Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 38

www.mominoun.

com
‫ترجمة‬
‫قسم الفلسفة والعلوم اإلنسانية‬
‫‪ 30‬يناير ‪2024‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة © ‪2024‬‬


‫استعامل التحليل املوضوعايت يف علم النفس‬
1

‫ فرجينيا براون و فيكتوريا كالرك‬:‫تأليف‬


‫ عبد املجيد سعيد‬:‫ترجمة‬

:‫ مصدر النص‬- 1
Virginia Braun & Victoria Clarke (2006) Using thematic analysis in psychology, Qualitative Research in Psycho-
logy, 3:2, 77-101, DOI: 10.1191/1478088706qp063oa
‫‪4‬‬

‫امللخص‬

‫تحليل كيفي‬
‫ٍ‬ ‫َيفتقر التحليل املوضوعايت إىل التحديد‪ ،‬ونادرا ما يحظى باالعرتاف؛ ومع ذلك‪ ،‬فهو منهج‬
‫سنحاج بأنه يوفر مقاربة نظرية مرنة وقريبة املنال لتحليل‬
‫ُّ‬ ‫منترش االستعامل يف علم النفس‪ .‬ويف هذه املقالة‪،‬‬
‫البيانات الكيفية والولوج إليها‪ ،‬وسنوضح ماهيته‪ ،‬ومنوقعه أوال بني مناهج التحليل الكيفي األخرى الباحثة عن‬
‫موضوعات أو أمناط‪ ،‬وثانيا بني املواقف اإلبستمولوجية واألنطولوجية املختلفة‪ ،‬ثم سنُقدِّم إرشادات واضحة‬
‫للراغبني يف الرشوع فيه أو إجرائه عىل نحو ٍّ‬
‫متأن وصارم‪ ،‬وسنكشف املزالق التي قد يقع فيها من ُيجري تحليال‬
‫موضوعاتيا؛ وأخريا‪ ،‬سنحدد عيوبه ومزاياه‪ ،‬ونختم مقالتنا مبنارصة التحليل املوضوعايت بوصفه منهجا مفيدا‬
‫ومرنا للبحث الكيفي يف علم النفس وخارجه‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫استعامل التحليل املوضوعايت يف علم النفس‬

‫َيفتقر التحليل املوضوعايت ‪ thematic analysis‬إىل حدود ُم َر َّسمة‪ ،‬وال يحظى باالعرتاف إال فيام ندر؛‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فهو من مناهج التحليل الكيفي ‪ qualitative‬املستع َملة عىل نطاق واسع (‪1998, Boyatzis‬؛‬
‫نفس كيفي‪ ،‬فإن غايتنا من هذه‬‫علم ٍ‬‫‪ )2001, Roulston‬يف علم النفس وخارجه‪ .‬وبوصفنا باحثني وأساتذة ِ‬
‫املقالة ‪ paper‬هي سدُّ فجوة ملسنا وجودها من واقع خربتنا‪ ،‬أال وهي غياب مقالة توضح توضيحا كافيا نظرية‬
‫تنجز ذلك بطريقة قريبة املنال ِمن الطالب عامة‪،‬‬ ‫التحليل املوضوعايت وتطبيقاتها وسبل تقييمها‪ ،‬أو مقالة ِ‬
‫و َمن َت ْن ُقصهم األلفة بالبحث الكيفي خاصة‪1‬؛ أي إن غايتنا هي كتابة مقالة مفيدة‪ ،‬تكون مبنزلة أداة تعليمية‬
‫وبحثية يف علم النفس الكيفي‪ .‬ولهذا‪ ،‬سنناقش نظرية التحليل املوضوعايت ومنهجه‪ ،‬ونوضح أوجه التشابه‬
‫واالختالف بينه‪ ،‬وبني املناهج املختلفة التي ُتشاركه سامت مشرتكة‪.‬‬

‫املناهج الكيفية متنوعة ومعقدة عىل نحو مذهل‪ ،‬وكذلك هي الفروق الدقيقة بينها (‪Holloway and‬‬
‫‪ .)Todres, 2003‬ومع ذلك‪ ،‬ينبغي النظر إىل التحليل املوضوعايت بوصفه منهجا تأسيسيا للتحليل الكيفي؛ فهو‬
‫أول مناهج التحليل الكيفي التي يجب عىل الباحثني َتع ُّلمها؛ ألنه يو ِّفر املهارات النووية التي ستكون مفيدة‬
‫إلجراء العديد من رضوب التحليل الكيفي األخرى‪ .‬وقد ع َّرف هولواي وتودرس ‪:2003( Holloway & Todres‬‬
‫‪« )347‬موضعة املعاين*‪ thematizing meanings »2‬بأنها واحدة من املهارات العامة املعدودة التي تشرتك‬
‫وسمه بوياتسيس ‪ )1998( Boyatzis‬بأنه ليس منهجا‬ ‫فيها مختلف رضوب التحليل الكيفي‪ .‬ولهذا السبب‪َ ،‬‬
‫قامئا بذاته‪ ،‬وإمنا أداة ُتستعمل َع ْب*‪ across 3‬مناهج مختلفة‪ .4‬وعىل نحو مامثل‪َ ،‬حدَّد ريان وبرنارد & ‪Ryan‬‬
‫‪ )2000( Bernard‬الرتميز املوضوعايت بأنه سريورة متا َرس ضمن*‪ within 5‬التقاليد التحليلية «الرئيسة» (مثل‬
‫النظرية ا ُمل َجدَّرة ‪ ،)grounded theory‬دون أن يكون مقاربة محدَّدة قامئة بذاتها‪ .‬أ ّما نحن‪ ،‬فرنى خالف هذا‪،‬‬
‫وسنحاج عن وجوب َع ِّد التحليل املوضوعايت منهجا قامئا بذاته‪.‬‬

‫ال للتحليل الموضوعاتي؛ ومع ذلك‪ ،‬ال نشعر بأن ما يقدمه ُميَّسر للمبتدئين في دراسة المقاربات الكيفية‪،‬‬
‫‪ 1‬يقدم (‪ )Boyatzis 1998‬وصفاً أكثر تفصي ً‬
‫بإضافة إلى أن مقاربته تختلف عن مقاربتنا‪ .‬وعلى الرغم من اعترافه بالبعد الذاتي للتحليل الكيفي‪ ،‬فإن مقاربته تقع في نهاية المطاف‪ ،‬وإن بشكل ضمني‬
‫في كثير من األحيان‪ ،‬ضمن نموذج تجريبي وضعاني ‪.positivist empiricis‬‬
‫‪( *2‬اإلحاالت المقرونة بنجمة (*) من وضع المترجم) أي القدرة على وضع المعاني وتجميعها في موضوعات‪.‬‬
‫‪ *3‬حيثما وردت كلمة «عبْر» في النص فهي ترجمة لكلمة ‪ ،across‬الدالة على معان متعددة في لغتها األصلية‪ ،‬أهمها‪ :‬العبور من جهة إلى أخرى‪،‬‬
‫وتغطية منطقة كاملة‪ ،‬كقولنا‪« :‬كورونا مرت عبر مختلف مدن البلد وقراه»‪ ،‬أي اخترقت وحضرت وشملت أنحاء مدنه وقراه كافة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪Definition of across from the Cambridge Academic Content Dictionary © Cambridge University Press. Accessed‬‬
‫‪11 Feb. 2023‬‬
‫‪ 4‬يعزز بيان داي (‪ )1993‬عن «تحليل البيانات الكيفية»‪ ،‬والذي يهدف إلى تحديد التقنيات المشتركة العابرة لمجموعة متنوعة من المناهج‪ ،‬وتوضيح‬
‫كيفية إجراء «التحليل الكيفي»‪ ،‬هذه الفكرة بخصوص أن تركيزه هو إلى حد بعيد موضوعاتي ‪ -‬ولكنه ال يدعيه على هذا النحو‪.‬‬
‫«ضمن» في النص فهي ترجمة لكلمة ‪ ،within‬التي تعني في لغتها األصلية ‪ :‬داخل شيء ما‪ ،‬أو في غضونه أو في حدوده‬ ‫‪ *5‬حيثما وردت كلمة ِ‬
‫(الزمانية‪ ،‬المكانية‪ ،‬االعتبارية‪ )...‬ال تتعداه‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪Definition of within from the Cambridge Academic Content Dictionary © Cambridge University Press. Accessed‬‬
‫‪11 Feb. 2023.‬‬
‫‪6‬‬

‫تكمن إحدى مزايا التحليل املوضوعايت يف مرونته [وقدرته عىل التكيف مع مختلف املناهج الكيفية]‪.‬‬
‫وهذه املناهج ميكن تقسيمها إىل نحو معسكرين‪:‬‬

‫‪ −‬املعسكر األول‪ ،‬تقع ضمنه املناهج املرتبطة مبوقف نظري أو معريف معني أو الناشئة عنه‪ ،‬وبعضها‬
‫_ كتحليل املحادثة (‪CA‬؛ مثل‪ )1998 ،Hutchby and Wooffitt ،‬والتحليل الظاهرايت التأوييل (‪IPA‬؛ مثل‪،‬‬
‫‪ _ )2003 ،Smith and Osborn‬ال ميلك (حتى اآلن) إال تنوعا محدودا نسبيا يف كيفية تطبيق املنهج الكيفي‬
‫ِض ْمنَ إطارها؛ إذ حاصل أمرها أن التحليل َيسرتشد بوصفة واحدة‪ .‬أ ّما بعضها اآلخر _ كالنظرية ا ُمل َجدَّرة‬
‫(‪1992 ،Glaser‬؛ ‪ ،)1998 ،Strauss and Corbin‬وتحليل الخطاب (‪DA‬؛ مثل‪،Burman and Parker ،‬‬
‫‪1993‬؛ ‪1987 ،Potter and Wetherell‬؛ ‪ )2003 ،Willig‬وتحليل الرسد (‪)Murray, 2003; Riessman, 1993‬‬
‫_ فيملك متظهرات مختلفة للمنهج الكيفي من داخل اإلطار النظري العام‪.‬‬

‫‪ −‬املعسكر الثاين‪ ،‬تقع ضمنه املناهج املستقلة أساسا عن أي نظرية أو إبستمولوجيا بعينها‪ ،‬والتي ميكن‬
‫تطبيقها َع ْ َب مجال من املقاربات النظرية واإلبستمولوجية املختلفة‪ .‬ومع أن التحليل املوضوعايت كثريا ما يص َّور‬
‫(ضمنيا) بوصفه منهجا واقعيا\تجريبيا (‪1994 ،Aronson‬؛ ‪ ،)2001 ،Roulston‬فإنه‪ ،‬يف واقع األمر‪ ،‬راسخ بقوة‬
‫يف املعسكر الثاين‪ ،‬ويتوافق مع كل من البارديغامت املاهوية ‪ essentialist‬والبنائية ‪ constructionist‬يف علم‬
‫النفس (نناقش هذا الحقا)؛ فهو بفضل تحرره النظري يوفر أدا َة ٍ‬
‫بحث مرنة ومفيدة‪ ،‬ميكنها أن تقدِّم رسدا غنيا‬
‫ومفصال للبيانات‪ ،‬بل و ُمر َّكبا ‪ complex‬كذلك‪.‬‬
‫َّ‬

‫ميتاز التحليل املوضوعايت باملرونة‪ ،‬وينبغي أن نكون واضحني يف أننا ال نسعى إىل تقييد هذه امليزة؛ إال‬
‫أننا نرى أن غياب إرشادات واضحة وموجزة عنه يعني أن نقد «كل يشء مباح» الذي ُيرمى به البحث الكيفي‬
‫(‪ )Antaki et al., 2002‬قد َيصدُ ق متاما عىل بعض الحاالت‪ .‬لهذا‪ ،‬نأمل أن ُنقيم بهذه املقالة توازنا بني ترسيم‬
‫حدود التحليل املوضوعايت بوضوح _أي رشح ماهيته وكيفية القيام به_ وبني ضامن املرونة يف كيفية استعامله‪،‬‬
‫حيث ال مييس محدودا ومق َّيدا‪ ،‬فيفقد بذلك إحدى مزاياه الرئيسة‪.‬‬

‫سيكون التحديد الواضح للتحليل املوضوعايت مفيدا لضامن اتخاذ مستعميل هذا املنهج خيارات فاعلة‬
‫بخصوص نوع التحليل الذي ينخرطون فيه‪ .‬لهذا‪ ،‬تسعى هذه املقالة إىل تثمني مرونة املنهج‪ ،‬وتزويد الباحثني‬
‫مبفردات و«وصفة» ‪ recipe‬مت ِّكنهم من إجراء تحليل موضوعايت سليم نظريا ومنهجيا‪6‬؛ إذ املهم يف األمر‪ ،‬كام‬

‫‪ 6‬يدافع بعض المؤلفين‪ ،‬مثل بوتر ‪ ،)147-48 :1997( Potter‬عن أنه ال ينبغي للمرء أن يقدم ببساطة «وصفات» للمناهج الكيفية‪ ،‬مثل تحليل الخطاب‬
‫‪ ،DA‬ألن «جزءًا كبيرً ا من تحليل الخطاب هو أشبه بمهارة حِ رفية (مثل ركوب الدراجة أو تحديد جنس فراخ الدجاج) منه باتباع وصفة إعداد دجاج‬
‫روجان جوش‪chicken rogan josh ...‬؛ وهذا ما يُصعب وصف هذه المناهج وتعلمها»‪ .‬وفي الوقت الذي نتفق فيه على وجوب تعلم المهارات‬
‫الالزمة للتحليالت الكيفية بجميع أنواعها‪ ،‬يجادل كتاب آخرون‪ ،‬مثل مكليود ‪ ،)2001( McLeod‬عن أن غياب مناقشة «كيفية» التحليل يُبقي بعض‬
‫ال من ذلك‪ ،‬إذا أردنا جعل المناهج ديمقراطي ًة متاح ًة ‪ -‬وتصيير البحث الكيفي بجميع صوره أكثر قابلية للفهم عند‬
‫المناهج غامضة (وبالتالي نخبوية)‪ .‬وبد ً‬
‫غير المدربين على هذه المناهج‪ ،‬أي أن يصير أكثر شيوعً ا ‪ -‬فعلينا تقديم مشورة ملموسة في كيفية القيام بذلك بالفعل‪ .‬وإن كنا ال نشكك في أهمية أنواع‬
‫التدريب «بدون وصفة»‪ ،‬فإننا نرى أن «الوصفات» تقلل‪ ،‬بالضرورة‪ ،‬من تعقيد طرق معينة‪ ،‬أي أنها مهمة في جعل الوصول إلى المناهج ميسورا‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫سنبني‪ ،‬هو أن َيعرض الباحثون افرتاضاتهم (اإلبستمولوجية وغريها) عىل نحو رصيح*‪ 7‬ك َّلام طبقوا منهجا مع َّينا‬
‫عىل نوع من أنواع البيانات (‪)Holloway and Todres, 2003‬؛ ذلك أن عىل علامء النفس الكيفي أن يكونوا‬
‫واضحني بشأن ما يفعلونه وملاذا يفعلونه‪ ،‬وأن ُيض ِّمنوا تقاريرهم «كيف» ْأجروا تحليلهم‪ ،‬وهو أمر كثريا ما‬
‫ُيغ َفل ِذكره (‪.)Attride-Stirling, 2001‬‬

‫دليل إرشادي من‬ ‫تتضمن هذه املقالة العنارص اآلتية‪ :‬أوال‪ ،‬تعريف التحليل املوضوعايت؛ ثانيا‪ ،‬اقرتاح ٍ‬
‫ست مراحل إلجرائه؛ ثالثا‪ ،‬بيان املزالق املحتملة الواجب تجنبها عند إجرائه؛ رابعا‪ ،‬تحديد معايري التحليل‬
‫املوضوعايت الجيد؛ خامسا‪ ،‬كشف مزايا التحليل املوضوعايت وعيوبه‪ .‬وسنورد‪ ،‬يف هذه العنارص ك ِّلها‪ ،‬أمثلة‬
‫مستمدة من األدبيات البحثية العامة ومن أبحاثنا الخاصة؛ ألن يف توفري األمثلة توضيحا لنوع األسئلة البحثية‬
‫واملواضيع التي ميكن توظيف التحليل املوضوعايت يف دراستها‪.‬‬

‫قبل أن نبدأ‪ ،‬علينا تعريف عدد من املصطلحات املستخدمة يف املقالة‪ .‬أوال‪ ،‬يشري َم ْ ُت البيانات ‪data‬‬
‫عي‪ ،‬يف حني تشري مجموعة البيانات ‪data‬‬ ‫‪ corpus‬إىل جميع البيانات التي َت َّم جمعها من أجل مرشوع ْ‬
‫بحث ُم َّ‬
‫عي‪.‬‬‫‪ set‬إىل جميع البيانات املقت ََطفة من املَ ْت واملستعملة إلجراء تحليل ُم َّ‬

‫ستباش‬‫ِ‬ ‫توجد طريقتان رئيستان الختيار مجموعة البيانات (يتوقف نوع املقاربة املتبعة عىل ما إذا َ‬
‫كنت‬
‫باألوىل‪ ،‬قد تتكون مجموعة‬ ‫البيانات بسؤال محدَّد أَ ْم ال ‪ -‬انظر «عدد من القرارات» يف ما سيأيت)؛ فإن أخذنا ُ‬
‫بياناتنا من ِعدّة عنارص بيانات فردية ‪ِ individual‬ض ْمنَ َم ْت البيانات أو من عنارص البيانات جميعها‪ .‬لهذا‪،‬‬
‫بحث ُعني بالجراحة التجميلية‬ ‫عىل سبيل املثال‪ ،‬نجد أن َم ْت بيانات فرجينيا ‪( Virginia‬الوارد يف مرشوع ْ‬
‫ألعضاء اإلناث التناسلية) قد َتك َّون من مقابالت مع جراحني ومن مواد إعالمية يف املوضوع ومواقع إلكرتونية‬
‫لج ّراحني‪ ،‬لكن إلجراء أي تحليل معني‪ ،‬قد تقترص مجموعة البيانات املح َّللة عىل ما ُجمع من مقابالت مع‬
‫املجمعة من الجراحني وبعض‬ ‫الجراحني أو مواقع األنرتنيت فقط (‪ ،)Braun, 2005b‬أو قد َتجمع بني البيانات َّ‬
‫املجمعة من اإلعالم (‪ .)eg, Braun, 2005a‬أ ّما إن أخذنا بالطريقة الثانية‪ ،‬فقد ُتحدَّد مجموعة‬ ‫َّ‬ ‫البيانات‬
‫البيانات انطالقا من اهتامم تحلييل خاص مبواضيع ُمع َّينة يف البيانات؛ ومن َث َّم‪ ،‬تصبح مجموعة البيانات هي‬
‫جميع الحاالت الواردة يف املَ ْت‪ ،‬حيث يشار إىل ذاك املوضوع‪ .‬لهذا‪ ،‬إن كانت فرجينيا‪ ،‬يف املثال املذكور آنفا‪،‬‬
‫مهتمة بكيفية الحديث عن «املتعة الجنسية»‪ ،‬فإن مجموعة بياناتها ستتألف من جميع الحاالت الحارضة َع ْ َب‬
‫كامل َم ْت البيانات والتي لها صلة ‪ relevance‬باملتعة الجنسية‪ .‬ويف بعض األحيان‪ ،‬قد ُيجمع بني املقاربة األوىل‬
‫والثانية إلنتاج مجموعة البيانات‪.‬‬

‫‪ *7‬حيثما وردت كلمة «صراحة» (وما يشتق منها) في النص فهي ترجمة لكلمة ‪ ،explicit‬وتعني التعبير الواضح الجلي البين المباشر‪ ،‬الذي ال يحتمل‬
‫اللبس والغموض‪ ،‬وتقابلها كلة ‪ ،implicit‬وتعني ما يعبر عنه ضمنيا أو تلميحا أو على نحو غير مباشر‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪“Explicit.” Merriam-Webster.com Dictionary, Merriam-Webster, https://www.merriam-webster.com/dictionary/‬‬
‫‪explicit. Accessed 11 Feb. 2023‬‬
‫‪8‬‬

‫ثانيا‪ُ ،‬يستخدم مصطلح عنرص البيانات ‪ data item‬لإلشارة إىل كل قطعة ‪ piece‬مفردة من البيانات‬
‫املجمعة‪ ،‬والتي ُتك ِّون مجتمعة مجموعة البيانات أو َم ْت البيانات‪ .‬وقد يكون عنرص البيانات‪ ،‬يف حالة مثالنا‬
‫َّ‬
‫آنف الذكر‪ ،‬مقابلة مع َج ّراح أو فيلام وثائقيا تلفزيونيا أو موقع أنرتنيت‪ .‬أخريا‪ ،‬يشري مصطلح مقتطف البيانات‬
‫‪ data extract‬إىل رشيحة ‪ chunk‬بيانات مفردة ُم َر َّمزَة جرى تع ُّرفها *‪ِ 8identified‬ض ْمنَ عنرص بيانات ما‬
‫واقتُطفت منه‪ .‬ومع أنه ستكون هناك عدِّة مقتطفات مأخوذة من مجموعة البيانات بأكملها‪ ،‬فلن َيظهر يف‬
‫التحليل النهايئ ّإل مجموعة مختارة من هذه املقتطفات‪.‬‬

‫أوال‪ :‬ما التحليل املوضوعايت؟‬

‫التحليل املوضوعايت منهج لتع ُّرف األمناط ‪( patterns‬موضوعات) ِض ْمنَ البيانات وتحليلها وإعداد تقرير‬
‫ويصفها بأدىن حد ممكن ‪ minimal‬من التفاصيل (الغنية)‪ ،‬وكثريا ما‬ ‫نظم مجموعة بياناتك ِ‬ ‫عنها‪ .‬إنه منهج ُي ِّ‬
‫ويفس جوانب مختلفة من موضوع البحث (‪ .)Boyatzis, 1998‬وسنسلط مزيدا‬ ‫َيذهب إىل أبعد من هذا‪ِّ ،‬‬
‫من الضوء عىل نطاق التحليالت املوضوعاتية املختلفة املتاحة (انظر أدناه)؛ وذلك تبعا للقرارات التي يتخذها‬
‫الباحث بشأن توظيف التحليل املوضوعايت منهجا (انظر ما سيأيت)‪.‬‬

‫مع أن التحليل املوضوعايت ُيستعمل عىل نطاق واسع‪ ،‬فال يوجد اتفاق واضح عىل ماهيته وكيفية مامرسته‬
‫(انظر‪ Attride-Stirling, 2001; Boyatzis, 1998; Tuckett, 2005 ،‬للحصول عىل أمثلة أخرى)‪ .‬وميكن‬
‫مبنهج يحمل «عالمة تجارية» ‪ brand‬سيئة جدّا؛ إذ ال يبدو أنه موجود بوصفه تحليال « ُم َس َّمى»‪ ،‬كام‬
‫تشبيهه ٍ‬
‫هو الحال مع املناهج األخرى (كالتحليل الرسدي والنظرية املجذرة مثال)‪ .‬لهذا‪ ،‬غالبا ما ال ُيعرتف رصاحة بأنه‬
‫هو املنهج املستع َمل يف التحليل مع أن كثريا من مناهج التحليل _ كام نحاج عن ذلك_ هي يف األساس‪ .‬إ ّما‬
‫موضوعاتية وتزعم أنها يشء آخر (كتحليل الخطاب‪ ،‬أو حتى تحليل املحتوى (مثل‪،))Meehan et al., 2000 ،‬‬
‫عي منهجا محددا عىل اإلطالق _ كقول أصحابها‪ :‬البيانات «تخضع للتحليل الكيفي للموضوعات‬ ‫وإ ّما ال ُت ِّ‬
‫املتكررة عىل نحو شائع» (‪ .)Braun and Wilkinson, 2003: 30‬لكن‪ ،‬إن نحن جهلنا كيف يح ِّلل الناس‬
‫بياناتهم‪ ،‬واالفرتاضات التي اسرتشدوا بها يف ذلك‪ ،‬فمن الصعب تقييم أبحاثهم ومقارنة بعضها ببعض و‪/‬أو‬
‫الرتكيب بينها وبني دراسات أخرى تشاركها يف املوضوع؛ وهذا أ ْمر قد يعوق مستقبال الباحثني اآلخرين الذين‬
‫لهم مشاريع ذات صلة باملوضوع نفسه (‪ .)Attride-Stirling, 2001‬لهذا‪ ،‬نقول إن الوضوح يف سريورة املنهج‬
‫ومامرسته أ ْمر حيوي‪ ،‬ونأمل أن تزيد هذه املقالة من وضوح التحليل املوضوعايت‪.‬‬

‫‪ identified *8‬ترجمناها غالبا بـ «تَعرُّ ف» وأحيانا بتحديد‪ ،‬وتعني في لغتها األصلية القدرة على تمييز شخص أو شيء وتحديد ماهيته وتعيينه وتعريفه‬
‫«تعرفت الحزن في وجهه»‪ ،‬أي استطعت تمييزه‪ ،‬ونقول أيضا‪« :‬التلميذ النبيه يتعرف العنصر الدخيل ضمن مجموعة منسجمة‬ ‫ُ‬ ‫وتسميته‪ .‬نقول مثال‪:‬‬
‫من األشكال الهندسية»‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪Definition of identify from the Cambridge Business English Dictionary © Cambridge University Press. Accessed‬‬
‫‪11 Feb. 2023‬‬
‫‪9‬‬

‫ويف عالقة باملوضوع ذاته‪ ،‬كثريا ما ُتقدِّم التقارير تفاصيل غري كافية عن سريورة التحليل وتفاصيله‬
‫(‪)Attride-Stirling, 2001‬؛ إذ ليس نادرا أن تجد حديثا عن املوضوعات «املنبثقة» من البيانات (مع أن‬
‫هذه املسألة ال تقترص عىل التحليل املوضوعايت)؛ فعىل سبيل املثال‪ ،‬يقول سنجر وهنرت ‪،Singer and Hunter‬‬
‫(‪ )1999:67‬يف تحليلهام للخطاب املوضوعايت لتجارب النساء مع سن اليأس املبكر‪ ،‬إن « ِعدَّة موضوعات‬
‫انبثقت أثناء التحليل»‪ ،‬و َيدَّعي روبن وروبن ‪ )226 :1995( Rubin and Rubin‬أن التحليل يكون مثريا ألنك‬
‫«تكتشف موضوعات ومفاهيم مطمورة يف مقابالتك‪ ».‬لكن‪ ،‬وصف املوضوعات «املنبثقة» أو «املكتَشفة» هو‬
‫وصف منفعل ‪ passive‬لسريورة التحليل‪ ،‬ينكر الدور الفاعل ‪ active‬الذي يضطلع به الباحث دامئا يف تحديد‬
‫األمناط ‪ -‬املوضوعات‪ ،‬واختيار املثري منها لالهتامم وكتابة التقارير عنها للقراء (‪.9)Taylor and Ussher, 2001‬‬
‫أضف إىل هذا أن لغة «انبثاق املوضوعات»‪:‬‬

‫يم» يف البيانات‪ ،‬وإذا نظرنا بإمعان فإنها «ستنبثق» مثل‬ ‫«ميكن أن يساء تأويلها لتعني أن املوضوعات « ُت ِق ُ‬
‫يم» يف أي مكان‪ ،‬فإنها ُت ِق ُ‬
‫يم يف رؤوسنا ج َّراء تفكرينا‬ ‫‪ .10*Venus on the half shell‬إن كانت املوضوعات « ُت ِق ُ‬
‫يف بياناتنا وخلقنا للرتابطات كام نفهمها‪)Ely et al.,1997: 205-6( ».‬‬

‫يف هذه املرحلة‪ ،‬من املهم أن نرصح بقيمنا ومواقفنا النظرية من البحث الكيفي؛ فنحن ال نؤيد النظر‬
‫إىل البحث الكيفي من منظور واقعي ساذج‪ ،‬حيث ميكن للباحث ببساطة « َمنْح صوت» ‪giving voice‬‬
‫(انظر ‪ )Fine, 2002‬للمشاركني*‪ 11‬يف بحثه؛ ألنه‪ ،‬كام يؤكد فاين ‪ ،)218: )2002( fine‬حتى مقاربة « َمنْح‬
‫الصوت» «تتضمن َمنْح مكانة ألجزاء من الدليل الرسدي*‪ narrative evidence 12‬غري معرتف بها‪ ،‬نختارها‬
‫ونبسطها لدعم ما نحاج عنه»‪ .‬لكن‪ ،‬مع هذا‪ ،‬نحن ال نقول بوجود إطار نظري مثايل إلجراء بحث‬ ‫ونعدِّلها ُ‬
‫كيفي‪ ،‬وال بوجود منهج مثايل وحيد؛ ألن ما يهم حقا هو توافق اإلطار النظري واملناهج املت َبعة مع ما يريد‬
‫الباحث معرفته‪ ،‬وأن َيعرتف بهذه القرارات‪ ،‬ويد ِرك أنها قرارات فعال‪.‬‬

‫يختلف التحليل املوضوعايت عن بقية مناهج التحليل الساعية إىل وصف األمناط الحارضة َع ْ َب البيانات‬
‫الكيفية _ مثل تحليل الخطاب «املوضوعايت» وتحليل التفكيك املوضوعايت ‪Thematic decomposition‬‬

‫‪ 9‬يقترح فوستر وباركر (‪ )1995‬طريقة واحدة لالعتراف بالدور اإلبداعي والنشط للمحلل‪ ،‬وهي استعمال ضمير المتكلم عند الكتابة‪.‬‬
‫‪ *10‬الترجمة الحرفية لهذه العبارة هي‪« :‬الزُ هرة في نصف صدفة»‪ ،‬والمقصود شيء فجائي أو عجائبي‪ ،‬وهي ترتبط بالمثولوجيا اليونانية التي تقول‬
‫إن فينيس أو أفرودايت (الزهرة) ولدت كاملة بهية من صدفة بحرية‪ .‬وتعني هذه االستعارة أن الموضوعات المطمورة في البيانات ستبزغ فجأة‪ ،‬كاملة‬
‫بهية دون أي جهد تأويلي فاعل من الباحث‪.‬‬
‫‪ *11‬المشاركون في البحث هنا هم المستجوبون أو المستلَطعة آراؤهم من أفراد عينة البحث‪ ،‬وليس من أسهموا في كتابته وإعداده‪ ،‬ومنحهم صوتا يعني‬
‫نقل أقوالهم «كما هي»‪ ،‬دون تأويل أو اختيار أو تعديل ألجزاء مما يسردونه‪.‬‬
‫‪ *12‬أي ما يسمعه الباحث من أقوال المشاركين في الدراسة وسردياتهم التي يقدمونها لإلجابة عن أسئلته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫‪ ،analysis‬والتحليل الظاهرايت التأوييل والنظرية ا ُمل َجدَّرة‪ .13‬ومع أن هذه املناهج َتتحرى األمناط يف البيانات‪،‬‬
‫فإنها ملتزمة*‪ bounded 14‬نظريا؛ فالتحليل الظاهرايت التأوييل مشدود إىل إبستمولوجيا ظاهراتية (‪Smith et‬‬
‫‪ ،)al., 1999; Smith and Osborn, 2003‬األولوية عندها للتجربة (‪)Holloway and Todres, 2003‬؛ ألنها‬
‫فهم تجربة الناس اليومية بالواقع (‪.)McLeod, 2001‬‬ ‫فهم الظاهرة املدروسة بتفصيل أكرب يتطلب َ‬ ‫ترى أن َ‬
‫ويزداد األمر تعقيدا إذا علمنا أن النظرية ا ُمل َجدَّرة تأيت يف إصدارات مختلفة (‪ .)Charmaz, 2002‬وإن غضضنا‬
‫الطرف عن هذا‪ ،‬وجدنا أن هدف النظرية ا ُمل َجدَّرة من التحليل هو إنشاء نظرية معقولة _ومفيدة_ عن‬
‫الظواهر املدروسة انطالقا من البيانات (‪ .)McLeod, 2001‬لكن‪ ،‬بناء عىل ما خربناه‪ ،‬يبدو أن هذه النظرية‬
‫ُتستعمل استعامال متزايدا عىل نحو يستند أساسا إىل نظرية ُمجدَّرة «مخ َّففة» ‪ _ lite‬أي بوصفها مجموعة‬
‫من اإلجراءات لرتميز البيانات تشبه إىل حد بعيد التحليل املوضوعايت؛ ومثل هذه التحليالت ال يبدو أنها تفي‬
‫بااللتزامات النظرية للنظرية املجدرة «كاملة الدسم» التي تتطلب توجيه التحليل نحو بناء نظرية (‪Holloway‬‬
‫‪ .)and Todres, 2003‬لهذا‪ ،‬فإننا نقرتح عىل هؤالء الباحثني أنهم ال يحتاجون يف التحليل «ا ُملسمى وا ُملدَّعى»‬
‫بأنه موضوعايت إىل األخذ بااللتزامات النظرية الضمنية للنظرية ا ُمل َجدَّرة‪ ،‬ما مل يكونوا راغبني يف إنتاج تحليل‬
‫منجز ك ّليا عىل أسس هذه النظرية‪.‬‬‫نظري َ‬

‫أ ّما مصطلح «تحليل الخطاب املوضوعايت»‪ ،‬ف ُيستعمل لإلشارة إىل نطاق واسع من تحليل نوع‪-‬منط البيانات‪،‬‬
‫ميتد من التحليل املوضوعايت املندرج ِض ْمنَ إبستمولوجيا بنائية اجتامعية (أي حيث ُتعرف األمناط بأنها َ‬
‫منتجة‬
‫اجتامعيا‪ ،‬لكن دون إجراء تحليل ِخطايب)‪ ،‬وصوال إىل صورة تحليل شبيهة جدا بالتصانيف ‪ repertoire‬التأويلية‬
‫لتحليل الخطاب (‪ .)Clarke, 2005‬يف حني أن «تحليل التفكيك املوضوعايت» (‪eg, Stenner, 1993; Ussher and‬‬
‫‪ )Mooney-Somers, 2000‬هو اسم يط َلق عىل نوع محدَّد من التحليل «املوضوعايت» للخطاب‪ ،‬يحدِّد األمناط‬
‫نشئة للمعنى‪ ،‬وللمعنى بوصفه اجتامعيا‪.‬‬ ‫(املوضوعات‪ ،‬القصص) الحارضة ِض ْمنَ البيانات‪ِّ ،‬‬
‫وينظر للغة بوصفها ُم ِ‬

‫تشرتك هذه املناهج املختلفة يف البحث عن موضوعات‪ ،‬أو أمناط ُمع َّينة‪ ،‬تحرض َع ْ َب مجموعة بيانات‬
‫(ك ِّلها) وليس ِض ْمنَ عنرص بيانات مثل مقابلة فردية أو مقابالت مع شخص واحد‪ ،‬مثل تحليل السرية الذاتية‬
‫ودراسة الحالة كام نجد يف التحليل الرسدي (‪ .)eg, Murray, 2003; Riessman, 1993‬وإذا أخذنا بهذا‬
‫ولـم كان التحليل املوضوعايت ال‬ ‫املعنى‪ ،‬فإن هذه املناهج تتداخل‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ ،‬مع التحليل املوضوعايت‪َّ .‬‬
‫يتطلب املعرفة النظرية والتكنولوجية التفصيلية التي تتطلبها مقاربات أخرى‪ ،‬مثل النظرية ا ُمل َجدَّرة والتحليل‬
‫النقدي‪ ،‬فإنه ميكن أن يو ِّفر منهجا سهل املأخذ‪ ،‬ال سيام عىل من هم يف بداية مشوارهم مع البحث الكيفي‪.‬‬
‫‪ 13‬تحليل المحتوى منهج آخر يمكن استعماله لتحديد األنماط عبر البيانات الكيفية‪ ،‬ويعامل أحيانًا معاملة المقاربات الموضوعاتية (على سبيل المثال‪،‬‬
‫‪ )2000 ،Wilkinson‬ومع ذلك‪ ،‬يميل تحليل المحتوى إلى التركيز على مستوى الميكرو‪ ،‬وكثيرا ما يو ّفِر تعدادات تكرارية (‪،)Wilkinson, 2000‬‬
‫ويسمح بالتحليالت الكمية للبيانات الكيفية في أصلها (‪ .)Ryan and Bernard, 2000‬لكن التحليل الموضوعاتي يختلف عن هذا في أن الموضوعات‬
‫ال تميل إلى أن تكون كمية‪ ،‬مع أنها قد تكون كذلك في بعض األحيان؛ وقد اقترح بوياتزيس ‪ )Boyatzis (1998‬إمكانية استعمال التحليل الموضوعاتي‬
‫لتحويل البيانات الكيفية إلى شكل كمي‪ ،‬وإخضاعها للتحليالت اإلحصائية؛ ووحدة التحليل أميل إلى أن تكون أكثر من مجرد كلمة أو عبارة‪ ،‬مثلما هو‬
‫واقع الحال في تحليل المحتوى‪.‬‬
‫‪ *14‬تدل ‪ boundid‬هنا على أن المناهج المذكورة محصورة ومقيدة بحدود ومنطلقات نظرية خاصة‪ ،‬تلتزمها وال تتجاوزها‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ال يرتبط التحليل املوضوعايت بأي إطار نظري قائم سلفا‪ ،‬وذلك خالفا للتحليل الظاهرايت التأوييل والنظرية‬
‫ا ُمل َجدَّرة (أو مناهج أخرى كالتحليل الرسدي والتحليل النقدي أو تحليل املحادثة)؛ ومن َث َّم‪ ،‬ميكن استعامله‬
‫ِض ْمنَ ُأطر نظرية مختلفة (وإن مل تكن كلها)‪ ،‬واستعامله كذلك للقيام بأشياء مختلفة ضمنها‪.‬‬

‫ميكن للتحليل املوضوعايت أن يكون منهجا ذا منزع ماهوي أو واقعي يقدِّم تقارير عن الخربات‬
‫واملعاين وواقع املشاركني‪ ،‬أو يكون منهجا بنائيا يدرس الطرائق التي َتكون بها األحداث والوقائع واملعاين‬
‫والخربات ونحوها ناتجة عن طيف من الخطابات العاملة ِض ْمنَ املجتمع‪ ،‬أو يكون منهجا ذا منزع «سياقي»‬
‫‪ ،contextualist‬يتَموضع بني قطبي املاهوية والتكوينية‪ ،‬ويختص بنظريات معينة‪ ،‬كالواقعية النقدية (‪eg,‬‬
‫‪ ،)Willig, 1999‬فيعرتف بالطرائق التي مينح بها األفراد معنى لتجاربهم‪ ،‬ويعرتف‪ ،‬باملقابل‪ ،‬بالطرائق التي‬
‫يؤثر بها السياق االجتامعي األوسع يف تلك املعاين‪ ،‬كل هذا مع الحفاظ عىل الرتكيز عىل املادية وغريها من‬
‫حدود «الواقع»‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬ميكن للتحليل املوضوعايت أن يكون‪ ،‬عىل حد سواء‪ ،‬منهجا يكتفي بعكس صورة‬
‫‪ reflect‬الواقع‪ ،‬أو يتجاوز ذلك إىل تعرية سطح هذا «الواقع» وفض تشابك خيوطه‪ .‬لكن‪ ،‬كل هذا ال ُيغني‬
‫عن الترصيح باملوقف النظري للتحليل املوضوعايت؛ إذ كثريا ما ال ُي ْع َلن عنه (وهذا ترصف واقعي منطي)‪ .‬لكن‪،‬‬
‫كل إطار نظري َيحمل عددا من االفرتاضات‪ ،‬عن طبيعة البيانات وما ُتثله بخصوص «العامل» و»الواقع»‬ ‫مادام ُّ‬
‫وما إىل ذلك‪ ،‬فإن التحليل املوضوعايت الجيد مطالب بجعل افرتاضاته شفافة‪.‬‬

‫عدد من القرارات‬

‫يصح بها غالبا (ومن املؤكد أنها ال تنا َقش‬


‫َيتطلب التحليل املوضوعايت اتخاذ عدد من الخيارات‪ ،‬غري أنه ال َ َّ‬
‫عادة يف القسم املنهجي من البحوث) مع أنها تتطلب النظر واملناقشة الرصيحة‪ .‬ومن الناحية العملية‪ ،‬ينبغي‬
‫النظر يف هذه املسائل قبل البدء بتحليل البيانات (وأحيانا قبل ج ْمعها حتى)‪ ،‬وطوال عملية التحليل يحتاج‬
‫الباحث أو الباحثون إىل الدخول يف حوار انعكايس مستمر بخصوص هذه القضايا‪ .‬ومن األمثلة الجيدة عن‬
‫البحث الذي يقدِّم هذه العملية رصاحة‪ ،‬هو ما نجده يف القسم املنهجي من التحليل املوضوعايت للخطاب‬
‫الذي أنجزه تيلور وآرش ‪ )2001( Taylor and Ussher‬عن السادومازوشية؛ لكن يف مقابل هذا املثال‪ ،‬نجد أن‬
‫القسم املنهجي من عمل براون وويلكينسون ‪ )2003( Braun and Wilkinson‬ال يفعل ذلك‪.‬‬

‫القرار األول‪ :‬ما الذي ُي َع ُّد موضوعة؟‬

‫َتلتقط املوضوعة شيئا ُمهام يف البيانات له عالقة بسؤال البحث‪ُ ،‬وتثل مستوى معينا من املعاين أو‬
‫االستجابات التي تكون منتظمة يف منط ‪ Patterned‬وحارضة ِض ْمنَ مجموعة بيانات‪ .‬ومن األسئلة املهمة‬
‫التي ينبغي التعاطي معها بخصوص الرتميز نذكر‪ :‬ما الذي ُي َعدُّ منطا‪/‬موضوعة؟ أو ما «الحجم» الذي ينبغي‬
‫‪12‬‬

‫للموضوعة أن َتكون عليه؟ وهذه مسألة تخص االنتشار‪ ،‬سواء من حيث الح ِّيز الذي تشغله املوضوعة ِض ْمنَ‬
‫كل عنرص من عنارص البيانات أم من حيث انتشارها َع ْ َب مجموعة البيانات بأكملها‪.‬‬

‫من الناحية املثالية‪ ،‬ستجد بعض املوضوعات حارضة َع ْ َب مجموعة البيانات‪ ،‬لكن وجود حاالت أكرث ال‬
‫يعني بالرضورة أن املوضوعة نفسها أكرث أهمية؛ ذلك أنه ما دُمنا أمام تحليل كيفي‪ ،‬فال توجد إجابة حاسمة‬
‫ورسيعة عن سؤال الحصة املطلوب تحصيلها‪ ،‬من مجموعة البيانات‪ ،‬يك ُتثبت املوضوعة أنها موضوعة فعال؛‬
‫حرضت املوضوعة يف ‪ ٪50‬من عنارص البيانات فستكون موضوعة‪ ،‬وإن حرضت يف‬ ‫ِ‬ ‫إذ ليست املسألة أنه إن‬
‫‪ ٪47‬فقط فلن تكون موضوعة‪ ،‬وليست املسألة أيضا أن املوضوعة هي فقط يشء تولِيه العديد من عنارص‬
‫البيانات اهتامما كبريا بدل االكتفاء بجملة أو جملتني‪ .‬أال َترى أنه قد ُتعطى موضوعة ُمع َّينة مساحة كبرية يف‬
‫بعض عنارص البيانات‪ ،‬وتعطى مساحة قليلة يف بعضها أو ال تعطى شيئا يف بعضها اآلخر‪ ،‬أو قد َتظهر يف عدد‬
‫قليل نسبيا من مجموعة البيانات‪ .‬لكل هذا‪ُ ،‬ي َعدُّ حكم الباحث رضوريا لتحديد ما هي املوضوعة‪ .‬وتوجيهنا‬
‫األويل لك يف هذا‪ ،‬هو أنك تحتاج إىل يشء من املرونة‪ ،‬أ ّما القواعد الصارمة فال يع َّول عليها‪( .‬سنعود الحقا إىل‬
‫مسألة االنتشار يف ما يتعلق باملوضوعات واملوضوعات الفرعية‪ ،‬حيث إن تنقيح التحليل (انظر ما سيأيت) كثريا‬
‫ما يؤدي إىل موضوعات عامة وأخرى فرعية ضمنها)‪.‬‬

‫إضافة إىل ما سبق‪ ،‬فإن [الحكم ب] «مفتاحية» ‪ keyness‬موضوعة ما ال َيعتمد بالرضورة عىل مقاييس‬
‫كمية_ وإمنا عىل التقاطها شيئا ُمهام له عالقة بالسؤال اإلجاميل للبحث من عدمه‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬يف‬
‫بحث فيكتوريا عن متثالت اآلباء املثليني واألمهات املثليات يف ‪ 26‬برنامجا حواريا (‪Clarke and Kitzinger,‬‬
‫‪َ ،)2004‬حددت ست موضوعات «مفاتيح»‪ ،‬ومل تكن بالرضورة هي األشيع َع ْ َب مجموعة البيانات_ ظهرت يف‬
‫ما بني اثنني و‪ 22‬من الربامج الحوارية الـ ‪ _ 26‬لكنها ال َت َقطت مجتمعة عنرصا ُمهام يف الطريقة التي « ُي َط ِّبع»‬
‫‪ normalize‬بها املثليون عائالتهم يف مناظرات الربامج الحوارية‪ .‬يف حالة هذا املثال‪ ،‬كان التحليل املوضوعايت‬
‫موجها بهذا السؤال التحلييل عن التطبيع تحديدا‪ .‬ومادام تحديد االنتشار ميكن أن ُيجرى بطرائق مختلفة‪ ،‬فإن‬ ‫َّ‬
‫السؤال عن كيفية «قياس» هذه الباحثة ملعدل االنتشار هو أمر وثيق الصلة هنا‪ ،‬وقد حس َبته عىل مستوى‬
‫عنرص البيانات (أي‪ ،‬هل ظهرت املوضوعة يف أي مكان من كل برنامج حواري عىل حدة؟)‪ ،‬وكان ميكنها حسابه‬
‫عبوا عن املوضوعة َع ْ َب مجموعة البيانات بأكملها‪ ،‬أو من زاوية‬ ‫من زاوية عدد املتحدثني املختلفني الذين َّ‬
‫كل ظهور مفرد للموضوعة تكرر َع ْ َب مجموعة البيانات بأكملها (األمر الذي يثري أسئلة معقدة عن بدء «حالة‬
‫ما» وانتهائها ِض ْمنَ سلسلة طويلة من الحديث‪ -‬انظر ‪ .)Riessman, 1993‬ونظرا إىل أن مسألة االنتشار مل‬
‫تكن مصريية يف التحليل املقدَّم‪َ ،‬سلكت فيكتوريا الطريقة األكرث مبارشة ووضوحا‪ .‬لكن‪ ،‬من املهم أن ن ْذكر أنه‬
‫ال يوجد منهج صحيح لتحديد االنتشار وآخر خاطئ؛ ذلك أن جزءا من مرونة التحليل املوضوعايت تكمن يف‬
‫إتاحته تحديد املوضوعات (واالنتشار) بطرائق متعددة؛ إذ املهم فعال هو أن تكون متسقا يف كيفية قيامك‬
‫بذلك يف أي تحليل تنجزه‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫توجد «اصطالحات» متنوعة لتمثيل االنتشار يف التحليل املوضوعايت (وبقية املناهج الكيفية األخرى) ال‬
‫تو ِّفر مقياسا كميا (خالفا لكثري من مناهج تحليل املضمون‪_ )Wilkinson, 2000 ،‬كقولنا‪« :‬غالبية املشاركني»‬
‫(‪ ،)Meehan et al., 2000: 372‬أو «عدة مشاركني» (‪ ،)Taylor and Ussher, 2001: 298‬أو «عدد من‬
‫املشاركني» (‪ .)Taylor and Ussher, 2001: 298‬ومثل هذه الواسامت تعمل عىل نحو بالغي يك تقرتح علينا‬
‫أن املوضوعة موجودة بالفعل يف البيانات‪ ،‬ويك تقنعنا بأنها تقدم تقريرا صادقا عن البيانات‪ .‬لكن‪ ،‬هل تخربننا‬
‫بالكثري؟ رمبا يكون هذا من املجاالت التي تحتاج إىل مزيد من النقاش لإلجابة عن األسئلة اآلتية‪ :‬كيف منثل‬
‫انتشار املوضوعات يف البيانات؟ وملاذا نفعل ذلك؟ وهل االنتشار ُمهم عىل نحو خاص‪ ،‬وملاذا هو كذلك؟‬

‫عي واحد‬
‫مفصل لجانب ُم َّ‬
‫َّ‬ ‫القرار الثاين‪ :‬وصف غني ملجموعة البيانات أو بيان‬

‫من املهم أن ُتحدِّد نوعَ التحليل الذي تود إنجازه والدعاوى التي تريد إقامتها‪ ،‬كل ذلك يف عالقة مبجموعة‬
‫البيانات التي تحللها‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬قد تكون راغبا يف تقديم وصف موضوعايت غني ملجموعة البيانات‬
‫بأكملها‪ ،‬بحيث َيتع َّرف القارئ املوضوعات السائدة أو املهمة؛ ويف هذه الحالة‪ ،‬يجب أن تكون املوضوعات‬
‫التي ُتحدِّدها و ُت َر ِّمزها وتحللها انعكاسا دقيقا ملحتوى مجموعة البيانات بأكملها‪ .‬ومع أنك ستَفقد‪ ،‬بالرضورة‪،‬‬
‫بعض العمق والتعقيد باعتامد هذا النوع من التحليل‪( ،‬خاصة إذا كنت تكتب أطروحة ‪ assertation‬قصرية‬
‫أو مقالة بحدود كلامت صارم) فإنك ُتحا ِفظ عىل نسخة عامة غنية‪ ،‬وقد يكون هذا التحليل الغني منهجا‬
‫مفيدا‪ ،‬خاصة إن كنت تح ِّقق يف مجال مل ُيبحث كفاية ‪ ،under-researched‬أو تعمل مع مشاركني آراؤهم‬
‫يف املوضوع الذي تبحثه مجهولة‪.‬‬

‫يف مقابل الوصف الغني‪َ ،‬يتمثل االستعامل البديل للتحليل املوضوعايت يف توفري وصف أكرث تفصيال ودقة‬
‫ملوضوعة معينة‪ ،‬أو مجموعة موضوعات‪َ ،‬تحرض ِض ْمنَ البيانات‪ .‬وقد يتعلق هذا االستعامل بسؤال محدَّد أو مجال‬
‫اهتامم ِض ْمنَ البيانات (انظر املقاربة الداللية يف ما سيأيت)‪ ،‬أو مبوضوعة ُمع َّينة «كامنة» (انظر أدناه) تحرض َع ْ َب‬
‫مجموعة البيانات كلها أو معظمها‪ .‬ومن األمثلة عىل ذلك‪ ،‬نذ ُكر بحث فيكتوريا حول الربنامج الحواري املناقش‬
‫آنفا (‪ ،)Clarke and Kitzinger, 2004‬والذي َفحصت فيه التطبيع يف روايات املثليني عن األبوة واألمومة‪.‬‬

‫القرار الثالث‪ :‬التحليل املوضوعايت االستقرايئ مقابل النظري‬

‫ميكن يف التحليل املوضوعايت تحديد املوضوعات أو األمناط الواردة ِض ْمنَ البيانات بإحدى طريقتني رئيستني‪:‬‬
‫طريقة استقرائية‪ ،‬أو لنقل «من أسفل إىل أعىل» (عىل سبيل املثال‪ ،)Frith and Gleeson, 2004 ،‬وأخرى نظرية‬
‫أو لنقل استنباطية أو «من أعىل إىل أسفل» (عىل سبيل املثال‪ .)Boyatzis, 1998; Hayes, 1997 ،‬تعني املقاربة‬
‫االستقرائية أن املوضوعات املح َّددة ترتبط‪ ،‬ارتباطا وثيقا‪ ،‬بالبيانات نفسها (‪( )Patton, 1990‬بهذا‪ ،‬يحمل هذا‬
‫الرضب من التحليل املوضوعايت شبها بالنظرية املج َّذرة)‪ .‬يف هذه املقاربة‪ ،‬إن ُج ِّمعت البيانات من أجل البحث‬
‫‪14‬‬

‫خاصة (مثال‪َ ،‬ع ْ َب مقابلة أو مجموعة بؤرية‪ ،)group*15 focus‬فقد ال َيكون للموضوعات املحدَّدة إال عالقة‬
‫موجهة باالهتاممات النظرية للباحث باملجال‬‫طفيفة باألسئلة الخاصة املطروحة عىل املشاركني‪ ،‬ولن تكون أيضا َّ‬
‫أو املوضوع‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن التحليل االستقرايئ هو سريورة ترميز البيانات دون محاولة جعلها تناسب إطار ترميز‬
‫موجود قبال‪ ،‬أو التصورات التحليلية املسبقة للباحث‪ .‬ومن َث َّم‪ ،‬يكون هذا الرضب من التحليل املوضوعايت‬
‫موجها بالبيانات ‪ .data-driven‬ومع ذلك‪ ،‬من املهم أن ن ْذكر‪ ،‬كام ناقشنا آنفا‪ ،‬أن ليس يف وسع الباحثني تحرير‬ ‫َّ‬
‫أنفسهم من التزاماتهم النظرية واإلبستمولوجية‪ ،‬وأن البيانات ال ُت َر َّمز يف فراغ إبستمولوجي‪.‬‬

‫موجها باالهتاممات‬‫يف مقابل الطريقة االستقرائية‪ ،‬مييل التحليل املوضوعايت «النظري» إىل أن َيكون َّ‬
‫موجها باهتاممات الباحث ‪ analyst-driven‬عىل نحو‬ ‫النظرية أو التحليلية للباحث باملجال‪ ،‬ومن َث َّم‪ ،‬يكون َّ‬
‫أكرث رصاحة‪ .‬مييل هذا النوع من التحليل املوضوعايت عموما إىل توفري وصف أقل ِغنى للبيانات‪ ،‬وتحليل أكرث‬
‫تفصيال لجانب من جوانبها‪ .‬إضافة إىل ما سبق‪ ،‬يتوقف االختيار بني الخرائط االستقرائية والنظرية عىل كيفية‬
‫ترميز البيانات والغرض من ذلك؛ إذ ميكنك أن ُتر ِّمز من أجل سؤال بحث مح َّدد متاما (تأخذ باملقاربة األكرث‬
‫نظرية) كام ميكن لسؤال البحث املحدَّد أن يتبلور أثناء عملية الرتميز (تأخذ باملقاربة االستقرائية)‪.‬‬

‫فلو افرتضنا أن باحثا كان مهتام بالحديث عن الجنس املتغاير*‪ ،heterosex 16‬وجمع البيانات من املقابلة‪،‬‬
‫باستعامل مقاربة استقرائية‪ ،‬فإنه سيقرأ البيانات ويعيد‪ ،‬بحثا عن أي موضوعات تتعلق بـالجنس املتغاير‪،‬‬
‫وسري ِّمز ترميزا متنوعا دون أن يلقي باال للموضوعات التي رمبا تكون األبحاث السابقة يف املوضوع قد حددتها‪.‬‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬لن ينظر إىل البحث املؤثر لـ هولواي ‪ ،)1989( Hollway‬الذي َحددت فيه خطابات الجنس‬
‫املتغاير ور َّمزت ثالث موضوعات فقط‪ ،‬وهي‪ :‬خطاب الدافع الجنيس للذكور‪ ،‬وخطاب األخذ‪/‬الحفاظ ‪have/‬‬
‫‪ ،hold‬وأخريا خطاب السامح*‪ .17‬ويف املقابل‪ ،‬إن اتبع الباحث مقاربة نظرية‪ ،‬فقد يكون مهتام بالطريقة التي‬
‫َيظهر بها السامح َع ْ َب البيانات‪ ،‬وسري ِّكز عىل تلك امليزة بالذات يف الرتميز؛ األمر الذي سيؤثر بعد ذلك يف عدد‬
‫املوضوعات عن اإلباحة‪ ،‬التي قد تشمل التحدث عن أمر قريب من موضوعة هولواي األصلية أو التوسع فيها‪.‬‬

‫‪ *15‬منهج‪/‬تقنية تستعمل في البحوث الكيفية لتجميع البيانات المطلوبة عن طريق خلق مجموعات نقاش مصغرة‪ ،‬يُعرض عليها موضوع محدد تناقشه‬
‫والباحث يراقب تفاعالت أعضائها ويسجل كيفية تعاطيهم مع الموضوع ونوع األسئلة التي يطرحونها واإلجابات التي يقدمونها‪.‬‬
‫‪ *16‬الجنس بين ذكر وأنثى‪.‬‬
‫‪ *17‬بحث شهير‪ ،‬حدَّدت فيه الكاتبة ثالثة خطابات معاصرة عن الجنسية مع الجنس اآلخر‪ ،‬وهي‪ :‬خطاب الدافع الذكوري‪ ،‬ويعني أن الذكور مدفوعون‬
‫بيولوجيا إلى ممارسة الجنس مع اإلناث وتفريغ التوتر الناتج عن اإلثارة‪ ،‬وخطاب يملك‪ /‬يحفظ (عبارة تستعمل عادة في عقد القِران الموافق لألديان‬
‫واألعراف‪ ،‬حيث يقسم العروسان بأن يؤوي كل منهما األخر ويحفظه)‪ ،‬القائم على ثنائية الرجل يقدم الحماية واألمن واألنثى توفر األبناء‪ ،‬وأخيرا‬
‫خطاب اإلباحة والتساهل الذي يعترف بالرغبة الجنسية لإلناث والذكور وحقهم بممارستها في حال الرضى وانعدام األذى‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫القرار الرابع‪ :‬موضوعات داللية أم كامنة؟‬

‫يدور قرار آخر حول «املستوى» ‪ level‬الذي ُستح َّدد فيه املوضوعات‪ ،‬أهو مستوى داليل أو لنقل رصيح‪،‬‬
‫أم مستوى كامن أو لنقل تأوييل‪)Boyatzis, 1998( 18‬؟ وقد جرت العادة أن التحليل املوضوعايت ير ِّكز حرصا‪،‬‬
‫أو يف املقام األول‪ ،‬عىل مستوى واحد فقط‪ .‬ويف حال اتباع مقاربة داللية‪ ،‬ستُح َّد ُد املوضوعات ِض ْمنَ املعاين‬
‫الرصيحة أو السطحية للبيانات‪ ،‬ولن َيتطلع املح ِّلل إىل أي يشء يتجاوز ما قاله أو كتبه املشارك يف الدراسة‪.‬‬
‫نظم‬‫ويف ظروف مثالية‪ ،‬ستشمل سريورة هذا املستوى من التحليل خطوات تبدأ بالوصف‪ ،‬حيث ببساطة ُت َّ‬
‫البيانات إلظهار أمناط يف املحتوى الداليل‪ ،‬ثم التلخيص‪ ،‬وصوال إىل التأويل‪ ،‬حيث ُيحا َول التنظري ألهمية األمناط‬
‫ومعانيها األوسع وتداعياتها (‪ ،)Patton, 1990‬وكثريا ما َيجري ذلك يف عالقة بأدبيات البحث السابقة (للحصول‬
‫عىل مثال ممتاز لهذا‪ ،‬انظر ‪.)Frith and Gleeson, 2004‬‬

‫رشع يف تحديد‬ ‫ويف املقابل‪ ،‬يتجاوز التحليل املوضوعايت عىل املستوى الكامن املحتوى الداليل للبيانات‪ ،‬وي َ‬
‫أو دراسة األفكار واالفرتاضات والتصورات ‪ -‬واأليديولوجيات ‪ -‬التحتية ‪ the underlying‬التي ُن ِّظر لها عىل أنها‬
‫تش ِّكل أو ُتع ِلم باملحتوى الداليل للبيانات‪ .‬وإذا تخيلنا بياناتنا ثالثية األبعاد‪ ،‬كقطعة غري متساوية من ال ُهالم‬
‫‪ ،jelly‬فإن املقاربة الداللية ستسعى إىل وصف سطح ال ُهالم وشكله ومعناه‪ ،‬يف حني أن املقاربة الكامنة ستسعى‬
‫إىل تع ُّرف املالمح التي أعطت الهالم هذا الشكل املح َّدد وهذا املعنى‪ .‬ومن َث َّم‪َ ،‬يرى التحليل املوضوعايت‬
‫الكامن أن بلورة ‪ development‬املوضوعات نفسه ينطوي عىل عمل تأوييل‪ ،‬والتحليل املنتَج ليس مجرد‬
‫وصف‪ ،‬وإمنا هو عمل جرى التنظري له سلفا‪.‬‬

‫مييل التحليل املنجز ِض ْمنَ هذا التقليد‪ ،‬املذكور آنفا‪ ،‬إىل الصدور عن البارديغم البنايئ (مثال‪Burr, ،‬‬
‫‪ ،)1995‬وبهذا‪ ،‬يتداخل التحليل املوضوعايت مع أشكال من تحليل الخطاب «‪( »DA‬ا ُملشار إليها أحيانا باسم‬
‫«تحليل الخطاب املوضوعايت» (عىل سبيل املثال ‪Singer and Hunter, 1999; Taylor and Ussher,‬‬
‫نظر الفرتاضات وبنيات و‪/‬أو معاين أوسع عىل أنها ركيزة يقوم عليها ما جرى توضيحه‬ ‫‪ ،))،2001‬حيث ُي َّ‬
‫واملالحظ أن عددا من محليل الخطاب يعودون إىل أمناط التأويل التحليل‪-‬نفسية‬ ‫َ‬ ‫بالفعل يف البيانات‪.‬‬
‫‪ psycho-analytic‬عىل نحو متزايد (عىل سبيل املثال‪ ،)Hollway and Jefferson, 2000 ،‬والتحليل‬
‫املوضوعايت الكامن يتوافق مع هذا اإلطار‪.‬‬

‫‪ 18‬تعريف وياتزيس ‪ )1998( Boyatzis‬للكامن والظاهر أضيق إلى حد ما من تعريفنا للكامن والداللة؛ فهو يعرف التحليل الموضوعاتي بأنه دمج‬
‫كل من الجوانب الكامنة والظاهرة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن هذا ناتج عن حقيقة أنه يربط سيرورة التأويل بالتحليل الكامن ‪ -‬في حين أننا قد نجادل بأنه يجب أن‬
‫أيضا عنصرً ا مهمًا في المقاربة الداللية‪.‬‬
‫يكون ً‬
‫‪16‬‬

‫القرار الخامس‪ :‬اعتامد إبستمولوجيا التحليل املوضوعايت الجوهري‪-‬الواقعي يف‬


‫مقابل إبستمولوجيا التحليل املوضوعايت البنايئ‬

‫كام حاججنا من قبل‪ ،‬ميكن إجراء التحليل املوضوعايت ِض ْمنَ كل من الباراديغمني الواقعي‪/‬الجوهري‬
‫حسم يف مسألة‬
‫والبنايئ‪ ،‬لكن ما ينتجه كل منهام‪ ،‬وما يركز عليه‪ ،‬سيكون مختلفا‪ .‬ومع أن العادة قد جرت بأن ُي َ‬
‫اإلبستمولوجيا هذه عند وضع تصور مرشوع البحث‪ ،‬فإنها قد ُتطل برأسها مرة أخرى يف أثناء التحليل‪ ،‬وذلك‬
‫عندما يتحول الرتكيز البحثي إىل االهتامم بجوانب مختلفة من البيانات‪ .‬ودور إبستمولوجيا البحث هو أن‬
‫َ‬
‫اتخذت مقاربة واقعية‪/‬جوهرية‪،‬‬ ‫نظر للمعنى‪ .‬فمثال‪ ،‬إن‬‫توجه ما ميكنك قوله عن بياناتك‪ ،‬و ُت ْع ِل َمك كيف ُت ِّ‬
‫ِّ‬
‫التنظري للدوافع والخربة واملعنى بطريقة مبارشة‪ ،‬ألن هذه املقاربة َتفرتض وجود عالقة بسيطة أحادية‬ ‫أم َكنك ِّ‬
‫االتجاه‪ ،‬إىل حد بعيد‪ ،‬بني املعنى والخربة واللغة (تعكس اللغة املعنى والتجربة ومتكننا من التعبري عنهام)‬
‫(‪.)Potter and Wetherell, 1987; Widdicombe and Wooffitt, 1995‬‬

‫َ‬
‫اتخذت املنظور البنايئ‪ ،‬فستجد أن املعنى والخربة ليسا كامنني داخل األفراد‪ ،‬وإمنا ُينتجان‬ ‫ويف املقابل‪ ،‬إن‬
‫املنجز يف إطار البنائية‪ ،‬إىل‬
‫ويعاد إنتاجهام اجتامعيا (‪ .)Burr, 1995‬لذلك‪ ،‬ال يسعى التحليل املوضوعايت َ‬
‫الرتكيز عىل التحفيز أو علم النفس الفردي‪ ،‬وال ميكنه ذلك‪ ،‬بل يسعى باألحرى إىل التنظري للسياقات االجتامعية‬
‫والثقافية والظروف البنيوية التي تتيح األداءات الفردية املقدَّمة‪ .‬وبهذا‪ ،‬مييل التحليل املوضوعايت الذي يركز‬
‫عىل املوضوعات «الكامنة» إىل أن يكون أكرث بنائية‪ ،‬ومييل أيضا‪ ،‬يف هذه املرحلة‪ ،‬إىل التداخل مع تحليل‬
‫الخطاب املوضوعايت؛ ومع ذلك‪ ،‬ليست كل التحليالت املوضوعاتية «الكامنة» بنائية‪.‬‬

‫القرار السادس‪ :‬األسئلة املتعددة للبحث الكيفي‬

‫يجدر اإلملاع إىل أن البحث الكيفي يتضمن سلسلة من األسئلة‪ ،‬والحاجة قامئة إىل توضيح العالقة بينها‪ .‬أوال‪،‬‬
‫هناك سؤال أو أسئلة البحث الشاملة التي تقود املرشوع‪ .‬وقد يكون سؤال البحث واسعا جدا (واستكشافيا)‪،‬‬
‫مثل‪« :‬كيف ُتبنى والدية ‪ parenting‬املثليني واملثليات؟» أو «ما معاين املهبل؟»‪ ،‬وقد تكون أسئلة البحث‬
‫أضيق‪ ،‬مثل‪« :‬كيف ُي َط َّبع مع والدية املثليني‪ ،‬وملاذا؟» (‪ ،)Clarke and Kitzinger, 2004‬أو «ما الخطابات‬
‫الدائرة حول حجم املهبل؟» (انظر ‪ .)Braun and Kitzinger, 2001‬هذه األسئلة الضيقة قد تكون جزءا من‬
‫سؤال بحث شامل أوسع‪ ،‬وإن كان األمر كذلك‪ ،‬فإن التحليالت املقدَّمة ستوفر أيضا إجابات عن سؤال البحث‬
‫الشامل‪ .‬ومع أن املشاريع جميعها َتسرتشد بأسئلة بحثية‪ ،‬فمن املمكن أيضا تنقيحها مع تقدم املرشوع‪.‬‬

‫بيانات من املقابالت أو من مجموعات بؤرية‪ ،‬فهناك األسئلة التي أجاب عنها املشاركون‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ثانيا‪ ،‬إذا َت َّم جمع‬
‫توجد عالقة رضورية بني هذه األنواع الثالثة‬
‫املوجهة لرتميز البيانات وتحليلها‪ ،‬إال أنه ال َ‬
‫وأخريا‪ ،‬هناك األسئلة ِّ‬
‫فضل الفصل بينها‪ .‬ومن أسوأ ما قرأنا من أمثلة التحليل «املوضوعايت» نذكر تلك التي‬ ‫من األسئلة‪ ،‬بل كثريا ما ُي َّ‬
‫‪17‬‬

‫املوجهة إىل املشاركني عىل أنها هي «املوضوعات» املتع َّرفة يف «التحليل»‪ ،‬مع أنه‪ ،‬يف‬
‫تستعمل ببساطة األسئلة َّ‬
‫مثل هذه الحاالت‪ ،‬مل ُيجر أي تحليل عىل اإلطالق!‬

‫ونقول إجامال‪ ،‬إن التحليل املوضوعايت ينطوي عىل البحث َع ْ َب مجموعة بيانات _ سواء أكانت عددا من‬
‫املقابالت أم مجموعات الرتكيز أم مجموعة من النصوص_ للعثور عىل أمناط من املعنى متكررة‪ .‬وكام وضحنا‬
‫سابقا‪ ،‬فإن الشكل واملنتَج الدقيق للتحليل املوضوعايت يكون متنوعا؛ ولذا‪ ،‬من املهم أن يجاب عن األسئلة‬
‫َّ‬
‫املوضحة آنفا قبل إجراء التحليالت املوضوعاتية ويف أثنائها‪.‬‬

‫كثريا ما متيل املناهج ذات النزعة البنائية‪ ،‬التي ُتعنى بجوانب محدَّدة وموضوعات كامنة‪ ،‬إىل التجمع‬
‫معا؛ يف حني متيل املناهج ذات النزعة الواقعية‪ ،‬التي ُتعنى باملعاين الحارضة َع ْ َب مجموعة البيانات بكاملها‬
‫واملوضوعات الداللية‪ ،‬إىل التجمع معا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال توجد قواعد حاسمة ورسيعة بخصوص هذا األمر‪،‬‬
‫والتوليفات املختلفة بني هذه املناهج تظل ممكنة‪ .‬لكن املهم يف األمر هو أن يحتوي املنتَج النهايئ عىل رسد‬
‫‪ -‬غري مفصل بالرضورة ‪ -‬ملا جرى القيام به‪ ،‬وملاذا‪.‬‬

‫بعد كل هذا‪ ،‬ما الذي ميكن للمرء القيام به فعليا؟ ُنقدِّم اآلن ما نأمل أن يكون دليال مبارشا‪ ،‬خطوة‬
‫خطوة‪ ،‬إلجراء التحليل املوضوعايت‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬دليل إجراء تحليل موضوعايت‪ ،‬خطوة خطوة‬

‫تتشابه بعض مراحل التحليل املوضوعايت مع مراحل البحث الكيفي األخرى‪ .‬لذا‪ ،‬ال ينفرد التحليل املوضوعايت‬
‫يالحظ املحلل أمناطا من املعنى والقضايا ذات األهمية‬ ‫بهذه املراحل ك ِّلها بالرضورة‪ .‬تبدأ سريورة التحليل عندما ِ‬
‫املحتملة يف البيانات ويبحث عنها‪ ،‬وقد يكون هذا يف أثناء جمع البيانات‪ ،‬و ُتختتم هذه السريورة بكتابة تقرير‬
‫عن محتوى األمناط (موضوعات) ومعناها يف البيانات‪ ،‬حيث «املوضوعات هي بنيات مج َّردة (وكثريا ما تكون‬
‫غامئة) يحدِّدها املحققون [كذا‪ ] sic‬قبل التحليل وأثناءه وبعده» (‪ .)Ryan and Bernard, 2000: 780‬وبهذا‪،‬‬
‫نجد أن التحليل يتضمن حركة مستمرة‪ ،‬جيئة وذهابا‪ ،‬بني مجموعة البيانات بأكملها‪ ،‬واملقتطفات ا ُمل َر َّمزَة من‬
‫البيانات املحللة‪ ،‬والتحليل املنتَج عن هذه البيانات‪ .‬أ ّما الكتابة‪ ،‬فجزء ال يتجزأ من التحليل‪ ،‬وليست شيئا َيحدث‬
‫يف الختام‪ ،‬كام هو الحال مع التحليالت اإلحصائية‪ .‬لهذا‪ ،‬ينبغي بدء الكتابة يف املرحلة األوىل؛ أي مع تدوين‬
‫األفكار وخطاطات الرتميز املحتملة‪ ،‬واالستمرار فيها مبارشة طوال عملية الرتميز‪/‬التحليل بأكملها‪.‬‬

‫تختلف اآلراء يف تعيني الوقت الذي ينبغي لك فيه التعامل مع األدبيات ذات الصلة بتحليلك؛ إذ يدافع‬
‫بعضهم عن أن القراءة املبكرة قد ُتض ِّيق مجال رؤيتك التحليلية‪ ،‬ما يؤدي بك إىل الرتكيز عىل جوانب من‬
‫البيانات عىل حساب أخرى قد تكون بالغة األهمية؛ يف حني ُيدافع آخرون عن أن التعاطي مع األدبيات ميكن‬
‫‪18‬‬

‫أن يعزز تحليلك‪ ،‬وذلك بإرهاف حسك حتى يصري قادرا عىل التقاط مظاهر أكرث خفاء يف البيانات (‪Tuckett,‬‬
‫‪ .)2005‬لذلك‪ ،‬ال توجد طريقة صحيحة وحدها للميض قدما يف القراءة من أجل التحليل املوضوعايت‪ّ ،‬إل‬
‫َ‬
‫سلكت املقاربة األكرث استقرائية‪ ،‬فيمكنك تعزيزها بعدم التعاطي مع األدبيات يف املراحل األوىل من‬ ‫أنك إن‬
‫َ‬
‫سلكت املقاربة النظرية‪ ،‬فاألمر يتطلب منك التعاطي مع األدبيات قبل التحليل‪.‬‬ ‫التحليل‪ ،‬وإن‬

‫للتحليل املوضوعايت ستة أطوار ‪ ،phases‬وسنُقدِّم دليال تفصيليا عنها‪ ،‬ونو ِّفر أمثلة لتوضيح السريورة املتبعة‬
‫يف كل منها‪ ،19‬والجدول رقم (‪ )1‬يلخص هذه األطوار‪ .‬لكن‪ ،‬ينبغي لك إدراك أن إرشادات التحليل الكيفي هي‬
‫تحديدا‪ -‬ليست قواعد‪ ،‬واتباع التعاليم األساسية سيتطلب منك املرونة يف تطبيقها لتالئم أسئلة البحث والبيانات‬
‫(‪ .)Patton, 1990‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬ليس التحليل سريورة خطية لالنتقال ببساطة من طور إىل آخر‪ ،‬وإمنا هو‬
‫باألحرى سريورة أكرث تكرارية ‪ ،recursive‬الحركة فيها تكون‪ ،‬حسب الحاجة‪ ،‬جيئة وذهابا من أقىص أطوار‬
‫التحليل إىل أقصاه‪ ،‬وهو أيضا سريورة تتطور مبرور الوقت (‪ ،)1997 ،.Ely et al‬وال ينبغي التعجل فيها‪.‬‬

‫جدول ‪ 1‬أطوار التحليل املوضوعايت‬


‫وصف السريورة‬ ‫الطور‬
‫تفريغ البيانات كتابة (إن لزم األمر)‪ ،‬قراءة البيانات وإعادة قراءتها‪ ،‬تدوين األفكار‬
‫‪ .1‬خلق األلفة مع بياناتك‪:‬‬
‫األولية‪.‬‬
‫ترميز نسقي للمالمح املثرية لالهتامم يف البيانات َع ْ َب مجموعة البيانات بأكملها‪،‬‬
‫‪ .2‬توليد رموز أولية‪:‬‬
‫وتبويب‪ collating *20‬البيانات ذات الصلة بكل رمز‪.‬‬
‫تبويب الرموز يف موضوعات محتملة‪ ،‬تجميع البيانات ذات الصلة بكل موضوعة‬
‫‪ .3‬البحث عن املوضوعات‪:‬‬
‫محتملة‪.‬‬
‫التحقق هل املوضوعات تعمل يف عالقة باملقتطفات ا ُمل َر َّمزَة (املستوى‪ )1‬ومبجموعة‬
‫‪ .4‬مراجعة املوضوعات‪:‬‬
‫البيانات بأكملها (املستوى ‪)2‬؟ وإنشاء «خريطة» موضوعاتية للتحليل‪.‬‬
‫تحليل مستمر لتشذيب تفاصيل كل موضوعة والقصة الشاملة التي يرويها التحليل‪،‬‬
‫‪ .5‬تعريف املوضوعات وتسميتها‪:‬‬
‫وإنشاء تعريفات وأسامء واضحة لكل موضوعة‪.‬‬
‫الفرصة األخرية للتحليل‪ .‬اختيار مناذج من مقتطفات حية ومقنعة‪ ،‬والتحليل النهايئ‬
‫ملقتطفات مختارة‪ ،‬ر ْب ُط آخر جزء من التحليل بسؤال البحث واألدبيات‪ ،‬وإنتاج‬ ‫‪ .6‬إصدار التقرير‪:‬‬
‫تقرير عالِم‪ scholarly report‬عن التحليل‪.‬‬

‫‪ 19‬نَفترض أنك تعمل على متن بيانات ومجموعة بيانات «جيدة الكيفية»‪ .‬ويمكننا القول إن «البيانات الجيدة» تحدَّد بمجموعة من المعايير المتعلقة‬
‫ب‪ :‬ماذا ولماذا وكيف جُ معت‪ ،‬وبتقديم عروض غنية ومفصلة ومعقدة عن الموضوع‪ .‬ال تكتفي البيانات الجيدة بمجرد توفير نظرة عامة عن سطح‬
‫الموضوع الذي نهتم به‪ ،‬أو تكرر ببساطة استعراض ما يراه الحس المشترك‪ .‬التحدي الذي يواجه الباحث المبتدئ هو التفاعل مع المشاركين في البحث‬
‫بطريقة تولد رؤى غنية ومعقدة‪ .‬ويُ َع ُّد إنتاج تحليل جيد للبيانات ذات الجودة الرديئة مهمة صعبة‪ ،‬مع أنه من المحتمل أن يقوم بها محلل ماهر وذو خبرة‪.‬‬
‫‪ Collating *20‬تدل لغة على الترتيب وفق خاصية مُعيَّنة (فرز) ثم تجميع العناصر المتشابهة في أصناف (تنسيق)‪ .‬كأن تكون أمامك رزمة أوراق‬
‫ملونة‪ ،‬فتميز بينها حسب اللون مثال‪ ،‬ثم تضم كل لون إلى مشابهيه فتحصل على مجموعات متشابهة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪“Collate.” Merriam-Webster.com Dictionary, Merriam-Webster, https://www.merriam-webster.com/dictionary/‬‬
‫‪collate. Accessed 11 Feb. 2023‬‬
‫‪19‬‬

‫الطور األول‪ :‬مؤالفة البيانات‬

‫البيانات التي تنخرط يف تحليلها قد تكون جمعتها بنفسك أو قد تكون ُأ ْع ِط َيت إليك؛ يف حال جمعك لها‬
‫بوسائل تفاعلية‪ ،‬فستأيت إىل التحليل مبعرفة مسبقة بالبيانات‪ ،‬ورمبا باهتاممات أو أفكار تحليلية أولية‪ ،‬لكن‪،‬‬
‫َمهام يكن األمر؛ فمن الرضوري أن تنغمس يف البيانات إىل الحد الذي تصبح معه مستأنسا بعمق املحتوى‬
‫واتساعه‪ .‬وعادة ما يتضمن االنغامس «القراءة املتكررة» للبيانات‪ ،‬وقراءتها قراءة فاعلة ‪ -‬بحثا عن املعاين‬
‫واألمناط وما إىل ذلك‪ .‬والخليق بك أن تقرأ مجموعة البيانات بأكملها‪ ،‬مرة واحدة عىل األقل‪ ،‬قبل أن تبدأ‬
‫َّدت األمناط املحتملة‪.‬‬
‫تشكلت األفكار وتحد ِ‬
‫ِ‬ ‫الرتميز؛ فك َّلام َ‬
‫قرأت‪،‬‬

‫وسواء أكنت ترمي إىل إجراء تحليل مجمل أو مفصل‪ ،‬أم كنت تبحث عن موضوعات كامنة أو داللية‪ ،‬أم‬
‫موجها بالنظرية‪ ،‬ستحاط علام بكيفية سري القراءة؛ ومهام يكن ما ترمي إليه‪ ،‬فمن‬ ‫كنت موجها بالبيانات أو َّ‬
‫املهم أن تكون قد ألِفت جميع جوانب بياناتك‪ .‬يف هذا الطور‪ ،‬سيتضح أحد األسباب التي من أجلها مييل‬
‫البحث الكيفي إىل استعامل عينات أصغر بكثري‪ ،‬قياسا إىل بحث االستبانة مثال‪ ،‬وهو أن قراءة البيانات وإعادة‬
‫قراءتها تستفذ وقتا طويال‪ .‬لذلك‪ ،‬قد ُتغرى بتخطي هذا الطور أو تلجأ إىل االنتقائية‪ ،‬ونحن ُنح ِّذر بشدة من‬
‫هذا اإلغراء؛ ألن هذا الطور هو األساس لبقية التحليل‪.‬‬

‫يف غضون هذه املرحلة‪ ،‬من الجيد أن تبدأ بتدوين املالحظات أو وسم ‪ marking‬األفكار لرتميزها؛ ألنك‬
‫ستعود إليها يف األطوار الالحقة‪ .‬ومبجرد أن تفعل هذا‪ ،‬ستكون مستعدا لبدء سريورة الرتميز األكرث رسمية؛ لكن‪،‬‬
‫ال تنس أنك ستستمر يف تطوير الرتميز وتحديده طوال التحليل برمته‪.‬‬

‫تفريغ البيانات اللفظية‬

‫كنت تعمل عىل بيانات شفهية‪ ،‬كاملقابالت والربامج التلفزيونية والخطب السياسية‪ ،‬فستحتاج إىل‬ ‫إن َ‬
‫تفريغ البيانات كتابة إلجراء تحليل موضوعايت‪ .‬ومع أن عملية التفريغ تستغرق وقتا طويال‪ ،‬وقد تكون محبطة‪،‬‬
‫بل ومملة أحيانا‪ ،‬فإنها قد تكون منهجا ممتازا لبدء األلفة بالبيانات (‪ .)Riessman, 1993‬زيادة عىل ذلك‪،‬‬
‫من الباحثني من ُيحاج عن وجوب النظر إىل هذا الطور عىل أنه «مفتاحي يف تحليل البيانات يف إطار املنهجية‬
‫الكيفية التأويلية» (‪ ،)Bird, 2005: 227‬وهو يحظى باالعرتاف بوصفه فعال تأويليا ُتنشأ فيه املعاين‪ ،‬بدل أن‬
‫يكون مجرد فعل ميكانييك تسجل به األصوات املنطوقة عىل الورق (‪.)Lapadat and Lindsay, 1999‬‬

‫توجد مواضعات متنوعة لتحويل النصوص املنطوقة إىل نصوص مكتوبة (انظر ‪Edwards and Lampert,‬‬
‫‪ ،)1993; Lapadat and Lindsay, 1999‬وبعض أنظمة التفريغ ُط ِّورت من أجل رضوب محدَّدة من التحليل‬
‫‪ -‬مثل نظام جيفرسون «‪ »Jefferson‬يف التحليل النقدي (انظر‪Atkinson and Heritage, 1984; Hutchby‬‬
‫‪ .)and Wooffitt, 1998‬ومع ذلك‪ ،‬فإن التحليل املوضوعايت‪ ،‬وحتى التحليل املوضوعايت البنايئ‪ ،‬ال يتطلب يف‬
‫‪20‬‬

‫التفريغ القدر نفسه من التفاصيل الذي يتطلبه تحليل املحادثة وتحليل الخطاب وحتى التحليل الرسدي‪ .‬وكام‬
‫أنه ال يوجد منهج وحيد إلجراء تحليل موضوعايت‪ ،‬ال توجد مجموعة وحيدة من اإلرشادات يجب اتباعها عند‬
‫إنتاج نسخة مكتوبة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن األمر يتطلب عىل األقل نسخة مكتوبة «إمالئية ‪ »orthographic‬صارمة‬
‫«ح ْريف» لجميع الكالم امللفوظ‪( 21‬وأحيانا غري امللفوظ ‪ -‬كالسعال مثال)؛ إذ املهم يف األمر هو‬
‫وشاملة ‪ -‬أي‪ ،‬رسد َ‬
‫أن تحتفظ النسخة املف َّرغة باملعلومات املطلوبة من الرسد اللفظي‪ ،‬وأن ُت ِّثل متثيال «صادقا» طبيعتها األصلية‬
‫(مثال‪ ،‬قد تغري عالمات الرتقيم املقحمة معنى البيانات ‪ -‬عىل سبيل املثال «أنا أكره ذلك‪ ،‬أنت تعلم‪ ،‬أنني‬
‫أفعل‪ ».‬مقابل «أنا أكره ذلك‪ .‬أنت تعلم أنني أفعل»*‪ ،)Poland, 2002: 632( ،22‬وأن تكون النسخة املف َّرغة‬
‫املتفق عليها مناسبة عمليا للغرض من التحليل (‪.)Edwards, 1993‬‬

‫وكام أملحنا آنفا‪ ،‬فالوقت الذي تقضيه يف التفريغ ليس مهدورا؛ ألن مراحل التحليل األوىل به تسرتشد‪،‬‬
‫وأثناءه يتط َّور ف ْهم أشمل وأعمق للبيانات‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬قد ُي َي ِّس االهتامم الوثيق الذي يتطلبه تفريغ‬
‫البيانات ُك ّل من القراءة الدقيقة واملهارات التأويلية واملهارات الالزمة لتحليل البيانات (‪Lapadat and‬‬
‫‪ .)Lindsay, 1999‬وإذا كان تفريغ بيانتك قد َت َّم بالفعل‪ ،‬أو كانت ستُف َّرغ من أجلك‪ ،‬ف ِمن املهم أن تقيض وقتا‬
‫أطول يف خلق األلفة بالبيانات‪ ،‬ويف مقارنة النُسخ املكتوبة‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬مع التسجيالت الصوتية األصلية لتتيقن‬
‫«دقتها» (وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الحال دامئا)‪.‬‬
‫رمز لـ‬ ‫مقتطف من البيانات‬
‫إنه أشبه بالعمل الشاق‪ ،‬أعني مقدار الورق الذي يجب عليك توقيعه لتغيري اسم ‪ .1‬تحدث عن األمر مع رشيك‪.‬‬
‫‪Flippin‬؛ ال أعني ال‪ ،‬أنا ال‪ ...‬لقد فكرنا يف األمر (غري مسموع) بحامس شديد وفكرنا‪ .2 ،‬الكثري من املتاعب لتغيري االسم‪.‬‬
‫ال‪ ...‬ال‪ ...‬أنا‪ ...‬فق ‪ -‬ال ميكنني أن أكون مزعجة‪ ،‬إنه يشبه إىل حد بعيد العمل الشاق‪.‬‬
‫(‪)Kate F07a‬‬
‫شكل ‪ 1‬مقتطف بيانات مع الرتميز املطبق عليه (‪)from Clarke et al., 2006‬‬

‫البدئية‬
‫ْ‬ ‫الطور الثاين‪ :‬توليد الرموز‬

‫يبدأ الطور الثاين عندما تقرأ البيانات و َت ْألفها‪ ،‬وتكون قد أنشأت قامئة أفكا ٍر أولية مبا يوجد يف البيانات وما‬
‫هو مثري لالهتامم فيها‪ .‬وعليه‪ ،‬يتضمن هذا الطور إنتاج رموز أولية من البيانات‪ .‬وهذه الرموز تحدد َم ْلمحا يف‬
‫البيانات (املحتوى الداليل أو الكامن) يبدو مثريا الهتامم املحلل‪ ،‬وتشري إىل «أبسط جزء أو عنرص من البيانات‬
‫الخام أو املعلومات التي ميكن الحكم بأهميتها يف عالقة بالظاهرة املدروسة» (‪ .)Boyatzis, 1998: 63‬انظر‬
‫الشكل رقم (‪ )1‬للحصول عىل مثال للرموز املط َّبقة عىل رشيحة قصرية من البيانات‪ .‬واعلم أن سريورة الرتميز‬
‫نظم بياناتك يف مجموعات دالة (‪Tuckett,‬‬ ‫هي جزء من التحليل (‪ ،)Miles and Huberman, 1994‬حيث ُت ِّ‬
‫‪ 21‬انظر بولند ‪ )2002( Poland‬لمناقشة المشكالت المتعلقة بفكرة النسخ «الحَ رْ في»‪ ،‬وما يستبعد من هذه العملية وما يحتفظ به‪.‬‬
‫‪ *22‬في الجملة األولى‪ ،‬المتحدث يشك أو يهزل في إعالنه الكراهية‪ ،‬أمّا في الثانية فهو موقن جاد في كالمه‪ ،‬وعالمات الترقيم المستخدمة تغير المعنى‬
‫من الجد واليقين إلى الشك والهزل‪’I hate it, you know. I do ;’ versus ‘I hate it. You know I do :‬‬
‫‪21‬‬

‫‪ .)2005‬ومع ذلك‪ ،‬فإن بياناتك ا ُمل َر َّمزَة تختلف عن وحدات التحليل (موضوعاتك) التي تكون (يف كثري من‬
‫األحيان) أوسع نطاقا‪ .‬وموضوعاتك‪ ،‬التي ستبدأ تطويرها يف الطور اآليت‪ ،‬هي املكان الذي يحدث فيه التحليل‬
‫التأوييل للبيانات يف عالقة بنوع الحجج التي تقدمها بخصوص الظاهرة املفحوصة (‪.)Boyatzis, 1998‬‬
‫َيعتمد الرتميز‪ ،‬إىل حد ما‪ ،‬عىل هل املوضوعات أكرث «اعتامدا عىل البيانات» أو «اعتامدا عىل النظرية»‪ -‬يف‬
‫الحالة األوىل‪ ،‬ستعتمد املوضوعات عىل البيانات‪ ،‬لكن يف الثانية‪ ،‬ميكنك مقاربة البيانات بأسئلة محدَّدة يف ذهنك‬
‫كنت ترمي إىل ترميز محتوى مجموعة البيانات‬ ‫ترغب يف الرتميز وفقا لها‪ .‬وس َيعتمد الرتميز أيضا عىل ما إذا َ‬
‫كنت ُتر ِّمز يك تحدِّد مالمح ُمع َّينة (ورمبا محدودة) يف مجموعة البيانات‪ .‬وميكن تنفيذ الرتميز إ ّما‬
‫بأكملها‪ ،‬أو َ‬
‫يدويا وإ ّما بربانم ‪( software programme‬انظر‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ,Kelle, 2004; Seale, 2000 ،‬ملناقشة الربانم)‪.‬‬
‫اعمل عىل مجموعة البيانات بأكملها عىل نحو نسقي‪ ،‬وأويل كل عنرص بيانات اهتامما كامال ومتساويا‪،‬‬
‫وحدِّد الجوانب املثرية لالهتامم فيه‪ ،‬والتي قد تش ِّكل أساس األمناط املتكررة (املوضوعات) َع ْ َب مجموعة‬
‫البيانات‪ .‬واعلم أن هناك فعليا عددا من الطرائق لرتميز املقتطفات؛ فإذا كان الرتميز يدويا‪ ،‬ميكنك ترميز‬
‫بياناتك بكتابة املالحظات عىل النصوص التي تحللها‪ ،‬أو باستعامل أقالم التحديد ‪ highlighters‬أو األقالم‬
‫امللونة لإلشارة إىل األمناط املحتملة‪ ،‬أو باستعامل مالحظات «األوراق الصقة» ‪ post-it‬لتحديد رشائح البيانات‪.‬‬
‫ميكنك بداية تحديد الرموز‪ ،‬ثم مطابقتها مع مقتطفات البيانات ِّ‬
‫املوضحة لها‪ ،‬ويف هذا الطور من املهم أن‬
‫َت ْستَو ِثق من أنك ر َّمزت ف ْعال مقتطفات البيانات جميعها‪ ،‬وب َّوبتها بعد ذلك تحت كل رمز من الرموز‪ .‬وهذا قد‬
‫نس َخ مقتطفات بيانات من مخطوطات ‪ transcripts‬فردية أو تصوير مقتطفات من بيانات مطبوعة‪،‬‬ ‫يتضمن ْ‬
‫وتبويب كل الرموز مع بعضها بعضا يف ملفات حاسوب منفصلة أو باستعامل بطاقات امللفات ‪ .file cards‬وإن‬
‫كنت ستستخدم برانم الحاسوب‪ ،‬فر ِّمز بوضع عالم َة تسم النصوص املختارة من كل عنرص بيانات‪.‬‬
‫النصائح الرئيسة لهذا الطور هي كاآليت‪( :‬أ) ر ّمز أكرب عدد ممكن من املوضوعات‪/‬األمناط املحتملة (إذا‬
‫سمح الوقت بذلك) – فأنت ال تع ِرف أبدا ما قد يغدو مثريا لالهتامم الحقا؛ (ب) ر ّمز ما تقتطفه من البيانات‬
‫ترميزا شموليا – لكن‪ ،‬استبق شيئا من البيانات املحيطة إن كانت ذات صلة‪ ،‬وذلك تجنبا لالنتقاد الشائع‬
‫للرتميز بأنه يضيع السياق (‪)Bryman, 2001‬؛ (ج) وت َذ ّكر أن مقتطفات مفردة من البيانات ميكن ترميزها‬
‫مقتطف ما أو ترميزه مرة واحدة‬
‫ٍ‬ ‫بقدر «املوضوعات» املختلفة التي تتناسب معها – ومن َث َّم‪َ ،‬ف َل َك إلغاء ترمي ِز‬
‫أو عدِّة مرات‪ ،‬ك َّلام كان ذلك ذا صلة‪ .‬والحظ أيضا أنه ال توجد مجموعة بيانات تخلو من التناقض‪ ،‬وأن‬
‫«الخريطة» املوضوعاتية املَ ْرضية التي ستنتجها يف النهاية‪ -‬أي وضع مفهوم شامل ألمناط البيانات‪ ،‬والعالقات‬
‫فيام بينها‪ -23‬ال يجب عليها تجاهل أو تخفيف التوترات والتناقضات الواردة ِض ْمنَ عنارص البيانات وعربها؛ فمن‬
‫املهم أن تحتفظ بالروايات التي تحيد عن القصة املهيمنة يف التحليل‪ ،‬لهذا‪ ،‬ال ُتسقط هذه الروايات من ترميزك‪.‬‬

‫‪ 23‬ما نعنيه بالخريطة الموضوعاتية يشبه‪ ،‬ولكن على نحو أقل تفصيالً‪« ،‬كتاب الشفرات» الوارد ذكره عند ريان وبرنارد ‪Ryan and Bernard‬‬
‫ال للعالقة الهرمية بين الرموز‪ ،‬إضافة إلى تقديم وصف لكل منها ومعاييره ونماذجه وأمثلة له وأمثلة مضادة عنه‬
‫(‪ ،)2000‬والذي يتضمن وصفًا مفص ً‬
‫وتفاصيل أخرى من هذا القبيل‪ .‬نجد في عرض ‪ )1998( Boyatzis‬للشفرة الموضوعاتية مثاال لتطبيق هذا النموذج (ومراجعته فيما يتعلق) على‬
‫بالبيانات‪ .‬انظر األشكال ‪ 4-2‬للتمثيالت المرئية للخرائط الموضوعاتية وتحسينها‪ .‬يمكن العثور على مثال آخر للخريطة الموضوعاتية ‪ -‬هذه المرة في‬
‫شكل جدول ‪ -‬في ‪.)2004( Frith and Gleeson‬‬
‫‪22‬‬

‫الطور الثالث‪ :‬البحث عن موضوعات‬

‫يبدأ الطور الثالث‪ ،‬عندما َيتِّم ترميز البيانات وتبويبها بصورة أولية‪ ،‬وتكون يف حوزتك قامئة طويلة من‬
‫الرموز املختلفة التي تع َّرفتها َع ْ َب مجموعة البيانات‪ .‬يف هذا الطور‪ ،‬يعاد تركيز التحليل عىل املستوى األوسع‬
‫للموضوعات بدال من الرموز‪ ،‬و ُتف َرز ‪ sorting‬الرموز املختلفة فرزا يتيح تصنيفها يف موضوعات محت َملة‪،‬‬
‫وتب َّوب جميع مقتطفات البيانات ا ُمل َر َّمزَة ذات الصلة ِض ْمنَ املوضوعات املح َّددة‪ .‬والجوهري يف األمر‪ ،‬أن تبدأ‬
‫تحليل الرموز الخاصة بك‪ ،‬والنظر يف كيفية مزج الرموز املختلفة لبناء موضوعة شاملة‪ .‬قد يفيدك يف هذا‬
‫الطور استعامل متثيالت مرئية تعينك عىل فرز الرموز املختلفة إىل موضوعات؛ وذلك كالجداول والخرائط‬
‫الذهنية‪ ،‬وكتابة اسم كل رمز (مع وصف موجز) عىل قطعة منفصلة من الورق وتسلية نفسك بتنظيمها يف‬
‫أكوم‪ -‬موضوعات‪ .‬انظر خريطة موضوعاتية لهذه املرحلة املبكرة يف الشكل رقم (‪( )2‬األمثلة يف األشكال رقم‬
‫‪ 4-2‬مستقاة من التحليل الوارد عند براون وويلكينسون ‪ 2003 ،Braun and Wilkinson‬عن حديث النساء‬
‫عن املهبل)‪ ،‬كل هذا سيحدث عندما تبدأ التفكري يف العالقة بني الرموز‪ ،‬وبني املوضوعات‪ ،‬وبني املستويات‬
‫املختلفة من املوضوعات (عىل سبيل املثال‪ ،‬املوضوعات الشاملة الرئيسة واملوضوعات الفرعية ضمنها)‪.‬‬

‫شكل ‪ 2‬خريطة موضوعاتية أولية‪ ،‬تعرض خمس موضوعات رئيسة (التحليل النهايئ مقدم عند ‪Wilkinson, 2003‬‬
‫‪)Braun and‬‬
‫‪23‬‬

‫بعض الرموز األولية قد متيض ُقدما لتك ِّون موضوعات رئيسة‪ ،‬وبعضها قد يك ِّون موضوعات فرعية‪ ،‬يف حني‬
‫يبقى بعضها اآلخر مستَبعدا‪ ،‬بل ستجد أيضا‪ ،‬يف هذا الطور‪ ،‬مجموعة من الرموز ال يبدو أنها تنتمي إىل أي‬
‫مكان‪ .‬وتذكر أنه من املقبول متاما إنشاء «موضوعة» تسمى «مختلفات» ‪ miscellaneous‬الستضافة الرموز ‪-‬‬
‫رمبا مؤقتا ‪ -‬التي ال تتناسب مع موضوعاتك الرئيسة‪.‬‬

‫ُتختم هذه املرحلة مبجموعة من املوضوعات َّ‬


‫املرشحة‪ ،‬واملوضوعات الفرعية‪ ،‬وجميع مقتطفات البيانات‬
‫التي َت َّم ترميزها يف عالقة بهذه املوضوعات‪ .‬وهنا‪ ،‬ستبدأ الشعور بأهمية ‪ the significance‬كل موضوعة‬
‫موضوعة‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬ال تتخىل عن أي يشء يف هذا الطور‪ ،‬ألنه ما مل تنظر بالتفصيل يف جميع املقتطفات‬
‫(املرحلة اآلتية)‪ ،‬لن تتأكد هل ستبقى املوضوعات كام هي‪ ،‬أو س ُيحتاج إىل دمج بعضها ببعض‪ ،‬أو صقلها‬
‫وفصلها‪ ،‬أو حتى التخلص منها؟‬

‫الطور الرابع‪ :‬مراجعة املوضوعات‬

‫َ‬
‫وعملت عىل‬ ‫وضعت ‪ devised‬مجموعة من املوضوعات املرشحة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يبدأ الطور الرابع‪ ،‬عندما تكون قد‬
‫تنقيحها‪ .‬وسيتبني لك يف هذا الطور أن بني املوضوعات املرشحة ما ليست موضوعات فعلية (مثال‪ ،‬إذا مل توجد‬
‫بيانات كافية لدعمها‪ ،‬أو كانت البيانات متنوعة جدا)‪ ،‬وما قد تنصهر يف غريها (مثال‪ ،‬موضوعتان منفصلتان‬
‫ظاهريا‪ ،‬وهُ ام قد تشكالن موضوعة واحدة)‪ ،‬وما تحتاج إىل أن تف َّكك إىل موضوعات منفصلة‪ .‬و ِم ّم ينبغي‬
‫أخذه بالحسبان هنا‪َ ،‬نذكر معيار باتون ‪ )1990( Patton‬الثنايئ للحكم عىل الفئات‪ ،‬وهو – التجانس الداخيل‬
‫وعدم التجانس الخارجي؛ أي إن البيانات الواردة ِض ْمنَ ‪ within‬املوضوعة الواحدة يجب أن ترتابط مع بعضها‬
‫ترابطا داال‪ ،‬يف حني يجب أن تقوم اختالفات واضحة وقابلة للتحديد فيام بني ‪ between‬املوضوعات املختلفة‪.‬‬

‫يشتمل هذا الطور عىل مستويني من مراجعة املوضوعات وتنقيحها؛ يتضمن املستوى األول مراجعة‬
‫مقتطفات البيانات ا ُمل َر َّمزَة‪ ،‬وهذا يعني أن عليك قراءة جميع املقتطفات الخاصة بكل موضوعة‪ ،‬وتسأل نفسك‪:‬‬
‫املرشحة تك ِّون منطا منسجام‪ ،‬انتقل إىل املستوى الثاين من هذا‬ ‫أ ُتك ِّون منطا منسجام؟ فإن َظهر أن املوضوعات َّ‬
‫الطور‪ ،‬وإن كانت غري مالمئة ‪ ،not fit‬فانظر لعل املوضوعة نفسها إشكالية أو أن بعض مقتطفات البيانات‬
‫وضعت ِض ْمنَ موضوعة ال تالمئها أو ال تنتمي إليها ‪ -‬ويف هذه الحالة‪ ،‬ميكنك إعادة صياغة موضوعاتك‪،‬‬ ‫قد ِ‬
‫أو إنشاء موضوعة جديدة‪ ،‬أو العثور عىل مأوى لتلك املقتطفات التي ال تنتمي حاليا إىل املوضوعة القامئة أو‬
‫استبعادها من التحليل‪ .‬وما إن تطمنئ إىل أن موضوعاتك املرشحة تلتقط‪ ،‬مبا يكفي‪ ،‬مالمح البيانات ا ُمل َر َّمزَة ‪-‬‬
‫مرشحة – ستكون مستعدا لالنتقال إىل املستوى الثاين من هذا الطور‪.‬‬ ‫مبجرد أن متت ِلك «خريطة موضوعاتية» َّ‬
‫انظر نتيجة عملية التحسني هذه يف الخريطة املوضوعاتية املعروضة يف الشكل رقم (‪.)3‬‬
‫‪24‬‬

‫شكل ‪ 3‬خريطة موضوعاتية مطورة تظهر ثالثة موضوعات رئيسة (التحليل النهايئ مقدم يف) ‪Braun and Wilkinson, 2003‬‬

‫يشتمل املستوى الثاين عىل سريورة مشابهة‪ ،‬إال أنها تتعلق مبجموعة البيانات بأكملها‪ .‬يف هذا املستوى‪،‬‬
‫انظر يف صحة ‪ validity‬املوضوعات الفردية يف عالقة مبجموعة البيانات كاملة‪ ،‬وانظر كذلك يف خريطتك‬
‫املوضوعاتية املرشحة‪ُ ،‬أت ِّثل «بدقة» املعاين الظاهرة يف مجموعة البيانات ككل أم ال؟ لكن‪ ،‬ما ُي َعدُّ «متثيال‬
‫دقيقا» َيعتمد‪ ،‬إىل حد ما‪ ،‬عىل نوع مقاربتك النظرية والتحليلية‪ .‬وعىل أية حال‪ ،‬ففي هذا الطور‪ ،‬أنت تعيد‬
‫قراءة مجموعة البيانات بالكامل لغرضني‪ :‬األول‪ ،‬وكام عرضنا من قبل‪ ،‬هو التأكد هل املوضوعات «تعمل»‬
‫يف عالقة مبجموعة البيانات؟ والثاين هو ترميز أي بيانات إضافية‪ ،‬قد تكون ُف ِّوتت يف مراحل ‪ stages‬الرتميز‬
‫السابقة‪ِ ،‬ض ْمنَ موضوعات؛ فالحاجة متوقعة إىل إعادة الرتميز من مجموعة البيانات؛ ألن الرتميز سريورة‬
‫تنظيم مستمرة‪.‬‬

‫وجدت أن الخريطة املوضوعاتية تعمل‪ ،‬انتقل إىل الطور املوايل؛ لكن‪ ،‬إن كانت الخريطة ال تناسب‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫مجموعة البيانات‪ ،‬فعليك باملزيد من املراجعة والتحسني لرتميزك‪ ،‬حتى تصل إىل خريطة موضوعاتية ُمرضية‪.‬‬
‫ويف أثناء ذلك‪ ،‬قد َتتَع َّرف موضوعات جديدة محتملة‪ ،‬وحينئذ ستحتاج إىل ترميزها أيضا إن كانت ذات‬
‫وصلة‪ .‬لكن‪ ،‬احذر أن يستمر ترميز البيانات وإنشاء املوضوعات إىل ما ال نهاية ‪ ،ad infinitum‬فال‬ ‫أهمية ِ‬
‫يأخذك الحامس باملبالغة يف إعادة الرتميز إىل ما ال نهاية‪ .‬ومع أن تقديم إرشادات واضحة ُت َع ِّي وقت التوقف‬
‫َ‬
‫وجدت أن سريورة إعادة الرتميز‬ ‫مستحيل‪ ،‬فإننا نقول‪ :‬عندما ال تضيف تحسيناتك أي يشء جوهري‪ ،‬توقف! إن‬
‫ال تقدم إال تعديال طفيفا‪ ،‬وكل ما تفعله هو إضفاء مزيد من التدقيق عىل إطار الرتميز الذي هو يعمل بنجاح‬
‫بالفعل ‪ -‬أي الذي يناسب البيانات جيدا ‪ -‬توقف‪ .‬ضع يف اعتبارك أن األمر مشابه لتحرير نص مكتوب – أال‬
‫‪25‬‬

‫ترى أنه ميكنك تعديل الجمل والفقرات إىل ما ال نهاية‪ ،‬لكن‪ ،‬بعد ِعدّة جوالت من التحرير‪ ،‬عادة ما يكون أي‬
‫عمل إضايف تنقيحا غري رضوري؟ إن األمر مشابه إلعادة ترتيب املئات واآلالف من اإلضافات عىل كعكة هي‬
‫مزينة جيدا بالفعل‪.‬‬

‫يف ختام هذا الطور‪ ،‬يجب أن يكون لديك فكرة جيدة‪ ،‬إىل حد ما‪ ،‬عن ماهية موضوعاتك املختلفة‪ ،‬وكيف‬
‫يتالءم بعضها مع بعض‪ ،‬وعن القصة اإلجاملية التي ترويها عن البيانات‪.‬‬

‫الطور الخامس‪ :‬تعريف املوضوعات وتسميتها‬

‫يبدأ الطور الخامس‪ ،‬عندما َتتلك خريطة موضوعاتية ُمرضية لبياناتك ‪ -‬انظر الشكل رقم (‪ )4‬للحصول‬
‫عىل صورة للتحسينات النهائية لخريطة فرجينيا املوضوعاتية‪ .‬وحينذاك‪ ،‬ستتع َّرف موضوعاتك و ُتدخل عليها‬
‫مزيدا من التنقيح‪ ،‬وتح ِّلل البيانات الواردة ضمنها‪ .‬ونعني بـ«التعريف والتنقيح» ‪ define and refine‬تع ُّرف‬
‫«جوهر» كل موضوعة (وكذلك املوضوعات الشاملة)‪ ،‬وتحديد أي جوانب البيانات تلتقطه كل موضوعة‪ .‬ومن‬
‫املهم ّأل تسعى وراء موضوعة تفعل الكثري‪ ،‬أو تكون شديدة التنوع والتعقيد‪ .‬وميكنك تحقيق ما نصحنا به‬
‫بالرجوع إىل مقتطفات البيانات املبو َّبة لكل موضوعة‪ ،‬وتنظيمها يف رواية منسجمة ومتسقة داخليا‪ ،‬ومشفوعة‬
‫برسدية‪ .‬ومن األهمية مبكان ّأل تكتفي فقط بإعادة صياغة محتوى مقتطفات البيانات املقدَّمة‪ ،‬وإمنا أن تحدِّد‬
‫ما هو مهم فيها‪ ،‬وملاذا هو كذلك‪.‬‬

‫شكل ‪ 4‬خريطة موضوعاتية نهائية تظهر موضوعتني أساسيتني نهائيتني (انظر‪)Braun and Wilkinson, 2003‬‬

‫تتطلب كل موضوعة موضوعة إجراء تحليل مفصل وكتابته‪ ،‬إضافة إىل تحديد «القصة» التي ترويها كل‬
‫منها؛ فمن املهم أن تنظر يف كيفية تالؤم املوضوعات مع «القصة» الشاملة التي ترويها عن بياناتك يف عالقة‬
‫بسؤال البحث أو أسئلته؛ وذلك تفاديا ألي تداخل كبري بني املوضوعات‪ .‬وعليه‪ ،‬يجب النظر يف املوضوعات‬
‫‪26‬‬

‫نفسها‪ ،‬وأيضا يف كل موضوعة يف عالقتها باألخريات‪ .‬ويف إطار التحسني‪ ،‬ستحتاج إىل تحديد هل املوضوعة‬
‫تحتوي عىل موضوعات فرعية أَم ال؟ ِعلام أن املوضوعات الفرعية هي يف األساس موضوعات داخل موضوعة‪،‬‬
‫وميكنها أن تكون مفيدة‪ ،‬خاصة يف منح بنية ملوضوعة واسعة ومعقدة‪ ،‬وأيضا يف إظهار التسلسل الهرمي‬
‫للمعنى ِض ْمنَ البيانات‪ .‬وعىل سبيل املثال‪ ،‬يف واحد من تحليالت فريجينيا لحديث النساء عن املهبل‪ ،‬تع َّرفت‬
‫موضوعتني شاملتني يف حديثهن؛ وهام‪ :‬املهبل مسؤولية‪ ،‬واملهبل ثروة ‪،Braun and Wilkinson( asset‬‬
‫ثالث موضوعات فرعية؛ فبخصوص املسؤولية‪ ،‬كانت املوضوعات الفرعية‬ ‫‪ .)2003‬وتع َّرفت ِض ْمنَ كل موضوع ٍة َ‬
‫هي «البذاءة والقذارة» و«القلق» و«الهشاشة»‪ ،‬وبخصوص الرثوة‪ ،‬كانت املوضوعات الفرعية هي «الرضا»‬
‫و«القوة» و«املتعة»‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن هذه املوضوعات النهائية املحتملة واملوضوعات الفرعية نتجت عن‬
‫عملية تنقيح للموضوعات األولية واملوضوعات الفرعية‪ ،‬كام هو موضح يف الشكلني رقم (‪ )2‬و(‪.)4‬‬

‫ببلوغ نهاية هذه الطور‪ ،‬من املهم أن يكون مبقدورك َم ْي ُز موضوعاتك من غريها بوضوح‪ .‬ويك تخترب‬
‫هذا‪ ،‬انظر أتستطيع وصف نطاق كل موضوعة ومحتواها يف جملتني؟ وإن مل تستطع ذلك‪ ،‬فقد تحتاج‬
‫هذه املوضوعة إىل مزيد من التنقيح‪ .‬ومع أنك اآلن قد قدَّمت بالفعل عناوين مؤقتة*‪working titles 24‬‬
‫ملوضوعاتك‪ ،‬فهذا هو الوقت املناسب لتبدأ التفكري أيضا باألسامء التي ستمنحها لها يف التحليل النهايئ؛ إذ‬
‫موجزة ومقتضبة‪ ،‬وتعطي القارئ‪ ،‬عىل الفور‪ ،‬فكرة عن فحوى املوضوع‪.‬‬ ‫يجب أن تكون األسامء َ‬

‫الطور السادس‪ :‬إنجاز التقرير‬

‫يشتمل الطور السادس عىل التحليل النهايئ وكتابة التقرير‪ ،‬وهو ال يبدأ إال عندما َتتلك مجموعة من‬
‫املوضوعات التي َت َّم إعدادها بالكامل‪ .‬وتتمثل مهمة كتابة تحليل موضوعايت‪ ،‬سواء أكان َّ‬
‫موجها للنرش أم‬
‫ملهمة بحثية أم ألطروحة‪ ،‬يف رسد القصة املعقدة لبياناتك عىل نحو يقنع القارئ بجدارة تحليلك وصحته‪ .‬ومن‬
‫املهم أن يو ِّفر التحليل (كتابته ‪ write-up‬إضافة إىل مقتطفات البيانات) رسدا موجزا ومنسجام ومنطقيا‪ ،‬وغري‬
‫وعبها‪ .‬يجب أن يقدِّم تقريرك أدلة‬
‫مكرور‪ ،‬ومثريا لالهتامم للقصة التي ترويها البيانات ‪ِ -‬ض ْمنَ املوضوعات ْ‬
‫كافية عن املوضوعات املوجودة يف البيانات ‪ -‬أي مقتطفات بيانات كافية إلثبات انتشار املوضوعة‪ .‬ولتحقيق‬
‫تجسد جوهر الفكرة التي تسعى إىل إثباتها‪ ،‬دون تعقيدات ال داعي لها‪،‬‬
‫ذلك‪ ،‬انتقي أمثلة حية‪ ،‬أو مقتطفات ِّ‬
‫وينبغي للمقتطف املنتقى أن ُيستطاع تع ُّرفه بوصفه مثاال للقضية املدروسة‪ .‬وعىل كل حال‪ ،‬فإن املأمول يف‬
‫تقريرك هو أن يقدِّم ما هو أكرث بكثري من مجرد توفري البيانات؛ ألن األمر يتطلب إدماج املقتطفات مع الرسد‬
‫التحلييل الذي يوضح توضيحا مقنعا القصة التي ترويها عن بياناتك‪ ،‬كام ُينتظر من رسدك التحلييل أن يتجاوز‬
‫االكتفاء بوصف البيانات‪ ،‬وأن يقدِّم مرافعة ‪ make an argument‬بخصوص سؤال بحثك‪.‬‬
‫‪ *24‬ترتبط كلمة ‪ working‬بالعمل‪ ،‬لكنها تُستعمل لإلشارة إلى خطة أو فكرة أو معرفة غير كاملة إال أنها جيدة بما يكفي لتكون مفيدة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪Definition of working from the Cambridge Advanced Learner’s Dictionary & Thesaurus © Cambridge University‬‬
‫‪Press.‬‬
‫‪27‬‬

‫ثالثا‪ :‬التحديد الدقيق ملا يستلزمه فعال التحليل التأوييل‬

‫يصعب تحديد ما الذي يستلزمه التحليل التأوييل بالضبط‪ ،‬خاصة أن مواصفاته تتنوع من دراسة إىل‬
‫أخرى‪ .‬ومع هذا‪ ،‬نويص‪ ،‬يف خطوة أوىل‪ ،‬باالطالع عىل األمثلة املنشورة للتحليل املوضوعايت‪ ،‬ال سيام تلك‬
‫التي تخطط الستعاملها (لكن نظرا إىل أن التحليل املوضوعايت كثريا ما ال يسمى منهجا يف كثري من البحوث‪،‬‬
‫يصعب نوعا ما الوقوف عىل أمثلة له‪ ،‬لكن ميكنك العثور عىل بعض النامذج‪ ،‬عىل سبيل املثال عند ‪Ellis and‬‬
‫‪ .)Kitzinger, 2002; Kitzinger and Willmott, 2002; Toerien and Wilkinson, 2004‬وألخذ فكرة عن‬
‫نوع األسئلة التي ينبغي لك طرحها عىل بيانتك‪ ،‬وعن نوع الدعاوى التحليلية التي تسعى إىل تقدميها‪ ،‬سنناقش‬
‫مثاال جيدا للتحليل املوضوعايت االستقرايئ عىل وجه الخصوص‪ ،‬والذي يشدِّد عىل فهم تجارب الرجال يف عالقة‬
‫بالسياق االجتامعي األوسع (انظر‪.)Frith and Gleeson, 2004‬‬

‫سعى فريث وجليسون ‪ )2004( Frith and Gleeson‬إىل استكشاف كيفية تأثري مشاعر الرجال نحو‬
‫أجسادهم عىل سلوكهم يف ارتداء املالبس‪ ،‬واستخدما يف ذلك بيانات جمعت باستبانات كيفية شملت ‪ 75‬رجال‬
‫أجابوا عن هذا السؤال‪ .‬وقد قدَّما تقريرا عن أربع موضوعات هي‪ :‬الجدوى العملية من اختيارات املالبس‪،‬‬
‫وعدم االهتامم باملظهر‪ ،‬واستعامل املالبس إلخفاء الجسد أو كشفه‪ ،‬وأخريا‪ ،‬استعامل املالبس لتناسب ا ُملثل‬
‫كل منها متميز بذاته‪.‬‬ ‫الثقافية‪ .‬واملالحظ أن كل موضوعة ترتبط ارتباطا واضحا بسؤال البحث العام‪ ،‬مع أن ّ‬
‫وقد قدَّم الباحثان فهام واضحا لنطاق كل موضوعة وتنوعها؛ وذلك باستعامل مزيج من الرسد التحلييل‬
‫يوسعان نطاق تحليلهام‪ ،‬وينتقالن من املستوى‬ ‫ومقتطفات توضيحية من البيانات‪ ،‬وعند االقتضاء‪ ،‬كانا ِّ‬
‫الوصفي إىل التأوييل (غالبا ما يربطان ادعاءاتهم مبا هو معروف من أدبيات يف املوضوع)؛ فعىل سبيل املثال‪،‬‬
‫منحا الحديث القائل‪« :‬الرجال ُيقدِّرون ما هو عميل» داللة يف عالقة باملعايري والقوالب النمطية املحدِّدة‬
‫لألدوار الجنسية ‪ ،gender‬وربطا الروايات الفردية التي قدمها الرجال بالتوقعات التي ُتنتظر منهم – بوصفهم‬
‫أعضاء يف املجتمع‪ .‬إن ما فعله فريث وجليسون‪ ،‬بوصفهام محللني‪ ،‬هو ربط أمناط املعاين الواردة يف أجوبة‬
‫وضحا املوقف املزدوج‬‫الرجال املشاركني يف البحث بالتحليل األكادميي لكيفية عمل النوع االجتامعي‪ .‬وبهذا‪َّ ،‬‬
‫الذي يحتاج املحللون إىل اتخاذه‪ ،‬وهو أن يكونوا أعضاء ‪ members‬يف الثقافة التي يدرسونها ويف الوقت نفسه‬
‫مع ِّلقني ‪ commentators‬عليها‪ .‬هذا فضال عن أنهام قدَّما‪ ،‬يف قسم «املناقشة» من بحثهام‪ ،‬بيانات تحليلية‬
‫أوسع عن القصة اإلجاملية التي تخربنا بها املوضوعات عن عالقة الرجال باملالبس‪ .‬وقد كشفت هذه القصة أن‬
‫الرجال «يستعملون املالبس عن قصد وعىل نحو اسرتاتيجي للتالعب مبظهرهم للوفاء با ُملثل الثقافية للذكورة»‬
‫(‪ ،)Frith and Gleeson, 2004: 45‬وهذا مسلك جرت العادة بربطه بالنساء خاصة‪ .‬لقد قدّم هذا التحليل‬
‫إسهاما ُمهام‪ ،‬ألنه تحدى املعتقدات املتجذرة عن املالبس‪/‬املظهر والذكورة‪.‬‬

‫يوضح هذا املثال أن ادعاءاتك التحليلية تحتاج إىل االرتكاز عىل «سطح» البيانات‪ ،‬ويف الوقت نفسه‬
‫تجاوزه إىل ما وراءه‪ ،‬وذلك حتى يف ما يخص تحليل املستوى «الداليل»‪ .‬أ ّما نوع األسئلة التي تحتاج إىل طرحها‪،‬‬
‫‪28‬‬

‫يف املراحل الختامية من تحليلك‪ ،‬فتشمل‪« :‬ما معنى هذه املوضوعة؟» و«عىل أي افرتاضات تقوم؟» و«ما اآلثار‬
‫املرتتبة عليها؟» و«ما الرشوط التي قد تكون وراء ظهورها؟» و«ملاذا يتحدث الناس عن هذا اليشء عىل هذا‬
‫النحو (دون سواه)؟» و«ما القصة اإلجاملية التي تكشفها املوضوعات املختلفة عن املوضوع؟» ينبغي أن ي َّوجه‬
‫التحليل بهذه األنواع من األسئلة مبجرد أن متتلك ف ْهام واضحا لخريطتك املوضوعاتية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬مزالق عىل طريق التحليل املوضوعايت‬

‫ُي َعدُّ التحليل املوضوعايت نوعا مبارشا نسبيا من التحليل الكيفي؛ ألنه ال يتطلب نفس املعرفة النظرية‬
‫والتقنية التفصيلية التي تتطلبها مناهج أخرى كتحليل الخطاب وتحليل املحادثة‪ .‬ومن اليسري‪ ،‬نسبيا‪ ،‬تحليل‬
‫البيانات الكيفية تحليال موضوعاتيا جيدا‪ ،‬حتى عىل طالب التقنيات الكيفية يف بداية تكوينهم‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫توجد أشياء قد يرتتب عليها تحليل فقري‪ ،‬ويف هذا القسم نحدِّد هذه املزالق املحتملة‪ ،‬أمال يف أن ُتتجنب‪.‬‬

‫أول منزلق هو أن تفشل فعليا يف تحليل البيانات مطلقا! فالتحليل املوضوعايت ليس مجرد تشكيلة من‬
‫املقتطفات املشدود بعضها إىل بعض‪ ،‬واملصحوبة برسد تحلييل ضئيل أو منعدم حتى؛ ال وليس مقتطفات‬
‫مختارة مصحوبة بتعليقات تحليلية تعيد صياغة محتواها ببساطة أو عىل نحو مبدأي‪ .‬ذلك أن املقتطفات‬
‫يف التحليل املوضوعايت هي توضيح وإثبات لفكرة ‪ point‬تحليلية عن البيانات يقول بها الباحث‪ ،‬وينبغي‬
‫تحليل يتجاوز املحتوى املح َّدد للمقتطف إىل‬
‫ٍ‬ ‫استعامل هذه املقتطفات ألغراض محدَّدة؛ أوال‪ ،‬توضيح‪/‬دعم‬
‫ما هو أعمق‪ ،‬وثانيا‪ ،‬جعل البيانات ذات معنى‪ ،‬وثالثا‪ ،‬إخبار القارئ مبا تعنيه أو قد تعنيه ‪ -‬وقد تطرقنا لهذا‬
‫األمر آنفا‪.‬‬

‫يرتبط املنزلق الثاين باستعامل أسئلة جمع البيانات (كجدول املقابلة مثال‪ )Interview Schedule‬بوصفها‬
‫«املوضوعات» التي ُيكتب عنها التقرير‪ .‬ويف مثل هذه الحالة‪ ،‬نقول إن الباحث مل ينجز أي عمل تحلييل‬
‫لتع ُّرف املوضوعات َع ْ َب مجموعة البيانات بأكملها‪ ،‬ومل ُيسبغ أي معنى عىل منط االستجابات‪.‬‬

‫املنزلق الثالث‪ ،‬هو أن يكون التحليل ضعيفا أو غري مقنع؛ وهذا يحدث عندما يبدو أن املوضوعات ال‬
‫تعمل‪ ،‬أو يوجد الكثري من التداخل بني املوضوعات‪ ،‬أو أن املوضوعات غري متامسكة وغري متسقة داخليا‪ .‬ذلك‬
‫أن ما ينبغي أن يكون هو أن تلتف جميع أبعاد املوضوعة حول فكرة أو مفهوم مركزي‪ .‬وقد يقع الباحث يف‬
‫كاف‪ ،‬أو أخفق‬
‫هذا املنزلق إن أخفق‪ ،‬بناء عىل ما يحاول التحليل القيام به‪ ،‬يف التقاط غالبية البيانات بشكل ٍ‬
‫يف تقديم وصف‪ /‬تأويل غني لواحد أو أكرث من أبعاد البيانات‪ .‬إضافة إىل ما سبق‪ ،‬قد ينبع التحليل الضعيف‪،‬‬
‫أو غري املقنع‪ ،‬من اإلخفاق يف تقديم أمثلة كافية من البيانات ‪ -‬كأن ُي ْكتَفى مبقتطف واحد أو اثنني فقط من‬
‫أجل موضوعة ما‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫إن ما نطالب به هنا يتعلق أساسا ببالغة العرض‪ ،‬والحاجة إىل أن يكون التحليل مقنعا لشخص مل‬
‫يقرأ مجموعة البيانات بأكملها‪ ،‬ذلك أن ««تحليل» املادة‪ ...‬إبداع بارع من الباحث‪ ،‬ويجب أن يبنى إلقناع‬
‫القارئ برجحان الحجة» (‪ .)Foster and Parker, 1995: 204‬وعند القيام بذلك‪ ،‬عىل املرء تجنب (ظهور)‬
‫ما أشار إليه برميان ‪ )1988( Bryman‬باسم «النزعة الحكائية» ‪ anecdotalism‬يف البحث الكيفي ‪ -‬حيث‬
‫جسد حالة‪ ،‬أو بضع حاالت من ظاهرة ما يف منط أو موضوعة‪ ،‬مع أنها‪ ،‬يف واقع األمر‪ ،‬مجرد حالة متفردة‬ ‫ُت َّ‬
‫‪ .idiosyncratic‬إال أن هذا ال يعني أن تقديم أمثلة قليلة معدوم الفائدة أو ال يكشف عن يشء؛ ألن املهم‬
‫فعال هو ّال ُتح ِّرف الحاالت املتفردة لتبدو كموضوعة شاملة‪.‬‬

‫يكمن املنزلق الرابع يف غياب التوافق بني البيانات وما يقدَّم بشأنها من دعاوى تحليلية‪ .‬ويف مثل هذا‬
‫النوع من التحليل (الذي ال أساس له) ال ميكن دعم الدعاوى بالبيانات‪ ،‬أو‪ ،‬يف أسوأ الحاالت‪ ،‬تشري مقتطفات‬
‫البيانات املقدمة إىل تحليل آخر أو حتى تتناقض مع الدعاوى املراد إثباتها‪ .‬لهذا‪ ،‬عىل الباحث أن َي ْستَو ِثق من‬
‫أن تأويالته وما تثبته تحليالته يتوافق مع مقتطفات البيانات‪ .‬زيادة عىل ما سبق‪ ،‬قد يبدو التحليل ضعيفا‬
‫إذا مل يأخذ الباحث بالحسبان وجود قراءات أخرى بديلة واضحة للبيانات‪ ،‬أو أخفق يف البرص بالتباين (وحتى‬
‫التناقض) يف الرواية التي يقدِّمها‪ .‬وهنا‪ ،‬ينبغي أن نشري إىل أنه نادرا ما يكون النمط يف البيانات‪ -‬إن وجد‪-‬‬
‫كامال بنسبة ‪ ٪100‬وخاليا من كل تناقض؛ لهذا‪ ،‬فالتحليل الذي يزعم هذا‪ ،‬دون أن يقدِّم تفسريا شامال‪ ،‬يكون‬
‫عرضة لالتهام والريبة‪ .‬ومن املهم أيضا‪ ،‬اختيار أمثلة مقنعة إلثبات وجود املوضوعات؛ لذلك‪ ،‬اعط هذا األمر‬
‫ما يستحقه من العناية‪.‬‬

‫يحتاج التحليل املوضوعايت الجيد إىل التثبت من أن تأويالت البيانات تتوافق مع اإلطار النظري‪ ،‬وإن حدث‬
‫عدم تطابق بني النظرية والدعاوى التحليلية‪ ،‬أو بني أسئلة البحث وشكل التحليل املوضوعايت املستعمل‪ ،‬فإننا‬
‫نكون أمام املنزلق الخامس‪ .‬لذلك‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬إن كنت تعمل يف إطار تجريبي‪ ،‬فالعادة ّأل تقدِّم دعاوى‬
‫كنت تجري تحليال موضوعاتيا بنائيا‪ ،‬فالعادة ّأل تعا ِمل حديث‬‫عن البناء االجتامعي ملوضوع البحث‪ ،‬وإن َ‬
‫الناس عن تجاربهم كأنه نافذة شفافة عىل عاملهم‪ .‬أخريا‪ ،‬حتى التحليل الجيد واملثري لالهتامم الذي يخفق‬
‫يف إعالن افرتاضاته النظرية بوضوح‪ ،‬أ ْو ال يوضح كيفية اضطالعه بها وألي غرض‪ُ ،‬ت ْع ِوزه معلومات حاسمة‬
‫(‪ ،)Holloway and Todres, 2003‬ومن َث َّم‪ ،‬ال يفي بأحد أبعاد التحليل املوضوعايت الحيوية‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫خامسا‪ :‬ما الذي يخلق تحليال موضوعاتيا جيدا؟‬

‫من االنتقادات املوجهة إىل البحوث الكيفية‪ ،‬من أولئك الذين هم خارج املجال‪ ،‬هو االنطباع بأن «كل‬
‫يشء مقبول»‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬نجد صدى هذا الشعور يف الجملة األوىل من ملخص البوشاين ‪Laubschagne‬‬
‫(‪ ،)2003‬حيث يقول‪ :‬إن «كثريا من العلامء‪ِ ،‬م َّمن اعتادوا إجراء دراسات كمية‪ ،‬يرون املفهوم الكامل للبحث‬
‫الكيفي غري واضح‪ ،‬أو َب ّراين‪ ،‬أو خيايل ‪ - airy fairy‬وليس بحثا «حقيقيا»»‪ .‬ومع أن البحث الكيفي ال ميكن‬
‫أن يخضع لنفس املعايري التي تخضع لها املقاربة «الكمية»‪ ،‬فإنه يو ِّفر مناهج تحليل ينبغي تطبيقها برصامة‬
‫عىل البيانات‪ .‬زد عىل ذلك‪ ،‬أنه توجد فعال معايري إلجراء البحوث الكيفية الجيدة – عىل مستويي جمع‬
‫البيانات وتحليلها (عىل سبيل املثال‪Elliott et al., 1999; Parker, 2004; Seale, 1999; Silverman, 2000; ،‬‬
‫‪ .)Yardley, 2000‬والجمعية النفسية الربيطانية تقدِّم‪ ،‬عىل اإلنرتنت‪ ،‬إرشادات موجزة نسبيا لتقييم الجودة يف‬
‫البحث الكيفي (انظر‪http:www.bps.org.uk-publications-journals-joop-qualitativeguidelines. :‬‬
‫‪ ،)cfm‬لكن وضع «معايري» لتقييم البحث الكيفي هو أمر مثري للجدل‪ ،‬وذلك لوجود مخاوف من أن َتحد‬
‫املعايري الصارمة من حرية املنهج وتعيق تطوره (‪.)Elliott et al., 1999; Parker, 2004; Reicher, 2000‬‬
‫يأخذ ريترش ‪ )2000( Reicher‬النقد إىل أبعد من هذا‪ ،‬ويسأل‪ :‬هل ميكن‪ ،‬أو ينبغي‪ ،‬إخضاع النطاق املتنوع‪،‬‬
‫تنوعا مذهال‪ ،‬من املناهج الكيفية للمعايري نفسها؟‬

‫دعك من هذا االنتقاد اآلن‪ ،‬واعلم أن القضايا املثارة بخصوص عدد من معايري تقييم البحث الكيفي ميكن‪،‬‬
‫بهذا القدر أو ذاك‪ ،‬تطبيقها عىل الصور املوضوعاتية من التحليل‪ .‬ونظرا إىل أن التحليل املوضوعايت منهج مرن‪،‬‬
‫فأنت بحاجة أيضا إىل أن تكون واضحا ورصيحا بخصوص ما تفعله؛ فام تقول إنك تفعله ينبغي أن يتطابق مع‬
‫ما تنجزه بالفعل‪ .‬وبهذا املعنى‪ ،‬يجب تطبيق النظرية واملنهج برصامة‪ ،‬و«الرصامة تكمن يف وضع منهج نسقي‬
‫تتوافق افرتاضاته مع الطريقة التي يتصور بها ‪ conceptualizes‬املرء املوضوع املدروس» (‪Reicher and‬‬
‫‪ .)Taylor, 2005: 549‬وسنوفر‪ ،‬يف الجدول رقم (‪ ،)2‬قامئة مرجعية موجزة باملعايري التي ينبغي لك مراعاتها‬
‫يف تحديد ما إذا كنت قد أنشأت تحليال موضوعاتيا جيدا أم ال‪.‬‬
‫‪31‬‬

‫جدول ‪ 2‬قامئة فحص من ‪ 15‬نقطة ُت ِّ‬


‫عي معايري التحليل املوضوعايت الجيد‬

‫املعيار‬ ‫الرقم‬ ‫السريورة‬


‫ُف ِّرغت البيانات بقدر مناسب من التفاصيل‪ ،‬والنصوص املف َّرغة كتابة قوبلت‬
‫‪1‬‬ ‫التفريغ‬
‫باألرشطة املسجلة للتثبت من»دقتها»‪.‬‬
‫حظي كل عنرص بيانات باهتامم متساو يف عملية الرتميز‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫املوضوعات مل ت َّولد من أمثلة حية قلية (مقاربة حكائية)‪ ،‬وإمنا من عملية ترميز‬ ‫الرتميز‬
‫‪3‬‬
‫شاملة وجامعة‪.‬‬
‫َت َّم جمع كل املقتطفات ذات الصلة بكل موضوعة‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫املوضوعات جميعها ُفحصت أوال مقابل بعضها بعضا‪ ،‬وثانيا بالعودة إىل‬
‫‪5‬‬
‫مجموعة البيانات األصلية‪.‬‬
‫املوضوعات متامسكة ومتسقة داخليا ومتاميزة [خارجيا]‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫التحليل‬
‫املوضوعات ُحللت ُوأ ِّولت ولها معنى‪ ،‬ومل ُيقترص عىل إعادة صياغتها أو وصفها‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫التحليل والبيانات – ِّ‬
‫توضح املقتطفات الدعاوى التحليلية‪match.‬يتوافق‬ ‫‪8‬‬
‫يروي التحليل قصة مقنعة َّ‬
‫ومنظمة جيدا عن البيانات واملوضوع‪.‬‬ ‫‪9‬‬
‫يقوم توازن جيد بني الرسد التحلييل واملقتطفات التوضيحية املقدَّمة‪.‬‬ ‫‪10‬‬
‫ُخصص وقت كاف الستكامل جميع مراحل التحليل عىل نحو مالئم‪ ،‬دون ترسع‬
‫‪11‬‬
‫يف مرحلة من املراحل أو تعجل تقدميها دفعة واحدة‪.‬‬ ‫اإلجامل‬
‫مفسة بوضوح‪.‬‬
‫االفرتاضات عن التحليل املوضوعايت واملقاربات املحدَّدة َّ‬ ‫‪12‬‬
‫يوجد تناسب جيد بني ما تدعي أنك فعلته وما ُتظهر أنك فعلته حقا‪ ،‬أي أن‬
‫‪13‬‬
‫املنهج املوصوف والتحليل املقدم متوافقان‪.‬‬
‫كتابة‬
‫تتوافق اللغة واملفاهيم املستخدمة يف التقرير مع املوقف اإلبستمولوجي‬
‫‪14‬‬ ‫التقرير‬
‫للتحليل‪.‬‬
‫يتخذ الباحث دور الفاعل يف سريورة البحث‪ ،‬واملوضوعات ال تنبثق وحسب‪.‬‬ ‫‪15‬‬
‫‪32‬‬

‫سادسا‪ :‬إذن‪ ،‬ما الذي يقدمه التحليل املوضوعايت لعلامء النفس؟‬

‫نختم اآلن هذه املقالة بتعليقات موجزة عن مزايا التحليل املوضوعايت وعيوبه‪ .‬لقد أظهرنا يف جميع أنحاء‬
‫هذه املقالة أن التحليل املوضوعايت ليس منهجا معقدا‪ ،‬وكام ترون يف الجدول رقم (‪ )3‬فإن مزاياه كثرية‪ .‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬ال يخلو من عيوب‪ ،‬وسنتحدث عنها اآلن بإيجاز‪ .‬بداية‪ ،‬يرجع العديد من العيوب إىل التحليالت التي‬
‫ُتجرى إجراء سيئا‪ ،‬أو األسئلة البحثية غري املالمئة‪ ،‬أكرث من رجوعها إىل املنهج نفسه‪ .‬زيادة عىل ذلك‪ ،‬فإن مرونة‬
‫املنهج ‪ -‬التي تسمح مبجموعة واسعة من الخيارات التحليلية ‪ -‬تعني أن النطاق املحتمل لِـام ميكن قوله عن‬
‫بياناتك واسع‪ ،‬ومع أن هذا ُي َعدُّ ميزة‪ ،‬فإنه قد يكون عيبا؛ ألنه ُيص ِّعب وضع إرشادات محدَّدة للتحليل يف‬
‫مراحله العليا‪ ،‬وقد َي ُش ُل محاولة الباحث تحديد أي جوانب بياناته يستحق الرتكيز عليه‪ .‬وهناك مسألة أخرى‬
‫يجب مراعاتها‪ ،‬وهي أن القدرة التأويلية للتحليل املوضوعايت عىل تجاوز مستوى الوصف محدودة‪ ،‬وذلك ما‬
‫مل ُيستعمل ِض ْمنَ إطار نظري قائم ترسو فيه االدعاءات التحليلية املقدمة‪.‬‬

‫جدول ‪ 3‬مزايا التحليل املوضوعايت‬

‫املرونة‪.‬‬

‫منهج ُم َّيرس ورسيع نسبيا للتعلم والفعل‪.‬‬

‫قريب املنال من الباحثني ذوي الخربة القليلة أو املعدومة يف البحث الكيفي‪.‬‬

‫النتائج املتوصل إليها مبذولة عموما لجمهور املتعلمني كافة‪.‬‬

‫منهج مفيد للعمل يف إطار باراديغم بحث تشاريك‪ ،‬أي مع املشاركني من حيث هم‬
‫متعاونون ورشكاء‪.‬‬

‫لكم كبري من البيانات‪ ،‬و‪ /‬أو تقديم «وصف‬ ‫ميكن أن ِّ‬


‫يلخص‪ ،‬تلخيصا مفيدا‪ ،‬امليزات الرئيسة ٍّ‬
‫تفصييل» ملجموعة البيانات‪.‬‬

‫ميكن أن ُيس ِّلط الضوء عىل أوجه التشابه واالختالف الحارضة َع ْ َب مجموعة البيانات‪.‬‬

‫ميكن أن ي َّولِد استبصارات غري متوقعة‪.‬‬

‫يتيح تأويل البيانات اجتامعيا ونفسيا‪.‬‬

‫ميكن أن يكون مفيدا إلنتاج تحليالت كيفية مناسبة إلرشاد تطوير السياسات‪.‬‬
‫‪33‬‬

‫َتظهر عيوب أخرى عندما ُينظر إىل التحليل املوضوعايت يف عالقته ببعض املناهج التحليلية الكيفية‬
‫األخرى‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬وخالفا للرسد وغريه من مناهج السرية الذاتية‪ ،‬لن تكون قادرا عىل االحتفاظ بكل‬
‫من االستمرارية والتناقض يف أي رواية مفردة‪ ،‬مع أن هذه التناقضات واالتساقات قد تتجىل َع ْ َب الروايات‬
‫الفردية*‪ .25‬وخالفا للمناهج املشابهة لـتحليل الخطاب وتحليل املحادثة‪ ،‬ال يتيح تحليل موضوعايت بسيط‬
‫للباحث تقديم ادعاءات تخص استعامل اللغة‪ ،‬أو الوظيفة الدقيقة للحديث‪.‬‬

‫ميجده بوصفه منهجا تحليليا –‬ ‫أخريا‪ ،‬تجدر اإلشارة إىل أن التحليل املوضوعايت ال ميلك حاليا صيتا خاصا ِّ‬
‫ورسمت حدوده عىل نحو سيئ‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬شاع استعامله عىل‬ ‫وسبب هذا‪ ،‬يف ما نرى‪ ،‬يرجع إىل أنه ادُّعي ِّ‬
‫نطاق واسع‪ .‬وهذا يعني أن التحليل املوضوعايت كثريا ما يكون‪ ،‬أو يبدو‪ ،‬هو ما يتعاطاه كل من يفتقر إىل‬
‫املعرفة أو املهارات الكافية التي تتيح له إجراء تحليالت أخرى ُيفرتض أنها أكرث تعقيدا ‪ -‬وبالتأكيد أكرث شهرة‬
‫ومجدا ‪ -‬ولها عالمة تجارية مميزة‪ ،‬مثل النظرية املج َّذرة والتحليل الظاهرايت التأوييل وتحليل الخطاب‪ .‬ونأمل‬
‫مستبصا‬
‫ِ‬ ‫أن تغري هذه املقالة هذا املنظور‪ ،‬فنحن نرى أن مقاربة موضوعاتية صارمة ميكن أن ُتنتج تحليال‬
‫يجيب عن أسئلة بحثية معينة‪ .‬ويبقى املهم يف األمر هو اختيار منهج مناسب لسؤال بحثك‪ ،‬بدال من الوقوع‬
‫يف أرس «التبعية املنهجية»‪ methodolatry ،‬حيث تلتزم املنهج بدال من املوضوع‪/‬املحتوى وأسئلة البحث‬
‫موجها بسؤال بحثك وافرتاضاتك‬‫(‪ .)Holloway and Todres, 2003‬يف الواقع‪ ،‬يجب أن يكون منهج تحليلك َّ‬
‫النظرية األوسع‪ ،‬وكام أوضحنا آنفا‪ُ ،‬ي َعدُّ التحليل املوضوعايت مقاربة مرنة‪ ،‬ميكن استعاملها َع ْ َب مجموعة من‬
‫اإلبستمولوجيات واألسئلة البحثية‪.‬‬

‫‪ *25‬المقاربات القائمة على السرد أو السيرة الذاتية تسمح بتقديم وصف أكثر تفصيال لتجربة األفراد‪ ،‬وتجمع بين االستمرارية في األحداث والتناقضات‬
‫التي تعبر عنها حكايات األفراد‪ ،‬أما التحليل الموضوعاتي فإنه أشد ميال إلى استكشاف األنماط والتكرارات الحاضرة عبر حكايات هؤالء األفراد‪.‬‬
34

‫املراجع‬
Antaki, C., Billig, M., Edwards, D. and Potter, J.2002 : Discourse analysis means doing analysis: a
critique of six analytic shortcomings. DAOL Discourse Analysis Online [electronic version], 1(1).
Aronson, J. 1994: A pragmatic view of thematic analysis. Qualitative Report 2(1).
Atkinson, J.M. and Heritage, J. 1984: Structures of social action: studies in conversation analysis.
Cambridge University Press.
Attride-Stirling, J. 2001: Thematic networks: an analytic tool for qualitative research. Qualitative
Research 1, 385-405
Bird, C.M. 2005: How I stopped dreading and learned to love transcription. Qualitative Inquiry 11,
226-48
Boyatzis, R.E. 1998: Transforming qualitative information: thematic analysis and code development.
Sage.
Braun, V. 2005a: In search of (better) female sexual pleasure: female genital ‘cosmetic’ surgery. Sexualities
8, 407-24
Braun, V. 2005b: Selling the perfect vulva. Manuscript under submission.
Braun, V. and Kitzinger, C. 2001: The perfectible vagina: size matters. Culture Health & Sexuality 3,
263-77
Braun, V. and Wilkinson, S. 2003: Liability or asset? Women talk about the vagina. Psychology of
Women Section Review 5, 28-42
Braun, V., Gavey, N. and McPhillips, K. 2003: The ‘fair deal?’ Unpacking accounts of reciprocity in
heterosex. Sexualities 6, 237-61
Bryman, A. 1988: Quantity and quality in social research. Routledge.
Bryman, A. 2001: Social research methods. Oxford University Press.
Burman, E. and Parker, I., editors, 1993: Discourse analytic research: repertoires and readings of texts
in action. Routledge.
Burr, V. 1995: An introduction to social constructionism. Routledge.
Charmaz, K. 2002: Qualitative interviewing and grounded theory analysis. In Gubrium, J.F. and
Holstein J.A., editors, Handbook of interview research: context and method. Sage, 675-94
Clarke, V. 2005: ‘We’re all very liberal in our views’: Students’ talk about lesbian and gay parenting.
Lesbian and Gay Psychology Review 6, 2-15
Clarke, V. and Kitzinger, C. 2004: Lesbian and gay parents on talk shows: resistance or collusion in
heterosexism. Qualitative Research in Psychology 1, 195-217
35

Clarke, V., Burns, M. and Burgoyne, C. 2006: ‘Who would take whose name?’ An exploratory study of
naming practices in same-sex relationships. Manuscript under submission.
Dey, I. 1993: Qualitative data analysis: a user-friendly guide for social scientists. Routledge.
Edwards, J.A. 1993: Principles and contrasting systems of discourse transcription. In Edwards, J.A. and
Lampert, M.D., editors, Talking data: transcription and coding in discourse research. Lawrence
Erlbaum Associates, 3-31
Edwards, J.A. and Lampert, M.D., editors, 1993: Talking data: transcription and coding in discourse
research. Lawrence Erlbaum Associates.
Elliott, R., Fischer, C.T. and Rennie, D.L. 1999: Evolving guidelines for publication of qualitative
research studies in psychology and related fields. British Journal of Clinical Psychology 38, 215-29
Ellis, S.J. and Kitzinger, C. 2002: Denying equality: an analysis of arguments against lowering the age
of consent for sex between men. Journal of Community and Applied Social Psychology 12, 167-80
Ely, M., Vinz, R., Downing, M. and Anzul, M. 1997: On writing qualitative research: living by words.
Routledge-Falmer.
Fine, M. 2002: Disruptive voices: the possibilities for feminist research. University of Michigan Press.
Foster, J.J. and Parker, I. 1995: Carrying out investigations in psychology: methods and statistics. BPS
Books.
Frith, H. and Gleeson, K. 2004: Clothing and embodiment: men managing body image and appearance.
Psychology of Men and Masculinity 5, 40-48.
Glaser, B. 1992: Basics of grounded theory analysis. Sociology Press. Hayes, N. 1997: Theory-led
thematic analysis: social identification in small companies. In Hayes, N., editor, Doing qualitative
analysis in psychology. Psychology Press.
Holloway, I. and Todres, L. 2003: The status of method: flexibility, consistency and coherence. Qualitative
Research 3, 345-57
Hollway, W. 1989: Subjectivity and method in psychology: gender, meaning and science. Sage.
Hollway, W. and Jefferson, T. 2000: Doing qualitative research differently: free association, narrative
and the interview method. Sage.
Hutchby, I. and Wooffitt, R. 1998: Conversation analysis: principles, practices and applications. Polity
Press.
Kelle, U. 2004: Computer-assisted analysis of qualitative data. In Flick, U., von Kardorff, E. and Steinke,
I., editors, A companion to qualitative research. Sage, 276-83
Kitzinger, C. and Willmott, J. 2002: ‘The thief of womanhood’: women’s experience of polycystic ovarian
syndrome. Social Science & Medicine 54, 349-61
36

Lapadat, J.C. and Lindsay, A.C. 1999: Transcription in research and practice: from standardization of
technique to interpretive positionings. Qualitative Inquiry 5, 64-86
Laubschagne, A. 2003: Qualitative research - airy fairy or fundamental? Qualitative Report [electronic
version], 8(1).
McLeod, J. 2001: Qualitative research in counselling and psychotherapy. Sage.
Meehan, T., Vermeer, C. and Windsor, C. 2000: Patients’ perceptions of seclusion: a qualitative
investigation. Journal of Advanced Nursing 31, 370-77
Miles, M.B. and Huberman, A.M. 1994: Qualitative data analysis: an expanded sourcebook, second
edition. Sage.
Murray, M. 2003: Narrative psychology. In Smith, J.A., editor, Qualitative psychology: a practical guide
to research methods. Sage, 111-31
Parker, I. 2004: Criteria for qualitative research in psychology. Qualitative Research in Psychology 1,
95-106
Patton, M.Q. 1990: Qualitative evaluation and research methods, second edition. Sage.
Poland, B.D. 2002: Transcription quality. In Gubrium, J.F. and Holstein, J.A., editors, Handbook of
interview research: context and method. Sage, 629-49
Potter, J. 1997: Discourse analysis as a way of analysing naturally occurring talk. In Silverman, D.,
editor, Qualitative research: theory, method and practice. Sage, 144-60
Potter, J. and Wetherell, M. 1987: Discourse and social psychology: beyond attitudes and behaviour.
Sage.
Reicher, S. 2000: Against methodolatry: some comments on Elliott, Fischer, and Rennie. British Journal
of Clinical Psychology 39, 1- 6
Reicher, S. and Taylor, S. 2005: Similarities and differences between traditions. Psychologist 18, 547-49
Riessman, C.K. 1993: Narrative analysis. Sage.
Roulston, K. 2001: Data analysis and ‘theorizing as ideology’. Qualitative Research 1, 279- 302
Rubin, H.J. and Rubin, I.S. 1995: Qualitative interviewing: the art of hearing data. Sage.
Ryan, G.W. and Bernard, H.R. 2000: Data management and analysis methods. In Denzin, N.K. and
Lincoln, Y.S., editors, Handbook of qualitative research, second edition. Sage, 769-802
Seale, C. 1999: The quality of qualitative research. Sage.
Seale, C. 2000: Using computers to analyse qualitative data. In Silverman, D., Doing qualitative research:
a practical handbook. Sage, 155-74
Silverman, D., editor 2000: Doing qualitative research: a practical handbook. Sage.
37

Singer, D. and Hunter, M. 1999: The experience of premature menopause: a thematic discourse analysis.
Journal of Reproductive and Infant Psychology 17, 63-81
Smith, J.A. and Osborn, M. 2003: Interpretative phenomenological analysis. In Smith, J.A., editor,
Qualitative psychology: a practical guide to methods. Sage.
Smith, J.A., Jarman, M. and Osborn, M. 1999: Doing interpretative phenomenological analysis. In
Murray, M. and Chamberlain, M.M.K., editors, Qualitative health psychology: theories and
methods. Sage.
Stenner, P. 1993: Discoursing jealousy. In Burman, E. and Parker, I., editors, Discourse analytic research:
repertoires and readings of texts in action. Routledge, 94- 132.
Strauss, A. and Corbin, J. 1998: Basics of qualitative research: techniques and procedures for developing
grounded theory. Sage.
Taylor, G.W. and Ussher, J.M. 2001: Making sense of S&M: a discourse analytic account. Sexualities 4,
293-314
Toerien, M. and Wilkinson, S. 2004: Exploring the depilation norm: a qualitative questionnaire study
of women’s body hair removal. Qualitative Research in Psychology 1, 69- 92
Tuckett, A.G. 2005: Applying thematic analysis theory to practice: a researcher’s experience.
Contemporary Nurse 19, 75-87
Ussher, J.M. and Mooney-Somers, J. 2000: Negotiating desire and sexual subjectivity: narratives of
young lesbian avengers. Sexualities 3, 183-200
Widdicombe, S. and Wooffitt, R. 1995: The language of youth subcultures: social identity in action.
Harvester Wheatsheaf.
Wilkinson, S. 2000: Women with breast cancer talking causes: comparing content, biographical and
discursive analyses. Feminism & Psychology 10, 431-60
Willig, C. 1999: Beyond appearances: a critical realist approach to social constructionism. In Nightingale,
D.J. and Cromby J., editors, Social constructionist psychology: a critical analysis of theory and
practice. Open University Press, 37-51
Willig, C. 2003: Discourse analysis. In Smith, J.A., editor, Qualitative psychology: a practical guide to
research methods. Sage, 159- 83
Yardley, L. 2000: Dilemmas in qualitative health research. Psychology and Health 15,215- 28
info@mominoun.com

You might also like