Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫قولة رقم ‪ :1‬محور وجود الغير‬

‫"يجد اإلنسان معنى لوجوده في وجود الغير‪ ،‬فالرابط بين األنا والغير وثيق جدا‪".‬‬
‫حلل وناقش هذا القول وبين لما وجود الغير ضروري لألنا‪.‬‬

‫يدور موضوع القولة حول وجود الغير‪ .‬فإذا كان األنا متمرك از حول صفات الفكر والوعي واإلرادة والحرية‪ ،‬فإن هذه الصفات ال تجعله كامال‬

‫بذاته؛ إنه يوجد مع الغير وألجل الغير‪ .‬فحقيقة الشخص هي في كونه "وجود مع الجماعة"؛ بوصف االجتماع البشري ميل فطري وغريزة لدى‬

‫كل شخص‪ ،‬وهو ما يعني أن حضور األنا مشروط بحضور الغير‪ ،‬ذلك الوعي المقابل (الوعي الموضوعي) للوعي الذاتي‪ .‬غير أن هذا‬

‫الوجود‪ -‬مع كضرورة يخفي وراءه مجموعة من المفارقات تتمثل باألساس في كونه تهديد الختالف واستقالل األنا وكذلك لحريته‪ .‬من هنا‬

‫تجد الذات نفسها في مفارقة الحاجة إليه والرغبة في االنفالت منه واالنكفاء على فكرها كأساس ثابت لهويتها‪ .‬وينتمي الموضوع إلى المجال‬

‫اإلشكالي للوضع البشري الذي نعني وجود اإلنسان في هذا العالم‪ ،‬وكذلك مجموع الخصائص والصفات التي تطبع هذا الوجود بالتميز‬

‫اع‪ ،‬ألنه متعلق باإلنسان كشخص أو كغير‪ ،‬ومن جهة ثانية متميز ألنه ال يمكن‬
‫والخصوصية‪ .‬وتكمن هذه الخصوصية في كونه أوال وجود و ٍ‬

‫أن يكون الوضع البشري إال من خالل التفاعل الواعي بين الشخص كذات والغير كذات أخرى مختلفة‪ ...‬ومن هذا الموضوع يمكن التساؤل‬

‫عن‪:‬‬

‫ماذا نقصد بالذات؟ وما هو الغير؟‬ ‫‪-‬‬

‫هل وجود الغير ضروري أم يمكن االستغناء عنه؟‬ ‫‪-‬‬

‫هل يمكن الحديث عن ذات بدون وجود الغير؟ أم أن الغير هو الذي يشكل عالم الذات ويمنح وجودها معنى؟‬ ‫‪-‬‬

‫يمكن القول إن القولة تدافع عن وجود الغير الذي يتنزل منزلة الضرورة بالنسبة لصاحب القولة‪ ،‬حيث يشبه الغير بالعالم الذي توجد فيه‬

‫الذات معنى وجودها ‪ .‬فإذا كانت الذات وجودا واقعيا وليس مجرد مفهوم فلسفي؛ أي الذات بوصفها كائنا ‪ être‬نحيل إليه بضمير أنا‪/‬هذا‪،‬‬

‫فهو يوجد في عالم واقعي‪ .‬داخل هذا العالم توجد األشياء غير العاقلة من جماد أو كائنات حية‪ ،‬كما يشكل الغير جزءا ال يتج أز من هذا العالم‬

‫الواقعي الذي تسكنه الذات‪ .‬إذن حضور الذات هو حضور مع األشياء ولكنه حضور متميز مع الغير‪ .‬فإذا كانت الذات تستعمل هذه األشياء‬

‫كوسائل لخدمتها فهي تنظر إلى الغير ليس كأداة ولكن كوعي وفكر يساعد هذه الذات على معرفة نفسها‪ .‬إنه مثل مرآة ترى فيها الذات‬

‫أفكارها‪ ،‬وتعرف نفسها‪ ،‬وتدرك أفعالها بشكل كامل‪ .‬ذلك أن الذات يمكن أن تعرف أفعالها وتفهم ذاتها وشخصيتها وأسلوبها في الحياة‪ ،‬لكن‬

‫هذه المعرفة تحتاج إلى من يؤكدها وهو الغير‪ ،‬الذي نسأله يوميا عما نقوم به من أفعال وعن شخصيتنا؛ ليس دليال على فقدان الثقة في‬

‫النفس ولكن ألن الذات تتأكد من خالل شهادة الغير الذي ينبهنا إلى ما لم نستطع أن نكتشفه‪ .‬فأن يحتاج التلميذ إلى تلميذ آخر في مراجعته‬

‫لدروسه ليس ضعفا في تحصيله المعرفي ولكن حاجة إلى رؤية أخرى وفهم مختلف يكمل ما لم يدركه التلميذ (األنا) إال بحضور تلميذ آخر‬
‫(الغير)‪ .‬كما يمكن أن نؤكد هذه الفكرة من خال ل العودة إلى العالقات بين الثقافات والحضارات‪ ،‬حيث إن كل حضارة أو ثقافة أو مجتمع مهما‬

‫وصل من التقدم؛ فإنه دائما في حاجة إلى مجتمع آخر يدرك من خالله تقدمه أو حضارته أو ثقافته‪ ،‬أو يساعده على اكتساب علوم ومعارف‬

‫وتجارب مختلفة‪.‬‬

‫نجد في القولة مفهوم الغير كل ذات شبيهة باألنا ومختلفة عنها في الوقت نفسه‪ .‬فهو شبيه من كونه ذات تحمل صفات الوعي والشعور‬

‫والحرية المسؤولة والكرامة األخالقية‪ ،‬لكنها مختلفة من حيث شخصيتها وأفكارها وقناعاتها وانتماؤها االجتماعي والثقافي‪ ..‬أما مفهوم الذات‬

‫فيحيل إلى األنا أو الشخص‪ ،‬كما يحيل مجموع الصفات الثابتة في الشخص من فكر ووعي وشعور والتي توجد فوق كل التغيرات التي تط أر‬

‫للشخص‪ ..‬وترتبط هذه المفاهيم بعالقة تكامل‪.‬‬

‫طغى على القولة طابع اإلثبات حيث أثبت صاحب القولة أن الغير هو الذي يمنح معنى للغير‪ ،‬وبالتالي إثبات لهذه العالقة الوثيقة بين األنا‬

‫والغير‪.‬‬

‫نخلص من هذا التحليل إلى أن القولة تؤكد على أهمية وجود الغير‪ ،‬بحيث ال يمكن تصور الذات بدون وجود الغير‪ ،‬ألنه هو من يشكل‬

‫عالمها ويمنحها معنى الوجود‪.‬‬

‫تكمن قيمة القولة في دفاعها عن أهمية الغير في إدراك الذات لنفسها‪ ،‬لكون كل وعي بنفسنا دون حضور الغير هو غير دقيق وغير كامل‪.‬‬

‫وبذلك تنتقد القولة األطروحات التي تعتبر أن وجود الغير ال أهمية له سواء ألن الذات تدرك نفسها بنفسها‪ ،‬أو ألن الغير تهديد لحرية األنا‬

‫ال حاجة لنا به‪.‬‬

‫لكن ما هي حدود هذه األطروحة؟‬ ‫‪-‬‬

‫هل بالفعل وجود الغير ضروري؟‬ ‫‪-‬‬

‫هل تحتاج الذات بالفعل إلى الغير أم أن إدراكها لهويتها يمر عبر التفكير الذاتي فقط؟‬ ‫‪-‬‬

‫أليس وجود الغير سلبيا أكثر مما هو ايجابي؟ أليس تهديده لحرية األنا دافعا لعدم الحاجة إليه؟‬ ‫‪-‬‬

‫لقد كانت فلسفة هيجل البداية األولى إلعادة االعتبار إلى قيمة الغير في تحقق واكتمال وعي الذات بنفسها‪ .‬وهو ما نراه في توظيفه‬

‫لجدلية "السيد والعبد" كمثال وظفه ليبن أن كل وعي بالذات يحتاج إلى اعتراف من طرف آخر؛ حتى لو كان هذا االعتراف والوعي مخاطرة‪،‬‬

‫تجازف فيها الذات باستقالليتها وحريتها وتكون مهددة بموت "رمزي"‪ ،‬تنتقل فيه من السيادة إلى العبودية؛ لكنها تحتاجه إذ ال قيمة للوعي‬

‫الذاتي إال باعتراف خارجي يجعل الذات تستكمل سيرورة الوعي الذاتي وخروجها من ذاتها نحو العالم‪ .‬فلم يكن من الممكن الحديث عن‬

‫اليونان دون وجود الفرس‪ ،‬والعالم المسيحي دون وجود الشرق اإلسالمي‪ ،‬وال بروسيا دون وجود فرنسا‪ .‬هذه مجموعة من األمثلة تبين أن‬

‫الذات فردا أو جماعة ال تدرك هويتها إال بحضور وعي أخر مختلف حتى لو كان في ذلك تهديد على حياة واستقاللية األنا‪.‬‬
‫وتحضر هذه الفكرة عند سارتر الذي يعتبر وجود الغير مفارقة‪ .‬فهو من جهة تهديد لحرية األنا واستقالليتها‪ ،‬ذلك أن نظراتها تولد حالة من‬

‫الخجل والضغط التي تفقد فيها الذات عفويتها وتتحول إلى حالة من االستالب والغربة‪ ،‬تحت رحمة نظراته‪ .‬غير أن هذه السلبية ال تنفي‬

‫حاجة الضرورية إليه لكي تدرك الذات وجودها إدراكا كامال‪" :‬إن الغير وسيط ال غنى عنه بيني وبين ذاتي"‪.‬‬

‫لكن ديكارت بنى فلسفته على فكرة الذات المالكة لليقين التي تتمركز حول الفكر كممارسة عقلية داخلية مجردة‪ ،‬وبالتالي فالذات لكي تصل‬

‫إلى كل يقين‪ :‬وجودها ووعيها بذاتها‪ ،‬وجود هللا‪ ،‬ووجود العالم‪ ،‬ال تحتاج غير أن تمارس التفكير بعيدا عن كل شيء لكي تصل إلى الحقيقة‪،‬‬

‫وهو ما تعبر عنه حقيقة الكوجيطو‪ ،‬حيث ال تخرج الحقيقة إال من الذات المفكرة المنغلقة على فكرها الذاتي‪ .‬وعليه فإن ديكارت ال يثق في‬

‫مصدر آخر لليقين غير األنا المفكر كأساس صلب لكل حقيقة واضحة وبديهية‪ .‬وبالتالي فإن حضور الغير‪ ،‬كوعي مقابل لألنا ال يحظى‬

‫بأهمية في فلسفة ديكارت التي أنتجت "الذات الوحدانية"؛ إذ ال يعدو أن يكون وجود الغير مجرد افتراض جائز ال قيمة له في كل تحقق الوعي‬

‫الذاتي‪..‬‬

‫إذن موضوع القولة هو وجود الغير بين أن يكون ضروريا للوعي بالذات أو يمكن االستغناء عنه‪ .‬ومن هنا يتبين أن هيجل وسارتر يتفقان‬

‫مع صاحب القولة في تأكيدهما على أهمية الغير الذي يساعد الذات على الوعي بنفسها والتعرف على أفعالها‪ .‬عكس ديكارت الذي يؤكد أن‬

‫الذات ال تحتاج إلى الغير لكي تعي نفسها بل تكتفي فقط بخاصية التفكير الذي تثق فيه أكثر من ثقتها في شيء آخر‪.‬‬

‫يبدو لي أن‪....‬‬

You might also like