Fateh 429496

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 68

‫حركة فـتـح‬

‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪430‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪431‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫اندالع املواجهات – ‪1973‬م‪:‬‬

‫بعد �أن نفذت جمموعة من القوات الإ�رسائيلية اخلا�صة عملية فردان يوم ‪1973/4/10‬م‬
‫وا�ست�شهاد القادة الثالثة‪� ،‬إتهم رئي�س احلكومة �صائب �سالم(‪ )1‬اجلي�ش اللبناين ب�إهمال واجبه‬
‫يف الدفاع عن العا�صمة‪ ،‬وقدم �إ�ستقالة حكومته‪ ،‬و�أبلغ رئي�س اجلمهورية �سليمان فرجنية‬
‫ب�أن ال�سلطات اللبنانية غري قادرة على �ضمان حماية خميمات الالجئني‪ .‬وانزعجت الأحزاب‬
‫وامللي�شيات الإنعزالية من حجم امل�شاركني يف ت�شييع جنازة ال�شهداء الثالثة يف بريوت‪ ،‬والذين‬
‫زاد عددهم عن ربع مليون �شخ�ص‪� ،‬إ�ضافة للم�سريات والتظاهرات الأخرى التي انطلقت يف املدن‬
‫والبلدات اللبنانية‪ ،‬و�شنت الأحزاب الإنعزالية حملة �إعالمية ويف املحافل الر�سمية مطالبة ب�إلغاء‬
‫�إتفاقية القاهرة وطالبت ب�إزالة الأ�سلحة الثقيلة من املخيمات‪.‬‬
‫ويف خطوة ت�صعيدية اعتقل اجلي�ش اللبناين يف ‪1973/4/30‬م ثالثة من �أع�ضاء اجلبهة‬
‫الدميقراطية يف بريوت‪ ،‬لكونهم يحملون �أ�سلحة غري مرخ�صة‪ ،‬وردت اجلبهة يف ‪1973/5/1‬م‬
‫باختطاف جنديني لبنانيني‪ ،‬الأمر الذي �أ�شاع �أجواء من التوتر واال�ستنفار‪ .‬فقام اجلي�ش‬
‫اللبناين بحملة ع�سكرية كبرية بتاريخ ‪1973/5/2‬م وبد�أ بتطويق خم�سة خميمات يف بريوت‬
‫مطالبا ب�إطالق �رساح اجلنديني‪ ،‬وعندما انتهت املدة املحددة فتح نريانه على املخيمات‪ .‬ومن‬
‫جهتها اعتربت (م‪.‬ت‪.‬ف) �أن جهات لبنانية ا�ستغلت حادثة اخلطف كذريعة ل�شن هجوم على‬
‫املخيمات‪ ،‬ومع ذلك �إعتربت �أن اجلبهة الدميقراطية م�س�ؤولة جزئيا عن الأزمة‪ ،‬و�أجربتها على‬
‫�إعادة اجلنديني‪� ،‬إال �أن اجلي�ش مل يوقف هجومه و�أعلن حظر التجول يف معظم �أنحاء لبنان‪،‬‬
‫وا�ست�أنف �إطالق النار يف ‪1973/5/3‬م و�أعلن الرئي�س �سليمان فرجنية وحتالفه االنعزايل‬
‫املعادي لـ(م‪.‬ت‪.‬ف)‪ ،‬وكذلك قيادة اجلي�ش �أنهما ي�سعيان لإ�ستبدال �إتفاقية القاهرة ب�أخرى ت�ضع‬
‫الفدائيني وخميمات الالجئني حتت �سيطرة احلكومة اللبنانية‪.‬‬
‫‪� 1‬صائب �سالم‪ :‬زعيم �إ�سالمي �سني‪ ،‬ولد عام ‪1905‬م يف لبنان‪ ،‬بد�أ ن�شاطه ال�سيا�سي عام ‪1936‬م‪ ،‬قاوم االنتداب الفرن�سي‪،‬‬
‫انتخب ع�ضوا يف الربملان يف ‪1943‬م بعد عام من ح�صول لبنان على �إ�ستقالله‪ ،‬وعني وزيرا يف ‪1946‬م‪ ،‬تولى رئا�سة الوزراء‬
‫عدة مرات بني ‪1973–1952‬م‪ ،‬قدم �إ�ستقالته عام ‪1956‬م بعد مناورة احلكم اللبناين يف مواجهة العدوان الثالثي على‬
‫م�صر‪ ،‬وقاد املعار�ضة مل�شروع ايزنهاور وحلف بغداد‪ ،‬ثم �شكل جبهة الإحتاد الوطني �إبان حكم الرئي�س كميل �شمعون‪،‬‬
‫ويف �أثناء احلرب الأهلية اللبنانية طرح �شعار «ال غالب وال مغلوب» وعرف مبنا�صرته للق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬بوفاته خ�سر‬
‫لبنان �شخ�صية بارزة من حقبة ا�ستقالل لبنان ( ويكيبيديا املو�سوعة احلرة)‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪432‬‬
‫بد�أ حترك اجلي�ش اللبناين القتحام املخيمات الفل�سطينية خا�صة منطقة الفاكهاين و�صربا‬
‫و�شاتيال واجلامعة العربية وبرج الرباجنة حيث مت التقدم من حمور املطار و�صو ًال �إىل مدخل‬
‫برج الرباجنة‪ ،‬وهناك واجهته قوات الثورة وقوى لبنانية حليفة عرقلت تقدمه‪ ،‬وقد كان لقوات‬
‫الـ‪� 17‬رسية يف برج الرباجنة غالبيتها من جرحى حركة فتح‪ ،‬وكانت بقيادة النقيب را�سم الغول‪،‬‬
‫وخالل املواجهات ا�ست�شهد من هذه ال�رسية (ثمانية مقاتلني) و�سقط عدد من اجلرحى‪ ،‬وعندما‬
‫حاولت قوات اجلي�ش اللبناين التقدم جوبهت مبقاومة عنيفة من قبل جميع ف�صائل املقاومة‬
‫الفل�سطينية‪ ،‬بامل�شاركة مع قوات احلركة الوطنية اللبنانية‪ ،‬خا�صة (قوات املرابطني)‪ ،‬ون�شبت‬
‫معارك عنيفة على مداخل ذلك املربع حيث و�ضعت الكمائن لقوات اجلي�ش التي اندفعت �إىل منطقة‬
‫مك�شوفة‪ ،‬ذلك �أن الكثري من البنايات حينذاك مل تكن مكتملة البناء من دوار الكوال وحتى املدينة‬
‫الريا�ضية كان هناك منا�ضلون لبنانيون نعرفهم ب�أ�سمائهم يف املنطقة يقودهم علي �أبو طوق‪ .‬وقد‬
‫تكبدت قوات اجلي�ش خ�سائر قبل االن�سحاب وهنا �أ�سجل للأخ املنا�ضل مروان جامو�س �أبو ذراع‬
‫وهو مقاتل فتحاوي جريء خا�ض العديد من املعارك وتوىل م�س�ؤوليات خمتلفة برهن من خاللها‬
‫على قدرته و�سعة �أفقه والتزامه ووعيه وان�ضباطه و�إدارته الناجحة لكل املهمات التي كلف‬
‫بها الذي كان يعمل يف الإقليم وم�س�ؤوال عن م�ستودع الت�سليح فيه‪ ،‬حيث قام بفتح امل�ستودعات‬
‫وتوزيع ال�سالح املوجود على قواتنا مما عزز �صمودنا‪.‬‬
‫وتعر�ضت التعزيزات الع�سكرية للجي�ش اللبناين التي متركزت على مثلث خلده(‪)2‬لقطع‬
‫الطريق بريوت – اجلنوب‪ ،‬لهجمات مكثفة من قوات املقاومة وقوات احلركة الوطنية‪ ،‬و�شاركنا‬
‫يف الهجوم ب�إر�سال ف�صيل مع �سيارتني حممولتني من قوات الـ‪ ،17‬مما اجربها على �إخالء‬
‫مواقعها‪ .‬وكانت نتيجة الإ�شتباك �أن �أ�ست�شهد من طرفنا �ستة مقاتلني على ر�أ�سهم املالزم �أول‬
‫(بعجر)‪ ،‬يف حني متركزت باقي قواتنا يف النفق املوجود ما بني البحر وم�صنع �شمعون‪ ،‬وخالل‬
‫القتال الليلي �أ�رست هذه القوة �أحد جنود اجلي�ش و�أح�رضته �إىل مقر قواتنا‪ ،‬وكان على ر�أ�س تلك‬
‫القوة املالزم نبيل اللول واملالزم �سعيد مهران‪.‬‬

‫‪ 2‬مثلث خلده هو مفرتق طرق املدخل اجلنوبي لبريوت‪ ،‬عندما يبد�أ طريق بريوت – �صيدا – �صور �إلى اجلنوب‪ ،‬ومنه‬
‫يتفرع طريق جبلي يتجه �شرقا �إلى بلدة عاليه على طريق بريوت – دم�شق‪ ،‬واحتل هذا الطريق اجلبلي �أهمية حيوية منذ‬
‫�أيام احلرب الأهلية عندما �سيطرت قوات الكتائب على مداخل طريق بريوت – دم�شق الدويل‪ ،‬وحتول الطريق اجلبلي‬
‫الفرعي �إلى طريق رئي�سي ومل يعد هناك �أي طريق يو�صل �إلى اجلبل �أو �إلى مدينة عاليه �سوى هذا الطريق اجلبلي‬
‫ال�ضيق‪ ،‬لذلك كان اال�ستيالء على مثلث خلده التحكم يف هذا الطريق و�إحكام احل�صار على مدينة بريوت‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪433‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫وا�صل اجلي�ش اللبناين هجمات الدروع وامل�شاة على املخيمات‪ ،‬ثم �أ�رشك �سالح اجلو يف‬
‫العمليات احلربية‪ ،‬وا�ستوىل على خميم �ضبية‪ ،‬مما دفع القوات الفل�سطينية �إىل الدفاع عن‬
‫النف�س‪ ،‬وا�ستمر القتال حتى �أعلن اجلي�ش تعليق عملياته الع�سكرية يوم ‪1973/5/5‬م‪ ،‬حني‬
‫هدد رئي�س احلكومة �أمني احلافظ الذي خلف حكومة �صائب �سالم بتقدمي �إ�ستقالته �أي�ض ًا‪ ،‬وبعد‬
‫وقف العمليات الع�سكرية انت�رشت حالة من الفزع داخل اجلي�ش ب�سبب �إحالة (‪� 18‬ضابط ًا‬
‫وطيار ًا) �إىل حماكمة ب�سبب عدم �إطاعتهم الأوامر بق�صف خميمات الفل�سطينيني وتخريب‬
‫الأ�سلحة الثقيلة ملنع �إ�ستخدامها �ضد الثورة الفل�سطينية‪.‬‬
‫يذكر �أن قوى ع�سكرية و�سيا�سية لبنانية راف�ضة التفاقية القاهرة‪� ،‬ضمت رئي�س اجلمهورية‬
‫�سليمان فرجنية وقائد اجلي�ش واالنعزاليني‪ ،‬كانت قد خططت القتحام املخيمات �إال �أنها فوجئت‬
‫باملقاومة ال�رش�سة للقوات الفل�سطينية والقوى اللبنانية املتحالفة معها‪ ،‬من مفرق الكوال وحتى‬
‫مدخل املدينة الريا�ضية‪ .‬وك�شف عجز اجلي�ش اللبناين عن حتقيق هذا املخطط جد ًال وا�سعا‬
‫على كل امل�ستويات يف لبنان‪ ،‬حيث خل�صت الأطراف املعادية للثورة الفل�سطينية يف لبنان ب�أن‬
‫اجلي�ش اللبناين لي�س مبقدوره �إنهاء املقاومة الفل�سطينية و�أن �إعادة تدريبه وت�سليحه وبنائه‬
‫على �أ�س�س جديدة قد ت�ستغرق �سنوات‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن تركيبة اجلي�ش متناق�ضة نظرا للرتكيبة‬
‫الطائفية التي جتعله خمتلفا عن جيو�ش العامل وقد ت�ؤدي �إىل االنق�سام‪ .‬واتفقت الأطراف املعادية‬
‫للثورة الفل�سطينية يف لبنان على اعتماد امللي�شيات اخلا�صة يف القتال �ضد القوات الفل�سطينية‪،‬‬
‫بالإ�ضافة �إىل اجلي�ش‪ .‬وجرى ذلك يف اجتماعات بني رئي�س اجلمهورية �سليمان فرجنية وقائد‬
‫اجلي�ش العماد �إ�سكندر غامن‪ ،‬وعدد من قيادات حزب الكتائب على ر�أ�سهم بيري اجلميل‪ .‬ثم متت‬
‫اجتماعات �أخرى بني بيري اجلميل وكميل �شمعون‪ ،‬واتفق على تذليل العقبات الأربع التي قيل‬
‫�أنها تعرت�ض جتهيز امللي�شيات وهي التمويل والت�سليح والتدريب واملوارد الب�رشية(‪.)3‬‬
‫ال�صدام املحتوم على الأر�ض اللبنانية‪:‬‬
‫بعد �أن برهنت الثورة الفل�سطينية على قدراتها الع�سكرية يف حرب �أكتوبر ‪1973‬م �إىل جانب‬
‫اجلي�شني امل�رصي وال�سوري انعك�ست هذه النتائج على ن�شاطاتها يف متابعة العمليات الفدائية‬

‫‪ 3‬اعرتف الرئي�س �أمني اجلميل ك�شاهد على الع�صر على اجلزيرة ‪2009/12/12‬م �أن‪ :‬ا�شتباكات ‪1973‬م بني اجلي�ش اللبناين‬
‫واملقاومة الفل�سطينية كانت �أخطر من ا�شتباكات ‪1975‬م‪ ،‬يف �إ�شارة �إلى ف�شل اجلي�ش اللبناين يف اقتحام املخيمات والق�ضاء على‬
‫املقاومة الفل�سطينية‪ ،‬ولذلك بد�أت مرحلة عدم االتكال على اجلي�ش وبناء امللي�شيات الإنعزالية لتكون البديل يف خمطط الت�آمر‬
‫على الوجود الفل�سطيني يف لبنان‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪434‬‬
‫بعد وقف �إطالق النار حيث بقيت البندقية الفل�سطينية م�رشعة يف وجه العدو وتنامت العالقة‬
‫الن�ضالية بني الثورة الفل�سطينية وقوى حركة التحرير الوطني العربي والعاملي‪ ،‬كما تالحمت‬
‫مع اجلماهري اللبنانية ذات التوجهات القومية والدميقراطية والتحررية‪ .‬ويف املقابل فقد كثف‬
‫العدو وجوده على احلدود اللبنانية الفل�سطينية وجعل ت�سلل الدوريات �إىل الأر�ض املحتلة �أكرث‬
‫�صعوبة‪ ،‬لهذا �سلكت الدوريات طريق البحر لبلوغ �أهدافها و�ص ّعدت العمل الع�سكري يف الداخل‪،‬‬
‫وجل�أت �إىل ت�صعيد العمليات الفدائية بغية حت�سني مردود وفاعلية الدوريات اخلارجية املحدودة‬
‫التي تتمكن من الت�سلل �إىل عمق الأرا�ضي املحتلة‪.‬‬
‫وكثفت الآلة الع�سكرية الإ�رسائيلية عملياتها االنتقامية �ضد قواعد الثورة وخميمات الالجئني‬
‫والقرى واملدن اللبنانية ردا على ت�صاعد العمليات الفدائية الفل�سطينية يف العام ‪ 1974‬الذي‬
‫�سمي عام “العمليات الفدائية”‪ .‬وكان الهدف الإ�رسائيلي من وراء ت�صعيد عملياته االنتقامية‬
‫رفع الروح املعنوية داخل �إ�رسائيل وتخفيف حدة التناق�ضات واالنتقادات التي ظهرت ب�سبب‬
‫�إخفاق اجلي�ش الإ�رسائيلي يف حرب �أكتوبر ‪1973‬م من خالل الرتكيز على حماوالت تدمري‬
‫اجلهاز الع�سكري للثورة الفل�سطينية و�إحلاق خ�سائر كبرية ب�سكان املخيمات خللق عامل �ضغط‬
‫معنوي على قيادة الثورة‪ .‬كما �سعت �إ�رسائيل �إىل ف�صل االرتباط بني اللبنانيني والفل�سطينيني‪،‬‬
‫ودفع الطرفني �إىل �صدام م�سلح‪ ،‬وهو هدف قدمي ما برحت �إ�رسائيل ت�سعى �إىل حتقيقه‪ ،‬فتح�صل‬
‫بذلك عملي ًا من طريق ا�ستنزاف القدرات الع�سكرية وال�سيا�سية الفل�سطينية على وقف �إطالق‬
‫النار يف اجلبهة الوحيدة‪ ،‬التي ما فتيء القتال دائرا فيها‪� ،‬إذ �أن معارك داخلية كهذه متنع ت�صاعد‬
‫العمليات يف املناطق املحتلة‪ ،‬وعلى خطوط وقف اطالق النار‪.‬‬
‫وظل اجلنوب اللبناين اجلبهة الوحيدة امل�شتعلة مع �إ�رسائيل‪ ،‬بعد توقيع اتفاقية فك االرتباط‬
‫على اجلبهة ال�سورية يف ‪1974/5/31‬م‪ ،‬ولذلك �سعت احلكومة اللبنانية �إىل احل�صول على‬
‫�ضمانات جديدة من الدول الكربى يف مواجهة احتمال احتالل �إ�رسائيل للجنوب‪ ،‬بدعوى حتطيم‬
‫القواعد الفدائية‪ .‬ويبدو �أن لبنان جنح يف التو�صل �إىل تفاهم من هذا النوع مع الواليات املتحدة‬
‫الأمريكية �إثر زيارة هرني كي�سنجر يف ‪1973/12/16‬م على �أال تخ�ضع الأرا�ضي اللبنانية‬
‫ملفاو�ضات م�ؤمتر جنيف لل�سالم‪.‬‬
‫�إال �أن هذا التفاهم مل ينجح يف وقف االعتداءات الإ�رسائيلية املتكررة‪ ،‬فلج�أت ال�سلطات‬
‫اللبنانية �إىل حماولة احل�صول على دعم عربي‪ ،‬وا�ستجابت الدول العربية ودعت �إىل عقد جمل�س‬
‫الدفاع العربي امل�شرتك بالقاهرة يف ‪1974/6/5‬م ورف�ض لبنان العر�ض الذي تقدمت به الدول‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪435‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫العربية لتقدمي م�ساعدات �أو وجود قوات عربية‪ ،‬كما رف�ضت املطالب الفل�سطينية �رشاء �أ�سلحة‬
‫متطورة للدفاع‪ ،‬وبررت موقفها ب�أن الت�سلح الكثيف �سيعطي �إ�رسائيل ذريعة لبدء هجوم رادع‬
‫على لبنان واحتالل جنوبه‪ ،‬وطالبت الدول العربية‪� ،‬أن ت�ستخدم نفوذها ال�سيا�سي واالقت�صادي‬
‫لإقناع الغرب بال�ضغط على �إ�رسائيل لوقف غاراتها‪.‬‬
‫ووفق هذا املنطق كان ال�صدام على الأر�ض اللبنانية �أمر َا حمتم ًا‪ ،‬وقد وعت الثورة هذه‬
‫احلقيقة يف الأ�شهر الأوىل من عام ‪1974‬م‪ ،‬عندما تكاثرت امل�ؤ�رشات التي تدل على �أن املواقف‬
‫املعلنة وغري املعلنة ت�شري �إىل عزل م�رص و�إخراجها من دائرة ال�رصاع مع �إ�رسائيل‪ ،‬وزاد من‬
‫قناعة الثورة بحتمية االنفجار احلملة الإعالمية التي قادتها القوى اللبنانية الإنعزالية �ضد‬
‫الوجود الع�سكري الفل�سطيني يف لبنان‪ ،‬و�ضد القوى اللبنانية الوطنية امل�ؤيدة للثورة الفل�سطينية‪،‬‬
‫ورفعت تلك القوى الإنعزالية �شعار (ال�سيادة والأمن) مع الرتكيز على التجاوزات والأخطاء‪،‬‬
‫وكان كل ذلك دافع ًا للتحري�ض والتعبئة النف�سية ا�ستعداد ًا لعمل م�ضاد �ضد الوجود الفل�سطيني‪.‬‬

‫اغتيال معروف �سعد‪:‬‬


‫كان لبنان مطلع عام ‪1975‬م يعاين من �أزمة �سيا�سية ذات جذور‪ ،‬اجتماعية واقت�صادية‬
‫وتاريخية عميقة‪ ،‬و�إن �أخذت وجه ًا طائفي ًا؛ �إذ اقت�ضت م�صلحة الكيان ال�سيا�سي يف لبنان‪ ،‬ذي‬
‫النظام الطائفي‪ ،‬االنخراط االقت�صادي الكبري يف العامل العربي‪ ،‬ويف الوقت نف�سه‪ ،‬الإنعزال‬
‫ال�سيا�سي الكبري عن ق�ضاياه و�رصاعاته‪ .‬وا�ستطاعت االنعزالية اللبنانية‪ ،‬وال �سيما حزب‬
‫الكتائب‪� ،‬أن تفر�ض هذه العزلة على لبنان‪ ،‬و�أن جتعل مواقفه ال�سيا�سية مت�سمة باحلياد‬
‫ال�سلبي‪ ،‬و�أن تن�أى به‪� ،‬إىل ح ّد بعيد‪ ،‬عن االنتفا�ضات‪ ،‬التحررية واالجتماعية‪ ،‬التي �شهدها العامل‬
‫العربي‪ ،‬ق ْبل عام ‪ .1967‬وعلى الرغم من وجود بع�ض الظواهر‪ ،‬الوطنية �أو التحررية‪ ،‬يف لبنان‪،‬‬
‫�إال �أنه �أمكن الكيان اللبناين �أن ميت�صها‪ ،‬من دون حدوث تغيريات داخلية عميقة‪ ،‬داخل هذا‬
‫الكيان‪ .‬فالتناق�ضات االجتماعية املتعددة يف لبنان‪ ،‬ومن �أبرزها التخلف الذي كان �سائد ًا يف‬
‫جنوبي لبنان‪ .‬فبينما تتمركز امل�صالح االقت�صادية يف العا�صمة‪ ،‬ترت ّدى الأو�ضاع االقت�صادية‬
‫واالجتماعية يف اجلنوب‪ .‬وبينما ت�شهد العا�صمة منو ًا وازدهار ًا‪ ،‬يف كافة املجاالت‪ ،‬يعاين اجلنوب‬
‫و�أهله احلرمان‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪436‬‬
‫و�شهد لبنان‪ ،‬ق َبيل حربه الأهلية‪ ،‬حت ّو ًال اجتماعي ًا كبري ًا‪ .‬جتلى يف منو قوى طفيلية‬
‫ور�أ�سمالية‪ ،‬عديدة‪ ،‬وتدهور �أو�ضاع الطبقة الو�سطى‪ ،‬وا�ضطرابات طالبية وعمالية‪ ،‬عنيفة‪،‬‬
‫وا�ست�رشاء الغالء‪ ،‬وظهور قوى اجتماعية وتقدمية‪ ،‬جديدة‪ ،‬ر�أت يف التغيري االجتماعي عالج ًا‬
‫لأو�ضاع لبنان وم�شاكله‪ .‬لكن هذه التغيريات‪ ،‬مل تكن وا�ضحة لبع�ض القوى اليمينية يف لبنان‪.‬‬
‫انفجر هذا ال�رصاع الطبقي �صباح ‪1975/2/26‬م (بني �أغنياء امل�سيحيني الذين قاتلوا‬
‫فقراء امل�سلمني)‪ ،‬عندما انطلقت مظاهرة �صيادي الأ�سماك يف مدينة �صيدا بقيادة النائب اللبناين‬
‫«معروف �سعد»(‪ )4‬احتجاج ًا على الرتخي�ص الذي منحته ال�سلطات اللبنانية ل�رشكة «بروتني»‬
‫التي ير�أ�س جمل�س �إدارتها الرئي�س اللبناين ال�سابق كميل �شمعون ويق�ضي مبنح ال�رشكة احتكار‬
‫�صيد ال�سمك على ال�شاطئ اللبناين لـ‪ 99‬عاما‪ .‬ومن اجلدير بالذكر ف�إن الطائفة املارونية كانت‬
‫ت�سيطر على االقت�صاد اللبناين‪� ،‬أما «بروتيني» فهي �رشكة لبنانية ير�أ�س جمل�س �إدارتها الرئي�س‬

‫‪ 4‬ولد معروف �سعد يف �صيدا �سنة ‪1910‬م‪ ،‬وبد�أ درا�سته يف مدر�سة الفنون الإجنيلية وتخرج منها �سنة ‪ 1929‬م ثم‬
‫عمل ‪1937 – 1930‬م يف جمال التعليم بني لبنان و�سوريا وفل�سطني‪ ،‬و�شارك �سنة ‪ 1936‬م يف املقاومة الوطنية �ضد‬
‫خمططات االنتداب الربيطاين يف فل�سطني‪ ،‬حيث كان االت�صال يتم بينه وبني مفتي فل�سطني احلاج �أمني احل�سيني‪،‬‬
‫�ساهم مع جمموعة من اللبنانيني يف �شراء الأ�سلحة ونقلها �إلى فل�سطني‪ ،‬ثم �سافر �إلى م�صر حيث عمل على �إن�شاء‬
‫جمموعات مقاومة للدخول يف حرب فل�سطني‪ ،‬و�شارك يف معارك املالكية‪ ،‬قد�س‪ ،‬الهراوي‪ ،‬النبي يو�شع‪ ،‬ومعروف‬
‫�أن ال�صهاينة تكبدوا خ�سائر كبرية يف معركة املالكية‪ .‬ا�صطدم يف معركة كبرية مع �سلطة االنتداب‪� ،‬إذ اقتحم املقر‬
‫الرئي�س للدرك �سنة ‪1936‬م واعتقل‪ ،‬و�أطلق �سراحه �سنة ‪ 1937‬م‪ ،‬ثم �أعيد اعتقاله �سنة ‪ 1940‬م‪ ،‬وبقي معتقال حتى‬
‫�أواخر ‪1944‬م‪ ،‬بعد خروجه من ال�سجن �أ�صبح ناظر ًا داخلياً لكلية املقا�صد الإ�سالمية يف �صيدا من ‪1949 – 1946‬م‪،‬‬
‫و�أ�سهم يف ت�أ�سي�س عدد من الأندية الثقافية والريا�ضية‪ ،‬ثم يف ‪1949‬م عمل مفو�ضاً يف ال�شرطة‪ ،‬ثم تر�شح لالنتخابات‬
‫النيابية عن �صيدا وفاز فيها وبقي كذلك حتى عام ‪1972‬م‪ ،‬بعد دخوله الربملان واظب على تبنيه ق�ضايا اجلماهري‬
‫والفقراء وال�صيادين واملزارعني والعمال‪ ،‬ف�أخذت ال�سلطة حتاربه ب�شتى الو�سائل كي ت�سقطه يف االنتخابات النيابية‪،‬‬
‫لكن حماوالتها باءت بالف�شل مما حدا بخ�صومه ال�سيا�سيني لالعرتاف ب�أن النيابة كانت تزحف نحو معروف �سعد‬
‫ومل يزحف هو �إليها‪ ،‬ويف هذا دليل على �صدق الرجل وحمبة اجلماهري �إليه‪ ،‬قاد يف �أثناء ذلك مع حركة املقاومة‬
‫الوطنية وال�شعبية يف �صيدا التظاهرات �ضد حكومة كميل �شمعون والأحالف الع�سكرية التي كانت ت�ساندها القوى‬
‫الرجعية يف لبنان‪ ،‬كما ا�شرتك يف ت�أ�سي�س جمل�س ال�سلم العاملي وانتخب ع�ضو ًا يف رئا�سته‪ ،‬وانتخب رئي�ساً لبلدية‬
‫�صيدا‪ ،‬وا�ستمر يف هذا املن�صب من �سنة ‪1973 – 1963‬م‪ ..‬ظل معروف �سعد �شديد الإميان بالق�ضية الفل�سطينية‬
‫وب�ضرورة حترير فل�سطني‪ ،‬ومواجهة امل�شروع ال�صهيوين عربيا‪ ،‬و�أكد ذلك من خالل �إميانه بالوحدة العربية وحر�صه‬
‫ال�شديد على م�ساعدة الالجئني الفل�سطينيني يف خميماتهم وتبني ق�ضاياهم وم�ساندة قوى املقاومة الفل�سطينية‪ ،‬وقد‬
‫ا�ست�شهد بتاريخ ‪،1975/3/6‬وبعد ا�ست�شهاده ا�ستمر نهجه العروبي مع ابنه املنا�ضل م�صطفى معروف �سعد الذي‬
‫�سار على درب والده ال�شهيد‪ ،‬وقاد التنظيم ال�شعبي النا�صري واملجل�س ال�سيا�سي للحركة الوطنية اللبنانية يف جنوب‬
‫لبنان‪ ،‬وخالل االجتياح الإ�سرائيلي جلنوب لبنان عام ‪1975‬م ت�سلم م�س�ؤولية قيادة القوات امل�شرتكة اللبنانية‬
‫– الفل�سطينية يف اجلنوب و�أ�س�س جبهة املواجهة الوطنية �ضد االحتالل الإ�سرائيلي للبنان عام ‪1982‬م‪ ،‬وداهمت‬
‫القوات الإ�سرائيلية منزله �أكرث من مرة حيث اعتقل و�أخ�ضع لتحقيقات قا�سية‪ ،‬كما �أ�س�س وقاد قوات جي�ش التحرير‬
‫ال�شعبي (قوات ال�شهيد معروف �سعد) وذلك عام ‪1985‬م‪ ،‬وتعر�ض لأربع حماوالت اغتيال لكنه جنا منها‪ ،‬تويف يوم‬
‫‪2002/7/25‬م �إثر مر�ض ع�ضال يف الرئة دام �أربع �سنوات ليخلفه يف م�سرية الن�ضال �أخيه �أ�سامه �سعد الذي تر�أ�س‬
‫التنظيم ال�شعبي النا�صري‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪437‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫اللبناين كميل �شمعون ت�أ�س�ست مبر�سوم جمهوري عام ‪1973‬م‪ ،‬ويتكون ر�أ�سمالها من ر�ساميل‬
‫لبنانية وخليجية و�إيرانية‪ ،‬وحدد املر�سوم نوعية التجهيزات واملواد الت�صنيعية احلديثة التي‬
‫�ست�ستعملها ال�رشكة والتي �سي�ؤدي ا�ستعمالها �إىل ت�رشيد الآالف من ال�صيادين الذين كانوا‬
‫يعتمدون الو�سائل البدائية(‪.)5‬‬
‫جتمع ال�صيادون من خمتلف املناطق للمطالبة ب�إلغاء امتياز �رشكة «بروتيني» الذي يعتربونه‬
‫قطعا لأرزاقهم‪ .‬وفيما كان ال�صيادون وم�ؤيديهم يتجمعون يف حملة «بحر العيد» على �شاطئ‬
‫�صيدا الغربي كان فريق منهم يتعمد �إىل �سد الطرقات واملنافذ امل�ؤدية �إىل �صيدا بو�ساطة �إطارات‬
‫املطاط امل�شتعلة‪ ،‬وبزوارق ال�صيد التي �أ�رضمت فيها النريان و�سط ال�شوارع‪ ،‬و�شمل �سد‬
‫الطرقات مدخل �صيدا ال�شمايل عند حدود الرميلة‪ ،‬ومدخلها اجلنوبي عند مفرق عني احللوة‬
‫ف�ضال عن طرقات جزين والربامية(‪.)6‬‬
‫�صدرت التعليمات �إىل رجال الدرك وقوات اجلي�ش الذي رابطت �آلياته باكر ًا يف مقر املحافظة‬
‫ويف باحة الق�رص البلدي يف �ساحة النجمة يف �صيدا‪ ،‬بفتح الطرق الرئي�سة‪ ،‬يف حني كانت التظاهرة‬
‫قد و�صلت �إىل �ساحة النجمة‪ ،‬بعد �أن قطعت ميناء �صيدا مرور ًا ب�شارع ال�شاكرية‪ ،‬ومنه �إىل‬
‫�شارع ريا�ض ال�صلح فطريق جزين‪ ،‬وكان يف مقدمة املظاهرة نائب �صيدا الدكتور نزيه البزري‪،‬‬
‫ونائبها ال�سابق الزعيم الوطني معروف �سعد اللذان كان ي�سريان جنبا �إىل جنب خلف اليافطات‬
‫التي حتمل مطالب املتظاهرين‪.‬‬
‫وبو�صول التظاهرة �إىل حماذاة �سينما «هيلتون» على بعد خم�سني مرت ًا من باحة الق�رص‬
‫البلدي حيث ترابط قوات اجلي�ش انف�صل الزعيم الوطني معروف �سعد عن التظاهرة قلي ًال وراح‬
‫يعمل مع �آخرين على رفع احلجارة من الطريق‪ ،‬ولدى و�صول املتظاهرين �إىل �ساحة النجمة‬
‫�سمع دوي انفجار �إ�صبع ديناميت باجتاه املتظاهرين فالتفت معروف �سعد نحو م�صدر ال�صوت‬
‫لريى �أن التظاهرة قد تفرقت ومل يبق �سوى (خم�سة ع�رش �شخ�ص ًا) يتقدمهم النائب الدكتور‬
‫نزيه البزري وبو�صولهم �إىل مكان قريب من الق�رص البلدي �سمع �إطالق ر�صا�ص �أ�صيب على‬
‫�أثره معروف �سعد‪ .‬تراك�ض املتظاهرون وخلت ال�ساحة ومل يبق على الأر�ض �سوى معروف �سعد‬
‫وامل�صابون الآخرون‪ ،‬وما هي �إال حلظات حتى ظهر العديد من �أهايل �صيدا يف ال�شوارع وهم‬
‫يحملون الأ�سلحة حيث �أقاموا املتاري�س‪ ،‬فيما �أقفلت املحالت التجارية �أبوابها‪.‬‬

‫‪ 5‬م�صطفى دند�شلي �إعداد وت�صنيف وتقدمي‪ ،‬املركز الثقايف للبحوث والتوثيق‪� ،‬صيدا‪ ،‬ط‪1995 ،1‬م‪.‬‬
‫‪� 6‬شفيق الأرنا�ؤوط‪ ،‬معروف �سعد «ن�ضال الثورة»‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪438‬‬
‫نقل معروف �سعد �إىل م�ست�شفى «�أبو ظهر» لإجراء عملية جراحية‪� ،‬إال �أن اجلهات الر�سمية‬
‫قطعت الكهرباء مما ا�ضطر �إدارة امل�ست�شفى �إىل اال�ستعانة مبولد كهربائي‪ .‬واندلعت مواجهات‬
‫عنيفة بني الأهايل واجلي�ش اللبناين ف�سقط العديد من القتلى واجلرحى من الطرفني‪ .‬كانت‬
‫الر�صا�صة التي �أ�صيب بها معروف �سعد قد اخرتقت جمرى البول وعدد من الأوردة الدموية‬
‫مما �أدى �إىل نزيف حاد نتج عنه ا�ستمرار هبوط ال�ضغط‪ ،‬ورغم كل حماوالت الفريق الطبي‬
‫ملعاجلته �إال �أن احلالة ا�ستمرت ت�سوء‪ ،‬حيث تقرر نقله �إىل م�ست�شفى اجلامعة الأمريكية يف بريوت‬
‫وهو يف حالة غيبوبة‪.‬‬
‫عقد رئي�س احلكومة اللبنانية ر�شيد ال�صلح(‪)7‬م�ؤمتر ًا �صحافي ًا بح�ضور �أركان حكومته التي‬
‫ت�ضم ممثلني عن حزب الكتائب وحزب الوطنيني الأحرار‪ ،‬واحلزب التقدمي اال�شرتاكي وكتلة‬
‫الو�سط اللبنانية برئا�سة طوين فرجنية‪ ،‬حيث �أبدى �أ�سف احلكومة عن احلادث وال�ضحايا‪،‬‬
‫وحاول الزج باملقاومة الفل�سطينية �أثناء رده على �س�ؤال �صحفي فقال‪ :‬املقاومة ال عالقة لها‬
‫باملو�ضوع �إمنا ات�صالنا معهم هو مبدئي للح�ؤول دون اال�ستغالل ودون قيام بع�ض �إخواننا‬
‫الفل�سطينيني ب�صورة فردية ب�أعمال خمالفة للقانون‪.‬‬
‫ومن اجلدير بالذكر ف�إنه وعلى �أثر �أحداث �صيدا ت�شكل وفد من احلركة الوطنية واملقاومة‬
‫الفل�سطينية‪ ،‬وكان الوفد ي�ضم �إبراهيم قليالت (�أبو �شاكر)‪� ،‬أبو الزعيم‪� ،‬أبو ح�سن �سالمه‪� ،‬أبو‬
‫الطيب للقيام بزيارة �صيدا للإ�رشاف ب�صورة مبا�رشة على عدم تدخل الفل�سطينيني يف الأحداث‪.‬‬
‫وعقد كمال جنبالط الذي ير�أ�س القوى الوطنية اللبنانية م�ؤمتر ًا �صحافي ًا‪ ..‬اتهم فيه بع�ض‬
‫الفئات بافتعال احلادث ويبدو من خالل املعلومات التي نقلها �إليه الرئي�س ر�شيد ال�صلح �أنه‬
‫جرى �إطالق نار على �أفراد قوى اجلي�ش من فئات كان عنا�رصها موزعني يف عدد من الأماكن‬
‫واملواقع بحيث بدا وك�أن النار �أطلقت من �صفوف املتظاهرين‪.‬‬
‫عقدت الأحزاب والقوى التقدمية والوطنية يف �صيدا اجتماع ًا يف مقر نقابة �صيادي الأ�سماك‬
‫وقرروا املطالبة ب�سحب اجلي�ش من �صيدا والدعوة �إىل �إ�رضاب عام ونقل حمافظ �صيدا هرني‬
‫حلود والعميد يف اجلي�ش �أحمد زكا‪ ،‬والتحقيق يف حادث �إطالق النار على معروف �سعد‪ ،‬ومعاقبة‬
‫امل�س�ؤولني‪ .‬وتال ذلك اجتماع �آخر مبقر جمعية خريجي املقا�صد ب�صيدا بح�ضور عدد من قادة‬
‫احلركة الوطنية يف لبنان بينهم جورج حاوي‪ ،‬حم�سن �إبراهيم‪ ،‬وتوفيق ال�صفدي عن املقاومة‪،‬‬
‫‪ 7‬ت�شكلت حكومة ر�شيد ال�صلح يف ‪1974/11‬م و�ضمت ممثلني عن حزب الكتائب والوطنيني الأحرار واحلزب التقدمي‬
‫اال�شرتاكي وكتلة الو�سط النيابية برئا�سة طوين فرجنية ووزراء م�ستقلني‪ ،‬وقد انفجرت �أزمة ال�صيادين يف �صيدا يف عهده‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪439‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫وممثلون عن الهيئات ال�شعبية حيث قرروا البدء ب�إ�رضاب مفتوح يف ‪1975/2/27‬م‪.‬‬


‫بقيت حالة الزعيم معروف �سعد تت�أرجح‪ ..‬وحالة لبنان الداخلية تت�أرجح معها‪ ..‬حتى جاء‬
‫يوم اخلمي�س ‪1975/3/6‬م حني فارق احلياة �شهيدا للدفاع عن م�صالح ال�صيادين‪ ..‬وهكذا‬
‫�أ�صبحت �شخ�صية معروف �سعد رمز ًا ومر�شد ًا يف وعي �أهايل �صيدا واجلنوب اللبناين‪ ...‬و�أ�صبح‬
‫رمز ًا وطني ًا ومفجر ًا لثورة طبقية �ضد الت�سلط واالحتكار‪.‬‬

‫من اليمني �إبراهيم قليالت‪� ،‬أبو الزعيم‪� ،‬أبو الطيب‪� ،‬أبو ح�سن على �أثر �أحداث �صيدا بعد‬
‫ا�ست�شهاد املنا�ضل معروف �سعد حيث مت ت�شكيل وفد من احلركة الوطنية واملقاومة الفل�سطينية‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪440‬‬

‫مفارقات ال تن�سى‪:‬‬

‫بعد �أن ت�سلم الأ�ستاذ ر�شيد ال�صلح رئا�سة احلكومة اللبنانية وكان من املقربني لقيادات‬
‫احلركة الوطنية اللبنانية ال �سيما الأخوة حم�سن �إبراهيم وتوفيق �سلطان وجورج حاوي‪ .‬ابدى‬
‫مواقف وطنية خالل جل�سات احلكومة واملجل�س النيابي‪ ،‬الأمر الذي عر�ضه لتهجم �شديد من‬
‫بع�ض الزعامات االنعزالية‪ ،‬فاجتهد حم�سن �إبراهيم لدى �أبو عمار لت�أمني حرا�سة �شخ�صية له‬
‫يف املنزل‪ .‬ا�ستدعاين �أبو عمار وطلب ت�أمني حار�س ملنزل الرئي�س ال�صلح �رشيطة ان يكون على‬
‫قدر هذه املهمة‪.‬‬
‫انتدبت لهذه املهمة �أحد �ضباطنا املميزين الرائد �صالح ال�سهلي وامل�شهود له بالكفاءة العالية‬
‫واحل�س الأمني اجليد‪ ،‬وظلت الأمور ت�سري على خري ما يرام حوايل �أربعني يوما هاتفني رئي�س‬
‫الوزراء بعدها وهو يف غاية االرتباك طالبا مني احل�ضور �إىل منزله على وجه ال�رسعة‪ .‬فورا ركبت‬
‫ال�سيارة مع املرافقني وتوجهنا �إىل الأ�ستاذ ر�شيد ال�صلح وعند و�صويل ملنزل الرئي�س �شاهدت‬
‫جمموعة من النا�س حمت�شدين �أمام املنزل‪ ،‬فركنت ال�سيارة جانبا ونزلت منها كي ا�ستف�رس من‬
‫�أحدهم عن �سبب ذلك التجمهر‪ ،‬وعلمت على الفور �أن جرمية قتل قد وقعت داخل منزل الرئي�س‪.‬‬
‫هرعت م�رسع ًا �إىل داخل املنزل‪ ،‬وعربت �إىل ال�صالون حيث كان الباب مفتوح ًا‪ ،‬فوجدت جثة‬
‫لرجل جمهول يف �أواخر العقد الثالث تقريب ًا‪ ،‬طويل البنية ممدد وم�صاب بعيار ناري يف الر�أ�س‪،‬‬
‫بينما الدماء متلأ ال�صالون‪ ،‬وبعد �أن حتققت من وفاة ال�شخ�ص املمدد على الأر�ض‪ ،‬قمت �أبحث‬
‫عن الرئي�س فوجدته مع زوجته وابنته الوحيدة (مي) داخل غرفة النوم وي�سرتقون النظر جلثة‬
‫القتيل من �شق الباب‪ ،‬فدخلت لطم�أنتهم ال �سيما �أن زوجته وابنته كانتا يف حالة يرثى لها‪ ،‬وبعد‬
‫ان هد�أت من روعهم‪ ،‬ات�صلت بالهالل الأحمر الفل�سطيني كي ير�سلوا �سيارة لنقل اجلثة �إىل‬
‫امل�ست�شفى‪.‬‬
‫�أفادين الرئي�س �أن اجلثة هي ل�شخ�ص يدعى حممود الأ�سمر وهو من فل�سطينيي لبنان ومن‬
‫�سكان احلي نف�سه‪ ،‬و�أنه ي�أتي �إليه ح�سب العادة مثل بقية بع�ض ال�سكان طلب ًا للم�ساعدة‪ ،‬ولكنه‬
‫ال يعلم ماذا حدث بال�ضبط‪ ،‬غادرت غرفة نوم الرئي�س لأجد ال�ضابط �صالح ال�سهلي واقف ًا‬
‫وم�سد�سه يف يده‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪441‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫طلبت من �صالح �أن ي�رشح يل ما حدث‪ ،‬ف�أبلغني قائ ًال‪ :‬تعلم يا �أبا الطيب �إن اليوم اجلمعة وهو‬
‫يوم عطلة‪ ،‬لذا جل�ست يف ال�صالون اخلارجي كي �أمتكن من اعرتا�ض كل من يحاول الدخول ال‬
‫�سيما �أن الرئي�س كان ما يزال نائم ًا‪ ،‬ثم �سمعت جر�س الباب يرن‪ ،‬فرك�ضت لأفتح الباب‪ ،‬تفاج�أت‬
‫بوجود املغدور ي�س�ألني عن الرئي�س ب�صوت عال‪ ،‬فقلت له �إخف�ض �صوتك لأنه نائم‪ ،‬فلم ميتثل‬
‫للأمر وقام بدفعي يريد الدخول عنوة‪ ،‬وهو يردد (وين اخلواجا) بدي �أ�شوفه‪ ،‬فكررت له القول‬
‫ب�أنه نائم‪ ،‬لكنه مل يقتنع بكالمي وقام بدفعي عن الباب حماو ًال اقتحام املنزل بالقوة‪ ،‬عندها قمت‬
‫ب�إطالق الر�صا�ص عليه‪..‬‬
‫طلبت من ال�ضابط �صالح �أن ي�سلم م�سد�سه للمرافقني معي‪ ،‬و�أمرت بحجزه يف ثكنة املكتب‪..‬‬
‫بعد نقل اجلثة واحتجاز ال�ضابط �صالح ال�سهلي جل�ست مع رئي�س الوزراء و�أخذت �أطمئنه‬
‫ب�أنني �س�أقوم بالذهاب �إىل ذوي القتيل وانهي معهم الأمر متكف ًال مبا يتطلبه ذلك من التزامات‪،‬‬
‫(‪.)8‬‬
‫ففاجئني الرئي�س بقوله‪ :‬اهلل يخليك بلغ الأخ �أبا عمار �أنني ال عايز وزارة وال حرا�سة‬
‫ذهبت �إىل �أبي عمار يف مكتبه حيث �رشحت له ما ح�صل بال�ضبط مو�ضح ًا �أن هناك عادة‬
‫م�ستحبة يف لبنان حيث يتوىل الرجل املتنفذ �سواء كان وزير ًا �أو من كبار التجار �أو خمتار �أو‬
‫زعيم للحي تقدمي م�ساعدات للمحتاجني‪ ،‬ويطلقون على هذا ال�شخ�ص لقب (خواجا) و�أن القتيل‬
‫كان يرتدد على دولة الرئي�س كونه اخلواجا يف املنطقة‪ ،‬ولكن ال�ضابط �صالح يجهل ذلك واعتقد‬
‫�أن القتيل يريد اقتحام املنزل‪.‬‬
‫بعد �أن �أبلغت �أبا عمار يف نهاية احلديث �أن الرئي�س يبلغه ب�أنه ال يريد ال رئا�سة حكومة وال‬
‫مرافقني‪� ..‬أمرين �أن �أ�سلم �صالح للق�ضاء الثوري الذي حكم عليه بال�سجن ‪� 7‬سنوات‪ .‬وحينما‬
‫اندلعت احلرب كان �صالح بال�سجن وافرج عنه مع باقي ال�سجناء وكانت زوجته لبنانية من حارة‬
‫الناعمة‪ ،‬ووقع عليه االختيار لإر�ساله �إىل لبنان عن طريق قرب�ص واعتقلته البحرية الإ�رسائيلية‬
‫مع دورية حممد قنن «�أبو النور» ومكث ‪� 7‬سنوات معتق ًال‪ ،‬و�أر�سل �إىل لبنان وا�ست�شهد بحرب‬
‫املخيمات‪.‬‬
‫ال�شـرارة حترق ال�سهـل‪:‬‬
‫كانت الواليات املتحدة يف تلك الفرتة تطبخ على نار هادئة اتفاق ف�صل القوات يف �سيناء‪ ،‬وكان‬
‫خمططو الإتفاق يعرفون م�سبق ًا �أن الثورة الفل�سطينية �ستقف يف مقدمة القوى املعار�ضة للإتفاق‪،‬‬
‫لهذا كان من ال�رضوري �إ�ضعاف الثورة الفل�سطينية التي �سرتفع لواء املعار�ضة م�ستندة �إىل‬

‫‪ 8‬عائلة املغدور �أظهرت معدنها الأ�صيل ورف�ضت �أن ت�أخذ �أي �شيء و�أ�سقطت حقها دون مقابل‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪442‬‬
‫قوتها الع�سكرية وال�رشعية ال�سيا�سية التي اكت�سبتها ولذلك وجدوا من ال�رضوري م�شاغلتها‬
‫مبعارك جانبية‪ .‬وهكذا ت�ضافرت ال�ضغوط الأمريكية والإ�رسائيلية‪ ،‬باجتاه تفجري املوقف يف‬
‫لبنان‪ ،‬مب�ساعدة قوى لبنانية تف�ضل تكرار التجربة الأردنية وا�ستخدام اجلي�ش اللبناين يف‬
‫�رضب الثورة على �أن تلعب امللي�شيات دور الرديف‪ .‬ولكن طبيعة اجلي�ش نف�سه ونوعية العالقات‬
‫ال�سائدة داخل املجتمع اللبناين منعت تكرار التجربة الأردنية لهذا قامت امللي�شيات املدعومة‬
‫ببع�ض جيوب ال�سلطة با�ستالم املبادرة و�أخذت على عاتقها مهمة البدء بالعمل امل�ضاد(‪.)9‬‬
‫لقد كانت حادثة اغتيال معروف �سعد ال�رشارة التي انطلقت لتحرق ال�سهل ولتحرك امل�ؤامرة‬
‫على لبنان باجتاه حرب �أهلية ت�ستهدف �إ�شعار اللبنانيني ب�أن �سبب كل ذلك الدمار هو املقاومة‬
‫رجحت اختيار نقطة البداية يف عام ‪ ،1975‬هي‪:‬‬ ‫الفل�سطينية‪ .‬ولعل �أبرز الأحداث‪ ،‬التي ّ‬
‫‪1.1‬حماولة اجلي�ش اللبناين‪ ،‬يف مايو ‪ ،1973‬الق�ضاء على املقاومة الفل�سطينية‪ ،‬على �أر�ض لبنان‪.‬‬
‫و�إزاء ف�شل اجلي�ش يف حماولته‪ ،‬تك ّونت امليلي�شيات احلزبية‪ ،‬لت�ضطلع مبا عجز عنه اجلي�ش‪.‬‬
‫‪2.2‬قرار م�ؤمتر القمة العربية يف الرباط‪ ،‬يف ‪ 29‬نوفمرب ‪� ،1974‬أن (م‪.‬ت‪.‬ف)‪ ،‬هي املمثل‬
‫ال�رشعي الوحيد لل�شعب الفل�سطيني‪.‬‬
‫‪3.3‬تغيرّ الدبلوما�سية الأمريكية‪ ،‬يف �إطار �إ�سرتاتيجية ال�سيا�سة الأمريكية يف ال�رشق الأو�سط‪.‬‬
‫ويف هذا ال�صدد يقول ولربكرين ايغالند رجل املخابرات الأمريكية �إن الرئي�س فورد �أعلن يف‬
‫‪1975/4/30‬م ان�سحاب الواليات املتحدة من فيتنام‪ ،‬و�إن احلرب يف لبنان من تخطيط هرني‬
‫كي�سنجر لإلهاء العامل عن امل�شاكل الأخرى لأمريكا وبدافع الرغبة يف ال�سيطرة على الأزمات‬
‫االقت�صادية وعلى �أزمة الطاقة التي خلفتها حرب ‪1973‬م‪ ،‬بد�أ كي�سنجر ينفذ �سيا�سة جديدة‬
‫�آمال يف �أنها �ست�ؤدي �إىل تبخر الفل�سطينيني‪ ،‬و�أن حمطة (‪ )CIA‬يف روما و�إ�رسائيل �ساعدت‬
‫امللي�شيات امل�سحية يف تنفيذ املهمة‪ .‬ومن اجلدير بالذكر فقد �رصح هرني كي�سنجر يف ‪-5-25‬‬
‫‪1975‬م �أن الو�ضع يف لبنان �سينفجر ويتحول �إىل حرب �أهلية كالتي وقعت يف الأردن عام ‪1970‬م‪.‬‬
‫‪4.4‬بداية �سل�سلة اعتداءات �إ�رسائيلية‪ ،‬ذات طبيعة خا�صة‪ ،‬على الفل�سطينيني‪ ،‬يف لبنان‪.‬‬
‫ومن �أجل تفجري املوقف قام م�سلحون جمهولون يوم ‪1975/4/13‬م ب�إطالق النار على بيري‬
‫اجلميل(‪ )10‬وهو ي�شارك يف �إحدى ال�صلوات الكن�سية حيث جنا من االغتيال يف حني قتل مرافقه‬

‫‪ 9‬الهيثم الأيوبي‪ ،‬م�سرية الكفاح امل�سلح الفل�سطيني خالل (‪ 15‬عام)‪.‬‬


‫‪ 10‬بيار اجلميل‪1984-1905( :‬م) �سيا�سي لبناين وم�ؤ�س�س حزب الكتائب كان من �أبرز ال�سيا�سيني اللبنانيني طوال �أكرث من‬
‫‪ 40‬عاما و�أحد �أبرز �أركان اجلبهة اللبنانية �أثناء احلرب الأهلية اللبنانية‪� ،‬شغل عدة منا�صب وزارية ابتداء من العام‬
‫‪1958‬م �إلى وفاته‪ ،‬كما انتخب كع�ضو يف «جمل�س النواب اللبناين»‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪443‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫«جوزيف �أبو عا�صي»(‪ .)11‬وبعد حتري�ض بيري اجلميل �ضد رئي�س الوزراء ر�شيد كرامي متهما‬
‫�إياه بقبول اتفاق القاهرة حيث تنازل عن �سيادة لبنان وهدد باللجوء �إىل �أي و�سيلة للدفاع عن‬
‫الذات بعد تخلي الدولة عن م�س�ؤولياتها‪ ،‬قامت جمموعة من حزب الكتائب يوم ‪1975 /4/13‬م‬
‫ب�إطالق النريان على �سيارة با�ص كانت تقل عدد ًا من �سكان خميم تل الزعرت �أثناء مرورها على‬
‫طريق اجلديدة عرب عني الرمانة‪ ،‬وذلك بعد �أن كان �أولئك الفل�سطينيون عائدين بعد �إنتهاء �إحتفال‬
‫�أقامته اجلبهة ال�شعبية ‪ -‬القيادة العامةيف الذكرى الأوىل لعملية «اخلال�صة»‪ ،‬فقتل الكتائبيون‬
‫(�ستة وع�رشين فل�سطيني ًا) وجرحوا (ت�سعة وع�رشين �آخرين) من ركاب البا�ص و�إدعى ب�شري‬
‫اجلميل �أن القوات الإ�رسائيلية قامت بافتعال احلادث‪ .‬ورغم ادعاء الرئي�س الأ�سبق �أمني اجلميل‬
‫يف �شهادته على الع�رص من خالل ف�ضائية اجلزيرة بتاريخ ‪2009/10/19‬م �أن الذين ارتكبوا‬
‫تلك املجزرة لي�سوا من الكتائب وما زالوا غري معروفني ف�إن �شهادة «�سعيد نعيم الأ�سمر» الذي‬
‫�أ�رسته قوات املقاومة �أفادت ب�أن م�سلحي احلزب يف عني الرمانة تلقوا �أمر ًا ب�إطالق النار على‬
‫البا�ص(‪.)12‬‬
‫بعد احلادث عقدت القوى الوطنية اللبنانية بزعامة كمال جنبالط اجتماعا حيث �إعتربت‬
‫املجزرة جزءا من خمطط �إ�ستعماري �صهيوين تنفذه الكتائب‪ .‬فيما �إتهمت القيادة الفل�سطينية‬
‫ب�أن احلادث مدبرا ذلك �أن الإ�شتباكات توا�صلت بعد احلادث ما �أدى �إىل �سقوط (‪ )33‬قتي ًال‪.‬‬
‫وبد�أت عمليات خطف ع�شوائية لإثارة اخلوف مما خلق حالة من ال�شك بني النا�س‪ ،‬فال يثق‬
‫�أحد ب�أحد‪� ،‬إال يف دائرة العائلة واحلي والطائفة‪ .‬ومع التق�سيم اجلغرايف‪ ،‬بد�أت “حرب الأحياء”‬
‫و�أ�صبح القتل اجلماعي على الهوية‪� ،‬أ�سلوب ًا للحرب‪ .‬فِرق من امل�سلحني تدخل مواقع العمل‪،‬‬
‫وطبق ًا لبيانات حتقيق ال�شخ�صية‪ ،‬جتمع اخل�صوم يف احلجرات‪ ،‬وتطلق عليهم النريان‪ ،‬و�سط‬
‫تو�سل زمالئهم‪ ،‬الذين �أنقذهم انتما�ؤهم �إىل مذهب القاتل نف�سه‪ .‬ف�ض ًال عن �إغت�صاب الفتيات‪،‬‬‫ّ‬
‫وتقطيع اجلثث‪ .‬حواجز امل�سلحني يف الطرقات‪ ،‬وجتريد املارين من مالب�سهم‪ ،‬ومن خالل “عملية‬
‫اخلتان”‪ ،‬ميكن متييز هوية ال�شخ�ص‪.‬‬

‫‪ 11‬نقوال ن�صر‪ ،‬حرب لبنان ومداها‪ ،‬دار العمل للن�شر‪ ،‬بريوت ‪1977‬م‪ ،،‬حرب لبنان‪ ،‬ح�صار بريوت‪ ،‬حرب اجلبل» من�شورات‬
‫املكتبة احلديثة‪ ،‬بريوت ‪.2005‬‬
‫‪ 12‬طبقا جلريدة ال�سفري اللبنانية ال�صادرة يوم ‪2007/4/11‬م ف�إن القا�ضي حممد علي �صادق هو الذي حقق يف جرمية عني‬
‫الرمانة (‪1975/4/13‬م) وا�ستنتج �أن عنا�صر من حزب الوطنيني الأحرار هم الذين ارتكبوا اجلرمية‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪444‬‬
‫وك�شف الوقائع امليدانية‪� ،‬أن “الكتائب” كانت‪ ،‬يف بداية احلرب الأهلية‪� ،‬أكرث الأطراف دقة يف‬
‫بحكم تنظيمها‪ ،‬وحجم ال�سالح وعدد املد َّربني عليه مما اظهر ا�ستعدادها امل�سبق‬ ‫التنظيم والتنفيذ‪ُ ،‬‬
‫وحتركها بنا ًء على خمططات طائفية ا�ستهدفت �إخالء مناطق ل�صالح امل�رشوع الطائفي‪ ،‬على الرغم من‬
‫�أن التجمع امل�سيحي الأرثوذك�سي‪ ،‬يف حي ال�رسيان �أو يف منطقة املزرعة يف بريوت الغربية مل تتعر�ض‬
‫للخطر‪ ،‬با�ستثناء بع�ض احلوادث الفردية‪ ،‬التي �أمكن ال�سيطرة عليها‪.‬‬
‫حملت القوى الوطنية اللبنانية م�س�ؤولية تفجري الأو�ضاع �إىل ميل�شيات حزب الكتائب التي‬
‫�أدخلت �سالح املدفعية يف الإ�شتباكات‪ ،‬و�أعلنت عن احتالل جزء من الكرنتينا ووا�صلت عمليات القن�ص‬
‫والإعتداء �ضد املدنيني الفل�سطينيني وعنا�رص القوى الوطنية اللبنانية(‪)13‬؛ مما �أجرب رئي�س احلكومة‬
‫ر�شيد كرامي(‪ )14‬على تقدمي ا�ستقالته يوم ‪1975/5/15‬م بعد �أن �ألقى خطابه الأخري �أمام جمل�س‬
‫النواب ملقي ًا اللوم على الكتائب لإثارتهم النزاع‪ ،‬وقدم الئحة ب�رشوط امل�صاحلة ت�شكل م�ساندة‬
‫للحركة الفدائية الفل�سطينية‪.‬‬
‫�إ�ستمر الت�صعيد ب�شكل يومي و�صوال �إىل ‪1975/5/20‬م حني انفجر الو�ضع يف الدكوانة وتل‬
‫الزعرت‪ ،‬و مت الإعالن يوم ‪1975/5/23‬م عن ت�أليف �أول حكومة ع�سكرية برئا�سة العميد �أول‬
‫املتقاعد نور الدين الرفاعي(‪� ،)15‬ضمت قائد اجلي�ش العماد ا�سكندر غامن‪ ،‬رئي�س الأركان �سعيد ن�رص‬
‫اهلل‪ ،‬م�ساعد رئي�س الأركان العميد ركن مو�سى كنعان‪ ،‬العميد الركن فوزي اخلطيب‪ ،‬العميد الركن‬
‫فران�سوا جينادري‪ ،‬العميد الركن زين مكي واملدين الوحيد يف احلكومة لو�سيان دحداح‪ .‬ومل ت�صمد‬
‫احلكومة الع�سكرية �أمام رف�ض القوى الوطنية اللبنانية فا�ستقالت يوم ‪ 1975/5/26‬م‪ .‬و�أعيد‬
‫تكليف ر�شيد كرامي بت�شكيل احلكومة اللبنانية بتاريخ ‪1975/5/28‬م‪� ،‬إال �أن امللي�شيات اليمينية‬
‫ظلت على موقفها من الت�صعيد‪ ،‬وقامت يوم ‪1975/6/3‬م بقطع طريق احلازمية واحلدث وفرن‬
‫ال�شباك ملنع و�صول كرامي �إىل ق�رص الرئا�سة‪.‬‬
‫‪ 13‬يزيد ال�صايغ‪ ،‬الكفاح امل�سلح والبحث عن الدولة‪� ،،‬ص‪.519‬‬
‫‪ 14‬ر�شيد عبد احلميد كرامي (‪1987/6/1 – 1921‬م) �سيا�سي لبناين ينتمي ملدينة طرابل�س‪� ،‬شغل من�صب رئي�س الوزراء‬
‫ع�شرة مرات كان �أولهما بني ‪ 1956/3 - 1955/9‬و�آخرها بني ‪� ،1984/4‬إلى ‪1987/6/1‬م ينتمي كرامي �إلى عائلة‬
‫�سيا�سية عريقة �إذ �شغل والده و�أخوه عمر من�صب رئي�س الوزراء‪ ،‬ويقول الرئي�س �أمني اجلميل يف برنامج «�شهادة‬
‫على الع�صر» مع ف�ضائية اجلزيرة ب�أن‪ :‬ر�شيد كرامي �أغتيل عن طريق و�ضع قنبلة حتت املقعد املخ�ص�ص له يف طائرة‬
‫الهيلوكوبرت امل�س�ؤول عنها اجلي�ش اللبناين الذي كان معظم قادته على �صلة مع ملي�شيات �سمري جعجع‪� ،‬أدين جعجع قائد‬
‫القوات اللبنانية بتدبري االغتيال وحكم بالإعدام وخف�ضت العقوبة �إلى الأ�شغال ال�شاقة امل�ؤبدة قبل �أن يطلق �سراحه �سنة‬
‫‪2005‬م‪ ،‬و�إعدام العميد الطيار خليل مطر وخف�ضت العقوبة �إلى الأ�شغال ال�شاقة ع�شر �سنني وك�شف �أمني اجلميل �أنه يف‬
‫يوم االغتيال كان من املقرر الإعالن عن �إتفاق تاريخي بينه وبني الرئي�س كميل �شمعون ورئي�س املجل�س النيابي ح�سني‬
‫احل�سيني ي�ضع حدا للأزمة اللبنانية‪ ،‬وكان الهدف من �إغتيال ر�شيد كرامي هو تعطيل م�ؤ�س�سات الدولة اللبنانية‪ ،‬و�صف‬
‫عمر كرامي يوم �إطالق �سراح جعجع ب�أنه مبثابة قتل للرئي�س ر�شيد كرامي مرة ثانية‪.‬‬
‫‪� 15‬أنطوان خويري‪ ،‬احلرب يف لبنان‪ ،‬اجلزء الأول‪ ،‬دار الأبجدية‪ ،‬بريوت ‪1977‬م‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪446‬‬
‫اغتيال التفا�ؤل‬
‫يف الكرنتينا والدامور‪:‬‬
‫واجهت (م‪.‬ت‪.‬ف) حتديات �صعبة من املت�شددين يف كال اجلانبني املقاومة واحلركة الوطنية‬
‫اللبنانية وامللي�شيات االنعزالية‪ ،‬فكان هدف املت�شددين يف حزب الكتائب «دافعوا عن تراب‬
‫لبنان» واطردوا الأغراب منه ولريحل الفل�سطينيون‪ ،‬ويجب �أن ال يتوقف القتال طاملا هناك‬
‫فل�سطينيون على �أر�ض لبنان‪ ،‬وترجمة لذلك جددوا هجماتهم على خميم تل الزعرت منت�صف‬
‫�شهر (‪1975/10‬م) ومار�سوا موجة من القتل الطائفي وهاجموا بريوت الغربية‪.‬‬
‫حاولت (م‪.‬ت‪.‬ف) �ضبط النف�س وطم�أنة امللي�شيات الإنعزالية‪� ،‬إال �أن املنظمة �رسعان ما‬
‫تعر�ضت لالختبار‪ ،‬فبعد �أن جند حزب الكتائب الر�أي العام �ضد “الوجود الفل�سطيني” و�أعلنوا‬
‫�أنهم �سيوا�صلون “ثورتهم” حتى النهاية‪ ،‬و�شنوا هجمات على خميم تل الزعرت يف �ضاحية‬
‫بريوت ال�رشقية‪ ،‬وزاد الو�ضع ت�أزم ًا عندما طرح بيري اجلميل نقل املخيم بكامله �إىل مكان �آخر؛‬
‫لأنه يهدد املناطق اللبنانية‪ ،‬وكان ذلك حتدي ًا مبا�رش ًا للثورة الفل�سطينية التي حذرت بالرد يف‬
‫حال عدم توقف الهجمات‪ ،‬ولإثبات ح�سن النوايا “عر�ضت �رشاء �أر�ض املخيم من الرهبانية‬
‫املارونية” لكن العر�ض رف�ض‪.‬‬
‫قام �أبو عمار يف خطوة لتهدئة الو�ضع ب�إر�سال قائد قوات الـ‪ 17‬علي ح�سن �سالمه “�أبو‬
‫ح�سن” �رس ًا للتفاو�ض يف �رشوط �إنهاء الأزمة مع القيادة املارونية على قاعدة م�سودة �أجندة‬
‫الإ�صالح ال�سيا�سي التي و�ضعتها احلركة الوطنية اللبنانية‪ ،‬وجنحت حمادثات علي ح�سن‬
‫�سالمه يف �إيجاد �أر�ضية م�شرتكة ويف ت�ضييق جماالت اخلالف ومل يتم الك�شف عن هذه املحادثات‬
‫�إال �أن حزب الكتائب تطوع بك�شفها‪ ،‬مما �أثار غ�ضب احلركة الوطنية اللبنانية فقاموا بق�صف‬
‫ع�شوائي على بريوت ال�رشقية‪ .‬ومن اجلدير بالذكر ف�إنه عندما �أر�سل يا�رس عرفات �أبو ح�سن‬
‫�سالمة للتفاو�ض مع الكتائب كان متح�سب ًا ملا يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬خ�شيته من خمطط بعيد املدى �ضد (م‪.‬ت‪.‬ف) يهدف �إىل الق�ضاء على وجودها يف املنطقة‪.‬‬
‫‪2-2‬ما يجري يف لبنان هو جزء من التطورات الهادفة �إىل حتويل النزاع العربي الإ�رسائيلي �إىل‬
‫نزاعات عربية ثانوية متهيد ًا لتجميد هذا النزاع بعد �أن ا�ستطاعت القوى الع�سكرية وال�سيا�سية‬
‫واالقت�صادية للدول وال�شعوب العربية حتقيق انت�صارات ملمو�سة حملي ًا ودولي ًا‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪447‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫‪�3-3‬أحد الأ�سباب وراء الأزمة اللبنانية هو الت�شكيك يف جدوى الفكرة القائلة بدولة فل�سطينية‬
‫دميقراطية جتمع امل�سلمني وامل�سيحيني واليهود‪.‬‬
‫وعلى الرغم من انهيار املحادثات ال�رسية ف�إن قيادة (م‪.‬ت‪.‬ف) ا�ستمرت يف حماوالتها لطم�أنة‬
‫الإنعزاليني‪ ،‬و�أكد �أبو عمار ذلك يوم ‪1975/6/25‬م يف بيان تاله كرر فيه حياد (م‪.‬ت‪.‬ف)‬
‫�إزاء ال�ش�ؤون الداخلية اللبنانية‪ ،‬و�أكد �أن �أ�سا�س العالقات الثنائية يقوم على �إحرتام الثورة‬
‫الفل�سطينية لل�سيادة اللبنانية و�أن املقاومة الفل�سطينية لي�ست طرف ًا يف ال�رصاع الداخلي اللبناين‪،‬‬
‫وهي لي�ست طائفية وال رديف ًا لطائفة‪ .‬وبينما رحب حزب الكتائب بت�رصيحات �أبو عمار‪� ،‬إال �أن‬
‫بع�ض امللي�شيات اليمينية املت�شددة ردت ب�شن هجوم على منطقة امل�سلخ – الكرنتينا بدعم من‬
‫قوى الأمن الداخلي املوالية لكميل �شمعون‪.‬‬
‫و�شهد الن�صف الثاين من عام ‪1975‬م �أ�سو�أ ما ميكن و�صفه من قتل وتدمري وخطف على‬
‫جميع املحاور من بريوت حتى طرابل�س يف ظل توا�صل االعتداءات الإ�رسائيلية يف اجلنوب وعلى‬
‫املخيمات الفل�سطينية‪ ،‬فمنذ �أن نالت حكومة ر�شيد كرامي الثقة الربملانية يوم ‪1975/7/15‬م‬
‫انطلقت موجة من الت�رسيبات حول �صفقة �سالح �أمريكية �أر�سلت �إىل امللي�شيات الإنعزالية‪،‬‬
‫وبعدها انت�رشت ظاهرة خميمات التدريب يف كافة �أنحاء لبنان‪ ،‬فيما ا�شتعلت معارك زحله‬
‫وزغرتا وطرابل�س رافقها معركة �سيا�سية حول طلب تدخل اجلي�ش ل�ضبط الأو�ضاع‪ ،‬و�أ�سفرت‬
‫املعركة ال�سيا�سية عن ا�ستبعاد العماد �إ�سكندر غامن قائد اجلي�ش وتعيني اللواء حنا �سعيد قائد ًا‬
‫للجي�ش بدال منه يوم ‪1975 /9/10‬م‪.‬‬
‫وتوا�صلت اال�شتباكات التي امتدت �إىل عكار‪ ،‬حيث انت�رش اجلي�ش يف مناطق عازلة بال�شمال‬
‫ال �سيما بعد االحتالالت ملخافر الأمن على �أيدي امللي�شيات االنعزالية‪ ،‬والتي تزامنت مع ت�صعيد‬
‫العمليات على حماور عني الرمانة وال�شياح والأ�رشفية ور�أ�س النبع والنبعة والدكوانة‪ ،‬وتزايد‬
‫عمليات اخلطف يف بريوت يف ظل ت�صعيد امللي�شيات االنعزالية للقتال و�سقوط ع�رشات القتلى‬
‫ومئات اجلرحى و�إحراق �سينما ريفويل‪ ،‬كما احرتقت املنطقة التجارية بفعل الق�صف املتبادل‬
‫وتفاقمت الأو�ضاع يف ال�شياح وعني الرمانة والدامور وحارة الناعمة‪.‬‬
‫رغم الو�ساطة التي قام بها مبعوث الفاتيكان الكاردينال برتويل واجتماعاته املتوالية مع‬
‫ال�شيخ ح�سن خالد والإمام مو�سى ال�صدر وال�شيخ حممد �أبو �شقرا‪ ،‬وكذلك الو�ساطة الفرن�سية‬
‫التي قام بها املبعوث الفرن�سي كوف دومورفيل‪� ،‬إال �أن �أجواء التفا�ؤل مل تظهر �إال نتيجة الجتماع‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪448‬‬
‫الرئي�سني يا�رس عرفات وكميل �شمعون يوم ‪1975 /10/11‬م بح�ضور �صالح خلف حيث‬
‫بد�أت حملة الت�آخي على جبهة ال�شياح – عني الرمانة‪ ،‬وخرج املقاتلون من متاري�سهم يعانقون‬
‫بع�ضهم بع�ض ًا‪ ،‬ثم انطلقت تظاهرات الأخوة يف ر�أ�س بريوت‪ ،‬و�ضمت م�سلمون وم�سيحيون‬
‫يحملون الكتب ال�سماوية ويرفعونها فوق الر�ؤو�س معلنني �أن ال فرق بني املواطن اللبناين مهما‬
‫كانت انتماءاته الروحية‪.‬‬

‫�أبو عمار‪ ،‬كميل �شمعون‪� ،‬صالح خلف‬


‫حركة فـتـح‬
‫‪449‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫ح�صار خميمات بريوت ال�شرقية‪:‬‬

‫�سادت حالة جنونية لدى جميع الأطراف مع منت�صف �شهر ‪1975/10‬م‪ ،‬حيث ا�ستفحلت‬
‫ظاهرة اخلطف (‪ 300‬خمطوف يف يوم واحد) وانت�رشت احلواجز يف بريوت والكحالة و�صوفر‬
‫وجونيه وال�شمال وزادها تفاقما �ضبط �شحنة بنادق �أمريكية يف املطار مر�سلة �إىل اجلانب‬
‫الإنعزايل‪ ،‬و�أ�صبحت حرب االختطاف ظاهرة تتكرر يومي ًا‪ ،‬ففي ‪1975/10/17‬م مت اختطاف‬
‫مائة �شخ�ص بينهم وليم حاوي امل�س�ؤول الع�سكري مللي�شيات حزب الكتائب‪ ،‬ثم �أفرج عنه‬
‫وتبعها مبا�رشة اندالع «حرب ال�صواريخ» يف بريوت‪ ،‬ومبوجبها حدث تراجع كتائبي يف �شارع‬
‫كليمن�صو‪ ،‬وتقدم قوات املرابطون يف حني ا�شتدت معارك القنطاري و�سقوط ع�رشات القتلى‬
‫واجلرحى‪ ،‬وترافق ذلك يف ت�صاعد �أعمال العنف يف زحله(‪.)16‬‬
‫ويوم ‪1975/11/6‬م و�صلت باخرة حمملة بالأ�سلحة الإ�رسائيلية �إىل ميناء �صغري يف جونية‬
‫يدعى «الأكوامارينا» ميلكه تاجر ال�سالح املعروف بطر�س خوري‪ ،‬وطلب رئي�س احلكومة ووزير‬
‫الدفاع �آنذاك ر�شيد كرامي من قائد اجلي�ش حنا �سعيد حجر الباخرة‪� ،‬إال �أن قائد اجلي�ش رف�ض‬
‫الأمر وحني جاءت املعلومات عن هذه الباخرة �أر�سلنا النقيب �سالمه الأ�سمر ليقوم بتلغيم الباخرة‬
‫وتفجريها‪� ،‬إال �أن اللغم البحري انفجر قبل الو�صول �إىل الباخرة مما �أدى �إىل ا�ست�شهاده(‪.)17‬‬
‫و�أظهرت هذه احلادثة مدى تورط قيادات من اجلي�ش اللبناين يف توتري الأو�ضاع يف تلك الفرتة‪.‬‬
‫كما �أن �إ�رسائيل مل يرق لها التوافق اللبناين – الفل�سطيني الذي نتج عن اجتماع عرفات وكميل‬
‫�شمعون‪ ،‬فقامت ثالثون طائرة �إ�رسائيلية بالإغارة يوم ‪1975/12/2‬م على خميمات البداوي‬
‫ونهر البارد والنبطية والقرى املحيطة بهما ف�سقط (�ستون �شهيد ًا) وجرح (مائة و�أربعون)‬
‫�آخرين‪ ،‬وانتهزت امللي�شيات الكتائبية واالنعزالية الفر�صة يوم ‪1975/12/6‬م وارتكبت‬
‫مذبحة يف بريوت عرفت با�سم (ال�سبت الأ�سود) بقيادة الكتائبي جوزيف �سعادة حيث قتل ما‬
‫‪� 16‬صقر �أبو فخر‪� ،‬أني�س النقا�ش‪� ،‬أ�سرار خلف الأ�ستار‪� ،‬ص‪74‬‬
‫‪ 17‬ال�شهيد �سالمه الأ�سمر هو‪ :‬ذيب عبد فرج ن�سنا�س‪ ،‬من �سكان مدينة عكا‪� ،‬أ�صول جده �سعودية‪ ،‬ح�ضر للجهاد يف فل�سطني‪،‬‬
‫بعد النكبة �أقام يف مدينة عكا القدمية‪ ،‬له �شقيقتني وثالثة �أ�شقاء موجودين يف عكا حالياً‪ ،‬غادر عائلته والتحق بحركة فتح‬
‫يف الأردن وخرج معها �إلى لبنان حيث ا�ست�شهد يف حماولة تفجري باخرة الأ�سلحة الإ�سرائيلية التي كانت قد مت �إر�سالها �إلى‬
‫حزب الكتائب‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪450‬‬
‫يزيد عن (�سبعني �شهيد ًا) من الفل�سطينيني واللبنانيني بناء على بطاقات الهوية ومت اختطاف‬
‫(‪� )300‬شخ�ص مل يعرف م�صريهم‪.‬‬
‫وفر�ضت امللي�شيات االنعزالية ح�صار ًا كام ًال على خميمات تل الزعرت وج�رس البا�شا و�ضب ّيه‪،‬‬
‫وعلى �أحياء ال�صفيح يف امل�سلخ والكرنتينا‪ ،‬وعلى حي النبعة الذي يقطن فيه م�سلمون فقراء يف‬
‫‪ 1976/1/3‬م‪ ،‬فمنعت �إدخال الطعام والوقود واملواد الطبية �إىل تلك املخيمات والأحياء‪ ،‬الأمر‬
‫الذي ع ّر�ض حياة (‪� )150,000‬ألف �إن�سان للخطر‪ ،‬و�أغلقت الطرق البديلة �إىل اجلنوب اللبناين‬
‫عند دير القمر (بلدة كميل �شمعون)‪ ،‬ون�رش اجلي�ش اللبناين مفارزه عند املفارق الرئي�سة لطريق‬
‫بريوت – دم�شق الدولية‪.‬‬
‫�أ�صبح هدف (م‪.‬ت‪.‬ف) مطلع عام ‪ 1976‬م هو فك احل�صار عن خميمات بريوت ال�رشقية‬
‫وتخلي�ص بريوت الغربية من الطوق الإنعزايل(‪ ،)18‬فقد نا�شد الفل�سطينيون يف خميم تل الزعرت‬
‫يا�رس عرفات تقدمي امل�ساعدة بتاريخ ‪1976/1/4‬م‪ ،‬وعلى �أثر ذلك دعا يا�رس عرفات يوم‬
‫‪1976/1/6‬م املجل�س الع�سكري الأعلى �إىل اجتماع للبحث يف اخليارات املتاحة ح�رضه ممثلون‬
‫عن جميع التنظيمات الفدائية واحلركة الوطنية اللبنانية وثم و�ضع خطة على النحو الآتي‪:‬‬
‫‪1)1‬تقوم قوة من (م‪.‬ت‪.‬ف) واحلركة الوطنية اللبنانية ب�شق طريقها من بريوت الغربية �إىل تل‬
‫الزعرت‪ ،‬بالتزامن مع قيام املدافعني عن تل الزعرت والنبعة باالندفاع �إىل خارج مناطقهم لاللتحام‬
‫مع القوة املهاجمة من بريوت الغربية‪.‬‬
‫‪2)2‬تقوم قوة فدائية خا�صة بالنزول بحر ًا يف منطقة امل�سلخ – الكرنتينا لتدعيم دفاع قوة‬
‫(م‪.‬ت‪.‬ف) واحلركة الوطنية اللبنانية ولالت�صال بالنبعة من ال�شمال‪.‬‬
‫�سيبد�أ الهجوم ح�سب اخلطة بعد �ساعات قليلة من انتهاء االجتماع (بعد منت�صف الليل) وكان‬
‫جناح اخلطة �سيمكن «القوات امل�شرتكة»‪ ،‬وهو اال�سم الذي اتفق عليه بني (م‪.‬ت‪.‬ف) واحلركة‬
‫الوطنية اللبنانية‪ ،‬من ال�سيطرة على بريوت ال�رشقية من كل اجلهات‪ ،‬وي�ضعها يف موقف قوي‬
‫يتيح لها �إجبار املع�سكر االنعزايل على التزام وقف �إطالق النار وعلى القبول بت�سوية دائمة‪.‬‬
‫مل حتقق اخلطة �أهدافها‪ ،‬ومتكنت امللي�شيات الإنعزالية من ا�ستعادة زمام املوقف و�صد‬
‫الهجوم‪ ،‬مما ا�ضطر حركة فتح �إىل اتخاذ مواقع قتالية حول زحلة‪ ،‬ويف ‪1976/1/13‬م نقلت‬
‫فتح كتيبتني �إ�ضافيتني من اجلنوب �إىل مواقع حميطة ببلدات الدامور وال�سعديات واجل ّيه‬

‫‪ 18‬يزيد ال�صايغ‪ ،‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪.233‬‬


‫حركة فـتـح‬
‫‪451‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫ال�ساحلية‪ ،‬بينما ن�رشت كتيبة ثالثة على مثلث خلده اال�سرتاتيجي عند املدخل اجلنوبي لبريوت‪،‬‬
‫�إال �أن امللي�شيات االنعزالية �صعدت املوقف وقامت ليلة ‪1976/1/14‬م باجتياح خميم �ضب ّيه‬
‫وارتكاب جمزرة فظيعة‪ ،‬وهرب معظم الناجني نحو بريوت الغربية‪ ،‬وكانت حامية قوات فتح‬
‫امل�ؤلفة من حوايل ‪ 80‬مقاتال و‪ 12‬عن�رصا من الكفاح امل�سلح الفل�سطيني قد فقدت (ثالثني) �شهيد ًا‬
‫و(ع�رشين) جريح ًا خالل (‪ 12‬يوم) من احل�صار وثالثة �أيام من القتال‪ ،‬و�سقط (ع�رشون)‬
‫�شهيد ًا بعد ذلك �أثناء عملية االن�سحاب والدفاع عن النف�س داخل الأحرا�ش املحيطة‪ ،‬ورغم هذه‬
‫اخل�سارات متكن مقاتلو حركة فتح من عزل “اجل ّيه” لكنهم امتنعوا عن مهاجمتها على �أمل �أن‬
‫يرفع االنعزاليني ح�صارهم عن بريوت‪ ،‬لكن ذلك مل يحدث‪ ،‬فقامت قوات فتح باجتياح مواقع‬
‫اجلي�ش اللبناين املطلة على ال�سعديات وقطعوا الطريق �إىل دير القمر وجاء يوم ‪1976/1/16‬‬
‫م حني قام اجلي�ش اللبناين بتدخل وا�سع‪ ،‬حيث احتل مثلث خلده واندفع نحو الدامور‪ ،‬وظهر‬
‫�سالح اجلو فج�أة يف �سماء املعركة وقام مبهاجمة مواقع حركة فتح ودمر عدد من الآليات فيما‬
‫�أ�سقط املقاتلون الفل�سطينيون طائرة واحدة‪ ،‬ورغم �أن الرئي�س ر�شيد كرامي الذي كان ي�شغل‬
‫من�صب وزير الدفاع �أي�ض ًا قد �أ�صدر �أوامره مرتني �إىل قائد اجلي�ش حنا �سعيد بوقف الهجوم‬
‫اجلوي �إال �أن �أوامره مل تنفذ‪.‬‬
‫ا�ستجمعت حركة فتح قواتها‪ ،‬و�شنت هجوم ًا كا�سح ًا �أخرجت مبوجبه اجلي�ش من خلده‪،‬‬
‫وا�ستولت على الناعمة‪ ،‬وطوقت الدامور‪ ،‬ورد اجلي�ش بالهجوم على حي حو�ش الأمراء امل�سلم يف‬
‫زحله يوم ‪ 1976/1/17‬م بهدف �إقامة منطقة �سيطرة متتد �إىل ثكناته يف ابلح و�إىل قاعدة رياق‬
‫اجلوية‪ ،‬و�شنت امللي�شيات االنعزالية هجوم ًا يف ‪1976/1/18‬م على منطقة امل�سلخ – الكرنتينا‬
‫مب�ساعدة القوات اخلا�صة باجلي�ش وامل�صفحات والقوات البحرية‪ ،‬فدمروا الأحياء و�سووها‬
‫بالأر�ض‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪452‬‬

‫معركة الدامور‪:‬‬

‫كانت القوات الإنعزالية توا�صل �إغالق الطرق الدولية امل�ؤدية �إىل بريوت وحتكم ح�صارها‬
‫على املخيمات الفل�سطينية حتى مطلع �شهر ‪1976/1‬م‪ ،‬مما فر�ض على القوات الفل�سطينية‬
‫�رضورة فتح طريق بريوت‪� -‬صيدا مرور ًا ببلدة الدامور‪ ،‬التي ت�سيطر عليها القوات الإنعزالية‪،‬‬
‫و�صدر القرار باقتحام بلدة الداور و�أوكلت املهمة للأخ �سعيد مراغة (�أبو مو�سى) ب�صفته قائد‬
‫قوات فتح يف اجلنوب �آنذاك‪.‬‬
‫جل�أ �أبو مو�سى �إىل حماولة تو�سيط قيادات م�سيحية لتحقيق هذا الهدف عن طريق التفاو�ض‪،‬‬
‫�إال �أن جميع اجلهود باءت بالف�شل‪ ،‬وكان رد القوات الإنعزالية ب�شع ًا للغاية حيث �أقدمت على‬
‫اعتقال اثنني من عنا�رص اجلبهة ال�شعبية لتحرير فل�سطني على احلاجز الرئي�س يف بلدة الدامور‬
‫وقتلوهما بفظاعة حيث �أوثقوا رباط كل منهما �إىل برميل من الزفت و�أ�شعلوا بهما النار �أمام �أعني‬
‫املارة‪ ،‬ويف الوقت نف�سه كانت القوات اللبنانية توا�صل ق�صفها ملخيم تل الزعرت‪ ،‬كما حا�رصت‬
‫خميم �ضبية (‪1976 /1/11‬م)‪.‬‬
‫ووردت معلومات �إن الرئي�س كميل �شمعون انتقل �إىل ق�رص ال�سعديات الكائن �إىل اجلنوب‬
‫من بلدة الدامور لتنفيذ خطة تهدف �إىل فتح معركة وا�سعة يف جبل ال�شوف �ضد غرميه التقليدي‬
‫كمال جنبالط بتطويق معقله الأ�سا�س متهيد ًا لإ�سقاطه وفر�ض �رشوط املنت�رص‪ .‬وتق�ضي اخلطة‬
‫بالتقدم على حمورين‪:‬‬
‫املحور الأول‪ :‬ينطلق من ال�سعديات – اجليه – الرميلة – علمان – الربامية – ال�صاحلية‬
‫– لبعه – عني املري – انان – روم – جزين‪ ،‬ويكون بذلك مبنطقة ال�شوف من اجلنوب بخط‬
‫طويل بداية من البحر �إىل �أعلى بداية �سل�سلة جبل الباروك‪ ،‬معتمد ًا يف تقدمه من خالل هذه‬
‫البلدات املت�صلة على حزب الكتائب الذي له فيها خاليا م�سلحة نائمة و�سوف ت�شكل نقاط �إرتكاز‬
‫وا�ستقبال للقوة القادمة من ال�سعديات‪.‬‬
‫املحور الثاين‪ :‬ينطلق من الدامور – ملتقى النهرين – دميت – كفر حيم – دير القمر ويف‬
‫حال ال�سيطرة على هذا املحور‪ ،‬ي�صبح جبل ال�شوف مق�سما �إىل ق�سمني هما‪:‬‬
‫�أ‪ -‬الق�سم الأول وي�شمل بعقلني – املختارة – �شحيم‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪453‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫ب‪ -‬الق�سم الثاين وي�شمل عاليه – بحمدون – �صوفر‪.‬‬


‫وارتكزت اخلطة امل�ضادة التي و�ضعها �سعيد مراغة «�أبو مو�سى» �إىل �إمكانية الت�صدي من‬
‫خالل القوات يف �صيدا ويف املخيمات للقوة الإنعزالية التي قد تتقدم على املحور الأول‪ ،‬لقربه من‬
‫املواقع و�إمكانية ح�شد مقاتلني من القواعد يف اجلنوب اللبناين وبالتايل بامل�ستطاع �إف�شال اخلطة‬
‫الإنعزالية على املحور الأول‪� .‬أما املحور الثاين املتجه �إىل دير القمر فلم تكن بالقرب منه قوات‬
‫ع�سكرية وهو الأخطر‪ ،‬حيث �أن بلدة دير القمر هي القاعدة ال�شعبية والع�سكرية‪ ،‬وهي التي‬
‫تواجه �أهم بلدتني بهذا القاطع وهما (املختارة وبعقلني)‪ .‬ومتت الدعوة لقادة الأحزاب والقوى‬
‫الوطنية للبحث يف وجهة القيادة الفل�سطينية من املوقف على �ضوء خطة كميل �شمعون ويف نهاية‬
‫االجتماع مت الإتفاق على الآتي‪:‬‬
‫‪�1-1‬رضب القاعدة التي �ستنطلق منها القوات الإنعزالية مبا يعنيه ذلك من مهاجمة قوات حزبي‬
‫الكتائب والأحرار يف الدامور وال�سعديات‪.‬‬
‫‪�2-2‬رضورة موافقة كمال جنبالط ؛لأن اال�شتباكات �ستقع �ضمن منطقة ال�شوف التي مل ي�سبق‬
‫�أن وقع بها �صدامات م�سلحة مع القوات الإنعزالية منذ تفجر احلرب الأهلية اللبنانية‪ .‬وبالفعل‬
‫قام ع�صام اللوح‪ ،‬بنقل املعلومات �إىل كمال جنبالط الذي وافق على اخلطة املعرو�ضة عليه‪.‬‬
‫خطة الهجوم‪:‬‬
‫‪�1-1‬أن تكون �ساعة ال�صفر ال�ساعة الواحدة من �صباح ‪1976/1/17‬م على �أن يكون الهجوم‬
‫�صامت ًا‪� ،‬أي بدون ق�صف متهيدي لنحقق ونك�سب عامل املفاج�أة‪.‬‬
‫‪�2-2‬أن يكون الهجوم (جبهوي على جبهة واحدة) من ال�شمال �إىل اجلنوب لإف�ساح املجال ملن‬
‫يريد اخلروج �إىل موقع ق�رص ال�سعديات و�أن تقتحم القوات مواقع الإنعزاليني من اجلناحني‬
‫ومن القلب والدخول �إىل بلدة الدامور‪.‬‬
‫‪3-3‬ومن �أجل ت�أمني اجلناح الأي�رس �أثناء دخول بلدة الدامور‪ ،‬والذي هو يف اجلهة الأعلى‬
‫جغرافيا منها على الطريق الذي يربط بلدة (بعورتا) مع بلدة الدامور‪ ،‬مت ت�أمني ف�صيل جمهز‪.‬‬
‫بد�أت املعركة بالوقت املحدد‪ ،‬ومتكنت قواتنا من �إقتحام مواقع الإنعزاليني و�أن تدخل جزءا‬
‫من الدامور‪ ،‬وعندها ثبت �أن الف�صيل املكلف بحماية اجلناح الأي�رس‪ ،‬مل يتمكن من حتقيق هدفه‬
‫و�أنه عاد �إىل املوقع الذي انطلق منه‪ .‬و�شكل هذا اخللل يف تنفيذ اخلطة واقعا جديد‪ ،‬فر�ض‬
‫�إعطاء الأمر (باالن�سحاب) للقوات من املواقع التي مت احتاللها‪ ،‬خ�شية وقوع تلك القوات حتت‬
‫رماية الإنعزاليني‪ ،‬مبا يعر�ضها خل�سائر ج�سيمة‪ ،‬كما و�أن هذا اخللل فوت فر�صة ح�سم املعركة‪،‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪454‬‬
‫وعر�ض الهجوم للف�شل‪.‬‬
‫بعد ف�شل الهجوم الأول �أعيد تنظيم القوات‪ ،‬و�أدخل تعدي ًال على اخلطة ب�أن يكون الهجوم‬
‫الثاين على النحو الآتي‪:‬‬
‫‪1)1‬يتم حت�شيد القوات املهاجمة �أثناء الليل �إىل مواقع االنطالق للمعركة‪.‬‬
‫‪2)2‬تكون �ساعة ال�صفر مع طلوع �شم�س ‪1976/1/21‬م‪.‬‬
‫‪3)3‬ي�صار �إىل ق�صف مدفعي متهيدي (مركز ومكثف) على مواقع اجلي�ش اللبناين والقوى‬
‫الإنعزالية املتواجدة على �أطراف بلدة الدامور وداخلها‪.‬‬
‫‪4)4‬يتم الهجوم على جبهتني من ال�شمال باجتاه اجلنوب ومن الغرب – من خالل ب�ساتني املوز‬
‫– �إىل ال�رشق‪ ،‬مع ترك اجلهة اجلنوبية للبلدة مفتوحة باجتاه ق�رص ال�سعديات‪.‬‬
‫مت تنفيذ اخلطة ح�سب املقرر‪ ،‬ومل تدم املعركة �سوى عدة �ساعات متت بعدها ال�سيطرة على‬
‫كامل بلدة الدامور و�أطرافها‪ ،‬ومل تتجاوز خ�سائرنا يف هذه املعركة �أكرث من ع�رشة عنا�رص بني‬
‫�شهيد وجريح‪� ،‬أما خ�سائر القوات الإنعزالية فقد كانت كبرية‪.‬‬
‫كان بع�ض �أهايل الدامور قبل اقتحامها قد ت�سللوا من اجلهة اجلنوبية للبلدة �إىل ق�رص‬
‫ال�سعديات واحت�شدوا حواليه الأمر الذي جعل الهجوم على الق�رص �سينجم عنه خ�سائر كبرية‬
‫بني الأهايل‪ ،‬لذلك تقرر �إر�سال موفد �إليهم من قبل احلركة الوطنية اللبنانية ليبلغهم ا�ستعداد‬
‫قواتنا لإي�صال كل عائلة �إىل املكان الذي تريده‪ ،‬ومت تكليف �صالح التعمري �أن يقوم با�ستئجار‬
‫و�سائط نقل مدنية تكون جاهزة وقت الطلب‪� ،‬إال �أن رد الأهايل كان �سلبي ًا و�أبلغونا �أنهم يريدون‬
‫االنتقال �إىل املنطقة ال�رشقية من بريوت‪.‬‬
‫�شوهدت مروحية تهبط يف ق�رص �شمعون يف �صباح يوم ‪1976/1/22‬م وعلمنا �أن جنل‬
‫الرئي�س كميل �شمعون قد جاء ليحل مكان والده‪ ،‬لذا �أقلعت الطائرة املروحية وهي تقل كميل‬
‫�شمعون‪ ،‬وبعدها �شوهدت بواخر لنقل الركاب را�سية يف البحر قبالة ق�رص ال�سعديات و�أنزلت‬
‫قوارب لنقل الأهايل املدنيني �إىل بريوت ال�رشقية‪ ،‬وا�ستمرت عملية النقل يومني دون �أن تعيقهما‬
‫قواتنا‪ ،‬وبعد ت�أكدنا من مغادرة الأهايل بقي يف الق�رص وحوله وحدات املغاوير التابعة للجي�ش‬
‫اللبناين‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل وجود داين �شمعون‪ ،‬وجتنب ًا للمواجهة مع قوات اجلي�ش اللبناين التي‬
‫كانت يف و�ضع مي�ؤو�س منه‪ ،‬قمنا ب�إر�سال عر�ض �سلمي مع قائمقام ال�شوف ين�ص على تقدمي‬
‫احلماية والت�سهيالت لوحدات املغاوير يف الق�رص وال�سماح لهم باملغادرة مع �آلياتهم ب�سالم‬
‫عن طريق الدامور مثلث خلده ثم احلدث‪ ،‬و�صو ًال �إىل بريوت ال�رشقية‪ .‬و�أن يغادر معهم داين‬
‫�شمعون �رشيطة ان يوقع معنا وثيقة بت�سليمنا الق�رص‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪455‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫وعاد لنا قائمقام ال�شوف باملوافقة على العر�ض ال�سلمي‪ ،‬لكن داين �شمعون يرغب مبغادرة‬
‫الق�رص عن طريق البحر‪ ،‬و�أن املوفد �أبلغه ب�أن ت�سليم الق�رص �سيتم يف ال�ساعة الثامنة من �صباح‬
‫يوم ‪1976/1/14‬م بح�ضور كل من العقيد حممود �أبو �رضغم‪ ،‬والعقيد دويت�س اللذان كانا مع‬
‫والده كميل �شمعون يف الق�رص‪.‬‬
‫تزامن هذا االنت�صار يف الدامور مع �سقوط خميم (�ضبية) لالجئني الفل�سطينيني بيد قوات‬
‫الأحرار بقيادة داين �شمعون وكان امل�س�ؤول الع�سكري لفتح يف املخيم م�أمون مري�ش قد مت‬
‫اعتقاله‪ ،‬و�أجرت معه قوات الأحرار مقابلة تلفزيونية ك�أ�سري ثم �أطلقت �رساحه‪ ،‬ولهذا �أر�سلت‬
‫القيادة من بريوت باعتماد م�أمون مري�ش ليكون هو الذي يحمل �إىل داين �شمعون وثيقة ا�ستالم‬
‫ق�رص ال�سعديات‪ .‬ح�رض العقيد حممود �أبو �رضغم على ر�أ�س وفد ع�سكري لبناين �إىل الدامور‬
‫�صباح ‪1976/1/24‬م‪ ،‬حيث مت و�ضع خطة نقل وحركة املغاوير لبريوت ال�رشقية حتت حماية‬
‫القوات امل�شرتكة ومغادرة داين �شمعون الق�رص بعد توقيع الوثيقة‪ ،‬ثم حترك الوفد الع�سكري‬
‫اللبناين يرافقه م�أمون مري�ش نحو ق�رص ال�سعديات‪ ،‬وعندما عر�ض م�أمون وثيقة ا�ستالم الق�رص‬
‫على داين �شمعون ليوقعها تفر�س يف وجهه وقال‪� :‬ألي�س �أنت الذي �إ�ست�سلم يل يف خميم �ضبيه‪..‬؟‬
‫فرد عليه م�أمون نعم �أنا وبعدها وقع على الوثيقة‪.‬‬
‫وبخروج مغاوير اجلي�ش اللبناين من ق�رص ال�سعديات وحميطه �أقدمت قوات اجلي�ش اللبناين‬
‫املتواجدة يف مطار بريوت وحميطه على رفع احلاجز الع�سكري الذي �إقامته عند بلدة خلده طوع ًا‬
‫وبذلك �أ�صبح الطريق الدويل من بريوت �إىل �صيدا �سالك ًا للمرور‪.‬‬
‫�شهادة حممد م�صلح العزة (م�صعب العزة) يف معركة الدامور‪:‬‬
‫حتركت برفقة �أبي الطيب لتمرير القوات عن طريق خلده – الدامور الجتياز حاجز اجلي�ش‬
‫اللبناين يف خلده وا�ستمرت حمادثات الأخ �أبو الطيب وحاجز اجلي�ش اللبناين لفرتة طويلة دون‬
‫نتيجة‪ ،‬ويف النهاية ارت�أيت �أن �أعود لأ�سلك طريق �أخرى عرب عرمون ثم اجلبل حتديد ًا بلدة‬
‫«بعورتا» وبالفعل عدت و�سلكت ذلك الطريق وو�صلت �إىل حارة الناعمة بحدود طلوع الفجر‬
‫واجتمعت ب�أبي مو�سى ب�صفته قائد ًا ملنطقة اجلنوب‪ ،‬وكوين �س�أقوم بالهجوم على الدامور‬
‫وال�سعديات وبعد يومني من التمركز قمت بالهجوم بعد التن�سيق مع املدفعية التي ق�صفت املنطقة‬
‫حوايل ن�صف �ساعة تبعها هجومنا الذي ا�ستغرق وقت ًا ق�صري ًا متكنا خالله من اخرتاق املتاري�س‬
‫املهمة يف الدامور‪ ،‬وطلب اجلي�ش اللبناين من خالل العقيد «�أبو �رضغام» ولوجود الرئي�س‬
‫كميل �شمعون يف ق�رص ال�سعديات وقف �إطالق النار‪ ،‬وبالفعل �أبلغنا ب�إر�سال وفد للتفاو�ض‪،‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪456‬‬
‫فت�شاورت مع �أبي مو�سى واتفقنا على �أن نطلب من �أبي عمار �أن ير�سل م�أمون مري�ش رحمه‬
‫اهلل للتفاو�ض معهم رد ًا على ح�صار خميم تل الزعرت الذي �أعطى الإنعزاليني ن�شوة االنت�صار‪،‬‬
‫وقد و�صل م�أمون مري�ش �إىل مقرنا وطلبنا منه �أن يلتزم بال�رشوط الآتية قبل املوافقة على وقف‬
‫�إطالق النار وهي‪ :‬الإن�سحاب من الدامور وال�سعديات والناعمة من قبل جميع القوى الإنعزالية‬
‫واجلي�ش اللبناين‪ ،‬وبعد ذلك ممكن املوافقة على �أية طلبات للطرف الآخر‪ .‬ووافق اجلي�ش اللبناين‬
‫والإنعزاليون على هذا ال�رشط‪ ،‬و�أر�سل زورق �إىل ق�رص ال�سعديات ومت نقل داين �شمعون �إىل‬
‫جونيه عرب البحر وان�سحب اجلي�ش اللبناين والقوى الإنعزالية‪.‬‬
‫ان�شقاقات اجلي�ش اللبناين‪:‬‬
‫و�صف العميد الأول الركن عزيز الأحدب حالة اجلي�ش اللبناين قبل القيام بانقالبه فقال‪:‬‬
‫«�ساهم معظم ال�سيا�سيني بتهدمي اجلي�ش وامل�س بكرامته‪ ،‬والنيل من معنوياته عن طريق‪:‬‬
‫‪1-1‬الت�شكيك بقدرة اجلي�ش يف القيام بواجباته الع�سكرية‪.‬‬
‫‪2-2‬مهاجمة اجلي�ش يف ال�صحف وانتقاده من خالل امل�ؤمترات ال�صحفية واملزايدات احلزبية‪.‬‬
‫‪3-3‬عدم تقوية اجلي�ش ليكون مب�ستوى التحدي الإ�رسائيلي على احلدود‪.‬‬
‫‪4-4‬ت�شكيل امللي�شيات الع�سكرية و�إحاللها مكان القوات امل�سلحة النظامية‬
‫‪5-5‬عدم �إ�رشاك اجلي�ش يف القرارات ال�سيا�سية التي لها ت�أثري على م�صري لبنان‪.‬‬
‫�إن م�ؤ�س�سة اجلي�ش امل�شكلة من جنود ورتباء و�ضباط لي�ست كلها من طبقة اجتماعية واحدة‪،‬‬
‫و�أن اجلنود والرتباء يف معظمهم هم من �أبناء الفئات املحرومة‪ ،‬وه�ؤالء مهيئون �أكرث من غريهم‬
‫لف�ضح �سيا�سة النظام يف قمع حتركات �أبناء مناطقهم �ضد التخلف‪ ،‬وهم على ا�ستعداد �أكرث من‬
‫غريهم لتبني مطالب �إخوانهم العمال والفالحني لأنهم يتح�س�سون �أو�ضاعهم ويدركونها بعفوية‬
‫واقعية ملمو�سة وهم �أي�ضا �ضحية النظام اال�ستغاليل فيعطون دماءهم وحياتهم من �أجل راتب‬
‫�شحيح �ضئيل ال يكفي �سوى حاجاتهم الأ�سا�سية امللحة‪ .‬لقد كانت �صالحيات قائد اجلي�ش مبالغ‬
‫فيها على النحو الآتي‪:‬‬
‫‪1-1‬ميلك احلق يف الت�رصف مبا قيمته (‪ 10‬ماليني لرية لبنانية) بدون رقابة (وهذا مبلغ �ضخم‬
‫يف ال�ستينيات وال�سبعينيات)‪ ،‬لأن الدوالر كان ي�ساوي ما بني ‪ 4-3‬لريات فقط‪.‬‬
‫‪2-2‬ميلك �صالحية تغيري تعليمات تطبيق �أحكام قانون اجلي�ش بال�شكل الذي يراه منا�سبا‪.‬‬
‫‪3-3‬يحدد نوع الأعتدة الع�سكرية واملعدات مبا�رشة وي�ضع �رشوطها ويعني جلان التلزمي‬
‫الت�سليم‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪458‬‬
‫وي�ضيف الأحدب‪� :‬إن �أبرز �سمات الت�سلط الع�سكري والتي ادعى �أنها �أدت التخاذ قرار‬
‫الإنقالب متثلت يف فقدان املقايي�س للت�شكيالت والرتقيات والتعيينات واعتماد هيكلية لقيادة‬
‫اجلي�ش ح�رصت ال�صالحيات بقائد اجلي�ش انطالقا من ال�صالحيات التي كان يتمتع بها قائد‬
‫قوات ال�رشق اخلا�صة �أيام االنتداب الفرن�سي‪ .‬وو�ضع اجلي�ش يف ت�رصف رئي�س اجلمهورية‬
‫جعل ال�سلطة ال�سيا�سية بكاملها بعيدة عن العمل الع�سكري كما كان متبعا �أيام الإنتداب‬
‫الفرن�سي بالن�سبة �إىل املفو�ض ال�سامي‪� .‬إ�ضافة �إىل ربط القرار ال�سيا�سي والإداري والع�سكري‬
‫بقائد اجلي�ش حتت و�صاية رئي�س اجلمهورية مبا�رشة‪ .‬وعدد الأحدب م�ساوئ القيادة وتعطيل‬
‫الكفايات وعدم ال�شعور بامل�س�ؤولية يف نقاط حمددة هي‪:‬‬
‫‪1.1‬عدم حتديد هوية لبنان �أدخل الع�سكريني يف فراغات مثل عدم معرفة عدو لبنان‪ ،‬وعدم اعتماد‬
‫خط وا�ضح يف الإعالم والتوجيه والثقافة الع�سكرية‪ ،‬و�ضياع العقيدة القتالية وهوية القوانني‬
‫الع�سكرية‪.‬‬
‫‪2.2‬جتاهل الكفايات واالخت�صا�ص واعتماد الطائفية واملذهبية يف الوظائف احل�سا�سة يف اجلي�ش‬
‫و�إبعاد فئات معينة ب�سبب انتمائها الطائفي �أو املذهبي‪.‬‬
‫‪�3.3‬إ�ضعاف اجلي�ش من الناحية العددية للمحافظة على التوازن الطائفي وعدم قبول املتطوع‬
‫امل�سلم �إال برفقة متطوع م�سيحي‪.‬‬
‫‪4.4‬ت�سلط فئة معينة على �أجهزة ال�شعبة الثانية بحيث حتولت من م�ؤ�س�سة ترعى �سالمة و�أمن‬
‫الوطن واملواطنني �إىل جهاز قمع املواطنني بع�ضهم ببع�ض‪ ،‬واملحافظة على م�صالح فئة معينة‬
‫وامتيازاتها‪.‬‬
‫‪5.5‬توريط اجلي�ش يف الأمور احلزبية وال�سيا�سية مما �أدى �إىل هوة كبرية بني اجلي�ش وفئات‬
‫كثرية من ال�شعب �أظهرته ك�أنه لفئة من دون الأخرى‪.‬‬
‫‪6.6‬لقد كانت القوى امل�سيطرة على اجلي�ش اللبناين والتي برز �ضعفها يف املواجهات مع‬
‫�إ�رسائيل و�ضد االعتداءات الإ�رسائيلية على بريوت تبذل ق�صارى جهدها ل�شن معركة حا�سمة‬
‫�ضد الوجود الفل�سطيني يف لبنان وحماولة الق�ضاء على املقاومة الفل�سطينية‪ ،‬فلج�أت �إىل جتريب‬
‫حظها يف �إعالن احلرب على املقاومة‪ ،‬واقتحام املخيمات ونزع ال�سالح الفل�سطيني بد ًال من دعم‬
‫املقاومة وتعزيز قدرات اجلي�ش باجتاه وحماية �سيادة لبنان‪.‬‬
‫وعندما عادت احلرب الأهلية اللبنانية �إىل �رضاوتها دعت قيادات امللي�شيات االنعزالية �إىل‬
‫التعبئة العامة‪ ،‬وتزامن هذا الت�صعيد مع ان�شقاقات داخل اجلي�ش اللبناين على النحو الآتي‪:‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪459‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫�أوال‪ :‬جي�ش لبنان العربي‬


‫ن�ش�أت ظاهرة «جي�ش لبنان العربي» مطلع ‪1976‬م‪ ،‬فقد بد�أت جمموعات من اجلنود وال�ضباط‬
‫تتمرد عل قياداتها وتخرج من الثكنات مع �أ�سلحتها و�آلياتها‪ ،‬وكان �أبرز وجوه احلركة الرائد‬
‫�أحمد املعاري واملالزم �أول �أحمد اخلطيب وكالهما من الوطنيني ال�سنة داخل اجلي�ش ومن جنوب‬
‫لبنان‪ .‬وقال العقيد �سليم مغبغب‪« :‬منذ البداية اعتربت ت�رصف املالزم �أول �أحمد اخلطيب ردة‬
‫فعل حمقة على و�ضع �سائد ظامل داخل اجلي�ش‪ ،‬لكن مل �أكن �أتوقع �أن تتم بهذه ال�سهولة‪ ،‬لقد‬
‫كنت مع كثريين غريي من ال�ضباط من خمتلف الفئات ن�شعر ب�أن هناك غبنا الحقا بالع�سكريني‬
‫امل�سلمني الذين كانت املراكز الرئي�سة بعيدة عن متناولهم �إذ كانت وقفا على املنتمني �إىل طائفة‬
‫معينة‪ .‬هل كان ال�ضابط امل�سلم ي�صبح رئي�سا لل�شعبة الثانية مث ًال‪.‬؟ ال‪ .‬هل كان ميكنه �أن يتبو�أ �أي‬
‫مركز يف القيادات الأ�سا�سية للمناطق‪.‬؟ �أي�ضا ال‪ ..‬وغري ذلك مما �سبب �شعور ًا بالغنب عند كثريين‪،‬‬
‫خ�صو�صا من ال�ضباط اجلدد»‪.‬‬
‫يف ال�ساعة التا�سعة من �صباح يوم ‪1976/1/21‬م حترك املالزم �أول �أحمد اخلطيب والرائد‬
‫�أحمد املعاري من منطقة اجلنوب‪ ،‬وو�صل على ر�أ�س عنا�رصه �إىل منطقة البقاع‪ ،‬وكان على و�شك‬
‫ال�سيطرة على ثكنتي ابلح ورياق‪� ،‬إال �أن قواته متركزت على ظهر البيدر وج�رس النملية‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك بد�أت �سل�سلة من االن�شقاقات واالن�ضمام “جلي�ش لبنان العربي” النحو الآتي‪:‬‬
‫‪1-1‬يوم ‪1976/3/8‬م ان�ضم قائد موقع “ارنون” الع�سكري الذي يقع �رشق بلدة النبطية مع‬
‫جميع عنا�رصه �إىل جي�ش لبنان العربي ومت اال�ستيالء على جميع الأ�سلحة والذخائر وعلى عدد‬
‫من الآليات ويعترب ذلك املوقع من مراكز املدفعية املهمة يف منطقة اجلنوب‪.‬‬
‫‪2-2‬يوم ‪1976/3/9‬م ان�ضمت حامية را�شيا الوادي بكامل عنا�رصها واعتدتها �إىل جي�ش‬
‫لبنان العربي‪ ،‬و�أعلن الرائد �إبراهيم �شاهني ت�أييده حلركة اخلطيب مع كل �ضباط وجنود كتيبة‬
‫امل�شاة الثامنة‪.‬‬
‫‪3-3‬يوم ‪1976/3/10‬م ان�ضمت �ست ثكنات ع�سكرية �إىل جي�ش لبنان العربي منها �أربعة يف‬
‫ال�شمال هي ثكنات حنا غ�سطني يف عرمان �شمال طرابل�س‪ ،‬وموقع تربل الع�سكري �إىل ال�رشق من‬
‫بلدة املنية‪ ،‬وثكنة القبة �أي�ض ًا‪ ،‬وثكنات يف اجلنوب هي ثكنة يو�سف اخليام‪ ،‬وثكنة �أنور عثمان‬
‫(مرجعيون)(‪.)19‬‬
‫‪« 19‬كتاب البيان رقم (‪ ،»)1‬انقالب العميد الركن عزيز الأحدب دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪�1977 ،‬ص‪.15‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪460‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬جي�ش التحرير اللبناين‪:‬‬
‫كانت ق�ضية القبيات الق�شة التي ق�صمت ظهر البعري‪ ..‬فبعد �أن قام اجلي�ش بتطويق البلدة‬
‫ومهاجمتها بحجة �أن بع�ض ال�سكان قطعوا الطرق و�أقاموا احلواجز ت�أكد للرائد �أحمد املعاري‬
‫قائد جي�ش لبنان العربي يف ال�شمال ب�أن املعلومة مغلوطة‪ ،‬لكن حترك اجلي�ش �أثار حفيظة اجلنود‬
‫امل�سيحيني يف ثكنة �رصبا ويف القاعدة البحرية يف جونيه‪ ،‬فقاموا باالن�شقاق يوم ‪1976/3/5‬م‬
‫وخرجوا مبالالت اجلي�ش وقد كتبوا عليها عبارة (جي�ش التحرير اللبناين)‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬جي�ش العماد حنا �سعيد‪:‬‬
‫كان ارتباطه مع رئي�س اجلمهورية وي�ضم جميع العنا�رص املوزعة �إىل خمافر احلرا�سة‬
‫للثكنات واملن�ش�آت الع�سكرية‪ ،‬و�إىل حواجز منت�رشة ملكافحة تهريب الأ�سلحة يف كافة الأرا�ضي‬
‫اللبنانية‪ ،‬وكذلك قوة قيادة بريوت التي مل يتجاوز عددها الألف عن�رص وكانت موزعة بني قيادة‬
‫املنطقة وجمل�س النواب ومبنى الإذاعة ومبنى �رشكة التلفزيون يف تلة اخلياط وحرا�سة بع�ض‬
‫امل�ؤ�س�سات العامة وثكنات املنطقة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬انقالب العميد الأول الركن عزيز الأحدب‪:‬‬
‫قام العميد الأول الركن عزيز الأحدب قائد منطقة بريوت بانقالب ع�سكري بتاريخ‬
‫‪1976/3/11‬م(‪ )20‬حيث انطلق على ر�أ�س قوة مدرعة من قيادة منطقته يف �شارع ف�ؤاد الأول‪،‬‬
‫فاحتل مبنى �رشكة التلفزيون يف تلة اخلياط‪ ،‬ثم مبنى الإذاعة اللبنانية ومنها بث البالغ رقم‬
‫(‪ )1‬الذي جاء فيه‪�« :‬أنه �إنقاذا لوحدة اجلي�ش‪ ،‬و�إعادة اللحمة �إىل الع�سكريني‪ ،‬و�إنقاذ ًا للو�ضع‬
‫املتدهور يف البالد وملّا كانت احللول قد ذهبت �إدراج الرياح‪ ،‬وحفاظا على امل�صلحة العامة اللبنانية‬
‫العليا و�إعادة اللحمة �إىل ال�شعب اللبناين الكرمي‪ ،‬وبوحي من �ضمريي و�أ�صالتي الع�سكرية‬
‫وانطالقا من م�س�ؤوليتي �أمام اهلل والتاريخ �أقرر ما يلي‪:‬‬
‫‪�1-1‬أطلب من احلكومة اللبنانية تقدمي ا�ستقالتها خالل �أربع وع�رشين �ساعة و�إال اعتربت بحكم امل�ستقيلة‪.‬‬
‫‪ 20‬ك�شف جوزيف �أبو خليل يف التاريخ نف�سه يف كتابه “ق�صة املوارنة يف احلرب” ال�صادر عن �شركة املطبوعات‪ -‬بريوت‬
‫‪1990‬م كيف �أنه �أبحر من نادي اليخوت يف جونيه �سنة ‪1976‬م‪ ،‬وكيف ا�ستقبله �ضابط خمابرات �إ�سرائيلي يدعى «�أبو‬
‫داوود»‪ ،‬ثم التقى يف الليلة نف�سها �شمعون برييز‪ ،‬وهكذا بد�أت مرحلة جديدة يف عالقة حزب الكتائب ب�إ�سرائيل‪ ،‬وكان‬
‫امل�س�ؤول عن االت�صال بهذا احلزب �آنذاك (مناحيم نافوت) امللقب مندي من املو�ساد‪ ،‬وكانت الأ�سماء احلركية لبع�ض‬
‫م�س�ؤويل الكتائب لدى املو�ساد على النحو الآتي‪ :‬جوزيف �أبو خليل (البري)‪ ،‬زاهي الب�ستاين(مارلون)‪� ،‬سليم اجلاهل‬
‫(مي�شال �سان �أندريه) �أنطوان جنم (نبتون) �أ�سعد ال�شفرتي (غي) وكان وليد فار�س «وودي» �ضابط ارتباط القوات‬
‫اللبنانية ب�إ�سرائيل‪ ،‬وهذا ي�ؤكد �أن القادة ال�سنة يف اجلي�ش اللبناين كانوا يف حالة احتقان من �سلوك بع�ض القادة ال�سيا�سيني‬
‫اللبنانيني من االنعزاليني وات�صاالتهم مع العدو الإ�سرائيلي‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪461‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫‪�2-2‬أطلب من فخامة رئي�س اجلمهورية اللبنانية حمافظة على الوحدة اللبنانية �أن ميتثل بزميله‬
‫الأ�سبق ب�شارة اخلوري ويقدم ا�ستقالته من �سدة الرئا�سة و�إال اعترب بحكم امل�ستقيل‪.‬‬
‫‪�3-3‬أطلب من جميع القطاعات املدنية والع�سكرية �أن ت�ؤيد حركتي الإ�صالحية و�أن تلتزم بالهدوء‬
‫وال�سكينة حتت طائلة امل�س�ؤولية‪.‬‬
‫‪�4-4‬أعلن حالة الطوارئ يف البالد و�أمنع التجوال يف منطقة بريوت حتى �إ�شعار �آخر‪.‬‬
‫‪�5-5‬أدعو جمل�س النواب خالل (�سبعة �أيام) من تاريخ هذا القرار �إىل انتخاب رئي�س جديد للبالد‪.‬‬
‫‪�6-6‬أدعو فخامة رئي�س اجلمهورية اجلديد �إىل ت�شكيل حكومة جديدة فور انتخابه‪.‬‬
‫حرب الفنادق والأ�سواق التجارية واجلبل‪:‬‬
‫بعد انقالب الأحدب وما تلى ذلك من �أحداث كتوحيد حركتي الأحدب واملالزم �أحمد اخلطيب‬
‫يوم ‪ 1976/3/15‬و�إعالن رئي�س احلركة الوطنية اللبنانية كمال جنبالط ب�أن هذا التوحيد‬
‫حم�صور ريثما يتم ت�شكيل جي�ش وطني لبناين عربي ين�صهر فيه اجلميع ويحقق توازن ًا وطني ًا‪.‬‬
‫ظهر توتر يف بريوت وبع�ض ال�ضواحي‪ ،‬حيث وقع ا�شتباك قوي دار على حمور الفنادق‬
‫– برج املر ا�ستعملت فيه الأ�سلحة الثقيلة والر�شا�شات واملدفعية‪ ،‬وتعر�ض برج املر لق�صف‬
‫�شديد‪ ،‬يف حني تقدمت «القوات امل�شرتكة» ومتركزت يف فندق فيني�سيا‪ ،‬كما �سمعت طلقات نارية‬
‫يف املنطقة التجارية على حمور باب ادري�س و�شارع جورج بيكو‪ ،‬واندلعت ا�شتباكات على طول‬
‫خط طريق ال�شام – �سوديكو ور�أ�س النبع‪ ،‬وا�شتد الق�صف املتبادل على جبهة ال�شياح – عني‬
‫الرمانة‪ ،‬و�سقط يف جميع اال�شتباكات املذكورة (‪ 18‬قتيل) و(‪ 20‬جريح) ووجدت (‪ 25‬جثة‬
‫جمهولة الهوية)‪.‬‬
‫وتزامن ت�صعيد اال�شتباكات مع ت�صعيد �سيا�سي حيث �أجمعت الأحزاب والقوى ال�سيا�سية‬
‫على �رضورة ا�ستقالة الرئي�س اللبناين �سليمان فرجنية الذي �أ�رص على البقاء يف احلكم قائ ًال‪:‬‬
‫«�إذا �أرادوا �إخراجي فلن يكون ذلك �إال على جثتي» م�شري ًا �إىل بع�ض الآراء التي كانت تتحدث‬
‫عن «احل�سم الع�سكري» يف لبنان وحتديد ًا موقف كمال جنبالط الذي اعترب �أن الوقت الذي مير‬
‫يجعل احلل الع�سكري للأزمة ال�سيا�سية �شبه م�ستحيل‪ ،‬قا�صدا املوقف ال�سوري الذي يرى �أن‬
‫احلل الع�سكري هو انقالب ملعادالت ال�سيا�سة اللبنانية‪.‬‬
‫بدا يف ‪1976 /3/17‬م �أن مو�ضوع احل�سم الع�سكري قد �سقط نتيجة التفاق دم�شق الذي‬
‫لعب دور ًا �أ�سا�سيا فيه الرئي�س الأ�سد بح�ضور عبد احلليم خدام‪ ،‬حكمت ال�شهابي‪ ،‬يا�رس عرفات‪،‬‬
‫�صالح خلف‪ ،‬زهري حم�سن‪ ،‬نايف حوامتة‪ ،‬الأمام مو�سى ال�صدر ووفد حزب الكتائب الذي ي�ضم‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪462‬‬
‫جورج �سعادة وكرمي بقرادوين‪ ،‬ويق�ضي االتفاق بعدم اللجوء �إىل القتال حل�سم م�س�ألة ا�ستقالة‬
‫الرئي�س اللبناين �سليمان فرجنيه‪ .‬هذا االتفاق كان �ضد رغبة كمال جنبالط‪ ،‬وهو الأمر الذي‬
‫يف�رس ا�شتعال املعارك يف منطقة جبل لبنان مبا يف ذلك املنت وال�شوف ليلة ‪1976/3/18‬م‪،‬‬
‫فيما �شهد النهار �أ�شد اال�شتباكات على جبهة الكحالة – عاليه‪ ،‬وميكن الت�أريخ حلرب الفنادق‬
‫اعتبار ًا من ‪1976/3/18‬م‪ ،‬حيث انفجرت حرب طاحنة ا�ستخدمت فيها الدبابات وامل�صفحات‬
‫وال�صواريخ‪.‬‬
‫وجاء يوم ‪1976/3/19‬م الذي كاد �أن ي�شعل فتنة كربى يف لبنان‪ ،‬فبينما كان كل من‬
‫الر�ؤ�ساء كامل الأ�سعد و�صائب �سالم ور�شيد كرامي يت�أهبون لل�صعود �إىل الطائرة ال�سورية‬
‫التي �ستقلهم �إىل دم�شق من مطار بريوت‪� ..‬صعد �إىل الطائرة كل من الرئي�سني ر�شيد كرامي‬
‫و�صائب �سالم ومرافقيهما‪ ،‬وذلك قبل و�صول الرئي�س كامل الأ�سعد بلحظات‪ .‬وفج�أة دوى‬
‫انفجار هائل‪ ،‬وا�شتعلت النار يف الطائرة وكادت تلتهم جميع من فيها‪ ،‬وب�أعجوبة مت �إنقاذ الركاب‬
‫وكان �آخر من غادر الطائرة امل�شتعلة الرئي�س �صائب �سالم الذي قفز من باب الطوارئ بعد‬
‫�أن حالت النريان دون نزوله من الباب العادي‪ ،‬وبعد التحقيق تبني �أن �صاروخني انطلقا نحو‬
‫الطائرة ف�أ�صاب �أولهما �أر�ض املطار يف حني �أ�صاب الثاين الطائرة مبا�رشة‪ .‬وقيد احلادث �ضد‬
‫جمهول رغم كل الإ�شاعات التي قالت ب�أن الرئي�س �سليمان فرجنية كان وراء احلادث‪.‬‬
‫�أعلن كمال جنبالط عن ت�شكيل “جي�ش فخر الدين” بتاريخ ‪1976/3/20‬م داعي ًا القوى‬
‫الوطنية من حزبية وع�سكرية و�شعبية “من زغرتا �إىل جزين” �إىل موا�صلة املعركة �إىل �أن ي�ستقيل‬
‫�سليمان فرجنية(‪ )21‬م�ؤكد ًا �أنه ما من منطقة يف جبل لبنان �إال وميكن ال�سيطرة عليها من عالية‬
‫وحتى زغرتا مطالبا الأهايل ب�رضورة ا�ستنكار ممار�سات حزب الكتائب والوطنيني الأحرار‪.‬‬
‫‪� 21‬سليمان قبالن فرجنية‪1992/7/23-1910/6/15( :‬م) رئي�س اجلمهورية اللبنانية من ‪1976 – 1970‬م‪ ،‬انتخب �سنة ‪1960‬م‬
‫كع�ضو يف املجل�س النيابي خلفا الخيه حميد‪ ،‬واعيد انتخابه �سنوات ‪ 1964‬و‪ ،1968‬انتخب عام ‪ 1970‬رئي�سا بفارق �صوت‬
‫واحد (‪� 50‬ضد ‪ )49‬امام اليا�س �سركي�س‪ ،‬خلفا للرئي�س �شارل حل‪� ،‬شهد عهده ‪ 7‬حكومات تر�أ�سها ‪ 6‬ر�ؤ�ساء خمتلفون وهم �صائب‬
‫�سالم (مرتني) امني احلفاظ‪ ،‬تقي الدين ال�صلح‪ ،‬ر�شيد ال�صلح‪ ،‬نور الدين الرفاعي‪ ،‬ر�شيد كرامي‪ ،‬كما �شهد عهده بداية احلرب‬
‫االهلية اللبنانية وذلك يف ‪ ،1975/4‬عار�ضت احلركة الوطنية اللبنانية حكمة وطالبت با�ستقالته يف ‪1967/1/24‬م وقع ‪66‬‬
‫نائبا عري�ضة تطالبه باال�ستقالة‪ ،‬لكنه رف�ضها م�صرا على انهاء واليته‪ ،‬كان من اركان اجلبهة اللبنانية حتى انف�صاله عنها عام‬
‫‪1978‬م بعدما �ساءت عالقته بباقي اع�ضاءها‪ ،‬وادت هذه اخلالفات الى قيام عنا�صر من القوات اللبنانية بقيادة �سمري جعجع‬
‫بالهجوم على معقله باهدن مما ادى الى مقتل جنله طوين قائد ملي�شيا املرده ر�شح نف�سه لرئا�سة اجلمهورية خلفا المني اجلميل‬
‫�سنة ‪ ،1988‬لكن ح�صلت عدة امور ادت الى الغاء االنتخابات حيث مل يتفق اع�ضاء الربملان على انتخاب رئي�س‪ ،‬بينما حاولت‬
‫�سوريا والواليات املتحدة فر�ض انتخاب خمايل ال�ضاهر رئي�سا للجمهورية‪ ،‬فبهذه االحداث مل جتري االنتخابات مبوعدها و�سلم‬
‫الرئي�س اجلميل ال�سلطة حلكومة ع�سكرية بقيادة قائد اجلي�ش مي�شال عون ومل يعرتف بهذه احلكومة عدد كبري من ال�سيا�سيني‬
‫واعرتفوا بحكومة كانت قائمة برئا�سة �سليم احل�ص رئ�س الوزراء بالنيابة �آنذاك‪ ،‬ومت بهذه الفرتة عقد م�ؤمتر الطائف بني‬
‫االطراف اللبنانية‪ ،‬ومت عقد اتفاق الطائف وبعد االتفاق مت االتفاق بني ال�سيا�سيون امل�شاركون يف امل�ؤمتر ومبوافقة ال�سعودية‬
‫و�سوريا وعدد من الدول على انتخاب الرئي�س رينيه معو�ض رئي�سا للجمهورية وكانت تربط الرئي�س فرجنية عالقة مميزة مع‬
‫الرئي�س ال�سوري حافظ اال�سد‪ ،‬خلفه �سيا�سيا حفيده �سليمان فرجنية‪ ،‬تويف يف زغرتا يف ‪1992/7/23‬م‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪463‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫وظلت جبهة الفنادق م�شتعلة‪ ،‬حيث �شهدت ترا�شق ًا عنيف ًا بال�صواريخ والهاونات والر�شا�شات‬
‫الثقيلة على كل املحاور‪ ،‬ون�شطت �أعمال القن�ص‪ ،‬ويف املنطقة التجارية ا�ستمرت �أعمال القن�ص‬
‫وخ�صو�صا يف �ساحة ال�شهداء‪� ،‬أما جبهة طريق ال�شام وال�شياح وعني الرمانة والنبعة و�سن‬
‫الفيل وحمور الكحالة – عالية فقد حتولت �إىل �ساحات حرب دموية‪.‬‬
‫وعلى اجلانب الفل�سطيني فقد وجه الرئي�س عرفات كلمة عرب �إذاعة �صوت فل�سطني مبنا�سبة‬
‫الذكرى الثامنة ملعركة الكرامة قال فيها‪� :‬إن ما يحدث يف لبنان هو جزء من املخطط الذي قال‬
‫عنه “بن غوريون” والذي يهدف �إىل �إن�شاء دويالت �صغرية‪ ،‬و�أن لبنان يتعر�ض مل�ؤامرة حيث‬
‫يريدون تق�سيمه‪.‬‬
‫انفجرت بريوت ليلة ‪1976/3/21‬م وتقاذفت فوقها القذائف وت�صاعدت �أل�سنة اللهب‬
‫يف �أ�سواقها التجارية‪ ،‬وكانت ال�صواريخ تنفجر بني البنايات ويف ال�شوارع “متزامنة مع‬
‫ا�شتعال جبهات اجلبل والكحالة وعالية �إىل ظهور ال�شوير وبكفيا يف املنت‪ ،‬وتبادلت املنطقتان‬
‫الغربية وال�رشقية قذائف املدفعية‪ .‬و�شهدت جبهة الفنادق تبد ًال �رسيع ًا بعد �أن احتلت “القوات‬
‫امل�شرتكة” فندق هوليداي �إن‪ ،‬وا�ستمر الق�صف بني حمور الفيني�سيا – �ستاركو وامتد الق�صف‬
‫�إىل كل �أنحاء العا�صمة‪ ،‬و�سقط عدد كبري من القتلى واجلرحى‪ ،‬والتهمت النريان كل موجودات‬
‫ال�رسايا الكبرية ومكتب رئي�س احلكومة والوثائق وامل�ستندات واملحفوظات‪.‬‬
‫ا�ستعاد “املرابطون”(‪ )22‬والقوات امل�شرتكة ال�سيطرة على حمور الهوليداي �إن – ال�سان‬

‫‪ 22‬حركة «املرابطون»‪ ،‬ذات التوجه النا�صري‪ :‬م�ؤ�س�سها هو �إبراهيم قليالت «�أبو �شاكر»‪ ،‬مواليد ‪1940‬م من �أ�سرة منا�ضلة‪،‬‬
‫كانت �أول م�شاركاته ال�سيا�سية عام ‪1956‬م دعماً لعبد النا�صر عند ت�أميم القناة �إذ التحق مبع�سكر �أبو قري ثم عاد �إلى‬
‫لبنان لي�شارك عام ‪1958‬م بالثورة �ضد الرئي�س كميل �شمعون داعماً للموقف النا�صري العروبي �ضد جماعة حلف بغداد‪.‬‬
‫عام ‪1967‬م بعد خروجه من ال�سجن بتهمة التحري�ض على قتل �صحايف مناه�ض لعبد النا�صر‪� ،‬ألف جماعة النا�صريني‬
‫امل�ستقلني‪ ،‬عام ‪1975‬م ان�ضم النا�صريون امل�ستقلون �إلى احلركة الوطنية اللبنانية بزعامة كمال جنبالط‪ ،‬و�شارك‬
‫مقاتلوها بالتحالف مع قوات احلركة الوطنية يف املعارك بوجه ميلي�شيات اجلبهة اللبنانية اليمينية بزعامة كميل �شمعون‬
‫وبيار اجلميل‪ .‬وكان معظم مقاتليها من �أبناء بريوت الذين �أرادوا الدفاع عن �أحيائهم‪ ،‬واكت�سبت احلركة �شهرة بعد‬
‫انت�صاراتها يف معارك الفنادق يف بريوت �أمام امليلي�شيات اليمينية‪ ،‬ف�أ�صبحت ميلي�شيا احلركة التي �سميت باملرابطني تيمناً‬
‫بفاحتي الأندل�س‪ ،‬و�أ�صبحت من �أكرب امليلي�شيات ال�سنية‪ .‬كانت عالقتي مع �إبراهيم قليالت عالقة جيدة وكان التن�سيق‬
‫الع�سكري والأمني بيننا على �أكمل وجه‪ ،‬وجميع املعارك التي خا�ضتها هذه احلركة كانت باال�شرتاك معنا‪ ،‬وكنا دائما‬
‫نقدم لهم الدعم وظل املرابطون �أوفياء للق�ضية الفل�سطينية حتى �آخر رمق وحني تخلى عنا الأ�صدقاء �إال �أنهم بقوا على‬
‫وفائهم لنا حتى النهاية‪ .‬كان نا�شطو احلركة يف ‪1987‬م يت�ألفون من ن�سبة ‪ %45‬من امل�سلمني ال�سنة و‪ %45‬من امل�سلمني‬
‫ال�شيعة و‪ %10‬من الدروز‪ .‬ربطتها عالقة وطيدة بحركة فتح ويف تاريخها الع�سكري‪� ،‬شاركت يف مقاومة االجتياح �سنة‬
‫‪ 1982‬م وخ�صو�صاً على حماور املرف�أ واملتحف حيث ت�صدت لهجوم �إ�سرائيلي كبري يف الرابع من �آب عام ‪1982‬م‪ ،‬ومع‬
‫خروج القوات الفل�سطينية من لبنان فقدت احلركة �أكرب حليف لها‪ ،‬وبقيت على العهد يف حماية ال�شعب الفل�سطيني يف‬
‫املخيمات وحينما اندلعت اال�شتباكات مع حركة �أمل ال�شيعية وقف املرابطون بجانب املخيمات يف هذه اال�شتباكات‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪464‬‬
‫�شارل يف ‪1976/3/22‬م‪ ،‬بعد معركة عنيفة بالدبابات واملدفعية‪ ،‬حيث قدر عدد القتلى‬
‫واجلرحى ‪ 100‬قتيل و‪ 200‬جريح‪ ،‬وكانت قوات الكتائب قد متكنت يف هجوم �رسيع مهدت‬
‫له بق�صف مدفعي مركز من اقتحام فندق هوليداي �إن يف ال�ساعة ال�ساد�سة �صباح ًا و�سيطرت‬
‫كذلك على فندق فيني�سيا وحتكمت بطرق التموين يف منطقة عني املري�سة‪� ،‬إال �أن القوات امل�شرتكة‬
‫عاودت الهجوم على قوات الكتائب م�ستخدمة الدبابات و�أعلن “املرابطون” ال�سيطرة على‬
‫منطقة ال�سان �شارل ونادي ال�ضباط والهوليداي �إن‪.‬‬
‫وخالل العمليات القتالية �أمطرت قذائف الهاونات منطقة احلمراء والأ�رشفية والنا�رصة‪،‬‬
‫وال�شياح ووقع عدد كبري من القتلى واجلرحى وهدمت املنازل واملحالت التجارية وعرث على‬
‫ع�رشات اجلثث يف ال�شوارع‪� ،‬إال �أن قوات الكتائب �شنت هجوم ًا م�ضاد بعدد من الآليات عرب‬
‫منطقة املرف�أ والزيتونة و�ستاركو‪ ،‬فيما كانت املدفعية الثقيلة تق�صف طرق الإمدادات �إىل املنطقة‬
‫بكثافة‪ ،‬وتنبه “املرابطون” للهجوم‪ ،‬ودارت معركة من ر�صيف �إىل �آخر‪ ،‬وانت�رشت اجلثث‬
‫وغ�صت �أروقة م�ست�شفى اجلامعة الأمريكية وامل�ست�شفيات الأخرى‬ ‫على الأر�صفة وال�شوارع ّ‬
‫باجلرحى‪ ..‬وتدخلت م�صفحات جي�ش لبنان العربي حيث ق�صفت مكاتب البنك الكندي حيث‬
‫يتمركز الكتائبيون من عدة اجتاهات‪ ،‬واندلعت النريان يف املبنى ويف فندق فيني�سيا وبالقرب من‬
‫النادي الع�سكري فقد املرابطون م�س�ؤول املنطقة الع�سكري “عمر بكدا�ش – �أبو �إبراهيم” كما‬
‫تعر�ض الق�رص اجلمهوري م�ساء لق�صف مدفعي من الناحية ال�شمالية ملطار بريوت الدويل‪.‬‬
‫ا�ستمر الت�صعيد الع�سكري يوم ‪1976/3/23‬م وبلغ ذروته حني ا�شتعلت اجلبهات يف‬
‫بريوت واجلبل مبعارك �ضارية ا�ستخدمت فيها املدفعية وامل�صفحات والدبابات‪ ،‬وا�ستمرت‬
‫معركة الفنادق الأكرث حدة و�رشا�سة يف حني غطت القذائف معظم �أحياء العا�صمة‪ ،‬كما ا�شتعلت‬
‫جبهة اجلبل بهجمات ومعارك عمليات ق�صف �شملت املنت ال�شمايل واجلنوبي وتركزت معارك‬
‫بريوت ب�شكل خا�ص على املقاطعة الرابعة لتنتقل �إىل باب ادري�س امتداد ًا �إىل �شارع احل ّويك‬
‫والنادي الع�سكري ومقربة الفرن�سيني وفندق النورماندي وحول فندق الهيلتون‪ ،‬وقد احرتق‬
‫فندقي قرطاجة وبيبلو�س وال�سفارة البابوية‪ ،‬كما احرتقت عدة �أبنية يف مناطق احلمرا وباب‬
‫ادري�س واملنطقة التجارية وابتداء من ال�ساعات الأوىل من �صباح يوم (‪1976/3/23‬م) كان‬
‫مقاتلو الكتائب ينفذون عملية التفاف من جهة ال�رساي مرورا بالكبو�شية ووادي �أبو جميل من‬
‫�أجل فك احل�صار عن جمموعات كتائبية حما�رصة يف منطقة الأ�سواق التجارية‪ ،‬وجاءت العملية‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪465‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫بعد معركة عنيفة باملدفعية من الربجاوي ور�أ�س النبع ا�ستعملت فيها املدفعية وامل�صفحات‪.‬‬
‫�شب حريق كبري يف مرف�أ بريوت داخل �أحد �أكرب م�ستودعات املرف�أ (م�ستودع رقم‪ )10‬الذي‬
‫يت�ألف من خم�سة �أق�سام‪ ،‬وقد �أتى احلريق على ثلثي م�ساحة امل�ستودع وعلى حمتوياته من‬
‫املحروقات والزيوت‪ ،‬وامتد احلريق �إىل امل�ستودع رقم (‪ )9‬الذي يحتوي على �إطارات وورق‬
‫�صحف و�أدوات �صحية‪.‬‬
‫وا�ستجد موقف �سوري يف هذا اليوم حني انك�شف تعميم داخلي لقوات ال�صاعقة بتاريخ‬
‫‪1976/3/17‬م يهاجم الزعيم كمال جنبالط جاء فيه‪�“ :‬إن ال�ضجة التي تقوم حول الت�رصف‬
‫الثوري ال�سليم الذي متار�سه منظمتنا على ال�ساحة اللبنانية‪ ،‬مل تكن حر�صا على امل�صلحة‬
‫الوطنية �أو املقاومة الفل�سطينية‪ ،‬لي�س هناك من هو �أحر�ص منا على امل�صلحة‪ ،‬فحزبنا حزب‬
‫البعث العربي اال�شرتاكي هو �أحد �أطراف احلركة الوطنية اللبنانية‪ ،‬ومنظمتنا هي ف�صيل �أ�سا�س‬
‫من ف�صائل حركة املقاومة الفل�سطينية‪ ..‬وانتهى التعميم �إىل القول‪ :‬نحن الذين نقرر م�صري‬
‫اخلط الوطني ولي�س جنبالط �أو غريه‪.‬‬
‫ا�ستمر الت�صعيد حتى ‪1976/3/25‬م الذي قررت فيه اجلبهة االنعزالية وبالتوافق مع‬
‫الرئي�س فرجنية على احلرب‪ ،‬حيث وجه بيري اجلميل زعيم حزب الكتائب نداء دعا فيه جميع‬
‫الع�سكريني اللبنانيني �إىل جندة الوطن قائ ًال‪“ :‬لقد �صممت على �أن �أحمل م�س�ؤولياتي حتى‬
‫الرمق الأخري دفاعا عن الوطن‪ ،‬و�إين �أناديكم و�أنتظركم جميعا كي ننقذ معا لبنان قبل فوات‬
‫الأوان”‪ ..‬وبنا ًء على ما �أعلنته �إذاعة “�صوت لبنان” م�ساء اليوم نف�سه ف�إن (‪ )11630‬متطوع ًا‬
‫�سجلوا �أ�سماءهم يف جونيه جتاوبا مع نداء بيري اجلميل‪ ،‬وكان الرئي�س �سليمان فرجنية قد قرر‬
‫مغادرة مقره الر�سمي يف بعبدا ب�سبب ا�ستمرار الق�صف‪.‬‬
‫وعلى �صعيد املعارك فقد كانت حرب اجلبل هي الأعنف يف اجلبل خالل اليوم التايل لإعالن‬
‫حالة الطوارئ واحل�شد الع�سكري من قبل حزب الكتائب اللبناين (‪1976/3/26‬م) فيما تزايد‬
‫الق�صف املدفعي بني �شطري بريوت بينما ا�ستمرت ال�صدامات املعززة بالآليات تدور ب�رشا�سة‬
‫على حمور الفنادق ويف الأ�سواق‪ ،‬وخالل معارك الأ�سواق قتل �أمني الأ�سود ابن �أخت �أمني‬
‫اجلميل‪ ،‬و�شهدت حماور ال�ضواحي معارك �رش�سة وتبودلت القذائف يف خلده‪ ،‬الليلكي‪ ،‬احلدث‪،‬‬
‫كفر �شيما‪ ،‬ال�شويفات‪ ،‬و�سقطت قذائف على الق�رص اجلمهوري وعلى الكحالة واللويزة‪ ،‬وكذلك‬
‫على القناة (‪ 5‬و ‪ )7‬وجرت يف املنت معارك قوية بالأ�سلحة الثقيلة والآليات ومدافع الهاون‪ ،‬وركز‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪466‬‬
‫اال�شرتاكيون وحلفائهم من جي�ش لبنان العربي على ق�صف عينطوره واملتني واملروج وبولونيا‬
‫وكانت القوات الإنعزالية ترد بعنف على مراب�ض املدفعية‪.‬‬
‫بعد القتال الدموي يوم (‪1976/3/27‬م) الذي �سقط فيه ما يزيد عن (‪ 200‬قتيل) يف‬
‫عالية والكحالة واملنت ال�شمايل وبريوت‪ ،‬كانت معارك ‪ 1976/3/28‬م بالغة العنف على حمور‬
‫النورماندي – والهيلتون والأ�سواق التجارية ويف الكحالة وعالية واملنت وعينطورة وبريوت‬
‫وال�ضواحي‪ ،‬وباب ادري�س على حماور الريجنت اوتيل والريفويل واالتوماتيك‪ ،‬امتدت �إىل �شارع‬
‫امل�صارف فاحرتق بنك “م�رص – لبنان”‪ ،‬وتعر�ضت الأ�رشفية لق�صف من جهة تل الزعرت‪ ،‬ومن‬
‫جهة ال�شويفات وخلده‪ ،‬وعرث يف العا�صمة على (‪ 23‬جثة) وخالل الليل تعر�ضت الكحالة لق�صف‬
‫مركز ملدة �ساعتني انتقلت بعدها قوات من احلزب التقدمي اال�شرتاكي وجي�ش لبنان العربي‬
‫واجلبهة ال�شعبية وحركة فتح �إىل مهاجمة القوات االنعزالية يف الكحالة ب�أعداد قدرت بحوايل‬
‫(‪ 1000‬مقاتل) ت�ساندهم (‪ 8‬م�صفحات) و(‪ 5‬مدافع) من عيار (‪ 106‬ملم) معززة بالدو�شكا‪،‬‬
‫ومدفعية من عيار (‪ 75‬ملم) �صيني‪ .‬وتركز الهجوم على حمور غالريي خري اهلل �صعودا باجتاه‬
‫ق�صور العبادية‪ ،‬فت�صدت القوات الإنعزالية للهجوم وردت املهاجمني الذين خ�رسوا (‪ 150‬بني‬
‫�شهيد وجريح) ومتكنت من �أ�رس اثنني‪ ،‬ودمرت العديد من املعدات الع�سكرية‪ ،‬ثم �شنت هجوم‬
‫م�ضاد يف ال�ساعة ال�ساد�سة �صباحا حيث �سيطرت على املناطق حتى م�ستديرة عالية و�سيطرت‬
‫على بلدة عينطورة‪.‬‬
‫واجلدير بالذكر �أنه خالل معارك الأ�سواق كان لنا �رسية مقاتلة قدمت ت�ضحيات كبرية‪،‬‬
‫كما كان لنا �رسية �أخرى يف منطقة وادي �أبو جميل بقيادة را�سم الغول‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �أن اخلط‬
‫الفا�صل بني القوات املتحاربة كان من م�س�ؤولية قوات الـ‪ 17‬وي�ضم �أكرث من (‪ )200‬مقاتل‪،‬‬
‫�أما يف معارك الكحالة فكان لنا (‪ 150‬مقاتال) وقد قدمت قوات الـ‪ 17‬بطوالت كبرية وت�ضحيات‬
‫�أكرب دفاعا عن (م‪.‬ت‪.‬ف) واملخيمات وم�ساندة للحركة الوطنية اللبنانية‪ ،‬وقد �سقط لنا يف معارك‬
‫الأ�سواق وخطوط التما�س (‪� 56‬شهيدا) بينهم �أربعة �ضباط‪ :‬املالزم �أول حجازي‪ ،‬واملالزم �أول‬
‫ثائر‪ ،‬واملالزم �أول �أبو غازي‪ ،‬واملالزم فائق علي �سامل‪.‬‬
‫حمل ليل ‪1976/3/29‬م مزيد ًا من اال�شتعال على جبهات العا�صمة وال�ضواحي واجلبل‪،‬‬
‫وجتدد الق�صف املدفعي بني �شطري بريوت وجرى ترا�شق مدفعي بني املنطقة التجارية وخط‬
‫فندقي هوليداي �إن وفيني�سيا وبرج املر‪ ،‬وتعر�ضت �ضواحي الق�رص اجلمهوري ووزارة الدفاع‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪467‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫للق�صف‪ ،‬فيما �أعلنت م�صادر كتائبية ان عينطورة واملنت �أ�صبحتا حتت �سيطرتها‪ ،‬و�أعلن حزب‬
‫الوطنيني الأحرار �أن املنت ال�شمايل بات حتت �سيطرة “منور الأحرار” والقوات احلليفة‪ ،‬و�أن‬
‫قواتهم متكنت من حترير تر�شي�ش وجمدل تر�شي�ش‪.‬‬
‫ا�ستمرت املعارك يوم ‪1976/3/30‬م ومتيزت بالتفاف زغرتاوي على مقاتلي جي�ش لبنان‬
‫العربي يف جمدليا �سقط على �أثره (‪ 120‬قتيل) من الطرابل�سيني‪ ،‬وتابع لواء “املرده” الزغرتاوي‬
‫زحفه باجتاه �أبي �سمرا حيث و�صلوا �إىل “قناطر برن�س” امل�رشفة على طريق طرابل�س الدولية‬
‫يف حملة البح�صا�ص‪ .‬ويف الليل حاولت زوارق بحرية ق�صف باخرتني ل�رشكة كيماويات �سلعاتا‬
‫ومبنى ال�رشكة‪ ،‬لكن حر�س ال�سواحل �صد الزوارق املهاجمة بينما ن�شطت قوات جي�ش لبنان‬
‫العربي يف املنت و�شنت هجوما باجتاه جمدل تر�شي�ش ويف الكحالة وقعت ا�شتباكات باملدافع‬
‫والهاونات‪ ،‬ويف بريوت جرى تبادل ق�صف مدفعي بني �شطري العا�صمة‪ ،‬واحتدمت املعارك يف‬
‫الأ�سواق التجارية وجوار الفنادق‪.‬‬

‫الثقة املفقودة بني حركة فتح‬


‫والنظام ال�سوري‪:‬‬
‫كان عرفات منذ العام ‪1974‬م يراقب التحرك ال�سوري باجتاه �إعادة العالقات مع الواليات‬
‫املتحدة الأمريكية وبر�ؤيته ال�سيا�سية الثاقبة �أدرك �أن القيادة ال�سورية �ستحتمي بالورقة‬
‫الفل�سطينية واللبنانية لتعزيز دورها يف �أية مفاو�ضات مع �إ�رسائيل‪.‬‬
‫ويف هذا االطار ي�ؤكد ريت�شارد موريف ال�سفري الأمريكي الأ�سبق يف �سورية �أنه قد مت التوافق‬
‫بني الواليات املتحدة الأمريكية و�سورية بخ�صو�ص التدخل ال�سوري يف لبنان‪ .‬وقال‪«::‬جئت‬
‫�إىل دم�شق يف �شهر ‪1974/8‬م لإعادة العالقات بني وا�شنطن و�سوريا‪ ،‬وكانت ال�شخ�صيات‬
‫الثالث التي كنت التقيها الرئي�س الأ�سد ووزير اخلارجية خدام واللواء ال�شهابي‪ ،‬وخالل لقائي‬
‫مع ال�شهابي �أملح �ضمن ًا �إىل �أن �سوريا قد ت�ضطر للتدخل مبا�رش ًة لوقف العنف يف لبنان‪ ،‬مل‬
‫يطلب مني �أن �أنقل كالمه لوا�شنطن ومل ي�س�ألني ر�أيي يف املو�ضوع ولكنه كان ينقل �إ َّيل تلميح ًا‬
‫قوي ًا ب�أن �أركان القيادة يف دم�شق يدر�سون اخلطوة بجدية‪ .‬ومت التوافق بني اجلانبني ال�سوري‬
‫والأمريكي �أن هذه حرب �أهلية لبنانية البد من �ضبطها و�أن �سوريا هي امل�ؤهلة لذلك الدور‪.‬‬
‫وجرى التو�صل �إىل تفاهم �سوري – �إ�رسائيلي عرب وا�شنطن‪ ،‬خا�صة �أنه مل تكن هناك ات�صاالت‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪468‬‬
‫�سورية ‪�-‬إ�رسائيلية مبا�رشة‪ ،‬عرف بـ «اخلطوط احلمراء» مع رئي�س احلكومة الإ�رسائيلية �آنذاك‬
‫�إ�سحاق رابني والذي يق�ضي‪ ،‬بطم�أنة �إ�رسائيل �أن التدخل ال�سوري لي�س جلعل لبنان جبهة‬
‫جديدة �ضد �إ�رسائيل من خالل االلتزام بعدم انت�شار القوات ال�سورية �أبعد من ع�رشة كيلو‬
‫مرتات جنوب طريق بريوت ‪ -‬دم�شق وعدم ن�رش بطاريات �صواريخ �أو طلعات جوية �سورية‪.‬‬
‫و�أ�ضاف مرييف �أنه قد جرت �أي�ضا ات�صاالت مع الرئي�س �سليمان فرجنية الذي ات�صل مع بيري‬
‫اجلميل وكميل �شمعون‪ ،‬وكما نعرف مل تقاوم قوات امللي�شيات الإنعزالية القوات ال�سورية عندما‬
‫بد�أت تدخل وهذا �إثبات �أنه بالتوافق مع قيادتها(‪.)23‬‬
‫وي�ؤكد كرمي بقرادوين القيادي يف حزب الكتائب على �صحة تلك املعلومات قائ ًال‪� :‬أنا كنت مع‬
‫اللواء حممد اخلويل عندما جاء يبلغ الرئي�س �رسكي�س والرئي�س فرجنية وبيري اجلميل وكميل‬
‫�شمعون عن مو�ضوع الدخول ال�سوري ع�سكري ًا‪ ،‬طبع ًا الرئي�س �رسكي�س كان متحفظ ًا‪ ،‬ولكنه قال‬
‫�شيء واحد �أنا لن �أعلن هذا التحفظ‪.‬‬
‫ويف بداية العام ‪1976‬م ويف �ضوء التحركات ال�سيا�سية يف املنطقة كان لدى اجلانب ال�سوري‬
‫�شكوك قوية �أن حركة فتح ت�سعى للتحالف مع م�رص‪ ،‬وقد ازدادت هذه ال�شكوك عندما وافق‬
‫الرئي�س ال�سادات على طلب (م‪.‬ت‪.‬ف) ب�إر�سال �إحدى كتائب جي�ش التحرير الفل�سطيني �إىل لبنان‬
‫يف منت�صف �شهر (‪1976/1‬م) وكانت �سوريا تخ�شى �أي�ضا قيام حركة فتح ب�إف�شال الهدنة‬
‫اله�شة التي �أر�ستها القيادة ال�سورية يف لبنان‪ .‬وكانت �أوىل الدالئل على الرغبة ال�سورية يف كبح‬
‫جماح (م‪.‬ت‪.‬ف) قد برزت يف وقت �سابق يوم ‪1975/12/31‬م حني قام م�سلحون من منظمة‬
‫ال�صاعقة املوالية لدم�شق مبهاجمة �صحيفتي املحرر وبريوت امل�ؤيدتان ل(م‪.‬ت‪.‬ف) كردة فعل‬
‫على ن�رش مقاالت معادية للموقف ال�سوري‪ ،‬فقتل اثنان من ال�صحفيني‪ ،‬وجنا �شفيق احلوت‬
‫ممثل املنظمة يف لبنان من موت حمقق‪ ،‬ورد �صالح خلف بت�رصيحات عنيفة �ضد �سوريا قال فيها‪:‬‬
‫ب�أن (م‪.‬ت‪.‬ف) لن يكون عليها و�صاية �سورية ونحن يف فتح ما �سمحنا لأي نظام عربي مهما كان‬
‫�أن يفر�ض و�صايته علينا‪.‬‬
‫ونتيجة للأمر ال�سوري �إىل نائب قائد جي�ش التحرير الفل�سطيني يف بريوت حممود �أبو‬
‫مرزوق باال�شتباك مع قوات (م‪.‬ت‪.‬ف)‪ ،‬وعلى الرغم من رف�ض �أبو مرزوق تنفيذ الأوامر‪� ،‬إال‬
‫�أنه تزايدت �شكوك حركة فتح و�أحزاب احلركة الوطنية اللبنانية ب�أن «الت�سوية» ال�سورية مع‬
‫االنعزاليني هي ر�سالة �إىل الواليات املتحدة الأمريكية‪.‬‬
‫تفاقمت الأحوال بني منظمة التحرير و�سوريا يوم ‪1976/2/22‬م حني �رصح زهري حم�سن‬

‫‪ 23‬زهري دياب (كاتب وحملل �سوري)‪ :‬مقابلة مع ف�ضائية اجلزيرة بتاريخ ‪2004/6/3‬م‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪469‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫�أنه «حان الوقت لدماء جديدة يف (م‪.‬ت‪.‬ف)»‪ ،‬وظهرت مل�صقات يف �شوارع بريوت تظهره‬
‫مرتديا الكوفية وهو يجل�س خلف مكتب والقلم بيده ت�شبيها بيا�رس عرفات‪ ،‬ويف خطوة ت�ؤكد‬
‫قرار فتح يف حتدي الرغبة ال�سورية مت �إر�سال خالد احل�سن لعقد مباحثات مع الرئي�س ال�سادات‬
‫يوم ‪1976/2/28‬م‪ ،‬حيث رد زهري حم�سن على تلك الزيارة بت�رصيحات ندد فيها ببع�ض‬
‫الفل�سطينيني الذين يرددون �شعارات (رف�ض الو�صاية‪ ..‬رف�ض التحجيم) وهاجم الرئي�س‬
‫ال�سادات مدعي ًا �أنه يقود خط التخاذل واال�ست�سالم‪ ،‬منوها ب�أن �إ�رصار (م‪.‬ت‪.‬ف) على القرار‬
‫الوطني امل�ستقل واحلر�ص على قرارات م�ؤمتر الرباط التي تعرتف ب(م‪.‬ت‪.‬ف) ممثال �رشعيا‬
‫وحيدا لل�شعب الفل�سطيني هو حماولة للتغطية على احلوار اخلفي مع ال�سادات‪ .‬وتزامنت هذه‬
‫الت�رصيحات مع ن�رش �سوريا لكتيبة جلي�ش التحرير يف طرابل�س‪ ،‬وحركت كتيبتني �إ�ضافيتني‬
‫�سوريتني �إىل �سهل البقاع‪ ،‬وحذر وزير الدفاع طال�س ب�أن �سوريا �ست�رضب �أي جماعة تعار�ض‬
‫الت�سوية اجلديدة يف لبنان‪.‬‬
‫ولتطويق املوقف دعت �سوريا كل من يا�رس عرفات ونايف حوامتة لزيارة دم�شق ملقابلة‬
‫الأ�سد يوم ‪1976/3/16‬م وردت امللي�شيات االنعزالية بفتح جبهة قتال يف �شمال لبنان و�أعادت‬
‫فر�ض ح�صار كامل على تل الزعرت والنبعة يف بريوت ال�رشقية‪ ،‬ف�صدرت �أوامر �سورية معاك�سة‬
‫�إىل مراب�ض مدفعية منظمة ال�صاعقة حيث �شاركوا يف ق�صف الق�رص الرئا�سي‪ ،‬كما تنحت القوى‬
‫امل�ؤيدة ل�سوريا جانب ًا عندما قادت وحدات من فتح ومن احلركة الوطنية اللبنانية الهجوم الذي‬
‫�أخرج القوات االنعزالية من قرى العبادية و�شويت والقماطية وعيتات يوم ‪1976/3/18‬م‪.‬‬
‫وح�سب �أقوال �أحمد جربيل الذي �أ�ستدعي لدم�شق فج�أة يوم ‪ 1976/3/19‬م ف�إن �سوريا‬
‫كانت تهدف �إىل توجيه �رضبة كبرية ومن ثم الدعوة �إىل م�ؤمتر طاولة م�ستديرة لو�ضع معادلة ال‬
‫غالب وال مغلوب(‪ ،)24‬ولذلك ف�إنه عند عودة �أحمد جربيل من دم�شق يوم ‪1976/3/21‬م �شنت‬
‫قواته هجوم ًا على القوات الكتائبية يف منطقة الفنادق و�ساندته يف الهجوم قوات احلركة الوطنية‬
‫اللبنانية واندفعت القوات امل�شرتكة نحو ميناء بريوت من خالل قتال �شوارع مرير‪.‬‬
‫يف تلك الأيام من القتال كان يا�رس عرفات ي�سعى �إىل فك احل�صار عن خميم تل الزعرت‪ ،‬فحاولت‬
‫كتيبة ن�سور العرقوب التابعة لفتح �أن ت�شق طريقها يوم ‪1976/3/23‬م عرب وادي نهر بريوت‬
‫ومونتيفردي من دون جدوى‪ .‬وا�ستولت قوة من احلركة الوطنية وجي�ش لبنان العربي على‬
‫تر�شي�ش وجمدل تر�شي�س واعترب عرفات �أن هذا التو�سع غري مرغوب فيه كونه يتعدى «اخلط‬
‫الأحمر ال�سوري»‪� ،‬إال �أن كمال جنبالط رف�ض الدعوات االنعزالية وال�سورية لوقف �إطالق‬

‫‪ 24‬يزيد ال�صايغ‪ ،‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪546‬‬


‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪470‬‬
‫النار‪ ،‬وحاول يا�رس عرفات �إقناعه بحل اخلالفات مع الرئي�س الأ�سد ورتب لقاء بينهما يوم‬
‫‪1976/3/27‬م دام ت�سع �ساعات كانت نتيجته القطيعة الكاملة ب�سبب طلب جنبالط ال�سماح له‬
‫مبوا�صلة الهجوم �ضد مناطق الإنعزاليني لأ�سبوعني �آخرين‪.‬‬
‫ا�ضطر عرفات للذهاب �إىل دم�شق ومقابلة الرئي�س الأ�سد يف ‪1976/3/28‬م من �أجل التو�سط‬
‫لإيجاد حل و�سط‪� ،‬إال �أن قوات احلركة الوطنية �شنت هجوم ًا وا�ستولت على قرية عينطورة يف جبل‬
‫ك�رسوان �أثناء وجود عرفات يف دم�شق‪ ،‬و�شن منر �صالح بعد ذلك �أربع هجمات فا�شلة على بلدة‬
‫الكحالة يف ق�ضاء عاليه خ�رست خاللها فتح وجي�ش لبنان العربي واحلركة الوطنية اللبنانية (�ستني‬
‫�شهيد ًا) وبفعل ال�سيطرة على قرية عينطورة �أ�صبح ميناء جونيه يف مرمى مدفعية قوات فتح واحلركة‬
‫الوطنية اللبنانية وجي�ش لبنان العربي‪ ،‬كما متهدت الطريق الخرتاق عمق مناطق االنعزاليني‪.‬‬
‫وكان ت�صعيد الهجمات نتيجة اجتماع بني كمال جنبالط ومنر �صالح ومو�سى العملة وممدوح‬
‫نوفل القائد الع�سكري للجبهة الدميقراطية وغريهم من امل�س�ؤولني الي�ساريني الذين يعتقدون ب�أن‬
‫�إنزال هزمية كاملة بامللي�شيات االنعزالية �سوف يقلل من فر�ص (م‪.‬ت‪.‬ف) يف االن�ضمام �إىل م�رص‬
‫يف عملية ال�سالم التي ترعاها الواليات املتحدة‪ .‬ونتيجة هذا الهجوم اعتقدت �سوريا �أن يا�رس‬
‫عرفات يلعب لعبة مزدوجة ت�شكل تهديد ًا �آخر لتواجدها يف لبنان‪ ،‬ال �سيما بعد �أن عر�ض الرئي�س‬
‫ال�سادات التو�سط و�أدرج اقرتاح ًا لدى جامعة الدول العربية يوم ‪1976/3/29‬م بن�رش قوة‬
‫عربية رمزية حلفظ ال�سالم‪ ،‬كما عاد خطر التدويل لالزمة اللبنانية للظهور يوم ‪1976/3/31‬م‬
‫مع و�صول املبعوث الأمريكي دين براون �إىل بريوت‪.‬‬

‫�صورة البطل حممد علي كالي �أثناء زياته ملخيم �صربا و�شاتيال وكان يرافقه �صالح التعمري و�أ�سد بغداد ووجيه �أبو غربية‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪471‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫االتفاق الأمريكي ال�سوري‬


‫يف طريقه للتنفيذ‪:‬‬
‫و�صل املبعوث الأمريكي دين براون �إىل لبنان يف مهمة لوقف �إطالق النار يف ‪1976-4-1‬م‪،‬‬
‫و�أعلن �أنه ي�ؤيد ن�رش ثالثة �أو �أربعة �ألوية �سورية يف لبنان(‪� )25‬إال �أن القوات الإنعزالية ا�ستثمرت‬
‫�أجواء الهدوء يف اجلبهات الأخرى‪ ،‬و�شنت هجوم ًا عنيف ًا‪ ،‬حيث تعر�ضت عينطورة لق�صف �شديد‬
‫واحتلتها قوات العقيد �سمراين والكتائب والأحرار وقبل حلول موعد وقف �إطالق النار �شنت‬
‫القوات امل�شرتكة هجوما ال�ستعادة عينطورة‪ ،‬فيما التزمت اجلبهات الأخرى بوقف �إطالق النار‪.‬‬
‫قامت القوات ال�سورية يف يوم ‪1976/4/3‬م بفر�ض حظر على ر�سو ال�سفن يف ميناء‬
‫طرابل�س‪ ،‬وقامت قوات ال�صاعقة املوالية ل�سوريا بال�سيطرة على حمطة نفط الزهراين وعلى‬
‫معمل كهرباء “اجليه احلراري” فقطعت امدادات الوقود والكهرباء عن بريوت‪ ،‬كما ق�صفت‬
‫خميم �شاتيال يوم ‪1976/4/8‬م‪ ،‬وقد ا�ستثمرت القوات االنعزالية هذه احلالة وقامت مبنع‬
‫و�صول �شحنات الوقود البديلة من خزانات النفط احلكومية الكائنة يف ال�ضاحية ال�شمالية من‬
‫بريوت‪ ،‬وردت القوات امل�شرتكة مبنع و�صول �إمدادات الطحني �إىل املخازن احلكومية يف ال�شطر‬
‫الغربي من العا�صمة‪ ،‬وبتاريخ ‪1976/4/9‬م �سيطرت القوات ال�سورية على نقطة احلدود يف‬
‫امل�صنع‪ ،‬يف اليوم التايل دخل لواءان مدرعان وكتيبتا م�شاة �إىل �سهل البقاع‪.‬‬
‫�أو�ضح الرئي�س الأ�سد ‪1976/4/11‬م ب�أن كمال جنبالط و”جتار الدين والثورة” كانوا‬
‫على خط�أ لأنهم �أوجبوا الرد عليهم بقوة‪ ،‬كما �أر�سل ب�إ�شارة قوية ملع�سكر االنعزاليني �شدد‬
‫فيها مرار ًا على الرئي�س فرجنية �سبق �أن تنازل عن رئا�سة اجلمهورية‪ ،‬وبعد اخلطاب بلحظات‬
‫بد�أت حواجز التفتي�ش ال�سورية يف لبنان تعتقل عنا�رص القوات امل�شرتكة‪ ،‬ولتجنب االحتكاك‬
‫مع القوات ال�سورية نقلت فتح اجل�سم الرئي�س من قواتها �إىل خارج املنطقة الو�سطى من �سهل‬
‫البقاع يوم ‪1976/4/11‬م‪ ،‬وحت�سب ًا لتوقعات حول ت�صاعد الأحداث ا�ستدعت (م‪.‬ت‪.‬ف)‬
‫قوات عني جالوت التابعة جلي�ش التحرير الفل�سطيني من م�رص‪.‬‬
‫ظل وقف �إطالق النار �شبه �صامد حيث وقعت بع�ض املناو�شات وا�ستمرت عمليات القن�ص‪،‬‬
‫لكن حدة ال�صدامات خفت متاما‪ ،‬وذلك �إىل يوم ‪1976/4/15‬م حني اندلعت ا�شتباكات على‬
‫‪ 25‬برقية بعث بها دين براون �إلى وزير اخلارجية الأمريكي يوم ‪1976/4/1‬م‪ ،‬وحملت الربقية رقم (‪ )2868‬بريوت‬
‫(�سري)‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪472‬‬
‫منطقة املتحف – مبنى الأمن العام‪ ،‬وقد بد�أت اال�شتباكات عند الفجر بني قوات املرابطني‬
‫املتمركزة يف مبنى الأمن العام وبني الكتائب والأحرار املتمركزة يف املقر العام لقوى الأمن‬
‫الداخلي وحي ال�رسيان املجاور لق�رص العدل‪ ،‬وقد �أ�صيب مبنى الأمن العام بعدة قذائف و�شملت‬
‫دائرة النار �ساحة الرببري وم�ست�شفى الرببري‪ ،‬و�أعلن املرابطون �أنهم احتلوا م�ست�شفى الدكتور‬
‫�سعيد يف ال�شارع امل�ؤدي �إىل مقر قوى الأمن الداخلي‪ ،‬كما احتلوا مبنى املتحف و�سيطروا على‬
‫�سباق اخليل‪ ،‬فيما �سيطرت القوات امل�شرتكة على حماور الطيونة ومداخل بدارو و�إ�شارة �سامي‬
‫ال�صلح‪.‬‬
‫بعد الإعالن عن مبادرة الإمام ال�صدر توجه �أبو عمار �إىل دم�شق بتاريخ ‪1976/4/16‬م‬
‫والتقى بالرئي�س الأ�سد‪ ،‬حيث مت االتفاق على جتنيب (م‪.‬ت‪.‬ف) تداعيات املوقف‪ ،‬واالنت�شار‬
‫الع�سكري ال�سوري(‪ ،)26‬بينما �أدىل الإمام ال�صدر ببيان «النقاط الع�رش» فيما يلي ن�صه‪:‬‬
‫دخلنا ال�سنة الثانية من عمر الأزمة الفاجعة‪ ،‬وبعد ال�ضحايا والأثمان الباهظة التي حتملناها‬
‫جند �أمامنا النقاط الع�رش التي تتناق�ض متاما مع �أمانينا قبل بدء الأزمة‪ ،‬ومع مكا�سبنا املبدئية‬
‫بعد املبادرة ال�سورية وهذه النقاط هي‪:‬‬
‫�أو ًال‪ :‬احلرمان‪� ،‬أر�ضية االنفجار وجوهر التخلف اللبناين ات�سعت رقعته وتعمقت‪ ،‬وحتول‬
‫الكثري من املواطنني من �أ�صحاب الدخل املتو�سط املحدود‪ ،‬بل من املرفهني عدا جتار ال�سيا�سة‬
‫وال�سالح‪ ،‬حتولوا �إىل حمرومني انقطعت �سبل املعي�شة املتوا�ضعة عن الأكرثية ال�ساحقة من‬
‫النا�س‪ ،‬احلرمان زاد رغم �أن جميع �ضحايا احلرب الأهلية تقريبا كانوا من املحرومني وبذلك‬
‫دفعوا ثمن ًا باهظ ًا يفوق ما تكلف الثورات االجتماعية يف العامل‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬اجلنوب وجبهته ومواطنوه �أ�صبحوا حتت رحمة الأقدار والإعتداء �أكرث بكثري من‬
‫بدايات الأزمة‪ ،‬فقد انقطعت ال�سلطة اللبنانية عن املنطقة نهائيا‪ ،‬وتخلت عن ال�سالح الدفاعي‪،‬‬
‫وها نحن ن�سمع كل يوم ت�رصيح ًا ونرى ح�شودا ونالحظ ذرائع و�أعذار متجددة للهجوم جتعلها‬
‫مو�ضع م�ساومات و�ضغوط ومناورات‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬ال�سيادة الوطنية انح�رست نهائيا ومل يبق �شرب واحد من الأر�ض مبا فيه ال�سلطات‬
‫الثالث الأ�صلية �إال وحتكمه فئات م�سلحة ويزيد من الآالم الإح�سا�س ب�سقوط ال�سيادة بدورها‬
‫فقط‪ ،‬و�أن املطالبة با�سرتدادها غابت عن ال�ساحة‪ ،‬اللهم �إال لأجل التحديات واملناورات ال�سيا�سية‪.‬‬
‫رابع ًا‪� :‬سقطت امل�ؤ�س�سات الر�سمية كلها ومتزق اجلي�ش ووقف رفاق ال�سالح مع الآليات‬
‫والأ�سلحة املتنوعة وجها لوجه بع�ضهم �أمام بع�ض و�أحرقت امل�ستندات واخلرائط �أو نهبت‪.‬‬
‫‪� 26‬صحيفة ت�شرين ال�سورية يوم ‪1976/4/16‬م‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪473‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫خام�س ًا‪ :‬القتال �أخذ الطابع الطائفي ب�شكل �صارخ وال�صحف العاملية التي كانت طوال‬
‫املعركة ترف�ض الطرح العن�رصي لها بد�أت تتحدث عنها ب�شكل مثري وتن�رش ال�صور اال�ستفزازية‬
‫وحتر�ض امل�سيحيني وامل�سلمني معا‪.‬‬
‫�ساد�س ًا‪ :‬متزقت �أو�صال الوطن تراب ًا و�شعب ًا وقيم ًا و�إعالم ًا وقانون ًا‪ ،‬وحتول لبنان الواحد ال‬
‫�إىل بلدين فح�سب بل �إىل عدة بالد‪ ،‬و�أ�صبح �شعبه �أ�شالء وجتمعات متعددة‪.‬‬
‫�سابع ًا‪ :‬املطالب الإ�صالحية‪ ،‬ال�سيا�سية واالجتماعية والإمنائية تبخرت ومل يبق منها �إال‬
‫ا�ستقالة الرئي�س‪� ،‬أما الق�ضية فقد �أ�صبحت �شعارات وحتركات فقط‪ ،‬فال حكم حتى نبحث يف‬
‫�إ�صالحه‪ ،‬وال مال يف اخلزانة‪ ،‬ويف قدرة املناطق حتى ينفق على امل�شاريع الإمنائية‪ ،‬ويف �سبيل‬
‫حتقيق العدالة االجتماعية‪� ،‬أما الدرا�سات واخلرائط ف�إنها احرتقت مع كبار املهند�سني ب�أب�شع‬
‫�صورة‪ ،‬وال ندري كم يحتاج الوطن اجلريح من �سنوات حتى يعود �إىل نقطة ال�صفر‪.‬‬
‫ثامن ًا‪� :‬أما ال�سبيل املختار لتحقيق التقدم االجتماعي واملطالب الإ�صالحية وهو الن�ضال‬
‫الدميقراطي فقد ق�ضي عليه حتت وط�أة ال�سالح وتعود امل�سلحون ا�ستعماله املرجتل يف ال�ضباب‬
‫امل�سيطر على املواقف من جراء الأحقاد والأحكام امل�سبقة واالتهامات التي متطر من كل جانب‪.‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬واملقاومة الفل�سطينية‪� ،‬أمانة الوطن ور�سالته مك�شوفة جريحة مرهقة معر�ضة‬
‫للإعتداءات وامل�ؤامرات تتحمل �أعباء املقاتلني واملهجرين وت�ستدرج يف املفاو�ضات وامل�صاحلات‬
‫والتفتي�ش عن احللول مل�شاكل الوطن‪.‬‬
‫عا�رش ًا‪ :‬و�سوريا ال�شقيقة بعد الت�ضحيات الكربى �أ�صبحت معر�ضة ملوجة معادية يف ال�شارع‬
‫ويف ال�صحف ويف الأندية وحتى يف الكثري من الأو�ساط العربية‪ ،‬موجة حتاول �إبرازها خ�صما‬
‫للإرادة الوطنية‪ ،‬منتدبة‪ ،‬منحازة خمتلفة مع حلفائها حامية للظاملني واملتجاوزين واملعتدين‪.‬‬
‫كان الإمام مو�سى ال�صدر �صادق ًا يف توجهه مبعار�ضة احلرب الأهلية اللبنانية بني الطوائف‪،‬‬
‫وكان يلقي من على منرب الكنائ�س وخا�صة يف زحلة خطبا يطالب بها بوقف االقتتال الطائفي‬
‫يف لبنان‪ ،‬وكان ي�سانده يف ذلك املطران (ب�ستول) رئي�س الكن�سية الكاثوليكية يف زحلة‪ ،‬علما‬
‫ب�أن الإمام مو�سى ال�صدر كان على حق حيث كانت �أغلبية من ال�شيعة القاطنني يف مدينة زحلة‬
‫وجوارها مثل بلدة املعلقة وتل �شيحا وحزرتا ذات الأغلبية ال�شيعية بحاجة �إىل جهوده لتجنب‬
‫املذابح على يد االنعزاليني‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪474‬‬

‫االجتياح ال�سوري‪:‬‬
‫يف بادرة حللحلة الأمور وقع الرئي�س فرجنية يوم ‪1976/4/23‬م تعديل املادة (‪ )73‬من‬
‫الد�ستور والتي تن�ص على «قبل موعد انتهاء والية رئي�س اجلمهورية مبدة �شهر على الأقل �أو‬
‫�ستة �أ�شهر على الأكرث‪ ،‬يلتئم املجل�س النيابي بناء على دعوة من رئي�سه النتخاب الرئي�س اجلديد‪،‬‬
‫و�إذا مل يدع املجل�س لهذا الغر�ض ف�إنه يجتمع حكما يف اليوم العا�رش الذي ي�سبق �أجل انتهاء والية‬
‫الرئي�س وينتهي العمل بهذا التعديل يف ‪1976/9/23‬م‪ .‬وتن�ص املادة الثانية على �أنه يعمل بهذا‬
‫القانون فور توقيعه من رئي�س اجلمهورية‪ .‬ورغم التوقيع على قانون تعديل املادة (‪ )73‬من‬
‫الد�ستور �إال �أن جل�سات انتخاب رئي�س جديد للبنان ظلت تت�أجل حتى يوم ‪1976/5/8‬م حني‬
‫انتخب اليا�س �رسكي�س رئي�سا جديدا للبنان‪.‬‬
‫�شنت القوات الإنعزالية هجوم ًا يوم ‪1976/5/8‬م يف جبل ك�رسوان يف حماولة ل�ضم مدينة‬
‫“زحلة” �إىل كانتون امللي�شيات االنعزالية‪ ،‬مما دفع القوات امل�شرتكة �إىل �شن هجوم م�ضاد يوم‬
‫‪1976/5/11‬م دون �أن تتمكن من دحرهم‪ ،‬وتزامن ذلك مع �صدور تعليمات من رئي�س �أركان‬
‫جي�ش التحرير الفل�سطيني م�صباح البديري (م�ؤيد ل�سوريا) ب�إقامة ارتباط منتظم باجلبهة‬
‫اللبنانية‪ ،‬ون�رش ثالث كتائب (مغاوير) �سورية يف مطار بريوت وعند مثلث خلده بهدف ردع‬
‫(م‪.‬ت‪.‬ف) وقوات احلركة الوطنية اللبنانية‪ .‬و�سحبت القيادة ال�سورية يف ‪1976/5/13‬م‬
‫وحدات جي�ش التحرير الفل�سطيني التابع لها واملتمركزة يف بريوت من اخلط الأمامي يف مواجهة‬
‫االنعزاليني‪ ،‬و�أعادت ن�رشها مبحيط �صربا و�شاتيال حيث توجد مقرات (م‪.‬ت‪.‬ف)‪ ،‬الأمر الذي‬
‫�أحدث تبادال للق�صف املدفعي بني القوات ال�سورية وقوات احلركة الوطنية اللبنانية وقتاال‬
‫يف ال�شوارع‪ ،‬حيث �سقط (‪� 199‬شهيد ًا) و (‪ 658‬جريح ًا)‪ ،‬ويف يوم ‪1976/5/17‬م ا�ستقبل‬
‫الرئي�س ال�سوري �أبا عمار واملبعوث الليبي عبد ال�سالم جلود و�أبلغهما عزم �سوريا على زيادة‬
‫قواتها يف لبنان‪ ،‬فاعرت�ض �أبو عمار وانتهى االجتماع بخالف حيث باتت �سوريا و(م‪.‬ت‪.‬ف)‬
‫على م�سار ت�صادمي ال رجعة عنه‪.‬‬
‫يف تلك الأثناء ا�ستدعاين يا�رس عرفات وطلب مني �رسعة �إح�ضار ق�ضبان �سكة حديد القطارات‬
‫الذي كان يربط فل�سطني بلبنان والذي ينتهي خطه عند حمطة الدامور‪ ،‬وذلك للتجهيز للمعركة‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪475‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫املقبلة مع ال�سوريني‪ .‬وطلب ان يتم جتهيز الق�ضبان على �شكل هند�سي لت�صبح عائق ًا �أمام تقدم‬
‫الدبابات‪ ،‬كان ذلك قبل معركتنا مع ال�سوريني باجلبل وب�صيدا‪ ،‬وبالفعل �صدقت نبوءة �أبو عمار‬
‫حيث ح�صل اال�شتباك مع ال�سوريني فيما بعد ولعبت هذه الق�ضبان دورها يف �إعاقة الدبابات‪.‬‬
‫واجتاحت القوات ال�سورية لبنان يوم ‪1976/6/1‬م من ثالثة اجتاهات هي(‪:)27‬‬
‫‪1-1‬طريق دم�شق – بريوت من جهة وادي البقاع‪.‬‬
‫‪2-2‬اجتياز احلدود اللبنانية يف منطقة عكار بوحدات معززة بالدبابات وتوجهت جنوبا لتهديد‬
‫مواقع الفل�سطينيني واحلركة الوطنية اللبنانية يف �ضواحي طرابل�س‪.‬‬
‫‪3-3‬تقدم باجتاه جزين ووا�صل التحرك يف االجتاه الغربي و�صوال �إىل �صيدا‪.‬‬
‫ولتعزيز املوقف �أمام التدخل ال�سوري بعث زعماء «اجلبهة اللبنانية»(‪ )28‬و�سطاء للتباحث‬
‫مع كمال جنبالط‪� ،‬إال �أن الوقائع التي �سبقت الدخول ال�سوري ب�أيام كانت حتول دون جناح‬
‫تلك الو�ساطات‪ ،‬فقبل الدخول ال�سوري وحتديدا يوم ‪ 1976/5/25‬م جرت حماولة اغتيال‬
‫العميد رميون اده وبعدها بيومني وحتديدا يوم ‪ 5/27‬قتلت ليندا الأطر�ش �شقيقة كمال جنبالط‬
‫يف منزلها ب�شارع �سامي ال�صلح يف بريوت ال�رشقية‪ ،‬وقد ترك هذان احلادثان �أثرهما يف النفو�س‬
‫ومل يغري من ذلك التدخل ال�سوري يوم ‪1976/6/1‬م‪.‬‬
‫عقدت اجلبهة اللبنانية اجتماعا يوم ‪1976/6/1‬م (نف�س يوم التدخل ال�سوري) لبحث‬
‫املوقف و�أكدت �أنها م�رصة على التفاهم مع كمال جنبالط‪ ،‬وكلفت ب�شري اجلميل مبهمة الدخول‬
‫يف مفاو�ضات مع كمال جنبالط‪ ،‬ف�أر�سل ب�شري اجلميل و�سطاء جدد للتفاهم وهم �أمني عالمي‬
‫واملحامي رامز يعقوب ولكن موقف كمال جنبالط بقي على حاله دون تغيري‪ .‬وجل�أ ب�شري اجلميل‬
‫‪ 27‬كانت الواليات املتحدة �أر�سلت �إ�شارات موافقتها على التدخل ال�سوري يف لبنان‪ ،‬ففي ‪1976/1/21‬م �أعلن الرئي�س جريالد‬
‫فورد �أنه تخلى عن معار�ضته لتدخل ع�سكري خارجي يف لبنان‪ ،‬ويف ‪1976/1/29‬م �أعلنت اخلارجية الأمريكية �أنها تعرتف‬
‫ب�أهمية دور �سوريا لت�سوية الأزمة اللبنانية‪ .‬ونقل عن هرني ك�سنجر‪« :‬نحن �شجعنا املبادرة ال�سورية والو�ضع ي�سري ل�صاحلنا‬
‫وميكن ر�ؤية خطوط ت�سوية»‪ .‬نقلت وكالة ال�صحافة الفرن�سية ت�صريحاً ملو�شي دايان يف ‪1976/6/5‬م �إن على �إ�سرائيل �أن‬
‫تظل يف موقف املراقب‪ ،‬حتى لو دخلت القوات ال�سورية بريوت لأن دخولها لي�س عم ًال موجهاً �ضد �أمن �إ�سرائيل‪ .‬وجاء التدخل‬
‫ال�سوري من�سقاً مع االنعزاليني‪ ،‬حيث �صرح كميل �شمعون يف ‪« :1976/6/16‬لقد اتفقنا مع �سوريا على خطط تر�ضينا»‪ .‬ويف‬
‫‪1976/8/9‬م �صرح‪�« :‬أنني �أثق ثقة كاملة بالرئي�س حافظ الأ�سد‪ ،‬و�سوريا هي الدولة الوحيدة التي ت�ستطيع فر�ض ال�سالم يف‬
‫لبنان»‪.‬‬
‫‪ 28‬اجلبهة اللبنانية‪ :‬هي حتالف عدة �أحزاب و�شخ�صيات ميينية �أ�س�ست �سنة ‪1976‬م يف بداية احلرب الأهلية اللبنانية ملواجهة‬
‫احلركة الوطنية اللبنانية‪ ،‬طالبت اجلبهة ب�سيادة لبنان على كامل �أرا�ضيه‪ ،‬ومن بني مقرتحاتها �إقامة نظام فيدرايل‪ ،‬لقبت‬
‫باجلبهة الإنعزالية من طرف خ�صومها‪ ،‬تر�أ�سها كميل �شمعون زعيم حزب الوطنيني الأحرار‪ ،‬ومن �أهم �أقطابها رئي�س حزب‬
‫الكتائب بيار اجلميل‪ ،‬والرئي�س �سليمان فرجنية‪� ،‬إ�ضافة �إلى اتيان �صقر من حزب حرا�س الأرز‪ ،‬والدكتور �شارل مالك والدكتور‬
‫ف�ؤاد افرام الب�ستاين‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪476‬‬
‫يف الليلة نف�سها �إىل علي ح�سن �سالمه لإجناح الو�ساطة‪ ،‬وقد متكن �أبو ح�سن من حتديد اللقاء‬
‫بني الطرفني يف ‪1976/6/2‬م يف منزل حم�سن دلول يف رمل الظريف‪ .‬ويف التا�سعة من �صباح‬
‫‪ 1976/6/2‬م و�صل كمال جنبالط �إىل منزل حم�سن دلول وبرفقته املقدم اجلوي نا�رص الدين‬
‫زوج ابنة ليندا �شقيقة كمال جنبالط‪ ،‬وبعدها بدقائق و�صلت �سيارة �أبو ح�سن وبرفقته ب�شري‬
‫اجلميل‪ ،‬وبعد‪� ،‬أن دخل �أبو ح�سن واجلميل �إىل ال�صالون تراجع �أبو ح�سن ليجل�س �أمام باب‬
‫امل�صعد م�شريا بذلك �إىل �أنه لن ي�سمح لأحد بالت�شوي�ش على املفاو�ضات‪.‬‬
‫حاول ب�شري اجلميل ت�سليم كمال جنبالط ملف ًا �أزرق وقال‪� :‬أنا جئت لأعزيك‪ ،‬هذه هي كل‬
‫التفا�صيل عن مقتل املرحومة �شقيقتك مع �أ�سماء القتلة‪ .‬فقال جنبالط‪ :‬ابق ملفك معك‪� ،‬أنا ال‬
‫�أريد �أن �أ�سمع �شيئا ف�شقيقتي راحت �ضحية الثقة بكم‪ ،‬ال �أريد �أن �أعرف‪ ،‬و�أنا ل�ست قبلي ًا‪ .‬بحث‬
‫جنبالط واجلميل املوقف على مدار �ساعتني ون�صف ال�ساعة بعد التدخل ال�سوري و�سبل اخلروج‬
‫من الأزمة وا�رص جنبالط على �رضورة املطالبة بخروج القوات ال�سورية والعمل امل�شرتك من‬
‫�أجل �إخراجها بالقوة �إذا لزم الأمر‪.‬‬
‫ويف م�ساء اليوم ذاته توجه كمال جنبالط ملقابلة الرئي�س املنتخب اليا�س �رسكي�س يف مبنى‬
‫قيادة موقع بريوت للجي�ش اللبناين‪ ،‬وبعد و�صوله �إىل هناك حلق به �صالح خلف وكان املطلب‬
‫الوحيد جلنبالط هو جالء القوات ال�سورية عن لبنان‪ ،‬وبعد �أن انتهى اللقاء توجه جنبالط‬
‫حل�ضور اجتماع تقرر مبوجبه ت�شكيل “القيادة امل�شرتكة لقوات احلركة الوطنية واملقاومة‬
‫الفل�سطينية وجي�ش لبنان العربي”‪.‬‬
‫دفع ال�سوريون بقوات جديدة �إىل لبنان يوم ‪1976/6/6‬م حتى و�صل تعدادها �إىل (‪12‬‬
‫الف جندي) ون�شبت يف البقاع الغربي �أوىل اال�شتباكات بني ال�سوريني والقوات امل�شرتكة‪،‬‬
‫وعندما قرر النظام ال�سوري �أن يغزو لبنان �أ�صدر تعليماته �إىل قواته يف بريوت وال�صاعقة‬
‫و�أحمد جربيل وامليلي�شيا لال�ستيالء على مكاتب (م‪.‬ت‪.‬ف) واحلركة الوطنية اللبنانية(‪.)29‬‬
‫تهي�أت احلركة الوطنية اللبنانية واملقاومة الفل�سطينية للأمر عرب حملة مل ت�ستمر �أكرث من يومني‬
‫للتخل�ص من امليلي�شيات املوالية للنظام ال�سوري‪ .‬وقاد �صالح خلف والعميد �سعد �صايل هذه‬
‫احلملة‪� ،‬أذكر كم كان الأمر �سهل التنفيذ ؛لأن القاعدة ال�شعبية للنظام ال�سوري كانت قد تركزت‬
‫يف بريوت ال�رشقية حيث كان ينظر �إليه �أنه املنقذ‪.‬‬

‫‪ 29‬حديث للم�س�ؤول الع�سكري ملنظمة ال�صاعقة يف لبنان حنا بطحي�ش‪� ،‬إلى جريدة ال�سفري اللبنانية ‪1976/6/26‬م‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪477‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫ان�شقت عنا�رص من قوات ال�صاعقة املوالية ل�سوريا وعلى ر�أ�سها امل�س�ؤول الع�سكري العميد‪/‬‬
‫حممد دغمان‪ ،‬والعميد حممود �أبو مرزوق نائب قائد قوات حطني(‪ )30‬التي كانت متواجدة يف‬
‫بريوت وبد�أت الدفاعات املوالية ل�سورية تنهار ومتكن زهري حم�سن(‪ )31‬من الهرب �إىل دم�شق‬
‫عرب املنطقة ال�رشقية‪� ،‬أما قائد جي�ش التحرير م�صباح البديري فقد وقع يف �أ�رس قواتنا وقمنا‬
‫بنقله فور ًا �إىل مكتب ال‪ 17‬وظل حمجوز ًا لدينا‪ ،‬و�أمر فاروق القدومي عدم امل�سا�س به‪ ،‬وبنا ًء‬
‫على تعليمات الأخوة يف القيادة مت �إطالق �رساحه‪ .‬وخالل هذه العملية ا�ستولت القوات امل�شرتكة‬
‫على خمازن �أ�سلحة هائلة لل�صاعقة‪ .‬ورد ًا على هذه العملية قامت القوات اخلا�صة ال�سورية‬
‫املتمركزة باملطار ويف خلدة بق�صف العا�صمة وخميمات الالجئني انتقام ًا ومنعت �إدخال الطعام‬
‫والوقود �إىل بريوت الغربية‪ ،‬و�أوردت دوائر ال�رشطة وامل�ست�شفيات عن وقوع ‪� 290‬شهيدا بينهم‬
‫قائد ملي�شيا “حركة فتح” “جواد �أبو ال�شعر”(‪)32‬وم�س�ؤول اجلبهة الدميقراطية يف اجلنوب(‪.)33‬‬

‫‪ 30‬قوات جي�ش التحرير الفل�سطيني يف �سورية (حطني)‪ ،‬ويف العراق (القاد�سية) ويف م�صر (عني جالوت) ويف الأردن (بدر)‪.‬‬
‫‪ 31‬زهري حم�سن ولد �سنة ‪ 1936‬يف طولكرم وتويف �سنة ‪ 1979‬يف فرن�سا �سيا�سي فل�سطيني تزعم منظمة ال�صاعقة املوالية‬
‫للبعث ال�سوري من ‪ 1971‬الى ‪ 1979‬تاريخ اغتياله‪ ،‬انتخب ع�ضوا يف اللجنة التنفيذية عن الدائرة الع�سكرية يف منظمة‬
‫التحرير الفل�سطينية‪ ،‬كانت عالقته مع يا�سر عرفات وحركة فتح متوترة يف احيان كثرية‪ ،‬اغتاله املو�ساد يف �شهر ‪1979/7‬‬
‫يف مدينة كان يف جنوب الفرن�سية‪.‬‬
‫‪ 32‬ولد جواد ذيب �صالح حممد (جواد �أبو ال�شعر) يف بيت حم�سري ق�ضاء القد�س ‪1944/8/12‬م وبعد النكبة هاجرت �أ�سرته‬
‫�إلى اخلليل ثم انتقلت �إلى الكرامة وبعدها �إلى عمان‪ ،‬در�س االبتدائية يف مدار�س جبل اجلوفة يف عمان‪ ،‬وح�صل على‬
‫الثانوية العامة عام ‪1964‬م‪ ،‬يف ‪1965‬م �سافر �إلى �إ�سبانيا لدرا�سة االقت�صاد والعلوم ال�سيا�سية يف جامعة مدريد‪ ،‬وانتخب‬
‫رئي�ساً الحتاد طلبة فل�سطني يف �إ�سبانيا‪ ،‬ويف ‪1967‬م تفرغ يف حركة فتح‪ ،‬فرتك مقاعد الدرا�سة ليلتحق بدورة ع�سكرية يف‬
‫اجلزائر ويف ‪1967/8‬م كلف مبهمة يف منطقة طولكرم‪ .‬وخرج من ال�ضفة الغربية بعد معركة الكرامة وتولى قيادة وحدة‬
‫ع�سكرية يف العرقوب‪ .‬ويف ‪1968/6‬م التحق بدورة ع�سكرية يف كوبا وكان م�شرفاً على الدورة‪ ،‬ثم كلف من قبل القيادة‬
‫ب�إن�شاء القطاع الأو�سط يف جنوب لبنان يف منطقة بنت جبيل ومارون الرا�س وياطر والربج ال�شمايل كما تولى م�س�ؤولية‬
‫العمل التنظيمي داخل الأر�ض املحتلة يف �شمال فل�سطني‪ ،‬ويف ‪1975‬م تولى قيادة امللي�شيا يف لبنان �إلى �أن ا�ست�شهد يف‬
‫‪1976-6-6‬م عندما نزل من جبل �صنني حيث كان يتفقد ال�سرية الطالبية‪ ،‬وعند عودته �إلى بريوت التي كانت تتعر�ض‬
‫لق�صف �سوري حيث �أ�صابه �أحد ال�صواريخ ال�سورية ف�سقط �شهيد ًا‪.‬‬
‫‪ 33‬يقول �صالح خلف‪ :‬علمت من �أحد قادة ال�صاعقة �أنهم �سيقومون يف ‪1976/6/6‬م با�ستفزاز يهدف �إلى �شل الت�شكيالت‬
‫الفدائية يف بريوت‪ ،‬لل�سيطرة على مكاتب �أحزاب الي�سار ومغاوير جبهة الرف�ض‪ ،‬يف حني تقوم وحدة �سورية ترابط يف‬
‫املدينة الريا�ضية بالتحرك بحجة الف�صل بني امل�شتبكني ثم تقوم بال�سيطرة على جهاز فتح الع�سكري وال�سيا�سي‪ .‬و�صلتني‬
‫هذه املعلومات يوم ‪1976/6/3‬م فكان بو�سعي ا�ستغالل مهلة الثالثة �أيام الباقية التخاذ تدابري دفاعية‪ ،‬وبالفعل‪ ،‬ف�إن‬
‫ال�صاعقة بد�أت قبيل ظهر يوم ‪1976/6/6‬م هجومها‪ ،‬فما لبث مغاويرنا �أن احتلوا قواعد ومكاتب املنظمات املوالية‬
‫ل�سورية وينزعون �سالح ملي�شيات ويوقفون ر�ؤ�سائها‪ ،‬وانتهت العملية التي دامت �ست �ساعات بعد �أن تكللت بالنجاح‪،‬‬
‫وال�صحيح هو �أن خ�صومنا مل يبدوا مقاومة حقيقية بحيث �أن كثري منهم �سلموا �أ�سلحتهم طواعية‪�(.‬صالح خلف‪،‬‬
‫فل�سطيني بال هوية‪� ،‬ص‪.)283‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪478‬‬
‫القائد العام يعود بحراً‪:‬‬
‫كان �أبو عمار طيلة هذه املعارك خارج لبنان‪ ،‬مطرود ًا من‬
‫النظام ال�سوري فقام بجولة خليجية‪ ،‬ا�ضطر يف نهايتها للعودة‬
‫�رسا �إىل لبنان عن طريق ميناء �صيدا يوم ‪1976/7/4‬م و�سط‬
‫ت�ساقط ال�صواريخ ال�سورية‪ ،‬وكانت عودته مغامرة جريئة‬
‫كادت تودي بحياته كما يرويها �سعيد مراغة (�أبو مو�سى)‬
‫قائد قواتنا يف اجلنوب اللبناين �آنذاك‪ ،‬ويقول‪« :‬كانت ال�ساعة‬
‫بحدود العا�رشة لي ًال‪ ،‬و�إذا بباب غرفة االجتماع يفتح ويطل ال�شهيد جواد ابو ال�شعر‬
‫منه (فتحي) كبري مرافقي �أبو عمار‪ ،‬و�إذا به يقول‪�« :‬إن �أبو‬
‫عمار موجود يف عر�ض البحر‪ ،‬على بعد ‪ 35 – 30‬كلم قبالة �شاطئ �صيدا على منت �سفينة تركية‬
‫جتارية ا�ست�أجرها من م�رص وال يريد االقرتاب بال�سفينة من مرف�أ �صيدا حت�سب ًا من �إعرتا�ض‬
‫الزوارق ال�صهيونية لل�سفينة التي تقله وبالتايل قد تعتقله‪ ،‬وح�رضت مبفردي على زورق‬
‫وجدفت خم�س �ساعات‪ ،‬وطلب �أبو عمار �إبالغك �أنه قرر العودة �إىل �صيدا‪ ،‬و�س�أكون برفقتك لأين‬
‫�أعرف اجتاه ال�سفينة يف البحر‪ ،‬و�ستكون م�ضاءة ب�أ�ضواء خافتة‪ ،‬و�أبلغني �أن الأمواج مرتفعة‬
‫عند ال�سفينة لكنها لي�ست عاتية‪� ،‬أما بالقرب من ال�شاطئ ف�إنها هادئة‪.‬‬
‫وما �أن �أنهى فتحي حديثه حتى �أدركت ما يجول يف خاطر �أبو عمار من وراء هذا ال�سلوك‪،‬‬
‫ففي تلك الفرتة كان الأ�سطول احلربي ال�صهيوين يفر�ض ح�صار ًا �شديد ًا على املوانئ وال�شواطئ‬
‫اللبنانية وتقوم زوارقه احلربية بتفتي�ش البواخر القادمة �إىل ميناء �صور و�صيدا وحتتجز‬
‫امل�سافرين على تلك البواخر حتى �أنها كانت حتتجز ال�صيادين اللبنانيني والفل�سطينيني مع‬
‫قواربهم يف كثري من الأحيان‪.‬‬
‫رغم معرفتي بفتحي و�إخال�صه ووفائه للأخ �أبو عمار و�أمانته وح�سن �أخالقه وطباعه �إال‬
‫�أنني �أكربت فيه ت�ضحيته و�شجاعته ووجدت نف�سي �أحت�ضنه مبحبة �صادقة‪ ،‬مدرك ًا ملاذا كان‬
‫حمط ثقة �أبو عمار وحمبته‪ ،‬ومل �أ�ضيع وقت ًا و�أمرت ب�إنارة مئذنة (جامع الزعرتي) يف �صيدا‬
‫�إعتقاد ًا مني ب�أن يف ذلك �إ�شارة مر�سلة �إىل �أبو عمار ب�أين ت�سلمت ر�سالته ولكي تبقى ال�سفينة التي‬
‫تقله را�سية يف مكانه لي�سهل علينا �إح�ضاره – وقد فهمت هذه الإ�شارة على هذا النحو – كما‬
‫علمت فيما بعد‪ ،‬ثم طلبت �إح�ضار (�أبو �أحمد البنا) �إىل طريف فور ًا‪ ،‬وهو فل�سطيني من مدينة عكا‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪479‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫ومن تنظيم حركة فتح‪ ،‬وكان فيما م�ضى من ال�شباب الذي تربى على يد الزعيم معروف �سعد‬
‫رحمه اهلل‪ ،‬وهو ذو �صداقة وعالقة طيبة جد ًا مع ال�صيادين يف �صيدا‪ ،‬ف�أمرته ب�إح�ضار �أمهر‬
‫ال�صيادين ملهمة خا�صة‪ ،‬فعاد ليخربين �أن املطلوب �أ�صبح جاهز ًا وينتظرين يف املرف�أ فذهبت‬
‫و�إياه و فتحي �إىل املرف�أ حيث التقينا بال�صياد – البحار‪ ،‬ويف املرف�أ حدد فتحي االجتاه الذي‬
‫�سنبحر منه باجتاه ال�سفينة الرا�سية يف البحر والإ�شارات الدالة عليها‪ .‬ثم �أخربت �أبا �أحمد البنا‬
‫�أننا �سنبحر لإح�ضار �أبي عمار من تلك ال�سفينة و�أن عليه �أن يهيئ زورق ًا بخاري ًا �آخر لإح�ضار‬
‫عنا�رص املرافقة من ال�سفينة‪ ،‬و�أن يتم ذلك بال�رسعة الق�صوى مع حتديد اجتاه الإبحار له‪ ،‬و�أن‬
‫عليه �أن ينتظرنا حيث هو يف املرف�أ حلني عودتنا و�أن ال يخرب �أحد ًا بذلك‪.‬‬
‫�أبحرنا من مرف�أ �صيدا يف ال�ساعة الثانية ع�رشة لي ًال باجتاه ال�سفينة الرا�سية يف البحر‪ ،‬وكان‬
‫املوج يزداد ارتفاعا كلما ابتعدنا عن ال�شاطئ‪ ،‬ومل يعرت�ضنا �أي زورق حربي للعدو‪ ،‬وبعد ن�صف‬
‫�ساعة تقريب ًا و�صلنا ال�سفينة‪ ،‬وكان �أبو عمار والقبطان واملرافقني يف مقدمة ال�سفينة ينتظروننا‬
‫وكان موج البحر عاليا‪ ،‬وواجهتنا م�شكلة عدم ا�ستطاعتنا �إيقاف الزورق قرب ال�سفينة ثم نزول‬
‫�أبي عمار منها‪ ،‬ذلك �أن ال�سفينة كانت تت�أرجح مع كل موجة‪ ،‬وكان الزورق يرتفع ب�رسعة مع‬
‫كل موجة لعدة �أمتار‪ ،‬ثم ينزل هابطا معها وبنف�س ال�رسعة ولي�س بني املوجة والأخرى فا�ص ًال‬
‫زمني ًا كافي ًا ميكننا من تثبيت القارب و�إنزاله �إليه بل �إن املوجات كانت تتالحق موجة �إثر موجة‪،‬‬
‫وك�أنها تتق�صد �إعاقة عملنا‪.‬‬
‫و�أخذ ال�صياد الذي �أبحر يناور مبهارة فائقة حول ال�سفينة عله يجد ح ًال ولكن بال جدوى‪،‬‬
‫ف�أ�شار علينا �أن ينزل �أبو عمار على �سلم يف ال�سفينة ويف اجلانب ال�رشقي منها لأن ؛املوج قادم‬
‫من الغرب‪ ،‬ونزل �أبو عمار على �سلم يف ال�سفينة لعدة درجات وهو مت�شبث به من الأعلى‪� ،‬إال‬
‫�أن املوج مل يكن لريفع القارب �إىل امل�ستوى الذي ميكننا من �إنزال �أبي عمار �إليه‪ ،‬كما �أنه مل‬
‫يعد ي�ستطيع النزول من ال�سلم ب�أكرث مما نزل‪ ،‬خ�شية �أن ت�أخذه �أمواج البحر معها‪� ،‬أو ت�رضب‬
‫ج�سمه بال�سفينة �رضبة قوية قد تودي بحياته‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪480‬‬

‫�أبو عمار �أثناء و�صوله �شواطئ ميناء �صيدا و�سط ت�ساقط ال�صواريخ ال�سورية يف ‪1976/7/4‬‬
‫�أبو عمـار على �أكتـاف (من اليمني نبيل عبد عمر ومن ال�شـمال يو�سـف �أبو علي)‬

‫وم�ضى �أكرث من ن�صف �ساعة ونحن على هذه احلالة‪� ،‬أبو عمار يت�أرجح مع كل موجة‪ ،‬فقلت �أنني‬
‫�س�أحاول الإم�ساك بالأخ �أبو عمار وجذبه وحمله مع املوجة القادمة‪ ،‬ثم �أخربت �أبو عمار ان عليه �أن ال‬
‫يت�شبث بال�سلم فوافقني على ذلك‪ ،‬وهي�أت نف�سي وحاولت قدر امل�ستطاع تثبيت قدمي ب�سطح الزورق‪ ،‬و�إذ‬
‫باملوجة ترفعه �إىل �أعلى‪ ،‬ف�أم�سكت �أبا عمار من و�سطه ثم وقعت و�إياه على �سطح الزورق‪ ،‬ثم نه�ضت بعد‬
‫ذلك و�أمرت ال�صياد بالعودة بنا �إىل �صيدا ب�أق�صى �رسعة‪ ،‬ثم التفت للأخ �أبو عمار ف�إذا به ملقى على جانبه‬
‫الأمين وبال حراك‪ ،‬ف�أخذت �أت�أكد من �صحته و�سالمته‪ ،‬فوجدته �سامل ًا ولكنه ال يتكلم وال يتحرك‪ ،‬وبقي‬
‫على هذه الو�ضعية خلم�س دقائق كنت �أنظر خاللها �إليه م�شفق ًا عليه من �صميم ف�ؤادي‪ ،‬ثم حترك �أبو عمار‬
‫ونه�ض واقفا ومتثاقال بع�ض ال�شيء ثم عانقني‪ ،‬ويف ال�ساعة الثانية والربع و�صلنا مرف�أ �صيدا‪ ،‬حيث كان‬
‫�أبو �أحمد البنا بانتظارنا و�أخذنا �إىل بيت �أحد ال�صيادين من معارفه لال�سرتاحة و�رشب ال�شاي بانتظار‬
‫و�صول بقية عنا�رص املرافقة‪ ،‬وعندما و�صل اجلميع ودعنا القائد العام وانطلق موكبه نحو بريوت حيث‬
‫ا�ستقل �سيارة �أبو حممود ال�صباح وبينما كان املوكب يف الطريق �س�أل �أبو حممود ال�صباح �أبو عمار قائ ًال‪:‬‬
‫كيف �شايف الأمور؟‪ ،‬فرفع �أبو عمار ر�أ�سه قائ ًال عبارته ال�شهرية‪« :‬يا وحدنا» «‪.‬‬
‫طيلة الطريق من �صيدا �إىل بريوت‪ ،‬كان �أبو عمار‪ ،‬يلتزم ال�صمت‪ ،‬لكن عبارة “يا وحدنا” التي �أطلقها‬
‫كانت تنبئ ب�أن ذهنه م�شغو ًال بالتخطيط لتجاوز تلك املرحلة التي يحاول ال�سوريون خاللها الإجهاز على‬
‫(م‪.‬ت‪.‬ف) وفق معادلة دولية بر�ضا �أمريكي و�إ�رسائيلي على دخول القوات ال�سورية �إىل لبنان‪ .‬ورغم‬
‫حالة ال�صمت التي كان مييل لها �أبو عمار طوال املرحلة �إال �أنه كعادته بدا قوي ًا وتظهر تقاطيع وجهه �أنه‬
‫عائد للمواجهة وحلماية قوات (م‪.‬ت‪.‬ف) التي يعتربها “الرقم ال�صعب”‪ ،‬وهكذا يكون حال �أبو عمار يف‬
‫مواجهة الأزمات‪ ،‬يزداد قوة و�إميان ب�أن اهلل نا�رصه‪ ،‬و�أن �إرادة �شعبه وقواته �أقوى من كل �سالح‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪481‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫ردود الفعل الدولية والعربية على التدخل ال�سوري‪:‬‬


‫مل يلق دخول اجلي�ش ال�سوري الأرا�ضي اللبنانية ا�ستنكار ًا من جانب الر�أي العام العاملي‪،‬‬
‫و�إمنا كان �إيجابيا من الإدارة الأمريكية التي اعتربت �أن دخول اجلي�ش ال�سوري قد ي�ؤدي �إىل‬
‫اال�ستقرار يف لبنان(‪ ،)34‬وجاء املوقف الفرن�سي م�ؤيد ًا للموقف الأمريكي‪� ،‬أما املوقف ال�سوفييتي‬
‫فقد كان �صامت ًا‪ ،‬واملوقف الإ�رسائيلي جاء داعم ًا لهذا التدخل(‪� .)35‬أما الدول العربية فقد كان‬
‫املوقف امل�رصي والعراقي هما الأكرث و�ضوح ًا يف رف�ض التدخل ال�سوري‪.‬‬
‫وعقد وزراء خارجية الدول العربية اجتماعا طارئ ًا يف القاهرة يوم ‪1976/6/8‬م بنا ًء‬
‫على طلب يا�رس عرفات اتخذ مبوجبه قرار بوقف �إطالق النار وا�ستبدال القوات ال�سورية‬
‫بقوات “عربية” ت�ضم وحدات من ليبيا واجلزائر وال�سودان وال�سعودية و�سوريا وقوات‬
‫فل�سطينية‪ .‬لكن هذا القرار �أثار ا�ستياء الأو�ساط االنعزالية التي و�صفت ت�رصفات اجلامعة‬
‫العربية ب�أنها «حرب دينية» �ضد لبنان‪ ،‬و�شنت ميلي�شيا النمور التابعة لكميل �شمعون هجوما‬
‫يوم ‪1976/6/20‬م على خميمي تل الزعرت وج�رس البا�شا يف بريوت ال�رشقية‪ ،‬و�أعلن الرائد‬
‫عبد ال�سالم جلود يوم ‪1976/6/21‬م ا�ستئناف الو�ساطة مع الرئي�س الأ�سد الذي وعد ب�سحب‬
‫القوات ال�سورية من خلده و�صيدا وطرابل�س و�صوفر ومنطقة البقاع وعكار وظهر البيدر يف‬
‫غ�ضون �أربعة �أيام‪� ،‬إال �أن ذلك مل يتحقق‪ ،‬حيث اندلعت املواجهات يف جميع املناطق �ضد القوات‬
‫ال�سورية‪ ،‬ويف يوم ‪1976/7/12‬م �أعلن كمال جنبالط عن ا�ستحداث «�إدارة مدنية» يف جميع‬
‫املناطق التي ت�سيطر عليها احلركة الوطنية اللبنانية التي �شكلت ما �سمي «هيئة الأمن ال�شعبي»‬
‫التي تر�أ�سها «�سنان براج» ممثل املرابطني‪ ،‬كما �شكلت احلركة حمكمة برئا�سة ف�ؤاد �شعبلو‪.‬‬
‫ورد الرئي�س الأ�سد على ذلك بخطاب مطول و�صف فيه كمال جنبالط ب�أنه «�سيا�سي متعط�ش‬
‫لل�سلطة والث�أر من املارونيني»‪ ،‬الأمر الذي زاد من ا�شتعال الفتنة بني كمال جنبالط واجلبهة‬
‫اللبنانية‪.‬‬
‫انعقدت قمة ثالثية م�رصية ‪� -‬سعودية – �سودانية يوم ‪1976/7/17‬م اتفقت على ت�أكيد‬
‫الدعوة بوقف �إطالق النار‪ ،‬مما دفع يا�رس عرفات �إىل التكهن ب�رضورة مفاو�ضة �سوريا وعدم‬
‫‪ 34‬يقول الرئي�س �أمني اجلميل يف احللقة الثالثة من �سل�سلة حلقات «�شاهد على الع�صر» مع قناة اجلزيرة يوم‬
‫‪2010/10/19‬م‪� :‬أما ال�ضوء الأخ�ضر ل�سوريا �أن تدخل �إلى لبنان كان عرب مفاو�ضات بني هرني كي�سنجر وايغان الون‪،‬‬
‫ب�شكل غري مبا�شر �سمحوا للجي�ش ال�سوري �أن يدخل �إلى لبنان‪.‬‬
‫‪� 35‬صحيفة ه�آرت�س الإ�سرائيلية ال�صادرة يوم ‪1976/6/3‬م‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪482‬‬
‫ت�أزمي العالقات معها‪ ،‬فقبل بو�ساطة رئي�س الوزراء الليبي عبد ال�سالم جلود حيث مت توقيع‬
‫االتفاق الفل�سطيني ال�سوري يوم ‪ 1976/7/29‬م الذي اعتربه كمال جنبالط ب�أنه دق �إ�سفني‬
‫يف العالقات بني (م‪.‬ت‪.‬ف) واحلركة الوطنية وحرمان احلركة من الدعم الفل�سطيني‪ ،‬لكن ذلك‬
‫االتفاق مل يكتب له النجاح ب�سبب رف�ض اجلبهة اللبنانية له‪ ،‬وكذلك رف�ض احلركة الوطنية‬
‫الأمر الذي �أبقى عرفات على و�ضعه ال�سابق �إىل جانب احلركة الوطنية‪ ،‬كما ردت قوات اجلبهة‬
‫اللبنانية االنعزالية على االتفاق الفل�سطيني يوم ‪1976/8/5‬م بهجوم وا�سع على حي النبعة‬
‫الفل�سطيني – ال�شيعي انتهى باحتالله‪.‬‬

‫خميم تل الزعرت‬
‫اجلرح الذي ال ين�سى‪:‬‬

‫�أقيم خميم تل الزعرت لالجئني الفل�سطينيني على خرائب مع�سكر �إجنليزي بني �أثناء احلرب‬
‫العاملية الأوىل‪ ،‬ومل يكن موقع املع�سكر مر�صوفا‪ ،‬بل تربة طينية غري قابلة لل�سكن‪ ،‬وقد �سمي‬
‫بهذا اال�سم لوجود معمل للزعرت يف املنطقة‪ ،‬ويف عام ‪1950‬م �أن�ش�أت الأمم املتحدة من خالل وكالة‬
‫غوث الالجئني الفل�سطينيني خميما لالجئني بالقرب من معمل الزعرت‪ ،‬وظل املخيم على حاله‬
‫طيلة �سنوات عديدة عبارة عن براكيات من التنك والزينكو واخل�شب‪.‬‬
‫كانت الأرا�ضي املحيطة باملخيم تعود �إىل الرهبانيات املارونية التي ظلت تطالب باقتالع املخيم‬
‫وا�سرتداد الأر�ض التي ارتفع ثمنها يف ال�سنوات الأخرية بعد �إن�شاء املنطقة ال�صناعية يف ال�شمال‬
‫ال�رشقي لبريوت‪ ،‬ويحد املخيم من ال�رشق منطقة ج�رس البا�شا وعليها خميم �آخر غالبية �سكانه‬
‫من الطائفة امل�سيحية‪ ،‬ومن الغرب منطقة الدكوانة وت�سيطر عليها القوات الكتائبية‪ ،‬ومنطقة‬
‫الع�سيلي ويليها منطقة النبعة وبرج حمود وامل�سلخ‪ ،‬ومن ال�شمال منطقة بيت مري وبرمانا تليها‬
‫�سل�سلة جبلية وعرة تطل على املخيم‪ ،‬ومن اجلنوب �سن الفيل‪ ،‬وعني الرمانة وحرج ثابت ودير‬
‫الراعي ال�صالح‪.‬‬
‫ولكون املخيم قريب من العا�صمة حيث يجد الالجئون والفقراء فر�صة للعمل‪ ،‬فقد ا�ستقطب‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪483‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫املخيم �أعداد ًا من خميمات اجلنوب مثل الربج ال�شمايل وجوبا والر�شيدية وعني احللوة و�أعداد‬
‫من املهجرين يف الدامور‪ ،‬وعدد من خميمات ال�شمال مثل نهر البارد والبداوي و�شحيم‪ ،‬ومن‬
‫منطقة عر�سال يف البقاع‪.‬‬
‫تعاملت ال�سلطات اللبنانية مع املخيم كج�سم غري مرغوب فيه‪ ،‬ومتلكت اجلميع رغبة يف‬
‫التخل�ص منه حيث ادعى �أ�صحاب ر�ؤو�س الأموال �أن وجوده يف ي�شوه جمال املدينة ويقطع‬
‫توا�صل القرى امل�سيحية‪ ،‬ومن هنا توا�صلت االحتجاجات واالفرتاءات على املخيم والوجود‬
‫الفل�سطيني عامة‪.‬‬
‫وت�صف الكاتبة رحاب كنعان(‪ )36‬يف كتابها «تل الزعرت‪ :‬مملكة التنك وجمهورية الثوار»‬
‫احلياة يف املخيم فتقول‪« :‬يف ال�صيف ت�شتعل جدران ال�صفيح نار ًا جتعل اجللو�س داخلها مهمة‬
‫�شاقة يف ظل غياب الكهرباء و�شح املياه‪ .‬ويف ال�شتاء يت�ضاعف اجلحيم حيث الأر�ضية الرتابية‬
‫للبيوت وت�رسب مياه الأمطار من �سقف وجدران التنك لت�سيل يف قنوات ومزاريب من ال�سطح‬
‫وتق�ض م�ضاجع النائمني الذين كانوا يهبون يحملون �أطفالهم دون‬ ‫ّ‬ ‫تتجمع لتغرق املوجودات‬
‫معرفة ملكان �أف�ضل ينتقلون �إليه ليقوموا يف اليوم التايل برمي قطع القما�ش التي تبللت وتلوثت‬
‫من ال�سيول الطينية دون �أن يعرفوا �أي�ض ًا من �أين يح�صلوا على بديل مالئم لها رغم كونها قطع‬
‫ثياب قدمية‪ .‬و�إذا عبثت الريح ب�سطح منزل �أو جدرانه ف�إن ذلك يتطلب االنتظار يف تلك الأحوال‬
‫اجلهنمية حتى احل�صول على �إذن من املكتب الثاين(‪)37‬كي ي�سمح بت�صليحه �أو دق امل�سامري يف‬
‫حيطانه من ال�صفيح التي تعجز عن ال�صمود �أمام الريح واملطر وال�شتاء و�أحيانا كان �صاحب‬
‫الرباكية �أو �أبنائه يجل�سون وظهورهم �إىل �ألواح الزينكو بهدف تثبيتها كي ال يقتلعها الريح»‪.‬‬
‫ويف الكفة الأخرى ولد ال�شعور بال�ضغط لدى الالجئني يف ذلك املخيم روح ًا من التعاطف‬
‫والتالحم الداخلي جتعل كل واحد منهم يهب لنجدة الآخر دون تفكري بحجم الإمكانات‪ ،‬فالطيبة‬
‫والنخوة هي ال�سمة ال�سائدة بني النا�س هناك‪ .‬من الناحية االجتماعية كان يحظر على �أهايل‬
‫املخيم ا�ست�ضافة �أحد من خارجه �إال بعد �إبالغ رجل الدرك عن ا�سمه وعنوانه ومدة �إقامته‪،‬‬
‫و�إذا طاب البقاء لل�ضيف عليه الذهاب �إىل الدرك لتجديد �إقامته يف املخيم‪ ،‬وقد منع الدرك التجول‬

‫‪ 36‬رحاب حممد ح�سني حمزة «كنعان» م�ؤلفة كتاب «تل الزعرت مملكة التنك وجمهورية الثوار» عا�شت م�أ�ساة �سقوط تل الزعرت‪،‬‬
‫وفقدت (‪� )51‬شهيد ًا من �أ�سرتها بينهم الأب والأم وخم�سة �أخوة وثالث �أخوات‪ ،‬خلدتهم يف �شعرها �ضمن ديوان «الب�سمة‬
‫املجروحة» طبع يف تون�س عام ‪1994‬م‪ ،‬ويطلق عليها لقب «خن�ساء فل�سطني»‪.‬‬
‫‪ 37‬كان املكتب الثاين اللبناين متخ�ص�صاً يف تعذيب الفل�سطينيني والت�ضييق عليهم‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪484‬‬
‫داخل املخيم بعد التا�سعة لي ًال‪� ،‬أما من الناحية ال�صحية ف�إن الدولة ال ت�سمح ببناء مرحا�ض لكل‬
‫بيت‪ ،‬واكتفت ببناء مرحا�ض عام يتكون من �أربع وحدات فردية للرجال ومثلها للن�ساء بدون‬
‫�أبواب خارجية‪ ،‬ويوجد يف �أول املخيم دورة مياه عامة واحدة ويف منت�صفه واحدة‪ ،‬والأخرية‬
‫تقع يف نهاية املخيم‪ ،‬و�إذا �أردت �أن تتحدث عن طريقة ا�ستخدام تلك املراحي�ض وامل�شاهد اليومية‬
‫للطوابري التي تنتظر ق�ضاء احلاجة حتت �أ�شعة ال�شم�س �أو هطول املطر �شتاء‪ ،‬فاملنظر ال يحتاج‬
‫�إىل تعليق فهو بكل املقايي�س مي�س كرامة الب�ش‪ .‬و�أمام ظاهرة تزايد ال�سكان واالكتظاظ الب�رشي‬
‫يف املخيم ترى الن�سوة طوابري �أمام احلنفية العامة‪ ،‬دور طويل يقت�ضي الوقوف �ساعات من �أجل‬
‫احل�صول على املاء يف وعاء حتمله املر�أة على ر�أ�سها لتو�صله �إىل بيتها‪.‬‬
‫ظل املخيم على هذا احلال من الإهمال والإذالل ل�سكانه حتى ظهور العمل الفدائي وبواكري‬
‫تواجد الثورة يف لبنان عام ‪1969‬م الأمر الذي و�ضع حدا لذلك الكابو�س املقيت‪ ،‬فبد�أت احلياة‬
‫تدب يف �أو�صال املخيم مرتبطة بنهو�ض الثورة‪ ،‬و�إن كان ب�رسية تامة يف البدايات؛ لأن جمرد‬
‫ال�شك يف انتماء �أي فل�سطيني لأي تنظيم �سيا�سي يجعله هدفا تتعلم املخابرات اللبنانية يف ج�سده‬
‫الت�صويب ويف و�سط �ساحات املخيم حتى يكون عربة لغريه‪.‬‬
‫ابتد�أت ظاهرة التحاق ال�شباب والفتيات بخاليا الثورة ال�رسية حتى حتول الأمر �إىل‬
‫ظاهرة علنية‪ ،‬ومت افتتاح مع�سكرات التدريب والدورات الع�سكرية وظهور مع�سكرات الأ�شبال‬
‫والزهرات‪ ،‬ومراكز الإ�سعاف التابعة للهالل الأحمر الفل�سطيني‪ ،‬ومنذ ذلك احلني بد�أ املخيم‬
‫يخلع ثوبه ال�صفيحي ال�صدئ لريتفع فيه البنيان احلديث‪ ،‬ومت �إن�شاء معامل �صامد للخياطة‪،‬‬
‫كما مت �إقامة معمل ل�صيانة ال�سالح وتطور امل�صنع �إىل م�صنع علمي حتت �إ�رشاف اللجنة العلمية‪،‬‬
‫و�صار ينتج الكثري من الأ�سلحة خا�صة املتفجرات‪ ،‬وحني قام العدو ب�شن غارة على بريوت عام‬
‫‪1973‬م لتنفيذ عملية ربيع فردان التي ا�ست�شهد فيها القادة الثالثة كان امل�صنع �أحد �أهداف‬
‫العدو‪ ،‬حيث قام بن�سفه وتدمريه عن طريق �إر�سال قوات خا�صة له‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪485‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫خميم تل الزعرت‬

‫جمزرة تل الزعرت‪:‬‬

‫لعله من قدر ال�شعب الفل�سطيني �أن يدفع ثمن العزلة العربية و�أحقاد الطوائف‪ ،‬و�ضعف‬
‫الأنظمة التي تعتقد ب�أن «النجاة» من التهديدات الأمريكية والإ�رسائيلية تكمن يف الإنخراط‬
‫بالت�آمر على الفل�سطينيني وق�ضيتهم �أو التزام ال�صمت يف �أح�سن الأحوال على ما يتعر�ض‬
‫له الفل�سطينيون من مذابح وحروب �إبادة جماعية‪ .‬كان تدمري خميم تل الزعرت على �أيدي‬
‫امللي�شيات الكتائبية �أول �ضحايا الوجود الفل�سطيني على الأرا�ضي اللبنانية‪ ،‬وبد�أت «امل�أ�ساة‬
‫الفل�سطينية» يوم ‪1976/1/4‬م حني حا�رصت ملي�شيات الكتائب والأحرار خميم تل الزعرت‬
‫متوينيا و�صادرت �شاحنتني من الأغذية مر�سلة لإطعام ال�سكان بحجة الرد على هجرة ال�سكان‬
‫من الدكوانه والقلعة‪ ،‬وبلغ احل�صار ذروته يوم ‪1976/1/12‬م حني انفتحت احلرب على‬
‫كل اجلبهات‪ ،‬مع ق�صف كثيف ملخيم �ضبية‪ ،‬واقتحام البلدة وق�صف النبعة وبرج حمود‪ ،‬فيما‬
‫انت�رشت عمليات القن�ص يف كل مكان على طريق ال�شام‪ ،‬واندلعت ا�شتباكات يف ال�شياح – عني‬
‫الرمانة‪ ،‬احلدث‪ ،‬واحلازمية‪ ،‬مع خطف وق�صف عاليه‪ -‬الكحالة‪ ،‬ويف طرابل�س وزغرتا‪ ،‬حو�ش‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪486‬‬
‫الأمراء‪ ،‬الناعمة والدامور‪ ،‬و�صدور تهديدات كتائبية مب�سح الكارنتينا عن وجه الأر�ض بالتزامن‬
‫مع �سقوط املئات من القتلى يف ال�شوارع‪.‬‬
‫توا�صل ح�صار املخيم حتى يوم ‪1976/6/23‬م حني تدهور الو�ضع الأمني وت�صاعدت‬
‫احلرب‪ ،‬وا�شتد الق�صف على املخيم وج�رس البا�شا‪ ،‬فيما جتددت االقتحامات يف كافة �أنحاء بريوت‬
‫وانفتحت جبهة عاليه – الكحالة‪ ،‬وجبهة املنت – عينطوره و�صنني‪ ،‬ويف يوم ‪ 1976/6/25‬م‬
‫ا�شتدت احلرب لإ�سقاط خميمي تل الزعرت وج�رس البا�شا وو�صلت الإ�شتباكات �إىل حر�ش ثابت‪،‬‬
‫واندلع ق�صف مدفعي بني النبعة و�سن الفيل (قذيفة يف كل دقيقة) وا�شتعلت حماور ال�شياح –‬
‫عني الرمانة‪ ،‬طريق ال�شام‪ ،‬املتحف‪ ،‬عاليه‪ ،‬الكحالة‪ ،‬عيون ال�سيمان‪ ،‬فاريا‪ ،‬و�سقط يف هذا اليوم‬
‫ثالثمائة قتيل‪ .‬وبرر كميل �شمعون هذه احلرب بقوله «ال حرب �أهلية و�إمنا حرب مع الغرباء»‪.‬‬
‫ويف اليوم التايل ‪1976/6/26‬م ت�صاعدت احلرب على خميمي تل الزعرت وج�رس البا�شا‬
‫وبقية املحاور‪ ،‬ويف اليوم التايل �أعلنت ملي�شيات منور الأحرار الإنعزالية �سيطرتها على التالل‬
‫املحيطة بتل الزعرت‪ ،‬وا�ستمرار احلرب ال�ضارية حول املخيم و�سقوط ‪ 400‬قتيل وجريح‬
‫و�أعلنت ملي�شيات الكتائب دخولها معركة تل الزعرت يف بيان ر�سمي باال�شرتاك مع حرا�س الأرز‪،‬‬
‫وتركز الهجوم يوم ‪ 1976/6/28‬م على ج�رس البا�شا من حتويطة فرن ال�شباك وحرج ثابت‪،‬‬
‫و�سيطرت القوات اللبنانية على املرتفعات املحيطة بتل الزعرت مرة �أخرى وتقدمت نحو دائرة‬
‫املخيم‪.‬‬
‫جنحت ملي�شيات الكتائب والأحرار يف اخرتاق ج�رس البا�شا بتاريخ ‪1976/6/29‬م بينما‬
‫ن�شطت عمليات االقتحام يف عني الرمانة‪ ،‬و�شهدت بريوت ق�صف مدفعي ع�شوائي انتقل ملناطق‬
‫اجلبل‪ ،‬ومت ق�صف �صيدا وامليه وميه وعني احللوة‪ ،‬و�أ�صبح الو�ضع يف غاية اخلطورة حيث �سقط‬
‫يف ذلك اليوم ‪ 700‬قتيل وجريح وا�ستمر القتال حتى يوم ‪ 1976/7/2‬م حني متكنت القوات‬
‫املدافعة عن املخيم من فك احل�صار وقامت حركة «فتح» يف اليوم التايل بتوزيع �أربعني طن ًا من‬
‫الطحني على �سكان املخيم‪.‬‬
‫«ت�ألفت القوة املدافعة عن تل الزعرت وج�رس البا�شا من ‪ 1200‬من امللي�شيا يدعمهم ‪ 60‬من‬
‫جي�ش التحرير تولوا ت�شغيل ‪ 36‬قطعة من �أ�سلحة الإ�سناد‪ ،‬وكان هناك بع�ض التح�صينات‪،‬‬
‫بينما كانت املالجئ الثمانية ع�رش التي �شيدتها منظمة التحرير �ضد الغارات اجلوية �سنة ‪1975‬‬
‫م تت�سع فقط �إىل (‪ )%60‬من �أهايل تل الزعرت‪ ،‬وكان خميم ج�رس البا�شا يقع على تلة �شديدة‬
‫االنحدار وفوق �أر�ض �صخرية الأمر الذي �أعاق بناء املالجئ‪ ،‬لكن بيوته الإ�سمنتية وفرت حماية‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪487‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫�أف�ضل ل�سكانه من تلك التي وفرتها �أكواخ ال�صفيح ل�سكان تل الزعرت‪ ،‬وات�ضح هذا يف اليوم‬
‫الأول من هجوم امللي�شيات االنعزالية حيث �سقطت (‪� 5‬آالف قذيفة) على املخيمني فدمرت ما‬
‫يقرب من ‪ %70‬من بيوتهما‪.‬‬
‫ويف الواقع دارت املعركة مبحيط تل الزعرت خالل الأ�شهر الأوىل وبالذات منطقة املك ّل�س‬
‫وما حولها التي ا�ستوىل عليها املدافعون عن تل الزعرت لتوفري درع واق للمخيم‪ ،‬ومل يتزحزح‬
‫املدافعون عن مواقعهم �إذ كانوا ي�ستعيدون املباين والنقاط املرتفعة من �أيدي امللي�شيات االنعزالية‬
‫مرة تلو الأخرى‪ ،‬لكن ميزان املعركة تغري بعد دخول حزب الكتائب املعركة يوم ‪1976/6/24‬‬
‫م ثم تغري بعد ذلك ب�أ�سبوع عندما زجت الأجنحة املتمردة من اجلي�ش اللبناين بقيادة ف�ؤاد مالك‬
‫وانطوان بركات بقوات امل�شاة واملدرعات واملدفعية التابعة لهما يف املعركة ب�صورة كاملة‪.‬‬
‫ورغم ا�شتداد الق�صف على املخيم‪� ،‬إال �أنه بف�ضل املدافعني عنه من داخله واملدافع املتمركزة‬
‫يف جبال املنت وبريوت متكنوا من حماية تل الزعرت و�إقامة «�ستار ناري» �أ�صاب بدقة متناهية‬
‫املوجات الهجومية االنعزالية‪ ،‬لكن خط الدفاع بد�أ يرتاجع بالتدريج حتى بلغ حدود املخيم يوم‬
‫‪1976/7/20‬م‪.‬‬
‫كما قامت قوات فتح واملنظمات الفل�سطينية الأخرى بعدة حماوالت لرفع احل�صار عن تل‬
‫الزعرت لكن من دون جدوى‪ ،‬فقد ا�ضطرت القوات امل�شرتكة �إىل ن�رش قواتها يف مواجهة اجلي�ش‬
‫ال�سوري على عدة جبهات الأمر الذي ا�ستنفذ طاقاتها‪ ،‬وبالتايل مل تتمكن (م‪.‬ت‪.‬ف) من ح�شد‬
‫ما يكفي من قوات االحتياط لدعم خطة ك�رس الطوق التي اقرتحتها قيادة املخيم‪ ،‬وكبديل قامت‬
‫عدة قوى تابعة للقوات امل�شرتكة ب�شن �سل�سلة من الهجمات ال�صغرية على خطوط امللي�شيات‬
‫االنعزالية يف �ضاحية عني الرمانة ومناطق �أخرى و�إزاء هكذا حالة �أخذت حركة فتح تعتمد على‬
‫قوتها الذاتية لكنها واجهت �صعوبات كبرية‪.‬‬
‫�أخذت حمنة تل الزعرت تزداد �سوء ًا يوم ًا بعد يوم اعتبار ًا من منت�صف �شهر متوز‬
‫(‪1976/7‬م) وكانت دوريات فتح تقوم بانتظام بالرحلة اخلطرة عرب �أحرا�ش وادي نهر بريوت‬
‫وعرب خطوط امللي�شيات االنعزالية حول املخيم لإي�صال التعزيزات ومعدات القتال‪.‬‬
‫خالل تلك املرحلة توىل خليل الوزير امل�س�ؤولية الكربى يف الدفاع عن املخيم‪ ،‬و�إي�صال الدعم‬
‫والتموين و�أقام غرفة عمليات يف منطقتي را�س املنت واملونتيفريدي باجلبل‪ ،‬وكان يوا�صل العمل‬
‫مل�ساعدة �أهلنا يف خميم تل الزعرت وتخفيف هجمات القوات الإنعزالية‪ ،‬حيث ا�ستخدم مراب�ض‬
‫املدفعية يف اجلبل لعرقلة الهجمات على املخيم‪ ،‬الأمر الذي �أ�سهم �إىل حد كبري يف �صمود املدافعني‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪488‬‬
‫عن املخيم عدة �أ�شهر وكلما كانت املعارك ت�شتد كان ير�سل الدوريات لال�شتباك املبا�رش وفك‬
‫احل�صار‪ .‬كما قام بفتح جبهات �أخرى يف الكحالة ومناطق �أخرى لإ�شغال تلك القوات يف معارك‬
‫جانبية‪ ،،‬ويف غرفة العمليات كان ي�ساعده العميد �أحمد عفانة (�أبو املعت�صم) و غازي احل�سيني‬
‫وعدد كبري من �ضباط القطاع الغربي‪.‬‬
‫�إال �أن امل�شكلة التي برزت مل تكن تتعلق بالت�صدي للقوات الإنعزالية‪ ،‬و�إمنا للنق�ص ال�شديد يف‬
‫املياه والطعام واملواد الطبية‪ ،‬ومل يكن لدى املخيم كله يف بداية �شهر متوز (‪1976/7‬م) �سوى‬
‫ثالثة م�صادر للمياه‪ ،‬تقل�صت �إىل �أنبوب مياه واحد �صالح لل�رشب وكان يقع عند اخلط الأمامي‬
‫للمواجهات‪ ،‬الأمر الذي كان يكلفنا كل ليلة �سقوط (‪� 25 – 20‬شهيد) من الأهايل خالل عملية جلب‬
‫املياه‪ ،‬كما انت�رشت حاالت �سوء التغذية واجلفاف بني الأطفال‪ ،‬بينما ق�ضت الغرغرينا والكزاز‬
‫والنزيف على عدد متزايد من اجلرحى ب�سبب عدم توافر امل�ضادات احليوية والأم�صال‪ .‬ورغم‬
‫�سوء الأحوال �إال �أن املعنويات كانت عالية جد ًا لدى املدافعني عن املخيم ال �سيما بعد �أن متكن‬
‫�أحد املقاتلني من �إ�صابة قائد احلملة الع�سكرية للكتائب وليم حاويوقتله يوم ‪1976/7/13‬م‪.‬‬
‫تعر�ضت املجموعات املدافعة عن املخيم لق�صف عنيف اعتبار ًا من ‪1976/7/16‬م‪ ،‬و�أ�صبح‬
‫الدفاع عن املخيم مي�ؤو�س منه ب�سبب اختالل التوازن يف الت�سليح ونوعية ال�سالح‪ ،‬حيث كانت‬
‫�إ�رسائيل قد �سلمت امللي�شيات االنعزالية دبابات من طراز «�شريمان» وناقالت جند طراز (م‬
‫‪ )3-‬وقد ا�ستخدمت ب�رشا�سة يف املعارك‪ ،‬حيث مت تدمري املباين بق�صف �أعمدتها و�أ�سا�ساتها‬
‫كي تنهار‪ ،‬الأمر الذي �أدى �إىل مقتل (‪ 250‬مدين) كانوا خمتبئني يف ملج�أ �إحدى البنايات يف‬
‫ر�أ�س الدكوانة‪ ،‬وق�ضى حوايل �ألف من املدنيني وجرح �ألف �آخرين‪ ،‬الأمر الذي دفع �أبو عمار‬
‫�إىل �إجراء مفاو�ضات مع حزب الكتائب(‪)38‬ونتيجة لذلك �سمح لل�صليب الأحمر الدويل ب�إخالء‬
‫(‪ )334‬جريحا �إىل بريوت الغربية‪ ،‬وتبعهم (‪ 500‬طفل)‪ ،‬مع �إ�رصار اجلبهة اللبنانية على‬
‫موا�صلة القتال انهار وقف �إطالق النار الذي كان �أبو عمار قد تو�صل �إليه يف وقت �سابق مع‬
‫حزب الكتائب‪ ،‬وقام ب�شري اجلميل ب�ضم قواته �إىل قوات كميل �شمعون و�شنوا هجوم ًا نهائي ًا‬
‫على تل الزعرت يف ‪1976/8/8‬م‪ ،‬وكان من املفرت�ض �أن يوقع �أبو عمار على االتفاق مع حزب‬
‫الكتائب يوم ‪1976/8/10‬م‪.‬‬

‫‪ 38‬كان علي ح�سن �سالمه (�أبو ح�سن) على ات�صال مع ب�شري اجلميل وكرمي بقردوين‪ ،‬وكلف من قبل �أبي عمار بالبحث عن �سبل‬
‫وقف الهجوم على خميم تل الزعرت وح�صل على وعد من ب�شري اجلميل ب�أال يتم اقتحام املخيم من قبل القوات االنعزالية‬
‫�إال �أن الأخري مل يلتزم بوعده‪ ،‬لذلك كان ال�شهيد �أبو ح�سن �سالمة غا�ضباً للغاية وهو ي�شاهد املذبحة التي حلت مبخيم تل‬
‫الزعرت حتى �أنه بكى وهو يردد‪ :‬لقد خدعني ب�شري!!!‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪489‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫يا�رس عرفات يف زيارة ل�ضحايا جمزرة خميم تل الزعرت‬

‫بد�أ املدافعون املتبقون عن تل الزعرت والبالغ عددهم (‪ )400‬مقاتل يواجهون نق�صا حادا يف‬
‫الذخرية والطعام‪ ،‬وعاود �أبو عمار يف اليوم نف�سه ات�صاالته لتجديد االتفاق مع حزب الكتائب‬
‫الذي تعهد ب�أال يتعر�ض ب�سوء للفل�سطينيني الذين ي�ست�سلمون �إىل ممثلي قوة الأمن العربية‪،‬‬
‫وقامت عربات تابعة حلزب الكتائب يوم ‪ 8/12‬ب�إذاعة بنود االتفاق من مكربات ال�صوت على‬
‫ال�سكان يف املالجئ‪� ،‬إال �أن عدد ًا يرتاوح ما بني (‪ )2000 – 1000‬مدين قتلوا رمي ًا بالر�صا�ص‪،‬‬
‫�أو قطعوا �إربا‪� ..‬إربا بالبلطات خالل ال�ساعات التي تلت ذلك‪ ،‬وتقدمت اجلرافات على �أثر تلك‬
‫املجزرة الب�رشية لتزيل املخيم عن الوجود و�سحقت حتت الركام كل من ظل خمتبئا يف املالجئ‪،‬‬
‫وقدمت تعزيزات للملي�شيات االنعزالية من مناطق �أخرى للم�شاركة يف املذبحة‪ ،‬و�إقامة نقاط‬
‫تفتي�ش كان على الناجني املرور منها �إجباري ًا‪ ،‬حيث كانت متار�س عمليات قتل ب�شعة �أمام �أعني‬
‫الن�ساء والأطفال‪ ،‬وكانت تلك املذبحة من �أب�شع جرائم امللي�شيات االنعزالية بعد �سقوط تل‬
‫الزعرت‪ ،‬حيث بلغ �إجمايل ال�شهداء (‪� )4280‬شهيد(‪.)39‬‬

‫‪ 39‬رحاب حممد ح�سني حمزة كنعان‪ ،‬تل الزعرت مملكة التنك وجمهورية الثوار‪ ،‬تون�س ‪1994‬م‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪490‬‬

‫�شهادات من خميم تل الزعرت‪:‬‬

‫�شهادة النقيب عبد الرحمن �صالح ‪ -‬من قوات الـ‪:17‬‬


‫يف بدايات العام ‪1976‬م كانت قوات الـ‪ 17‬منت�رشة على معظم املحاور الفا�صلة بني بريوت‬
‫الغربية وال�رشقية‪ ،‬حيث كانت احلرب طاحنة ال هوادة فيها بني االنعزاليني واحلركة الوطنية‬
‫اللبنانية‪ .‬يف تلك الأثناء كنت على ر�أ�س قوة من قوات الـ‪ 17‬متمركزة يف حمور ال�شياح – عني‬
‫الرمانة‪ ،‬وهو املحور الذي غلبت عليه حرب املواقع من ق�صف وقن�ص‪ ،‬وقد جاءتني الأوامر من‬
‫قيادة قوات الـ‪ 17‬بالتوجه �إىل حمور عاليه – بحمدون – �صوفر‪ ،‬وعند و�صويل هذا املحور كانت‬
‫القذائف تنهال علينا‪ ،‬ف�أمرت بن�رش القوة للتقليل من اخل�سائر وللثبات يف املواقع التي و�صلنا‬
‫�إليها بانتظار م�ساعدة احلزب التقدمي اال�شرتاكي‪ .‬ثم جاء �أمر من قيادة قوات الـ‪ 17‬بالتوجه‬
‫�إىل عينطورة‪ ،‬فتحركت فور ًا حيث كان يف ا�ستقبايل �أبو خالد العملة ونائبه نبيل عبد الرحمن‪،‬‬
‫الذي بد�أ ي�رشح يل تفا�صيل موقفنا الع�سكري‪ ،‬وخال�صته �أننا حما�رصون بدرجة (‪ )270‬ومل‬
‫يعد لنا من منفذ �إال بدرجة (‪ ،)90‬وبينما كان الق�صف متوا�صل على موقعنا و�صلتني برقية‬
‫من الأخ �أبو الطيب باحل�ضور �إىل بريوت حيث تلقيت منه تعليمات بالتوجه �إىل املنت حيث خليل‬
‫الوزير‪ .‬الذي ا�ستدعاين عند و�صويل وكان برفقته غازي احل�سيني واجتمعت معهم داخل �شبه‬
‫كهف يف منطقة (املونتفريدي)‪.‬‬
‫بد�أ احلديث خليل الوزير فاج�أين بالقول‪� :‬أريد �أن تذهب بدورية �إىل تل الزعرت لتخرتق‬
‫احل�صار عن هذا املخيم‪ ..‬قلت‪ :‬قد ن�صل �إن �شاء اهلل‪ ..‬لكن يل طلب‪� :‬أنا ال �أعرف الطريق �أريد‬
‫دلي ًال‪� .‬أجاب‪� :‬س�أعطيك دليلني من �أ�شجع الرجال عندي‪ ،‬تعرفت عليهما وهما خليل اجلمل ما زال‬
‫حي يرزق وحممد �شحادة (ا�ست�شهد يف الدامور ب�إنزال �إ�رسائيلي) لقد كانوا من �أ�شجع الرجال‬
‫الذين �صادفتهم يف حياتي‪.‬‬
‫�أح�رض خليل الوزير اخلارطة وبني يل �أن امل�سافة بني (املونتيفريدي) وتل الزعرت ‪ 2‬كم فقط‬
‫�أي ال حتتاجون �إىل ماء وطعام كثري بل �إىل ذخائر و�أ�سلحة لنقلها �إىل املخيم �ست�صلون خالل‬
‫�ساعتني‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪491‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫حتركت على ر�أ�س جمموعة من ثالثة ع�رش مقات ًال‪ ،‬ع�رشة منهم من قوات ال‪ 17‬واثنان‬
‫فرزهم يل خليل الوزير و�أنا‪ ،‬لكن ح�ساب احلقل لي�س بال�رضورة كح�ساب البيدر فقد كانت‬
‫كمائن الإنعزاليني منت�رشة على طول الطريق امل�ؤدية �إىل املخيم �إال �أن الأخوة خليل اجلمل‬
‫وحممد �شحادة اختارا طرقا التفافية لتجنب اال�صطدام بالكمائن لقد كانت حكمتهم و�شجاعتهم‬
‫ونباهتهم منقطعة النظري‪.‬‬
‫�أم�ضينا ثالثة �أيام بلياليها ونحن ننتقل من موقع لآخر‪ ..‬حيث بلغ منا اجلوع والعط�ش‬
‫والتعب مبلغه وبدا علينا الإرهاق‪ ،‬و�أيقنت ملاذا ف�شلت كل هذه الدوريات بالو�صول للمخيم‪،‬‬
‫بعدها ونحن مقبلني على (تل الزعرت) �إذ ب�شالل ماء �رشبنا على عجل واغت�سلنا مل يبق �أمامنا �إال‬
‫�سفح جبل علينا �صعوده للو�صول �إىل تل الزعرت‪ ..‬لكنه مك�شوف ملواقع الإنعزاليني واقرتح علينا‬
‫خليل اجلمل ت�سلقه ب�أق�صى �رسعة ودون النظر �إىل اخللف‪ .‬كاد �أحد املقاتلني يف تل الزعرت �أن‬
‫يطلق علينا النار عند دخولنا �أول نقطة يف املخيم؛ لوال �أنه تعرف على الأخوة خليل اجلمل وحممد‬
‫�شحادة اللذين كان من املخيم املذكور �أ�ص ًال‪.‬‬
‫(يف تل الزعرت)‪( :‬غالون من املاء يكلفنا غالون من الدم)‪:‬‬
‫كان و�صولنا للمخيم مدعاة فرح وبهجة و�رسور لدى �أبناءه‪ ،‬فقد دخلنا ثالثة ع�رش مقاتال‬
‫مدججني بالأ�سلحة والذخائر‪ ..‬بعد حني‪ ..‬ت�أكدت بيني وبني نف�سي �أن ال جدوى من �صمود خميم‬
‫حما�رص(بدرجة‪ )360‬حماط باحلقد والكراهية‪ ..‬من امللي�شيات االنعزالية الذين ال يعرفون‬
‫�سوى �سفك الدماء وقتل الأطفال والن�ساء بق�صف يتوا�صل ليل نهار وبدعم �سوري‪ .‬يف هذه احلالة‬
‫يكون ميزان القوى (�صفرا) ومل يبق من م�ساحة املخيم �سوى ع�رشات الأمتار املربعة يحت�ضن‬
‫�آالف الأطفال والن�ساء حيث ال طعام وال �رشاب وال�شهداء يت�ساقطون كل �ساعة‪ ،‬فالطعام كان‬
‫حم�صورا يف �شوربة العد�س و�رشاب الكركديه الذي �أتذوقه لأول مرة‪ ،‬كانت اجلرذان جتاورنا‬
‫يف كل مكان والقمل ال يفارق �أج�سامنا‪ .‬ن�ساء تل الزعرت يذهنب �إىل بئر مك�شوف ي�ست�شهد �أكرث من‬
‫ن�صفهن ليوفرن بع�ض املاء لأطفالهن‪ .‬كان موقعي يف حمور التموين برفقة �أبو ن�ضال ال�صفدي‬
‫وهو حي يرزق والذي كان م�صابا‪ ،‬كان منوذجا للتعاون والت�ضحية‪.‬‬
‫كنت قبل تكليفي بهذه املهمة م�صابا بخا�رصتي اليمنى فعاد الدم ينزف با�ستمرار‪ ،‬ونظر ًا‬
‫ل�صعوبة و�صول الأدوية ونق�صها بل وانعدامها كان يجري عالج اجلروح بامللح واملاء فقط‪.‬‬
‫ا�ست�شهد معي يف املوقع �أربعة منا�ضلني من �أ�صل الـ‪ 13‬من اجلن�سية ال�سورية‪� ..‬أحدهم يدعى‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪492‬‬
‫ثائر �أو�صاين قائ ًال‪� :‬إذا ا�ست�شهدت حنطوين و�سلموا جثتي لأهلي يف �سوريا (وك�أنه كان يقر�أ‬
‫ا�ست�شهاده) حيث ا�ست�شهد بقذيفة هاون‪ ،‬قابلت الدكتور (عبد العزيز اللبدي) م�سئول اخلدمات‬
‫الطبية يف املخيم و�أخربته بالأمر وكان متعاطفا مع هذا املوقف قام بتحنيط ال�شهيد وثم دفنه يف‬
‫مكان باملخيم‪ .‬وهناك جمموعة من الأخوة امل�رصيني ال �أن�سى ما حييت ت�ضحياتهم ومثابرتهم‬
‫حيث كانوا معنيني بدفن ال�شهداء‪ ...‬ه�ؤالء هم اجلنود املجهولون‪ ..‬ه�ؤالء ي�ستحقون �أعلى‬
‫درجات الأو�سمة‪.‬‬
‫ال زلت اذكر نداء الأخ الأكرب خليل الوزير من خالل جهاز الال�سلكي ‪ 7/5‬حيث كنا نوجه‬
‫املدفعية لق�صف موقع (تلة املري) امل�رشفة على املخيم‪ ،‬كانت تلة القتل‪ ،‬فمعظم ال�شهداء �سقطوا‬
‫من هذا املوقع‪.‬‬
‫و�ضعت خطة القتحام التلة وعر�ضتها على �سلمان قائد املخيم ورحب بالفكرة ف�أر�سل‬
‫جمموعة ا�ستطالع لك�شف ما هي النقطة الأ�ضعف القتحام التلة �إال �أن كان م�صريها الف�شل حيث‬
‫ا�ست�شهد اثنني من املجموعة فاقلع عن الفكرة‪ ..‬لكن هذا مل مير مرور الكرام‪.‬‬
‫هناك �شبل يف املخيم يدعى حممود �شحادة ال يتجاوز عمره الـ‪ 14‬عاما وهو �أخ ال�شهيد حممد‬
‫�شحادة وكان با�ستمرار يتواجد يف املحاور‪ ،‬ح�صل تقدم من الإنعزاليني على املحور املتواجد‬
‫فيه ف�أ�صيب برجليه وحاولوا الإجهاز عليه‪� ،‬إال �أنه وب�شجاعة نادرة �أطلق ما ميلك من ر�شا�شه‬
‫(‪)40‬‬
‫نحو املجموعة املهاجمة فقتل قائد القوات الكتائبية يف املنطقة ال�رشقية املدعو وليم حاوي‬
‫وان�سحب �إىل داخل املخيم ومت عالجه‪ ،‬وما هي �إال دقائق حتى كان ردهم على املخيم عنيف ًا‪...‬‬
‫ف�صبوا حمم قذائفهم على املخيم وا�ستهدفوا بناية كان يف ملج�أها ‪ 250‬مواطن من الأطفال‬
‫والن�ساء والعجز‪ ،‬وهي البناية الوحيدة املتبقية يف املخيم‪ ،‬ومبا �أن القذائف اخرتقتها من جهاتها‬
‫الأربع‪� ،‬سقطت على من فيها وا�ست�شهدوا جميعا‪ ،‬ومل ي�ستطع �أحدا االقرتاب من هذه البناية‬
‫والتي دفن حتت �أنقا�ضها ‪ 250‬بريئا‪.‬‬

‫‪ 40‬وليم �إميل حاوي (‪1976 – 1908‬م) تعرف على بيري اجلميل م�ؤ�س�س حزب الكتائب يف لقاءات ريا�ضية‪ ،‬فدعاه عام‬
‫‪1937‬م لالنت�ساب �إلى احلزب‪ ،‬يف �شباط ‪ 1961‬مت تعيينه قائدا للقوى النظامية حلزب الكتائب والتي كانت تعترب مبثابة‬
‫اجلناح الع�سكري والأمني للحزب‪ ،‬وقام بت�أ�سي�س فرقة الكوماندو�س الأولى والثانية عام ‪ ،1963‬ثم �أ�س�س وحدة املغاوير‬
‫عام ‪1973‬م ومدر�سة القتال عام ‪1975‬م‪ ،‬وخالل احلرب الأهلية كان قائد ًا لقوات حزب الكتائب التي �شنت معارك �ضد‬
‫املخيمات الفل�سطينية يف بريوت ال�شرقية‪ ،‬وكان ميلك م�صنعاً للمرايا يف منطقة ج�سر البا�شا‪ ،‬الذي مت تدمريه خالل‬
‫الهجمات ال�صاروخية يف معارك تل الزعرت‪ ،‬قتله �شاب فل�سطيني ا�سمه حممود �شحادة يوم ‪1976/7/13‬م على حدود تل‬
‫الزعرت حيث �أ�صابته الر�صا�صة يف جبهته‪ ،‬وت�سلم قيادة قوات الكتائب من بعد ب�شري اجلميل‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪493‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫�أ�صبح الو�ضع الع�سكري بعد هذه الأحداث ميئو�سا منه عدا عن الو�ضع الإن�ساين‪ ،‬ا�ستدعاين‬
‫�سلمان قائد تل الزعرت و�أفادين بالآتي‪ :‬عليك ت�شكيل دورية من خم�سة عنا�رص الخرتاق احل�صار‬
‫والذهاب �إىل �أبي عمار لت�رشح له و�ضع املخيم فال�صمود �أ�صبح من املعجزات‪.‬‬
‫وبالفعل مت ت�شكيل الدورية من �أبناء املخيم ملعرفتهم الطريق من خم�سة مقاتلني �أ�شداء‪،‬‬
‫�أذكر منهم فرا�س و�أخر كنا نلقبه (كبوت�شي) ل�شبهه باملطران ايالريون كبوت�شي انطلقنا قرابة‬
‫الثامنة م�ساء من اجلهة الغربية للمخيم وعند تقاطع خط التما�س �شاهدنا �سبعة جثث ممددة على‬
‫الأر�ض لكنها عظاما نخرة‪.‬‬
‫�أثناء امل�سري �أخذت �إ�صابتي ت�سوء والدم ينزف وال �أملك �أية مواد طبية ملنع النزيف �سوى‬
‫كوفية فل�سطينية ربطتها ب�إحكام حول خا�رصتي‪ .‬بعد م�ضي �ساعة على م�سرينا و�صلنا �إىل بلدة‬
‫(املن�صورية) وهي قلعة الإنعزاليني املعروفني بحقدهم على الفل�سطينيني وقفنا بجانب �سور‬
‫يف�صل مقربة املن�صورية‪ ..‬قال فرا�س‪� :‬إذا اجتزنا املن�صورية من داخلها ن�صل (املونتيفريدي)‬
‫حيث مقر خليل الوزير‪.‬‬
‫هو �أطلق عبارته موجها كالمه يل ب�صفتي قائد ًا للدورية‪.‬‬
‫كيف نخرتقها بني البيوت و�ساكنيها‪� ..‬أجبته !‬
‫فرد قائ ًال‪� :‬سنم�ضي ثالثة �أيام بلياليها لن�صل املونتيفريدي ونحن مل نزود ال بالطعام وال‬
‫باملاء!!‬
‫كنت غري مقتنع فيما يقول ونحن ن�سمع �أ�صوات النا�س بالقرب منا‪ ،‬كرر عبارته‪� :‬أخ عبد‬
‫الرحمن �ساعتني ون�صل �أبو جهاد‪� ،‬أجبته على م�ض�ض‪ :‬هل ترى هذا ح ًال �أخريا ً؟؟ مل يجب بل‬
‫و�ضع يديه على ال�سور وقفز داخل املقربة وتبعناه‪ ..‬كانت حلظات الدقيقة فيها ب�سنة ونحن‬
‫ن�سري يف �شوارع املن�صورية وم�سلحو الكتائب ي�سريون �أما باجتاهنا �أو خلفنا‪ ،‬ون�شاهد الن�ساء‬
‫والأطفال على ال�رشفات وهم يتحدثون ويت�سامرون على �ضوء ال�شموع حيث ال كهرباء يف معظم‬
‫مناطق لبنان يف هذه احلرب‪.‬‬
‫لكن‪� ..‬أيدينا على الزناد‪ ..‬لو ح�صل مكروه‪ ..‬فالأ�رس لي�س وارد ًا يف قامو�سنا‪ ..‬ويبدو‬
‫�أنهم (ح�سبونا منهم) ال �أذكر كم دقيقة �رسنا داخل املن�صورية فقد يكون ع�رشة دقائق‪ ..‬وقد‬
‫يكون ع�رشون دقيقة‪ ..‬فالزمن يف ذلك الوقت �صعب تقديره‪ ..‬و�صلنا يف نهاية املطاف �إىل نقطة‬
‫حم�صورة ب�أ�سالك �شائكة حتيط بنا‪ ..‬وبينما نحاول عالجها للخروج منها‪� ..‬سمعنا �صوت‬
‫�أقدام تدنو نحونا من ال�شارع الذي يقابلنا‪ ..‬رجل ذو قامة طويلة‪ ..‬تبني على �ضوء القمر بلبا�س‬
‫�أ�سود و�صوت �أقدامه ترتطم ك�صوت الر�صا�ص فالهدوء يخيم ويطبق على املكان‪ ..‬وجهنا نحوه‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪494‬‬
‫بنادقنا حتى �إذا مر من �أمامنا مل ينب�س ببنت �شفه‪ ..‬يبدو �أنه مل يرانا و�إن ر�آنا فال�سكوت له‬
‫�أف�ضل‪ ..‬فغاب عن �أعيننا‪ .‬مل يبق �أمامنا يف طرف القرية �سوى الكلية احلربية التابعة للقوات‬
‫اللبنانية‪ ،‬و�إذا اجتزناها و�صلنا �أر�ض �آمنة‪ ..‬حيث هناك منحدر �سحيق ي�ضفي �إىل الوادي وتعد‬
‫منطقة حرام‪ .‬اجتزنا مبنى الكلية ومل يكن �أحدا موجودا فيها‪ ..‬واختفت املن�صورية عن �أعيننا‬
‫بانحدارنا نحو الوادي‪ ..‬حيث �صادفنا ينابيع من املاء و�شجر ال�صف�صاف على جانبي الوادي‪..‬‬
‫هذه مناطق حمررة ونحن يف م�أمن (قال فرا�س)‪ ..‬وبالفعل ما توقعه فرا�س ح�صل‪ ،‬و�صلنا �إىل‬
‫املونتيفريدي حيث خليل الوزير‪ ،‬ا�ستقبلنا بحرارة �أخذين جانبا و�رشحت له املوقف بالتف�صيل‬
‫والحظ الدم ينزف من خا�رصتي فقال‪ :‬اذهب �إىل م�ست�شفى ب�شامون فورا‪.‬‬
‫قبل ذهابي �إىل ب�شامون هم�س يف �أذين فرا�س‪� :‬س�أعود من حيث �أتيت ملالقاة �أهلي والذين هم‬
‫من املخيم �أجبته ال تفعلها‪ ،‬فالو�ضع الآن �أ�صبح �أخطر مما تتوقع‪� ،‬إال �أنه �صمم على العودة‪.‬‬
‫وتوجهت �إىل م�ست�شفى بريوت حيث و�صلني اخلرب املفجع �أن فرا�س �أثناء عودته وقع يف كمني‬
‫وا�ست�شهد‪..‬‬
‫وبعدها ا�ستقبلني �أبو الطيب يف مكتبه و�أخربته بر�سالة �سلمان ال�شفوية بخ�صو�ص تل الزعرت‬
‫وكان مت�أثرا حيث ا�صطحبني فورا �إىل غرفة العمليات ب�سبب وجود �أبو عمار فيها‪ .‬كان �أبو عمار‬
‫برفقة �أبي ح�سن �سالمة يف غرفة العمليات‪� ..‬أخذت �أ�رشح له الو�ضع يف تل الزعرت وما �أن و�صلت‬
‫�إيل عبارة‪ :‬ن�سا�ؤنا يف تل الزعرت يذهنب �إىل البئر الوحيد للتزود باملياه (وهو مك�شوف لدى العدو)‬
‫حيث قد تذهب ع�رشة ن�ساء وترجع منهن ‪� 3‬أو ‪ 4‬والبقية ي�ست�شهدن على البئر فغالون من املاء‬
‫يكفلنا غالون من الدم‪ .‬ا�ستدعى �أبو عمار فور ًا العميد �سعد �صايل و�أمره بان�سحاب اجلميع من‬
‫تل الزعرت ومن هنا جاءت مقولة �أبو عمار‪« :‬ك�أ�س من املاء يف تل الزعرت كان ي�ساوي ك�أ�سا من‬
‫الدماء»‪ .‬وبعدها توجهت �إىل امل�ست�شفى ثانية حيث �أجريت عملية جراحية ومكثت ملدة �أ�سبوع‪.‬‬
‫(يف اقتحام الكحالة) لو يعرف الزيتون غار�سه لكان الزيت دمع ًا‪:‬‬
‫بعد �شفائي وخروجي من م�ست�شفى بريوت �أمرين �أبو الطيب بالتوجه �إىل عاليه حيث مقر‬
‫خليل الوزير واجتمعنا به مع قادة القوات التي ح�رضت من اجلنوب‪ ،‬فالهدف الآن هو‪ :‬اقتحام‬
‫الكحالة‪ .‬وقال خليل الوزير �ستكون الدبابات من �أمامكم واملدفعية تق�صف مواقعهم وتكونوا‬
‫خلف الدبابات و�سيارات الإ�سعاف من خلفكم‪ .‬لكني مل �أكن �أعلم �أن الهجوم على الكحالة �سيكون‬
‫من بني ال�صخور ال�شاهقة وال�شعاب والأودية ال�سحيقة فبالكاد مير الإن�سان من خاللها‪ ..‬ما‬
‫بالك بدبابات املرابطون املدعومة‪..‬؟؟ ذهبنا �إىل نقطة التجمع وكان يف ا�ستقبالنا ع�صام اللوح‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫‪495‬‬ ‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬

‫كانت ال�ساعة تقارب الثانية �صباحا عندما بد�أنا باالقتحام‪ ..‬تقدمنا بني ال�صخور واملنحدرات‬
‫وكان برفقتي ‪ 14‬مقاتال من قوات الـ‪ 17‬ومنهم �أبو فار�س الذي �سمعته يقول اهلل �أكرب عندما‬
‫�سقط من علو ع�رشة �أمتار وبقامته الطويلة �أ�صيب بر�ضو�ض وك�سور(‪ .)41‬بعد تقدمنا ب�أمتار‬
‫فوجئنا بزخات كثيفة من الر�صا�ص من قبل الكمائن املنت�رشة حول الكحالة‪ ..‬ا�ست�شهد و�أ�صيب‬
‫الع�رشات بادئ الأمر‪� ..‬أثناء تقدمنا مت �أ�رس �أحد املقاتلني‪ ..‬حيث �سمعناهم يقولون فل�سطيني‪..‬‬
‫فل�سطيني‪ ،‬والأ�سري عندهم ال يعي�ش لدقائق‪ ،‬يتم �إعدامه بطريقة وح�شية‪ .‬و�أذكر �أنه ا�ست�شهد ‪12‬‬
‫جندي و�ضابط من قوات الـ‪ 17‬يف تلك املعركة‪.‬‬
‫حو�رصنا مع قوة من جي�ش التحرير وعلى ر�أ�سها نقيب حتت �شجرة زيتون مع بزوغ الفجر‪،‬‬
‫ومل ي�ستطع احلراك‪ ،‬اعتقد �أحد القنا�صة �أننا حتت هذه ال�شجرة الكثيفة ب�أغ�صانها و�ضخامة‬
‫جذعها و�أخذ يطلق ر�صا�صة بني الفينة والأخرى على جذع ال�شجرة‪ .‬مر النهار طوي ًال يف هذا‬
‫املكان �إىل �أن �أ�سدل الظالم وبد�أنا باالن�سحاب‪ ..‬ت�سلقنا جبال �شاخم ًا‪ ..‬تفاج�أنا �أثناء االن�سحاب‬
‫ببع�ض اجلثث بني ال�صخور‪� ..‬شهداء وجرحى ومت �إخالءهم‪ ..‬متو�ضعنا بالقوات يف منطقة‬
‫القماطية جمدد ًا‪ ،‬فقد �صدرت الأوامر باقتحام الكحالة مرة �أخرى‪ ..‬و�أثناء جتمعنا على حمور‬
‫القماطية الكحالة متهيدا للهجوم انك�شفنا لدى العدو ف�أمطرنا بقذائف دباباته و�أ�صبت بر�أ�سي‬
‫من �شظايا دبابة والحظت الدم ينزف بغزارة ومت نقلي �إىل م�ست�شفى بريوت جمدد ًا ويبدو �أن �أبا‬
‫الطيب قد علم بالأمر يف حينه حيث فوجئت بو�صوله �إىل امل�ست�شفى وبرفقته كل من مفيد امل�رصي‬
‫و�أبو ح�سني طيون وعلي الزئبق ومكثت يف امل�ست�شفى قرابة الأ�سبوعني‪.‬‬
‫ا�ستعادت امللي�شيات االنعزالية زمام املبادرة يف ‪1976/7/16‬م و�شنت هجوما على خميم‬
‫تل الزعرت حتت ا�سم (وليم حاوي) بعد ثالثة �أيام من مقتله‪ ،‬ورغم ذلك ظل املخيم �صامدا حتى‬
‫بداية الهجوم املو�سع يوم ‪1976/8/11‬م‪ ،‬والذي مت الرد عليه با�شتداد املعارك يف بريوت‬
‫وق�صفت جونيه بال�صواريخ‪ ،‬وبتاريخ ‪1976/8/12‬م �سقط خميم تل الزعرت‪ ،‬ومت اقتحامه‬
‫من قبل امللي�شيات الكتائبية وملي�شيات منور الأحرار وبعد ارتكاب مذبحة كربى �ضد ال�سكان‬
‫الأبرياء‪ ،‬مت �إجالء (‪ 12‬الف مدين) نقلوا �إىل البقاع وبريوت الغربية ومت �إ�سكان بع�ضهم يف‬
‫الدامور بعد �أن قامت م�ؤ�س�سة �صامد برتميم الأبواب وال�شبابيك فيها ثم م�سحت قوات الكتائب‬
‫املخيم بالأر�ض وك�أن مل يكن هناك �أي خميم‪.‬‬

‫‪ 41‬كان �أبو فار�س مقات ًال �شجاعاً‪� ،‬شارك يف معظم معارك الدفاع عن الثورة الفل�سطينية‪ ،‬وقد �أ�صيب خالل املعارك �أكرث من‬
‫مرة‪ ،‬كانت �آخرها خالل االجتياح الإ�سرائيلي للبنان عام ‪1982‬م‪.‬‬
‫حركة فـتـح‬
‫بني املقاومـة‬
‫واالغتياالت‬
‫‪496‬‬
‫(‪� )2‬شهادة �آمنة فيا�ض – ‪� 40‬سنة – متزوجة و�أم لع�شرة �أوالد (�سكان تل الزعرت)(‪:)42‬‬
‫كنت �سعيدة مع �أ�رستي يف خميم تل الزعرت على �أمل �إنها �إقامة م�ؤقتة حلني العودة �إىل فل�سطني‪،‬‬
‫كانت �أحوالنا املادية �سيئة‪ ،‬وزوجي مري�ض‪ ،‬لذلك ترك �أوالدي املدر�سة مل�ساعدة والدهم‪ ،‬ويف‬
‫علي كي �أبقى و�أرعاهم هكذا‬‫�أثناء احل�صار كانوا يح�رضون املاء ومينعوين من اخلروج خوفا ّ‬
‫قالوا يل‪� ...‬أتى يوم الت�سليم امل�ش�ؤوم وقال لنا امل�س�ؤولني‪ :‬كل ع�سكري ي�سلم �سالحه ونف�سه‬
‫�سوف ينجو‪ ،‬وكذلك كل مدين حيث �ست�أتي �سيارات ال�صليب الأحمر لنقل اجلميع‪ ،‬فر�ضخنا �أنا‬
‫وزوجي و�أوالدي ال�صغار لذلك‪ ،‬وقمنا بت�سليم �أنف�سنا‪ ،‬فقاموا بتجميعنا حيث �أخذوا ي�رضبون‬
‫الرجال ويعزلوهم عن الن�ساء ويقلتونهم �أمام �أعيننا‪� ،‬إىل �أن جاء دور دور زوجي فكان يحمل‬
‫�أ�صغر ولدين لنا بني يديه‪ ،‬فلم ينتظروا حتى يرتك الأطفال ف�صوبوا الر�صا�ص �إىل ر�أ�سه ثم‬
‫�أخذوا الولدين من ابني الثالث وعمره ‪� 13‬سنة‪ ،‬حيث حملهما بعد مقتل �أبيهم ثم قتلوه و�أبقوا‬
‫على ال�صغريين اللذين مل �أعرف حتى الآن م�صريهما‪ ،‬وبعد �أن نقلونا نحن الن�ساء �إىل بريوت‬
‫الغربية مل �أجد �أوالدي الكبار‪.‬‬
‫(‪� )3‬شهادة عليا معروف – ‪� 18‬سنة‪:‬‬
‫�أ�سهمت خالل احل�صار واملعارك بعدة �أعمال و�أول عمل قمت به كان جمع التموين وتوزيعه‬
‫على �أهايل املخيم وزيارة �أهل ال�شهداء‪ ،‬وخالل احل�صار �أ�سهمت بنقل اجلرحى �إىل �أقرب نقطة‬
‫�إ�سعاف‪ ،‬وكذلك �إ�سعاف اجلرحى يف املالجئ‪ ،‬كما �ساهمت بنقل الذخرية وجتهيز حماالت خ�شبية‬
‫لنقل اجلرحى‪� ،‬إن �أق�سى ما تعر�ضنا له عندما نزلنا �إىل منطقة الدكوانة‪ ،‬فلقد �أخذوا �أخي مني‬
‫رغم تو�سالت �أمي و�أجربونا على املغادرة فورا‪ ،‬وعندما و�صلنا �إىل منطقة النافعة التقينا �أحد‬
‫الأ�شخا�ص وكنا نعرفه فطلبنا منه �أن يو�صلنا �إىل نقطة �أمان مقابل ما لدينا من مال‪ ،‬لكنه مل‬
‫ي�أبه بنا فقررت والدتي العودة ملعرفة م�صري �أخي‪ ،‬فرجعنا نبحث بني اجلثث حتى عرثنا على‬
‫جثته‪ ،‬ف�أخذت والدتي ت�صيح وتبكي بحرقة جعلت �أحد مقاتلي الكتائب ينتبه لذلك‪ ،‬فجاء م�رسع ًا‬
‫و�شهر �سالحه علينا مهدد ًا بقتلنا �إذا مل نغادر فور ًا‪ ،‬ثم حلق به عن�رص �آخر وطلب منا �أن نتبعه‬
‫حيث كانت تقف �سيارة لرتحيل الن�ساء‪ ،‬فركبنا معهن ونقلونا �إىل «حاجز ال�رسيان» وهناك نزلنا‬
‫من ال�سيارة فهجم علينا مقاتلو الكتائب يوبخونا وطلبوا منا اال�صطفاف على احلائط حتى جاء‬
‫موفد من قوات الأمن العربية ونقلونا �إىل بريوت الغربية‪.‬‬
‫‪ 42‬رحاب كنعان «تل الزعرت مملكة التنك وجمهورية الثوار»‪� ،‬ص‪55‬‬

You might also like