Professional Documents
Culture Documents
المرآة بين ظلم الغرب وعدالة الدين ملون
المرآة بين ظلم الغرب وعدالة الدين ملون
مقدِّمة:
رب العالمين ،خلق اإلنسان في أحسن تقويم ،وجعل آدم وح َّواء زوجين ،توالدت منهما
الحمد هلل ِّ
والسالم على سيِّد الخلق ،ولسان
َّ والصالة
َّ البشـريَّة ،وعمرت بهم األرض وانتشـرت بهم ال ُّذ ِّريَّة،
الصدق سيِّدنا مح َّمد ،وعلى آله وأصحابه أجمعين ،وعلى جميع أنبياء اهلل والمرسلين ،وبعد:
ِّ
العلمي توجب على ك ِّل باحث ودارس أن يتناول األمر الَّذي يكتب عنه ِّ فإ َّن قواعد البحث
بتجر ٍد كامل يستطيع معه الوصول إلى الحقيقة ،وإ َّن
ُّ بموضوعيَّة تا َّمة بعيداً عن األهواء واآلراء المسبقة،
2
الكثير أصاب َع االتِّهام نحو اإلسالم وموق ِف ِه من المرأة ،وقاموا بتعكير صفو الحقيقة ،األمر الَّذي
ُ فو َّجه
العصري الجامع وبرامجها وخططها المختلفة-
ِّ المؤسسة الدِّينيَّة -من خالل التَّفسير
َّ استدعى أن تقوم
وتوضيح معالم الحقيقة ،فأيقظت بذلك عقوالً
ِ الشبهات الَّتي تعتري الحديث عن المرأة،
بتفني ِد ك ِّل ُّ
أصابتها ال ِغشاوة والفه ُم الخاطئ حيناً من الزَّمن ،ورد ْ
َّت على المغرضين وأهل الزَّيف باطلهم ،وأنارت
طريق الحقيقة للنَّاس؛ ليقلعوا عن األفكار والمعتقدات الخاطئة الَّتي حكمتها تقاليد وموروثات بالية،
الشرق أو أجندات الغرب غير مبادئ اإلسالم وأعمال النَّاس غير أوامر اهلل ،وأ َّن
وليعلموا أ َّن تقاليد َّ
العرف مهما شاع يحكم عليه وال يحكم له ،والتَّقاليد قد تكون باطالً أو خليطاً من الح ِّق والباطل،
والفيصل والحكم في ذلك كلِّه كتاب اهلل وسنَّة رسوله الكريم ﷺ.
الشبهات ،ويوضح الحقيقة الَّتي استمدَّت من كتاب
الصدر ،ويدفع ُّ ويج ُد الن َّ ُ
اظر في هذا البحث ما يثلج َّ
بي المصطفى صلَّى اهلل عليه وسلَّم.
اهلل ع َّز وج َّل وسن َّ ِة الن َّ ِّ
(الخاصة بالمرأة) من كتاب اهلل ع َّز وج َّل في
َّ وانطلقت فكرة كتابة هذا البحث بعد تفسير اآليات الكريمة
العصري الجامع على شاشات التَّلفزة ،والَّتي ص َّ
ححت الكثير من المفاهيم عند النَّاس، ِّ حلقات التَّفسير
خاص يكون بين أيدي الباحثين عن الحقيقة.
ٍّ السادة العلماء والمث َّقفون بأن نجمعها في كتاب
وطالب َّ
السيِّد
الستَّار َّ
د .مح َّمد عبد َّ
3
تمهيد:
يقول اهلل ﷻَ ﴿ :ول َ َق ْد َك َّرمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [اإلسراء ،)1(]70:والمرأةُ هي المخلوق الَّذي
شك؛ لذلك كان ال ب َّد من استعراض أه ِّم ما يتعلَّق بالمرأة
الرجل هذا التَّكريم بال ٍّ
نال مع َّ
في هذا المبحث ،ولكن ال ب َّد من تفنيد حال المرأة قبل اإلسالم وبعده ،عند األمم
السابقة وعند العرب.
َّ
احتلَّت المرأة في مصر القديمة (عهد الفراعنة) مكانة مرموقة ،وتمتَّعت ببعض الحقوق
إال أ َّن األمَّة المصريَّة كانت من األمم الَّتي
كح ِّق التَّملُّك وح ِّق اإلرث وح ِّق الحكمَّ ،
شاعت فيها عقيدة الخطيئة ،وأ َّن المرأة هي علَّة وسبب تلك الخطيئة ،وأنَّها خليفة
للروح َّ
إال بالنَّجاة من حبائل المرأة(.)2 الشيطان ،وأنَّه ال نجاة ُّ
َّ
للرجل أن يتز َّوج أخته ،فضالً عن ولم تخ ُل مجتمعاتهم من العادات َّ
الرديئة ،فيمكن َّ
أسطورة النِّيل المشهورة ،الَّتي كانت هاجس المصريِّين لقرون طويلة ،ولم يستطيعوا أن
يتخلَّصوا منها َّ
إال في عهد عمر الفاروق رضي اهلل عنه.
فقد جاء المصريُّون لعمرو بن العاص رضي اهلل عنه عند فتح مصر قائلين :إ َّن لنهر النِّيل
الحلي
َّ ُسنَّة وعادةً ال يجري ماؤه َّ
إال بها ،وهي أنَّهم يأخذون فتاةً من أبويها يجعلون عليها
وأفضل الثِّياب ويلقونها في النِّيل ،فكتب عمرو بن العاص رضي اهلل عنه إلى أمير
المؤمنين عمر بن الخ َّطاب رضي اهلل عنه ،فكتب خطابه المشهور للنِّيل( :من عبد اهلل
4
أمير المؤمنين عمر إلى نيل مصر :أمَّا بعد :فإنَّك إن كنت إنَّما تجري من قِبَ ِل َ
ك فال تج ِر،
ألق البطاقة في
يك فنسأل اهلل تعالى أن يُج ِريَك) ،وقالِ : وإن كان اهلل الواحد هو الَّذي يُ ْ
ج ِر َ
السيِّئة الَّتي كانت ضحيَّتها دائماً
النِّيل ،فأجراه اهلل في ليلة واحدة( ،)1وقطع اهلل تلك العادة َّ
امرأة.
والبغاء؛ طلباً للمال ،فقد سمح البابليُّون بقدر كبير من العالقات الجنسيَّة ،فيقول "ول
وكان معبد "عشتروت" في بابل القديمة يمتلئ بالبغايا اللَّواتي يتقدَّمن لزائري المعبد،
5
ثمنه َّن إلدارة البيت والقيام بما تتطلَّبه الحياة الزَّوجيَّة)(.)1
وكانوا يعتقدون أ َّن المرأة الَّتي ال تتز َّوج وال تحمل تكون مصابةً بلعنة اآللهة وبها ٌّ
مس
كما أ َّن الزَّواج الَّذي ال يُس ِف ُر عن مولود خالل عشر سنين يُ َع ُّد مفسوخاً ،ومن ح ِّق َّ
الرجل
أن يطلِّق امرأته متى شاء ،أمَّا إذا أبدت المرأة رغبةً في ال َّطالق من زوجها فإنَّها ت ُ َ
طرح في
لتتعرض للمهانة والفجور(.)3
َّ نصف عاري ٍة في َّ
الشوارع َ النَّهر لتغرق ،أو ت ُ َ
طرد
وجاء في قانون "حمورابي"(( :)4على مَ ْن يقت ُل امرأةً أن يقدِّم بنتاً غيرها بدالً عنها إلى
غير هذا.
عقاب ُ
ٌ وليِّها ،أو يقدِّم له قيمتها من المال) .ولم يكن على قاتل المرأة
الصينيِّين القدماء:
المرأة عند ِّ
6
المرأة عند الهنود:
عند قدامى اليونانيِّين كانت المرأة مصانة وعفيفة ،وكانت ت ُ َع ُّد مالزمتها لزوجها من
َّ
والشرف ،ولكن لم يمض على ذلك وقت طويل حتى انحدرت قيمة أمارات النَّجابة
المرأة عندهم انحداراً كبيراً ،فأصبحت مخلوقاً ذليالً ،مهانة مضطهدة ،تع ُّد رجساً من
الشيطان ،ويعتقدون أنَّها خلقت من ال َّدرك األسفل ،فال يجالسونها على مائدة
عمل َّ
ال َّطعام ،وإذا وضعت طفالً دميماً قتلوها وقضوا عليها(.)2
وحرموا عليها التَّعلُّم ،ومنعوها من الميراث ،وكانوا َّ وكانت سلعةً تُباع وتُشترى،
يز ِّوجونها بغير رضاها ،وال يح ُّق لها أن تعقد بيعاً أو شراءً َّ
إال في التَّافه من أمور الحياة،
( )1املرأة يف ضوء الشريعة اإلسالمية -د .أمحد احلجي الكردي ،دستور حياة املرأة -أمحد احلموي.
الرب عبد التّـ ّواب ،وانظر :املرأة يف ضوء الشريعة اإلسالمية للدكتور أمحد
( )2عمل املرأة وموقف اإلسالم منه -عبد ّ
احلجي الكردي.
7
اإلغريقي( :)1أ َّن
ّ أي قضيَّة أمام المحاكم ،وكان من قانون "صولون"
وال يح ُّق لها أن ترفع َّ
العمل ال َّذي يقوم به اإلنسان تحت تأثير المرأة يكون عمالً باطالً قانونيّاً.
وكان فالسفتهم و ُكتَّابهم يعبِّرون عن وجهة نظرهم في إهانة المرأة واضطهادها بك ِّل
صفاقة ،فيقول "سقراط"( :إ َّن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر لألزمة واالنهيار في
العصافير
ُ العالم ،والمرأة تشبه شجرة مسمومة ،ظاهرها جميل ،ولكن عندما تأكل منها
تموت حاالً)(.)2
الشرور في العالم من صنع الن ِّساء) ،وقال "أرسطو"( :إ َّن
وقال "هيرودوت"( :إ َّن معظم ُّ
( )1حقوق وقضااي املرأة يف عاملنا املعاصر -عبد هللا مرعي حمفوظ.
( )2املرأة يف التصور اإلسالمي -عبد العال حممد اجلربي.
( )3احلقوق السياسية للمرأة يف اإلسالم والتشريع املعاصر -د .حممد أنس قاسم جعفر.
( )4الفتاوى للشيخ حممد متويل الشعراوي.
( )5حقوق وقضااي املرأة يف عاملنا املعاصر -عبد هللا مرعي حمفوظ.
8
وانفرط ِع ْق ُد األسرة ،وأصبح بإمكان ال َّزوج اإلتيان بخليالته إلى منزل ال َّزوجيَّة ،وال
يجوز للمرأة أن تعترض ،ولل َّزوج أن يطلِّق زوجته متى شاء ،وهي بعد ال َّطالق مقيَّدةٌ
برأيه ،فال تتز َّوج َّ
إال من يريده لها ،وإذا أشرف ال َّزوج على الموت فإنَّه يحدِّد لزوجته
ال َّزوج الجديد بعده ،وال يجوز ألح ٍد االعتراض(.)1
الحريَّة
ِّ ويذكر اإلغري ُق في تاريخهم :أ َّن أهل "أسبرطة" كانوا قد أعطوا المرأة بعض
ومنحوها بعض الحقوقَّ ،
إال أ َّن الفيلسوف "أرسطو" كان يعتقد أ َّن سقوط "أسبرطة"
الحريَّة.
ِّ وهزيمتها كان بسبب إعطاء المرأة
الرجل القتال في الحروب،
وأصبح القانون في "أسبرطة" يجبر المرأة على مقاسمة َّ
طرح في زاوي ٍة من
وسلب المرأة حنانها وشفقتها؛ حيث يؤخذ مولودها فو َر والدتِ ِه ويُ َ
زوايا غرف ٍة مظلم ٍة يبكي ويتألَّم؛ اعتقاداً منهم أ َّن ذلك يع ِّودُه على َّ
الشجاعة وتح ُّمل
المش َّقة(.)2
( )1حقوق املرأة بني اإلسالم والدايانت األخرى -حممود عبد احلميد حممد.
( )2املرأة -زغلول بن السنوسي.
9
الرومان:
المرأة عند ُّ
الرومان:
نميِّز بين حقبتين تاريخيَّتين عند ُّ
الحريَّة الكاملة ،ولم يعد عليها سلطا ٌن من أحد،
ِّ الحقبة األولى :أعطيت المرأةُ فيها
السيِّد ،وترجع ك ُّل
السيادة فيها للمرأة في ك ِّل شيء ،فقد قويت وأصبحت هي َّ
فكانت ِّ
المعامالت إليها ،وأصبح األزواج يقترضون من زوجاتهم ،وأصبحوا عبيداً عنده َّن،
وماني َّ
الشهير جواز ُّ الر
وانتشرت الفاحشة والبغاء في ذلك العصر ،وأعلن "كاتو" القائد ُّ
الرجال والنساء عراةً في أماكن عامَّة بمرأى
اقتراف الفاحشة ،وانتشرت ظاهرة استحمام ِّ
ومشهد من الن َّاس ،ونالت مسرحيَّة "فلورا" المعروفة حظوةً كبيرةً عند الن َّاس لتجسيدها
الحريَّة المطلقة للن ِّساء العاريات ،وكانت المرأة هي ال َّتي تدفع المهر َّ
للرجل لقاء إبرام ِّ
عق ٍد معه يس َّمى" :عقد ِّ
السيادة"(.)1
وانتشر ال َّطالق بكثرة في تلك الحقبة ،ويقول "سينكا"( :لم يعد ال َّطالق أمراً يُن َدمُ عليه أو
الرومان) ،ويقول "مارسيل"( :إ َّن امرأةً تز َّوجت عشرة رجال) ،وذكر
يُستحى منه في بالد ُّ
"جروم"( :أ َّن امرأةً تز َّوجت في َّ
المرة األخيرة ال َّزوج الثَّالث والعشرين)(.)2
الحريَّة المزيَّفة ال َّتي أ ُع ِطيت للمرأة عند
ِّ وقت طوي ٌل على هذه
ٌ يمض
ِ الحقبة الثَّانية :لم
الرومان حتَّى تلَتْها حقبةٌ أخرى ،امتُ ِهنت فيها المرأةُ واض ُط ِهدت ،ولم يعد لها ح ُّق ُّ
الضحك ،ويمنع عنها الكالمالتَّملُّك ،وكانت الن َّظرة إليها أن َّها كائن بال روح ،ويمنع عنها َّ
َّ
إال إذا طلب منها ذلك ،وكان البعض يضع على فمها قفالً من حديد يس ُّمونه:
تتعرض ألش ِّد أنواع العقوبات
َّ "الموسليير" ،وهي محرومة من أكل اللُّحوم ،وكانت
10
البدنيَّة؛ ألنَّها أداة للغواية وأحبولة من حبائل َّ
الشيطان(.)1
أي محكمة حتَّى بصفة شاهدة ،وإذا
وحسب قانون روما :ال يجوز للمرأة أن تظهر في ِّ
مات زوجها فليس لها الح ُّق أن تُطالب بشيء من ماله ،ويجب أن تكون دائماً تحت
رجل ،حتَّى لو كان ابنَها ولو كان صغيراً.
ٍ وصاية
فالرومان
الرومانيَّة :كانت تواجه المرأة أش َّد أنواع العقوباتُّ ،
وفي عهد االمبراطوريَّة ُّ
المغلي على أجسامه َّن ،ويربطونه َّن بذيول الخيول وينطلقون
َّ كانوا يسكبون ال َّزيت
بأقصى سرعة ،ويربطونه َّن باألعمدة يسكبون الن َّار فوقه َّن ،ومن ح ِّق ال َّزوج أن يحكم
على زوجته باإلعدام في بعض التُّهم(.)2
الرومان "شيسرون" :أ َّن المرأة ضعيفة وقليلة الخبرة وناقصة العقل ،ولذلك ال
ويرى فقيه ُّ
كامل عليها(.)3
ٍ ب َّد من نظام وصاية
11
قتلها ،و"بهرام جوبين" كان متز ِّوجاً بأخته(.)1
اني( )2أ َّن "مزدك" أعلن أ َّن الن َّاس ُولِدوا سواءً ال فرق بينهم ،ول َّما ويذكر َّ
العالمة َّ
الشهرست ُّ
كان المال والن ِّساء م َّما حرصت الن ُّفوس على حفظه وحراسته كان ذلك أه َّم ما تجب فيه
المساواة واالشتراك ،فأح َّل الن ِّساء وأباح األموال ،وجعل الن َّاس شركة فيه كاشتراكهم في
الشباب واألغنياء والمترفين قبوالً ،فأخذ
ت هذه ال َّدعوةُ عند َّ
الماء والن َّار والكأل ،ولقيَ ْ
"فارس" في الفوضى الخلقيَّة وطغيان َّ
الشهوات، ُ يناصرها ويؤيِّدُها حتَّى انغمست
ُ "قباذ"
الرج ُل ال يعرف ابنَهُ ،وال االب ُن أباهُ(.)3
حتَّى صار َّ
تكون نجاسته سبعة أيَّام ،ث َّم تقيم ثالثة وثالثين يوماً في دم تطهيرها ،وإذا ولدت
12
أنثى تكون نجسة أسبوعين ،ث َّم تقيم ستَّة وستِّين يوماً في دم تطهيرها).
-ال ترث البنت عندهم َّ
إال عند فقد ال ُّذكور فقط( :أيُّما رجل مات وليس له بنون
تنقلون ملكه إلى ابنته).
فبمجرد عزمه على مفارقتها
َّ -متى نوى ال َّزوج ال َّطالق حرمت عليه معاشرة زوجته،
وجب عليه اإلسراع إلى طالقها.
13
الضوء على المرأة عند اليهود؟؟!! هنا تظهر ازدواجيَّة المعايير عالميّاً وفي المحافل
َّ
ال َّدوليَّة ،ويتجلَّى الجه ُل بتعاليم اإلسالم عند الن َّاس ،وفي مق ِّدمتهم الكثير من المث َّقفين
لألسف.
وتجدر اإلشارةُ إلى أ َّن هذا ال َّذي قدَّمناه عن المرأة عند اليهود هو تعالي ُم التُّلمود الفاسدة
وآراؤه المنحرفة تجاه المرأة ،وليس في شريعة اهلل المنزَّلة على سيِّدنا موسى عليه
السالم.
َّ
عزا األورب ّيُّون القدماء للمرأة ك َّل ما يعانون فيه من شرور ،وعدُّوها مسؤولة عن ك ِّل
ودنس يجب االبتعاد عنه،
ٌ أخالقي في المجتمع ،فهي باب من أبواب َّ
الشيطان، ٍّ انحالل
نفس له ،وأنَّها لن ترث
َ قرر فيه :أنَّها كائ ٌن ال
وشر ال ب َّد منه ،وعقد مجمع "روما" اجتماعاً َّ
ٌّ
ورجس ينبغي أن ال تأكل اللَّحم ،وأن ال تضحك ،وأن ال تتكلَّم ،بل
ٌ الحياة األخرويَّة،
الصالة والعبادة والخدمة ،وأوجبوا عليها عقوبات بدنيَّة؛
عليها أن تمضي أوقاتها في َّ
ألنَّها أداة َّ
الشيطان.
وفي فرنسا عام /586م اجتمع مجمع "ماكون" للبحث في المسائل التَّالية:
-هل المرأةُ جسم ال روح فيه أو لها روح؟
-أتع ُّد إنساناً أو ليست كذلك؟
-هل هي أه ٌل ألن تتل َّقى الدِّين؟
تصح منها العبادة؟
ُّ -هل
الروح الن َّاجية وقرر المجمع :أ َّن المرأة إنسا ٌن ،ولكنَّها مخلوقة لخدمة َّ
الرجل ،وتخلو من ُّ َّ
من عذاب جهن َّم (.)1
14
واستمر احتقا ُر األورب ِّيِّين للمرأة في العصور الوسطى حتَّى عهد الفروسيَّة ،حيث نالت
َّ
بعضاً من حقوقها ،ولكن َّها ظلَّت قاصرةً ال ح َّق لها في التَّ ُّ
صرف بأموالها.
ول َّما قامت الثَّورة الفرنسيَّة في نهاية القرن الثَّامن عشر وأعلنت تحرير اإلنسان من
العبوديَّة لم يشمل ذلك المرأةَ ،بل أعلن "نابليون بونابرت" :أ َّن ال َّطبيعة قد جعلت من
الفرنسي ،وفي المادَّة 213منه:
ُّ نسائنا عبيداً لنا ،وبموجب ذلك صدر القانون
أي شيء ولو كان من مالها ال َّذي تملكه قبل ال َّزواج
تتصرف في ِّ
َّ -ليس للمرأة أن
َّ
إال بإذن زوجها.
-ليس لها جنسيَّة بعد ال َّزواج َّ
إال جنسيَّة زوجها.
-عند ال َّزواج تفقد اسم عائلتها وتحمل لِزاماً اسم زوجها.
وفي المادَّة 214منه:
الشرطةُ ال َّزوجةَ بالعيش في بيت ال َّزوجيَّة ال َّذي يحدِّده ال َّزوج.
-تلزم ّ
وفي المادَّة :216
قضائي َّ
إال بإذن زوجها. ٍّ -ليس للمرأة المتز ِّوجة الح ُّق في ِّ
أي إجراء
وفي المادَّة :1124
-ال يتمتَّع بأهليَّة التَّعاقد ثالثة :القاصرون والمحجور عليهم والمتز ِّوجات.
وات َّفقت كلمة المؤ ِّرخين والباحثين أ َّن هذا الموقف المشين للمرأة لم يكن في فرنسا
فقط ،بل كان يشمل ك َّل البالد األوروب ِّيَّة.
السعر
للرجل أن يبيع زوجته ،وقد ح َّدد ِّ
اإلنكليزي يبيح َّ
ُّ وحتَّى عام 1802م ظ َّل القانون
في ذلك الوقت بستَّة بنسات ،وحدث أ َّن إنكليزيّاً باع زوجته عام 1931م بخمسمئة
جنيه وحكم على ال َّزوج بال ّسجن عشرة أشهر ،وإيطاليّاً باع زوجته عام 1961م
المشتري(.)1
َ وج
باألقساط ،ول َّما امتنع المشتري عن سداد األقساط قتل ال َّز ُ
15
المرأة عند العرب في الجاهليَّة قبل اإلسالم:
وشر
ٌّ كان العرب يتشاءمون من المرأة ويتطيَّرون منها ،وإذا كان المولود أنثى فهي بالء
األُنْثَى َظ َّل َو ْج ُههُ مُ ْس َودًّا َو ُه َو َك ِظي ٌم
على األسرة بأكملها ،قال تعالىَ ﴿ :وإِذَا ب ُ ِّش َر أ َ َح ُد ُه ْم بِ ْ
16
وقسم له َّن ما قسم)(.)1
ويجوز لل َّزوج طالق زوجته متى شاء ،وبعدد غير محصور من ال َّطلقات ،وله أن يراجعها
أي ح ٍّق م َّما ذكر.
متى شاء ،وليس لها ُّ
للرجل أن يتز َّوج بعشرة أو بعشرين امرأةً أو أكثر.
ليس لل َّزوجات عدد معيَّن ،يجوز َّ
وشاع عند العرب "نكاح االستبضاع" ،وذلك بأن يرسل ال َّزوج زوجته بعد استبرائها إلى
أحد زعماء القبائل المعروفين َّ
بالشجاعة والق َّوة ومكارم األخالق لتحمل منه ،ث َّم تعود
بعد حملها لزوجها؛ طلباً لنجابة الولد على ح ِّد زعمهم.
الرجل ابنته من آخر شريطة أن كما انتشر عند العرب "نكاح ِّ
الشغار" ،وهو أن يز ِّوج َّ
اآلخر ابنته ،أو أخته بأخته ،فتكون بذلك المرأة مهراً لزوجة أبيها أو زوجة
ُ يز ِّوجه
أخيها(.)2
المرأة في اإلسالم:
17
من الواجبات واألعباء ما يرهقها.
والقانوني ال َّذي جاء به اإلسالمُ هو ال َّذي
ُّ واالجتماعي
ُّ فسي خلُ ُّ
قي والن َّ ُّ هذا اإلصالح ال ُ
أعطاها مكانةً ساميةً ال نظير لها ،وهو ال َّذي بدَّل عقليَّة َّ
الرجل تجاه المرأة ،وعقليِّة المرأة
الرجل والمرأة في الصحيح ،ووضع ّ
كالً من َّ الرجل ،ورفع مقام األنوثة بالمعنى َّ
تجاه َّ
موضعه ال َّط ِّ
بيعي.
اإلنساني ع َّز المرأة
ِّ كالرجل ،وبعث في التَّص ُّور فهو ال َّذي علَّم ال ُّدنيا أ َّن المرأة إنسا ٌن َّ
اس إِنَّا َخلَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن ذَ َك ٍر َوأُنْثَى َو َجعَلْنَا ُك ْم ُشعُوبًا َوقَبَائِ َل َ
وكرامتها ،قال تعالى﴿ :يَاأيُّ َها الن َّ ُ
ير﴾ [الحجرات ،]13 :وقال سبحانه: اهللِ أَت ْ َقا ُك ْم إِ َّن َّ
اهللَ َع ِلي ٌم َخبِ ٌ لِتَعَا َرفُوا إِ َّن أ َ ْك َرمَ ُك ْم ِعن ْ َد َّ
18
باإلحسان إليه َّن(( :استوصوا بالن ِّساء خيراً)) ،وجعل المرأة أمانةً عند َّ
()1
الرجل ،وسيسأل
عن هذه األمانة(( :أخذتموه َّن بأمان اهلل)) ،وهو ال َّذي ساواها مع َّ
()2
الرجل في الحقوق
إلى غير ذلك م َّما ()3
[البقرة]228 : والواجباتَ ﴿ :ول َ ُه َّن ِمثْ ُل ال َّ ِذي عَلَيْ ِه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ
وف﴾
سنتعرض له في هذه الخالصة.
َّ
وكانت المرأة حاضرةً في ك ِّل العناوين األساسيَّة والفرعيَّة في قضايا المجتمع والتَّشريع
للرجل في ك ِّل شي ٍء،
اإلسالمي ،فلم يحجر اإلسالم على المرأة ،وإن َّما كانت مشاركةً َّ
ِّ
جب المرأة عن المجتمع على اإلطالق -كما ي َّدعي بعض الن َّاس :-بأ َّن اإلسالم
ولم تُح َ
السيِّدة عائشة أمُّ المؤمنين رضي اهلل عنها كانت تعلِّم
أبعدها عن الحياة العامَّة ،فهذه َّ
الصحابة رضي اهلل عنهم ،وكذلك فإ َّن أعظم مشور ٍة ق ُ ِّدمت للن َّ ِّ
بي ﷺ كانت من أ ِّم سلمةَ َّ
صلْ ِح الحديبية ،وعندما ُج ِمع القرآن الكريم في عهد سيِّدنا أبي بك ٍر
رضي اهلل عنها يومَ ُ
الص ِّديق وبعده سيِّدنا عمر ُ و ِضع عند امرأ ٍة في بيتها وهي َّ
السيِّدة حفصة بنت عمر ِّ
رضي اهلل عنها ،ك ُّل ذلك يد ُّل على قدر المرأة ورفعة شأنها في اإلسالم.
وذُ ِكرت المرأة في سورة (الن ِّساء) وسورة (المائدة) وسورة (األحزاب) وسورة (ال َّطالق)
وسورة (التَّحريم) وسورة (الممتحنة) وسورة (المجادلة) وسورة (مريم) ،وغيرها من
سور القرآن الكريم ،وتحدَّث عنها القرآن تماماً كما تحدَّث عن َّ
الرجل ،بل َّ
فضلها عليه
إن كانت صالحةً ولم يكن هو كذلك ،فقد ألغى األفضليَّة لل ُّذكورة ،وجعل األفضليَّة
اس إِنَّا َخلَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن ذَ َك ٍر َوأُنْثَى َو َجعَلْنَا ُك ْم ُشعُوبًا َوقَبَائِ َل لِتَعَا َرفُوا إِ َّن َ
للتَّقوى﴿ :يَاأيُّ َها الن َّ ُ
أ َ ْكرمَ ُك ْم ِعن ْ َد َّ َ
ير﴾ [الحجرات.)4(]13 :كما جعل القرآن الكريم اهللِ أت ْ َقا ُك ْم إِ َّن اهللَ َع ِلي ٌم َخبِ ٌ َ
ومثاال لجميع المؤمنين في عدَّة حاالت وتحدَّث عن إيمانها وعقلها ً المرأة قدوة
19
كالسيِّدة مريم وزوجة فرعون وأمِّ موسى وملكة سبأ وغيره َّن.
ورشدها وثباتها وطهرها َّ
السابقة وعند
ف بين ما كانت عليه المرأة في األمم َّ وبمقارن ٍة بسيطة يُج ِريها الـ ُم ِ
نص ُ
مفر منها ،وهي :أ َّن
العرب في الجاهليَّة وبين حالها بعد اإلسالم سيصل إلى نتيجة ال َّ
اإلسالم هو ال َّذي أعطى المرأة حقوقها ،وانتشلها من َو ْحل المهانة ،وأنقذها من مستنقع
ال ُّذ ِّل ،وبلغت أسمى ما تصبو إليه من ع َّزة وكرامة وشرف وقَدْر.
ت ُ َع ُّد نظرةُ اإلسالم للمرأة وما يتبع تلك النَّظرة من تشـريعات ،وما يرتبط بها من حقوق
وواجبات ،من أكثر القضايا الَّتي ت ُثار حولها التَّساؤالت ،وتحوم حولها ُّ
الشبهات
والتَّشكيك ،ال سيَّما في العصـر الحديث ،عصـر تمكين المرأة والحركات النَّسويَّة
بالرجل في كافَّة المجاالت.
العالميَّة ،عصر المطالبة بمساواة المرأة َّ
وعند النَّظر بموضوعيَّ ٍة لقضيَّة (المرأة في اإلسالم) و(هل أنصف اإلسالم المرأة؟) ال ب َّد
نقر بوجود اتِّجاهين خطيرين يؤثِّران سلباً في هذه القضيَّة:
بداية أن َّ
المتطرفة وقلَّة قليلة من الفقهاء،
ِّ _ االتِّجاه األ َّول :المتشدِّد :الَّذي تتبنَّاه المجموعات
وهو االتِّجاه الَّذي يريد أن يفرض على المرأة عادات وتقاليد بالية ،ويلبس هذه العادات
وس الدِّين ،ويعمل على ل َ ِّي أعناق النُّصوص والتَّالعب باألدلَّة َّ
الشـرعيَّة؛ لتخدم نظرته لَبُ َ
هذه ،واألمثلةُ كثيرةٌ :كال ِح ْرمان من التَّعليم والميراث ،ومنعها من العمل أو الخروج من
المنزل ،أو الزَّعم بأ َّن صوتها عورة ،وغي ِر ذلك.
_ االتِّجاه الثَّاني :المعادي لإلسالم :والَّذي يعمد إلى تشويه صورته وأحكامه في ك ِّل
الغربي
ِّ مناسب ٍة ،ورميها بالتَّخلُّف والجهل ،بدءاً من المستشـرقين وصوالً إلى اإلعالم
العربي الملحق بها من خالل أدوات عديدة ،كالنَّدوات
ِّ وبعض اإلعالم
ِ َّ
الضخم،
واألفالم والمسلسالت واإلعالنات وغير ذلك.
تأثير
َ لذلك إذا أردنا أن نبحث في نظرة اإلسالم بدقَّة إلى قضايا المرأة ال ب َّد أن نن ِّ
ح َي
20
والسنَّة ،وكيفيَّة تطبيق
ُّ هذين التَّيَّارين جانباً ،وننظر بعمق إلى النُّصوص الثَّابتة من القرآن
الرسول الكريم ﷺ لهذه الن ُّصوص؛ لنكون أقرب في الوصول إلى الحقيقة.
َّ
21
الرجل في اإلسالم نقول له :لماذا ال تقرأ هذا الحديث وبعده
نصف َّ
ُ يقول :المرأةُ
تقرر؟!(.)1
ِّ
نفسها ،وجعلت من ك ِّل حياتها
ت َ ت وأره َق ْ ت وت ِعبَ ْ
ت وس ِه َر ْ ت ورب َّ ْ فاألمُّ هي ال َّتي ض َّ
ح ْ
عطاءً ألوالدها ،ولذلك جعل اهلل الجن َّةَ عند قدميها ورضاها ،فقد جاء رج ٌل إلى
جئت أستشيرك؟ فقال ﷺ(( :هل
ُ أردت أن أغز َو وقد
ُ رسول اهلل ﷺ ،فقال :يا رسول اهلل
تحت رجليها))( ،)2وفي رواية:
َ لك من أمٍّ))؟ قال :نعم ،قال(( :فالزمها؛ فإ َّن الجن َّةَ
((اِل َز ْم ِر ْجلَها فثَ َّم الجن َّة)) .فانظر إلى هذا التَّكريم لأل ِّم؛ حيث قدَّم َّ
()3
برها على الجهاد
ال َّذي هو ردُّ العدوان وال ِّدفا ُع عن األوطان.
وقال ﷺ(( :إ َّن اهلل يوصيكم بأ َّمهاتكم ،إ َّن اهلل يوصيكم بأ َّمهاتكم ،إ َّن اهلل يوصيكم
مرات وهو يؤ ِّكد على تكريم األمِّ
أربع َّ
()4
بأمَّهاتكم ،إ َّن اهلل يوصيكم بأمَّهاتكم))
واإلحسان إليها.
وجعل عقوق الوالدين من أكبر الكبائر ،والسيَّما األمّ ،قال رسول اهلل ﷺ(( :إ َّن اهلل َّ
حرم
عليكم عقوق األ َّمهات ،ومنعاً وهات ،ووأد البنات))(.)5
_ وأمَّا البنت:
22
ؤثر ولَده عليها -يعني ال َّذ َك َر -أدخلَه اهللُ بها الجن َّة))(.)1
يئِدْها ولم يُهنْها ،ولم يُ ْ
ّ
محالً لجهاالت وهذان الحديثان وما جاء في معناهما َّ
يدالن صراحةً على أ َّن البنات ك َّن
فإ َّن اإلسالم جعلها بمثابة البنت فعن أنس رضي اهلل عنه أ َّن الن َّ َّ
بي ﷺ قالَ (( :م ْن عال
ابنتين أو ثالث بنات ،أو أختين أو ثالث أخوات ،حتَّى يَبِن أو يموت عنه َّن ،كنت أنا وهو
السبابة والوسطى"))(.)5
كهاتين "وأشار بأصبعيه َّ
23
الخدري رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل ﷺ(( :مَ ْن كان له ثالث بنات
ِّ وعن أبي سعيد
أو ثالث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبته َّن وات َّقى اهلل فيه َّن فله الجن َّةُ))(.)1
وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت :قال رسول اهلل ﷺ(( :ليس أحد من أمَّتي يعول ثالث
بنات أو ثالث أخوات فيحسن إليه َّن َّ
إال ُك َّن له ستراً من الن َّار))(.)2
_ وأمَّا ال َّزوجة:
،)3(]19وقال سبحانه﴿ :ف َ ِإمْ َسا ٌك [الن ِّساء: َاش ُرو ُه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ
وف﴾ فقد قال تعالىَ ﴿ :وع ِ
ان﴾ [البقرة ،)4(]229 :فال َّزوجة في اإلسالم تعيش بين المعروف وف أ َ ْو ت َ ْس ِر ٌ
يح بِ ِإ ْح َس ٍ بِ َمع ُْر ٍ
واإلحسان.
خير ُكم ألهله -أي :لزوجته -وأنا خير ُكم ألهلي))(.)5
((خير ُكم ُ
ُ وقال ﷺ:
((خيا ُركم خيار ُكم لنسائهم))(.)6
وقالِ :
24
الح، الصالحةُ ،والمس َك ُن الواس ُع ،والجا ُر َّ
الص ُ السعاد ِة :المرأةُ َّ
وقال(( :أرب ٌع ِمن َّ
والمر َك ُ
ب الهنيءُ))(.)1
وسنتعرض لذلك بالتَّفصيل.
َّ واألحاديث في ذلك كثيرة،
_ وأمَّا الخالة:
علي رضي اهلل عنه عن
فقد جعلها رسول اهلل ﷺ بمنزلة األمِّ ،وقد قدَّمنا فضل األمِّ ،فعن ٍّ
رسول اهلل ﷺ أنَّه قال(( :الخالة بمنزلة األ ِّم))(.)2
بي ﷺ فقال :يا ً
رجال أتى الن َّ َّ عمر رضي اهلل عنهما أ َّن
كبر األمِّ ،فعن اب ِن َ
بر الخالة ِّ
وجعل َّ
أصبت ذنباً عظيماً ،فهل لي من توبة؟ قال(( :هل لك من أ ٍّم))؟ قال :ال،
ُ رسول اهلل إنِّي
قال(( :هل لك من خالة))؟ قال :نعم ،قال(( :فَبِ َّرها))(.)3
والع َّمةُ كذلك حك ُمها في البِ ِّر حك ُم الخالة ،وأ َّما الج َّدةُ فقد أعطاها رسول اهلل ﷺ في
الميراث نفس ميراث األمِّ عند عدم وجودها ،وهذه من أعظم اإلشارات ،بأ َّن الج َّدة
بمنزلة األ ِّم.
الغراء هي مجمو ُع هذه األنواع ومن هنا يت َِّض ُح أ َّن المرأة المقصودة في نصوص َّ
الشريعة َّ
وكرمه غاية التَّكريم ،و ُعنِ َي به ح َّق
إال َّمن الن ِّساء اللَّواتي لم يترك اإلسال ُم صنفاً منه َّن َّ
الشريعة ،فلم يترك إحداه َّن َه َمالً بغيرالعناية ،وأعطى لك ٍّل منه َّن أحكاماً وحقوقاً في َّ
اهتمام.
والسن َّة فلن نجد هذا ال َق ْد َر من االهتمام
ُّ وإذا استعرضنا الن ُّصوص َّ
الشرعيَّة في القرآن
بالرجال وأصنافهم ،وليس ذلك لقصور في َّ
الشريعة ،ولكن ألمرين اثنين: ِّ
السابقة وعند العرب في الجاهليَّة.
القوي على سوء معاملة المرأة في األمم َّ
ُّ الردُّ
األ َّولَّ :
25
الثَّاني :ق َّوةُ َّ
الرجل في ذلك الوقت ،واستئثاره بمزايا كثيرة.
طرف واإلرهاب والكراهية والحقد والعنف،
وأعداءُ اإلسالم يريدون أن يلبسوه لباس التَّ ُّ
حتَّى في حديثهم عن المرأة واتِّهامهم بأ َّن اإلسالم ح َّقرها ولم يعطها حقوقَها وانتقص
والرحمة ودين العطاء والخير ،ولك َّن الن ُّسخة
َّ منها ،بينما هو في حقيقته دي ُن اللُّطف
المش َّوهة عن اإلسالم ال َّتي صنَّعتها أمريكا هي الَّتي تجعل من األبناء قتلةً لألمَّهات كما
لديهم في أمريكا العقوق حيث أصبح ظاهرةً يندى لها الجبين ،فال يرى االب ُن أمَّه سنوات
طويلة ،وال يتَّصل بها وال يسأل عنها ،وال يم ُّد لها يد العون.
ولتعلم الحقيقة الن َّاصعة يجب أن تأخذ اإلسالم من كتاب اهلل وسن َّة رسول اهلل ﷺ
وهديه وسلوكه.
26
أه ُّم النّقاط االشكاليَّة في قضيَّة المرأة:
إ َّن من يريد أن يعطي حكماً دقيقاً وموضوعيًّا حول قضيَّة المرأة في اإلسالم ،وهل هي
ئيسـي لك ِّل
ِّ ومكرمة؟ فإ َّن عليه أن يبدأ من المصدر َّ
الر َّ نصفة
مظلومة ومضطهدة أم ُم َ
العقائد والتَّشريعات واألحكام اإلسالميَّة ،أال وهو (القرآن الكريم) ،فقد عرض القرآ ُن
الكثير من شؤون المرأة في أكثر من عشر سور منها ،وقد دلَّت هذه العناية على المكانة
َ
َ
تحظ المرأةُ بها ال في ال َّتي ينبغي أن توضع فيها المرأة في نظر اإلسالم ،وأنَّها مكانة لم
سماوي سابق وال في قوانين بشريَّة تواضع عليها الن َّاس فيما بينهم.
ٍّ شرع
صلة الفهم لك ِّل ما سيأتي عقب وهذا االستقراء هو الَّذي يعطي االتِّجاه َّ
الصحيح في ب ُ ْو ِ
أحكام وتفاصي َل في األحاديث النَّبويَّة وكتب الفقهاء واجتهادات العلماء.
ٍ ذلك من
وهنا نستعرض النّقاط اآلتية:
السور ال ِّطوال ُع ِرفت بــ (سورة الن ِّساء
-لقد أفرد القرآن الكريم سورتين :سورةٌ من ُّ
الكبرى) وهي سورة الن ِّساء ،واألخرى ُع ِرفت بــ (سورة الن ِّساء ُّ
الصغرى) وهي سورة
27
النِّساء وقضاياه َّن؛ كالبقرة والمائدة والن ُّور واألحزاب والمجادلة والممتحنة والتَّحريم.
-وتحدَّث اهلل تعالى بإسهاب عن "امرأة عمران" ،وال َّتي هي جدَّة سيِّدنا عيسى المسيح
السالم ،في حين لم يتح َّدث القرآن عن زوجها وال َّذي هو ج ُّد سيِّدنا عيسى المسيح
عليه َّ
السالم.
عليه َّ
-وحكى القرآ ُن عن بعض أحوال المرأة ،وكيف أنَّها كانت مُل ِه َمة لبعض األنبياء،
السالم ألهمت سيِّدنا زكريَّا وذ َّكرته بأ َّن األسباب مُ َقيِّدة لنا نحن ،وأمَّا
فالسيِّدةُ مريم عليها َّ
َّ
فهو خال ٌق عند وجود األسباب وخال ٌق من غير وجو ٍد لألسباب ،فهو تبارك الح ُّق ﷻ
وتعالى يرزق من يشاء بغير حساب ،فاستلهم الدُّعاء بطلب ال ُّذ ِّريَّة على ِكبَر سنِّه و ِكبَر ِس ِّن
زوجته.
اص َط َفى آدَمَ َونُو ًحا َوآ َل إِب ْ َرا ِهي َم َوآ َل ِع ْم َرا َن عَلَى الْعَال َ ِمي َن ( )33ذُ ِّريَّةً قال تعالى﴿ :إِ َّن َّ
اهللَ ْ
ت لَ َ
ك َما فِي ب إِنِّي ن َ َذ ْر ُ ت ا ْم َرأ َ ُ
ت ِع ْم َرا َن َر ِّ اهللُ َس ِمي ٌع َع ِلي ٌم ( )34إِذْ قَال َ ِ
ْض َو َّ
ْض َها ِم ْن بَع ٍ
بَع ُ
ب إِنِّي ت َر ِّ ض َعتْ َها قَال َ ْ
الس ِمي ُع ال ْ َع ِلي ُم ( )35فَلَ َّما َو َ ت َّك أَن ْ َ ب َ ْطنِي مُ َ
ح َّر ًرا فَتَ َقبَّ ْل ِمنِّي إِن َّ َ
األُنْثَى َوإِنِّي َس َّميْتُ َها َم ْريَ َم َوإِنِّي أ ُ ِعي ُذهَا
س ال َّذ َك ُر َك ْ َت َولَيْ َ
ضع ْ اهللُ أَعْلَ ُم بِ َما َو َ
ض ْعتُ َها أُنْثَى َو ََّو َ
ول َح َس ٍن َوأَنْبَتَ َها نَبَاتًا َح َسنًا َو َك َّفلَ َها
الرجِ ي ِم ( )36فَتَ َقبَّلَ َها َرب ُّ َها بِ َقبُ ٍان َّ الشيْ َط ِك َوذُ ِّريَّتَ َها ِم َن َّبِ َ
ت اب َو َج َد ِعن ْ َدهَا ِر ْزقًا قَا َل يَا َم ْريَ ُم أَنَّى ل َ ِ
ك َه َذا قَال َ ْ َز َك ِريَّا ُكلَّ َما دَ َخ َل عَلَيْ َها َز َك ِريَّا ال ْ ِم ْ
ح َر َ
ك دَعَا َز َك ِريَّا َربَّهُ قَا َل َر ِّ
ب ق مَ ْن يَ َشاءُ بِ َغيْ ِر ِح َس ٍ
اب (ُ )37هنَال ِ َ اهللِ إِ َّن َّ
اهللَ يَ ْر ُز ُ ُه َو ِم ْن ِعن ْ ِد َّ
صلِّي فِي
ك َس ِمي ُع ال ُّدعَا ِء ( )38فَنَادَتْهُ ال ْ َم َالئِ َكةُ َو ُه َو قَائِ ٌم يُ َ َب لِي ِم ْن ل َ ُدن ْ َ
ك ذُ ِّريَّةً َطيِّبَةً إِن َّ َ ه ْ
صو ًرا َونَبِيًّا ِم َن ص ِّدقًا بِ َك ِل َم ٍة ِم َن َّ
اهللِ َو َسيِّدًا َو َح ُ اب أ َ َّن َّ
اهللَ يُبَ ِّش ُر َك بِيَ ْ
حيَى مُ َ ال ْ ِم ْ
ح َر ِ
الصال ِ ِحي َن﴾ [آل عمران.)1(]39 - 33 :
َّ
28
َ الملك إلى ح ٍّد َ
َّث عنها القرآ ُن
الساح ِة امرأةٌ تحد َ
ت في َّ ﴿ال يَنْبَ ِغي ِأل َح ٍد﴾ [صَ ]35 :
ظهر ْ
وأطال الحديث ،إنَّها ملكة سبأ ،تلك الملكة ال َّتي أُوتيت من ك ِّل شيء ولها عرشٌ عظيم
ْت امْ َرأَةً ت َ ْم ِل ُك ُه ْم َوأُوتِيَ ْ
ت ِم ْن ُك ِّل َش ْي ٍء َول َ َها ع َْرشٌ َع ِظي ٌم﴾ [النَّمل ،]23 :تحدَّث ﴿إِنِّي َو َجد ُ
السالم ،واستشارت قومَها ،ومن ث َّم نبي اهلل سليمان عليه َّ عنها القرآ ُن كيف تعاملت مع ِّ
ت يَا أَيُّ َها ال ْ َم َأل ُ إِنِّي أُل ْ ِق َي إِل َ َّي ِكت ٌ
َاب َك ِري ٌم ( )29إِنَّهُ ِم ْن ُسلَيْ َما َن قادتهم إلى الهداية﴿ :قَال َ ْ
ت يَا أَيُّ َها
الر ِحي ِم ( )30أ َ َّال تَعْلُوا عَلَ َّي َوأْتُونِي مُ ْس ِل ِمي َن ( )31قَال َ ْ َوإِنَّهُ بِ ْس ِم َّ
اهللِ َّ
الر ْح َم ِن َّ
ح ُن أُولُو ق ُ َّو ٍة َوأُولُو ت قَا ِط َعةً أَمْ ًرا َحتَّى ت َ ْش َهد ِ
ُون ( )32قَالُوا ن َ ْ ال ْ َم َأل ُ أَفْتُونِي فِي أَمْ ِري مَا ُكن ْ ُ
ن ([ ﴾)33النَّمل .]33-29 س َش ِدي ٍد َو ْاألَمْ ُر إِلَيْ ِ
ك فَان ْ ُظ ِري مَاذَا تَأْمُ ِري َ بَأ ْ ٍ
-وتحدَّث القرآ ُن عن المرأة وهي تُجادل وتُحاور َّ
الرسو َل ﷺ حول حقوقها وينزل
اهللُ ق َ ْو َل الَّتي
الوحي إجابةً لها ،وإنصافاً لحقوقها ،كما في سورة المجادلة﴿ :ق َ ْد َس ِم َع َّ
حا ُو َر ُك َما إِ َّن َّ
اهللَ َس ِمي ٌع ب َ ِص ٌ
ير﴾ [المجادلة: اهللُ يَ ْس َم ُع ت َ َ ك فِي َز ْوجِ َها َوت َ ْشت َِكي إِلَى َّ ِ
اهلل َو َّ جا ِدل ُ َ
تُ َ
.)1(]1
-وأيضاً هناك كوكبةٌ من النِّسا ِء َّ
الصالحات في عص ٍر واح ٍد تح َّدث عنه َّن القرآ ُن الكريم
الرسل؛ إنَّه سيِّدنا موسى عليه
وعن أدوا ِره َّن في حماية ورعاية أحد أولي العزم من ُّ
خمس نسو ٍة طاهرات عفيفات تحدَّث عنه َّن القرآن:
ُ السالم ،فقد شارك في حياتِه
َّ
ذبح فرعون لل ُّذكو ِر من بني -أولُه َّن أمُّه :تلك المرأةُ الممتَ َ
حنة مع نساء قومها بمحنة ِ
َت أن يأتي ال َّذبَّاحون من جن ِد فرعون
ت عليه وتوقَّع ْ
َت موسى خاف َ ْ
إسرائيل ،وعندما ولد ْ
وتلقي به في
َ فيذبحوه ،فأوحى اهلل إليها أن ت ُ ِ
رض َع ولدَها ث َّم تض َعهُ في تابوت (صندوق)،
29
البشرى في هذا الوحي بأمرين :أ َّن اهلل تعالى سيردُّه إليها ،وأنَّه سيجعلُه من المرسلين.
ق في الماء يتهادى ،حتَّى وصل القناةَ ال َّتي تدخل إلى قص ِر فرعون! ويعثر
الصندو ُ
وجرى ُّ
عليه ،ويتعلَّق ُ
قلب امرأ ِة فرعون به وينشرح صد ُرها له ،ويبدو أنَّها كانت محرومةً من
الولد ،فكان لها سلوى وعزاءً ،بل ألقى اهلل سبحانه عليه المحبَّةَ ،فما رآه أح ٌد َّ
إال أحبَّه،
﴿ال ت َ ْقتُلُوهُ ع ََسى أ َ ْن يَن ْ َف َعنَا أ َ ْو نَت َِّخ َذهُ َولَدًا﴾ [القصص ،]9 :فقد
الموت؛ َ
َ ووق َف ْ
ت تدف ُع عنه
ليعيش فيه ،وكان
َ قصر فرعون
َ جاه اهلل تعالى بذلك من ال َّذبح ،وفتح له
ت به عينُها ،ون َّ
قر ْ
َّ
قل ُق أ ِّم موسى على ول ِدها يطغى على قلبِها حتَّى كادت تعلن على مأل فرعون أ َّن لها
أخت موسى -باقتفا ِء أثر أخيها،
َ َت ،وكلَّ ْ
فت ابنتَها - ولداً ،ولكن ربط اهلل على قلبِها فثبت ْ
التقام أثداء المراضع ،فتد َّخلت ودلَّتهم على من يستطي ُع إرضاعه،
ِ وتراه أختُهُ يمتن ُع عن
وأخذتهم إلى أمِّها ،فأقبل على ثديها ،وأصبحت بذلك مرضعةً له وبأج ٍر من امرأ ِة
فرعون ،وتح َّق َق وع ُد اهلل لها بردِّه إليها في آخر الن َّهار ال َّذي قذف َتْهُ في أ َّولِه في الي ِّم ،وعاش
عملت
ْ في حض ِن أمِّه ال َّتي أنجبته ،وبرعاية امرأة فرعون ال َّتي أنقذته ،وبسعي أخته ال َّتي
على ردِّه إلى أ ِّمه.
ِ
إيصال وعند هذا الح ِّد ينتهي دو ُر هؤالء الن ِّسوة الثَّالث َّ
الالتي عمل َن بمشيئة اهلل على
مرة أخرى عن امرأ ِة فرعون وجعلها َّث القرآ ُن الكريم َّ بر األمان ،وقد تحد َ موسى إلى ِّ
ب اب ْ ِن لِي ِعن ْ َد َك اهللُ مَثَ ًال لِلَّ ِذي َن آمَنُوا امْ َرأَةَ فِ ْر َع ْو َن إِذْ قَال َ ْ
ت َر ِّ ب َّ مثالً للَّذين آمنواَ ﴿ :و َ
ض َر َ
جنِي ِم َن ال ْ َق ْو ِم ال َّظال ِ ِمي َن﴾ [التَّحريم ،)1(]11 :هذه
جنِي ِم ْن فِ ْر َع ْو َن َو َع َم ِل ِه َون َ ِّ بَيْتًا فِي ال ْ َ
جن َّ ِة َون َ ِّ
ت على كف ِر فرعون وظلمه وادِّعائه األلوهيَّة ،ووجدت في موسى صبر ْ
َ المرأةُ المؤمنة
قرةَ عي ٍن لها. ال ِّطفل َّ
الرضيع َّ
السالم ،فعندما خرج موسى من
-وهناك امرأتان أخريان لهما دو ٌر في حياة موسى عليه َّ
المصري ،وصل إلى ماء مدي َن ووجد
ِّ الرجل
مقتل َّ
ِ مصر خائ ًفا يترق َّ ُ
ب انكشافَ أم ِره في
30
الرعاة من سقي أغنا ِمهم،
امرأتين تذودان (تدفعان) غن َمهما عن الماء تنتظران انتهاءَ ُّ
الرعاةُ ويستقوا ،فانصرفتا إلى وال ِدهما
فساعدهما موسى على سقاي ِة دوابِّهما قبل أن يأتي ُّ
الشيخ الكبير مب ِّك َرتين في العودة إلى البيت على غير عادتِهما ،و َع ِل َم منهما أ َّن رجالً
َّ
31
َشيْئًا َوقِي َل ادْ ُخ َال النَّا َر مَ َع الد ِ
َّاخ ِلي َن﴾ [التَّحريم.)1(]10 :
-امرأة لوط:
وهي مثَ ٌل آ َخر للَّذين كفروا ،ولم يغ ِن عنها كونها زوجةً لنب ٍّي من أنبياء اهلل ما دامَ ْ
ت غير
السابقة ُح ِك َم عليها بالكفر صراحة ،وقد ورد ذكرها
مؤمنة برسالته ،وهي في هذه اآلية َّ
خريَات من ُس َو ٍر متعدِّدة ،وكلُّها يُح َك ُم عليها فيها بعدمُ
بصورة واضحة في ثماني آيات أ َ
السالمة من عذاب اهلل في ال ُّدنيا ،وأن َّها سيُ ِصيبها ما يُ ِصيب قومها من عذاب اهلل﴿ :قَالُوا يَا َّ
ت ِمن ْ ُك ْم أ َ َح ٌد إ َِّال ك فَأ َ ْس ِر بِأ َ ْه ِل َ
ك بِ ِق ْط ٍع ِم َن اللَّيْ ِل َو َال يَلْتَ ِف ْ ك ل َ ْن يَ ِصلُوا إِلَيْ َ لُ ُ
وط إِنَّا ُر ُس ُل َرب ِّ َ
صاب َ ُه ْم إِ َّن مَ ْو ِع َد ُه ُم ُّ َ ك إِن َّهُ مُ ِصيبُ َها مَا أ َ َ
امْ َرأَت َ َ
يب﴾ [هود.)2(]81 : الصبْ ُح بِ َق ِر ٍس ُّ الصبْ ُح ألَيْ َ
وقال اهلل تعالى﴿ :فَأَن ْ َ
جيْنَاهُ َوأَهْلَهُ إ َِّال ا ْم َرأَتَهُ ق َ َّد ْرنَاهَا ِم َن ال ْ َغابِ ِري َ
ن﴾ [الن َّمل.]57 :
وقال تعالى﴿ :إ َِّال امْ َرأَتَهُ ق َ َّد ْرنَا إِن َّ َها ل َ ِم َن ال ْ َغابِ ِري َن﴾ [الحجر.)3(]60 :
جيَنَّهُ َوأَهْلَهُ إ َِّال ا ْم َرأَتَهُ َكان َ ْ
ت ح ُن أَعْلَ ُم بِ َم ْن فِي َها لَنُن َ ِّ
وقال تعالى﴿ :قَا َل إِ َّن فِي َها لُو ًطا قَالُوا ن َ ْ
ِم َن ال ْ َغابِ ِري َ
ن﴾ [العنكبوت.]32 :
ن﴾ ُّ
[الشعراء.]171 : جو ًزا فِي ال ْ َغابِ ِري َ
وقال تعالى﴿ :إ َِّال َع ُ
-امرأة أبي لهب:
الرسول ﷺ أبي لهب (عبد ال ُعزَّى) ،ال َّذي كان يُؤ ِذي رسو َل اهلل ﷺ وهي زوجة ع ِّم َّ
الرسول ﷺ وهو جا ٌر لهم، الش ْوك في طريق َّ وتُشا ِركه في ذلك زوجتُهُ ،أذًى مادِّيًّا بنَثْ ِر َّ
وأذًى معنويًّا عندما ع ِمال على تطليق ابنتيه اللَّتَين قد خطبتا لولديهما ،وزوجة أبي لهب
هي :أروى بنت حرب بن أُمَيَّة أ ُ ْخ ُ
ت أبي سفيان بن حرب ،وكنيتُها أمُّ جميل ،المعروفة
خصها اهلل تعالى مع زوجها بإحدى وص َفها القرآن الكريم ،وقد َّ بح َّمالة الحطب كما َ
ب * مَا أ َ ْغنَى َعنْهُ مَالُهُ َومَا َك َس َ
ب ت يَدَا أَبِي ل َ َه ٍ
ب َوت َ َّ الس َور وهي سورة المسد﴿ :تَبَّ ْ
قِصار ُّ
32
س ٍد﴾ [المسد: ب * َوامْ َرأَتُهُ َح َّمالَةَ ال ْ َ
ح َط ِ
ب * فِي جِ ي ِدهَا َحبْ ٌل ِم ْن مَ َ ات ل َ َه ٍ
صلَى نَا ًرا ذَ َ
* َسيَ ْ
.)1(]5-1
-كما ورد ِذ ْك ُر المرأة في القرآن؛ حيث إنَّها أمٌّ للمؤمنين جميعاً (زوجات َّ
الرسول ﷺ)،
الخاصة﴿ :النَّبِ ُّي أ َ ْولَى بِال ْ ُم ْؤ ِمنِي َن ِم ْن أَن ْ ُف ِس ِه ْم َوأ َ ْز َوا ُجهُ
َّ ولها مكانتُها وحرمتُها وأحكامُها
ْض ُه ْم أ َ ْولَى بِبَع ٍ َ ُ ُ
اهللِ ِم َن ال ْ ُم ْؤ ِمنِي َن َوال ْ ُم َهاجِ ِري َن إِ َّال
َاب َّ
ْض فِي ِكت ِ أمَّ َهات ُ ُه ْم َوأولُو ْاأل ْر َح ِ
ام بَع ُ
َاب مَ ْس ُ
طو ًرا﴾ [األحزاب.]6: أ َ ْن ت َ ْفعَلُوا إِلَى أ َ ْولِيَائِ ُك ْم مَع ُْروفًا َكا َن ذَل ِ َ
ك فِي ال ْ ِكت ِ
الخاصة بالمرأة في القرآن الكريم :أ َّن الخطاب
َّ الصورة العامَّة المستنبطة من األحكام
ُّ
الرجل ،وأ َّن لها
اإللهي يتو َّجه إليها بالتَّكليف والثَّواب والعقاب على قدم المساواة مع َّ
َّ
خاصا وشخصيَّة مستقلَّة ،فهي تتملَّك وترث ،وتُن ِفق وتتز َّوج ،وتطلِّق وتعتدُّ ،ولها
ًّ كياناً
33
فقط.
" - 4ال َّزوج" :ورد في القرآن الكريم لفظ "ال َّزوج" مفرداً ،والمثن َّى منه "ال َّزوجين"،
مرة.
والجمع "األزواج"؛ إحدى وثمانين َّ
مرةً يأتي لل َّداللة على المرأة
أكثر ِم ْن نصف هذه المواضع؛ أي :تسعاً وأربعين َّ
وفي َ
الرجل والمرأة معاً ،وذلك بصيغة الجمع (أزواج)،
المتز ِّوجة ،ويأتي أحياناً لل َّداللة على َّ
مرات. َ
ثالث َّ الرجل َّ
إال مرات ،بينما لم يرد لل َّداللة على َّ
ست َّ
وقد جاء ذلك َّ
الصيغة (اسم جنس في اللُّغة وأه ُّم ما يميِّز مفهوم ال َّزوج :هو التَّأكيد من خالل هذه ِّ
َّاللي للكلمة ــ ،ومعنى المقابلة ال َّدال َّة على
العربيَّة) على معنى االقتران ــ وهو األصل الد ُّ
مقابل له ،ومقترن
ٍ التَّكامل ،حيث ال يمكن أن نذكر "ال َّزوج" َّ
إال ويتبادر إلى أذهاننا وجودُ
به ،وأمَّا ورودُ لفظ ال َّزوج بصيغة المثن َّى والجمع فهو تأكي ٌد على معنى ال َّزوجيَّة والثُّنائيَّة.
وم َّما يميِّز لفظ ال َّزوج أيضاً داللته على الوحدة والمساواة بين الن َّ ْوعَي ِن ،فالمرأة َّ
والرجل
معاً يؤوالن إلى جنس اإلنسان ،لك َّن المثير في هذا المعنى أنَّه ينطوي على تن ُّو ٍع داخ َل
هذا الجنس ،وهو التَّن ُّو ُع المؤدِّي إلى التَّقابل ،والمستلز ُم للتَّكامل ،بحيث ال تستقيم حياةُ
زوج َّ
إال بوجود زوج ٍة ،وهذا األمر ال الجنسين معاً َّ
إال بهذا التَّكامل ،فال يستقيم وجودُ ٍ
يقتصر على جنس اإلنسان فحسب ،بل يشمل سائر األنواع والمخلوقات.
" - 5األهل" :إذا تتبَّعنا لفظ " األهل" في القرآن الكريم وجدناه كثير الورود ،فهو عموماً
مرةً ،لكن ما يقرب من نصف هذه المواضع جاء اللَّ ُ
فظ فيه مضافاً إلى غير يَ ِردُ (َّ )127
الرجل ،أي :إلى ديان ٍة أو بل ٍد (أهل الكتاب وأهل اإلنجيل وأهل القرية وأهل البيت).
َّ
وما يزيد على نصف هذه الموارد ،أي :في ثالثة وسبعين موضعاً جاء لفظ "األهل"
خاصةً أحياناً أخرى ،لك َّن وروده بمعنى األسرة
َّ لل َّداللة على األسرة أحياناً ،وعلى المرأة
الرجل ،فإن َّنا نجده في موضع
أكثر ،وإذا كان الغالب على لفظ "األهل" أن يضاف إلى َّ
حو ُه َّن بِ ِإذْ ِن أ َ ْه ِل ِه َّن﴾
واحد يضاف إلى الن ِّساء في قوله تعالى من سورة الن ِّساء﴿ :ف َان ْ ِك ُ
34
[النِّساء.)1(]25 :
اح عَلَيْ ُك ْم َو َح َالئِ ُل أَبْنَائِ ُك ُم ال َّ ِذي َن ِم ْن الالتِي دَ َخلْتُ ْم بِ ِه َّن ف َ ِإ ْن ل َ ْم ت َ ُكونُوا دَ َخلْتُ ْم بِ ِه َّن ف َ َال ُجن َ َ
َّ
مرةًَّ ،
مرة واحدة بصيغة " .8البنت" :ورد لفظ البنت في القرآن الكريم؛ تس َع عشرةَ َّ
ومرة واحدة بصيغة التَّثنية ،وباقي المواضع بصيغة الجمع.
اإلفرادَّ ،
35
مرةً ،ويستعمل
" .9األخت" :يرد لفظ األخت بصيغ اإلفراد والتَّثنية والجمع؛ أرب َع عشرةَ َّ
غالباً لل َّداللة على المرأة المشاركة َّ
للرجل في الن َّ َس ِ
ب.
تشريعي ،وجاء جزء آخر في مجال ال َق َ
صص ٍّ أمَّا باقي المواضع فجاء جزءٌ منها في مجال
السالم.
قصتي مريم وموسى عليهما َّ
القرآني ،ضمن َّ
ِّ
ٌ
ألفاظ دلَّت على المرأة في القرآن الكريم في أوضاع مختلفة :المرأة األنثى تلك إذن
وال َّزوج واألمُّ والوالدة واألخت والبنت ،وهي تعكس جانباً من الحضور المميَّز للمرأة
في القرآن الكريم.
األسري:
ُّ -1القرار
وهنا ال ب َّد من الحديث عن المرأة ودورها في بناء األسرة وفق ما عبَّر عنه القرآن الكريم
بالميثاق الغليظ ،وال َّذي هو عق ُد ال َّزواج ال َّذي ال تنح ُّل عُراه ،وال َّذي يت ُّم باإليجاب
الشهود والمهر ،فقد أعطى اإلسال ُم المرأةَ حقوقاً في اختيار القرار
والقبول وشهادة ُّ
األسري ،منها:
ِّ
ح ُّق اختيار ال َّزوج:
اآليات القرآنيَّة ال َّتي يمكن أن يستفاد منها إمكانيَّةُ المرأة التَّح ُّكم في قرار إنشاء أسرة هي:
ح َن ْضلُو ُه َّن أ َ ْن يَن ْ ِك ْقولُهُ سبحانه وتعالىَ ﴿ :وإِذَا َطلَّ ْقتُ ُم الن ِّ َساءَ فَبَلَ ْغ َن أ َ َجلَ ُه َّن ف َ َال تَع ُ
َظ بِ ِه مَ ْن َكا َن ِمن ْ ُك ْم يُ ْؤ ِم ُن بِاهللِ َوالْيَ ْو ِم ك يُوع ُ وف ذَل ِ َ أ َ ْز َوا َج ُه َّن إِذَا ت َ َر َ
اض ْوا بَيْن َ ُه ْم بِال ْ َمع ُْر ِ
ْاآل ِخ ِر ذَل ِ ُك ْم أ َ ْز َكى ل َ ُك ْم َوأ َ ْط َه ُر َواهللُ يَعْلَ ُم َوأَنْتُ ْم َال تَعْلَ ُمو َن﴾ [البقرة.)1(]232 :
وقولُهُ سبحانه وتعالى﴿ :يَا أَيُّ َها ال َّ ِذي َن آ َمنُوا َال يَ ِح ُّل ل َ ُك ْم أ َ ْن ت َ ِرثُوا الن ِّ َساءَ َك ْرهًا َو َال
36
َاش ُرو ُه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ
وف ْض مَا آتَيْتُ ُمو ُه َّن إ َِّال أ َ ْن يَأْتِي َن بِ َف ِ
اح َش ٍة مُبَيِّن َ ٍة َوع ِ ْضلُو ُه َّن لِتَ ْذ َهبُوا بِبَع ِ
تَع ُ
ت أَيْ َمان ُ ُه ْمضنَا عَلَيْ ِه ْم فِي أ َ ْز َواجِ ِه ْم َو َما َملَ َك ْ ُون ال ْ ُم ْؤ ِمنِي َن ق َ ْد َع ِل ْمنَا َما ف َ َر ْ
ك ِم ْن د ِ صةً ل َ ََخال ِ َ
ل ِ َكيْ َال يَ ُكو َن عَلَيْ َ
ك َح َر ٌج َو َكا َن اهللُ َغ ُفو ًرا َر ِحي ً
ما﴾ [األحزاب.]50 :
وال َّطالق في حال الن ُّفور الكامل وانعدام ال َّطريق لإلصالح هو ح ٌّق لك ٍّل من َّ
الرجل
والمرأة ،فهذه من الميزات ال َّتي أعطاها اهلل للمرأة؛ حتَّى ال تعيش حياتها كلَّها في جحيم
37
وعن أنس بن [البقرة،]229 : ال يطاق ،فبيَّن اهلل أحكام ال َّطالق بقوله﴿ :ال َّط َال ُ
ق مَ َّرتَان﴾
بي ﷺ :إن ِّي أسمع اهلل يقول﴿ :ال َّط َال ُ
ق مَ َّرتَان﴾ مالك رضي اهلل عنه قال :قال رجل للن َّ ِّ
فأين الثَّالثة؟ قال« :فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان هي الثَّالثة» فهذه [البقرة،]229 :
أ َّن هناك ظروفاً قد تعتري األسرة ،ويصبح العيش المشترك بين َّ
الرجل والمرأة معها في
شرع اإلسالم ال َّطالق ،لذلك قال ﷺ(( :أبغض الحالل إلى اهلل
استحالة ،عند هذا الح ِّد َّ
ال َّطالق))(.)1
وأ َّما الع َّدة هي فترة ها َّمة من أجل إعادة التَّفكير ،وإعادة البناء بدالً من الهدم؛ أل َّن ال َّطالق
هدم ،فإذا انقضت الع َّدةُ بانت ال َّزوجة بينونة صغرى ،فيح ُّق َّ
للرجل والمرأة هنا العودة
ثانية لعروة ال َّزواج؛ لكن بعقد ومهر جديد ،ويكون ذلك باختيار المرأة ،أ َّما إن كانت في
الع َّدة فيمكن أن يُعيدها زوجها من دون عقد ومن دون مهر ،على أن يعلمها ال َّزوج
بالرجعة لتنتقل من أحكام الع َّدة إلى أحكام ال َّزوجيَّةَ ﴿ ،و َال يَ ِح ُّل ل َ ُك ْم أ َ ْن تَأ ْ ُخ ُذوا ِم َّما َّ
خافَا أ َ َّال يُ ِقي َما ُحدُودَ اهللِ﴾ [البقرة.)2(]229 :
آتَيْتُ ُمو ُه َّن َشيْئًا إ َِّال أ َ ْن يَ َ
فقد حرص اإلسالم في ك ِّل األحوال على المهر للمرأة ،وحرص أن تأخذ المرأة ح َّقها
عند ال َّزواج وعند ال َّطالق.
خافَا أ َ َّال يُ ِقي َما ُحدُودَ اهللِ﴾ [البقرة ]229 :هنا يأتي الحديث عن الخلع ،فإذا كانت
﴿إ َِّال أ َ ْن يَ َ
المرأة تريد أن تعيد المهر لزوجها ،وتتنازل عنه مقابل ح ِّل عقد ال َّزواج بينها وبينه ،وت َّم
االت ِّفاق ،فهذا ح ٌّق للمرأة أيضاً أعطاه اإلسالم لها ،بأن يتَّفقا بالخلع ال َّذي تخلعه من هذا
38
المهر ،لكن بشـرط أن تطلب هي ذلك ،وهذا أيضاً من ح ِّق المرأة ،وهذا يُشير إلى حكم
الخلع ﴿ف َ ِإ ْن ِخ ْفتُ ْم أ َ َّال يُ ِقي َما ُحدُودَ اهللِ ف َ َال ُجن َ َ
اح عَلَيْ ِه َما فِي َما افْتَد ْ
َت بِ ِه﴾ [البقرة ]229 :إذاً
هي افتدت نفسها بمهرها ،إذاً هي هنا تركت المهر وات َّفقت معه على الخلع﴿ .تِلْ َ
ك
ُحدُودُ اهللِ ف َ َال ت َ ْعتَدُوهَا﴾ [البقرة ]229 :وهذا يعني إباحة الخلع ،وأول خلع وقع في عهد
رسول اهلل ﷺ هو خلع زوجة ثابت بن قيس .
ح ُّق الملكيَّة الفرديَّة للمرأة:
ال ن َ ِص ٌ
يب ِم َّما ْض ُك ْم عَلَى بَع ٍ
ْض ل ِ ِّ
لر َج ِ قال سبحانه وتعالىَ ﴿ :و َال تَتَ َمن َّ ْوا مَا ف َ َّ
ض َل اهللُ بِ ِه بَع َ
اسأَلُوا اهللَ ِم ْن ف َ ْ
ض ِل ِه إِ َّن اهللَ َكا َن بِ ُك ِّل َش ْي ٍء َع ِلي ًما﴾ ا ْكت ََسبُوا َولِلن ِّ َسا ِء ن َ ِص ٌ
يب ِم َّما ا ْكت ََسبْ َن َو ْ
[النِّساء.)1(]32 :
اح ف َ ِإ ْن آن َ ْستُ ْم ِمن ْ ُه ْم ُر ْشدًا فَادْفَعُوا إِلَيْ ِه ْم
وقال تعالىَ ﴿ :وابْتَلُوا الْيَتَامَى َحتَّى إِذَا بَلَ ُغوا الن ِّ َك َ
ف َو َم ْن َكا َن ف َ ِق ً
يرا أ َ ْم َوال َ ُه ْم َو َال تَأ ْ ُكلُوهَا إ ِْس َرافًا َوبِدَا ًرا أ َ ْن يَ ْكبَ ُروا َو َم ْن َكا َن َغنِيًّا فَلْيَ ْستَ ْع ِف ْ
سيبًا﴾ [النِّساء: وف ف َ ِإذَا دَف َ ْعتُ ْم إِلَيْ ِه ْم أَمْ َوال َ ُه ْم فَأ َ ْش ِهدُوا عَلَيْ ِه ْم َو َك َفى بِاهللِ َح ِ
فَلْيَأ ْ ُك ْل بِال ْ َمع ُْر ِ
.)2(]6
يب ِم َّما ت َ َر َك َان َو ْاألَق ْ َربُو َن َولِلن ِّ َسا ِء ن َ ِص ٌ
يب ِم َّما ت َ َر َك ال ْ َوالِد ِ ال ن َ ِص ٌ لر َج ِ وقال تعالى﴿ :ل ِ ِّ
وضا﴾ [النِّساء.)3(]7 : َان َو ْاألَق ْ َربُو َن ِم َّما ق َ َّل ِمنْهُ أ َ ْو َكثُ َر ن َ ِصيبًا َم ْف ُر ً
ال ْ َوالِد ِ
ان َو َال يَ ِح ُّل ل َ ُك ْم أ َ ْن
يح بِ ِإ ْح َس ٍف أ َ ْو ت َ ْس ِر ٌ ان ف َ ِإمْ َسا ٌك بِ َمع ُْرو ٍ ق مَ َّرت َ ِ وقال تعالى﴿ :ال َّط َال ُ
تَأ ْ ُخ ُذوا ِم َّما آتَيْتُ ُمو ُه َّن َشيْئًا إ َِّال أ َ ْن يَ َ
خافَا أ َ َّال يُ ِقي َما ُحدُودَ اهللِ ف َ ِإ ْن ِخ ْفتُ ْم أ َ َّال يُ ِقي َما ُحدُودَ اهللِ
ك ُحدُودُ اهللِ ف َ َال ت َ ْعتَدُوهَا َومَ ْن يَتَ َع َّد ُحدُودَ اهللِ فَأُول َئِ َ
ك َت بِ ِه تِلْ َ
اح عَلَيْ ِه َما فِي َما افْتَد ْ
ف َ َال ُجن َ َ
ُه ُم ال َّظال ِ ُمو َن﴾ [البقرة.)4(]229 :
39
أقر للمرأة الملكيَّة الفرديَّةَ كاملةً ،وجعل ذلك ح ّقاً أصيالً لها ،وهو أحد
إ َّن اإلسالم َّ
وبحريَّتها
ِّ حقوقها المدنيَّة ،و ِم ْن ث َ َّم فاإلسالم اعترف لها بشخصيَّتها المدنيَّة الكاملة،
كالرجل لها ذمَّةٌ ماليَّة مستقلَّة لتحقيق
صرف في أموالها وممتلكاتها ،فهي َّ
المطلقة في التَّ ُّ
االقتصادي ،ومن هنا كانت المساواةُ في ح ِّق التَّملُّك والكسب بين
ِّ كيانها ال َّذ ِّ
اتي وكيانها
ال ن َ ِص ٌ
يب الرجال والن ِّساء ،وإلى هذه الحقيقة أشار القران الكريم بألفاظ متساوية﴿ :ل ِ ِّ
لر َج ِ ِّ
ِم َّما ا ْكت ََسبُوا َولِلن ِّ َسا ِء ن َ ِص ٌ
يب ِم َّما ا ْكتَ َسبْ َن﴾ [النِّساء ،)1(]32 :وبذلك فمن ح ِّق ال َّزوجة إبرامُ
صرفات القانونيَّة ،وإدارةُ أموالها بال ُّطرق ال َّتي تختارها ،وال رقابة لل َّزوج على
جميع التَّ ُّ
يحرمُ على ال َّزوج أن يأخذ شيئاً من مال زوجته بغير رضاها.
أموال زوجته ،كما ُ
-2بناء األسرة:
حجر األساس والدِّعامة الكبرى ال َّتي يقوم عليها بناءُ األسرة ،فهي ال َّتي
ُ إ َّن المرأة هي
تَكفل لألسرة حياةً تسودها سكينةُ الن ُّفوس واطمئنا ُن القلوب ،وهي ال َّتي لها ٌ
أثر كبير في
الن َّاشئة فمنها يتعلَّمون وبأخالقها يتخلَّقون ،فإذا كانت المرأةُ صالحةً مستقيمةً عاقلةً
مدبِّرةً نشأ أوالدُها على ِخاللها ،وتأثَّروا بأخالقها وت َطبَّعوا بطبائعها ،وكانوا في مستقبلهم
نافعين ألنفسهم وأمَّتِ ِهم ،وإذا كانت غير ذلك انعكس ذلك على أوالدها.
كرمةً ،وزوجةً صالحة ،وأ ّماً
لذلك اعتنى اإلسالم بالمرأة أكم َل اعتناء ،واهت َّم بها بنتاً ُم َّ
ج َّدةً م َع َّظ َمة ،ومَ ْن ُح ِرمت ال َّزوجيَّةَ أو األمومةَ لم ت ُ َ
حرم الكفالة والكرامة في ظ ِّل مرب ِّية ،ف َ َ
40
حظ كبير من هذا اإلصالح لم يسبق اإلسالمَ به ِديْ ٌن ولم يَبْلُغ شأ َوه تشريع.
ٌّ
وقد اعت َّد اإلسالمُ برسالة المرأة في تكوين األسرة ،وق َ َّد َر أنَّه ال ِغناء َّ
للرجل عنها ،فهي
الن ِّصف المك ِّم ُل له ،تشترك معه فيما تتطلَّبُهُ حياةُ األسرة من أعمال.
وظيفتَها في تكوين الن َّشء والبيوت ،فتاريخها حاف ٌل بالجهاد في ذلك ،فهي كأ ٍّم مثابرةٌ في
بيتها ترعى أوالدها وزوجها ،وال تنتظر أجراً على ما تق ِّدمُ من خدمات ،وإن َّما قلبها الكبير
وحبُّها ألوالدها يدفعانها للعمل ال َّدائم ليل نهار ،فهي ترضع أوالدها من لبانها حتَّى ال
يهزلوا ،وتقوم بتربيتهم حتَّى ال يضيعوا ،مُمتثلةً لقول اهلل تعالىَ ﴿ :وال ْ َوالِد ُ
َات يُ ْر ِض ْع َن
َ َ َ
ضا َعةَ﴾ [البقرة ،)2(]233 :وهي كزوج ٍة راعيةٌ أ ْو َالدَ ُه َّن َح ْولَيْ ِن َكا ِملَيْ ِن ل ِ َم ْن أ َرادَ أ ْن يُتِ َّم َّ
الر َ
41
القواعد والتَّقاليد فال تتح َّداه وال تتخ َّطاه ،ذلك أ َّن َّ
الشريعة اإلسالميَّة وضعت قوانينها
السعيدة وصيانتها ،وراعت فيها مصلحة جميع أعضائها ،وأعطت لك ِّل ذي
لبناء األسرة َّ
وتستقر.
ُّ ح ٍّق ح َّقه ،وبمقدار مراعاة ك ِّل فرد لح ِّقه تسعد األسر
إ َّن دين اإلسالم ال يمكن أن يقبل أن يُساء للمرأة داخل البيت من قبل َّ
الرجل ،هذه المرأة
الرجل ،هي شريكة ال َّتي هي شريكةٌ في الحياة األسريَّة مع َّ
الرجل ،هي شريكة في حياة َّ
الرجال))( ،)1فبناءُ األسرة إن َّما يت ُّم
في المجتمع ،قال رسول اهلل(( :إن َّما الن ِّساء شقائق ِّ
بشراكة كاملة بين رجل وامرأة.
ولقد وضع اهلل تعالى وبيَّن رسول اهلل ﷺ أحكامَ بناء األسرة ،فكلَّما كان بناء
األسرة على أسس سليمة ،كلَّما ابتعد ال َّطالق عن األسر اإلسالميَّة ،وكلَّما بُني ال َّزواج
والشقاق وال َّطالق يكون أقرب لألسرة،
ِّ على غير أحكام اهلل سبحانه فإ َّن الخالف
الرجل والمرأة أصبحت واضحة ،لو ت َّمت واألسس ال َّتي وضعها اإلسالم للعالقة بين َّ
ُ
اخترت
َ للضرورات القصوى؛ ألن َّك األمور من خالل هذا التَّوجيه النعدم ال َّطالق َّ
إال َّ
اخترت المرأةَ ال َّتي ترب َّت على
َ الرج َل ال َّذي ترب َّى على القيم واألخالق ،وأنت
البنتك َّ
أخالقي ،فال
ٍّ القيم واألخالق ،وال َّذي يترب َّى على القيم واألخالق ال يكون في بيته َ
غير
يكون في بيته ك َّذاباً ،أو خائناً غير مؤتمن ،ال يكون في بيته ن َّماماً ،ال يكون في بيته مغتاباً،
ال يكون في بيته سارقاً.
إذ ًا :ك ُّل القيم تحملها المرأة من بيتها وأسرتها إلى بيت زوجها ،وك ُّل القيم ال َّتي حملها َّ
الرجل
تظهر في بيته.
ً
جدال في العصـر الحديث الرجل والمرأة من أكثر القضايا
-تع ُّد قضيَّة المساواة بين َّ
42
والسياسيَّة والتَّشريعيَّة والدِّينيَّة ،كما أنَّها
ِّ على كافَّة األصعدة الحقوقيَّة واإلعالميَّة
المتحضـرة عن المتخلِّفة حسب التَّصنيف
ِّ المجتمعات
ُ أصبحت عالمة فارقة تُميَّز بها
الغربي ،حيث تسود نظرة راديكاليَّة غربيَّة للموضوع ،تشترط المساواة التَّامَّة في كافَّة
ِّ
المجاالت ،متجاهلة حتَّى الفروق البيولوجيَّة بين الجنسين.
اإلسالمي بهذا الخصوص،
ِّ ومن المعلوم أ َّن حروباً كثيرة ُشنَّت على اإلسالم والتَّشـريع
علماً بأنَّه انطلق من نظرة أكثر واقعيَّة وتالؤماً مع الفطرة اإلنسانيَّة وال َّطبيعة البشريَّة،
وتتل َّ
خص هذه النَّظرة بالنِّقاط اآلتية:
43
-4ومن ذلك التَّساوي والمماثلة في التَّكاليف أيضاً:
-فعليها حفظ نفسها عن غيره ممن ليس بزوج ،وعليه مثل ذلك ع َّمن ليست
ك أ َ ْز َكى ل َ ُه ْم﴾
ح َف ُظوا ف ُ ُرو َج ُه ْم ذَل ِ َ ضوا ِم ْن أَب ْ َ
صا ِر ِه ْم َويَ ْ بزوجة ﴿ق ُ ْل لِلْ ُم ْؤ ِمنِي َن يَ ُغ ُّ
ح َف ْظ َن ف ُ ُرو َج ُه َّن﴾ ض َن ِم ْن أَب ْ َ
صا ِر ِه َّن َويَ ْ [النُّور ،]30 :ث َّم قالَ ﴿ :وق ُ ْل لِلْ ُم ْؤ ِمن َ ِ
ات يَ ْغ ُ
ض ْ
[النُّور ،]31 :وقال تعالىَ ﴿ :وال َّ ِذي َن ُه ْم ل ِ ُف ُروجِ ِه ْم َحافِ ُظو َن * إ َِّال عَلَى أ َ ْز َواجِ ِه ْم﴾
[المعارج.)1(]30-29 :
ق بَيْنِ ِه َما فَاب ْ َعثُوا َح َك ًما
ح َك َمي ِن ،قال تعالىَ ﴿ :وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم ِش َقا َ -والمماثلة في بَع ِ
ْث ال َ
ِم ْن أ َ ْه ِل ِه َو َح َك ًما ِم ْن أ َ ْه ِل َها إِ ْن يُ ِريدَا إ ْ
ِص َال ًحا يُ َوف ِّ ِق اهللُ بَيْن َ ُه َما إِ َّن اهللَ َكا َن َع ِلي ًما
يرا﴾ [النِّساء.)2(]35 :
َخبِ ً
راع على أهله ،والمرأةُ راعيةٌ في
((الرج ُل ٍ
َّ -والمماثلة في ِّ
الرعاية ،ففي الحديث:
بيت زوجها))(.)3
اال َع ْن ص ً الرضاع وغيره ،قال تعالى﴿ :ف َ ِإ ْن أ َ َرادَا فِ َ
-والمماثلة في التَّشاور في َّ
اح عَلَيْ ِه َما﴾ [البقرة ،)4(]233 :وقال تعالىَ ﴿ :وأْت َ ِم ُروا
اض ِمن ْ ُه َما َوت َ َشا ُو ٍر ف َ َال ُجن َ َ
ت َ َر ٍ
بَيْن َ ُك ْم بِ َمع ُْر ٍ
وف﴾ [ال َّطالق.)5(]6 :
ً
كامال من حيث الحوار الرأي :اإلسالم أعطى المرأة ح َّقها
-5المساواةُ في ح ِّق إبداء َّ
ك فِي َز ْوجِ َها جا ِدل ُ َ
الرأي ،قال تعالى﴿ :ق َ ْد َس ِم َع اهللُ ق َ ْو َل الَّتي ت ُ َ والمجادلة وإبداء َّ
بي ﷺ في بي ﷺ ل َّما استشارها الن َّ ُّ زوج الن َّ ِّ
ُ َوت َ ْشت َِكي إِلَى اهللِ﴾ [المجادلة ،)6(]1 :وأ ُّم سلمةَ
44
للرجل ح َّق االنفصال عن
-6وساوى بينهما في ح ِّق االنفصال :فاإلسالم كما أعطى َّ
يفرق بينهما في كيفيَّة وأسلوب هذا االنفصال
زوجته أعطى للمرأة هذا الحقَّ ،ولكن ِّ
ويفرق بينهما في كيفيَّة استخدام هذا الح ِّق؛ حيث يعطي
ِّ "فهو يس ِّوي بينهما في الح ِّق،
الرج َل ح َّق ال َّطالق ويعطي المرأة ح َّق الخلع" ،أو رفع دعوى التَّفريق عند القاضي ِّ
فيفرق َّ
بينهما.
قر اإلسالمُ المساواةَ التَّامَّة الَّتي يريدها الغرب ،وإنَّما يعترف باالختالف بين بِنْيَة
-7ال يُ ُّ
والرجل ،جسديًّا ونفسيًّا وعاطفيًّا ،وكذلك في نمط التَّفكير وطريقة محاكمة
َّ المرأة
الرجل؛ ولذلك كانت
يمر بها َّ
وتمر بظروف ال ُّ
ُّ األمور ،فالمرأةُ تح ِم ُل وتُرضع وتربِّي،
الرجل.
خاصة بالمرأة تنفرد بها عن َّ
َّ هناك أحكام
الرجل والمرأة ،ك ٌّل بما
مبني على توزيع المسؤوليَّات بين َّ
-8نظام األسرة في اإلسالم ٌّ
أساس التَّربية وإعداد الجيل وتنشئته على الخير
ُ يناسب طبيعته وتكوينه ،فالمرأةُ هي
الرجل يتح َّمل مسؤوليَّة حماية هذه األسرة واإلنفاق عليها والكدح من
والصالح ،بينما َّ
َّ
﴿الر َجا ُل ق َ َّوا ُمو َن عَلَى الن ِّ َسا ِء﴾
ِّ أجلها ،وهذه هي تماماً درجة ال ِقوامة الَّتي ذكرها اهلل:
ال عَلَيْ ِه َّن دَ َر َجةٌ َواهللُ َع ِزي ٌز َح ِكي ٌم﴾ [البقرة ،)2(]228 :وقد يعتقد [النِّساءَ ﴿ ، ]34:ول ِ ِّ
لر َج ِ ()1
45
وسع للن ِّساء في المال والخلق) ،وقال ابن عطيَّة( :وهو قول حسن بارع) (.)1
الع ُْشرة والتَّ ُّ
الرجل والمرأةَ ﴿ ،ول َ ُه َّن وما أجملها من قاعد ٍة قرآنيَّ ٍة ذهبيَّ ٍة ت ُ ِّ
وضح حقيقة المساواة بين َّ
ِمثْ ُل ال َّ ِذي عَلَيْ ِه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ
وف﴾ [البقرة.)2(]228 :
للرجال عليه َّن ،فليؤدِّ ك ُّل واحد منهما إلى
الرجال من الح ِّق مث ُل ما ِّ
أي :وله َّن على ِّ
اآلخر ما يجب عليه بالمعروف.
جة الوداع(( :فَات َّ ُقوا اهللَ فِي
عن جابر رضي اهلل عنه أ َّن رسول اهلل ﷺ قال في خطبته في ح َّ
الن ِّ َسا ِء ،ف َ ِإن َّ ُكم أ َ َخذت ُ ُمو ُه َّن بِأَمَان اهللَِ ،واستَحلَلتُم ف ُ ُرو َج ُه َّن بِ َك ِل َم ِة اهللَِ ،ولَكم عَلَي ِه َّن أ َ ْن ال
َ
يُو ِطئْ َن ف ُ ُر َش ُكم أ َحدًا ت َ َ
كرهُونَهُ))(.)3
أحب أن تتزيَّ َن لي
ُّ ألحب أن أتزيَّ َن للمرأة كما
ُّ اس رضي اهلل عنهما قال(( :إنِّي
عن ابن عبَّ ٍ
المرأةُ؛ أل َّن اهلل يقولَ ﴿ :ول َ ُه َّن ِمثْ ُل ال َّ ِذي عَلَيْ ِه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ
وف﴾ [البقرة.)4())]228 :
وت ُ َع ُّد هذه اآليةُ من أوائل ما نزل في اإلسالم في بيان العالقة بين ال َّزوجين ،والقائم ِة على
األصبهاني" هذا المعنى
ُّ بغض الن َّظر عن جنسه ،ويؤ ِّكد َّ
"الراغب ِّ إعطاء ك ِّل ذي ح ٍّق ح َّقهُ،
بقوله(( :يتبيَّ ُن أ َّن لك ِّل واحد على اآلخر ح ًّقا كح ِّق اآلخر ،ف ِم َّما تشاركا فيه مراعاتُهما
للمعنى ال َّذي شرع ألجله النِّكاح ،وهو طلب الن َّسل ،وتربية الولد ،ومعاشرة ُك ِّل واحد
وتدبير ما فيه ،وسياسةُ ما تحت أيديهما،
ُ ُ
وحفظ المنزل، منهما لآلخر بالمعروف،
وحمايةُ ك ِّل واحد على اآلخر بقدر جهده وحده))(.)5
صرح ٌة بأ َّن له َّن حقوقًا قبل
واجبات تجاه أزواجه َّن فإ َّن اآلية ُم ِّ
ٍ فكما أ َّن على الن ِّساء
ت اآليةُ أرو َع األمثلة في التَّعامالت األسريَّة
أدائه َّن لهذه الواجبات ،بهذا الميزان ضرب َ ِ
الرجل والمرأة ،فانكشف بذلك زيف الحضارة المادِّيَّة الحديثة ،ال َّتي لم تجعل
بين َّ
46
ً
أصال ،وإنَّما عاملتها على أنَّها سلعة لالستمتاع ،تباع وتشترى كما ِّ
السلع للمرأة حقوقًا
األخرى.
وم َّما يسترعي الن َّظر في اآلية الكريمة كلمةُ ﴿ ِمثْ ُل﴾ ،وما تض َّمنته من التَّسوية بين
الجنسين في الحقوق والواجبات ،والمعنى :المساواة في جملة الحقوق والواجبات ال
الشريعةُ؛ فقد يكون وجه المماثلة بينهما
تفصيل في ذلك بيَّنته َّ
ٍ المساواة في جنسها ،على
ظاهرا ال يحتاج إلى بيان :كالمماثلة بينهما في تربية األوالد وتنشئتهم على اإلسالم ،وقد
ً
يكون خفيًّا يحتاج إلى بيان وتفصيل ،وبطبيعة الحال فإنَّه مما يُعلَم سل ًفا االختالف
خلق ك ِّل واحد
ِ الجسدي ،أو في مقاص ِد
ِّ والتَّباين بين ال َّذكر واألنثى ،سواء في التَّكوين
منهما؛ إذ جعل اهلل تعالى لك ٍّل من ال َّذكر واألنثى وظيفةً تناسب قدراته ِ
وخلقته والمقصد
ير﴾ [الملك.)1(]14 :
خب ِ ُ ال َّذي ُخلق له ،يقول تعالى﴿ :أ َ َال يَعْلَ ُم مَ ْن َخلَ َق َو ُه َو اللَّ ِط ُ
يف ال ْ َ
الخاصة بالمرأة في مجال األسرة ،فإنَّنا
َّ وإذا نظرنا بموضوعيَّة إلى مجموع النُّصوص
الرجل تكريماً وتكليفاً. سنجد على العكس م َّما يُظ ُّن ،أ َّن المرأة مُ َّ
فضلة على َّ
ول اهللِ ﷺ،
بي ﷺَ ( :جاءَ َر ُج ٌل إلى َر ُس ِ تكريماً :األ ُّم ُم َّ
فضلة على األب بدليل حديث الن َّ ِّ
ك قا َل :ث ُ َّم مَ ْن؟ قا َل :ث ُ َّم أُمُّ َ
ك قا َل :ث ُ َّم حابَتِي؟ قا َل :أُمُّ َ ص َح ْس ِن َ اس ب ُ فَقا َل :مَن أ َ َح ُّق الن َّ ِ
ك قا َل :ث ُ َّم َم ْن؟ قا َل :ث ُ َّم أَبُو َك)(.)2 َم ْن؟ قا َل :ث ُ َّم أ ُ ُّم َ
تكليفاً :مسؤوليَّة اإلعداد والتَّربية للجيل هي من أعظم وأشرف ما يمكن أن يقوم به
شك أ َّن هذه المه َّمة اإلنسان ،فالمرأةُ هي الَّتي تصنع ِّ
الرجال بل تصنع األجيال ،وال َّ
الرجل ومسؤوليَّاته.
أعظم من كثير من مهامِّ َّ
47
رابعاً :العدالة بين َّ
الرجل والمرأة كما بيَّنها اإلسالم:
ق بين المساواة والعدالة ،فالمساواةُ أن أُكلِّف هذا وهذا بمهامٍّ متساوية ،ولك َّن
هناك فر ٌ
العدالة َّ
أال تت َِّح َد المهامُّ؛ أل َّن لك ٍّل منهما طبيعة وقدرة على التَّح ُّمل ،تختلف عن اآلخر
الخلْقة.
بأصل ِ
48
الن َّفقة ُّ
والسكنى.
-4ولو كانت المرأة تُرضع يجب على ال َّزوج أن يعطيها نفقة اإلرضاع ،لقوله تعالى:
ض ْع َن ل َ ُك ْم فَآتُو ُه َّن أ ُ ُجو َر ُه َّن﴾ [ال َّطالق ،)1(]6 :ولو فرضنا المساواة لما كان ذلك.
﴿ف َ ِإ ْن أ َ ْر َ
-6في مسألة فكاك أسرى المسلمين ،يُقدَّم فِداء النِّساء على فِداء ِّ
الرجال ،ولو فرضنا
المساواة لما كان ذلك.
الرجل والمرأة:
من مظاهر تحقيق العدل بين َّ
الروح الَّتي تسري في جنبات الحياة؛ فما من تشريع
العدل في التَّشريع واإلسالم بمثابة ُّ
حا في القرآن الكريم؛ يقول
األمر به صري ً
ُ في اإلسالم َّ
إال وهو قائم على العدل؛ لذا جاء
ان َوإِيتَا ِء ِذي ال ْ ُق ْربَى َويَن ْ َهى َع ِن اهللَ يَأْمُ ُر بِال ْ َعد ِْل َو ْ ِ
اإل ْح َس ِ اهلل تق َّدست أسماؤه﴿ :إِ َّن َّ
ح َشا ِء َوال ْ ُمن ْ َك ِر َوالْبَ ْغ ِي يَ ِع ُظ ُك ْم لَعَلَّ ُك ْم ت َ َذ َّك ُرون﴾ [النَّحل ،)2(]90 :ويقول ج َّل ِمن قائل:
ال ْ َف ْ
﴿ َوإِذَا قُلْتُ ْم فَا ْع ِدلُوا َول َ ْو َكا َن ذَا ق ُ ْرب َى﴾ [األنعام ،)3(]152 :وفيها يأمر اهلل تعالى بالعدل في
ٍ
وقت ال ِفعال والمقال ،على القريب والبعيد ،واهلل تعالى يأمر بالعدل لك ِّل أحد ،في ك ِّل
وفي ك ِّل حال.
49
ك ٍّل منهما ألداء وظيفته؛ ومن األمثلة على ذلك:
الخدري
ِّ والصيام إذا أصابها الحيض أو الن ِّفاس؛ فعن أبي سعيد
ِّ -أ َّن المرأة تترك َّ
الصالة
بي ﷺ(( :أليس إذا حاضت لم تُص ِّل ولم تصم))(.)1
رضي اهلل عنه قال :قال الن َّ ُّ
-أ َّن اهلل تعالى فرض الجهاد (وهو ردُّ العدوان وال ِّدفاع عن األوطان) على ِّ
الرجال دون
الخاص ِة بها؛ وفي الحديث(( :أ َّن امرأة سألت الن َّ َّ
بي ﷺ :أتجزئ َّ صرفات الماليَّة
من التَّ ُّ
أيتام في ِح ْ
جرها؟ فأجابها رسو ُل اهلل ﷺ بقوله :لها أجران: الصدقةُ على ال َّزوج ،وعلى ٍ
َّ
الصدَقة))(.)3
وأجر َّ
ُ أجر القرابة،
ُ
ثالثًا – العالقات األسريَّة:
اإلسالمي يرى بوضوح أ َّن من أه ِّم سماتها
ِّ الن َّاظر إلى العالقات األسريَّة في التَّشريع
فالبنات نعمةٌ من نعم اهلل ﷻ
ُ ومميِّزاتها العدل بين ال َّذكر واألنثى في الحقوق والواجبات؛
فيجب القيام بما افترضه اهلل علينا من اإلحسان إليه َّن ،ومن المعلوم أ َّن العرب في
ُ علينا،
الجاهليَّة كانوا ال يحبُّون البنات ،ويترق َّبون األوالد للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم في
50
البنت فكانوا ال يحبُّونها ،وكان عدمُ حبِّهم لها والخوف من عارها
ُ حياتهم وحروبهم ،أمَّا
يحمل بعضهم على كراهتها ،بل وعلى قتلها ووأ ْ ِدها ،كما قال اهلل تعالى عن ذلك:
﴿ َوإِذَا ب ُ ِّش َر أ َ َح ُد ُه ْم بِاألُنْثَى َظ َّل َو ْج ُههُ مُ ْس َودًّا َو ُه َو َك ِظي ٌم * يَتَ َوا َرى ِم َن ال َق ْو ِم ِم ْن ُسو ِء مَا
اب أ َ َال َساءَ مَا يَ ْ
ح ُك ُمو َن ﴾ [النَّحل،)1(]59-58 : ُون أَمْ يَد ُُّسهُ فِي الت َُّر ِ
ب ُ ِّش َر بِ ِه أَيُ ْم ِس ُكهُ عَلَى ه ٍ
ب قُتِلَ ْ
ت ﴾[التكوير.)2(]9-8 : ت * بِأ َ ِّ
ي ذَن ْ ٍ وقالَ ﴿ :وإِذَا ال ْ َم ْوءُودَةُ ُسئِلَ ْ
الشنعاء وهي َوأْدُ البنات ،فعن
وحرم هذه ال ِفعلة َّ
َّ حتَّى بعث اهلل نبيَّنا مح َّمداً ﷺَّ ،
فجرم
حرم عليكم عقوق األمهاتَ ،ومَنْعاًبي ﷺ قال(( :إ َّن اهلل َّ
المغيرة بن شعبة أ َّن الن َّ َّ
وهات ،و َوأد البنات ،و َك ِرهَ لكم قيل وقال ،وكثرة ُّ
السؤال ،وإضاعة المال))(.)3
قال ابن حجر في "فتح الباري"" :قوله ﷺ( :و َوأدَ البنات) هو دفن البنات بالحياة ،وكان
أهل الجاهليَّة يفعلون ذلك كراهةً فيه َّن".
َت له ابنةٌ فلم يئِدْها
وعن ابن عبَّاس رضي اهلل عنهما قال :قال رسول اهلل ﷺَ (( :م ْن ُولِد ْ
ؤثر ولَده عليها -يعني ال َّذ َك َر -أدخلَه اهللُ بها الجن َّة))(.)4
ولم يُهنْها ،ولم يُ ْ
ًّ
محال لجهاالت وهذان الحديثان وما جاء في معناهما َّ
يدالن صراحةً على أ َّن البنات ك َّن
51
القيامة أنا وهو كهاتين ،وض َّم أصابعه))(.)1
ابنتان لها تسأَل (أي :فقيرة) ،فلم
ِ ((دخلت امرأةٌ معها
ْ وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت:
قامت
ْ غير تمر ٍة ،فأَعطيتُ َها إيَّاها ،ف َ َق َس َمتْ َها بي َن ابنتيْها ولم تأ ُك ْل منها ،ث َّم
تج ْد عندي شيئًا َ
بشيء ُك َّن لهُ ِ
البنات ٍ بي ﷺ علينا فأخبرته ،فقال(( :من ابْتُ ِلي من هذ ِه
فخرجت ،فدخ َل الن َّ ُّ
ْ
ترا من الن َّار))(.)2
ِس ً
وعن أنس أ َّن الن َّ َّ
بي ﷺ قال(( :مَ ْن عال ابنتين أو ثالث بنات ،أو أختين أو ثالث
السبَّابة
أخوات ،حتَّى يَبِ َّن أو يموت عنه َّن ،كنت أنا وهو كهاتين "وأشار بأصبعيه َّ
والوسطى"))(.)3
52
فسيختبرنا اهلل تعالى هل أحسنَّا إليه َّن أو أسأنا.
الخدري قال :قال رسول اهلل ﷺ(( :مَ ْن كان له ثالث بنات أو ثالث
ِّ وعن أبي سعيد
أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبته َّن وات َّقى اهلل فيه َّن فله الجن َّة))(.)1
ك ،ففي رواية جابر بن عبد اهلل أ َّن الن َّ َّ
بي للش ِّ
وقوله ﷺ في الحديث( :أو) للتَّنويع ال َّ
ﷺ قال(( :من كان له ثالث بنات يعوله َّن ويك ُّفه َّن ويرحمه َّن فقد وجبت له الجن َّة ألبتَّة،
فقال رج ٌل من بعض القوم :وابنتان يا رسول اهلل قال :وابنتان))(.)2
وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت :قال رسول اهلل ﷺ(( :ليس أحد من أمَّتي يعول ثالث
بنات أو ثالث أخوات فيحسن إليه َّن َّ
إال ُك َّن له ستراً من الن َّار))(.)3
وقيل" :واختُ ِل َ
ف في المراد باإلحسان هل يقتصر به على قدر الواجب أو بما زاد عليه؟،
53
وسقاه َّن وكساه َّن أن يحصل له من األجر مث ُل ما ذكر الن َّ ُّ
بي ﷺ في ح ِّق من عال ثالث
بناتْ ،
وفض ُل اهلل واسع ورحمته عظيمة ،وهكذا من عال واحدة أو اثنتين من البنات أو
غيره َّن فأحسن إليه َّن يُرجى له األجر العظيم والثَّواب الجزيل.
واإلحسان للبنات ونحوه َّن يكون بتربيته َّن التربية الَّتي يرضى عنها اهلل تعالى ،وتعليمه َّن
حرم اهلل ،وبذلك يُعلم أن َّه
وتنشئته َّن على الح ِّق ،والحرص على ع َّفته َّن ،وبعده َّن ع َّما َّ
مجرد اإلحسان باألكل ُّ
والشرب والكسوة فقط ،بل المراد ما هو أع ُّم من َّ ليس المقصود
ذلك من اإلحسان إليه َّن في عمل ال ِّدين وال ُّدنيا.
األسري بخصوص المرأة ،بل إ َّن الن َّاظر في
ِّ فهل هناك عد ٌل أعظم من ذلك في الجانب
54
وزيادة في اإليضاح نقول:
الرجل والمرأة:
ما يتو َّجب فيه عدم المماثلة بين َّ
دف ُع توهُّم المماثلة بينهما في وجوب الن َّفقة؛ كأن يُقال ً
مثال :كما يجب على ال َّزوج
اإلنفاق على زوجته ،فكذلك يجب عليها اإلنفاق على زوجها.
الشرع في مثل ذلك هو العد ُل بينهما ،ومقتضاه :أنَّه كما ينبغي عليها حفظ
بينما معيار َّ
55
راع على
الرجل ٍ
والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم ،وعبد َّ
راع وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته)) (.)1 ُّ
مال سيِّده وهو مسؤول عنه ،أال فكلكم ٍ
للسعي في ح ِّل المشكالت الَّتي قد تقع بين ال َّزوجين؛ قال
المماثلة في بعث الحك َمين َّ
ق بَيْنِ ِه َما فَاب ْ َعثُوا َح َك ًما ِم ْن أ َ ْه ِل ِه َو َح َك ًما ِم ْن أ َ ْه ِل َها إِ ْن يُ ِريدَا
تعالىَ ﴿ :وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم ِش َقا َ
اهللُ بَيْن َ ُه َما إِ َّن َّ
اهللَ َكا َن َع ِلي ًما َخبِ ً
يرا﴾ [النِّساء.)2(]35 : ِص َال ًحا يُ َوف ِّ ِق َّ
إ ْ
الرضيع قبل الحول َين؛ قال تعالى﴿ :ف َ ِإ ْن
التَّراضي بين ال َّزوجين والتَّشاور في فِطام ال ِّطفل َّ
اح عَلَيْ ِه َما﴾ [البقرة ،)3(]233 :والمعنى :فإن
اض ِمن ْ ُه َما َوت َ َشا ُو ٍر ف َ َال ُجن َ َ ص ً
اال َع ْن ت َ َر ٍ أ َ َرادَا فِ َ
أراد الوالدان فِطامًا لل ِّطفل قبل الحول َين ،ويكون ذلك عن ات ِّفاق الوال َدين ومشاورة أهل
56
الرؤساء وأولي األمر. تسلم الحياة في مجموعها َّ
إال بالتزامها ،فهي تشبه قوامة ُّ
اختص اهلل سبحانه النِّساء ببعض األحكام الَّتي تناسب طبيعتها وأنوثتها ،وتتوافق مع
َّ كما
مه َّمتها ووظيفتها :كالحمل ،والوالدة ،والحضانة ،ونحو ذلك.
57
خامساً :شبهات وردود
ُّ
الشبهة األولى :المرأة مهضومة الحقوق:
58
الرجل ،هذا ما قرر القوم أ َّن المرأة إنسان ،ولكن َّها ُخ ِل َقت لخدمة َّ
وبعد مناقشة طويلة َّ
الرومان ،ما كانوا ينزلون المرأةَ َّ
إال منزلة حدث في فرنسا ،وكذلكم في اليونان وعند ُّ
المتاع والحيوان ،ليس لها ح ٌّق في التَّملُّك بأيَّة طريقة ،وال لها ميراث ً
أصال ،وال َح َّ
ظ لها
59
الرجل زوجتَهُ إذا ظهر منها ُخلُ ٌق سيِّئ ،ف َع ْن أَبِي ه َُريْ َرةَ ،
ض َّبي ﷺ عن ب ُ ْغ ِ
وقد نهى الن َّ ُّ
«ال يَ ْف َر ْك مُ ْؤ ِم ٌن مُ ْؤ ِمنَةً ،إِ ْن َك ِرهَ ِمن ْ َها ُخلُ ًقا َر ِض َي ِمن ْ َها آ َخ َر» أ َ ْو
قَا َل :قَا َل َر ُسو ُل اهللِ ﷺَ :
حابَتِي؟ (أي :صحبتي) قَا َل(( :أُمُّك)) قَا َل :ث ُ َّم مَ ْن؟
ص َ
ح ْس ِن َ ﷺ ،ف َ َقا َل :مَ ْن أ َ َح ُّق الن َّ ِ
اس بِ ُ
ك)) قَا َل :ث ُ َّم مَ ْن؟ قَا َل(( :ث ُ َّم أَبُو َك))(.)2
قَا َل(( :ث ُ َّم أُمُّك)) قَا َل " :ث ُ َّم مَ ْن؟ قَا َل(( :ث ُ َّم أُمُّ َ
ولهذا قدَّم "القاضي عياض" األ َّم على األب في ح ِّق الن َّفقة إذا لم يتَّسع اإلنفاق َّ
إال على
أحدهما.
نفسهُ
نصب َ وهض ِمه واالستعالء عليها ،بل َّ ِ بي ﷺ من التَّعدِّي على ح ِّقها بل ح َّذر الن َّ ُّ
خصماً لمن يريد التَّعدِّي على ح ِّقها وح ِّق اليتيم أيًّا كان ،ف َع ْن أَبِي ه َُريْ َرةَ رضي اهلل عنه
الض ِعي َفيْ ِن :الْيَتِي ِم َوال ْ َم ْرأ َ ِة))(.)3
َع ِن النَّبِ ِّي ﷺ قَا َل(( :اللَّ ُه َّم إِنِّي أ ُ َح ِّر ُج َح َّق َّ
عالن في "دليل بي ﷺ بقوله(( :اللَّه َّم))؛ أي :أشه ُد َك يا اهلل ،ولذلك قال اب ُن َّ
فالن َّ ُّ
الصالحين" ("(( :)91 /3إن ِّي ِّ
أحرج" :من الحرج :وهو اإلث ُم، الفالحين شرح رياض َّ
حرج ح َّق ُهما وبالغ في المنع
الضعي َفي ِن :اليتيم والمرأة)) :وإنَّما َّ
والصيغةُ للمبالغة(( ،ح َّق َّ
ِّ
ويحاج عنهما سوى المولى سبحانه وتعالى،
َّ منه؛ ألنَّهما ال ملجأ لهما يلتجئان إليه
ض العه َد الَّذي بينه وبين اهلل ،فالن َّ ُ
اقض للعهد حقي ٌق بأنواع فالمتعرضُ لهما كأنَّهُ ن َق َ
ِّ
الرجال فإ َّن الغالب منهم َم ْن يعتمد على ق َّوته أو ق َّوة َم ْن
ال َوبال ،وهذا بخالف الكامل من ِّ
يركن إليه ،ويع ِّول في أمره عليه من مخلوقٍ مثله ،ومن اعت َّز بغير اهلل ذ َّل)).
60
الشبهة الثَّانية :امتهان اإلسالم لعقليَّة المرأة باعتبار شهادتها تعدل نصف شهادة َّ
الرجل ُّ
مضمون ُّ
الشبهة:
ٍ
إنسان ،وذلك نصف
َ الرجل والمرأة أ َّن اإلسالم قد جعل المرأةَ
يزع ُم دعاةُ المساواة بين َّ
الرجل ،ويستدل ُّون خطأ ً على ذلك بقول اهلل ﷻ:
نصف شهاد ِة َّ
َ عندما جعل شهادتَها تعدل
ض ْو َن است َْش ِهدُوا َش ِهي َديْ ِن ِم ْن ِر َجال ِ ُك ْم ف َ ِإ ْن ل َ ْم يَ ُكونَا َر ُجلَيْ ِن ف َ َر ُج ٌل َوامْ َرأَت َ ِ
ان ِم َّم ْن ت َ ْر َ ﴿ َو ْ
الش َهدَا ِء﴾ [البقرة ،)1(]282 :ويسعون من وراء ذلك إلى ال َّطعن في سالمة أحكام المرأة
ِم َن ُّ
في اإلسالم.
61
واحتماالت اإليذاء
ُ احتماالت التَّحيُّز لقراب ٍة،
ُ فإذا تح َّققت صفةُ العدالة وانتفت
لخصومة ،كان ال ب َّد بعد ذلك من أن يتح َّقق ال َق ْد ُر الَّذي ال ب َّد منه من االنسجام بين
الشاهد والمسألة الَّتي يشهد بشأنها.
شخص َّ
فإن لم يتح َّقق هذا القد ُر الَّذي ال ب َّد منه؛ ُردَّت َّ
الشهادة رجالً كان َّ
الشاهد أو امرأة ،وإن
تفاوتت العالقة بين المسألة الَّتي تحتاج إلى شهادة وبين فئات من الن َّاس؛ كانت األولويَّة
أكثر صلةً بهذه المسألة وتعامُالً معها بقطع الن َّظر عن ال ُّذكورة واألنوثة.
لشهادة من هو ُ
ولو كان األمر متعلِّقاً بوصف ال ُّذكورة واألنوثة ل َ َما كانت األولويَّة لشهادة المرأة في أمور
ِّ
والشراء) م َّما ح َ
ضانة والن َّ َسب وغي ِرها (وهي أخطر بكثير من موضوع البيع الرضاعة وال َ
َّ
الرجال؛ ول َ َما كانت األولوية لشهادة النِّساء في ك ِّل
الصلةُ فيه مع النِّساء أكثر من ِّ
تقوم ِّ
خصومة جرت بين النِّساء بعضه َّن مع بعض أيًّا كان سببُها.
ولو كان األمر كذلك ل ُقبِلت شهادةُ رجل في وصف جريمة وقعت ،بعد أن ثبت أ َّن
الحس والوجدان.
ِّ عاطفي النَّزْعة ،رقيق المشاعر ،مرهف
ُّ َّ
الشاهد رجل
الصفات فإ َّن شهادته ومن المعلوم أن َّه إذا ثبت لدى القاضي ات ِّصافُ هذا َّ
الرجل بهذه ِّ
تصبح غير مقبولة ،إذ ال ب َّد أن يقوم من ذلك دلي ٌل على أ َّن صلته بالمسائل ال ُ
ج ْرميَّة
وقدرته على معاينتها ضعيفةٌ أو معدومة ،وهو األمر الَّذي يُف ِقدُه أهليَّةَ َّ
الشهادة عليها.
إذن :فالـ َمدا ُر على شرط ال ب َّد منه هو المحور واألساس :وهو أن تكون بين َّ
الشاهد
والموضوع الَّذي يشهد فيه صلةٌ قويَّة قائمة ،أيًّا كان َّ
الشاهد رجالً أو امرأة.
62
وليس المدار على ال ُّذكورة من حيث هي ،كما أ َّن المانع أو المض ِّعف َّ
للشهادة إن َّما هو
الصلة بينهما ،وليس المانع األنوثة من حيث هي(.)1
انعدام هذه ِّ
الشهادة" و"اإلشهاد" الَّذي وتفصيل ذلك :أ َّن أساس هذه ُّ
الشبهة هو خلط مثيريها بين " َّ
الشهادة الَّتي يعتمد عليها القضاءُ في اكتشاف العدل
تتحدَّث عنه هذه اآلية الكريمة؛ ف َّ
المؤسس على البيِّنة ،واستخالصه من ثنايا دعاوى الخصوم ال تتَّخذ من ال ُّذكورة أو
َّ
األنوثة معياراً لصدقها أو كذبها ،ومن ث َ َّم قبولها أو رفضها؛ وإن َّما معيارها تَح ُّقق اطمئنان
الشاهد ذكراً كان أو أنثى ،وبصرف الن َّظر
الشهادة بصرف الن َّظر عن جنس َّ
القاضي لصدق َّ
عن عدد ُّ
الشهود.
ضميرهُ إلى ظهور البيِّنة أن يعتمد شهادة رجلَين ،أو امرأت َين ،أو رجل
ُ فللقاضي إذا اطمأ َّن
وامرأة ،أو رجل وامرأت َين ،أو امرأة ورجلَين ،أو رجل واحد ،أو امرأة واحدة ،وال أثر
الشهادة الَّتي يحكم القضاءُ بناءً على ما يُق َّدم له من البيِّنات.
لل ُّذكورة أو األنوثة في َّ
( (1املرأة بني طغيان النظام الغريب ولطائف التشريع الرابين ،د .حممد سعيد رمضان البوطي.
( (2انظر :التفسري العصري اجلامع (.)88-80 /3
63
الشهادة" الَّتي يعتمد عليها القاضي في حكمه بين المتنازعين ،فهذه اآلية
وليس عن " َّ
مو َّجهةٌ لصاحب الح ِّق -ال َّديْن -وليس إلى القاضي الحاكم في الن ِّزاع.
الصحابة؛ حيث روى اإلمام أحمد وغيره(( :أ َّن الن َّ َّ
بي ﷺ ابتاع (أي :اشترى) فرساً من َّ
المشي وأبطأَ بي ﷺفرس ِه ،فأسرع الن َّ ُّ
بي ﷺ ليقضيه ثم َن ِ
أعرابي ،فاستتبعه الن َّ ُّ
ٍّ من
بي ﷺ األعرابي فيساومونه بالفرس ،ال يشعرون أ َّن الن َّ َّ
َّ األعرابي ،ف َط ِف َق رجا ٌل يعترضون
ُّ
الس ْوم على ثمن الفرس الَّذي ابتاعه به الن َّ ُّ
بي ﷺ، األعرابي في َّ
َّ ابتاعه ،حتَّى زاد بعضهم
بي الفرس فابت ْعهُ َّ
وإال بعتُهُ ،فقام الن َّ ُّ َ بي ﷺ فقال :إ ْن كنت مُبتاعاً هذا
األعرابي الن َّ َّ
ُّ فنادى
هلل ما األعرابي :ال وا ِ
ُّ األعرابي ،فقال(( :أوليس قد ابتعتُ ُه منك؟)) قال
ِّ ﷺ حين سمع نداء
64
بي ﷺ اس يَلُوذون بالن َّ ِّ
بي ﷺ(( :بلى قد ابتعتُهُ منك)) ،ف َط ِف َق الن َّ ُ بعت َ
ُك ،فقال الن َّ ُّ
ُك ،ف َم ْناألعرابي يقول :هل َّم شهيداً يشهد أنِّي بايعت َ
ُّ واألعرابي وهما يتراجعان ،ف َط ِف َق
ِّ
بي ﷺ لم يكن ليقول َّ
إال ح ًّقا ،حتَّى جاء لألعرابي :ويلَ َ
ك ،إ َّن الن َّ َّ ِّ جاء من المسلمين قال
األعرابي يقول :هل َّم شهيداً يشهد
ُّ األعرابي ،فطفق
ِّ بي ﷺ ومراجع ِة
خزيمةُ لمراجعة الن َّ ِّ
ُك ،قال خزيمة :أنا أشهد أنَّك قد بايعتَهُ .فأقبل الن َّ ُّ
بي ﷺ على خزيمةَ فقال(( :بم أنِّي بايعت َ
بي ﷺ شهادةَ خزيمةَ بشهادة رجلين.
تشهد؟)) فقال :بتصديقك يا رسول اهلل ،فجعل الن َّ ُّ
الرجالن هما المطلوبان في اآلية في األموال (.)1
و َّ
( (1رواه أمحد يف مسنده برقم ( ،)21883وأبو داود يف سننه برقم (.)3607
65
_ إذا لم يوجد َّ
إال شاه ٌد واحد لصاحب الح ِّق -الم َّد ِعي -كان على صاحب الح ِّق أن
الشاهد الثَّاني ،وذلك حسب التَّفصيل المذكور في
يحلف مع شاهده ،فيقوم يمينُهُ مَقام َّ
الفقه.
رجل واحد
ٍ ق اإلشهاد في آية سورة البقرة الَّتي تجعل شهادةَ المرأتين تَع ِد ُل شهادةَ
فطر ُ
ُ
ِ
وليست التَّشري َع المو َّجهَ إلى الخاصة،
َّ هي نصيحةٌ وإرشادٌ لصاحب ال َّديْن ذي ال َّطبيعة
خاصةٌ ب َديْ ٍن له مواصفاته ومالبساته،
َّ الشهادات والبيِّنات؛ إذ إنَّها
الحاكم والجامع لطرق َّ
وليست التَّشريع العامَّ في البيِّنات الَّتي تُظ ِهر العد َل فيحكم به القضاة.
الرجل الواحد إذا عرف صدقَهُ في غير الحدود ،ولم فيجوز للحاكم الحك ُم بشهادة َّ
أال يحكموا َّ
إال بشاهدين أو بشاهد وامرأتين ،وهذا ال يد ُّل على ح َّكام َّ
يوجب اهلل على ال ُ
أ َّن الحاكم ال يحكم بأق َّل من ذلك ،بل قد حكم رسو ُل اهلل ﷺ َّ
بالشاهد واليمين ،أو
بالشاهد فقط ،وليس ذلك مخالفاً لكتاب اهلل ﷻ عند َم ْن فهمه ،وليس بين حكم اهلل ﷻ
َّ
األعرابي وح َدهُ على رؤية هالل
ِّ بي ﷺ شهادةَ
وحكم رسوله ﷺ خالفٌ ،وقد قبل الن َّ ُّ
السلَ ِ
ب ،ولم يطالب القات َل بشاه ٍد الشاهد الواحد في قضيَّة َّ رمضان ،وأجاز ﷺ شهادة َّ
حين صريحة في ذلك.
الصحي َ آ َخ َر وال استحل َفهُ ،وهذه َّ
القصةُ وروايتُها في َّ
66
عدمُ ِخبْر ِة المرأة بالمعامالت الماليَّة في ذلك الوقت عند العرب ،حيث لم تكن المرأة
تباشر ذلك َّ
إال نادراً ،إذْ ليس من شأنها االشتغال بالمعامالت الماليَّة في الغالب.
المالي
ِّ فهذه مرحلة تأهيل للمرأة الَّتي كانت في مجتمع تُمن َع فيه من المشاركة في العمل
مرس بالحياة ،فتكون هذه مرحلة أولى بالمشاركة ،الَّتي
والحياتي ،فيفقدها خبرة التَّ ُّ
ِّ
تعينها فيها امرأة أخرى ،تقوية لها ولموقفها ،تليها مرحلة أخرى تتقن فيها المرأة فنون
ق مثالً ،واضعاً
الر ِّ
الحياة الماليَّة وغيرها ،فيتغيَّر حكمها ،كما تد َّرج اإلسالم في إنهاء ِّ
التَّشريع هدف إنهائه في فترة ما.
وتفصيل ذلك :أ َّن م َّما يد ُّل على قيمة شهادة المرأة في اإلسالم أ َّن شهادتها قد تتساوى
الرجل في بعض األمور ،بل قد تفوق شهادتُها شهادتَه في أمور أخرى ،م َّما
مع شهادة َّ
يؤ ِّكد أ َّن شهادتها ليست مهملة أو نصف شهادة على ال َّدوام.
67
ومن القضايا ما تقبل فيه شهادةُ المرأ ِة وحدَها ،وهي القضايا الَّتي لم تج ِر العادةُ با ِّطالع
الرجال على موضوعاتها ،كال ِوالدة والبِكارة و ُعيُوب النِّساء في المواضع الباطنة ،قال
ِّ
الرضاع ،والوالدة ،والحيض ،والع َّدة، الفقهاء( :ويُقبَ ُل فيما ال ي َّط ِلع عليه ِّ
الرجال ،مثل َّ
وما أشبهها شهادةُ امرأ ٍة عدل ،ال نعلم بين أهل العلم خالفاً في قبول شهادة النِّساء
المنفردات في الجملة)(.)1
ت ِخيا ُر الفسخ وتُق َّدمُ شهادةُ المرأة أحياناً على شهادة َّ
الرجل بعد سماع َّ
الشهادتين" :يثبُ ُ
لعيب يجده في صاحبه ،وإن اختلفا في عيوب النِّساء أ ُ ِريَت
ٍ لك ِّل واحد من ال َّزوجين
وج َّ
وإال فالقو ُل قو ُل النِّساء الثِّقات ،ويُقبَ ُل فيه قو ُل امرأة واحدة ،فإن شهدت بما قال ال َّز ُ
المرأة"(.)3
وباإلضافة إلى ك ِّل ما ذكرناه :لو كانت األنوثة وال ُّذكورة تلعبان دوراً في قيمة َّ
الشهادة
الرجل على شهادة المرأة في باب اللِّعان؛ أي :لكانت
ومدى شرعيَّتها لسمت شهادةُ َّ
شهاداتُها األرب ُع بقيمة شهادَتين فقط من شهاداته ،ولك َّن الواقع أنَّها متساويات.
68
مرات بأ َّن زوجها كاذب وتُع َطى ال َّزوجةُ الَّتي ت ُ ِ
نكر هذه التُّ ْهمة الفرصةَ ذاتَها ،فت ِ
ُقس ُم أرب َع َّ
فيما يتَّه ُمها به ،ويتبيَّن من ذلك أ َّن أحدهما كاذب َّ
بالضرورة.
الشاهد في هذا :أ َّن األيمان األربعة الَّتي يؤدِّيها ك ٌّل منهما تنزَّل منزلة َّ
الشهادات ومح ُّل َّ
الشهادات األربع الَّتي تنكرها ،وهو األمر الَّذي األربع الَّتي تُثبِ ُ
ت الزِّنا ،وهي مكافئة لقيمة َّ
يؤ ِّكد أ َّن األنوثة وال ُّذكورة بح ِّد ذاتهما ال دخل ٍّ
ألي منهما في قيمة َّ
الشهادة.
اإللهي الَّذي يتض َّمن ذلكَ ﴿ :والَّذي َن يَ ْرمُو َن أ َ ْز َوا َج ُه ْم َول َ ْم يَ ُك ْن ل َ ُه ْم ِّ نص البيان وإليك ُّ
خا ِم َسةُ أ َ َّن
الصا ِدقِي َن * َوال ْ َ ُش َهدَاءُ إ َِّال أَن ْ ُف ُس ُه ْم ف َ َش َهادَةُ أ َ َح ِد ِه ْم أ َ ْرب َ ُع َش َهاد ٍ
َات بِاهلل إِنَّهُ ل َ ِم َن َّ
اب أ َ ْن ت َ ْش َه َد أ َ ْرب َ َع َش َهاد ٍ
َات بِاهلل إِن َّ ُه ت اهلل عَلَيْ ِه إِ ْن َكا َن ِم َن ال ْ َكا ِذبِي َن * َويَ ْد َرأ ُ َعن ْ َها ال ْ َع َذ َ
ل َ ْعن َ َ
ب اهلل عَلَيْ َها إِ ْن َكا َن ِم َن َّ
الصا ِدقِي َن﴾ [النُّور.]9 - 6 : خا ِم َسةَ أ َ َّن َغ َ
ض َ ل َ ِم َن ال ْ َكا ِذبِي َن * َوال ْ َ
إ َّن َّ
الشريعة اإلسالميَّة ات َّجهت إلى تعزيز َّ
الشهادة في القضايا الماليَّة بصورة مطلقة بشهادة
الشهادة عُرضةً لالت ِّهام ،ولم يعتبر أح ٌد
الرجل األ َّول ،حتَّى ال تكون َّ
رجل آخر إلى جانب َّ
الرجل ما دام ذلك
ماسا بكرامة َّ
الرجل هنا وتعزيزها بشهادة رجل آخر ًّ
تنصيف شهادة َّ
الرجل لم ت ُقبَل ُّ
قط وح َدهُ التَّعزيز أضمن لحقوق الن َّاس ،وزيادة على ذلك فإ َّن شهادة َّ
حتَّى في أت َف ِه القضايا الماليَّة ،غير أ َّن المرأة قد امتازت على َّ
الرجل في سماع شهادتها
أخطر من َّ
الشهادة على األمور التَّافهة ،وذلك كما هو معلوم ُ الرجل ،فيما هو
وحدها دون َّ
69
الشهادة على الوالدة وما يلحقها من ن َ َس ٍ
ب وإرث ،وفي هذا ردٌّ بليغ على من يتَّهم في َّ
الشهادة (.)1
الرجل على المرأة في َّ
اإلسالم بتمييز َّ
70
الشبهة الثَّالثة :ميراث المرأة.
ُّ
وغالب
ُ ط ذلك كلُّه بتشريعات اإلسالم،
ظلم واضطهاد المرأة والتَّقليل من شأنها ،ويُرب َ ُ
من يتحدَّثون عن هذا الجزء من اآلية ربَّما ال يحفظون كلمةً قبله أو بعده ،وإنَّما يظنُّون أ َّن
توزيع اإلرث في اإلسالم ليس فيه َّ
إال هذه القاعدة ،وهنا ينبغي أن ِّ
نوضح ما يأتي:
يُو َج ُد في اإلسالم نظا ٌم متكام ٌل لإلرث ،وهو مرتبط بشكل وثيق مع نظام النَّفقة ،وتحديد
المسؤوليَّات وتوزيعها بشكل عادل ،فك ُّل من يأخذ نصيباً زائداً من اإلرث تكون عليه
مسؤوليَّة إضافيَّة في النَّفقة ،لذلك من الخطأ تماماً النَّظر إلى بعض جزئيَّات تقسيم اإلرث
في اإلسالم بمعزل عن باقي التَّشريعات المرتبطة بالنَّفقة وشؤون األسرة عموماً.
الشبُهات المثارة حول نقصان ِّ
حظ المرأة من تركة مو ِّرثيها ولكن قبل الشروع في َس ْر ِد ُّ
ودحضها ال ب َّد من الحديث عن آلية وفلسفة الميراث في اإلسالم ،والمعايير الَّتي
استنبطها العلماء من آيات الميراث ،والَّتي بناءً عليها يت ُّم توزيع الميراث بين الورثة،
أكثر أو مساوياً لهذا ،وال ب َّد من تحديد األدل َّة على وجوب توريث
فيأخذ هذا ح ًّظا أق َّل أو َ
آيات القرآن الكريم. النِّساء ،ومن ذلك ما َّ
أقرتهُ ُ
أ َّوالً :معايير التَّفاوت في أنصبة الميراث بين الورثة:
معايير التَّفاوت في أنصبة الميراث ال عالقة لها بالجنس ذكورةً أو أنوثةً على اإلطالق،
ُ
على غير ما يحسب ويظ ُّن الكثيرون ،وإنَّما معايير هذا التَّفاوت ثالثة:
71
أقرب إلى الـ ُم َو ِّرث زاد نصيبه في الميراث.
َ ُ
الوارث - 1درجة القرابة :فكلَّما كان
- 2موقع الجيل الوارث في تسلسل األجيال :وتلك حكمة إلهيَّة بالغة في فلسفة
جيل يستقبل الحياة وأعباءها ،وأمامه
ٍ أصغر من
َ اإلسالم للميراث؛ فكلَّما كان الوارث
المسؤوليَّات المتنامية كان نصيبُهُ من الميراث أكبر ،فمثالً :اب ُن المتوفَّى يرث أكثر من أب
وبنت المتوفَّى ترث أكثر من أمِّه ،مع أ َّن كلتيهما أنثى ،بل إ َّن
ُ المتوفَّى ،مع أ َّن كليهما ذَ َك ٌر،
72
َان َو ْاألَق ْ َربُو َن ِم َّما ق َ َّل ِمنْهُ أ َ ْو َكثُ َر ن َ ِصيبًا مَ ْف ُر ً
وضا﴾ [النِّساء.)1(]7 : ال ْ َوالِد ِ
المرأة في اإلرث ثابت ،ولو من القليل التَّافه الَّذي يخلِّفه الميت ،م َّما يدفع َّ
أي
هرب من إعطاء المرأة ما تستح ُّقه بعطاء اهلل لها.
الريب أو التَّ ُّ للش ِّ
ك أو َّ احتمال َّ
ٍ
وضا﴾ [النِّساء ،]7 :يُبيِّ ُن أنَّه فضالً ع َّما ذُكر من أ َّن نصيب
-قوله تعالى﴿ :ن َ ِصيبًا َم ْف ُر ً
كرر ذكر هذا ثابت وجاء في أ َّول اآلية ﴿ َولِلن ِّ َسا ِء ن َ ِص ٌ
يب﴾ فإ َّن اهلل تعالى َّ ٌ المرأة
أي لبس ،وإلثبات هذا الح ِّق ثبوتاً
الن َّصيب مع توكيده بكلمة (مفروضاً)؛ إلزالة ِّ
قطعيًّا.
ق اثْنَتَيْ ِن فَلَ ُه َّن
- 2أثبت القرآن ح َّق األ ِّم في اإلرث ،فقال ع َّز من قائل﴿ :ف َ ِإ ْن ُك َّن نِ َساءً ف َ ْو َ
ُس ِم َّما ت َ َر َك إِ ْن ف َو ِألَب َ َويْ ِه ل ِ ُك ِّل َو ِ
اح ٍد ِمن ْ ُه َما ُّ
السد ُ اح َدةً فَلَ َها الن ِّ ْ
ص ُ ثُلُثَا مَا ت َ َر َك َوإِ ْن َكان َ ْ
ت َو ِ
ُس
السد ُ ث ف َ ِإ ْن َكا َن لَهُ إِ ْخ َوةٌ ف َ ِأل ُ ِّم ِه ُّ َكا َن لَهُ َول َ ٌد ف َ ِإ ْن ل َ ْم يَ ُك ْن لَهُ َول َ ٌد َو َو ِرثَهُ أَب َ َواهُ ف َ ِأل ُ ِّم ِه الثُّلُ ُ
ب ل َ ُك ْم ن َ ْفعًا ف َ ِر َ
يضةً وصي بِ َها أ َ ْو دَيْ ٍن آبَا ُؤ ُك ْم َوأَبْنَا ُؤ ُك ْم َال ت َ ْد ُرو َن أَيُّ ُه ْم أَق ْ َر ُ صيَّ ٍة يُ ِ ِم ْن ب َ ْع ِد َو ِ
ِم َن اهلل إِ َّن اهلل َكا َن َع ِلي ًما َح ِكي ًما﴾ [النِّساء.)3(]11 :
الرب ُ ُع ِم َّما ت َ َر ْكتُ ْم إِ ْن ل َ ْم يَ ُك ْن ل َ ُك ْم َول َ ٌد ف َ ِإ ْن
- 3وأثبت ح َّق ال َّزوجة ،فقال سبحانهَ ﴿ :ول َ ُه َّن ُّ
وصو َن بِ َها أ َ ْو دَيْ ٍن﴾ [النِّساء.)4(]12 : َكا َن ل َ ُك ْم َول َ ٌد فَلَ ُه َّن الثُّ ُم ُن ِم َّما ت َ َر ْكتُ ْم ِم ْن ب َ ْع ِد َو ِ
صيَّ ٍة ت ُ ُ
73
ظ ْاألُنْثَيَيْ ِن وصي ُك ُم اهلل فِي أ َ ْو َال ِد ُك ْم لِل َّذ َك ِر ِمثْ ُل َح ِّ - 4وأثبت ح َّق البنت ،فقال سبحانه﴿ :يُ ِ
ف َو ِألَب َ َويْ ِه ل ِ ُك ِّل
ص ُ اح َدةً فَلَ َها الن ِّ ْ ت َو ِ ق اثْنَتَيْ ِن فَلَ ُه َّن ثُلُثَا مَا ت َ َر َك َوإِ ْن َكان َ ْ
ف َ ِإ ْن ُك َّن نِ َساءً ف َ ْو َ
ُس ِم َّما ت َ َر َك إِ ْن َكا َن لَهُ َولَدٌ﴾ [النِّساء.)1(]11 : السد ُ َو ِ
اح ٍد ِمن ْ ُه َما ُّ
ث َك َاللَةً أ َ ِو امْ َرأَةٌ َولَهُ أ َ ٌخ أ َ ْو
- 5وأثبت ح َّق األخت ،فقال سبحانهَ ﴿ :وإِ ْن َكا َن َر ُج ٌل يُو َر ُ
ث﴾ [النِّساء: ك ف َ ُه ْم ُش َر َكاءُ فِي الثُّلُ ِ ُس ف َ ِإ ْن َكانُوا أ َ ْكثَ َر ِم ْن ذَل ِ َ
السد ُ أ ُ ْخ ٌ
ت ف َ ِل ُك ِّل َو ِ
اح ٍد ِمن ْ ُه َما ُّ
.)2(]12
74
البخاري أيضاً في "ميراث البنات" من طريق األسود بن يزيدَ ،قال :أتانا معاذ
ُّ وأخرج
رجل توف ِّ َي ،وترك ابنته وأخته ،فأعطى االبنة
ٍ بن جبل باليمن معلِّماً وأميراً ،فسألناه عن
الن ِّصف ،واألخت الن ِّصف.
ت َوابْن َ ِة اب ْ ٍن َوأ ُ ْخ ٍ
ت ،ف َ َقا َل: ((سئِ َل أَبُو مُ َ
وسى َع ْن بِن ْ ٍ – 3عن ُه َزيْل بْن ُش َر ْحبِي َل ،قَا َلُ :
ت اب ْ َن مَ ْسعُو ٍد ،ف َ َسيُتَابِ ُعنِي ،ف َ ُسئِ َل اب ْ ُن مَ ْسعُو ٍد، فَ ،وأ ْ ِص ُ ت الن ِّ ْ فَ ،ول ِ ْأل ُ ْخ ِ ص ُ لِلْبِن ْ ِ
ت الن ِّ ْ
ضى ت إِذًا َومَا أَنَا ِم َن ال ُم ْهتَ ِدي َن ،أَق ْ ِضي فِي َها بِ َما ق َ َ ضلَلْ ُوسى ف َ َقا َل :ل َ َق ْد َ َوأ ُ ْخبِ َر بِ َق ْو ِل أَبِي مُ َ
ت» ،فَأَت َيْنَا ُس ت َ ْك ِملَةَ الثُّلُثَيْ ِنَ ،ومَا ب َ ِق َي ف َ ِل ْأل ُ ْخ ِ فَ ،و ِالبْن َ ِة اب ْ ٍن ُّ
السد ُ ص ُ النَّبِ ُّي ﷺ« :ل ِ ِ
البْن َ ِة الن ِّ ْ
وسى فَأ َ ْخبَ ْرنَاهُ بِ َق ْو ِل اب ْ ِن مَ ْسعُو ٍد ،ف َ َقا َل :الَ ت َ ْسأ َلُونِي مَا دَامَ َه َذا ال َ
حبْ ُر فِي ُك ْم))(.)1 أَبَا مُ َ
ْت َجابِ ًرا ،قَا َل" :دَ َخ َل عَلَ َّي النَّبِ ُّي ﷺ َوأَنَا ح َّم ِد ب ْ ِن ال ُمن ْ َك ِد ِر ،قَا َلَ :س ِمع ُ َ - 4ع ْن ُم َ
ت :يَا َر ُسو َل اهلل ،إِن َّ َما ضوئِ ِه فَأَف َ ْق ُ
ت ،ف َ ُقلْ ُ ضأَ ،ث ُ َّم ن َ َ
ض َح عَلَ َّي ِم ْن َو ُ ضو ٍء فَتَ َو َّ
يض ،ف َ َدعَا بِ َو ُ
مَ ِر ٌ
ت آيَةُ ال َف َرائِ ِ
ض"(.)2 لِي أ َ َخ َو ٌ
ات ،فَنَزَل َ ْ
يع بِابْنَتَيْ َها ِم ْن َس ْع ٍد إِلَى َر ُس ِ َ َ - 5ع ْن َجابِ ِر ب ْ ِن َعبْ ِد اهلل قَا َلَ :جاءَ ْ
ول اهلل ت امْ َرأةُ َس ْع ِد ب ْ ِن َّ
الربِ ِ
َك يَ ْو َم أ ُ ُح ٍد َش ِهيدًا،
يع ،قُتِ َل أَبُو ُه َما َمع َ ان ابْنَتَا َس ْع ِد ب ْ ِن َّ
الربِ ِ ﷺ ،ف َ َقال َ ْ
ت :يَا َر ُسو َل اهلل ،هَات َ ِ
ان إ َِّال َول َ ُه َما َما ٌل( ،أي :ال
ح ِ َوإِ َّن َع َّم ُه َما أ َ َخ َذ مَال َ ُه َما ،فَلَ ْم يَ َد ْع ل َ ُه َما َم ً
االَ ،و َال تُن ْ َك َ
َث َر ُسو ُل اهلل ﷺ إِلَى
اث ،فَبَع َ
ير ِ ك)) فَنَزَل َ ْ
ت :آيَةُ ال ِم َ تُز َّوجان) قَا َل(( :يَ ْق ِضي اهلل فِي ذَل ِ َ
ْط أُمَّ ُه َما الثُّ ُم َنَ ،ومَا ب َ ِق َي ف َ ُه َو ل َ َ
ك))(.)3 ْط ابْنَتَ ْي َس ْع ٍد الثُّلُثَيْ ِنَ ،وأَع ِ
َع ِّم ِه َما ،ف َ َقا َل(( :أَع ِ
َصبَ ِة؛ ِألَن َّ ُه ْماب قَا َلَ :ما أ َ َرى ال ِّديَةَ إ َِّال لِلْع َ ب ،أ َ َّن ُع َم َر ب ْ َن ال ْ َ
خ َّط ِ َ - 6ع ْن َس ِعي ِد ب ْ ِن ال ْ ُم َسيِّ ِ
حا ُك ب ْ ُن الض َّك َشيْئًا؟ ف َ َقا َل َّ ول اهللِ ﷺ فِي ذَل ِ َ يَ ْع ِقلُو َن َعنْهُ ،ف َ َه ْل َس ِم َع أ َ َح ٌد ِمن ْ ُك ْم ِم ْن َر ُس ِ
َب إِل َ َّي َر ُسو ُل اهللِ اب َ -كت َ استَ ْع َملَ ُه َر ُسو ُل اهللِ ﷺ عَلَى ْاألَع َْر ِ ُس ْفيَا َن ال ْ ِك َالبِ ُّي َ -و َكا َن ْ
خ َّط ِ
اب ك ُع َم ُر ب ْ ُن ال ْ َ الضبَابِ ِّي ِم ْن ِديَ ِة َز ْوجِ َها)) ،فَأ َ َخ َذ بِ َذل ِ َ
ث امْ َرأَةَ أ َ ْشيَ َم َّ
ﷺ(( :أ َ ْن أ ُ َو ِّر َ
75
.)1(
اس رضي اهلل عنهما في قوله تعالى﴿ :يَا أَيُّ َها الَّذي َن آمَنُوا الَ يَ ِح ُّل ل َ ُك ْم أ َ ْن
َ - 7ع ِن اب ْ ِن َعبَّ ٍ
قَا َل: ()2
[النِّساء]19 : ْض مَا آتَيْتُ ُمو ُه َّن﴾ْضلُو ُه َّن لِتَ ْذ َهبُوا بِبَع ِ ت َ ِرثُوا النِّساء َك ْرهًاَ ،والَ تَع ُ
الرجل َكا َن أ َ ْولِيَا ُؤهُ أ َ َح َّق بِامْ َرأَتِ ِه ،إِ ْن َشاءَ بَع ُ
ْض ُه ْم ت َ َز َّو َج َها َوإِ ْن َشاؤوا ات َّ (( َكانُوا إِذَا مَ َ
ت َه ِذ ِه اآليَةُ فِي َز َّو ُجوهَاَ ،وإِ ْن َشاؤوا ل َ ْم يُ َز ِّو ُجوهَا ،ف َ ُه ْم أ َ َح ُّق بِ َها ِم ْن أ َ ْه ِل َها ،فَنَزَل َ ْ
ذَل ِ َ
ك»(.)3
الشريفة الَّتي تُثبِ ُ
ت ح َّق المرأة في اإلرث ،وتركنا وهذه بعض من األحاديث الن َّبويَّة َّ
ذكر َكثي ٍر من األحاديث الن َّبويَّة َّ
الشريفة خشية اإلطالة.
ثالثاً :حاالت توريث المرأة:
ظ ْاألُنْثَيَيْ ِن﴾ وكأنَّها قاعدة في ك ِّل توريث بين ال َّذكر
إ َّن تعميم حالة ﴿لِل َّذ َك ِر ِمثْ ُل َح ِّ
واألنثى هو تعميم غير صحيح ،وإنَّما هي حالة ضمن عدَّة حاالت أخرى وفق ما يأتي:
حاالت الميراث أرب ٌع وثالثون حالةً ،منها:
-1أربع حاالت يتف َّوق فيها ال َّذكر على األنثى فقط.
-2عشر حاالت تتساوى فيها األنثى مع ال َّذكر.
-3عشر حاالت تتف َّوق فيها األنثى على ال َّذكر.
ب األنثى ال َّذ َ
كر من الميراث ،وال يرث. ج ُ -4عشر حاالت ت َ ْ
ح ُ
تفصيل حاالت الميراث:
الرجل ،ولذلك أربع صور ،هي اآلتية:
الحالة األولى :أن ترث المرأة نصف َّ
.1إذا ورثت المتوفَّى ابنتُ ُه مع ابنه.
بنت ابنِ ِه مع ابن ابنه.
.2أو ُ
76
الشقيقةُ مع أخيه َّ
الشقيق. .3أو أختُهُ َّ
.4أو أختُهُ ألب مع أخيه ألب.
77
العشرة سيشتركون في نصف الميراث ،وهذا يعني أ َّن بنت المتوفَّى وحدها ستأخذ
نصف التَّركة ،وك ُّل واحد من اإلخوة سيأخذ واحداً من عشرين جزءاً من التَّركة.
الصورة الثَّالثة :إذا توفِّي شخص وترك بنتين وثالثة أعمام ،فإ َّن نصيب البنتين معا هو
ُّ
َصبة ،فسيأخذون الباقي ،أي :إ َّن األعمام
الثُّلثان من الميراث ،واألعمامُ الثَّالثة هنا ع َ
الثَّالثة سيشتركون في باقي الميراث ،وهو الثُّلث ،وهذا يعني أ َّن ابنتَي المتوفَّى وحدهما
ستأخذان ثلثي التَّركة ،وك ُّل واحد من األعمام سيأخذ جزءاً من تسعة أجزاء من التَّركة.
الرجل ولهذه الحالة صور ،منها:
الرابعة :أن ترث المرأة وال يرث َّ
الحالة َّ
فإذا توفِّي شخص وترك بنتًا وأختًا شقيقة وأ ًخا ألب ،فإ َّن البنت ستأخذ نصف الميراث،
َصبة مع البنت فستأخذ الباقي ،وك ٌّل من البنت واألخت َّ
الشقيقة واألخت َّ
الشقيقة هنا ع َ
األخت َّ
الشقيقة فسيكون ُ معاً سيحجبان األخ ألب ،ولن يرث شيئًا ،بينما لو لم توجد
األخ ألب عصبة ،وسيأخذ هو الباقي ،وهذا يعني أ َّن األخت َّ
الشقيقة مع البنت حجبتا
األخ ألب.
78
ُّ
الشبهة الرابعة :مشاركة المرأة في الحياة العامَّة
إ َّن وجود المرأة في عصرنا هذا ضمن ميادين الحياة العا َّمة أصبح أمراً أساسيًّا وضروريًّا
والسياسة وغير ذلك ،وهذا ما
ال غنى عنه في كثير من مجاالت العلم والعمل واالقتصاد ِّ
درجت عليه أغلب الدُّول والمجتمعات اليوم ،وأمام هذه َّ
الضـرورة برزت العديد من
بعضها في غاية التَّشدُّد يرى أ َّن المرأة يجب أن تبقى حبيسة البيت ال تخرج منه ،وأنَّه ال
ُ
المتطرفة
ِّ وقد رأينا أنموذج ذلك في الدُّويالت المتشدِّدة الَّتي أقامتها المجموعات
كطالبان والقاعدة وداعش وغيرهم.
وبين الفريقين كانت غالبيَّةُ األمَّة بمنهج الوسطيَّة واالعتدال ،فأعطت المرأةَ حقوقَها في
العلم والعمل والمشاركة في الحياة بميادينها كافَّة ،ولكن بما يتناسب مع طبيعتها
األساسي في بيتها ومع زوجها وأوالدها.
َّ وشخصيَّتها وال يُغ ِف ُل دورها
79
الرجل بكافَّة األوامر اإللهيَّة المتعلِّقة
اإلسالمي مكلَّفة ك َّ
ِّ -المرأة في التَّشـريع
ق القرآ ُن أبداً بين رجل يفر ُ
بالعبادة والتَّشـريع واألخالق وعمارة األرض ،وال ِّ
وامرأة في ذلك ،وعليه :فإ َّن من مقتضيات هذا التَّكليف أ َّن المرأة مأمورة بالتَّعلُّم
نبوي
ٌّ قرآني أو
ٌّ والعمل لتحقيق هذه الغاية الَّتي ُخلقت من أجلها ،وال يوجد ٌّ
نص
يمنع المرأة من هذا الح ِّق ابتداءً ،وكذلك فإ َّن اآليات واألحاديث الَّتي َّ
حضت
بي ﷺ(( :مَن سلَ َ
ك تفرق أبداً بين رجل وامرأة ،كقول الن َّ ِّ
على العلم وأمرت به ال ِّ
س في ِه عل ًماَ ،س َّه َل اهللُ طري ًقا إلى الجن َّ ِة))( ،)1فالن َّ ُّ
ص عا ٌّم ليس فيه طري ًقا يلتَ ِم ُ
للرجل دون المرأة.
تخصيص َّ
بي ﷺ ،وسلَّ ْطنا المجهر عليها فسنجد الكثير من
-إذا نظرنا إلى واقع المرأة أيَّام الن َّ ِّ
َّ
الشواهد على مشاركة المرأة في الحياة االجتماعيَّة العامَّة ،فمن ذلك:
ت ح َّقها في إظهار رأيها وال ِّدفاع
باشر ْ
َ -للمرأ ِة حريَّةُ المناقشة وإبداء الرأي؛ فلقد
عنه ،فأعلنت وحا َّجت به وجادلت دونه ،قال اهلل ﷻ﴿ :ق َ ْد َس ِم َع اهلل ق َ ْو َل الَّتي
ك فِي َز ْوجِ َها َوت َ ْشت َِكي إِلَى اهلل َواهلل يَ ْس َم ُع ت َ َ
حا ُو َر ُك َما إِ َّن اهلل َس ِمي ٌع ب َ ِص ٌ
ير﴾ جا ِدل ُ َ
تُ َ
[المجادلة.)2(]1 :
ج َم ِع والجماعات واألعياد في المسجد ،وتصلِّي
-المرأة تخرج إلى صلوات ال ُ
80
رضي اهلل عنها قالت(( :كنَّا مع الن َّ ِّ
بي ﷺ نسقي ونداوي الجرحى ،ونردُّ القتلى
إلى المدينة))(.)1
بي ﷺ عن نسيبة بنت كعب المازنيَّة(( :رحم اهلل أمَّ عمارة ،ما -وكذلك قول الن َّ ِّ
التفت يميناً وال شماالً َّ
إال ورأيتها تقاتل دوني))(.)2 ُّ
-وكانت َّ
السيِّدة خديجة رضي اهلل عنها كذلك سنداً اقتصاديًّا وماليًّا عندما قدَّمت
مالها وتجارتها خدمة للدَّعوة.
81
ص دروساً للنِّساء ،ويخرج إليه َّن بناءً على طلبه َّن ،فعن أبي
يخص ُ
ِّ -كان الن َّ ُّ
بي ﷺ
الخدري ،قال :جاءت امرأةٌ إلى رسول اهلل ﷺ ،فقالت :يا رسول اهلل
ِّ سعيد
الرجا ُل بحديثك ،فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه ،تعلِّمنا م َّما علَّمك
ذهب ِّ
َ
اهلل ،فقال ﷺ(( :اجتَ ِم ْع َن يوم كذا وكذا)) ،فاجتم ْع َن ،فأتاه َّن رسول اهلل ﷺ
فعلَّ َمه َّن مما علَّمه اهلل(.)1
-إ َّن في مشاركة المرأة في الحياة االجتماعيَّة تنميةً لشخصيتها وإفادةً لمجتمعها؛
رات متن ِّوعةً ،بينما انعزالُها يَهبِط بشخصيَّتها ومستوى اهتماماتها،
ُكسبُها ِخبْ ٍ
فت ِ
الرصينة ،والن َّشاط ُ
األحاديث والحوارات َّ بشرط أن تتوف َّر في مجتمع المشاركة
الجادُّ المثمر ،في مجال العبادة أو العلم أو الفكر أو في مجال العمل
االجتماعي.
ِّ
-لقد كان الح ُّد األدنى من ك ِّل ذلك موجوداً على عهد الن َّ ِّ
بي ﷺ ،ويكون بقص ِد
ثقافي
ٍّ إشعاع
ٍ بوي مكاناً للعبادة ومرك َز
النِّساء المسجدَ ،فقد كان المسجد الن َّ ُّ
السواء.
للرجل والمرأة على َّ
واجتماعي َّ
ٍّ
-أمَّا الح ُّد األعلى المتميِّز فتمثَّل في بناته وأزواجه ﷺ أمَّ ِ
هات المؤمنين رضي اهلل
82
والسيرة طافحةٌ بآرائها
ِّ وكتب الفقه والحديث
ُ وتبيِّن لهم أحكام اهلل في عباده،
الصحابة في بعض المسائل. ِ
الجتهادات كبار َّ واجتهاداتها ،وأحياناً بمخالفتها
الرزين -وكانت َّ
السيِّدة أمُّ سلمة أمُّ المؤمنين رضي اهلل عنها كذلك ،صاحبة العقل َّ
السديد حالة ِشبْه ال ِعصيان الَّذي حصل
الصائبة ،والَّتي حلَّت برأيها َّ
والمشورة َّ
بعد صلح الحديبية.
-وعُرف عن َّ
السيِّدة حفصة بنت عمر أمِّ المؤمنين رضي اهلل عنها أنَّها كانت
المؤتمنة على أعظم مقدَّس من مقدَّسات المسلمين وهي نسخة المصحف
َّ
الشريف.
-وهذه َّ
السيِّدة ِّ
الشفاء بنت عبد اهلل القرشيَّة رضي اهلل عنها كانت من عاقالت النِّساء
صفات كانت نادرةً
ٍ وفُضاله َّن ،احتلَّت منزلةً مرموقةً بين نساء م َّكة؛ المتالكها
عند المرأة في ذلك العهد ،فهي تمثِّل المرأة المث َّقفة المتعلِّمة المتميِّزة ،أسلمت
83
ُرقْيَةَ الن َّ ْمل ِة كما علَّمتِيها الكتابة))( ،)1أي :إن َّها كانت طبيبةً ومعلِّمةً للقراءة
والكتابة ،وقد علَّمت الكثيرين.
خاص ٍة في صدر اإلسالم ،م َّما دفع
َّ عليمي َح ِظ َي بمكان ٍة
ُّ ربوي والتَّ
ُّ وهذا ال َّدور التَّ
والعلمي
ِّ االجتماعي
ِّ لشفاء" رضي اهلل عنها ولدورها بي ﷺ -تقديراً منه لـ "ا ِّ
بالن َّ ِّ
بإلحاح في هذا المجتمع -أن أَق ْ َطعَها داراً لتقيم بها مع ابنها.
ٍ المطلوب
خارج البيت ،وتلقى
َ -وكذلك َّ
السيِّدة أسماء بنت أبي بكر رضي اهلل عنهما تع َم ُل
البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي اهلل
ُّ الرجال أحياناً ،فقد روى اإلمامِّ
مملوك ،وال شي ٍء
ٍ ُّبير ،وما له في األرض من ٍ
مال وال عنهما ،قالت(( :تز َّوجني الز ُ
فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء ،وأخ ِر ُز (أي :أخيط)
ُ فرس ِه،
وغير ِ
َ ناضح
ٍ غير
َ
جارات لي من
ٌ حس ُن أَخبِزُ ،وكان يخب ُز
َغ ْربَهُ (أي :دلوه) وأعجن ،ولم أكن أ َ ِ
صدْق ،وكنت أنقل النَّوى من أرض ال ُّزبير الَّتي أقطعه رسو ُل
األنصار ،وك َّن نسوةَ ِ
اهلل ﷺ على رأسي ،وهي ِمن ِّي على ثُلُثي فرسخ ،فجئت يوماً والنَّوى على رأسي،
فلقيت رسو َل اهلل ﷺ ومعه ن َ َف ٌر من األنصار ،فدعاني ث َّم قال(( :إِ ْخ إِ ْخ)) لِيَحملَني
ُ
84
[الممتحنة]12: اهللَ َغ ُفو ٌر َر ِحي ٌم﴾ استَ ْغ ِف ْر ل َ ُه َّن َّ
اهللَ إِ َّن َّ وف فَبَايِ ْع ُه َّن َو ْ
ك فِي مَع ُْر ٍ
ْصين َ َ
يَع ِ
(.)1
اإلسالم ونظر إليها كانت محجوبـةً أو منعزلـةً أو محجــوراً عليهــا كمــا يقــو ُل بعـ ُ
ـض
ٍ
عادات وتقالي َد جاهليَّـة علــى أحكــام ِ
إسقاط أدعياء التَّشدُّد وكما يس ِّوقون ،من خالل
وإلباسها لَبُ َ
وس الدِّين. ِ َّ
الشريعة،
أمَّا ما ذُ ِكر من استدالل بعض المتش ِّددين بقوله تعالىَ ﴿ :وق َ ْر َن فِي بُيُوتِ ُك َّ
ن﴾ [األحزاب]33 :
خطاب ألمَّهات المؤمنين على وجه الخصوص ،وليس لعموم ٌ إ َّن سياق اآلية هو
المسلمات ،حيث ابتدأت اآليات بقوله تعالى﴿ :يَا أَيُّ َها النَّبِ ُّي ق ُ ْل ِأل َ ْز َواجِ َ
ك إِ ْن ُكنْتُ َّن ت ُ ِردْ َن
يال﴾ [األحزاب.]28 : حيَاةَ ال ُّدنْيَا َو ِزينَتَ َها فَتَعَالَيْ َن أُمَتِّ ْع ُك َّن َوأ ُ َس ِّر ْح ُك َّن َس َرا ًحا َج ِم ً
ال ْ َ
الخطاب لعموم النِّساء فإ َّن األمر بال َقرار بالبيت يعني :أ َّن األولويَّة هي
ِ وعلى فرض تو ُّجه
وإنَّما ُش ِرع الحجاب لترتديه المرأة عند خروجها من البيت وعند رؤيتها ِّ
للرجال أو
85
جة
جة مؤيِّدة لمشاركة المرأة في الحياة العامَّة وليس ح َّ
الكالم معهم ،فالدَّليل هنا هو ح َّ
ضدَّها.
86
ا ّ
لشبهة الخامسة :قضية العنف ض ّد المرأة ومنها ضرب المرأة.
أ َّوالً :شبهة زعم العنف ض َّد المرأة:
كرم اهلل تعالى اإلنسان رجالً كان أو امرأة بقولهَ ﴿ :ول َ َق ْد َك َّرمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [اإلسراء،)1(]70 :
َّ
وال يح ُّق بعد ذلك لذي ل ُ ٍّ
ب أن يثير قضية العنف ض َّد المرأة ويلصقها بالدِّين ،وخصوصاً
بعد بيان األهميَّة الكبرى الَّتي أوالها القرآن الكريم للمرأة ،حيث أكرمها ووضعهـا في
العنف فهو ظاهرةٌ إنسانيّةٌ ليست ِح ْكراً على شعب
ُ والسم ّو ،أمّا
أعلى درجـات االحترام ّ
الرجال
س من ّ
العنف يُما َر ُ
ُ من ّ
الشعوب وال جنس من األجناس ،فمنذ بدء الخليقة كان
ض َّد الن ّساء والعكس ،وعندما يقولون" :العنف ض َّد المرأة" فذلك ليست عنفاً ض َّد المرأة،
الحقيقة هو العنف ض َّد أنفسنا ،العنف ض َّد اإلنسانيّة؛ أل َّن المرأة هي األ ُّم ،هي األخت،
ت بِأ َ ِّ
ي الحقوق عندما كانت المرأة في ظ ّل الوأد ،قال اهلل تعالىَ ﴿ :وإِذَا ال ْ َم ْوءُودَةُ ُسئِلَ ْ
نب قُتِلَ ْ
ت﴾ [التكوير.)2( ]9-8 : ذَ ٍ
ضياع لحقوق المرأة أو إهانة لقدرها وظلمها ما هو إال من صنع
ٍ وإ َّن ك َّل ما نشاهده من
رب البشر ،ال في المسيحيّة وال في اإلسالم.
البشر ،وليس من شرع ِّ
لذلك استدعانا المقامُ للبحث في قضيَّة العنف ض َّد المرأة كدراسة تأصيليّة مه ّمة؛ من
الصحيحة. شأنها إلقاءُ ّ
الضوء على هذه القضيَّة وبيان حقيقتها ّ
87
ما هو العنف؟
ف بِ ِه وعليه ُعن ْفاً و َعناف َةً :أخ َذهُ بش َّدة وقسوة والمَـُه ،فهو -العنف في ال ّلغةَ :عن ُ َ
الرف ْق.
ف ض ُّد ِّ عنيف ،وال ُعن ْ ُ
-العنف في االصطالح :هو جمي ُع أشكال اإليذاء واالستغالل الَّتي تؤدِّي إلى ضرر
معنوي باألفراد أو الجماعات.
ّ جسدي أو
ّ
-تاريخ العنف:
العنف بطبيعة الحال ظاهرةٌ قديمة قِ َد َم اإلنسانيّة نفسها ،ومرافقةٌ للوجود؛ ألنَّها
ِ ظاهرةُ
العنف في
ُ ابني آدم "قابيل وهابيل" ،ث َّم تط َّور
الصراع بين ّ
بدأت ببدء الخليقة من خالل ّ
العصور األخيرة ليصبح أكثر تنظيماً وأكثر انتشاراً ،علماً بأ ّن العنف ال يح ُّل المشاكل ،بل
السلْبيّة الَّتي ت ُثقل الن َّفس وت ُؤدِّي إلى التَّعاسة
يزيدها تعقيداً ،والعنف مشحو ٌن بالمشاعر َّ
في الحياة.
والعنف يحمل أوجهاً متع ّددةً منها :اإلرهاب ،االستبداد ،الحرب ،االغتيال ،االغتصاب،
ُ
االنتقام ،والثَّأر ،...وعليه :فإ َّن مشاكل العنف تبدو غير متناهيّة فهي متج ِّددة بتج ُّدد
الحياة.
مفردات تد ُّل على مفاهيم
ٍ ومفردة العنف بلفظها لم ترد في القرآن الكريمَّ ،
إال أ ّن هناك
العنف في القرآن ،علماً أن َّها تتن َّوع من جهة المدح وال َّذمّ منها:
88
فسر الق َّوةَ بالعودة بها هو لمفردة" :الق ّوة" في القرآن الكريم إال أ َّن قرائن الن َّ ّ
ص ت ُ ِّ
إلى أكثر من معنى ،منها :الجِ ّد ،ال َع ْزم ،الثِّقة ،ال ُق ْدرة ،التَّح ُّمل.
-ومن مرادفات العنف :اإلرهاب ،وقد ورد في القرآن قوله تعالى﴿ :ت ُ ْر ِهبُو َن بِ ِه
َب َر ْهبَةً و َر َهباً، َع ُد َّو اهلل َو َع ُد َّو ُك ْم﴾ [األنفال ، ]60:وهو في اللّغة منَ :ره َ
()1
َب يره ُ
أي :خاف ،أي :ت ُ ِع ُّدون من ال ُع ّدة ما يخاف به عد ُّوكم معها من االعتداء عليكم،
ال أن َّكم تنشرون بها اإلرهاب بين الن ّاس كما يفعل الغرب اليوم ،على ذلك أجمع
المفسرون.
ِّ
األخالق الَّتي ندب لها القرآن الكريم:
اس أ َ ْن
حر ُم ال ُّظلْم فقال تعالىَ ﴿ :وإِذَا َح َك ْمتُ ْم بَيْ َن الن َّ ِ ب القرآ ُن الكريم العد َل ويُ ِّ يُوجِ ُ
يرا﴾ [النساء.)2( ]58 : ح ُك ُموا بِال ْ َعد ِْل إِ َّن اهلل نِ ِع َّما يَ ِع ُظ ُك ْم بِ ِه إِ َّن اهلل َكا َن َس ِميعًا ب َ ِص ً
تَ ْ
ك َجعَلْنَا ُك ْم أ ُ َّم ًة َو َس ًطا﴾
ووسم القرآن أ ّمة اإلسالم بالوسطيّة ،فقال تعالىَ ﴿ :و َك َذل ِ َ
[البقرة.)3( ]143 :
لسلْ ِم فَا ْجن َ ْح ل َ َها َوت َ َو َّك ْل عَلَى للسالم ،قال تعالىَ ﴿ :وإِ ْن َجن َ ُ
حوا ل ِ َّ ويدعو القرآن الكريم ّ
اهلل﴾ [األنفال ،)4( ]61 :وقال تعالى﴿ :فَإ ِِن ا ْعتَزَلُو ُك ْم فَلَ ْم يُ َقاتِلُو ُك ْم َوأَل ْ َق ْوا إِلَيْ ُك ُم َّ
السلَ َم ف َ َما
َج َع َل اهلل ل َ ُك ْم عَلَيْ ِه ْم َسبِ ً
يال﴾ [النساء.)5( ]90 :
ويحض على العفو ،قال
ُّ ويؤ ِّكد القرآن الكريم على اللِّين ،ويح ِّذ ُر من ال َفظاظة وال ِغلْظة،
ضوا ِم ْن َح ْول ِ َ
ك ب َالن ْ َف ُّ
يظ ال ْ َقلْ ِ
ت ف َ ًّظا َغ ِل َ ت ل َ ُه ْم َول َ ْو ُكن ْ َ
تعالى﴿ :فَبِ َما َر ْح َم ٍة ِم َن اهلل لِن ْ َ
بت فَتَ َو َّك ْل عَلَى اهلل إِ َّن اهلل يُ ِح ُّ استَ ْغ ِف ْر ل َ ُه ْم َو َشا ِو ْر ُه ْم فِي ْاألَمْ ِر ف َ ِإذَا َع َزمْ َ فَاع ُ
ْف َعن ْ ُه ْم َو ْ
89
ال ْ ُمتَ َو ِّك ِلي َن﴾ [آل عمران.)1( ]159 :
يتعرض له الفقهاءُ سابقاً: ٌ
حديث لم َّ مصطلح
ٌ العنف
ُ
يتناول الفقهاء معنى العنف فقهيًّا تحت مصطلح اإلكراه ،ولم يت َّم استخدام مصطلح
اإلسالمي إال حديثاً؛ إذ ُع ّرف اإلكراهُ بأنَّه« :إلزامُ ّ
الشخص شيئاً على ّ العنف في الفقه
ِ
خالف مُراده».
نهي القران الكريم عن ك ِّل أشكال اإليذاء للمرأة:
ُ
يؤ ِّك ُد القرآ ُن الكريم في آيات ع َّدة على نبذ العنف واإليذاء تجاه المرأة ،مؤ ِّكداً على إكرام
المرأة ،ومن ذلك:
الن َّهي عن إيذاء المرأة عموماً:
ات بِ َغيْ ِر مَا ا ْكت ََسبُوا ف َ َق ِد ا ْحتَ َملُوا ب ُ ْهتَانًا
قال اهلل تعالىَ ﴿ :والَّذي َن يُ ْؤذُو َن ال ْ ُم ْؤ ِمنِي َن َوال ْ ُم ْؤ ِمن َ ِ
َوإِث ْ ً
ما ُمبِينًا﴾ [األحزاب.]58 :
القولي:
ّ الن َّهي عن اإليذاء
خ ْر ق َ ْو ٌم ِم ْن ق َ ْو ٍم ع ََسى أ َ ْن يَ ُكونُوا َخيْ ًرا ِمن ْ ُه ْم َو َال
قال تعالى﴿ :يَا أَيُّ َها الَّذي َن آ َمنُوا َال يَ ْس َ
س األَل ْ َق ِ
اب بِئْ َ نِ َساءٌ ِم ْن نِ َسا ٍء ع ََسى أ َ ْن يَ ُك َّن َخيْ ًرا ِمن ْ ُه َّن َو َال تَلْ ِمزُوا أَن ْ ُف َس ُك ْم َو َال تَنَابَزُوا بِ ْ
ك ُه ُم ال َّظال ِ ُمون﴾ [الحجرات.]11 : ُب فَأُولَئِ َان َو َم ْن ل َ ْم يَت ْق ب َ ْع َد ْاإلِي َم ِ
ِاال ْس ُم ال ْ ُف ُسو ُ
تؤ ِّكد اآليةُ الكريمة على صون المرأة من الكالم الفاحش والبذيء ّ
والسخرية.
الن ّهي عن إيذاء المرأة في سمعتها:
ات ث ُ َّم ل َ ْم يَأْتُوا بِأ َ ْرب َ َع ِة ُش َهدَاءَ فَا ْج ِلدُو ُه ْم ث َ َمانِي َن َجلْ َدةً َو َال ت َ ْقبَلُوا
صن َ ِ ﴿ َوالَّذي َن يَ ْرمُو َن ال ْ ُم ْ
ح َ
ل َ ُه ْم َش َهادَةً أَبَدًا َوأُولَئِ َ
ك ُه ُم ال ْ َف ِ
اس ُقو َن﴾ [النور ،]4 :فاآلية الكريم تبيِّ ُن عظيم هذا الجرم؛
الضـرر على المرأة ،ولذلك كانت العقوبة عظيمةً في ح ِّق من يعتدي
لما فيه من عظيم َّ
على ُس ْم َع ِة المرأة تتناسب مع عظيم تلك الجريمة.
90
السمعة :كما جاء حكاية
بل أشار القرآن الكريم إلى ذمِّ قبيح القول في التَّعريض بسوء ُّ
ت أُمُّ ِ
ك ب َ ِغيًّا﴾ وك امْ َرأ َ َس ْو ٍء َومَا َكان َ ْ
ت هَا ُرو َن مَا َكا َن أَب ُ ِ
عن اليهود في قوله تعالى﴿ :يَا أ ُ ْخ َ
[مريم.)1( ]28 :
ومن أشكال اإليذاء الَّتي نهى عنها القرآن الكريم:
هجران ال ّزوجة بغير ح ّق:
الصامت رضي اهلل عنهما حين قال لها:
أوس بن ّ
ِ بنت ثعلبةَ زوج ِة
قصة خولةَ ِ
كما في ّ
علي كظهر أمِّي ،يريد تحري َمها عليه ،فأنزل اهلل تعالى قوله﴿ :ق َ ْد َس ِم َع اهلل ق َ ْو َل الَّتي
أنت ّ
ير ( )1الَّذي َن ك فِي َز ْوجِ َها َوت َ ْشت َِكي إِلَى اهلل َواهلل يَ ْس َم ُع ت َ َ
حا ُو َر ُك َما إِ َّن اهلل َس ِمي ٌع ب َ ِص ٌ جا ِدل ُ َ
تُ َ
يُ َظا ِه ُرو َن ِمن ْ ُك ْم ِم ْن نِ َسائِ ِه ْم َما ُه َّن أ ُ َّم َهاتِ ِه ْم إِ ْن أ ُ َّم َهات ُ ُه ْم إ َِّال َّ
الالئِي َول َ ْدن َ ُه ْم َوإِن َّ ُه ْم لَيَ ُقولُو َن
مُن ْ َك ًرا ِم َن ال ْ َق ْو ِل َو ُزو ًرا َوإِ َّن اهلل ل َ َع ُف ٌّو َغ ُفو ٌر (َ )2والَّذي َن يُ َظا ِه ُرو َن ِم ْن نِ َسائِ ِه ْم ث ُ َّم يَعُودُو َن
ير ()3 ير َرقَبَ ٍة ِم ْن قَبْ ِل أ َ ْن يَتَ َم َّ
اسا ذَل ِ ُك ْم تُو َع ُظو َن بِ ِه َواهلل بِ َما ت َ ْع َملُو َن َخبِ ٌ ل ِ َما قَالُوا فَتَ ْ
ح ِر ُ
ف َ َم ْن ل َ ْم يَجِ ْد ف َ ِصيَامُ َش ْه َريْ ِن مُتَتَابِ َعيْ ِن ِم ْن قَبْ ِل أ َ ْن يَتَ َم َّ
اسا ف َ َم ْن ل َ ْم يَ ْستَ ِط ْع ف َ ِإ ْطعَامُ ِستِّي َن
م ([ ﴾)4المجادلة: اب أَلِي ٌك ُحدُودُ اهلل َولِلْ َكافِ ِري َن َع َذ ٌ ك لِتُ ْؤ ِمنُوا بِاهلل َو َر ُسول ِ ِه َوتِلْ َِم ْس ِكينًا ذَل ِ َ
.)2( ]4 - 1
عقوبات شديدةً هي :ع ُّد قول ِ ِه من
ٍ فرت َّب القرآ ُن الكريم على مقولة أوس بن ّ
الصامت
تحرير رقبة ،أو صيامُ شهرين متتابعين ،أو إطعامُ ستي َن مسكيناً ،وما
ُ مُن ْ َك ِر القول ،وعليه
العقوبات إال داللةٌ على عظيم رفض القرآن الكريم لجميع أشكال العنف واإليذاء
ُ تلك
تجاه المرأة.
ومنها :اإليالء وهو :الحلف على عدم جماع ال ّزوجة:
إذْ َرف َ َ
ض القرآ ُن الكريم أن تعيش المرأة في حياة زوجيّة ناقصة الحقوق ،فال يح ُّق لل ّزوج
لولي األمر أن يطلِّقها منه ،قال تعالى﴿ :لِلَّ ِذي َن يُؤْلُو َن ِم ْن
ِّ أن يَحرم المرأة ح َّقهاَّ ،
وإال
91
ص أ َ ْرب َ َع ِة أ َ ْش ُه ٍر ف َ ِإ ْن فَاءُوا ف َ ِإ َّن اهلل َغ ُفو ٌر َر ِحي ٌم (َ )226وإِ ْن َع َزمُوا ال َّط َال َ
ق ف َ ِإ َّن نِ َسائِ ِه ْم ت َ َرب ُّ ُ
اهلل َس ِمي ٌع َع ِلي ٌم﴾ [البقرة.)1( ]227 ،226 :
ومنها :الن ّهي عن اإلضرار بالمطلَّقة:
وف أ َ ْو َس ِّر ُحو ُه َّن قال تعالىَ ﴿ :وإِذَا َطلَّ ْقتُ ُم الن ِّ َساءَ فَبَلَ ْغ َن أ َ َجلَ ُه َّن فَأَمْ ِس ُكو ُه َّن بِ َمع ُْر ٍ
ات ك ف َ َق ْد َظلَ َم ن َ ْف َسهُ َو َال تَت َِّخ ُذوا آيَ ِ
وف َو َال ت ُ ْم ِس ُكو ُه َّن ِض َرا ًرا لِتَ ْعتَدُوا َومَ ْن يَ ْف َع ْل ذَل ِ َ
بِ َمع ُْر ٍ
.)2( ]232
وقال تعالى﴿ :يَا أَيُّ َها النَّبِ ُّي إِذَا َطلَّ ْقتُ ُم الن ِّ َساءَ ف َ َطلِّ ُقو ُه َّن ل ِ ِع َّدتِ ِه َّن َوأ َ ْح ُ
صوا ال ْ ِع َّدةَ َوات َّ ُقوا اهلل
ك ُحدُودُ اهلل خ ُر ْج َن إ َِّال أ َ ْن يَأْتِي َن بِ َف ِ
اح َش ٍة مُبَيِّن َ ٍة َوتِلْ َ خ ِر ُجو ُه َّن ِم ْن بُيُوتِ ِه َّن َو َال يَ ْ
َرب َّ ُك ْم َال ت ُ ْ
ك أ َ ْم ًرا ( )1ف َ ِإذَا بَلَ ْغ َن
ث ب َ ْع َد ذَل ِ َ َو َم ْن يَتَ َع َّد ُحدُودَ اهلل ف َ َق ْد َظلَ َم ن َ ْف َسهُ َال ت َ ْد ِري ل َ َع َّل اهلل يُ ْ
ح ِد ُ
أ َ َجلَ ُه َّن فَأَمْ ِس ُكو ُه َّن بِ َمع ُْر ٍ
وف أ َ ْو فَا ِرقُو ُه َّن بِ َمع ُْر ٍ
وف﴾ [الطالق.)3( ]2 ،1 :
المادي للمرأة:
ّ ومنها :الن ّهي عن اإلضرار
ْضلُو ُه َّن لِتَ ْذ َهبُوا قال تعالى﴿ :يَا أَيُّ َها الَّذي َن آمَنُوا َال يَ ِح ُّل ل َ ُك ْم أ َ ْن ت َ ِرثُوا الن ِّ َساءَ َك ْرهًا َو َال تَع ُ
َاش ُرو ُه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ
وف ف َ ِإ ْن َك ِر ْهتُ ُمو ُه َّن اح َش ٍة ُمبَيِّن َ ٍة َوع ِ ْض َما آتَيْتُ ُمو ُه َّن إ َِّال أ َ ْن يَأْتِي َن بِ َف ِ
بِبَع ِ
يرا﴾ [النساء.)4( ]19 : ج َع َل اهلل فِي ِه َخيْ ًرا َكثِ ً فَع ََسى أ َ ْن ت َ ْك َرهُوا َشيْئًا َويَ ْ
المالي:
ّ ومنها :االعتداء على ح ِّق المرأة
92
ال ن َ ِص ٌ
يب ِم َّما ْض ُك ْم عَلَى بَع ٍ
ْض ل ِ ِّ
لر َج ِ قال اهلل تعالىَ ﴿ :و َال تَتَ َمن َّ ْوا مَا ف َ َّ
ض َل اهلل بِ ِه بَع َ
اسأَلُوا اهلل ِم ْن ف َ ْ
ض ِل ِه إِ َّن اهلل َكا َن بِ ُك ِّل َش ْي ٍء يب ِم َّما ا ْكت ََسبْ َن َو ْ ا ْكت ََسبُوا َولِلن ِّ َسا ِء ن َ ِص ٌ
َع ِلي ًما﴾[النساء.)1( ]32 :
ثانياً :هل اإلسالم أباح ضرب المرأة؟
يرى بعض المهاجمين لإلسالم والمشككين في أحكامه هذه القضيَّة وكأن ّها ثغرة كبيرة
وخطيرة ،يسيئون من خاللها لإلسالم ،ويص ّورونه دين القسوة والعنف وظلم واضطهاد
خافُو َن ن ُ ُشو َز ُه َّن المرأة ،وتعويلهم في هذا األمر على آية سورة الن ّساء َ ﴿ :و َّ
الالتِي ت َ َ
اض ِربُو ُه َّن ف َ ِإ ْن أ َ َط ْعن َ ُك ْم ف َ َال تَبْ ُغوا عَلَيْ ِه َّن َسبِ ً
يال إِ َّن ج ُرو ُه َّن فِي ال ْ َم َ
ضاجِ ِع َو ْ ف َ ِع ُظو ُه َّن َوا ْه ُ
َّ
اهللَ َكا َن َع ِليًّا َكبِ ً
يرا﴾ [النّساء.]34:
والردّ على ذلك من ع َّدة وجوه: حيث يقولون أ َّن األمر َّ
بالضرب هنا واضح وصريح ّ
خاصة هي
َّ الضرب المذكور في اآلية ليس ضرباً عا ًّما لك ّل الن ّساء وإن ّما هو حالة
ّ -1
تتمرد على أسرتها وتريد هدم بيتها وتتخلّى عن
المرأة الن َّاشز ،أي المرأة الَّتي َّ
أوالدها ،وتأتي مرحلة َّ
الضرب بعد مرحلتين هما الوعظ والهجران.
الحقيقي أو
ّ رمزي وليس على وجه األذى
ّ -2إن ّ
الضرب الوارد في اآلية هو ضرب
المبرح،
ِّ ّ
بالضرب غير إحداث َّ
الضرر أو إيقاع األلم ،وقد أسماه الفقهاء
رمزي وليس
ّ السواك ،وهذا يد ّل على أن ّه ّ
بالضرب بعود ّ وجعلوه له مثالً
فعليًّا ،فهو أشبه بالعتب واإلشارة منه ّ
بالضرب.
ّ -3
الشواهد الكثيرة واآلثار العديدة عن الن ّبي ﷺ تتضافر في األمر بحسن معاملة
ال ّزوجة وإكرامها وعدم إهانتها والن ّهي ّ
الشديد عن ضربها ،ولم يرد عن الن ّبي
ﷺ ّ
قط أن ّه ضرب زوجة من زوجاته أو سمح بذلك ،بل واقع الحال هو
العكس تماماً ،إذ كان المسلمون األوائل يشكون إلى رسول اهلل ﷺ تمرد
93
نسائِهم عليهم أل ّن رسول اهلل ﷺ قد منع ضرب الن ّساء ،ومن هذه ّ
الشواهد:
ضرب رسو ُل اهلل ﷺ
َ السيّدة عائشة قولها(( :مَا
-ما أخرجه اإلمام مسلم عن ّ
ضرب بي ِد ِه شيئًا))(.)1
َ خادمًا لَه وال امرأةً وال
وف ف َ ِإ ْن َك ِر ْهتُ ُمو ُه َّن فَع ََسى أ َ ْن ت َ ْك َرهُوا
َاش ُرو ُه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ -قول اهلل ﷻَ ﴿ :وع ِ
يرا﴾ [النّساء.]۱۹ : ج َع َل َّ
اهللُ فِي ِه َخيْ ًرا َكثِ ً َشيْئًا َويَ ْ
((استوصوا بالنِّسا ِء
ُ ير ُكم أل َ ْه ِل ِه))( )2وقوله ﷺ
خير ُكم َخ ُ -قول الن ّ ّ
بي ﷺ ُ (( :
خيرا))(.)3
ً
بي ﷺ (( :ال َ
ضر َر وال بأي أحد وفي ذلك قول الن ّ ّ
-الن ّهي عن اإلضرار ّ
ِضرا َر))( )4وال ّ
شك أن ّ
الضرب هو أحد صور اإلضرار.
وهجرهُ في بعض الحاالت ،وأن تشكوه إلى
ُ للمرأة الح ّق في وعظ زوجها إذا نشز،
القاضي الَّذي ينوب عنها في تأديب ال ّزوج:
تأديب زوجِ ها إذا لم يعاملها زوجها بالمعروف،
َ من ح ِّق الزوجة أن تطلب من القاضي
فعلى القاضي أن يعظه ،فإذا لم ينفع الوعظ حكم القاضي لل ّزوجة بالن َّفقة ،وال ُ
يأمر له
بال ّطاعة وقتاً مناسباً؛ وذلك لتأديبه ،وهو مقابل الهجر في المضاجع ،فإذا لم يجد من
ال ّزوج استجابة حكم عليه َّ
بالضرب.
الشريعة اإلسالميّة أخضعت ُك ًّال من ال ّزوج وال ّزوجة لهذا التّأديب ،إذا
وينبغي أن نعلم أ َّن ّ
فرقت بينهما في طريقةالشريعة َّتح َّقق موجبه ،ولم تخضع ال ّزوجة فقط له ،غير أ َّن ّ
التَّنفيذ ،ففي الوقت الَّذي م َّكنت ال َّزوج من تطبيق هذا التَّأديب على ال َّزوجة بشروطه
وقيوده ،فقد م َّكنت القاضي -دون غيره -من تطبيق هذا التَّأديب وأش َّد منه على ال َّزوج
94
بشروطه وقيوده أيضاً.
95
والخالصة:
· الن ُّ ُشوز هو معصيةُ المرأة لزوجها فيما يجب عليها؛ فهو مُوجِ ٌ
ب تأديبها ،وهذا ال يعني
والرحمة بينهما أو إهانتها ،وإن َّما هو بمثابة تقويم وإصالح لها.
سلب المودَّة َّ
اإلسالمي،
ُّ الرجل أيضاً ،ولقد تد َّرج التَّشريع
· الن ُّ ُشوز كما يكون في المرأة يكون في َّ
وأعطى لك ّل طرف طريقة في معالجته ،كما ح َّدد اإلسالم هذه ال ّطرق العالجيّة ،وضبطها
بضوابط مراعياً خصوصيات ك ّل منهما.
96
ُّ
الشبهة ال َّسادسة :شبهة عمل المرأة
مضمون ُّ
الشبهة:
نماذج كثيرة دال َّةً على أ َّن المرأة أخذت دورها في شتى المجاالت العلميّة
َ بل يرى
والعمليّة والفكريّة واالجتماعيّة وغي ِر هذا ،م ّما هو مشهور معروف من سيرته ﷺ وهدي
أصحابه.
الشرعيّة ّ
الضابطة الرجل والمرأة ،وتُنسى القيود ّ
وهذا ال يعني أن تذوب الحدود بين َّ
لذلك ،إن َّما ّ
الصواب في ذلك هو االشتراك في العمل والتّعاون على ما فيه مصلحة
الوطن واألمَّة ،وخدمة المجتمع ،وبما يتناسب مع طبيعة المرأة وفطرتها ،وأن ال يشغلها
ذلك عن أعظم مهمة في الوجود ،وهي تنشئة األجيال واالرتقاء باألخالق.
اإلسالمي
َّ بناءً على قاعدة" :األص ُل في اإلسالم المساواة بين ال َّذكر واألنثى" فإ َّن َّ
الشرع
البوطي رحمه اهلل تعالى( :إ َّن األعمال ّ يحرم عم َل المرأة ،يقول اإلمام ّ
الشهيد ِّ ال
97
للرجال هي ذاتها الَّتي أباحها للن ّساء ،واألعمال ّ
الشائنة المشروعة الَّتي أباحها اإلسالم ّ
الرجال هي ذاتها الَّتي حرمها على الن ّساء. الَّتي َّ
حرمها اهلل على ّ
الرجال بآداب سلوكيّة واجتماعيّة؛ فاقتضى ذلك أن تكونغير أ َّن اهلل ع َّز وج َّل ألزم ِّ
َ
أعمالهم الَّتي يمارسونها خاضعة لتلك ّ
الضوابط واآلداب ،وألزم الن ِّساء أيضاً بآداب
أال يخرجن في أعماله َّن الَّتي يمارسنها على شيء من
سلوكيّة واجتماعيّة؛ فكان عليه َّن َّ
غير أ َّن األعمال الوظيفيّة والمهنيّة عندما تتزاحم بحكم المتطلَّبات األسريّة واالجتماعيّة،
َ
فال مناص عندئ ٍذ من ات ِّباع ما يقتضيه ُسلَّ ُم األولويات في تفضيل األه ِّم فما دونه ،من
حيث رعايةُ َّ
الضروريَّات ث َّم الحاجيَّات ث َّم التَّحسينيَّات من مصالح المجتمع.
إ َّن المرأة المتز ِّوجة الَّتي أنجبت أطفاالً يالحقها المجتم ُع بطائفة من األعمال الكثيرة
الَّتي ال تقدر في األغلب على الن ُّهوض بها كلِّها ،فهي مُال َح َقةٌ برعاية زوجها وتوفير
مق ِّومات إسعاده ،وهي ُمال َحقةٌ في الوقت ذاته برعاية أطفالها وتربيتهم ،كما أن َّها بحكم
العلمي الَّذي تتمتَّع به مدع َّوةٌ إلى أن تساهم في خدمة مجتمعها من
ّ ثقافتها واختصاصها
ٍ
نشاط ذات
َ خالل وظيفة تعليميّة في إحدى المدارس أو الجامعات ،وقد تكون
اجتماعي ،فهي مدع َّوةٌ بحكم مزيَّتها هذه إلى أن تبذل من نشاطها هذا ما تساهم به في
ّ
رعاية مجتمعها وح ِّل بعض مشكالته.
98
إ َّن الوقت ال يُس ِع ُفها في الن ُّهوض بسائر هذه المهام والوظائف ،وهي كلُّها جيدة ومفيدة،
منطقي سليم إال اللجوءَ إلى ما تقتضيه
ٌّ المصير إليه؟ ليس ث َّمةَ َح ٌّل
ُ فما الح ُّل الَّذي يجب
رعايةُ ُسلَّم األولويات.
السبي ُل أمام المرأة للتقيُّد بمقتضى ُسلَّ ِم األولويات هذا ،ولكي ال ترى َعن َتاً
يتيس َر َّ
ولكي َّ
في إلزام نفسها بذلك ،فقد َك َفتْها ّ
الشريعةُ اإلسالميّةُ َم ُؤون َةَ الن َّفقة على نفسها وأوالدها،
ووف َّرت لها الجهد الَّذي كان ينبغي أن تبذله لذلك ،عندما ألزم ال َّز َ
وج باإلنفاق عليها
وعلى أوالدها.
وعلى سبيل المثال :فإ َّن ال َّزوجين إذا اقتنعا بأ َّن الوظائف البيتيَّةَ أق ُّل من أن تملك على
ال َّزوجة كام َل وقتِها فال مانع شرعاً من أن تنفق ف ُ ُ
ضو َل وقتها في ِّ
أي عمل صالح تؤدِّيه
والضوابط الَّتي يجب أن تلتزم بها،
َّ خارج المنزل ،على أن تأخذ بعين االعتبار اآلداب
99
حتى إذا رأيا أ َّن عملها هذا يُ ِخ ُّل باأله ِّم من ضرورات رعاية األسرة وحمايتها من اآلفات
الَّتي تترب َّص بها كان عليهما أن يتخذا القرار المتَّ ِفق مع مبدأ تد ُّر ِج المصالح االجتماعيّة.
وانظر إلى المجتمعات الغربيّة اليوم ،كم تندب ح َّظها التَّعيس في انهيار األسرة الغربيّة،
وفي تح ُّول المنازل الَّتي كانت يوماً ما َخاليا مُق َّدسة ألس ٍر متماسكة إلى فنادق صغيرة
الت التَّعاون والقربى ،فلم يَ ُع ْد يجمعهم إال
ص ُ أشخاص تق َّط َع ْ
ت فيما بينهم ِ ٌ يأوي إليها
المبيت في هذه الملتقيات ،ث َّم تساءل ما الَّذي جعل صالت القربى -وهي موجودة -
ُ
تتق َّطع فيما بينهم؟
وقد قدَّمنا نماذج كثيرة عن عمل المرأة ومشاركتها في جميع جوانب الحياة العامَّة ،في
بناء األ َّمة والوطن ،وخدمة المجتمع في فصل مشاركة المرأة في الحياة العا َّمة في عهد
الرسول ﷺ ،فليرجع إليها ففيها من الوقائع ما يك ِّذ ُ
ب دعوى تحريم عمل المرأة. َّ
- 1املرأة بني طغيان النظام الغريب ولطائف التشريع الرابين ،د .حممد سعيد رمضان البوطي.
100
ُّ
الشبهة ال َّسابعة :مهر المرأة وصداقها
مضمون ُّ
الشبهة:
هذه شبهة تناولها أعداءُ اإلسالم وأعداءُ األ ّمة ،يريدون من خاللها تشوي َه اإلسالم
الراقية ،ويرو ُمو َن من وراء ذلك ال َّطع َن في أحكام األسرة في
الحقيقي وتعاليمه ّ
ّ
اإلسالم وموقفه من المرأة.
ص ُدقَاتِ ِه َّن
ّث عن المهر بأعظم صف ٍة ،فقال تعالىَ ﴿ :وآتُوا الن ِّ َساءَ َ
إ َّن القرآن الكريم يتحد ُ
والحكمةُ من وجوبه إظها ُر َخ َط ِر هذا العقد ومكانته ،وإعزا ُز المرأة وإكرا ُمها ،وهو دليل
بالمال الَّذي ك َّد
ِ على أ َّن للمرأة مكانةً عاليةً عند َّ
الرجل تستح ُّق أن يضحي من أجلها
101
والصداق؛ أي:
ّ إيجاب وقبو ٌل وشهادة ّ
الشهود واإلشهار ٌ ّواج في اإلسالم إن َّما هو:
والز ُ
المهر فيها إال بعد
ُ بأي شي ٍء يعبّر عن هذه الهديّة ،فال َّزواج ُعالقة سامية ال يرتبط
المهرّ ،
الرضا واالتفاق بين ال ّطرفين على العشرة بالمعروف واالرتباط والمودَّة والتّفاهم.
ِّ
المهر ليس ثمناً للمرأة ،وال يقترب مفهومُهُ في اإلسالم -مطلقاً -من فكرة ِّ
الشراء أو ُ ف
التَّملُّك ،فاإلسالم جعل المهر ح ّقاً للمرأة هديَّ ًة محضةً ،وألزم ال َّز َ
وج بالوفاء به ،بينما
العرب في الجاهلية يَ َر ْون المهر ثمناً للمرأة عند زواجها ،وكان من ح ِّق األب ال
ُ كانت
االبنة.
ئ َّ
بالضرورة ولو كان المهر ثمناً لل َّزوجة لجاز لل َّزوج أن يبيع زوجته؛ أل َّن ح َّق البيع ناش ٌ
عن الملك؛ وهذا ليس في اإلسالم وال من تعاليمه ،بل هو شيءٌ ُوجِ َد في بعض الثَّقافات
األخرى كالهند القديمة ،وفي بريطانيا كان هناك قانو ٌن شائع حتى نهاية القرن العاشر
بمرض ُعضال؛ بل إ َّن
ٍ يعطي ال َّزوج ح َّق بيع زوجته وإعارتها ،بل وق َتْ ِلها إذا أصيبَ ْ
ت
للرجل أن يبيع زوجته ،وقد ُح ِّددَ ثم ُن
اإلنجليزي حتى عام 1805م كان يُبِيح َّ
َّ القانون
ال ّزوج ِة بستَّة بِن ْسات.
102
أي
وج َّ
المهر ال يمنح ال َّز َ
ُ هذا إذن هو ق َ َد ُر المرأة في هذه الثّقافات ،أمَّا في اإلسالم ف
ح ٍّق من حقوق التَّملُّك لزوجته ،وال يمكن أن يعتقد عاق ٌل أ َّن اإلسالم وضعه ثمناً
للمرأة وشرطاً لتملُّكها؛ إن َّما هو تكريم وحماية للمرأة وإعزاز لها وعناية بها ،وتقديس
للحياة ال ّزوجيّة ،وحماية لكيان األسرة ،وحماية الستقرار المجتمع.
103
وختاماً:
شك أ َّن قضايا المرأة وحقوقها ودورها في المجتمع غدت من القضايا المركزيّة
ال َّ
ولع َّل القارئ أن يجد في هذا الكتاب تجلية للحقائق وسوقاً لألدلة من الن ّصوص
واألحداث في زمن النّبوة ما يزيح عن ناظريه غشاوة التّضليل والتَّزييف ،ويريه ال َّدور
والسنّة النّبويّة ،وهي تعيش حالة
ّ والرائد للمرأة كما ص َّورها القرآن الكريم
ّ الكبير
الرجل وتكامل في األدوار ال حالة صراع وتنازع كما يريدها الغرب.
انسجام مع َّ
ويلخص ك ّل ذلك ما أسميناه في الكتاب القاعدة القرآنيّة الذهبيّة للعالقة بين َّ
الرجل
والمرأة وتوازن الحقوق بينهما ،وهي قوله تعالى ﴿وله َّن مث ُل الَّذي عَلَي ِه َّن
بِالمع ُْر ْوف﴾ [البقرة]228 :
104
الفهرس
حال المرأة لدى األمم القديمة والحضارات والتشريعات المختلفة السابقة على
105
قضية المرأة في الوقت الحاضر20 ..................................................:
ما هي األسباب الَّتي قلبت الحقائق حول مكانة المرأة في اإلسالم26 ..................:
ّ
الشبهة األولى :المرأة مهضومة الحقوق58 ......................................... :
الشبهة الثّانية :شبهة امتهان اإلسالم لعقلية المرأة باعتبار شهادتها تعدل نصف شهادة
ّ
ّ
الشبهة الخامسة :قضية العنف ضد المرأة ومنها ضرب المرأة87 ................... .
الفهرس104 ............................................................................
106