،‬مجلة التربية‪ ،‬العدد ‪ ،43‬اللجنة الوطنية‪ ،‬الدوحة‪ ،‬قطر‪ .‬ص ‪196‬‬

‫‪90‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫تناولت المذاهب األربعة تعريف الطالق شرعا‪ :‬هو رفع قيد النكاح من أهله في محله‬
‫وقيل‪ :‬الطالق عبارة عن حكم شرعي يرفع القيد للنكاح بألفاظ مخصوصة رفع قيد النكاح في‬
‫(‪)2‬‬
‫الحال أو المآل بلفظ مخصوص‬
‫‪ . 2‬مفهوم فك الرابطة الزوجية‪:‬‬
‫فيُعرف الطالق على أنه‪ :‬ترتيب نظامي إلنهاء عالقة الزواج والسماح لكل طرف بحق‬
‫الزواج مرة أخرى‪ .‬كما يشير هذا المصطلح إلى إنهاء رابطة الزواج أو إصدار إعالن ببطالن‬
‫هذه الرابطة‪ .‬وبنهاية هذه الرابطة القانونية تنتهي معها الرابطة الوجدانية و االجتماعية و‬
‫المادية وخالف ذلك‪ ،‬ويُعرف الطالق بأنه عملية فسخ عقد الزواج الذي وقعه كل من الرجل‬
‫والمرأة قبل دخولهما في العالقات الزوجية والطالق كما يعرفه علم االجتماع‪ ،‬ويشير إلى‬
‫انتهاء رابطة الزواج‪ ،‬وإصدار إعالن قانوني ببطالن هذه الرابطة‪ .‬والطالق ترتيب نظامي‬
‫إلنهاء عالقة الزواج والسماح لكل طرف بحق الزواج مرة أخرى‪ ،‬ويعتبر الطالق حال منبوذا‬
‫وغير مرغوب فيه‪ ،‬فهو يؤدي إلى تمزق داخل المجال العالئقي‪ ،‬الذي يتخذه اإلسالم كأرضية‬
‫يؤسس من خاللها خطابه عن المرأة والرجل‪ ،‬وعن شروط اقترانهما حسب الشريعة‬
‫(‪)3‬‬
‫والقانون‪.‬‬
‫‪ . 3‬الطالق كموقف حتمي‪:‬‬
‫ويشير " ‪ " London1968‬إلى الطالق باعتباره أحد مظاهر اضطراب الخلق ويدرج‬
‫معه الجريمة واالدمان وغير ذلك من االنحرافات االجتماعية‪ ،‬ولكن الطالق ليس مرضا ً أو‬
‫عيبا ً أو نقصا في االخالق‪ ،‬بحيث يتساوى مع اإلدمان أو الجريمة‪ ،‬ولكنه مجرد حدث قهري‬
‫أو اضطراري يضطر إليه أحد الزوجين أو كالهما كحل أخير لمشاكل الزواج التي يتضح‬
‫أنها أصبحت غير محتملة أو بقاء الروابط الزوجية على ما هي عليه قد يضر بصحة األسرة‬
‫أكثر من االنفصال‪ ،‬فالطالق كحل حتمي لبعض التوترات المحتدمة يعتبر موقفا إيجابيا ً أو‬
‫حالً حتميا ً وليس شذوذاً‪ .‬فالطالق إذن يكون أحد صمامات األمن للتوترات الحتمية التي تقع‬
‫في الحياة الزوجية‪ .‬وليس لدينا حاليا أي مقياس أو دليل نصل منه إلى أسباب تفضيل معظم‬
‫المجتمعات للطالق بدالً من أشكال االنفصال األخرى‪ .‬فالطالق هو الحل األكثر انتشارا ً‬
‫(‪)1‬‬
‫لمشاكل الحياة الزوجية‪.‬‬
‫‪ . 4‬الطالق موقف ضاغط ‪:‬‬
‫الطالق واحد من المواقف الضاغطة" ‪ " Stressful situations‬في الحياة الحديثة‬
‫المشحونة باالنفعاالت والعواطف والمشاعر واألحاسيس التي تنتج من انقطاع أواصر‬
‫الرابطة الزوجية‪ .‬والطالق يمثل حالة من حاالت التعاسة الزواجية " ‪Marital‬‬
‫‪ "unhappiness‬وترتبط بالهبوط االقتصادي أو تعرض المجتمع للضائقة المالية‬
‫‪ .Economic depression‬فالفقر يقود إلى القلق والقلق يقود إلى الطالق ‪ ،‬وإذا تسبب‬

‫(‪ )2‬جوهري‪ ،‬إسماعيل بن حماد ( ‪1399‬ه)‪ .‬الصحاح‪ ،‬تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬ط‪ .2 .‬تحقيق أحمد عبد الغفور عطار‪ :‬دار العلم للماليين ‪.،‬‬
‫بيروت ص ‪13‬‬
‫(‪ )3‬محمد على محمد وآخرون ‪1985( :‬م) المرجع في مصطلحات العلوم االجتماعية ‪ :‬القاهرة دار المعرفة الجامعية ص ‪140-139‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫‪Colin M :le temps de divorce ,in dialogue, No, 86 ,1984 p 12‬‬
‫‪91‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫الطالق في فقدان شعور اإلنسان باألمن واألمان‪ ،‬فإنه قد يتأثر به أو ينمو شعوره بعدم الكفاءة‬
‫أو عدم المواءمة وقد تهز تجربة الطالق ثقة اإلنسان في نفسه‪.‬‬
‫ويشكل الطالق أدلة قاطعة بأن أحد أطراف العالقة الزوجية أو كليهما قد فشل في التكيف‬
‫(‪)2‬‬
‫للطرف اآلخر‪ ،‬وفشل في التكيف مع المؤسسة الزواجية أو العالقة الزوجية ‪.‬‬

‫‪ .5‬قياس شدة العوامل المرهقة‪:‬‬


‫بما أن الناس يملكون إدراكات مختلفة لألحداث التي تعتبر بالنسبة إليهم مرهقة‪ ،‬و يتعاملون‬
‫بطرق مختلفة مع اإلرهاق و عوامله‪ ،‬فإنه من الصعب قياس مستوى اإلرهاق الذي تُسبّبه‬
‫األحداث الحياتية بشكل دقيق‪ ،‬أو أنه من الصعب القول ما هي التأثيرات التي تسقط على الفرد؟‬
‫و مع ذلك فقد تم تطوير مجموعة من المقاييس من أجل إيجاد ما هي األحداث األكبر إرهاقا ً‬
‫بـالنسبـة إلـى غالبيـة الناس‪ .‬و أحـد هـذه المقايـيس هو مقياس (إعـادة الـتـالؤم اإلجـتماعـي‪Social :‬‬
‫‪ )Readjustement Rating‬الـذي أعـده كـل من " ‪" Ritchard et Tomae Holmez 1987‬من جامعة‬
‫واشنطن‪ .‬فقد استطاع الباحثان اللذان يعمالن مع آالف المرضى من بيانات مختلفة‪ ،‬تصنيف‬
‫‪ 43‬حدثا ً من األحداث الحياتية الخاصة وفقا ً لدرجة اإلرهاق المدركة من قبلهم بشكل عام‪ .‬و‬
‫طلب منهم تقدير شدة كل حدث بالنسبة إليهم من خالل إعطاء درجة له‪ .‬و قد اعتبر موت الشريك‬
‫من أكثر األحداث الحياتية إرهاقا ً من جميع المفحـــــــــــــــــوصين تقريباً‪ ،‬و قد أعطى هذا‬
‫الحدث الدرجة ‪ ،100‬و قد احتل الطالق كحدث مرهق الدرجة ‪ 73‬إلى المرتبة الثانية بعد موت‬
‫الشريك‪.‬‬
‫و المالحظ من خالل المقياس أن الطالق يحتل المرتبة الثانية كحدث مرهق يُدركه األفراد‪،‬‬
‫ما ينجر عنه صعوبة في التكيّف الذي ينعكس بدوره على قدراتهم‪ ،‬مثل األداء المهني و‬
‫اإلجتماعي‪ ،‬أو تظهر أعراض تتجاوز ردود أفعاهم العادية‪ ،‬أو التي يتوقع منهم القيام بها على‬
‫حدث معين‪ .‬و على الرغم من أنه من الطبيعي‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬أن يشعر األفراد الذين يمرون‬
‫بأزمـة طالق بالغضب‪ ،‬و الحزن‪ ،‬و عدم األمن فيما يتعلق بالحاضر و المستقبل‪.‬‬
‫‪ 2 . 5 .‬تأثير الصدمات على االضطرابات النفسية‪:‬‬
‫لقد وجد أن هناك بعض الصدمات" ‪" Traumas‬التي تسبق اإلصابة باألمراض الجسمية‪ ،‬ففي‬
‫دراسة على العمال األميركيين من النساء والرجال سنة ‪ 1957‬م تبين أن هناك نسبة عالية من‬
‫أولئك الذين يعانون من األمراض الفيزيقية الخطيرة قد مروا بخبرات صدمية اجتماعية متعددة‬
‫منها الطالق واالنفصال" ‪ "Separation‬ونشوب الصراع مع الطرف اآلخر أو مع اآلباء أو مع‬
‫األبناء أو الحياة غير السعيدة أو ظروف عمل غير سعيدة ‪.‬وتحدث نفس النتائج إذا حرم الفرد‬

‫‪،‬‬
‫بولبي‪ ،‬جون‪ 1992 ،‬سيكولوجية االنفصال ‪،‬ترجمة عبد الهادي عبد الرحمان ‪،‬دار الطليعة بيروت ص ‪39‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪92‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫المريض من اإلشباع العاطفي في العالقات الشخصية المتبادلة‪ ،‬أي العالقات الزوجية ولقد تبين‬
‫أن اإلصابة بالقرحة المعدية ترتبط بعزل الفرد عن مجتمعه الذي كان يوفر له الحماية‪ .‬وبالمثل‬
‫وجد أن فقدان شخص عزيز لدى المريض يرتبط باإلصابة بالسرطان والسل الرئوي‪ .‬وخاصة‬
‫ما يلقاه الفرد من صعوبات في العامين اللذين يسبقان اإلصابة بالسل الرئوي‪ ،‬هذه الفترة تبين‬
‫أنها تضمنت كثيرا ً من حاالت انهيار أو تحطيم الزواج" ‪ "broken marriage‬أو حدوث تغيير‬
‫)‪(2‬‬
‫جذري في الوظيفة أو في محل اإلقامة لدى المريض‪.‬‬
‫‪ . 6‬االضطرابات النفسية و المواقف الحياتية‪:‬‬
‫منذ أن ُوجد اإلنسان عرف األزمات و الكوارث سواء كانت طبيعية أو نفسية إجتماعية‪ .‬و‬
‫قد يتعلق ظهور االضطرابات النفسية و الجسدية بمرور اإلنسان بأزمة شديدة‪ ،‬ما يـمدّنا‬
‫باستنتاج أنه يوجد عالقة بين األزمات الحياتية و أشكال مـتعـدّدة مـن األمــراض و‬
‫االضطرابات ال نفسية‪ ،‬بل كثير ما يعزو األضرار التي تالحظ على الصحة النفسية ألزمات‬
‫معينة‪ .‬و تعود جذور البحث حول األحداث الحرجة إلى الباحث (‪ )George Braun‬في بداية‬
‫الستينات من القرن العشرين‪ ،‬حيث طور دليالً للمقابلة ثم ساعده في إنجازها مجموعة من‬
‫المحكمين شملت طائفة من األحداث الحياتية الحرجة‪ .‬و كان يطلب من المحكمين تقدير مدى‬
‫شدة و أثر الحدث الحياتي‪.‬‬
‫‪ 1. 6‬االضطرابات النفسية و األزمات الحياتية‪:‬‬
‫يمر اإلنسان عبر نموه بمراحل حياته حيث تتطلب كل مرحلة مجموعة من الحاجات و‬
‫التعديالت‪ ،‬و قد تتطلب بعض المراحل من اإلنسان بتغيير مجرى حياته و إعادة النظر في‬
‫أسلوب حياته من جديد‪ ،‬و بعضها اآلخر ال يتطلب تعديالت كثيرة في مجرى و أسلوب حياة‬
‫الفرد‪ .‬و يُمكن أن تتغير ألن كل حدث من األحداث الحياتية التي يتوجب على الفرد إجراء‬
‫تغيير لمجرى حياته‪ ،‬حدثا ً مهماً‪ .‬فما هي الخصائص و السمات التي تترافق مع الحدث الحرج‬
‫و تجعل له تأثيرا ً سلبيا ً على الصحة النفسية؟‪ .‬و يُمكن توضيح ذلك كما يلي في النقاط التالية‪:‬‬
‫• فقدان المعتاد (الروتين)‪:‬‬
‫فالنوبة القلبية أو اإلنفصال بسبب الطالق أو الموت أو تبديل السكن أو األزمة الماديـة يـعنـي‬
‫الخروج من سياق ما‪ .‬فـالظروف الخارجيـة تـتغير بسرعـة و تتطلب إستجابة و تكيفا ً سريعاً‪،‬‬
‫ال يكون اإلنسان ُمهيئا ً له في كثير من األحيان‪.‬‬
‫• فقدان الهوية‪:‬‬
‫يندرج عن األحداث الحرجة الشعور باالنقباض‪ ،‬إذ يُؤدّي بالشخص بطرح أسئلة لنفسه في‬
‫وقت األزمة الحرجة و المتمثل في‪« :‬أأنا الذي يحدث معه ذلك؟‪ .‬ما الذي يحدث لي؟‪ .‬ما الذي‬
‫فعلته حتى يحدث لي هذا؟‪ .‬لماذا أنا بالتحديد؟» إذ يشعر الفرد هنا و كأن الحدث الذي أصابه‬
‫يحدث لفرد آخر و ليس هو بالضبط‪.‬‬
‫• فقدان التوجه‪:‬‬

‫)‪ (2‬عكاشة‪ ،‬أحمد ‪ . 1992،‬الطب النفسي المعاصر‪ .‬مكتبة األنجلو المصرية‪ .‬القاهرة ‪،‬ص ‪94‬‬

‫‪93‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫عندما ينتهي شيء ما بشكل غير متوقع و يترافق مع أزمة‪ ،‬فإن الجديد من المواقف ‪ -‬على‬
‫الغالب ‪ -‬غـير معروف بعد‪ ،‬و غالبا ً ما يقود هذا الشعور بالفشل و الضياع و الفراغ الداخلي‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫‪.7‬اثار الطالق على اضطرابات النفسية على المطلق والمطلقة‬


‫‪ 1.7‬االنفصال األبوي‪ :‬قد يكون الطالق نهاية لبعض مشكالت الزوجين ولكنه بال شك‬
‫سيتسبب في مشكالت أخرى تؤثر تأثيرا مباشرا على أطفالهما‪ ،‬في حالة وجودهم‪ ،‬وقد يتفق‬
‫المطلقان بطريقة ودية متميزة بالتسامح والتفاهم وكيفية رعاية األطفال من حيث توفير المكان‬
‫المناسب الذي يأويهم‪ ،‬وتحديد الشخص المناسب الذي يشرف على رعايتهم‪ ،‬وعلى مصدر‬
‫اإلنفاق ومقداره الالزم لتغطية مصروفاتهم ونفقاتهم وطريقة لقاء أبويهم‪ ،‬وغيرها من األمور‬
‫التي عادة تنظم عالقة المطلقين يبعضهما وبأطفالهما بعد حدوث الطالق مباشرة وخالل‬
‫الفترات التالية لها‪ ،‬ألنها تعتبر مرحلة انفصالية بالنسبة ألحد األبوين عن أطفاله لوجودهم‬
‫عند الطرف األخر أو انفصالهما هما االثنان عن أطفالهما لوجودهم مع أحد األقارب أو في‬
‫(‪)1‬‬
‫أماكن خاصة تتولى رعايتهم أو اإلشراف عليهم‪.‬‬
‫‪ 2.7‬االنفصال النفسي االنفعالي ‪ :‬يعتقد بعض المطلقين أن المشكالت تنتهي بالطالق أو حتى‬
‫بالقدرة على االتفاق على حل مشكالت األبناء‪ ،‬إال أن هناك مشكالت تظهر من نوع جديد‬
‫تمس الجانب الشخصي للمطلقين والمطلقات ألنها تتعلق بحالة النفسية المضطربة لهما‪ ،‬والتي‬
‫تؤثر بالضرورة على انفعاالتهما التي تضطرب بصورة ملحوظة وواضحة للجميع‪ ،‬وتتصف‬
‫مرحلة االنفصال االنفعالي النفسي التي يمر بها الشخص في هذه المرحلة بانعزاله عن الناس‬
‫وتفضيله االختالء بنفسه لمراجعة حساباته‪ ،‬واستعادة ذكرياته بحلوها ومرها مع الطرف‬
‫األخر وتقويم سلوكاته معه‪ ،‬وتحديد ايجابياته وسلبياته‪ ،‬مقارنة واقعه بعد الطالق بحاله أثناء‬
‫الزواج‪ ،‬ورسم خططه المستقبلية‪ ،‬والتعرف على امكانياته وقدراته ومدى إمكانيته البدء من‬
‫جديد في خطوة أخرى نحو زواج ثان‪ ،‬ومن ثم ينتاب الشخص المطلق عقب طالقه مباشرة‬
‫حالة من القلق الدائم و االكتئاب المستمر مما يجعله يشرد بذهنه عما حوله‪ .‬وقد يتعثر المطلق‬
‫بعد طالقه مباشرة‪ .‬فال يستطيع عبور مرحلة االنفصال االنفعالي النفسي مما يدفعه لمقاومتها‬
‫والتغلب عليها بكافة الوسائل السوية وغير السوية فقد يغرق نفسه في أعمال إضافية جادة‬
‫ترهق أعصابه وتوترها‪ ،‬وفي أعمال ترفيهية تبعده عن الواقع الذي يعيشه‪ ،‬فيصبح هامش‬
‫الحياة ال نفع منه وال قيمة له‪ ،‬ويشير "عمر" إلى تأكيد الدراسات السيكولوجية لآلثار السلبية‬
‫للطالق حيث تفيد أن نسبة كبيرة من المطلقين والمطلقات يعانون من تنوع متباين من‬
‫االضطرابات االنفعالية الحادة واألمراض النفسية الشديدة منها‪ :‬الشعور بالقلق و االكتئاب‬
‫والصراع وعقدة الذنب وتأنيب الضمير ولوم الذات واالضطرابات السيكوجنسية‪،‬‬
‫ويتعرضون لإلحباط ويختبرون مظاهر الحرمان والظلم والقهر والتوتر‪ ،‬وتتسلط عليهم أفكار‬
‫العداوة والتشاؤم واالنهزامية وجميعها مشاعر وأفكار سيئة ترتبط بقائمة طويلة من األمراض‬
‫(‪)1‬‬
‫السيكوسوماتية والعادات السلوكية كتعاطي المخدرات وإدمان الكحول‪.‬‬

‫)‪ (1‬سامر جميل رضوان ‪ ، 2007 ،‬مرجع سابق ص ‪83 - 80‬‬


‫(‪ )1‬ماهر محمود عمر‪ ،( 1992 ) ،‬ا سيكودينامية العالقات االجتماعية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪،‬اإلسكندرية ‪،‬ص ‪26‬‬
‫(‪ )1‬عمر ماهر محمود‪– 1992‬المرجع نفسه ص ‪30-28‬‬

‫‪94‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ .8‬تأثيرات الطالق على جوانب النفسية للرجل‪:‬‬


‫تجمع جملة من الموروثات الثقافية الخاطئة ت ُ َّحمل المرأة السبب األول في فشل الزواج‬
‫و في انحراف األبنـــــــــــــــــــــاء‪ ،‬وتتيح للرجل فرصة الزواج مرة ثانية وثالثة بحجة أنه‬
‫األسرع في التأقلم مع الحياة من جديد‪ ،‬بينــــــما تفشل المرأة في ذلك ألنها األضعف ‪،‬ولكن‬
‫الحقائق العلمية أجهضت صحة تلك المعتقــــدات الخاطئة ‪ ،‬فقد أثبتت دراسة علمية حديثة‬
‫أن الرجال هم المتضررون من الطالق في المقام األول ‪ ،‬وليست النساء كما يزعمون‪،‬‬
‫وأشارت الدراسة التي شملت ‪ 10‬آالف رجل إلى تزايد نسبة الرجال المطلقين الذين يعانون‬
‫أمراض جسدية ونفسية‪ ،‬كما أفادت أيضا ً أن اإلقبال على االنتحار لدى هؤالء يفوق مرتين‬
‫ونصف معدل الرجال المتزوجين‪ .‬إن اآلراء التي تزعم بأن الرجل أسرع على التأقلم بعد‬
‫الحياة ما هي إال انعكاس لموروث ثقافي خاطئ‪ ،‬ألن الرجل مثله مثل المرأة كالهما يتأثر‬
‫بالحدث حسب عدة عوامل ‪ ،‬أهمها تاريخه الشخصي ‪ ،‬كيفية نمط حياته‪ ،‬واألمور التي تعرض‬
‫لها زواجها ‪ ،‬باإلضافة إلى الثقافة والبيئة‪.‬‬
‫و من ناحية أخرى أكدت دراسة ميدانية مصرية أجراها باحثون في قسم االجتماع بكلية‬
‫اآلداب جامعة عين شمس بمصر‪ ،‬أن معظم الرجال الذين سبق لهم خوض تجربة الزواج‬
‫وفشلوا فيها‪ ،‬معرضون لإلصابة باالضطرابات النفسية جراء هذا الفشل‪ ،‬وأن (الرجل‬
‫المطلق) يعاني غالبا ً من عدم القدرة على التكيف اجتماعيا ً بعد الطالق‪ ،‬كما يواجه صعوبات‬
‫في خوض التجربة مرة أخرى باعتباره رجالً (له ماض )‪.‬‬
‫إن الرجل المطلق غالبا ً ما يجد نفسه وحيدا ً بعد الطالق‪ ،‬نتيجة طبيعة العالقات االجتماعية‬
‫التي يبنيها حوله والتي تتسم عادة بالسطحية‪ ،‬فهو يشعر بالخيبة والمرارة لفقدان دوره كأب‬
‫وزوج‪ ،‬ويصطدم بالناس نتيجة شعوره بالمسئولية عن انهيار األسرة‪.‬و تشير الدراسة إلى‬
‫ي في مدى تأثر كل‬ ‫دور رئيس ٌ‬
‫أن البيئة االجتماعية التي تحيط سواء بالرجل أو المرأة لها ٌ‬
‫منهم باآلثار االجتماعية السلبية الناجمة عن الطالق‪ ،‬وما يزيد األمر تعقيدا ً أن الرجال‬
‫يحملون أنفسهم مسئولية الطالق ‪ ،‬فالرجل هو الذي يصعق ويفاجأ حين يعلم بقرار الطالق‪،‬‬
‫على الرغم من أن الزوجة ترسل له الكثير من اإلشارات التي تنبئ بإنهاء العالقة ‪ ،‬ولكنه‬
‫يفاجأ في نهاية األمر بأنه خسر كل شيء ‪ :‬دوره كزوج ‪ ،‬وأب وربما خسر ماله وبيته أيضا ً‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬كما يحصل في بعض المجتمعات الغربية‪.‬‬
‫وهناك كثير من الدراسات التي تؤكد أن للطالق تأثيرا ً سالبا ً ال على الصحة العقلية‬
‫والنفسية لآلباء واألمهات واألطفال وحسب‪ ،‬ولكن أيضا ً على صحتهم الجسمية‪ ،‬حيث يحتمل‬
‫ازدياد نسبة اإلصابة األمراض السيكوسوماتية " ‪ " Psychosomatic disorders‬تلك‬
‫االضطرابات التي تصيب النفس والجسم معاً‪ ،‬فهي اضطرابات ناشئة عن التفاعل بين‬

‫(‪ )1‬العفيفي‪ ،‬عبد الحكيم ( ‪ .) 1990‬اإلكتئاب واالنتحار‪ .‬دراسة اجتماعية تحليلية‪ .‬الدار المصرية اللبنانية‪ .‬بيروت‪ :‬ص ‪95‬‬

‫‪95‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫الظواهر الجسدية والنفسية‪ .‬والشخص المصاب يعاني من أعراض جسدية وعقلية ناشئة عن‬
‫‪1‬‬
‫اختالل عقلي أو نفسي‪.‬‬
‫لقد وجد أن العجز العقلي يختلف باختالف الحالة الزواجية للفرد‪ ،‬فهل يختلف المتزوجون‬
‫عن غير المتزوجون في االضطرابات العقلية ؟ وهل يختلف الرجال عن النساء في هذا الصدد؟‪.‬‬
‫بين المتزوجون ال يوجد فرق بين النساء والرجال في العجز العقلي‪ ،‬ولقد وجدت نفس النسبة‬
‫بين األرامل وبين المتزوجات‪ ،‬وعلى العكس من ذلك كان هناك نسبة عالية من االضطرابات‬
‫أو العجز العقلي بين المطلقات‪ .‬فهناك فرق بين حالة الترمل وحالة الطالق وكذلك المطلقون بين‬
‫الرجال‪ ،‬فيبدو أن تأثير الطالق يحدث للرجال كما يحدث للنساء لتشابه التجربة التي يمرون بها‬
‫من الحرمان والوحدة‪.‬‬
‫وهناك تقرير ‪ Dayton‬عام ‪، 1940‬والذي وضع على الناس الذين دخلوا المؤسسات بسبب‬
‫االضطرابات العقلية في المدة من ‪ 1917‬حتى ‪ 1933‬ويوصي بأن الناس المتزوجين كانت فرصة‬
‫إصابتهم باالضطراب النفسي أقل من غيرهم‪ .‬وكانت أعلى نسب في الطوائف اآلتية حسب هذا‬
‫الترتيب في الدخول ألول مرة للمستشفى العقلي ‪:‬‬
‫األرامل‪ ،‬العزاب‪ ،‬المطلقات‪ .‬وكانت نسبة األرامل تزيد بمقدار ‪ ٪ 40‬عن المتزوجات وبنسبة‬
‫عن العزاب‪ ،‬وتزيد عن المطلقات بنسبة ‪ ٪230‬أعلى‪.‬‬ ‫‪٪80‬‬
‫وبالنسبة للرجال كانت نسبة األرامل تزيد عن المتزوجين بمقدار ‪ ٪130‬وعن العزاب بنسبة‬
‫‪ ٪200‬وكان هناك زيادة قدرها ‪ ٪400‬لدى المطلقات‪ .‬وكانت نسبة المطلقات أعلى في‬
‫االضطرابات العقلية عن المتزوجات‪ ،‬وهناك كثير من الدراسات التي تناولت العالقة بين الحالة‬
‫)‪(1‬‬
‫االجتماعية والتشخيص الطب النفسي‪.‬‬
‫و لقد تبين أن نزالء المستشفى يختلفون عن بقية المجتمع في الحالة االجتماعية‪ ،‬فنسبة كبيرة من‬
‫المرضى كانوا من العزاب‪ .‬وبالنسبة للرجال نسبة عالية كانت منفصلة ومطلقين أو أرامل‪ ،‬وذلك‬
‫بالقياس السكان المجتمع بصفة عامة ‪.‬‬
‫‪ -‬فمن كانوا يعانون من الجنون الدوري والعصاب النفسي غالبيتهم من العزاب‪.‬‬
‫‪ -‬كانت نسبة غير المتزوجين أعلى بين نزالء المستشفى وخاصة بين الفصاميين ومرض‬
‫االضطراب الخلقي و ذلك ألن أعراضهم تمثل االنسحاب االجتماعي أو االنطواء االجتماعي‬
‫والعدوان تجاه اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬أما الجنون الدوري والعصاب والتي تتضمن نزعات نحو النقد الذاتي وبعض االضطرابات‬
‫األيدولوجية كانت منتشرة أكثر بين المتزوجين‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ -‬سو ء األخالق و الفصام كانت نسبتها أعلى عند العزاب‪ ،‬وأقل عند المتزوجين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫السعداوي ‪ ،‬نوال ‪، 1993 ،‬دراسات عن المرأة و الرجل في المجتمع العربي ‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات و النشر ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ص ‪165‬‬

‫)‪ (1‬باترسون‪ ،‬س‪.‬ه ‪. 1990‬نظريات اإلرشاد والعالج النفسي ‪.‬ترجمة‪ ،‬حامد الفقي ‪.‬الكويت‪ ،‬دار القلم‪ .‬الكويت‪196 ،‬‬
‫)‪ (1‬باترسون‪ ،‬س‪.‬ه ‪ . 1990‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪197‬‬

‫‪96‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪. 9‬المراحل النفسية التي تمر بها المطلقة‪:‬‬


‫‪ 1 . 9‬مرحلة الصدمة‪:‬‬
‫وهي أولى المراحل التي تمر بها المرأة بعد الطالق مباشرة وتنتج عن شعور مفاجئ بعدم‬
‫التوازن والتوافق مع النفس والمجتمع وهذه المرحلة قد تطول أو تقصر ويتوقف ذلك على‬
‫العديد من العوامل‪ ،‬فالمرأة المثقفة تكون أكثر مرونة في استعداد توازنها وثقتها بنفسها‬
‫وبالمجتمع‪ ،‬عن غير المثقفة‪ ،‬ويختلف حال المتعلمة وغير المتعلمة كما يختلف حال المرأة‬
‫التي لديها أطفال ‪ ،‬فإن العبء يكون عليها أكبر والمسؤولية أصعب ممن ليس لديها أطفال‪،‬‬
‫وبالتالي تكون األولى أكثر مرونة وأسرع في استعادة توازنها النفسي واالجتماعي‪ ،‬كذلك‬
‫المطلقة صغيرة السن تكون الفرصة لديها أكبر لتجاوز صدمة الطالق ‪،‬و تتوقف على نظرة‬
‫كل امرأة للطالق وموروثها الثقافي عنه‪ ،‬فالمرأة التي ترى أن الطالق هو نهاية الكون ستتعثر‬
‫كثيرا إلى أن تصل إلى مرحلة النضج االجتماعي والتوازن النفسي بالنسبة لمثيلتها التي ترى‬
‫أن الطالق هو نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة‪ ،‬كما أن المرأة التي طلقت وهي تحب زوجها‬
‫ومتمسكة به وغير راغبة في الطالق تختلف كثيرا عمن أبغضت زوجها وسعت إلى الطالق‪.‬‬
‫هكذا تتباين كل حالة وفقا لطبيعة كل امرأة وللظروف المحيطة بها وكذلك وفقا لموروثها‬
‫االجتماعي والثقافي‪.‬‬
‫‪ 2 . 9‬مرحلة التوتر واالكتئاب‪:‬‬
‫وهنا تدخل المرأة في مرحلة أخرى يغلب عليها الشعور باالكتئاب والظلم واالضطهاد‬
‫واالغتراب والتشاؤم وعدم الرضا عن الحياة‪ ،‬فبعد مرحلة الصدمة تحاول أن تقاوم وتستعيد‬
‫توازنها النفسي واالجتماعي ولكنها تواجه صعوبة شديدة‪ ،‬حيث تفاجأ أنها تتعامل مع مجتمع‬
‫أخر غير الذي كانت تتعامل معه تماما‪ ،‬مجتمع مختلف عن كل ما توقعت من أنها ستجد من‬
‫يأخذ بيدها ويشد من أزرها ويحترم شجاعتها فهي تشعر في قرارة نفسها أن حياتها مع رجل‬
‫ال تقدره‪ ،‬هو نوع من النفاق االجتماعي‪ ،‬لذا تصورت أن المجتمع سيحترم هذه الشجاعة‬
‫والوضوح مع النفس ولكنها تتفاجأ أن الجميع يتحول عنها‪ ،‬وربما يعلم الجميع مدى الظلم‬
‫الذي وقع عليها‪ ،‬ولكنه غالبا ما يعاقبها على عدم تحملها المزيد‪ .‬وهنا يترك الجميع الجاني‬
‫ويعاقب المجني عليه‪ .‬وهنا تكون الصدمة األخرى‪ ،‬وهي تخلي المقربين عليها في هذه‬
‫(‪)1‬‬
‫المرحلة الشديدة بالنسبة اليها‪،‬‬

‫‪ 3 . 9‬اإلكتئاب و اإلسقاط عند المرأة المطلقة‪:‬‬


‫يبرز عند معظم النساء المطلقات ميل إل إسناد العيوب إلى رجالهن‪ ،‬و يظهر أن هذا‬
‫اإلسناد يُستخدم من قبلهن كتدبير دفاعي ضد االكتئاب‪ .‬تريد المرأة أن تتحدى الرجل‪ ،‬و لكي‬
‫تتجنب االكتئاب و ال تشعر بنفسها أنها موضوع مرفوض‪ ،‬فإنها تسعى إلى إيجاد موضوع‬
‫كي ترفضه‪« :‬تُدرك أن الطالق يسبّب لها جرحا ً نرجسيا ً في حال شعرت أنها موضوع حب‬
‫(‪ )1‬منال خواسك ‪ 2010 ،‬المرأة المطلقة بين اليأس و التحدي ‪،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة ‪ ،‬ص ‪23-22‬‬

‫‪97‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫مـرفـوض‪ ،‬و هـذا مـن شـأنـه أن يجردها من قيمتها الذاتية‪ ،‬و لذا فإنها تعكس هذا التجريد و‬
‫تُسقطه على الرجل»‪ .‬وتعمل المرأة على نفي أهمية موضوع حبها السابق و ذلك عبر تحقيره‪،‬‬
‫و نقد تصرفاته‪ ،‬و تعمل على إبراز نفسها بأنها «كليّة القدرة» و ذلك عبر إنكار تبعيتها له‪.‬‬
‫و ترتبط العدوانية الحالية التي توجهها المرأة ضد الرجل بالعدوانية الطفولية التي كانت‬
‫موجهة ضد الموضوع في الوضع اإلكتئابي" ‪ "Position depressive‬مع ما تحققه هزيمة‬
‫الموضوع من انتصار ذاتي للطفل فـي تلك المرحلة‪ .‬إن تخفيض قيمـة الشريـك اآلخر و‬
‫تحقيره يهدفان إلى تحقيق انتصار عليه‪ ،‬انتصار من شأنه أن يُبعد المشاعر اإلكتئابية‪« ،‬مثلما‬
‫كان يحدث للطفل في حنينه ألمه عند معاناته لفقدانها»‪ .‬تساعد هذه العدوانية المو ّجهة ضد‬
‫الموضوع على إنكار القلق اإلكتئابي مع ما يالزمه من شعور بالذنب‪.‬‬
‫إ ن العالقة الودية تساعد الفرد الضعيف على استعادة نرجسيته و حبه لذاته‪ ،‬لكن بمجرد أن‬
‫يحدث اإلنفصال‪ ،‬فإن الفرد يفقد نرجسيته من جديد و يشعر بالفراغ و الفقدان‪ ،‬ويحل اليأس‬
‫ُفرغ عليه الدوافع التي ال‬‫محل الغبطة‪ ،‬ويفقد الفرد في أثناء الطالق الموضوع الذي كان ي ّ‬
‫يمكن تحملها بذاته كدوافع الموت‪ ،‬ال تستطيع المرأة بغياب الرجل‪ ،‬توكيد هويتها كأنثى‪ ،‬و‬
‫ً (‪)1‬‬
‫تفقد بالتالي المعالم و المرتكزات النفسية التي كانت ترتكز عليها سابقا ‪.‬‬
‫‪ 4 . 9‬استعادة التوازن النفسي والذهني والوجداني للمرأة‪:‬‬
‫وفي هذه المرحلة تكون المرأة قد مرت بمراحل ليست بالهينة حتى تصل إلى الهدوء‬
‫النفسي والتوافق مع نفسها ومع المجتمع‪ ،‬فهي في تلك المرحلة قد هدأت إلى حد كبير من‬
‫الثورة ومن الصدمة‪ ،‬ثورة ما قبل الطالق وصدمة ما بعده‪ ،‬ويظهر ما يسمى بالسلوك التوافقي‬
‫وهو السلوك الذي يصدر من الفرد وهو مدرك أبعاده لمواجهة العقبات التي تقوقعه عن تحقيق‬
‫أهدافه وإشباع حاجاته‪ ،‬وذلك عن طريق محاولة تعديل الشخص لذاته وللظروف االجتماعية‬
‫المحيطة به‪ ،‬ويتحقق له الرضا الذاتي والقبول االجتماعي‪ .‬معنى هذا أن المرأة عندما تهدأ‬
‫بعد مرحلتي الصدمة والتوتر فإنها تتعرف على األسباب الحقيقية وراء فشل تجربة زواجها‬
‫األول حتى تتجنبها فيما بعد‪ ،‬السيما إذا قدر لها أن تعيد التجربة دون مبالغة وإفراط في معاقبة‬
‫نفسها وتحميلها ماال تطيق‪ ،‬وفي نفس الوقت ال تترك التجربة تمر دون أن تخرج منها بدروس‬
‫تساعدها على استعادة توافقها النفسي والوجداني واالجتماعي ثم تبدأ تلقائيا وتدريجيا في‬
‫تعديل وجهة نظرها تجاه نفسها أوال واتجاه المجتمع بصفة عامة ألنها عندما تستعيد ثقتها‬
‫بنفسها ستتغير وتبدأ تنظر لألمور من منظور جديد‪ ،‬وفي هذه المرحلة من المفيد للمرأة أن‬
‫تعمل على شغل أوقاتها بالكامل فال تترك نفسها فريسة للفراغ‪ ،‬وذلك بالعمل‪ ،‬والمشاركة في‬
‫األنشطة االجتماعية حتى لو كان ذلك تطوعا منها‪ ،‬حيث أن هدفها ال يجب أن يكون المادة‬
‫فقط وإن كانت المادة عامل أساسي لكل انسان يتطلع إلى الحرية‪ ،‬ولكن هنا نتحدث عما لدى‬
‫المرأة من وقت بعد وقت العمل وهناك العديد من الدراسات التي أثبتت أن المرأة المطلقة هي‬
‫األقدر على النجاح والتميز في األنشطة االجتماعية مثل الجمعيات األهلية والخيرية‪ ،‬حيث‬
‫أثبتت وجودها إلى أبعد الحدود في هذا المجال وفي كثير من األحيان قد تتفوق على مثيالتها‬
‫المتزوجات والالتي لم يتزوجن بعد‪ ،‬حيث أنها بعد الطالق أصبحت تتمتع بقدر أكبر من‬
‫‪)1(KLEINM.,‬‬ ‫‪«Le deuil et ses rapports avec les états maniaco-dépressifs», in Essais de psychanalyse, Paris, Payot,‬‬
‫‪1980.‬‬

‫‪98‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫الحرية والوقت كما أصبح لديها هدف مختلف تسعى إليه هو إثبات الذات وتحقيق النجاح الذي‬
‫(‪)2‬‬
‫يعوضها عن بعض مشاعر االحباط التي قد تنتابها بعد تجربة الطالق‪.‬‬
‫‪ 5 . 9‬نظرة المجتمع للمطلقة‪:‬‬
‫يعتبر الطالق وسيلة يسوي بها الزوجان خالفاتهما المتعسرة التي وصلت إلى حد عدم‬
‫العودة‪ .‬أو عندما تتحول حياتهما المشتركة إلى درجة عدم التآلف يستحيل معهما االلتقاء وبناء‬
‫أسرة على قواعد سليمة من االنسجام النفسي والتربوي والعاطفي‪ .‬ولكن نظرة المجتمع‬
‫للمطلقة نظرة قاسية‪ ،‬مملوءة بالريبة والتخوف حتى من بنات جنسها‪ ،‬ومن أهلها وجميع أفراد‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫إن النظرة االجتماعية للمطلقة نظرة غير منصفة‪ ،‬حيث تبقى حبيسة القيل والقال‪ ،‬وتحيطها‬
‫القيود من كل جانب بسبب هذا اللقب المرير‪ ،‬وقد يكون الطالق لظروف خارج عن إرادتها‪.‬‬
‫وينظر المجتمع للمطلقة نظرة قاتلة‪ ،‬ينظر إليها المجتمع على أنها استهلكت واستنفذت دورها‪،‬‬
‫وأنها مصدر للمتاعب والمشاكل حتى أهلها ال يرحموها من القيود والهمسات التي تقتلها‪،‬‬
‫وتسبب لها الكثير من اإلجهاد النفسي والمعنوي‪ ،‬إذ تنصب النظرة اليها على أنها من الدرجة‬
‫الثانية‪ ،‬وأنها فقدت دورها في الحياة‪.‬‬
‫وتظل هذه النظرة الظالمة للمطلقة تالحقها حتى تقع فريسة لكبار السن أو لرجل غير مناسب‬
‫حتى تهرب من هذا الظلم المحيط بها إلى ظلم أكبر‪ ،‬و تعتبر المطلقة‪ ،‬امرأة فاشلة في حياتها‬
‫الزوجية‪ ،‬ولكنها امرأة فشلت في االستقرار الزواجي مع رجل معين قد يكون هو السبب‪ ،‬وقد‬
‫تكون الظروف المحيطة بها هي السبب‪ ،‬وهذه المرأة المطلقة ربما تصبح زوجة ناجحة جدا‬
‫مع زوج آخر‪ ،‬ألنها تعلمت من تجربتها السابقة‪ ،‬وستكون أكثر حرصا على زواجها الثاني‬
‫(‪)1‬‬
‫مثل حرصها على أن ال تحمل هذا اللقب المرير مرة أخرى‪.‬‬
‫إن نظرة المجتمع للمطلقة تؤثر فيها سلبا ‪ ،‬إذ تعيش تعيسة بين شكوك وظنون ونفور من‬
‫حولها وفي دراسة علمية ثبت أن شعور المطلقات بأنهن مرفوضات أو منبوذات يجعلهن‬
‫يملن إلى االنطواء واألنانية وعدم تحمل المسؤولية‪ ،‬وأن فشل المرأة في حياتها الزوجية يعود‬
‫إلى إهمال أمها لها قبل الزواج‪.‬‬
‫إن تربية الوالدين االيجابية وخصوصا من األب تساهم في بناء شخصية الفتاة‪ ،‬وتساعدها‬
‫في التكيف الحقيقي والواقعي في حياتها الزوجية فيما بعد‪ ،‬وأن المعاملة الزوجية بين الوالدين‬
‫تؤثر على الصحة النفسية البنتيهما‪ ،‬فجو مشاحنات األسرة يؤثر سلبا على الفتاة‪ ،‬كما أن‬
‫معاملة أباء المتزوجات لزوجاتهم كان أكثر ايجابية من معاملة أباء المطلقات لزوجاتهم‪ ،‬وأن‬
‫معاملة أمهات المتزوجات ألزواجهن أكثر ايجابية من معاملة أمهات المطلقات ‪.‬و المالحظ‬
‫أن المطلقات يمثلن الشبح الدائم للمتزوجات‪ ،‬وتستبعد المتزوجات المطلقة من دائرة‬
‫(‪)2‬‬
‫صداقتهن‪ ،‬فيؤثرن البعد عنها اتقاء لشرها وخوفا من أن تخطف أزواجهن‪.‬‬

‫(‪ )2‬منال خواسك‪ ،‬المرجع سابق ص‪26-25‬‬


‫‪.‬‬
‫(‪ )1‬مايسة أحمد النبال‪ ،2002 :‬في سيكولوجية المرأة‪ ،‬دار المعرفة للجامعة‪ ،‬ط‪ ،1‬الكويت ص ‪165‬‬
‫(‪ )2‬بثينة السيد العراقي ‪ 2000 ،‬أسرار في حياة المطلقات دار طويق للنشر و التوزيع طبعة ‪، – 2‬الرياض ص ‪276-275‬‬

‫‪99‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫المحاضرة الرابعة عشرة‪ .‬اآلثار النفسية واالجتماعية للطالق على‬


‫األبناء ‪:‬‬
‫‪ .1‬اآلثار النفسية واالجتماعية للطالق على األبناء ‪:‬‬
‫ان االحتماالت المستقبلية آلثار فك الرابطة الزوجية على األبناء مفتوحة في االتجاه و‬
‫المستوى‪ .‬فقد تكون هناك ظروف تعويضية عند البعض تحد من األضرار الالحقة بصحة‬
‫النفسية كل منهم ‪ ،‬وقد يكون رصيدهم الوراثي وتنشئتهم األولى على درجة من القوة‬
‫واإليجابية مما يتيح مناعة أكبر في مقاومة اآلثار السالبة‪ ،‬والخروج بانعكاسات نفسية وكيانية‬
‫أقل فداحة‪ ،‬وإن الحاالت من هذا النوع‪ ،‬موجودة دائما ً مما يجعل المصير المأساوي ليس‬
‫حتمياً‪ .‬إالّ أنه وفي جميع األحوال تبقى األخطار كبيرة‪ ،‬وال يجوز االستهتار بها بحال من‬
‫األحوال على صحة النفسية لألبناء ونموهم المعافى‪ .‬وهو ما يبرر القول بأن الوالدية هي‬
‫جدارة ومسؤولية في األساس‪.‬‬
‫وفي دراسة مبكرة لوليام جود (‪ 1956‬م) لمعرفة تأثير الطالق في األطفال وصلته بالرعاية‬
‫تبين أن معظم األمهات أظهرن قلقا واضحا فيما يتصل باألضرار المحتملة التي يمكن أن تقع‬
‫على أطفالهن‪ ،‬و يمكن تلخيصها في ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الصراع العاطفي لألطفال بين حبهم لكل من الوالدين‪ ،‬وعدم قدرتهم على االنحياز لجانب‬
‫دون آخر‪.‬‬
‫‪ -‬معاناة األطفال إلحساس عميق بالتهديد والخوف‪ ،‬نتيجة لما يصاحب الطالق من اضطراب‬
‫كبير في أوضاع األسرة المختلة‪.‬‬
‫‪ -‬استغالل األطفال لالنتقام واإليذاء المتبادل بين الزوجين‪.‬‬
‫‪ -‬ينظر الطفل إلى المجتمع من خالل أسرته‪ ،‬من تجاربه فيها تترسب في نفسه الكثير من‬
‫االنطباعات التي تتخذ منها أحكاما عامة‪ ،‬حيث تؤثر في سلوكه‪.‬‬
‫‪ -‬تفقد المرأة كثيرا من مكانتها في المجتمع‪ ،‬هذا يعطلها عن الزواج‪ ،‬خاصة لو كان لدينا‬
‫(‪)1‬‬
‫أطفال‪ ،‬وقد ال تجد من يعولها ‪،‬مما قد يضطرها للسلوك الشائن‪.‬‬
‫ويعيش األطفال بعد انفصال الوالدين واقعا يحمل في طياته الكثير من التأثيرات السلبية التي‬
‫يمكن أن تعيق نمو األطفال‪ ،‬وهذا الوضع يدفعنا إلى القول إن هذه الفئة من األطفال معرضة‬
‫أكثر من غيرها لعوامل االنحرافات االجتماعية‪ ،‬التي تتجلى في أشكال مختلفة من أعراض‬
‫(‪)2‬‬
‫سوء التكيف بدءا من التقصير األكاديمي ومرورا بالمشكالت النفسية وصوال للجنوح‪.‬‬

‫‪)1(Sarason,I.G.,and‬‬ ‫‪Sarason,B.R.Abnormal psychology, 1987,N. prentice-Hall,INC.,Englewood Cliffs,P.501‬‬


‫(‪ )2‬سامي محمد ملحم ‪،)2001(،‬األسس النفسية للنمو في الطفولة المبكرة ‪،‬الطبعة الثانية دار الفكر ‪،‬األردن‪ .‬ص ‪79‬‬

‫‪100‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫إن الطالق‪ ،‬وال شك خبرة مزعجة ومحزنة لألطفال‪ ،‬ولقد أدرك كثير من العلماء هذه‬
‫الحقيقة منذ أمد بعيد‪ ،‬فنسبة أطفال األسر المنفصلة كانت أعلى بين عيادات الطب العقلي‬
‫الخارجية ‪،‬عما يوجد من أطفال األسر العادية‪ ،‬فأطفال اآلباء المطلقين يعانون من‬
‫االضطرابات العقلية التي تستوجب العرض على العيادة النفسية‪ ،‬بل إن األطفال الذين لم‬
‫يترددوا على عيادات الطب النفسي والذين كانوا ينحدرون من أسر منفصلة أظهروا صعوبات‬
‫في نشاط اللعب‪ ،‬وفي عالقاتهم مع اآلخرين‪ .‬ذلك ألن الطفل‪ ،‬في هذه الحالة‪ ،‬ال يعاني فقط‬
‫من الضغط الواقع عليه هو نفسه ‪،‬ويجاهد في سبيل التكيف‪ ،‬والتوافق مع هذا الضغط‪ ،‬بل‬
‫إنه أيضا ً يتعرض لوالد يعاني من الضغط كذلك‪ ،‬وعليه أن يتكيف ويتوافق مع هذا األب في‬
‫هذا الظرف الحرج‪ ،‬على الطفل أن يتحمل اآلثار الناجمة عن معاناة والده من االضطرابات‬
‫الصحية ‪،‬الجسمية ‪ ،‬النفسية والعقلية‪ .‬وبذلك نلمس أن الضغوط التي تسقط على الطفل تصبح‬
‫مضاعفة أو مزدوجة وال شك أن الطالق ظاهرة اجتماعية في معظم ثقافات العالم‪ ،‬ولذلك‬
‫ينبغي أن يهتم العلماء ال ببحث آثاره على األطفال وآبائهم وقت وقوع الطالق‪ ،‬ولكن أيضا ً‬
‫بعده في مستقبل نموهم وتكيفهم المقبل للحياة ونحن نعلم أن السنوات األولى من حياة الطفل‬
‫تؤثر في التوافق النفسي أو سوء التوافق حيث يكون األطفال شديدي التأثر بالتجارب المؤلمة‬
‫والخبرات الصادمة‪ .‬وهي التي تعتبر النموذج األمثل للجماعة األولية التي يتفاعل الطفل مع‬
‫أعضائها وجها لوجه ويتوحد مع أعضائها ويعتبر سلوكهم سلوكا نموذجا يحتذى به‪ ،‬وقد‬
‫أجريت عدة بحوث حول دور األسرة في عملية التنشئة االجتماعية للطفل وأثر ذلك في سلوكه‬
‫وأوضحت هذه البحوث ما يلي‪:‬‬

‫‪ 2‬التغيرات الشخصية واالجتماعية التي تؤثر على أبناء المطلقين في حالة الطالق‪:‬‬

‫آثارها على الصحة النفسية للطفل‬ ‫الظروف غير المناسبة‬


‫‪ -‬الرفض (أو اإلهمال الشعور بعدم األمن – الشعور بالوحدة ‪ -‬محاولة جذب انتباه اآلخرين‬
‫– السلبية والخضوع – أو الشعور العدائي والتمرد – عدم القدرة‬ ‫ونقص الرعاية)‬
‫على تبادل العواطف – الخجل – العصابية – سوء التوافق‪.‬‬
‫عدم القدرة على مواجهة الضغوط البيئية ومواجهة الواقع –‬ ‫‪ -‬الحماية الزائدة‬
‫الخضوع – القلق – عدم األمن – كثرة المطالب – عدم االتزان‬
‫االنفعالي – قصور النضج – األنانية‪.‬‬
‫األنانية – رفض السلطة – عدم الشعور بالمسؤلية – عدم التحمل –‬ ‫‪ -‬التدليل‬
‫اإلفراط في الحاجة إلى انتباه اآلخرين‪.‬‬
‫االستسالم والخضوع أو التمرد – عدم الشعور بالكفاءة – نقص‬ ‫‪ -‬التسلط (والسيطرة)‬
‫المبادأة – االعتماد السلبي على اآلخرين – قمع وكبت امتحانات‬
‫النمو السلبية – سوء التوافق مع متطلبات النضج‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫ال شك أن األطفال يعانون ويقاسون من الطالق‪ ،‬ليس فقط من الصدمة المباشرة لتحطيم‬
‫بيتهم‪ ،‬ولكن أيضا من خالل ما يتبع ذلك من انقسام في مشاعرهم بالوالء‬
‫"‪ " Dividedloyalities‬بين األطراف المتنازعة وفقدان النموذج أو المثال الطيب الذي يحتذى‬
‫به‪ .‬وغير ذلك من العوامل التي قد تؤثر في مسار نموهم‪.‬‬
‫وقد يستخدم األوالد أداة في الحرب ضد القرين فيقوم أحد الزوجين بمنع اآلخر من رؤية‬
‫األبناء انتقاما منه‪ ،‬متناسيا ً أن أكبر آثار هذا المنع ستنصب على األطفال أنفسهم بسبب حاجتهم‬
‫إلى استمرار المرجعية العاطفية والعالئقية والرعاية لكال الوالدين‪ .‬وغالبا ً ما يصاحب هذا‬
‫المنع شحن األوالد بالحقد على القرين الذي طلّق أو هجر أو خان‪ ،‬وتسويد سمعته لديهم‪،‬‬
‫تضع هذه الحالة الطفل في مأزق نفسي صعب‪ ،‬فهو بحاجة إلى تكوين صورة مثالية عن كل‬
‫من الوالدين يطمئن إليها ويحتذيها و يتمثلها‪ ،‬ويبني هويته انطالقا ً من مرجعيتها‪ ،‬وتؤدي‬
‫عملية الشحن وتسويد السمعة هذه إلى زعزعة بناء هويته بشكل سليم‪ ،‬وهو ما قد ينعكس على‬
‫شكل اضطراب في نضجه العاطفي‪ -‬الجنسي الالحق ‪ ،‬من مثل تلك البنت التي شحنتها أمها‬
‫ضد أبيها ‪،‬فيكون مصيرها تكوين صورة سيئة عن الرجال باعتبارهم مصدر أذى وشرور‪.‬‬
‫وهو ما يضع أسس اضطراب هويتها األنثوية ‪ ،‬وزعزعة قدرتها على إقامة ارتباط عاطفي‪-‬‬
‫جنسي معافى حين تصل سن الرشد ‪.‬والعكس صحيح بالنسبة للفتى في عالقته مع النساء‪.‬‬
‫وقد يقبل األهل على أمثال هذه الممارسات في حالة من الغرق في االنانية ‪ ،‬وإشباع رغباتهم‬
‫(‪)1‬‬
‫في االنتقام بدون أدنى اهتمام بما سيحل باألبناء من اضطرابات نفسية الحقة‪.‬‬
‫‪ 1 . 2‬العمر‪:‬‬
‫برغم أن الطالق يؤثر على األطفال في جميع مراحل العمر‪ ،‬إال أن رد فعل الطفل نحو‬
‫الطالق تختلف عن رد فعل المراهق اتجاهه‪ ،‬حيث أن األطفال يبدون الكثير من المشاعر‬
‫المتشابهة‪ ،‬ولكن تعبير الطفل عن هذه المشاعر هو الذي يختلف فالطفل الحزين قبل سن‬
‫الدراسة قد يتباطأ نموه‪ ،‬ويصبح غير مكترث باللعب‪ ،‬وتكون لديه مشاكل في التمييز بين‬
‫الحقيقة والخيال‪ ،‬واإلحساس بالذنب الذي يرتبط بسوء فهم األنباء ألسباب الطالق‪ ،‬فهم‬
‫يشعرون بأنهم كانوا السبب في طالق الوالدين‪ ،‬أما الطفل بعمر عشر سنوات فقد تختفي‬
‫مشاعر الحزن لديه‪ ،‬ويظهر بدال منها الغضب ألتفه األسباب أو حتى بال مبرر أحيانا‪ ،‬في‬
‫حين أن الفتاة في العمر نفسه قد تعبر عن مشاعرها بالبكاء في غرفة نومها لفترات طويلة‪،‬‬
‫أما المراهقون الذين يعانون الحزن‪ ،‬فقد يصابون بالقلق من المستقبل‪ ،‬أو قد يجدون التركيز‬
‫(‪)2‬‬
‫في المدرسة صعبا للغاية‪ ،‬بينما تشعر المراهقة بفقدان األمان‪ ،‬وعدم الثقة بالجنس اآلخر‪.‬‬
‫‪.2.2‬التغيرات الشخصية واالجتماعية التي تؤثر على أبناء المطلقين في حالة الطالق‪:‬‬
‫ال شك أن األطفال يعانون ويقاسون من الطالق‪ ،‬ليس فقط من الصدمة المباشرة لتحطيم‬
‫بيتهم‪ ،‬ولكن أيضا من خالل ما يتبع ذلك من انقسام في مشاعرهم بالوالء‬
‫(‪ ) )1‬عبد الرحمن محمد العيسوي‪1985 ،‬سيكولوجية التنشئة االجتماعية‪، ،،‬دار الفكر الجامعي‪ .‬اإلسكندرية مصر ص ‪94‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪Gérard Poussin : les enfants du divorce .phycologie de la séparation parentale , DUNOD .Paris,1997 , p 138-‬‬
‫‪139‬‬

‫‪102‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫"‪ " Dividedloyalities‬بين األطراف المتنازعة وفقدان النموذج أو المثال الطيب الذي يحتذى‬
‫به‪ .‬وغير ذلك من العوامل التي قد تؤثر في مسار نموهم‪.‬‬
‫وقد يستخدم األوالد أداة في الحرب ضد القرين فيقوم أحد الزوجين بمنع اآلخر من رؤية‬
‫األبناء انتقاما منه‪ ،‬متناسيا ً أن أكبر آثار هذا المنع ستنصب على األطفال أنفسهم بسبب حاجتهم‬
‫إلى استمرار المرجعية العاطفية والعالئقية والرعاية لكال الوالدين‪ .‬وغالبا ً ما يصاحب هذا‬
‫المنع شحن األوالد بالحقد على القرين الذي طلّق أو هجر أو خان‪ ،‬وتسويد سمعته لديهم‪،‬‬
‫تضع هذه الحالة الطفل في مأزق نفسي صعب‪ ،‬فهو بحاجة إلى تكوين صورة مثالية عن كل‬
‫من الوالدين يطمئن إليها ويحتذيها و يتمثلها‪ ،‬ويبني هويته انطالقا ً من مرجعيتها‪ ،‬وتؤدي‬
‫عملية الشحن وتسويد السمعة هذه إلى زعزعة بناء هويته بشكل سليم‪ ،‬وهو ما قد ينعكس على‬
‫شكل اضطراب في نضجه العاطفي‪ -‬الجنسي الالحق ‪ ،‬من مثل تلك البنت التي شحنتها أمها‬
‫ضد أبيها ‪،‬فيكون مصيرها تكوين صورة سيئة عن الرجال باعتبارهم مصدر أذى وشرور‪.‬‬
‫وهو ما يضع أسس اضطراب هويتها األنثوية ‪ ،‬وزعزعة قدرتها على إقامة ارتباط عاطفي‪-‬‬
‫جنسي معافى حين تصل سن الرشد ‪.‬والعكس صحيح بالنسبة للفتى في عالقته مع النساء‪.‬‬
‫وقد يقبل األهل على أمثال هذه الممارسات في حالة من الغرق في االنانية ‪ ،‬وإشباع رغباتهم‬
‫(‪)1‬‬
‫في االنتقام بدون أدنى اهتمام بما سيحل باألبناء من اضطرابات نفسية الحقة‪.‬‬
‫‪ 3 . 2 .‬العمر‪:‬‬
‫برغم أن الطالق يؤثر على األطفال في جميع مراحل العمر‪ ،‬إال أن رد فعل الطفل نحو‬
‫الطالق تختلف عن رد فعل المراهق اتجاهه‪ ،‬حيث أن األطفال يبدون الكثير من المشاعر‬
‫المتشابهة‪ ،‬ولكن تعبير الطفل عن هذه المشاعر هو الذي يختلف فالطفل الحزين قبل سن‬
‫الدراسة قد يتباطأ نموه‪ ،‬ويصبح غير مكترث باللعب‪ ،‬وتكون لديه مشاكل في التمييز بين‬
‫الحقيقة والخيال‪ ،‬واإلحساس بالذنب الذي يرتبط بسوء فهم األنباء ألسباب الطالق‪ ،‬فهم‬
‫يشعرون بأنهم كانوا السبب في طالق الوالدين‪ ،‬أما الطفل بعمر عشر سنوات فقد تختفي‬
‫مشاعر الحزن لديه‪ ،‬ويظهر بدال منها الغضب ألتفه األسباب أو حتى بال مبرر أحيانا‪ ،‬في‬
‫حين أن الفتاة في العمر نفسه قد تعبر عن مشاعرها بالبكاء في غرفة نومها لفترات طويلة‪،‬‬
‫أما المراهقون الذين يعانون الحزن‪ ،‬فقد يصابون بالقلق من المستقبل‪ ،‬أو قد يجدون التركيز‬
‫(‪)2‬‬
‫في المدرسة صعبا للغاية‪ ،‬بينما تشعر المراهقة بفقدان األمان‪ ،‬وعدم الثقة بالجنس اآلخر‪.‬‬
‫‪ 4 . 2‬جنس الطفل‪ :‬يجد األوالد صعوبة في مواجهة هذا الحدث والتكيف معه أكثر من البنات‬
‫في حالة طالق الوالدين‪ ،‬بالرغم من احتمال تغير ذلك في المراهقة عندما تتعرض البنت‬
‫لمسائل عاطفية‪ ،‬فالبنات من أبناء المطلقين يشعرن بعدم المن اتجاه الذكور‪ ،‬بسبب انعدام‬
‫فرصة التفاعل مع أب محب‪ ،‬ففي دراسة أجريت على مجموعة من البنات تربين دون آباء‪،‬‬
‫أظهرن أنهن أصبحن غير مؤكدات لذواتهن‪ ،‬وأحيانا غير مميزات جنسيا‪ ،‬ويرتبطن بعالقات‬

‫(‪ ) )1‬عبد الرحمن محمد العيسوي‪1985 ،‬سيكولوجية التنشئة االجتماعية‪، ،،‬دار الفكر الجامعي‪ .‬اإلسكندرية مصر ص ‪94‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪Gérard Poussin : les enfants du divorce .phycologie de la séparation parentale , DUNOD .Paris,1997 , p 138-‬‬
‫‪139‬‬

‫‪103‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫غير شرعية‪ ،‬ويملكن مشاعر متناقضة نحو الرجل بسبب ذاكرتهن السلبية عن آبائهن فهن‬
‫يالحقن الرجال بطرق غير مناسبة‪.‬‬
‫‪ 5 . 2‬مكان اإلقامة‪ :‬إن من األفضل أن تعيش البنات في كنف أمهاتهن‪ ،‬بينما األوالد مع‬
‫أبائهم‪ ،‬كما وجد أن األطفال الناشئين في بيوت تقودها األم والجدة كانت حالتهم أفضل من‬
‫حالة األطفال الناشئين في بيوت مع زوجة األب‪ ،‬أو حتى مع أحد الوالدين فقط‪.‬‬
‫‪ 6 . 2‬وجود دعم اجتماعي للطفل‪ :‬إن وجود األقارب من غير األبوين‪ ،‬يمكن أن يلعب دورا‬
‫هاما جدا في حياة أبناء المطلقين‪ ،‬وخاصة المراهقين منهم‪ ،‬كما تؤكد الدراسات على أن وجود‬
‫نظام مساندة (اجتماعي) لألطفال في األسر المطلقة‪ ،‬كوجود أخ أكبر يقلل من إحساسهم‬
‫بالوحدة‪ ،‬والتي تكون موجودة لدى األطفال في األسر المطلقة‪ ،‬كما أن وجود األخ األكبر‬
‫يساعد األطفال على التكيف مع طالق الوالدين‪.‬‬
‫‪ 5 . 2‬شخصية الطفل‪ :‬من بين العوامل المؤثرة على رد فعل الطفل والمراهق حول الطالق‬
‫هي طبيعة الطفل وشخصيته‪ ،‬حيث أن بعض األطفال والمراهقين يمتازون بطبيعة مرنة‪،‬‬
‫ولديهم استراتيجيات تعامل جيدة‪ ،‬ومهارات كامنة إليجاد أشخاص يقدمون الدعم لهم بالرغم‬
‫من استقاللية شخصياتهم‪ ،‬وهناك أطفال آخرون يفقدون الثقة‪ ،‬وينظرون للموقف بأنه غير‬
‫عادل وأنهم مرفوضون‪.‬‬
‫وعموما نستطيع أن نقول‪ ،‬أن الطالق نهاية مؤلمة للغاية أو أنه مأساة ‪،‬ولكنه في الحقيقة‬
‫أفضل من الحياة التعيسة الغير الموفقة‪ ،‬وحتى في حالة وجود أطفال فإن معيشة األطفال مع‬
‫األم أو األب في حالة انفصالهما تكون أفضل من المعيشة في جو مشحون بالخالفات‬
‫والصراعات الدائمة ما يكون األثر السلبي الشديد على سالمتهم النفسية أو في تكوين‬
‫(‪)1‬‬
‫شخصياتهم بصورة سوية‪.‬‬
‫تشكل األسرة عامل استقرار ونمو سوي‪ ،‬أو عامل خطر واضطراب في الوقت نفسه‪ ،‬فاألزمات‬
‫التي تصيب األسرة وتنال أحد الوالدين أو كليهما‪ ،‬والخلل التفاعلي المتمثل في المشاجرات‬
‫والمشاحنات واالضطرابات النفسية واالنفصال االجتماعي (كطالق الوالدين)‪ ،‬تمثل كلها‬
‫عوامل خطر ترهق األطفال‪ ،‬وتحملهم مطالب نمو إضافية عدا المهام الطبيعية‪ ،‬ألنهم غير‬
‫(‪)1‬‬
‫مزودين بالموارد والخبرات الالزمة مواجهة مطالب الحياة الثقيلة والمتراكمة‪.‬‬
‫‪ . 3‬الطالق و األزمات النفسية الداخلية‪:‬‬
‫يعاني الشخص‪ ،‬الذي اختار الطالق أو الذي خضع له‪ ،‬مشاكل نفسية كثيرة كالشعور بالذنب‬
‫أو اإلحساس باإلبادة‪ ،‬إضافة إلى اآلالم و الجروح النرجسية‪ .‬وتختلف ردة فعل األفراد تجاه‬
‫نوع الطالق الذي يواجهونه ؛ فالطالق الذي يختاره الفرد عند اإلقتضاء أو بقصد تكوين‬
‫عالقة جديدة يختلف كثيرا ً عن الطالق الذي يخضع له نتيجة قرار غير متوقع من شريكه‬
‫اآلخر‪.‬‬

‫(‪ )1‬العيسوي عبد الرحمن ‪ ، 2004‬علم النفس االسري ‪ ،‬دار اسامة للنشر ن عمان ‪ ،‬االردن ‪ ،‬ص ‪214‬‬
‫(‪ )1‬محمد أحمد بيومي ‪( 2002 ).‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪174‬‬

‫‪104‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫يؤدي الطالق إلى عودة المكبوت" ‪ ،"Retour du refoulé‬فتضعف التنظيمات الدفاعية‬


‫لألنا‪ ،‬تاركتا المجال أمام بروز رغبات مجهولة بالنسبة للفرد – رغبات إيروسية أو عدوانية–‬
‫فيضطرب و يتغير إدراكه لذاته و لمن حوله‪ .‬إن اضطراب دفاعات األنا يؤدي إلى شعور‬
‫بالتشويش‪ ،‬و االنقطاع‪ ،‬و الالتماسك الداخلي‪ ،‬و يفـقد الفـرد القدرة على ضبـط نفسـه‪ ،‬و‬
‫تنتعش لديه مخاوف التقطيع و التفتت‪ ،‬إن مشاعر الفقدان و الهجر الناتجة عن فقدان الشريك‪،‬‬
‫وتعيد انعاش المخاوف األولية لديه و المرتبطة بأول غياب ألمه و الذي كان له أثر أشبه‬
‫(‪)2‬‬
‫بالكارثة على نفسيته ‪.‬‬
‫‪ . 4‬فك الرباط الزوجي و الحضانة‪:‬‬
‫بعد الطالق قد يقوم أحد الوالدين ( الزوجة عموما ً ) برعاية األوالد في ظروف صعبة‬
‫ماديا ً ونفسياً‪ ،‬مما ينعكس على توازن عالقتها بهم‪ .‬فقد يحدث أن تقيم عالقة ذوبانية مع‬
‫بعضهم في نوع من تحالف الضحايا‪ ،‬مما يجعل هؤالء يظلون أسرى وضعية الضحية هذه‪،‬‬
‫وفي المقابل قد يكون من نصيب بعضهم اآلخر إسقاط وصمة " النحس "عليه‪ ،‬فهو ثمرة هذا‬
‫الزواج المأساوي‪ ،‬ويحدث أن تبالغ األم في وصم الطفل‪ ،‬وبالتالي نبذه في حالة من الدفاع‬
‫الالواعي عن إحساسها الدفين بالفشل الزوجي وما يحمله من أذى لصورتها عن ذاتها‪ ،‬فبدالً‬
‫من أن تجابه فشلها تلقي اللوم على الطفل " المنحوس " الذي لم تر على وجهه الخير‪ ،‬وهو‬
‫ما يفتح أمام هذه األخير احتمال االنكسار النفسي‪ ،‬أو التمرد وردود الفعل السلوكية الغير‬
‫المتكيفة‪ ،‬بل الجانحة‪ .‬وقد يتحول األوالد ليس إلى أداة للتشفي أو اإلسقاط ‪،‬بل إلى عبء حين‬
‫يحرم القرين الذي يتعهدهم فرصة بناء حياة جديدة‪ ،‬بسبب القيام بواجبات رعايتهم ‪.‬حيث يعد‬
‫األبناء العقبة الوجودية أمام هناء األم أو األب‪ ،‬وهو ثمن باهظ بدوره على الصعيد النفسي‪،‬‬
‫يضيق األهل ذرعا ً باألوالد وأعبائهم ‪،‬مما يفتح إمكانية مواقف النبذ تجاههم‪ .‬هنا تصبح‬
‫العدوانية وإساءة المعاملة مبررة ومادة لتفريج االحتقان النفسي‪ ،‬و الطالق هو انحالل الرابطة‬
‫الزوجية‪ ،‬ويترك آثارا ً مختلفة على اآلباء واألبناء معا ً‪ ،‬وهو وإن كان‪ ،‬في قليل من الحاالت‪،‬‬
‫قد يعد خطوة إيجابية تحرر األسرة من صعوبات حادة ومزمنة ال سبيل إلى عالجها إال‬
‫باالنفصال‪ ،‬إال أنه في معظم الحاالت يؤدي إلى نتائج سلبية على الجوانب النفسية لألطفال‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬من الحرمان المادي و العاطفي الناتج عن الطالق و رحيل أحد األطراف‪.‬‬
‫ففي الواليات المتحدة األميركية يعاني كل عام نحو مليون طفل من خبرة تحطم أو اضطراب‬
‫بيوتهم بالطالق أو االنفصال أو الهجر من األبوين‪ ،‬لدرجة أنه يقدر بأنه سوف يكون هناك‬
‫نحو ثلث عدد األطفال األميركيين جميعا ً ممن يتعرضون لخبرة طالق الوالدين ولعل أوضح‬
‫مثل لألمراض النفسية الجسمية ‪ :‬الربو‪ ،‬وقرحة المعدة‪ ،‬وااللتهاب القرحي لغشاء القولون‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫والقراع‪ ،‬والصداع النصفي‪ ،‬وبعض األمراض الجلدية‪.‬‬
‫‪ 1 . 4‬مشكلة الحضانة ‪:‬‬
‫ومن الرواسب الرئيسية المترتبة على االنفصال مشكلة حضانة الطفل الصغير فالحضانة‬
‫يقصد بها شرعا ً تربية الطفل والقيام بشؤونه في سن معينة‪ ،‬فمن له الحق في تربيته من‬
‫(‪MISSENARD R., «Narcissisme et rupture», in Crise, rupture et dépassement, Paris, Dunod, 1979, PP. 108-109 )2‬‬
‫(‪ )1‬أسعد رزوق‪ ،‬موسوعة علم النفس‪،1977،‬ط‪، ،1‬المؤسسة العربية للدراسات النشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ص ‪.317‬‬
‫(‪ )2‬عبد المنعم الحفني‪ ،1978 ،‬موسوعة علم النفس والتحليل النفسي‪،،‬ج‪،1‬ج‪ ،2‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة ص ‪188‬‬

‫‪105‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫محارمه‪ ،‬والحضانة بهذه المثابة عمل‪ ،‬والنساء أقدر من الرجال على أداء هذه المهمة‪ ،‬وأم‬
‫الصغير أولى من أبيه ومن سائر محارمه متى توافرت فيها الشروط الشرعية لحضانة‬
‫(‪)3‬‬
‫الصغير‪.‬‬
‫وتهتم الدراسات بتتبع اآلثار المترتبة على الطالق على حياة األطفال‪ ،‬ففي بحث أجري في‬
‫كاليفورنيا حول أطفال الطالق سنة (‪ )1980‬ثم تتبع ‪ 60‬حالة طالق وأطفالهم‪ ،‬البالغ عددهم‬
‫‪ 131‬طفالً‪ ،‬تراوح أعمارهم بين ‪ 15- 3‬سنة‪ ،‬ثم تتبع هؤالء لمدة السنوات الخمس التي أعقبت‬
‫الطالق لمعرفة ماذا سوف يحدث لهم‪.‬‬
‫من بين أهداف هذه الدراسة التعرف على كيفية مرور األوالد بالطالق نفسه‪ ،‬بمعنى التعرف‬
‫على مفهوم األوالد عن الطالق‪ ،‬والتعرف على العوامل التي جعلت هذه التجربة محتملة‬
‫بالنسبة لهم من عدمه‪ .‬ومن أهداف هذا المشروع البحثي كذلك تتبع األطفال عبر فترة من‬
‫الزمن لمعرفة أي من عمليات النمو قد أصيبت باإلعاقة وأيها أصابها اإلسراع عن طريق‬
‫تأثير الطالق‪ ،‬هل من الممكن أن يكون للطالق أثارا ً إيجابية ؟‬
‫لقد كانت الفترة التي تلت الطالق مباشرة فترة ضغط شديد بالنسبة لألطفال‪ ،‬وذلك من جراء‬
‫التجربة في ذاتها أي واقعة الطالق ذاتها‪ ،‬وألن األطفال كانوا يتلقون تعضيدا ً نفسيا ً أقل من‬
‫اآلباء الذين كانوا بدورهم يعانون من درجة عالية جدا ً من الضغوط‪.‬‬
‫ولكن بعد حوالي عام اختفت االستجابات الحادة‪ ،‬وكثيرا ً من األطفال استعادوا مستواهم السابق‬
‫في النشاط واألداء‪ ،‬ولقد شفي األطفال أسرع من آبائهم ‪،‬وإن كانت البنات قد شفيت أسرع‬
‫من الذكور‪ ،‬وظلت التغيرات المزمنة بعد مرور عام على الطالق‪.‬‬
‫ولقد امتدت فترة االنتقال هذه من بعد الضغط الحاد فترة تراوحت ما بين عامين وثالث أعوام‬
‫وذلك في كثير من األسر‪ .‬وفي المرحلة الثالثة استطاعت معظم األسر التكيف كأسرة مطلقة‬
‫(‪)1‬‬
‫أو بعد زواج جديد‪.‬‬
‫‪ 5‬االتجاه النفسي نحو الطالق لدى اآلباء واألطفال ‪:‬‬
‫لقد أثبتت مجموعة من الدراسات في الواليات المتحدة االمريكية‪ ،‬و التي شملت عينات‬
‫من األباء و االمهات المنفصلين ‪ ،‬و كذا عينات من أبناء المطلقين‪ ،‬حول اتجاهاتهم النفسية‬
‫نحو موضوع الطالق‪ ،‬حيث توصلت الدراسة إلى نتائج متباينة‪ ،‬ففي الزواج غير السعيد‬
‫بالنسبة لآلباء كان األطفال ينظرون للطالق على أنه أمر سعيد أو أنه حدث مرض أو مشبع‪.‬‬
‫نصف األطفال رأوا أن الوضع األسري لن يتحسن عما كان عليه قبل الطالق‪ ،‬حتى بعد‬
‫مضي السنوات الخمس‪ ،‬بينما اعتقد أقل من ‪ ٪20‬من اآلباء بأن الطالق كان فكرة خاطئة‪،‬‬
‫وبعد مضي خمس سنوات تكيف ثلث األطفال تكيفا ً حسنا ً‪ ،‬وظل نحو الثلث اآلخر غير سعيد‪،‬‬
‫حيث شعروا بالحرمان أو بالنبذ وكانوا غاضبين من أحد األبوين أو كليهما‪ ،‬كما توصلت‬
‫النتائج الى ان عامل السن ال يبدو مؤثرا ً في حد ذاته‪ ،‬إنما عالقة الطفل بوالديه هي التي‬
‫تؤثر في تكيفه كما يتأثر الطفل بنوعية الحياة في األسرة المطلقة‪ ،‬وإلى أي مدى نجح الطالق‬

‫(‪ )3‬أنور العمروسي ‪، ،1987‬أصول المرافقات الشرعية في مسائل األحوال الشخصية ‪،‬ب ‪.‬ت ‪ ،‬ط ‪،3‬الناشر المؤلف‪ ،‬ص ‪31‬‬
‫(‪ )1‬محمد ملحم ‪،)2001(،‬مرجع سابق ‪.‬ص ‪168‬‬

‫‪106‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫في حل المشاكل التي أدت إليه‪ ،‬كذلك وجد أن تكيف الطفل يرتبط بنوع شخصية األب واألم‬
‫وأسلوب اآلباء في األبوة‪ ،‬كما يتوقف التوافق على شخصية الوالد الذي سيبقى الطفل معه‬
‫والعالقة به‪ ،‬األطفال الذين لم يكن لديهم عالقة وثيقة بهذا الوالد ظلوا يشعرون باالكتئاب‬
‫(‪)2‬‬
‫وكانت فكرتهم عن احترامهم لذاتهم ضعيفة‪. .‬‬
‫‪ 3 .4‬تأثير حضانة الطفل الصغير ‪:‬‬
‫في معظم الحاالت كانت تقضي المحاكم بأن حضانة الطفل"‪ " Custody‬لألم ما لم تثبت‬
‫عدم صالحيتها لرعاية الطفل واحتضانه‪ ،‬وكان حتى المجتمع األميركي ينظر بعدم الرضا‬
‫لألم التي تعطي أبناءها لألب‪ .‬فلقد كان ينظر إليها على أنها عديمة االهتمام أو قليلة الرعاية‬
‫وليست أما ً كما ينبغي أن تكون عليه األم‪ .‬ويلزم توفر معلومات دقيقة قبل صدور القرار‬
‫بالحضانة حيث تقتضي المصلحة العمل على استقرار الصغار حتى يتوفر لهم األمان‬
‫(‪)1‬‬
‫واالطمئنان‪.‬‬
‫ويحتاج موضوع الحضانة لكثير من الدراسات الميدانية للتعرف على األحوال النفسية‬
‫للطفل‪ ،‬من ذلك البحث الذي أجري في تكساس ‪ 1983‬بالواليات المتحدة األميركية " ‪The‬‬
‫‪ texas custody Research project‬حيث تمت مقارنة تكيف األطفال الذكور واإلناث الذين‬
‫قضي ببقائهم مع األب بعد الطالق‪ ،‬مقارنتهم بأولئك األطفال الذين كانت حضانتهم في يد‬
‫األم‪ ،‬وكذلك األطفال الذين عاشوا في أسر سليمة" ‪ ".Intact families‬و لقد تبين أن األطفال‬
‫الذين عاشوا مع والد من نفس الجنس كانوا أكثر في النمو االجتماعي‪ ،‬بل إن األطفال الذكور‬
‫الذين كانوا في معية األب كانوا أكثر نضوجا ً من أطفال األسر السليمة‪ .‬أما اإلناث فلم تكن‬
‫أقل عن إناث األسر السليمة في النضج" ‪ ."Maturity‬ولكن بالطبع ال تكفي مثل هذه الدراسة‬
‫لكي نتخذ منها أساسا ً لقرار الحضانة‪ ،‬ولذلك يتعين القيام بمزيد من الدراسات التي تتبع المنهج‬
‫الطولي" ‪" Longitudinal method‬أي دراسة التغيرات التي تطرأ على الفرد خالل مدة‬
‫طويلة من الزمن‪ ،‬وتبحث الدراسات الطويلة الظواهر النفسية والجسمية والسلوكية من خالل‬
‫النمو في عينة معينة‪ .‬وهذه الدراسات يتم إجراؤها بواسطة معاهد خاصة ويتعرض األطفال‬
‫والكبار لمرارة تجربة االنتظار في المحاكم وانقطاع الصلة بين الطفل والوالد غير‬
‫(‪)2‬‬
‫الحاضن‪.‬‬
‫و قد يتزوج كل من القرينين ويؤسس حياة جديدة‪ ،‬مع إهمال األوالد وإدارة الظهر لهم‪،‬‬
‫وتركهم هنا وهناك عند جدة مسنة‪ ،‬أو جد مقعد‪ ،‬أو قريب يضيق بأعبائهم ذرعاً‪ .‬ويكون‬
‫األوالد أمام احتمال الضياع الفعلي‪ :‬يتدهور أداؤهم المدرسي ويعصف بهم االضطراب‬
‫النفسي‪ ،‬و يفقدون مهار ات التكيف االجتماعي‪ .‬فيما يتعلق بالنزاع أو الخالف أو التنافر أو‬
‫(‪)3‬‬
‫النشوز أو عدم االنسجام أو التعارض والتضارب العائلي أو الزواجي‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫حلمي عبد العظيم حسن‪ ،‬ومحمد رشاد عبد الوهاب‪ 1987،‬األحوال الشخصية للمسلمين طبقا ً ألحداث التعديالت‪ ،،‬ط ‪، 3‬الهيئة العامة لشؤون‬
‫المطابع األميركية ‪،،‬القاهرة ص ‪.49‬‬
‫(‪ )1‬خليفة بركات ‪ 1977 ،‬علم النفس التربوي في األسرة‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الكويت ص ‪82‬‬
‫(‪ )2‬سهير كامل أحمد‪،) 1998(،‬دراسات في سيكولوجية الطفولة ‪،‬الجزء األول ‪،‬مركز اإلسكندرية للكتاب ‪،‬األزريطة‪ .‬مصر ‪128‬‬
‫(‪ )3‬االخرس محمد صفوح ‪، 1977 ،‬تركيب العائلة العربية ووظائفها ‪،‬طباعة وزاره الثقافة ‪ ،‬دمشق ‪،‬ص ‪171‬‬

‫‪107‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ 5‬العدوانية بين المطلقين و اثرها على االبناء‪:‬‬


‫تمارس العدوانية فعلها في نوع من راحة الضمير‪ ،‬وفي تبرير لسلوك االنفصال ال يدع‬
‫مجاالً للشعور بالذنب‪ ،‬ذلك أن اإلنسان ال يمكنه عن وعي تحمل مسؤولية اتجاه اآلخر‪ ،‬ال بدّ‬
‫لهذه العدوانية أن تجد لها المبررات التي تجعلها تتخذ طابع الدفاع المشروع عن الكيان الذاتي‬
‫ومصالحه‪ ،‬وإالّ فإن مشاعر الذنب والخطيئة ستجتاح المرء‪ ،‬الذي يقع عندها في أزمة نفسية‬
‫داخلية ال قبل له بتحملها‪ .‬وحتى يفعل نجد كل من الزوجين المنفصلين‪ ،‬أو أحدهما الذي بادر‬
‫إلى االنفصال‪ ،‬يبالغ في تسويد صورة اآلخر وتحميله كل األوزار‪ ،‬مما يجعل سلوكه يبدو‬
‫حالً مشروعا ً يحمل له الخالص‪ .‬وال تستمد العدوانية من اإلحباط العالئقي وحده إالّ في عدد‬
‫محد من الحاالت التي تنتهي باالنطفاء والحياد‪ ،‬أما في الحاالت األخرى فإن القرين يتحول‬
‫إلى موضوع إلسقاط كل مصادر اإلحباط الوجودي‪ .‬وكأن مآسي الكيان الذاتي‪ ،‬وعثرات‬
‫الوجود وما تولده من احتقان نفسي وغيظ وحقد ورغبات في التشفي تنحصر كلها في العالقة‬
‫الزوجية المحبطة‪.‬‬
‫و من هنا يمكن فهم حاالت التشفي ومحاولة إنزال أشد األذى بالقرين فيما يتجاوز المبررات‬
‫الواقعية‪ -‬الموضوعية‪ .‬إنه يتحول إلى مصب الستقطاب كل طاقة العدوان المتراكمة من‬
‫مختلف مناحي الوجود‪ ،‬كما يمكن فهم ذلك اإلصرار العنيد على استمرار الرغبة في التشفي‬
‫خالل إجراءات الطالق وبعده‪ ،‬ورفض كل محاولة للتوافق على سياسة انفصال معقولة‪ ،‬و‬
‫إن إزاحة كل مصادر تفجر العدوان على قرين‪ -‬ضحية من اآلليات النفسية المألوفة‪ ،‬ويحدث‬
‫سد كله في القرين المطلق‪ ،‬وبين الخير الذي يتجلى في كل‬ ‫هنا انشطار ما بين الشر الذي يتج ّ‬
‫ما عداه‪ ،‬ويتيح هذا االنشطار تحرير المرء من الصراعات الذاتية‪ ،‬مما يسمح له بالشعور‬
‫باسترداد هناء العيش‪ ،‬واالنطالق في مشاريع وعالقات جديدة بعد أن ت ّم له الخالص من‬
‫مآسي الغبن الكياني التي أسقطت كلها على القرين المطلّق‪ ،‬و تؤدي هذه الحاالت عموما ً إلى‬
‫طمس مشاعر الوالدية تجاه األبناء وصوالً إلى تحويلها إلى ضدها على شكل نبذ عدواني‪،‬‬
‫حين تسقط عليهم نفس داللة السوء والشر التي أسقطت على القرين‪.‬‬
‫كما أن العدوانية تجاه القرين‪ -‬المطلّق قد تشتد وتتفاقم في حالة من الدفاع النفسي ضد أي‬
‫مشاعر ارتباط عاطفي ال زالت كامنة‪ ،‬وتفاقم العدوانية ضروري لتحقيق االنشطار حتى ال‬
‫يظل هناك أي مجال إلمكانية الشك بوجود مشاعر رغبة عاطفية‪ -‬جنسية تجاه هذا القرين‪،‬‬
‫قد تلّغم مشروع االنفصال‪ ،‬العدوانية هنا تقوم بدور مقاومة إغراء العودة إلى االرتباط بالقرين‬
‫المطلّق‪ ،‬وهو إغراء وارد في حاالت ال يستهان بها من تلك التي يعود فيها الزوج إلى زوجته‬
‫بعد انفصاله عنها‪ ،‬على خلفية من التجاذب العاطفي العميق تجاهها ذي الطابع المرضي‬
‫‪،‬واالقتراب من القرين يؤدي إلى إطالق آلية التباعد‪ ،‬بينما يؤدي االنفصال إلى إحياء دوافع‬
‫(‪)1‬‬
‫التعلق الكامن‪.‬‬

‫المحاضرة الخامسة عشر‪ :‬مدخل عام لمفاهيم نظرية أالنساق‬

‫(‪ )1‬جالل إسماعيل ‪،1999‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪88 ، 87‬‬

‫‪108‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫سيهدف هذا الفصل إلى التعريف بأهم المفاهيم التي تشكل نظرية االنساق وتفسر القوانين‬
‫المسيطرة على التبادالت داخلها‪.‬مهما كان توجهنا‪ ،‬ال يغيب عنا أن العرض يعبر عن" حل‬
‫مرضي لوضعية صراعية"‬
‫إذا كانت العالجات الفردية من قبيل التحليل النفسي والعالجات السلوكية والمعرفية تهتم بالفرد‬
‫على أساس أن المعاناة الموجودة لديه مرتبطة بحالة صراعية داخلية‪ ،‬أو أفكار ذاتية مختلة‪،‬‬
‫يحاول الشخص إزاءها العودة إلى حالة من التوازن األولي المتكيف‪ ،‬فإن المنظور النسقي‬
‫العالجي ينظر للفرد على أنه جزء من نسق يتفاعل‪ ،‬يؤثر ويتأثر بأفراده‪ ،‬وسيعبر العرض فيه‬
‫عن صراع داخل النسق‪ ،‬واختالل أو تهديد باالختالل فيه‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ستحاول المقاربات العالجية العمل حول هذا النسق‪ ،‬لفهم وظيفة العرض فيه‪ ،‬من حيث‬
‫ما يسمح به أو يحققه من وظائف توازن داخلي من جهة‪ ،‬وما يمنعه أو يحول دون حدوثه ‪-‬‬
‫كونه يشكل تهديدا على النسق‪ -‬من جهة أخرى‬
‫‪.1‬نظرية االنساق‪:‬‬
‫ارتبطت المفاهيم النسقية بالعالجات األسرية خصوصا‪ ،‬وبمجاالت علم النفس بصفة عامة‪ ،‬من‬
‫خالل التدخل على الجماعات المختلفة‪.‬‬
‫وفي الواقع‪ ،‬ترتبط المفاهيم النسقية فقط بمجال علم النفس والعلوم االجتماعية‪ ،‬لكنها تمتد إلى‬
‫كل المجاالت التي تلتقي فيها مجموعة من العناصر بهدف أداء وظيفة معينة‬
‫محاضرات في النسقي‬
‫‪1.1‬مفهوم النسق‪:‬‬
‫يعبر مفهوم النسق أو النظام عن مجموعة من العناصر التي يحمل كل منها خصوصية معينة‪،‬‬
‫وتلتقي لتتفاعل فيما بينها‪.‬‬
‫في المجال الفردي‪ ،‬اهتم ‪ Perron Roger‬بمفهوم النسق الذي قاربه لمفهوم البنية النفسية (‪،‬‬
‫فيرى أن كل نسق أو نظام يعمل و فق ثالث معايير أساسية‪ ،‬تتمثل في‪:‬‬

‫‪ 2.1‬التكامل‪:‬‬
‫‪-‬أي أن العناصر المشكلة للنظام تكمل بعضها البعض في أدائها لوظائفها المختلفة‬
‫‪ 3.1‬قانون التنظيم الذاتي‪:‬‬
‫‪ -‬حيث أنه أمام أي تغييرات في المحيط سيعمد النظام إلى احداث تغييرات داخلية تسمح له‬
‫بالتكيف مع المعطيات الجديدة‪.‬‬
‫‪ 4.1‬التوازن الداخلي‪:‬‬
‫فكل ما يقوم به النسق من عمليات هدفها األساسي والنهائي‪ ،‬الوصول إلى حالة توازن وتكيف‬
‫مع المعطيات المحيطية واإلبقاء على التنظيم الذاتي أو استعادته في حالة حدوث خلل في‬
‫أحدها‪ ،‬وذلك بتعويض عمل العنصر المختل ‪.‬‬
‫فمن هنا نقول إن النسق األسري يبعث إلى مجموعة أفراد المشكلة لهذا النسق‪ ،‬وكل نسق‬
‫سواء كان أسريا أو مهنيا أو تعليميا يحمل أنساق تحتية‪ ،‬أي االفراد تجمعهم خصوصيات‬
‫(‪)1‬‬
‫عالئقية داخل النسق األسري أو المهني ‪.‬‬
‫(‪ )1‬السيد صالح حزين ‪ 1990‬اختبار دليل التفاعالت االسرية دراسة الصدق و الثباث ‪ .‬مجلة علم النفس العدد الثالث ً ص ‪.45‬‬

‫‪109‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ .2‬النظرية اآللية‪:‬‬
‫‪-‬لقد كانت أولى التطبيقات في مجال نظرية أالنساق متعلقة بالمجال اآللي‪ ،‬والدينامية الطاقوية‪.‬‬
‫‪ -‬في الطبيعة الشيء يختفي الشيء يخلق كل شيء يتحول‪-‬‬
‫‪-‬وعليه اهتمت الدراسات بمختلف العناصر الطبيعية وتفاعالتها فيما بينها‪ ،‬والطاقة التي‬
‫تحتاجها هذه العناصر‪ ،‬والتي تبعثها نحو المحيط‪.‬‬
‫‪-‬في سنة ‪ 1948‬حاول مجموعة من الباحثين اظهار العالقات الموجودة بين مختلف الظواهر‬
‫البيولوجية والطبيعية‪ ،‬والتشابهات التي تميز العناصر المميزة لها‪.‬‬
‫‪-‬توجه هؤالء الباحثين كان يهدف إلى االهتمام بالنظم أو االنساق المختلفة على أنها آالت تعمل‬
‫من خالل مجموعة قوانين تسيرها وتهدف إلى تحقيق الفعالية وتحقيق حد معين من التوازن‬
‫الداخلي‪.‬‬
‫‪-‬ومن هنا انبثق طوران للنظرية األلية من حيث تطور مفاهيمها‪ ،‬فظهرت ‪:‬‬
‫‪ 1.2‬النظرية اآللية األولى‪:‬‬
‫‪-‬حيث كانت تهتم داخل النسق األسري بالتبادالت المميزة لألشخاص‪ ،‬دون االهتمام أو النظر‬
‫إلى العوامل الخارجية التي قد تطرأ في حضور المعالج‬
‫‪2.2‬النظرية اآللية الثانية‪:‬‬
‫‪-‬وجود المعالج سوف يؤثر على العالقات والتعامالت‪.‬‬
‫‪-‬وهي جاءت لتصحيح مفاهيم اآللية األولى فيما يتعلق بالعالج األسري والتي جاءت بأن وجود‬
‫(‪)1‬‬
‫المعالج حتما سيؤثر بالدينامية العالئقية باألسرة‪.‬‬
‫‪ -‬يعد )‪ Gregory Bateson (1904/ 1980‬هو أول من وضع أسس العالج األسري‬
‫النسقي‪ ،‬حيث قامت أولى مالحظاته على قبائل بدائية في غينيا الجديدة‪ ،‬ومعها الحظ وأدرك‬
‫تأثير المحيط األسري بصفة خاصة‪ ،‬والمحيط االجتماعي بصفة عامة في تحديد سلوكيات الفرد‬
‫وتفاعالته‪.‬‬
‫‪-‬وقد سرد من هذه المالحظات في كتابه ‪، "Nawen‬حيث تحدث في هذا الكتاب عما سماه‬
‫بأصل أو منشأ السلوكات الشبه الفصامية‪schismogénèse.‬‬
‫‪-‬حيث ذكر بعض أنواع التبادالت اإلنسانية التي قد تؤدي إلى اضطرابات في التواصل‪،‬‬
‫اضطرابات شبيهة بتلك األعراض التي نجدها عند الفصاميين‪ .‬وعليه تتميز كل التبادالت‬
‫اإلنسانية بنوعين من العالقات أساسية‪ ،‬وهما ‪:‬‬
‫‪/ 1‬تناظرية ‪ Symétrique‬من حيث األدوار والمكانة‬
‫‪/ 2‬تكاملية ‪ Complémentaire‬من حيث األدوار و المكانة وحتى الوضعية أو الموقف‪.‬‬
‫‪-‬و قد أشار(‪ )Gregory Bateson‬إلى أن ما يميز الشخصية الشبه الفصامية‪ ،‬فيما قد يسميه‬
‫الحقا بالتعليمة المزدوجة أو القيد المزدوج‪ ،‬حيث يرجع ظهور االضطرابات الفصامية في‬
‫توظيف األفراد إلى تناقضات موجودة في الرسائل التي تبعثها األم ألبنائها‪ ،‬أي أنها تعطي‬
‫تعليمة وتعليمة مناقضة في الوقت نفسه‪ ،‬فصعوبة تفسير هذا النوع من الرسائل يؤدي بالفرد‬
‫إلى اللجوء إلى نوع من االنشطار كدفاع أمام الوضعيات صعبة الحل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫الكندي احمد ميارك ‪ 1993‬علم النفس االسريى الكويت مكتبة الفالح للنشر و التوزيع ص ‪23‬‬

‫‪110‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ .3‬مدرسة ‪∙:Palo alto‬‬


‫أسسها ‪ Bateson‬وهو مؤسس معهد البحوث النفسية‪ ،‬تأسست هذه المدرسة بالواليات‬
‫المتحدة األمريكية‪ ،‬حيث ضمت هذه المدرسة مجموعة من الباحثين من أمثال ‪mead‬‬
‫‪،Margret‬وقد مثلت هذه المدرسة انتقاال نوعيا من المفاهيم التحليلية الكالسيكية‪ ،‬من قبيل‬
‫النزوات‪ ،‬الصدمات‪ ،‬الكبت إلى مفاهيم أخرى شكلت منطلقات للنسقية األسرية‪ ،‬مثل مفاهيم‬
‫التناقضات والمفارقات‪ ،‬المستويات المنطقية للتواصل وكذا اآللية‪.‬‬
‫حيث واصل هذا الفريق التفكير في تفسيرات محتملة االضطراب الفصام‪ ،‬الذي كان يتم‬
‫ارجاعه إلى اضطرابات في الوسط العائلي‪،‬و في سنة ‪ 1912‬غادر باتسون الفريق والتحق به‬
‫‪ ،watzlawike Paul‬والذي جاء بمفاهيم جديدة من قبيل مفهوم التوازن األسري‪ .‬و في سنة‬
‫‪ 1913‬أصدر ‪ Watzlawick Paul‬كتابه ‪، Une logique de la communication‬‬
‫حيث يعتبر هذا الكتاب أساس المفاهيم في النظريات األسرية النسقية وأكثرها شرحا للمفاهيم‬
‫األساسية‪ .‬وقد ركز ‪Watzlawick‬وقبله ‪ Bateson‬على التطبيقات النظرية األولى والثانية‬
‫في مجال العالجات األسرية‪.‬‬
‫و يعتبر مفهوم النسق المفتوح والنسق المغلق ذا أهمية في فهم هتين النظريتين‪ ،‬فالنسق المفتوح‬
‫هو ذلك الذي يتقبل دخول عناصر جديدة وتفاعالت مع المحيط الخارجي‪ .‬وقد أدت هذه المفاهيم‬
‫إلى التفكير في األسرة وسياقاتها‪ ،‬فاألسرة نسق مغلق لكنه ال ينبغي أن تموضع في وضعية‬
‫صلبة‪ ،‬فقد تتعرض األسرة إلى مدخالت خارجية تستلزم منها ردود أفعال متواصلة‪ ،‬وعليه‬
‫يجب أن تتميز األسرة بنوع من المرونة بحيث أنها تحافظ على أساسياتها دون أن يعني ذلك‬
‫أنها غير قادرة على ادخال عناصر جديدة‪ ،‬وتغييرات في أسلوبها وحياتها ‪ ،‬و ان ردود‬
‫األفعال األسرية تكون إما سلبية بالحفاظ على حالتها األولى وعدم االستجابة لمدخالت‬
‫خارجية‪ ،‬ويمكن أن يكون رد الفعل اإليجابي بحيث أنها تقبل المدخالت الجديدة على النسق‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪ .4‬نظرية االتصال‪:‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫ويميل العلماء السلوكيين على تغليب النظرة اآللية لمفهوم االتصال على أساس مضاهاته‬
‫للمعلومات التي تجري في آلة تشغيل المعلومات‪ ،‬فيرون أن (الحدث االتصالي )يتضمن‬
‫مصدرا أو شخصا مرسال ينقل إشارة أو رسالة خالل قناة إلى المكان المقصود‪ ،‬أو الشخص‬
‫المستقبل‪.‬بينما يركز علماء النفس االجتماعي على أهمية (التفاعل والسياق الذي تحدث به‬
‫االتصاالت) ويساعد االتصال في الوصول إلى وحدة في التفكير وظهور للسلوك‬
‫التعاوني‪،‬وحين تكون وسائل االتصال سليمة فإنها تؤدي بالفرد إلى اإلحساس باالنتماء إلى‬
‫الجماعة‪.‬ويلعب االتصال دورا جوهريا في أي جماعة لحل المشكالت واتخاذ القرارات بصورة‬
‫جماعية‬

‫(‪)1‬‬
‫الكندي احمد ميارك ‪ 1993‬مرجع سابق ص ‪25‬‬

‫‪111‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫يعرف شانون ‪(SCHANON) 1949‬االتصال بأنه‪ ":‬عبارة عن مرسل )‪ (E‬يرسل رسالة‬


‫)‪(M‬إلى مستقبل )‪ (R‬في شكل رموز )‪ (cd‬وبواسطة قناة)‪(Cn‬‬
‫تعريف بيرون (‪)(PIERON) : 1968‬االتصال هو نقل المعلومة معينة‬
‫تعريف موسكوفيسي (‪)(MOSCOVICI):" 1984‬ظواهر االتصال االجتماعي هي تلك‬
‫الرسائل اللغوية وغير اللغوية (صور‪-‬ايماءات) المتبادلة بين األفراد والجماعات واالتصال‬
‫وسيلة لنقل المعلومات والتأثير على اآلخرين"‬
‫تعريف نوربار سيالمي (‪)(N.Silamy)1996‬يرى بأن االتصال هو العالقة بين األفراد‪.‬‬
‫فاالتصال هو قبل كل شيء إدراك ‪ ،‬ويستلزم نقل مقصود أو ال لمعلومات تهدف إلى اإلخبار أو‬
‫التأثير على األفراد أو مجموعة من المستقبلين‪ ،‬ال يختزل االتصال في نقل المعلومات بل يحدث‬
‫أيضا رد فعل من المستقبل واستجابة من المرسل أي كالهما يؤثر في اآلخر‬
‫يمكن تعريف االتصال على أنه ‪ :‬انتقال المعلومة أو األفكار أو االتجاهات أو العواطف من‬
‫شخص أو جماعة إلى شخص أو جماعة أخرى‪.‬‬
‫أهمية االتصال على المستوى الفردي و العالجي‪:‬‬
‫المستوى العالجي‪ :‬ان البرامج العالجية المعرفية و المعرفية الكالسيكية هي محاولة تغيير‬
‫افكار السلبية الى االيجابية و اعتماد دروب السلوك عليها وهي عملية اتصال تحذت بين‬
‫االخصائي و العميل‪ ،‬ضف الى ذلك انواع المقابالن االرشادية و العالجية‪.‬‬
‫‪ -‬على المستوى الشخصي يقوم االتصال بخفض التوترات النفسية و التعبير عن الشخصية‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وزيادة المعارف و الخبرات‬
‫∙‪. 5‬مفهوم السياق‪:‬‬
‫‪-‬هو كل إطار يضم السلوك التفاعلي وغالبا ما يكون مجاال معقدا من الضروري أخذه بعين‬
‫االعتبار‪ ،‬من أجل ذلك سوف نعتمد في تبادالتنا مع العائالت على األسئلة الدائرية ‪circulaire‬‬
‫التي تهتم بظروف كل فرد من أفراد النسق األسري‪ ،‬ويتم التركيز عن " كيف ظهر السلوك‪،‬‬
‫وليس لماذا ظهر السلوك" حيث يطلب من المفحوصين وصف سلوكيات الغير والظروف‬
‫المحيطة‪ ،‬بمصطلحات يمكن أن تبعث إلى أجوبة مفتوحة تحقق التغيير في النسق األسري‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة انه في المقابالت األسرية يحاول المعالج أن يضع األفراد أمام مجموعة عناصر‬
‫عالئقية قد تغيب عنهـم‪ ،‬حيث يحاول البحث عن معلومات من قبيل‪ :‬من له عالقة بالوضعية‬
‫الحالية؟ ماهي الظروف التي يظهر فيها العرض؟ متى يختفي العرض؟ كيف تؤثر الوظيفة‬
‫الحالية للعرض في توسيع أدوار األفراد داخل النسق؟‬
‫‪ 1.5.‬نموذج النسق المغلق والنسق المفتوح‪:‬‬
‫‪-‬كان ‪ Ledwig‬أول من اهتم بهذا المفهوم حيث انطلق من النموذج المفتوح الدائم التفاعل مع‬
‫المحيط‪ ،‬منطلقا من مفاهيم بيولوجية وصوال إلى المفاهيم المتعلقة بالظواهر النفسية ‪ .‬حيث تم‬
‫اقتراح نموذج النسق المغلق والذي يبعث بدوره إلى ظاهرة انعزال مجموعة معينة‪ ،‬على‬
‫عكس نموذج النسق المفتوح الذي يعبر عن فيض دائم من التبادالت مع المحيط‪ .‬وبالنسبة‬
‫(‪)1‬‬
‫إبراهيم عبد الستار‪ 1994‬العالج النفسي السلوكي المعرفي الحديث ‪ .‬اساليبه و ميادينه التطبيقية القاهرة دار ا الفجر للنشر و التوزيع ص ‪139‬‬

‫‪112‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫لألسرة فهي من ناحية عبارة عن نسق مغلق يسعى دائما للمحافظة على توازنه الداخلي‪،‬‬
‫ويملك خصائص ثابتة تحدد قواعد التبادالت في الحياة اليومية‪ ،‬األدوار والمكانات ‪.‬ومن ناحية‬
‫أخرى تعتبر العائلة كذلك نسقا مفتوحا‪ ،‬من حيث الظواهر التطورية المرتبطة بتغير الحياة‪،‬‬
‫والتي يمكن أن تعيشها في فترات مختلفة‪ ،‬والتي تؤثر في التوازن األصلي الموجود داخل‬
‫النسق األسري‪ .‬حيث تواصل العائلة وبصفة دائمة و مستمرة عن تنظيم جديد‪ ،‬واستعادة‬
‫التوازن أمام الوضعيات الحياتية الجديدة‪.‬‬
‫‪ 2.5‬المسلمات البراغماتية للتواصل‪:‬‬
‫‪-‬المسلمة األولى " ‪:‬استحالة عدم التواصل"‬
‫‪-‬حيث يشير ‪Watzlawick‬أن كل سلوك مهما يكن يحمل وظيفة تواصلية‪ ،‬وله قيمة‬
‫للمحيطين به سواء كان ذلك نشاطا أو خموال أو غير ذلك‪ ،‬بحيث‬ ‫رسالة يبعثها شخص‬
‫سيؤثر على استجابة المحيطين به‪.‬‬
‫‪-‬المسلمة الثانية " ‪ :‬مستويات التواصل ' محتوى‪ /‬عالقة'‬
‫‪-‬كل عملية تواصل وتبادل بين شخصين تحتوي على مستويين‪:‬‬
‫أ‪ -‬المحتوى المضمون ‪ ،contenu‬أو الرمز ‪ indice‬ويعبر عن الرسالة اللفظية أو السلوكية‬
‫التي يبعثها شخص إلى شخص آخر‪ ،‬وذلك بمعزل عن الظروف المحيطة بهما‪.‬‬
‫ب‪ -‬العالقة ‪، (relation‬أو األمر ‪، ordre‬وهي التي تحدد الخصوصيات التي تميز التبادالت‬
‫بين األشخاص‪ ،‬تبعا للسياق العالئقي والمحيطي الذي يتواجدون فيه‪.‬‬
‫‪ 3.5‬المسلمة الثالثة ‪ ،‬ترقيم تسلسل األحداث‬
‫حسب هذه المسلمة فإن طبيعة التبادالت بين كل شخصين ستتميز بفهم خاص لكل منهما بطبيعة‬
‫هذه العالقة‪ ،‬ففي عالقة صراعية مثال كل واحد منهما سيرجع بداية الصراع إلى الشخص‬
‫اآلخر‪ ،‬أي أن تنقيط تسلسل األحداث وبدايتها سيختلف من شخص إلى آخر‪ ،‬حيث يرى كل‬
‫بداية الصراع من منظوره هو‪ ،‬ومثل هذه الوضعيات هي ما سيؤدي في الغالب‪ ،‬إلى التصعيد‬
‫التناظري في العالقة بين أ و ب‪.‬و يهدف العالج إلى تحقيق" ما وراء التواصل "‬
‫‪(communication-méta une‬أي السماح للزوجين بالتبادل حول طرق تواصلهما‪،‬‬
‫ومحاولة الوصول إلى المنطلق الفعلي لمشاكلهما‪ ،‬وكيف وصال إلى ما هما عليه اآلن‪.‬‬
‫‪ 4.5‬المسلمة الرابعة " ‪:‬التواصل اللفظي والتواصل غير اللفظي"‬
‫أي أن التبادالت بين شخصين تحمل محتويين لفظي وغير لفظي‪ ،‬وذلك ال يمنع من بعث‬
‫رسالة بينهما‪.‬‬
‫‪ 5.5‬المسلمة الخامسة " ‪:‬التبادالت التناظرية والتكاملية"‬
‫‪-‬فالعالقات اإلنسانية بصفة عامة تتم بنمطين‪ ،‬إما أن تكون تكاملية أو تناظرية‪.‬‬
‫أ‪ /‬العالقات التناظرية‪:‬‬
‫‪-‬تفرض هذه األنواع من العالقات أن التبادل يتم بين طرفين من مستوى واحد ووظيفتين‬
‫متساويتين‪ ،‬ودورين متقاربين في النسق‪ ،‬في األسرة ‪.‬‬

‫ب‪ /‬العالقات التكاملية‪:‬‬

‫‪113‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫تتميز غالبا هذه األنواع من العالقات أشخاصا من أجيال أو وظائف مختلفة‪ ،‬حيث أن دور‬
‫البعض سيكمل دور اآلخر‪ ،‬كما يمكن أن تكون هناك عالقات تكاملية بين أشخاص من نفس‬
‫المستوى ‪ ،‬أي تجمعهم في األصل عالقات تناظرية(‪ ،‬وذلك في وضعيات ينبغي فيها إيجاد‬
‫حلول وسطى لتجنب الوصول إلى تصعيد تناظري )صراع ( في العالقة‪ ،‬مثال بين الزوجين‬
‫ال يتقبل أحدهما رأي اآلخر‪ ،‬فحين سيحاول كل منهما فرض أريه سيحدث هنالك نوع من‬
‫التصعيد التناظري‪ ،‬فال أحد منهما يتقبل أري اآلخر‪ ،‬وال أحد يتوقف عن الصراع‪ ،‬فلو عمد‬
‫كل أحدهما في هذه العالقة إلى نوع من التنازل أي التكامل في التبادالت لما وصلت هذه‬
‫العالقة إلى درجة الصراع‪ ،‬حيث سيتبنى أحدهما بما يسمى بالوضعية المنخفضة‪،‬‬
‫ويترك الوضعية المرتفعة وذلك بصفة مؤقتة‪.‬‬
‫‪ 6.5‬المسلمة السادسة " ‪:‬مبدأ عدم التجميع"‬
‫أنه مبدأ أساسي ينبغي االنتباه إليه‪ ،‬فالنسق أو النظام يساوي مجموعة العناصر المشكلة له‪،‬‬
‫فمثال من الخطأ أن نقول أن عائلة معينة تتكون من الفرد أ‪ +‬ب‪ +‬ج‪ ،‬وذلك الن هذه العائلة‪،‬‬
‫أو أي نسق آخر يحتوى على خصوصيات تميز العالقات والتبادالت بين األفراد‪ ،‬خصوصيات‬
‫شخصية‪ ،‬خصوصيات عالئقية‪ ،‬خصوصيات مرتبطة بالسياق الذي يتواجد فيه األفراد‪.‬‬
‫ففي هذه العائلة لدينا‪ :‬أ بخصوصياته وشخصيته‪ +‬ب بخصوصياته وشخصيته‪ +‬ج‬
‫بخصوصياته وشخصيته‪ +‬اإلطار أو السياق الذي يتواجدون فيه‪ +‬طبيعة العالقات المميزة‬
‫(‪)1‬‬
‫للتبادالت بينهم‪.‬‬
‫‪. 6‬التواصل المرضي‪:‬‬
‫بعد أن تعرضنا ألهم أبعاد التواصل ينبغي حاليا أن نعرف أنه مهما كانت التبادالت بين‬
‫مجموعة أشخاص يمكن أن تظهر سلوكيات من شأنها أن تعيق عملية التواصل‪ ،‬وتجعلها‬
‫مختلة بالمقارنة مع التواصل العادي‪ ،‬هذا الخلل نلمسه في مستويين‪:‬‬
‫‪ .1‬من ناحية يتعلق بآليات قد يستعملها الفرد بصفة واعية أو غير واعية في تبادالته‬
‫‪ .2‬ومن ناحية أخرى قد يمس الخلل أحد محاور أو مسلمات التواصل التي تعرضنا إليها‬
‫سابقا‪.‬‬
‫ومن أهم اآلليات المرضية التي يمكن إيجادها في هذا الجانب نجد‪:‬‬
‫‪ 1.6‬الرفض‪:‬‬
‫ففي عملية التبادل بين أ و ب‪ ،‬يمكن أن يرفض ب االستجابة للرسالة التي يبعثها أ‪ ،‬حيث أنه‬
‫يدر ك أ كشخص يسبب صراعات نفسية وعالئقية‪ ،‬فيجد ب نفسه أمام خيارين‪ ،‬كالهما قد‬
‫يحمل معاناة بالنسبة له‪ ،‬ما سينطوي تحت رغبات أ‪ ،‬ليستجيب الص ارع بقبول التواصل‬
‫معه‪ ،‬فإما أنه سيرفض التواصل مع أ‪ .‬وينطوي تحت رغباته‪ ،‬وان كانت ال تناسبه‪ ،‬وجدير‬
‫بالذكر أنه في الحالتين‪ ،‬سواء قبلنا أو رفضنا االستجابة‪ ،‬فإننا نتواصل بشكل من األشكال‪.‬‬
‫‪ 2.6‬آلية اإلنكار‪:‬‬
‫هي آلية ال شعورية‪ ،‬وهنا ال يتم رفض فقط اآلخر والرسالة التي يبعثها بصفة واعية‪ ،‬وا أصال‬
‫الرسالة التي يبعثها اآلخر‪ ،‬فاإلنكار كما تتم مالحظته في التواصل المرضي‪ ،‬ال يخص صحة‬

‫(‪)1‬‬
‫إبراهيم عبد الستار‪ 1994‬مرجع سابق ‪143 . 141‬‬

‫‪114‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫أو خطأ التعريف الذي يعطيه أ‪ .‬عن نفسه‪ ،‬ولكن الشخص ب‪ .‬ينكر أصاال حقيقة أ‪ .‬كمصدر‬
‫لهذا التعريف‪.‬‬
‫‪ 3.6‬آلية اإللغاء‪:‬‬
‫أي أن الشخص يبعث الرسالة ثم ضدها‪ ،‬أي أنه يقول شيئا ثم يلغيه مباشرة بعد ذلك مما يجعل‬
‫تلك الرسالة ذات طابع غير واضح وغير مفهوم‪ ،‬ففي بعض األحيان سيؤدي أدوار وسلوكيات‬
‫متناقضة غير متجانسة بهدف جعل ب في حالة انزعاج‪ ،‬قد تبعثه إلى التخلي عن التواصل‬
‫أمام هذه السلوكيات المتناقضة‪ ،‬والتي يمكن أن تكون ارجعة إلى كون أ مجبرا على عملية‬
‫التواصل‪ ،‬مما سيؤدي به إلى إيجاد آليات تعيق هذه العملية‪.‬‬
‫‪ 4.6‬استخدام العرض كاستجابة للتواصل‪:‬‬
‫‪-‬في النظرية النسقية ال يغيب عنا (كما هو الحال في العالجات الفردية)‪ ،‬كون العرض عبارة‬
‫عن حل مرضي لوضعية صعبة غير محتملة داخل النسق األسري‪ .‬فكل عرض له وظيفة في‬
‫النسق‪ ،‬ويسمح بتحقيق أهداف معينة داخلها‪ ،‬ويمنع ظهور أو تفاقم حاالت صراعية أخرى‬
‫(‪)1‬‬
‫(وهو ما يمكن أن يقابل الفوائد الثانوية في العالجات‬
‫‪. 7‬مفهوم الرابطة المزدوجة‪:‬‬
‫هي شكل مضطرب من أشكال التبادالت أو التواصل‪ ،‬حيث أن نفس الرسالة تحتوي على‬
‫تعليمة األمر ونقيضها في وقت واحد‪ ،‬مما يجعل المتلقي في وضعية صعبة‪ ،‬وأمام استحالة أو‬
‫صعوبة االستجابة لما ينتظر منه‪ ،‬مثل أن نقول لشخص ما على نحو السلطة‪ :‬كن عفويا (‬
‫أمره أن يكون عفويا‪ ،‬وأمره أن يتكلم‪(.‬‬
‫‪-‬وفي العالجات األسرية من الضروري االنتباه إلى هذه التعليمة المزدوجة والمتناقضة‪ ،‬حيث‬
‫أن األسرة التي تأتي لطلب المساعدة تحضر برسالة ضمنية‪ " ،‬غيرنا ولكن ال تغيرنا"‬
‫(‪. )Changez nous mais surtout ne nous changez pas‬أي حينما يحضرون مع المفحوص المعني‬
‫فإنهم يطلبون من المعالج أن يعدل أو يغير السلوك المزعج في المفحوص‪ ،‬ولكن دون أن يمس‬
‫(‪)1‬‬
‫التوازن المرضي الذي حققه العرض‪.‬‬

‫المحاضرة السادسة عشرة‪ :‬المقابلة في العالج النسقي األسري‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫سنتطرق في هذا الفصل إلى أهم المفاهيم المتعلقة بالمقابلة في العالج النسقي األسري‪ ،‬وذلك‬
‫انطالقا من أول لقاء‪ ،‬من تحليل الطلب‪ ،‬بعناصره الثالثة وتعيين العالج األسري‪ ،‬واألداة‬
‫األساسية لفهم األسرة‪ ،‬أال وهي المخطط األسري ‪génogramme‬‬
‫‪.1‬الرسالة وأبعادها‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫إبراهيم عبد الستار‪ 1994‬مرجع سابق ‪. 147‬‬

‫(‪ )1‬التميمي نادية ‪ . 1418‬فعالية برنامج العالقلني العالجي االنفعالي في حل بعض المشكالت الزوجية‪ .‬رسالة ماجستير كلية التربية جامعة الملك‬
‫سعود ص ‪90 .89‬‬

‫‪115‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫مما سبق نستنتج أن عملية االتصال هي عملية تبادل بين طرفين تضم مجموعة قوانين‬
‫وخصائص‪ ،‬بحيث أن خلل أو غياب أحد القوانين قد يؤدي إلى خلل أو اضطراب ‪ ،‬وبالتالي‬
‫الوقوع في نوع من التواصل المرضي‪ ،‬ولذلك فإن كل رسالة تحمل مجموعة أبعاد‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ‪ /‬المستوى النحوي‪:‬‬
‫‪-‬أي مجموعة القواعد النحوية والخصائص اللغوية التي تجعل من الكالم أو الرسالة مفهوما‬
‫من الناحية اللغوية‪ ) .‬فعل – فاعل – مفعول به‪(.‬‬
‫ب‪ /‬المستوى الداللي‪:‬‬
‫وانما ينبغي أن يكون لها دالة ومعنى واضح و منطقي‪ -.‬فكل رسالة ال تتوقف عند صحة‬
‫الجانب النحوي‪.‬‬
‫ت‪ /‬المستوى البراغماتي‪:‬‬
‫أي أن الرسالة التي يتم بعثها تستجيب لقواعد التواصل العادي‪.‬‬
‫‪2 .‬المقابلة األولى‪:‬‬
‫‪-‬في أول مقابلة يعرف األخصائي عن نفسه بمجرد أن يلتقي باألسرة‪ ،‬حيث أنه في بعض‬
‫األحيان يعرف ليس فقط عن شخصيته المهنية وانما حتى عن شخصيته دائما في حدود معينة‪،‬‬
‫وذلك ما يسمح له أن يوحي للعائلة التي أمامه أنه ينتمي لنسق وبتالي يستطيع فهمها‪.‬‬
‫يطلب األخصائي من العائلة من يمكنه التعريف باألسرة‪ ،‬ومن يقدم الطلب (سبب مجيء العائلة‬
‫لالستشارة‪(.‬‬
‫‪-‬مالحظة‪ :‬المعالج هنا ينبغي أن يهتم بأدق التفاصيل التي يمكن مالحظتها على العائلة‪ ،‬وذلك‬
‫من أول لحظة يبدأ فيها التبادل ( التبادالت األولية و تتم عبر الهاتف ألخذ موعد‪ ،‬طريقة‬
‫دخول العائلة‪ ،‬طريقة توزيع األفراد حول المعالج وهذا مما قد يعطيه عناصر ذات دالله حول‬
‫طبيعة التبادالت بين األفراد في النسق العالجي)‪.‬‬
‫أ ‪.‬تحليل الطلب‪:‬‬
‫‪-‬على خالف العالجات الفردية غالبا ما ينبغي أن تحمل عناصر الطلب أبعاد أساسية‪ ،‬والتي‬
‫تبرر اللجوء إلى العالج األسري‪ ،‬هذه العناصر هي التي ستعطينا الحق في توصيف العالج‬
‫األسري‪.‬‬
‫فبداية كل عالقة عالجيه سيتطلب حتما تحليل الطلب وتقييم الوضعية التي جاء بها أفراد العائلة‪،‬‬
‫كان هذا الطلب قد يحمل نوعا من التردد‪ ،‬حيث أنه في النسق األسري سيجد الفاحص مجموعة‬
‫من القوانين والخصائص التي تحقق التوازن الداخلي لألسرة من خالل االضطراب أو العرض‬
‫الذي تتقدم به‪ ،‬والذي يمنح لكل فرد بإيجاد ايجابيات من خالل الوظائف المختلفة التي يقوم بها‬
‫العرض‪ ،‬فالعرض في النسق األسري يسمح بأشياء ويمنع حدوث أخرى‪ ،‬وعليه قد يؤدي إلغاء‬
‫العرض إلى مباشرة دون االهتمام بوظيفته إلى التهديد بإخالل التوازن الهش والمرضي الذي‬
‫تبنته العائلة‪ ،‬لذلك كما أسلفنا تكون الرسالة التي تأتي بها األسرة تحمل في ضمنها تناقض )‬
‫غيرنا‪ ،‬ولكن ال تغيرنا‪.(.‬‬
‫محاضرات في العالج‬
‫‪-‬وعليه ينبغي الحرص على أن تتوفر ثالث عناصر أساسية مهمة في توصيف العالج األسري‪،‬‬
‫وهي‬
‫ب‪.‬المفحوص المعني‪:‬‬

‫‪116‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪-‬هو الشخص العرض الذي تأتي العائلة ألجله لطلب االستشارة‪ ،‬والمفحوص المعني ال يطلب‬
‫المساعدة‪ ،‬وانما المحيطون به هم من يرون أنه يخل بتوازن أسرتهم‪.‬‬
‫ج ‪.‬االدعاء أو التفويض‪:‬‬
‫‪-‬حيث أنه سواء تعلق األمر بطفل مراهق أو راشد‪ ،‬فإن شخص من أفراد األسرة أو المحيطين‬
‫به هو من سيطلب المساعدة من أجل المفحوص المعني‪.‬‬
‫د‪ .‬المعاناة المشتركة‪:‬‬
‫‪-‬هذا الشرط أساسي لتوصيف العالج األسري‪ ،‬حيث أن المفحوص المعني ال يعاني بالقدر‬
‫الذي يعانيه أفراد األسرة‪ ،‬حيث تظهر المعاناة من أغلي أو كل األسرة‪ ،‬ممن يعاني من‬
‫(‪)1‬‬
‫اضطراب المعني أو من ظروف مرتبطة بصفة عامة بوضعية األسرة‪.‬‬
‫‪. 3‬أدوات التحليل في العالجات األسرية ‪:‬المخطط األسري‪:‬‬
‫‪-‬المخطط األسري هو عبارة على نوع من الرسم أو التخطيط الذي يهدف إلعطاء مخطط عن‬
‫األسرة في مختلف المستويات ومختلف األجيال غالبا ما يضم أسماء األشخاص‪ ،‬تواريخ‬
‫الميالد‪ ،‬تاريخ الزواج‪ ،‬الطالق‪ ،‬وكذلك األسماء‪ ،‬وفي بعض األحيان المهن والمستوى‬
‫التعليمي‪ ،‬كما يمكن أن يحتوي المخطط على أحداث هامة في التاريخ األسري‪ ،‬فهو يعتبر أداة‬
‫هامة للحصول على نظرة شاملة عن هيكلة األسرة‪ ،‬يبدأ المعالج بوضعه منذ المقابالت األولى‪،‬‬
‫ويتم اثرائه واضافة مختلف العناصر عليه أثناء الحصص‪ ،‬ومن أهم الرموز المستعملة في‬
‫المخطط األسري ما يلي‪:‬‬

‫من بعض الرموز التي يضمها المخطط هي بصفة عامة‪:‬‬


‫الذكور في العائلة‬
‫اإلناث‬
‫المفحوص المعني ذكر‬
‫المفحوص المعني أنثى‬
‫في حالة الوفاة ذكر وضع عالمة ‪ X‬داخل المربع أو داخل الدائرة في حالة وفاة األنثى‪ ،‬األرقام‬
‫(‪)1‬‬
‫داخل الشكل نشير إلى تاريخ الميالد‪ ،‬الزواج ‪ ،‬الطالق‪.‬‬

‫‪. 4‬المدرسة البنائية ‪ Ecole structurale‬ل ‪Salvador Minuchin‬‬


‫تمهيد‬
‫يعتبر ‪ Minuchin Salvador‬رائد المدرسة البنائية‪ ،‬وقد بدأ في نشر أفكاره مع ‪Montalvo‬‬
‫انطالقا من ‪ 1900‬حينما هاجر إلى الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫ومع أن معظم التقنيات العالجية تنحدر من النظريات التي تتبناها وتفسر السلوكيات من خاللها‪،‬‬
‫؛يمكن أن ننفي التأثير الموجود في وضعية المعالج الذي يؤثر بدوره من خالل تاريخه الخاص‬

‫(‪ .)1‬الزيادي محمود ‪ 1987‬علم النفس العيادي التشخيص و العالج القاهرة النكثبة االنجلو المصرية ‪201‬‬

‫مرجع سابق ص ‪201‬‬ ‫(‪ .)1‬الزيادي محمود ‪1987‬‬

‫‪117‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫وقد قدم ‪Minuchin‬في ‪ 1910‬بعض المؤشرات عن تاريخه الشخصي‪ ،‬والتي أثرت على‬
‫التقنية البنائية التي تبناها‪ ،‬والتي تعتمد على بعدين أساسيين‪:‬‬
‫أ‪ .‬كيف نحافظ على فردانية األشخاص‬
‫(‪)2‬‬
‫ب‪ .‬وفي نفس الوقت القدرة على المحافظة على التبادالت والشعور باالنتماء‬
‫في ‪، 1910‬التحق ‪ Minuchin‬بعيادة توجيه األطفال في فيالدلفيا‪ ،‬وطور العمل العيادي فيها‬
‫معطيا إياه البعد األسري‪ .‬وفي هذه الفترة‪ ،‬ضم إليه ‪، Haley Jay‬ومن تبادالتهما انبثق‬
‫نموذجان للعالج األسري‪ ،‬يبعثان لمفاهيم متقاربة بالرغم من اختالهما وهما‪ :‬النموذج البنائي‬
‫الذي طرحه ‪ Minuchin‬عام ‪ 1010‬في كتابه ‪ .Haley‬بريادة و النموذج االستراتيجي»‪،‬‬
‫» ‪familles en thérapie‬‬
‫وبصفة عامة‪ ،‬يمكن القول أن هذان النموذجان يجتمعان في مجموعة من النقاط المشتركة‪ ،‬من‬
‫قبيل‪:‬‬
‫∙االهتمام باألفراد وتبادالتهم في سياق يؤثر عليهم وعلى بعضهم البعض‪.‬‬
‫∙األهمية المعطاة لدورة الحياة التي تتواجد فيها األسرة‪ ،‬ومرحلة التطور األسرية و األهمية‬
‫المعطاة للتغيير الذاتي و تأثير وتأثره بتغيير النسق األسري‪.‬‬
‫وما يجدر ذكره هو أن أولى خطوات ‪ Minuchin‬في مجال العالج كانت مرتبطة بالمفاهيم‬
‫التحليلية‪ ،‬إال أنه لم يكن مقتنعا بفعالية المنظور التحليلي في فهم الديناميات العائلية‪ ،‬والدور‬
‫الفعلي للمعالج فيها كجزء من النسق العالجي‪ .‬بعد بضع سنوات من التعاون مع ‪Montalvo‬‬
‫وبعد متابعته تكوينا في العالج النفسي التحليلي‪ ،‬التحق خالل الخمسينيات بمدرسة خاصة‬
‫تستقبل فئات األشخاص المعوزين‪ ،‬أساسا من المراهقين والشباب؛ وحاول هنا تطوير تقنيته‪،‬‬
‫معوضا التقنيات التقليدية بطريقة تدخل جديدة تضم ثالث عناصر أساسية‪:‬‬
‫‪ .1‬هذا االتجاه يفضل التعامل مع األسر أكثر من األفراد في حل المشكالت‪.‬‬
‫‪ .2‬يهتم أكثر باألوساط الفقيرة‪ :‬بعد أن كان يرى أن معظم التقنيات العالجية كانت تنطلق‬
‫من األوساط االجتماعية المتوسطة ليتم بعدها نشر هذه التقنيات إلى باقي األوساط‪.‬‬
‫‪ .3‬االعتماد أكثر على تقنيات تدخل ملموسة‪ ،‬عوض اللجوء إلى النظريات التي يراها‬
‫(‪)1‬‬
‫مجردة أكثر‪.‬‬

‫‪ 1.4‬أهم المفاهيم التي تعتمد عليها المدرسة البنائية‪:‬‬

‫(‪ .)2‬مفتاح عبد العزيز ‪ 2001‬علم النفس العالجي الحذيث بيروت دار قباء للنشر و التوزيع ص ‪76‬‬

‫(‪ .)1‬مفتاح عبد العزيز ‪ 2001‬مرجع سابق ص ‪77‬‬

‫‪118‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫أ‪..‬مفهوم البنية‪:‬‬
‫حسب هذا المفهوم ال تتلخص العائلة في مجموع الديناميات البيونفسية‪ ،‬ولكنها تؤخذ من‬
‫منظور كلي ومتكامل فاألفراد داخل البنية األسرية يبنون عالقات وتفاعالت يمكن أن تكون‬
‫في معظم األحيان كامنة أو غير معروفة وغير واعية؛ وهي تتم وفق نموذج مبني مسبقا‬
‫والذي يشكل بنية العائلة‪ :‬فنحن نبحث عما يميز هذه التفاعالت وأشكال التواصل بين مجموع‬
‫األفراد في وقت معين" هنا واآلن‪" maintenant et ici.‬‬
‫وحسب ‪ Minuchin‬تتمثل البنية األسرية في نظام اجتماعي‪-‬ثقافي مفتوح في تطور‬
‫وتحول مستمر‪.‬‬
‫ب ‪ .‬مفهوم القواعد‪:‬‬
‫إن مجموع التبادالت في أي نسق تؤدي إلى خلق نوع من التنظيم في سلوكات أفراد األسرة؛‬
‫وهذا التنظيم تتم المحافظة عليه ببعدين أساسيين‪:‬‬
‫‪. 1‬القواعد العامة ‪:‬وهي تلك القواعد المتعارفة‪ ،‬والتي تحدد طبيعة التبادالت بين معظم‬
‫أنواع األسر‪ .‬مثل طبيعة التبادالت بين الزوجين‪ ،‬والتي تتميز" بنوع من التبعية المتبادلة"‪،‬‬
‫وكذلك مثل القواعد التي تحدد نظم السلطة بين األبناء واألولياء‪.‬‬
‫‪. 2‬القواعد الخاصة ‪ :‬والتي تتحدد تبعا لطبيعة كل أسرة‪ ،‬خصوصياتها والتوقعات المتبادلة‬
‫بين أفراد هذه األسرة‪.‬‬
‫‪ 2.4‬مفهوم االنساق التحتية‪:‬‬
‫نجد في كل أسرة مجموعة الوظائف التي تميز بين مختلف االنساق و االنساق التحتية‪ ،‬والتي‬
‫تتحدد أساسا بالتقاربات في الجيل والجنس‪ ،‬االهتمامات المتقاربة‪ .‬حيث أنه غالبا ما تتحد هذه‬
‫االنسحاق التحتية حول مشروع مشترك‪ .‬ويمكن كذلك لألسرة أن تقوم حول مجموع تحالفات‬
‫عابرة‪.‬‬
‫كل فرد في األسرة يمكنه أن ينتمي لعدة أنساق تحتية‪ ،‬يقوم فيها بأدوار مختلفة‪ ،‬ويملك‬
‫درجات مختلفة كذلك من السلطة‪.‬‬
‫حيث يكتسي مفهوم السلطة لدى ‪ Minuchin‬معنى ضرورة القدرة على تحمل مسؤولية‬
‫معينة‪ ،‬ويمكن للفرد أن يملك السلطة في نسق معين وتكون له حقوق في نفس النسق ‪.‬مثال ‪:‬‬
‫يعبر األولياء عن السلطة في النسق األسري‪ ،‬ويملكون كذلك القدرة على اتخاذ القرارات‪،‬‬
‫ولكنهم يملكون أيضا الحق في االستقاللية الذاتية والشعور بخصوصية العالقة الزوجية‬
‫)‪couple( .parental/couple conjugal‬‬
‫‪ 3.4.‬مفهوم الحدود‪:‬‬
‫حسب ‪ Minuchin‬ال يختلف مفهوم الحدود عن القواعد التي تميز وتساهم في‬
‫التبادالت والمشاركات داخل النسق األسري‪ .‬فكل نسق تحتي له مجموعة من الوظائف‬
‫والمطالب تجاه باقي أفراد النسق‪ ،‬وعليه يتمكن كل شخص من التطور الشخصي تبعا لقدرته‬
‫على اإلحساس في الوقت ذاته بالشعور باالستقاللية الذاتية والحماية والشعور باالنتماء داخل‬
‫النسق‪.‬‬
‫ومما يساهم في هذا الشعور بالحماية قدرته على اإلحساس بأن باقي أفراد األسرة واالنساق‬
‫التحتية يهتمون به دون أن يتخلوا بصفة مفرطة في وظائفه‪ :‬فالحدود ضرورية للحفاظ على‬
‫االختالف من ناحية الشعور باالنتماء من ناحية أخرى‪ .‬فينبغي أن تكون الحدود واضحة ودقيقة‬
‫لكي يتمكن عناصر االنساق التحتية من القيام بوظائفهم‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫والحدود في اال نساق التحتية تتراوح بين حدود منتشرة متشابكة ‪diffuses frontières à‬‬
‫‪، enchevêtrées‬والتي نشير إليها ب ‪ ، .....‬مرورا بالحدود الواضحة ‪claires frontières‬‬
‫)التي تشكل التوظيف العادي للعائالت )والتي نشير إليها ب‪ ، - - - - -‬وصوال إلى الحدود‬
‫الصلبة ‪________ ) ، )rigides frontières‬بحيث تبعث الحدود الصلبة إلى استقاللية‬
‫مفرطة وعدم اهتمام تام في االنساق التحتية المختلفة‪.‬‬
‫فينبغي على المعالج األسري البنائي أن يلعب دور مصلح الحدود‪ :‬فهو يجعل الحدود المنتشرة‬
‫أكثر وضوحا‪ ،‬وفي نفس الوقت يمكن أن يحدث نوعا من االنفتاح على الحدود الصلبة‪.‬‬

‫‪ 3.4‬مفهوم العائلة‪ /‬العائلة العادية‪ /‬العائلة المختلة‪:‬‬


‫تتم دراسة العائلة في النظرية البنائية (وغيرها) على أساس أنها عضو أو الجهاز األساسي‬
‫المتحكم في عملية التكيف االجتماعي للفرد‪ .‬والبنية االجتماعية‪ ،‬و ال يمكن دراستها بمعزل‬
‫عن البنية النفسية للفرد‪ ،‬طرق توظيفه وتعبيره عن نفسه‪ .‬االفراد المجموعة يتفاعلون لتحقيق‬
‫أهداف معينة كاتخاذ القرارات‪ ،‬تحديد الوظائف‪ ،‬معالجة الصراعات‪ ... ،‬والتي تبدو متكررة‬
‫(‪)1‬‬
‫في حياة األسرة واالفراد‪.‬‬
‫التكرار)‪:(redondances‬‬
‫نعني به ما يميز التبادالت داخل األسر‪ ،‬بحيث يدخل نفس الشركاء (األفراد) في‬
‫عمليات وتبادالت متشابهة في كل مرة‪ ،‬والتي تضعهم في نوع من النمطية التي تسمح للمعالج‬
‫بفهم ووضع فرضيات عن التوظيف األسري‪.‬محاضرات في العالج النسقي االسري‬
‫أ‪ .‬العائلة العادية‪:‬‬
‫حاول ‪ Minuchin‬في ‪، 1910‬وفي كتابه ‪، thérapie en Familles‬طرح أفكاره األساسية‬
‫حول ما سماه بالعائلة العادية‪ ،‬والتي يمكن أن تعرف كاآلتي" ‪:‬هي النسق الذي يشجع‬
‫المبادرات االجتماعية لدى أفراده‪ ،‬ويمنحهم في نفس الوقت العون والحماية والشعور باألمان‪،‬‬
‫وكذلك يمنحهم كل التنظيمات الالزمة لتفتحهم الشخصي والعالئقي‪ .‬وفي هذا النوع من‬
‫العائالت‪ ،‬وضوح الحدود يسهل االشتراك بين أفراد نفس الجيل‪ ،‬مع السماح بنوع من المرونة‬
‫مع األجيال المختلفة‪ .‬فالعائلة التي تلعب دورا مهما في تطور الشخصية‪ ،‬تساهم في خلق مفهوم‬
‫الهوية لدى الفرد الذي يملك في الوقت نفسه شعورا باالنتماء واالنفصال والتخالف في نفس‬
‫الوقت‪.‬‬
‫ب‪ .‬العائلة المختلة‪:‬‬
‫تصبح العائلة مختلة حسب تصور ‪ Minuchin‬حينما يحدث نوع من االضطراب في الحدود‪،‬‬
‫فنجد‪:‬‬
‫‪. 1‬العائلة المتشابكة‪ enchevêtrée famille :‬والتي تشكل نوعا من االنساق المنغلق على‬
‫نفسه‪ ،‬ويعيش أفراده صعوبات متعلقة بالشعور المبالغ فيه باالنتماء‪ ،‬ونقص الشعور‬
‫باالستقاللية‪ .‬في نفس الوقت‪ ،‬تتميز العالقات بين األفراد بالمبالغة في التواصل‪ ،‬واالهتمام‬
‫المفرط باحتياجات اآلخر‪.‬‬
‫هنا‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫المحارب ناصر إبراهيم‪ 2000 /‬المرشد في العالج االستعرافي السلوكي الرياض دار الزهراء ص ‪149‬‬

‫‪120‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫∙الحدود مختلة من حيث كون االختالف غير واضح‪ ،‬ومن حيث أن سلوك الفرد يؤثر مباشرة‬
‫على سلوك الغير‪.‬‬
‫∙الصراعات تنعكس على النسق التحتي المجاور بسرعة‪.‬‬
‫∙قدرات التكيف والتغيير الالزمة إزاء دورات الحياة التي تعرفها كل االنساق‪،‬تبدو غير مالئمة‪.‬‬
‫‪ .2‬العائلة الغير مهتمة ‪ désengagée famille :‬وهي على عكس سابقتها تتميز حدود‬
‫صلبة جدا‪ ،‬يمكن لالفراد فيها أن يتصرفوا بصفة مستقلة‪ ،‬في حين يكون شعورهم باللواء‬
‫واالنتماء جد هش‪ .‬حيث ال يحس أفراد نفس األسرة بتبعيتهم المتبادلة‪ ،‬وعليه ال يتمكنون من‬
‫طلب المساعدة من باقي االفراد في النسق‪ .‬االتصال يكون صعبا‪ ،‬ووظيفة الحماية المنوطة‬
‫بالعائلة نادرة جدا‪ .‬فهذا النوع من االنساق يقترب من عدم االهتمام الكلي‪ ،‬ويحتوي تنوعا كبيرا‬
‫بين أفراده‪ .‬الحدود تميل إلى اإلبقاء على الطابع الفردي‪ ،‬وال التبادالت الفعالة قد ال ترتبط‬
‫(‪)1‬‬
‫إال بوجود تهديد مهم على النسق‪.‬‬

‫‪ 4.4.‬المسافات البنشخصية في الخريطة األسرية البنائية‪:‬‬


‫أضاف ‪ Minuchin‬بعض العناصر فيما يتعلق بالمخطط األسري‪ ،‬مقدما لنا الخريطة األسرية‬
‫التي تعطينا تصورا عن المسافات الوجدانية والحدود البين‪-‬نسقية‪ ،‬والتي تظهر للمعالج من‬
‫خالل أنواع من التبادالت المتشابهة والمتكررة‪.‬‬
‫ولعل أهم هذه الرموز ما يلي‪:‬‬
‫الحدود الصلبة__________‬
‫الحدود الواضحة‪-----------‬‬
‫الحدود المنتشرة‪................‬‬
‫االنتماء أي قدرة الفرد على المشاركة واإلحساس من خالل التفاعالت بأنه جزء من النسق‪،‬‬
‫له دوره وواجباته وحقوقه وينبغي التمييز باللغة الفرنسية بين ‪ affiliation‬التي تبعث لمفهوم‬
‫االنتماء‪ ،‬و ‪ filiation la‬التي تبعث لمفهوم النسب والساللة‬
‫االهتمام‪implication‬‬
‫الصراع‬
‫التحالف‪coalition‬‬
‫االنحراف (‪ déviation‬والذي يشير إلى تحويل الصراع بين شخصين أو أكثر‬
‫نحو المفحوص المعني( ففي المجال العالجي‪ ،‬سيستخدم المعالج التبادالت وطبيعة استغالل‬
‫الفضاء كأبعاد أساسية إلدخال نوع المرونة في العالقات وذلك من خالل تغييرات ملموسة‬
‫(‪)1‬‬
‫وفعالة في أثناء المقابلة األسرية‪.‬‬

‫‪.‬أ‪.‬مفهوم التكامل‬

‫(‪)1‬‬
‫المحارب ناصر إبراهيم‪ 2000 /‬المرشد في العالج االستعرافي السلوكي الرياض دار الزهراء ص ‪151‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مفتاح عبد العزيز ‪ 2001‬علم النفس العالجي الحذيث بيروت دار قباء للنشر ص ‪92‬‬

‫‪121‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫كما سبق وأن رأيناه فيما يخص نظرية التواصل وكذلك فيما يتعلق بالقواعد األسرية التي‬
‫تنشأ تدريجيا من خالل سياقات االستقاللية والتباعد‪ ،‬فإنه من الضروري أن يتكامل ويتجانس‬
‫سلوك فردين من أفراد العائلة بصفة متبادلة‪ ،‬فكلما وضع شخص جانبا معينا من شخصيته في‬
‫الواجهة‪ ،‬يسعى األخر إلى إدالء سلوك لذلك الذي أبداه الشخص األول‪.‬‬
‫ب ‪.‬مفهوم العرض‬
‫مهما كان العرض الذي تأتي العائلة من أجله لالستشارة‪ ،‬والذي يملكه المفحوص المعني‪،‬‬
‫فإن بقاء العرض وقبل ذلك ظهوره‪ ،‬يخضع للدينامية العالئقية الموجودة داخل األسرة‪ ،‬والتي‬
‫تسمح به وتعززه‪.‬‬
‫‪ .‬ج مفهوم التكيف والتغيير‬
‫تعيش كل أسرة مجموعة من دورات الحياة‪ ،‬والتي تتطلب منها في كل مرة إيجاد آليات تغيير‬
‫جديدة ‪.‬فيرى ‪ Minuchin‬أن األسرة ينبغي أن تكون نسقا مفتوحا سيبدي مقاومات لكل أنواع‬
‫التغييرات التي يمكن ان تحذت التغير داخل النسق األسري‪ ،‬يعتمد مينوتشين‬
‫أن تحدث تبديالت على المخطط العالئقي المعتاد حدث على خصائص هذا النسق‬
‫*إحداث تغيير في البنية مما سيؤدي إلى إمكانية تغير واحد على األقل في المستقبل‪ .‬تغيير‬
‫في أدوار األشخاص أو وظائفهم أو طبيعة عالقاتهم‬
‫* في مجال المقابلة العائلية ينبغي للمعالج أن يبني عالقة شخصية متينة بالنسق األسري ‪.‬‬
‫) ‪Joning‬الترابط )ينبغي للعائلة أن تتفق في المعالج وتحس على أنه جزء من النسق‪.‬‬
‫*إعادة المخططات التفاعلية لألسرة خالل المجال العالجي‪ ،‬مما سيؤدي إلى إدخال آليات‬
‫تصحيح لطبيعة العالقات وذلك من خالل التدخالت التي يوجهها الفاحص‪ ،‬تعليماته‪ ،‬والتي ال‬
‫(‪)1‬‬
‫تعنى مباشر ة بالعرض وال بضرورة إلغائه‪.‬‬
‫‪. 5‬التقنية أو العالج البنائي‬
‫إن كل طلب للمساعدة في مجال المساعدات األسرية يتطلب مفحوصا معنيا تأتي به العائلة؛‬
‫حيث أن عرض هذا المفحوص يكون إما وسيلة لإلبقاء على التوازن الهش للنسق األسري‬
‫أو‪/‬و في نفس الوقت قابال للتواصل والبقاء بفضل هذا النسق األسري‪ :‬إن اتفاق مجموعة أفراد‬
‫العائلة على تعيين شخص معين كحامل للمرض أو كمصدر لمشكلة معينة يمكن أن يعني أن‬
‫للعائلة فوائدا في إبقاء وفي تعزيز المرض‪ ،‬فالمعالج البنائي ينبغي في هذه الحاالت أن يكون‬
‫قادرا على وضع استراتيجيات تتحدى االتفاق الذي وضعته األسرة‪ .‬فيهتم مينوتشين بمفهوم‬
‫أساسي هو أن المعالج يريد التأثير على الحاضر وسوف يشارك بصفة فعالة في بعض األحيان‬
‫ألحداث تغييرات في النسق األسري‪.‬‬

‫‪ 1.5‬الترابط ‪JOINING:‬‬
‫ولعل أهم العناصر التي يهتم المعالج ببنائها مع األسرة ما يسمى بالترابط‪ ،‬حيث يعتبر من‬
‫أهم الخطوات التي ينبغي أن يتجاوزها المعالج األسري فهو سيتحالف وسيحاول أن ينتهي أو‬

‫(‪)1‬‬
‫مفتاح عبد العزيز ‪ 2001‬مرجع سابق ص ‪93‬‬

‫‪122‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫يحاول أن يدخل النسق األسري يتبنى وضعيات فعالة ستؤدي به إلى تقييم ومن ثم إحداث‬
‫التخيالت على األسرة‪ ،‬ويمكن االرتباط بذلك أن يصل حسب ثالث مركبات أساسية‪:‬‬
‫‪ 2.5‬االنتماء‪affiliation:‬‬
‫ويبدو في السلوكات المباشرة التي يتبناها المعالج‪ :‬ففي البداية يستقبل ما تأتي به العائلة ويحاول‬
‫أن يذوب فيها‪ ،‬يظهر تعاطفه مع من يكون في حالة معاناة ويمكن كذلك أن يبدي فرحه مع من‬
‫يحس نفسه في حالة فزع أو في حالة قوة؛ أي أنه ينبغي أن يتبع قنوات التواصل ويظهر للعائلة‬
‫أنه يفهمها‪ .‬فهذا ما سيؤدي إلى إحساس النسق بانتماء الفاحص إليهم‪.‬‬
‫‪ 3.5‬المواءمة‬
‫أي ما يقوم به المعالج من تغييرات في سلوكه الشخصي ليجعله يتكيف مع معطيات النسق‬
‫األسري للوصول إلى الشعور باالنتماء وتقبل المشاركة في السياق األسري‪.‬‬
‫‪ 4.5‬السحب‪tracking‬‬
‫وبصفة عامة يرى مينو تشين أن المعالج يمكن أن يصل إلى جعل العائلة تتبعه من خالل مرحلة‬
‫أولى يقوم هو باتباع العائلة حتى يثق أفرادها فيه‪ .‬فبعد أن يضعها في موقف ثقة ألنه يتبعها في‬
‫مرحلة أولى سيصل إلى أن تتبعه هي‪ .‬معناه أنه يتقبل العائلة بداية‪ ،‬ثم تتقبل تدريجيا أن يعطيها‬
‫المعالج تعليمات ونشاطات في تنظيمها األولي‪(.‬‬
‫‪ 5.5‬العقد العالجي‬
‫إن كل عمل يضم عالقة عالجية يضع في تبادل مجموعة من األفراد مع المعالج األسري‪،‬‬
‫الذي يتمكن من خالل مالحظاته واستجابات األفراد معه من بناء مجموعة من الفرضيات‬
‫(‪)1‬‬
‫العالئقية حول مدى ثراء أو فقر التبادالت‪ ،‬مرونتها أو صالبتها تجانسها أو عدم تجانسها‪.‬‬
‫بعد بناء هذه النظريات سيقوم بتحديد أهدافه وكذا األهداف التي سيسعى إليها مع العائلة‪،‬‬
‫بحيث ينبغي أن تكون هذه األهداف مقبولة وقابلة للتحقيق‪.‬‬
‫ومع أن هذا ليس من خصوصيات العالج األسري فقط إال أن النظريات العالجية البنائية تؤكد‬
‫على مفهوم العقد العالجي والذي يحمل في طياته الخطوات العالجية وأهداف حل المشكل‬
‫المعني‪.‬و للعقد العالجي‬
‫‪ -‬يمكن العائلة من ادخال فكرة تغيير محتملة وممكنة ويضعها كذلك في دور نشط فيما‬
‫يخص إمكانيات التغيير لديه‪-‬قاعدة ‪:‬نضع دائما كرسيا للشخص الغائب خالل الحصة‪ ،‬ويجب‬
‫أن يتحمل أحد أفراد األسرة مسؤولية نقل كل ما تم التطرق إليه‪ ،‬وعلى أفراد األسرة القيام‬
‫بنقل المعلومات التي حكتها في الحصة العالجية إليه‪.‬‬
‫‪-‬يمكن للنسق العالجي أن يكون شبه مغلق ونصف مغلق أي أنه من الممكن أن يبدأ المعالج‬
‫مع يمكن أن ترى األسرة أن حضور شخص معين مجموعة من األفراد‪ ،‬إال أنه أثناء السياق‬
‫(‪)1‬‬
‫العالجي‪.‬‬
‫‪ 3.5‬أهم التقنيات المستعملة ألحداث التغيير في العائلة حسب النظرية الثنائية‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مفتاح عبد العزيز ‪ 2001‬ص ‪94‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مفتاح عبد العزيز ‪ 2001‬علم النفس العالجي الحذيث بيروت دار قباء للنشر ص ‪98‬‬

‫‪123‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫إن المعالج األسري في كثير من األحيان يحاول التغيير التنظيم الداخلي لألسرة فهو يعمل‬
‫بطريقة استراتيجية تهدف إلى تغيير ويمكن حسب ‪ Alkaim‬عزل ثمانية أنماط أساسية لتدخل‬
‫المعالج األسري‪:‬‬
‫ابداء أنماط التبادالت االعتيادية للعائلة‪.‬‬
‫العمل على تنظيم الفضاء العالجي والعائلي‪.‬‬
‫تحديد أو إظهار الحدود‪.‬‬
‫تجاوز الضغوطات ومصادر التوتر‪.‬‬
‫توصيف وظائف عالجية‪.‬‬
‫االستناد و استعمال العرض‪.‬‬
‫‪1 -‬التعامل وتسيير الجو العاطفي الموجود في األسرة‪.‬‬
‫(‪2‬‬
‫الدعم‪ ،‬األمر‪ ،‬واإلرشاد‪.:‬‬
‫‪. 6‬العالج الزواجي‪:‬‬
‫‪ 1.6.‬مفاهيم عامة‪:‬‬
‫أ‪ .‬المقربان والزوجان الوالدان الزوجان ‪Couple conjugal et couple parental‬‬
‫∙‬
‫في بداية تشكل العائلة الجديدة ينشأ الزوجان المقربان‪ ،‬إال أن هذه الصورة ستميل لالختفاء‬
‫أو التراجع حينما يأتي أول مولود‪ ،‬لتظهر صورة جديدة وهما الزوجان الوالدان‪.‬‬
‫من الضروري التأكيد هنا أنه االستمرار العالقة بصفة سليمة‪ ،‬فمن الضروري أن يحظى‬
‫الوالدان بحقهما إضافة إلى واجباتهما‪ .‬مع وجود صورة من الصورتين ال يعني حتما وجود‬
‫الصورة األخرى‪ :‬ففي حاالت الطالق مثال‪ ،‬يمكن أن يتواصل وجود الزوجين الوالديين بالرغم‬
‫من اختفاء الزوجين المقربين‪.‬‬

‫ب‪ .‬العائلية األسطورة∙ ‪Mythe familial :‬‬


‫نعلم أن كل أسرة تملك أسطورة عائلية‪ ،‬أي تاريخ يكاد يكون خياليا حدد بصفة غير واعية‬
‫قوانينا وقواعدا تسير وفقها األسر‪ ،‬وتتوارثها عبر األجيال‪.‬‬
‫عند بناء األسرة الجديدة‪ ،‬يأتي كل من الزوجين بأسطورته الخاصة‪ ،‬ويحاول أن يواصل فيها‪،‬‬
‫إال أن تضارب القواعد والقوانين‪ ،‬هو ما قد يؤدي إلى خلق صراعات بين الزوجين‪.‬‬
‫فالعمل العالجي سيحاول أن يبعث الزوجين إلى الوصول إلى بناء أسطورتهم األسرية الجديدة‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫والتي تحمل جزء من أسطورة كل منهما‪.‬‬
‫‪ 2.6‬العالج الزواجي السلوكي‪:‬‬
‫لعل أهم بعد ينبغي االنتباه إليه في العالج الزواجي هو استعداد كل من الشريكين للتعاون التام‬
‫مع المعالج‪ ،‬ومهما اختلف األزواج والطرق المتبعة معهم‪ ،‬وهذا وفقا لإلشكالية التي يأتون بها‪،‬‬
‫فمن الضروري التأكيد على أن العمل سيهتم بالتحليل الوظيفي للسلوكات المشكلة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫المؤمن داليا ‪ 2004‬االسرة و العالج االسري القاهرة دار السحاب للنشر و التوزيع ص ‪134‬‬

‫‪124‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫وبصفة عامة‪ ،‬يمر العمل مع الزوجين وفق ثالثة مراحل أساسية ال تختلف عما هو كائن‬
‫في العالجات‬
‫أ ‪.‬مرحلة التقييم‪ :‬حين يصل الزوجان في حالة أزمة‪ ،‬ينبغي تخصيص الحصص الثالثة األولى‬
‫للتقييم‪ .‬ستدور الحصة األولى مع الزوجين‪ ،‬وهدفها التعرف على المشكل الحالي والعالجات‬
‫التي قد لجأ إليها الزوجان‪.‬‬
‫ثم يتم استقبال كل منهما على حدي‪ .‬وحسب هذه المقاربة‪ ،‬نعلم الزوجان منذ البداية أن العالج‬
‫الزواجي لن يكون نهاية حتمية‪ ،‬وسيتحدد ذلك بعد الحصص التقييمية‪.‬‬
‫من خالل هذا التقييم‪ ،‬سيسعى المعالج إلى إعادة بناء المخططات السلوكية التفاعلية الحالية‪،‬‬
‫والعوامل المصاحبة‪ ،‬المسهلة أو المتدخلة في بناء هذه المخططات‪.‬‬
‫ب ‪.‬اإلرجاع أو المائدة المستديرة‪:‬‬
‫هنا يقدم المعالج للزوجين ما تمكن من فهمه ويقترح الخطة العالجية‪ ،‬العقد‪ ،‬وكيفية العمل‬
‫في الحصص‪ ،‬بما في ذلك توصيف المهام للزوجين‪.‬‬
‫ت ‪.‬الحصص العالجية‪:‬‬
‫حصص أسبوعية تدوم ستين إلى تسعين دقيقة‪ ،‬ولكن لفترة محدودة‪.‬‬
‫في بداية كل حصة يتفق المعالج والزوجان على ما سيقومون به‪ ،‬بدء بالحديث عن المهام التي‬
‫وصفها في الحصة الماضية‪ .‬بعد ذلك يتم الحديث عن المستجدات التي تعطي مادة جديدة‬
‫للعمل‪.‬وسوف تدور التقنيات األساسية المستعملة حول‪:‬‬
‫∙رفع تواتر التبادالت اإليجابية‬
‫∙التدريب على التواصل وحل المشكالت‬
‫∙في حالة التعرض لمشاكل تربوية إزاء األبناء‪ ،‬اللجوء إلى تكوين الزوجين الوالديين‪.‬‬
‫ث ‪.‬التعميم واإلبقاء‪:‬‬
‫إن الهدف من أي عالج هو الوصول إلى استقاللية المفحوصين‪ ،‬وتمكنهم من تسيير‬
‫صراعاتهم‬
‫وكذلك هي الحال بالنسبة للعالجات الزوجية‪ ،‬حيث أن دور المعالج سيميل للتناقص‬
‫حينما يحس نضجا وقدرة على االستقاللية لدى الزوجين‪ .‬وسيلجأ المعالج في الوقت ذاته إلى‬
‫اإلبقاء على لقاءات دورية متباعدة‪ ،‬وذلك للمرافقة التدريجية االنفصال الوالدين وضمان‬
‫(‪)1‬‬
‫تواصل إيجابيات المعالج في المحيط االعتيادي للزوجين‪.‬‬

‫ان كل التيارات أو النماذج الخاصة بالعالجات األسرية‪ ،‬استمدت مفاهيمها و مبادئها من‬
‫نظريات االتصال‪ ،‬الجماعة و كذا النظرية العامة لألنساق و تتمثل هذه المفاهيم في‪ :‬التوازن‪،‬‬
‫التفاعل‪ ،‬الرابطة المزدوجة و مفهوم التغيير‪.‬‬

‫و للعلم يوجد نموذجين كبيرين في العالجات األسرية النسقية‪ ،‬يندرج كل واحد منهما في‪:‬‬

‫النموذج التزامني‪le modèle synchronique .‬‬ ‫‪-1‬‬

‫(‪)1‬‬
‫المؤمن داليا ‪ 2004‬مرجع سابق ‪136‬‬

‫‪125‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫النموذج التعاقبي ( أو التطوري)‪le modèle diachronique .‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪ -1‬النموذج التزامني في العالجات األسرية النسقية‪:‬‬

‫يتضمن هذا النموذج مختلف اتجاهات العالجات األسرية النسقية‪ ،‬حيث يعتبر هذا النموذج أن‬
‫أعراض المرض تنشأ في الحاضر‪ ،‬و ال ترتبط بما عاشه الفرد سابقا أي ال ترتبط بتاريخ‬
‫الفرد و األسرة‪.‬‬

‫حسب رواد هذا النموذج الهدف هنا هو تفعيل االتصال و التفاعل بين األفراد بغية اصالح‬
‫العالقات بينهم و تحقيق أكثر توازن و اجتماعية‪.‬‬

‫اذن‪ ،‬يكون هدف المعالج في هذا النمودج هو تفعيل السياق العالئقي و االتصال في النسق‬
‫األسري و ذلك من خالل االعتماد على استراتيجيات لتحقيق هذا الهدف‪ ،‬تختلف هذه‬
‫االستراتيجيات باختالف االتجاه المتبع‪ ،‬حيث يتكون هذا النموذج مما يلي‪:‬‬

‫العالج االتصالي النسقي‪ :‬يعرف أيضا باسم العالج التفاعلي المختصر‪ ،‬كما يعرف‬ ‫أ‪-‬‬
‫باللغة األجنبية ب ‪ ،thérapie cybernétique systémique‬يركز هذا النوع العالجي‬
‫على تشخيص الخلل الوظيفي لوسائل االتصال داخل النسق األسري‪.‬‬

‫تم تطوير هذا النوع العالجي من طرف كل من باتسون ‪ Bateson‬هالي ‪ Haley‬في‬


‫جامعة كاليفورنيا‪ ،‬تم تبنى كل من ‪ Fish et Watzlawich‬هذا العالج سنة ‪. 1958‬‬

‫قام رواد هذه المدرسة بدراسة سيرورات االتصال و التغيير داخل أسر المدمنين و‬
‫الفصاميين بالمستشفيات‪ ،‬حيث توصلوا في دراساتهم الى أن العائالت المدروسة كانت تتميز‬
‫بالصالبة أي ليس لديها قابلية للتغيير و ال تملك امكانية مواجهة أي تغيير يطرأ عليها‪ ،‬هذا ما‬
‫نفسره من الناحية االكلنيكية باستعمال ميكانيزم المقاومة بطريقة نمطية‪.‬‬

‫كما توصل هذا الفريق من الباحثين أن هذه العائالت تعاني من اضطرابات على مستوى‬
‫االتصال بين األفراد‪ ،‬و شخصوا هذا االضطراب بالقيد المزدوج ( الذي عرفناه باسم‬
‫الرابطة المزدوجة سابقا)‪ ،‬و يقصد به ارسال رسالتين متناقضتين من مصدرين مختلفين "أ"‬
‫و "ب"‪ ،‬حيث تسعى رسالة الفرد "أ" الى تقييد و تجريد رسالة الفرد "ب" و العكس صحيح‪.‬‬

‫مثال‪ :‬يقول األب البنه‪" :‬ال يجب أن تخرج من البيت بعد الساعة السادسة مساء مهما كانت‬
‫األسباب"‪ ،‬تتدخل األم و تقول له أي لنفس االبن‪" :‬يمكنك الخروج على الساعة السادسة‬
‫مساء اذا ما أرسلتك لتشتري لي لوازم مهمة"‪.‬‬

‫هذا االبن يشعر أنه أمام طريق مسدود‪ ،‬و أنه مهما فعل فسيعاقب من األب أو األم‪ ،‬هذه‬
‫الوضعية تؤدي الى احداث خلل وظيفي في االتصال بين أفراد األسرة‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫انطالقا من هذا المثل‪ ،‬و من منظور العالج االتصالي النسقي‪ ،‬يتضح لنا الخلل الوظيفي‬
‫لالتصال داخل النسق األسري‪ ،‬في حين نالحظ أن العرض ‪ le symptome‬يقدمه فرد‬
‫واحد من بين أفراد األسرة فيصبح حامال للمشكلة و يطلق على هذا العضو اسم "العميل‬
‫(‪)1‬‬
‫المحدد ‪."le patient désigné‬‬

‫في هذه التقنية العالجية‪ ،‬يركز المعالج على دراسة االتصال (تحليل القيود المزدوجة او ما‬
‫عرفناه سابقا بالرابطة المزدوجة) داخل األسرة‪ ،‬األعراض المقدمة‪ ،‬المقاومات التي يظهرها‬
‫األفراد خالل الحصص العالجية ‪.‬‬

‫استنتاج‪ :‬ان العالج االتصالي النسقي‪ ،‬يركز على االتصاالت المتناقضة التي تسبب‬
‫اضطرابات للفرد داخل نسقه‪ ،‬و يهدف هذا النوع العالجي الى تحسين االتصال بين كل‬
‫األفراد حتى يصبح يتخذ مسارا أخر مما كان عليه سابقا‪.‬‬

‫ب‪ -‬العالج األسري االستراتيجي‪ :‬تطور هذا النوع العالجي على يد هالي ‪ ،Haley‬حيث‬
‫يعتمد في عالجه على نمو األسرة‪ ،‬التسلسل‪ ،‬السلطة و وظيفة العرض‪.‬‬

‫انطلق العالج األسري االستراتيجي من نمو و تطوراألسرة‪ ،‬فحسب هذا النوع العالجي‪،‬‬
‫األسرة تكون دائما في طور النمو‪ ،‬بما أنها تتشكل بزواج شخصين (رجل و امرأة)‪ ،‬فيكونان‬
‫زوج واحد من خالل الزواج‪ ،‬بعد ذلك تتوسع األسرة مع ازدياد طفل أو أكثر‪ ،‬فيتطور بذلك‬
‫الزوجين الى والدين‪ ،‬فتتطور بذلك أدوارهما و وظائفهما ( التطور من زوج و زوجة الى أب‬
‫و أم)‪ ،‬ان هذا التطور يكون كذلك من خالل نمو األطفال عبر كل المراحل العمرية‪.‬‬

‫في هذا المنظور‪ ،‬يرى موني الكايم ‪ ، Money Elkaim‬أن األسرة من خالل هذه العملية‬
‫أي التغيير‪ ،‬فهي تحقق دمج عناضر جديدة على بنيتها‪ ،‬كونها تعتبر جماعة متسلسلة و يتعلق‬
‫تسلسلها بترتيب األجيال ( أي هناك جيل األجداد‪ ،‬الوالدين‪ ،‬األطفال) و مع هذا التسلسل و‬
‫التغير في األدوار و الوظائف داخل النسق األسري‪ ،‬يصبح لكل فرد دور يقوم به‪ ،‬و يتمثل‬
‫هذا الدور أساسا في السلطة ( بمعنى من يقوم بأخذ القرارات و التحكم في القرارات العائلية‪،‬‬
‫أي األب ؟أو األم ؟أو كالهما معا؟‪ ،‬الطفل أو الوالدين بالتحالف مع األبن؟‬

‫أما هالي ‪ ، J.Haley‬يرى أن المرض يحدث في األسرة عندما يتحول التسلسل األسري الى‬
‫خلل وظيفي‬

‫( يرجع أساسا الى وظائف أفراد األسرة أي احتكار السلطة و السيطرة من طرف شخص‬
‫واحد)‪ ،‬في هذه الحالة المريض المحدد هو الشخص الذي يحمل أعراض هذا الخلل‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فالعرض هنا يكتسي وظيفة تتمثل في السيطرة على السلوك والعالقة بين أفراد األسرة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪Satir, V., Thérapie du couple et de la famille, Ed EPI, 1982, p. 32‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪Satir, V., Thérapie du couple et de la famille, Ed EPI, 1982, p. 33‬‬

‫‪127‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫حسب هذا النموذج العالجي‪ ،‬يكون ظهور العرض مرتبط ب‪:‬‬

‫أن يكون لسلوك المريض تأثير كبير على باقي أفراد األسرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬أن يشعر هذا المريض بالعجز في اتخاذ أي قرار‪ ،‬مما يجعل سلوكه يتميز بالتناقض بين‬
‫ما يريده و ما يقوم به‪.‬‬

‫‪ -‬يكون العرض اذن من أجل االهتمام به أكثر‪ ،‬ويعتبر من المنظور العالجي‬


‫االستراتيجي كمظهر من مظاهر صراع السلطة داخل األسرة‪ ،‬حيث يتبناه المريض بغرض‬
‫االهتمام به و للضغط على نسقه األسري و بالتالي يهدف هذا العالج الى فحص وظيفة‬
‫االتصال داخل األسرة و كذا طبيعة و وظيفة العرض المقدم من طرف المريض من أجل‬
‫تشخيص المشكلة و تفسيرها في اطار عالئقي و تفاعلي‪ ،‬بحيث يركز هالي ‪ J.Haley‬في‬
‫العملية العالجية على حل الصراعات و اعادة توزيع السلطة و تنظيمها بين أفراد األسرة‬
‫حتى نصل الى التفاعل و التحالف في نفس النسق األسري‪ ,‬و حسبه هذا هو المبدأ األساسي‬
‫في هذا النوع العالجي‪.‬‬

‫ج‪ -‬العالج األسري البنائي‪ :‬رائده سلفادور مينوشان ‪ ،Salvador Minuchin‬ينتمي هذا‬
‫العالج للنموذج التزامني‪ ،‬حيث يهتم بالبنية األسرية و تنظيمها و وطائفها‪ ،‬بصفة دقيقة‬
‫يعرف هذا االنموذج العالجي حسب ‪ Salvador Minuchin‬على أنه‪ ":‬اطار نظري‬
‫يحتوي على مجموعة من التقنيات التي تقرب الفرد من نسقه االجتماعي"‪.‬‬

‫النموذج التعاقبي أو التطوري للعالجات النسقية األسرية‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫يتضمن هذا النموذج مجموعة من العالجات األسرية النسقية التي تهدف لعالج مختلف‬
‫االضطرابات النفسية باألخذ بعين االعتبار تاريخ الحالة‪.‬‬

‫اهتم موني الكايم ‪ Money Elkaim‬في سنة ‪ 2001‬بهذا النموذج المتعدد األوجه‬
‫للعالجات‪ ،‬حيث توصل الى أن تاريخ المرضى و عائالتهم يلعب دورا كبيرا في ظهور و‬
‫تطور االضطرابات السلوكية و النفسية‪.‬‬

‫باإلضافة الى االهتمام بمختلف مراحل الطفولة‪ ،‬يركز المعالجون الذين بتبنون هذا النوع‬
‫العالجي على أهمية األحداث و البناءات النفسية المرتبطة بحياة الوالدين و األجداد و‬
‫األسالف‪ ،‬ألن العائلة حسب رأيهم عبارة عن وحدة العادة االنتاج ( بمعنى األجيال تتناقل‬
‫(‪)1‬‬
‫أنماط التبادل فيما بينها)‪.‬‬

‫نجد في هذا النموذج نوعين من العالجات و هما كالتالي‪:‬‬

‫(‪ )1‬ليلى سليمان مسعود ‪ «,‬العالقات األسرية‪ ،‬اإلعاقة و العالج األسري مجلة االنسانيات مركز البحوث األنثروبولوجيا و االجتماعية و الثقافية‬
‫المجلد ‪ 6‬العدد ‪ 2005 1‬ص ‪ 180‬ص ‪197‬‬

‫‪128‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫العالج األسري السياقي ما بين األجيال‪ :‬ان رائد هذا النوع العالجي هو‬ ‫أ‪-‬‬
‫‪ ،)1973( Boszormenyi Nagy‬ان هذا العالج يختلف عن العالجات األسرية النسقية‬
‫األخرى‪ ،‬حيث أن في هذا التوع يكتسي مفهوم "السياق"‪ ،‬معنى خاص‪ ،‬كونه يركز على‬
‫شبكة العالقات بين أفراد األسرة‪ ،‬بمعنى كل سلوكات الفرد لها تأثير على األخر بطريقة‬
‫تبادلية‪.‬‬

‫يعتمد هذا العالج على أربعة أبعاد‪:‬‬

‫‪ -1‬البعد البيولوجي ( المحددات البيولوجية مثل الوراثة و كل ما يتعلق بالجانب الجسمي)‬


‫و كذا الجوانب االجتماعية و التاريخية (الطالق‪ ،‬الوفاة‪ ،‬االنتقال‪ ،‬االضطرابات الجسمية‪،‬‬
‫االعاقة‪.)...‬‬

‫‪ -2‬البعد النفسي الفردي أي ما يتعلق بالجهاز النفسي للفرد‪ ،‬و يتضمن المحددات األساسية‬
‫كالقدرات المعرفية‪ ،‬الميكانيزمات الدفاعية‪...‬‬

‫البعد االنتقالي‪ ،‬يتضمن النماذج السلوكية و نماذج التواصل بين األفراد‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫‪ -4‬البعد األخالقي و بتعلق األمر بأخالقيات العالقة مع األخر مثل االنضباط‪ ،‬االستقامة’‬
‫الصدق‪...‬‬

‫علما أن كل هذه األبعاد ترتبط ببعضها البعض و الواحد يكمل األخر‪.‬‬

‫لقد طور ‪ Boszormenyi Nagy‬عدة مفاهيم تخص هذا النموذج العالجي‪ ،‬هذه المفاهيم‬
‫التي تصف مختلف مشاكل األسر‪ ،‬مثل اضطرابات السلوك و األمراض النفسية و التي غالبا‬
‫ما تكون مرتبطة باالختالالت و الوظائف العالئقية بين األفراد داخل النسق‪.‬‬

‫تتمثل هذه المفاهيم في ما يلي‪:‬‬

‫مفهوم الوالء‪ :‬يعتبر أساسيا في العالج السياقي ما بين األجيال‪ ،‬و يستعمل من أجل‬ ‫‪-‬‬
‫الداللة على موقف االخالص و االحترام لشخص ما‪ ،‬و قد أخذ هذا المفهوم معناه العام و‬
‫أصبح عبارة عن قوة منظمة لألنساق االنسانية التي تجعل الفرد على مسار كل حياته‬
‫موضوعا تحت مفهوم الوالء من طرف عائلته األصلية أو من طرف األنساق الفرعية‬
‫(‪)1‬‬
‫األخرى‪ ،‬و الذي يضمن له االستمرارية‪.‬‬

‫مفهوم ميزان العدل‪ :‬يقصد به التوازن بين األخذ و العطاء‪ ،‬يرى رواد هذا النموذج‬ ‫‪-‬‬
‫العالجي أن التوازن هو جوهر العالقة الحميمية بين األفراد و اختالل هذا التوازن يؤدي الى‬
‫اضطرابات سلوكية و مشاكل نفسية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ليلى سليمان مسعود‪ « 2005 ,‬العالقات األسرية‪ ،‬اإلعاقة و العالج األسري مرجع سابق‬

‫‪129‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫ب‪ -‬العالج االسري المتعدد األجيال‪ :‬رائد هذا النوع العالجي هو ‪ ،Murray Bowen‬حيث‬
‫استمد نظريته من مجمل المالحظات التي أخذها من خالل دراسته و تعامله مع أسرة‬
‫فصامي‪.‬‬

‫من أهم المفاهيم التي تناولها في هذا العالج ما يلي‪:‬‬

‫مفهوم تمايز الذات‪ ،‬و يقصد به قدرة الفرد على الفصل بين النسق االنفعالي و النسق‬ ‫‪-‬‬
‫الذهني أي الفرد تكون له القدرة على تسيير انفعاالته بطريقة عقالنية و موضوعية دون أن‬
‫يؤثر ذلك على مساره الذهني أي العصبي ‪ ،‬في حالة عدم التوازن بين هذين المفهومين يجد‬
‫الفرد نفسه غير قادر على االختيار الذي يناسبه في حياته‪:‬‬

‫مفهوم المثلثات‪ ،‬و يعتبر العنصر األساسي و األصلي ل ‪ ،M.Bowen‬حيث يتشكل‬ ‫‪-‬‬
‫من ثالثة أشخاص و يعتبره النظام األصغر لتنطيم العالقات الوجدانية المستقرة بين األفراد‬
‫داخل النسق األسري‪ ،‬و قد تتعدى هذه المثلثات خارج األسرة الى األنساق األخرى مثل‬
‫المدرسة‪ ،‬العمل ‪...‬‬

‫ان ‪ ،M.Bowen‬يركز في هذا التوع العالجي على مكانة الفرد داخل الجماعة‪ ،‬حيث يرى‬
‫أن أي تمايز بين الفرد و الجماعة التي ينتمي اليها‪ ،‬سوف يؤدي به الى عدم تقبله من طرف‬
‫هذه الجماعة‪ ،‬مما سيؤدي الى جملة من ردود األفعال السلبية التي تجعل الفرد مجبرا على‬
‫(‪)1‬‬
‫التوافق و التكيف مع الجماعة‪.‬‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬ابتسام القرام ‪ 2000 .‬المصطلحات القانونية للتشريع الجزائري ‪ . ،‬قصر الكتاب ‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ .2‬إبراهيم أبو العرقوب ‪،1994 ،‬االتصال اإلنساني و دوره في التعامل اإلنساني ‪ ،‬دارا لمعرفة‬
‫الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية‬

‫(‪ )1‬ليلى سليمان مسعود ‪ «,‬العالقات األسرية‪ ،‬اإلعاقة و العالج األسري مجلة االنسانيات مركز البحوث األنثروبولوجيا و االجتماعية و الثقافية‬
‫المجلد ‪ 6‬العدد ‪ 2005 1‬ص ‪ 180‬ص ‪197‬‬

‫‪130‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪ .3‬إبراهيم عبد الستار‪ 1994‬العالج النفسي السلوكي المعرفي الحذيث ‪ .‬اساليبه و ميادينه‬
‫التطبيقية القاهرة دار ا الفجر للنشر و التوزع‬
‫‪ .4‬إبراهيم‪ ،‬زكريا ‪ ، 1978‬الزواج و الستقرار النفسي ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬مكتبة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪.‬‬

‫‪ .5‬أبو حميدان‪ ،‬يوسف عبد الوهاب‪ 2001 ،‬العالج السلوكي لمشاكل األسرة و المجتمع ‪،‬دار الكتاب‬
‫الجامعي‪ ،‬العين‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‬

‫‪ .6‬أبوا جادو ‪ ،‬محمد صالح‪ 2002 ،‬سيكولوجية التنشئة األسرية‪ ،‬دار المسيرة للنشر و التوزيع‪،‬ط‪3‬‬
‫عمان األردن ‪.‬‬

‫‪ .7‬أبوا حميدان ‪،‬يوسف ‪، 2001،‬العالج السلوكي لمشاكل األسرة ‪،‬دار الكتاب الجامعي ‪،‬العين‪،‬‬
‫اإلمارات المتحدة‪،‬‬

‫‪ .8‬أحمد الشناوي وآخرون ‪،)2001(،‬التنشئة االجتماعية للطفل‪ ،‬الطبعة األولى ‪،‬دار صفاء للنشر‬
‫والتوزيع ‪،‬األردن‪.‬‬

‫‪ .9‬احمد الصامدي ‪ ،1997،‬مشكالت األسرة العربية ‪ ،‬جامعة اليرموك ‪ ،‬سوريا‪.‬‬

‫‪.10‬احمد حسين اللقاني ‪ 2002 ،‬األسرة التربية بين الحاضر و المستقبل ‪،‬عالم الكتب القاهرة ‪.‬‬

‫‪.11‬احمد عبد الخالق ‪،‬أصول الصحة النفسية ‪ ، 1993،‬دار المعرفة الجامعية ‪،‬القاهرة ‪،‬‬

‫‪.12‬أحمد عبد اللطيف أبو أسعد ‪،2008،‬اإلرشاد الزواجي األسري‪ ،‬الطبعة األولى دار الشروق للنشر‬
‫والتوزيع ‪،‬األردن‪.‬‬

‫‪.13‬احمد فراج حسين‪ 2004،‬احكام االسرة في اإلسالم الطالق الخلع و حقوق األوالد نفقة األقارب وفقا‬
‫ألحدث التشريعات القانونية دار الجامعة الجديد للنشر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪.14‬أحمد محمد مبارك الكندري‪ ،1994 ،‬علم النفس األسري‪،‬ط‪، 2‬مكتبة الفالح للنشر‪،‬الكويت ‪.‬‬

‫‪.15‬إدريس الفاخوري ‪ ، 1993،‬أحكام الزواج في مدونة األحوال الشخصية‪ ،‬دراسة مقارنة بين دول‬
‫المغرب العربي‪ ،‬مركز الخدمات والتسفير والتذهيب‪ /‬دار البيضاء‪ /‬المغرب‪.‬‬

‫‪.16‬أسعد رزق‪ ،‬موسوعة علم النفس‪،1977،‬ط‪، ،1‬المؤسسة العربية للدراسات النشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬بنان ‪.‬‬

‫‪.17‬أسماء عبد العزيز ‪، 2001،‬المدخل الميسر إلى الصحة النفسية و العالج النفسي‪،،‬دار عالم الكتب‬
‫الطبعة (‪ )1‬القاهرة‪.‬‬

‫‪.18‬إقبال محمد بشير ‪ ،1984 ،‬ديناميكية العالقات األسرية‪ ،‬المكتب الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية ‪.‬‬

‫‪.19‬آليسا دلتوفو ‪ ،1999،‬العنف العائلي ‪،‬ترجمة نوال اليفة ‪ ،‬دار المدى ‪،‬دمشق ‪.‬‬

‫‪.20‬أمل المخزومي‪،2004،‬دلياللعائلةالنفسي‪،‬ط‪،1‬دارالعلمللماليينللتأليفوالترجمةو النشر‪،‬لبنان ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪.21‬االميني‪ ،‬إبراهيم‪،2000،‬نحو حياة دافئة‪ ،‬ترجمة إبراهيم السيد ‪،‬ط‪،1‬مؤسسة انصريان للطباعة‬
‫والنشر‪،‬قم‪،‬إيران‪.‬‬

‫‪.22‬أنور العمروسي ‪، ،1987‬أصول المرافقات الشرعية في مسائل األحوال الشخصية‪،‬ب ‪.‬ت ‪ ،‬ط‬
‫‪،3‬الناشر المؤلف‪.‬‬

‫‪.23‬إيمان فوزي‪ ، 2001 ،‬في الصحة النفسية‪ ،‬مكتبة زهراء الشرق‪ ،‬ط‪ ، 1‬القاهرة ‪،‬‬

‫‪.24‬باترسون‪،‬س‪.‬ه ‪. 1990‬نظريات اإلرشاد و العالج النفسي ‪.‬ترجمة‪،‬حامد الفقي‪ .‬الكويت‪ ،‬دار القلم‪.‬‬
‫الكويت‪.‬‬

‫‪.25‬بثينة السيد العراقي ‪ 2000 ،‬أسرار في حياة المطلقات دار طويق للنشر و التوزيع ‪،‬الرياض‪.‬‬

‫‪.26‬بلحاج العربي‪ ،2004،‬الوجيز في شرح القانون الجزائري ج ‪، 2‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الطبعة‬
‫‪ ، 4‬الجزائر‪.‬‬

‫‪.27‬بلحاج بالعربي ‪ 2004 :‬شرح قانون األسرة ‪ .‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪.28‬بولبي ‪ ،‬جون ‪ 1992 ،‬سيكولوجية االنفصال ‪،‬ترجمة عبد الهادي عبد الرحمان ‪،‬دار الطليعة‬
‫بيروت ‪.‬‬

‫‪.29‬بيري ‪،‬الوحشي احمد ‪، 1998،‬األسرة و الزواج ‪،‬مقدمة في علم االجتماع العائلي ‪ ،‬مكتب الجامعي‬
‫الحديث ‪،‬اإلسكندرية ‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪ .30‬التميمي نادية ‪ .1418‬فعالية برنامج العالقلني العالجي االنفعالي في حل بعض‬


‫المشكالت الزوجية‪ .‬رسالة ماجستير كلية التربية جامعة الملك سعود‬
‫‪.31‬توفيق ‪ ،‬سميحة كرم ‪ ،1996،‬مدخل إلى العالقات األسرية ‪ ،‬مكتبة االنجلو المصرية ‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬

‫‪.32‬جالل إسماعيل‪،1999 ،‬العنف األسري ‪،‬دار قباء للنشر و التوزيع‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪.33‬الجليدي ‪ ،‬محمد سعيد ‪، 1986،‬أحكام األسرة في الزواج و الطالق ‪،‬الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع‬
‫واإلعالن‪ ،‬معرانة ‪ ،‬لبنان‬

‫‪.34‬جمعة سيد يوسف‪،‬عزة عبد الكريم‪ ، 2006 ،‬الصحة النفسية والجسمية للمسنين‪ ،،‬دار غريب للطباعة‬
‫والنشر ‪،‬القاهرة ‪،‬‬

‫‪.35‬الجوالني‪ ،‬فادية ‪، 2004 ،‬األسرة العربية ‪،‬الكتبة المصرية للطباعة و النشر و التوزيع القاهرة ‪،‬‬

‫‪.36‬جوهري‪،‬إسماعيل بن حماد ( ‪1399‬ه)‪ .‬الصحاح‪،‬تاج اللغة و صحاح العربية‪،‬ط‪ .2 .‬تحقيق أحمد عبد‬
‫الغفور عطار‪ :‬دار العلم للماليين ‪ .،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪.37‬حامد ‪،‬زهران‪، 1988 ،‬الصحة النفسية و العالج النفسي‪ ،‬عالم الكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬

‫‪132‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪.38‬حامد عبد السالم زهران‪ ، 1995 ،‬الصحة النفسية و العالج النفسي‪ ،‬عالم الكتب الطبعة ‪ 2‬القاهرة‪،‬‬

‫‪.39‬حامد عمار‪ 1992 ،‬في بناء اإلنسان‪ :‬مركز ابن خلدون للدراسات اإلنسانية ‪ ،‬دار سعاد الصباح ‪،‬‬
‫الكويت ‪.‬‬

‫‪.40‬الحسن احسان محمد‪، 1985،‬العائلة ‪،‬و القرابة ‪،‬و الزواج‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪.41‬حسن عبد المجيد رشوان (‪ ) 2003‬القانون و المجتمع المكتبة الجامعية الحديثة ‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬

‫‪.42‬حسن فايد ‪،2006‬دراسات في الصحة النفسية‪ ،،‬مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع ‪ .،‬القاهرة‪،‬‬

‫‪.43‬حسون تما ضر ‪ ، 1414‬تأثير عمل المرأة على تماسك األسرة في المجتمع العربي ‪،‬دار النشر‬
‫والمركز القربي للدراسات الرياض ‪.‬‬

‫‪.44‬حسين ‪،‬طه عبد العظيم‪ ،2004،‬اإلرشاد النفسي ‪،‬دار الفكر ‪،‬ط‪ 1‬عمان ‪ ،‬األردن‬

‫‪.45‬حسين علي مصطفى‪، 2003،‬ثقافتنا الجنسية‪ ،‬بين اإلسالم و استبداد العادات ‪،‬المركز الثقافي العربي‬
‫‪ ،‬المغرب ‪.‬‬

‫‪.46‬حلمي عبد العظيم حسن‪ ،‬ومحمد رشاد عبد الوهاب‪ ،‬األحوال الشخصية للمسلمين طبقا ً ألحداث‬
‫التعديالت‪ ،1987،‬ط ‪، ،3‬الهيئة العامة لشؤون المطابع األميركية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪.47‬حمد مصطفى احمدن ‪ 1999 ،‬السكان و األسرة ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪.‬‬

‫‪.48‬حنان عبد الحميد العناني‪ 2000،‬الصحة النفسية‪ ،‬دار الفكر للطباعة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬عمان‬

‫‪.49‬خالد عبد الرحمن عك ‪،،2005،‬بناء األسرة المسلمة ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪،‬‬

‫‪.50‬الخالدي ‪ ،‬محمد أديب ‪، 2008 ،‬المرجع في الصحة النفسية ‪ ،‬دار وائل‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.‬‬

‫‪.51‬خليفة بركات ‪ 1977 ،‬علم النفس التربوي في األسرة‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الكويت ‪.‬‬

‫‪.52‬الخوري ‪ ،‬توما جورج‪ 1988،‬سيكولوجية األسرة‪ ،‬دار الجيل ‪ .‬بيروت ‪.‬‬

‫‪.53‬الخوري ‪ ،‬توما ‪ 1988،‬الزواج و العالقات األسرية ‪،‬دار المعرفة الجامعية ‪،‬اإلسكندرية ‪،‬‬

‫‪.54‬رجاء مكي طيارة ‪ ، 2000 :‬دراسة نظرية و علمية لتقنيات و مبادئ علم النفس االجتماعي ‪ .‬بيسان ‪،‬‬
‫لبنان ‪.‬‬

‫‪ .55‬الرشيدي بشير صالح ‪ ،‬راشد علي ‪ 2000‬مقدمة في االرشاد النفسي الكويت مكتبة‬
‫الفالح‬
‫‪.56‬الرشيدي‪،‬بشير صالح‪،‬إبراهيم محمد الخليفي‪2008،‬سيكولوجية األسرة و الوالدية ‪ ،‬شركة االنجاز‬
‫العالمية للنشر والتوزيع‪،‬الكويت‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫د‪ .‬فريد بكيس‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫‪.57‬رضوان ‪ ،‬سامر جميل ‪ 1998‬الصحة النفسية بين السواء و االضطراب ‪ ،‬دار المسيرة للنشر و‬
‫التوزيع ‪ ،‬عمان‬

‫‪.58‬الرفاعي نعيم ‪،‬الصحة النفسية ‪ :2003‬دراسات في سيكولوجية التكيف ‪ ،‬جامعة دمشق‪ ،‬سوريا‪.‬‬

‫‪.59‬الرواجنة‪ ،‬عيادة احمد‪، 2001 ،‬البرود الجنسي و الضعف وعالجه بالطب العربي الحديث ‪،‬المكتبة‬
‫الثقافية ‪،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪.60‬روبرت ‪ ،‬مكلفين ‪ 2002،‬علم النفس االجتماعي ‪ ، ،‬ترجمة ‪ ،‬ياسمين حداد ‪،‬دار وائل ‪ ،‬عمان ‪.‬‬

‫‪.61‬زهران‪ ،‬حامد عبد السالم ( ‪ .) 1997‬الصحة النفسية والعالج النفسي ‪.‬الطبعة الثالثة‪ .‬عالم الكتب‬
‫القاهرة‬

‫‪ .62‬الزيادي محمود ‪ 1987‬علم النفس العيادي التشخيص و العالج القاهرة النكثبة‬


‫االنجلو المصرية‬
‫‪.63‬سامر جميل رضوان‪ 2007،‬الصحة النفسية‪، ،،‬دار المسيرة للنشر والطباعة‪ ،‬الطبعة ‪ ، 2‬عمان‪،‬‬
‫األردن‬

‫‪.64‬سامي محمد ملحم ‪،)2001(،‬األسس النفسية للنمو في الطفولة المبكرة‪ ،‬الطبعة الثانية دار الفكر‬
‫‪،‬األردن‪.‬‬

‫‪.65‬سامية الخشاب‪2007 ،‬النظرية االجتماعية و دراسة األسرة‪ ،‬دار الدولية لالستمارات الثقافية‪ ،‬األردن‬

‫‪.66‬سلوى عثمان ‪ ،‬الصديقي ‪، 1999 ،‬مدخل في الصحة العامة والرعاية الصحية االجتماعية ‪،‬المكتب‬
‫الجامعي‬

‫‪ .67‬السيد صالح حزين ‪ 1990‬اختبار دليل التفاعالت االسرية دراسة الصدق و الثباث ‪.‬‬
‫مجلة علم النفس العدد الثالث‬
‫‪ .68‬عبد المعطي حسن مصطفى ‪ 2003‬علم النفس االكلينيكي القاهرة دار قبا للطباعة‬
‫و النشر‬
‫‪ .69‬كفافي عالء الدين ‪ 1999‬عالج االسرة العالجات التحليلية السلوكية و النفسية‬
‫مجلة علم النفس العدد ‪52‬‬
‫‪ .70‬الكندي احمد ميارك ‪ 1993‬علم النفس االسري الكويت مكتبة الفالح للنشر و‬
‫التوزيع‬
‫‪.71‬ألخرس محمد صفوح ‪، 1977 ،‬تركيب العائلة العربية ووظائفها ‪،‬طباعة وزاره الثقافة ‪ ،‬دمشق ‪.‬‬

‫‪ .72‬ليلى سليمان مسعود ‪ «,‬العالقات األسرية‪ ،‬اإلعاقة و العالج األسري مجلة‬


‫االنسانيات مركز البحوث األنثروبولوجيا و االجتماعية و الثقافية المجلد ‪ 6‬العدد ‪1‬‬
‫‪ 2005‬ص ‪ 180‬ص ‪197‬‬
‫‪134‬‬
‫ فريد بكيس‬.‫د‬ ‫األسرة واضطراباتها النفسية‬ ‫جامعة يحي فارس المدية‬

‫ المرشد في العالج االستعرافي السلوكي الرياض‬2000 /‫ المحارب ناصر إبراهيم‬.73


‫دار الزهراء‬
‫ علم النفس العالجي الحديث بيروت دار قباء للنشر دا‬2001 ‫ مفتاح عبد العزيز‬.74
‫ االسرة و العالج االسري القاهرة دار السحاب للنشر و التوزيع‬2004 ‫ المؤمن داليا‬.75

‫المراجع باللغة االجنبية‬

1. Andolfi, M. (1993). La forteresse familiale. Paris. Amazon


2.Foughali, Marie José. (1984), L’image du père chez l’enfant algérois. A travers le dessin de la
famille et le test Patte Noire. OPU. Alger.
3.Haley, J. (2002). Stratégies de la psychothérapie. Paris. Erès
4Heireman, M. (1989). Du côté de chez soi : La thérapie contextuelle d'Ivan Boszormenyi-Nagy.
Paris. Amazon
5.Minuchin, S. (1998). Familles en thérapie. Paris. Erès
6.Mosca, F., Garnier, A.M. (2005). Génogrammes. Mille et un contes de familles. Paris. Erès
7.Neuburger, R. (2003). L’autre demande. Psychanalyse et thérapie familiale. Paris. PBP
.8.Perron, R. (1985). Genèse de la personne. Paris. PUF
.9.Watzlavick, P. et coll. (2014). Une logique de la communication. Paris. Amazon.
10. Benali, R. (2009). Rôles et statuts dans la famille algérienne contemporaine. Changements et
répercussions. Arabpsynet E.Journal. 21- 22
11. Benoit, J.C. (1989). Dictionnaire clinique des thérapies familiales et systémiques. France. ESF
12. Benoit, J.C. (2003). Patients, familles, et soignants. Paris. Erès
48
13. Berger, M. (1986). Entretiens familiaux et champ transitionnel. Paris. Amazon
14. Ducommun-Nagy, C. (2006). Ces loyautés qui nous libèrent. Paris. Amazon
15 Eiguer, A., Carel, A., André-Fustier, F. (1997). Le générationnel. Approche en thérapie familiale
et psychanalytique. Paris. Dunod
8. Elkaïm, M. (1989). Si tu m'aimes, ne m'aime pas, Approche systémique et psychothérapie. Paris.
Seuil
9. Elkaïm, M. (2003). Panaroma des thérapies familiales. Paris. Seuil
18 Satir, V., Thérapie du couple et de la famille, Ed EPI, 1982, p. 32.

135

You might also like