نظريه التنشئة الاجتماعية

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫نظريات التنشئة االجتماعية‪:‬‬

‫أوال‪ .‬نظرية الصراع ‪:Conflict Theory‬‬


‫تستند مفاهيم هذه النظرية إلى مبدأ الخطيئة الـذي كـان يعتقـد بـه كـثـير مـن الفالسفة‬
‫والوعاظ‪ ،‬ويصور هذا المبدأ اإلنسان بأن أمه حملته ثم ولدته في وضع مـن‬
‫الخطيئة‪ .‬ومن أنصار هذا المبدأ توماس هوبز (‪ )Tomaas Hobbs‬في القرن‬
‫السابع عشر الذي رأى أن األطفال‪ ،‬يمتلكون طبيعة فاسـلة يمكن أن تصبح تهديدا‬
‫لكافـة القيم االجتماعية‪ ،‬وقد جاءوا إلى هذا العالم كمتوحشين صغارا‪ ،‬همهم أن‬
‫يحرزوا االنتصار على اآلخرين بغض النظـر عـن الثمن‪ ،‬وأن هـدف التنشئة‬
‫االجتماعية المبكرة إخضاعهم وإجبارهم على تبني دور المواطن المتحضر‪.‬‬
‫إن األطفال بحسب هذه النظرية يولدون ولديهم من الدوافع الفطرية الغريزية ما‬
‫يحفزهم ويستثيرهم للسلوك بطريقة معينة إلشباع غرائزهـم البهيمية الفجـة‬
‫وتتعارض هذه الرغبة الجامعة مع متطلبات الجماعة التي ينتمي إليها الطفـل‪ .‬لذلك‬
‫يأتي دور التنشئة االجتماعيـة عـن طـريـق األبوين منذ اللحظات األولى لوالدته‬
‫لتحطيم إرادته البهيمية‪ ،‬وكبح جماح غرائزه‪ ،‬وتنظيم انطالق أداءاته الطبيعية‬
‫وضبطها وإجباره على تبني سلوكات غير فطرية موافقة لرغبات المجتمع‬
‫ومتطلباته‪ .‬وجدير بالذكر‪ ،‬أن فرويد كان أكثر من وضح هذه النظرية وشرحها فيمـا‬
‫بعـد من خالل نظريته للتحليل النفسي‪.‬‬
‫ثانيا‪ .‬نظرية التحليل النفسي ‪Psycho- analysis Theory‬‬
‫يعد (سيجموند فروید) صاحب نظرية التحليل النفسي‪ ،‬ويشير كثيرون إلى أن من‬
‫يتعرض لنظريات الشخصية‪ ،‬عليه أن يبدأ بفرويـد‪ ،‬أو أن ينتهي بـه‪ ،‬وكما يعتبر‬
‫فرويد أبو التحليل النفسي‪ ،‬فإنه يعد كذلك «أبـو نظرية الشخصية» ممثًال لالتجاه‬
‫الدينامي في دراسة الشخصية‪ ،‬ومركزا على تأكيد خبرات الماضي وبخاصة‬
‫خبرات الطفولة المبكرة في تكوين الشخصية‪ ،‬والتي هـي مـن وجهـة نظـره تنظيـم‬
‫نفسي أشبه بالبناء من طبقات‪ ،‬الذي ترتكز فيه طبقاته العليا على طبقاتـه السفلى إلى‬
‫حد بعيد‪ .‬وقد وجه فروید جهوده نحـو فهم الالشعور وفهمه‪ ،‬مشيرا إلى أن األفعال‬
‫تنطوي على قصد دفين ال شعوري‪ ،‬وال تحـدث عـفـوا أو بالمصادفة‪ ،‬وأن لها داللة‬
‫ومعنى وتؤدي غرضًا في الحياة‪ .‬فالسلوك برأيه هو محصلة قوى دافعـة متعارضـة‬
‫لعمليات ودوافع تكون غالبًا ال شعورية وليست نتيجة الظروف الخارجية‪ .‬وقد كان‬
‫فرويد أكثر من وضح نظرية الصراع السابقة الذكر وشرحها‪ ،‬حيث صور الطفل‬
‫بأنه ذو طبيعة مضادة لمتطلبات المجتمع وقوانينه وأنظمتـه ويمـلـك مـن الغرائز‬
‫والبواعث والدوافع ما يجعلـه أنانيًا وذا طبيعـة تخريبية متناقضـة مـع هـذه‬
‫المتطلبات والقوانين واألنظمة وأوضاع الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫ثالثا"‪ .‬نظرية التعلم االجتماعي ‪Social Learning Theory‬‬
‫يعد التعلم المحور األساس لنظرية التعلم االجتماعي‪ ،‬ومن المعلوم أن اإلنسان‬
‫هو أقدر المخلوقات على التعلم‪ ،‬وأكثرها حاجة إليه؛ وذلك لما للتعلم من أهميـة في‬
‫حياته ووجوده واستمراريته بعامة‪ ،‬وتنشئته االجتماعية بخاصة‪ ،‬والتعلم عملية‬
‫دائمـة ومستمرة؛ إذ تستمر منذ والدة اإلنسان وحتى نهاية عمره‪ ".‬ويعرف التعلم‬
‫بأنه «تغير شبه دائـم في أداء المتعلم نتيجـة ظـروف الخبرة والممارسة والتدريب»‪.‬‬
‫وما دامت البيئة التي يعيش فيها اإلنسان دائمـة التغير والتقلب‪ ،‬فإنه سيضطر إلى‬
‫تغيير سلوكه تغييرا طفيفًا أو كبيرا حتى يستطيع التكيف معها‪ .‬ويكون هذا التكيف‬
‫من أجـل هـدف معين‪ ،‬فقـد يكـون مـن أجـل اكتساب مهارة أو معرفة‪ ،‬أو تعلم مـن‬
‫أجـل حـل المشكالت‪ ،‬أو تعلـم الستخدام األسلوب العلمي في التفكير‪ ،‬أو تعلم لكسـب‬
‫عـادات وقيـم اجتماعية أو تعلـم لكسب اتجاهات معينة‪ 26 ،‬وهذه جميعها ما تسعى‬
‫التنشئة االجتماعية إلى تحقيقها‪ .‬فقد أشرنا سابقًا إلى أن عملية التنشئة االجتماعية‬
‫(التطبيع االجتماعي) في جوهرهـا عملية تعلم وتعليم‪ ،‬ألنها تعديل أو تغيير في‬
‫السلوك نتيجة التعرض لخبرات وممارسات معينة‪ ،‬وألن مؤسسات التنشئة‬
‫االجتماعية تتبع أثناء عملية التنشئة‪ ،‬بقصد أو بدون قصد‪ ،‬بعض األساليب والوسائل‬
‫المعروفة في تحقيق التعلم‪".‬‬

‫رابعا ‪ .‬نظرية الدور االجتماعي ‪Social Role Theory‬‬


‫الدور مفهومه وتعريفه وأهميته بعد الدور أو السلوك المتوقع أو النمطي للفرد الذي‬
‫يشغل مركـزا (مكانـة)‬
‫اجتماعيًا في حدود الجماعة المحور األساس لنظريـة الـدور االجتماعي‪ ،‬وبعـد لذلك‬
‫حسبها الدور والمركز االجتماعي وجهان لعملة واحدة‪ ،‬وقد استيعرت كلمـة الـدور‬
‫من المسرح‪ ،‬حيث يمثل الفرد أنواعًا من السلوك على خشبة المسرح‪ ،‬فكـان التنظيـم‬
‫االجتماعي مسرح حيـاة الجماعة‪ ،‬وأفرادهـا يمثلـون تلك األدوار المختلفـة بسببـب‬
‫اختالف مراكزهم‬
‫والمركز (‪ )Position‬هو المكانة التي يشغلها الفرد في بنـاء الجماعة على اعتبار‬
‫أنه لبنة فيها‪ ،‬وبهذا فهو يعكس وضع الفرد ومكانته في التنظيم االجتماعي مثل‬
‫مركز األم‪ ،‬أو األب‪ ،‬أو رئيس الجامعة‪ ،‬أو الشرطي‪ ،‬وغيرهم‬
‫خامسا ‪ .‬نظرية التفاعل الرمزي ‪Symbolic Interaction Theory‬‬
‫بعد كل من تشارلز كولي (‪ ،)1929 – 1864‬وجـورج هيربرت ميـد (‪– 1863‬‬
‫‪ ،)1931‬ورايت ميلز (‪ )1962-1916‬من أهـم رواد نظرية التفاعل الرمـزي‬
‫الـتي تقوم على األسس التالية‬
‫أن الحقيقة االجتماعية‪ ،‬حقيقة عقلية تقوم على التخيل والتصور‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫قدرة اإلنسان على االتصـل مـن خـالل الرموز‪ ،‬وقدرته على تحميلها معـان‬ ‫‪-2‬‬
‫وأفكارا ومعلومات يمكن نقلها لغيره‪.‬‬
‫وبهذا‪ ،‬تركز هذه النظرية على أهمية التواصل الرمزي واللغـة في عمليات التفاعل‬
‫االجتماعي وتكوين مفهوم الذات لدى الطفل‪ .‬وترى أن تعرف الفرد على‬
‫صورة ذاته يحدث من خالل تصور اآلخرين له‪ ،‬ومن خالل تصوره لتصور‬
‫اآلخرين له؛ إذ تتكون صورة الذات نتيجة تفاعل الفرد مع اآلخرين‪ ،‬وما تحمله‬
‫تصرفاتهم واستجاباتهم لسلوكه كاالحترام والتقديـر‪ ،‬وقدرته على تفسير هذه‬
‫التصرفات واالستجابات‪ ،‬وبمعنى آخر فإن اآلخرين يعدون مرأة يرى الفرد فيها‬
‫نفسه‪".‬‬

‫سادسا‪.‬نظرية التعاهد االجتماعي المتبادل‬


‫يرى الدكتور سيد أحمد عثمان صاحب هذه النظرية أن النظريات المختلفة للتطبيع‬
‫االجتماعي السابقة الذكر – التحليل النفسي‪ ،‬والتعلم االجتماعي‪ ،‬والـدور‬
‫االجتماعي‪ ،‬وغيرها‪ -‬ال تقدم بصورة منفردة أو مجتمعة تفسيرًا شامًال وكامًال لعملية‬
‫التطبيع االجتماعي؛ وذلك ألنها لم تبرز الدور اإليجابي للطفل أثناء عملية تطبيعـه‬
‫ولم تبين أهمية االلتزام االجتماعي أو التعاهد االجتماعي أثناء التطبيع االجتماعي‪،‬‬
‫كما أنها أغفلت الجانب األخالقي لعملية التطبيع االجتماعي الذي أساسه االلتزام‪،‬‬
‫ولم تبين أيضًا الكيفية التي تتكامل بها مؤسسات التطبيع االجتماعي في عملها‬
‫إلحداث التغيير المطلوب في الطفل‪.‬‬
‫ومن أهم األسس التي قامت عليها هذه النظرية ما يلي‪:‬‬
‫أن التعاهد االجتماعي المتبادل هو أساس التفاعل االجتماعي الذي يقوم على‬ ‫‪-1‬‬
‫تعاهد ضمني أو صريح بين أطراف هذا التفاعل‪ .‬وبمعنى آخر أن الطـرف‬
‫الـذي يعطي يتوقع مقابًال لهذا العطاء‬
‫أنه في أي تنظيم اجتماعي متكامل ال بد أن يكون توجه أعضاء هذا التنظيم‬ ‫‪-2‬‬
‫نحو توقعات اآلخرين تبادلية‪ ،‬بمعنى أن يعمل كل فرد في جماعة منظمـة‬
‫على تحديد سلوكه بناء على توقعات اآلخرين منه‪ ،‬بينما يحدد األخـرون‬
‫سلوكهم في ضـوء توقعاته هو نفسه‪ ،‬أي أن توقعات أعضاء الجماعة بالنسبة‬
‫لبعضهم بعضًا متبادلة‪.‬‬
‫إن مطابقة سلوك أعضاء الجماعة لتوقعات أعضائها بعضـهـم أمـام بعضهم‬ ‫‪-3‬‬
‫اآلخر‪ ،‬يؤدي إلى رضـاهم‪ ،‬وزيادة درجـة مسايرتهم لتوقعات الجماعة‬
‫وقيمها‬
‫سابعا‪ .‬نظرية سياسة عدم التدخل ‪، Laissez Faire Theroy‬‬
‫يرى أصحاب هذه النظرية وعلى رأسهم جان جاك روسو في كتابه «إميـل»‬
‫ضرورة عدم تدخل المجتمع ومؤسساته المختلفة (األسرة‪ ،‬المدرسة‪ ،‬وغيرهـا)‬
‫بتشكيل شخصية الطفل وخبراته واتجاهاته‪ ،‬وحمايته من عمليات التطبيـع‬
‫االجتماعي لينمو منسجمًا مع طبيعته األصيلة الخيرة‪ ،‬وبمعنى آخـر إتاحة الفرصة‬
‫لنمـو الطفـل الطبيعي دونما تدخل للمجتمع‪ ،‬ألن الطفل قادر على استثمار استعداداته‬
‫الفطرية لينمو بحرية تقيدها مسؤوليته عن تقدمه في النمو على نحو يجنبه العثرات‬
‫ويزيد مـن قدراته وإمكانياته وفعالياته"" ويقع دور اآلباء والمربين وغيرهم في‬
‫المجتمع في تهيئة بيئة مناسبة يأخذ فيها الطفل حريته بالتوجه نحو النشاطات‬
‫واألهداف المحددة‬
‫من هذا المنطلق‪ ،‬يتضح أن هدف عملية التنشئة االجتماعية مـن وجهـة نظـر هذه‬
‫النظرية هو تحول الطفـل إلى راشـد مـن خـالل استغراقه في ممارسة نشاطاته‬
‫واستمتاعه بها‪ .‬وتعول هذه النظرية على نحو أساس على دور القوى الفطريـة لديـه‬
‫كدوافع وحوافز على النمو المستمر في مقابل التقليل من دور األبويـن مـا أمـكـن‪.‬‬
‫وبقدر ما تكون الظروف بناءة أيضًا‪ ،‬وبقدر مـا يهيء الوالدان جـوا مـن القبـول‬
‫والرضا تترك فيه للطفل الحرية في ممارسة النشاطات‪ ،‬فإن ذلك يساعده على النمو‬
‫ويصقل خبراته‪.‬‬
‫وعلى نحو عام‪ ،‬فإن عملية التنشئة االجتماعية بحسب هذه النظرية تقوم علـى الدور‬
‫االيجابي للطفل مقابل الدور السلبي لألبوين‪".‬‬
‫وفي نهاية الحديث عن نظريات التنشئة االجتماعية‪ ،‬ال بد من اإلشارة إلى أن واحدة‬
‫منها منفردة ال تقدم لنا تفسيرا شامًال وكامًال لعمليةالتنشئةاالجتماعيـة‬
‫(التطبيع االجتماعي)‪ ،‬لذلك من الضروري اإلحاطة بها جميعها لتتمكن من‬
‫الحصول على التفسير المطلوب‪.‬‬
‫المرجع‪:‬‬
‫كتاب التنشئة االجتماعية ‪ ،‬د‪ /‬عمر احمد همشري‪ ،٢٠١٣ ،‬ص‪ ، ٧٩-٦١‬دار صفاء‬
‫للنشر والتوزيع‬

You might also like