Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في حقوق الإنسان والحريات العامة
محاضرات في حقوق الإنسان والحريات العامة
محاضرات في حقوق الإنسان والحريات العامة
حقوؽ اإلنساف دبفهومها اغبديث استغرقت الكثَت من الدراسات اؼبعمقة كاليت كانت يف كل
مرة تذىب هبا إىل ؾباؿ آخر من البحث القانوين كالفلسفي – الذم انبثقت منو يف األصل -حيث
كانت البداية يف اقبلًتا من خالؿ اؼباغنا كارتا 1215كما تاله من إعالنات سواء يف بريطانيا ،الواليات
اؼبتحدة األمريكية ،كفرنسا.
لينتظر العامل حىت انتهاء اغبرب العاؼبية الثانية كما أفرزتو من إنشاء األمم اؼبتحدة ،حيث تطرؽ
اؼبيثاؽ إىل اغبقوؽ اإلنسانية بشكل موجز ،لكن أىم ربوؿ ىو ما جاءت بو الشرعة الدكلية بدءا
باإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف 1948إىل العهدين الدكليُت .1966
كعلى الرغم من األشواط القوية اليت قطعتها مسَتة االعًتاؼ حبقوؽ اإلنساف فإف ىناؾ من يف
الغرب من بدأ ينظر إليها على أهنا دبثابة انتصار للفكرة الرأظبالية كمل تأت حقيقة إال خدمة ؽبذه الطبقة
من الربجوازيُت -أسياد اإلقطاع -كمن ىؤالء اؼبنادين هبذه الفكرة كبكل قوة (أنتوين ككدم كيس) يف
ك تابو حقوؽ اإلنساف من منظور عصرم ،كىو من الكتب اليت كاف ؽبا األثر البارز يف خضم ىذه
الدراسة ألنو يبثل النقد الغريب الذايت ألطماعو كنظرتو الدكنية لغَت الغربيُت.
كقد قسمت ىذه الدراسة إىل سبعة مباحث رئيسة ،حيث خصص اؼببحث األكؿ لإلطار
اؼبفاىيمي كالذم تضمن أربعة مطالب فيها تعريف حقوؽ اإلنساف كاغبريات العامة ،كطبيعة ىذه اغبقوؽ
بالنظر إىل منشئها كعالقة ذلك باػبالفات الفقهية بُت ـبتلف اؼبدارس األكربية ،ككاف لزاما اإلشارة إىل
أكجو الشبو كالفرؽ بُت حقوؽ اإلنساف كاغبريات العامة ،فحقوؽ اإلنساف يكتسبها اإلنساف بصفتو
الفطرية فهي موجودة كإف مل يعًتؼ هبا بل حىت لو مت انتهاكها خبالؼ اغبريات العامة اليت ال ربيا إال يف
إطار نظاـ قانوين ؿبدد ؽبا سلفا ،كاغبقوؽ قد تصبح حريات إذا قننت أما اليت مل تقنن فتستمر حقوقا
طبيعية ،كما سبت اإلشارة إىل مغالطة حقوؽ اإلنساف كازباذىا ذريعة لتسويق النظاـ الرأظبايل اعبديد
القائم على تقديس اؼبلكية.
كخصص اؼببحث الثاين للتطور التارىبي ؽبذه اغبقوؽ منذ بداية اغبضارة األكىل إىل غاية صدكر
اإلعالنات الدكلية للحقوؽ ،كيف اؼببحث الثالث مت رصد أكجو التشابو كاالختالؼ بُت مصطلح حقوؽ
][1
اإلنساف كغَته من اؼبصطلحات القريبة منو معنا كإجراء لكنها زبتلف عنو كالقانوف الدكيل اإلنساين،
كالتدخل اإلنساين كاغبرية.
أما اؼببحث الرابع فقد مت فيو دراسة اؼبنظمات الدكلية كأثرىا على حقوؽ اإلنساف كمنها األمم
اؼبتحدة ،كما مت البحث عن ىذه اغبماية يف إطار النظاـ القانوين لألمم اؼبتحدة مثل كجود اجمللس
االقتصادم كاالجتماعي كعبنة حقوؽ اإلنساف كاؼبفوض السامي غبقوؽ اإلنساف ،باإلضافة إىل تبياف
تعامل القضاء الدكيل مع حقوؽ اإلنساف.
أما اؼببحث اػبامس فقد مت إفراده للوثائق الناظمة كاؼبؤطرة غبقوؽ اإلنساف كاليت تًتبع على
عرشها ما يسمى بالشرعة الدكلية ،ككذلك سبت اإلشارة إىل مصادر حقوؽ اإلنساف.
كألف ىناؾ اختالفا يف تقسيم اغبقوؽ فقد مت ذكر ذلك بالتفصيل يف اؼببحث السادس مع ذكر
أىم اغبقوؽ سواء يف اعبزائر أك يف الشريعة اإلسالمية.
بينما اؼببحث السابع كاألخَت فقد مت فيو اإلشارة إىل مبدأين قانونيُت هبب توافرنبا يف أم بلد
ضباية للحقوؽ كاغبريات األساسية كنبا مبدآ اؼبشركعية كالفصل بُت السلطات.
حقوؽ اإلنساف مرت بتطور كبَت فهي مل ربمل ىذا اؼبصطلح إال يف القرف 20كؽبذا مل يتفق
على تعريف كاحد للحقوؽ كاغبريات(اؼبطلب األكؿ) ،كما أف طبيعة نشأهتا أثرت على معرفتنا هبا
(اؼبطلب الثاين) ،كليست كل حقوؽ اإلنساف ىي حريات عامة بل ما مت تقنينو منها كاعًتفت بو السلطة
القائمة(اؼبطلب الثالث) ،كال ينبغي االلبداع بالدعوة إىل حقوؽ اإلنساف كالتبشَت هبا على أهنا من
اغبداثة فالبعض يف الغرب أصبح يسعى لكشف مغالطة ىذا اؼبسعى (اؼبطلب الرابع).
دراسة حقوؽ اإلنساف ترتبط بشكل مباشر باإلنساف يف حد ذاتو ،كمع اىتماـ الكثَت من العلوـ
بدراسة ىذا اعبانب إال أف علم األنثركبولوجيا ( علم اإلنساف) اىتم بالبحث يف حقوؽ اإلنساف أكثر
من غَته من العلوـ ،كبالنظر إىل اغبضارات القديبة كاليت اىتمت كل منها جبانب من ىذا البحث يف
][2
ىذه القضية ،فقد اعترب كل من "أفالطوف كأرسطو" أف النفس اإلنسانية ىي أىم مكوف يف كجود
اإلنساف ،كاؼبتصفح ؽبذا االعتقاد يرل بأنو دراسة للنفس اإلنسانية ال لإلنساف ذاتو ،حيث اعترب
"أرسطو" النفس سببا يف كجود اإلنساف ككائن حي ،بينما العامل اإلسالمي "الفارايب" يرل يف النفس
كماال للجسم أما كماؿ النفس فهو العقل.
أما فالسفة عصر النهضة األكربية بدءا من القرف 16فقد نظركا إىل اإلنساف بصورة ـبتلفة عن
أسالفهم اإلغريق كاليوناف ،حيث اقًتح "كانت" أف يكوف ىدؼ األنثركبولوجيا (علم اإلنساف) ىو
دراسة اإلنساف باعتباره يب ثل اعبسم كما وبويو من نفس ،كىنا يظهر جليا الفرؽ بُت اإلسالـ كغَته من
1
الديانات كاؼبدارس الفقهية ،حيث أنو األسبق يف فهم حقيقة اإلنساف.
كيرل الفقيو "برسيس " Bercisأف حقوؽ اإلنساف ىي شبرة االنتصار على كل قوة جائرة على
حقوؽ األفراد ،القوة اعبائرة ليس اؼبقصود هبا تلك القوة الشرسة ،كإمبا قد تكوف "مقاكمة القوة السياسية
اؼبنحدرة عن القوة العسكرية كالسلطات األخرل اؼبرتبطة هبا كسلطة اؼباؿ كسلطة العلم (أك اؼبعرفة)" ،لذا
كاف من الالزـ تسيَت كتكييف ىذه السلطات لتتناسب مع طبيعة حقوؽ الفرد حىت يكوف سيد نفسو
2
كمصَته.
أما "ديامل كميٍت "Duhamel et Menyفقد عرفا حقوؽ اإلنساف يف معجميهما الدستورم
بأهنا " :حقوؽ الفرد يف بعدىا الشمويل اجملرد ،فهي سابقة عن القانوف الوضعي كأظبى منو بل تعد معيارا
3
لو كحدكدا للسلطة الشرعية للدكلة".
كقد ظهر مصطلح "حقوؽ اإلنساف" ألكؿ مرة يف خطاب الرئيس األمريكي "ركزفلت" عاـ
1941كالذم حدد فيو اغبريات األربع اليت تعمل الواليات اؼبتحدة األمريكية على ضبايتها ألهنا دبثابة
-1د كامل السعيد ،د منذر الفضل ،مبادئ القانوف كحقوؽ اإلنساف ،الشركة العربية اؼبتحدة للتسويق كالتوريدات ،القاىرة مصر ،ط،1
،2013ص .173 ،172
-2أضبد البخارم ،أمينة جرباف ،اغبريات العامة كحقوؽ اإلنساف ،دار كليلي للطباعة كالنشر ،مراكش اؼبغرب ،بدكف تاريخ ،ص .19
-3أضبد البخارم ،أمينة جرباف ،اؼبرجع السابق ،ص .17
][3
قيم كمبادئ تقوـ عليها ،حيث كانت دبثابة اؼبرجعية احمللية لكنها مل تلبث أف ربولت إىل خطاب
1
انعكس صداه يف العامل بأسره.
أما مصطلح القانوف الدكيل غبقوؽ اإلنساف فقد ظهر يف أكاخر القرف 20فهو حديث نسبيا كيعود
2
بالضبط إىل بداية السبعينيات.
كرجوعا إىل تعريف اغبرية تستوقفنا ؾبموعة من التعاريف لفالسفة كفقهاء كبار دبا ىبدـ ما مت
ذكره سابقا ،حيث يقوؿ "جاؾ ركبَت " Jacques Robertأف ":اغبرية تلتقي إذف بضماف حيز خاص
لكل فرد ألف يكوف سيد نفسو" ،أما "ىيغل" فيعتربىا جزءا من فهمنا لإلنساف بقولو ":اغبرية ىي
العنصر اؼبكوف ؼبفهوـ اإلنساف ،إف الوعي هبذه اغبقيقة قد عمل عرب التاريخ كغريزة مدة قركف ،كحققت
تلك الغريزة تغَتات عظيمة إال أف القوؿ بأف اإلنساف حر بطبعو ال يعٍت دبقتضى كيانو اؼبلموس بل يعٍت
دبقتضى ما تعنيو كمفهومو" ،بينما "ىاركلد السكي" أكثر اندفاعية يف فك أم قيد قد يعًتم اغبرية
بقولو ":أنا أعٍت باغبرية انعداـ أية قيود على كجود تلك الظركؼ االجتماعية اليت سبثل يف اؼبدينة اغبديثة
الضمانات الضركرية الفردية" ،أما "جوف ستيوارت" فركز على اغبرية يف جانبها اؼبعنوم كاعتربىا مفتوحة
بغَت سقف كىو ما يربز يف قولو ":إف النطاؽ اؼبناسب للحرية اإلنسانية ىو حرية الضمَت بأمشل معانيها
كحرية الفكر كالشعور كحرية الرأم كالوجداف اؼبطلقة يف كل اؼبوضوعات سواء كانت عملية أـ تأملية أـ
علمية أـ أخالقية أـ الىوتية" ،كيربط "برغسوف" بُت اغبرية كالواقع كيعتربىا موجودة ما داـ اإلنساف
موجودا كىي ليست بشيء يبكن اخفاؤه حيث يؤكد بالقوؿ" :إف مل تكن أكثر الوقائع اؼبلموسة كضوحا
كجالء ،كلكن عبثا وباكؿ اؼبرء أف يربىن على كجود اغبرية ،فما اغبرية بشيء يبكن ربديد كجوده ،بل
ىي يف اغبقيقة اثبات للشخصية ،كتقرير لوجود اإلنساف ،إهنا ليست (موضوعا) يعاين بل ىي حياة
3
تعاىن".
-1انتوين ككديويس ،حقوؽ األنساف من منظور عصرم ،ترصبة ؿبمد أضبد اؼبغريب ،دار الفجر للنشر كالتوزيع ،القاىرة مصر ،الطبعة ،1
،2007ص .154
-2د جعفر عبد السالـ علي ،القانوف الدكيل غبقوؽ اإلنساف ،دار الكتاب اؼبصرم القاىرة ،دار الكتاب اللبناين بَتكت ،ط ،1
،1999ص .67
-3د عيسى بَتـ ،اغبريات العامة كحقوؽ اإلنساف بُت النص كالواقع ،دار اؼبنها اللبناين ،بَتكت لبناف ،ط ،1998 ،1ص .42 ،41
][4
كىو تقريبا ما جاء بو القاضي" "Learned Handحيث يقوؿ ":أف اغبرية تكمن يف قلوب
الرجاؿ كالنساء فإذا ماتت ىذه اعبذكة ف ال جدكل من دستور أك قانوف ،كليس يف كسع احملكمة أف
1
ربميها".
فتعريف اغبرية من الوجهة الفلسفية الشمولية بالنظر إىل الوثائق الرظبية قبده مل يرد سول يف
اعالف حقوؽ اإلنساف كاؼبواطن الفرنسي ( )1789ففي الفصل الرابع جاءت كمايل ":قدرة الفرد أف
يفعل كل ما ال يضر باآلخرين" ،كاذا حبثنا عن التعريف االصطالحي كاللغوم ؽبا فإف "كورين "Cornu
يف معجم اؼبصطلحات القانونية يعرفها دبا يلي" :اغبرية تعٍت :اػبَت األظبى ،بالنسبة للفرد أك الشعب
هبدؼ العيش بعيدا عن أم استبعاد أك اضطهاد أك ىيمنة داخلية أك خارجية" ،كىو تعريف أقرب إىل
اؼبفهوـ الفلسفي.
كاغبرية حبسب ما جاء يف معجم "اندرم الالند" Andrée Lalandeىي السيطرة على
الذات من غَت أم إكراه يتيح لو التحكم يف تصرفاتو بإرادتو اغبرة كبشكل طبيعي:
"La liberté est l’Etat de l’être qui ne subit pas de contrainte qui agit
conformément à sa volonté, à sa nature".
كيعرفها األستاذ "آيك "Hayekبأهنا" :غياب اإلكراه اعبسدم كالنفسي كاألخالقي" ،كربط اغبرية
بضركرة ربقق عدالة اجتماعية لكنو يرل يف نفس الوقت أف استعماؿ مصطلح العدالة االجتماعية قد
اتسم "بالديباغوجية" ،فمثال ىذا اؼببدأ حسبو يتعارض مع مبدأ اؼبساكاة كالذم يقتضي معاملة األفراد يف
اجملتمع على نفس القدر من اؼبساكاة ،كىو أمر خاطئ بالنظر إىل أف الفرد ىو اؼبسؤكؿ عن رفاىيتو
كازدىار أسرتو كال يبكن أف يكوف الفرد عبئا على اجملتمع إف ىو مل يسع يف ذلك ،فكيف نطلب أف
تكوف ىناؾ مساكاة فمن كاجب اغبكومة مثال أف توفر لكل فرد دخال مناسبا كؿبًتما ،كيرل أف العدالة
االجتماعية كي تتحقق يكفي فقط أف تشبع اؼبؤسسات كاألنشطة اؼبتطلبات األساسية ألفراد اجملتمع
2
بشكل ال ينتقده األفراد اؼبعنيوف.
-1د كرًن يوسف أضبد كشاكش ،اغبريات العامة يف األنظمة السياسية اؼبعاصرة ،منشأة اؼبعارؼ اإلسكندرية ،مصر،1987 ،
ص .383
-2أضبد البخارم ،أمينة جرباف ،اؼبرجع السابق ،ص .13 -11
][5
بينما األستاذ "سفيز "Sfezيف كتابو "نقد القرار" أثناء تعرضو للحريات اغبديثة كجد أهنا سبثل
نقدا للحرية ذاهتا ،كبالرغم من اختالؼ تعريفاهتا من فقيو آلخر إال أهنا تتفق يف كوف مفهوـ اغبرية
الكالسيكي أصبح ؿبل نظر ،فعند عرضو لنظرية "كركزيي "Crozierكالذم تطرؽ إىل مفهوـ السلطة
كتدخلها عند كجود ما يهدد األمن كاالستقرار إال أف اغبرية حسبو تبقى يف شعور األفراد هبا كماداـ
الفرد مستقال فهو وبس بالطمأنينة كاالرتياح ،بالرغم من إقراره بأف الفرد اليوـ ليس ىو ذلك الفرد
الكالسيكي اؼبيتافيزيقي بل إنو اليوـ ؿباصر يف اطار سلطة الدكلة كدبوجب ؿبددات داخل اجملتمع الذم
يعيش فيو ،إال أف "كركزيي" ال زاؿ يعتقد أف الفرد مل يتم إفراغو بالكلية ماداـ يتمتع بشعور اغبرية
كيعيشو حقيقة ،كما أف "جوف ستيوارت ميل" يف كاتبو "اغبرية )1859( "On Libertyفقد ربط
مفهوـ اغبرية دببدأ اؼبشاركة كحاكؿ يف ذلك التوفيق بُت الديبقراطية كاغبرية ألجل ربقيق اػبَت العاـ ،كرأل
بأف اغبكم اؼب طلق للجهاز التشريعي ىو األنفع باعتباره ىيئة رقابية كىو أحسن من نظاـ توازف
1
السلطات.
أما تعريف اغبرية من كجهة النظر القانونية كبالرجوع إىل التعريف الثاين ؽبا يف معجم "كورين"
فقد جاء كما يلي" :اغبرية كضعية مضمونة للقانوف تسمح لكل فرد أف يكوف سيد نفسو ،يبارس حسب
رغبتو كل اإلمكانيات اؼبتاحة لو" ،كيعرفها "ديامل كميٍت "Du Hamel et Menyيف معجمهما
الدستورم بأهنا ":فعل كل ما ليس فبنوعا بقانوف مطابق للدستور كلالتفاقيات الدكلية" ،أما "ريفَتك
"Riveroيف كتابو "اغبريات العامة" فقد عرفها بأهنا" :القدرة اؼبخولة دبقتضى القوانُت الوضعية
للسيطرة على الذات كالتحكم هبا".
كيتساءؿ األستاذ "جاؾ ركبَت "Jacques Robertحوؿ من يبكنو كضع تعريف للحرية ىل
ىو الفيلسوؼ أك رجل القانوف ،فحسبو الفيلسوؼ يهمو ماذا تعٍت اغبرية الداخلية كالركحية ،أما رجل
القانوف فيهتم بالقواعد اػبارجية فمىت اع تربت اغبرية قانونا فهي قاعدة قانونية ملزمة يف إطارىا اؼبادم
2
كاؼبتمثل يف ما يبكن للفرد أف يفعلو كماىي حدكد ذلك.
][6
أما تعريف مصطلح "العاـ " Publicاؼبقًتف باغبريات فهو تعبَت شائع يف اللغة القانونية من
مثل :اؼبرفق العاـ ،القانوف العاـ ،القطاع العاـ ،كىو يربز امتداد الدكلة إىل كل ما سبق ذكره ،حيث أف
تدخل الدكلة (السلطة العامة) لإلقرار بوجود ىذه اغبريات كاالعًتاؼ بغَتىا من اغبقوؽ األخرل،
كتنظيمها ،كت قنينها دبوجب قواعد قانونية ،ينقلها من مرتبة اغبرية اجملردة إىل مرتبة اغبريات العامة كىو
1
يدؿ على ىذه العالقة اؼبتينة بُت اغبريات العامة كالدكلة حىت كإف كانت غَت مرئية.
ليس مطلوبا البحث يف شرعية كجود حقوؽ اإلنساف فهي موجودة بالفعل لكن طبيعة اؼبنشأ
كىدفو ىي ؿبل خالؼ فمثال األستاذ "انتوين ككديويس" لو رأم يف ذلك بقولو:
" اغبقوؽ ببساطة أىداؼ ذات سياسة ؿبددة اجتماعيا ،كالذم يعٍت أف كجودىا ال يتطلب تربيرا بقدر
2
ما يتطلب شرحا".
كلفهم حقوؽ اإلنساف بشكل جيد كاف البد من الرجوع إىل القانوف يف حد ذاتو ألف لو
انعكاسا مباشرا على ىذا الفهم ،فػ ػ "ىوؼبز" يف كتابو "القانوف العاـ" كيف أثناء حديثو عن القانوف يؤكد
بأف" :حياة القانوف مل تكن منطقية ،لقد كانت خربة ...... ،كالقانوف هبد فلسفتو يف طبيعة احتياجات
3
البشر".
كالقانوف حسب الفيلسوؼ "جَتيبي بنتاـ" -كىو صاحب نظرية الوضعية القانونية -ىو ما
يبكن رؤيتو من حركؼ ،مشكلة الكلمات اؼبرئية ال غَت ،سواء كجدت تلك الكلمات يف أعماؿ قرارات
4
القضاة أك يف أعماؿ التشريع.
كبالرجوع إىل اػبلف قليال كبالضبط إىل الفالسفة اليوناف الذين اعتربكا أف العامل يسَت كفقا
لقانوف ثابت ال يتغَت ال بالزماف كال باؼبكاف كتسَته قوة عليا كيف إطار من النواميس الثابتة كقد اصطلحوا
على تسميتو بالقانوف الطبيعي ،لتأيت اؼبدرسة الركاقية كتربز القانوف الطبيعي كتفصل يف طبيعتو ،فرأكا
-1د ؿبمد سعيد ؾبذكب ،اغبريات العامة كحقوؽ اإلنساف ،بدكف دار كال تاريخ نشر ،ص .9 ،8
-2انتوين ككديويس ،اؼبرجع السابق ،ص .41
-3انتوين ككديويس ،اؼبرجع نفسو ،ص .140
-4انتوين ككديويس ،اؼبرجع نفسو ،ص . 96
][7
ضركرة مراعاة أم تشريع يصدر ؼببادئ القانوف الطبيعي كالفوارؽ االجتماعية كذلك باالعًتاؼ بسيادة
القانوف الطبيعي على القانوف الوضعي ،كيف حاؿ تعارض ىذا األخَت معو فاألكلوية للقانوف الطبيعي
1
باإلضافة إىل كجوب خضوع األفراد كالدكلة لقواعده.
كيًتتب على االعًتاؼ بسمو القانوف الطبيعي احًتاـ ؾبموعة من اغبقوؽ اؼبالصقة لشخصية
اإلنساف كاليت تولد معو أم أهنا موجودة حىت قبل كجود اجملتمع كنشوء ما يعرؼ بالدكلة ،كىذه األفكار
تأثر هبا مفكرك القرنيُت 17ك .18
ليأيت بعد ذلك فقهاء نظرية العقد االجتماعي بتساؤؿ مفاده :كيف أف اإلنساف خرج من حالتو
الفطرية ل يصبح عضوا يف الدكلة؟ ،أما اإلجابة حسبهم فهي أف الدكلة نشأت دبوجب عقد بُت الناس
البدائيُت كل منهم كافق على اػبركج من اغبالة الفطرية (الطبيعية) من أجل إقامة ؾبتمع سياسي سبثلو
الدكلة ،لكن أصحاب ىذا التوجو اختلفوا يف ربديد أطراؼ ىذا العقد كىدفو ،لذا كانت نتائج دراستهم
ـبتلفة كيبكن تقسيمها إىل اذباىيُت رئيسيُت :األكؿ يعطي الدكلة السلطة اؼبطلقة يف اغبكم ،بينما االذباه
الثاين رأل بضركرة تقييد سلطة اغبكاـ كاعطاء اغبرية للمواطنُت كضبايتها ،حيث يرل الفيلسوؼ
اإلقبليزم ( ىوبس) يف كتابو " "leviathanأف الناس كدبوجب العقد االجتماعي تنازلوا عن صبيع
حقوقهم كحرياهتم الطبيعية إىل حاكم مطلق مقابل ضماف أمنهم كضبايتهم ألف حالة الفطرة (الطبيعية)
ال تؤدم إال للفوضى كاغبركب الدائمة ،بينما الفيلسوؼ اإلقبليزم األخر (جوف لوؾ) دبوجب الرسالتُت
الشهَتتُت" "Tow treaties on civil governementعن حقوؽ الفرد ،رأل بأف اغبياة الطبيعية
ليست بذلك السوء الذم جاء بو "ىوبس" مثال كإمبا الناس سعداء ضمنها ،لكنو يعتقد بأف اغبياة
اؼبدنية أفضل منها كعلى ذلك فالناس عندما تنازلوا عن جزء من حرياهتم كليس كلها كاف القصد من
كراء ذلك إنشاء ؾبتمع سياسي ،لكن يف اؼبقابل مل يتنازلوا عن كل حرياهتم لذا كاف من الواجب ضباية
2
اغبق يف اغبياة ،كاغبرية كالكرامة ،كيتعُت على السلطة ضبايتها.
أما "جاف جاؾ ركسو" يف كتابو "العقد االجتماعي" فإنو يرل بأف الناس قد تنازلوا عن كل
حرياهتم دبوجب العقد االجتماعي للمجتمع أك األمة كليس للحاكم ،حيث سبثل السلطة يف اجملتمع
-1د كامل السعيد ،د منذر الفضل ،اؼبرجع السابق ،ص .174 ،173
-2د كامل السعيد ،د منذر الفضل ،اؼبرجع نفسو ،ص .174
][8
اإلرادة العامة كاليت هبب أف ىبضع ؽبا الفرد كأنو ال يوجد أم تعارض بُت سيادة الدكلة كحرية الفرد،
فاغبرية ىي طاعة الفرد للقانوف باعتباره من ـبرجات اإلرادة العامة كاليت سبثل أغلبية أفراد اجملتمع.
كيعتقد "مونتيسكو" من خالؿ ما جاء يف كتابو "ركح القوانُت" بأف اغبرية لن تقوـ ؽبا قائمة إذا
مل يتحقق فعليا ما يسمى باستقالؿ السلطات عن بعضها البعض ،أم الفصل بُت السلطات الثالث
1
التشريعية ،التنفيذية ،كالقضائية.
كؽبذا قبد أف اعبدؿ يف تفسَت اغبقوؽ كإعطائها كامل األبعاد اغبقيقية ؽبا إمبا ىو دائر بُت دعاة
نظرية القانوف الطبيعي كدعاة الوضعية القانونية ،كقمة اعبدؿ تدكر حوؿ طبيعة ىذه اغبقوؽ ،فأصحاب
نظرية اغبقوؽ الطبيعية يركف أف بعضا من اغبقوؽ توجد مستقلة أك سابقة عن صدكر القانوف باعتبارىا
فطرية كمتأصلة لدل اإلنساف لصفتو األدمية كاليت يولد عليها ،بينما دعاة الوضعية القانونية فإهنم
كبشكل متعارض يركف أف كل اغبقوؽ غَت فطرية بالنسبة لألفراد كاعبماعات بل تضاؼ بواسطة قول
خارجية قد تكوف نصوصا تشريعية أك قرارات قضائية ،حيث يعترب "جريبي بنتاـ" أف اغبقوؽ الطبيعية ىي
2
"ىراء متفاخر".
كحقوؽ اإلنساف ال زبلو من التأثر دبا جاء بو رجاؿ القانوف للقرف 19يف فهمهم للقانوف بصفة
3
خاصة ،حيث أف كل اغبقوؽ تابعة غبق اؼبلكية إال إذا مت إعطاؤىا سياقا آخر دبوجب شركط تعاقدية.
كحبسب األستاذ "انتوين ككديويس" كالذم هبعل من اؼبلكية أساس نشأة كل اغبقوؽ يف النظاـ الرأظبايل
-كاليت طغت بعدىا على كل الفهم الدكيل غبقوؽ اإلنساف -حيث يرل يف القانوف ما يلي ":إف إعاقة
القانوف إلمكا نات التطور االجتماعي نشأت ألف النظاـ االقتصادم تأسس على اغبقوؽ اؼبفًتضة
كاؼبغرقة يف القدـ للملكية كالعقد ،كقد أزاحت الرأظبالية ( الشخص) من مكانو كأساس مقدس
4
للقانوف".
- 1د كامل السعيد ،د .منذر الفضل ،اؼبرجع السابق ،ص .175 ،174
-2انتوين ككديويس ،اؼبرجع السابق ،ص .17 -15
-3انتوين ككديويس ،اؼبرجع نفسو ،ص .153
-4انتوين ككديويس ،اؼبرجع نفسو ،ص .116
][9
كيضيف قائال ":احملتول الشرعي غبكم القانوف مل يكن ؿبايدا بشكل جوىرم على اإلطالؽ
طاؼبا أف اؼبلكية ىي اليت أمدتو بأساسو كليس أم حق أخر" ،كىذه الرؤية تنطبق باػبصوص على
بريطانيا كالواليات اؼبتحدة األمريكية عند نشأهتا لكنها مل تلبث أف غزت العامل بأشكاؿ ـبتلفة كىو ما
1
سيتم ابرازه فيما سيأيت من ىذه الدراسة.
ىناؾ اختالؼ جلي كبارز بُت اغبق كاغبرية" ،فاغبرية تنصرؼ إىل سلطة التقرير الذايت يف
مواجهة اؼبنتفع باغبرية ذاتو كترتب التزاما سلبيا يف مواجهة الغَت ،أما اغبقوؽ األخرل اليت يعًتؼ هبا
القانوف للشخص فتنطوم على سلطة فرض سلوؾ اهبايب على الغَت كليس ؾبرد االمتناع عن القياـ
2
بعمل".
كال يوجد أ م إصباع فقهي على تعريف كاحد للحرية كإعطاء مفهوـ موحد ؽبا كقد يتخذ ىذا
اؼبصطلح عدة تسميات شائعة مثل :اغبريات العامة ،اغبريات األساسية للفرد ،أك اغبريات الفردية
األساسية ،كمنهم من ىبلطها مع مفهوـ آخر كيطلق عليها مصطلح حقوؽ اإلنساف ،كيف ؿباكلة للوصوؿ
إىل تعريف مقنع يبتعد عما ىو متداكؿ يف البيئة السياسية أك اإلعالمية أك حىت ما ىو معركؼ كتعريف
لغوم ،فإف ىناؾ من رأل بأنو هبب أف يُسلك يف سبيل ذلك طريق البحث عن معيار للتمييز بُت
اغبريات العامة كغَتىا من اغبريات أك اغبقوؽ ،كبُت طرؼ ثاف يرل األنسب ىو كضع قائمة تعدد ىذه
3
اغبريات كاغبقوؽ.
كترجع صعوبة كضع تعريف موحد للحرية بالنظر إىل منشأ ىذا اعبزء من القانوف الذم ىو نتاج
العقل الغريب ،ففي تعريفو للحرية يبكن مالحظة أمرين ىامُت نبا:
][10
-تعريف اغبرية من كجهة النظر القانونية ،كيف نفس ىذا االذباه ىناؾ من وباكؿ اؼبزاكجة بُت ما
1
ىو فلسفي كما ىو قانوين.
كيرل األستاذ "ثَتكف "Theronأف اختالؼ الفقو يف إعطاء تعريف كاحد للحريات العامة يرجع
إىل سببُت رئيسيُت ،أكؽبما أف اغبريات العامة تستند إىل قاعدة قانونية ،لكن ىذه األخَتة مل تكتسب
معناىا اغبقيقي إال من خالؿ مفاىيم غَت قانونية بل ترجع إىل ؾبموعة من االعتبارات التارىبية،
االقتصادية ،السياسية ،كالدينية ،ما هبعل مفهوـ اغبريات غَت ثابت كمتغَت زمانا كمكانا.
كثاين ىذه األسباب ىو عدـ كجود تعريف كاضح للحرية سواء كاف ذلك يف القانوف الداخلي (الوطٍت)
2
أك حىت القانوف الدكيل الذم وبيل دائما على حقوؽ اإلنساف كأيضا ربديد مضموف اغبرية كؿبدداهتا.
كحبسب جانب من الفقو فحىت كإف اختلفت التسميات كاؼبسميات أكانت حقوقا أك حريات
أك مكنات أك حىت سلطات ،فهي لن زبرج عن كوهنا كمضموف ال يبكن للفرد أف يعيش بعيدا عنها ألنو
3
فقط عضو يف اجملتمع بل ىي أكثر من ذلك جزء من حياة اإلنساف ال وبي إال هبا.
كأحسن مثاؿ إلعطاء تصور عن مدل االرتباؾ يف إعطاء تعريف كاحد للحريات ما حدث يف
أمريكا سنة 1886عندما اندلعت اغبرب بُت الشماؿ كاعبنوب بسبب مشكلة الرؽ ،حيث حارب
الشماؿ إللغائو بينما اعبنوب حارب إلبقائو ،كخَت الوصف ما جاء على لساف الرئيس األمريكي "ابراىاـ
لنكولن" " :إف الشماؿ كاف وبارب من أجل حرية كل إنساف يف أف يصنع بنفسو ما يريد ،أما اغبرية يف
نظر حكومات كاليات جنوب فقد كانت تعٍت حرية بعض الرجاؿ أف يصنعوا ما يشاؤكف بالرجاؿ
4
األخرين".
كللبحث بصفة معمقة يف الفرؽ كأكجو الشبو بُت حقوؽ اإلنساف كاغبريات العامة فإنو يتحتم
علينا العودة إىل أصل التعريف لكل منهما حسب ما جاء بو كبار الفقهاء يف ىذا اجملاؿ ،حيث ينقسم
][11
اغباؿ يف ىذا إىل فريقُت اثنُت ،فاألكؿ يعتربنبا مًتادفتُت أما الثاين فَتل اختالفا بينا بينهما ،فقد عرؼ
"بَتسيس "Bercisحقوؽ اإلنساف" بأهنا ":اغبدكد األخالقية الدنيا اليت ال يبكن ذباكزىا دكف اؼبساس
بكرامة اإلنساف فيما يعد حريات طبيعية لو" ،كأما اغبريات العامة حسبو فهي" :تلك اليت سبارس يف إطار
اعبماعة مثل حق القياـ دبظاىرة يف الشارع أك شن إضراب أك إصدار جريدة ،..... ،نظرا للتجاكزات
احملتملة فإف ىذه اغبريات يتم تأطَتىا بشكل أك بآخر من حيث اغبدة ،حسب الظركؼ ،كىكذا مت
التصويت على قانوف يبنع التخريب بعد ثورة مام ،"1968فيما عرؼ اغبريات الفردية بأهنا ":اغبريات
اليت يبارسها الفرد كحده كاحملمية بقانوف ،مثل حرية التأليف كالنشر كالتنقل ......،نظرا ألنبيتها فهي
1
مضمونة بالدستور كالقواعد العليا يف الدكؿ الديبقراطية".
كالفرنسيوف خبالؼ نظرائهم األمريكيُت يف تعريف حقوؽ اإلنساف كالفرؽ بينهما كبُت اغبريات
العامة ،فالفرنسيوف بدكا مرتبكُت خصوصا يف تعدد التعاريف ،فحقوؽ اإلنساف ال يتطلب كجودىا
االعًتاؼ اؼبسبق هبا ،كقد كاف رجاؿ الثورة الفرنسية ملزمُت على إعالف اؼبساكاة أماـ ؾبتمع طبقي ،لكن
ىذه اغبقوؽ فبتدة زمنيا كسابقة للثورة كيف نفس الوقت تقتضي أف يكوف ىناؾ مساكاة يف اغبرية كىي
فكرة حديثة ،لذا أعطوا اغبرية معنا كاسعا خبالؼ األمريكيُت ،فاعتربكىا ىي ":القدرة على القياـ بكل ما
ال يضر باآلخرين" كىو نفس ما ذىب إليو "آركف "Hannah Arendtحيث يرل الفرنسيُت خبالؼ
األمريكيُت قد أعطوا مفهومها خاصا غبقوؽ اإلنساف حيث اعتربكىا ":حقوقا سابقة عن السياسة
نفسها لدرجة أف أم حكومة أك سلطة ال سبلك حق تعديلها أك اؼبساس هبا كلكن يف نفس الوقت تعترب
غاية اغبكومة كالسلطة نفسو" ،كىو ما أدل إىل انتقاد حقوؽ اإلنساف هبذا الشكل نظرا الزدكاجيتها.
أما األؼباف فقد ربطوا حقوؽ اإلنساف حبركة التاريخ ،فاعترب Burkeأف التاريخ ىو الوحيد الذم يعطي
للحق مضمونا كهبعل اغبرية حقيقة ماثلة للعياف كدبفاىيم متعددة ،كاعتربكا القواعد الوضعية الرامية
لتحقيق مصلحة اجملتمع خَت من اغبماية اليت قد يوردىا قانوف خاص باغبقوؽ كمن األقواؿ اؼبعربة يف ىذا
السياؽ ما قالو "جوزيف ميسًت" Maistreحوؿ لقائو بالعديد من األشخاص الفرنسيُت كاإليطاليُت
][12
كالركس ،كلكن يف اؼبقابل مل يلتق انسانا باعتباره غَت موجود حسبو كحىت إف كجد فإنو ال يعلم
1
بوجوده.
"كتظل نقطة اختالؼ حقوؽ اإلنساف عن اغبريات العامة ىي كوف األكىل طبيعية كلصيقة باإلنساف
موجودة حىت كلو مل يتم االعًتاؼ هبا كتقنينها يف القانوف الوضعي ،بل كلو مت انتهاكها من قبل السلطة،
على عكس اغبريات" ،اضافة إىل أف حقوؽ اإلنساف يهتم هبا رجاؿ السياسة كالدين كالفالسفة أكثر فبا
يهتم هبا رجاؿ القانوف أنفسهم ،فمثال حىت كإف مت تدريس اغبريات العامة فإنو ال يطلق عليها اسم
حقوؽ اإلنساف ،كمل يُبدأ تدريسها يف فرنسا إال سنة 1954على الرغم من قدـ االىتماـ هبا كالذم
2
يعود إىل الثورة الفرنسية.
كيرل جانب من الفقو أف من أكجو االختالؼ بُت اغبريات العامة كحقوؽ اإلنساف أف األخَتة
زبرج خارج دائرة القانوف الوضعي فهي أكسع منو ،بينما اغبريات ال تكوف إال بوجود القانوف الوضعي لذا
فاغبريات العامة ىي اليت تعرب عن اغبقيقة القانونية ،une réalité juridiqueبينما حقوؽ اإلنساف
اؼبالصقة لشخصية اإلنساف باعتبار جذكر منشئها تعود إىل القانوف الطبيعي فإهنا سبثل ما يبكن
االصطالح عليو باػبياؿ القانوين ،l’imagination juridiqueكاغبريات العامة ؾباؿ ضبايتها يكوف
داخل حدكد الدكلة يف النظاـ القانوين الداخلي ،بينما حقوؽ اإلنساف فإهنا تستخدـ دبناسبة دراسة
3
النظاـ القانوين الدكيل كما يفرزه من حقوؽ لكل فرد ربفظ كرامتو اإلنسانية.
فال يبكن الكالـ عن ىذه اغبريات إال من خالؿ نظاـ قانوين قائم فعال كىذا ما يبيز اغبريات
العامة عن حقوؽ اإلنساف من حيث اؼبفهوـ ،ألف حقوؽ اإلنساف تظل موجودة باعتبارىا ؾبموعة من
اغبقوؽ الطبيعية اليت يبتلكها اإلنساف دبجرد كالدتو فهي لصيقة باإلنسانية الكامنة فيو ،فهي موجودة
4
حىت كإف مل يتم االعًتاؼ هبا بل حىت كلو مت انتهاكها من قبل أم سلطة كانت.
][13
كزبتلف اغبريات العامة عن حقوؽ اإلنساف كذلك من حيث اؼبضموف فاغبريات العامة ىي
ؾبموعة ؿبددة من اغبريات اليت اعًتؼ هبا القانوف كنظمها ،أما حقوؽ اإلنساف فإنو يتعدل ىذا التقييد
القانوين إىل كل ما ربتاجو الطبيعة اإلنسانية من حقوؽ ،كما ىبتلف اؼبفهوماف "من حيث ما يرتبانو على
عائق السلطة ،فبينما تعترب اغبريات العامة دبثابة امكانيات اختيار مرتبطة باإلنساف الفرد كيبكن أف
يستفاد منها دبعزؿ عن السلطة (بعد أف تكوف قد نظمتها قانونيا) ،قبد أف حقوؽ اإلنساف ال يبكن
تأمينها كاالستفادة الفعلية منها إال عن ط ريق السلطة كما تنشئو من مرافق عامة ؽبذا الغرض :ضماف
1
اجتماعي ،مؤسسات صحية ،تعليمية ."..
كتبقى اغبرية كحقوؽ اإلنساف ؿبل ذباذبات بُت تيارات فكرية عدة فمثال "ماركس" يتساءؿ عن
طبيعة ككنو اغبرية أيا كاف شكلها" :حرية اختيار مثلُت يف الربؼباف إذا كانت ىذه اغبريات ىي يف اغبقيقة
2
سجينة للضركرة اليت تنتج عن سلطة السيد كعبودية اغباجة؟".
كالعالقة بُت حقوؽ اإلنساف كاغبريات العامة كفقا ؼبا جاء ستتحكم يف دراستنا ىذه يف كل ما
سيأيت ،فعندما نذكر حقوؽ اإلنساف يف أم جزء من ىذا الكتاب فألف اؼبنهج العلمي تطلب ذلك،
كعندما تذكر ا غبريات العامة فإنو يقصد هبا كذلك حقوؽ اإلنساف ،كال ريب يف ذلك ما داـ أهنا
أصبحت مقننة يف إطار نظاـ قانوين داخل الدكلة ،فأكجو الشبو كاالختالؼ قد مت تبياهنا -بشكل
مستفيض -كؽبذا ال يبكن الرجوع إىل ذلك.
حقوؽ اإل نساف ليست ذات خصوصية متميزة عن غَتىا بل فقط تعترب ؾبموعة فرعية من
ؾبموعة أكرب من العالقات االجتماعية اؼبنظمة كاؼبنتجة لسلوؾ اعبماعة ،فهي هبذا االعتبار شكل قانوين
متميز ىدفو منع استغالؿ السلطة ،فاغبقوؽ أمشل من القانوف دبفرده لكن يف اؼبقابل وبذر األستاذ
"انتوين ككديويس" فبا أظباه دبغالطة حقوؽ اإلنساف كيقوؿ يف ىذا اػبصوص ":بالنسبة يل فإف التضحية
البشرية سبثل الشكل األصلي اؼببكر ؼبا يبكن أف نسميو ( مغالطة حقوؽ اإلنساف ) ،إذ أف اؼبقصود من
حقوؽ اإلنساف ضباية الضحايا احملتملُت بإعالف أف بعضا من مظاىر حياهتم مقدسة كلكنها تسهم يف
][14
استمرار إمكانية حدكث االنتهاؾ كذلك حبماية بعض األنشطة اليت تستثَت ذلك االنتهاؾ كىكذا
فخطاب حقوؽ اإلنساف مل ينب على أساس قيمة التبادلية ،كلكن -بٍت بدال عن ذلك -على أساس
سيادة قيمة السلطة الذاتية على قيمة التبادلية مع استنتاج أنو ال يتوجو خبطابو كبو األسباب العميقة
1
لذلك االنتهاؾ ،لكن يقًتح -ببساطة -بعض أساليب تدبر كتقليل طبيعتو كمداه".
ك باعتبار حقوؽ اإلنساف فرعا من فركع القانوف الدكيل فإف ىذا وبتمل ـباطر صبة ألف اغبقوؽ
قد ال تكوف ؿبمية خصوصا يف ظل القانوف الدكيل كالذم مل يعرؼ أم توافق فيما بُت الدكؿ حوؿ تبٍت
قانوف غريب ،خصوصا كأف منشأ حقوؽ اإلنساف اغبديثة ىو غريب يف األصل على األقل يف اعبانب
التطبيقي ،لكن من الناحية النظرية فإف ىذه اغبقوؽ ستجد كل اغبماية ألف قواعد القانوف الدكيل ربظى
2
باالحًتاـ الالزـ بُت الدكؿ .
فالغرب يف صياغتو ؼببادئ القانوف الدكيل كمنها حقوؽ اإلنساف اعترب ذلك دبثابة الكرـ ذباه
الدكؿ غَت الغربية ،كىو ما ترصبو معهد باريس للقانوف الدكيل سنة 1874حيث اعترب أف ىذه الدكؿ
غَت الغربية يبكن مساكاهتا بالدكؿ الغربية يف إطار القانوف الدكيل طاؼبا أف ىذه الدكؿ (غَت الغربية)تتبٌت
3
ما يعرؼ باؼببادئ العاؼبية للحضارة.
فخطاب حقوؽ اإلنساف ىو خطاب تضليلي حسب األستاذ "انتوين ككديويس" ،حيث أنو
يعود يف كجوده إىل زمن كمكاف معُت كىو أكربا يف القرف ،17كليس لكونو راسخا يف طبيعة اإلنساف
4
فهو باألساس جاء دفاعا عن اؼبلكية اػباصة.
فالبعض يرل يف حقوؽ اإلنساف أهنا ال سبثل خطابا عاؼبيا كذلك ألف ىذه اغبقوؽ هبذا الشكل
تستأثر دببدأ االستقاللية الذاتية على مبدأ التبادلية -سبق اإلشارة إليو -كىو من أىم االنتقادات اليت
توجو مثال إىل اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف ،حيث مل يهتم بالتجاكزات اليت حدثت يف غَت حق
اإلنساف األبيض كىو ما يعكس التعصب اعبنسي اؼبتأصل يف الثقافة الغربية ،كأيضا دعم ىذا اإلعالف
][15
عبزء من اغبقوؽ كذباىل حقوقا أخرل مثل بقاء االستعمار من جانب قول غربية كبقاء الفصل العنصرم
1
يف الواليات اؼبتحدة األمريكية.
كىي نفس رؤية "لوؾ" للحقوؽ كاغبريات حيث اعتربىا مل تسبق كجود السلطة كإمبا نبا من إبداع النظاـ
2
اعبديد الذم أنتجتو الرأظبالية.
كيعترب "انتوين ككديويس" أف اغبرية من إنتاج النظاـ اعبديد للحكم الليربايل ،حيث يقوؿ أهنا
مثلت صدمة للبعض يف ذلك اجملتمع كيزيد بالقوؿ ":كىكذا بدال من أف تصبح اغبرية اغبالة الطبيعية
لإلنسانية قبل كجود الدكؿ -كما كانت بالنسبة للوؾ -أصبح مفهوما لدل فوكو أهنا ( أم اغبرية ) ىي
اإلبداع األقل أك األكثر مصادفة للدكؿ ألهنا تكتسب اؼبعرفة من شعوهبا كذبتهد يف استخالص كيفية
حكم ىذه الشعوب ،أم أنو بينما أدل ظهور الرأظبالية إىل إدراؾ أنبية العمل اؼبتزايدة بوضوح كمصدر
من مصادر الثركة القومية مثل األرض ك اغبيوانات كاؼبوارد الطبيعية ،سعت الدكؿ ؼبعرفة شعوهبا من
خالؿ صبع اإلحصاءات اؼبتعلقة بأحداثها مثل اؼبواليد كالوفيات كحاالت الزكاج كما يتعلق هبا مثل
اؼبلكية كالوظائف كالتعليم كالصحة" ،كيعتقد "ككديويس" أف الدكؿ توفر األمن كالصحة العامة كضماف
أمن األفراد كأمالكهم ،كيواصل يف ىذا الرأم بقولو" :كعالكة على ذلك كعرب ابتداع فضاء اجتماعي
جديد عرؼ مؤخرا (باجملتمع اؼبدين) أك (ؾباؿ العمل العاـ) ،مت خلق منطقة جديدة استطاع اؼبواطنوف
(ظاىريا ربت ضباية حرية التعبَت) أف هبادلوا بشأف أفضل الطرؽ لتنظيم كحكم أنفسهم حبثا عما يبكن
3
أف يكوف من اختياراهتم اؼبفضلة".
كخطاب حقوؽ اإلنساف (التضليلي) دائما ما يدغدغ اؼبشاعر كيسوؽ (قطعاف) البشر ػبدمة
السياسة حسب األستاذ "أنتوين ككديويس" ،فبعد زيادة أسعار البًتكؿ مع ارتفاع معدؿ التضخم هناية
1977فقد رجاؿ السياسة األمريكية الثقة يف القانوف السياسي كىو ما أدل بالرئيس األمريكي
"نيكسوف" إىل الًتاجع عن كعود اغبملة االنتخابية دبا ذلك قطع كل اؼبعونات اؼبقدمة للفقراء ،كيف أكؿ
خطاب للرئيس اعبديد "جيمي كارتر" أراد اسًتداد ىبة الرئاسة األمريكية كالبالد لكن ليس دبحاكلة
][16
ربقيق كعد الفرص اؼبكافئة أك استعادة الربامج اليت ألغاىا سلفو "نيكسوف" ،بل طرح فكرة أف حقوؽ
اإلنساف ستكوف ركح السياسة اػبارجية للواليات اؼبتحدة األمريكية كمنذ ذلك اغبُت احتلت حقوؽ
اإلنساف ىذه اؼبكانة ،لتأيت بعدىا اتفاقيات ىلسنكي ،كالشرط اؼبلحق باؼبعونة األمريكية كاتفاقيات
1
التجارة ،كالتقارير السنوية جمللس الوزراء حوؿ حقوؽ اإلنساف يف كل دكؿ العامل.
كالسؤاؿ اؼبطركح -كبعده اإلجابة من األستاذ "انتوين ككديويس" -يف حاؿ كانت حقوؽ
اإلنساف لصيقة -كمفًتضة -بشخص اإلنساف ىو:
"لو كانت حقوؽ اإلنساف متأصلة بشكل عاـ يف انسانيتنا ،ؼباذا تظل قابلة للجداؿ خاصة بُت اؼبفكرين
من اليسار يف عديد من دكؿ العامل؟" ،كاإلجابة ىي أف ":االرتباط سيء اغبظ بُت حقوؽ اإلنساف كبُت
( ربالف اإلدارة ) الذم وبتل العراؽ اآلف ،كىو ربالف يسعى إلنزاؿ قوات عسكرية ىائلة -حرفيا -ؽبذا
يضحى بشكل متعمد بآالؼ غَت معدكدة من حياة األبرياء (ؾبازان) يف ؾباؿ الدفاع عن حقوؽ اإلنساف
2
لنفس ىؤالء األبرياء ألهنم يعيشوف يف ؾبموعة الدكؿ سيئة اغبكم رغم كوهنا فائقة االنتقاء".
لكن تبقى اإلشارة أف حقوؽ اإلنساف -كالتغٍت هبا -ليست بتلك اؼبثالية اؼبطلوب الوصوؿ إىل
ربقيقها فحماية حقوؽ اإلنساف مل تنجح حىت يف الواليات اؼبتحدة األمريكية ذاهتا نظرا لضيق اؼبفهوـ
األمريكي غبقوؽ اإلنساف ،كما أف االنتقائية اليت مارستها اإلدارات اؼبتعاقبة يف تطبيق ىذه اغبقوؽ كاليت
مل ربًتـ حىت اؼبعايَت األمريكية ؽبذه اغبقوؽ ،كلو على األقل احًتاـ الزائف اؼبورث عن فكرة القوة
العظمى األخالقية حسب "أنتوين ككديويس" ،كىو ما قبم عنو عدـ اؼبساكاة داخل اجملتمع األمريكي ذاتو
كأكضح صورة عن ذلك ىو التمييز اغباصل بُت البيض كالسود حىت يومنا ىذا ،كالتأثَت األمريكي امتد
3
أيضا يف شكل عدـ اؼبساكاة ىذه ليعم بقية أكباء العاـ.
األمر الذم دفع األستاذ "ككديويس" إىل اؼبناداة بضركرة العمل ألجل التحوؿ بالفكرة كاغبماية من
4
مرحلة "سياسة حقوؽ اإلنساف" إىل مرحلة "سياسة من أجل حقوؽ اإلنساف".
][17
المبحث الثاني :التطور التاريخي لحقوق اإلنسان
ت شكلت اغبقوؽ كاغبريات ركيدا ركيدا عرب التاريخ فلم تكن بالشكل الذم ىي عليو اآلف،
فاغبضارات القديبة اعًتفت ببعض اغبقوؽ كاغبريات كأنكرت أخرل (اؼبطلب األكؿ) ،كأيضا كاف ىناؾ
حضارات عربية عريقة قننت الكثَت من اغبقوؽ (اؼبطلب الثاين) ،لتكوف االنطالقة الفعلية لبداية
االعًتاؼ كالتنظيم الوضعي للحقوؽ كاغبريات مع بداية ظهور الوثائق كاإلعالنات الدكلية (اؼبطلب
الثالث).
عرفت اليوناف القديبة ؾبموعة من اغبقوؽ يف ظل ازدىار اغبكم اؼبباشر للشعب (الفرع األكؿ)،
كأيضا كاف للركماف دكر ىاـ يف ظهور اغبقوؽ اغبديثة باعتبارىم مهد مدرسة القانوف الطبيعي (الفرع
الثاين).
كاف الفرد تابعا كخاضعا للدكلة يف ظل اغبضارة اليونانية بشكل مطلق كدكف أم شرط ،فلم
يعًتؼ فيها سول باغبقوؽ السياسية كلطبقة فقط من اجملتمع اليوناين ،حيث كاف اجملتمع منقسما إىل
ثالث طبقات ككانت الطبقة الثالثة كىي طبقة الفالحُت ؿبركمة من كل شيء حىت أهنم كانوا يباعوف
كعبيد إذا مل يستطيعوا سداد ديوهنم ،لتأيت اصالحات "سولوف" يف أكاخر القرف 17ؽ.ـ ليقسم اجملتمع
إىل أربع طبقات مع اصالحات اقتصادية كسياسية ،كما ألغى االسًتقاؽ الذم كاف سببو الدين كحرر
الفالحُت اؼبدنيُت ،ليستمر التطور مع "كلشيز" ففي سنة 507ؽ.ـ أنشأ حكومة ديبقراطية لتزدىر
بعدىا الديبقراطية حيث يقوؿ الفقيو "دكجي"" :أف اغبرية مل يناد هبا كمل يسمع بذكرىا يف فًتة من
1
التاريخ أكثر ما نودم أك ظبع هبا يف تاريخ الديبقراطية اليونانية القديبة".
كقد سبتع اليونانيوف القدامى حبريات سياسية ال حبريات فردية ألف اغبكاـ كانوا يتدخلوف يف أدؽ
شؤكف الفرد ،بينما ىذا األخَت يتمتع حبريات سياسية باعتبارىم مارسوا النظاـ الديبقراطي اؼبباشر ،كنتيجة
-1د غازم حسن صباريٍت ،الوجيز يف حقوؽ اإلنساف كحرياتو األساسية ،مكتبة دار الثقافة عماف األردف ،1995 ،ص .12
][18
لعدـ كجود اغبرية الفردية كاف ما يعرؼ بنظاـ نفي الفرد دكف ؿباكمة ( أكاسًتاسيزـ ) ،حيث ذبتمع
1
صبعية الشعب كيصوتوف على نفي الشخص إف خيف من استبداده كيكوف التصويت على ؿبارة.
انتقل اجملتمع الركماين من ؾبتمع فالحي يف أكؿ األمر حيث كانت السلطات مركزة داخل
اعبماعة اؼبنزلية باعتبارىا أشه ر منظمة اجتماعية ،فكاف الرئيس كىو رب األسرة يبتلك كحده األىلية
اغبقوقية دكف البقية ،ليتحوؿ بعد ذلك الركماف اؼبزارعوف إىل ذبار يف القرف الثالث بعد اؼبيالد لتخف
معها الشكليات ،كإدخاؿ فكرة حسن النية إىل اغبقوؽ ،حيث أصبح باإلمكاف إبراـ عالقة تعاقدية
بالرضا فقط.
لكن الرؽ كاف منتشرا كبقوة خصوصا مع توسع اإلمرباطورية الركمانية فأنشأكا "قانوف الشعوب" أك
"قانوف األمم" الذم اعتمد بصفة كلية على مبادئ القانوف الطبيعي كما ازدىرت اؼبؤسسات القانونية
كاإلدارية كالسياسية كانتقلت من العهد اؼبلكي إىل العهد اعبمهورم ،كبالرغم من ذلك فقد اضطُهد
كحرموا من اغبقوؽ كاغبريات ،كعلى إثر ثورهتم جاء " قانوف االثٍت عشر" كأقر باؼبساكاة بُت الناس
الفقراء ُ
يف اغبقوؽ ككضع تشريعا للعقوبات كاحملاكمات كاألحواؿ الشخصية ،لكنو اتصف بالقسوة يف إعداـ
اللصوص كإجازة اسًتقاؽ من ال يستطيع الوفاء بدينو ،كبالرغم من ذلك فإنو وبسب للحضارة الركمانية
أهنا تعد مهد مدرسة القانوف الطبيعي كالعقد االجتماعي كما تالىا من أفكار "ىوبس كلوؾ" كغَتىم
2
كاليت كانت سببا يف بزكغ فكرة اغبقوؽ كاغبريات العامة يف كقتنا اغباضر.
كبالعودة إىل العامل العريب قبد أف االىتماـ حبقوؽ اإلنساف يعود إىل أزمنة غابرة ضاربة يف عمق
اغبضارات اليت مرت عليو حىت كإف مل تعرؼ ىذا اؼبصطلح مثلما ىو متعارؼ عليو اليوـ ،إال أف تطور
حقوؽ اإلنساف بشكل ملموس كاف عندما ظهرت التجمعات الكربل فبثلة يف اؼبدف الكبَتة يف كل من:
العراؽ ،مصر ،اليمن ،الشاـ ،كشبو اعبزيرة العربية يف األلف الرابعة قبل اؼبيالد ،حيث يعترب قانوف "أكرمبو"
][19
( ) 2003-2211قبل اؼبيالد بالعراؽ من أقدـ القوانُت اؼبكتوبة اليت عثر عليها فقد جاء يف مقدمتو:
"أف اؽبدؼ من الشريعة توطيد العدالة كإزالة البغضاء كالظلم كالعداكة كتوفَت اغبرية يف البالد" ،كمن بُت
1
اغبقوؽ اليت أقرىا سالمة اعبسد كحرمتو ،كضباية اؼبلكية اػباصة.
ككذلك "قانوف لبت عشتار" خامس ملوؾ ساللة أيسن ( )1794 -2017قبل اؼبيالد يف
بابل القديبة ،حيث تضمن حقوقا لإلنساف منها :ضباية العبيد كعدـ اإلساءة إليهم ،منع التعذيب ،ضباية
الطفل ،كضباية اغبيواف.
كأيضا قانوف فبلكة "أشنونا" دبحافظة ديايل إباف العهد البابلي القدًن ،فقد اعترب ىذا القانوف أف الظركؼ
االقتصادية اؼبروبة ىي أىم ضماف غبماية حقوؽ اإلنساف ،لذا قاـ بوضع سقف لألسعار كربديد كل
حاجات اإلنساف األساسية كاغببوب ،الزيوت ،ملح الطعاـ ،اللحوـ ،الصوؼ ،النحاس ،كالنقل الربم
2
كاؼبائي ،باإلضافة إىل ضباية حقوؽ األسَت كغَتىا من اغبقوؽ األخرل.
كتعترب شريعة ضبورايب أىم تلك القوانُت على اإلطالؽ (قبل عاـ )1750قبل اؼبيالد حيث
ضمت 282مادة كتبت باللغة البابلية على مسلة من حجر الدايركيت بطوؿ 225سم كعرض 60
سم ،كقد احتوت على الكثَت من اغبقوؽ اليت كردت يف القوانُت كاألعراؼ اليت سبقتها كأضافت إليها
حقوقا أخرل كمنها على سبيل اؼبثاؿ ال اغبصر:
مسؤكلية حاكم اؼبدينة على ضماف األمن كاالستقرار كضباية أمواؿ اؼبواطنُت. -1
على اغباكم تعويض أىل كل شخص مفقود من اؼبدينة جراء االختطاؼ. -2
الرعاية الصحية كربمل الطبيب مسؤكلية اػبطأ الطيب. -3
ضباية الطفل من السرقة كإعداـ الفاعل. -4
احملافظة على أمواؿ العائلة كمصدر رزقها. -5
إثبات نسب الولد. -6
حق االبن يف اإلرث. -7
أطفاؿ العبد اؼبتزكج من حرة يعدكف أحرارا. -8
-1د سهيل حسُت الفتالكم ،حقوؽ اإلنساف ،دار الثقافة األردف ،2007 ،ص .15
-2د سهيل حسُت الفتالكم ،اؼبرجع السابق ،ص .17 ،16
][20
العقاب على اإلجهاض. -9
1
-10ضباية األطفاؿ اليتامى قضائيا.
حيث اىتمت السلطة التأسيسية بالبحث يف اغبريات الفردية من خالؿ شيئُت اثنُت نبا:
كإعالنات اغبقوؽ ىي كل ":النصوص الصادرة عن اؽبيئات اؼبتقلدة للسلطة التأسيسية كاليت
توجز يف عبارات أخاذة اؼببادئ اليت هبب أف يقوـ عليها التنظيم االجتماعي كالسياسي ،كىي تعترب من
الناحية العملية عرضا للصالحيات كاؼبكنات اليت يفًتض أهنا زبص الفرد كاليت هبدر بالدكلة عدـ التنكر
ؽبا".
كالفقهاء ؾبمعوف على أف فكرة إعالنات اغبقوؽ ىي من نتاج أفكار نظرية العقد االجتماعي كالسياسي
يف القرف ، 18حيث تبٌت فكرة اإلعالف أكؿ ؾبلس نيايب يف العامل كىو برؼباف فرجينيا يف
2
1776/06/12لتليها الواليات األمريكية األخرل عقب التحرر من ربقة االستعمار الربيطاين.
كتكملة للسياؽ التارىبي ينبغي إبراز أىم الوثائق الصادرة يف الغرب كاؼبتعلقة أك الدائرة يف فلك
ضباية حقوؽ اإلنساف كحرياتو األساسية كاليت كردت يف شكل إعالنات يف أغلبها كفقا للفركع الثالث
األتية كىي:
][21
الفرع األول :وثائق حقوق اإلنسان في المملكة المتحدة
يتصدر ىذه الوثائق يف اقبلًتا ما يعرؼ بػ"اؼباغنا كارتا" أك الشرعة العظمى ()Magna Carta
سنة 1215حيث استجاب اؼبلك "جوف" ابن اؼبلك "ىنرم الثاين" لضغوط طبقة األمراء كالباركنات
كذلك ؿباباة للطبقة األرستقراطية بعد أف كصلت قواهتا إىل مدينة لندف ،لكن الشعب كرجاؿ الدين
استفادكا من االصالحات اليت جاءت هبا بالرغم من أهنم مل يكونوا اؼبقصودين عند إصدارىا ،كربتوم
على 63مادة منها اليت تنظم العالقة بُت اؼبلك كالباركنات كربدد حدكد اإلقطاع كامتيازات لرجاؿ
الكنيسة مع بعض اغبقوؽ الدينية ،كمن أىم اغبقوؽ اليت استفادت منها العامة ضماف اغبرية الفردية على
قدـ اؼبساكاة بُت أبناء الطبقات اؼبختلفة كإقرار العدالة كاالعًتاؼ باستقالؿ القضاء ،دبوجب اؼبادة ()25
مت إنشاء ىيئة تتكوف من 25نبيال مهمتها رقابة التطبيق السليم مل مت االتفاؽ عليو مع التهديد باللجوء
1
إىل اغبرب يف حاؿ النكوص عن ذلك.
مث جاءت عريضة اغبقوؽ ( )1628بعد أف حاكؿ اؼبلك "شارؿ األكؿ" فرض ضرائب جديدة
على الشعب بغَت الرجوع إىل الربؼباف ،فبا دفع ىذا األخَت إىل رفع عريضة إىل اؼبلك يذكره فيها حبقوؽ
الشعب االقبليزم ،كقد ركزت العريضة على أمرين اثنُت نبا :منع التوقيف التعسفي ،كعدـ فرض
2
الضرائب إال بعد موافقة الربؼباف.
فمذكرة اؽبابيا كوربيس ( 1697 )Habea Corpusكمعناىا "إليك جسدم" ،حيث تتعلق
حبقوؽ اؼبتهم كخاصة اغبق يف عدـ اعتقالو بشكل تعسفي كعلى كجو اػبصوص أكلئك الذين شاركوا يف
ثورة ضد "شارؿ األكؿ" كما نصت على قواعد احملاكمة ككيفية معاملة اؼبوقوفُت كالسجناء كالعمل على
اغبد من زمن اغببس االحتياطي ،كىي كثيقة ربمل الكثَت من اغبداثة يف كقتها كعلى إثر ىذه الوثيقة وبق
لكل شخص قيدت حريتو أف يطلب من القاضي إصدارىا كالقاضي ؾبرب أف يوقف النظر يف أية قضية
أخرل ،كيبحث يف جدية التوقيف كأسبابو كإذا تأكد من عدـ كجود أسباب ثبوتية للتوقيف يأمر آمر
][22
السجن بإحضار اؼبوقوؼ بعد تلقيو اؼبذكرة ىنا يستمع القاضي آلمر السجن فإف رأل أف أسباب
1
التوقيف غَت موضوعية يأمر بإطالؽ سراح اؼبوقوؼ.
لتأيت شرعة اغبقوؽ ( )1689كىي كثيقة ربدد بشكل كاضح صالحيات اؼبلك يف إدارة شؤكف
اغبكم كذلك بعد أف حاكؿ "جيمس الثاين" إحياء الكاثوليكية يف بريطانيا بغَت الرجوع إىل الربؼباف ،ككاف
قد تقدـ بعريضة إىل ىذا األخَت كل من األمَت " كيلياـ أكرانج" كزكجتو ،لتتم اؼبوافقة كالتصديق عليها
2
الحقا يف الربؼباف ،كتعترب ىذه الشرعة بداية التأريخ للملكية الربؼبانية.
يعلق األستاذ "انتوين ككديويس" على الوثائق الصادرة يف اقبلًتا كاؼبتعلقة حبقوؽ اإلنساف بصفة الناقد كما
يلي -1" :مل تلعب اؼباجنا كارتا أم دكر ربررم يف القانوف االقبليزم حيث قاـ السيد ادكارد كوؾ
بإحياء بنود تلك الوثيقة يف ؾبرل دفاعو الشهَت عن اؼبلكية اػباصة اعبديدة يف كتابو(أنظمة القانوف يف
اقبلًتا).
-2قدمت كثيقة اغبقوؽ لعاـ 1688قليال للحقوؽ السياسية كاؼبدنية أك مل تقدـ شيئا على اإلطالؽ
ألغلبية الشعب اإلقبليزم ألهنا مل تتحدل بأية صورة القيود اؼبانعة الصارمة القائمة على أساس اؼبلكية
أماـ اؼبشاركة السياسية ،ككفلت حرية التعبَت ألعضاء الربؼباف فقط كحىت عند ذاؾ يكوف ربت قبة الربؼباف
3
فقط.".
تتمثل إعالنات اغبقوؽ األمريكية يف إعالف كالية فرجينيا سنة 1776بعد استقالؽبا عن التاج
الربيطاين كمت فيو التأكيد على اغبريات الشخصية كاؼبساكاة كحق التملك كاحًتاـ اغبياة اػباصة كحرية
الصحافة كاإلعالـ ،كتناسب العقوبات مع اعبرائم ،كاغبريات الدينية.
ليأيت إعالف االستقالؿ األمريكي كالذم صدر سنة 1776كالذم يبثل إعالف استقالؿ اؼبستعمرات
األمريكية الثالث عشرة عن بريطانيا على خلفية اؼبؤسبر الذم مت يف فيالديلفيا ،مث جاءت شرعة اغبقوؽ
][23
األمريكية فبثلة يف الدساتَت األمريكية فأكؽبا صدر سنة 1787كقد عرؼ 26تعديال حىت العاـ
،1971كالشرعة تطلق على التعديالت العشر األكىل اليت كردت على الدستور عاـ 1791بعد تبنيها
من الكونغرس األمريكي كمصادقة الدكؿ عليها ،حيث يتمتع بنفس قوة الدستور كىي اليت تشكل
1
اإلعالف األساسي غبقوؽ اإلنساف األمريكي.
كينتقد " أنتوين ككديويس" ىذه اإلعالنات بقولو" :كيف حالة أمريكا "الشمالية" كاف عدـ اؼبالءمة
العملية لوثيقة اغبقوؽ كاضحا خاصة أنو طبق على اغبكومات الفدرالية فقط ال حكومات الواليات اليت
كانت أكثر أنبية بالنسبة غبياة أغلب األمريكيُت حىت تسعينيات القرف العشرين ،كيف الواقع اكتسب
األمريكيُت بعضا من تلك اغبماية خطوة خبطوة مع حكومات الواليات يف ستينيات القرف العشرين
2
بفضل جهود كبَت القضاة كارين".
إعالف حقوؽ اإلنساف كاؼبواطن الفرنسي ( )1789كالذم صدر عقب الثورة الفرنسية ضد
اؼبلكية على اعتباره مزهبا من أفكار فالسفة القرف 18أمثاؿ "جوف لوؾ" ك"جوف جاؾ ركسو" ،ككذلك
فالسفة عصر األنوار أمثاؿ "فولتَت كمونتيسكيو" ،حيث انتقلت بعد الثورة السلطة من اؼبلكية إىل
الشعب فتم التصويت عليو بتاريخ 26آب 1789من قبل اعبمعية الوطنية الفرنسية كأصبح منذ ذلك
3
الوقت مقدمة عبميع الدساتَت الفرنسية اؼبتعاقبة ،كيتكوف من ديباجة ك 17مادة.
كقد كرد يف اإلعالف كلمة "مواطنة" كمصطلح" حقوؽ اإلنساف" كيف ىذا الصدد يقوؿ " ركبَت
بيللو" يف كتابو " اؼبواطن كالدكلة" ما يلي ":يبكن القوؿ أف أغلب اؼبواد تستهدؼ اإلنساف كاؼبواطن معا،
ألف تنظيم حقوؽ اؼبواطن يبدك كضمانة غَت مباشرة غبقوؽ اإلنساف ،كألف احًتاـ حقوؽ اإلنساف
ضركرم ؼبمارسة حقوؽ اؼبواطن" ،كما يردؼ بأف ىذه االزدكاجية يف تسمية اإلعالف تعود إىل مشوليتو
4
كعاؼبيتو.
][24
كيعتقد األستاذ "ككديويس" أف اإلعالنات يف فرنسا كالواليات اؼبتحدة مل زبدـ إال اؼبلكية بقولو:
" منحت إعالنات اغبقوؽ األمريكية كالفرنسية الكربل امتيازات ألصحاب اؼبلكية باإلضافة إىل البعض
القليل جدا فبن ال يبلكوف – مع قاعدة أمر اؼبثوؿ القضائي – Habeas Corpusىم من سبتعوا حقا
باغبقوؽ اليت نصت عليها ،كىذا حدث ألف اؼبرء إما كاف وبتاج إىل موارد سبويل ذات قيمة لكي يطالب
هبذه اغبقوؽ ،أك ألنو مل يستطع استخدامها غبماية قدرتو على التنديد باؼبلكية كتنظيم حركة مضادة ،أك
ضد اؼبصاحل القوية األخرل ،كمن ىنا كاجهت النقابات اؼبهنية صعوبات قانونية خالؿ القرف 19عرب
1
أكربا الغربية كأمريكا الشمالية".
كليس كما يعتقد كثَتكف فإف الثورة الفرنسية مل تأت باغبرية اؼبثالية فقد مت إلغاء حق تكوين
اعبمعيات سنة 1791بصدكر قانوف Le chapelierكمن أشهر اعبمعيات اؼبلغاة كاليت ازبذت شكال
سياسيا ،Club des Jacobinsكما أف ىذه اغبرية مل تعجب حىت بعضا من زعماء الثورة الفرنسية
فها ىو "ركبسبيَت" يصرح قائال ":استبداد اغبرية ضد الطغياف" ،يف إشارة منو إىل اعبرائم اؼبرتكبة باسم
الثورة كاالبتعاد عن أىداؼ اغبرية اليت كانوا يناضلوف ألجلها حىت أنو سبت على إثرىا إعدامات كثَتة،
ككذلك يقوؿ " "Saint-Justكىو أحد زعماء الثورة يف كلمة لو يف اعبمعية العمومية الفرنسة ":ال حرية
ألعداء اغبرية" ،كىذا وبمل إشارة قوية على االستبداد ضد كل من ىبالف السلطة اغباكمة اليت جاءت
2
عقب الثورة الفرنسية.
كيقوؿ " "Vedelعن الفرنسيُت أهنم ":يعشقوف إعالف اؼببادئ كوبتقركف اإلجراءات اليت
تتضمنها ،كىذا بعكس اإلقبليز الذين مل تنتشر عندىم اإلعالنات كاؼببادئ فهم يؤمنوف بأف اغبرية ينبغي
معايشتها كالتنفس من خالؽبا ،فاعتقادىم أف ازدىار اغبرية ال يكوف إال بالتفاؼ اعبميع حوؽبا كحرصهم
على اغبفاظ عليها كم ن ىنا كاف اىتمامهم إىل ازباذ اإلجراءات العملية يف سبيل ذلك ،فاالعًتاؼ
اؼبكتوب أقل أنبية كنفعا من ربديد العقوبة يف حاؿ انتهاكها ،كمن توفَت اإلجراءات اليت سبنع االعتداء
3
الفعلي عليها" ،ؽبذا قبد اعتزاز اإلقبليز بػ" اؽبابياس كوربيس".
][25
كيضيف "ككديويس" عن اغبقوؽ يف الغرب قائال ":يف أكربا الغربية كاؼبستعمرات الربيطانية كاف
إحياء اغبقوؽ قصة سياسية ،لكنها قصة ذات مظهرين متنافرين كإف كانا متكاملُت ،اؼبظهر األكؿ تعلق
بصعود ما أظباه مارشاؿ حقوقا اجتماعية ،حيث حاكلت األحزاب االشًتاكية الديبقراطية القائمة يف
السلطة أك األ حزاب الليربالية كاحملافظة أف تزايد على تلك اغبقوؽ سعيا كراء أصوات الطبقة العاملة ،كقد
استخدـ أكربيوف قليلوف أكاخر أربعينيات القرف العشرين مصطلحات مارشاؿ بكثرة بسبب النفور اؼبتبادؿ
بُت دعاة خطاب حقوؽ اإلنساف كبُت اغبركات العمالية ،إذ أف مركزية مبدأ اؼبلكية لدل اجملموعة األكىل
(دعاة اغبقوؽ) عنت أهنا تعترب أفكارا من مثل العمل كحقوؽ الرفاىية من قبيل التناقض الذايت ،يف حُت
أف مركزية الدكلة لدل برنامج اجملموعة الثانية أدت هبم إىل أف يفضلوا مصطلح دكلة الرفاىية ليصفوا ما
حققوه بالفعل أك ما يرغبوف فيو ،كاؼبظهر الثاين تعلق بصعود الفاشية كالرعب الالحق عند ارتكاب
جرائمها البشعة ضد اإلنسانية ،كتلك األحداث صقلت –أكال -الرأم العاـ الغريب ؿبفزة ق.ج.كيلزه –
على سبيل اؼبثاؿ -لكتابة نسخة جديدة مؤسسة على كتاب (بُت ( )Paineحقوؽ اإلنساف) ،مث ربفيز
حكومة الواليات اؼبتحدة -فيما بعد -لقيادة اعبهود من أجل إنشاء األمم اؼبتحدة لتنمية اؼبفهوـ
األكثر مشوال من الناحيتُت السياسية كاالجتماعية للحقوؽ كاليت عنونتها باسم (حقوؽ اإلنساف) ،كيف
ىذا اإلطار تقوـ كذلك بإعادة الربط بُت اػبطاب االجتماعي الرفاىي كبُت التقاليد اؼبتجددة للحقوؽ
1
النابعة من الواليات اؼبتحدة".
ككخالصة لتطور اىتماـ الغرب حبقوؽ اإلنساف كحرياتو األساسية يبكن مالحظة أف الديبوقراطية
اليونانية اىتمت باغبرية السياسية دكف غَتىا من اغبريات األخرل ،أما الليبَتالية فنادت باغبريات الفردية
عكس االشًتاكية اليت نادت باغبريات اعبماعية كعلى رأسها اغبقوؽ االقتصادية كاالجتماعية باعتبارىا
اؼبنطلق لكل اغبريات األخرل ،أما اجملتمع الدكيل اؼبعاصر فقد أضاؼ مصطلحا جديدا للحريات بأبعاد
دكلية كىي اليت ظبيت بػ"اغبقوؽ اعبماعية" كفيها اغبق يف السالـ كاألمن الدكليُت ،حق الشعوب يف تقرير
2
مصَتىا كيف االستفادة من ثركاهتا الطبيعية ،اغبق يف التنمية ،حق الشعوب يف اؼبساكاة كعدـ التمييز.
][26
المبحث الثالث :تمييز حقوق اإلنسان عما يشابهها من مصطلحات
قد ىبتلط األمر كيكوف ىناؾ ارتباؾ يف دراسة اؼبفاىيم إف مل تعُت اغبدكد الفاصلة بينها بشكل
جيد ،لذلك كاف التذكَت بأكجو الشبو كاالختالؼ بُت حقوؽ اإلنساف كالقانوف الدكيل اإلنساين بالغ
األنبية (اؼبطلب األكؿ) ،ككذلك بُت حقوؽ اإلنساف كالتدخل اإلنساين (اؼبطلب الثاين) ،كنفس الشيء
عند الكالـ عن اغبماية الدبلوماسية (اؼبطلب الثالث) ،كألف اغبرية قد تقيد من قبل السلطة ال ؿبالة فهل
ذلك بداعي التنافر أـ ؼبصلحة اجملتمع؟(اؼبطلب الرابع).
االعًتاؼ بآدمية كإنسانية الفرد ىي اؼبدخل اغبقيقي الحًتاـ حقوؽ اإلنساف ،كبدكف ىذا االعًتاؼ
فإنو لن ينظر إىل اإلنساف من جانب منتهكي حقوقو كحرياتو األساسية باعتباره إنسانا بل حيوانا أك
1
حىت صبادا ؾبردا من الركح اإلنسانية.
كيعترب القانوف الدكيل التقليدم (الكالسيكي) قانونا اىتم بالعالقات الدكلية لكن ظلت اغبرب ىي
نقطة االنطالؽ ،حيث مل يكن ىناؾ أم اىتماـ بعالقة الفرد بالدكلة كبالرجوع إىل "أكغسطينوس"
صاحب نظرية "اغبرب العادلة كالعامة" قبده حاكؿ اؼبوازنة بُت ضركرة اغبرب كمنطلق سياسي كبُت
أىداؼ الكنسية األخالقية ،ككاف ذلك بعد ربوؿ الكنيسة إىل مركز قوة بصدكر قرار ميالنو سنة 313
لتبقى اغبرب ىي رمز العالقات الدكلية ،لكن بدأ يظهر بعض التطور يف عالقة اعبيش الغازم بالسكاف
اؼبدنيُت إباف اغبركب الركسية الفرنسية يف أكاخر القرف . 19
كقد صدر عن مؤسبر برككسل 27أكت 1874مشركع االتفاقية الدكلية اؼبتعلقة بقوانُت كأعراؼ اغبرب،
ما أصبح يعرؼ الحقا باتفاقية الىام اؼبتعلقة بقوانُت كأعراؼ اغبرب الربية كاليت نتجت عن أكؿ مؤسبر
يف الىام للسالـ سنة ،1899مت أغبقت هبذه االتفاقية الئحة قوانُت كأعراؼ اغبرب البحرية اليت
2
حلت بدال من اتفاقية الىام الرابعة اؼبوقعة يف اؼبؤسبر الثاين 18أكتوبر .1907
-1د الشافعي ؿبمد بشَت ،قانوف حقوؽ اإلنساف ،مكتبة اعبالء اعبديدة باؼبنصورة مصر ،بدكف تاريخ ،ص.10
-2أضبد البخارم ،أمينة جرباف ،اؼبرجع السابق ،ص .37 ،36
][27
كيقوؿ الفقيو "جَت بيكتيت "Gear Pictetبأف القانوف اإلنساين يتكوف من نوعُت اثنُت
أحدنبا يبثلو قانوف اغبرب كاآلخر يبثلو قانوف حقوؽ اإلنساف ،يف حُت اعترب بعض القانونيُت أف القانوف
اإلنساين ىو جزء من القانوف الدكيل غبقوؽ اإلنساف حىت كإف كاف األكؿ أسبق زمنيا يف التطور خالؿ
القرف ،19بينما حقوؽ اإلنساف عرفت أكرب اىتماـ بعد صياغة ميثاؽ األمم اؼبتحدة ( ،)1945فكما
أهنا تتعلق جبميع الناس كيف كل األكقات فهي جنس ،أما القانوف اإلنساين فهو نوع من ذلك اعبنس ألنو
1
ىبصص لفئة معينة من البشر كيف زمن اغبرب فقط ( النزاعات اؼبسلحة ).
كهبمع أغلب الفقو الدكيل على انفصاؿ حقوؽ اإلنساف عن القانوف الدكيل اإلنساين حيث
2
يعترب القانوف الدكيل اإلنساين أحد فركع القانوف الدكيل يف الوقت الراىن مثلو مثل حقوؽ اإلنساف.
كقد عرفت منظمة الصليب األضبر الدكلية القانوف الدكيل اإلنساين بأنو" :ؾبموع القواعد الرامية
3
إىل اغبد من العنف كإىل ضباية اغبقوؽ األساسية لإلنساف خالؿ فًتات النزاعات اؼبسلحة".
كاستعملت عدة مصطلحات للداللة على القانوف الدكيل اإلنساين مثل القانوف الدكيل اإلنساين
Internatinal humanitariation law applicable in armed confIlcts اؼبطبق على اؼبنازعات اؼبسلحة
Human Rights in armed- كىناؾ من يطلق عليو مصطلح حقوؽ اإلنساف يف النزاعات اؼبسلمة
4
،-confilctsكأيضا مستخدـ مصطلح قانوف اغبرب ،Law of warكقانوف جنيف.
كقد أصبح القانوف الدكيل اإلنساين مقًتنا باتفاقيات جنيف األربعة غبماية اؼبدنيُت أثناء اغبرب
كاليت أبرمت بتاريخ 12أكت 1949كربتوم على 400مادة كىي :
-1د ؿبمد مصباح عيسى ،حقوؽ اإلنساف يف العامل اؼبعاصر ،دار أكاكوس ،دار الركاد ،بدكف بلد كتاريخ نشر ،ص .202
-2أد صالح الدين عامر ،اغبماية الدكلية غبقوؽ اإلنساف ،حبث كرد يف " دراسات يف حقوؽ اإلنساف يف الشريعة اإلسالمية كالقانوف
اؼبصرم" ،ربت إشراؼ أد فتحي سركر ،أد سعاد زكي الشرقاكم ،أد يوسف ؿبمود قاسم ،أد صالح الدين عامر ،مت إعداد ىذا اؼبشركع
بالتعاكف بُت كلية اغبقوؽ جبامعة القاىرة كمنظمة األمم اؼبتحدة للًتبية كالعلوـ كالثقافة (اليونسكو) ،1983 ،ص .298
-3أضبد البخارم ،أمينة جرباف ،اؼبرجع السابق ،ص .45 ،44
-4د جعفر عبد السالـ علي ،اؼبرجع السابق ،ص .69
][28
االتفاقية :3ضباية سجناء السجن.
كمت بعد ذلك بتاريخ 8جواف 1977اؼبصادقة على بركتوكولُت أغبقا هبذه االتفاقيات األربع كنبا:
الربتوكوؿ :1يتعلق بالنزاعات اؼبسلحة الدكلية كالذم سيشمل الحقا النزاعات اؼبسلحة اعبديدة بعد
اغبرب العاؼبية الثانية مثل حركب التحرير الوطنية.
الربكتوكوؿ :2يبثل إضافة للمادة ( )3اؼبشًتكة بُت االتفاقيات األربع السابقة ،كىو النص الوحيد اؼبطبق
يف حالة النزاعات اؼبسلحة غَت الدكلية ،كفبا جاء فيو ضباية صبيع األشخاص الذم مل يشاركوا يف األعماؿ
اغبربية ،كضباية اؼبرضى كاؼبصابُت ،كالفرؽ الطبية ،كاؼبعدات الصحية ،كضركرة ضبلهم لرمز اؽبالؿ األضبر
1
أك الصليب األضبر ضباية ؽبم.
كفيما ىبص عمل عبنة الصليب األضبر كاؽبالؿ األضبر الدكليُت فإف ىناؾ سبعة ( )7مبادئ
لذلك كىي :اإلنسانية ،التجرد ،االستقالؿ ،التطوع ،الوحدة كالعاؼبية.
كقد مت استحداث عبنة الصليب األضبر الدكيل بواسطة جهود السويسرم "ىنرم دكناف "Durant
مؤلف كتاب " :ذكرل من سولفرينو" أك "ذاكرة سولفرينو" سنة ،1862كىذا بعد أف عايش أىواؿ
اغبرب اليت دارت رحاىا بُت فرنسا كسردينيا اؼبنتصرتُت على النمسا يف مقاطعة ؼببارديا عاـ .1859
حيث دعا إىل االىتماـ باعبرحى يف فًتات السلم كضركرة مساعدهتم بواسطة جهاز ؿبايد ،فقد مت يف
أكؿ األمر إنشاء "اللجنة الدكلية إلغاثة اؼبصابُت" كاليت أصبحت الحقا تعرؼ باسم "اللجنة الدكلية
للصليب األضبر" منذ سنة .1864
أما مصطلح اؽبالؿ األضبر الدكيل فلم يظهر إال سنة 1876من قبل شركة عثماف ألجل إغاثة اؼبصابُت
إباف اغبرب الركسية الًتكية ،ليتم بعد ذلك إنشاء العصبة الدكلية ؼبنظمات الصليب األضبر كاؽبالؿ األضبر
][29
سنة 1919لتستقر آخر األمر يف جنيف سنة ،1939كقبل ذلك كاف مقرىا يف باريس ،كيف سنة
1991أصبحت ربمل اسم "الفدرالية الدكلية ؼبنظمات الصليب األضبر كاؽبالؿ األضبر".
كتقوـ سكرتارية الفدرالية بدكر اؼبنسق بُت الصليب األضبر كاؽبالؿ األضبر الدكليُت ،كقد مرت العالقة بُت
ىاتُت اؼبنظمتُت بكثَت من التعديالت إىل أف مت تغيَت التسمية سنة 1986من الصليب األضبر الدكيل
إىل اغبركة الدكلية للصليب األضبر كاؽبالؿ األضبر كتتكوف من ثالثة أجهزة :
اؼبؤسبر الدكيل لصليب األضبر كاؽبالؿ األضبر كىي أعلى سلطة يف اغبركة كىي من تصنع -1
سياستها ،كتشكل الفقو الدكيل للقانوف الدكيل اإلنساين كذبتمع كل أربع ( )4سنوات
ؾبلس اؼبفوضيُت كىو دبثابة اعبمعية العامة. -2
اللجنة الدائمة تتشكل من تسعة ( )9أعضاء ،اثناف( )2من الصليب األضبر كاؽبالؿ -3
األضبر ،اثناف( )2من الفدرالية ،كطبسة ( )5أعضاء ينتخبوف من اؼبؤسبر الدكيل ،كاللجنة
1
بعد ذلك تنتخب رئيسها ،كيكوف اللقاء كل ستة ( )6أشهر.
كمن أكجو االختالؼ اؼبوجودة بُت كل من حقوؽ اإلنساف كالقانوف الدكيل اإلنساين ما يلي:
-1القانوف الدكيل غبقوؽ اإلنساف ىدفو ضباية األفراد يف أم كقت كال يهم ىل ىو زمن السلم أـ
أنو زمن اغبرب ،بينما يهدؼ القانوف الدكيل اإلنساين غبماية األفراد كفبتلكاهتم يف حالة النزاعات
اؼبسلحة 2،فبعض اغبقوؽ ال يبكن اؼبس هبا مطلقا سواء زمن اغبرب أك السلم كقد اختلفت االتفاقيات
الدكلية يف ىذه اغبقوؽ لكن اؼبتفق عليو أف ىناؾ أربعة حقوؽ يطلق عليها تسمية "اغبقوؽ الصلبة
غبقوؽ اإلنساف" ،ال يبكن اؼبس هبا البتة كىي :اغبق يف اغبياة ،اغبق عي عدـ اػبضوع للتعذيب ،ذبرًن
3
الرؽ كالعبودية ،كعدـ رجعية القوانُت اعبزائية.
][30
كىو ما أكده القرار رقم 2676الصادر عن الدكرة 25للجمعية العامة لألمم اؼبتحدة سنة
1970كالذم جاء فيو" :إف حقوؽ اإلنساف األساسية ،كما ىي مقبولة يف القانوف الدكيل كمنصوص
عليها يف اؼبواثيق الدكلية ،يستمر تطبيقها كاملة يف أكقات النزاعات اؼبسلحة" ،كىو ما يبثل مشولية حقوؽ
اإلنساف باؼبقارنة مع القانوف الدكيل اإلنساين ،كىو ما مت التأكيد عليو يف اإلعالف اػباص حبماية النساء
كاألطفاؿ يف حاالت الطوارئ كالنزاع اؼبسلح الصادر عن اعبمعية العامة لألمم اؼبتحدة يف القرار رقم
3318لعاـ 1974حيث اعترب أم انتهاؾ غبقوؽ اإلنساف يف العمليات العسكرية أك يف اؼبناطق
احملتلة يعترب عمال إجراميا ،ككذلك ما جاءت بو اؼبادة ( )1/38من اتفاقية حقوؽ الطفل لسنة
1
.1989
كأيضا فإف حقوؽ اإلنساف كانت ؿبل تدخل من قبل ؾبلس األمن يف العديد من اؼبرات ،فالقرار
الصادر عن ىذا األخَت رقم 237لسنة 1967أكضح بأف حقوؽ اإلنساف األساسية غَت قابلة للتنازؿ
عنها حىت أثناء اغبرب ،كما اعترب اجمللس يف قرار آخر لو وبمل الرقم 941لسنة 1994أف التطهَت
2
العرقي يشكل انتهاكا لقواعد القانوف الدكيل اإلنساين.
-2القانوف الدكيل غبقوؽ اإلنساف ىباطب حكومات الدكؿ لرعاية كضباية حقوؽ مواطنيها سواء بإزالة
ىذه االنتهاكات ،أك ككقفها ،أك تعديل تشريعاهتا لتتواءـ كاالتفاقيات الدكلية غبقوؽ اإلنساف ،بينما
3
القانوف الدكيل اإلنساين ىباطب الدكؿ لرعاية كضباية حقوؽ أفراد وبملوف جنسيات دكؿ أخرل.
-3األمم اؼبتحدة بكل أجهزهتا كككاالهتا اؼبتخصصة من تسهر على رقابة احًتاـ حقوؽ اإلنساف يف
العامل ،بينما تسهر اغبركة الدكلية للصليب األضبر كاؽبالؿ األضبر إضافة إىل الدكؿ على تفعيل آليات
اغبماية اؼبوجودة مسبقا ،كحىت كضع ؾبموعة آليات ترل فيها القدرة على إعماؿ القانوف الدكيل
4
اإلنساين.
-1د أضبد أبو الوفا ،اغبماية الدكلية غبقوؽ اإلنساف يف إطار منظمة األمم اؼبتحدة كالوكاالت الدكلية اؼبتخصصة ،دار النهضة العربية
القاىرة مصر ،ط ،2000 ،1ص .81
-2د أضبد أبو الوفا ،اؼبرجع السابق ،ص .40 ،39
-3أد أضبد عبد الكرًن سالمة كآخركف ،اؼبرجع السابق ،ص .13 ،12
-4أد أضبد عبد الكرًن سالمة كآخركف ،اؼبرجع نفسو ،ص .13
][31
لكن مل يعد يقتصر القانوف الدكيل اإلنساين على منظمة الصليب األضبر أك حىت اؽبالؿ األضبر
الدكليُت بل تعدل ذلك إىل األمم اؼبتحدة اليت أصبحت أحد الالعبُت اؼبهمُت يف تفعيلو ،خصوصا
عندما بدأت تطلب اعبمعية العامة لألمم اؼبتحدة من الدكؿ اؼبتنازعة احًتاـ اؼبنظمات الدكلية اإلنسانية
تطبيقا لقانوف جنيف ( االتفاقيات األربع) ك الربتوكوؿ اؼبلحق لسنة ،1977لكن األمم اؼبتحدة نفسها
حادت عن استعماؿ ىذا القانوف حُت طلبت من العراؽ لوحده إباف اغبرب العراقية الكويتية ضركرة
1
احًتاـ القانوف الدكيل اإلنساين.
التدخل اإلنساين ىو تدخل دكلة أك ؾبموعة من الدكؿ ضد دكلة تنتهك حسبهم حقوؽ
اإلنساف بشكل جسيم ،كالتدخل يكوف عسكريا كدكف الرجوع إىل ؾبلس األمن األفبي ،كيعترب "ىوغو
غركشيوش )1645-1583( "Hugo Grotiusمؤسس نظرية التدخل اإلنساين ،كمن مربرات ىذا
2
التدخل انتهاؾ حق اغبياة كارتكاب جرائم اإلبادة اعبماعية كاعبرائم ضد اإلنسانية كجرائم اغبرب.
كاؼبساعدة اإلنسانية قد تعًتؼ هبا األمم اؼبتحدة من خالؿ قرارات ؾبلس األمن ربت كطأة الفصل
السابع ( ،)7كذلك بتفعيل قرارات اعبمعية العامة لألمم اؼبتحدة اػباصة باحًتاـ حرية الدخوؿ كالوصوؿ
إىل الضحايا حىت لو كاف ىذا تعديا على السيادة الوطنية للدكؿ ،كىي نقطة التشابو مع التدخل
اإلنساين لكن الفرؽ أف التدخل اإلنساين غَت معًتؼ بو من األمم اؼبتحدة ،بل ىناؾ فقط ؾبموعة من
3
الدكؿ الكربل تريد أف ذبعل منو عرفا يف سبيل أف يصبح قانونا دكليا يف يوما ما.
][32
كأكؿ دكلة مارست فعليا التدخل اإلنساين ىي فرنسا يف القرف 16هبدؼ ضباية األقليات
الدينية اؼبقيمة يف األقاليم اػباضعة للخالفة العثمانية ،كتكرر ىذا األمر بشدة يف القرف 19حيث
تدخلت كل من فرنسا كركسيا كبريطانيا يف أقاليم تابعة للخالفة العثمانية ،كما تدخلت الواليات اؼبتحدة
األمريكية يف كوبا عسكريا عاـ 1898حبجة الدفاع عن اؼبصاحل األمريكية حسب الكونغرس ،كالتدخل
األكريب الياباين يف الصُت عاـ 1900بذريعة ضباية األجانب كىو ما يعرؼ حبرب "البوكسَت" ،كتدخل
بلجيكا يف الكونغو ،1960كالواليات اؼبتحدة يف ساف دكمينيكاف ،1965ككذا تدخلها يف قربص
1974كيف ايراف ،1980كغرينادا عاـ ،1983كبينما ،كىاييت.
كتدخل فرنسا سنة 1979يف صبهورية افريقيا الوسطى كاسقاط اإلمرباطور "بوكاسا" ،كتدخل تنزانيا يف
1
أكغاندا كإسقاط "عيدم أمُت دادا".
كاليزاؿ التدخل اإلنساين ـبالفا للقانوف الدكيل كأبرز ذلك نص اؼبادة 4/2من ميثاؽ األمم
اؼبتحدة كاليت ربرـ استعماؿ القوة يف عالقات الدكؿ ببعضها ببعض ،لكن التدخل اإلنساين أغلب
القائمُت بو ىي الدكؿ الكربل كألىداؼ خفية كغَت انسانية حىت كإف كانت تصروباهتم تذىب باذباه
ضباية حقوؽ اإلنساف كاغبريات األساسية لكل الناس كالتشجيع على ذلك كىو ما جاءت بو حسبهم
2
اؼبادة 1/3من اؼبيثاؽ األفبي.
لكن اؼبعارضوف للتدخل اإلنساين حججهم أقول بدءا بنص اؼبادة 4/2من اؼبيثاؽ اليت ربرـ
استعماؿ القوة بُت الدكؿ ،إضافة إىل التوصية رقم 2625الصادرة بتاريخ 1970/10/24كاػباصة
بإعالف مبادئ العالقات الودية ،ككذلك ما صدر عن إعالف مانيال سنة 1982حيث جاء التأكيد يف
الفقرة () 13منو على عدـ جواز اللجوء إىل القوة حىت يف حاؿ فشل اجراءات التسوية السلمية ،كما
صدر حكم حملكمة العدؿ الدكلية يف قضية األنشطة العسكرية كشبو العسكرية يف نيكاراغوا عاـ
1986يفيد بعدـ كجود قاعدة تسمح لدكلة بالتدخل يف شؤكف دكلة أخرل جملرد كجود نظاـ سياسي
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .25 – 23
-2د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع نفسو ،ص .26 ،25
][33
أك إيديولوجي ـبتلف ،كقالت احملكمة بأف الواليات اؼبتحدة األمريكية ال سبلك حق تقييم حقوؽ
1
اإلنساف يف نيكاراغوا ،كأف استعماؿ القوة لن يؤدم إىل ضباية حقوؽ اإلنساف.
العامل أصبح يعيش حالة الدكلة ذات اغبد األدىن L’État minimalكىي حالة من التطور
الشرطية إىل التدخلية فدكلة الرفاىية ،كاغبد األدىن للدكلة ىو نتاج
جاءت بعد مركر الدكلة من الدكلة ُ
اؼبدرسة الليبَتالية اعبديدة ذات اؼبنشأ األقبلوسكسوين كربديدا األمريكي كنتيجة لالندماج الشديد بُت
الدكلة كاجملتمع فإنو مل يعد األمر مثلما كاف عليو يف السابق ،فقد كانت ضباية اغبريات سبر بالضركرة عرب
إصدار الدكلة للتشريعات اؼبنظمة لذلك ،بل أصبح عدـ تدخلها كاغبد من ىذه التنظيمات كالتقنينات
كترؾ اؼببادرة لألفراد ضمانا للحريات ،كمت إنشاء ىيئات أخرل مستقلة عن السلطات الثالث اؼبعركفة
2
كتسمى بالسلطات اإلدارية اؼبستقلة عهد إليها الرقابة كضماف اغبريات من أم انتهاؾ.
كإذا رجعنا إىل اػبلف ؼبعرفة عالقة الفرد بالدكلة كاف لزاما العودة إىل معرفة بدايات تشكل
القانوف الدكيل عموما كالقانوف الدكيل غبقوؽ اإلنساف على كجو اػبصوص –سبت اإلشارة إليو بتفصيل
فيما سبق -حيث يرجع البعض ذلك إىل ما قبل اغبرب العاؼبية الثانية كما يعرؼ حبقوؽ األجانب يف
معاملة الئقة ،حيث أف الفقيو " فاتيل" كمنذ القرف 18نادم بفكرة اغبد األدىن كالذم ينبغي توافره يف
معاملة األجانب كىي عبارة عن قيود قد ترد على سيادة الدكلة كمنها االعًتاؼ ؽبم بالشخصية القانونية
كضباية الشخصية ،ضباية اؼبلكية ،اغبق يف ؿباكمة عادلة ،كعدـ طرد األجانب بشكل تعسفي كأال يكوف
ذلك إال للمصلحة العامة ،مع ضركرة حصوؽبم على تعويض عادؿ كىي عبارة عن ذبسيد لفكرة اغبقوؽ
اؼبكتسبة كىو أيضا ما يتسق مع فكرة اغبماية الدبلوماسية.
أما اليوـ فقد اكبصرت فكرة اغبد األدىن يف معاملة األجانب كأصبح يف كل دكلة اؼبساكاة بُت
اؼبواطن كاألجنيب يف حدكد ما يسمح بو النظاـ القانوين الوطٍت كما يبثلو من سيادة كىذا سباشيا مع احًتاـ
حقوؽ اإلنساف ،كىو ما برز جليا يف التعليق رقم 15لسنة 1986كالذم جاءت بو اللجنة اؼبعنية
حبقوؽ اإلنساف ،حيث قالت دبساكاة اعبميع من مواطنُت كأجانب يف التمتع باغبقوؽ الواردة يف العهد
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .28 - 26
-2أضبد البخارم ،أمينة جرباف ،اؼبرجع السابق ،ص .7 ،6
][34
الدكيل للحقوؽ االقتصادية كاالجتماعية كالثقافية بغض النظر عن مبدأ اؼبعاملة باؼبثل أك جنسية
1
األجانب.
كقد ظهر أيضا ما يسمى بنظاـ االمتيازات األجنبية كىو يعٍت كجوب اخضاع األجانب يف أية
دكلة إىل قانوف بلدىم األصلي الذم وبملوف جنسيتو بذريعة ضباية الرعايا األكربيُت خارج أكطاهنم
كخباصة التجار منهم ،كىو ما طبق فعال على دكؿ مثل :الصُت ،اػبالفة العثمانية ،إيراف ،مصر ،كدكؿ
أخرل من إفريقيا كآسيا.
كاألمر اؼبؤكد أف ىذا النظاـ ىو نظاـ استعمارم فرض دبوجب معاىدات غَت متكافئة كأصبح ينظر إليو
اآلف على أنو من ـبلفات القانوف الدكيل التقليدم ،فقد ألغي يف تركيا دبوجب معاىدات لوزاف بتاريخ
1923/07/24كألغي يف مصر دبوجب معاىدة مونًتك اؼبربمة بتاريخ 1927/05/08ككذلك األمر
2
يف إيراف كالصُت.
أما نظاـ اغبماية الدبلوماسية فهو حق أصيل سبلكو الدكؿ كيبكنها أف تتنازؿ عنو ،كما أف
الدكلة غَت ؾبربة على اللجوء إليو ،كىو حق فبنوح للدكؿ ال لألفراد لكن مباشرة اغبماية الدبلوماسية
يقتضي توافر شركط معينة كىي أف تتدخل دكلة اعبنسية غبماية أحد رعاياىا يف دكلة اإلقامة إذا
انتهكت حقوقو بشكل ىبالف مقتضيات القانوف الدكيل ،لكن هبب أف يكوف الشخص اؼبطلوب ضبايتو
دبلوماسيا من رعايا الدكلة اؼبطالبة باغبماية ،كأف يكوف قبل ذلك قد استنفد صبيع طرؽ الطعن الداخلية
3
كأال يكوف ارتكب خبطئو يف دكلة اإلقامة عمال ىبالف القانوف الداخلي ؽبا.
كيقاؿ أف اغبماية الدبلوماسية كجدت قبل أف يتم االعًتاؼ اغبقيقي حبقوؽ اإلنساف كقبل
تشكلها بالوجو اغبايل اؼبعركفة بو اليوـ ،لذا انقسم الرأم داخل عبنة القانوف الدكيل يف شأف العالقة بُت
4
حقوؽ اإلنساف كاغبماية الدبلوماسية إىل اذباىُت ،األكؿ يرانبا متماثالف كالثاين يرل فيهما غَت ذلك.
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .17 ،16
-2د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع نفسو ،ص .18 ،17
-3د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع نفسو ،ص .19 ،18
-4د أضبد أبو الوفا ،اؼبرجع السابق ،ص .145
][35
المطلب الرابع :الحرية والسلطة
العالقة بُت اغبرية كالسلطة عالقة ىامة كالبد منها ذلك أف اغبرية ال تقوـ إال يف اطار من
التنظيم االجتماعي كالسياسي كاالقتصادم ،كىو ما يعترب نظاما ؿبددا كىذا النظاـ ال يبكن أف يكوف إال
بوجود سلطة تسهر على تسيَته ،حيث أف أم تفكك يف تنظيم اجملتمع ينعكس بدكره على تفكك
1
السلطة كنتيجة لذلك تزكؿ اغبرية لوجود عنف سبارسو عصابات معنية كل ؽبا ىدؼ.
كاغبرية ال يطالب هبا الفرد إال إذا أحس أف الظركؼ االقتصادية بدأت تتآكل لذا يقوؿ الفقيو
"السكي" يف ىذا اؼبعٌت ":إذا بدأ االقتصاد يف ؾبتمع ما يتأزـ كيتدىور ،فهنا تصبح اغبرية يف خطر،
فاػبطر يولد اػبوؼ كاػبوؼ يريب الشك ،كىنا يبدأ اغباكموف باػبشية من اغبرية ألهنم ال يشعركف بأف
احملكومُت مل يعودكا يف يسر كأهنم مل يعودكا يؤمنوف بأساليبهم يف اغبكم كأهنم -أم -احملكوموف-
يتطلعوف إىل شيء جديد كيتوقوف إىل أكضاع سبكنهم من القضاء على العوز ،فإذا مل يعمل اغباكموف
على إصالح النظم االقتصادية بالطرؽ سليمة العواقب اضطركا إىل إخفات صوت احملكومُت القلقُت
2
بالقوة كعبأكا إيل العنف ليتمكنوا من احملافظة على سلطاهتم كامتيازاهتم".
فأصحاب النظرية الفوضوية يركف تناقضا بُت السلطة كاغبرية كمن ىؤالء األؼباين "ماركس شًتنر"
حيث يقوؿ" :ليس للدكلة سول ىدؼ كاحد :اغبد من طاقة الفرد كتركيضو كإذاللو ،كإخضاعو ؼبا ىو
عاـ ،فهي ليست سول سبظهر اغبد من الذات ،فليس من دكلة تسعى إىل حرية الفرد ،بل ىدفها العمل
3
على النشاط الذم يتعلق دبصَتىا".
كيرل الفرنسي "بركدكف" أف اغبرية الفردية مطلقة يف مواجهة السلطة الشاملة للسلطة العليا اؼبتحكمة،
بينما الركسي "باكونُت" يعترب أف الدكلة ىي حالة عابرة يف الزمن كأهنا دبا سبثلو من سلطة ذبتمع لديها
4
كل اآلفات السالبة للحرية خالؿ استعباد احملكومُت كافسادىم.
][36
كيف االذباه اآلخر يعترب القديس اإليطايل "توما اإلكويٍت" بأف السلطة كاغبرية متالزماف ماداـ
ىناؾ عدؿ فالعدؿ ىو الذم يؤدم إىل انسجاـ عمل اغبكومة مع الطبيعة ،كيعترب "ىيغل" أف اغبرية ال
توجد إال يف اطار منظم سبثلو الدكلة اغباكمة" :كوف اإلنساف يف ذاتو كلذاتو مل يوجد ليستعبد ىذه
حقيقة ندركها كضركرة عقلية فقط ،لكي نكف عن إدراكها كمثل ؾبرد علينا أف نعًتؼ أف فكرة اغبرية
1
ال توجد بالفعل إال يف كاقع الدكلة".
كيؤكد "ىاركلد السكي" بضركرة اؼبوازنة بُت اغبرية كالسلطة بقولو" :ككاجبنا ىو أف كبقق التوازف
بُت اغبرية اليت كبتاجها كالسلطة اليت ال غٌت عنها ،ذلك التوازف الذم يبعث لدل الرجل اؼبتوسط
إحساسا كاضحا بأف لديو ؾباال فسيحا للتعبَت اؼبستمر عن شخصيتو" ،كمن جهة ثانية فإنو ال يرل
كجودا للحرية إال يف جو من الديبقراطية حيث يقوؿ ":إف كل من يتأمل العالقة بُت اغبرية كبُت األنظمة
اؼبوجودة يف أم دكلة ،سيجد من الصعب عليو أف يقاكـ االستنتاج بأف اغبرية ال يبكن أف تتوفر بدكف
2
ديبقراطية".
يرل "مونتيسكو" بأف اغبرية تتوافق مع القانوف فمىت لو كانت اغبرية ىي ما نريد فإهنا تظل مع
ذلك ؿبدكدة بقيود القانوف حيث يقوؿ ":إف اغبرية ىي سلطة القوانُت ،ال سلطة الشعب كسلطة
القوانُت ىي حرية الشعب ،إف اغبرية ىي اغبق يف فعل كل ما تسمح بو القوانُت ،كإذا كاف بإمكاف
مواطن ما أف يفعل ما سبنعو ،فإنو لن يكوف ىناؾ حرية ،ألف اآلخرين سيكوف لديهم كذلك ىذه
3
القدرة".
إذا فتنظيم اغبريات ىو ؾباؿ ؿبجوز للقانوف ؼبا يبثلو من ضمانة كربل ،كىذا يرجع باألساس إىل
الشكلية اليت يصدر هبا من عالنية كمناقشة ،باإلضافة إىل أنو من أىم خصائص القاعدة القانونية ىي
4
أهنا عامة كؾبردة.
][37
من اؼبرتكزات األساسية للنظاـ القانوين للحريات العامة ثالثة أشياء ىي :الديبقراطية ،أكلوية
القانوف ،كالدكر اؼبميز للقاضي.
كبالعودة إىل الديبقراطية كعالقتها باغبريات العامة يصادفنا كالـ الفقيو "جورج بوردك Georges
"Burdeauحيث يقوؿ عنها ":ىي نظاـ حكم يهدؼ إىل إدخاؿ اغبرية يف العالقات األساسية ،أم
عالقة األمر كالطاعة اللصيقة بكل ؾبتمع منظم أساسا" ،ليضيف أهنا" :الصيغة الوحيدة اليت تقًتح
كمرتكز للنظاـ السياسي كرامة اإلنساف اغبر".
فالديبقراطية حبسب "أندرم ىوريو "Andrée Hauriouىي اليت تتضمن التعايش السلمي بُت
1
السلطة كاغبرية يف إطار الدكلة.
كتعترب الديبقراطية ىي األرضية اػبصبة اليت تنشأ كتًتعرع فيها اغبريات العامة ،كالقانوف ىو
2
األداة اؼبثلى لتنظيمها ،كالقاضي ىو من يصلح لتطبيق ىذا التنظيم كضبايتو.
كال يسبغ القانوف الوضعي صفة اغبرية على أم نشاط قد يقوـ بو أم انساف إال إذا توافر فيو
شرطاف أساسياف" :األكؿ :أف ينظم نشاط الفرد تنظيما فعاال ىادفا إىل كفالة حريتو كال يتأتى ذلك إال
بأمرين اثنُت:
الثاين :أف تقرر ضمانات يف حالة اعتداء عليها :بأف زبلف اؼبمارسة اغبرة لذلك النشاط نتيجة
لتنظيمها تنظيما تشريعيا ،زبلق للفرد مكنة اقتضاء تسمح لو بالوسائل اليت تكفل احًتامها من األفراد
3
اآلخرين كمن الدكلة على حد سواء".
][38
المبحث الرابع :تشكل المنظمات الدولية المهتمة بحماية حقوق اإلنسان
بداية ظهور االعًتاؼ اغبقيقي حبقوؽ اإلنساف كاف مع بركز اؼبنظمات الدكلية كإف كانت عصبة
األمم مل ربدث أم اخًتاؽ يف باب اغبقوؽ (اؼبطلب األكؿ) ،ككذلك منظمة العمل الدكلية(اؼبطلب
الثاين) ،كيعترب انشاء ىيئة األمم اؼبتحدة اؼبنعرج اغباسم يف بداية تسمية األشياء دبسمياهتا ككانت معها
االنطالقة اغبقيقية غبقوؽ اإلنساف ،خصوصا مع استحداث اؼبيثاؽ كما تبعو من شرعة دكلية (اؼبطلب
الثالث) ،كما تالىا من نظاـ جبار يسهر على ىذه اغبماية كاجمللس االقتصادم كاالجتماعي ،كعبنة
حقوؽ اإلنساف ،كمفوض األمم اؼبتحدة السامي غبقوؽ اإلنساف ،إضافة إىل تناكؿ القضاء الدكيل يف
ىذا الشأف (اؼبطلب الرابع).
بعد انتهاء اغبرب العاؼبية األكىل ( )1918-1914عقدت دكؿ اغبلفاء اؼبنتصرين يف قصر
فرسام معاىدة السالـ مع دكؿ احملور ،كقد تضمنت ىذه اؼبعاىدة إنشاء عصبة األمم بتاريخ
، 1919/04/28كلكن كرد ىذا العهد خاؿ من أم حق إنساين بشكل كاضح بل جاء عاما بشأف
ضباية حقوؽ اإلنساف ،حىت أف حق اغبرية الدينية الذم جاء بو الرئيس األمريكي "تيودكر كيلسوف" مت
رفض إدراجو حىت كنص يف نظاـ العصبة ،فيما جاء عهد العصبة بنظاـ االنتداب اؼبشار إليو دبوجب
اؼبادة ( )23من العهد كالذم توجو ليشمل األقاليم اليت كانت ربت سلطة دكؿ احملور اؼبنهزمة ،حيث
تعهد اغبلفاء اؼبنتصركف بإشاعة الرفاىية يف ىذه األقاليم باعتبارىا أمانة مقدسة يف عنق اؼبدنية كلكن
اغبقيقة أنو استعمار جديد خلفا الستعمار قدًن.
كما ال يتضمن عهد العصبة أم آلية غبماية األقليات بل جاءت اغبماية عن طريق اؼبعاىدات
اؼبنعقدة بُت 1919ك ،1923كألف االلتزامات الناشئة عن ىذه النصوص ذات طابع دكيل كاف دكر
العصبة دبثابة الضامن لتنفيذىا ،حيث اختص ؾبلس العصبة يف النظر يف أم التماس أك عريضة تتقدـ هبا
األقليات سواء كأشخاص أك كمنظمات تنوهبم عن أم ـبالفة ؽبذه النصوص الدكلية كيعاب عليو أنو
كاف سبييزيا فلم ُرباسب صبيع الدكؿ ،باإلضافة إىل أنو ال وبمي اإلنساف لكونو إنسانا كإمبا وبميو بالنظر
إىل انتمائو العرقي أك الديٍت أك اللغوم ،كىو ما أدل إىل عدـ استقرار أكربا ،حيث اجتاحت أؼبانيا
][39
تشيكوسلوفاكيا عاـ 1939ككذلك فعلت مع بولندا ،كمن جهتها ضمت إيطاليا ألبانيا ،كنتيجة للرد
1
باستعماؿ القوة اندلعت اغبرب العاؼبية الثانية فكاف نظاـ األقليات أحد أسباهبا.
مت إنشاء منظمة العمل الدكلية سنة 1919كارتبطت بالعصبة حيث نص عهد العصبة دبوجب
اؼبادة ( )23منو على ضركرة توفَت ظركؼ عادلة لعمل النساء كالرجاؿ كاألطفاؿ ،كتعترب اؼبنظمة أقدـ
منظ مة دكلية قائمة غبد الساعة ،فبالرغم من زكاؿ العصبة إال أهنا بقيت بل كأصبحت مرتبطة هبيئة األمم
اؼبتحدة باعتبارىا ككالة متخصصة تابعة ؽبا ،كقد جاء إعالف فيالديلفيا بالواليات اؼبتحدة األمريكية شهر
نيساف 1944كالذم يربز أىداؼ منظمة العمل الدكلية مث جاء تعديل آخر على دستورىا عاـ
،1946كقبال فدستور اؼبنظمة الوارد يف الباب 13من معاىدة فرسام يعد دبثابة أكؿ اتفاقية غبقوؽ
اإلنساف كباػبصوص حقوؽ العماؿ.
كقد كصل عدد االتفاقيات اليت أقرهتا منظمة العمل الدكلية إىل حدكد 200اتفاقية حىت العاـ 2004
ربيط بكل جوانب عمل العامل كما يقتضيو ذلك من حقوؽ سواء أثناء فًتة العمل ،اؼبرض ،أك الراحة،
كعلى سبيل اؼبثاؿ نذكر االتفاقيات التالية :رقم 29لعاـ 1930كرقم 105لعاـ 1957اػباصة
بتجرًن العمل اعبربم (السخرة) ،كاالتفاقية رقم 87لعاـ 1948للحرية النقابية ،ك االتفاقية رقم 100
لسنة 1951كاؼبتعلقة باؼبساكاة يف األجور ،كاتفاقية العمل يف اؼبنزؿ لسنة ،1996كنظرا عبهود منظمة
2
العمل الدكلية منحت جائزة نوبل للسالـ سنة .1969
المطلب الثالث :إنشاء ىيئة األمم المتحدة بداية التأريخ لحقوق اإلنسان الحديثة
انعقد مؤسبر "دكمبارتوف أككس" يف عاـ 1942ضم كل الدكؿ الكربل باستثناء فرنسا ،كفيو
بدأ الكالـ عن مشركع إنشاء األمم اؼبتحدة ،ليأيت مؤسبر ساف فرانسيسكو (نيساف – )1945
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .36 -31
-2د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع نفسو ،ص .39-37
][40
اجتمعت يف 50دكلة -بعدة تعديالت على اؼبشركع السابق كيف األخَت مت توقيع اؼبيثاؽ اؼبنشئ لألمم
1
اؼبتحدة بتاريخ 26حزيراف .1945
كيبقى يف التأريخ غبقوؽ اإلنساف ثالثة شواىد كربل ال يبكن اؼبركر عليها دكف اإلشارة ؽبا كىي
أف اقبلًتا ىي أصل صدكر حقوؽ اإلنساف اؼبعاصرة ،كالواليات اؼبتحدة األمريكية تعترب أكثر الدكؿ تأثَتا
يف تشكيل نسق حقوؽ اإلنساف اغبالية ،كالياباف باعتبارىا سبثل األمبوذج الكالسيكي ؼبا يسكن خطاب
حقوؽ اإلنساف يف ؾبتمع غَت غريب ،كلكنو ينجح يف األخَت يف احًتاـ حقوؽ اإلنساف مع اغبفاظ على
2
اػبصوصية احمللية بكل اقتدار.
كيف ىذا الصدد يقوؿ أنتوين ككديويس ":حيث كانت الواليات اؼبتحدة األمريكية القوة الدافعة
كراء اإلحياء العاؼبي ػبطاب اغبقوؽ ،بينما مثلت الياباف حالة االختيار الرئيسي ؼبدل فعالية اػبطاب يف
البلداف غَت الغربية".
فالواليات اؼبتحدة األمريكية بعد هناية اغبرب العاؼبية الثانية ىي من قادت يف إطار النظاـ العاؼبي اعبديد
فكرة حقوؽ اإلنساف اغبديثة كاليت أدت إىل تأسيس منظمة األمم اؼبتحدة 3،ككاف من إقبازات ىيئة
األمم اؼبتحدة الكثَت كأبرزىا على الصعيد العاؼبي باعتباره تطورا ملفتا كىاما يف اآلف ذاتو ىو إنشاء ما
يسمى بالشرعة الدكلية كىي :اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف ،العهد الدكيل اؼبتعلق باغبقوؽ اؼبدنية
كالسياسية ،كالعهد الدكيل اؼبتعلق باغبقوؽ االقتصادية كاالجتماعية كالثقافية.
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .48
-2أنتوين ككديويس ،اؼبرجع السابق ،ص .13
-3انتوين ككديويس ،اؼبرجع نفسو ،ص .89 ،88
][41
ككاف أكؿ ما اشتغلت عليو اللجنة إعداد اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف لسنة 1948إال أنو
غَت ملزـ ،لتخرج من جديد العهدين الدكليُت للحقوؽ اؼبدنية كالسياسية كاالقتصادية كاالجتماعية
كالثقافية سنة 1954كمعهما الربكتوكوؿ اؼبلحق بالعهد الدكيل للحقوؽ اؼبدنية كالسياسية ،لكن تأخر
االعًتاؼ هبما من اعبمعية العامة 12سنة كاملة ككاف ذلك سنة ،1966كمل يدخال حيز النفاد إال
بعد مركر 10سنوات أم يف سنة ،1976كما اعتمدت اعبمعية العامة الربكتوكوؿ االختيارم الثاين
1
اؼبلحق بالعهد الدكيل اػباص باغبقوؽ اؼبدنية كالسياسية كاؼبتعلق بإلغاء عقوبة اإلعداـ سنة .1990
كقد أضحت الشرعة الدكلية سبثل معيارا كضعيا غبقوؽ اإلنساف األساسية ذبعل منها أمبوذجا
ؼبدكنة عاؼبية غبقوؽ اإلنساف كحرياتو األساسية 2،كسنخصص للشرعة الدكلية نظرا ألنبيتها مبحثا خاصا
فيما سيأيت من ىذه الدراسة
كيف سنة 1990دخل مشركع حقوؽ اإلنساف يف أزمة خصوصا بعد اهنيار االرباد السوفيايت
كظهور قول أخرل ،كؽبذه األزمة ثالثة أبعاد أثرت يف عمل القول داخل األمم اؼبتحدة:
ثالثها :بركز الدكؿ األسيوية فبعضها أكد على اؼبرجعية اإلسالمية ،فيما ركز جزء منها على
3
إقبازاتو االقتصادية كمنها الصُت.
][42
المطلب الرابع :حماية حقوق اإلنسان في إطار نظام األمم المتحدة
ضباية حقوؽ اإلنساف من مهاـ الدكلة ال ُقطرية ،فهي حجر الزاكية ألم نظاـ يهدؼ للحماية
1
الدكلية غبقوؽ اإلنساف.
لذا كاف من الضركرم أف تتوافق التشريعات الوطنية كاإلقليمية مع االتفاقيات كاؼبواثيق الدكلية
اػباصة حبماية حقوؽ اإلنساف ،كمثاؿ ذلك ؿبكمة العدؿ التابعة للجماعة األكربية قررت عاـ 1994
عدـ انضماـ اعبماعة األكربية إىل االتفاقية األكربية غبقوؽ اإلنساف إال بعد تعديل النصوص الدستورية
اليت ربكم ىذه اعبماعة ،كىذا أيضا ينبئ بشيء ىاـ كىو مسانبة اؼبنظمات اإلقليمية كالعاؼبية يف تعزيز
2
كاحًتاـ حقوؽ اإلنساف.
كتعد منظمة األمم اؼبتحدة من أىم ىذه اؼبنظمات الدكلية الساىرة على تعزيز كاحًتاـ حقوؽ
اإلنساف ؽبذا كاف لزاما على الدكؿ اؼبوقعة على اؼبيثاؽ احًتامو ،حيث تنص اؼبادة ( )103منو على
3
إعطاء األكلوية ؼبواده إذا تعارضت مع أم التزاـ دكيل آخر قد تلتزـ بو إحدل ىذه الدكؿ األعضاء.
كما أف ىناؾ بعض االتفاقيات الدكلية كاػباصة حبقوؽ اإلنساف ال ذبيز إبداء أم ربفظات
4
عليها يف حاؿ التوقيع كاؼبصادقة ،كمنها اؼبادة ( )9من اتفاقية منع التمييز يف ؾباؿ التعليم.
التحقيق يف انتهاكات حقوؽ اإلنساف يف إطار نظاـ األمم اؼبتحدة يكوف بإحدل كسيلتُت:
إما أف تكلف أجهزة األمم اؼبتحدة ؾبموعة من األفراد ألجل التحقيق يف أم انتهاؾ كإنشاء ؾبموعة
عمل أك إرساؿ بعثة خاصة ،كإما أف يعهد هبذا التحقيق إىل فرد كاحد مثل نظاـ اؼبقرر اػباص الذم
يبلك اغبق يف االتصاؿ حبكومات الدكؿ اؼبعنية لوقف أم اعتداء كضباية الضحايا ،كقد استحدث مقرر
][43
خاص يف كل من :أفغانستاف ،كوبا ،إيراف ،السلفادكر ،ىاييت ،العراؽ ،السوداف ،يوغسالفيا سابقا،
كغَتىا من الدكؿ.
كلتقريب الصورة أكثر كبيل القارئ إىل القرار رقم 935لعاـ 1994حيث أنشأ ؾبلس األمن عبنة
خرباء للتحقيق يف انتهاكات حقوؽ اإلنساف يف ركاندا ،لكن منذ 1980قررت عبنة حقوؽ اإلنساف
النظر يف أم انتهاؾ غبقوؽ اإلنساف بصفة مستقلة عن أم إجراء آخر كقد يسمى ىذا اإلجراء بػ"
التكليفات اػباصة دبوضوع ما" ،Thematic mandatesكيعهد بو إىل ؾبموعة عمل خاصة مثل
اجملموعة اػباصة باإلختفاءات القسرية ،كاجملموعة اػباصة باالعتقاؿ التعسفي ،كيبكن أيضا أف يعهد هبذا
اإلجراء إىل مقرر خاص يسمى باؼبقرر اػباص ؼبوضوع ما Thematic special rapporteur
1
مثل اؼبقرر اػباص بعدـ التسامح الديٍت ،اؼبقرر اػباص ببيع األطفاؿ ،اؼبقرر اػباص حبرية الرأم كالتعبَت.
يبلك من جهتو اجمللس االقتصادم كاالجتماعي دبوجب اؼبادة ( )68من ميثاؽ األمم اؼبتحدة اغبق
يف إنشاء عباف لتعزيز ضباية حقوؽ اإلنساف ،حيث مت إنشاء ثالثة عباف كىي:
كتربز مسانبة اجمللس االقتصادم كاالجتماعي يف ضباية حقوؽ اإلنساف من خالؿ ما يلي:
أكال -مراسلة اعبمعية العامة لألمم اؼبتحدة بكل ما يتعلق دبهامو حوؿ حقوؽ اإلنساف كما أنو ييتبٌت أم
قرار يتعلق حبقوؽ اإلنساف.
ثانيا -أصدر عاـ 1959القرار رقم F 728كالذم نص فيو على سرية الشكاكل اؼبرسلة إىل األمم
اؼبتحدة فيما ىبص حقوؽ اإلنساف ،كذلك بإعداد قائمة سرية ترسل إىل كل من عبنة حقوؽ اإلنساف
كاللجنة الفرعية حملاربة اإلجراءات التمييزية كضباية األقليات.
][44
ثالثا -تبٌت اجمللس االقتصادم كاالجتماعي عاـ 1970القرار رقم 1503كالذم أصبح يعرؼ باسم
"اإلجراء " 1503كالذم يتعلق باإلخطارات اؼبتعلقة بانتهاكات حقوؽ اإلنساف جملموعة كبَتة من
األفراد خالؿ فًتة من الزمن ،أما االنتهاكات الفردية غبقوؽ اإلنساف فإف اإلخطار عنها يتم كفقا ؼبا جاء
بو اؼبلحق االختيارم للعهد الدكيل للحقوؽ اؼبدنية كالسياسية ،أك إذا نص على اجراءاتو أم اتفاؽ دكيل
بعينو ،كما أف اإلجراء 1503يطبق على كل الدكؿ بدكف استثناء كيشمل أم انتهاؾ للحقوؽ
كاغبريات األساسية ،كاإلخطار أك الشكول يبكن أف يقدمها دبوجب ىذا اإلجراء أم شخص اك ؾبموعة
1
من األشخاص أك حىت منظمة غَت حكومية كليس بالضركرة أف يقدمها اجملٍت عليو أك فبثلو.
أكصت اللجنة التحضَتية لألمم اؼبتحدة اجمللس االقتصادم كاالجتماعي بإنشاء عبنة هتتم
حبقوؽ اإلنساف كذلك عقب انتهاء جلسات مؤسبر ساف فرانسيسكو –الذم مت فيو إقرار ميثاؽ األمم
اؼبتحدة سنة -1945كىو ما حدث بالفعل دبوجب القرار رقم ( )5لسنة 1946الصادر عن اجمللس
االقتصادم كاالجتماعي كاؼبعدؿ الحقا بالقرار رقم ( )9لنفس السنة 1946سباشيا مع نص اؼبادة
( )68من ميثاؽ األمم اؼبتحدة كاليت تنص على اختصاص اجمللس بإنشاء عباف.
كألنبية مهاـ عبنة حقوؽ اإلنساف كدكرىا يف ضباية حقوؽ اإلنساف كحرياتو األساسية أصبح االعتقاد
2
السائد حسب األستاذ أضبد أبو الوفا أهنا " :جهاز حقوؽ اإلنساف األعلى لألمم اؼبتحدة".
كذبتمع اللجنة مرة كل عاـ جبنيف يف أكائل شهر شباط كؼبدة 6أسابيع تناقش فيها أكضاع
حقوؽ اإلنساف ،كحبلوؿ سنة 1990أصبح بإمكاف اللجنة الدعوة إىل دكرات خاصة كما أهنا تقدـ
اؼبعونة الفنية للدكؿ تعزيزا كضباية ؽبذه اغبقوؽ.
كتعُت اللجنة من بُت أعضائها مقررين أك فبثلُت للقياـ بدراسات يف ؾباؿ حقوؽ اإلنساف ،كيبكن لفرؽ
العمل أك للمقررين اػباصُت عمل تقارير أك إصدار توصيات سواء إىل اللجنة أك إىل اعبمعية العامة
][45
لألمم اؼبتحدة ،كأيضا يبكنهم ازباذ كل ما يلزـ من تدابَت عند كقوع انتهاكات جسيمة غبقوؽ
1
اإلنساف.
كتعمل عبنة حقوؽ اإلنساف على استقباؿ بالغات فردية اتساقا كقرار اجمللس االقتصادم
كاالجتماعي رقم 1503لسنة 1970كىو شبرة نضاؿ حركات مناىضة االستعمار كالفصل العنصرم،
حيث تقوـ اللجنة الفرعية ؼبنع التمييز كضباية األقليات بدراسة البالغات اؼبقدمة من األفراد كحىت
اجملموعات إذا كانت ىناؾ انتهاكات غبقوؽ اإلنساف ،لتتوىل بعدىا عبنة حقوؽ اإلنساف دراسة خاصة
هبذه الدكلة اؼبتهمة بارتكاب انتهاكات ،كيتطلب األمر موافقة الدكلة اؼبعنية بذلك كأف يكوف التنسيق
معها قائما ،كىذا اإلجراء ظبتو السرية ،كبالرغم من مراجعتو سنة 2000إال أنو ال زاؿ يطلق عليو اسم
"اإلجراء ،" 1503كأصبحت اللجنة الفرعية ؼبنع التمييز كضباية األقليات ربمل منذ العاـ 1999اسم
" اللجنة الفرعية لتشجيع كضباية حقوؽ اإلنساف" ،كما أقر اجمللس االقتصادم كاالجتماعي دبوجب
القرار رقم 2000/3إنشاء فريق عمل خاص بالبالغات مؤلف من أعضاء اللجنة الفرعية لتشجيع
كضباية حقوؽ اإلنساف كيعرؼ باسم " إجراء التعامل مع البالغات ذات الصلة حبقوؽ اإلنساف" ،كهبتمع
ىذا الفريق سنويا لدراسة البالغات كالعرائض اؼبقدمة فإذا كجد انتهاكا غبقوؽ األفراد كاعبماعات وباؿ
األمر مباشرة إىل فريق عمل خاص باألكضاع Working groups on situationsكىذا الفريق
يقرر بعد الفحص إحالة أك عدـ إحالة اؼبسألة إىل عبنة حقوؽ اإلنساف.
لكن يف اإلحالة ذبتمع عبنة حقوؽ اإلنساف يف جلسة مغلقة مع إعطاء الفرصة للحكومة اؼبعنية
بإبداء مالحظاهتا قبل أف تفصل هنائيا يف اؼبوضوع ،كىذه التقارير الواردة إليها تبقى سرية ال يبكن نشرىا
إال إذا كافقت الدكلة اؼبعنية لكن يبكن لرئيس اللجنة التصريح بقائمة الدكؿ اليت تعرضت ؽبذا اإلجراء،
فمثال يف سنة 2000كانت كل من :الشيلي ،كينيا ،جزر اؼبالديف ،اإلمارات العربية ،فيتناـ،
كزيببابوم ،قد تعرضت ؽبذا اإلجراء.
كيف بعض األحياف ترفض الدكؿ التعاكف كال تريد اإلجابة ،ؽبذا تلجأ عبنة حقوؽ اإلنساف إىل
إنشاء آلية خاصة للتحقيق أك تعيُت مقرر خاص ،كىذا قد يؤدم إىل عدـ فعاليتها مثل ما حصل مع
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .67
][46
االحتالؿ اإلسرائيلي إذ رفض الفريق الذم أنشأتو اللجنة للتحقيق يف االنتهاكات اإلسرائيلية التفاقية
جنيف الرابعة يف األراضي الفلسطينية احملتلة عاـ ،1969كىو ما وبد من عمل اللجنة ،كما يعاب
عليها أثناء عملها بركز اعبانب السياسي فيو كما أف عملها تطبعو االنتقائية.
كقد أنشأت عبنة حقوؽ اإلنساف اللجنة اؼبعنية حبرية اإلعالـ كالصحافة يف دكرهتا األكىل لعاـ
1947كاليت توقفت سنة ،1952باإلضافة إىل أهنا أنشأت سنة 1947اللجنة الفرعية ؼبنع التمييز
كضباية األقليات اليت أصبحت تعرؼ –مثلما سبق ذكره -منذ العاـ 1999باسم اللجنة الفرعية
لتشجيع كاحًتاـ حقوؽ اإلنساف ،كتتكوف من 26عضوا كذبتمع مرة كل عاـ ؼبدة 4أسابيع ،لكن
بداية من سنة 2000أصبحت اؼبدة ىي 3أسابيع ،كؽبا مهمة استشارية كفنية ،كتقوـ بكل ما يطلب
منها سواء من اجمللس االقتصادم كاالجتماعي أك من عبنة حقوؽ اإلنساف(حبسب القرار اؼبؤرخ يف
،)1946/06/21أما مهمتها حىت قبل تغيَت التسمية سنة 1999مل تكن منحصرة يف ضباية
األقليات فقط ،كإمبا االىتماـ كذلك بكل ما لو عالقة حبقوؽ اإلنساف.
كمدة العضوية فيها ىي 3سنوات قابلة للتجديد ،كينتخب أعضاؤىا على أساس التوزيع
1
اعبغرايف من بُت اػبرباء الذين ترشحهم دكؽبم.
كما أنشأت عبنة حقوؽ اإلنساف ألكؿ مرة سنة 1980ؾبموعة عمل زبتص دبوضوع معُت
من مواضيع حقوؽ اإلنساف ألف الشائع قبال أنو كانت تتحدد مهمة أم ؾبموعة عمل أك أم مقرر ببلد
أك إقليم بعينو كتتمثل كظيفة ىذه اجملموعة يف مساعدة األسر ؼبعرفة مصَت أقارهبم اؼبختفُت كذلك
باالتصاؿ بسلطات البلد ؿبل البحث كيف النهاية ينتهي عملها يف حاؿ التوصل إىل مصَت ىؤالء كمكاف
2
اختفائهم.
كقد أدانت عبنة حقوؽ اإلنساف يف القرار رقم 1995/45اإلجراءات االنفرادية كالعقابية يف
آف كاحد اؼبوجهة من دكلة ضد أخرل ؼبا لو من أثر جسيم على حقوؽ اإلنساف ":استغالؿ بعض
البلداف مركزىا اؼبهيمن يف االقتصاد العاؼبي ،عن طريق تواصل تكثيف ازباذ تدابَت قسرية من جانب
كاحد ضد البلداف النامية تتناقض تناقضا جليا مع القانوف الدكيل ،مثل فرض القيود التجارية كاجراءات
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .71 -68
-2د أضبد أبو الوفا ،اؼبرجع السابق ،ص .54 ،53
][47
اغبصار كاغبظر كذبميد األرصدة ،بغرض منع تلك البلداف من فبارسة حقها يف أف تقرر على كبو كامل
1
نظامها السياسي كاالقتصادم كاالجتماعي".
مت إنشاء كظيفة مفوض األمم اؼبتحدة السامي غبقوؽ اإلنساف بعد مطالبات عدة أكؽبا كاف
تقدـ هبا "رينيو كاساف" لكنو اقًتح إسم" كظيفة مدعي عاـ" ،ليأيت بعد ذلك العديد من االقًتاحات
كمن دكؿ عدة ،حىت جاء القرار رقم 141/48اؼبؤرخ يف 1993/12/20على إثر توصية من اؼبؤسبر
العاؼبي غبقوؽ اإلنساف بفيينا سنة ،1993حيث أنشئت كظيفة اؼبفوض السامي بدرجة سكرتَت عاـ
2
مساعد.
كمن شركط اختيار اؼبفوض السامي غبقوؽ اإلنساف حسب اؼبادة ( )2من قرار اعبمعية العامة
رقم 141/48ىو أف يتمتع بكفاءة عالية يف ؾباؿ حقوؽ اإلنساف كأف يكوف من بُت الشخصيات
اؼبرموقة معنويا كأخالقيا ،كيتم اختياره باقًتاح من األمُت العاـ لألمم اؼبتحدة كدبوجب قرار من اعبمعية
العامة ،مع مراعاة التوزيع اعبغرايف لفًتة زمنية سبتد 4سنوات قابلة للتجديد مرة كاحدة فقط.
كباعتباره تابعا لسكرتارية األمُت العاـ األفبي فإنو يقدـ خدماتو لألمُت العاـ يف صبيع ما يتعلق
حبقوؽ اإلنساف من استشارات كتوصيات كخدمات فنية منها اؼبسانبة يف إزالة كل ما يعيق تطبيق حقوؽ
اإلنساف ،اقًتاح برامج تعليمية هتدؼ إىل تشجيع حقوؽ اإلنساف.
كأكؿ شخص توىل ىذه اؼبهمة ىو األكوادكرم Jose Ayala-Lassoكالذم مت تعيينو بتاريخ
1994/02/14كبعده جاءت االيرلندية Mary Robinsonسنة ،1997مث الربازيلي Sergio-
-Vieria de Melloسنة 3،2002كيتقلد اآلف كظيفة اؼبفوض السامي غبقوؽ اإلنساف "زيد رعد
اغبسُت" باعتباره سابع شخص يتوىل قيادة اؼبفوضية كذلك بتاريخ 2014/09/01بعد موافقة
][48
اعبمعية العامة يف 16حزيراف/يونيو 2014على قرار تعيينو الصادر عن األمُت العاـ لألمم اؼبتحدة ،
كأكؿ آسيوم كعريب كمسلم يشغل ىذا اؼبنصب.1
كقد كضع اؼبفوض السامي يف أكؿ األمر برناؾبا ميدانيا سبثل يف زيارة الدكؿ لتعزيز كاحًتاـ حقوؽ
اإلنساف كربط العالقات مع ـبتلف أجهزة األمم اؼبتحدة كككاالهتا اؼبتخصصة ،ككثَت من اؼبنظمات
الدكلية سواء كانت حكومية أك غَت حكومية.
كما أنشأ خطا ساخنا غبقوؽ اإلنساف يسمح ؼبركز حقوؽ اإلنساف باغبصوؿ الفورم على اؼبعلومات
اؼبتعلقة حبقوؽ اإلنساف يف اغباالت الطارئة ،ككذلك خط " الفاكسيميلي" كالذم يبكن من خاللو ألية
ضحية النتهاكات حقوؽ اإلنساف أك أحد أقاربو أك اؼبنظمات غَت اغبكومية استخدامو كىو يدخل
ضمن نطاؽ مباشرة اإلجراءات اػباصة.
2
كقد لعب اؼبفوض السامي دكرا بالغ األنبية يف أحداث ركاندا الشهَتة سنة .1994
بينما مركز حقوؽ اإلنساف الذم كاف تابعا لألمانة العامة لألمم اؼبتحدة فقد مت دؾبو مع مكتب
3
اؼبفوض السامي غبقوؽ اإلنساف سنة 1997لتحقيق أكثر فائدة.
-تعزيز كضباية التمتع الفعلي بكل اغبقوؽ السياسية كاؼبدنية كالثقافية كاالقتصادية كاالجتماعية.
-تنفيذ كل اؼبهاـ اليت يعهد هبا إليو من قبل األجهزة اؼبختصة يف األمم اؼبتحدة.
-تعزيز كضباية اغبق يف التنمية.
-كفالة اػبدمات االستشارية كاؼبساعدة الفنية كاؼبالية ،بناء على طلب الدكلة اؼبعنية كذلك من
أجل تدعيم األفعاؿ كالربامج اػباصة حبقوؽ اإلنساف.
-تنسيق برامج األمم اؼبتحدة يف ؾباؿ التعليم كاؼبعلومات العامة يف ؾباؿ حقوؽ اإلنساف.
-1مأخوذ من صفحة مكتب اؼبفوض السامي غبقوؽ اإلنساف على الشبكة العنكبوتية،
،http://www.ohchr.org/AR/Pages/Home.aspxتاريخ النظر .09:25 ،2017/09/13
-2د عبد العزيز العشاكم ،حقوؽ اإلنساف يف القانوف الدكيل ،دار اػبلدكنية ،اعبزائر ،2009 ،ص .179 -176
-3د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .74 ،73
-4د أضبد أبو الوفا ،اؼبرجع السابق ،ص .159 ،158
][49
-اؼبسانبة بدكر فعاؿ يف إزالة العقبات اغبالية كمواجهة ربديات اإلقباز الكامل غبقوؽ اإلنساف،
كمنع استمرار انتهاكات حقوؽ اإلنساف يف العامل.
-الدخوؿ يف حوار مع كل اغبكومات من أجل كفالة احًتاـ حقوؽ اإلنساف.
-تشجيع التعاكف الدكيل لتعزيز كضباية كل حقوؽ اإلنساف.
-تنسيق أنشطة تعزيز كضباية كل حقوؽ اإلنساف من خالؿ نظاـ األمم اؼبتحدة.
-ترشيد كتقوية كتعزيز آلية األمم اؼبتحدة يف ؾباؿ حقوؽ اإلنساف من أجل تعزيز فاعليتها.
-اإلشراؼ على مركز حقوؽ اإلنساف.
-ارساؿ تقرير سنوم إىل عبنة حقوؽ اإلنساف ،كمن خالؿ اجمللس االقتصادم كاالجتماعي إىل
اعبمعية العامة لألمم اؼبتحدة".
ربيل اعبمعية العامة كل ما يتعلق حبقوؽ اإلنساف إىل عبنة الشؤكف االجتماعية كاالنسانية كالثقافية
(اللجنة الثالثة) ،كما قد ربيلها إىل عباف أخرل مثل عبنة الشؤكف السياسية كاألمن (اللجنة األكىل)،
اللجنة السياسية اػبا صة ،اللجنة االقتصادية كاؼبالية (اللجنة الثانية) ،عبنة الوصاية (اللجنة الرابعة)،
اللجنة القانونية (اللجنة السادسة) ،لكنها قد تأخذ بزماـ الدراسة ألم موضوع يتعلق حبقوؽ اإلنساف
دكف الرجوع إىل أم من ىذه اللجاف ،كىو ما مت ضد حكومة جنوب افريقيا دبوجب بند "سياسة الفصل
العنصرم" ،كبند " تقرير اللجنة اػباصة اؼبعنية بالتحقيق يف اؼبمارسات االسرائيلية اليت سبس حقوؽ
1
اإلنساف لسكاف األراضي احملتلة".
كمن األجهزة اليت قد تنشئها اعبمعية العامة لألمم اؼبتحدة دبوجب اؼبادة ( )22من اؼبيثاؽ كاؼبعنية
حبقوؽ اإلنساف ما يلي:
-اللجنة اػب اصة اؼبعنية حبالة تنفيذ اعالف منح االستقالؿ للشعوب كالبلداف اؼبستعمرة (عبنة ألػ
)24قرار رقم ( 1954د )16-بتاريخ .1961/11/27
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .62
][50
-اللجنة اػباصة ؼبناىضة الفصل العنصرم القرار رقم ( 1761د )17 -بتاريخ
.1962/11/06
-مؤسسة األمم اؼبتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) القرار رقم ( 57د )1-بتاريخ
.1964/12/11
-مفوضية األمم اؼبتحدة لشؤكف الالجئُت القرار رقم ( 319د )4-بتاريخ ،1949/12/03
ككذلك النظاـ األساسي للمفوضية اؼبعتمد من اعبمعية العامة القرار رقم ( 428د )5-بتاريخ
.1950/12/15
كمن اللجاف الفرعية اؼبعنية حبقوؽ اإلنساف يف فلسطُت :ككالة األمم اؼبتحدة إلغاثة كتشغيل الالجئُت
1
الفلسطينيُت (القرار رقم 3/212لعاـ )1948كالقرار رقم 4/302بتاريخ .1949/12/08
كمن أبرز أعماؿ اعبمعية العامة لألمم اؼبتحدة دعوهتا إىل عقد اجتماعُت عاؼبيُت بشأف حقوؽ
اإلنساف ،األكؿ انعقد يف طهراف عاـ 1968حضره فبثلو 84دكلة كمن أىم ما جاء فيو اعتبار أف
اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف يشكل التزاما يقع على عاتق كل أعضاء اجملتمع الدكيل.
إضافة إىل اؼبؤسبر العاؼبي غبقوؽ اإلنساف اؼبعقد يف فيينا ( )25-14حزيراف ،1993كالذم حضره فبثلو
171دكلة كما يزيد عن 800من اؼبنظمات غَت اغبكومية ،كقد ناقش فيو اغباضركف ما مت إحرازه من
تقدـ منذ اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف ،كالسبيل الذم ينبغي أف تتخذه األمم اؼبتحدة ألجل ضباية
فعالة ؽبذه اغبقوؽ ،ككذلك التوفيق بُت السيادة الوطنية كعاؼبية حقوؽ اإلنساف.
كقد أقرت اعبمعية العامة برنامج عمل فيينا يف الدكرة 48دبوجب القرار رقم 121/48بتاريخ
2
.1993/12/20
كمن إسهامات اعبمعية العامة لألمم اؼبتحدة يف تعزيز كضباية حقوؽ اإلنساف أهنا أنشأت كظيفة
اؼبفوض السامي لشؤكف الالجئُت دبوجب القرار رقم 482سنة ،1950ليحل ؿبل منظمة الالجئُت
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .62
-2د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع نفسو ،ص .63 ،62
][51
الدكلية كاليت مت النص يف نظامها األساسي على أهنا ليست منظمة دائمة كىو ما يعترب أمرا نادر الوجود
1
يف اؼبواثيق اؼبنشئة للمنظمات الدكلية السابقة كحىت الالحقة.
ككذلك إنشاء كظيفة اؼبفوض السامي غبقوؽ اإلنساف بتاريخ -1993/12/20مثلما سبق ذكره-
2
كما تتلقى اعبمعية العامة التقارير من اجمللس االقتصادم كاالجتماعي بشأف كضعية حقوؽ اإلنساف.
كبدءا من عاـ 1993أرسلت األمم اؼبتحدة مشرفُت على حقوؽ اإلنساف مثل إرساؽبا أكثر
من 120مشرفا إىل يوغسالفيا سابقا ،كبورندم ،كىدفهم اإلبالغ عن أم انتهاؾ كاؼبسانبة يف اغبد من
3
التعدم على اغبقوؽ كاغبريات ،كاغبصوؿ على اؼبعلومات اغبقيقية عن أكضاع حقوؽ اإلنساف.
كبالعودة إىل أغلب االتفاقيات الدكلية الصادرة عن األمم اؼبتحدة كاػباصة حبقوؽ اإلنساف،
قبدىا تنص على نظاـ التقارير كوسيلة رقابية الحقة على الدكؿ ؼبتابعتها عن كثب حوؿ تطبيق ما مت
االتفاؽ عليو ،كال يبكن االطالع على ذلك إال من خالؿ تقارير ترسلها كل دكلة على أف تتوىل اللجنة
اؼبختصة االطالع عليها ،كىو ما مت النص عليو يف العهدين الدكليُت للحقوؽ مثال ،لكن اؼبالحظ ىو
تأخر الدكؿ يف إرساؿ ىذه التقارير فحىت أكتوبر 1993كصل عدد الدكؿ اليت مل ترسل تقاريرىا يف
الوقت اؼبتفق عليو إىل 72دكلة طرفا يف اتفاقية القضاء على كل أشكاؿ التمييز ضد اؼبرأة ،كىو ما
4
يدعو إىل التأكيد على أف ىذه التقارير تفقد فعاليتها أماـ عدـ استجابة الدكؿ يف تطبيق التزاماهتا.
كقد كصل التأخر يف عدـ تقدًن التقارير اػباصة بالعهد الدكيل للحقوؽ اؼبدنية كالسياسية إىل
أكثر من 11سنة كاملة كما يف حاليت "كينيا كمايل" بالرغم من اؼبراسالت العديدة كاليت كصلت إىل
231خطابا ،كاألمر أيضا سواء حىت لدل الدكؿ اؼبتقدمة فأسًتاليا كالربتغاؿ كصل التأخر لديهما إىل 6
سنوات ،كىو ما دفع باعبمعية العامة لألمم اؼبتحدة للتعبَت عن امتعاضها دبوجب القرار رقم 87/51
5
لعاـ ،1996كطالبت ىذه الدكؿ بضركرة اإلسراع يف إرساؿ تقاريرىا ألنو جزء من التزاماهتا الدكلية.
][52
الفرع السادس :القضاء الدولي وحقوق اإلنسان
نركز يف ىذا اعبزء من الدراسة على ؿبكمة العدؿ الدكلية باعتبارىا جزءا من األمم اؼبتحدة،
فبموجب اؼبادة ( ) 34من النظاـ األساسي حملكمة العدؿ الدكلية فإف الدكلة كحدىا من سبلك حق
التقاضي أمامها ،لكنها أكدت دبا ال يدع ؾباال للشك أف حقوؽ اإلنساف كاحًتامها تدخل يف نطاؽ
اىتماـ كل الدكؿ كىي ـباطبة بذلك ،كمن اغبقوؽ اليت تعرضت احملكمة غبمايتها :اغبماية الدبلوماسية،
إنكار العدالة ،جريبة إبادة اعبنس ،التمييز العنصرم ،احًتاـ اغبقوؽ اؼبكتسبة ،القانوف الدكيل اإلنساين،
1
اغبق يف تقرير اؼبصَت ،ضباية البيئة ،ضباية اغبق يف اغبياة اػباصة ،كغَتىا من اغبقوؽ.
قضية حق اللجوء ( ،) 1951قضية رعايا الواليات اؼبتحدة األمريكية يف اؼبنطقة الفرنسية من اؼبغرب
( ،)1952قضية خاصة حبقوؽ الطفل ( ،)1958الدبلوماسيُت األمريكيُت يف طهراف (.)1980
كفيما ىبص آراءىا االستشارية فقد تعرضت إىل حقوؽ اإلنساف يف :الرأم اػباص بالتعويضات
( ،)1949الرأم اػباص بأثر التحفظات على اتفاقية إبادة اعبنس ( ،)1951كما يبكن أف تأخذ
احملكمة تدابَت مؤقتة غبماية حقوؽ اإلنساف يف حاؿ االستعجاؿ إذا كاف من شأف ذلك أف يؤدم إىل
2
زكاؿ حقوؽ يصعب تداركها.
كبالرغم من أىلية التقاضي أماـ ؿبكمة العدؿ الدكلية باعتبارىا أىم جهاز قضائي لألمم
اؼبتحدة كىذه األىلية زبص الدكؿ فقط إال أف الكثَت من قرارات احملكمة اىتمت حبماية حقوؽ اإلنساف
كمنها على سبيل اؼبثاؿ أهنا قررت أف اغبقوؽ األساسية لإلنساف تنشئ التزامات يف مواجهة الكافة كىذا
دبناسبة نظرىا يف قضية برشلونة للقطر كاإلنارة (بلجيكا ضد اسبانيا) ،كفبا جاء يف القرار أيضا ىو أف
حقوؽ اإلنساف ليست ؿبال للتعاقد بل ربمل الصفة اؼبوضوعية لطبيعتها احملضة (سنة .)1970
][53
كيف قرار آخر صادر بتاريخ 1980/05/24خبصوص الرىائن األمريكيُت احملتجزين يف السفارة
األمريكية بطهراف ،أكدت احملكمة على اإلفراج الفورم عن ىؤالء الدبلوماسيُت حبجة أف ذبريد اإلنساف
من حريتو كفبارسة اإلكراه اعبسدم عليو يف ظركؼ غَت مالئمة ىو خرؽ للمبادئ اإلنسانية.
كمن بُت األحكاـ الصادرة عن ؿبكمة العدؿ الدكلية كاليت مل يستجب إليها كمل وبدث أية
عقوبة على الدكلة اؼبخالفة قضيتُت على سبيل اؼبثاؿ ال اغبصر:
ففي قضية (الجراند )La grandبعد صدكر حكم من احملاكم األمريكية يقضي بإعداـ
األخوين األؼبانيُت ،تدخلت أؼبانيا لدل ؿبكمة العدؿ الدكلية مطالبة بازباذ تدابَت استعجالية لوقف تنفيذ
عقوبة اإلعداـ حبجة انتهاؾ الواليات اؼبتحدة لنص اؼبادة ( )36من اتفاقية فيينا لعالقات القنصلية
( ،)1963حيث مل تعلم سلطات الواليات اؼبتحدة ىذين األؼبانيُت حبقهما أثناء التوقيف طلب
اؼبساعدة القنصلية ،كبالرغم من صدكر قرار من ؿبكمة العدؿ الدكلية بازباذ تدابَت استعجالية لوقف
تنفيذ العقوبة إال أف الواليات اؼبتحدة األمريكية أنفذت حكم اإلعداـ بتاريخ 2001/06/27كمل تباؿ
بقرار ؿبكمة العدؿ الدكلية الزباذ تدابَت استعجالية.
كقد كانت الواليات اؼبتحدة األمريكية السباقة يف عدـ األخذ بأحكاـ ؿبكمة العدؿ الدكلية يف
قضية باراغوام ضد الواليات اؼبتحدة أك ما يعرؼ بقضية " ،"Breardفقد مت اعدامو بتاريخ
1998/04/14رغم صدكر قرار ؿبكمة العدؿ الدكلية قبل ذلك بازباذ التدابَت اؼبستعجلة يوـ
، 1998/04/09كبالعودة إىل قضية األخوين األؼبانيُت فقد اعتربت احملكمة دبوجب اؼبادة ( )6من
العهد الدكيل للحقوؽ اؼبدنية كالسياسية أنو انتهاؾ للحق يف اغبياة اػباصة ،كما أصدرت احملكمة الكثَت
1
من اآلراء االستشارية خبصوص ضباية حقوؽ اإلنساف.
كال يبكن ألم أجنيب يدعي انتهاؾ حقوقو إال الرجوع إىل قضاء الدكلة اليت حصل فيها االنتهاؾ
كال يبكنو طلب اغبماية الدبلوماسية من دكلتو ،فعليو أكال استنفاد طرؽ الطعن الداخلية ،كمن اؼبشاكل
اليت تثور يف ح اؿ تطبيق مبدأ استنفاد طرؽ الطعن الداخلية مشكلة انكار العدالة ،كاليت انقسم الفقو
بشأهنا إىل اذباىُت:
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .78 -74
][54
االذباه األكؿ :يقوؿ بأنو يف حاؿ صدكر حكم قضائي فإنو ال تعترب حالة انكار العدالة قائمة ،فاإلنكار
فقط يتجسد يف حاؿ رفض تقاضي األجانب أماـ احملكمة.
االذباه الثاين :إنكار العدالة يتحقق يف حاؿ فبارسة ضغوط على األجنيب من قبيل طلب رشاكم ،أك
استعماؿ التهديد ،أك إطالة إجراءات احملاكمة بغَت سبب جدم ،أك إساءة استعماؿ ىذه اإلجراءات ،أك
صدكر حكم قضائي بضغط من السلطة التنفيذية ،أك إذا كاف باغبكم ظلم بُت ،أما اػبطأ يف اغبكم
لوحده حسب ىذا االذباه الفقهي فإنو ال يبثل إنكارا للعدالة كىو ما جاء أيضا يف حكم حملكمة العدؿ
الدكلية يف قضية "اللوتس" حيث أف اػبطأ يف اغبكم نتيجة ػبطأ يف توظيف القانوف ال يهم القانوف
الدكيل بل يهم القانوف الداخلي ،كال يبكن أف يتدخل القانوف الدكيل إال إذا خالف القضاء الوطٍت
1
قاعدة اتفاقية أك كاف ىناؾ إنكار للعدالة.
كحسب ؿبكمة العدؿ الدكلية فإنو ال يبكن اللجوء إىل ازباذ أم إجراء دكيل طاؼبا مل يتم بعد
2
استنفاد طرؽ الطعن الداخلية كاعتربهتا قاعدة ثابتة يف القانوف الدكيل العريف.
كقد قرر ؾبمع القانوف الدكيل عاـ 1956أف أية دكلة تتدخل لصاحل مواطنيها يرفض فقط ىذا
التدخل إذا كانت الدكلة اؼبدعى عليها توفر من كسائل جرب الضرر ما يكفي للشخص اؼبضركر،
3
خصوصا إذا كاف اغبصوؿ على تعويض فعاؿ باستعماؿ طرؽ الطعن الداخلية مل يستنفد بعد.
كقد جاء يف قرار ؾبمع القانوف الدكيل اؼبنعقد يف ميالف اإليطالية سنة 1994يف ربديد عالقة
القاضي الوطٍت بتطبيق القانوف الدكيل يف أية قضية مطركحة أمامو كما يلي:
" -1أف القاضي الوطٍت لو حق تطبيق كتفسَت القانوف الدكيل باستقالؿ كامل كأنو ليس ىناؾ ما يبنع
من أف تطلب احملاكم رأم السلطة التنفيذية بشرط أال يكوف لذلك آثار ملزمة لتلك احملاكم.
-2أف على القاضي الوطٍت عند تطبيقو لقانوف أجنيب أف يرفض تطبيقو إذا كاف ـبالفا للقانوف الدكيل.
][55
-3أف على احملاكم الوطنية رفض تطبيق أية معاىدة دكلية غَت صحيحة أك انقضت كليا أك جزئيا ،حىت
كلو كانت دكلة اإلقليم مل تنتهيها.
-4أ ف على احملاكم الوطنية أف ربيل إىل السلطة التنفيذية خصوصا تلك اؼبكلفة بالسياسة اػبارجية
1
إثبات الوقائع The asscertainment-letablissementاليت زبص العالقات الدكلية".
أما بالنسبة للمحكمة اعبنائية الدكلية فإف إنشاءىا يعود إىل القرار الصادر عن اعبمعية العامة
لألمم اؼبتحدة رقم 160/52سنة ،1997الداعي النعقاد مؤسبر ركما من الفًتة اؼبمتدة من 15جواف
اىل 17جويلية 1998كىو ما مت فعال ،كمهمة احملكمة ىي ؿباكمة مرتكيب اعبرائم ضد اإلنسانية ككل
2
ما من شأنو أف يؤذم حقوؽ البشر اإلنسانية.
يعد ميثاؽ األمم اؼبتحدة أكؿ كثيقة دكلية تتكلم عن حقوؽ اإلنساف كال يضَتىا أهنا جاءت
عامة (اؼبطلب األكؿ) ،لتأيت الشرعة الدكلية كتزكي ىذا اؼبسعى فاإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف على
عيوبو فقد جاء حب قوؽ أكثر فبا جاءت بو سلفو لكنو غَت ملزـ (اؼبطلب الثاين) ،بينما جاء العهداف
الدكلياف للحقوؽ يف شكل اتفاقية دكلية كؽبا من اآلليات ما يبكنهما من تطبيق ما جاء من أحكاـ
(اؼبطلب الثالث) ،إضافة إىل ذكر مصادر القانوف الدكيل غبقوؽ اإلنساف (اؼبطلب الرابع).
جاءت حقوؽ اإلنساف يف ميثاؽ األمم اؼبتحدة عامة كال يوجد ىناؾ تفصيل دقيق ؽبا ،كما مل
وبتو اؼبيثاؽ على أية آلية قد ذبرب الدكؿ على الوفاء بالتزاماهتا اؼبتعلقة حبماية حقوؽ اإلنساف على الرغم
من أف كفود كوبا كالشيلي كبنما اؼبشاركة يف مؤسبر "ساف فرانسيسكو" قدمت اقًتاحا بشأف ربديد قائمة
غبقوؽ اإلنساف األساسية لكنو جوبو بالرفض.
كقد خرج اؼبيثاؽ بغَت تعديل مثلما ىو عليو اآلف ،حيث أف كركده هبذا الشكل ساعد دكال
بعينها مثل الدكؿ االستعمارية كفرنسا كبريطانيا ،كساعد الواليات اؼبتحدة اليت كانت تعيش اؼبيز
][56
العنصرم ،كنفس األمر بالنسبة للسوفيات االشًتاكيُت كالشيوعيُت يف آف كاحد كالذم كاف اغبكم لديهم
متشددا.
أيضا فالرغبة يف ذبنب ربديد اغبقوؽ كانت كاضحة يف عدـ اشًتاط االعًتاؼ حبقوؽ اإلنساف
كشرط للعضوية ،بل كقف أمامو مبدأ قوم كىو ما جاء يف اؼبادة ( )1/2بشأف مساكاة الدكؿ يف
السيادة ،كاألمم اؼبتحدة ال تتدخل إال على أساس تشجيع احًتاـ كتعزيز حقوؽ اإلنساف ،أما التدخل
باستعماؿ القوة فال يكوف إال إذا كاف من شأف ىذه االنتهاكات أف تشكل خطرا على السلم كاألمن
1
الدكليُت مىت توافقا مع نصي اؼبادتُت ( )7/2ك ( )55من اؼبيثاؽ.
تعود نشأة اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف إىل طلب تقدمت بو اعبمعية العامة لألمم اؼبتحدة
بتاريخ 1946/12/10إىل عبنة حقوؽ اإلنساف كاليت عقدت أكؿ دكرة ؽبا بُت 27جانفي ك 10
فيفرم 1946حيث تشكلت عبنة الصياغة من 8دكؿ ىي :اسًتاليا ،الصُت ،فرنسا ،لبناف ،االرباد
السوفيايت ،الواليات اؼبتحدة األمريكية ،كاؼبملكة اؼبتحدة ،كبعدىا اتفقت عبنة الصياغة على إنشاء
ؾبموعة عمل لدراسة االقًتاحات كقد تشكلت من السيدة " ركزفلت" ،كالسيد " شانغ" ،كالسيد "شارؿ
مالك" اللبناين اعبنسية كذلك بتاريخ (حزيراف ،)1947كقد طلبت ؾبموعة العمل من السيد "رينيو
كاساف" إعداد مشركع الشرعة اؼبقًتحة.
كيف الدكرة الثانية للجنة حقوؽ اإلنساف (جنيف /كانوف األكؿ )1947مت حبث تقرير عبنة الصياغة
الذم تضمن اقًتاح مشركع اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف ككذلك مشركع اتفاقية دكلية غبقوؽ
اإلنساف ،كيف الدكرة الثالثة للجنة (حزيراف )1948مت اعتماد مشركع اإلعالف دبوافقة 12عضوا من
أعضائها كامتناع 4أعضاء يبثلوف كال من :ركسيا البيضاء ،أككرانيا ،االرباد السوفيايت ،يوغسالفيا ،كبعد
ذلك مت مناقشة مشركع اإلعالف من قبل اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة لألمم اؼبتحدة (اللجنة
االجتماعية كاإلنسانية كالثقافية) كقد ساد اجتماعات اللجنة -كصلت إىل إحدل كشبانُت (-)81
اجتماعا جو من الصراع بُت اؼبعسكرين الشرقي كالغريب ،ليتم عقب ىذا الصراع الكبَت عرض اؼبشركع
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .85 ،84
][57
على اعبمعية العامة لألمم اؼبتحدة كاليت اعتمدتو يف 1948/12/10بقصر ( شايو )Chaillot
بباريس حبضور 58دكلة ،كافقت عليو 48دكلة كامتنعت عن التصويت عليو 8دكؿ ىي :ركسيا
البيضاء ،تشيكوسلوفاكيا ،بولندا ،اؼبملكة السعودية ،أككرانيا ،االرباد السوفيايت ،جنوب افريقيا،
كيوغسالفيا ،كتغيبت عن التصويت دكلتاف نبا :اؽبندكراس كاليمن.
كترجع أسباب امتناع الدكؿ الشيوعية كاالشًتاكية عن قبوؿ اإلعالف العتقادىم بأف فكرة
اإلنسانية قد مت االستحواذ عليها من قبل أصحاب ايديولوجية الفردية الربجوازية ،حيث رأكا فيو تركيزا
على ا غبقوؽ اؼبدنية كالسياسية دكف غَتىا انتصارا لفكرة الرأظبالية ،كما أعابوا عليو عدـ تنظيم كاجبات
الفرد ذباه اجملتمع ،ككذلك كاف ىذا حاؿ صبيع شعوب العامل غَت البيضاء كالنساء كاألقليات اعبنسية
كالبلداف النامية ،ككل من ال ينتمي إىل الثقافة الغربية ،شعركا بأهنم قد أقصوا من مشولية مفهوـ حقوؽ
اإلنساف ،أما سبب امتناع السعودية فأسبابو دينية حبتة كمنها اؼبادة ( )16اليت تعًتؼ للرجل كاؼبرأة حبق
1
الزكاج كتأسيس أسرة بغض النظر عن العرؽ ،اعبنسية ،كالدين.
كمن ميزات اإلعالف أنو ابتعد عن القضايا اؼبثَتة للجدؿ يف عمومو كركز فقط على نقاط
االتفاؽ احملتمل ،كما سبيز بطابعو العاـ اؼبوسع لنصوصو ،كقد ازبذ اؼبنهج الفرنسي من الناحية الشكلية
من خالؿ اإلقرار باؼببدأ العاـ للحق دكف الدخوؿ يف أية تفصيالت عن اغبق كمضمونو ،لكنو أخذ أيضا
باؼبنهج األقبلوسكسوين حيث مل يكتف بذكر اغبق بل زاد يف ربديد مضمونو بشيء من التفصيل،
كاؼبثاؿ على ذلك ما كرد يف اؼبادة ( )3اؼبتعلقة باؼبساكاة كعدـ التمييز ،كاؼبادة ( )18اؼبتعلقة حبرية الفكر
كالضمَت كالدين ،كاؼبادة ( )25اؼبتعلقة حبق العيش دبا وبفظ الكرامة البشرية.
كما سبيزت اغبقوؽ اؼبعًتؼ هبا كوهنا عاؼبية فهي تقررت لصاحل اإلنسانية الكامنة داخل كل
شخص كىو ما حدا إىل تسميتو باإلعالف العاؼبي كليس الدكيل حىت ال يقف على االختالفات اؼبوجودة
بُت الدكؿ سواء العقائدية منها أك االقتصادية ،كما جاء خاليا من أية إشارة إىل مربرات فلسفية أك
عقائدية بالرغم من هنلو من معُت اغبقوؽ الطبيعية اليت تعرب عن عصر األنوار ،لكنو جاء أيضا تعبَتا عن
الوضعية القانونية اؼبسًتشدة بالقانوف الوضعي النافذ ،فقد كاف مشركع اإلعالف يف األعماؿ التحضَتية لو
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .93 -90
-أنتوين ككديويس ،اؼبرجع السابق ،ص .152 ،18
][58
ؿبل نقاش كاسع بُت إبراز فكرة أف اإلنساف ـبلوؽ من اهلل كبُت من يرل العكس ،كبرز ىذا التطاحن
أيضا أثناء الد كرة السابعة للمجلس االقتصادم كاالجتماعي حيث رأل فبثال ىولندا ككندا بضركرة
اإلشارة إىل اهلل كللخالق بصفتو مصدرا غبقوؽ اإلنساف ،لكن يف اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة
أبدل فبثلو كال من :الربازيل ،األرجنتُت ،كولومبيا ،كبوليفيا تصورىم بشأف ذكر أف اإلنساف بصفتو ـبلوقا
على صورة اهلل ،حيث أثارت صياغة اؼبادة ( )1إشكالية كبَتة كذلك لوركدىا بالشكل التايل....":كقد
كىبوا بالطبيعة عقال كضمَتا "....الواردة يف اؼبشركع ،حيث أحدثت كلمة "الطبيعة" جدال كاسعا دبا أهنا
فسرت على كوهنا رفض لوجود اػبالق (اهلل) باعتباره مصدر حقوؽ اإلنساف ،كلتجنب اػبالؼ مت
انتزاعها نزعا كأُقر اإلعالف بدكهنا كقد جاء نص اؼبادة ( )1كما ىو معركؼ اآلف هبذا الشكل ":يولد
صبيع الناس أحرارا متساكين يف الكرامة كاغبقوؽ ،كقد كىبوا عقال كضمَتا كعليهم أف يعامل بعضهم
1
بعضا بركح اإلخاء" ،كما سبيز اإلعالف بتغليب اؼبفهوـ الليبَتايل للحقوؽ كاغبريات.
كيبثل كال من اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف كالعهدين الدكليُت للحقوؽ اؼبدنية كالسياسية
كاالقتصادية كاالجتماعية كالثقافية مرجعية حقوؽ اإلنساف يف إطار األمم اؼبتحدة كتسمى ؾبتمعة
بالشرعة الدكلية –مثلما سبقت اإلشارة إليو -كقد كصفت احملكمة الدستورية العليا يف مصر اإلعالف
العاؼبي غبقوؽ اإلنساف كالعهدين الدكليُت بأهنم يبثلوف تراثا انسانيا يف حكم ؽبا يعود إىل العاـ
2
.1997
كبالرجوع إىل قيمة اإلعالف العاؼبي فإنو يبقى غَت ملزـ باعتبار أنو صدر عن اعبمعية العامة
لألمم اؼبتحدة يف شكل توصية تدعو إىل احًتاـ حقوؽ اإلنساف ،فهو إذا عبارة عن قاعدة عرفية غَت
ملزمة ،كأيضا فاإلعالف مل يعمل على إنشاء أجهزة تسهر على تطبيق ما جاء فيو كاحملكمة مثال أك
ؾبلس أك ككاالت تستطيع رصد ضباية حقوؽ اإلنساف سواء يف الدكؿ اؼبتقدمة أك السائرة يف طريق
3
النمو.
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .100 -93
-2د أضبد أبو الوفا ،اؼبرجع السابق ،ص .28
-3د عيسى بَتـ ،اؼبرجع السابق ،ص .147
][59
فا إلعالف ليس اتفاقا دكليا كبذلك فهو ال يبلك أية قيمة إلزامية ،لكن البعض يرل فيو على
الرغم من أنو توصية صادرة عن اعبمعية العامة فإنو يبقى ذا إلزاـ معنوم كأديب عبميع الدكؿ ،حيث أف
أغلب اغبقوؽ الواردة فيو أصبحت دبثابة القانوف الدكيل العريف ،ككاف القصد من عدـ جعلو إلزاميا يف
شكل اتفاقية دكلية حىت يتم قبولو من لدف العدد األكرب من دكؿ العامل ،كما ربيل الكثَت من االتفاقيات
كاؼبواثيق الدكلية إىل اإلعالف ،كمقدمة االتفاقية األكربية غبقوؽ اإلنساف ( ،)1950كالعهدين الدكليُت
( ،)1966كاالتفاقية األمريكية غبقوؽ اإلنساف ( ،)1969كاؼبيثاؽ اإلفريقي غبقوؽ اإلنساف كالشعوب
(.)1981
كأيضا ىناؾ اتفاقيات دكلية تتبٌت اإلعالف كىو ما مت بوضوح إبرازه يف مؤسبر فيينا غبقوؽ اإلنساف
لعاـ ، 1993حيث اعترب اإلعالف دبثابة مصدر إؽباـ يف ؾباؿ ضباية حقوؽ اإلنساف ،كنفس الشيء كرد
يف البياف اػبتامي الصادر عن مؤسبر األمن كالتعاكف األكريب (ىلسنكي ،)1975كالذم أصبح يعرؼ
ابتداء من سنة 1995دبنظمة األمن كالتعاكف األكريب ،كما تبنتو العديد من دساتَت الدكؿ العربية كاف
أبرزىا الدستور اعبزائرم لسنة 1963دبوجب اؼبادة ( )11منو ،كأيضا دساتَت كل من :اليمن ،موريتانيا،
جيبويت ،الصوماؿ.
كما استند إليو القضاء الوطٍت يف بعض الدكؿ على غرار ما جاء يف قضية "باريب" حيث
استندت علو ؿبكمة النقض الفرنسية عاـ ،1983أما ؿبكمة العدؿ الدكلية فلم يكن كاضحا أخدىا
بو ،لكن كردت اإلشارة إليو يف بعض األحكاـ كاآلراء االستشارية فمثال كرد ذكره يف قضية اؼبوظفُت
الدبلوماسيُت األمريكيُت احملتجزين يف طهراف سنة ،1980ككذلك قضية اللجوء بُت البَتك ككولومبيا،
كقضية شركة النفط اإلقبليزية اإليرانية سنة ،1952كأيضا سبت اإلشارة إليو من قبل القاضي اللبناين يف
ؿبكمة العدؿ الدكلية حوؿ رأيو االستشارم يف قضية ناميبيا ،كاعترب أف األحكاـ الواردة يف اإلعالف سبثل
القانوف الدكيل العريف ،كبالتايل فإهنا تلزـ الدكؿ باعتبارىا كذلك.
بينما ىناؾ جانب من الفقو الدكيل ال يرل يف اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف عرفا دكليا ،ألف
اإلعالف حسبهم عندما صدر فإنو جاء بشكل جديد كمل يأت الحقا ألية قاعدة عرفية سابقة عليو حىت
يكوف كاشفا ؽبا بل ىو منشئ لقواعد جديدة ،حيث يرل األستاذ " "Sudreأف اؼببادئ اؼبقررة يف
اإلعالف ترسخت يف القانوف الدكيل كيف القوانُت الداخلية للدكؿ ليس كوهنا أعرافا بل دبوجب االتفاقيات
][60
كاؼبعاىدات ،كالبعض من الفقو يرل بأف الطابع العريف لإلعالف يشمل حقوقا دكف غَتىا من اليت كردت
فيو سبثيال فهو عريف يف حالة اغبق يف عدـ اػبضوع للتعذيب كالرؽ كالسخرة ،كالتمييز العنصرم كاغبق يف
1
اغبياة.
كيرل جانب فقهي آخر أف صدكر اإلعالف يف شكل توصية ال يهم بقدر ما يهم أنو أصبح
2
جزءا من القانوف النافد أك القانوف الصلب يف إطار القانوف الدكيل غبقوؽ اإلنساف.
كلو أخذنا مثال الفقيو " دكجي" – قبل صدكر اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف -كالذم يذىب
إىل حد بعيد يف ىذا الشأف كيؤكد أف إلعالنات اغبقوؽ قوة قانونية تتجاكز بكثَت قوة النصوص
الدستورية كالدساتَت ذاهتا ،كىذا بعكس الفقيو" كارييو دم مالبَت" ك "اظباف" اللذاف اعترباىا ؾبرد إعالف
للمبادئ كليست يف مستول القانوف النافد ،بينما يرل "نعيم عطية" أف إعالنات اغبقوؽ حىت كإف كانت
نصوصها عامة كمنفصلة عن الدستور الذم جاء بعدىا -يف أكربا كالواليات اؼبتحدة -إال أنو يعتربىا
بن فس قوة الدستور ذلك أف اؽبيئة اؼبنشئة لو ىي نفسها اؼبنشئة لإلعالف كتطبق طواؿ الفًتة الزمنية اليت
3
يطبق فيها الدستور.
كيعتقد "أنتوين ككديوس" أف اغبقوؽ الواردة يف اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف ىي يف األصل
سبثل " اغبماية اػبفيفة كغَت اؼبفيدة" ،لكن ارباد الدكلة كالرأظبالية أديا إىل كضع حدكدا على اغبياة
البشرية من خالؿ اإلقرار اػبفي بضركرة التضحية بعدد من األفراد ،فاإلعالف يف حقيقتو ىبدـ
4
الالمساكاة.
بدأت عبنة حقوؽ اإلنساف يف إعداد مشركع عهد دكيل غبقوؽ اإلنساف سنة ،1949كقد
أقرت اعبمعية العامة لألمم اؼبتحدة أف يكوف ىذا العهد مشتمال على كل اغبقوؽ سواء كانت مدنية
كسياسية ،أك اقتصادية ،اجتماعية ،كثقافية دبوجب قرارىا رقم 421ق (د )5الصادر بتاريخ
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .111 -106
-2د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع نفسو ،ص .61
-3د نعيم عطية ،اؼبرجع السابق ،ص .158 ،157
-4أنتوين ككديويس ،اؼبرجع السابق ،ص .45 ،44
][61
، 1950/12/04لكنها تراجعت عن ىذه اػبطوة كطلبت من عبنة حقوؽ اإلنساف إعداد عهدين
منفصلُت أحدنبا للحقوؽ اؼبدنية كالسياسية ،كاآلخر للحقوؽ االقتصادية كاالجتماعية كالثقافية كذلك
دبوجب القرار رقم 6/543يف دكرهتا السادسة لعاـ ،1952كىو ما حصل فعال ،فقد أهنت اللجنة
1
عملها كأصدرت العهدين سنة .1966
كإذا فصلنا بالبحث أكثر يف نوعية اغبقوؽ اليت احتول عليها العهداف ،قبد أف اغبقوؽ اؼبدنية
كالسياسية تعترب يف نظر الكثَتين أهنا سبثل اغبقوؽ التقليدية ،كيعرفها البعض بأهنا حقوؽ سلبية أم أف
إعما ؽبا يكوف يف امتناع الدكلة عن التدخل يف التمتع هبا كفبارستها ،كما تعرؼ ىذه اغبقوؽ أيضا بأهنا
سبثل اعبيل األكؿ للحقوؽ.
لكن أيضا ىناؾ التزامات إهبابية لتأمُت ىذه اغبقوؽ من خالؿ توفَت ما يلزـ لذلك كىو ما جاء التأكيد
عليو يف التعليق العاـ للجنة حقوؽ اإلنساف رقم ( )3لسنة 1981كاػباص بتنفيذ العهد على اؼبستول
الوطٍت ":من الضركرم لفت انتباه الدكؿ األطراؼ إىل أف االلتزاـ دبقتضى العهد ال يقتصر على احًتاـ
حقوؽ اإلنساف ،بل إف الدكؿ األطراؼ قد تعهدت كذلك بأف تضمن التمتع هبذه اغبقوؽ عبميع األفراد
اؼبوجودين ضمن كاليتها ،كأف ىذا اعبانب يتطلب أنشطة ؿبددة من قبل الدكؿ األطراؼ لتمكُت األفراد
2
من التمتع حبقوقهم".
كتكملة ؽبذا اؼبعٌت فإف الواليات اؼبتحدة األمريكية كدكؿ الغرب عامة استطاعت حصر حقوؽ
اإلنساف كقوهتا يف إطار ضيق ىو اغبقوؽ اؼبدنية كالسياسية ،لكن ىذا العمل رافقو كيرافقو مقاكمة عنيفة
من دكؿ العامل اآلخر ،لعل أبرزىا حسب األستاذ "انتوين ككديويس" ما أظباه "العاؼبية اعبديدة" من أجل
أف تكوف اغبماية متاحة للجميع ب غض النظر عن اعبنس أك اللوف أك الدين ،ككذلك اغبق بشكل متساك
يف الوصوؿ إىل اؼبعلومات كاالتصاالت ،سبكينا كتيسَتا ألم فرد للتمتع حبرية التعبَت ،كضركرة اؼبساكاة يف
اغبقوؽ االقتصادية كاالجتماعية مقارنة باغبقوؽ اؼبدنية كالسياسية حىت يبكن مثال أف يستفاد من حقوؽ
3
التنمية كاغبقوؽ الوطنية بشكل هبعل الدكؿ الغنية تفي بالتزاماهتا ذباه الدكؿ الفقَتة.
-1د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع السابق ،ص .112
-2د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،اؼبرجع نفسو ،ص .123 ،122
-3أنتوين ككديويس ،اؼبرجع السابق ،ص .197
][62
فالعهد الدكيل اػباص باغبقوؽ االقتصادية كاالجتماعية كالثقافية مل يأت بنفس قيمة العهد
اػباص باغبقوؽ اؼبدنية كالسياسية ،كالدليل على ىذا التمايز ىو ما جاء يف حاشية النص الرظبي
لال تفاقيتُت كما يلي ":إف أكلئك الذين يبيلوف لكتابة اتفاقيتُت منفصلتُت يؤكدكف أف اغبقوؽ اؼبدنية
كالسياسية كانت مفركضة – أك قابلة للعدالة -أك ؽبا شخصية مطلقة ،يف حُت أف اغبقوؽ االقتصادية
كاالجتماعية كالثقافية مل تكن كذلك كردبا مل يكن ؽبا تلك القابلية ،حيث أف األكىل كانت قابلة للتطبيق
يف اغباؿ بينما األخَتة كاف عليها أف تطبق تدرهبيا ،كيبكن القوؿ بوجو عاـ األكىل ىي حقوؽ الفرد يف
مواجهة الدكلة......بينما األخَتة تعد حقوقا على الدكلة أف تتصرؼ بشكل إهبايب
لتحسينها... .كمسألة نسخ اتفاقية أك اثنتُت كانت متعلقة بشكل كثيق دبسألة التطبيق.....كطاؼبا أف
اغبقوؽ يبكن تقسيمها إىل نوعُت رئيسيُت – فبا هبعلها تتعرض إلجراءات ـبتلفة يف التطبيق -فسوؼ
1
يكوف من اؼبنطقي كاؼبالئم كضع اتفاقيتُت منفصلتُت".
دبا أف حقوؽ اإلنساف جزء من القانوف الدكيل فإهنما يرجعاف يف اؼبصادر إىل نفس اؼبنشأ كؼبعرفة
مصادر حقوؽ اإلنساف يكوف لزاما الرجوع بالبحث يف اؼبصادر التقليدية للقانوف الدكيل فلو تفحصنا
اؼبادة ( ) 38من ميثاؽ ؿبكمة العدؿ الدكلية باعتبارىا " سبثل البياف اؼبرجعي اؼبقبوؿ لتلك اؼبصادر"،
قبدىا على ىذا الًتتيب:
اؼبعاىدات. -1
العرؼ الدكيل. -2
2
اؼببادئ العامة للقانوف اليت تعًتؼ هبا األمم. -3
ككذلك قرارات اؼبنظمات الدكلية. -4
][63
الفرع األول :المعاىدات
تعترب أحسن صيغة يبكن العمل هبا يف إطار القانوف الدكيل ؼبا تتصف بو العالقات الدكلية من
تعقيد شديد كتطور سريع ،باإلضافة إىل أف اؼبعاىدات ىي أفضل طريقة يبكن للدكؿ ـباطبة بعضها
البعض من خالؽبا خصوصا أماـ قاعدة السيادة كعدـ القبوؿ باػبضوع ألية سلطة خارجية غَت تلك
النابعة من داخل كل دكلة على حدة.
فاؼبعاىدات أك االتفاقيات ال تكمن أنبيتها يف كوهنا ملزمة للدكؿ اؼبوقعة عليها فقط بل تعترب الرقابة
اؼبفركضة على مدل احًتامها كآليات ذلك من أىم ما يدعم قوة ىذا اعبانب من العالقات الدكلية
كمصدر من مصادر حقوؽ اإلنساف ذات القيمة العالية خبالؼ التوصيات ،اإلعالنات ،كحىت القرارات
1
اؼبلزمة يف أحياف ،فكل ىذه ليست بقوة اؼبعاىدات.
ال زاؿ اجملتمع الدكيل يف تطور مستمر كأغلب القواعد القانونية الدكلية اليت صيغت يف شكل
اتفاقيات كاف مصدرىا األكؿ ىو العرؼ ،كيف ىذا الباب يقوؿ األستاذ جعفر عبد السالـ علي ":يوضح
ذلك ما تقرره الالئحة اؼبنظمة لعمل عبنة القانوف الدكيل ،كاليت جعلت على عاتقها تقنُت القواعد
القانونية الدكلية اليت مصدرىا العرؼ كتطويرىا" ،كأغلب األعراؼ اليت ربولت إىل قواعد ضابطة غبقوؽ
اإلنساف كاف مصدرىا األكؿ ىو تعاليم الديانات اؼبختلفة كقواعد األخالؽ ،كاليت استمر العمل هبا مع
االعتقاد بإلزاميتها إىل أف أضحت قواعدا للقانوف الدكيل غبقوؽ اإلنساف ،كىو ما يفسر التشابو الكبَت
2
بُت اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف كالعهدين الدكليُت كاتفاقيات حقوؽ اإلنساف األمريكية كاألكربية.
يقصد هبا " :اؼببادئ العامة اليت تسود يف دائرة القانوف الداخلي كبالذات يف األنظمة القانونية الرئيسية يف
3
العامل ،كاؼبتفق على أهنا :النظاـ االسالمي ،كالنظاـ األقبلوساكسوين ،كالنظاـ الالتيٍت كالنظاـ اعبرماين".
][64
ىذه األنظمة تسود فيها مبادئ رئيسية متشاهبة تسعى صبيعها إىل ربقيق العدالة كاؼبساكاة بُت
الناس ،كال شك أف ىذه األنظمة ىي اليت دفعت بالعديد من اؼببادئ القانونية اؼبتصلة باحًتاـ حقوؽ
1
اإلنساف إىل دائرة القانوف الدكيل.
زبتلف باختالؼ اؼبنظمات اليت تصدرىا لكن ىناؾ قرارات ملزمة تتخذىا اؼبنظمات ذات
الطابع الفدرايل كقرارات اجملتمعات األكربية أك اليت تصدرىا احملاكم الدكلية كاإلقليمية كقرارات ؿبكمة
العدؿ الدكلية كاحملكمة األكربية غبقوؽ اإلنساف باإلضافة إىل القرارات اليت تصدر عن بعض ىيئات
األمم اؼبتحدة كمجلس األمن الدكيل إعماال للفصل السابع من ميثاؽ األمم اؼبتحدة.
أما اإلعالنات كالتوصيات فهي غَت ملزمة كلكن أنبيتها تكمن يف أهنا تعزز اإلشارة كالتذكَت حبقوؽ
2
اإلنساف الواردة يف االتفاقيات الدكلية لتتبناىا الحقا.
مثلما ىو اغباؿ يف عدـ االتفاؽ على تعريف كاحد سواء غبقوؽ اإلنساف أك اغبريات العامة،
فإنو مل يكن ىناؾ إصباع على تقسيم كاحد للحقوؽ كاغبريات (اؼبطلب األكؿ) ،لكن يبقى أف ىناؾ
ؾبموعة من اغبقوؽ البارزة اليت ال بد من ذكرىا (اؼبطلب الثاين) ،كالشريعة اإلسالمية الدين احملفوظ من
اهلل عز كجل جاء حبقوؽ عديدة كشاملة ككاملة بشكل مل كلن تستطيع أم ديانة أخرل ،ك ال عبقرية
اإلنساف تستطيع الوصوؿ إليها عن طريق القانوف الوضعي غَت اؼبتفق عليو كسريع التغَت (اؼبطلب
الثالث).
ىناؾ من يصنف اغبريات إىل حقوؽ لصيقة بشخص اإلنساف كاليت ال تنفصل عنو لطبيعتو
اإلنسانية كمنها :اغبق يف األمن ،حرمة اغبياة اػباصة ،حرية التفكَت ،حق االجتماع ،حق اؼبلكية ،كحق
العبادة.
][65
كيقابلها اغبقوؽ كاغبريات االجتماعية كاالقتصادية كىي اغبقوؽ اليت ال يبكن اغبصوؿ عليها كاالستفادة
منها إال إذا تدخلت الدكلة لتوفَتىا ببذؿ ؾبهود إهبايب فهي دبثابة التزاـ يقع على عاتق الدكلة فمثال حق
االنضماـ اىل نقابة ما يتطلب اعًتاؼ الدكلة حبرية النشاط النقايب ،كىو ما ذىب إليو الفقيو الفرنسي
ليوف دكجي ( )Deguitحيث قاؿ بأف اغبقوؽ السلبية ىي اليت يستفيد منها الشخص دبعزؿ عن تدخل
1
الدكلة بينما اغبقوؽ اإلهبابية فإنو ال يبكن االستفادة منها إال بعد تدخل الدكلة.
أما الفيلسوؼ اإلقبليزم " جوف ستيوارت مل" كيف مقالو عن اغبرية ""An essgy liberty
فقد عرؼ اغبرية يف جانبها السليب بقولو ":اجملاؿ الذم أستطيع فيو أف أعمل ما أريد دكف تدخل من
اآلخرين يف حرييت" ،كأفعاؿ األفراد حسبو دائما تنقسم إىل تصرفات ذاتية زبص الفرد كحده دكف غَته
كال وبق ألم كاف كحىت الدكلة أف تتدخل ،كىناؾ تصرفات ثانية تؤثر على أشخاص آخرين يبكن
2
التدخل فيها بالقدر الذم وبمي اآلخرين فقط.
حيث أف اغبرية دبعناىا السليب توجب نزع كل قيد عن إرادة اإلنساف ألف يعمل كما يشاء ككما
وبب من غَت إكراه ،كبغض النظر عن اعبهة اليت قد يصدر عنها ،حىت اف السلطة ال يبكنها ذباكز ىذه
اإلرادة اإلنسانية كال أف تضع عليها أية قيود كمن ىذه اغبريات دبعناىا السليب اغبقوؽ الشخصية كاؼبدنية
3
كاستقالؿ الشخصية كالعالقات الشخصية.
أما اغبرية دبعناىا اإلهبايب فتعٍت حرية الفرد يف رقابة اغباكم عن طريق اؼبشاركة يف صنع السياسة أم
قدرة الفرد يف صناعة قناعتو حبرية من غَت أم تدخل فقد يشارؾ يف اختيار اغباكم كقد يأيت يوما كيرل
4
يف نفسو القدرة على أف يصبح ىو نفسو اغباكم كلو كامل اغبرية يف ذلك.
كىناؾ دراسة فقهية تسمى بدراسة "برلُت" سبحورت حوؿ اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف كميزت
بُت اغبريات السلبية كاغبريات االهبابية ،حيث أ ف اغبريات السلبية ىي تلك اؼبنتزعة من الدكلة كاغبقوؽ
اؼبدنية كالسياسية ،أما اغبريات اإلهبابية فهي اليت تدكر حوؿ ما يبكن أف تدعمو الدكلة يف إطار التزاماهتا
-1د كامل السعيد ،د منذر الفضل ،اؼبرجع السابق ،ص .178
-2د كامل السعيد ،د منذر الفضل ،اؼبرجع نفسو ،ص .179 ،178
-3د عيسى بَتـ ،اؼبرجع السابق ،ص .44
-4د عيسى بَتـ ،اؼبرجع نفسو ،ص .46 ،45
][66
بتنفيذ اغبقوؽ االقتصادية كاالجتماعية كالثقافية ،حيث كصل اغبداثيوف األمريكيوف إىل نتيجة مفادىا أف
اغبريات السلبية أك ثر أنبية من اغبريات االهبابية لكنهم رأكا بضركرة كضع قيود على اغبرية الفردية
1
الكامنة يف سلوؾ الدكلة لصاحل اغبريات االهبابية احملددة يف اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف.
كقد أخلط الفقهاء اليونانيوف ككذلك فالسفة العقد االجتماعي كحىت يف عصر الثورة الفرنسية
بُت اغبرية كاؼبساكاة ،فاعتربكا أف اغبرية ال تتحقق إال بوجود اؼبساكاة كما داـ أف اؼبساكاة موجودة فاغبرية
أيضا حاضرة حيث يقوؿ دكجي ":إذا كاف تصرؼ الدكلة قبلو من خالؿ قاعدة عامة تطبق على
2
اعبميع ،كلو كانت تنطوم على االستبداد كالظلم".
أما الفقيو الفرنسي "أظباف" فقد صنف اغبرية إىل مساكاة كحرية فقد فرؽ بُت اؼبساكاة اؼبدنية
Légalité civileكبُت اغبرية الفردية ،كمبدأ اؼبساكاة يتفرع عنو أربعة حقوؽ كىي :اؼبساكاة أماـ
القانوف ،اؼبساكاة أماـ القضاء ،اؼبساكاة يف تويل الوظائف العامة ،اؼبساكاة أماـ الضرائب ،أما اغبرية
3
الفردية فإهنا تتفرع إىل حريات ذات صبغة مادية كحريات ذات صبغة معنوية.
][67
حرية تكوين اعبمعيات. -4
حرية التعليم. -5
بينما "ركش كبويل "Roche et Pouilleفقد صنفا اغبرية إىل أربعة أصناؼ كما سيأيت:
أ -2-اغبرية الفردية :كتتمثل يف :االستقالؿ الوطٍت التاـ ،احًتاـ حق الدفاع ،حرية الذىاب
كاإلياب ،اغبق يف سرية اغبياة اػباصة.
اإلنساف بصفتو فردا يف اجملتمع فإنو يبلك ؾبموعة من اغبقوؽ كىي: ب-
ب -1-حقوؽ الفرد داخل اجملتمع :اغبق يف اؼبساكاة ،اغبقوؽ السياسية ،حق اؼبلكية.
ب -2-حق التواصل مع الغَت :حرية الرأم ،اغبريات اعبماعية(اعبمعيات ،التجمعات) ،حرية
التعليم.
ب -3-حق اؼبواطن كفاعل اقتصادم :حرية التجارة كالصناعة ،حرية اختيار اؼبهنة ،اغبق النقايب،
حرية العمل كاغبق يف التشغيل.
اغبريات األساسية كاغبريات األخرل :كتتفرع إىل فرعُت اثنُت كما سيأيت: -2
اغبريات األساسية :Liberté fondamentalesكيعود استعماؿ ىذا اؼبصطلح ألكؿ مرة أ-
إىل القرار الصادر عن اجمللس الدستورم الفرنسي بتاريخ 11-10أكتوبر .1984
حريات أقل ضباية :كتتمثل يف حق االتصاؿ السمعي البصرم ،حرية التجارة كالصناعة، ب-
حرية العمل كباألخص حق اؼبلكية.
اغبريات الشكلية كاغبريات اغبقيقية. -3
اغبريات السياسية كىي حالة خاصة. -4
][68
كالبعض من الفقهاء صنفها من حيث طبيعة اؼبصلحة اليت ربققها إىل:
بينما يرل جانب من الفقهاء اؼبصريُت أف اغبقوؽ كاغبريات تنقسم إىل ثالثة أنواع كىي:
كأيضا ىناؾ اذباه يف الفقو الفرنسي قسم اغبقوؽ كاغبريات إىل ثالثة أجياؿ كىي:
][69
اعبيل الثالث :كتسمى حبقوؽ التضامن كتشمل :اغبق يف التنمية ،اغبق يف ضباية البيئة ،اغبق يف السالـ
1
كاألمن ،اغبق يف الًتاث اؼبشًتؾ لإلنسانية.
كىذا التوجو يف تصنيف اغبقوؽ كاغبريات إىل ثالثة أجياؿ قبده عند فقهاء آخرين لكن اختلف اؼبضموف
نوعا ما عن سابقو كقد جاء كما يلي:
اعبيل األكؿ :وبتوم على اغبقوؽ السلبية كهتدؼ إىل ضباية حرية اإلنساف الفردية كمثاؽبا اؼبواد من 2إىل
21من اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف.
اعبيل الثاين :وبتوم على اغبقوؽ اإلهبابية كهتدؼ إىل ضباية حقوؽ اإلنساف االقتصادية كاالجتماعية
كالثقافية كمثاؽبا اؼبواد من 22إىل 27من اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف ،ككذلك اغبقوؽ الواردة يف
العهد الدكيل للحقوؽ االقتصادية كاالجتماعية كالثقافية.
اعبيل الثالث :أك ما يعرؼ باغبقوؽ اعبماعية كمثاؽبا اؼبادة ( )28من اإلعالف العاؼبي غبقوؽ اإلنساف
ككذلك اغبق يف التنمية كالبيئة ،اغبق يف السالـ كسيادة الدكؿ على مواردىا الطبيعية ،كحق تقرير
2
اؼبصَت.
ىناؾ الكثَت من اغبقوؽ اؼبعًتؼ هبا عاؼبيا ككطنيا ،لكننا رأينا يف االقتصار على ذكر أنبها ،كاإلشارة
إليها يف التشريع اعبزائرم من خالؿ ىذه الفركع الستة التالية.
نظرا لتوسع حقوؽ اؼبلكية يف الغرب كما قابلو من توسع غبقوؽ العماؿ يف الدعوة إىل
3
اإلضراب كالتحريض على ذلك أصبح يشكل جدارا تصادميا مع حق اؼبلكية.
][70
كقد ظهر يف الفقو الغريب يف جزء منو يف القرف 19التساؤؿ التايل" :ما الفائدة من ضباية اؼبالؾ
1
كأمالكهم كإعطائهم ضباية قانونية إذا مل يزيدكا يف الثركة الوطنية؟"
مت النص على اغبق يف اؼبلكية اػباصة يف الدستور اؼبعدؿ لعاـ 2016ربت رقم ( )64كما
يلي:
األمالؾ الوقفية كأمالؾ اعبمعيات اػبَتية معًتؼ هبا ،كوبمي القانوف زبصيصها".
تعٍت حرية الرأم سبكُت كل إنساف من التعبَت عن آرائو كأفكاره للناس سواء كاف ذلك بشخصو
أك بوسائل النشر اؼبختلفة ،أك بواسطة اؼبسرح أك السينما أك عن طريق الوسائل السمعية كالبصرية.
ك"حرية التعبَت ىي أساس اغبقوؽ يف خطاب حقوؽ اإلنساف األمريكي اغبايل كبالتايل نتيجة
اعبهد اإلدارم للمحكمة" ،كاؼبقصود ىنا ىي احملكمة العليا األمريكية ،كىو ما يؤكد عليو القاضي "
فرانكفورتر" ،أحد قضاهتا يف رأيو اؼبنفصل ":إف حرية التعبَت ىي مصدر حضارتنا ،اغبضارة اليت نسعى
للحفاظ عليها ،كبعد ذلك يأيت اإلقرار حبق الكونغرس يف كضع بعض القيود على التعبَت ،ىكذا تكوف
2
متناقضات اغبياة".
حرية فبارسة العبادة مضمونة يف ظل احًتاـ القانوف" ،كنصت اؼبادة ( )48على أف" :حريات التعبَت،
كإنشاء اعبمعيات ،كاالجتماع مضمونة للمواطن".
][71
الفرع الثالث :حق األمن
كيقصد بو أال يقبض على اإلنساف أك وببس إال كفقا للحاالت اؼبنصوص عليها قانونا ،كىو
1
معيار حقيقي يبكن من خاللو قياس مدل احًتاـ اغبرية الشخصية.
حق األمن منصوص عليو يف الدساتَت اعبزائرية السابقة على تنوعها ،فقد كاف التعديل
الدستورم لعاـ 1996ينص على ىذا اغبق يف اؼبواد ( )48 ،46 ،45 ،34لتصبح اؼبادة ()34
ربمل الرقم 40دبوجب التعديل اعبديد 01/16كقد أضيفت ؽبا فقرة ثالثة جديدة:
" اؼبعاملة القاسية أك الالإنسانية أك اؼبهينة يقمعها القانوف" ،أما اؼبادة 45فأصبحت ربمل
الرقم ( )56مع تغيَت يف نصها مع التأكيد ألكؿ مرة يف تاريخ اعبزائر على احملاكمة العادلة.
بينما اؼبادة 46من التعديل اؼبعدؿ أصبحت ربت الرقم ،58كاؼبادة 48ربولت إىل اؼبادة 60
كأضافت ألكؿ مرة ضركرة إعالـ اؼبوقوؼ للنظر حبقو يف االتصاؿ دبحاميو لكن قيدتو بسلطة القاضي
التقديرية يف حالة الظركؼ االستثنائية.
تعٍت أف اإلنساف حر يف ازباذ أم مكاف ؿبال لإلقامة أك السكن بغَت قيد من السلطة العامة،
كأف يوفر لو من اغبماية ما ي كفي للتمتع هبذا اغبق سواء كاف مالكا أك مستأجرا ،كأال يتعدل عليو كإف
2
لزـ أف يكوف ىناؾ تفتيش فال يتم إال بتصريح من السلطة اؼبختصة كأف تكوف أسبابو قائمة كحالة.
كقد نصت اؼبادة ( )55من التعديل الدستورم اعبديد دبوجب القانوف رقم 01/16على أف:
"وبق لكل مواطن يتمتع حبقوقو اؼبدنية كالسياسية ،أف ىبتار حبريػة موطن إقامتو ،كأف يتنقل عرب الًتاب
الوطٍت.
][72
حق الدخوؿ إىل الًتاب الوطٍت كاػبركج منو مضموف لو" ،حيث أضيف ؽبا فقرة ثالثة دبوجب ىذا
التعديل جاءت نصها كما يلي ":ال يبكن األمر بأم تقييد ؽبذه اغبقوؽ إال ؼبدة ؿبددة كدبوجب قرار
مربر من السلطة القضائية".
كما نصت اؼبادة ( )47من الدستور على حرمة انتهاؾ أم مسكن حبجة التفتيش إال يف حالة
الضركرة كدبقتضى أمر مكتوب صادر عن السلطة القضائية ككفقا للقانوف.
ىي حرية أم شخص يف االنتقاؿ من مكاف آلخر داخل القطر الوطٍت بغَت قيد أك شرط مهما
1
كاف ،ككذلك حرية التنقل من كإىل اػبارج كالعكس كفقا ؼبا يشًتطو القانوف.
كقد نصت على ىذا اغبق اؼبادة ( )55من التعديل الدستورم رقم 01-16السابق ذكرىا.
كتعٍت أف " :اإلنساف حر يف أف يعرب عن أفكاره كما يريد فيما يكتبو من رسائل فال هبوز أف تنتهك
سرية ىذه اػبطابات ،كىذه اغبرية ال ربمي اػبطابات فقط بل سبتد إىل كل الوسائل اليت تشبهها
2
كاحملادثات التلفونية مثال ،فالقاعدة أنو ال هبوز أف يسًتؽ السمع إىل ىذه احملادثات أك يفشى سرىا".
كجاء النص على سرية اؼبراسالت يف اؼبادة ( )17من العهد الدكيل للحقوؽ اؼبدنية كالسياسية،
كاؼبادة ( )21من اؼبيثاؽ العريب غبقوؽ اإلنساف.
كقد نص الدستور اعبزائرم على أف للمواطنُت اغبق يف سػرية اؼبراسالت يف الدستور اؼبعدؿ لعاـ
1996ربت رقم ( )39كلكن بصيغة غَت مستساغة ،فنصت على أف:
" ال هبوز انتهاؾ حرمة حياة اؼبواطن اػباصة ،كحرمة شرفو كوبميهما القانوف.
سرية اؼبراسالت كاالتصاالت اػباصة بكل أشكاؽبا مضمونة" ،كبعد التعديل الدستورم لعاـ 2016
أصبحت ربمل الرقم ( )46لكنها حافظت على ركاكة تعبَتىا كأضيفت ؽبا فقرتاف جديدتاف ىذا
][73
نصهما ":ال هبوز اؼبساس هبذه اغبقوؽ دكف أمر معلل من السلطة القضائية كيعاقب القانوف على انتهاؾ
ىذا اغبكم.
ضباية األشخاص الطبيعيُت يف ؾباؿ معاعبة اؼبعطيات ذات الطابع الشخصي حق أساسي يضمنو القانوف
كيعاقب على انتهاكو".
من حقوؽ اإلسالـ اغبامية لإلنساف كغَت اإلنساف الكثَت كالكثَت فبا مل تقدر أية ديانة ظباكية أك
غَتىا على اإلتياف بو إال الدين اإلسالمي اغبنيف ،كنوجز منها اآليت:
لقولو تعاىل ﴿ :قُ ْل يَا أَيُّ َها الْ َكافِ ُرو َن (َ )1ال أَ ْعبُ ُد َما تَ ْعبُ ُدو َن (َ )2وَال أَنْ تُ ْم َعابِ ُدو َن َما أَ ْعبُ ُد ()3
َوَال أَنَا َعابِ ٌد َما َعبَ ْدتُ ْم (َ )4وَال أَنْتُ ْم َعابِ ُدو َن َما أَ ْعبُ ُد ( )5لَ ُك ْم ِدينُ ُك ْم َولِ َي ِدي ِن (﴾ )6
فاإلنساف غَت ؾبرب على الدخوؿ يف اإلسالـ فأىل الكتاب اؼبقيموف على أرض االسالـ ـبَتكف بُت ثالثة
أشياء إما الدخوؿ يف اإلسالـ أك دفع اعبزية أك القتاؿ ،كاعبزية ىي مبلغ مايل يدفع مقابل اغبماية كال
يدفعها إال البالغوف األحرار من الذكور كتستثٌت منها النسوة كالصبياف كالعبيد كاجملنوف كاؼبقعد كالشيخ
1
كأىل الصوامع كالفقَت.
][74
الفرع الثالث :حرية الدين والرأي والتعبير
1
الر ْش ُد ِم َن الْغَ ِّي ﴾ (البقرة .)256
لقولو تعاىل ﴿ :ال إِ ْك َر َاه فِي الدِّي ِن قَ ْد تَبَ يَّ َن ُّ
ض وا ْختِ َال ِ
ف اللَّْي ِل أما حرية الرأم التعبَت فقد جاءت يف قولو تعاىل ﴿ إِ َّن فِي َخل ِْق َّ ِ
الس َم َاوات َو ْاأل َْر ِ َ
ين يَ ْذ ُك ُرو َن اللَّوَ قِيَاماً َوقُعُوداً َو َعلَى ُجنُوبِ ِه ْم َويَتَ َف َّك ُرو َن فِي َخل ِْق ات ِألُولِي ْاألَلْب ِ َّ ِ والنَّها ِر ََلَي ٍ
اب * الذ ََ َ َ َ
اب النَّا ِر ﴾ (آؿ عمراف )191 اطالً سبحانَ َ ِ ت ى َذا ب ِ السماو ِ
ات َو ْاأل َْر ِ
ك فَقنَا َع َذ َ ُْ َ ض َربَّنَا َما َخلَ ْق َ َ َ َّ َ َ
2
كقوؿ النيب ص ﴿ :تفكر ساعة خير من عبادة سنة﴾.
حرـ اإلسالـ كل أشكاؿ التعذيب أك أية كسيلة مهينة لكرامة اؼبسلم امتثاال لقوؿ الرسوؿ
ص ﴿ :ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيلو﴾،
كىذا عمر بن اػبطاب يقوؿ ":ليس الرجل دبأموف على نفسو إف أصبتو أك أخفتو أك حبستو أف يقر على
نفسو" ،كقولو أيضا ":ألف أعطل حدكد اهلل يف الشبهات خَت من أف أقيمها يف الشبهات".
بل ذىب صبهور الفقهاء إىل عدـ جواز ربليف اؼبتهم اليمُت ؼبا يف ذلك من احتماؿ تعريضو للكذب
كليمُت الغموس أك أف يفضح نفسو ،حيث سئل عبد اهلل بن عمر عن رجل اعًتؼ بارتكاب سرقة
][75
فقاؿ ":ال يقطع فإنو إمبا أقر بعد ضربو" ،كقوؿ عمر بن اػبطاب أليب موسى األشعرم بعد أف شكاه
من أُهتم بشرب اػبمر كأقاموا عليو عقوبة اغبد كحلق الشعر كتسويد الوجو كىجر الناس لو ،فقاؿ ـباطبا
إياه ":لئن عدت ألُسودف كجهك كألطوفن بك يف الناس كأمر بأف ينادل يف الناس للعود إىل ـبالطة
1
احملكوـ عليو".
ال يكفي غبماية حقوؽ اإلنساف كطنيا أف يُرصد ؽبا فقط القانوف اعبنائي أك القانوف اؼبدين،
كلكن هبب ربريك عناصر الدعم ككل ما لو عالقة هبذه اغبقوؽ يف النظم االجتماعية اؼبمارسة يف اغبياة
2
اليومية العادية.
يعرؼ مبدأ اؼبشركعية بأنو ":خضوع الدكلة بكافة سلطاهتا التشريعية كالقضائية كالتنفيذية
للقانوف" ،كالبعض يتوسع يف التعريف ليشمل حىت تصرفات اؼبواطنُت كما يلي ":احًتاـ اغبكاـ
كاحملكومُت لقواعد القانوف القائمة يف بلد ما كسرياهنا عليهم سواء يف عالقة األفراد بعضهم بعض ،أـ يف
عالقات ىيئات الدكلة كمؤسساهتا ،فاؼبشركعية تفًتض توافق التصرفات اليت تصدر عن سلطات الدكلة
كمواطنيها مع القواعد القانونية فيها".
][76
كجانب من الفقو هبعل من مصطلح" اؼبشركعية" موافقا ؼببدأ سيادة القانوف ،بينما يرل الطرؼ
الثاين بأهنما غَت متطابقُت ألف القانوف ىو من صنع اإلنساف فال يعقل أف يتسيده كىو الذم أنشأه،
باإلضافة إىل أف ىناؾ دكال ذبعل السيادة للشعب كال يتصور أف يكوف سيدا كمسودا يف نفس الوقت،
كيرل آخركف أف اؼبشركعية ىي خضوع الدكلة للقانوف ضباية غبقوؽ األفراد من تغوؿ السلطة ،أما
مصطلح" سيادة القانوف" فهو يف األصل فكرة سياسية ذبعل السلطة التشريعية يف موقع أعلى من
1
السلطة التنفيذية.
كيعٍت أيضا مبدأ اؼبشركعية تدرج القواعد القانونية كتسلسلها من حيث القيمة القانونية فهي
ليست يف نفس اؼبرتبة ،حيث أف الدستور يأيت أعلى ىذه القواعد قيمة مث التشريع العادم فالقواعد
القانونية العامة اليت سبثل اللوائح اليت تصدرىا السلطات اإلدارية إىل أف يصل ىذا التدرج إىل القاعدة
الفردية ،كؽبذا "فالقاعدة األدىن ال تكوف نافذة كال مشركعة إال إذا صدرت يف حدكد الشكل كاؼبوضوع
2
احملدد ؽبا يف القاعدة األظبى" .
يأيت مبدأ اؼبشركعية لتحقيق معٌت سيطرة أحكاـ القانوف بديال عن سيطرة إرادة اغباكم ربقيقا
كتثبيتا لفكرة اغبكومة اؼبقيدة ،كأما صاحب السلطة اغبقيقي فهو الشعب لذا فالسلطات كاؽبيئات
3
اؼبنشأة دبوجب الدستور تعمل –يف األصل -بتفويض من الشعب ال غَت.
فمبدأ اؼبشركعية ىو خضوع الدكلة للقانوف فبثلة بكافة سلطاهتا فال تعلو أم سلطة من
السلطات الثالث على القانوف ،كهبمع الفقو بنسبة كبَتة على أف مبدا اؼبشركعية يعٍت سيادة حكم
القانوف ،لكن "ثركت بدكم" يعترب أف مبدأ خضوع الدكلة للقانوف يقصد بو مصلحة األفراد كضماف
ضباية حقوقهم ذباه السلط ة كتقييدىا كىو أكثر اتساعا يف مدلولو من مبدأ سيادة القانوف الذم اعتربه
فكرة سياسية تتعلق بتنظيم السلطات يف الدكلة كباألخص ربديد اختصاصات السلطة التنفيذية ذباه
السلطة التشريعية فهو حسبو مفهوـ ضيق الستهدافو ربديد مهاـ السلطة اإلدارية بدقة يف الدكلة ربديدا
-1د ىاين سليماف الطعيمات ،حقوؽ اإلنساف كحرياتو األساسية ،دار الشركؽ ،بدكف بلد ،2003 ،ص .333
-2د حسن علي ،اؼبرجع السابق ،ص .40
-3د حسن علي ،اؼبرجع نفسو ،ص .39 ،38
][77
شك ليا ال غَت ،كاعترب بأف مبدأ خضوع الدكلة للقانوف يصلح لكل األنظمة دبا فيها الدكتاتورية يف حُت
1
أف مبدأ سيادة القانوف ال يصلح إال لألنظمة الديبقراطية.
كيقوؿ االستاذ كرًن كشاكش أف ":سيادة القانوف ليست ضمانا مطلوبا غبرية الفرد فحسب،
لكنها األساس الوحيد ؼبشركعية السلطة يف نفس الوقت ،كعلى ذلك فإف حكم القانوف ما ىو إال عامال
مساعدا ألف فيو إصرار على أف تكوف ىناؾ حدكد لسلطات اغبكومة ،كحبيث يكوف ىناؾ يقُت أف
2
الفرد سوؼ يتمتع حبريتو كيف أف ىبطط غبياتو".
كقد نص اؼبشرع الدستورم دبوجب التعديل اعبديد رقم 01-16على اؼبشركعية صراحة يف
الفقرة ( )12من الديباجة كىذا خبالؼ التعديل الدستورم لسنة 1996كالذم نص يف الديباجة على
الشرعية ،كىو تطور وبسب للتعديل اعبديد الذم حدد اؼبصطلح بدقة بالغة.
كيًتتب على مبدأ سيادة القانوف حسب الدستور اؼبعدؿ بالقانوف رقم 01-16ما يلي:
-1أف ربظى القوانُت ك القرارات باالحًتاـ الالزـ من قبل السلطات ،كال يتم إلغاؤىا أك تعديلها إال
دبراعاة اإلجراءات اؼبقررة طبقا ؼبا نصت عليو اؼبادتاف ( )74ك (.)208
-2الدكلة ال تفرض قيودان على اغبقوؽ كاغبريات كإف قيدهتا بقيود فال يبكن إقرارىا إال من
طرؼ اجملالس النيابية اؼبنتخبة باعتبارىا فبثلة للشعب ،فإف مل يقر فبثلو الشعب ىذه القيود فإهنا تكوف
ـبالفة للدستور ،فبا يًتتب عليو بطالهنا كىذا ما جاءت بو نصوص اؼبواد(. )35 ،34 ،32
كقد يلحق دببدأ اؼبشركعية بعض التقييد يف الظركؼ االستثنائية اليت سبر هبا الدكلة فال شك أف
اؽبدؼ األظبى ىو ضباية سالمة الدكلة ،حيث أف حالة الضركرة بدأت أكؿ األمر يف اجملاؿ اعبنائي مث
انتقلت بعد ذلك إىل القانوف اؼبدين كبقية القوانُت األخرل.
ككاف إعماؿ ىذه النظرية يف القانوف العاـ قد أثارا جدال أكثر من غَته من القوانُت ال سيما القانوف
الدستورم كاإلدارم ،كيقوؿ خبصوص ذلك "بارسبلي" ":إف العقل ينبغي أف يؤمن بأف مواجهة الظركؼ
االستثنائية ؽبا فائدة ؿبققة" ،كيبن جهتو يرل "الطماكم" أنو يف الظركؼ غَت العادية يعترب القضاء أم
-1د كرًن يوسف أضبد كشاكش ،اؼبرجع السابق ،ص .379 ،378
-2د كرًن يوسف أضبد كشاكش ،اؼبرجع نفسو ،ص .380
][78
قرار غَت مشركع دبثابة القرار اؼبشركع بشرط أف يكوف ازباذ ىذه التدابَت ىو الوسيلة الوحيدة غبماية
النظاـ العاـ ،كؾبلس الدكلة الفرنسي حسبو استند إىل حجة أخرل كىي أنو يعتربىا من النتائج اؼبباشرة
لضركرة انتظاـ سَت اؼبرفق العاـ ،كيقوؿ " وبي اعبمل" يف ىذا الشأف" :أنو كلما كجدت الدكلة يف كضع
ال تستطيع فيو أف تواجو أخطارا معينة ،سواء كاف مصدرىا داخليا أك خارجيا إال بالتضحية باإلعتبارات
الدستورية اليت ال يبكن أك يفًتض أنو ال يبكن ذباكزىا يف األكضاع العادية ،أما تلك األخطار اليت
تواجهها ىذه النظرية يف النطاؽ الدستورم فتحددىا طبيعة ما يعاعبو ذلك النطاؽ أك بعبارة أخرل شكل
الدكلة كتوزيع السلطات كحريات األفراد".
كيعتقد "ىوريو" أف ازباذ اإلجراءات االستثنائية حىت كلو كانت غَت مشركعة إجراء مباح قياسا مع حالة
1
الضركرة اؼبوجبة للدفاع الشرعي يف ظل القانوف اعبنائي.
ضباية الدكلة من أم خطر يهدد النظاـ العاـ فيها كأف يكوف اػبطر جسيما كدانبا أك -1
حاال.
ازباذ اإلجراءات االستثنائية بقدر حالة الضركرة كينبغي أف تقدر بقدرىا كأال تتعدل إىل -2
2
التضييق على اغبريات بسبب كبغَت سبب.
الفصل بُت السلطات ىو أف سبارس كل سلطة اختصاصاهتا بشكل مستقل عن السلطة األخرل
لكن بشكل مرف يطبعو التعاكف بُت ىذه السلطات ضباية غبقوؽ األفراد كحرياهتم.
كالفصل هبذا الشكل لو معنيُت :معٌت قانوين كآخر سياسي ،فاؼبعٌت القانوين يدكر حوؿ طبيعة العالقة
بُت السلطات اؼبختلفة يف الدكلة الواحد ة ،أما اؼبعٌت السياسي فيقصد بو عدـ تركيز سلطات الدكلة يف
3
يد شخص أك ىيئة كاحدة.
][79
كيرجع السبب اغبقيقي يف ظهور مبدأ الفصل بُت السلطات يف أكربا إباف العصور الوسطى إىل
التحكمية كاالستبداد اؼبطلق للحكاـ فػمثال " آؿ ستيوارت" يف اقبلًتا الذين ملكوا زماـ السلطات
الثالث حبجة اغبق اإلؽبي للملك باعتباره فبثال لإللو يف األرض ،كنفس األمر يف فرنسا حيث بلغ
االستبداد أكجو ما دفع باؼبلك "لويس "14للقوؿ ":أنا الدكلة" ،األمر الذم دفع إىل فكرة قياـ ثورة
فكرية يف القرنيُت 18 ،17ضد السلطاف اؼبطلق للملوؾ كاغبكاـ.
كقد ألف "لوؾ" كتاب " اغبكومة اؼبدنية" سنة 1960كنادل بضركرة الفصل بُت السلطات
لكن اؼببدأ ارتبط أكثر بالفرنسي " مونتيسكيو" من خالؿ كتابو " ركح القوانُت" عاـ ،1748حيث
اعترب أف كل من يبلك السلطة فهو بطبعو سيسيئ استعماؽبا كىذا ما يؤدم إىل انتقاص يف اغبقوؽ
كاغبريات كفبا قالو يف ىذا الشأف ":كال تكوف ىناؾ حرية إذا ما اجتمعت السلطة التشريعية كالسلطة
التنفيذية يف شخص كاحد أك يف يد ىيئة حاكمة كاحدة ،كذلك ألنو ىبشى أف يضع رئيس الدكلة نفسو
قوانُت جائرة لتنفيذىا تنفيذا جا ئرا ،ككذلك ال تقوـ قائمة للحرية إذا مل يتم فصل سلطة القضاء عن
السلطة التشريعية كالتنفيذية ،كإذا كانت متحدة بالسلطة التشريعية كاف السلطاف على اغبياة كحرية الناس
مزاجيا ،كذلك ألف القاضي يصبح مشرعا ،كإذا كانت متحدة بالسلطة التنفيذية أمكن القاضي أف
يصبح صاحبا لقدرة الشخص الظامل ،ككل شيء يضيع إذا مارس نفس الرجل أك ىيئة األعياف أك
األشراؼ أك الشعب ىذه السلطات الثالث ،سلطة كضع القوانُت ،كسلطة تنفيذىا ،كسلطة القضاء يف
1
اعبرائم أك يف خصومات األفراد".
كيعود الفضل إىل "مونتيسكيو" يف كتابو " ركح القوانُت" يف التأصيل القوم لنظرية الفصل بُت
السلطات حيث كانت العبارة الشهَتة لو " السلطة ربد السلطة" من أقول ما ىو متداكؿ إىل يومنا ىذا
حيث يقوؿ:
][80
qu’on ne puisse abuser du pouvoir : il faut que parler dispositions naturelles
1
des choses: le pouvoir arrêt le pouvoir).
كؽبذا يعترب "مونتيسكيو" ىو صاحب نظرية الفصل بُت السلطات كليس " لوؾ" حيث أف ىذا
األخَت اعترب أف السلطة التنفيذية صاحبة السبق كأغبق هبا السلطة القضائية كنوع ،أم أف ىذه السلطة
ىي جزء من السلطة التنفيذية ،بينما "مونتيسكيو" فقد ميز بُت السلطات الثالث كاعترب السلطة
القضائية سلطة مستقل ة كقائمة بذاهتا كاعتربىا ىامة ،كحسبو إذا ما أسيء استعماؿ أم سلطة فإنو هبب
2
الرجوع إىل احملكمة.
كتنص اؼبادة ( )16من إعالف حقوؽ اإلنساف كاؼبواطن ( )1789على ":إف كل صباعة
سياسية ال تأخذ دببدأ الفصل بُت السلطات كال توفر الضمانات األساسية للحقوؽ كاغبريات العامة ىي
4
صباعة بغَت دستور".
كبالنظر إىل التعديل الدستورم األخَت رقم 01-16فإنو أشار صراحة إىل مبدأ الفصل بُت
السلطات دبوجب الفقرة ( )13من الديباجة ":يكفل الدستور الفصل بُت السلطات كاستقالؿ العدالة
كاغبماية القانونية كرقابة عمل السلطات العمومية يف ؾبتمع تسوده الشرعية ،كيتحقق فيو تفتح اإلنساف
][81
بكل أبعاده" ،أما الفصل بُت السلطات بشكل عملي قبده ؾبسدا يف الباب الثاين ":تنظيم
السلطات".
كالنظاـ الربؼباين ىو أحسن نظاـ يف الفصل بُت السلطات فال ىو يؤدم إىل الفصل التاـ
كاؼبطلق كال إىل النقيض من ذلك كاالندماج التاـ ،كىذا النظاـ يبثل الفصل بُت السلطات الثالث مع
1
ضماف التعاكف كالتنسيق فيما بينها يف اآلف ذاتو.
كالفصل اؼبرغوب فيو ال ينبغي تطبيقو بشكل جامد كمطلق فالتجارب أثبتت أف ىذا لن يؤدم
إىل النتائج اؼبطلوبة ،فحرية الشعب ال تستقيم مع ىذا الفصل اؼبطلق بُت السلطات كإمبا تعتمد على
2
الفصل اؼبتوازف كاؼبرف.
خاتمة:
األكيد أف حقوؽ اإلنساف -على الرغم من خلفيتها الغربية -أصبحت كسيلة لقياس مدل
ربضر الدكؿ سواء كاف ذلك من خالؿ أثر التشريع يف ضبايتها أك من خالؿ اؼبمارسة الفعلية على أرض
الواقع ،إضافة أف حقوؽ اإلنساف أصبحت مطية للدكؿ الكربل تتخذىا ذريعة ألجل التدخل يف الشؤكف
الداخلية للدكؿ يف ؿباكلة منها البتزاز ىذه األخَتة قدر اإلمكاف.
لذلك ال بد من تذكر أف حقوؽ اإلنساف ربما مغالطات عدة فهي مل تنجح حىت يف الغرب،
كخصوصا يف الواليات اؼبتحدة األمريكية صاحبة النسق األعلى يف تسريع كتَتة اغبقوؽ يف القرف 20
نظرا لضيق اؼبفهوـ األمريكي للحقوؽ.
كاعبزائر مل تكن بعيدة عن ىذا اؼبعًتؾ حيث أهنا حاكلت مسايرة ىذا الركب العاؼبي من خالؿ
ربيُت القوانُت كضبطها بل كصل األمر حىت تعطيل بعض األحكاـ القانونية – منها النطق بعقوبة
اإلعداـ كعدـ تنفيذىا -اتساقا مع عقارب الساعة الكونية ،كبالرغم من ذلك فإف بلدنا مل يسلم من
انتقادات التقارير اليت تصدرىا اؼبنظمات غَت اغبكومية كحىت التقارير السنوية لوزارة اػبارجية االمريكية
كاليت تؤكد يف كل مرة على أف اعبزائر بلد ينتهك حقوؽ اإلنساف كيضيق على اغبريات ،كإف كانت ىذه
][82
التقارير يف أغلب األمر منافية للحقيقة ألسباب تتعلق بالسياسة الدكلية اليت يشرؼ عليها النظاـ العاؼبي
اعبديد.
لكن ينبغي التذكَت أيضا بأف اغبماية اؼبقررة للمواطن اعبزائرم تعزكىا آليات فعالة ،فالقضاء مثال
مل يستطع مسايرة العدالة الفعالة الناجعة كالناجزة ،كاؽبيئات الوطنية اؼبكلفة حبماية حقوؽ اإلنساف على
اختالفها ال سبلك أية آلية مؤثرة للذكد عن ىذه اغبقوؽ كاغبريات ،كما أف القانوف – العاـ كاػباص -يف
حد ذاتو وبتاج إىل تعديل كتنسيق فيما بينو كالدستور.
][83
قائمة المراجع:
د أضبد أبو الوفا ،اغبماية الدكلية غبقوؽ اإلنساف يف إطار منظمة األمم اؼبتحدة كالوكاالت الدكلية
اؼبتخصصة ،دار النهضة العربية القاىرة مصر ،ط .2000 ،1
أضبد البخارم ،أمينة جرباف ،اغبريات العامة كحقوؽ اإلنساف ،دار كليلي للطباعة كالنشر ،مراكش
اؼبغرب ،بدكف تاريخ.
أد أضبد عبد الكرًن سالمة كمن معو ،حقوؽ اإلنساف كأخالقيات اؼبهنة دراسة يف القوانُت اؼبصرية
كاؼبواثيق الدكلية ،جامعة حلواف مصر ،بدكف تاريخ نشر.
د الشافعي ؿبمد بشَت ،قانوف حقوؽ اإلنساف ،مكتبة اعبالء اعبديدة باؼبنصورة مصر ،بدكف تاريخ.
انتوين ككديويس ،حقوؽ األنساف من منظور عصرم ،ترصبة ؿبمد أضبد اؼبغريب ،دار الفجر للنشر
كالتوزيع ،القاىرة مصر ،الطبعة .2007 ،1
د ثركت عبد العاؿ أضبد ،اغبماية القانونية للحريات بُت النص كالتطبيق ،دار النهضة العربية ،القاىرة
مصر.1999 ،
د جعفر عبد السالـ علي ،القانوف الدكيل غبقوؽ اإلنساف ،دار الكتاب اؼبصرم القاىرة ،دار الكتاب
اللبناين بَتكت ،ط .1999 ،1
د حسن علي ،حقوؽ اإلنساف ،ككالة اؼبطبوعات الكويت ،بدكف تاريخ نشر.
د عبد العزيز العشاكم ،حقوؽ اإلنساف يف القانوف الدكيل ،دار اػبلدكنية ،اعبزائر.2009 ،
د عيسى بَتـ ،اغبريات العامة كحقوؽ اإلنساف بُت النص كالواقع ،دار اؼبنها اللبناين ،بَتكت لبناف ،ط،1
.1998
د غازم حسن صباريٍت ،الوجيز يف حقوؽ اإلنساف كحرياتو األساسية ،مكتبة دار الثقافة عماف األردف،
.1995
][84
د كامل السعيد ،د منذر الفضل ،مبادئ القانوف كحقوؽ اإلنساف ،الشركة العربية اؼبتحدة للتسويق
كالتوريدات ،القاىرة مصر ،ط.2013 ،1
د كرًن يوسف أضبد كشاكش ،اغبريات العامة يف األنظمة السياسية اؼبعاصرة ،منشأة اؼبعارؼ
اإلسكندرية ،مصر.1987 ،
د .ؿبسن العبودم ،اغبريات االجتماعية بُت النظم اؼبعاصرة كالفكر السياسي اإلسالمي ،دار النهضة
العربية ،مصر.1990 ،
د ؿبمد سعيد ؾبذكب ،اغبريات العامة كحقوؽ اإلنساف ،بدكف دار كال تاريخ نشر.
د ؿبمد مصباح عيسى ،حقوؽ اإلنساف يف العامل اؼبعاصر ،دار أكاكوس ،دار الركاد ،بدكف بلد كتاريخ
نشر.
د ؿبمد يوسف علواف ،د ؿبمد خليل اؼبوسى ،القانوف الدكيل غبقوؽ اإلنساف اؼبصادر ككسائل الرقابة،
اعبزء ،1دار الثقافة عماف األردف.2009 ،
د ىاين سليماف الطعيمات ،حقوؽ اإلنساف كحرياتو األساسية ،دار الشركؽ ،بدكف بلد.2003 ،
المجالت والدوريات:
أد صالح الدين عامر ،اغبماية الدكلية غبقوؽ اإلنساف ،حبث كرد يف " دراسات يف حقوؽ اإلنساف يف
الشريعة اإلسالمية كالقانوف اؼبصرم" ،ربت إشراؼ أد فتحي سركر ،أد سعاد زكي الشرقاكم ،أد يوسف
ؿبمود قاسم ،أد صالح الدين عامر ،مت إعداد ىذا اؼبشركع بالتعاكف بُت كلية اغبقوؽ جبامعة القاىرة
كمنظمة األمم اؼبتحدة للًتبية كالعلوـ كالثقافة (اليونسكو).1983 ،
مواقع إلكترونية:
مأخوذ من صفحة مكتب اؼبفوض السامي غبقوؽ اإلنساف على الشبكة العنكبوتية،
،http://www.ohchr.org/AR/Pages/Home.aspxتاريخ النظر
09:25 ،2017/09/13
][85
الفهرس:
مقدمة11................................................................................................................ ..:
][86
المطلب األول :عصبة األمم وحقوق اإلنسان39.............................................................................
المطلب الثالث :إنشاء ىيئة األمم المتحدة بداية التأريخ لحقوق اإلنسان الحديثة41...........................................
][87
الفرع األول :حق الملكية71............................................................................................... .
خاسبة82................................................................................................................ ..
الفهرس86................................................................................................................ .
][88