مقياس ميادين علم االجتماع السنة الثانية ليسانس علم االجتماع د /أنس عرعار أستاذ محاضر -1مفهوم علم االجتماع: -1-1المفهوم االشتقاقي :يقابل مصطلح علم االجتماع بالفرنسية كلمة Sociologie وباإلنجليزية Sociologyوهذا المصطلح مشتق من الكلمة الالتينية Socius ومعناه اجتماعي ،الكلمة logosومعناه علم أو دراسة على مستوى عال من التجريد. ويعد أوغست كونت ( )Auguste Comteأول من وضع مصطلح علم االجتماع ( ، )Sociologieفهو يتكون لديه من ( )logieبمعنی علم أو معرفة ،وكلمة ( )Sociétéالتي تدل على المجتمع ،وبذلك يكون مفهوم علم االجتماع هو علم المجتمعات البشرية ،أو علم دراسة مجتمع اإلنسان أو مجتمع الفرد والجماعة ،أو دراسة الظواهر أو الوقائع أو الحقائق أو العمليات االجتماعية ،في ضوء رؤية علمية وضعية وتجريبية ()Emile Durkheim:1995 -2-1التعريف االصطالحي :عرف أوغست كونت ( )August comteعلم االجتماع :بأنه العلم الذي يدرس لحل الظواهر التي تدرسها العلوم التي سبقت ظهور علم االجتماع ،كما تصور صعوبة تحديد الظاهرة االجتماعية بصورة محددة نظرا لتداخل العوامل المشكلة لها ،واعتبر أن الظواهر االجتماعية البشرية أو اإلنسانية هي موضوع العلم الجديد والبحث عن الحقيقة (عبد الباسط عبد المعطي ،د.ت ،ص .)60 ويعرف إيميل دوركايم ( )Emile Durkheimعلم االجتماع :بأنه دراسة الوقائع االجتماعية الخارجية ،فهذه الوقائع ليست مجرد أشياء بسيطة توجد على نحو مستقل خارج الشعور اإلنساني والفعل ،بل أنها كيان جمعي کاألسرة والدين ،كما أن علم االجتماع في نظر دوركايم يعد محاولة النمط أو النموذج الذي يكمن وراء مالحظة الظواهر المالحقة ( جورج ريتزر ،2006 ،ص .)162 كما عرف ماكسفيبر( )Max Weberعلم االجتماع بقوله :هو العلم الذي يحاول الوصول إلى فهم تفسيري للفعل االجتماعي وذلك من أجل الوصول إلى تفسير سببي لمجراه ونتائجه ،ويعرف فيلفريدو باريتو ( ")Vilfredo Paretoعلم االجتماع بأنه العلم الذي يدرس الظواهر االجتماعية. عندما تتفاعل مع بعضها بصورة عامة ،كما أنه يدرس الوظيفة التي تؤديها هذه الظواهر نتيجة تداخلها أو ارتباط كل منها باألخر. علم االجتماع هو تلك الدراسة العلمية القائمة على الدراسة المنهجية الرامية إلى اكتشاف السنن اإللهية المتعلقة بالظواهر االجتماعية؛ بما يعني أن مادة علم االجتماع عبارة عن معرفة قائمة على البحث والدراسة والتحري الدقيق منقيدة بمنهجية منظمة لتلك المعرفة والحقائق بعيدة عن العشوائية واالرتجال وبعيدة عن التفسيرات الظنية أو الذاتية بعيدة عن األهواء واآلراء الخاصة (مراد زعيمي ،1997،ص .)42 وعلم االجتماع هو العلم الذي يقوم بدراسة العالقات اإلنسانية واالجتماعية القائمة بين مجتمع الواحد ،أو هو علم الدراسة العلمية للمجتمع. -2نشأة علم االجتماع وميادينه عند الرواد األوائل : أكد الكثير من الباحثين على أن ابن خلدون هو المؤسس الحقيقي لعلم االجتماع على مستوى العلم؛ إال أن أوغست كونت ،عالم االجتماع الفرنسي يعد أول من استخدم كلمة علم االجتماع وذلك عام ،1839وقرر بأن موضوع الدراسة في هذا العلم الجديد هو الظواهر االجتماعية ،وأن علم االجتماع مهمته اكتشاف القوانين التي تخضع لها تلك الظواهر في نشأتها وتطورها وتغيرها"( محمد عاطف غيث، ،2002ص .)24 -2-1كيف ظهر مصطلح علم االجتماع؟ يعتبر ابن خلدون ( )1332-1406أول من أكد على ضرورة إنشاء علم االجتماع وسماه علم العمران البشري ،وأول من نادي باستقالل هذا العلم في معالجة الظواهر االجتماعية والقوانين المرتبطة بها ،ولقد أكد ذلك لفيف من علماء االجتماع المعاصرين أمثال جمبلوفتش جاستونبوتول، وبيتريمسوروكين ،هوارد بيكر ،وبارنز وغيرهم. والمتتبع للتراث الفكري بعد ابن خلدون يجد تسميات عديدة لهذا العلم قبل أن يظهر مصطلح "علم االجتماع" ،فقد تمثل االسم التقليدي لدى القدماء في علم السياسة حيث لم يكن هناك فصل بين علم االجتماع والفلسفة ،كما استحدث في ألمانيا تعبير "علوم الدولة" ولكنها لم تنجح في تحقيق الفصل بين العلم والفن .ثم ظهرت كلمة جديدة في العصر الحديث "االقتصاد السياسي" في أعمال آدم سميث وكانت هذه التسمية تتضمن نظريات تقديرية إضافة إلى المحاوالت اإلصالحية لشؤون المجتمع ،وبعد ذلك كلمة إحصاء" وهي لم تكن تقتصر على الدراسة العددية بل شملت الدراسة الوصفية التحليلية لحياة الشعوب ،ورغم ذلك فقد حصرت الدراسات اإلحصائية نفسها في نطاق دراسة ظواهر المجتمع ،على أنها أشياء شانها في ذلك شأن الظواهر الطبيعية الملموسة. وفي عام 1785ظهرت تسمية "فن المجتمع أو علم المجتمع "art societyفي أعمال كوندرسيه ( ،)1743-1794كما استخدم أيضا مصطلح الرياضيات االجتماعية وهو عنده بمثابة تطبيق لوصف الظاهرة ،والتنبؤ حولها ،إال أنه عندما أسيء استخدامها أسقطت ولم تستخدم ،ثم ظهرت تسمية سان سيمون (-1760 )1825الطبيعة االجتماعية وآزره في ذلك أوغست كونت ( )1798-1857وكتيليه، ولكن بعد أن نشر الفرنسي جرسان دي تاس 1824في باريس بعض المقاالت حول أعمال ابن خلدون المتعلقة بعلم العمران ،هجر أوغست كونت كلمة الفيزياء االجتماعية واستخدم بدال منها مصطلح علم االجتماع في عامي .1839 -1835 -2-2علم االجتماع وابن خلدون 1406 - 1332 ( :م ) عبد الرحمن بن محمد بن خلدون ،ولد في تونس وينتمي إلى فرع من قبيلة كندة وكان أجداده يعيشون فيحضر موت قبل اإلسالم .دخل أجداده األندلس ،وبسقوط أشبيليا انتقلوا إلى تونس .وفيها درس العربية والقرآن ،والفقه ،والحديث ودرس العلوم العقلية والمنطق .عاشبن خلدون في بيئة مضطربة سياسيا وإمارات متنافسة ومتنازعة فيما بينها .قاده طموحه إلى تقلد بعض المناصب منها كاتبابن إسحاق سلطان تونس عام 752ه1351 ،م ،ثم انتقل كاتبا ألبي عنان سلطان فاس 756ه1355 ،م. كما تقلد مناصب مختلفة من أهمها كاتب سر السالطين في غرناطة 764ه1362 ،م ثم انتقل إلى بجاية 766ه1364 ،م وعاد إلى غرناطة 776ه1374 ،م ،ولم يطل به المقام بها وما لبث أنعاد قافال إلى تونس ،حيث اعتزل السياسة وتفرغ لإلنتاج العلمي، وعزل نفسه في قلعة أوالد سالمة لمدة أربع سنوات ألف خاللها مقدمته المشهورة. غادر بعدها تونس متوجها إلى القاهرة عام 784ه1382 ،م وقد كانت المركز اإلسالمي األول في ذلك الوقت ،ثم زار األماكن المقدسة في الحجاز وعاد إلى القاهرة ثانية (حسن الساعاتي ،د.ت ،ص .)30 ابتكر ابن خلدون علما جديدا اسماه "علم العمران البشري" أو "علم االجتماع اإلنساني" ،حدد موضوعاته وصالته بالعلوم األخرى ومجال دراسته ومنهجه العلمي. -إسهاماته في علم االجتماع :يعد ابن خلدون أول من اجتهد وحول الفكر االجتماعي السابق عنه إلى علم قائم بذاته سماه علم العمران البشري. -علم العمران البشري :عرف علم العمران البشري بقوله" :وكأن هذا العلم مستقل بنفسه فإنه ذو موضوع هو العمران البشري واالجتماع اإلنساني ،وذو مسائل وهي بيان ما يلحقه من العوارض واألحوال لذاته واحدة بعد أخرى ،وهذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أو عقليا" (عبد الرحمن ابن خلدون ،2010 ،ص .)31 -منهج ابن خلدون :امتاز ابن خلدون بسعة اطالعه على ما كتبه األقدمون وعلى أحوال البشر وقدرته على استعراض اآلراء ونقدها ،وأدرج منهجا علميا فريدا في دراسته يقوم على التحليل والمالحظة والنقد والتمحيص والمقارنة. -ميادين علم االجتماع عند ابن خلدون :أكد ابن خلدون استقاللية علمه الحديث عن األفكار الدينية الفلسفية السائدة في عصره أو عن القواعد المثالية النظرية التي طرحها أفالطون والفارابي من قبل . وقرر ابن خلدون طريقة وسبل فهم الحوادث التاريخية فضال عن تفسيرها من خالل الكشف عن قوانينها وأسبابها ،كما أكد على أن المعرفة ال تتحقق إال بمنهج استقرائي فطري يبدأ من المعرفة التجريدية إلى محاولة تطبيقها والتحقق من صدقها عن طريق إخضاعها للواقع .رغم تأكيد ابن خلدون استقاللية علمه إال إنه حدد صالته بالعلوم األخرى كالتاريخ وعلم النفس وغيرهما ،فقد اعتمد علم االجتماع على علم النفس في تفسير الظواهر االجتماعية حينما بين " أن المغلوب مولع بتقليد الغالب عن طريق المحاكاة" ،كما أكد ابن خلدون على دور العوامل االقتصادية والجغرافية والحضارية في تفسير الظواهر االجتماعية ،وآمن بتطور المجتمعات عبر أجيال أربعة وهي :البداوة ،الملك ،الحضارة والهرم ،وهي دورة المجتمع البشري ،كما رأى أن المجتمع ما هو إال كيان طبيعي نشأ لضرورات اقتصادية ،أمنية ،أحاسيس شعورية ،تدفع اإلنسان لالستئناس بغيره . وقسم ابن خلدون علم العمران البشري إلى ستة ميادين (عبد للا عبد الرحمن ،د.ت، ص :)76 ،75 -العمران البشري العام :تطرق فيه إلى العوامل التي أدت إلى نشأة التجمعات اإلنسانية. -العمران البدوي :رأى بأن البداوة مرحلة أولية من الحياة اإلنسانية البد أن تمر بها وتعيش فيها المجتمعات مرحلة من التقشف والبساطة. -العمران الحضري :في نظره هي مجتمعات تغيرت من مرحلة البداوة للوصول للحياة الحضارية. -العمران السياسي :أعطي أهمية العصبية وأثرها في الحياة االجتماعية والسياسية وصلتها بالدولة في مختلف أطوارها. -االقتصاد :أو الصنائع والمعاش والكسب ،أين يرى بأن اإلنسان وجد في هذه األرض وهو في حاجة إلى أشياء يحفظ بها وجوده . -العلوم :قسم العلوم إلى قسمين علوم عقلية يكتسبها اإلنسان بنفسه ،وعلوم نقلية من عند للا أنزلها في الكتب السماوية على لسان الرسل. -2-3علم االجتماع و أوغست كونت :أوغست كونت (1798-1857م) .مفكر اجتماعي وفيلسوف فرنسي ولد في مدينة مونبلييه بفرنسا في أسرة محافظة لكنه رفض أفكارها التقليدية ،وآمن باالتجاه الثوري ،اتصل بسان سيمون والزمه وساعده ،ثم تحرر منه وبدأ سنة 1824مرحلة جديدة سماها المرحلة الوضعية، حيث أسس الفلسفة الوضعي ،ثم شرع في إلقاء محاضرات عرفت باسم دروس في الفلسفة الوضعية كما قام بنشر كتاب السياسة الوضعية (عبد الباسط عبد المعطي، د.ت ،ص .)59 -إسهاماته في علم االجتماع :يعد أوغست كونت المؤسس لعلم االجتماع الغربي، فهو من أنشأ مفهوم العلم االجتماعي ،حيث تنسب إليه كلمة سوسيولوجي ( )Sociologieالمعروف بعلم االجتماع ،حيث بحث كونت في القوانين التي ظن أنها تتحكم في ارتقاء العقل ،واعتبر أن التفكير االجتماعي كوحدة متكاملة يمكن إيجاد قوانينه بتجميع الحقائق ،وكان األفكارهتأثير في دارسي النظرية التاريخية ودارسي علم اإلجرام" (عبد الباسط عبد المعطي ،د.ت ،ص .)60 -فلسفة كونت الوضعية :تقوم على وصف تطوري للتاريخ ،حيث أكد كونت أن الفكر اإلنساني يمر عبر ثالث مراحل ،عرضها في مجلداتها لستة بعنوان :مسار الفلسفة. الوضعية ( )1842-1830أو ما يسمى فلسفة كونت الوضعية، "ويعد كتاب كونت "دروس في الفلسفة الوضعية "بصفة خاصة هجوما مباشرا على الفلسفة السلبية التي قدمتها الفلسفات الفردية في عصر التنوير ،فقد اتفق كونت مع سان سيمون في أن عصر التنوير قد قوض أسس الصرح الجديد أكثر مما دعمها (آالنسوين جوود،1996 ،ص.)56 "والوضعية اتجاه فكري يبني تفسير العالم على معطيات التجربة وحدها ،وتستلهم الوضعية نقطة انطالقها من العلوم الطبيعية التي أثبتت آنذاك أنها أنجح طريقة لمعالجة مادة التجربة. كما أنها تحاول أن تبحث عن نظرية موحدة لعالم الظواهر الطبيعية واإلنسانية من خالل تطبيق المناهج والنتائج التي تصل إليها العلوم الطبيعية ،وقد ظهرت الوضعية كرد فعل للفلسفة التقليدية ،وكمحاولة للنفاذ في تعقيداتها واختالفاتها وذلك إلقامة التفكير على أساس محدد" (محمد عاطف غيث ،1975 ،ص .)85 وتقوم مراحل تطور المجتمعات على وصف تطوري للتاريخ البشري ،كما تنطلق هذه النظرية من فرض مؤداه أن المجتمعات تتطور تدريجيا من بدائية بسيطة إلى أشكال أكثر تعقيدا ،فلقد رأى كونت أن المجتمعات اإلنسانية قد مرت في تطورها العقلي بثالث مراحل وهي (مركز المنشاوي:)2019 ، -المرحلة الالهوتية :قد اعتقد كونت أن الناس تبحث أوال عن تفسير الهوتي خارق للطبيعة ،وفي هذه المرحلة يفسر الناس الوجود في عالقته بتصرفات الكائنات المقدسة. -المرحلة الميتافيزيقية :هي تفسير غيبت جريدي فإن التفسيرات تتم بالبحث عنها في عالقتها باألسباب والمبادئ األساسية. -المرحلة الوضعية أو العلمية :هي تفسير وضعي مستمد من الفحص الموضوعي للظواهر حيث يستخدم الناس المنهج الوضعي في تفسير الوجود ،ويتكون هذا المنهج من االستنتاج اعتمادا على المالحظة وحدها. ويري كونت أن المرحلة الوضعية جاءت کرد فعل على األوضاع االقتصادية واالجتماعية المزرية التي كان يعيشها المجتمع األوربي في العهد اإلقطاعي منتقدا وبشدة سياسة تقسيم المجتمع إلى سادة وعبيد ،كما جاءت الوضعية لتغيير األوضاع االجتماعية وإعادة تنظيم المجتمع من جديد ،وهذا ما أكده کونت بقوله "وفي ظل الروح الوضعية فإن كل المشكالت الصعبة والمعقدة -والتي ظلت حتى اآلن تثير سخطا دائما في قلب المجتمعات ال تخمده الحلول السياسية البحتة -تحظي باالهتمام والتقدير العالميين من أجل تعزيز السالم االجتماعي ،إن الروح الوضعية تميل إلى تدعيم النظام عن طريق تطوير عقالني لإلذعان العاقل والحكيم للمشكالت السياسية المعضلة ... ،أما اإلذعان العاقل والحقيقي فأمره يمكن أن يتحقق من خالل اإلحساس العميق بارتباط الظواهر الطبيعية بكل أنواعها بقوانين طبيعية ال مفر منها ،فإذا كانت هناك شرور سياسية ال يمكن للعلم معالجتها ،فإنه - أي العلم يستطيع على األقل أن يبرهن لنا على أنها شرور أو أمراض مستعصية، هكذا يمكن أن نهدئ من توتراتنا واستيائنا باقتناعنا بأن القوانين الطبيعية هي وحدها التي جعلتها أي الشرور السياسية -أمور ال يمكن قهرها أو التغلب عليها" (آالنسوين جوود،1996 ،ص .)57- 56 -منهجه العلمي :أصر كونت على استخدام المنهج الوضعي في جميع الدراسات العلمية ،بما فيها دراسة الطبيعة البشرية ،ونادي بضرورة دراسة الطبيعة البشرية من خالل علمي األحياء واالجتماع ،وبضرورة أن يهدف التقدم إلى السلطة االجتماعية ،وهي حالة ترتكز على العلم ،وعلى دين اإلنسانية الجديد ،وجعل من نفسه الراهب األعظم في ديانته ،وأنعلى الفالسفة أن يقرروا هذه الحالة وفقا لمبادئ الوضعية ،بحيث يقوم منهج كونت العلمي على المالحظة والتجربة باالعتماد على منطق المقارنة بين الظواهر والمجتمعات ،ثم القيام بالتحليل التاريخي المنطلق من دراسة األفكار وتحليلها كمقدمة لفهم التطور االجتماعي.
-ميادين علم االجتماع عند أوغست كونت:
-الديناميكا االجتماعية :وتدرس االجتماع اإلنساني في جملته ومن ناحية تطوره، فهي تمتاز بخاصيتين أساسيتين ،األولى أنها ال تدرس كل خاصية على حدى؛ وإنما تدرس المجتمع اإلنساني في عمومه بغض النظر عن تفاصيل األمور ،والخاصية الثانية هي دراسة االجتماع اإلنساني من ناحية تطوره أي بغرض الكشف عن القوانين التي يسير عليها هذا االجتماع في عملية انتقاله من حال إلى حال. -اإلستاتيكا االجتماعية :وتدرس االجتماع اإلنساني في تفاصيله ومن ناحية استقراره ،بدراسة كل مجموعة من النظم على حدى ،ودراسة هذه األمور من ناحية استقرارها ،ال من ناحية تطورها كما تفعل الديناميكا االجتماعية أي أنها ترمي إلى شرح األجزاء والعناصر التي تتألف منها الظواهر والوظائف التي تقوم بها ،وعالقة هذه العناصر والوظائف بعضها ببعض. -4-2علم االجتماع وهربرت سبنسر :هربرت سبنسر )-1820((H.Spenser ) 1903ولد في ديربيب إنجلترا ألسرة كاثوليكية محافظة ،ولم يتلق التعليم في المدارس النظامية الحكومية منذ البداية ،حيث قام والده وخاله بتوجيه أوال بدراسة الكتب والعلوم السيما الرياضية والطبيعية التي انشغل بها كثيرا قبل االهتمام بالعلوم اإلنسانية واالجتماعية ،كما كان له اهتمام خاص بعلم األحياء ،وبدأ حياته مدرسا ثم عمل مهندسا في السكة الحديدية ،ثم تركها واشتغل باألدب والسياسة والشؤون االجتماعية. كتب مؤلفات ضخمة أهمها :النشوء واالرتقاء ،الرجل ضد الدولة ،الداروينية االجتماعية ،االستاتيكا االجتماعية ،مبادئ علم االجتماع واالستقرار االجتماعي. -إسهاماته في علم االجتماع :عرف علم االجتماع بقوله هو العلم الذي يصف ويفسر نشأة وتطور النظم االجتماعية مثل األسرة ،ويقوم بمقارنات متعددة بين المجتمعات على اختالف أنواعها لمعرفة تطورها. تأثر سبنيربنظرية داروين التطورية وطبقها على المجتمعات ،فاعتقد بأن المجتمع في تطوره يمر بنفس المراحل التي يمر بها اإلنسان ،بغية الوصول لكمال طبيعتنا، وهذا ما جعله يحدد وظيفة التربية في مؤلفه في التربية الفكرية والخلقية والجسدية في تزويد اإلنسان بالمعرفة العلمية وإعداده للحياة بكاملها" (حمدي أحمد علي، ،2003ص .)94 حاول سبنسر أن يأتي بأفكار جديدة في االتجاه الوضعي ،ممتزجة بالنزعة الفردية الراديكالية .ويجدر بالذكر أن النزعة العضوية وليدة العلوم الحية كالعلوم الطبيعية والفيزياء والبيولوجيا وغيرها ،وهذا ما يعرف "بالنموذج العضوي؛ فالمجتمعات عنده أشبه باألجسام الحية تنمو من حالة الوحدة غير المتميزة وأكثر تعقيدا فيها تكون األفراد ،رغم استقاللها وتمايزها إلى بناءات متمايزة وأكثر تعقيدا فيها تكوين األفراد رغم استقاللها وتمايزها ،معتمدة على بعضها البعض بطريقة متزايدة . ويتضمن االعتماد المتبادل بين األجزاء غير المتشابهة لتشكيل حشد أو جمع يتكون على أساس من نفس المبادئ العامة ،كما هو الحال بالنسبة للكائن العضوي الفردي، لذلك فإن افتقار المجتمعات البسيطة إلى التمايز يعني أن األفراد المتشابهين يكونون صيادين ومحاربين معا. ويتطور المجتمع من خالل تغيرات تقدمية في بنائه وفي وظائف نظمه األساسية، بمعنى أن التطور االجتماعي ال يعتمد على مقاصد األفراد ودوافعهم ،لذلك يتطور المجتمع بطريقة طبيعية من حالة التجانس إلى حالة التغاير المعقد ،حيث يبدأ التطور في عالم الطبيعة العضوي لينتهي إلى تطور الكائنات العضوية الحية كمرحلة أخيرة من مراحل التطور (آالنسوين جوود ،1996 ،ص .)71 وإذا كان كونت قد قسم تطور المجتمع إلى ثالث مراحل؛ المرحلة الالهوتية ،مرحلة التأمالت الميتافيزيقية والمرحلة الوضعية ،فإن سبنسر قد وضع "ثالث قوانين أساسية للتطور هي: -قانون استمرار وبقاء القوة ،أو ما أسماه بحفظ الطاقة ،الذي يشير إلى وجود استمرار نوع من العلة النهائية تفارق بالمعرفة ،يشتق منه قانون عدم قابلية المادة للفناء. قانون عدم قابلية المادة للفناء ،بمعني أن المادة ال تفنى بل تتحلل وتظهر في أشكال أخرى جديدة. -قانون استمرار الحركة ،وتمثل فكرة استمرار القوة وبقائها ويعني أن الطاقة تتحول من شكل إلى آخر. أما حجر األساس في النسق االستداللي الذي قدمه سبنسر ،فهو أن الكون في نظره يتميز أساسا بعملية استمرارية إلعادة توزيع المادة أو الحركة في حدود عملية التطور واالنحالل" االنسوين جوود ،1996 ،ص .)72 كما أراد سبنسر في كتابه اإلستاتيكا االجتماعية أن يوضح التقدم سواء في مجال الكائنات العضوية أو المجتمع ،على أنه تطور من ظروف تؤدي فيها األجزاء المتشابهة وظائف متشابهة إلى ظروف تؤدي فيها األعضاء أو األجزاء غير المتشابهة ووظائف غير متشابهة ،أي من الشكل الموحد إلى األشكال المتعددة أو من التجانس إلى الالتجانس ،ويعد مبدأ التطور األساس الحقيقي لمذهب سبنسر ،فقد صاغ في كتابه المبادئ األولى ثالثة قوانين أساسية هي :قانون استمرار القوة ،قانون عدم قابلية المادة للفناء ،وقانون استمرار الحركة. -5-2علم االجتماع وماكس فيبر:هو کارل إميل ماكسيميليان الملقب بماكس فيبر ،Mar Vebrبإير فورن بألمانيا ،كان من أهم الفالسفة األلمان ومن أهم علماء القانون واإلدارة واالقتصاد السياسي ،فضال عن كونه أحد مؤسسي علم االجتماع الحديث وأكثر علمائه تأثيرا في الكتاب والباحثين المعاصرين (أنتونيجيدنز،2006 ، ص ،)51فقد كان إسهامه هائال بكل المقاييس ،فقد قدم األساس الفلسفي الالزم للعلوم االجتماعية واإلطار النظري العام للعلم االجتماعي ،وعدة دراسات شملت كافة األديان العالمية والمجتمعات القديمة (ماكس فيبر ،2011 ،ص ،)97من أشهر مؤلفاته كتاب ،األخالق البروتستانتية وروح الرأسمالية" ،وكتاب "السياسة كمهنة"، وكتابه األشهر "االقتصاد والمجتمع" ،الذي دخل ميدان النظرة السوسيولوجية بعد وفاته عام ( 1920أنتونيجيدنز ،2006 ،مصر ،ص ،)51 -إسهاماته في علم االجتماع :عرف ماكس فيبر السوسيولوجيا في كتابه "االقتصاد والمجتمع" قائال" :علم االجتماع هو العلم الذي يعني بفهم النشاط االجتماعي وتأويله وتفسير حدوثه ونتيجته وتأويله". يرى فليب كابان ( )Philipe cabinوجان فرانسو دورتيه ( Jean )francaisdortienأن السوسيولوجيا عند فيبر هي علم يختص بالفعل االجتماعي، وهو يرفض الحتمية التي تحبس اإلنسان ضمن نسيج من الضغوط االجتماعية غير الواعية ،فال تعدو هذه الحتميات عن كونها نسبية وتوجيهات تترك على الدوام مكانا للصدفة وللقرار الفردي ،وهو يعتبر المجتمع نتاجا الفعل األفراد الذين يتصرفون تبعا للقيم والدوافع وللحسابات العقالنية ،فيقول" :إن ما ندعوه سوسيولوجيا هو علم مهمته الفهم عن طريق تأويل النشاط االجتماعي" (فليب جان فرانسوا، ،2010ص ،)48 -47ما يعني أن المجتمع يتكون من مجموعة األشخاص الذين يقومون بسلوكيات وأفعال هذه األخيرة هي جوهر علم االجتماع ،وعليه السوسيولوجية الفيبرية تعني بدراسة الفعل الفردي المجتمعي ضمن سياقه التأويلي، أي دراسة الفعل االجتماعي (تأثير وتأثر الفرد مع اآلخرين من خالل سلوكياتهم ودالالتهم الذاتية) الذي يجب أن يكون هادفا ومؤثرا في سلوك األخر (جميل حمداوي ،2015 ،ص .)15 إذن يتحدد موضوع السوسيولوجيا عند ماكس فيبر في دراسة األفعال الفردية ضمن نسق اجتماعي معين ،ومختلف أنماط التفاعالت االجتماعية بالتركيز على عالقات التأثير والتأثر. -منهج ماكس فيبر في علم االجتماع :أعلن ماكس فيبر في كتابه "االقتصاد والمجتمع" منهجه السوسيولوجي بقوله" :نسمي علم االجتماع العلم الذي يأخذ على عاتقه تفهم النشاط االجتماعي بالتأويل ثم بالتفسير تفسير مساره ومفاعيله تفسيرا سبيا ،ما يعني أن ثمة ثالث خطوات منهجية هي :الفهم ،التأويل والتفسير. -الفهم :فهم فعل الفرد في إطار نظرية التأثير والتأثر في إطار نظرية التفاعل االجتماعي ،أي فهم المعاني التي يتخذها الفعل الفردي داخل المجتمع المعطى. -التأويل :التأويل في إدراك حقيقة الواقع أمام العالم الموضوعي ،ما يعني أن فهم الفاعل الفردي ال يمكن أن يتحقق إال بمعرفة األحكام المسبقة واالنطالق من المعرفة الخلفية ،والبحث عن جميع المصادر التي تساعدنا على فهم ذلك الفعل ،واستجالء المعنى الذي يصدر عنه ،ويتم تأويل الفعل والسلوك حسب الظروف الظاهرة والحيثيات التي يوجد فيها هذا الفعل (جميل حمداوي ،2015 ،ص.)20-14 -التفسير :يقوم كل التفسير السببي والعلمي لربط الفعل ببنية المجتمع أو تفسير الظواهر المجتمعية تفسيرا ترابطيا وسببيا ،وقد تبنى نموذجا تفسيريا لفهم الظاهرة المجتمعية على أساس علمي ونسبي. فهو بناء علمي مجرد لوصف الظواهر وتفسيرها بغية الحصول على الحقيقة (جميل حمداوي ،2015 ،ص.)20-18 -ميادين علم االجتماع عند ماكس فيبر :تطرق إلى عدة فروع أهمها: -السوسيولوجيا السياسية :يعد ماكس فيبر مؤسس علم االجتماع السياسي ،وتعني السوسيولوجيا السياسية إما علم الدولة أو علم السلطة ويعني عند فيبر علم السلطة والحكومة والوالية والقيادة في كل المجتمعات. -سوسيولوجيا اإلدارة :يعد من مؤسسي علم اإلدارة الحديثة وقد أسهب كثيرا عند تحليل مجموعة من المفاهيم اإلدارية والتنظيمية مثل ،السلطة والشرعية ،بحيث قدم فيبر أول تفسير منهجي لنشأة المنظمات الحديثة. -سوسيولوجيا األديان :يعد ماكس فيبر من السباقين إلى تأسيس سوسيولوجيا األديان ،إذ اهتم بدراسة البروتستانتية والكاثوليكية واليهودية أو الكنفوشوسية والفارسية والهندوسية والطاوية واإلسالم ،وترتكز سوسيولوجيا األديان عند فيبر على ثالث تصورات جوهرية هي :أثر األفكار الدينية على األنشطة االقتصادية، والعالقات الموجودة بين النظرية االجتماعية واألفكار االجتماعية ،وكذا الخصائص المميزة للحضارة الغربية لمعرفة التطور الذي أصاب الثقافة الشرقية ،ونالحظ ذلك في األخالق البروتستانتية وروح الرأسمالية ،اليهودية القديمة ،الهندوسية والبوذية، الكنفوشيوسية والطاوية (جميل حمداوي ،2015 ،ص .)21 -6-2ميادين علم االجتماع عند إيميل دوركايم: وضع "دوركايم" األقسام الرئيسية لعلم االجتماع بالشكل التالي: -علم االجتماع العام :ويتضمن قسما فرعيا عن الشخصية عند الفرد وعند الجماعة، ويؤكد دوركايم على الضمير الجمعي فهو أحد أدوات التحليل االجتماعي لديه، ويشير إلى المجموع الكلي للمعتقدات والعواطف العامة بين أعضاء المجتمع والتي تشكل نسقا له طابع ويكتسب هذا الضمير العام واقعا ملموسا ،فهو يدوم خالل الزمن ويدعم الروابط بين األجيال فهو يعيش بين األفراد في ضميرنا ،ومن منظور إيميل دوركايم الضمير الجمعي :هو تعتبر عن فكرة الجماعة في المجتمع ،وعلم االجتماع هو علم الجماعة وليس على الفرد ،حيث أنه إذا تحدثنا فإن المجتمع هو الذي يتحدث فينا (دباسي خضير البياتي ،2002 ،ص .)93 -علم االجتماع الديني :وتقوم دراسة دوركايم للدين على أساس الظواهر الدينية وتنقسم إلى - :القسم المقدس :ويقصد بالمقدس كل شيء في نظر الديانات يكون من طبيعة تختلف اختالفا جوهريا عن أشياء العالم العمراني (النصوص الدينية وغيرها) ،أي أن القسم المقدس بالعقائد وما يتصل بها. -القسم العلماني :ويتعلق بالطقوس والعادات وما يتصل بها ويشمل الطقوس التي تنظم سلوك اإلنسان اتجاه المقدس مثل :الصالة ،الزكاة ،الصوم وغيرها. -علم االجتماع القانوني واألخالقي :أعلن دوركايم منذ وقت مبكر أن المجتمع يجب أن يرتبط بروابط اجتماعية قوية ذات طابع أخالقي فعلى الرغم من أن المجتمع كائن عضوي ،إال أن التوازن ال يتحقق فيه بطريقة تلقائية وعفوية ،ويؤكد أنه في حالة غياب المركز األخالقي القوي ينحل المجتمع ،وتعرف الوضعية السوسيولوجية المجتمع کنسق أو بناء من وقائع اجتماعية تنمو وحدته وتتحقق من خالل الفعل األخالقي وحده حيث أن علم االجتماع الدوركايمي ال ينظر إلى التماسك االجتماعي على أنه نتاج عمل البيئة االجتماعية ،بقدر ما هو نتاج األبعاد األخالقية للوقائع االجتماعية ذاتها (علي عبد الرزاق جلبيو آخرون ،1998 ،ص .)188 -187 -التنظيم االجتماعي :هو نسق منظم يعمل على التوافق والتكيف وأهم صفة مميزة له هو التوازن ،وأي تغير يحدث يعمل المجتمع على التكيف مع الموقف الجديد لكي تتم عملية التوازن من جديد ،مثل تنظيم الزواج واألسرة.