Professional Documents
Culture Documents
الاحتفالات القرنية الفرنسية في الجزائر قراءة في الأسباب والنتائج
الاحتفالات القرنية الفرنسية في الجزائر قراءة في الأسباب والنتائج
الاحتفالات القرنية الفرنسية في الجزائر قراءة في الأسباب والنتائج
ملخص:
بادرت السلطات الفرنسية بالجزائر مع مطلع القرن العشرين ،واستعدادا للحرب العاملية األولى،
التي كانت تلوح في األفق ،إلى سن قانون التجنيد اإلجباري الصادر في 03فيفري 1912م ،والذي يقض ي
بتجنيد الجزائريين في الجيش الفرنس ي باعتبارهم رعايا فرنسيين ،ورغم املعارضة الشديدة من قبل
غالبية الجزائريين ،ونتيجة للحملة التي شنتها مختلف الشخصيات الوطنية ،وعلى رأسها "األمير
خالد" ،والذي طالب بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره،وتحسين أوضاعه في مذكرة بعثها إلى
الرئيس األمريكي ولسن ،إال أن هذا القانون جاء عكس تطلعات الشعب الجزائري،فخيب آماله ،حيث
تضمن منح بعض االمتيازات لبعض الجزائريين مقابل التخلي عن شخصيتهم اإلسالمية ،والظاهر أن
ما قامت به السلطات الفرنسية في نظرها تلبية ملا قام به الشباب الجزائري في الحرب العاملية األولى،
وبالرغم من أنها مبادرة فرنسية إلصالح أحوال الجزائريين إال أنها لم تكن في مستوى طموحات
وتضحيات الشباب الجزائري ،ولم يكن في حقيقة األمر سوى سياسة ذر الرماد في عيون الجزائريين ال
أكثر وال أقل ،ألنه في الواقع خدم فئة ضيقة جدا من الشعب الجزائري املوالين لفرنسا .لكن ما زاد
الطين بلة هو قيام السلطات الفرنسية باحتفاالت صاخبة بمناسبة مرور مئة عام على احتالل فرنسا
للجزائر ،األمر الذي ساهم في زيادة استفزاز وإثارة عواطف الجزائريين الوطنية والدينية ،األمر الذي
زاد من تبلور الوعي الوطني لدى الجزائريين ،والتفافهم حول املشروعين االستقاللي واإلصالحي.
الكلمات املفتاحية :االحتفاالت املئوية ،اإلدارة الفرنسية ،الوعي التحرري ،اإلصالحات ،الحركة
الوطنية
Abstract:
In preparation for World War I, which was looming, the French
authorities enacted the forced conscription , which enlisted Algerians
in the French army as French nationals, despite strong opposition from
a majority of Algerians. In the first half of the twentieth century,
committees were formed and proposals were made to the French
Government for political, economic, social and cultural reforms for
the benefit of the people, for example the Clemenceau reforms or the
1919 February 04 Act. The Algerian participants in the first World
War (1914-1918) and loud celebrations marking the 100th anniversary
of France's occupation of Algeria.
Keywords: Centennial celebrations, French Administration, liberal
awareness, reforms, National Movement.
مقدمة:
منذ أن وطأت أقدام فرنسا في الجزائر ،وهي تسعى جاهدة بكل الطرق واألساليب من أجل
إخضاعها ،فلم تترك مجاال إال وامتدت إليه فكانت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة ،محاولة بذلك بسط
نفوذها على جل األوضاع السياسية ،القضائية ،االقتصادية ،االجتماعية ،الثقافية والدينية هذا من
جهة ،واستغلت الجزائريين في الحرب ضد جبهاتها من جهة أخرى ،إضافة إلى كل هذا قامت هذه
األخيرة باحتفاالت صاخبة ملرورمائة سنة على احتالل الجزائردعت إليها الدنيا كلها .
.1األوضاع السياسية السائدة في الجزائرمطلع القرن 20م:
ّ
لقد سنت فرنسا قوانين إدارية مهدت لسياستها املجحفة لتطبيقها على أرض الواقع،
ومن بين هذه القوانين قانون 19ديسمبر 1900م ،الذي أعطى للمستوطنين قوة مراقبة
ميزانية الجزائر ،وشبكة الخطوط الحديدية واملواصالت والغاز والكهرباء ،واإلشراف على
األشغال العامة واستغالل موارد البالد ،والسلطة الكاملة على الجزائريين ،وهو ما كان "نكبة
قاسية" عليهم ،إضافة إلى تمتعهم بحق االنتخاب والتمثيل في املجالس النيابية واملالية
والحكومية ومراقبتها ،وقد كان بإمكان املعمرين أيضا الضغط على السلطات االستعمارية
1
لكي يحصلوا على القوانين التي تخدم مصالحهم الخاصة».
وفي ظل هذا الوضع وجدت الجزائر نفسها مع مرور الزمن خاضعة لسلطتين :سلطة
قانونية وهي سلطة باريس وسلطة فعلية هي الجزائر ،أما املستوطن فإنه يمارس كال
السلطتين فهو فرنس ي في باريس وجزائري في الجزائر ،أما الجزائري فال حول وال قوة وال
2
سلطة له ال هناك وال هناك في باريس غائب مهجور وفي الجزائر قاصر محجور.
إضافة إلى ذلك سنت قوانين أخرى كقانوني التجنيد اإلجباري في 03فيفري 1912م الذي
تضمن تجنيد الجزائريين في الجيش الفرنس ي باعتبارهم رعايا فرنسيين رغم املعارضة
الشديدة من قبل الجزائريين ،وما تاله من قوانين اضطهادية أخرى كقانون حالة الطوارئ
والرقابة ،3والتي جعلت من الجزائريين يعيشون تحت رحمة اإلجراءات االستثنائية 4على
عكس األوروبيين ،رغم أنهم كانوا يشغلون معهم نفس املكان وهي الجزائر.
ونتيجة لكل هذا تخوفت السلطات الفرنسية منها ،حيث ارتأت إلى إصالحات نادى هها
الكثير من ذوي الرأي في فرنسا خاصة بعدما تأزم الوضع في الجزائر ،وقد تزامن ذلك مع نهاية
الحرب العاملية األولى ومشاركة الجزائريين فيها بالنفس والنفيس في تحرير فرنسا من
5
االحتالل األملاني.
-1أبووو القاسووم سووعد :الحركةةة الوطنيةةة الجزائريةةة 1930-1900م ،ج ،2ط ،3املؤسسووة الوطنيووة للنشوور
والتوزيع ،الجزائر1983 ،م ،ص ص .87-86
-2فرحووات عبوواس :حةةرب الجزائةةروثورتهةةا-ليةةل االسةةتعمار ،توور :أبووو بكوور رحووال ،مطبعووة فضووالة ،املحمديووة،
املغرب ،1962 ،ص .108
-3سعد :املرجع السابق ،ص.204
-4املرجع نفسه ،ص .186
-5عم ووار بوح ووو :الت ةةاريخ السيالة ة ي للجزائ ةةرمن ةةذ البداي ةةة ولغاي ةةة 1962م ،ط ،1دار الغ وورب اإلس ووالمي،
بيروت ،لبنان ،1997 ،ص.216
- 151 -
د .سعدية بن حامد
-1رابوول بلعي وود :رس ةةالة األطل ةةس كت ةةاب املسلس ةةل ت ةةاريخ الجزائ ةةرالح ةةديث واملعاص ةةر ،الع وودد ،102الحلق ووة
التاسعة1996 ،م.
-2سعد :املرجع السابق،ج ،2ص.205
-3أبو القاسم سعد :املرجع السابق ،ج ،2ص .205
- 152 -
احتفاالت مئوية اإلحتالل الفرنس ي للجزائرقراءة في األسباب والنتائج
وأخيرا فقد تمكنت فرنسا من اجتياز محنة الحرب العاملية األولى واالنتصار على عكس ما
خلفته من آثار سلبية على الجزائريين في شتى املجاالت ،فقد بلغت اإلحصائيات سنة 1919م
حسب املجلة الفرنسية :إفريقية الفرنسية من عدد الجزائريين املشاركين في الحرب العاملية
األولى:
الجنود .177.000
العمال .75.000
القتلى .56.000
1
الجرحى .82.000
إلى جانب هذا أفرزت الحرب العاملية األولى وضعا اقتصاديا مزريا للغاية في الجزائر ،بسبب
قانون التجنيد اإلجباري الذي حرم املجتمع الجزائري من ألوف الشباب الجزائريين ،الذين
كانوا يمثلون قبل الحرب العاملية األولى عامال اقتصاديا هاما ،خاصة في املجال الزراعي هذا
من جهة ،ومن جهة أخرى كانت الحرب العاملية األولى آثار إيجابية حفزت الجزائريون ،على
االستمرار في مقاومة االستعمار الفرنس ي ،خاصة بعد أن خذلتهم فرنسا بعدم وفائها
بوعودها ،إضافة إلى عدم تطبيقها ملشاريعها اإلصالحية التي كانت بمثابة وسيلة لتهدئة
الوضع ليس إال ،ولهذا بدأ الجزائريون في البحث عن زعامة لقيادتهم مواصلة الكفاح ضد
الفرنسيين ،وفي هذه األثناء ظهرت شخصيات بارزة في الجزائر تبنت العمل السياس ي خالل
العشرينيات وعلى رأسها األمير خالد 2عمال بما جاء في قانون 04فيفري 1919م والذي أعلنه
دمشووق فووي 20جووانفي 1936م ،أنظوور :بسووام العسوولي :األميةةرخالةةد الهاشةةزي الجزائةةري ،ط ،2دار النفووا س،
بيروت ،1984 ،ص ص .94-92
-1جووورج كليمانصووو :رجوول دولووة وسياسو ي فرنسو ي موون مواليوود مووويرون (1929-1841م) ،شووغل رأس الوووزارة
موورتين ،لقووب بووالنمر وصووانع النصوور ،بوودأ عملووه السياس و ي منووذ الثووورة الفرنسووية ،حوورص طيلووة فتوورة حكمووه
وإدارته للحرب العاملية األولى على تأكيد املدنيين على العسكريين حتى في قضايا السلم والحرب ،انظر :عبد
الوه وواب الكيالل ووي :موس ةةوعة السياس ةةة ،ط ،2ج ،5املؤسس ووة العربي ووة للدراس ووات والنش وور ،بي ووروت،1990 ،
ص.13
-2عبوود الوورحمن بوون إب وراهيم بوون العقووون :الكفةةاح القةةومي والسيال ة ي مةةن خةةالل مةةذكرات معاص ةةر ،ج،1
املؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر ،1984 ،ص.72
- 155 -
د .سعدية بن حامد
على الذين يجرى عليهم هذا القانون والذين بلغ عددهم في جميع القطر الجزائري نحو
أربعمائة ألف نسمة ،يجب أن يحصلوا على املؤهالت اآلتية:
الضباط أو الجنود الذين خدموا في الجيش الفرنس ي.
معطوبو الحرب.
املالكون.
التجار.
املثقفون بالفرنسية وكذا ذوي الشهادات والحائزون على أوسمة واملوظفون.
أعضاء الغرفة التجارية والفالحية.
1
كل هؤالء ال يشترط أن يتجاوز عمرهم 25سنة.
ومن الحقائق الهامة عن قانون إصالحات 04فيفري 1919م ،أنه أكد الحاجز بين
الجزائريين أنفسهم ،بمعنى أنه بين نوعين من الجزائريين الرعايا واملواطنون الذين رضوا
بالدخول تحت أحكام القانون الفرنس ي .إذن تعتبر هذه اإلصالحات نكسة على األهالي ،وال
سيما أملهم من املشاركة في الحرب لتقرير مصيرهم ،خاصة بعد الوعود الكاذبة التي كانت
تقدمها الحكومة الفرنسية في الوقت ذاته ،كانت إصالحات 1919م غير مرغوب فيها من
طرف املعمرين فقابلوها بالرفض واعتبروها خطرا على مصالحهم وسلطتهم في الجزائر وكذا
وخيمة العواقب ،فكال الطرفين الجزائريين واملعمرين سعيا إلى إفشال مفعولها والقضاء
عليها وهو ما يوحي بأن سياسة الفرنسة واإلدماج كانت ال تريد أن تترك لألهالي شيئا يتميزون
به عن األوروبيين.
ومنه فإن السياسة الفرنسية في الجوانب السالفة الذكر ،قد اعتمدت على أسلوب
االضطهاد والقمع وإقصاء األهالي ،الذين جعلت منهم عنصرا منبوذا في وطنه بمنظومة إدارية
وقانونية شرعت أساسا لخدمة مصلحة العنصر األوربي كاملة ،ولم تراعي منل حتى الحد
األدنى من الحقوق السياسية واملدنية لألهالي الذين يشكلون األغلبية ويؤدون كل الواجبات.
.3االحتفاالت املئوية الحتالل فرنسا للجزائر:
بحلول سنة 1930م كان قد مر على االحتالل الفرنس ي للجزائر قرن كامل ،وعوض أن
تقوم اإلدارة الفرنسية بمراجعة نفسها على ما قامت به من سياسة استدمارية وتحسين
ظروف السكان ،راحت تنبش الجراح واستغلت في هذه املرة فرصة مرور قرن لتجعل منه
حربا نفسية وتحديا سافرا ملشاعر الجزائريين ،1وأقامت احتفاالت ضخمة تخليدا لحدث
الغزو وتجديدا للجراح واملآس ي واملظالم واالنتهاكات ،التي ارتكبوها ظلما وعدوانا في حق
الشعب الجزائري ومؤسساته ،وتحديا ملشاعرها وجراحها وآالمها ومعاناتها وتأكيدا لعزمهم
على البقاء بقوة الحديد والنار ،وبحسب الحقائق التاريخية فإن االستعدادات لالحتفال شر
2
مع بداية العشرينيات وانطلقت في 1930م ودعت إليها الدنيا كلها.
كان التحضير لهذه االحتفاالت بدقة ،إذ بدأ الحاكم العام ستيغ ينشغل باملوضو منذ 14
ديسمبر 1923م ملا شكل لجنة تكلف بإعداد برنامج إحياء الذكرى املئوية الحتالل الجزائر،
ثم خلفه في مبادرته الحاكم فيوليت الذي كان يعتزم من ناحية سياسية أكثر لالحتفال
بتحرير الدول البربرية من الهيمنة التركية ،بيد أن املندوبيات املالية كانت منشغلة بتحضير
مختلف املشاريع ،التي اعتمدت كأساس لقانون 25مارس 1928م وتأسس بموجب هذا
-1املركوز الوووطني للدراسووات والبحووث فووي الحركووة الوطنيووة وثووورة أول نوووفمبر 1954م ،مجلووة املصووادر ،العوودد
،19الجزائر ،2009 ،ص.149
-2عب وود الرش وويد زروق ووة :جهة ةةاد ابة ةةن بة ةةاداس ضة ةةد االسة ةةتعمارالفرنسة ة ي فة ةةي الجزائة ةةر(1940-1913م) ،دار
الشهاب ،بيروت ،لبنان ،1999 ،ص.123
- 157 -
د .سعدية بن حامد
القانون مجلس أعلى للذكرى املئوية ومحافظ عام لها ،وخصصت 40مليون فرنك مليزانية
أعياد الذكرى وارتفع إلى 93مليون فرنك ،1واحتفلوا احتفاال صارخا وأكلوا وشربوا وعربدوا
واختلط حابلهم بنابلهم وأحيوا الليلة حتى الصباح ،إضافة إلى مؤتمر كاثوليكي ديني
متعصب ،جمعوا له القس والرهبان من كل مكان وارتفعت أصوات ضد الدين اإلسالمي
2
وضد العروبة وضد املدنية الساطعة.
Gaston وقد حضر رئيس الجمهورية الفرنسية شخصيا– قاسطون دو مريقو–
3
، -Doumergueو دعا إليها عدد كبير من رجال الدين املسيحيين من مختلف الدول
املسيحية في العالم ،ليشهدوا حسب رأيهم غروب شمس اإلسالم في الجزائر كما غربت في
األندلس في املاض ي القريب و التي اتخذت صورة استفزازية بالنسبة ملشاعر الجزائريين
وأشعرتهم بالذل واملهانة وذكرتهم بمئات اآلالف من الشهداء ،وقد دلت خطب املسؤولين
الفرنسيين على روح الصليبية املتطرفة التي يكنونها للعروبة واإلسالم 4بقولهم« :إن عهد
الهالل في الجزائر قد عبر وأن عهد الصليب قد بدأ وأنه سيستمر إلى األبد» ،5ويضيف آخر:
-1ش ووارل روبي وور أجي وورون :ت ةةاريخ الجزائ ةةراملعاص ةةرة ،ط ،2دي وووان املطبوع ووات الجامعي ووة ،الجزائ وور،1986 ،
ص.641
-2أحمد توفيق املدني :حياة كفاح ،ج ،2دار البصائر ،الجزائر ،2008 ،ص ص .153-152
3إبن العقون ،املصدر السابق ،ج ، 1ص . 305
-4رابوول تركووي :الشةةيخ عبةةد الحميةةد ابةةن بةةاداس رائةةد اإلصةةالح اإلسةةالمي والتربيةةة فةةي الجزائةةر ،ط ،5طبعووة
خاصة ،الجزائر ،2001 ،ص.90
-5محمووود قاسووم :اإلمةةام عبةةد الحميةةد ابةةن بةةاداس الةةزعيم الروحةةي لحةةرب التحريةةرالجزائريةةة ،ط ،2دار
املعارف ،القاهرة ،مصر ،ص .22
- 158 -
احتفاالت مئوية اإلحتالل الفرنس ي للجزائرقراءة في األسباب والنتائج
«إن احتفالنا اليوم ليس احتفال بمرور مائة سنة على احتاللنا للجزائر ولكنه احتفال
1
بتشييع جنازة اإلسالم».
وقد حضر االحتفال املئات من رجال الدين والقساوسة املسيحيين من شتى البلدان
األوروبية وأعلنوها صليبية من جديد ،حيث صرح كبار األساقفة بالجزائر في خطاب ألقاه في
2
ذلك املؤتمر قال فيه« :إننا نحتفل اليوم بدخول املسيحية من جديد إلى إفريقيا الشمالية».
أما البرنامج الذي سطرته فرنسا كان يحوي استعراضات ومحاضرات وألعاب وأفالم
ومطبوعات ،حتى أنهم قدموا من بين االستعراضات واحدة يعيد كيفية دخول الجيش
الفرنس ي إلى العاصمة سنة 1830م بلباسه وأسلحته ومعداته وأنفق الفرنسيين في هذه
3
االحتفاالت حوالي 130مليون فرنك قديم.
وعبرت السلطات من خاللها عن بداية عهد جديد من االنتصارات في الجزائر ،معتقدين
أنهم سيظلون فيها إلى األبد ورفعوا شعارات معادية للسالم معلنين أنهم قد افتتحوا الجزائر
عنوة وأنهم افتكوها من الحضارة اإلسالمية وأعادوها إلى الحضارة الرومانية ،وكانوا من
خالل ذلك يضربون بيد من حديد محاوالت التنظيم السياس ي وخلقوا من حولهم جماعة من
بني وي وي ،4وكان من املقرر أن تستمر هذه االحتفاالت ستة أشهر ،لكن مقاطعة األهالي لها
-1محمد بن ساعو :جمعية العلماء املسلمين الجزائةريين والثةورة التحريريةة (1962-1954م) ،دار األموة،
الجزائر ،2016 ،ص.20
-2محموود خيوور الوودين :مةةذكرات الشةةيخ محمةةد خيةةرالةةدين ،ج ،1ط ،2مؤسسووة الضووجى ،الجزائوور،2009 ،
ص.93
-3عبد الرشيد زروقة :املرجع السابق ،ص.124
-4سعد :الحركة الوطنية الجزائرية (1945-1930م) ،ج ،3املرجع السابق ،ص.16
- 159 -
د .سعدية بن حامد
بسبب الشعور باإلهانة جعلها تتوقف بعد شهرين ألن الفرنسيين كما سبق وأن ذكرت كانوا
1
يحتفلون افتخارا بانتصار املسيحية على اإلسالم.
لم تكتف فرنسا ههذا القدر فقط ،بل أقامت جدارا فوق كهف طبيعي صغير بضاحية
سيدي فرج ،وعينت له وكيال من قدماء جنودها بدعوى أن ذلك هو ضريل سيدي فرج ،وهو
في الحقيقة ما هو إال مغارة أحيت هها وثنية جرت عليها الدهور ،كما أقامت حفل ديني في
2
املسجد األعظم وخطبوا من فوق منابره التي توالت عليه أقدام العلماء من قبل.
وقد كانت هذه االحتفاالت تتم في كل مدينة جزائرية حسب تاريخ احتاللها ،زيادة في
3
استفزاز وإثارة عواطف الجزائريين .
والجدير بالذكر أن هذه االحتفاالت التي أدمت قلوب الجزائريين واستثارت مشاعرهم،
قد أثمرت الروح الدينية والوطنية والتي ظلت تتفاعل في نفوس الجزائريين منذ بداية
االحتالل ووحدت جهودهم ،فازدادوا مناضلو نجم إفريقيا تطرفا ولجأ العلماء املصلحون إلى
خلق الجمعية ،4فهذه األخيرة عجلت بضم صفوف املصلحين من رجال مدرسة التجديد
اإلسالمي وجمع شتاتهم في منظمة واحدة ،وبذلك ظهرت جمعية العلماء املسلمين الجزائريين
5
كرد فعل على هذه االحتفاالت والتي ظهرت إلى الوجود في يوم 05ماي 1931م.
عبوود الكووريم بوصفصوواف :جمعيةةة العلمةةاء املسةةلمين الجزائةةريين ودورهةةا فةةي تطةةور الحركةةة الوطنيةةة
الجزائرية (1945-1931م) ،دار البعث ،قسنطينة ،1981 ،ص.89
-2املدني :حياة كفاح ،ج ،2املصدرالسابق ،ص ص .251-248
3إبن العقون ،املصدر نفسه ،ص . 357
-4عبد الكريم بوصفصاف :املرجع السابق ،ص .91
-5رابوول تركووي :الشوويخ عبوود الحميوود ابوون بوواديس رائوود اإلصووالح اإلسووالمي والتربيووة فووي الجزائوور ،املرجةةع السةةابق،
ص 93
- 160 -
احتفاالت مئوية اإلحتالل الفرنس ي للجزائرقراءة في األسباب والنتائج
كما عارضت الكثير من الحركات وعلى رأسها حركة نجم الشمال اإلفريقي ملبدأ االحتفال
القرني ودعوة الشعب ملقاطعة االحتفال ،ودعوته إلى تنظيم حركة واسعة ضد اإلمبريالية
الفرنسية ،كما جاءت دعوة الشيخ عبد الحميد بن باديس ملقاطعة هذه االحتفاالت ،1وهذه
االحتفاالت خلفت أثر كبير على الحركة الوطنية ،وما نتج عنها من تطور في الحركة اإلصالحية
وازدياد الروح النضالية بين أعضاء نجم شمال إفريقيا الشمالية ،حتى أن بعض املؤرخين
الجزائريين قال...« :إن احتفال الفرنسيين بمرور قرن على احتاللهم أرض الجزائر قد قدم
2
القضية الجزائرية عشرين سنة على األقل».
خاتمة :
الظاهر أن هذه االحتفاالت املئوية الصاخبة الحتالل فرنسا للجزائر قد حملت
ذكرى أليمة في نفوس الجزائريين ،ذكرى مرور قرن بأكمله على اغتصاب املستعمرين الغالة
ألرض الجزائر ،حيث خصصت لها فرنسا إمكانات ضخمة ودعت لها العالم ،تظهر من
خاللها مدى عظمة فرنسا وسيطرتها على الجزائر أو " املستعمرة الهادئة " كما كانت تصفها
دائما .وقد ساد هذا االحتفال في الجزائر العنصرية الحاقدة واإلمعان في إهانة وذل
الجزائريين ،وإثارة عواطفهم الوطنية والدينية ،وإن ذلك يدل على طبيعة فرنسا االستعمارية
في فرض وتجسيد فكرة الجزائر الفرنسية والتمسك هها .
ومن خالل ما ذكر آنفا أن هذه االحتفاالت املئوية بلغت ذروتها ليلة 05جويلية 1930م
،رغم معارضة النواب املسلمين لتجديدها ،حيث ظهر استياء كبير أبداه عدد هائل من
الجزائريين ،وحتى املعجبين منهم بالحضارة الفرنسية ،ولكن آمال فرنسا خابت بسبب نشاط
العلماء ومنهم الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد البشير اإلبراهيلي اللذان كانا
-1ابوون العقووون :الكفةةاح القةةومي والسيال ة ي مةةن خةةالل مةةذكرات معاصةةر(1936-1920م) ،ج ،1املؤسسووة
الوطنية للكتاب ،الجزائر ،1984 ،ص.322
-2عبد الكريم بوصفصاف :املرجع السابق ،ص.89
- 161 -
د .سعدية بن حامد
باملرصاد ،إذ استطاعا أن يفسدا على فرنسا فرحتها املئوية هذه التي انتظرتها طويال ،وهذا
بفضل دعايتهما السرية املوجهة إلى الجزائريين قصد مقاطعة االحتفاالت ،وعدم اإلقبال على
مختلف النشاطات واملهرجانات والتظاهرات التي كانت مبرمجة في كل أنحاء الوطن ،وقد
كانت االستجابة كبيرة من طرف فئة عريضة من الجزائريين الذين لبوا الدعوة .
و إن دل هذا على ش يء فإنه يدل على أن الشعب الجزائري قد بدأ يلتف حول املشرو
اإلصالحي ،الذي يعود الفضل في وضع أسسه األولى للشيخ عبد الحميد ابن باديس والشيخ
محمد البشير اإلبراهيلي .حيث ذا صيتهما في مختلف أنحاء القطر بفضل التالمذة والطلبة
الذين تخرجوا من املدارس التي أنشأها .
إن هذه الهزيمة التي منيت هها االحتفاالت املئوية الفرنسية في الجزائر ،خير دليل على
نمو الوعي لدى الشعب الجزائري ،وتسرب األفكار اإلصالحية إليه ،إذ حدث عكس ما كانت
فرنسا تتوقعه من تلك االحتفاالت .
)1عبد الرحمن بن إبراهيم ابن العقوون :الكفاح القومي والسيال ي مةن خةالل مةذكرات معاصةر(-1920
1936م) ،ج ،1املؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر.1984 ،
)2أبو القاسم سعد :الحركة الوطنية الجزائرية 1930-1900م ،ج ،2ط ،3املؤسسوة الوطنيوة للنشور
والتوزيع ،الجزائر1983 ،م
)3أحمد توفيق املدني :حياة كفاح ،ج ،2دار البصائر ،الجزائر.2008 ،
)4بسام العسلي :األميرخالد الهاشزي الجزائري ،ط ،2دار النفا س ،بيروت.1984 ،
)5رابوول بلعيوود :رسةةالة األطلةةس كتةةاب املسلسةةل تةةاريخ الجزائةةرالحةةديث واملعاصةةر ،العوودد ،102الحلقووة
التاسعة1996 ،م.
)6رابوول تركووي :الشةةيخ عبةةد الحميةةد ابةةن بةةاداس رائةةد اإلصةةالح اإلسةةالمي والتربيةةة فةةي الجزائةةر ،ط ،5طبعووة
خاصة ،الجزائر.2001 ،
)7أبو القاسم سعد :الحركة الوطنية الجزائرية (1945-1930م) ،ج ،3املرجع السابق ،ص.16
)8صالع العقاد :املغرب العريي في تاريخ الحديث واملعاصر ،ط ،2املكتبة املصرية ،القاهرة.1993 ،
)9عبوود الوورحمن بوون إب وراهيم بوون العقووون :الكفةةاح القةةومي والسيال ة ي مةةن خةةالل مةةذكرات معاصةةر ،ج،1
املؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر.1984 ،
)10عبوود الرشوويد زروقووة :جهةةاد ابةةن ب ةةاداس ضةةد االسةةتعمارالفرنس ة ي فةةي الجزائ ةةر(1940-1913م) ،دار
الشهاب ،بيروت ،لبنان.1999 ،
)11عبوود الكووريم بوصفصوواف :جمعيةةة العلمةةاء املسةةلمين الجزائةةريين ودورهةةا فةةي تطةةور الحركةةة الوطنيةةة
الجزائرية (19311945م) ،دار البعث ،قسنطينة.1981 ،
)12عبد الوهاب الكياللوي :موسةوعة السياسةة ،ط ،2ج ،5املؤسسوة العربيوة للدراسوات والنشور ،بيوروت،
.1990
)13عمووار بوحووو :التةةاريخ السيال ة ي للجزائةةرمنةةذ البدايةةة ولغايةةة 1962م ،ط ،1دار الغوورب اإلسووالمي،
بيروت ،لبنان.1997 ،
)14فرحات عباس :حرب الجزائروثورتها-ليل االستعمار ،تر :أبو بكر رحال ،مطبعة فضالة ،املحمدية،
املغرب.1962 ،
)15محموود ب وون سوواعو :جمعي ةةة العلم ةةاء املس ةةلمين الجزائ ةةريين والث ةةورة التحريري ةةة (1962-1954م) ،دار
األمة ،الجزائر.2016 ،
)16محمد خير الدين :مذكرات الشيخ محمد خيرالدين ،ج ،1ط ،2مؤسسة الضجى ،الجزائر.2009 ،
)17محمود قاسم :اإلمام عبد الحميةد ابةن بةاداس الةزعيم الروحةي لحةرب التحريةرالجزائريةة ،ط ،2دار
املعارف ،القاهرة ،مصر.
)18املرك ووز ال وووطني للدراس ووات والبح ووث ف ووي الحرك ووة الوطني ووة وث ووورة أول ن وووفمبر 1954م ،مجل ووة املص ووادر،
العدد ،19الجزائر.2009 ،