الاحتفالات القرنية الفرنسية في الجزائر قراءة في الأسباب والنتائج

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 16

‫احتفاالت مئوية اإلحتالل الفرنس ي للجزائرقراءة في األسباب والنتائج‬

‫‪French Koranic celebrations in Algeria read reasons and results‬‬


‫سعدية بن حامد‪ ،‬جامعة املسيلة (الجزائر)‬
‫)‪Saadia BENHAMED, M'sila University (Algeria‬‬
‫‪Saadia.benhamed@univ-msila.dz‬‬
‫تاريخ النشر‪2020 /03/31 :‬‬ ‫تاريخ القبول‪2020 /03/23 :‬‬ ‫تاريخ االستالم‪2020 /02/23 :‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫بادرت السلطات الفرنسية بالجزائر مع مطلع القرن العشرين ‪،‬واستعدادا للحرب العاملية األولى‪،‬‬
‫التي كانت تلوح في األفق‪ ،‬إلى سن قانون التجنيد اإلجباري الصادر في ‪03‬فيفري ‪ 1912‬م ‪،‬والذي يقض ي‬
‫بتجنيد الجزائريين في الجيش الفرنس ي باعتبارهم رعايا فرنسيين‪ ،‬ورغم املعارضة الشديدة من قبل‬
‫غالبية الجزائريين‪ ،‬ونتيجة للحملة التي شنتها مختلف الشخصيات الوطنية‪ ،‬وعلى رأسها "األمير‬
‫خالد"‪ ،‬والذي طالب بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره‪،‬وتحسين أوضاعه في مذكرة بعثها إلى‬
‫الرئيس األمريكي ولسن‪ ،‬إال أن هذا القانون جاء عكس تطلعات الشعب الجزائري‪،‬فخيب آماله‪ ،‬حيث‬
‫تضمن منح بعض االمتيازات لبعض الجزائريين مقابل التخلي عن شخصيتهم اإلسالمية‪ ،‬والظاهر أن‬
‫ما قامت به السلطات الفرنسية في نظرها تلبية ملا قام به الشباب الجزائري في الحرب العاملية األولى‪،‬‬
‫وبالرغم من أنها مبادرة فرنسية إلصالح أحوال الجزائريين إال أنها لم تكن في مستوى طموحات‬
‫وتضحيات الشباب الجزائري‪ ،‬ولم يكن في حقيقة األمر سوى سياسة ذر الرماد في عيون الجزائريين ال‬
‫أكثر وال أقل‪ ،‬ألنه في الواقع خدم فئة ضيقة جدا من الشعب الجزائري املوالين لفرنسا‪ .‬لكن ما زاد‬
‫الطين بلة هو قيام السلطات الفرنسية باحتفاالت صاخبة بمناسبة مرور مئة عام على احتالل فرنسا‬
‫للجزائر‪ ،‬األمر الذي ساهم في زيادة استفزاز وإثارة عواطف الجزائريين الوطنية والدينية ‪ ،‬األمر الذي‬
‫زاد من تبلور الوعي الوطني لدى الجزائريين ‪ ،‬والتفافهم حول املشروعين االستقاللي واإلصالحي‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية ‪ :‬االحتفاالت املئوية‪ ،‬اإلدارة الفرنسية‪ ،‬الوعي التحرري‪ ،‬اإلصالحات ‪ ،‬الحركة‬
‫الوطنية‬

‫املؤلف املرسل‪ :‬سعدية بن حامد‪ ،‬اإليميل‪Saadia.benhamed@univ-msila.dz :‬‬


‫‪- 149 -‬‬
‫د‪ .‬سعدية بن حامد‬

‫‪Abstract:‬‬
‫‪In preparation for World War I, which was looming, the French‬‬
‫‪authorities enacted the forced conscription , which enlisted Algerians‬‬
‫‪in the French army as French nationals, despite strong opposition from‬‬
‫‪a majority of Algerians. In the first half of the twentieth century,‬‬
‫‪committees were formed and proposals were made to the French‬‬
‫‪Government for political, economic, social and cultural reforms for‬‬
‫‪the benefit of the people, for example the Clemenceau reforms or the‬‬
‫‪1919 February 04 Act. The Algerian participants in the first World‬‬
‫‪War (1914-1918) and loud celebrations marking the 100th anniversary‬‬
‫‪of France's occupation of Algeria.‬‬
‫‪Keywords: Centennial celebrations, French Administration, liberal‬‬
‫‪awareness, reforms, National Movement.‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫منذ أن وطأت أقدام فرنسا في الجزائر ‪ ،‬وهي تسعى جاهدة بكل الطرق واألساليب من أجل‬
‫إخضاعها‪ ،‬فلم تترك مجاال إال وامتدت إليه فكانت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة‪ ،‬محاولة بذلك بسط‬
‫نفوذها على جل األوضاع السياسية‪ ،‬القضائية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬الثقافية والدينية هذا من‬
‫جهة‪ ،‬واستغلت الجزائريين في الحرب ضد جبهاتها من جهة أخرى‪ ،‬إضافة إلى كل هذا قامت هذه‬
‫األخيرة باحتفاالت صاخبة ملرورمائة سنة على احتالل الجزائردعت إليها الدنيا كلها ‪.‬‬
‫‪ .1‬األوضاع السياسية السائدة في الجزائرمطلع القرن ‪20‬م‪:‬‬
‫ّ‬
‫لقد سنت فرنسا قوانين إدارية مهدت لسياستها املجحفة لتطبيقها على أرض الواقع‪،‬‬
‫ومن بين هذه القوانين قانون ‪ 19‬ديسمبر ‪1900‬م‪ ،‬الذي أعطى للمستوطنين قوة مراقبة‬
‫ميزانية الجزائر‪ ،‬وشبكة الخطوط الحديدية واملواصالت والغاز والكهرباء‪ ،‬واإلشراف على‬
‫األشغال العامة واستغالل موارد البالد‪ ،‬والسلطة الكاملة على الجزائريين‪ ،‬وهو ما كان "نكبة‬
‫قاسية" عليهم‪ ،‬إضافة إلى تمتعهم بحق االنتخاب والتمثيل في املجالس النيابية واملالية‬

‫‪- 150 -‬‬


‫احتفاالت مئوية اإلحتالل الفرنس ي للجزائرقراءة في األسباب والنتائج‬

‫والحكومية ومراقبتها‪ ،‬وقد كان بإمكان املعمرين أيضا الضغط على السلطات االستعمارية‬
‫‪1‬‬
‫لكي يحصلوا على القوانين التي تخدم مصالحهم الخاصة»‪.‬‬
‫وفي ظل هذا الوضع وجدت الجزائر نفسها مع مرور الزمن خاضعة لسلطتين‪ :‬سلطة‬
‫قانونية وهي سلطة باريس وسلطة فعلية هي الجزائر‪ ،‬أما املستوطن فإنه يمارس كال‬
‫السلطتين فهو فرنس ي في باريس وجزائري في الجزائر‪ ،‬أما الجزائري فال حول وال قوة وال‬
‫‪2‬‬
‫سلطة له ال هناك وال هناك في باريس غائب مهجور وفي الجزائر قاصر محجور‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك سنت قوانين أخرى كقانوني التجنيد اإلجباري في ‪03‬فيفري ‪1912‬م الذي‬
‫تضمن تجنيد الجزائريين في الجيش الفرنس ي باعتبارهم رعايا فرنسيين رغم املعارضة‬
‫الشديدة من قبل الجزائريين‪ ،‬وما تاله من قوانين اضطهادية أخرى كقانون حالة الطوارئ‬
‫والرقابة‪ ،3‬والتي جعلت من الجزائريين يعيشون تحت رحمة اإلجراءات االستثنائية‪ 4‬على‬
‫عكس األوروبيين‪ ،‬رغم أنهم كانوا يشغلون معهم نفس املكان وهي الجزائر‪.‬‬
‫ونتيجة لكل هذا تخوفت السلطات الفرنسية منها‪ ،‬حيث ارتأت إلى إصالحات نادى هها‬
‫الكثير من ذوي الرأي في فرنسا خاصة بعدما تأزم الوضع في الجزائر‪ ،‬وقد تزامن ذلك مع نهاية‬
‫الحرب العاملية األولى ومشاركة الجزائريين فيها بالنفس والنفيس في تحرير فرنسا من‬
‫‪5‬‬
‫االحتالل األملاني‪.‬‬

‫‪ -1‬أبووو القاسووم سووعد ‪ :‬الحركةةة الوطنيةةة الجزائريةةة ‪1930-1900‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ط‪ ،3‬املؤسسووة الوطنيووة للنشوور‬
‫والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪1983 ،‬م‪ ،‬ص ص ‪.87-86‬‬
‫‪ -2‬فرحووات عبوواس‪ :‬حةةرب الجزائةةروثورتهةةا‪-‬ليةةل االسةةتعمار‪ ،‬توور‪ :‬أبووو بكوور رحووال‪ ،‬مطبعووة فضووالة‪ ،‬املحمديووة‪،‬‬
‫املغرب‪ ،1962 ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪ -3‬سعد ‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.204‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫‪ -5‬عم ووار بوح ووو ‪ :‬الت ةةاريخ السيالة ة ي للجزائ ةةرمن ةةذ البداي ةةة ولغاي ةةة ‪1962‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الغ وورب اإلس ووالمي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1997 ،‬ص‪.216‬‬
‫‪- 151 -‬‬
‫د‪ .‬سعدية بن حامد‬

‫‪ .2‬مشاركة الجزائريين في الحرب العاملية األولى ‪:‬‬


‫مرت الجزائر مع بداية العقد الثاني من القرن العشرين بموجة من االضطرابات خاصة‬
‫بعد إصدار قانون التجنيد في مرسومي ‪ 31‬جانفي‪ 3-‬فيفري ‪1912‬م ‪ ،‬والذي وافق عليه‬
‫املجلس الوطني الفرنس ي‪،‬فقد كان الشعب الجزائري الضحية الرئيسية لهذا القانون‪ ،‬فلم‬
‫يكن بوسعه مقاومة الخدمة العسكرية اإلجبارية‪ ،‬خوفا من أن تغتنم فرنسا هذه املعارضة‬
‫وترتكب ضدهم موجة من حملة اإلبادة الوحشية‪ ،‬مثل التي شنوها ضدهم إبان املقاومة‬
‫الجزائرية عام ‪1871‬م‪ ،1‬ليس معنى هذا أن فرنسا كانت في مركز قوة بالنسبة للجزائريين‪ ،‬بل‬
‫كانت تخش ى من نشوب ثورة جزائرية‪ ،‬ولهذا أوحت إلى رجالها املختارين بعناية فائقة وهم‬
‫املسمون "بني وي وي" أن يعلنوا والءهم املطلق لفرنسا‪ ،‬وأن يطلبوا من األهالي أن يفعلوا‬
‫مثلهم‪ ،‬إلى جانب ذلك قامت السلطات الفرنسية بنشر الدعاية عبر وسائلها اإلعالمية والتي‬
‫‪2‬‬
‫تدعو الجزائريين إلى تأكيد والئهم لفرنسا ومشاركتهم في الحرب ضد أملانيا‪.‬‬
‫ورغم سعي السلطات الفرنسية لتجنيد أكثر عدد ممكن من الجزائريين‪ ،‬إال أن الرأي العام‬
‫الفرنس ي في الجزائر‪ ،‬كان يرفض التجنيد اإلجباري ألنه يشكل في رأيهم تهديدا خطيرا للوجود‬
‫الفرنس ي في الجزائر‪ ،‬لكنهم قبلوا القانون من أجل أن ال يظهروا الخونة في عيون مواطنيهم في‬
‫فرنسا هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فقد عبر الجزائريون عن رفضهم لهذا القانون‪ ،‬بتقديم‬
‫الئحة من املطالب إذ تحققت فإنهم سيؤيدونه لهذا قدم وفد جزائري‪ 3‬في ‪ 26‬جوان ‪1912‬م‬
‫الئحة املطالب إلى بونكاريه رئيس الوزراء متضمنة ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إنقاص مدة الخدمة العسكرية إل سنتين بدل ثالث سنوات‪.‬‬

‫‪ -1‬رابوول بلعي وود‪ :‬رس ةةالة األطل ةةس كت ةةاب املسلس ةةل ت ةةاريخ الجزائ ةةرالح ةةديث واملعاص ةةر‪ ،‬الع وودد ‪ ،102‬الحلق ووة‬
‫التاسعة‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬سعد ‪ :‬املرجع السابق‪،‬ج‪ ،2‬ص‪.205‬‬
‫‪ -3‬أبو القاسم سعد ‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.205‬‬
‫‪- 152 -‬‬
‫احتفاالت مئوية اإلحتالل الفرنس ي للجزائرقراءة في األسباب والنتائج‬

‫‪ -2‬طلب الخدمة من ‪ 21‬سنة بدال من ‪ 18‬سنة‪.‬‬


‫‪ -3‬إصالح نظام العقوبات‪.‬‬
‫‪ -4‬التمثيل الجاد والكافي في مجالس الجزائر وفرنسا‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -5‬توزيع عادل ملوارد امليزانية على مختلف عناصر الجزائريين‪.‬‬
‫وقد وعدهم "بونكاريه" بالنظر في هذه املطالب‪ ،‬ووعدهم أيضا بإعفاء املجندين من الخضو‬
‫لقانون األهالي واملحاكم الردعية‪ ،‬وإعطائهم ميزات سياسية بعد تسريحهم‪ ،‬غير أن ظروف‬
‫‪2‬‬
‫الحرب العاملية األولى أجلت النظر في هذه الوعود‪.‬‬
‫مع كل هذا فقد شارك الجزائريون في الحرب‪ ،‬البعض منهم بمحض إرادتهم والبعض‬
‫اآلخر تحت الضغوطات الفرنسية‪ ،‬وبناءا على رأي بعض الكتاب الفرنسيين فإن جميع‬
‫الطبقات االجتماعية قد شاركت في الحرب واملتمثلة فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬جماعة النخبة وقد انضمت إلى جانب املشاة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أهل الجاه وشبان األسر الكبيرة إلى جانب فرق الخيالة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الرماة الذين كانوا قد دربوا بعناية كجنود مهنيين والذين كانوا يعملون وقت السلم‬
‫كعمال زراعيين‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أبناء األسر البسيطة الذين أذن لهم آباءهم أن يشاركون في الحرب محاولة منهم إيجاد‬
‫حال ملشاكلهم االقتصادية‪ ،‬وأخيرا الذين ليس لهم مأوى أو مهنة‪.‬‬
‫وانطالقا من هذا فقد شارك عدد معتبر من الجزائريين في الحرب العاملية األولى وصل‬
‫‪3‬‬
‫عددهم سنة ‪1916‬م حوالي ‪ 80‬ألف جندي و‪ 60‬ألف عامل‪.‬‬

‫‪ -1‬رابل بلعيد‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬العدد ‪ ،103‬الحلقة العاشرة‪.‬‬


‫‪ -2‬ص ووالع العق وواد‪ :‬املغ ةةرب العري ةةي ف ةةي ت ةةاريخ الح ةةديث واملعاص ةةر‪ ،‬ط‪ ،2‬املكتب ووة املص وورية‪ ،‬الق وواهرة‪،1993 ،‬‬
‫ص‪.289‬‬
‫‪ -3‬أبو القاسم سعد ‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.222‬‬
‫‪- 153 -‬‬
‫د‪ .‬سعدية بن حامد‬

‫وأخيرا فقد تمكنت فرنسا من اجتياز محنة الحرب العاملية األولى واالنتصار على عكس ما‬
‫خلفته من آثار سلبية على الجزائريين في شتى املجاالت‪ ،‬فقد بلغت اإلحصائيات سنة ‪1919‬م‬
‫حسب املجلة الفرنسية‪ :‬إفريقية الفرنسية من عدد الجزائريين املشاركين في الحرب العاملية‬
‫األولى‪:‬‬
‫الجنود ‪.177.000‬‬
‫العمال ‪.75.000‬‬
‫القتلى ‪.56.000‬‬
‫‪1‬‬
‫الجرحى ‪.82.000‬‬
‫إلى جانب هذا أفرزت الحرب العاملية األولى وضعا اقتصاديا مزريا للغاية في الجزائر‪ ،‬بسبب‬
‫قانون التجنيد اإلجباري الذي حرم املجتمع الجزائري من ألوف الشباب الجزائريين‪ ،‬الذين‬
‫كانوا يمثلون قبل الحرب العاملية األولى عامال اقتصاديا هاما‪ ،‬خاصة في املجال الزراعي هذا‬
‫من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى كانت الحرب العاملية األولى آثار إيجابية حفزت الجزائريون‪ ،‬على‬
‫االستمرار في مقاومة االستعمار الفرنس ي‪ ،‬خاصة بعد أن خذلتهم فرنسا بعدم وفائها‬
‫بوعودها‪ ،‬إضافة إلى عدم تطبيقها ملشاريعها اإلصالحية التي كانت بمثابة وسيلة لتهدئة‬
‫الوضع ليس إال‪ ،‬ولهذا بدأ الجزائريون في البحث عن زعامة لقيادتهم مواصلة الكفاح ضد‬
‫الفرنسيين‪ ،‬وفي هذه األثناء ظهرت شخصيات بارزة في الجزائر تبنت العمل السياس ي خالل‬
‫العشرينيات وعلى رأسها األمير خالد‪ 2‬عمال بما جاء في قانون ‪ 04‬فيفري ‪1919‬م والذي أعلنه‬

‫‪ -1‬إفريقيا الفرنسية‪ ،‬أوت ‪1919‬م‪ ،‬ص‪.221‬‬


‫‪ -2‬األميو وور خالو وود‪ :‬رجو وول سياس و و ي‪ ،‬ولو وود فو ووي ‪ 20‬فيفو ووري ‪ 1875‬بدمشو ووق ابو وون الهاشو وولي ابو وون األميو وور عبو وود القو ووادر‬
‫الجزائووري‪ ،‬انتقوول مووع والووده إلووى الجزائوور فووي سوونة ‪1892‬م‪ ،‬دخوول الكليووة العسووكرية الفرنسووية سنسووير‪ ،‬تخوورج‬
‫برتبووة مووالزم ثووم تربووى إلووى رتبووة نقيووب فووي سوونة ‪1907‬م‪ ،‬اسووتقال موون الجوويش الفرنس و ي سوونة ‪1910‬م‪ ،‬توووفي فووي‬
‫‪- 154 -‬‬
‫احتفاالت مئوية اإلحتالل الفرنس ي للجزائرقراءة في األسباب والنتائج‬

‫جورج كليمانصو‪ ،1‬والذي أتاح حق الترشع واالنتخاب‪.‬حاولت به فرنسا مكافئة الجزائريين‬


‫بعد انتصارها في الحرب العاملية األولى تمثلت في إصالحات ‪1919‬م‪ ،‬وذلك في إطار سياسة ذر‬
‫الرماد في األعين‪ ،‬وال سيما أن قانون إصالحات ‪ 04‬فيفري ‪1919‬م جاء كأنه يحمل الحلوة التي‬
‫تقدم كتلهية لألوالد الصغار واملتضمن ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬إعطاء الحق لبعض الطبقات للحصول على الجنسية الفرنسية بشرط طلبها والرضا‬
‫بالتخلي على القانون اإلسالمي‪ ...‬وبشرط معرفة اللغة الفرنسية‪.‬‬
‫‪ -2‬حق االنتخاب والترشع للمجالس البلدية والعمالية واملالية‪ ،‬وتقصير نسبة تمثيل‬
‫الجزائريين في هذه املجالس على الربع‪.‬‬
‫‪ -3‬الطبقة التي أعطاها هذا القانون حق االنتخاب والترشع ال ينالها قانون (األنديجينا)‬
‫إال في بعض املتشنيات مثل‪ :‬مخالفات ألقاب‪.‬‬
‫‪ -4‬لها حق وشراء واكتساب سالح الصيد وذخيرته مثل الفرنسيين ويدخل في ذلك حق‬
‫الحصول على بعض الوظائف في الدولة‪ ،‬ولكن ال يحق لهؤالء كلهم الحصول على‬
‫‪2‬‬
‫هذه الحقوق إال بالتخلي عن األحوال الشخصية اإلسالمية‪.‬‬

‫دمشووق فووي ‪ 20‬جووانفي ‪1936‬م‪ ،‬أنظوور‪ :‬بسووام العسوولي‪ :‬األميةةرخالةةد الهاشةةزي الجزائةةري‪ ،‬ط‪ ،2‬دار النفووا س‪،‬‬
‫بيروت‪ ،1984 ،‬ص ص ‪.94-92‬‬
‫‪ -1‬جووورج كليمانصووو‪ :‬رجوول دولووة وسياسو ي فرنسو ي موون مواليوود مووويرون (‪1929-1841‬م)‪ ،‬شووغل رأس الوووزارة‬
‫موورتين‪ ،‬لقووب بووالنمر وصووانع النصوور‪ ،‬بوودأ عملووه السياس و ي منووذ الثووورة الفرنسووية‪ ،‬حوورص طيلووة فتوورة حكمووه‬
‫وإدارته للحرب العاملية األولى على تأكيد املدنيين على العسكريين حتى في قضايا السلم والحرب‪ ،‬انظر‪ :‬عبد‬
‫الوه وواب الكيالل ووي‪ :‬موس ةةوعة السياس ةةة‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،5‬املؤسس ووة العربي ووة للدراس ووات والنش وور‪ ،‬بي ووروت‪،1990 ،‬‬
‫ص‪.13‬‬
‫‪ -2‬عبوود الوورحمن بوون إب وراهيم بوون العقووون‪ :‬الكفةةاح القةةومي والسيال ة ي مةةن خةةالل مةةذكرات معاص ةةر‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،1984 ،‬ص‪.72‬‬
‫‪- 155 -‬‬
‫د‪ .‬سعدية بن حامد‬

‫على الذين يجرى عليهم هذا القانون والذين بلغ عددهم في جميع القطر الجزائري نحو‬
‫أربعمائة ألف نسمة‪ ،‬يجب أن يحصلوا على املؤهالت اآلتية‪:‬‬
‫الضباط أو الجنود الذين خدموا في الجيش الفرنس ي‪.‬‬
‫معطوبو الحرب‪.‬‬
‫املالكون‪.‬‬
‫التجار‪.‬‬
‫املثقفون بالفرنسية وكذا ذوي الشهادات والحائزون على أوسمة واملوظفون‪.‬‬
‫أعضاء الغرفة التجارية والفالحية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫كل هؤالء ال يشترط أن يتجاوز عمرهم ‪ 25‬سنة‪.‬‬
‫ومن الحقائق الهامة عن قانون إصالحات ‪ 04‬فيفري ‪1919‬م‪ ،‬أنه أكد الحاجز بين‬
‫الجزائريين أنفسهم‪ ،‬بمعنى أنه بين نوعين من الجزائريين الرعايا واملواطنون الذين رضوا‬
‫بالدخول تحت أحكام القانون الفرنس ي‪ .‬إذن تعتبر هذه اإلصالحات نكسة على األهالي‪ ،‬وال‬
‫سيما أملهم من املشاركة في الحرب لتقرير مصيرهم‪ ،‬خاصة بعد الوعود الكاذبة التي كانت‬
‫تقدمها الحكومة الفرنسية في الوقت ذاته‪ ،‬كانت إصالحات ‪1919‬م غير مرغوب فيها من‬
‫طرف املعمرين فقابلوها بالرفض واعتبروها خطرا على مصالحهم وسلطتهم في الجزائر وكذا‬
‫وخيمة العواقب‪ ،‬فكال الطرفين الجزائريين واملعمرين سعيا إلى إفشال مفعولها والقضاء‬
‫عليها وهو ما يوحي بأن سياسة الفرنسة واإلدماج كانت ال تريد أن تترك لألهالي شيئا يتميزون‬
‫به عن األوروبيين‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد الرحمن بن إبراهيم ابن العقون‪ :‬املصدرالسابق‪ ،‬ص‪.73‬‬


‫‪- 156 -‬‬
‫احتفاالت مئوية اإلحتالل الفرنس ي للجزائرقراءة في األسباب والنتائج‬

‫ومنه فإن السياسة الفرنسية في الجوانب السالفة الذكر‪ ،‬قد اعتمدت على أسلوب‬
‫االضطهاد والقمع وإقصاء األهالي‪ ،‬الذين جعلت منهم عنصرا منبوذا في وطنه بمنظومة إدارية‬
‫وقانونية شرعت أساسا لخدمة مصلحة العنصر األوربي كاملة‪ ،‬ولم تراعي منل حتى الحد‬
‫األدنى من الحقوق السياسية واملدنية لألهالي الذين يشكلون األغلبية ويؤدون كل الواجبات‪.‬‬
‫‪ .3‬االحتفاالت املئوية الحتالل فرنسا للجزائر‪:‬‬
‫بحلول سنة ‪1930‬م كان قد مر على االحتالل الفرنس ي للجزائر قرن كامل ‪ ،‬وعوض أن‬
‫تقوم اإلدارة الفرنسية بمراجعة نفسها على ما قامت به من سياسة استدمارية وتحسين‬
‫ظروف السكان‪ ،‬راحت تنبش الجراح واستغلت في هذه املرة فرصة مرور قرن لتجعل منه‬
‫حربا نفسية وتحديا سافرا ملشاعر الجزائريين‪ ،1‬وأقامت احتفاالت ضخمة تخليدا لحدث‬
‫الغزو وتجديدا للجراح واملآس ي واملظالم واالنتهاكات‪ ،‬التي ارتكبوها ظلما وعدوانا في حق‬
‫الشعب الجزائري ومؤسساته‪ ،‬وتحديا ملشاعرها وجراحها وآالمها ومعاناتها وتأكيدا لعزمهم‬
‫على البقاء بقوة الحديد والنار‪ ،‬وبحسب الحقائق التاريخية فإن االستعدادات لالحتفال شر‬
‫‪2‬‬
‫مع بداية العشرينيات وانطلقت في ‪1930‬م ودعت إليها الدنيا كلها‪.‬‬
‫كان التحضير لهذه االحتفاالت بدقة‪ ،‬إذ بدأ الحاكم العام ستيغ ينشغل باملوضو منذ ‪14‬‬
‫ديسمبر ‪1923‬م ملا شكل لجنة تكلف بإعداد برنامج إحياء الذكرى املئوية الحتالل الجزائر‪،‬‬
‫ثم خلفه في مبادرته الحاكم فيوليت الذي كان يعتزم من ناحية سياسية أكثر لالحتفال‬
‫بتحرير الدول البربرية من الهيمنة التركية‪ ،‬بيد أن املندوبيات املالية كانت منشغلة بتحضير‬
‫مختلف املشاريع‪ ،‬التي اعتمدت كأساس لقانون ‪ 25‬مارس ‪1928‬م وتأسس بموجب هذا‬

‫‪ -1‬املركوز الوووطني للدراسووات والبحووث فووي الحركووة الوطنيووة وثووورة أول نوووفمبر ‪1954‬م‪ ،‬مجلووة املصووادر‪ ،‬العوودد‬
‫‪ ،19‬الجزائر‪ ،2009 ،‬ص‪.149‬‬
‫‪ -2‬عب وود الرش وويد زروق ووة‪ :‬جهة ةةاد ابة ةةن بة ةةاداس ضة ةةد االسة ةةتعمارالفرنسة ة ي فة ةةي الجزائة ةةر(‪1940-1913‬م)‪ ،‬دار‬
‫الشهاب‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1999 ،‬ص‪.123‬‬
‫‪- 157 -‬‬
‫د‪ .‬سعدية بن حامد‬

‫القانون مجلس أعلى للذكرى املئوية ومحافظ عام لها‪ ،‬وخصصت ‪ 40‬مليون فرنك مليزانية‬
‫أعياد الذكرى وارتفع إلى ‪ 93‬مليون فرنك‪ ،1‬واحتفلوا احتفاال صارخا وأكلوا وشربوا وعربدوا‬
‫واختلط حابلهم بنابلهم وأحيوا الليلة حتى الصباح‪ ،‬إضافة إلى مؤتمر كاثوليكي ديني‬
‫متعصب‪ ،‬جمعوا له القس والرهبان من كل مكان وارتفعت أصوات ضد الدين اإلسالمي‬
‫‪2‬‬
‫وضد العروبة وضد املدنية الساطعة‪.‬‬
‫‪Gaston‬‬ ‫وقد حضر رئيس الجمهورية الفرنسية شخصيا– قاسطون دو مريقو–‬
‫‪3‬‬
‫‪ ، -Doumergue‬و دعا إليها عدد كبير من رجال الدين املسيحيين من مختلف الدول‬
‫املسيحية في العالم‪ ،‬ليشهدوا حسب رأيهم غروب شمس اإلسالم في الجزائر كما غربت في‬
‫األندلس في املاض ي القريب و التي اتخذت صورة استفزازية بالنسبة ملشاعر الجزائريين‬
‫وأشعرتهم بالذل واملهانة وذكرتهم بمئات اآلالف من الشهداء‪ ،‬وقد دلت خطب املسؤولين‬
‫الفرنسيين على روح الصليبية املتطرفة التي يكنونها للعروبة واإلسالم‪ 4‬بقولهم‪« :‬إن عهد‬
‫الهالل في الجزائر قد عبر وأن عهد الصليب قد بدأ وأنه سيستمر إلى األبد»‪ ،5‬ويضيف آخر‪:‬‬

‫‪ -1‬ش ووارل روبي وور أجي وورون‪ :‬ت ةةاريخ الجزائ ةةراملعاص ةةرة‪ ،‬ط‪ ،2‬دي وووان املطبوع ووات الجامعي ووة‪ ،‬الجزائ وور‪،1986 ،‬‬
‫ص‪.641‬‬
‫‪ -2‬أحمد توفيق املدني‪ :‬حياة كفاح‪ ،‬ج‪ ،2‬دار البصائر‪ ،‬الجزائر‪ ،2008 ،‬ص ص ‪.153-152‬‬
‫‪ 3‬إبن العقون ‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 305‬‬
‫‪ -4‬رابوول تركووي‪ :‬الشةةيخ عبةةد الحميةةد ابةةن بةةاداس رائةةد اإلصةةالح اإلسةةالمي والتربيةةة فةةي الجزائةةر‪ ،‬ط‪ ،5‬طبعووة‬
‫خاصة‪ ،‬الجزائر‪ ،2001 ،‬ص‪.90‬‬
‫‪ -5‬محمووود قاسووم‪ :‬اإلمةةام عبةةد الحميةةد ابةةن بةةاداس الةةزعيم الروحةةي لحةةرب التحريةةرالجزائريةةة‪ ،‬ط‪ ،2‬دار‬
‫املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪- 158 -‬‬
‫احتفاالت مئوية اإلحتالل الفرنس ي للجزائرقراءة في األسباب والنتائج‬

‫«إن احتفالنا اليوم ليس احتفال بمرور مائة سنة على احتاللنا للجزائر ولكنه احتفال‬
‫‪1‬‬
‫بتشييع جنازة اإلسالم»‪.‬‬
‫وقد حضر االحتفال املئات من رجال الدين والقساوسة املسيحيين من شتى البلدان‬
‫األوروبية وأعلنوها صليبية من جديد‪ ،‬حيث صرح كبار األساقفة بالجزائر في خطاب ألقاه في‬
‫‪2‬‬
‫ذلك املؤتمر قال فيه‪« :‬إننا نحتفل اليوم بدخول املسيحية من جديد إلى إفريقيا الشمالية»‪.‬‬
‫أما البرنامج الذي سطرته فرنسا كان يحوي استعراضات ومحاضرات وألعاب وأفالم‬
‫ومطبوعات‪ ،‬حتى أنهم قدموا من بين االستعراضات واحدة يعيد كيفية دخول الجيش‬
‫الفرنس ي إلى العاصمة سنة ‪1830‬م بلباسه وأسلحته ومعداته وأنفق الفرنسيين في هذه‬
‫‪3‬‬
‫االحتفاالت حوالي ‪ 130‬مليون فرنك قديم‪.‬‬
‫وعبرت السلطات من خاللها عن بداية عهد جديد من االنتصارات في الجزائر‪ ،‬معتقدين‬
‫أنهم سيظلون فيها إلى األبد ورفعوا شعارات معادية للسالم معلنين أنهم قد افتتحوا الجزائر‬
‫عنوة وأنهم افتكوها من الحضارة اإلسالمية وأعادوها إلى الحضارة الرومانية‪ ،‬وكانوا من‬
‫خالل ذلك يضربون بيد من حديد محاوالت التنظيم السياس ي وخلقوا من حولهم جماعة من‬
‫بني وي وي‪ ،4‬وكان من املقرر أن تستمر هذه االحتفاالت ستة أشهر‪ ،‬لكن مقاطعة األهالي لها‬

‫‪ -1‬محمد بن ساعو‪ :‬جمعية العلماء املسلمين الجزائةريين والثةورة التحريريةة (‪1962-1954‬م)‪ ،‬دار األموة‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،2016 ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ -2‬محموود خيوور الوودين‪ :‬مةةذكرات الشةةيخ محمةةد خيةةرالةةدين‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،2‬مؤسسووة الضووجى‪ ،‬الجزائوور‪،2009 ،‬‬
‫ص‪.93‬‬
‫‪ -3‬عبد الرشيد زروقة‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.124‬‬
‫‪ -4‬سعد ‪ :‬الحركة الوطنية الجزائرية (‪1945-1930‬م)‪ ،‬ج‪ ،3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪- 159 -‬‬
‫د‪ .‬سعدية بن حامد‬

‫بسبب الشعور باإلهانة جعلها تتوقف بعد شهرين ألن الفرنسيين كما سبق وأن ذكرت كانوا‬
‫‪1‬‬
‫يحتفلون افتخارا بانتصار املسيحية على اإلسالم‪.‬‬
‫لم تكتف فرنسا ههذا القدر فقط‪ ،‬بل أقامت جدارا فوق كهف طبيعي صغير بضاحية‬
‫سيدي فرج‪ ،‬وعينت له وكيال من قدماء جنودها بدعوى أن ذلك هو ضريل سيدي فرج‪ ،‬وهو‬
‫في الحقيقة ما هو إال مغارة أحيت هها وثنية جرت عليها الدهور‪ ،‬كما أقامت حفل ديني في‬
‫‪2‬‬
‫املسجد األعظم وخطبوا من فوق منابره التي توالت عليه أقدام العلماء من قبل‪.‬‬
‫وقد كانت هذه االحتفاالت تتم في كل مدينة جزائرية حسب تاريخ احتاللها ‪ ،‬زيادة في‬
‫‪3‬‬
‫استفزاز وإثارة عواطف الجزائريين ‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن هذه االحتفاالت التي أدمت قلوب الجزائريين واستثارت مشاعرهم‪،‬‬
‫قد أثمرت الروح الدينية والوطنية والتي ظلت تتفاعل في نفوس الجزائريين منذ بداية‬
‫االحتالل ووحدت جهودهم‪ ،‬فازدادوا مناضلو نجم إفريقيا تطرفا ولجأ العلماء املصلحون إلى‬
‫خلق الجمعية‪ ،4‬فهذه األخيرة عجلت بضم صفوف املصلحين من رجال مدرسة التجديد‬
‫اإلسالمي وجمع شتاتهم في منظمة واحدة‪ ،‬وبذلك ظهرت جمعية العلماء املسلمين الجزائريين‬
‫‪5‬‬
‫كرد فعل على هذه االحتفاالت والتي ظهرت إلى الوجود في يوم ‪ 05‬ماي ‪1931‬م‪.‬‬

‫عبوود الكووريم بوصفصوواف‪ :‬جمعيةةة العلمةةاء املسةةلمين الجزائةةريين ودورهةةا فةةي تطةةور الحركةةة الوطنيةةة‬
‫الجزائرية (‪1945-1931‬م)‪ ،‬دار البعث‪ ،‬قسنطينة‪ ،1981 ،‬ص‪.89‬‬
‫‪ -2‬املدني‪ :‬حياة كفاح‪ ،‬ج‪ ،2‬املصدرالسابق‪ ،‬ص ص ‪.251-248‬‬
‫‪ 3‬إبن العقون ‪ ،‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 357‬‬
‫‪ -4‬عبد الكريم بوصفصاف‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ -5‬رابوول تركووي‪ :‬الشوويخ عبوود الحميوود ابوون بوواديس رائوود اإلصووالح اإلسووالمي والتربيووة فووي الجزائوور‪ ،‬املرجةةع السةةابق‪،‬‬
‫ص ‪93‬‬
‫‪- 160 -‬‬
‫احتفاالت مئوية اإلحتالل الفرنس ي للجزائرقراءة في األسباب والنتائج‬

‫كما عارضت الكثير من الحركات وعلى رأسها حركة نجم الشمال اإلفريقي ملبدأ االحتفال‬
‫القرني ودعوة الشعب ملقاطعة االحتفال‪ ،‬ودعوته إلى تنظيم حركة واسعة ضد اإلمبريالية‬
‫الفرنسية‪ ،‬كما جاءت دعوة الشيخ عبد الحميد بن باديس ملقاطعة هذه االحتفاالت‪ ،1‬وهذه‬
‫االحتفاالت خلفت أثر كبير على الحركة الوطنية‪ ،‬وما نتج عنها من تطور في الحركة اإلصالحية‬
‫وازدياد الروح النضالية بين أعضاء نجم شمال إفريقيا الشمالية‪ ،‬حتى أن بعض املؤرخين‬
‫الجزائريين قال‪...« :‬إن احتفال الفرنسيين بمرور قرن على احتاللهم أرض الجزائر قد قدم‬
‫‪2‬‬
‫القضية الجزائرية عشرين سنة على األقل»‪.‬‬
‫خاتمة ‪:‬‬
‫الظاهر أن هذه االحتفاالت املئوية الصاخبة الحتالل فرنسا للجزائر قد حملت‬
‫ذكرى أليمة في نفوس الجزائريين ‪ ،‬ذكرى مرور قرن بأكمله على اغتصاب املستعمرين الغالة‬
‫ألرض الجزائر ‪ ،‬حيث خصصت لها فرنسا إمكانات ضخمة ودعت لها العالم‪ ،‬تظهر من‬
‫خاللها مدى عظمة فرنسا وسيطرتها على الجزائر أو " املستعمرة الهادئة " كما كانت تصفها‬
‫دائما ‪ .‬وقد ساد هذا االحتفال في الجزائر العنصرية الحاقدة واإلمعان في إهانة وذل‬
‫الجزائريين‪ ،‬وإثارة عواطفهم الوطنية والدينية ‪ ،‬وإن ذلك يدل على طبيعة فرنسا االستعمارية‬
‫في فرض وتجسيد فكرة الجزائر الفرنسية والتمسك هها ‪.‬‬
‫ومن خالل ما ذكر آنفا أن هذه االحتفاالت املئوية بلغت ذروتها ليلة ‪ 05‬جويلية ‪1930‬م‬
‫‪ ،‬رغم معارضة النواب املسلمين لتجديدها ‪ ،‬حيث ظهر استياء كبير أبداه عدد هائل من‬
‫الجزائريين‪ ،‬وحتى املعجبين منهم بالحضارة الفرنسية ‪ ،‬ولكن آمال فرنسا خابت بسبب نشاط‬
‫العلماء ومنهم الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد البشير اإلبراهيلي اللذان كانا‬

‫‪ -1‬ابوون العقووون‪ :‬الكفةةاح القةةومي والسيال ة ي مةةن خةةالل مةةذكرات معاصةةر(‪1936-1920‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬املؤسسووة‬
‫الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،1984 ،‬ص‪.322‬‬
‫‪ -2‬عبد الكريم بوصفصاف‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪- 161 -‬‬
‫د‪ .‬سعدية بن حامد‬

‫باملرصاد‪ ،‬إذ استطاعا أن يفسدا على فرنسا فرحتها املئوية هذه التي انتظرتها طويال ‪ ،‬وهذا‬
‫بفضل دعايتهما السرية املوجهة إلى الجزائريين قصد مقاطعة االحتفاالت‪ ،‬وعدم اإلقبال على‬
‫مختلف النشاطات واملهرجانات والتظاهرات التي كانت مبرمجة في كل أنحاء الوطن ‪ ،‬وقد‬
‫كانت االستجابة كبيرة من طرف فئة عريضة من الجزائريين الذين لبوا الدعوة ‪.‬‬
‫و إن دل هذا على ش يء فإنه يدل على أن الشعب الجزائري قد بدأ يلتف حول املشرو‬
‫اإلصالحي‪ ،‬الذي يعود الفضل في وضع أسسه األولى للشيخ عبد الحميد ابن باديس والشيخ‬
‫محمد البشير اإلبراهيلي‪ .‬حيث ذا صيتهما في مختلف أنحاء القطر بفضل التالمذة والطلبة‬
‫الذين تخرجوا من املدارس التي أنشأها ‪.‬‬
‫إن هذه الهزيمة التي منيت هها االحتفاالت املئوية الفرنسية في الجزائر ‪ ،‬خير دليل على‬
‫نمو الوعي لدى الشعب الجزائري ‪ ،‬وتسرب األفكار اإلصالحية إليه ‪ ،‬إذ حدث عكس ما كانت‬
‫فرنسا تتوقعه من تلك االحتفاالت ‪.‬‬

‫‪- 162 -‬‬


‫احتفاالت مئوية اإلحتالل الفرنس ي للجزائرقراءة في األسباب والنتائج‬

‫قائمة املصادرواملراجع ‪:‬‬

‫‪ )1‬عبد الرحمن بن إبراهيم ابن العقوون‪ :‬الكفاح القومي والسيال ي مةن خةالل مةذكرات معاصةر(‪-1920‬‬
‫‪1936‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪.1984 ،‬‬
‫‪ )2‬أبو القاسم سعد ‪ :‬الحركة الوطنية الجزائرية ‪1930-1900‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ط‪ ،3‬املؤسسوة الوطنيوة للنشور‬
‫والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪1983 ،‬م‬
‫‪ )3‬أحمد توفيق املدني‪ :‬حياة كفاح‪ ،‬ج‪ ،2‬دار البصائر‪ ،‬الجزائر‪.2008 ،‬‬
‫‪ )4‬بسام العسلي‪ :‬األميرخالد الهاشزي الجزائري‪ ،‬ط‪ ،2‬دار النفا س‪ ،‬بيروت‪.1984 ،‬‬
‫‪ )5‬رابوول بلعيوود‪ :‬رسةةالة األطلةةس كتةةاب املسلسةةل تةةاريخ الجزائةةرالحةةديث واملعاصةةر‪ ،‬العوودد ‪ ،102‬الحلقووة‬
‫التاسعة‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )6‬رابوول تركووي‪ :‬الشةةيخ عبةةد الحميةةد ابةةن بةةاداس رائةةد اإلصةةالح اإلسةةالمي والتربيةةة فةةي الجزائةةر‪ ،‬ط‪ ،5‬طبعووة‬
‫خاصة‪ ،‬الجزائر‪.2001 ،‬‬
‫‪ )7‬أبو القاسم سعد ‪ :‬الحركة الوطنية الجزائرية (‪1945-1930‬م)‪ ،‬ج‪ ،3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪ )8‬صالع العقاد‪ :‬املغرب العريي في تاريخ الحديث واملعاصر‪ ،‬ط‪ ،2‬املكتبة املصرية‪ ،‬القاهرة‪.1993 ،‬‬
‫‪ )9‬عبوود الوورحمن بوون إب وراهيم بوون العقووون‪ :‬الكفةةاح القةةومي والسيال ة ي مةةن خةةالل مةةذكرات معاصةةر‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪.1984 ،‬‬
‫‪ )10‬عبوود الرشوويد زروقووة‪ :‬جهةةاد ابةةن ب ةةاداس ضةةد االسةةتعمارالفرنس ة ي فةةي الجزائ ةةر(‪1940-1913‬م)‪ ،‬دار‬
‫الشهاب‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1999 ،‬‬
‫‪ )11‬عبوود الكووريم بوصفصوواف‪ :‬جمعيةةة العلمةةاء املسةةلمين الجزائةةريين ودورهةةا فةةي تطةةور الحركةةة الوطنيةةة‬
‫الجزائرية (‪19311945‬م)‪ ،‬دار البعث‪ ،‬قسنطينة‪.1981 ،‬‬
‫‪ )12‬عبد الوهاب الكياللوي‪ :‬موسةوعة السياسةة‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،5‬املؤسسوة العربيوة للدراسوات والنشور‪ ،‬بيوروت‪،‬‬
‫‪.1990‬‬
‫‪ )13‬عمووار بوحووو ‪ :‬التةةاريخ السيال ة ي للجزائةةرمنةةذ البدايةةة ولغايةةة ‪1962‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الغوورب اإلسووالمي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.1997 ،‬‬
‫‪ )14‬فرحات عباس‪ :‬حرب الجزائروثورتها‪-‬ليل االستعمار‪ ،‬تر‪ :‬أبو بكر رحال‪ ،‬مطبعة فضالة‪ ،‬املحمدية‪،‬‬
‫املغرب‪.1962 ،‬‬
‫‪ )15‬محموود ب وون سوواعو‪ :‬جمعي ةةة العلم ةةاء املس ةةلمين الجزائ ةةريين والث ةةورة التحريري ةةة (‪1962-1954‬م)‪ ،‬دار‬
‫األمة‪ ،‬الجزائر‪.2016 ،‬‬
‫‪ )16‬محمد خير الدين‪ :‬مذكرات الشيخ محمد خيرالدين‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،2‬مؤسسة الضجى‪ ،‬الجزائر‪.2009 ،‬‬

‫‪- 163 -‬‬


‫د‪ .‬سعدية بن حامد‬

‫‪ )17‬محمود قاسم‪ :‬اإلمام عبد الحميةد ابةن بةاداس الةزعيم الروحةي لحةرب التحريةرالجزائريةة‪ ،‬ط‪ ،2‬دار‬
‫املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ )18‬املرك ووز ال وووطني للدراس ووات والبح ووث ف ووي الحرك ووة الوطني ووة وث ووورة أول ن وووفمبر ‪1954‬م‪ ،‬مجل ووة املص ووادر‪،‬‬
‫العدد ‪ ،19‬الجزائر‪.2009 ،‬‬

‫‪- 164 -‬‬

You might also like