Professional Documents
Culture Documents
ثقافة المقاومة
ثقافة المقاومة
ثقافة المقاومة
تأليف
د .عبدالوهاب المسريي
تحرير :مهند الهويدي
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
-1الصهيونية العاملية:
«الصهيوني��ة العاملي��ة» ترجم��ة للمصطل��ح اإلنجلي��زي «ورل��د زايونيـ�زم
.»World Zionismوقــد شــاع املصطلــح يف اللغــة العربيــة ،وهــو يفــرض
أن الصهيونيــة حركــة عامليــة ،أي متــارس نشــاطها يف أنحــاء العــامل بــن
4
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
5
األغيــار ،ومــع هــذا يشــكل هــذا التاريــخ الركيــزة األساســية لتاريــخ العامل،
وهــذا اخطــاب اإلنجيــي متغلغــل متا ًمــا يف الوجــدان الغــريب.
ب) بعــد أن ظهــرت الصهيونيــة بــن يهــود الغــرب قامــت بصهينة معظــم يهود
خصوصــا بعــد إنشــاء الدولــة الصهيونيــة ،ومــن ثــم فهــي حركــة
ً العــامل
عامليــة بهــذا املعنــى .والبــد أن نســارع بالقــول بــأن الغالبيــة الســاحقة مــن
يهــود العــامل توجــد اآلن إمــا داخــل التشــكيل الحضــاري الغــريب (فرنســا
– إنجلــرا – روســيا) ،أو داخــل التشــكيل االســتعامري االســتيطاين الغــريب
(الوالي��ات املتحدــة – كندــا – أس�تراليا ونيوزيلندــا – أمريــكا الالتينيــة
– جنوــب أفريقي��ا – إرسائيــل) ،وعــى وجــه التحديــد داخــل التشــكيل
االسـ�تعامري االسـ�تيطاين األنجلـ�و ساكسـ�وين.
ج) الحركــة اإلمربياليــة التــي حولــت الصهيونيــة إىل كيــان اســتيطاين هــي
حركــة عامليــة رغــم أصولهــا الغربيــة ،فقــد جعلــت العــامل كلــه مجــاالً
لحركتهــا والتهامهــا وافرتاســها .واإلمربياليــة عامليــة ال ألنهــا حركــة نشــأت
بــن كل البــر وإمنــا ألنهــا حركــة حولــت البــر كلهــم إىل مســتع ِمر أو
مســتع َمر ،وتكتســب الصهيونيــة صفــة العامليــة مــن ارتباطهــا باإلمربياليــة
الغربيــة العامليــة.
د) يالحــظ أن األدبيــات السياســية الغربيــة الصهيونيــة وغــر الصهيونيــة
تســتخدم كلمــة «عاملــي» مبعنــى «غــريب» .ولعــل هــذا يعــود إىل أن
اإلنســان األبيــض يف الغــرب يف القــرن التاســع عــر كان يتصــور أنــه
مركــز العــامل وقمــة رقيــه ،وأن الحضــارات األخــرى حضــارات متخلفــة
ســتتطور لتلحــق بــه وتصــل إىل النمــوذج الحضــاري العاملــي نفســه.
ويالحــظ أن هرتــزل يتحــدث يف كتاباتــه عــن رضورة إقامــة املــروع
الصهيــوين بضــان القانــون الــدويل العــام ،ويعنــي بذلــك «القانــون
الغــريب»؛ ولــذا والتزا ًمــا بالدقــة يجــب أن نتحــدث عــن «الصهيونيــة
6
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
7
تســاؤل بعــد إخفاقاتــه العســكرية املتكــررة ســواء يف االنتفاضــة األوىل
أم الثانيــة ،وبعــد الحــرب السادســة مــع لبنــان) ،ولكنــه تفــوق مل يحــرزه
بإمكانياتــه الذاتيــة وإمنــا بســبب الدعــم العســكري الغــريب ،بــل إن التجمــع
الصهيــوين ككل ال يعتمــد عــى مــوارده الطبيعيــة أو اإلنســانية وإمنــا يعتمــد
عــى الدعــم املســتمر مــن الواليــات املتحــدة والــدول الغربيــة ويهــود الغــرب.
وهــذا التج ُّمــع الصهيــوين هــو مجتمــع ذو توجــه عســكري واضــح تهيمــن
عليــه املؤسســة العســكرية التــي ليــس لهــا أي وجــود ملحــوظ ال بســبب
غيابهــا وإمنــا بســبب حضورهــا الكامــل العضــوي يف كل مؤسســات التجمــع
الصهيــوين.
وهــذا التج ُّمــع االســتيطاين اإلحاليل ،شــأنه شــأن كل الجيوب االســتيطانية
اإلحالليــة ،مبنــي عــى الحــد األقــى مــن العنــف املوجــه ضــد اآلخريــن
وضــد الــذات ،فهــو مبنــي عــى أكذوبــة (أرض بــا شــعب لشــعب بــا أرض)،
وهــي أكذوبــة مل يعــد يصدقهــا حتــى الصهاينــة أنفســهم ،وهــو يحــاول أن
يكتســب رشعيــة وجــوده إمــا مــن خــال قصــص ومفاهيــم توراتيــة (ال يؤمــن
بهــا معظــم املســتوطنني الصهاينــة ذوي التوجه العلــاين الشــامل) ،أو مفاهيم
را عــن األســاطري النازيــة العرقيــة،جيتوي��ة حلوليــة عضويــة ال تختلــف كث ـ ً
ولكنــه يكتســب رشعيــة وجــوده يف واقــع األمــر بالطريقــة الغربيــة املألوفــة
أي بقــوة الســاح.
وهــذا التج ُّمــع ال توجــد فيــه حضــارة متجانســة ،فــكل مســتوطن أحــر
معــه مــن وطنــه األصــي خطابًــا حضاريًّــا مختل ًفــا ،وادعــن الدولــة الصهيونيــة
أنهــا ســتمزج الجميــع يف بوتقــة يهوديــة عربانيــة جديــدة ليخرج منهــا مواطن
جديــد ،ومــا حــدث هــو أن الخطــاب الحضــاري الجديــد املزعــوم مل يتشــكل
وظهــر بــدالً منــه واقــع حضــاري غــر متجانــس ،وأصبــح الخطــاب الحضــاري
املهيمــن هــو خطــاب الراعــي اإلمربيــايل أي الخطــاب األمريــي.
8
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
باختصــار شــديد التج ُّمــع الصهيــوين ليــس مجتم ًعــا ،وإمنــا هــو «تج ُّمــع»
ُغــرس يف املنطقــة ليقــوم بــدور عســكري لصالــح الحضــارة الغربيــة ،ومــن
ثــم فهــو يشــكل تحديًّــا عســكريًّا وحســب ال تحديًّــا حضاريًّــا ،بــل إنــه تح ـ ٍّد
عســكري جعلنــا ننحــرف عــن االســتجابة للتحــدي الحضــاري األصــي الــذي
نؤســس مجتم ًعــا حديثًــا طرحتــه علينــا الحضــارة الغربيــة الحديثــة ،وهــو كيــف ِّ
يف إطــار منظوماتنــا القيميــة والحضاريّــة.
ولعلنــا ال ن َّدعــي حــن نقــول إن التحــدي الحضــاري لألمــة التــي أنتجــت
ابــن خلــدون واملتنبــي والغــزايل وابــن رشــد ينبغــي أن يــأيت مــن شــعب أو
حضــارة أنتجــت أرســطو وماركــس وأال يهبــط إىل مســتوى بنــاء حضــاري
متخلــف تســيطر عليــه األفــكار الجيتويــة ويتزعمــه أمثــال شــارون وأ,ملــرت
ومــن قبلــه بــن جوريــون الــذي يتصــور أنــه يحــدد سياســة بــاده الخارجيــة
وتحــركات جيوشــه حســب رؤى العهــد القديــم وأقــوال التلمــود وأســاطري
األولــن بــرط أن يكونــوا مــن اليهــود؛ ولــذا ميكــن أن نقــول «التحــدي
الحضــاري املزعــوم».
-3املؤامرة اليهودية:
مــن املصطلحــات واملفاهيــم التــي ســادت يف الخطــاب الســيايس العــريب
مصطلــح «املؤامــرة اليهوديــة»؛ ولتفكيــك هــذا املصطلــح يجــب أن نشــر
ابتــدا ًءا إىل أن العقــل اإلنســاين ،إن مل يجــد منوذ ًجــا تفســريًّا مالمئًــا لواقعــة
مــا ،مييــل إىل ردهــا إىل يــد أو أيــاد خفيــة تنســب إليهــا التغيــرات واألحــداث
كافــة .فاألحــداث – حســب هــذا املنظــور – ليســت نتيجــة تفاعــل بــن مركــب
مــن الظــروف واملصالــح والتطلعــات والعنــارص املعروفــة واملجهولــة مــن
جهــة وإرادة إنســانية مــن جهــة أخــرى ،وإمنــا هــي نتــاج عقــل واحــد وضــع
مخططًــا جبــا ًرا وصــاغ الواقــع حســب هــواه ،وهــو مــا يعنــي أن بقيــة البــر
إن هــم إال أدوات.
9
ومــن أهــم تجليــات هــذا النمــوذج االختــزايل مــا يقــال لــه «املؤامــرة
اليهوديــة الكــرى» أو «املؤامــرة اليهوديــة العامليــة» والتــي تفــرض أن
متجانســا ،وأن لهــم
ً أعضــاء الجامعــات اليهوديــة يكونــون كالًّ واحـ ًدا متكامـاً
طبيعــة واحــدة ،وأن اليهــودي شــخص فريــد ال يخضــع للحركيــات االجتامعيــة
التــي يوجــد فيهــا وال ينتمــي إىل األمــة التــي يعيــش بــن ظهرانيهــا ،وهــو
يقــف دامئًــا مقابــل األغيــار (غــر اليهــود) إذ أن مثــة خاصيــة مــا يف اليهــود
وخصوصيــة كامنــة فيهــم تجعــل مــن العســر عــى كل املجتمعــات اإلنســانية
دمجهــم أو اســتيعابهم.
ويتســم اليهــود (حســب منــوذج املؤامــرة الكــرى) بالــر واملكــر والرغبــة
يف التدمــر (فهــذه أمــور وجــدت يف عقولهــم بالفطــرة وهــي بُعــد أســايس
وثابــت يف طبيعتهــم) ،وســلوكهم هــو تعبــر عــن مخطــط جبــار وضعــه العقــل
اليهــودي الــذي يخطــط ويدبــر منــذ بدايــة التاريــخ والــذي وضــع تفاصيــل
املؤامــرة الكــرى العامليــة لتخريــب األخــاق وإفســاد النفــوس حتــى تــزداد
كل الشــعوب ضع ًفــا ووه ًنــا بينــا يــزداد اليهــود قــوة ،وذلــك بهــدف الســيطرة
عــى العــامل (ورمبــا إلنشــاء حكومــة عامليــة يكــون مركزهــا أورشــليم القــدس).
والتاريــخ اليهــودي بــأرسه إن هــو إال تعبــر عــن هــذا النمــوذج وعــن
هــذه املؤامــرة األزليــة املســتمرة ،واليهــود مــن ثــم هــم املســئولون يف كل
األزمنــة واألمكنــة عــن كل الــرور واملنكــرات ،فهــم عــى ســبيل املثــال أراقــوا
دم املســيح (حســب الروايــة املســيحية) ،وهــم الذيــن وضعــوا الســم للرســول
،eوهــم وراء مؤامــرة عبــد اللــه بــن ســبأ ثــم أتباعــه مــن بعــده للقضــاء عــى
دســا عــى الديــن الحنيــف، اإلســام ،وهــم الذيــن قامــوا بــدس اإلرسائيليــات ًّ
بــل وينســب إليهــم ذبــح األطفــال واســتخدام دمهــم يف صنــع خبــز الفطــر
الــذي يأكلونــه يف عيــد الفصــح.
ويف العــر الحديــث يــرى التآمريــون أن اليهــود وراء أشــكال االنحــال
10
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
11
اليهــود بوصفهــم جامعــات وظيفيــة متفرقــة داخــل عديــد مــن املجتمعــات
الغربيــة تنتظمهــا شــبكة مــن العالقــات التجاريــة الوثيقــة التــي تحقــق مــن
را مــن النجــاح التجــاري واملــايل قــد عمــق الرؤيــة التآمريةخاللهــا قــد ًرا كبـ ً
لليهــود ،وقــد بلغــت هــذه الشــبكة قمــة متاســكها وقوتهــا يف القــرن الســابع
عــر حــن كانــت تنتظــم يهــود األرنــدا يف رشق أوربــا ويهــود البــاط يف
وســطها وغربهــا ويهــود الســفارد يف البحــر األبيــض والدولــة العثامنيــة وشــبه
جزيــرة أيبرييــا والعــامل الجديــد ،وخلــق هــذا الوجــود اإلحســاس بالتنســيق
فيــا بينهــم .ومــع ضعــف املجتمعــات الغربيــة وبنائهــا القيمــي بســبب انتشــار
قيــم النفعيــة والعلامنيــة ،ومــع تركــز اليهــود يف كثــر مــن الحــركات العلامنيــة
والفوضويــة ،تعمــق اإلحســاس بــأن مثــة مؤامــرة يهوديــة تهــدف إىل الســيطرة
عــى العــامل كــا تهــدف إىل إفســاده.
ويف العــر الحديــث ،قــام العــامل الغــريب ،الــذي ي َّدعــي العلامنيــة
وفصــل الديــن عــن الدولــة ،باملســاعدة يف تأســيس الدولــة املســاة
اليهوديــة ودعمهــا .وتقــوم الواليــات املتحــدة بالتغــايض عــن ســلوك إرسائيــل
االســتعامري االســتيطاين ،وعــن توســعها املســتمر ،وعــن غزوهــا للبــاد
املجــاورة لهــا وعــن قمعهــا املتوحــش لثــورة الشــعب الفلســطيني ،وتدخــل معهــا
يف اتفاقــات تعــاون اســراتيجي وتزودهــا بالســاح ،وتســمح لهــا باســتخدام
األســلحة النوويــة وتســتخدم حــق الفيتــو إن حــاول مجلــس األمــن أن يفــرض
عــى إرسائيــل تنفيــذ قــرارات هيئــة األمــم املتحــدة يف الوقــت الــذي تغــزو
فيــه الــدول العربيــة بحجــة أنهــا متتلــك أســلحة دمــار شــامل وأنهــا ترفــض
تنفيــذ قــرارات هيئــة األمــم .وازدواجيــة املعايــر هــذه تجعــل البعــض يف
العــامل العــريب يتصــورون أن «اليهــود» يهيمنــون عــى القــرار األمريــي وأن
هــذا جــزء مــن محاولــة الســيطرة عــى العــامل ،متناســن أن االســراتيجية
اإلمربياليــة األمريكيــة ال عالقــة لهــا بإرسائيــل أو باليهــود ،وإمنــا هــي نتيجــة
12
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
13
الصهيونيــة الناشــئة ،وكــا يحــدث اآلن حينــا تضغــط الحركــة الصهيونية عىل
الواليــات املتحــدة لتغلــق أبوابهــا أمــام اليهــود الســوفييت بحيــث يضطــرون
إىل الهجــرة إىل إرسائيــل.
وفكــرة املؤامــرة أكذوبــة تالئــم معظــم األطــراف املشــركة يف الــراع
را مــن هــذا الفكــر التآمــري؛ ألنــه يضفــي
اإلرسائيــي ،فإرسائيــل تســتفيد كثـ ً
عليهــا مــن القــوة مــا ليــس لهــا ومــن الرهبــة مــا ال تســتحق ،وهــو يف نهايــة
األمــر يجعلهــا تكســب معــارك مل تدخلهــا قــط .كــا أن الحكومــات األمريكيــة
املختلفــة تفــر للزعــاء العــرب عجزهــا عــن مســاعدة الحــق العــريب بتعاظم
النفــوذ الصهيــوين وهيمنــة اليهــود عــى القــرار األمريــي ،أمــا الحكومــات
العربيــة فتفــر تخاذلهــا وهزميتهــا أمــام العــدو الصهيــوين عــى أســاس
را
األســطورة املريحــة نفســها وبالتــايل يجــد كل مــن أطــراف الــراع تفس ـ ً
يبــدو معقــوالً ومقبــوالً لوضعــه أمــام نفســه وأمــام جامهــره.
ويجــب اإلشــارة إىل أن إنــكار وجــود مؤامــرة ال يعنــي إنــكار وجــود
مخطــط ،فاملخطــط هــو خطــة أو إســراتيجية تعــر عــن مصالــح دولــة مــا
أو مجموعــة مــن الــدول (كــا يتصورهــا أصحابهــا) ،وهــي تتبــدى مــن خــال
أمنــاط متكــررة لهــا مســار يعــر عــن منطق داخــي ميكــن فهمه والتصــدي له
مبخطــط مضــاد ،فأصحــاب املخطــط املعــادي لنــا بــر ونحــن بــر والحــرب
بيننــا ســجال إىل أن ينــر اللــه مــن ينــره .أمــا املؤامــرة فهــي خطــة
رسيــة وضعهــا يف الظــام بضعــة أفــراد دوافعهــم خسيســة رشيــرة يحاولــون
قــدر طاقتهــم الحفــاظ عليهــا طــي الكتــان ويقومــون عــى تنفيذهــا ،وألن
املؤامــرة ليســت جــز ًءا مــن منــط فإنهــا ال تتبــع مســا ًرا مفهو ًمــا وليــس لهــا
قوانينهــا الداخليــة الخاصــة والخارجيــة العامــة.
يجــب اإلشــارة إىل أن أصحــاب املخطــط ميكنهــم اســتخدام املؤامــرات
لتنفيــذ املخطــط ،ولكــن تظــل املؤامــرات هــي اآلليــة ،واملخطــط هــو النمــط
14
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
األســايس الكامــن.
مصطلحات ترمي إلى تشويه المقاومة الفلسطينية:
17
يــرى أن الوجــود الصهيــوين يف فلســطني ليــس احتــاالً وإمنــا هــو وجــود
رشعــي البــد للعــرب مــن قبولــه إن كانــوا عقالنيــن ،أمــا إن قاومــوه فهــم
يقومــون بعمــل إرهــايب غــر عقــاين غــر مــروع .وبطبيعــة الحــال ال يقــول
الصهاينــة أو األمريكيــون إن رشعيــة الوجــود اإلرسائيــي يف فلســطني نابعــة
مــن القــوة العســكرية وحســب.
رتهــات البــد مــن التأكيــد عــى أن الفعــل الفلســطيني
وللــرد عــى هــذه ال ّ
هــو فعــل مقاومــة ،فالظاهــرة الصهيونيــة ليســت ظاهــرة يهودية وإمنــا ظاهرة
اســتعامرية إحالليــة ،ومقاومــة العــرب لهــا ال تختلــف عــن مقاومــة الشــعوب
املقهــورة للمســتوطنني الغــزاة .وتتســم الرؤيــة الصهيونيــة االســتيطانية والرؤى
االســتيطانية عــى وجــه العمــوم بأنهــا تحــاول أن تنكــر تاريــخ األرض التــي
احتلهــا املســتوطنون ،ففلســطني – حســب تصورهــم – هــي أرض بــا شــعب.
-6االنتحاريون:
«املنتحــر» إنســان ســقط يف اليــأس والقنــوط ،ووصــل إىل مرحلــة
ال ميكنــه معهــا أن يفعــل شــيئًا بخصــوص الظــروف املحيطــة بــه وال يجــد
مخر ًجــا إال بــأن يفجــر نفســه ،فاالنتحــار تعبــر عــن العدميــة ،وعــن الكفــر
بــكل القيــم وكل اإلمكانــات .وهــذا ينطبــق متا ًمــا عــى الجنــود اإلرسائيليــن
الذيــن انتحــروا يف جنــوب لبنــان بعــد أن تصاعــدت عمليــات حــزب اللــه
ضدهــم ،ومل تجــد النخبــة العســكرية وســيلة للــرد املناســب عــى هــذه
العمليــات ،وانتهــى األمــر باالنســحاب .فــا بــن فــرة التصعيــد واالنســحاب
أدرك الجنــود اإلرسائيليــون أنــه ال مخــرج مــن وضعهــم وأن موتهــم ال معنــى
لــه ،ففجــروا أنفســهم بــدالً مــن أن يفجرهــم استشــهاديو حــزب اللــه .وقــد
أصبــح العــامل الغــريب ،مــع تصاعــد معــدالت العلمنــة والتوجــه نحــو اللــذة،
را عــن رغبــة يف إنهــاءغــر قــادر عــى إدراك نبــل االستشــهاد ،فــراه تعب ـ ً
الــذات نتيجــة ل ُعقــد نفســية ،بــل ووصفتــه إحــدى الصحــف األمريكيــة بأنــه
18
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
-1التطبيع:
ميكــن القــول إننــا مــن دعــاة التطبيــع ،عــى أن يكــون التطبيــع مــع
كيــان طبيعــي ال يتســم بالشــذوذ البنيــوي الــذي تتســم بــه الدولــة الصهيونيــة،
فرفضنــا للتطبيــع ليــس نتيجــة حــب للحــرب وإمنا هــو نتيجــة الشــذوذ البنيوي
الــذي تتســم بــه الدولــة الصهيونيــة التــي أسســت عــى األرض الفلســطينية
يف الوطــن العــريب ،والتــي تــرى نفســها عــى أنهــا ليســت دولــة ملواطنيهــا
وإمنــا لــكل يهــود العــامل .ومــن ثــم فهــي تدعــو يهــود العــامل للهجــرة إليهــا
وترفــض يف الوقــت ذاتــه الســاح ألصحــاب األرض األصليــن بالعــودة إليهــا.
وهــي دولــة تــرى نفســها عــى أنهــا امتــداد للغــرب يف الــرق العــريب وال
ميكنهــا االندمــاج فيــه؛ ولــذا فمقومــات حياتهــا ليســت مــن داخلهــا وإمنــا
مــن خارجهــا مــن خــال الدعــم العســكري واالقتصــادي والســيايس الغــريب،
واألمريــي خاص ـ ًة .إن التطبيــع ال ميكــن أن يتــم إال مــع دولــة طبيعيــة.
-2االعتدال والتطرف:
«االعتــدال» م��ن «ع��دل» أي «سـ�وى ب�ين الشــيئني» .و«االعتــدال
الســيايس» هــو أن يأخــذ املــرء موق ًفــا ينـــزع نحــو املهادنــة وتقديــم التنازالت
يف ســبيل تحقيــق قــدر مــن العــدل والســام .و«التطــرف» عــى خــاف
«االعتــدال» هــو «تجــاوز حد االعتــدال» ،و«التطــرف» يف املصطلح الســيايس
هــو أن يتمســك املــرء مبوقفــه وبالحــد األقــى ال يحيــد عنــه وال يقبــل تقديــم
أيــة تنــازالت ،وال يتهــاون بغــض النظــر عــن األوضــاع واملالبســات املحيطــة
بالوقــف .ومصطلحــا «االعتــدال والتطــرف» شــائعان يف الخطــاب الســيايس،
20
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
فيوصــف إنســان بأنــه «متطــرف» وآخــر بأنــه «معتــدل» حســب مــا يتخذانــه
مــن مواقــف.
ولكــن مــا يغيــب عــن الكثرييــن أن التطــرف واالعتــدال يقاســان بالنســبة
إىل مرجعيــة كامنــة مــا ،فــا هــو متطــرف مــن وجهــة نظــر مــا قــد يكــون
اعتــداالً مــن وجهــة نظــر أخــرى واألمــر يتوقــف عــى املرجعيــة .ومــا يفــوت
مــن يســتخدمون مثــل هــذه املصطلحــات أن أســباب الــراع (يف املجــال
الســيايس واالقتصــادي) ليــس لهــا عالقــة كبــرة مبــا يســمى «العقــد النفســية
والتاريخيــة» ،وإمنــا هــي يف العــادة أســباب بنيويــة لصيقــة بالعالقــات التــي
توجــد يف الواقــع ،فالبنيــة الشــاذة تــؤدي إىل الــراع ،أي أن القضيــة ليــس
لهــا عالقــة كبــرة يف كثــر مــن األحــوال مــع الحالــة النفســية أو مــع مــدى
اســتعداد أحــد أطــراف الــراع إلظهــار االعتــدال والتســامح؛ ولــذا فنحــن
نذه��ب إىل أن مصطلح��ي «االعتــدال» و«التطــرف» ليــس لهــا مقــدرة
تفســرية عاليــة يف مجــال السياســة واالقتصــاد.
را يف الــراع العريب/الصهيــوين ،فســبب الــراع واألمــر ال يختلــف كثـ ً
هــو الشــذوذ البنيــوي للكيــان الصهيــوين االســتيطاين اإلحــايل الــذي تأســس
عــى الظلــم وتــم تحقيقــه مــن خــال اإلرهــاب والقمــع .ومــا دامــت البنيــة
الصهيونيــة الشــاذة مســتمرة فالبــد أن يســتمر الــراع العــريب الصهيــوين،
ومــع هــذا تــم اســتخدام املصطلحــن بطريقــة فيهــا قــدر كبــر مــن الســيولة
وعــدم التحــدد ،وهــذا يعــود إىل أن املرجعيــة الصهيونيــة والحــد األقــى
الصهيــوين واملســلامت النهائيــة (تأســيس الدولــة اليهوديــة الخالصــة ،الخاليــة
مــن العــرب) أخفيــت متا ًمــا عــن األنظــار ،وأن شــعارات مثل «أرض بال شــعب
لش��عب بلـا أرض» و«إرت��س يرسائيــل التــي متتــد مــن النيــل إىل الفــرات»
أو «ع�لى ضفت��ي األردن» و«تجميـ�ع املنفيـين يف إرتـ�س يرسائيــل» و«نفــي
(أي تصفيــة) الدياســبورا» قــد أخفيــت عــن طريــق اســتخدام الخطــاب
21
الصهيــوين املــراوغ ،وهــو اآلليــة الصهيونيــة إلخفــاء املرجعيــة؛ ولهــذا نجــد
أن مــا يوصــف بالتطــرف يو ًمــا يوصــف باالعتــدال يو ًمــا آخــر وهكــذا ،إىل
أن اقــرب «االعتــدال الصهيــوين» مــن املســلامت الصهيونيــة النهائيــة والحــد
األقــى الصهيــوين .فبعــد إعــان وعــد بلفــور عــام 1917م كان الصهاينــة
الذيــن يطالبــون بإنشــاء دولــة صهيونيــة يعــدون «متطرفــن»؛ ألن الحــد
األقــى املعلــن آنــذاك هــو وطــن قومــي وحســب ،ولكــن هــؤالء املتطرفــن
أصبحــوا معتدلــن يف األربعينيــات حينــا أصبــح الشــعار الرســمي للحركــة
الصهيونيــة هــو إنشــاء دولــة صهيونيــة وقبــول قــرار التقســيم والعيــش مــع
العــرب يف ســام! ومــن ثــم كان الحديــث عــن كامــل أرض إرسائيــل وطــرد
أرضــا
العــرب هــو عــن التطــرف الصهيــوين .ولكــن بعــد أن قضمــت إرسائيــل ً
تتجــاوز حــدود األرض املعطــاة لهــا مبقتــى قــرار التقســيم ،وبعــد أن تــم
طــرد العــرب أصبــح االعتــدال الصهيــوين هــو تجــاوز قــرار التقســيم والقبــول
باألمــر الواقــع والتمســك بحــدود 1948م وببقــاء الفلســطينيني خــارج ديارهــم.
وبعــد حــرب 1967م كان التطــرف الصهيــوين هــو التمســك بــكل أو بعــض
األرايض املحتلــة بعــد عــام 1967م وبإقامــة املســتوطنات فيهــا ،وبالتدريــج
تغــر مثــل هــذا املوقــف األخــر وأصبــح االعتــدال هــو قبــول األمــر الواقــع
وتجميــد املســتوطنات مــع االســتمرار يف تســمينها (أي توســيعها).
وينطبــق املوقــف نفســه عــى العــرب بطبيعــة الحــال ،فاملعتــدل مــن
وجهــة النظــر الصهيونيــة هــو الــذي يقبــل املوقــف الصهيــوين املعتــدل ويتغــر
بتغــره ،فالعــريب الــذي كان يقبــل اســتيطان الصهاينــة دون إنشــاء دولــة كان
يعــد (منــذ عــام 1917م وحتــى األربعينيــات) معتــدالً ولكنــه أصبــح متطرفًــا
بعــد ذلــك التاريــخ .ومــن كان يقبــل إنشــاء الدولــة اليهوديــة وقــرار التقســيم
عــام 1948م كان يعــد عرب ًيــا معتــدالً ولكــن بعــد إنشــاء الدولــة أصبــح مثــل
هــذا الشــخص متطرفًــا .وظــل األمــر كذلــك حتــى عــام 1967م ،حيــث أصبــح
22
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
االعتــدال العــريب هــو الرضــوخ لحــدود إرسائيــل بعــد عــام 1967م ،وأصبــح
تطبيــق قــرار 242أو حتــى إنقــاص املســتوطنات يف الضفــة الغربيــة هــو عــن
التطــرف العــريب.
ومــا يجــدر مالحظتــه أن الحفــاظ عــى أمــن إرسائيــل هــو دامئًــا
الحجــة التــي تســاق لتحديــد مفهومــي االعتــدال والتطــرف ،وأن مواصفــات
هــذا األمــن تحــدده الدولــة الصهيونيــة دامئًــا .ويالحــظ يف جميــع األحــوال
غيــاب مفهــوم العــدل والتــآكل التدريجــي ملفهــوم املقاومــة إىل أن أصبــح أي
شــكل مــن أشــكال «املقاومــة» شــكالً مــن أشــكال التطــرف واإلرهــاب.
بعــد تفكيــك مفهــوم «االعتــدال والتطــرف» ،يجــب أن نــر عــى أننــا
معتدلــون وأن مرجعيتنــا هــي قــرارات هيئــة األمــم املتحــدة ،مبــا يف ذلــك
تأكيــد حــق العــودة لالجئــن الفلســطينيني ،وأن املتطــرف هــو مــن يرفــض
هــذه القــرارات ويــر عــى أن يتــرف عــى هــواه وحســب مصلحتــه دون
اكــراث بالرشعيــة الدوليــة اإلنســانية .ولــذا حينــا يتحــدث الصهاينــة عــن
املتطرفــن الفلســطينيني فإنهــم يشــوهون الواقــع ،فهــؤالء «املتطرفــون» هــم
يف واقــع األمــر مقاومــون يدافعــون عــن حقوقهــم الرشعيــة ويتحركــون
يف إطــار الرشعيــة الدوليــة ،عــى عكــس الصهاينــة الذيــن يترصفــون يف
إطــار أهوائهــم ومصالحهــم دون أي اعتبــار ألي معايــر دوليــة أو إنســانية،
فالصهاينــة هــم املتطرفــون وهــم اإلرهابيــون.
-3الحوار ،والحوار النقدي ،والحوار املسلح:
الحــوار مصطلــح يعنــي حرف ًّيــا حديثًــا يجــري بــن شــخصني .وكلمــة
«حوار» تفــرض شــكالً مــن أشــكال النديــة واملســاواة .ويلجــأ الصهاينــة إىل
الدعــوة إىل الحــوار والتفــاوض وج ًهــا لوجــه و«االبتعــاد عــن عقــد التاريــخ
وحساســيات الهويــة» ،وكأن التاريــخ ليــس لــه امتــداد يف الحــارض ،وكأن
الهويــة مجــرد زخرفــة ،وليــس تبديًــا النتــاء عميــق للوطــن وللــذات .ومثــل
23
هــذه الدعــوة للحــوار دون تحديــد املنطلقــات واألطــر واملرجعيــات هــي يف
واقــع األمــر دعــوة ملحــو الذاكــرة والتخــي عــن القيــم ،ويف غيــاب النديــة
فــإن مــا يحســم الحــوار هــو الســاح ،أي أنهــا دعــوة للتطبيــع مــن الجانــب
العــريب دون أن يقــوم الجانــب الصهيــوين بإزالــة اســتيطانيته اإلحالليــة التــي
تســبب شــذوذه البنيــوي.
ولــي يكــون الحــوار مثم ـ ًرا البــد أن يبــدأ مــن التاريــخ والقيــم ومــن
الواقــع ،فالبــر ليســوا مثــل الفــران عقولهــم صفحــة بيضــاء ،فنحــن كلنــا
را ،ونحــن نحمــل عــبء الذاكــرة والتاريــخ واألخــاق وهــذا مــا يجعلنــا ب ـ ً
جمي ًعــا نعيــش يف الواقــع وندركــه مــن خــال تجربتنــا املتعينــة؛ ولــذا مــن
الــروري يف أي حــوار مــع اآلخــر الصهيــوين أن نبــدأ بتعريــف املشــكلة ال
أن ننســاها أو نتناســاها ،والبــد أن نتذكــر أن هنــاك كيانًــا اســتيطان ًّيا إحالل ًّيــا
وكتلــة برشيــة غازيــة ،وأن هنــاك «مســألة فلســطينية» متمثلــة يف شــعب فقــد
أرضــه ومل يفقــد ذاكرتــه التاريخيــة أو هويتــه املتعينــة ،ومــن ثــم هــو متمســك
بهــا يناضــل مــن أجلهــا ،ولــذا فاملســألة الفلســطينية ال تــزال قامئــة ،أي أن
الحــوار البــد أن يبــدأ باالعــراف بشــذوذ إرسائيــل البنيــوي ورشعيــة املقاومــة
وبالوجــود الفلســطيني.
والبــد أن يبــدأ الحــوار مــن تقريــر اإلطــار القيمــي وأن العــدل هــو
الــذي يجــب أن يســود وأن العنرصيــة يشء بغيــض ،ومــن ثــم البــد أن يتوجــه
الحــوار لقضيــة الظلــم الــذي حــاق بالفلســطينيني والتمييــز العنــري الــذي
يالحقهــم يف فلســطني املحتلــة قبــل وبعــد عــام 1967م.
ويجــب أن نــدرك أن الحــوار أنــواع ،فهنــاك الحــوار بــن طرفــن يتفقــان
يف املنطلقــات واألطــر املرجعيــة واملبــادئ .والهــدف مــن الحــوار يف هــذه
الحالــة هــو تحويــل هــذا التفاهــم العــام إىل إجــراءات محــددة ،وهــذا هــو
أســهل أنــواع الحــوار وميكــن أن يتــم بشــكل ســلمي.
24
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
لكــن إن كان الطرفــان غــر متفقــن يف املنطلقــات وال األطــر وال املبادئ
فيمكــن يف هــذه الحالــة إجــراء مــا يســمى «حــوا ًرا نقديًّــا» ،وهــو حــوار
ميكــن أن يتــم عــى مائــدة املفاوضــات وعــر وســائل اإلعــام حيــث يحــاول
كل طــرف أن يبــن للطــرف اآلخــر وجهــة نظــره وعدالتهــا ويبــن عنرصيــة
اآلخــر والعقالنيتــه.
أمــا إن كان هنــاك طرفــان غــر متفقــن يف املنطلقــات واآلراء واألطــر
املرجعيــة وكان أحــد الطرفــن يرفــض أي مطلقــات أخالقيــة ومرجعيــة
ويجعــل مــن نفســه مرجعيةذاتــه مكتفيًــا بذاتــه ،فــإن قيــام أي حــوار يعــد
أمــ ًرا مســتحيالً ،وتســوء األمــور إن كان الطــرف الــذي نصــب مــن نفســه
املرجعيــة النهائيــة املطلقــة مســلح برؤيــة نيتشــوية داروينيــة تنطلــق مــن املبــدأ
القائــل بــأن البقــاء لألصلــح مبعنــى األقــوى ،وأن مــا يحســم األمــور هــو القوة
العســكرية وسياســات األمــر الواقــع التــي تســتند إىل الغــزو العســكري ،وأن
مــا ال يؤخــذ بالقــوة يؤخــذ مبزيــد مــن القــوة.
ومــع هــذا ،ميكــن أن ينشــأ نــوع مــن الحــوار نســميه «الحــوار املســلح»،
وهــو حــن يقــوم الطــرف الــذي وقــع عليــه الظلــم باملقاومــة ،فمــن خــال
مقاومتــه وإلحــاق األذى باآلخــر الظــامل وإرســال رســائل مســلحة لــه .قــد
يبــدأ هــذا اآلخــر يف إدراك أن رؤيتــه للواقــع ليســت بالــرورة مطلقــة وال
نهائيــة فتنفتــح كــوة مــن الرشــد اإلنســاين يف ســحب الظلــم الكثيــف ،ويبــدأ
اآلخــر الظــامل يف إدراك الظلــم الــذي وقــع عــى ضحيتــه ومــن ثــم قــد
يعــدل موقفــه ،وهــذا يتطلــب رصــ ًدا ذكيًّــا ومســتم ًرا مــن جانــب الضحيــة
املقــاوم حتــى يــدرك أن اللحظــة قــد حانــت للدخــول يف التفــاوض مــع
اآلخــر الظــامل .ولكــن هــذا ال يعنــي التوقــف عــن املقاومــة ألنــه لــو جــرى
الحــوار دون املقاومــة املســلحة فــإن هــذا اآلخــر حبيــس حواســه الخمســة
رشا عــىورؤيتــه الداروينيــة قــد يــرى الرغبــة يف التفــاوض باعتبارهــا مــؤ ً
25
اســتعداد الضحيــة لالستســام للذبــح مــرة أخــرى .وقــد أدرك الفيتناميــون
هــذا الوضــع فدخلــوا يف حــوار مســلح مــع األمريكيــن انتهــى بالطرفــن إىل
مائــدة املفاوضــات ،ولكــن مل يتوقــف الفيتناميــون عــن القتــال إال بعــد انتهــاء
املفاوضــات ،وجــاء القــوات األمريكيــة عــن ديارهــم.
وقــد كان هنــاك حــوار مســلح حقيقــي بــن املســتوطنني الصهاينــة
والفلســطينيني أثنــاء االنتفاضــة توقــف مــع اتفاقيــة أوســلو واســتؤنف مــرة
أخــرى مــع انتفاضــة األقــى .ومــن أهــم مثــرات الحــوار املســلح أن شــارون
نفســه اســتخدم كلمــة «احتــال» لوصــف الوجــود العســكري اإلرسائيــي يف
الضفــة الغربيــة والقطــاع .أمــا يف جنــوب لبنــان فقــد ظــل الحــوار املســلح
قامئًــا إىل أن شــعر القــادة العســكريون اإلرسائيليــون أنــه ال جــدوى مــن
االســتمرار يف هــذا النــوع مــن القتــال فاقتنعــوا بوجهــة النظــر العربيــة
وانســحبوا عــى أعقابهــم خارسيــن.
ونحــن إذن مــن دعــاة الحــوار ،ولكنــه حــوار يســتمد مرجعيتــه مــرة
أخــرى مــن قــرارات هيئــة األمــم واألعــراف الدوليــة واإلنســانية .والجديــر
بالذكــر أن اإلنســان الــذي تســقط خريطتــه اإلدراكيــة يتحــول يف البدايــة إىل
فرضــا عــى الواقــع،
وحــش كارس يحــاول أن يحتفــظ بخريطتــه ويفرضهــا ً
وهــذه هــي املرحلــة الشــارونية ،ولكــن حينــا يــدرك املســتوطنون أن البطــش
مل يحقــق لهــم األمــن أو الطأمنينــة فإنهــم ســيبدأون يف البحــث عــن حلــول.
-4السالم الشامل الدائم:
ي َّدعــي الصهاينــة أنهــم مــن دعــاة الســام ،ولكــن كلمــة «الســام» كلمــة
مطاطــة للغايــة يختلــف مضمونهــا باختــاف الســياق الــذي تــرد فيــه ،فقــد
تحــدث الرومــان عــن «الباكــس رومانــا ،»Pax Romanaالــذي كان يعنــي
فــرض الهيمنــة الرومانيــة عــى العــامل .ويف القــرن التاســع عــر ،وبعــد أن
حطمــت قــوى االســتعامر الغــريب تجربــة محمــد عــي التحديثيــة ،وقعــت
26
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
معاهــدة معــه كانــت تســمى «معاهــدة تهدئــة (فــرض الســام) عــى الشــام
.»Treaty for the Pacification of the Levantوقــد اســتخدم األمريكيــون
نفــس مصطلــح « »Pacificationهــذا لإلشــارة إىل محاولــة غــزو فيتنــام،
وهــم اآلن يتحدثــون عــن «الباكــس أمريكانــا ،»Pax Americanaأي فــرض
مفهــوم الســام األمريــي عــى العــامل.
أيضــا عــن «الســام اإلرسائيــي» ،وهــو محاولــة تهدئــة وميكــن الحديــث ً
املنطقــة وفــرض املفهــوم اإلرسائيــي للســام عليهــا .وتبــدأ معزوفــة الســام
اإلرسائيليــة باملنــاداة بالبعــد عــن عقــد التاريــخ وأن تتنــاىس كل دول املنطقــة
خالفاتهــا ملواجهــة الخطــر األكــر (االتحــاد الســوفيتي – اإلســام الســيايس)،
وأن نقطــة البدايــة البــد أن تكــون األمــر الواقــع ،أي أن إرسائيــل تطبــق
إحــدى آليــات الخطــاب الصهيــوين املــراوغ وهــو فصــل النتائــج عــن األســباب
وعــن ســياقاتها التاريخــي .واملفهــوم اإلرسائيــي للســام يفــرض أن إرسائيــل
ليســت التهديــد األكــر ،مــع أن األمــر الواقــع الــذي يطلــب منــا أن نبــدأ منــه
يقــول عكــس ذلــك ،فهــو أمــر واقــع مؤســس عــى العنــف ويــؤدي إىل الظلــم
والقمــع ،وهــو ليــس ابــن اللحظــة وإمنــا هــو نتيجــة ظلــم تاريخــي ممتــد مــن
املــايض إىل الحــارض ،وهــذا الظلــم والقمــع هــو مصــدر الــراع والحــروب
واالشــتباك ،فاملســألة ليســت عقــ ًدا نفســية أو تاريخيــة وإمنــا بنيــة الظلــم
التــي تشــكلت يف الواقــع ،وال ميكــن تأســيس ســام حقيقــي إال إذا تــم فكهــا.
وبعــد تنــايس عقــد التاريــخ يطالــب الصهاينــة بوقــف املقاومــة واستســام
الفدائيــن مقابــل تســليم بعــض املــدن والقــرى ال تنســحب منهــا القــوات
الغازيــة وإمنــا يعــاد نرشهــا ،وهــذا مــا يســمونه األرض يف مقابــل الســام.
والقــوات اإلرسائيليــة ال تنســحب ألن أرض فلســطني هــي أرض الشــعب
اليهــودي والقــوات الوطنيــة ال تنســحب مــن أرض الوطــن وإمنــا يعــاد نرشهــا
وحســب ،فالعــدو يــر عــى املرجعيــة النهائيــة ملصطلحاتــه .ولــذا رغــم اتخــاذ
27
هــذه الخطــوة الرمزيــة اإلعالميــة فــإن االســتيطان سيســتمر عــى قدم وســاق
والقــدس ســتظل عاصمــة إرسائيــل األبديــة.
إن كل هــذه التصــورات للســام تنبــع مــن إدراك أن أرض فلســطني هــي
إرت��س يرسائيــل ،وأن اإلرسائيليــن لهــم حقــوق مطلقــة فيهــا أمــا الحقــوق
الفلســطينية فهــي مســألة ثانويــة ،فــاألرض يف األصــل أرض بــا شــعب.
وتتبــدى هــذه الخاصيــة بشــكل واضــح ومتبلــور يف املفهــوم اإلرسائيــي
را عــنللحكــم الــذايت .وتصــور إرسائيــل ملســتقبل املنطقــة ال يختلــف كثــ ً
ذلــك ،فاملركــز هــو إرسائيــل وهــي التــي متســك بــكل الخيــوط أمــا بقيــة
املنطقــة فهــي مســاحات وأســواق ،وإســقاط عقــد التاريــخ هنــا يعنــي إســقاط
الهويــة التاريخيــة والثقافيــة بحيــث يتحــول العــرب إىل كائنــات اقتصاديــة
تحركهــا الدوافــع االقتصاديــة التــي ليــس لهــا هويــة أو خصوصيــة ،وهنــا
تظهــر ســنغافورة كصــورة أساســية للمنطقــة وكمثــل أعــى :بلــد ليــس لــه هويــة
واضحــة وال تاريــخ واضــح ،نشــاطه األســايس هــو نشــاط اقتصــادي محــض،
وحينــا يتحــول العــامل العــريب إىل ســنغافورات مفتتــة متصارعــة تكــون
اإلســراتيجية االســتعامرية والصهيونيــة للســام قــد تحققــت دون مواجهــة
ومــن خــال «التفــاوض» املســتمر.
إن الســام الــذي تنــادي بــه إرسائيــل ليــس ســا ًما شــامالً دامئًــا وإمنــا
هــو ســام مؤقــت ألنــه مبنــي عــى الظلــم ،فهــو ال يحــاول تحقيــق العــدل
مــن خــال إعــادة صياغــة بنيــة العالقــات وإمنــا هــو مجــرد ترجمــة ملوازيــن
القــوى القامئــة يف أرض املعركــة ،ولــذا فــإن أحــد الطرفــن يقبلــه إذعانًــا
وليــس اقتنا ًعــا ويظــل يتحــن الفــرص إلعــادة تعديــل موازيــن القــوى
لصالحــه ،كــا حــدث يف أملانيــا بعــد الحــرب العامليــة األوىل بتوقيــع معاهــدة
فرســاي.
وهــذا الســام األخــر هــو ســام مبنــي عــى الحــرب ،ولــذا فهــو يف
28
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
واقعــ األم�رـ حالــة منــ الالحـ�رب والالســلم قــد يختلــف عــن وقــف إطــاق
النــار الــذي عــادة مــا يســتند إىل اتفاقيــة مؤقتــة تتيــح لألطــراف املتحاربــة
فرصــة اللتقــاط األنفــاس وإلنجــاز أمــور إنســانية أساســية ،مثــل قضــاء عيــد
أو الســاح مبــرور معــدات طبيــة أو مــرور بعــض األطفــال ،ولكنهــا ال تختلــف
را عــن الهدنــة التــي تســتند إىل اتفاقيــة ال ترقــى إىل مســتوى حالــة كثــ ً
الســام ،فهــي فــرة يــرى فيهــا الطرفــان (أو أحدهــا) أن باإلمــكان اإلبقــاء
عــى حالــة الحــرب إىل أن تســنح فرصــة لتحقيــق انتصــار عســكري ،والســام
الشــامل الدائــم يف الــرق األوســط البــد أن يتوجــه لــكل مــن املســألة
اإلرسائيليــة واملســألة الفلســطينية ويجــد حلــوالً لهــا.
ونحــن نذهــب إىل أن الحــل العــادل الشــامل للمســألتني اإلرسائيليــة
والفلســطينية غــر ممكــن داخــل اإلطــار الصهيــوين العنــري ،االســتيطاين
اإلحــايل ،فهــو إطــار يولــد الــراع بطبيعتــه ألنــه ينكــر حقــوق الفلســطينيني
الذيــن طــردوا مــن بالدهــم ويؤكــد حــق يهــود العــامل يف األرض الفلســطينية،
والحــل الوحيــد املمكــن يقــع خــارج هــذا اإلطــار حــن يقــوم أعضــاء التجمــع
االســتيطاين الصهيــوين بنــزع الصبغــة الصهيونيــة االســتيطانية/اإلحاللية
عــن الدولــة الصهيونيــة .وحــل املســألة اإلرسائيليــة ميكــن أن يأخــذ شــكلني
متناقضــن ،ففــي حالــة ماملــك الفرنجــة (املاملــك الصليبيــة يف املصطلــح
الغــريب) يف فلســطني وحولهــا تــم تصفيــة هــذه املاملــك بالقــوة العســكرية
ورحــل أهلهــا إىل بالدهــم بعــد أن مكثــوا حــوايل قرنــن مــن الزمــان.
أيضــا الحــل الســلمي ،ففــي الجزائــر بعد ثــورة املليون شــهيد
ولكــن هنــاك ً
ظهــرت حكومــة قوميــة مــن ســكان البلــد األصليــن وأعطــت املســتوطنني
الفرنســيني حــق البقــاء واملواطنــة واإلســهام يف بنــاء الوطــن الجديــد ،ولكنهم
آثــروا العــودة إىل بلدهــم األصــي أي فرنســا ،وهنــاك كذلــك الحــل الــذي
تطرحــه جنــوب أفريقيــا إذ تــم تصفيــة الجيــب االســتيطاين العنــري دون
29
تصفيــة جســدية للعنــارص البيضــاء ذات األصــول الغربيــة التــي كانــت تهيمــن
عــى النظــام القديــم وتحافــظ عــى بنيــة االســتغالل العنرصيــة وتســتفيد
منهــا ،ثــم عــرض عــى أعضــاء هــذه الكتلــة البرشيــة البيضــاء أن يندمجــوا
يف النظــام العــادل الجديــد املبنــي عــى املســاواة بــن األجنــاس ،وأن يتعاونوا
معــه حتــى ميكــن االســتفادة منهــم ومــن خرباتهــم ،وهــذا مــا فعلــه معظمهــم.
وليــس هنــاك مــا مينــع مــن تطبيــق منــوذج جنــوب أفريقيــا يف االنتقــال
الســلمي مــن حالــة الحــرب والظلــم إىل حالــة الســلم والعــدل يف فلســطني
املحتلــة ،فهــو حــل ال يســتبعد أحــ ًدا ويعطــي كل ذي حــق حقــه ،وقــرارات
هيئــة األمــم املتحــدة املختلفــة (الخاصــة بحــق الفلســطينيني يف العــودة إىل
وطنهــم ،ورفــض ضــم األرايض بالقــوة) تصلــح كإطــار دويل قانــوين أخالقــي
لحــل املشــكلة ،وهــو إطــار تقبــل بــه الجامعــة الدوليــة واملعايــر األخالقيــة
واإلنســانية .إن تحقيــق الســام يف فلســطني ليــس مســألة مســتحيلة ،ولكنــه ال
ميكــن أن يتــم داخــل اإلطــار العنــري الصهيــوين.
وإذا كانــت الجامعــة الدوليــة تريــد ح ًّقــا الســام فعليهــا أن تطلــب مــن
الدولــة الصهيونيــة اتخــاذ خطــوات محــددة مثــل قبــول قــرارات هيئــة األمــم
النحــدة مبــا يف ذلــك حــق العــودة للفلســطينيني ومثــل إلغــاء قانــون العــودة
الصهيــوين وكل املؤسســات الصهيونيــة األخــرى مثــل الصنــدوق القومــي
اليهــودي ،واالنســحاب مــن الضفــة الغربيــة وغــزة ،وبعــد ذلــك ميكــن
ألطــراف الــراع أن تجتمــع ملناقشــة املشــاكل اإلجرائيــة الناجمــة عــن الوضــع
الجديــد .ولكــن املفاوضــات هنــا لــن تكــون بخصــوص املنطلقــات والحقــوق
غــر القابلــة للتنــازل ،وإمنــا ســتكون بخصــوص اإلجــراءات وحســب.
-5نزع الصبغة الصهيونية عن الدولة الصهيونية:
هــذا املصطلــح ليــس جــز ًءا مــن الخطــاب الصهيــوين ،فالصهاينــة
يتهمــون العــرب دامئًــا بأنهــم يخططــون الرتــكاب هولوكســت (محرقــة) ضــد
30
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
اإلرسائيليــن وتحطيــم دولــة إرسائيــل ،مــع أن مــا يطلبــه العــرب هــو إقامــة
العــدل وتنفيــذ قــرارات األمــم املتحــدة ،وهــو أمــر ال ميكــن إنجــازه إال مــن
خــال «نــزع الصبغــة الصهيونيــة عــن الدولــة الصهيونيــة» (باإلنجليزيــة :دي
زايونيـ�از .)dezionizeوينطلــق هــذا املصطلــح مــن إدراك أن الــراع القائــم
يف الــرق األوســط اآلن ليــس نتــاج كــره عميــق وأزيل بــن العــرب واليهــود
أو بــن اليهــود واألغيــار ،وأنــه ليــس نتيجــة العقــد التاريخيــة والنفســية (كــا
ي َّدعــي الصهاينــة) ،وإمنــا هــو وضــع بنيــوي يولــد الــراع ونشــأ عــن تطــور
تاريخــي وســيايس وبــري محــدد ،ومــادام هــذا الوضــع قامئًــا فســيظل
الــراع قامئًــا ،وأنــه ال ســبيل إلنهــاء الــراع إال مــن خــال فــك بنيــة
الــراع ذاتهــا.
وال ميكــن توقــع أي ســام يف إطــار بنيــة القمــع والظلــم والعــدوان هــذه،
أي يف إطــار الدولــة الوظيفيــة الصهيونيــة االســتيطانية ،بينــا ميكــن أن
نتحــرك نحــو قــدر معقــول مــن الســام مــن خــال نــزع الصبغــة الصهيونيــة
االســتيطانية عنهــا ،ونــزع الصبغــة ســيؤدي بــا شــك إىل فــك الجيــب
االســتيطاين الصهيــوين .ومثــل هــذا األمــر ليــس مخي ًفــا أو فري ـ ًدا ،فجميــع
الجيــوب االســتيطانية األخــرى بــا اســتثناء قــد تــم فكهــا وانتهــت الظاهــرة
االســتيطانية البغيضــة إمــا برحيــل املســتوطنني الغــزاة الوافدين أو اســتيعابهم
(هــم وأبنائهــم) يف الســكان مــن أصحــاب األرض األصليــن.
ونــزع الصبغــة الصهيونيــة الــذي نقرتحــه ال يعنــي إبــادة اإلرسائيليــن أو
هــدم دولتهــم أو القضــاء عــى هويتهــم اإلرسائيليــة أةو اليهوديــة (كــا يحلــو
للبعــض أن يصــور األمــر) ،وإمنــا يعنــي خلــق اإلطــار القانــوين والســيايس
واألخالقــي الــذي يزيــل أســباب التوتــر والصــدام .وعــودة الفلســطينيني هــي
جــزء ال يتجــزأ مــن عمليــة نــزع الصبغــة الصهيونيــة عــن الدولــة الصهيونيــة
االســتيطانية ،وحــق العــودة هــو حــق أســايس مــن حقــوق اإلنســان .ويف
31
امليثــاق العاملــي لتلــك الحقــوق مــادة تنــص عــى حــق كل مواطــن يف العيــش
يف بــاده أو تركهــا أو العــودة إليهــا ،وهــو مرتبــط بحــق امللكيــة واالنتفــاع بهــا
والعيــش يف األرض اململوكــة ،وحــق امللكيــة ال يــزول باالحتــال ،وهــو مرتبــط
أيضــا بحــق تقريــر املصــر الــذي اعرتفــت بــه األمــم املتحــدة كمبــدأ منــذ ً
عــام 1946م.
لقــد اعتــر الســاح بعــودة الالجئــن أحــد الــروط التــي وضعــت لقبــول
إرسائيــل عض ـ ًوا باألمــم املتحــدة عــام 1948م ،ومثــة قــرار رصيــح وشــهري
أصدرتــه الجمعيــة العامــة تحــت رقــم 194لســنة 1948م ،قــررت فيــه أن
الالجئــن الراغبــن يف العــودة إىل أوطانهــم والعيــش بســام مــع جريانهــم
يجــب أن يســمح لهــم بذلــك يف أول فرصــة عمليــة ممكنــة ،وأنــه يجــب
التعويــض عــن ممتلــكات الذيــن ال يرغبــون يف العــودة ودفــع تعويــض عــن
الخســائر واألرضار التــي أصابــت املمتلــكات إلصالحهــا وإرجاعهــا مــن قبــل
الحكومــات والســلطات املســئولة بنــا ًء عــى القانــون الــدويل والعدالــة .إن
مقولــة نســيان املــايض والتطلــع إىل املســتقبل تــزدري العقــل اإلنســاين وتهينــه
ألننــا ال نعــرف إنســانًا ميكــن أن ينــى وطنــه ملجــرد أن هنــاك مــن يدعــوه
خصوصــا إذا صــدرت
ً إىل شــطبه مــن ذاكرتــه ،ويبلــغ ذلــك االزدراء ذروتــه
الدعــوة مــن الطــرف اإلرسائيــي الــذي يســتمد كل رشعيتــه مــن املــايض
ويعتــر قادتــه أن التــوراة كتــاب لتســجيل املــدن ورســم الخرائــط عــى حــد
تعبــر إســحق رابــن.
وعــاد ًة مــا يقــول الصهاينــة إن عــودة الفلســطينيني تعنــي أن الدولــة
الصهيونيــة ســتفقد طابعهــا اليهــودي ،وهــم محقــون يف ذلــك متا ًمــا .ولكــن
الــرد عــى ذلــك أن الدولــة التــي تُبنــى هويتهــا عــى التمييــز العنــري ال
تســتحق البقــاء ،فالدولــة اليهوديــة هــي دولــة حرصيــة اســتبعادية تســقط
الحــق املتعــن لإلنســان الفلســطيني للعــودة إىل أرضــه ومنزلــه اللذيــن تركهام
32
ثقافة المقاومة في تحيزات المصطلح الصهيوني
منــذ عــدة ســنوات تحــت الضغــط والتهديــد وبالقــوة .وهــي تسقـــط هــذا
الحــق ولكنـــها تتحــدث يف الوقــت ذاتــه عــن الحــق املجــرد لليهــودي للعــودة
بعــد أن تــرك فلســطني منــذ آالف الســنني.
وهــي تســقط حــق العــودة بالنســبة للفلســطينيني الذيــن يقرعــون بوابــات
وطنهــم يــودون العــودة إليــه ،وتؤكــده بالنســبة ليهــود العــامل الذيــن يرفضــون
العــودة ،حتــى أنــه تــم الســاح ملئــات األرس مــن اليهــود الســوفييت املشــكوك
يف يهوديتهــم ويهــود الفالشــاه الذيــن ال تربطهــم رابطــة دينيــة باليهوديــة
الحاخاميــة باالســتيطان يف فلســطني املحتلــة .بــل إن بعــض الحاخامــات
اليهــود األرثوذكــس ،ســعوا إىل زيــادة عــدد املســتوطنني يف الضفــة الغربيــة،
قامــوا بتهويــد بعــض الهنــود الحمــر يف بــرو ،وبالتــايل أصبــح لهــم حــق
العــودة إىل أرض أجدادهــم ثــم قامــوا بتوطينهــم هنــاك.
والله أعلم
33