Professional Documents
Culture Documents
من كتاب البخلاء
من كتاب البخلاء
يتناوُل الجاحظ في كتاب البخالء أحاديَث وقصَص البخالء ال ذين ق ابلهم وتع َّر ف عليهم ض من
ظروف بيئته الخاصة ،خاَّصة من أهل مدينة مرو في خراسان .فقام بتصورير البخالء بواسطة
أسلوبه الفني األدبّي ،تصويًر ا حسًّي ا مالِمًسا للواق ِع بطريق ة فكاهّي ة .فوص ف تص ّر فات أولئ ك
البخالء وحركاتهم وسكناتهم والنظرات التي يعتريها القلق أو تلك التي تنعم بالطمأنين ة .وجَّس د
ال نزوات النفس ية ال تي تنت ابهم ،كم ا فض ح أس رار البخالء والخفاي ا ال تي ت دور في بي وتهم،
واألحاديث التي تدور فيما بينهم .ومن براعة الجاحظ في كتاب البخالء؛ أَّن ه ال يترك في نف وس
القّر اء آثاًر ا سيئًة حول البخالء ،وال يحمل القراء على كراهية هذا الصنف من المجتمع .ل ذلك،
ف إّن كت اب البخالء يحم ُل في طَّيات ه قصًص ا يرويه ا الجاح ظ كن وادر تص ِّو ُر مواق َف هزلَّي ة
بطريقة تدفُع إلى التربية ونقد الواقع االجماعي .ويعّد كتاب البخالء –أيًض ا -دراس ًة اجتماعي ًة
نفسَّية اقتصادية تربويًة ،وله أهمَّية علمية كبيرة كمرجع علمي؛ ألَّن ه يكشُف عن طبائع وس لوك
ونفوس البشر ،باإلضافة إلى أَن ه يحتوي على كثير من أسماء المشاهير واألعالم وأسماء المدن
والبلدان وصفات أهل تلك البالد .كما يحتوي على كثير من الشعر واآلثار واألحاديث وغيرها.
لذلك يمكن أن يعَّر ف كت اب البخالء باختص ار أَّن ه موس وعة اجتماعي ة أدبي ة علمي ة جغرافي ة
تاريخية ،تصور تلك األمور في صدر العصر العباسّي .
يمكُن اعتب ار كت اب البخالء لألديب الموس وعّي الجاح ظ بأَّن ه من أش هر كتب األدب الس اخر،
حيث ظهرت في ه روح الفكاه ة ال تي تط رُب األرواح وته ُّز الُّن ف وس ،كم ا ظه ر في ه أس لوب
الجاح ظ ال ذي يفيُض بالبي ان المتماس ك الرص ين وبقدرت ه على ص ياغة الن وادر والقص ص
القصيرة الهزلية ،حيُث تميزت كتاباته بوض وح البي ان ودَّق ة التعب ير وبراع ة الوص ف ،وه و
الكتاب الوحيد الذي وصف الحياة االجتماعية في ص در العص ر العباس ي به ذا الوص ف ال ذي
كشف أسرار الحياة في تلك المرحلة.
صاحب كتاب البخالء الجاحظ ،وه و عم رو بن بح ر الكن اني الُم كَّن ى ب أبي عثم ان ،من كب ار
األدباء في العصر العباسيُ .و ل د في البص رة ع ام 159هـ في خالف ة المه دي ،وعاص ر ف ترة
ازدهار الثقافة العربية اإلسالميةُ .لِّقب بالجاحظ لجحوٍظ واضٍح في عيَن ْيه ،ك ان في ص باه ي بيع
الس مك والخ بز ،ثَّم ص ار يأخ ذ العلم من رَّو اده في ذل ك الزم ان .فأخ ذ اللغ ة العربي ة عن
األصمعي والنحو عن األخفش وعلم الكالم عن إبراهيم بن سيار .وصار يس تأجر ال دكاكين من
الَو ّر اقين ويق رأ م ا فيه ا من الكتب المؤّلف ة والمترجم ة ،فجم ع بين الثقاف ة العربي ة والفارس ية
واليونانية والهندية .توّفي عاَم 255هـ عن عمر 96عاًما قضاها في العلم والقراءة والكتابة.
1
نبذة عن كتاب البخالء
البخالء ،هو موسوعة أدبية كبيرة ،كتبها األديب عم رو بن بح ر الجاح ظ (أب و عثم ان) ،حيث
تناول خالله قصصًا إخبارية عن الُبخالء وِط باعهم ،وعاداتهم االجتماعية واالقتصادية الغريب ة
بطريقة طريفة وساخرة ،وغيرها من القصص األخرى .ومّما ورد في كتاب "البخالء" للجاحظ
هذه القصص الطريفة ما سيعرضه هذا المقال.
طرف أهل خراسان خصص الجاحظ جزءًا كبيرًا من كتابه "البخالء" لذكر طرائف وقص ص
عن بخل أهل خراسان ،وخاصًة أهل "مرو" وهي مدينة من مدن خراس ان ،وفيم ا يلي أط رف
هذه القصص:
قصة أهل خراسان والزائر :يقول المروزي للضيف إذا زاره وط ال جلوس ه" :تغ ّد يت الي وم؟"
فإن قال "نعم" ،قال له" :لوال أنك تغّد يت لغّد يتك بغداء طيب" ،وإن قال "ال" ،قال له" :ل و كنت
تغديت ،لسقيتك خمسة أقداح" ،فال ُيطعمه في كلتا الحالتين لشدة بخله.
[ ]٣قصة أهل خراسان والمص باح :ي روي الجاح ظ أّن جماع ة من أه ل خراس ان ترافق وا في
منزل وصبروا على الظلمة (االستغناء عن اإلنارة) ما أمكنهم الصبر ،حتى اتفقوا على أن يدفع
كل واحد منهم مقدارًا من المال لإلنارة بعد أن نفد صبرهم ،إاّل أّن واحًد ا منهم أبى أن يشاركهم
ويعينهم على ذل ك ،فك انوا إذا ج اء المص باح ش ّد وا عيني ه بمن ديل لكي ال يس تفيد من الن ور،
وعندما يناموا ويطفئوا المصباح يطلقون عينيه.
[ ]٤قصة أهل خراسان والِدَي كة :يقول ثمامة وهو (ابن أشرس النمري ،أحد زعماء المعتزل ة):
"لم أَر الديك في بلدة قّط إال وهو القط يأخذ الحبة بمنق اره ،ثم يلفظه ا ق دام الدجاج ة ،إال ديك ة
مرو ،فإني رأيت ديكة مرو تسلب الدجاج م ا في مناقيره ا من الحب" ،ق ال" :فعلمت إن بخلهم
شيء في طبع البالد".
[ ]٥قص ص في بخ ل موس ى بن جن اح :ذك ر الجاح ظ في كتاب ه "البخالء" قص ص من حي اة
موسى بن جناح وطباع من بخله الشديد ،وفيما يلي بعض ها :روى س ّر ي بن مك رم أن موس ى
بن جناح ولشدة بخله كان يأمرهم أاّل يأكلوا من الطعام ما دام أحد منهم مشغوًال بشرب الماء أو
طلبه ،فلما رآهم ال يطاوعونه ،وقد أراد ش رب الم اء ،خ ّط بإص بعه خط ًا في أرّز ة ك انت بين
أيديهم فقال" :هذا نصيبي ،ال تعرضوا له ،حتى انتفع بشرب الماء".
[ ]٦روى أب و كعب أن موس ى بن جن اح دع ا جماع ة من جيران ه ليفط روا عن ده في ش هر
رمضان ،وقد كان معهم ،فلم ا ص ّلوا المغ رب ،أقب ل عليهم ابن جن اح ثم ق ال :ال تعجل وا ف إن
العجلة من الشيطان ،وكيف ال تعجلون وقد قال هّللا جّل ذكرهَ{ :و َك اَن َاِإْلْن َس اُن َع ُجوًال}.
2
[ ]٧قصة أبي محمد الخزامي ك ان أب و محم د الخ زامي أبخ ل من ب ّر أ هللا ،فق د ذك ر الجاح ظ
قصص عديدة له في البخل ،وفيما يلي بعضها:
[ ]٨كان أبو محمد الخزامي يقع إلى عياله كل سنة مرة بالكوفة ،فيش تري لهم من الحب مق دار
طبيخهم وقوت سنتهم فقط ،فكان ينظر إلى حب هذا وإلى حّب هذا ويقّيم سعره ،ويكتال من كل
واحد منهم كيلة بالميزان؛ ليشتري أثقلها وزنًا وأرخصها ثمنًا .كان أبو محمد الخ زامي إذا لبس
قميصًا نظيفًا وجدي دا ،وُأتي بك ل بخ ور في األرض ،لم يتبّخ ر ،وذل ك مخاف ة أن ُيس ِّو د دخ ان
العود بياض قميصه ،وكان يقول" :حّبذا الشتاء ،فإنه يحفظ علي ك رائح ة البخ ور ،وال يحمض
فيه النبيذ ،إن ترك مفتوحًا ،وال يفسد فيه مرق إن بقي أيامًا".
قصة ليلى الناعطّية ما زالت ليلى الناعطّية ترّقع قميصًا لها وتلبسه ،حتى ذهب القميص األول،
ورفت (أصلحت) كساءها ولبسته ،حتى صارت ال تلبس إال الرف و (المرّق ع ،الُمخ اط) ،وذهب
جميع الكساء ،وسمعت قول الشاعر :البس قميصك ما اهتديت لجيبه فإذا أض ّلك جيب ه فاس تبدل
فقالت" :إني إذن لخرقاء أنا -وهللا -أحوص (ُأخيط وأرفو) الفتق ،وفتق الفت ق ،وأرق ع الخ رق،
وخرق الخرق".
[ ]٩قص ة الكن دي وت أجير العق ارات ك ان الكن دي من ش دة بخل ه يش ترط على الس ّك ان ال ذين
يؤّج رهم عقاراته أن يكون ل ه روث الداب ة ،ونش وار العلوف ة (بقي ة العل ف من الداب ة) ،ون وى
التمر ،وقشور الرمان ،وأن ال يلقوا عظمًا ،وال يخرجوا كساحة (الُك ناسة) ،كما أن ه ك ان يطلب
الَغ رفة من كل قدر تطبخ للحبلى في بيته ،إال أنهم كانوا يحتملون ذلك لطيبه وحسن حديثه
3