Professional Documents
Culture Documents
مفهوم الغير
مفهوم الغير
الغيرمفهوم فلسفي يحيل الى ذات انسانية اخرى تشبه ذاتي وتختلف عنها ايضا.إنه أنا آخر..أو كما عرفه سارتر "االنا
الذي ليس انا"
فكون الشخص ذات واعية حرة مسؤولة أخالقيا وقانونيا،ال يعني أنه قادر على العيش وحيدا منعزال عن
االخرين،فالشخص كائن اجتماعي ال يستطيع العيش خارج الجماعة....فوجوده رهين بوجود االغيار..
يولد االنسان لوحده ويموت لوحده،لكنه ال يحيا اال مع االخرين وباالخرين ولالخرين.فاالنسان كائن اجتماعي وجوده
رهين بوجود االخرين فما أهمية وجود الغير بالنسبة لألنا؟هل وجود الغير ضروري لوجود االنا،أم أنه تهديد له؟
ال يتحدد وجود الغير بالن سبة لالنا كوجود ايجابي دائما،فهو ليس دائما الصديق والقريب الذي يغني تجارب االنا بل قد
يكون الخصم الذي يهدد وجودها ومصدرا لقلقها فهل وجود الغير ضروري لوجود االنا،أم أنه تهديد لها؟
يرى ديكارت أن وجود الغير ليس ضروريا لوجود االنا.فتجربة الشك التي عاشها ديكارت إلتبات ذاته تبين ان االنا ليست في
حاجة الى الغير ملعرفة ذاتها و الوعي بنفسها فالوعي باالنا هو وعي منغلق على نفسه.إذ ال دور وال أهمية للغير في اليقين
األول مادام أن معرفة االنا لنفسه تتم من خالل عملية فكرية ذاتية يغيب فيها الغير وتحضر فيها العزلة واإلنقطاع عن
العالم الخارجي اما وجود الغير فهو وجود إفتراض ي إحتمالي
ضد املوقف الديكارتي شيد هيجل فلسفة للوعي يحتل فيها مفهوم الغير موقعا مركزيا
من منظور جدلي يرى هيجل أن وجود الغير ضروري لوجود االنا ووعيه بذاته،فاالنا اليمكن أن تتعرف على ذاتها اال من
خالل أنا أخرى تتوسط بينها وبين نفسها.لذلك فاالنا تنفتح على الغير من أجل أن تنتزع منه اإلعتراف بها كذات واعية
وحرة ،غير أنها تصطدم برغبة الغير الذي يرغب في نفس الرغبة،وهذا ما يؤدي الى الصراع بينهما،هذا الصراع الذي
أبرزه هيجل في جدلية العبد والسيد،ضروري إلتبات الذات وتأكيد قيمتها وتميزها على حساب االخرين.
يرى سارتر ان وجود الغير ضروري لوجود االنا،فمن خالل الغير يدرك االنا وجوده ويعيه ويدرك قيمته،فالغير ليس
موضوعا أو شيئا بل هو ذات واعية حرة وهذا ما يجعله مكون لالنا وشرط ضروري لوجوده.إنه الوسيط بين الذات
وذاتها بالرغم من أن العالقة معه هي عالقة صراع ونفي وعذاب،لكن الذات من خالل هذا الصراع تدرك كيف تصبح ذاتا
متعالية البنية..
ان الغير ليس موضوعا او شيئا بل هو ذات واعية،وهذا االمر يجعل من الغير ظاهرة انسانية متفردة لها خصوصية
وغير قابلة للتجزيء والتقسيم وبالتالي يصعب النفاذ الى ثناياها وخباياها واستخالص قوانين عامة بشأنها..هل معرفة
االنا بالغير ممكنة أم مستحيلة؟إذا كانت ممكنة فبماذا تتم وإذا كانت مستحيلة فما هي عوائقها؟
ان معرفة االنا بالغير هي معرفة تخمينية تقريبية إفتراضية وليست يقينية،ألن االنا تحاول معرفة الغير إنطالقا من
معرفتها بذاتها ،فتسقط على الغير ما تحس به وما تشعر به .اال أن هذه العملية ال تمكن االنا من النفاذ الى اعماق الغير
ملعرفة عواطفه وأحاسيسه.فالغير دائما مختلف عن االنا ولكل منهما مشاعره الخاصة واملختلفة .هكذا تظل معرفة الغير
معرفة غير ممكنة
كل محاولة ملعرفة الغير مآلها الفشل.ويرجع ذلك الى ما يتميز به انا من خصوصية .فبين االنا والغير جدار سميك يصعب
النفاذ منه الى عالم االخر .فأبواب الغير موصدة وعامله مغلق امام االنا.والتجربة الذاتية لكل منهما غير قابلة للنقل او
االخبار فهي تجربة خاصة،وعالم االنا سجن منيع.هكذا هو االنسان سجين في آالمه منعزل في لذاته ووحيد في موته محوم
عليه اال يشبع رغبته في التواصل والتي لن يتخلى عنها ابدا.
معرفة الغير ممكنة وليست مستحيلة،فكل من االنا والغير يمتلك جسدا ووعيا،ويتقاسمان الوجود في نفس العالم،مما
يفرض على كل منهما االعتراف باآلخر والتواصل معه.وبذلك يستطيع كل طرف أن ينفذ الى أعماق اآلخر ويشاركه عاطفيا
ووجدانيا.التواصل والحوار يحول الغير من عالم الغربة الى عالم ألف ة.ويسمح بمعرفة أفكار الغير وحدسها.
العالقة مع الغير متعددة ومختلفة فهي تختلف بإختالف األغير أنفسهم ونميز فيها بين عالقة إيجابية تقوم على املحبة
واالحترام..وعالقة سلبية تقوم على الصراع واالقصاء ...وإذن ما هي طبيعة العالقة املمكنة بين االنا والغير؟هل هي عالقة
ايجابية أم عالقة سلبية؟
يرى كوجيف ان العالقة بين االنا والغير هي عالقة صراع وال ش يء غير الصراع؛فاالنسان إما أن يكون سيدا للغير او عبدا
له.إنها عالقة تفاضلية تقوم على الصراع من أجل نيل االعتراف وفرض الهيمنة،فتاريخ االنسانية هو تاريخ تفاعل بين
السيادة والعبودية .وبالتالي فالعالقة مع الغير ال تقوم على الصداقة والشفقة وإنما على مبدأ الهيمنة..
تنتقد كريستيفا املفهوم السائد حول الغريب،فهو ليس ذلك القادم من بعيد الذي يهدد تماسك الجماعة ووحدتها،تلك
الوحدة التي ليست سوى غالفا سطحيا يغطي مجموعة من االختالفات والتباينات التي غالبا ما يتم السكوت عنها .لذلك
ينبغي ان يكون أساس عالقتنا مع االخر أيا كان هو التفاهم والحوار واالحترام بدل االقصاء والتعصب والتهميش