المحاضرة الرابعة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫‪ -‬مدخل للعلوم القانونية ‪ -‬جامعة سطيف ‪1‬‬ ‫د ‪ /‬فرجان الطيب‬

‫المحاضرة الرابعة ‪:‬‬


‫المحور الرابع ‪ :‬تطبيق القانون‬
‫المبحث األول ‪ :‬تطبيق القانون من حيث األشخاص‬
‫أوال‪ :‬مبدأ عدم الجواز االعتذار بجهل القانون‬
‫إن هذا المبدأ يتصل بنفاذ القانون وبعمومية القاعدة القانونية ويثار السؤال هل القانون من يوم‬
‫نشره في الجريدة الرسمية يكون نافذا في مواجهة الجميع أو يجوز للبعض االعتذار بجهله‪،‬‬
‫وبالتالي يطبق القانون على البعض فقط؟‬
‫وهل يختلف مضمون هذا المبدأ باختالف نوع القاعدة القانونية‪ ،‬وعليه يجوز االعتذار يجهل‬
‫القواعد المكملة بينما ال يجوز ذلك بالنسبة للقواعد اآلمرة‪.‬‬
‫والبد أيضا من تقدير مدى صحة وقيمة االستثناءات التي يوردها البعض الستبعاد تطبيق‬
‫مبدأ االعتذار بجهل القانون‪.‬‬
‫يعتبر القانون نافذا في حق األشخاص بعد نشره في الجريدة الرسمية‪ ،‬فبعد إصدار القانون‬
‫ونظرا الستحالة إحاطة جميع الناس الذين يعيشون في دولة معينة علما بصدوره‪ ،‬إفترض علم‬
‫جميع الناس بالتشريع منذ نشره في الجريدة الرسمية‪ ،‬فال يجوز بعد هذا ألي شخص االحتجاج‬
‫بعدم علمه بالقانون بسبب مرضه‪ ،‬أو غيابه مثال‪ ،‬فمبدأ عدم جواز االعتذار بجهل القانون يقوم‬
‫على قرينة مفادها إفتراض علم األشخاص به من يوم نشره‪ ،‬وقد أثير نقاش في الفقه حول ما إذا‬
‫كان إ فتراض العلم بالقانون يقوم على قرينة قانونية تجعل من أمر محتمل الوجود أمر ثابتا أو هي‬
‫مجرد حيلة قانونية تجعل من أمر غير صحيح صحيحا ذلك إلستحالة علم جميع األشخاص‬
‫بالقوانين نظرا لكثرتها وتعددها اليوم‪ ،‬فيستحيل على الشخص العلم بها حتى لو تم نشرها‪.‬‬
‫فيعتبر هذا المبدأ مجرد حيلة إللزام الناس بالقانون‪ ،‬ويذهب البعض اآلخر إلى أنها قرينة‬
‫قانونية طالما يوجد إحتمال في أن يعلم بعض األشخاص بالقاعدة فال يشترط علم جميع الناس بها‪،‬‬
‫فالقرائن القانونية تقوم على اإلحتمال ال على اليقين‪ ،‬وهذا اإلحتمال يتحقق فعال بنشر التشريع في‬
‫الجريدة الرسمية‪ ،‬إذ من المحتمل إطالع الكافة عليه‪.‬‬
‫وعندما يصبح هذا اإل حتمال مستحيال‪ ،‬كحدوث قوة تمنع من توزيع الجريدة الرسمية في‬
‫منطقة معينة فيستحيل هنا تطبيق القاعدة‪ ،‬حيث تنص المادة ‪ 4‬القانون المدني الجزائري على ما‬
‫يلي‪" :‬تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية إبتداء من يوم نشرها في‬
‫الجريدة الرسمية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مدخل للعلوم القانونية ‪ -‬جامعة سطيف ‪1‬‬ ‫د ‪ /‬فرجان الطيب‬

‫وتكون نافذة المفعول بالجزائر العاصمة بعد مضي يوم كامل من تاريخ نشرها وفي النواحي‬
‫األخرى في نطاق كل دائرة بعد مضي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر‬
‫الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة الموضوع على الجريدة"‪.‬‬
‫تبريرات المبدأ‬
‫هناك من يبرر المبدأ على أنه بتحديد تاريخ واضح يصبح القانون نافذا في مواجهة الجميع‬
‫تتحقق المساواة بين الناس‪ ،‬فال يستطيع الشخص مهما كان نفوذه إستبعاد تطبيق القانون‪ ،‬لكن يرى‬
‫البعض أن فكرة المساواة ال تتحقق بتطبيق مبدأ عدم جواز االعتذار بالجهل للقانون ‪،‬ذلك ألنه إذا‬
‫كا ن الجهل من رجل متخصص فال جزاء عليه‪ ،‬مثال ذلك جهل القضاة للقانون أحيانا‪ ،‬والدليل على‬
‫ذلك أنه كثيرا ما تقر المحكمة العليا سوء تطبيق القانون من طرف المحاكم الدنيا‪ ،‬وال يمكن تبرير‬
‫ذلك على إعتبار الطعن بالنقض جزاء على مخالفة القضاة للقانون ألنه قد ييأس األشخاص وال‬
‫يطعنون بالنقض فيصبح الحكم الصادر عن جهل القاضي للقانون نهائيا و بالتالي ال يوجد جزاء‬
‫حقيقي لسوء تطبيق القاضي للقانون‪.‬‬
‫لكن يظل المبدأ أساسيا‪ ،‬تبرره الضرورة االجتماعية فما الفائدة من وضع قوانين إذ أمكن‬
‫لألشخاص إستبعادها‪ ،‬فالمبدأ مرتبط بالفائدة واألهمية من وجود القانون ذاته‪ ،‬فإستقرار المجتمع‬
‫يفرض وضع تاريخ معين يعتبر فيه القانون ساري المفعول‪ ،‬إذ من المستحيل حمل القانون إلى علم‬
‫األفراد واحدا واحد ‪،‬كما أن تطبيق القانون يتعطل لو تركنا المجال لكل شخص إلثبات جهله به ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬نطاق تطبيق هذا المبدأ‪ :‬يسري هذا المبدأ في نطاقي القانون العام والخاص‪ ،‬ويسري‬
‫كذلك على جميع القوانين أيا كان مصدرها‪ ،‬سواء التشريع أو العرف أو الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فال‬
‫يستطيع الشخص االعتذار بجهله بقواعد الشريعة اإلسالمية إلستبعاد تطبيقها عليه‪ ،‬وكذلك القواعد‬
‫العرفية متى إستقرت وصارت ملزمة‪ ،‬فال يمكن إستبعاد تطبيقها إال باالتفاق المسبق بين‬
‫المتعاقدين على عدم تطبيقها‪ ،‬إال أنه ال يمكن الدفع بالجهل بها عند تطبيق القاضي لها في حالة عدم‬
‫االتفاق على إستبعادها‪.‬‬
‫ويطبق المبدأ بالنسبة للقواعد القانونية اآلمرة والمكملة‪ ،‬وهناك من يرى جواز االحتجاج‬
‫بالجهل بالقواعد المكملة وهذا الرأي مؤيد للرأي القائل بعدم إلزامية القواعد المكملة‪ ،‬ولكن هذا‬
‫القول يؤدي إلى فقد القاعدة المكملة أهميتها‪ ،‬إذ ما الفائدة من وجود قواعد مكملة إذا أمكن لألفراد‬
‫استبعادها في أي وقت‪ ،‬سواء قبل اإلتفاق أو بعده‪ ،‬والحقيقة أن القاعدة المكملة يجوز للمتعاقدين‬
‫االتفاق على خالفها وقت التعاقد ولكن ال يجوز لهم استبعادها بعد التعاقد‪.‬‬
‫فإذا قام نزاع بين المتعاقدين ولم يكنا قد اتفقا على مسألة ترك لهم المشرع الخيار في االتفاق‬
‫بصددها‪ ،‬كمکان أو زمان تسليم البضاعة‪ ،‬فتكون المفاضلة للشخص الذي يتمسك بتطبيق القاعدة‬
‫المكملة من غيره وإال فما الداعي إلى وجود هذه القاعدة أصال‪ ،‬ففي حالة عدم إتفاق المتعاقدان‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مدخل للعلوم القانونية ‪ -‬جامعة سطيف ‪1‬‬ ‫د ‪ /‬فرجان الطيب‬

‫على ما هو مخالف للقاعدة المكملة تطبق هذه القاعدة إلزاميا وال يجوز ألحدهما بعد ذلك االدعاء‬
‫بجهله لها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬اإلستثناءات من المبدأ ‪:‬‬
‫أ‪ -‬الغلط في القانون‪ :‬لقد نص المشرع في المادة ‪ 83‬من القانون المدني الجزائري على أنه‬
‫يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط في القانون أن يطالب بإبطال العقد من كان هذا الغلط هو الدافع‬
‫الرئيسي إلى التعاقد‪.‬‬
‫فالعيب في اإلرادة يتحقق سواء كان الغلط في واقعة من الوقائع كمن يشتري تحفة ظنا أن لها‬
‫قيمة أثرية ثم إتضح له خالف ذلك‪ ،‬وقد يكون الغلط في القانون أي غلط ينصب على جهل المتعاقد‬
‫لحكم القانون في مسألة معينة‪ ،‬فيتعاقد وفقا لذلك كأن يبيع الزوج نصيبه في اإلرث ظنا أنه يرث‬
‫الربع ثم إتضح له أن نصيبه النصف لعدم وجود فرع وارث للزوجة‪ ،‬فالمتعاقد تعاقد نتيجة غلط‬
‫في القانون ويكون له الحق في طلب إبطال العقد‪.‬‬
‫ب‪ -‬دفع المسؤولية الجنائية بسبب الجهل بقوانين غير جنائية ‪:‬إن الجهل بالقانون الجنائي‬
‫ال يؤدي إلى إنتفاء المسؤولية الجنائية عن الشخص فإذا صدر قانون جنائي يجرم فعال كان مباحا‬
‫معاقبا عليه‪ ،‬فال يستطيع الشخص في نفي المسؤولية عن نفسه القول بأنه كان جاهال للقانون الذي‬
‫أصبح يعاقب على الفعل الذي قام به‪.‬‬
‫لكن هل يجوز للشخص دفع المسؤولية الجنائية عنه ألنه كن جاهال بالقاعدة المدنية التي‬
‫تتضمن أن من عثر على كنز في أرض الغير يملك نصف الكنز ومالك األرض يملك النصف‬
‫اآلخر‪ ،‬وأن من إستولى عليه كله يعتبر قد إختلس؟‬
‫يبرر القضاء الفرنسي ذلك بأن الشخص لم يختلس الكنز كله معتمدا على جهله بالقانون‬
‫المدني أدى إلى إنتفاء القصد الجنائي لديه‪ ،‬وبالتالي إنتفاء المسؤولية الجنائية عنه‪.‬‬
‫وهناك من إعتبر ذلك إ ستثناء من مبدأ عدم جواز االعتذار بالجهل بالقانون إذ أن الذي أوصل‬
‫المتهم إلى نفي القصد الجنائي عنه هو تمسكه بالجهل بالقانون المدني ولو كان مبدأ عدم جواز‬
‫االعتذار بالجهل بالقانون مطلقا لما أمكن للمتهم تمسكه بالجهل بالقانون ولكن يرى غالبية الفقهاء‬
‫أن ذلك ال يعتبر إستثناء من المبدأ ألن القصد الجنائي ركن من أركان الجريمة وبانتفاء هذا الركن‬
‫عند المتهم ترفع المسؤولية عنه‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬تطبيق القانون من حيث المكان‬
‫أوال‪ -‬مبدأ إقليمية القوانين ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬مدخل للعلوم القانونية ‪ -‬جامعة سطيف ‪1‬‬ ‫د ‪ /‬فرجان الطيب‬

‫يقصد بهذا المبدأ سريان القاعدة القانونية على كل ما يقع داخل إقليم الدولة وعلى كل‬
‫األشخاص الموجودين فيه‪ ،‬فيخضع لحكم هذه القاعدة كل من المواطن واألجنبي ‪،‬ويقابل هذا‬
‫المعنى عدم سريان هذه القاعدة القانونية في خارج حدود الدولة‪.‬‬
‫ونظرا لتعلقه بسيادة الدولة على إقليمها فيتسع بحاله في إطار القانون العام ألن قواعده تتعلق‬
‫بأمن الدولة وسيادتها‪ ،‬لذا يسري هذا المبدأ في مجال القانون الدستوري والمالي واإلداري وقوانين‬
‫المرور واألمن‪.‬‬
‫كما يسري في مجال القانون الجنائي إذ تقضي المادة ‪ 1/3‬عقوبات‪ " :‬يطبق قانون العقوبات‬
‫على كافة الجرائم التي ترتكب على أراضي الجمهورية"‪.‬‬
‫كما تخضع المسائل المتعلقة بالحيازة والملكية والحقوق العينية األخرى لقانون موقع العقار‪،‬‬
‫ويخضع شكل العقود لقانون البلد الذي تمت فيه‪.‬‬
‫ويالحظ أيضا أنه يطبق مبدأ إقليمية القوانين في كل الحاالت التي يؤدي فيها تطبيق مبدأ‬
‫شخصية القوانين إلى تطبيق قانون أجنبي متى كانت أحكام هذا القانون األخير مخالف للنظام العام‬
‫واآلداب العامة في الجزائر وهذا ما تضمنته المادة ‪ 24‬من القانون المدني‪ ،‬وترد على هذا المبدأ‬
‫إستثناءات منها‪:‬‬
‫‪ -1‬جرى العرف الدولي على إعفاء رؤساء الدول األجنبية والممثلين الدبلوماسيين وزوجاتهم‬
‫وأفراد أسرهم المقيمين معهم كما يعفي مندوبو الدول في الهيئات الدولية من الخضوع للقانون‬
‫الوطن‪.‬‬
‫‪ -2‬يجوز أن يكلف أجنبي بالحضور أمام المحاكم الجزائرية لتنفيذ االلتزامات التي تعاقد‬
‫عليها في بلد أجنبي مع جزائريين وهذا ما تضمنته المادة ‪ 2/10‬من قانون اإلجراءات المدنية‪.‬‬
‫‪ -3‬إن بعض الحقوق المنصوص عليها في الدستور خاصة بالوطنيين فقط كحق االنتخاب‬
‫والتعليم والترشيح والحق النقابي‪ ،‬وبعض االلتزامات أيضا كالتزام بدفع الضرائب‪ ،‬وبأداء الخدمة‬
‫الوطنية ‪ ...‬إلخ ‪،‬فهذه المسائل تتعلق بسيادة الدولة لهذا وتخص الوطنيين دون األجانب الموجودين‬
‫في الدولة‪ ،‬فال يطبق مبدأ إقليمية القوانين في هذا الصدد‪.‬‬
‫‪ -4‬نجد في المجال الجنائي أن المشرع الجزائري في المادة ‪ 3‬من قانون العقوبات قد نص‬
‫على إمكانية المعاقبة على الجرائم التي تقع خارج الجزائر و كانت تدخل ضمن إختصاص المحاكم‬
‫الجزائرية ‪ ،‬و هو ما أكدته المادتيين ‪ 582‬و ‪ 583‬من قانون األجراءات الجزائية ‪ ،‬حيث وضعت‬
‫شروطا إذا تحققت إنعقد اإلختصاص للقضاء الجزائري و أمكنه متابعة مرتكب الجريمة على‬
‫الرغم من وقوعها خارج الجزائر ‪ ،‬و تتمثل هذه الشروط فيما يلي ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬مدخل للعلوم القانونية ‪ -‬جامعة سطيف ‪1‬‬ ‫د ‪ /‬فرجان الطيب‬

‫يجب أن تكون الواقعة المرتكبة تشكل جناية أو جنحة بالنظر إلى قانون الدولة التي‬ ‫‪‬‬
‫أرتكبت بها‬
‫أن يكون الفاعل حامال للجنسية الجزائرية‬ ‫‪‬‬
‫أن تكون الجريمة المرتكبة تشكل جناية أو جنحة بحسب قانون العقوبات الجزائري‬ ‫‪‬‬
‫عودة المتهم إلى الجزائر قبل إنقضاء الدعوى العمومية بالتقادم‬ ‫‪‬‬
‫أن ال يكون المتهم قد خضع لحكم في الخارج ‪ ،‬ألنه ال يجوز معاقبة الشخص على فعل‬ ‫‪‬‬
‫واحد مرتين‬
‫بخصوص الجنح يجب تقديم شكوى من الشخص المتضرر أو الجهات الرسمية للدولة‬ ‫‪‬‬
‫التي يحمل جنسيتها ‪ ،‬أما الجنايات فيمكن للنيابة العامة بإعتبارها ممثل الحق العام تحريك‬
‫الدعوى متى وصل إلى علمها ذلك و تحققت الشروط السابقة ‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬مبدأ شخصية القوانين ‪:‬‬
‫إن إ حتفاظ الدولة بسلطتها على رعاياها الموجودين في الخارج يفرض تطبيق مبدأ شخصية‬
‫القوانين‪ ،‬فتمتد القاعدة القانونية إلى الخارج لتسري على رعايا الدولة‪.‬‬
‫كما أن األخذ بمبدأ شخصية القوانين يقتضي عدم تطبيق القانون الوطني في مسائل معينة‬
‫على األجانب المقيمين داخل الدولة‪ ،‬فيخضع األشخاص أينما وجدوا لقانونهم الوطني في مسائل‬
‫الحالة المدنية وأهليتهم العامة والزواج والنفقة واألحكام الخاصة بالوالية‪ ،‬والوصاية‪ ،‬والميراث‬
‫والوصية‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المواد من ‪ 10‬إلى ‪ 16‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬
‫والحقيقة هي أن حق الدولة في السيادة على األشخاص الذين يحملون جنسيتها حق يفتقر إلى‬
‫الفاعلية كلما إصطدم بحق دولة أخرى في السيادة على إقليمها‪ ،‬ولكن جرى تسامح الدول بعضها‬
‫البعض عن مبدأ إقليمية القوانين ذلك ألن هناك مسائل مثل مسائل األحوال الشخصية ال يمكن‬
‫تطبيقها على األجانب ألنها شديدة الصلة بتقاليد معينة وبالدين‪ ،‬وثقافات معينة تالئم عادات وأخالق‬
‫كل مجتمع على حدى‪ ،‬فيجري تطبيق قانونهم الشخصي بصددها‪ ،‬غير أنه ال يجوز تطبيق القانون‬
‫األجنبي على األجانب المقيمين في الدولة إذا كان مخالفا للنظام العام أو اآلداب العامة وهذا ما‬
‫تضمنته المادة ‪ 24‬القانون المدني الجزائري‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬مبدأ إمتداد القوانين أو التطبيق العيني للقانون ‪:‬‬
‫يقضي هذا المبدأ بسريان القانون الوطني على األشخاص أو األفعال خارج إقليم الدولة سواء‬
‫كأن مرتكبوها وطنيين أو أجانب‪ ،‬وذلك بالنظر إلى نوع الجريمة‪ ،‬لهذا يسمى هذا المبدأ بالتطبيق‬
‫العيني للقانون‪ ،‬إال أنه ال يأخذ بعين اإلعتبار جنسية األشخاص مرتكبي الجريمة بل يأخذ فقط بعين‬
‫االعتبار نوعا معينا من الجرائم‪ ،‬فإذا كانت الجرائم تخل بأمن الدولة وإقتصادها‪ ،‬کجرائم التزوير‬
‫في النقود واألوراق الرسمية فيطبق القانون الوطني بصددها ‪ ،‬ويعد هذا المبدأ إستثناء من مبدأ‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬مدخل للعلوم القانونية ‪ -‬جامعة سطيف ‪1‬‬ ‫د ‪ /‬فرجان الطيب‬

‫إقليمية القوانين ألن الجريمة ترتكب في الخارج ولكن يطبق عليها قانون البلد المتضرر أو الذي‬
‫كان من الممكن أن يتضرر منها‪ ،‬ويعد أيضا إستثناء من مبدأ شخصية القوانين إذ يطبق قانون‬
‫الدولة المتضررة على المجرم سواء كان أجنبيا أو وطنيا ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪:‬تطبيق القانون من حيث الزمان‬
‫أوال‪ -‬تطبيق القانون بأثر فوري ‪:‬‬
‫إ ن األصل في تطبيق القوانين هو أن القانون يكون دائما واجب التطبيق من اليوم التالي‬
‫لنشره بالجريدة الرسمية‪.‬‬
‫والمألوف في كل مكان وزمان أن قواعد التشريع ال تستقر على حال واحد‪ ،‬بل تلحقها يد‬
‫التغيير بإإللغاء أو اإلضافة‪ ،‬فكلما إستجدت ظروف سياسية أو إجتماعية أو إقتصادية وغيرها‪،‬‬
‫إ قتضى األمر أن يتدخل المشرع لتعديل القانون القديم أو القاعدة القديمة وإستبدالها بقواعد جديدة‬
‫تالئم الوضع الجديد‪ ،‬وبالتالي فإن تعاقب القوانين بشأن الموضوع الواحد يثير مشكلة تنازعها من‬
‫حيث الزمان ‪،‬ألن االختالف بين القاعدة القديمة والجديدة قد يكون جزئيا أو كليا‪.‬‬
‫لذلك نرى الكالم أوال عن إلغاء القاعدة القانونية‪ ،‬ثم البحث بعد ذلك في تنازع القوانين من‬
‫حيث الزمان‪.‬‬
‫أ‪ -‬مفهوم إلغاء القاعدة القانونية ‪ :‬يقصد بإلغاء القاعدة القانونية وقف العمل بها وتجريدها‬
‫من قوتها الملزمة‪ ،‬فقد تعمد السلطة المختصة لسبب من األسباب إلى استبدال قاعدة قانونية بقاعدة‬
‫أخرى‪ ،‬وقد تلجأ إلى االستغناء عنها كلية دون أن تضع بدال عنها قاعدة ثانية‪ ،‬والقاعدة القانونية ‪-‬‬
‫كما هو معروف ‪ -‬تنفذ من وقت نشرها في الجريدة الرسمية‪ ،‬ولهذا تقرر المادة الرابعة من القانون‬
‫المدني الجزائري بقولها ‪ ((:‬تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬
‫إبتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية)) ‪،‬وتضل نافذة إلى أن يحصل إلغاؤها قانونيا‪ ،‬ويترتب‬
‫على ذلك‪ ،‬إما إحالل قاعدة جديدة محلها وإما يستبدلها بغيرها‪ ،‬فيزول عنها وصف القاعدة القانونية‬
‫من تاريخ وقوع اإللغاء‪.‬‬
‫واإللغاء ال يرد فقط على القواعد التشريعية‪ ،‬وإنما يرد كذلك على جميع أنواع القواعد‬
‫القانونية أيا كأن مصدرها‪.‬‬
‫ب‪ -‬السلطة التي تملك إلغاء القاعدة القانونية ‪:‬‬
‫األصل أن السلطة التي تملك إلغاء القاعدة القانونية هي السلطة التي تملك إنشائها أو سلطة‬
‫أعلى منها وعليه يتم اإللغاء عن طريق قاعدة قانونية مساوية في الدرجة للقاعدة الملغاة أو أعلى‬
‫منها طبقا لمبدأ تدرج القانون‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ -‬مدخل للعلوم القانونية ‪ -‬جامعة سطيف ‪1‬‬ ‫د ‪ /‬فرجان الطيب‬

‫وعلى ذلك ال يمكن إلغاء قاعدة تشريعية إال بقاعدة تشريعية تساويها في القوة أو أعلى منها‬
‫درجة‪ ،‬وهذا ما تقرره المادة الثانية من القانون المدني بقولها ‪ ((:‬وال يجوز إلغاء القانون إال بقانون‬
‫الحق‪ ،)...‬وكما هو معروف أن التشريع على ثالثة أنواع‪ ،‬التشريع األساسي (الدستور) والتشريع‬
‫العادي‪ ،‬والتشريع الفرعي‪ ،‬وبأن هذه األنواع من التشريعات تتفاوت من حيث قوتها ودرجتها‪،‬‬
‫وبالتالي فإن التشريع األساسي ال يلغي إال بتشريع أساسي مثله‪ ،‬أما التشريع العادي فيجوز إلغاؤه‬
‫بتشريع عادي أو بالتشريع األساسي‪ ،‬أما التشريع الفرعي فيجوز إلغاؤه بتشريع فرعي أو عادي أو‬
‫أساسي ‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلى مبادئ الشريعة اإلسالمية التي تعتبر المصدر الرسمي االحتياطي األول لهذا‬
‫القانون‪ ،‬لكل من مسائل األحوال الشخصية والعينية‪ ،‬فإنه إذا كانت القاعدة الدينية المطبقة نظرا‬
‫لخلو تقنين األسرة أو التقنين المدني من نص يحكم المسألة المعروضة ثم تدخل المشرع وإستبدل‬
‫قاعدة تشريعية ‪ -‬يترتب على ذلك إلغاء القاعدة الدينية بإعتبارها إحدى قواعد القانون الوضعي مع‬
‫بقاء صفتها الدينية‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلى قواعد العرف الذي يعتبر المصدر الرسمي اإلحتياطي الثاني للقانون‪ ،‬فيمكن‬
‫إلغاؤها بواسطة أحد طريقتين‪:‬‬
‫‪ -1‬فقد يتم إلغاء القاعدة العرفية بقاعدة عرفية الحقة مخالفة لها‪ ،‬وذلك نظرا لتطور ظروف‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫‪ -2‬وقد يتم إلغاء القاعدة العرفية بقاعدة تشريعية‪ ،‬إذ األولى في التطبيق أن يعمل بالتشريع‪،‬‬
‫ألنه أعلى من العرف درجة‪ ،‬وما وضع قاعدة تشريعية جديدة لحكم مسألة معينة إال إلغاء للقاعدة‬
‫العرفية التي ال يتم اللجوء إليها بعد ذلك‪ .‬ج ‪ -‬أنواع إلغاء القاعدة القانونية ‪:‬‬
‫نصت المادة الثانية من القانون المدني‪( :‬ال يسري القانون إال على ما يقع في المستقبل وال‬
‫يكون ل ه أثر رجعي وال يجوز إلغاء القانون إال بقانون الحق ينص صراحة على هذا اإللغاء‪ ،‬وقد‬
‫يكون اإللغاء ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا يتعارض مع نص القانون القديم أو نظم من‬
‫جديد موضوعا سبق أن قرر قواعده القانون القديم))‪.‬‬
‫من النص أعاله يتضح أن لإللغاء صورتين هما اإللغاء الصريح واإللغاء الضمي‪:‬‬
‫‪ -1‬اإللغاء الصريح‪ :‬يكون اإللغاء صريحا إذا صدرت قاعدة جديدة تقضي صراحة هذا‬
‫اإللغاء‪ ،‬مثال ما نصت عليه المادة ‪ 223‬من قانون األسرة بقولها‪(( :‬تلغي جميع األحكام المخالفة‬
‫لهذا القانون))‪ ،‬وأيضا ما نصت عليه المدة ‪ 41‬من قانون الجنسية بقولها‪(( :‬يلغي القانون رقم‬
‫‪ 63/96‬المؤرخ في ‪ 27‬مارس ‪ 1963‬والمتضمن قانون الجنسية الجزائرية))‪ .‬وما نصت عليه‬

‫‪7‬‬
‫‪ -‬مدخل للعلوم القانونية ‪ -‬جامعة سطيف ‪1‬‬ ‫د ‪ /‬فرجان الطيب‬

‫المادة ‪ 77‬من األمر رقم ‪ 66/133‬المؤرخ في ‪ 2‬جوان ‪ 1966‬المتضمن القانون األساسي للوظيفة‬
‫العامة بقولها‪(( :‬تلغي جميع النصوص التشريعية والتنظيمية المخالفة لهذا األمر))‪.‬‬
‫فاإللغاء الصريح يفصح فيه المشرع صراحة عن نيته في تجريد القواعد القانونية من قوتهما‬
‫الملزمة وعادة ما يستبدلها بقواعد أخرى ‪ ،‬وقد يحدث اإللغاء الصريح بصورة أخرى كأن ينص‬
‫في التشريع على توقيف القاعدة القانونية بمدة معينة كأن يتعلق بظرف الحرب أو الزلزال مثال‪،‬‬
‫وقد ينص التشريع على العمل بقاعدة معينة إلى أن يتحقق أمر معين وفي هذه الحالة يصبح‬
‫التشريع ملغي إذا تحقق هذا األمر‪.‬‬
‫‪ -2‬اإللغاء الضمني‪ :‬ويقصد باإللغاء الضمي اإللغاء الذي يقع ألحد القواعد القانونية دون‬
‫التصريح به صراحة وإنما يستخلص من ظروف الحال‪ ،‬كما في حالة ما تتعارض قاعدة قديمة مع‬
‫قاعدة جديدة أو صورة تنظيم نفس الموضوع من جديد وهذا ما عبرت عنه المادة الثانية من القانون‬
‫المدني الجزائري بقولها ‪((:‬وقد يكون اإللغاء ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا يتعارض مع‬
‫نص القانون القدم أو نظم من جديد موضوعا سبق أن قرر قواعده القانون القديم)‪.‬‬
‫فاإللغاء الضمي وفقا لهذه المادة له صورتين‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬التعارض بين قاعدة جديدة وقاعدة قديمة‪ :‬عند صدور قاعدة جديدة‬
‫تتعارض في مضمونها مع قاعدة قديمة بحيث يتعذر تطبيق القاعدتين معا إلختالف مضمونهما‪،‬‬
‫فإن ذلك يعني ضمنيا أنه تم اإل ستغناء عن القاعدة القديمة‪ ،‬والتعارض الضمني بين قاعدتين يأخذ‬
‫الحالتين‪:‬‬
‫أ‪ -‬حالة التعارض الكلي بين القاعدتين‪ :‬إذا كان التعارض كليا وتاما بين القاعدتين بحيث‬
‫يستحيل التوفيق بينهما وتطبيقهما معا أعتبرت في هذه الحالة القاعدة األولى ملغاة ضمنيا بالقاعدة‬
‫الجديدة‪.‬‬
‫ب‪ -‬حالة التعارض الجزئي بين القاعدتين‪ :‬أما إذا كان التعارض بين القاعدتين جزئيا ال‬
‫يتعلق إال بشق من القاعدة القديمة فال يقع اإللغاء إال في حدود هذا الشق الذي قام التعارض بصدده‪،‬‬
‫أي أن اإللغاء حينئذ يكون فقط في حدود التعارض مع القاعدة الجديدة‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬تنظيم الموضوع من جديد‪ :‬قد تلجأ السلطة المختصة إلى إعادة تنظيم مسألة‬
‫معينة دون أن تشير صراحة إللغاء النصوص السابقة التي كانت تنظمها مما يفهم منه أن هذا‬
‫التنظيم الجديد يعني ضمنا االستغناء عن القواعد القديمة‪ ،‬مثال إصدار تنظيم جديد لتسيير البلدية‬
‫يخالف التنظيم القديم ولم ينص المشرع في الجديد على إلغاء القديم صراحة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬مدخل للعلوم القانونية ‪ -‬جامعة سطيف ‪1‬‬ ‫د ‪ /‬فرجان الطيب‬

‫أ‪ -‬االعتبارات التي يقوم عليها مبدأ عدم رجعية القوانين‬


‫يقصد بمبدأ عدم رجعية القانون عدم سريان أحكامه على الماضي حيث يحتفظ القانون القدم‬
‫بسلطانه وال يجوز للقانون الجديد أن يزاحمه في ذلك‪.‬‬
‫‪ -1‬العدل‪ :‬ليس من العدل في شيء أن نحاسب األفراد عن تصرفات ووقائع حدثت في‬
‫الماضي‪ ،‬ألنه ال يمكن لهؤالء أن يتنبئوا بما قد يصدره المشرع من قواعد في المستقبل‪ ،‬ففي مجال‬
‫العقوبات مثال إذا كان فعل معين ال يشكل جريمة في زمن معين‪ ،‬فإن جرمه المشرع في وقت‬
‫الحق فإن النص الجديد يسري فقط على المستقبل ‪،‬ألن القول بخالف ذلك يعني أن يد العقاب‬
‫ستمس أفرادا أبرياء ألنهم إرتكبوا هذا الفعل وقت أن كان مباحا وال عقوبة عليه وفي ذلك مساس‬
‫بمقتضيات العدل‪.‬‬
‫وفي المجال المالي ليس من العدل في شيء أن يصدر المشرع نصا اليوم يلزم األفراد بدفع‬
‫ضريبة أو رسم معين يسري بحاله وإمتداده على الوقائع التي حدثت في الماضي‪ ،‬وإجماال نقول أن‬
‫مقتضات العدالة تحتم أن يكون للقانون سريان فقط على الحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫‪ -2‬الحرص على إستقرار المعامالت‪ :‬يعتبر مبدأ عدم رجعية القوانين ضمانا ال غنى عنه‬
‫إلرساء معالم النظام واالستقرار في المجتمع ‪،‬ألن سريان القانون على الماضي يؤدي إلى‬
‫إضطراب المعامالت وتداخلها بحكم إخضاع العالقة الواحدة لقاعدتين مختلفتين لذلك قال بالنيول‬
‫– أحد الفقهاء‪(( : -‬لن يكون هناك أمان بالنسبة لألفراد إذا كانت حقوقهم وثرواتهم وحالتهم‬
‫الشخصية واآلثار التي ترتبت على تصرفاتهم وحقوقهم الشخصية يمكن في أي لحظة أن تتأثر أو‬
‫تعدل أو تزول بسبب تغير في إرادة المشرع ))‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬تطبيقات مبدأ عدم رجعية القوانين في القانون الجزائري‪.‬‬
‫أ‪ -‬في المجال الجنائي‪ :‬نصت المادة ‪ 46‬من دستور ‪ 1996‬على أن ‪((:‬ال إدانة إال بمقتضى‬
‫قانون صادر قبل إرتكاب الفعل المحرم)) ‪،‬ونصت المادة الثانية من قانون العقوبات على ما يلي‪:‬‬
‫((ال يسري قانون العقوبات على الماضي إال ما كان منه أقل شدة))‪ ،‬من هذين النصين يتبين لنا أن‬
‫األصل في المجال الجنائي هو عدم رجعية القوانين ألن القول بخالف ذلك يترتب عليه المساس‬
‫بمبدأ شرعية التجريم والعقاب والمساس بمقتضيات العدالة ذاتها‪.‬‬
‫ب‪ :-‬في المجال المالي‪ :‬جاء في المادة ‪ 64‬من دستور ‪ (( :1996‬ال يجوز أن تحدث أية‬
‫ضريبة إال بمقتضى القانون وال يجوز أن يحدث بأثر رجعي أية ضريبة أو جباية أو رسم أو أي‬
‫حق كيفما كان نوعه ))‪ ،‬من هذا النص يتضح أن المؤسس الدستوري رفع مبدأ عدم رجعية‬
‫القوانين في المجال المالي إلى مصف المبادئ الدستورية فحظر على السلطة التشريعية سن قانون‬
‫يلزم األفراد بضرائب أو رسوم يكون لها أثر رجعي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -‬مدخل للعلوم القانونية ‪ -‬جامعة سطيف ‪1‬‬ ‫د ‪ /‬فرجان الطيب‬

‫رابعا ‪ -‬اإلستثناءات الواردة على مبدأ عدم رجعية القوانين ‪:‬‬


‫إن مبدأ عدم رجعية القوانين رغم أهميته يرد عليه عدة إستثناءات تجعل من رجعية القانون‬
‫في مواضع معينة مقبوال وهذه االستثناءات هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬القانون الجنائي األصلح للمتهم ‪ :‬ال يثبت التشريع على حال بل قد يمسه التعديل‬
‫واإللغاء من زمن إلى زمن بحسب نظرة المشرع وما توجبه مصلحة المجتمع‪ ،‬ومن هنا فإن تطبيق‬
‫القانون األصلح للمتهم يكون عند إلغاء التجريم أو تخفيف العقاب فيكون من مصلحة المتهم أن‬
‫يطبق عليه القانون الجديد بأثر رجعي مع أن الجريمة أرتكبت في ظل قانون قديم ولهذا يجب‬
‫التمييز بين الحالتين اآلتيتين‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬إذا كان القانون الجديد يبيح الفعل الذي كان مجرما فإنه يطبق بأثر رجعي في‬
‫جميع مراحل الدعوى العمومية‪ ،‬ويمحو أثر الحكم ‪،‬أي أنه يمنع تنفيذ العقوبة ويفرج على المحكوم‬
‫عليه‪ ،‬والحكمة من إقرار المبدأ أن العقوبة مقررة لمصلحة المجتمع‪ ،‬فإن رأت الجماعة ممثلة في‬
‫السلطة التشريعية العدول عن تجريم الواقعة فال جدوى من معاقبة الجاني ومطاردته عن فعل‬
‫أصبح مباحا‪ ،‬فمثال‪ :‬إذا منع المشرع على األفراد التعامل بعمالت أجنبية وأخضع الفعل العقوبة ثم‬
‫أباح ذات الفعل في زمن الحق فإن لهذه اإلباحة سريان على الماضي ‪،‬ألنه لم يعد من مصلحة‬
‫المجتمع أن تقيد حرية الفرد على فعل أصبح مباحا‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬إذا كا ن القانون الجديد قد خفف العقوبة وأبقى على التجريم ففي هذه الحالة‬
‫ينبغي أن نميز بين فرضيتين‪:‬‬
‫‪ -‬الفرضية األولى‪ :‬إذا كان المتهم بعد في مرحلة التحقيق أو صدر ضده حكما غير نهائي‬
‫فيكون من حقه الطعن باالستئناف أو المعارضة أو النقض بحسب الحاالت ليستفيد من القانون‬
‫الجديد‪.‬‬
‫‪ -‬الفرضية الثانية‪ :‬إذا كان الحكم الذي صدر ضد المتهم نهائيا أي غير قابل للطعن فيه‬
‫بالطرق القانونية المعروفة فال يستفيد من مبدأ تطبيق القانون األصلح للمتهم‪ ،‬وعلة ذلك أن الحكم‬
‫النهائي يعد عنوانا للحقيقة وال يجوز المساس به‪.‬‬
‫‪ -2‬النص صراحة على سريان التشريع في الماضي ‪ :‬المقصود بذلك أن القانون الجديد‬
‫ينص بصورة واضحة وصريحة على أن القاعدة القانونية تسري على الوقائع الماضية التي‬
‫حصلت قبل نفاذه ويلتزم القاضي بهذا النص‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا كان القانون الجديد قانونا تفسيريا‪ :‬قد يصدر تشريع معين مشوبا بشيء من الغموض‬
‫في صياغته مما يؤدي إلى تضارب في تفسير نصوصه بصورة تحمل المشرع ليضع حدا لهذا‬
‫التضارب بأن يصدر تشريعا ج ديدا يفسر فيه أحكام التشريع األول ليرفع اللبس على النصوص‬
‫‪10‬‬
‫‪ -‬مدخل للعلوم القانونية ‪ -‬جامعة سطيف ‪1‬‬ ‫د ‪ /‬فرجان الطيب‬

‫فيكون لها أثر على الماضي‪ ،‬ألنها جاءت لتكشف عن مضمون النص األصلي فالتشريعات‬
‫التفسيرية ال تأتي بأحكام جديدة بل هي شارحة للنص القديم‪.‬‬

‫‪11‬‬

You might also like