Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 26

‫نجحت التهدئة واتفاقيات السالم في عدد من الساحات في منطقة‬

‫الشرق األوسط في وقف القتال بشكل مؤقت أو دائم لكنها لم تجد‬


‫حلوال جذرية للنزاعات وسط مخاوف من عودة الحروب سواء في‬
‫اليمن أو سوريا أو ليبيا‪.‬‬

‫دمشق – تشهد الصراعات الُم سلحة في منطقة الشرق األوسط‬


‫جوالت من التهدئة تبدأ عادة بإقرار هدنة تفضي إلى توقف األطراف‬
‫المتصارعة عن عمليات القتال والتصعيد العسكري‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫اإلعالن عن وقف إطالق النار ودخوله حّيز التنفيذ‪.‬‬

‫ويقول الكاتب محمود قاسم‪ ،‬وهو باحث متخصص في قضايا‬


‫اإلرهاب والصراعات المسلحة في تقرير نشر في موقع “المستقبل‬
‫لألبحاث والدراسات المتقدمة”‪ ،‬إنه على الرغم من وضوح الهدف‬
‫الُم باشر والُم علن لتلك االتفاقات والُم تمثل في وقف األعمال العسكرية‬
‫بين األطراف الُم تناحرة‪ ،‬سواء بشكل مؤقت أو دائم‪ ،‬فإنها قد تكون‬
‫مدفوعة بجملة من األهداف األخرى‪ ،‬وذلك وفقا لمصلحة وحسابات‬
‫كل طرف من الهدنة وعملية وقف إطالق النار‪ .‬بيد أنه تظل هناك‬
‫عراقيل أو عقبات تحد من تحقيق األهداف السلمية الُم بتغاة من مثل‬
‫هذه االتفاقات‪.‬‬
‫يشير الكاتب إلى أن منطقة الشرق األوسط تعيش على وقع مشهد‬
‫صراعي في عدد من الساحات على مدار سنوات عديدة من دون‬
‫النجاح في تهيئة األجواء الستدامة االستقرار في المنطقة‪.‬‬

‫فمع أن الصراعات الُم سلحة في سوريا وليبيا واليمن قد مرت‬


‫بمراحل مختلفة من محاوالت التهدئة‪ ،‬فإن القاسم الُم شترك بينها أنها‬
‫كانت تأخذ طابعا مرحليا أو مؤقتا‪ ،‬بحيث ربما نجحت في تسكين أو‬
‫تجميد الصراع من دون االنتقال إلى المرحلة التالية التي ُتؤسس‬
‫للسالم الدائم وُتنهي حالة الفوضى والالنظام التي سيطرت على‬
‫المشهد في تلك الدول‪.‬‬

‫حاالت متنوعة‬

‫يعطي الكاتب أمثلة قائال “على سبيل المثال دخلت الهدنة في اليمن‪،‬‬
‫التي تم اإلعالن عنها في ‪ 2‬أبريل ‪ 2022‬شهرها الخامس في أعقاب‬
‫تمديدها للمرة الثانية في ‪ 2‬أغسطس ‪ ،2022‬وبذلك تصبح الهدنة في‬
‫شكلها الحالي األطول منذ سيطرة ميليشيا الحوثي على العاصمة‬
‫صنعاء‪ ،‬األمر الذي ساهم في زيادة اآلمال الُم علقة على استثمار‬
‫الهدنة لتبني وقف شامل للعمليات العسكرية ينتهي بتسوية الصراع‬
‫والدخول في مفاوضات جادة بين الحكومة الشرعية والحوثيين‪ ،‬في‬
‫ظل الرغبة الدولية في وضع حد للصراع اليمني”‪.‬‬

‫ويضيف “ال تزال عملية وقف إطالق النار في ليبيا‪ ،‬التي دخلت حّيز‬
‫التنفيذ في أكتوبر ‪ ،2020‬قائمة من دون وقوع ارتدادات عكسية‬
‫ُتعيد الوضع العسكري والميداني لما كان عليه من قبل‪ .‬ومع ذلك‬
‫تعثرت عملية االنتقال السياسي وتم إجهاضها‪ ،‬ولم تتمكن ليبيا من‬
‫العبور نحو استكمال المسار السياسي وخارطة الطريق حتى وقتنا‬
‫الراهن”‪.‬‬

‫ويتحدث الكاتب عن الملف السوري قائال “كانت سوريا على موعد‬


‫من نمطين من اتفاقيات وقف إطالق النار؛ األول صاغته األطراف‬
‫الدولية الُم نخرطة في الصراع خالل أعوام ‪ 2016‬و‪ 2018‬و‪2019‬‬
‫و‪ ،2020‬وقد اشتركت جميعها في تحقيق هدف خفض التصعيد‪ ،‬قبل‬
‫أن تعود االشتباكات مرة أخرى بدرجات متفاوتة‪ ،‬ومع ذلك كانت‬
‫أقل حدة وعنفا مما كانت عليه األوضاع قبل توقيع تلك االتفاقيات‪.‬‬
‫في حين تشكل النمط الثاني عبر اتفاقيات مناطقية بين النظام‬
‫السوري والفصائل الُم سلحة في عدد من المدن طيلة السنوات‬
‫الماضية‪ ،‬كان آخرها ما تم اإلعالن عنه بشأن وقف المواجهات‬
‫الُم سلحة في بلدة طفس بريف درعا في منتصف أغسطس ‪.”2022‬‬

‫دوافع مختلفة‬

‫يوضح الكاتب أنه بالوقوف على اتفاقات الهدنة أو وقف إطالق النار‬
‫في عدد من دول الصراعات بالشرق األوسط‪ُ ،‬يمكن توضيح أبرز‬
‫األهداف أو الدوافع التي حفزت األطراف الُم نخرطة في الصراعات‬
‫للجوء إلى مثل هذه االتفاقات‪.‬‬

‫ويشير الكاتب إلى صعوبة الحسم العسكري الكامل قائال إن األوضاع‬


‫العسكرية والميدانية وحالة االستنزاف التي تتعرض لها األطراف‬
‫الُم نخرطة في الصراعات‪ ،‬فرضت نفسها على أجندة األهداف‬
‫الرئيسية للتهدئة أو وقف إطالق النار‪ ،‬حيث تصل تلك األطراف إلى‬
‫قناعة مفادها أن استمرار القتال يقود إلى المزيد من الخسائر في ظل‬
‫عدم قدرة أي طرف على حسم المعارك كليا لصالحه‪ .‬وبالتالي‬
‫تسعى العناصر الُم تصارعة لتقليل الخسائر والحد من تكلفة‬
‫االشتباكات الُم سلحة عبر التهدئة‪.‬‬
‫ويتحدث الكاتب عن الرغبة في دعم السالم قائال “ربما ُتسهم اتفاقات‬
‫التهدئة‪ ،‬التي تتم غالبا عبر وساطات وضغوط دولية‪ ،‬في تعزيز‬
‫الثقة بين األطراف الُم تصارعة كهدف لدعم عملية السالم‪ ،‬إذ أن‬
‫توافر الثقة من شأنه خلق مناخ يمكن أن ُيحفز عملية االنتقال من‬
‫مربع الصراع إلى السالم‪ .‬ففي الحالة الليبية‪ ،‬نجحت عملية تثبيت‬
‫وقف إطالق النار منذ عام ‪ 2020‬في التوافق على شكل المرحلة‬
‫التالية‪ ،‬وذلك من خالل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والشروع في‬
‫التفكير في مستقبل ليبيا ورسم خارطة الطريق التي كان من الُم قرر‬
‫أن تنتهي بإجراء االنتخابات الرئاسية والبرلمانية في نهاية العام‬
‫الماضي‪ .‬وعلى الرغم من تعثر تلك التفاهمات على صخرة‬
‫الخالفات والتباينات بين األطراف الليبية‪ ،‬فإن هذا المسار لم يكن‬
‫باإلمكان اختباره دون القبول بعملية وقف إطالق النار من ِقبل‬
‫األطراف الُم نخرطة في الصراع”‪.‬‬

‫كما يشير الكاتب إلى الحاجة إلى تقديم المساعدات اإلنسانية قائال‬
‫“تعتبر التهدئة مدخال تلجأ إليه األطراف المعنية لتقديم األعمال‬
‫اإلغاثية والمساعدات اإلنسانية للمناطق واألفراد الُم تضررين بسبب‬
‫استمرار أعمال القتال‪ .‬ولعل دعوة األمين العام لألمم المتحدة‬
‫أنطونيو غوتيريش في مارس ‪ ،2020‬لوقف إطالق النار بهدف‬
‫إنشاء ممرات إليصال المساعدات اإلنسانية وتوصيل اإلمدادات‬
‫الطبيبة تعتبر دليال على إمكانية تطويع وقف إطالق النار لخدمة‬
‫األغراض اإلنسانية”‪.‬‬

‫ويوضح الكاتب أن تدهور األوضاع اإلنسانية والمعيشية في اليمن‬


‫بسبب الممارسات واالنتهاكات الحوثية‪ ،‬من ضمن األسباب الدافعة‬
‫لحشد المجتمع الدولي لدعم وتمديد الهدنة األممية‪ ،‬بهدف التعاطي مع‬
‫األوضاع اإلنسانية‪ ،‬حيث تسبب هذا الصراع في نزوح أكثر من ‪4‬‬
‫ماليين شخص‪ ،‬كما أن شخصين من كل ثالثة يحتاجون إلى‬
‫مساعدات إنسانية‪ ،‬وفقا لألمم المتحدة‪ .‬األمر ذاته ينطبق على‬
‫األوضاع في سوريا وليبيا‪ ،‬حيث استهدفت عمليات وقف إطالق‬
‫النار معالجة وتحسين األوضاع اإلنسانية‪ ،‬إال أن تلك األوضاع كانت‬
‫تتفاقم وتتأزم بمجرد عودة القتال مرة أخرى‪.‬‬
‫كما يبرز الكاتب ما يصفه بمراوغة الميليشيات وإ عادة تنظيم‬
‫صفوفها قائال “قد تضطر بعض األطراف المتصارعة‪ ،‬خاصًة‬
‫الميليشيات الُم سلحة‪ ،‬إلى الموافقة على التهدئة ووقف إطالق النار‬
‫المؤقت؛ بهدف وقف نزيف الخسائر التي تتعرض لها‪ ،‬سواء ميدانيا‬
‫أو بشريا‪ ،‬في مواجهة األطراف األخرى‪ .‬ويبرز ذلك مثال في الحالة‬
‫اليمنية‪ ،‬حيث اعتادت ميليشيا الحوثي منذ انقالبها على الشرعية‪،‬‬
‫على القبول أحيانا‪ ،‬وبشكل مؤقت‪ ،‬باتفاقات التهدئة مع جبهة‬
‫الشرعية‪ ،‬وإ ن كانت ال تخلو هذه الموافقة من خروقات وانتهاكات‬
‫حوثية للتهدئة‪ ،‬مثلما يحدث حاليا في الهدنة األممية الُم وقعة منذ ‪2‬‬
‫أبريل الماضي‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬تكون تلك الموافقة الحوثية مدفوعة‬
‫بعدة أهداف؛ منها الحد من الخسائر التي تتعرض لها الميليشيا‪،‬‬
‫وتقليل الضغوط الدولية عليها في بعض المراحل‪ ،‬فضال عن كسب‬
‫الوقت إلعادة تنظيم صفوفها وترتيب أوراقها مرة أخرى استعدادا‬
‫لجوالت أخرى من التصعيد العسكري ضد الشرعية اليمنية‪.‬‬

‫عقبات النجاح‬
‫يؤكد الكاتب أنه وفقا للمعطيات سالفة الذكر‪ُ ،‬تعد الهدنة وما يعقبها‬
‫من وقف إلطالق النار بمنزلة ُم قدمة للوصول إلى سالم دائم ُيوقف‬
‫نزيف الصراعات وُيقلل من الخسائر البشرية ويحد من تفاقم‬
‫األوضاع اإلنسانية‪ .‬بيد أن األمور قد ال تسير على هذا النحو‬
‫الُم ستهدف‪ ،‬بل قد تذهب في تجاه معاكس‪ ،‬وهذا ناجم عن جملة من‬
‫التحديات والعراقيل التي تواجه نجاح التهدئة وتثبيت عمليات وقف‬
‫إطالق النار بشكل دائم‪.‬‬

‫ويطرح الكاتب استجماع الميليشيات قوتها وتعزيز قدراتها العسكرية‬


‫قائال “فكما سبق الذكر أعاله‪ ،‬قد تستثمر األطراف الُم نخرطة في‬
‫مناطق الصراع عملية وقف إطالق النار في تحقيق أهداف عسكرية‬
‫قبل العودة للقتال مرة أخرى‪ ،‬ما ُيمثل تحديا لتثبيت الهدنة‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل القيام بإعادة تسليح عناصرها وتجنيد مقاتلين ُج دد وحشد‬
‫المزيد من الدعم العسكري‪ .‬وظهر ذلك بالتأكيد في الصراع اليمني‪،‬‬
‫حيث أنه منذ اإلعالن عن الهدنة األممية الجارية‪ ،‬تعكف ميليشيا‬
‫الحوثي على استعراض قوتها العسكرية في عدد من المحافظات‪،‬‬
‫وتدريب عناصرها – داخل المعسكرات الصيفية في المناطق‬
‫الخاضعة لسيطرتها‪ -‬على األعمال القتالية‪ ،‬والتلويح بالعودة للتصعيد‬
‫العسكري ما لم يتم تنفيذ شروطها؛ ومن بينها الحصول على مكاسب‬
‫اقتصادية‪ ،‬ودفع رواتب الموظفين في المناطق التي تخضع‬
‫لسيطرتها‪.‬‬

‫وتدل هذه الحالة وفق الكاتب على توظيف الميليشيا الحوثية للهدنة‬
‫األممية في استجماع قوتها العسكرية وتجاوز الخسائر الميدانية التي‬
‫ُم نيت بها قبل الهدنة‪ ،‬وما ُيرجح هذه الفرضية هو رفض الحوثيين‬
‫مؤخرا تمديد الهدنة األممية لمدة ‪ 6‬أشهر إضافية بدًال من شهرين‬
‫فقط‪.‬‬

‫ويشير الكاتب إلى االرتهان إلرادة أطراف خارجية قائال “ال ُيمكن‬
‫أن ُتحقق عملية وقف إطالق النار أهدافها المرجوة من دون توافق‬
‫القوى الخارجية على وضع حد للصراع‪ .‬فالصراعات الُم سلحة في‬
‫منطقة الشرق األوسط تتأثر بصورة واضحة بتفاعالت األطراف‬
‫الخارجية وأصحاب المصالح الُم نخرطين فيها‪ ،‬وعليه فإن تثبيت‬
‫وقف إطالق النار يظل مرهونا بحدود التوافق بين تلك الدول‪،‬‬
‫خاصًة أن بعضها يستخدم ساحات الصراع للمساومة في ملفات‬
‫أخرى متشابكة‪.‬‬

‫ويقول الكاتب إنه في اليمن ُتعتبر إيران الُم سيطر على صناعة‬
‫القرار داخل ميليشيا الحوثي‪ ،‬وبالتالي تظل تهدئة األوضاع ُم رتبطة‬
‫بموقف طهران من عدد من القضايا؛ وفي مقدمتها التوصل إلى اتفاق‬
‫نووي مع القوى الدولية‪ ،‬بجانب ما قد تسفر عنه نتائج المحادثات‬
‫اإليرانية مع المملكة العربية السعودية‪ .‬ومن شأن أي تقدم في هذا‬
‫االتجاه أن يدفع إيران للضغط على الحوثيين للقبول بوقف نهائي‬
‫إلطالق النار‪ ،‬والجلوس على طاولة المفاوضات لبحث ُس بل تسوية‬
‫الصراع وإ نهائه بشكل سياسي بعيدا عن الحل العسكري‪.‬‬

‫أما سوريا فقد أصبحت حسب الكاتب ساحة لتقاطع المصالح الدولية‬
‫وتعارض األجندات‪ ،‬ما يعني أن أي هدنة يحتاج استمرارها إلى‬
‫تقارب وجهات النظر الدولية‪ ،‬خصوصا في ظل تنامي النفوذ الدولي‬
‫في سوريا والذي ُتعبر عنه نقاط االرتكاز واالنتشار العسكري للقوى‬
‫الخارجية التي وصلت حتى منتصف العام الجاري إلى ما يقرب من‬
‫‪ 753‬موقعا‪ ،‬وفقا للتقديرات‪.‬‬

‫ويضيف الكاتب “األمر ذاته ينطبق على الحالة الليبية‪ ،‬حيث أكدت‬
‫المبعوثة األممية السابقة في ليبيا ستيفاني ويليامز في ديسمبر‬
‫‪ ،2020‬وجود نحو ‪ 10‬قواعد عسكرية أجنبية تخضع إلدارة‬
‫أطراف خارجية‪ ،‬وقد لعبت بعض القوى الخارجية دور الُم عرقل أو‬
‫الُم فسد لعملية التسوية وكانت سببا في عرقلة عملية االنتقال‬
‫السياسي”‪.‬‬

‫ويتحدث الكاتب عن تباين مصالح الفاعلين المحليين في الصراعات‬


‫قائال “تبدأ مالمح عدم التوافق الناجم عن غياب الثقة بين الفاعلين‬
‫المحليين بمناطق الصراعات‪ ،‬في السيطرة على المشهد‪ ،‬ما قد يؤدي‬
‫إلى المزيد من االنقسامات التي قد تتسبب في العودة لمربع العنف‬
‫مرة أخرى أو إلى المزيد من التصعيد العسكري‪ .‬ففي ليبيا مثال‪ ،‬قد‬
‫يؤدي استمرار نمط ‘الحكومة الموازية’ والخالف حول الشرعية‪،‬‬
‫إلى توظيف القوة العسكرية لحيازة هذه الشرعية‪ ،‬وهو ما بدا من‬
‫عملية الحشد العسكري والحشد الُم ضاد التي برزت مع محاولة‬
‫رئيس حكومة االستقرار فتحي باشاغا‪ ،‬دخول العاصمة طرابلس‬
‫لممارسة مهامه‪ ،‬األمر الذي قد يتخذ مسارا تصعيديا في ظل‬
‫استمرار األوضاع على ما هي عليه”‪.‬‬

‫ويضيف “األمر ذاته يحدث في اليمن‪ ،‬حيث تعمل ميليشيا الحوثي‬


‫على فرض هيمنتها وأيديولوجيتها على المشهد واحتكار السلطة‪،‬‬
‫مقابل مساعي مجلس القيادة الرئاسي الُم عبر عن الشرعية لفرض‬
‫مشروع يستهدف بناء الدولة الوطنية وتقويض ‘النموذج‬
‫الميليشياوي’‪ ،‬عالوة على مساعي بعض األطراف الداخلية لضمان‬
‫مكاسب ضيقة تتجاوز مصلحة الدولة العليا‪ ،‬كما هي الحال بالنسبة‬
‫إلى حزب اإلصالح اإلخواني ودوره في إشعال أحداث محافظة‬
‫شبوة خالل األسبوعين الماضيين‪ ،‬ما قد يضع قيودا على استمرار‬
‫الهدنة الحالية في ظل تباين أهداف وحسابات كل طرف”‪.‬‬

‫ويشير الكاتب إلى غياب التصور الشامل إلنهاء الصراعات قائال‬


‫“ُيشكل غياب الرؤية وعدم القدرة على تحقيق التوافقات بشأن إدارة‬
‫مرحلة ما بعد تثبيت وقف إطالق النار‪ ،‬معضلة كبرى يمكن أن تحد‬
‫من فاعلية هذه العملية كمقدمة للتسوية النهائية‪ .‬ففي أغلب األوقات‬
‫ال يرتبط ‘اليوم التالي’ للهدنة بتصور ُم كتمل لطبيعة المرحلة‬
‫القادمة‪ ،‬كما ال توجد ضمانات كافية ُتقنع أطراف الصراع بجدوى‬
‫استمرار التهدئة واالبتعاد عن االشتباك‪ ،‬خاصة أن الصراعات‬
‫الُم سلحة في اإلقليم يغلب عليها نمط التكرارية وكأن التفاعالت فيها‬
‫ُتعيد إنتاج نفسها بأدوات متباينة إال أن جميعها تؤجج الصراع وتضع‬
‫حدا لتسويته”‪.‬‬

‫ويتابع “ففي المشهد الليبي‪ُ ،‬يالحظ أن القاسم المشترك في المراحل‬


‫كافة هو تعدد القادة االنتقاليين؛ بمعنى أن كل مرحلة تهدئة أو تغيير‬
‫ُتفرز نخبه جديدة ُتشكل جملة من المصالح التي تزيد من تعقيد‬
‫المشهد‪ ،‬وتبتعد بالتسوية عن مسارها نتيجة تداخل مصالح النخبة‬
‫الجديدة مع سابقتها”‪.‬‬

‫ويقول الكاتب إنه “في ما يتعلق باليمن‪ ،‬ال تزال ميليشيا الحوثي‬
‫تفرض حصارها على تعز‪ ،‬ما يزيد من المعاناة اإلنسانية لسكانها‪،‬‬
‫بالرغم من نص الهدنة األممية على رفع هذا الحصار وفتح الطرق‬
‫الرئيسية إلى المدينة‪ ،‬األمر الذي يعني احتمالية إهدار فرص التسوية‬
‫في ظل غياب الضغوط الدولية على الحوثيين لتنفيذ كل بنود الهدنة‬
‫الحالية‪ ،‬وهو ما قد يضع بالتالي قيدا على استمرارها‪ ،‬خاصًة أن‬
‫الميليشيا ُتوظف حصار عدن وغيرها من الخروقات للحصول على‬
‫المزيد من المكاسب”‪.‬‬

‫ويختم الكاتب قائال “تظل اتفاقات التهدئة أو وقف إطالق النار مدخال‬
‫مهما يمكن البناء عليه إلسكات البنادق بشكل دائم وإ حالل السالم في‬
‫دول الصراعات بمنطقة الشرق األوسط‪ .‬بيد أن األمر يتوقف على‬
‫عدد من االعتبارات التي قد تحول دون الوصول إلى ذلك الهدف‪،‬‬
‫خاصة في ظل الصراعات الُم ستعصية على الحل نتيجة اتساع‬
‫الفجوة بين أطرافها‪ ،‬وهو ما قد يؤدي إلى تجدد دورات الصراعات‬
‫بشكل ُم ستمر ودون التوصل إلى تسوية حقيقية وكاملة إلنهاء هذه‬
‫الصراعات”‪.‬‬
‫تحتل الصين مكانة مركزية في النظام الدولي‪ ،‬حيث تعتبر أكبر قوة‬
‫تجارية وسكانية ومصدرًا لإلقراض في العالم‪ ،‬عالوة على أنها‬
‫أصبحت مركزًا عالميًا لالبتكار ولديها قوة عسكرية كبيرة‪ ،‬كما‬
‫يتوقع العديد من المحللين أن الناتج المحلي اإلجمالي الحقيقي للصين‬
‫سيتجاوز الناتج المحلي اإلجمالي للواليات المتحدة بحلول عام‬
‫‪ ،2030‬وهو ما سيجعلها أكبر اقتصاد في العالم‪.‬‬

‫مع ذلك‪ ،‬تتساءل الكاتبة إليزابيث إيكونومي في مقال نشرته‬


‫مجلة فورين أفيرز مؤخرًا عما إذا كانت بكين تريد تشكيل نظام‬
‫دولي جديد‪ ،‬أم أنها تحاول فرض بعض التعديالت على النظام‬
‫الحالي‪ ،‬وتعزيز مصالحها‪ .‬ويجادل أصحاب الرأي الثاني بأن توجه‬
‫بكين يتسم بالدفاعية لحماية نفسها من انتقاد نظامها السياسي وفي‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬تحقيق دور مؤثر في النظام العالمي‪ .‬إال أن هذا الرأي‬
‫يعارض رؤية الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي يرى مركزية‬
‫بكين بشكل قد يمكنها من تغيير النظام الدولي جذريًا‪.‬‬

‫الصين‪ ..‬قوة متفوقة‬


‫يعرض المقال رؤية الرئيس الصيني‪ ،‬والتي ُيمكن إجمالها في أن‬
‫الصين الجديدة والموحدة ستقف على قدم المساواة مع الواليات‬
‫المتحدة أو ستتفوق عليها‪ .‬وبالنظر إلى توزيع القوى حول العالم‪،‬‬
‫فإن الصين هي القوة البارزة في آسيا‪ ،‬في حين تراجعت الواليات‬
‫المتحدة عبر المحيط الهادئ لتحتل مكانتها كقوة في المحيط‬
‫األطلسي‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإن الشبكة الهائلة من التحالفات‬
‫األمريكية التي دعمت النظام الدولي ألكثر من ‪ 70‬عامًا تتالشى‬
‫لصالح إطار صيني مقترح للحوار والتفاوض والتعاون‪.‬‬

‫ويشع تأثير الصين أيضًا عبر العالم من خالل البنية التحتية‬


‫المتنوعة‪ .‬وبالطريقة نفسها التي قادت بها الشركات األمريكية‬
‫واألوروبية واليابانية تطوير البنية التحتية للعالم في القرن العشرين‪،‬‬
‫تتنافس الشركات الصينية على الريادة في القرن الحادي والعشرين‪،‬‬
‫من ثم يمكن القول إن الرئيس الصيني يستخدم القوة االقتصادية‬
‫للصين باقتدار للحث على االمتثال لرؤيته وإ جبار العالم عليها‪.‬‬
‫ترى الكاتبة أن هذا التحول في المشهد الجيواستراتيجي يعكس‬
‫ويعزز تحوًال أكثر عمقًا‪ ،‬وهو "صعود نظام محوره الصين بقواعده‬
‫وقيمه الخاصة"‪ .‬وعلى الرغم من أن النظام الدولي ما بعد الحرب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬قد تم تشكيله بشكل أساسي من قبل الديمقراطيات‬
‫الليبرالية التي التزمت من حيث المبدأ بحقوق اإلنسان العالمية‪،‬‬
‫وسيادة القانون‪ ،‬واألسواق الحرة‪...‬إلخ؛ إال أن الرئيس الصيني‬
‫يسعى إلى تغيير النظام العالمي واستبدال تلك القيم بأولوية الدولة‪،‬‬
‫حيث تعزز المؤسسات والقوانين والتكنولوجيا سيطرة الدولة في هذا‬
‫النظام الجديد‪ ،‬وتحد من الحريات الفردية‪ ،‬وتقيد األسواق المفتوحة‪،‬‬
‫لتكون المحصلة عالمًا تتحكم فيه الدولة في تدفق المعلومات ورأس‬
‫المال داخل حدودها وعبر الحدود الدولية‪ ،‬وال توجد رقابة مستقلة‬
‫على سلطتها‪.‬‬

‫إعادة توحيد الوطن‪:‬‬

‫تبدأ منهجية الرئيس الصيني إلعادة تنظيم العالم بإعادة رسم خريطة‬
‫الصين‪ ،‬وذلك من خالل تأكيد السيادة على المناطق المتنازع عليها‬
‫منذ فترة طويلة‪ ،‬ال سيما تلك التي تصفها بكين بمصالحها األساسية‪،‬‬
‫مثل‪ :‬هونغ كونغ‪ ،‬وبحر الصين الجنوبي‪ ،‬وتايوان‪ .‬إذ تعاملت بكين‬
‫بالفعل مع هونج كونج‪ .‬في عام ‪ ،2020‬حيث فرضت الصين قانونًا‬
‫لألمن القومي على المدينة أنهى فعليًا استقاللها الذاتي‪ ،‬بموجب‬
‫نموذج الحكم "دولة واحدة ونظامان" الذي تم وضعه في عام ‪،1997‬‬
‫وفي غضون أشهر‪ ،‬قوضت بكين التزام المدينة طويل األمد بحقوق‬
‫اإلنسان األساسية وسيادة القانون وحولت هونغ كونغ إلى مجرد‬
‫مدينة صينية أخرى‪.‬‬

‫أحرز الرئيس الصيني أيضًا – وفقًا للمقال‪ -‬تقدمًا في تأكيد السيادة‬


‫الصينية في بحر الصين الجنوبي‪ .‬فقد أنشأ سبعة معالم اصطناعية‬
‫في البحر ووضع فيها قوات عسكرية‪ ،‬ويقوم بنشر البحرية الصينية‬
‫بشكٍل متزايد‪ ،‬باإلضافة إلى أسطول الصيد الضخم لترهيب الدول‬
‫الخمس األخرى التي لها مطالب متداخلة ‪ -‬بروناي وماليزيا والفلبين‬
‫وتايوان وفيتنام ‪ -‬لتأكيد السيطرة في المياه المتنازع عليها‪.‬‬
‫وطوال فترة انتشار وباء كوفيد‪ ،19-‬استفاد شي جين بينغ من إلهاء‬
‫الدول األخرى للضغط على ُم طالبات إقليمية إضافية‪ ،‬حيث أبحرت‬
‫السفن الصينية في المياه قبالة اليابان‪ ،‬وحلقت طائرات عسكرية‬
‫صينية فوق المياه المتنازع عليها بين الصين وماليزيا؛ وانخرطت‬
‫الصين والهند في أول نزاع حدودي مميت منذ أربعة عقود‪ .‬وأثارت‬
‫التدريبات العسكرية التي تقوم بها بكين بشكٍل متزايد على طول‬
‫الساحل التايواني حديثًا متكررًا عن هجوم عسكري صيني محتمل‬
‫على الجزيرة‪.‬‬

‫تنشغل الصين أيضًا بمحاولة إرساء األساس لبلدها لتحل محل‬


‫الواليات المتحدة األمريكية باعتبارها القوة المهيمنة في منطقة آسيا‬
‫والمحيط الهادئ‪ .‬وقد نجح شي جين بينغ في ترسيخ مكانة الصين‬
‫كقائد اقتصادي إقليمي‪ ،‬فالصين تعد أكبر شريك تجاري لجميع دول‬
‫آسيا تقريبًا‪ ،‬وفي عام ‪ ،2021‬تم تصنيف أعضاء رابطة دول جنوب‬
‫شرق آسيا معًا كأفضل شريك تجاري للصين‪ ،‬كما دفع شي الصين‬
‫أيضًا إلى العضوية في اتفاقية التجارة الحرة بقيادة اليابان‪ ،‬وهذا من‬
‫شأنه أن يجعل الصين الشريك االقتصادي المهيمن في أكثر مناطق‬
‫العالم ديناميكية من الناحية االقتصادية؛ بينما تبقى الواليات المتحدة‬
‫مهمشة‪.‬‬

‫أما من الناحية األمنية‪ ،‬فقد كانت الصين أقل نجاحًا في جهودها‬


‫الرامية إلى وضع نفسها كجهة أمنية فاعلة وبارزة في المنطقة‪ ،‬وهو‬
‫دور لعبته الواليات المتحدة منذ فترة طويلة‪ .‬ففي عام ‪،2014‬‬
‫اقترحت بكين نظامًا أمنيًا آسيويًا جديدًا تديره دول آسيوية‪ .‬إال أن‬
‫وجود بكين العسكري بشكٍل مباشر في المنطقة أدى إلى تقويض‬
‫مساعيها نحو القيادة‪ .‬كما أعاد سلوك الصين تنشيط الشراكة‬
‫الرباعية‪ ،‬والتي تشمل أستراليا‪ ،‬والهند‪ ،‬واليابان‪ ،‬والواليات المتحدة؛‬
‫وحفز إنشاء اتفاقية أمنية ثالثية جديدة بين أستراليا‪ ،‬والمملكة‬
‫المتحدة‪ ،‬والواليات المتحدة (اتفاق إيكوس)؛ كما دفع العديد من الدول‬
‫األوروبية‪ ،‬بما في ذلك فرنسا وألمانيا وهولندا‪ ،‬إلى جانب الناتو‪ ،‬إلى‬
‫تعميق مشاركتها األمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ‪.‬‬

‫اإلكراه الصيني‪:‬‬
‫ظهر طموح الرئيس شي جين بينغ – بحسب المقال‪ -‬لتحقيق‬
‫مركزية الصين في النظام العالمي جليًا من خالل مبادرة الحزام‬
‫والطريق‪ ،‬والتي أطلقها في عام ‪ ،2013‬وهي ال تقدم فقط مظهرًا‬
‫ماديًا لمركزية الصين من خالل ثالثة ممرات برية وثالثة ممرات‬
‫بحرية ستربط الصين بآسيا وأوروبا والشرق األوسط وأفريقيا‪ ،‬لكنها‬
‫أيضًا تعيد إلى األذهان ذكريات تاريخية عن طريق الحرير ومركزية‬
‫الصين خالل العصر اإلمبراطوري‪ .‬في مفهومها األصلي‪ ،‬كانت‬
‫مبادرة الحزام والطريق وسيلة لتطوير البنية التحتية الصلبة بقيادة‬
‫الصين على طول الممرات الستة‪ .‬اليوم‪ ،‬تشمل فروع المبادرة ما‬
‫يسمى بطرق الحرير الرقمية والصحية والقطبية‪ ،‬وجميع البلدان‬
‫مرحب بها للمشاركة‪.‬‬

‫لقد وضعت مبادرة الحزام والطريق الصين في مركز النظام الدولي‪،‬‬


‫مع تدفق تأثيرها المادي والمالي والثقافي والتكنولوجي والسياسي إلى‬
‫بقية العالم‪ .‬إنها تعيد رسم التفاصيل الدقيقة لخريطة العالم‪ ،‬بخطوط‬
‫سكك حديدية وجسور جديدة‪ ،‬وكابالت ألياف ضوئية وشبكات الجيل‬
‫الخامس‪ ،‬والموانئ‪ ،‬مع إمكانية وضع القواعد العسكرية الصينية‪ .‬مع‬
‫ذلك‪ ،‬يشير المقال إلى أن مبادرة الحزام والطريق أصبحت معيبة‬
‫بشكل متزايد‪ ،‬حيث حملت في طياتها جميع سلبيات النموذج‬
‫الصيني‪ ،‬مثل‪ :‬المستويات العالية من الديون‪ ،‬والفساد‪ ،‬والتلوث‬
‫البيئي والتدهور‪ ،‬وممارسات العمل السيئة‪ ،‬مما أدى إلى انتشار‬
‫االحتجاجات الشعبية في جميع البلدان المضيفة‪.‬‬

‫وتواجه الجهود األخرى لتعزيز التأثير الثقافي الصيني صعوبات‬


‫أيضًا‪ ،‬منها على سبيل المثال‪ ،‬نشر اللغة الصينية والعروض الثقافية‬
‫الصينية‪ ،‬من خالل إنشاء معاهد كونفوشيوس في الجامعات وقاعات‬
‫الدراسة في الخارج‪ .‬بالنسبة للعديد من المؤسسات التعليمية‪ ،‬كان‬
‫دعم بكين المالي لهذه المعاهد ضروريًا لقدرتها على تقديم تدريب‬
‫على اللغة الصينية‪ ،‬وهو ما أدى إلى انتشارها بسرعة‪ .‬لكن بمرور‬
‫الوقت‪ ،‬أدى الطابع القسري للمبادرة إلى تقويض نجاحها المبكر‪،‬‬
‫حيث تم اختيار المناهج التي يتم تدريسها والمعلمين من قبل بكين‪.‬‬
‫وبحلول عام ‪ ،2020‬كانت الصين قد أنشأت نحو نصف عدد معاهد‬
‫كونفوشيوس التي كانت تأمل في إنشائها فقط‪.‬‬
‫وتنبع مركزية الصين في النظام العالمي بشكل كبير من إمكاناتها‬
‫االقتصادية‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فإن مبادرات شي جين بينغ تثير تساؤالت‬
‫حول كيفية تفاعل اقتصاد الصين مع بقية العالم‪ .‬فقد تميزت فترة‬
‫واليته بسلسلة من السياسات‪ ،‬ففي عام ‪ ،2020‬صاغ شي نموذجًا‬
‫اقتصاديًا لـ "الدوران المزدوج"‪ ،‬متصورًا صين مكتفية ذاتيًا إلى حد‬
‫كبير‪ ،‬كما عزز شي بشكل كبير سيطرة الحزب الشيوعي الصيني‬
‫على سلطة صنع القرار للشركات الصينية‪ .‬في حين تواصل الصين‬
‫التعامل مع االقتصاد الدولي من خالل الصادرات‪ ،‬وسالسل التوريد‬
‫الحيوية‪ ،‬والواردات المحدودة من رأس المال والمعرفة‪.‬‬

‫أدت هذه السياسات البعيدة عن اإلصالح االقتصادي واالنفتاح‬


‫العالمي إلى ظهور مجموعة جديدة من القضايا في عالقات بكين مع‬
‫بقية العالم‪ .‬لم تعد العديد من الدول تثق في استقالل الشركات‬
‫الصينية عن الحكومة وتقوم اآلن بزيادة ضوابط التصدير على‬
‫التقنيات الحساسة للشركات الصينية‪ .‬كما أثار استخدام بكين القسري‬
‫أدوات الحماية الذاتية في وقت مبكر من الوباء أجراس اإلنذار بشأن‬
‫االعتماد على سالسل التوريد الصينية‪ ،‬مما دفع الدول إلى تشجيع‬
‫شركاتها على العودة إلى العمل في الداخل أو االنتقال إلى دول أكثر‬
‫ودية‪.‬‬

‫التضحية بالحرب‪:‬‬

‫إن رغبة الصين في إعادة ترتيب النظام العالمي طموحة‪ ،‬كما يرى‬
‫المقال‪ ،‬بينما قيادة الواليات المتحدة للنظام العالمي‪ ،‬ونظام التحالف‬
‫الديمقراطي‪ ،‬والنظام الدولي الليبرالي بعد الحرب العالمية الثانية‪،‬‬
‫كلها أمور مترسخة بعمق‪ .‬مع ذلك‪ ،‬يجادل المسؤولون الصينيون بأن‬
‫القرنين الماضيين‪ ،‬عندما لم تكن الصين هي االقتصاد المهيمن‬
‫عالميًا‪ ،‬كانا بمنزلة انحراف تاريخي‪ ،‬ويذهبون إلى أن قيادة الواليات‬
‫المتحدة آخذة في التراجع‪.‬‬

‫من الواضح أن الصين قد أحرزت تقدمًا في كل من األبعاد التي‬


‫رأت أنها ضرورية لإلصالح‪ ،‬وقد تضررت سمعة وتأثير الواليات‬
‫المتحدة بسبب الصراع الداخلي واالفتقار إلى القيادة على الساحة‬
‫العالمية‪ ،‬لكن هذا ال يمنع من ترسخ بعض الذكريات الحية عن‬
‫دبلوماسية بكين "التنمرية" لدى المجتمع الدولي‪ ،‬وممارساتها القسرية‬
‫تجاه وسائل الحماية الشخصية‪ ،‬والعدوان العسكري‪ ،‬والقمع في هونغ‬
‫كونغ وشينجيانغ‪ .‬فأفعال الرئيس الصيني أسفرت عن نتائج‬
‫الستطالعات الرأي العام تعكس مستويات منخفضة من الثقة به‬
‫ورغبة قليلة في القيادة الصينية‪.‬‬

‫يختتم المقال بالقول إن طموح شي جين بينغ في مركزية الصين في‬


‫النظام العالمي ال يحمل جاذبية كبيرة لجزء كبير من بقية العالم‪،‬‬
‫وفي ظل المعارضة الدولية المتصاعدة لهذه المركزية‪ ،‬يبدو أن‬
‫نجاحه المباشر غير مرجح‪ .‬وتعتمد مدى قدرة شي على تحقيق‬
‫طموحه على التفاعل بين العديد من العوامل‪ ،‬مثل استمرار حيوية‬
‫االقتصاد الصيني‪ ،‬والقدرات العسكرية الصينية‪ ،‬ودعم كبار القادة‬
‫والشعب الصيني‪ ،‬وقدرة العالم أن يواصل مقاومة اإلكراه الصيني‬
‫وقدرة الديمقراطيات العالمية على التعبير عن رؤيتها لمستقبل العالم‪.‬‬
‫وربما يكون العنصر األهم لنجاح شي‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬هو قدرته على‬
‫التعرف على الفارق الشاسع بين ما يريد تقديمه للعالم وما يريده‬
.‫العالم منه‬

:‫المصدر‬

The Council on Foreign Relations, Foreign Affairs,


REVIEWS & RESPONSES, Elizabeth Economy, Can
China Remake the International
System?,January/February 2022, Volume 101,
.Number 1, p – p: 52 - 67

You might also like