Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 7

‫تــقــــاريــــــــــر‬

‫مبادرة الحزام والطريق رؤية نقدية‬

‫عزت شحرور*‬
‫مدير مكتب قناة الجزيرة في بكين‬

‫‪ 11‬مايو‪/‬أيار ‪2017‬‬
‫‪Al Jazeera Centre for Studies‬‬
‫‪Tel: +974-44663454‬‬
‫‪jcforstudies@aljazeera.net‬‬
‫‪http://studies.aljazeera.net‬‬
‫الصين قوة دولية ومبادرتها "الحزام والطريق" بمثابة هجوم اقتصادي ناعم وسيحمل في طياته مخاوف لقوى إقليمية ودولية كثيرة (الجزيرة)‬

‫ملخص‬
‫تؤكد الورقة أن مبادرة الحزام والطريق هي المحرك األساسي للسياسة الصينية داخليًّا وللدبلوماسية الصينية خارجيًّا‪ .‬وهي‬
‫المشروع األساس للرئيس الصيني شي جينبينغ‪ .‬وتهدف المبادرة إلى ربط العالم بالصين بطرق ومسارات للتبادل التجاري‬
‫والسياسي لتكون بمثابة هجوم اقتصادي ناعم سيحمل في طياته مخاوف سياسية وأمنية لقوى إقليمية ودولية كثيرة‪ .‬لذلك‬
‫سيتوقف نجاح هذه المبادرة على قدرة الصين على طمأنة جوارها اإلقليمي والمجتمع الدولي بأن مبادرتها ًّ‬
‫فعًل للكسب‬
‫ًّ‬
‫فضًل عن حل خًلفاتها مع الخصوم والمنافسين وتعزيز عًلقاتها مع األصدقاء‪ .‬وتواجه المبادرة تحديات من‬ ‫المشترك‪،‬‬
‫داخلها بسبب طبيعة النظام الصيني المغلق اقتصاديًّا والمتحفظ سياسيًّا‪ ،‬وألن مسارات "الحزام والطريق" لم تحدد بدقة‪ ،‬كما‬
‫أنها مرشحة للتغيير والتعديل ما يضفي عليها مزيدًّا من الغموض‪ .‬ونظ ًّرا الرتباطها الوثيق بالرئيس الصيني الحالي‪ ،‬فإن‬
‫مصيرها مهدد‪ ،‬وقد تنتهي بمجرد انتهاء واليته عام ‪.2022‬‬

‫خلفية تاريخية للمبادرة‬

‫منذ أن أطلق الرئيس الصيني شي جينبينغ خًلل زيارته إلى كازخستان عام ‪ 2013‬مبادرته "البناء المشترك للحزام‬
‫االقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين" المعروفة اختصارًّ ا باسم "حزام واحد‬
‫وطريق واحد"‪ ،‬باتت هذه المبادرة تش ِّكل المحرك األساس للسياسة الصينية داخليًّا وللدبلوماسية الصينية خارجيًّا‪ .‬وأدرجت‬
‫رسميًّا عام ‪ 2014‬ضمن خطة أعمال الحكومة‪ .‬ومذاك تُعقد من أجلها المؤتمرات والندوات وتُفرد لها وسائل اإلعًلم‬
‫الصينية مساحات واسعة من التقارير والتحليًلت‪ .‬وها هي الصين تستضيف قمة خاصة للمبادرة يحضرها نحو ‪ 28‬رئيسًّا‬
‫ورئيس دولة بينهم الرئيس الروسي فًلديمير بوتين‪ ،‬واألمين العام لألمم المتحدة أنطونيو غوتيريس‪ ،‬ورئيس البنك الدولي‬
‫جيم يونغ كيم‪ ،‬والمديرة اإلدارية لصندوق النقد الدولي كريستين الجارد‪ ،‬باإلضافة إلى نحو ‪ 1200‬شخصية ممثلين عن‬
‫نحو ‪ 60‬منظمة إقليمية ودولية‪ ،‬ومدراء شركات ورواد أعمال وخبراء مال وصحفيون من ‪ 110‬دولة(‪.)1‬‬

‫لم يكن الرئيس شي جينبينغ أول من أطلق المبادرة‪ ،‬فقد سبقه رئيس الوزراء الصيني األسبق لي بنغ بعشرة أعوام خًلل‬
‫ضا رئيس الوزراء الياباني هاشيموتو عام ‪1997‬‬
‫جولة له في دول آسيا الوسطى عام ‪ .1994‬وكانت الفكرة قد راودت أي ًّ‬

‫‪2‬‬
‫بهدف تعزيز التعاون بين بًلده ودول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز‪ .‬وكانت الهند من جهتها قد اقترحت فكرة مشابهة عام‬
‫‪ 2002‬تحت اسم "ممر مواصًلت شمال ـ جنوب" يربط الهند بروسيا عبر إيران والقوقاز‪ .‬كما اقترح االتحاد األوروبي‬
‫عام ‪ 2009‬ما عرف باسم "برنامج طريق الحرير الجديد" لمد خط أنابيب ينقل الغاز الطبيعي من آسيا الوسطى إلى أوروبا‬
‫بهدف تقليل االعتماد على الغاز الروسي‪ .‬ولم تكن الواليات المتحدة بعيدة عن مثل هذه المبادرات‪ ،‬فقد اقترحت عام ‪2011‬‬
‫استراتيجية طريق الحرير الجديدة أو ما عُرف في حينه باسم "طريق الحرير الحديدي"‪ ،‬الذي يهدف إلى بناء شبكة خطوط‬
‫حديدية لتعزيز التعاون االقتصادي بين أفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى ودول جنوب آسيا‪ .‬لكن الرؤية األكثر وضوحًّا‬
‫تولدت من بنات أفكار شو شن دا‪ ،‬نائب رئيس الهيئة الوطنية العامة للضرائب في الصين‪ ،‬الذي قدمها كمقترح لوزارة‬
‫التجارة الصينية تحت عنوان "خطة مارشال الصينية" مقتسبًّا االسم من المبادرة المعروفة لوزير الخارجية األميركي‬
‫جورج مارشال لمساعدة الدول األوروبية في إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية وبناء اقتصاداتها من جديد‪.‬‬
‫وجاءت مبادرة شو كرد صيني على األزمة المالية والركود االقتصادي العالمي عام ‪ .2008‬وتقوم الفكرة على استخدام‬
‫االحتياطي االستراتيجي الصيني من العملة لمنح قروض إلى الدول النامية‪ ،‬تستخدم لبناء مشاريع تنفذها شركات صينية في‬
‫تلك الدول‪ .‬وسرعان ما تلقف الرئيس الصيني شي جينبينغ الفكرة وجرى تطويرها بعد سلسلة من النقاشات وجلسات‬
‫العصف الذهني في أروقة مراكز البحث وأوعية الفكر الحزبية والحكومية الصينية لتصبح بعد ذلك "مبادرة الحزام‬
‫والطريق"‪.‬‬

‫من الواضح أن جمهوريات آسيا الوسطى وما تمتلكه من الغاز الطبيعي والموارد األولية والموقع الجغرافي كانت دائ ًّما‬
‫العامل المشترك والمحرك الرئيس في كل تلك المبادرات‪ ،‬لكن العامل المشترك اآلخر هو أن كل تلك المبادرات لم تبصر‬
‫النور ولم تتحول إلى واقع ملموس ألسباب ليس هنا محل تفصيلها‪ .‬فهل يمكن لمبادرة الرئيس الصيني أن تشكل استثناء‬
‫وتنجح حيث فشل غيرها؟ لإلجابة على هذا السؤال‪ ،‬نحتاج إلى التعرف على أهداف المبادرة وأدوات تنفيذها والتحديات‬
‫التي قد تواجهها‪ ،‬مع محاولة استشراف مستقبلها‪.‬‬

‫أهداف المبادرة‬

‫تهدف المبادرة إلى محاولة إحياء طريقي الحرير البحري (الحزام) والبري (الطريق) اللذين كانا يربطان الصين بالعالم قبل‬
‫ثًلثة آالف عام‪ ،‬ويتم من خًللهما تبادل السلع والمنتجات كالحرير والعطور والبخور والتوابل والعاج واألحجار الكريمة‬
‫وغيرها‪ ،‬وكذلك تبادل الثقافات والعلوم‪ .‬وتقوم المبادرة على مبادئ وميثاق األمم المتحدة والمبادئ الخمسة للتعايش السلمي‬
‫كاالحترام المتبادل للسيادة الوطنية‪ ،‬وسًلمة األراضي وعدم االعتداء‪ ،‬وعدم التدخل في الشؤون الداخلية‪ ،‬والمنفعة‬
‫المتبادلة(‪.)2‬‬

‫وترتكز المبادئ الحاكمة لتطبيق المبادرة على التنسيق السياسي بين الدول وتعزيز التواصل والحوار والتجارة دون عوائق‬
‫لتهيئة الظروف الًلزمة للتنمية االقتصادية‪ .‬وتتضمن المبادرة نحو ألف مشروع ستنفذ تدريجيًّا‪ ،‬تسعى إلى ربط دول آسيا‬
‫وإفريقيا وأوروبا عبر شبكة مواصًلت معقدة من الجسور والطرقات والسكك الحديدية والطائرات والبواخر‪ ،‬وكذلك بناء‬
‫موانئ ومطارات وإنشاء مناطق تجارة حرة‪ .‬إلى جانب أنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية وشبكات اإلنترنت‬
‫والبنية التحتية‪ .‬وقد القت المبادرة تجاوبًّا ومشاركة نشطة من نحو سبعين دولة مطلة على هذا الخط بما فيها دول عربية‬
‫وشرق أوسطية‪ .‬ويغطي نطاق المبادرة نحو ‪ 70‬دولة في القارات الثًلث آسيا وإفريقيا وأوروبا‪ ،‬وينقسم إلى ثًلث‬
‫مستويات(‪:)3‬‬

‫‪3‬‬
‫المناطق المركزية‪ :‬تضم ًّ‬
‫كًل من الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى الخمس‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المناطق المحاذية‪ :‬تشمل الدول األعضاء الدائمين والمراقبين في منظمة تعاون شنغهاي والدول التسع لًلتحاد‬ ‫‪‬‬
‫االقتصادي (الهند‪ ،‬باكستان‪ ،‬إيران‪ ،‬أفغانستان‪ ،‬منغوليا‪ ،‬روسيا البيضاء‪ ،‬أرمينيا‪ ،‬أوكرانيا ومولدافيا)‪.‬‬
‫المناطق التشعبية‪ :‬تشمل دول غرب آسيا (الدول العربية) ودول االتحاد األوروبي‪ ،‬وتمتد أيضًّ ا إلى اليابان‬ ‫‪‬‬
‫وكوريا الجنوبية وغيرها من دول شرق آسيا‪.‬‬

‫كما تشمل المبادرة ستة ممرات اقتصادية أساسية تش ِّكل أعصاب شبكة التجارة والنقل والتنمية اإلقليمية والدولية القادمة‬
‫وهي(‪:)4‬‬
‫‪ .1‬الجسر القاري األوراسي الجديد‪.‬‬
‫‪ .2‬ممر الصين منغوليا روسيا‪.‬‬
‫‪ .3‬ممر الصين آسيا الوسطى غرب آسيا‪.‬‬
‫‪ .4‬ممر الصين شبه الجزيرة الهندية‪.‬‬
‫‪ .5‬ممر الصين باكستان‪.‬‬
‫‪ .6‬ممر بنغًلديش الصين الهند ميانمار‪.‬‬

‫أدوات تنفيذ المبادرة‬

‫تعتبر كافة أجهزة الحزب ومؤسسات الدولة ومراكز البحث ووسائل اإلعًلم والشركات المملوكة للدولة أدوات هامة‬
‫لدراسة المبادرة والترويج لها داخليًّا وخارجيًّا‪ .‬ويُعتبر بنك االستثمار اآلسيوي للبنية التحتية وبنك دول بريكس وصندوق‬
‫طريق الحرير باإلضافة إلى مساهمات الشركات الصينية وتوفير الدعم الشعبي أهم األدوات واألذرع المالية لضمان نجاح‬
‫وتمويل مشاريع المبادرة‪ .‬وقد حرصت الصين بعد عام على إطًلق مبادرتها‪ ،‬أو باألحرى مبادرة رئيسها‪ ،‬إلى إخراجها‬
‫من اإلطار النظري إلى التنفيذي‪ .‬فبادرت في أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪ 2014‬إلى تأسيس بنك االستثمار اآلسيوي للبنية التحتية‬
‫ورصدت له ‪ 50‬مليار دوالر‪ .‬وسرعان ما تجاوز رأسمال البنك ‪ 100‬مليار دوالر بعد مساهمة بعض الدول فيه بما في‬
‫ذلك دول عربية‪ .‬ويقدم البنك اآلسيوي لًلستثمار في البنية األساسية وصندوق طريق الحرير وصناديق التعاون متعددة‬
‫األطراف والثنائية‪ ،‬دع ًّما ماليًّا للمشروعات في إطار المبادرة والتي أقر منها حتى اآلن نحو ألف مشروع‪.‬‬

‫واستثمرت الصين ما يربو على ‪ 50‬مليار دوالر في البًلد المشاركة فى المبادرة‪ ،‬وقامت شركات صينية ببناء إجمالي ‪56‬‬
‫منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في هذه الدول‪ .‬وحققت حوالي ‪ 1.1‬مليار دوالر من العائدات الضريبية‪ ،‬ووفرت ‪ 180‬ألف‬
‫فرصة عمل محلية‪.‬‬

‫واستثمرت الشركات الصينية ‪ 2.95‬مليار دوالر في ‪ 43‬دولة على طول منطقة الحزام والطريق في الربع األول من العام‬
‫‪ 2017‬فقط‪ ،‬أي ما يعادل ‪ 14.4‬في المائة من إجمالي االستثمارات الخارجية مقارنة بتسعة في المائة في الفترة نفسها من‬
‫العام ‪ .2016‬وبلغ إجمالي قروض البنك االئتماني المتعدد األطراف أكثر من ‪ 2‬مليار دوالر‪ .‬بينما بلغت قيمة الصفقات‬
‫التجارة بي ن الصين والدول الواقعة على طول الحزام والطريق حوالي ‪ 913‬مليار دوالر في عام ‪ ،2016‬أي أكثر من ربع‬
‫إجمالي قيمة التجارة الصينية(‪.)5‬‬
‫‪4‬‬
‫تحديات وعقبات على الطريق‬

‫مع بزوغ نجم الصين كقوة دولية‪ ،‬فإن الهجوم االقتصادي الناعم الذي تشنه عبر مبادرتها البد أن يحمل في طياته‬
‫ضا مخاوف سياسية وأمنية لقوى إقليمية ودولية كثيرة‪ ،‬وخاصة لدول الجوار التي تشهد عًلقاتها معها توترات‬
‫أي ًّ‬
‫ونزاعات‪ .‬لذلك يبقى نجاح هذه المبادرة مرتبطًّا بقدرة الصين على طمأنة جيرانها وحل خًلفاتها معهم‪ ،‬وإال فإن الكثير من‬
‫األشواك ستنبت على طريق الحرير هذا وتهدد مستقبله‪.‬‬

‫على الرغم من مرور ما يقارب خمسة أعوام على إطًلق المبادرة‪ ،‬وعلى الرغم من إطًلق الصين ما سمي‬ ‫‪‬‬
‫"خطة عمل المبادرة"‪ ،‬إال أنها حتى اآلن ال تزال تعاني من ضبابية وعدم وضوح سواء على صعيدها النظري أو‬
‫على صعيد صيغها التنفيذية‪ .‬ويطغى عليها الطابع الشعاراتي والدعائي والترويجي أكثر من التركيز على الفحوى‬
‫والمضمون‪ .‬و لم تصدر حتى اآلن خارطة رسمية توضح الدول التي سيمر عبرها كل من الحزام أو الطريق‪ ،‬فقد‬
‫تُرك الباب مفتو ًّحا أمام الدول والمنظمات لًلنضمام والمشاركة في الوقت الذي تراه مناسبًّا‪ .‬وهو ما دفع ببعض‬
‫المراقبين إ لى اعتبار أن موافقة الكثير من الدول‪ ،‬خاصة النامية منها‪ ،‬جاء فقط من أجل إرضاء الصين وقيادتها‬
‫أو من أجل الحصول على بعض الدعم المادي أو بناء المشاريع التي تقدمها الصين لتلك الدول‪.‬‬

‫تسعى الصين من خًلل المبادرة إلى تصدير وتعميم نموذجها التنموي‪ ،‬لكن هذا النموذج ال يزال حتى اآلن في‬ ‫‪‬‬
‫إطاره التجريبي‪ .‬ومن المبكر الحكم عليه فيما إذا كان بالفعل نموذ ًّجا ناج ًّحا يمكن تعميمه واالحتذاء به‪ ،‬خاصة في‬
‫ظل ما يشهده من مشاكل وأزمات سواء على صعيد تراجع األداء االقتصادي والمالي‪ ،‬أو على صعيد استشراء‬
‫ًّ‬
‫وصوال إلى تأثيراته البيئية‬ ‫الفساد‪ ،‬مرو ًّرا بغياب العدالة االجتماعية وتنامي الفجوة الكبيرة بين الفقراء واألغنياء‪،‬‬
‫المدمرة‪.‬‬

‫تسعى الصين من خًلل مبادرتها إلى إيجاد خطوط إمداد دائمة ومستقرة لتلبية احتياجاتها من الطاقة عبر شبكة‬ ‫‪‬‬
‫من أنابيب النفط والغاز‪ ،‬وكذلك ضمان تدفق المواد األولية إليها عبر شبكة من السكك الحديدية والبحرية‪،‬‬
‫وضمان المحافظة على أسواق لبضائعها‪ .‬لكنها في الوقت ذاته تبقي على أسواقها محصنة أمام الواردات‬
‫األجنبية‪ ،‬كما تدفع بشركاتها وتوفر لها الدعم لًلستثمار الخارجي في الوقت الذي تبقي فيه أبواب االستثمار في‬
‫بعض القطاعات الصينية مو صدة أمام االستثمار األجنبي‪ .‬وعلى الرغم من الشعارات البراقة التي ترفعها الصين‬
‫حول البناء المشترك للمبادرة والمنفعة المتبادلة وغيرها‪ ،‬إال أن ما تتميز به السياسة االقتصادية والتجارية‬
‫الصينية من أنانية قد تكون مثار تساؤل وعدم رضى لدى الكثير من الدول‪.‬‬

‫باإلض افة إلى أن آلية عمل المبادرة تقوم على التعاون متعدد األطراف بين الصين وبعض المنظمات اإلقليمية‪ ،‬إال‬ ‫‪‬‬
‫أنها في جزئها األوسع تقوم على أساس التعاون الثنائي بين الصين والدول المشاركة في المبادرة‪ .‬وهذا ما يمكن‬
‫أن يؤدي إلى بروز تناقضات كبرى في بناء مشاريع في بعض الدول قد تهدد األمن القومي لدول أخرى مشاركة‬
‫في المبادرة‪ ،‬ما سيهدد تماسكها في المستقبل‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫تسعى الصين إلى تنمية بعض أقاليمها الفقيرة مثل إقليمي التيبت وشينجيانغ اللذين يعتبران محطتين هامتين على‬ ‫‪‬‬
‫طريق المبادرة‪ ،‬وذلك من خًلل بناء وتشييد مشاريع تنموية كبرى‪ .‬وهناك خشية دولية من أن تكون لهذه‬
‫المشاريع آثار كارثية على التوازن الديمغرافي وعلى طمس الهويتين الثقافيتين والدينيتين لسكان اإلقليمين‬
‫المضطربين‪.‬‬

‫ما من شك بأن الصين تسعى من خًلل هذه المبادرة إلى تحصين وضعها الجيوستراتيجي‪ ،‬وتعزيز االستقرار‬ ‫‪‬‬
‫وبناء الثقة السياسية إقليميًّا مع دول الجوار‪ ،‬وعالميًّا مع القوى الكبرى‪ ،‬لكنها حتى اآلن لم تنجح في حل الكثير‬
‫من مشاكلها‪ ،‬خاصة الحدودية‪ ،‬سواء البرية أو البحرية مع معظم دول الجوار‪ .‬وبعض هذه المشاكل تصل إلى حد‬
‫األزمات والنزاعات كما هو الحال مع الهند ًّ‬
‫برا أو في بحري الصين الشرقي والجنوبي بح ًّرا‪.‬‬

‫تحظى القارة اإلفريقية على أهمية خاصة في الرؤية االستراتيجية الصينية‪ ،‬فالصين تعتبر أكبر شريك تجاري‬ ‫‪‬‬
‫إلفريقيا‪ ،‬وثاني أكبر مقصد لًلستثمارات الصينية الخارجية‪ .‬لكن حجم التنافس الدولي على القارة السمراء البد أن‬
‫يش ِّكل أحد العقبات والتحديات أمام طموحات المبادرة الصينية‪.‬‬

‫يحظى الشرق األوسط بأهمية كبيرة في هذه المبادرة‪ ،‬باعتباره أحد أهم مصادر الطاقة بالنسبة إلى الصين‪ ،‬أو‬ ‫‪‬‬
‫واحدًّا من األسواق االستهًلكية الهامة للبضائع الصينية وكذلك لًلستثمارات‪ ،‬باإلضافة إلى موقعه االستراتيجي‬
‫كجسر على طريق المب ادرة يوصلها إلى منتهاها في أوروبا‪ .‬لكن ما يعاني منه الشرق األوسط ودوله من أزمات‬
‫وصراعات وانعدام لًلستقرار يبقى أحد التحديات الكبيرة أمام المبادرة الصينية في ظل عزوف الصين عن‬
‫االنخراط في لعب دور سياسي في قضايا المنطقة‪.‬‬

‫تعتبر دول آسيا الوسطى محطات هامة على طريق المبادرة‪ .‬وهنا البد أن تزداد حدة المنافسة االستراتيجية بين‬ ‫‪‬‬
‫طموحات روسيا في بناء االتحاد األوراسي‪ ،‬وبين طموحات الصين في بناء مبادرة الحزام والطريق‪.‬‬

‫تخشى دول كثيرة في االتحاد األوروبي أن تزيد المبادرة من حجم الصادرات الصينية إلى دول االتحاد‪ ،‬وهو ما‬ ‫‪‬‬
‫سيؤدي إلى عدم تمكن دول االتحاد من حل أحد أكبر المشاكل استعصاء مع الصين‪ ،‬وهو إصًلح الخلل في عدم‬
‫تكافؤ الميزان التجاري بين الصين ودول االتحاد‪ ،‬والذي يميل بشكل كبير لصالح الصين‪.‬‬

‫تسعى الصين أيضًّ ا إلى محاولة تغيير نمطية النظام الدولي الحالي‪ ،‬أو على األقل في شقه االقتصادي‪ ،‬من نظام‬ ‫‪‬‬
‫تهيمن عليه الواليات المتحدة إلى نظام متعدد األقطاب تكون الصين أحدها‪ .‬وهذا ما ال يمكن أن تسلم به واشنطن‬
‫بسهولة‪ ،‬خاصة مع تنامي دور القوى الشعبوية والحمائية في االقتصادات الدولية السيما في الواليات المتحدة؛‬
‫حيث سيكون من الصعب على الصين إحداث اختراقات لعولمة االقتصاد وفق رؤيتها الخاصة‪.‬‬

‫مع تفشي ظاهرة اإلرهاب الدولي والقرصنة والجريمة المنظمة وكذلك النزاعات وبؤر التوتر وانعدام االستقرار‬ ‫‪‬‬
‫في العديد من الدول والمناطق التي تش ِّكل مفاصل هامة بالنسبة إلى المبادرة فإن مثل هذه التهديدات األمنية ستبقى‬
‫تشكل تحديًّا كبي ًّرا وخطي ًّرا أمام حماية أنابيب النفط والغاز والسكك الحديدية والخطوط البحرية‪ ،‬وستحتاج إلى‬
‫الكثير من االستثمارات للحد منها‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫خاتمة‬

‫نظرا الرتباط المبادرة بشكل وثيق بصاحبها الرئيس الصيني شي جينبينغ‪ ،‬فإن استمرارها وديمومتها بهذا الزخم وبتسخير‬
‫كل إمكانات الحزب والدولة إلنجاحها‪ ،‬سيبقى مرهونًّا بوجود الرئيس على رأس الهرم السياسي الصيني‪ .‬وسينتهي بمجرد‬
‫انتهاء واليته عام ‪ . 2022‬إال إذا تمكن الرئيس من إحداث تغييرات دستورية تسمح له بالبقاء لفترة رئاسية ثالثة‪ ،‬أو أن‬
‫يضمن بأن خليفته سيواصل على ذات النهج‪ .‬وهذا مستبعد وفق الثقافة والتقاليد الصينية بأن يأتي رئيس جديد‪ ،‬ليبني أمجاده‬
‫على إنجازات غيره‪.‬‬
‫_________________________________‬
‫المراجع‬
‫وكالة األنباء الصينية‪" ،‬ماذا ينتظر العالم من منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي؟"‪ 1 ،‬مايو‪/‬أيار ‪.2017‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪http://arabic.china.org.cn/txt/2017 -05/01/content_40727792.htm‬‬

‫"الرؤية والتحرك للدفع بالتشارك في بناء الحزام االقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين"‪ 28 ،‬مارس‪/‬آذار ‪.2015‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪http://www.fmprc.gov.cn/ara/zxxx/t1252002.shtml‬‬

‫جانغ يون لينغ‪" ،‬الحزام والطريق‪ :‬تحوالت الدبلوماسية الصينية في القرن ‪ ،"21‬ترجمة آية محمد الغازي‪( ،‬دار صفصافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الجيزة‪ ،)2017 ،‬ص ‪436 .‬‬ ‫‪-3‬‬

‫"ماذا ينتظر العالم من منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي؟"‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫‪7‬‬

You might also like