Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 109

‫‪‬‬

‫مقدِّمة‪:‬‬

‫رب العالمين‪ ،‬خلق اإلنسان في أحسن تقويم‪ ،‬وجعل آدم وح َّواء زوجين‪ ،‬توالدت منهما‬
‫الحمد هلل ِّ‬
‫والسالم على سيِّد الخلق‪ ،‬ولسان‬
‫َّ‬ ‫والصالة‬
‫َّ‬ ‫البشـريَّة‪ ،‬وعمرت بهم األرض وانتشـرت بهم ال ُّذ ِّريَّة‪،‬‬
‫الصدق سيِّدنا مح َّمد‪ ،‬وعلى آله وأصحابه أجمعين‪ ،‬وعلى جميع أنبياء اهلل والمرسلين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ِّ‬
‫العلمي توجب على ك ِّل باحث ودارس أن يتناول األمر الَّذي يكتب عنه‬ ‫ِّ‬ ‫فإ َّن قواعد البحث‬
‫بتجر ٍد كامل يستطيع معه الوصول إلى الحقيقة‪ ،‬وإ َّن‬
‫ُّ‬ ‫بموضوعيَّة تا َّمة بعيداً عن األهواء واآلراء المسبقة‪،‬‬

‫الحكمة تقتضي أن نتناول أه َّم الموضوعات الَّتي تطفو على َّ‬


‫السطح في ك ِّل عصـر؛ وخصوصاً إذا كانت‬
‫تلك الموضوعات تثير التَّساؤالت أو ُّ‬
‫الشبهات‪ ،‬عندها ال ب َّد من تحليلها وبحثها والغوص في‬
‫العلمي المتَّبع والمعتمد لدى أهل العلم والمعرفة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫والردِّ عليها حسب المنهج‬
‫تفصيالتها‪َّ ،‬‬
‫وموضو ُع المرأة موضوع قديم جديد‪ ،‬كلَّما عفا عليه زما ٌن ظهر في زمان آخر َم ْن يطرح حوله‬
‫بشكل منقطع النَّظير‪ ،‬بسبب ما يتم َّ‬
‫خض عنه من‬ ‫ٍ‬ ‫التَّساؤالت ويج ِّددُ النِّقاش‪ ،‬وهو موضوع يُثَار اليوم‬
‫الرؤية‪ ،‬وتظهر الحقيقة‪،‬‬
‫مشكالت معاصرة متعدِّدة‪ ،‬تحوج الباحثين إلى الدِّراسة والبحث؛ لتتَّضح ُّ‬
‫أي مسألة مفترضة‪.‬‬
‫ويدفع اإلشكال الحاصل في ِّ‬
‫السوريَّة) ق َ َد ُم َّ‬
‫السبْق دائماً في بيان حقيقة‬ ‫وللمؤسسة الدِّينيَّة (وزارة األوقاف في الجمهوريَّة العربيَّة ُّ‬
‫َّ‬
‫اإلسالم كما أنزله اهلل ع َّز وج َّل‪ ،‬ومنها‪ :‬بيان حقيقة تكريم اإلسالم للمرأة‪ ،‬وتفكيك المالبسات الَّتي‬
‫اعترضت موضوعات المرأة وما يتعلَّق بها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الكثير أصاب َع االتِّهام نحو اإلسالم وموق ِف ِه من المرأة‪ ،‬وقاموا بتعكير صفو الحقيقة‪ ،‬األمر الَّذي‬
‫ُ‬ ‫فو َّجه‬
‫العصري الجامع وبرامجها وخططها المختلفة‪-‬‬
‫ِّ‬ ‫المؤسسة الدِّينيَّة ‪-‬من خالل التَّفسير‬
‫َّ‬ ‫استدعى أن تقوم‬
‫وتوضيح معالم الحقيقة‪ ،‬فأيقظت بذلك عقوالً‬
‫ِ‬ ‫الشبهات الَّتي تعتري الحديث عن المرأة‪،‬‬
‫بتفني ِد ك ِّل ُّ‬
‫أصابتها ال ِغشاوة والفه ُم الخاطئ حيناً من الزَّمن‪ ،‬ورد ْ‬
‫َّت على المغرضين وأهل الزَّيف باطلهم‪ ،‬وأنارت‬
‫طريق الحقيقة للنَّاس؛ ليقلعوا عن األفكار والمعتقدات الخاطئة الَّتي حكمتها تقاليد وموروثات بالية‪،‬‬
‫الشرق أو أجندات الغرب غير مبادئ اإلسالم وأعمال النَّاس غير أوامر اهلل‪ ،‬وأ َّن‬
‫وليعلموا أ َّن تقاليد َّ‬
‫العرف مهما شاع يحكم عليه وال يحكم له‪ ،‬والتَّقاليد قد تكون باطالً أو خليطاً من الح ِّق والباطل‪،‬‬
‫والفيصل والحكم في ذلك كلِّه كتاب اهلل وسنَّة رسوله الكريم ﷺ‪.‬‬
‫الشبهات‪ ،‬ويوضح الحقيقة الَّتي استمدَّت من كتاب‬
‫الصدر‪ ،‬ويدفع ُّ‬ ‫ويج ُد الن َّ ُ‬
‫اظر في هذا البحث ما يثلج َّ‬
‫بي المصطفى صلَّى اهلل عليه وسلَّم‪.‬‬
‫اهلل ع َّز وج َّل وسن َّ ِة الن َّ ِّ‬
‫(الخاصة بالمرأة) من كتاب اهلل ع َّز وج َّل في‬
‫َّ‬ ‫وانطلقت فكرة كتابة هذا البحث بعد تفسير اآليات الكريمة‬
‫العصري الجامع على شاشات التَّلفزة‪ ،‬والَّتي ص َّ‬
‫ححت الكثير من المفاهيم عند النَّاس‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫حلقات التَّفسير‬
‫خاص يكون بين أيدي الباحثين عن الحقيقة‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫السادة العلماء والمث َّقفون بأن نجمعها في كتاب‬
‫وطالب َّ‬

‫والسداد في القول والعمل‪ ،‬واهلل سبحانه من وراء القصد‪ ،‬والحمد هلل‬


‫َّ‬ ‫وختاماً‪ :‬نسأل اهلل تعالى التَّوفيق‬
‫رب العالمين‪.‬‬
‫ِّ‬

‫السيِّد‬
‫الستَّار َّ‬
‫د‪ .‬مح َّمد عبد َّ‬

‫‪3‬‬
‫تمهيد‪:‬‬

‫يقول اهلل ﷻ‪َ ﴿ :‬ول َ َق ْد َك َّرمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [اإلسراء‪ ،)1(]70:‬والمرأةُ هي المخلوق الَّذي‬
‫شك؛ لذلك كان ال ب َّد من استعراض أه ِّم ما يتعلَّق بالمرأة‬
‫الرجل هذا التَّكريم بال ٍّ‬
‫نال مع َّ‬
‫في هذا المبحث‪ ،‬ولكن ال ب َّد من تفنيد حال المرأة قبل اإلسالم وبعده‪ ،‬عند األمم‬
‫السابقة وعند العرب‪.‬‬
‫َّ‬

‫السابقة على اإلسالم‪:‬‬


‫حال المرأة لدى األمم القديمة والحضارات والتَّشريعات المختلفة َّ‬

‫المرأة في عصر الفراعنة‪:‬‬

‫احتلَّت المرأة في مصر القديمة (عهد الفراعنة) مكانة مرموقة‪ ،‬وتمتَّعت ببعض الحقوق‬
‫إال أ َّن األمَّة المصريَّة كانت من األمم الَّتي‬
‫كح ِّق التَّملُّك وح ِّق اإلرث وح ِّق الحكم‪َّ ،‬‬

‫شاعت فيها عقيدة الخطيئة‪ ،‬وأ َّن المرأة هي علَّة وسبب تلك الخطيئة‪ ،‬وأنَّها خليفة‬
‫للروح َّ‬
‫إال بالنَّجاة من حبائل المرأة(‪.)2‬‬ ‫الشيطان‪ ،‬وأنَّه ال نجاة ُّ‬
‫َّ‬
‫للرجل أن يتز َّوج أخته‪ ،‬فضالً عن‬ ‫ولم تخ ُل مجتمعاتهم من العادات َّ‬
‫الرديئة‪ ،‬فيمكن َّ‬
‫أسطورة النِّيل المشهورة‪ ،‬الَّتي كانت هاجس المصريِّين لقرون طويلة‪ ،‬ولم يستطيعوا أن‬
‫يتخلَّصوا منها َّ‬
‫إال في عهد عمر الفاروق رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫فقد جاء المصريُّون لعمرو بن العاص رضي اهلل عنه عند فتح مصر قائلين‪ :‬إ َّن لنهر النِّيل‬
‫الحلي‬
‫َّ‬ ‫ُسنَّة وعادةً ال يجري ماؤه َّ‬
‫إال بها‪ ،‬وهي أنَّهم يأخذون فتاةً من أبويها يجعلون عليها‬
‫وأفضل الثِّياب ويلقونها في النِّيل‪ ،‬فكتب عمرو بن العاص رضي اهلل عنه إلى أمير‬
‫المؤمنين عمر بن الخ َّطاب رضي اهلل عنه‪ ،‬فكتب خطابه المشهور للنِّيل‪( :‬من عبد اهلل‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)197-196/15‬‬


‫(‪ )2‬حقائق اإلسالم وأابطيل خصومه ـ عباس حممود العقاد‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫أمير المؤمنين عمر إلى نيل مصر‪ :‬أمَّا بعد‪ :‬فإنَّك إن كنت إنَّما تجري من قِبَ ِل َ‬
‫ك فال تج ِر‪،‬‬
‫ألق البطاقة في‬
‫يك فنسأل اهلل تعالى أن يُج ِريَك)‪ ،‬وقال‪ِ :‬‬ ‫وإن كان اهلل الواحد هو الَّذي يُ ْ‬
‫ج ِر َ‬
‫السيِّئة الَّتي كانت ضحيَّتها دائماً‬
‫النِّيل‪ ،‬فأجراه اهلل في ليلة واحدة(‪ ،)1‬وقطع اهلل تلك العادة َّ‬
‫امرأة‪.‬‬

‫السومريَّة والبابليَّة واآلشوريَّة)‪:‬‬


‫الرافدين‪( :‬الحضارة ُّ‬
‫المرأة في بالد َّ‬

‫كالسلعة تباع وتشترى‪ ،‬وتعرض أحياناً للدّعارة‬


‫كانت مكانتها عندهم متردِّية ج ّداً‪ ،‬فكانت ِّ‬

‫والبغاء؛ طلباً للمال‪ ،‬فقد سمح البابليُّون بقدر كبير من العالقات الجنسيَّة‪ ،‬فيقول "ول‬

‫البابلي ينبغي لك ِّل امرأة بابليَّة أن تجلس في هيكل الزّهرة‬


‫ِّ‬ ‫ديورانت"(‪( :)2‬في القانون‬

‫مرةً في حياتها‪ ،‬وأن يواقعها رج ٌل غريب يلقي إليها قطعة ِّ‬


‫فضيَّة لقاء ذلك)‪ .‬ويقول‬ ‫"مليتا" َّ‬
‫اليوناني "هيرودوت"(‪( :)3‬وذلك لترضى عنها آلهة "مليتا"‪ ،‬وليس لهذه المرأة أن‬
‫ُّ‬ ‫المؤ ِّرخ‬

‫ترفض من يطلبها ما دام قد رمى إليها المال)‪.‬‬

‫وكان معبد "عشتروت" في بابل القديمة يمتلئ بالبغايا اللَّواتي يتقدَّمن لزائري المعبد‪،‬‬

‫مرة على األق ِّل في حياتها إلى معبد "فينوس"؛ ليواقعها ٌ‬


‫زائر‬ ‫وعلى ك ِّل امرأة أن تتقدَّم َّ‬
‫للمعبد(‪.)4‬‬
‫الرجل ومعه الفتيات‪ ،‬ويفتتح المزاد‬
‫العلني‪ ،‬فيأتي َّ‬
‫ِّ‬ ‫أ َّما الزَّواج عندهم فكان أشبه بالمزاد‬
‫بأجمله َّن‪ ،‬ومن يدفع أكثر تكون المرأة زوجةً له(‪ ،)5‬يقول "لويس فرانك"‪( :‬كان يقيم‬
‫البابليُّون في ك ِّل عام في المدينة سوقاً‪ ،‬فيذهب الفتيان إليه ويشترون النِّساء بالمزاودة في‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري واتريخ ابن عساكر‪.‬‬


‫(‪ )2‬حقوق وقضااي املرأة يف عاملنا املعاصر ‪ -‬عبد هللا مرعي حمفوظ‪.‬‬
‫(‪ )3‬حقوق املرأة بني اإلسالم والدايانت األخرى ‪ -‬حممود عبد احلميد حممد‪.‬‬
‫السابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬املرجع َّ‬
‫(‪ )5‬حقوق وقضااي املرأة يف عاملنا املعاصر ‪ -‬عبد هللا مرعي حمفوظ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ثمنه َّن إلدارة البيت والقيام بما تتطلَّبه الحياة الزَّوجيَّة)(‪.)1‬‬

‫وكانوا يعتقدون أ َّن المرأة الَّتي ال تتز َّوج وال تحمل تكون مصابةً بلعنة اآللهة وبها ٌّ‬
‫مس‬

‫للرقى وال َّطالسم‪ ،‬وقد حدَّثنا القرآن عن انتشار ِّ‬


‫السحر في بابل‪،‬‬ ‫الشيطان‪ ،‬وتحتاج ُّ‬ ‫من َّ‬
‫ح َر َومَا أُن ْ ِز َل عَلَى ال ْ َملَ َكيْ ِن بِبَابِ َل هَا ُر َ‬
‫وت‬ ‫الس ْ‬ ‫فقال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬يُعَلِّ ُمو َن الن َّ َ‬
‫اس ِّ‬
‫وت﴾ [البقرة‪ ،)2(]102 :‬فإذا ظلَّت عاقراً بعد ال َّطالسم فال ب َّد من موتها للتَّخلُّص من‬ ‫َومَا ُر َ‬
‫لعنتها‪.‬‬

‫كما أ َّن الزَّواج الَّذي ال يُس ِف ُر عن مولود خالل عشر سنين يُ َع ُّد مفسوخاً‪ ،‬ومن ح ِّق َّ‬
‫الرجل‬

‫أن يطلِّق امرأته متى شاء‪ ،‬أمَّا إذا أبدت المرأة رغبةً في ال َّطالق من زوجها فإنَّها ت ُ َ‬
‫طرح في‬
‫لتتعرض للمهانة والفجور(‪.)3‬‬
‫َّ‬ ‫نصف عاري ٍة في َّ‬
‫الشوارع‬ ‫َ‬ ‫النَّهر لتغرق‪ ،‬أو ت ُ َ‬
‫طرد‬
‫وجاء في قانون "حمورابي"(‪( :)4‬على مَ ْن يقت ُل امرأةً أن يقدِّم بنتاً غيرها بدالً عنها إلى‬
‫غير هذا‪.‬‬
‫عقاب ُ‬
‫ٌ‬ ‫وليِّها‪ ،‬أو يقدِّم له قيمتها من المال)‪ .‬ولم يكن على قاتل المرأة‬

‫الصينيِّين القدماء‪:‬‬
‫المرأة عند ِّ‬

‫يني الح ُّق في‬


‫وللص ِّ‬
‫ِّ‬ ‫كانت ت ُ َشبَّه المرأةُ عندهم بالمياه المؤلمة الَّتي تغتال َّ‬
‫السعادة والمال‪،‬‬
‫أن يبيع زوجته كالجارية‪ ،‬وللزَّوج الح ُّق في أن يدفنها وهي على قيد الحياة‪ ،‬وإذا مات‬
‫ث كالثَّروة(‪.)5‬‬
‫زوجها أصبح ألهل الزَّوج الح ُّق فيها‪ ،‬فتُو َر ُ‬

‫(‪ )1‬املرأة يف القدمي واحلديث ‪ -‬عمر رضا كحالة‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)282-274/1‬‬
‫(‪ )3‬حقوق املرأة بني اإلسالم والدايانت األخرى ‪ -‬حممود عبد احلميد حممد‪.‬‬
‫(‪ )4‬املرأة يف ضوء الشريعة اإلسالمية ‪ -‬د‪ .‬أمحد احلجي الكردي‪.‬‬
‫(‪ )5‬دستور حياة املرأة ‪ -‬أمحد احلموي‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫المرأة عند الهنود‪:‬‬

‫والس ُّم واألفاعي والنَّار أسوأ من‬


‫الريح والموت والجحيم ُّ‬
‫يقول الهنود القدامى‪( :‬ليست ِّ‬
‫المرأة)‪ ،‬فلم يكن للمرأة في شريعة "مانو" ح ٌّق في االستقالل عن أبيها أو زوجها أو‬
‫رجل من أقارب زوجها‪ ،‬والمرأةُ‬
‫ٍ‬ ‫ولدها‪ ،‬فإذا مات هؤالء جميعاً وجب أن تنتمي إلى‬
‫قاصر طيلة حياتها‪ ،‬وليس لها ح ٌّق بالحياة بعد وفاة زوجها‪ ،‬بل يجب أن تموت‬
‫ٌ‬ ‫عندهم‬
‫معه‪ ،‬أو تحرق معه وهي حيَّةٌ في موق ٍد واح ٍد‪.‬‬
‫وكان رجال ال ِّدين الهنود يقدِّمون المرأة قرباناً لآللهة لترضى عنهم أو تأمر بالمطر أو‬
‫الرزق‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وبعض رجال الفرق ال ِّدينيَّة عندهم كانوا يعبدون المرأة العارية‪ ،‬أو جزءاً منها‪ ،‬وانتشر في‬
‫ُ‬
‫موجات طاغية من َّ‬
‫الشهوات الجنسيَّة والخالعة‪ ،‬وقد وصل بهم األمر في‬ ‫ٌ‬ ‫البالد‬
‫االنحطاط إلى المقامرة بزوجاتهم على طاوالت القمار(‪.)1‬‬

‫المرأة عند اإلغريق (اليونانيِّين)‪:‬‬

‫عند قدامى اليونانيِّين كانت المرأة مصانة وعفيفة‪ ،‬وكانت ت ُ َع ُّد مالزمتها لزوجها من‬
‫َّ‬
‫والشرف‪ ،‬ولكن لم يمض على ذلك وقت طويل حتى انحدرت قيمة‬ ‫أمارات النَّجابة‬
‫المرأة عندهم انحداراً كبيراً‪ ،‬فأصبحت مخلوقاً ذليالً‪ ،‬مهانة مضطهدة‪ ،‬تع ُّد رجساً من‬
‫الشيطان‪ ،‬ويعتقدون أنَّها خلقت من ال َّدرك األسفل‪ ،‬فال يجالسونها على مائدة‬
‫عمل َّ‬
‫ال َّطعام‪ ،‬وإذا وضعت طفالً دميماً قتلوها وقضوا عليها(‪.)2‬‬
‫وحرموا عليها التَّعلُّم‪ ،‬ومنعوها من الميراث‪ ،‬وكانوا‬ ‫َّ‬ ‫وكانت سلعةً تُباع وتُشترى‪،‬‬
‫يز ِّوجونها بغير رضاها‪ ،‬وال يح ُّق لها أن تعقد بيعاً أو شراءً َّ‬
‫إال في التَّافه من أمور الحياة‪،‬‬

‫(‪ )1‬املرأة يف ضوء الشريعة اإلسالمية ‪ -‬د‪ .‬أمحد احلجي الكردي‪ ،‬دستور حياة املرأة ‪ -‬أمحد احلموي‪.‬‬
‫الرب عبد التّـ ّواب‪ ،‬وانظر‪ :‬املرأة يف ضوء الشريعة اإلسالمية للدكتور أمحد‬
‫(‪ )2‬عمل املرأة وموقف اإلسالم منه ‪ -‬عبد ّ‬
‫احلجي الكردي‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫اإلغريقي(‪ :)1‬أ َّن‬
‫ّ‬ ‫أي قضيَّة أمام المحاكم‪ ،‬وكان من قانون "صولون"‬
‫وال يح ُّق لها أن ترفع َّ‬
‫العمل ال َّذي يقوم به اإلنسان تحت تأثير المرأة يكون عمالً باطالً قانونيّاً‪.‬‬
‫وكان فالسفتهم و ُكتَّابهم يعبِّرون عن وجهة نظرهم في إهانة المرأة واضطهادها بك ِّل‬
‫صفاقة‪ ،‬فيقول "سقراط"‪( :‬إ َّن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر لألزمة واالنهيار في‬
‫العصافير‬
‫ُ‬ ‫العالم‪ ،‬والمرأة تشبه شجرة مسمومة‪ ،‬ظاهرها جميل‪ ،‬ولكن عندما تأكل منها‬
‫تموت حاالً)(‪.)2‬‬
‫الشرور في العالم من صنع الن ِّساء)‪ ،‬وقال "أرسطو"‪( :‬إ َّن‬
‫وقال "هيرودوت"‪( :‬إ َّن معظم ُّ‬

‫لليوناني‪ ،‬وإ َّن َّ‬


‫الرجل أعلى درجةً‬ ‫ِّ‬ ‫والبربري‬
‫ِّ‬ ‫للسيِّد‪ ،‬والعامل للعالم‪،‬‬
‫للرجل كالعبد َّ‬
‫المرأة َّ‬
‫من المرأة)(‪.)3‬‬
‫أمَّا "أندروكسي" فيصف المرأة قائالً‪( :‬قد نتم َّكن من أن نعالج حرقة الن َّار ولدغة األفعى‪،‬‬
‫أي عالج)(‪.)4‬‬
‫السيِّئة األخالق ُّ‬
‫ولكن ليس للمرأة َّ‬
‫وشاعت الفاحشة في بالد اإلغريق‪ ،‬وأصبحت أمراً مألوفاً‪ ،‬وانتشرت دور البغاء‪ ،‬وتب َّوأت‬
‫للسياسة واألدب‪،‬‬
‫اإلغريقي‪ ،‬وأصبحت دُو ُرهم مراكز ِّ‬
‫ِّ‬ ‫البغايا مكانة مرموقة في المجتمع‬
‫الجنسي‪ ،‬واتَّخذوا‬
‫ُّ‬ ‫الرجل والمرأة‪ ،‬وشاع بينهم ُّ‬
‫الشذوذ‬ ‫المحرمة بين َّ‬
‫َّ‬ ‫وشرعوا العالقة‬
‫َّ‬
‫التَّماثيل العارية باسم األدب والف ِّن‪ ،‬ومنها‪ :‬نحتُهم لتمثال "هرمردريس" و"أرستوجين"‬
‫وهما في عالقة شاذَّة‪.‬‬
‫وكان "ديموستين" يقول‪( :‬إنَّنا نتَّخذ البغايا للَّذة‪ ،‬والخليالت لص َّ‬
‫حة أجسامنا اليوميَّة‪،‬‬
‫واألزواج لِيَ ِل ْد َن لنا األبناء َّ‬
‫الشرعيِّين‪ ،‬ويعتني َن ببيوتنا عناية تنطوي على األمانة‬
‫واإلخالص(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬حقوق وقضااي املرأة يف عاملنا املعاصر ‪ -‬عبد هللا مرعي حمفوظ‪.‬‬
‫(‪ )2‬املرأة يف التصور اإلسالمي ‪ -‬عبد العال حممد اجلربي‪.‬‬
‫(‪ )3‬احلقوق السياسية للمرأة يف اإلسالم والتشريع املعاصر ‪ -‬د‪ .‬حممد أنس قاسم جعفر‪.‬‬
‫(‪ )4‬الفتاوى للشيخ حممد متويل الشعراوي‪.‬‬
‫(‪ )5‬حقوق وقضااي املرأة يف عاملنا املعاصر ‪ -‬عبد هللا مرعي حمفوظ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وانفرط ِع ْق ُد األسرة‪ ،‬وأصبح بإمكان ال َّزوج اإلتيان بخليالته إلى منزل ال َّزوجيَّة‪ ،‬وال‬
‫يجوز للمرأة أن تعترض‪ ،‬ولل َّزوج أن يطلِّق زوجته متى شاء‪ ،‬وهي بعد ال َّطالق مقيَّدةٌ‬
‫برأيه‪ ،‬فال تتز َّوج َّ‬
‫إال من يريده لها‪ ،‬وإذا أشرف ال َّزوج على الموت فإنَّه يحدِّد لزوجته‬
‫ال َّزوج الجديد بعده‪ ،‬وال يجوز ألح ٍد االعتراض(‪.)1‬‬
‫الحريَّة‬
‫ِّ‬ ‫ويذكر اإلغري ُق في تاريخهم‪ :‬أ َّن أهل "أسبرطة" كانوا قد أعطوا المرأة بعض‬
‫ومنحوها بعض الحقوق‪َّ ،‬‬
‫إال أ َّن الفيلسوف "أرسطو" كان يعتقد أ َّن سقوط "أسبرطة"‬
‫الحريَّة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وهزيمتها كان بسبب إعطاء المرأة‬
‫الرجل القتال في الحروب‪،‬‬
‫وأصبح القانون في "أسبرطة" يجبر المرأة على مقاسمة َّ‬
‫طرح في زاوي ٍة من‬
‫وسلب المرأة حنانها وشفقتها؛ حيث يؤخذ مولودها فو َر والدتِ ِه ويُ َ‬
‫زوايا غرف ٍة مظلم ٍة يبكي ويتألَّم؛ اعتقاداً منهم أ َّن ذلك يع ِّودُه على َّ‬
‫الشجاعة وتح ُّمل‬
‫المش َّقة(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬حقوق املرأة بني اإلسالم والدايانت األخرى ‪ -‬حممود عبد احلميد حممد‪.‬‬
‫(‪ )2‬املرأة ‪ -‬زغلول بن السنوسي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الرومان‪:‬‬
‫المرأة عند ُّ‬

‫الرومان‪:‬‬
‫نميِّز بين حقبتين تاريخيَّتين عند ُّ‬
‫الحريَّة الكاملة‪ ،‬ولم يعد عليها سلطا ٌن من أحد‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الحقبة األولى‪ :‬أعطيت المرأةُ فيها‬
‫السيِّد‪ ،‬وترجع ك ُّل‬
‫السيادة فيها للمرأة في ك ِّل شيء‪ ،‬فقد قويت وأصبحت هي َّ‬
‫فكانت ِّ‬
‫المعامالت إليها‪ ،‬وأصبح األزواج يقترضون من زوجاتهم‪ ،‬وأصبحوا عبيداً عنده َّن‪،‬‬
‫وماني َّ‬
‫الشهير جواز‬ ‫ُّ‬ ‫الر‬
‫وانتشرت الفاحشة والبغاء في ذلك العصر‪ ،‬وأعلن "كاتو" القائد ُّ‬
‫الرجال والنساء عراةً في أماكن عامَّة بمرأى‬
‫اقتراف الفاحشة‪ ،‬وانتشرت ظاهرة استحمام ِّ‬
‫ومشهد من الن َّاس‪ ،‬ونالت مسرحيَّة "فلورا" المعروفة حظوةً كبيرةً عند الن َّاس لتجسيدها‬

‫الحريَّة المطلقة للن ِّساء العاريات‪ ،‬وكانت المرأة هي ال َّتي تدفع المهر َّ‬
‫للرجل لقاء إبرام‬ ‫ِّ‬
‫عق ٍد معه يس َّمى‪" :‬عقد ِّ‬
‫السيادة"(‪.)1‬‬
‫وانتشر ال َّطالق بكثرة في تلك الحقبة‪ ،‬ويقول "سينكا"‪( :‬لم يعد ال َّطالق أمراً يُن َدمُ عليه أو‬
‫الرومان)‪ ،‬ويقول "مارسيل"‪( :‬إ َّن امرأةً تز َّوجت عشرة رجال)‪ ،‬وذكر‬
‫يُستحى منه في بالد ُّ‬
‫"جروم"‪( :‬أ َّن امرأةً تز َّوجت في َّ‬
‫المرة األخيرة ال َّزوج الثَّالث والعشرين)(‪.)2‬‬
‫الحريَّة المزيَّفة ال َّتي أ ُع ِطيت للمرأة عند‬
‫ِّ‬ ‫وقت طوي ٌل على هذه‬
‫ٌ‬ ‫يمض‬
‫ِ‬ ‫الحقبة الثَّانية‪ :‬لم‬
‫الرومان حتَّى تلَتْها حقبةٌ أخرى‪ ،‬امتُ ِهنت فيها المرأةُ واض ُط ِهدت‪ ،‬ولم يعد لها ح ُّق‬ ‫ُّ‬
‫الضحك‪ ،‬ويمنع عنها الكالم‬‫التَّملُّك‪ ،‬وكانت الن َّظرة إليها أن َّها كائن بال روح‪ ،‬ويمنع عنها َّ‬
‫َّ‬
‫إال إذا طلب منها ذلك‪ ،‬وكان البعض يضع على فمها قفالً من حديد يس ُّمونه‪:‬‬
‫تتعرض ألش ِّد أنواع العقوبات‬
‫َّ‬ ‫"الموسليير"‪ ،‬وهي محرومة من أكل اللُّحوم‪ ،‬وكانت‬

‫(‪ )1‬شقائق الرجال ‪ -‬حسين شيخ عثمان‪.‬‬


‫(‪ )2‬دستور حياة املرأة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫البدنيَّة؛ ألنَّها أداة للغواية وأحبولة من حبائل َّ‬
‫الشيطان(‪.)1‬‬
‫أي محكمة حتَّى بصفة شاهدة‪ ،‬وإذا‬
‫وحسب قانون روما‪ :‬ال يجوز للمرأة أن تظهر في ِّ‬
‫مات زوجها فليس لها الح ُّق أن تُطالب بشيء من ماله‪ ،‬ويجب أن تكون دائماً تحت‬
‫رجل‪ ،‬حتَّى لو كان ابنَها ولو كان صغيراً‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وصاية‬
‫فالرومان‬
‫الرومانيَّة‪ :‬كانت تواجه المرأة أش َّد أنواع العقوبات‪ُّ ،‬‬
‫وفي عهد االمبراطوريَّة ُّ‬
‫المغلي على أجسامه َّن‪ ،‬ويربطونه َّن بذيول الخيول وينطلقون‬
‫َّ‬ ‫كانوا يسكبون ال َّزيت‬
‫بأقصى سرعة‪ ،‬ويربطونه َّن باألعمدة يسكبون الن َّار فوقه َّن‪ ،‬ومن ح ِّق ال َّزوج أن يحكم‬
‫على زوجته باإلعدام في بعض التُّهم(‪.)2‬‬
‫الرومان "شيسرون"‪ :‬أ َّن المرأة ضعيفة وقليلة الخبرة وناقصة العقل‪ ،‬ولذلك ال‬
‫ويرى فقيه ُّ‬
‫كامل عليها(‪.)3‬‬
‫ٍ‬ ‫ب َّد من نظام وصاية‬

‫المرأة عند الفرس‪:‬‬

‫كانت المرأة الفارسيَّة أمَةً حبيسةَ بيتِها‪ ،‬تباع بيع َّ‬


‫السوائم‪ ،‬فقد أباحت األنظمة الفارسيَّة‬
‫الرجل المطلقة‪ ،‬ويح ُّق له أن يحكم عليها بالموت‬
‫بيعها وشراءها‪ ،‬وكانت تحت سلطة َّ‬
‫رعي أبعدوها عن المنازل‪،‬‬ ‫دون مؤاخذة أو رقيب‪ ،‬وإذا كانت المرأة في العذر َّ‬
‫الش ِّ‬
‫وجعلوها في خيمة صغيرة خارج البلدة‪ ،‬وال يخالطها أحدٌ‪ ،‬وحين يقدِّم لها الخدمُ‬
‫بلفائف من القماش؛ خوفاً من أن يتن َّ‬
‫جسوا‬ ‫َ‬ ‫ال َّطعامَ كانوا يل ُّفون أنوفَهم وآذانَهم وأيديَهم‬
‫مسوا األشياء المحيطة به َّن‪.‬‬
‫مسوه َّن أو ُّ‬
‫إذا ُّ‬
‫واج بالمحارم من الن َّسب كاألمَّهات واألخوات والبنات‬
‫وأباحت األنظمة الفارسيَّة ال َّز َ‬
‫والع َّمات والخاالت وبنات األخ وبنات األخت‪ ،‬حتى إ َّن "يزدجرد الثَّاني" تز َّوج ابنته ث َّم‬

‫(‪ )1‬اإلسالم ومكانة املرأة ‪ -‬د‪ .‬حممد عبد العليم مرسي‪.‬‬


‫(‪ )2‬املرأة يف التصور اإلسالمي ـ عبدالعال حممد اجلربي‪.‬‬
‫(‪ )3‬املرأة عند الرومان د‪ .‬حممود سالم زانيت‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫قتلها‪ ،‬و"بهرام جوبين" كان متز ِّوجاً بأخته(‪.)1‬‬
‫اني(‪ )2‬أ َّن "مزدك" أعلن أ َّن الن َّاس ُولِدوا سواءً ال فرق بينهم‪ ،‬ول َّما‬ ‫ويذكر َّ‬
‫العالمة َّ‬
‫الشهرست ُّ‬
‫كان المال والن ِّساء م َّما حرصت الن ُّفوس على حفظه وحراسته كان ذلك أه َّم ما تجب فيه‬
‫المساواة واالشتراك‪ ،‬فأح َّل الن ِّساء وأباح األموال‪ ،‬وجعل الن َّاس شركة فيه كاشتراكهم في‬
‫الشباب واألغنياء والمترفين قبوالً‪ ،‬فأخذ‬
‫ت هذه ال َّدعوةُ عند َّ‬
‫الماء والن َّار والكأل‪ ،‬ولقيَ ْ‬
‫"فارس" في الفوضى الخلقيَّة وطغيان َّ‬
‫الشهوات‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يناصرها ويؤيِّدُها حتَّى انغمست‬
‫ُ‬ ‫"قباذ"‬
‫الرج ُل ال يعرف ابنَهُ‪ ،‬وال االب ُن أباهُ(‪.)3‬‬
‫حتَّى صار َّ‬

‫المرأة عند اليهود‪:‬‬

‫سر أو أمر‬ ‫المرأة عندهم لعنةٌ ينبغي التَّ ُّ‬


‫حرز منها واالبتعاد عنها‪ ،‬وال ينبغي ائتمانها على ٍّ‬
‫أمر من الموت المرأة ال َّتي هي‬
‫هامٍّ عندهم‪ ،‬وقد جاء في التَّوراة التَّحذير منها‪( :‬فوجدت َّ‬
‫والصالح أمام اهلل ينجو منها)(‪.)4‬‬
‫َّ‬ ‫شباك وقلبها أشواك ويداها قيود‪،‬‬
‫‪ -‬والمرأة هي المسؤولة عن خطيئة البشريَّة األولى عند اليهود‪ ،‬فهي ال َّتي أعطت‬
‫الشجرة ليأكل منها‪( :‬إ َّن الحيَّة أغرت المرأةَ باألكل من تلك َّ‬
‫الشجرة‪،‬‬ ‫آدم من َّ‬
‫فأخذت من ثمرها وأكلت‪ ،‬وأعطت رجلَها أيضاً فأكل معها‪ ،‬فانفتحت أعينهما‪،‬‬
‫وعلما أن َّهما عريانان)‪.‬‬

‫‪ -‬والمرأة تباع وتشترى‪( :‬إذا باع َّ‬


‫الرجل ابنته أمةً ال تخرج كما يخرج العبيد)‪.‬‬

‫‪ -‬نجاسة والدة األنثى ضعف نجاسة والدة َّ‬


‫الرجل‪( :‬إذا حبلت امرأة وولدت ذكراً‬

‫تكون نجاسته سبعة أيَّام‪ ،‬ث َّم تقيم ثالثة وثالثين يوماً في دم تطهيرها‪ ،‬وإذا ولدت‬

‫(‪ )1‬اتريخ الطربي‪.‬‬


‫(‪ )2‬امللل والنحل للشهرستاين‪.‬‬
‫(‪ )3‬اتريخ الطربي‪.‬‬
‫(‪ )4‬التوراة‪ :‬سفر اجلامعة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫أنثى تكون نجسة أسبوعين‪ ،‬ث َّم تقيم ستَّة وستِّين يوماً في دم تطهيرها)‪.‬‬
‫‪ -‬ال ترث البنت عندهم َّ‬
‫إال عند فقد ال ُّذكور فقط‪( :‬أيُّما رجل مات وليس له بنون‬
‫تنقلون ملكه إلى ابنته)‪.‬‬
‫فبمجرد عزمه على مفارقتها‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬متى نوى ال َّزوج ال َّطالق حرمت عليه معاشرة زوجته‪،‬‬
‫وجب عليه اإلسراع إلى طالقها‪.‬‬

‫‪ -‬ليس للمرأة أن تطلب ال َّطالق مهما كانت عيوب َّ‬


‫الرجل‪ ،‬حتَّى لو ثبت عليه ال ِّزنا‪.‬‬
‫الشريعة كإلقاء اللُّؤلؤ إلى‬ ‫‪ -‬يمنع على المرأة تعلُّ ُم َّ‬
‫الشريعة‪ ،‬ويع ُّد تعليم المرأة َّ‬
‫الخنازير‪.‬‬
‫‪ -‬يفترض على المرأة األرملة أن تتز َّوج أخا زوجها‪.‬‬
‫شيطاني‪ ،‬وشهادةُ مئ ِة امرأ ٍة تَع ِد ُل شهادةَ رجل واحد‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫‪ -‬المرأة كائن‬
‫يمر بين امرأتين أو كلبين أو خنزيرين‪ ،‬كما يجب َّ‬
‫أال يسمح‬ ‫الرجل َّ‬
‫أال َّ‬ ‫‪ -‬يجب على َّ‬
‫تمر امرأةٌ بينهما أو كلب أو خنزير‪.‬‬
‫رجالن بأن َّ‬
‫س ال َّتي يلبسها اليهودُ َّ‬
‫للصالة‪ ،‬وإذا فعلت ذلك‬ ‫‪ -‬ال يجوز أن تلمس المرأةُ ال َّطيَال ِ َ‬
‫فال يُجزئ غسلُهُ‪ ،‬بل ال ب َّد من استبداله‪.‬‬
‫‪ -‬في التّلمود‪ :‬المرأةُ هي حقيبةٌ مملوءة بالغائط‪.‬‬
‫رأسها كامالً بعد زواجها‪ ،‬وإن لم‬
‫شعر ِ‬
‫َ‬ ‫‪ -‬يجب على المرأة إذا تز َّوجت أن تح ِل َق‬
‫تفعل فلزوجها الح ُّق في طالقها(‪.)1‬‬
‫وهذا غيض من فيض من نظرة اليهود إلى المرأة‪ ،‬ويصل بهم األمر إلى ح ٍّد من ال َّذمِّ‬
‫واإلساءة للمرأة يندى له الجبين‪ ،‬م َّما يعجز القلم عن كتابته‪ ،‬ويستحي المرء من ذكره‪.‬‬
‫والسؤال ال َّذي يطرح نفسه‪ :‬لماذا يهت ُّم الباحثون والمستشرقون دائماً بالمرأة في اإلسالم‪،‬‬
‫ُّ‬
‫حة‪ ،‬وال يسلِّطون‬
‫الص َّ‬
‫ويص ِّوبون سهام نقدهم نحو أوهام وتساؤالت ال أساس لها من ِّ‬

‫(‪ )1‬قصة احلضارة ‪ -‬دول ديورانت‪ ،‬وتعاليم التلمود اليهودية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الضوء على المرأة عند اليهود؟؟!! هنا تظهر ازدواجيَّة المعايير عالميّاً وفي المحافل‬
‫َّ‬
‫ال َّدوليَّة‪ ،‬ويتجلَّى الجه ُل بتعاليم اإلسالم عند الن َّاس‪ ،‬وفي مق ِّدمتهم الكثير من المث َّقفين‬
‫لألسف‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارةُ إلى أ َّن هذا ال َّذي قدَّمناه عن المرأة عند اليهود هو تعالي ُم التُّلمود الفاسدة‬
‫وآراؤه المنحرفة تجاه المرأة‪ ،‬وليس في شريعة اهلل المنزَّلة على سيِّدنا موسى عليه‬
‫السالم‪.‬‬
‫َّ‬

‫المرأة في القا َّرة األوروب ِّيَّة‪:‬‬

‫عزا األورب ّيُّون القدماء للمرأة ك َّل ما يعانون فيه من شرور‪ ،‬وعدُّوها مسؤولة عن ك ِّل‬
‫ودنس يجب االبتعاد عنه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أخالقي في المجتمع‪ ،‬فهي باب من أبواب َّ‬
‫الشيطان‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫انحالل‬
‫نفس له‪ ،‬وأنَّها لن ترث‬
‫َ‬ ‫قرر فيه‪ :‬أنَّها كائ ٌن ال‬
‫وشر ال ب َّد منه‪ ،‬وعقد مجمع "روما" اجتماعاً َّ‬
‫ٌّ‬
‫ورجس ينبغي أن ال تأكل اللَّحم‪ ،‬وأن ال تضحك‪ ،‬وأن ال تتكلَّم‪ ،‬بل‬
‫ٌ‬ ‫الحياة األخرويَّة‪،‬‬
‫الصالة والعبادة والخدمة‪ ،‬وأوجبوا عليها عقوبات بدنيَّة؛‬
‫عليها أن تمضي أوقاتها في َّ‬
‫ألنَّها أداة َّ‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫وفي فرنسا عام ‪/586‬م اجتمع مجمع "ماكون" للبحث في المسائل التَّالية‪:‬‬
‫‪ -‬هل المرأةُ جسم ال روح فيه أو لها روح؟‬
‫‪ -‬أتع ُّد إنساناً أو ليست كذلك؟‬
‫‪ -‬هل هي أه ٌل ألن تتل َّقى الدِّين؟‬
‫تصح منها العبادة؟‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬هل‬
‫الروح الن َّاجية‬ ‫وقرر المجمع‪ :‬أ َّن المرأة إنسا ٌن‪ ،‬ولكنَّها مخلوقة لخدمة َّ‬
‫الرجل‪ ،‬وتخلو من ُّ‬ ‫َّ‬
‫من عذاب جهن َّم (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬روح الدين اإلسالمي ‪ -‬عبد الفتاح طبارة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫واستمر احتقا ُر األورب ِّيِّين للمرأة في العصور الوسطى حتَّى عهد الفروسيَّة‪ ،‬حيث نالت‬
‫َّ‬
‫بعضاً من حقوقها‪ ،‬ولكن َّها ظلَّت قاصرةً ال ح َّق لها في التَّ ُّ‬
‫صرف بأموالها‪.‬‬
‫ول َّما قامت الثَّورة الفرنسيَّة في نهاية القرن الثَّامن عشر وأعلنت تحرير اإلنسان من‬
‫العبوديَّة لم يشمل ذلك المرأةَ‪ ،‬بل أعلن "نابليون بونابرت"‪ :‬أ َّن ال َّطبيعة قد جعلت من‬
‫الفرنسي‪ ،‬وفي المادَّة ‪ 213‬منه‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫نسائنا عبيداً لنا‪ ،‬وبموجب ذلك صدر القانون‬
‫أي شيء ولو كان من مالها ال َّذي تملكه قبل ال َّزواج‬
‫تتصرف في ِّ‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬ليس للمرأة أن‬
‫َّ‬
‫إال بإذن زوجها‪.‬‬
‫‪ -‬ليس لها جنسيَّة بعد ال َّزواج َّ‬
‫إال جنسيَّة زوجها‪.‬‬
‫‪ -‬عند ال َّزواج تفقد اسم عائلتها وتحمل لِزاماً اسم زوجها‪.‬‬
‫وفي المادَّة ‪ 214‬منه‪:‬‬
‫الشرطةُ ال َّزوجةَ بالعيش في بيت ال َّزوجيَّة ال َّذي يحدِّده ال َّزوج‪.‬‬
‫‪ -‬تلزم ّ‬
‫وفي المادَّة ‪:216‬‬
‫قضائي َّ‬
‫إال بإذن زوجها‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫‪ -‬ليس للمرأة المتز ِّوجة الح ُّق في ِّ‬
‫أي إجراء‬
‫وفي المادَّة ‪:1124‬‬
‫‪ -‬ال يتمتَّع بأهليَّة التَّعاقد ثالثة‪ :‬القاصرون والمحجور عليهم والمتز ِّوجات‪.‬‬
‫وات َّفقت كلمة المؤ ِّرخين والباحثين أ َّن هذا الموقف المشين للمرأة لم يكن في فرنسا‬
‫فقط‪ ،‬بل كان يشمل ك َّل البالد األوروب ِّيَّة‪.‬‬
‫السعر‬
‫للرجل أن يبيع زوجته‪ ،‬وقد ح َّدد ِّ‬
‫اإلنكليزي يبيح َّ‬
‫ُّ‬ ‫وحتَّى عام ‪ 1802‬م ظ َّل القانون‬
‫في ذلك الوقت بستَّة بنسات‪ ،‬وحدث أ َّن إنكليزيّاً باع زوجته عام ‪ 1931‬م بخمسمئة‬
‫جنيه وحكم على ال َّزوج بال ّسجن عشرة أشهر‪ ،‬وإيطاليّاً باع زوجته عام ‪1961‬م‬
‫المشتري(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫وج‬
‫باألقساط‪ ،‬ول َّما امتنع المشتري عن سداد األقساط قتل ال َّز ُ‬

‫(‪ )1‬دستور حياة املرأة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫المرأة عند العرب في الجاهليَّة قبل اإلسالم‪:‬‬

‫وشر‬
‫ٌّ‬ ‫كان العرب يتشاءمون من المرأة ويتطيَّرون منها‪ ،‬وإذا كان المولود أنثى فهي بالء‬
‫األُنْثَى َظ َّل َو ْج ُههُ مُ ْس َودًّا َو ُه َو َك ِظي ٌم‬
‫على األسرة بأكملها‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬وإِذَا ب ُ ِّش َر أ َ َح ُد ُه ْم بِ ْ‬

‫اب أ َ َال َساءَ‬


‫ُون أ َ ْم يَد ُُّسهُ فِي الت َُّر ِ‬
‫(‪ )58‬يَتَ َوا َرى ِم َن ال ْ َق ْو ِم ِم ْن ُسو ِء َما ب ُ ِّش َر بِ ِه أَيُ ْم ِس ُكهُ عَلَى ه ٍ‬
‫ح ُك ُمو َن﴾ [النَّحل‪.)1( ]59 ،58 :‬‬
‫مَا يَ ْ‬
‫وقد أدَّى كرههم هذا للمرأة بأن يتخلَّصوا منها ويقضوا عليها‪ ،‬وذلك بوأدها بعد والدتها‬

‫وهي حيَّةٌ‪ ،‬وذلك لخوفهم من شؤمها‪ ،‬وخشية َّ‬


‫السبي في الحروب‪ ،‬وإلحاقهم العار‬
‫مستمرة عند العرب َّ‬
‫إال ما رحم اهلل‬ ‫َّ‬ ‫والفضيحة‪ ،‬وقد ذكر المؤ ِّرخون أ َّن هذا كان عادة‬
‫الشنيعة بقوله سبحانه‪َ ﴿ :‬وإِذَا ال ْ َم ْوءُودَةُ ُسئِلَ ْ‬
‫ت‬ ‫سبحانه‪ ،‬وقد أشار القرآن إلى هذه الفعلة َّ‬
‫ب قُتِلَ ْ‬
‫ت﴾ [التَّكوير‪.)2(]9 ،8 :‬‬ ‫(‪ )8‬بِأ َ ِّ‬
‫ي ذَن ْ ٍ‬
‫وتع ُّد ال َّزوجة جزءاً من تركة زوجها‪ ،‬فإذا مات ورثها أبناؤه من غيرها مع تركته‪ ،‬ثم إ َّن‬
‫لهم بعد ذلك أن يتز َّوجوها‪ ،‬أو يز ِّوجوها من يشاؤون ويأخذون مهرها‪ ،‬وإن شاؤوا‬
‫عضلوها ومنعوها من ال َّزواج حتَّى تفتدي نفسها بالمال‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬يَاأَيُّ َها ال َّ ِذي َن آمَنُوا‬
‫ْض َما آتَيْتُ ُمو ُه َّن إ َِّال أ َ ْن يَأْتِي َن‬ ‫َال يَ ِح ُّل ل َ ُك ْم أ َ ْن ت َ ِرثُوا الن ِّ َساءَ َك ْرهًا َو َال تَع ُ‬
‫ْضلُو ُه َّن لِتَ ْذ َهبُوا بِبَع ِ‬
‫اهللُ‬ ‫وف ف َ ِإ ْن َك ِر ْهتُ ُمو ُه َّن فَع ََسى أ َ ْن ت َ ْك َرهُوا َشيْئًا َويَ ْ‬
‫ج َع َل َّ‬ ‫َاش ُرو ُه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫اح َش ٍة مُبَيِّن َ ٍة َوع ِ‬
‫بِ َف ِ‬

‫فِي ِه َخيْ ًرا َكثِ ً‬


‫يرا﴾ [النِّساء‪.)3(]19 :‬‬
‫بالرجال‪ ،‬قال سيِّدنا عمر بن الخ َّطاب‬
‫وهي محرومة من اإلرث عندهم‪ ،‬فاإلرث محصور ِّ‬
‫رضي اهلل عنه‪( :‬واهلل إنَّا كنَّا في الجاهليَّة ما ن َ ُع ُّد الن ِّساء شيئاً‪ ،‬حتَّى أنزل اهللُ فيه َّن ما أنزل‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)216-215/14‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)65-64/30‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)187-185 /4‬‬

‫‪16‬‬
‫وقسم له َّن ما قسم)(‪.)1‬‬
‫ويجوز لل َّزوج طالق زوجته متى شاء‪ ،‬وبعدد غير محصور من ال َّطلقات‪ ،‬وله أن يراجعها‬
‫أي ح ٍّق م َّما ذكر‪.‬‬
‫متى شاء‪ ،‬وليس لها ُّ‬
‫للرجل أن يتز َّوج بعشرة أو بعشرين امرأةً أو أكثر‪.‬‬
‫ليس لل َّزوجات عدد معيَّن‪ ،‬يجوز َّ‬
‫وشاع عند العرب "نكاح االستبضاع"‪ ،‬وذلك بأن يرسل ال َّزوج زوجته بعد استبرائها إلى‬
‫أحد زعماء القبائل المعروفين َّ‬
‫بالشجاعة والق َّوة ومكارم األخالق لتحمل منه‪ ،‬ث َّم تعود‬
‫بعد حملها لزوجها؛ طلباً لنجابة الولد على ح ِّد زعمهم‪.‬‬
‫الرجل ابنته من آخر شريطة أن‬ ‫كما انتشر عند العرب "نكاح ِّ‬
‫الشغار"‪ ،‬وهو أن يز ِّوج َّ‬
‫اآلخر ابنته‪ ،‬أو أخته بأخته‪ ،‬فتكون بذلك المرأة مهراً لزوجة أبيها أو زوجة‬
‫ُ‬ ‫يز ِّوجه‬
‫أخيها(‪.)2‬‬

‫المرأة في اإلسالم‪:‬‬

‫وسن َّة َّ‬


‫الرسول الكريم سيِّدنا‬ ‫اإلسالمي من خالل كتاب اهلل ﷻ‬
‫ِّ‬ ‫لع َّل الن َّاظر في التَّشريع‬
‫َ‬
‫تحظ بها في‬ ‫مح َّمد ﷺ يدرك بأدنى تأ ُّم ٍل أ َّن اإلسالم ب َّوأ المرأة منزلةً وأعطاها مكانةً لم‬
‫وضعي على مدى العصور المتالحقة وحتَّى عصرنا الحاضر‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫اجتماعي‬
‫ٍّ‬ ‫نظام‬ ‫ٍ‬
‫قانون أو ٍ‬ ‫أي‬
‫ِّ‬
‫تدر ُك ذلك جليّاً من خالل الخالصة ال َّتي قدَّمتُها لك عن المرأة في األمم َّ‬
‫السابقة‪.‬‬

‫إنساني النَّزْع ِة حين وهبها إنسانيَّتها المسلوبة‪َّ ،‬‬


‫وقرر للمرأة‬ ‫َّ‬ ‫اإلسالمي‬
‫ُّ‬ ‫فقد كان التَّشريع‬
‫حقوقها دون ثورة من الن ِّساء ودون مؤتمرات واحتجاجات‪ ،‬بل دون مطالبة منه َّن‪ ،‬بل‬
‫كان نبي َل الغاية والهدف‪ ،‬فأعطاها حقوقها من غير تملُّ ٍق للحاجة إليها‪ ،‬وال استغالل‬
‫ٍ‬
‫لسلوك ينسجم مع طبيعتها وفطرتها‪ ،‬وال يح ِّملها‬ ‫ألنوثتها‪ ،‬وكان رحيماً بها في توجيهها‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)5359‬‬


‫(‪ )2‬املرأة يف ضوء الشريعة اإلسالمية ‪ -‬د‪ .‬أمحد احلجي الكردي‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫من الواجبات واألعباء ما يرهقها‪.‬‬
‫والقانوني ال َّذي جاء به اإلسالمُ هو ال َّذي‬
‫ُّ‬ ‫واالجتماعي‬
‫ُّ‬ ‫فسي‬ ‫خلُ ُّ‬
‫قي والن َّ ُّ‬ ‫هذا اإلصالح ال ُ‬

‫أعطاها مكانةً ساميةً ال نظير لها‪ ،‬وهو ال َّذي بدَّل عقليَّة َّ‬
‫الرجل تجاه المرأة‪ ،‬وعقليِّة المرأة‬
‫الرجل والمرأة في‬ ‫الصحيح‪ ،‬ووضع ّ‬
‫كالً من َّ‬ ‫الرجل‪ ،‬ورفع مقام األنوثة بالمعنى َّ‬
‫تجاه َّ‬
‫موضعه ال َّط ِّ‬
‫بيعي‪.‬‬
‫اإلنساني ع َّز المرأة‬
‫ِّ‬ ‫كالرجل‪ ،‬وبعث في التَّص ُّور‬ ‫فهو ال َّذي علَّم ال ُّدنيا أ َّن المرأة إنسا ٌن َّ‬
‫اس إِنَّا َخلَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن ذَ َك ٍر َوأُنْثَى َو َجعَلْنَا ُك ْم ُشعُوبًا َوقَبَائِ َل‬ ‫َ‬
‫وكرامتها‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬يَاأيُّ َها الن َّ ُ‬
‫ير﴾ [الحجرات‪ ،]13 :‬وقال سبحانه‪:‬‬ ‫اهللِ أَت ْ َقا ُك ْم إِ َّن َّ‬
‫اهللَ َع ِلي ٌم َخبِ ٌ‬ ‫لِتَعَا َرفُوا إِ َّن أ َ ْك َرمَ ُك ْم ِعن ْ َد َّ‬

‫اح َد ٍة َو َخلَ َق ِمن ْ َها َز ْو َج َها َوب َ َّ‬


‫ث ِمن ْ ُه َما‬ ‫س َو ِ‬ ‫اس ات َّ ُقوا َرب َّ ُك ُم ال َّ ِذي َخلَ َق ُك ْم ِم ْن ن َ ْف ٍ‬ ‫َ‬
‫﴿يَاأيُّ َها الن َّ ُ‬
‫م َرقِيبًا﴾ [النِّساء‪:‬‬ ‫اهللَ ال َّ ِذي ت َ َساءَلُو َن بِ ِه َو ْاأل َ ْر َحامَ إِ َّن َّ‬
‫اهللَ َكا َن عَلَيْ ُك ْ‬ ‫يرا َونِ َساءً َوات َّ ُقوا َّ‬ ‫ِر َج ً‬
‫اال َكثِ ً‬
‫‪.)1(]1‬‬
‫وهو ال َّذي بيَّن أنَّها أهل للعبادة والتَّديُّن ودخول الجن َّة إن هي أحسنت‪ ،‬والعقاب إن‬
‫ات ِم ْن ذَ َك ٍر أ َ ْو أُنْثَى َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن‬
‫ح ِ‬ ‫الصال ِ َ‬
‫كالرجل سواء بسواء‪َ ﴿ :‬و َم ْن يَ ْع َم ْل ِم َن َّ‬ ‫أساءت َّ‬
‫يرا﴾ [النِّساء‪.)2(]124 :‬‬ ‫جنَّةَ َو َال يُ ْظلَ ُمو َن ن َ ِق ً‬ ‫فَأُولَئِ َ‬
‫ك يَ ْد ُخلُو َن ال ْ َ‬
‫السابقة بأنَّها سبب خروج آدم من‬ ‫وهو ال َّذي دفع عنها اللَّعنة ال َّتي ألصقتها بها األمم َّ‬
‫الشيْ َطا ُن َعن ْ َها فَأ َ ْخ َر َج ُه َما ِم َّما َكانَا‬
‫الجن َّة‪ ،‬وبيَّن القرآن أ َّن ذلك كان منهما معاً‪﴿ :‬فَأ َ َزل َّ ُه َما َّ‬

‫ي ل َ ُه َما َما ُوو ِر َ‬ ‫س ل َ ُه َما َّ‬


‫الشيْ َطا ُن لِيُبْ ِد َ‬ ‫فِي ِه﴾ [البقرة‪﴿ ، ]36 :‬ف َ َو ْس َو َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ي َعن ْ ُه َما ِم ْن َس ْوآتِ ِه َما﴾‬
‫َصى آدَمُ ربَّه ف َ َغوى﴾‪.‬‬
‫[األعراف‪ )4(]20 :‬بل ح َّمل آدم الجزء األكبر من اإلثم ﴿ َوع َ‬
‫إال كريم‪ ،‬وما أهانه َّن َّ‬
‫إال لئيم))(‪ ،)5‬وأوصى‬ ‫وبرها‪(( :‬ما أكرمه َّن َّ‬
‫وهو ال َّذي أمر بإكرامها ِّ‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)167-163 /4‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)198 /5‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)165-162 /1‬‬
‫(‪ (4‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)115 /8‬‬
‫(‪ (5‬رواه ابن عساكر يف األربعني يف مناقب أمهات املؤمنني (‪.)39‬‬

‫‪18‬‬
‫باإلحسان إليه َّن‪(( :‬استوصوا بالن ِّساء خيراً)) ‪ ،‬وجعل المرأة أمانةً عند َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الرجل‪ ،‬وسيسأل‬

‫عن هذه األمانة‪(( :‬أخذتموه َّن بأمان اهلل)) ‪ ،‬وهو ال َّذي ساواها مع َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الرجل في الحقوق‬
‫إلى غير ذلك م َّما‬ ‫(‪)3‬‬
‫[البقرة‪]228 :‬‬ ‫والواجبات‪َ ﴿ :‬ول َ ُه َّن ِمثْ ُل ال َّ ِذي عَلَيْ ِه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫وف﴾‬
‫سنتعرض له في هذه الخالصة‪.‬‬
‫َّ‬
‫وكانت المرأة حاضرةً في ك ِّل العناوين األساسيَّة والفرعيَّة في قضايا المجتمع والتَّشريع‬
‫للرجل في ك ِّل شي ٍء‪،‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فلم يحجر اإلسالم على المرأة‪ ،‬وإن َّما كانت مشاركةً َّ‬
‫ِّ‬
‫جب المرأة عن المجتمع على اإلطالق‪ -‬كما ي َّدعي بعض الن َّاس‪ :-‬بأ َّن اإلسالم‬
‫ولم تُح َ‬
‫السيِّدة عائشة أمُّ المؤمنين رضي اهلل عنها كانت تعلِّم‬
‫أبعدها عن الحياة العامَّة‪ ،‬فهذه َّ‬

‫الصحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬وكذلك فإ َّن أعظم مشور ٍة ق ُ ِّدمت للن َّ ِّ‬
‫بي ﷺ كانت من أ ِّم سلمةَ‬ ‫َّ‬
‫صلْ ِح الحديبية‪ ،‬وعندما ُج ِمع القرآن الكريم في عهد سيِّدنا أبي بك ٍر‬
‫رضي اهلل عنها يومَ ُ‬
‫الص ِّديق ‪ ‬وبعده سيِّدنا عمر ‪ُ ‬و ِضع عند امرأ ٍة في بيتها وهي َّ‬
‫السيِّدة حفصة بنت عمر‬ ‫ِّ‬
‫رضي اهلل عنها‪ ،‬ك ُّل ذلك يد ُّل على قدر المرأة ورفعة شأنها في اإلسالم‪.‬‬
‫وذُ ِكرت المرأة في سورة (الن ِّساء) وسورة (المائدة) وسورة (األحزاب) وسورة (ال َّطالق)‬
‫وسورة (التَّحريم) وسورة (الممتحنة) وسورة (المجادلة) وسورة (مريم)‪ ،‬وغيرها من‬

‫سور القرآن الكريم‪ ،‬وتحدَّث عنها القرآن تماماً كما تحدَّث عن َّ‬
‫الرجل‪ ،‬بل َّ‬
‫فضلها عليه‬
‫إن كانت صالحةً ولم يكن هو كذلك‪ ،‬فقد ألغى األفضليَّة لل ُّذكورة‪ ،‬وجعل األفضليَّة‬
‫اس إِنَّا َخلَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن ذَ َك ٍر َوأُنْثَى َو َجعَلْنَا ُك ْم ُشعُوبًا َوقَبَائِ َل لِتَعَا َرفُوا إِ َّن‬ ‫َ‬
‫للتَّقوى‪﴿ :‬يَاأيُّ َها الن َّ ُ‬
‫أ َ ْكرمَ ُك ْم ِعن ْ َد َّ َ‬
‫ير﴾ [الحجرات‪.)4(]13 :‬كما جعل القرآن الكريم‬ ‫اهللِ أت ْ َقا ُك ْم إِ َّن اهللَ َع ِلي ٌم َخبِ ٌ‬ ‫َ‬
‫ومثاال لجميع المؤمنين في عدَّة حاالت وتحدَّث عن إيمانها وعقلها‬ ‫ً‬ ‫المرأة قدوة‬

‫(‪ (1‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)3331‬‬


‫(‪ (2‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪.)1218‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)268-263 /2‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)160-159/4‬‬

‫‪19‬‬
‫كالسيِّدة مريم وزوجة فرعون وأمِّ موسى وملكة سبأ وغيره َّن‪.‬‬
‫ورشدها وثباتها وطهرها َّ‬
‫السابقة وعند‬
‫ف بين ما كانت عليه المرأة في األمم َّ‬ ‫وبمقارن ٍة بسيطة يُج ِريها الـ ُم ِ‬
‫نص ُ‬
‫مفر منها‪ ،‬وهي‪ :‬أ َّن‬
‫العرب في الجاهليَّة وبين حالها بعد اإلسالم سيصل إلى نتيجة ال َّ‬
‫اإلسالم هو ال َّذي أعطى المرأة حقوقها‪ ،‬وانتشلها من َو ْحل المهانة‪ ،‬وأنقذها من مستنقع‬
‫ال ُّذ ِّل‪ ،‬وبلغت أسمى ما تصبو إليه من ع َّزة وكرامة وشرف وقَدْر‪.‬‬

‫قضيَّة المرأة في الوقت الحاضر‪:‬‬

‫ت ُ َع ُّد نظرةُ اإلسالم للمرأة وما يتبع تلك النَّظرة من تشـريعات‪ ،‬وما يرتبط بها من حقوق‬
‫وواجبات‪ ،‬من أكثر القضايا الَّتي ت ُثار حولها التَّساؤالت‪ ،‬وتحوم حولها ُّ‬
‫الشبهات‬
‫والتَّشكيك‪ ،‬ال سيَّما في العصـر الحديث‪ ،‬عصـر تمكين المرأة والحركات النَّسويَّة‬
‫بالرجل في كافَّة المجاالت‪.‬‬
‫العالميَّة‪ ،‬عصر المطالبة بمساواة المرأة َّ‬
‫وعند النَّظر بموضوعيَّ ٍة لقضيَّة (المرأة في اإلسالم) و(هل أنصف اإلسالم المرأة؟) ال ب َّد‬
‫نقر بوجود اتِّجاهين خطيرين يؤثِّران سلباً في هذه القضيَّة‪:‬‬
‫بداية أن َّ‬
‫المتطرفة وقلَّة قليلة من الفقهاء‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫_ االتِّجاه األ َّول‪ :‬المتشدِّد‪ :‬الَّذي تتبنَّاه المجموعات‬
‫وهو االتِّجاه الَّذي يريد أن يفرض على المرأة عادات وتقاليد بالية‪ ،‬ويلبس هذه العادات‬
‫وس الدِّين‪ ،‬ويعمل على ل َ ِّي أعناق النُّصوص والتَّالعب باألدلَّة َّ‬
‫الشـرعيَّة؛ لتخدم نظرته‬ ‫لَبُ َ‬
‫هذه‪ ،‬واألمثلةُ كثيرةٌ‪ :‬كال ِح ْرمان من التَّعليم والميراث‪ ،‬ومنعها من العمل أو الخروج من‬
‫المنزل‪ ،‬أو الزَّعم بأ َّن صوتها عورة‪ ،‬وغي ِر ذلك‪.‬‬
‫_ االتِّجاه الثَّاني‪ :‬المعادي لإلسالم‪ :‬والَّذي يعمد إلى تشويه صورته وأحكامه في ك ِّل‬
‫الغربي‬
‫ِّ‬ ‫مناسب ٍة‪ ،‬ورميها بالتَّخلُّف والجهل‪ ،‬بدءاً من المستشـرقين وصوالً إلى اإلعالم‬
‫العربي الملحق بها من خالل أدوات عديدة‪ ،‬كالنَّدوات‬
‫ِّ‬ ‫وبعض اإلعالم‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الضخم‪،‬‬
‫واألفالم والمسلسالت واإلعالنات وغير ذلك‪.‬‬
‫تأثير‬
‫َ‬ ‫لذلك إذا أردنا أن نبحث في نظرة اإلسالم بدقَّة إلى قضايا المرأة ال ب َّد أن نن ِّ‬
‫ح َي‬

‫‪20‬‬
‫والسنَّة‪ ،‬وكيفيَّة تطبيق‬
‫ُّ‬ ‫هذين التَّيَّارين جانباً‪ ،‬وننظر بعمق إلى النُّصوص الثَّابتة من القرآن‬
‫الرسول الكريم ﷺ لهذه الن ُّصوص؛ لنكون أقرب في الوصول إلى الحقيقة‪.‬‬
‫َّ‬

‫من هي المرأة المقصودة في نصوص اإلسالم‪:‬‬

‫المرأة في الن ُّصوص َّ‬


‫الشرعيَّة اإلسالميَّة هي‪ :‬األمُّ‪ ،‬وال َّزوجة‪ ،‬والبنت‪ ،‬والج َّدة‪ ،‬واألخت‪،‬‬
‫والع َّمة‪ ،‬والخالة‪ ،‬بحيث تتَّسع الن َّظرة لها وال تكون مجتزأة وقاصرة كنظرة الغرب ال َّذي‬
‫الرأسماليَّة‬
‫الرجل أو سلعة ترتبط قيمتها بجمالها أو أداة في د َّوامة َّ‬ ‫ال يرى المرأة َّ‬
‫إال عد َّوة َّ‬
‫واللِّيبراليَّة ال َّتي تح ِّول اإلنسان إلى آلة وتفقده معنى وجوده‪...‬‬
‫‪ -‬أمَّا األمُّ‪:‬‬
‫في القرآن الكريم باإلحسان للوالدين‪ ،‬وقرن ذلك بعبادته‬ ‫فقد أوصى اهلل ﷻ‬
‫اهللَ َو َال ت ُ ْش ِر ُكوا بِ ِه َشيْئًا َوبِال ْ َوال ِ َديْ ِن إِ ْح َسانًا﴾‬
‫[النِّساء‪:‬‬ ‫سبحانه‪ ،‬فقال‪َ ﴿ :‬وا ْعبُدُوا َّ‬

‫سانًا﴾ [اإلسراء‪:‬‬ ‫ك أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا إ َِّال إِيَّاهُ َوبِال ْ َوال ِ َديْ ِن إِ ْح َ‬


‫ضى َرب ُّ َ‬ ‫‪ ،)1(]36‬وقال‪َ ﴿ :‬وق َ َ‬
‫‪ ،)2(]23‬واألمُّ أح ُد الوال َديْ ِن‪.‬‬
‫بال ِّذكر في بعض اآليات دون األب؛ تقديراً لمكانتها وعظم فضلها‬ ‫ﷻ‬ ‫وخصها اهلل‬
‫َّ‬
‫وجهدها‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬ح َملَتْهُ أُمُّهُ َو ْهنًا عَلَى َو ْه ٍن﴾ [لقمان‪َ ﴿ ،]14 :‬وال ْ َوالِد ُ‬
‫َات يُ ْر ِض ْع َن‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ضا َعةَ﴾ [البقرة‪.)3(]233 :‬‬ ‫أ ْو َالدَ ُه َّن َح ْولَيْ ِن َكا ِملَيْ ِن ل ِ َم ْن أ َرادَ أ ْن يُتِ َّم َّ‬
‫الر َ‬
‫الرسول ﷺ أجمل تكريم عندما جاءه رجل فقال‪ :‬يا رسول اهلل! مَن أح ُّق الن َّاس‬
‫وكرمها َّ‬
‫َّ‬
‫بحسن صحابتي؟ قال‪(( :‬أ ُّمك))‪ ،‬قال‪ :‬ث َّم َمن؟ قال‪(( :‬ث َّم أ ُّمك))‪ ،‬قال‪ :‬ث َّم َمن؟ قال‪:‬‬
‫((ث َّم أمُّك))‪ ،‬قال‪ :‬ث َّم مَن؟ قال‪(( :‬ث َّم أبوك))(‪ .)4‬فثالثةُ آباء ال يعدلون األمَّ‪ ،‬وال َّذي‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)44-33 /5‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)82-71 /15‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)296-290 /2‬‬
‫(‪ (4‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪.)2548‬‬

‫‪21‬‬
‫الرجل في اإلسالم نقول له‪ :‬لماذا ال تقرأ هذا الحديث وبعده‬
‫نصف َّ‬
‫ُ‬ ‫يقول‪ :‬المرأةُ‬

‫تقرر؟!(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫نفسها‪ ،‬وجعلت من ك ِّل حياتها‬
‫ت َ‬ ‫ت وأره َق ْ‬ ‫ت وت ِعبَ ْ‬
‫ت وس ِه َر ْ‬ ‫ت ورب َّ ْ‬ ‫فاألمُّ هي ال َّتي ض َّ‬
‫ح ْ‬
‫عطاءً ألوالدها‪ ،‬ولذلك جعل اهلل ‪ ‬الجن َّةَ عند قدميها ورضاها‪ ،‬فقد جاء رج ٌل إلى‬
‫جئت أستشيرك؟ فقال ﷺ‪(( :‬هل‬
‫ُ‬ ‫أردت أن أغز َو وقد‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫تحت رجليها))(‪ ،)2‬وفي رواية‪:‬‬
‫َ‬ ‫لك من أمٍّ))؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪(( :‬فالزمها؛ فإ َّن الجن َّةَ‬

‫((اِل َز ْم ِر ْجلَها فثَ َّم الجن َّة)) ‪ .‬فانظر إلى هذا التَّكريم لأل ِّم؛ حيث قدَّم َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫برها على الجهاد‬
‫ال َّذي هو ردُّ العدوان وال ِّدفا ُع عن األوطان‪.‬‬
‫وقال ﷺ‪(( :‬إ َّن اهلل يوصيكم بأ َّمهاتكم‪ ،‬إ َّن اهلل يوصيكم بأ َّمهاتكم‪ ،‬إ َّن اهلل يوصيكم‬
‫مرات وهو يؤ ِّكد على تكريم األمِّ‬
‫أربع َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫بأمَّهاتكم‪ ،‬إ َّن اهلل يوصيكم بأمَّهاتكم))‬
‫واإلحسان إليها‪.‬‬

‫وجعل عقوق الوالدين من أكبر الكبائر‪ ،‬والسيَّما األمّ‪ ،‬قال رسول اهلل ﷺ‪(( :‬إ َّن اهلل َّ‬
‫حرم‬
‫عليكم عقوق األ َّمهات‪ ،‬ومنعاً وهات‪ ،‬ووأد البنات))(‪.)5‬‬
‫_ وأمَّا البنت‪:‬‬

‫بي ﷺ قال‪(( :‬إ َّن اهلل َّ‬


‫حرم عليكم عقوق‬ ‫فعن المغيرة بن شعبة رضي اهلل عنه أ َّن الن َّ َّ‬
‫األمَّهات‪َ ،‬و َمنْعاً وهات‪ ،‬و َوأد البنات‪ ،‬و َك ِرهَ لكم قيل وقال‪ ،‬وكثرة ُّ‬
‫السؤال‪ ،‬وإضاعة‬
‫المال))(‪.)6‬‬
‫َت له ابنةٌ فلم‬
‫وعن عبد اهلل بن عبَّاس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪(( :‬مَ ْن ُولِد ْ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)86-83/3‬‬


‫(‪ (2‬رواه النسائي يف سننه برقم (‪.)3104‬‬
‫(‪ (3‬رواه ابن ماجه يف سننه برقم (‪.)2259‬‬
‫(‪ (4‬رواه أمحد يف مسنده برقم (‪.)17187‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري يف صحيحه (‪.)2408‬‬
‫(‪ (6‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)2408‬‬

‫‪22‬‬
‫ؤثر ولَده عليها ‪ -‬يعني ال َّذ َك َر‪ -‬أدخلَه اهللُ بها الجن َّة))(‪.)1‬‬
‫يئِدْها ولم يُهنْها‪ ،‬ولم يُ ْ‬
‫ّ‬
‫محالً لجهاالت‬ ‫وهذان الحديثان وما جاء في معناهما َّ‬
‫يدالن صراحةً على أ َّن البنات ك َّن‬

‫وبُغض بعض العرب إبان بعثة الن َّ ِّ‬


‫بي ﷺ‪.‬‬
‫تصحيح‬
‫ِ‬ ‫الشديد عن وأد البنات‪ ،‬بل أمر باالعتناء به َّن بغيةَ‬‫النبي ﷺ بالن َّهي َّ‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫يكتف‬ ‫لم‬
‫والرحمة‪ ،‬وتكريماً للبنات وحماية له َّن‬ ‫َّ‬ ‫مسار البشريَّة‪ ،‬وإعادتها إلى طريق اإلنسانيَّة‬
‫وحفظاً لحقوقه َّن‪ ،‬بل وأمر ﷺ في أحاديث كثيرة باإلحسان إليه َّن‪ ،‬ووعد من يرعاه َّن‬
‫ويحسن إليه َّن باألجر الجزيل والمنزلة العالية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪(( :‬مَ ْن عال جاريتين ‪-‬أي‪:‬‬
‫ابنتين‪ -‬حتى تبلغا‪ ،‬جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين‪ ،‬وض َّم أصابعه))(‪.)2‬‬
‫ابنتان لها تسأَل (أي‪ :‬فقيرة)‪ ،‬فلم‬
‫ِ‬ ‫دخلت امرأةٌ معها‬
‫ْ‬ ‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪:‬‬
‫قامت‬
‫ْ‬ ‫غير تمر ٍة‪ ،‬فأَعطيتُ َها إيَّاها‪ ،‬ف َ َق َس َمتْ َها بي َن ابنتيْها ولم تأ ُك ْل منها‪ ،‬ث َّم‬
‫تج ْد عندي شيئًا َ‬
‫بشيء ُك َّن لهُ‬ ‫ِ‬
‫البنات ٍ‬ ‫بي ﷺ علينا فأخبرته‪ ،‬فقال‪(( :‬من ابْتُ ِلي من هذ ِه‬
‫فخرجت‪ ،‬فدخ َل الن َّ ُّ‬
‫ْ‬
‫ترا من الن َّار))(‪.)3‬‬
‫ِس ً‬
‫ثالث بنات‪ ،‬فصبر‬ ‫ُ‬ ‫بي ﷺ قال‪(( :‬مَ ْن كان له‬ ‫وعن عقبة بن عامر رضي اهلل عنه أ َّن الن َّ َّ‬
‫عليه َّن وأطعمه َّن وسقاه َّن وكساه َّن ِم ْن جِ َدتِ ِه ُك َّن له حجاباً يوم القيامة من الن َّار))(‪.)4‬‬
‫_ وأمَّا األخت‪:‬‬

‫فإ َّن اإلسالم جعلها بمثابة البنت فعن أنس رضي اهلل عنه أ َّن الن َّ َّ‬
‫بي ﷺ قال‪َ (( :‬م ْن عال‬
‫ابنتين أو ثالث بنات‪ ،‬أو أختين أو ثالث أخوات‪ ،‬حتَّى يَبِن أو يموت عنه َّن‪ ،‬كنت أنا وهو‬
‫السبابة والوسطى"))(‪.)5‬‬
‫كهاتين "وأشار بأصبعيه َّ‬

‫(‪ (1‬رواه أمحد يف مسنده برقم (‪.)1957‬‬


‫(‪ (2‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪.)2631‬‬
‫(‪ (3‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)1418‬‬
‫(‪ (4‬رواه ابن ماجه يف سننه برقم (‪.)3669‬‬
‫(‪ (5‬رواه أمحد يف مسنده برقم (‪.)12498‬‬

‫‪23‬‬
‫الخدري رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪(( :‬مَ ْن كان له ثالث بنات‬
‫ِّ‬ ‫وعن أبي سعيد‬
‫أو ثالث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبته َّن وات َّقى اهلل فيه َّن فله الجن َّةُ))(‪.)1‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪(( :‬ليس أحد من أمَّتي يعول ثالث‬
‫بنات أو ثالث أخوات فيحسن إليه َّن َّ‬
‫إال ُك َّن له ستراً من الن َّار))(‪.)2‬‬
‫_ وأمَّا ال َّزوجة‪:‬‬
‫‪ ،)3(]19‬وقال سبحانه‪﴿ :‬ف َ ِإمْ َسا ٌك‬ ‫[الن ِّساء‪:‬‬ ‫َاش ُرو ُه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫وف﴾‬ ‫فقد قال تعالى‪َ ﴿ :‬وع ِ‬
‫ان﴾ [البقرة‪ ،)4(]229 :‬فال َّزوجة في اإلسالم تعيش بين المعروف‬ ‫وف أ َ ْو ت َ ْس ِر ٌ‬
‫يح بِ ِإ ْح َس ٍ‬ ‫بِ َمع ُْر ٍ‬
‫واإلحسان‪.‬‬
‫خير ُكم ألهله ‪-‬أي‪ :‬لزوجته‪ -‬وأنا خير ُكم ألهلي))(‪.)5‬‬
‫((خير ُكم ُ‬
‫ُ‬ ‫وقال ﷺ‪:‬‬
‫((خيا ُركم خيار ُكم لنسائهم))(‪.)6‬‬
‫وقال‪ِ :‬‬

‫وقال‪(( :‬استوصوا بالن ِّساء خيراً))(‪.)7‬‬


‫وقال‪(( :‬رفقاً بالقوارير))(‪.)8‬‬
‫ذاكرا‪ ،‬وزوجةً مؤمنةً تعينُهُ على أم ِر‬
‫ً‬ ‫شاكرا‪ ،‬ولسانًا‬
‫ً‬ ‫وقال‪(( :‬ليتَّخ َذ أحدُك ْم قلبًا‬
‫اآلخر ِة))(‪.)9‬‬
‫متاع ال ُّدنيا المرأةُ َّ‬
‫الصالحةُ))(‪.)10‬‬ ‫ُّ‬
‫وقال‪(( :‬الدُّنيا كلها متاعٌ‪ ،‬وخي ُر ِ‬

‫(‪ (1‬رواه الرتمذي يف سننه برقم (‪.)1916‬‬


‫(‪ )2‬رواه البيهقي يف شعب اإلميان برقم (‪.)11025‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)187-185 /4‬‬
‫(‪ (4‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)283-269 /2‬‬
‫(‪ (5‬رواه الرتمذي يف سننه برقم (‪ )3895‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫(‪ (6‬رواه ابن ماجه يف سننه برقم (‪.)1978‬‬
‫(‪ (7‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)3331‬‬
‫(‪ (8‬رواه احلميدي يف مسنده برقم (‪.)1243‬‬
‫(‪ (9‬رواه ابن ماجه يف سننه برقم (‪.)1856‬‬
‫(‪ (10‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪.)1467‬‬

‫‪24‬‬
‫الح‪،‬‬ ‫الصالحةُ‪ ،‬والمس َك ُن الواس ُع‪ ،‬والجا ُر َّ‬
‫الص ُ‬ ‫السعاد ِة‪ :‬المرأةُ َّ‬
‫وقال‪(( :‬أرب ٌع ِمن َّ‬
‫والمر َك ُ‬
‫ب الهنيءُ))(‪.)1‬‬
‫وسنتعرض لذلك بالتَّفصيل‪.‬‬
‫َّ‬ ‫واألحاديث في ذلك كثيرة‪،‬‬

‫_ وأمَّا الخالة‪:‬‬
‫علي رضي اهلل عنه عن‬
‫فقد جعلها رسول اهلل ﷺ بمنزلة األمِّ‪ ،‬وقد قدَّمنا فضل األمِّ‪ ،‬فعن ٍّ‬
‫رسول اهلل ﷺ أنَّه قال‪(( :‬الخالة بمنزلة األ ِّم))(‪.)2‬‬
‫بي ﷺ فقال‪ :‬يا‬ ‫ً‬
‫رجال أتى الن َّ َّ‬ ‫عمر رضي اهلل عنهما أ َّن‬
‫كبر األمِّ‪ ،‬فعن اب ِن َ‬
‫بر الخالة ِّ‬
‫وجعل َّ‬
‫أصبت ذنباً عظيماً‪ ،‬فهل لي من توبة؟ قال‪(( :‬هل لك من أ ٍّم))؟ قال‪ :‬ال‪،‬‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل إنِّي‬
‫قال‪(( :‬هل لك من خالة))؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪(( :‬فَبِ َّرها))(‪.)3‬‬
‫والع َّمةُ كذلك حك ُمها في البِ ِّر حك ُم الخالة‪ ،‬وأ َّما الج َّدةُ فقد أعطاها رسول اهلل ﷺ في‬
‫الميراث نفس ميراث األمِّ عند عدم وجودها‪ ،‬وهذه من أعظم اإلشارات‪ ،‬بأ َّن الج َّدة‬
‫بمنزلة األ ِّم‪.‬‬
‫الغراء هي مجمو ُع هذه األنواع‬ ‫ومن هنا يت َِّض ُح أ َّن المرأة المقصودة في نصوص َّ‬
‫الشريعة َّ‬
‫وكرمه غاية التَّكريم‪ ،‬و ُعنِ َي به ح َّق‬
‫إال َّ‬‫من الن ِّساء اللَّواتي لم يترك اإلسال ُم صنفاً منه َّن َّ‬

‫الشريعة‪ ،‬فلم يترك إحداه َّن َه َمالً بغير‬‫العناية‪ ،‬وأعطى لك ٍّل منه َّن أحكاماً وحقوقاً في َّ‬
‫اهتمام‪.‬‬
‫والسن َّة فلن نجد هذا ال َق ْد َر من االهتمام‬
‫ُّ‬ ‫وإذا استعرضنا الن ُّصوص َّ‬
‫الشرعيَّة في القرآن‬
‫بالرجال وأصنافهم‪ ،‬وليس ذلك لقصور في َّ‬
‫الشريعة‪ ،‬ولكن ألمرين اثنين‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫السابقة وعند العرب في الجاهليَّة‪.‬‬
‫القوي على سوء معاملة المرأة في األمم َّ‬
‫ُّ‬ ‫الردُّ‬
‫األ َّول‪َّ :‬‬

‫(‪ (1‬رواه ابن حبان يف صحيحه برقم (‪.)4032‬‬


‫(‪ (2‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)2699‬‬
‫(‪ (3‬رواه ابن حبان يف صحيحه برقم (‪.)435‬‬

‫‪25‬‬
‫الثَّاني‪ :‬ق َّوةُ َّ‬
‫الرجل في ذلك الوقت‪ ،‬واستئثاره بمزايا كثيرة‪.‬‬
‫طرف واإلرهاب والكراهية والحقد والعنف‪،‬‬
‫وأعداءُ اإلسالم يريدون أن يلبسوه لباس التَّ ُّ‬
‫حتَّى في حديثهم عن المرأة واتِّهامهم بأ َّن اإلسالم ح َّقرها ولم يعطها حقوقَها وانتقص‬
‫والرحمة ودين العطاء والخير‪ ،‬ولك َّن الن ُّسخة‬
‫َّ‬ ‫منها‪ ،‬بينما هو في حقيقته دي ُن اللُّطف‬
‫المش َّوهة عن اإلسالم ال َّتي صنَّعتها أمريكا هي الَّتي تجعل من األبناء قتلةً لألمَّهات كما‬
‫لديهم في أمريكا العقوق حيث أصبح ظاهرةً يندى لها الجبين‪ ،‬فال يرى االب ُن أمَّه سنوات‬
‫طويلة‪ ،‬وال يتَّصل بها وال يسأل عنها‪ ،‬وال يم ُّد لها يد العون‪.‬‬
‫ولتعلم الحقيقة الن َّاصعة يجب أن تأخذ اإلسالم من كتاب اهلل ‪ ‬وسن َّة رسول اهلل ﷺ‬
‫وهديه وسلوكه‪.‬‬

‫ما هي األسباب ال َّتي قلبت الحقائق حول مكانة المرأة في اإلسالم‪:‬‬

‫إ َّن الكثير من الن َّاس ال يعرفون الحقائق َّ‬


‫الصحيحة لقضيَّة المرأة في اإلسالم‪ ،‬وذلك لع َّدة‬
‫أسباب منها‪:‬‬
‫‪ .1‬جهل المسلمين بدينهم وأحكامه‪.‬‬
‫‪ .2‬بعض العادات ال َّدخيلة على الدِّين‪ ،‬وال َّتي طرأت على بالدنا في فترات‬
‫االنحطاط‪ ،‬وأصبحت تأخذ أمام الن َّاس طابعاً إسالميّاً متش ِّدداً‪ ،‬رغم أ َّن اإلسالم‬
‫ال يوجد فيه تش ُّدد‪ ،‬وما ُخيِّر رسول اهلل ﷺ بين أمرين َّ‬
‫إال اختار أيسـرهما ما لم‬
‫والسماحة واليسر في‬
‫َّ‬ ‫يكن إثماً‪ ،‬فاإلسالم يدعو دائماً إلى الوسطيَّة واالعتدال‬
‫األحكام‪.‬‬
‫‪ .3‬تآمر الغرب على هذه األمَّة والتَّشويه المتع َّمد لإلسالم‪.‬‬
‫الصهاينة واليهود عبر التَّاريخ‪.‬‬
‫‪ .4‬تآمر َّ‬

‫‪26‬‬
‫أه ُّم النّقاط االشكاليَّة في قضيَّة المرأة‪:‬‬

‫أ َّوالً‪ :‬القرآن الكريم يتحدَّث عن المرأة‪:‬‬

‫إ َّن من يريد أن يعطي حكماً دقيقاً وموضوعيًّا حول قضيَّة المرأة في اإلسالم‪ ،‬وهل هي‬
‫ئيسـي لك ِّل‬
‫ِّ‬ ‫ومكرمة؟ فإ َّن عليه أن يبدأ من المصدر َّ‬
‫الر‬ ‫َّ‬ ‫نصفة‬
‫مظلومة ومضطهدة أم ُم َ‬
‫العقائد والتَّشريعات واألحكام اإلسالميَّة‪ ،‬أال وهو (القرآن الكريم)‪ ،‬فقد عرض القرآ ُن‬
‫الكثير من شؤون المرأة في أكثر من عشر سور منها‪ ،‬وقد دلَّت هذه العناية على المكانة‬
‫َ‬
‫َ‬
‫تحظ المرأةُ بها ال في‬ ‫ال َّتي ينبغي أن توضع فيها المرأة في نظر اإلسالم‪ ،‬وأنَّها مكانة لم‬
‫سماوي سابق وال في قوانين بشريَّة تواضع عليها الن َّاس فيما بينهم‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫شرع‬
‫صلة الفهم لك ِّل ما سيأتي عقب‬ ‫وهذا االستقراء هو الَّذي يعطي االتِّجاه َّ‬
‫الصحيح في ب ُ ْو ِ‬
‫أحكام وتفاصي َل في األحاديث النَّبويَّة وكتب الفقهاء واجتهادات العلماء‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ذلك من‬
‫وهنا نستعرض النّقاط اآلتية‪:‬‬
‫السور ال ِّطوال ُع ِرفت بــ (سورة الن ِّساء‬
‫‪ -‬لقد أفرد القرآن الكريم سورتين‪ :‬سورةٌ من ُّ‬
‫الكبرى) وهي سورة الن ِّساء‪ ،‬واألخرى ُع ِرفت بــ (سورة الن ِّساء ُّ‬
‫الصغرى) وهي سورة‬

‫ال َّطالق‪ ،‬ولم يُف ِرد سورة كاملة باسم ِّ‬


‫الرجال‪.‬‬
‫مثال لك ِّل المؤمنين رج ً‬
‫اال ونساء بامرأ ٍة‪ ،‬وهي امرأةُ فرعون‪ ،‬فقال‬ ‫‪ -‬وضرب اهلل تعالى ً‬

‫ب اب ْ ِن لِي ِعن ْ َد َك بَيْتًا‬


‫ت َر ِّ‬ ‫اهللُ مَثَ ًال لِلَّ ِذي َن آمَنُوا امْ َرأ َ َ‬
‫ت فِ ْر َع ْو َن إِذْ قَال َ ْ‬ ‫ب َّ‬ ‫ج َّل جالله‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫ض َر َ‬
‫جنِي ِم َن ال ْ َق ْو ِم ال َّظال ِ ِمي َ‬
‫ن﴾ [التَّحريم‪.)1(]11:‬‬ ‫جنِي ِم ْن فِ ْر َع ْو َن َو َع َم ِل ِه َون َ ِّ‬ ‫فِي ال ْ َ‬
‫جن َّ ِة َون َ ِّ‬
‫تخص‬
‫ُّ‬ ‫السيِّدة (مريم)‪ ،‬وسوراً أخرى‬
‫‪ -‬كذلك س َّمى سورة بأكملها باسم البتول العذراء َّ‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)230-229 /28‬‬

‫‪27‬‬
‫النِّساء وقضاياه َّن؛ كالبقرة والمائدة والن ُّور واألحزاب والمجادلة والممتحنة والتَّحريم‪.‬‬
‫‪ -‬وتحدَّث اهلل تعالى بإسهاب عن "امرأة عمران"‪ ،‬وال َّتي هي جدَّة سيِّدنا عيسى المسيح‬
‫السالم‪ ،‬في حين لم يتح َّدث القرآن عن زوجها وال َّذي هو ج ُّد سيِّدنا عيسى المسيح‬
‫عليه َّ‬
‫السالم‪.‬‬
‫عليه َّ‬
‫‪ -‬وحكى القرآ ُن عن بعض أحوال المرأة‪ ،‬وكيف أنَّها كانت مُل ِه َمة لبعض األنبياء‪،‬‬
‫السالم ألهمت سيِّدنا زكريَّا وذ َّكرته بأ َّن األسباب مُ َقيِّدة لنا نحن‪ ،‬وأمَّا‬
‫فالسيِّدةُ مريم عليها َّ‬
‫َّ‬
‫فهو خال ٌق عند وجود األسباب وخال ٌق من غير وجو ٍد لألسباب‪ ،‬فهو تبارك‬ ‫الح ُّق ﷻ‬
‫وتعالى يرزق من يشاء بغير حساب‪ ،‬فاستلهم الدُّعاء بطلب ال ُّذ ِّريَّة على ِكبَر سنِّه و ِكبَر ِس ِّن‬
‫زوجته‪.‬‬
‫اص َط َفى آدَمَ َونُو ًحا َوآ َل إِب ْ َرا ِهي َم َوآ َل ِع ْم َرا َن عَلَى الْعَال َ ِمي َن (‪ )33‬ذُ ِّريَّةً‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬إِ َّن َّ‬
‫اهللَ ْ‬
‫ت لَ َ‬
‫ك َما فِي‬ ‫ب إِنِّي ن َ َذ ْر ُ‬ ‫ت ا ْم َرأ َ ُ‬
‫ت ِع ْم َرا َن َر ِّ‬ ‫اهللُ َس ِمي ٌع َع ِلي ٌم (‪ )34‬إِذْ قَال َ ِ‬
‫ْض َو َّ‬
‫ْض َها ِم ْن بَع ٍ‬
‫بَع ُ‬
‫ب إِنِّي‬ ‫ت َر ِّ‬ ‫ض َعتْ َها قَال َ ْ‬
‫الس ِمي ُع ال ْ َع ِلي ُم (‪ )35‬فَلَ َّما َو َ‬ ‫ت َّ‬‫ك أَن ْ َ‬ ‫ب َ ْطنِي مُ َ‬
‫ح َّر ًرا فَتَ َقبَّ ْل ِمنِّي إِن َّ َ‬
‫األُنْثَى َوإِنِّي َس َّميْتُ َها َم ْريَ َم َوإِنِّي أ ُ ِعي ُذهَا‬
‫س ال َّذ َك ُر َك ْ‬ ‫َت َولَيْ َ‬
‫ضع ْ‬ ‫اهللُ أَعْلَ ُم بِ َما َو َ‬
‫ض ْعتُ َها أُنْثَى َو َّ‬‫َو َ‬
‫ول َح َس ٍن َوأَنْبَتَ َها نَبَاتًا َح َسنًا َو َك َّفلَ َها‬
‫الرجِ ي ِم (‪ )36‬فَتَ َقبَّلَ َها َرب ُّ َها بِ َقبُ ٍ‬‫ان َّ‬ ‫الشيْ َط ِ‬‫ك َوذُ ِّريَّتَ َها ِم َن َّ‬‫بِ َ‬
‫ت‬ ‫اب َو َج َد ِعن ْ َدهَا ِر ْزقًا قَا َل يَا َم ْريَ ُم أَنَّى ل َ ِ‬
‫ك َه َذا قَال َ ْ‬ ‫َز َك ِريَّا ُكلَّ َما دَ َخ َل عَلَيْ َها َز َك ِريَّا ال ْ ِم ْ‬
‫ح َر َ‬
‫ك دَعَا َز َك ِريَّا َربَّهُ قَا َل َر ِّ‬
‫ب‬ ‫ق مَ ْن يَ َشاءُ بِ َغيْ ِر ِح َس ٍ‬
‫اب (‪ُ )37‬هنَال ِ َ‬ ‫اهللِ إِ َّن َّ‬
‫اهللَ يَ ْر ُز ُ‬ ‫ُه َو ِم ْن ِعن ْ ِد َّ‬

‫صلِّي فِي‬
‫ك َس ِمي ُع ال ُّدعَا ِء (‪ )38‬فَنَادَتْهُ ال ْ َم َالئِ َكةُ َو ُه َو قَائِ ٌم يُ َ‬ ‫َب لِي ِم ْن ل َ ُدن ْ َ‬
‫ك ذُ ِّريَّةً َطيِّبَةً إِن َّ َ‬ ‫ه ْ‬
‫صو ًرا َونَبِيًّا ِم َن‬ ‫ص ِّدقًا بِ َك ِل َم ٍة ِم َن َّ‬
‫اهللِ َو َسيِّدًا َو َح ُ‬ ‫اب أ َ َّن َّ‬
‫اهللَ يُبَ ِّش ُر َك بِيَ ْ‬
‫حيَى مُ َ‬ ‫ال ْ ِم ْ‬
‫ح َر ِ‬
‫الصال ِ ِحي َن﴾ [آل عمران‪.)1(]39 - 33 :‬‬
‫َّ‬

‫‪ -‬أعطى القرآن الكريم صورةً عن النُّضج ُّ‬


‫والرشد والعقل والكياسة وحسن تدبير شؤون‬
‫السالم وامتداد هذا‬ ‫ح ْكم في ال َّدولة‪ ،‬ففي مرحل ِة استقرا ِر ِملْك الن َّ ِّ‬
‫بي سليمان عليه َّ‬ ‫ال ُ‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)154-149 /3‬‬

‫‪28‬‬
‫َ‬ ‫الملك إلى ح ٍّد َ‬
‫َّث عنها القرآ ُن‬
‫الساح ِة امرأةٌ تحد َ‬
‫ت في َّ‬ ‫﴿ال يَنْبَ ِغي ِأل َح ٍد﴾ [ص‪َ ]35 :‬‬
‫ظهر ْ‬
‫وأطال الحديث‪ ،‬إنَّها ملكة سبأ‪ ،‬تلك الملكة ال َّتي أُوتيت من ك ِّل شيء ولها عرشٌ عظيم‬
‫ْت امْ َرأَةً ت َ ْم ِل ُك ُه ْم َوأُوتِيَ ْ‬
‫ت ِم ْن ُك ِّل َش ْي ٍء َول َ َها ع َْرشٌ َع ِظي ٌم﴾ [النَّمل‪ ،]23 :‬تحدَّث‬ ‫﴿إِنِّي َو َجد ُ‬
‫السالم‪ ،‬واستشارت قومَها‪ ،‬ومن ث َّم‬ ‫نبي اهلل سليمان عليه َّ‬ ‫عنها القرآ ُن كيف تعاملت مع ِّ‬
‫ت يَا أَيُّ َها ال ْ َم َأل ُ إِنِّي أُل ْ ِق َي إِل َ َّي ِكت ٌ‬
‫َاب َك ِري ٌم (‪ )29‬إِنَّهُ ِم ْن ُسلَيْ َما َن‬ ‫قادتهم إلى الهداية‪﴿ :‬قَال َ ْ‬
‫ت يَا أَيُّ َها‬
‫الر ِحي ِم (‪ )30‬أ َ َّال تَعْلُوا عَلَ َّي َوأْتُونِي مُ ْس ِل ِمي َن (‪ )31‬قَال َ ْ‬ ‫َوإِنَّهُ بِ ْس ِم َّ‬
‫اهللِ َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬
‫ح ُن أُولُو ق ُ َّو ٍة َوأُولُو‬ ‫ت قَا ِط َعةً أَمْ ًرا َحتَّى ت َ ْش َهد ِ‬
‫ُون (‪ )32‬قَالُوا ن َ ْ‬ ‫ال ْ َم َأل ُ أَفْتُونِي فِي أَمْ ِري مَا ُكن ْ ُ‬
‫ن (‪[ ﴾)33‬النَّمل ‪.]33-29‬‬ ‫س َش ِدي ٍد َو ْاألَمْ ُر إِلَيْ ِ‬
‫ك فَان ْ ُظ ِري مَاذَا تَأْمُ ِري َ‬ ‫بَأ ْ ٍ‬
‫‪ -‬وتحدَّث القرآ ُن عن المرأة وهي تُجادل وتُحاور َّ‬
‫الرسو َل ﷺ حول حقوقها وينزل‬
‫اهللُ ق َ ْو َل الَّتي‬
‫الوحي إجابةً لها‪ ،‬وإنصافاً لحقوقها‪ ،‬كما في سورة المجادلة‪﴿ :‬ق َ ْد َس ِم َع َّ‬
‫حا ُو َر ُك َما إِ َّن َّ‬
‫اهللَ َس ِمي ٌع ب َ ِص ٌ‬
‫ير﴾ [المجادلة‪:‬‬ ‫اهللُ يَ ْس َم ُع ت َ َ‬ ‫ك فِي َز ْوجِ َها َوت َ ْشت َِكي إِلَى َّ ِ‬
‫اهلل َو َّ‬ ‫جا ِدل ُ َ‬
‫تُ َ‬
‫‪.)1(]1‬‬
‫‪ -‬وأيضاً هناك كوكبةٌ من النِّسا ِء َّ‬
‫الصالحات في عص ٍر واح ٍد تح َّدث عنه َّن القرآ ُن الكريم‬
‫الرسل؛ إنَّه سيِّدنا موسى عليه‬
‫وعن أدوا ِره َّن في حماية ورعاية أحد أولي العزم من ُّ‬
‫خمس نسو ٍة طاهرات عفيفات تحدَّث عنه َّن القرآن‪:‬‬
‫ُ‬ ‫السالم‪ ،‬فقد شارك في حياتِه‬
‫َّ‬
‫ذبح فرعون لل ُّذكو ِر من بني‬ ‫‪ -‬أولُه َّن أمُّه‪ :‬تلك المرأةُ الممتَ َ‬
‫حنة مع نساء قومها بمحنة ِ‬
‫َت أن يأتي ال َّذبَّاحون من جن ِد فرعون‬
‫ت عليه وتوقَّع ْ‬
‫َت موسى خاف َ ْ‬
‫إسرائيل‪ ،‬وعندما ولد ْ‬
‫وتلقي به في‬
‫َ‬ ‫فيذبحوه‪ ،‬فأوحى اهلل إليها أن ت ُ ِ‬
‫رض َع ولدَها ث َّم تض َعهُ في تابوت (صندوق)‪،‬‬

‫عصيب على أ ٍّم تخافُ على ابنها من ال َّذ ِ‬


‫بح بغير‬ ‫ٌ‬ ‫ووقت‬
‫ٌ‬ ‫صعب‬
‫ٌ‬ ‫موقف‬
‫ٌ‬ ‫نهر الن ِّيل (الي ّم)!‬
‫ماسيح‬
‫ُ‬ ‫يدها‪ ،‬فتلقي به بي ِدها في الماء! أال تخشى عليه من الغرقِ أو ِم ْن أن تأكلَه التَّ‬
‫تفويض أم ِرها وأم ِر ابنها إليه‪ ،‬وقد جاءتها‬
‫ِ‬ ‫واألسماك؟! ولك َّن إيمانها باهلل دفعها إلى‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)11-9 /28‬‬

‫‪29‬‬
‫البشرى في هذا الوحي بأمرين‪ :‬أ َّن اهلل تعالى سيردُّه إليها‪ ،‬وأنَّه سيجعلُه من المرسلين‪.‬‬
‫ق في الماء يتهادى‪ ،‬حتَّى وصل القناةَ ال َّتي تدخل إلى قص ِر فرعون! ويعثر‬
‫الصندو ُ‬
‫وجرى ُّ‬
‫عليه‪ ،‬ويتعلَّق ُ‬
‫قلب امرأ ِة فرعون به وينشرح صد ُرها له‪ ،‬ويبدو أنَّها كانت محرومةً من‬
‫الولد‪ ،‬فكان لها سلوى وعزاءً‪ ،‬بل ألقى اهلل سبحانه عليه المحبَّةَ‪ ،‬فما رآه أح ٌد َّ‬
‫إال أحبَّه‪،‬‬
‫﴿ال ت َ ْقتُلُوهُ ع ََسى أ َ ْن يَن ْ َف َعنَا أ َ ْو نَت َِّخ َذهُ َولَدًا﴾ [القصص‪ ،]9 :‬فقد‬
‫الموت؛ َ‬
‫َ‬ ‫ووق َف ْ‬
‫ت تدف ُع عنه‬
‫ليعيش فيه‪ ،‬وكان‬
‫َ‬ ‫قصر فرعون‬
‫َ‬ ‫جاه اهلل تعالى بذلك من ال َّذبح‪ ،‬وفتح له‬
‫ت به عينُها‪ ،‬ون َّ‬
‫قر ْ‬
‫َّ‬
‫قل ُق أ ِّم موسى على ول ِدها يطغى على قلبِها حتَّى كادت تعلن على مأل فرعون أ َّن لها‬
‫أخت موسى ‪ -‬باقتفا ِء أثر أخيها‪،‬‬
‫َ‬ ‫َت‪ ،‬وكلَّ ْ‬
‫فت ابنتَها ‪-‬‬ ‫ولداً‪ ،‬ولكن ربط اهلل على قلبِها فثبت ْ‬
‫التقام أثداء المراضع‪ ،‬فتد َّخلت ودلَّتهم على من يستطي ُع إرضاعه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وتراه أختُهُ يمتن ُع عن‬
‫وأخذتهم إلى أمِّها‪ ،‬فأقبل على ثديها‪ ،‬وأصبحت بذلك مرضعةً له وبأج ٍر من امرأ ِة‬
‫فرعون‪ ،‬وتح َّق َق وع ُد اهلل لها بردِّه إليها في آخر الن َّهار ال َّذي قذف َتْهُ في أ َّولِه في الي ِّم‪ ،‬وعاش‬
‫عملت‬
‫ْ‬ ‫في حض ِن أمِّه ال َّتي أنجبته‪ ،‬وبرعاية امرأة فرعون ال َّتي أنقذته‪ ،‬وبسعي أخته ال َّتي‬
‫على ردِّه إلى أ ِّمه‪.‬‬
‫ِ‬
‫إيصال‬ ‫وعند هذا الح ِّد ينتهي دو ُر هؤالء الن ِّسوة الثَّالث َّ‬
‫الالتي عمل َن بمشيئة اهلل على‬
‫مرة أخرى عن امرأ ِة فرعون وجعلها‬ ‫َّث القرآ ُن الكريم َّ‬ ‫بر األمان‪ ،‬وقد تحد َ‬ ‫موسى إلى ِّ‬
‫ب اب ْ ِن لِي ِعن ْ َد َك‬ ‫اهللُ مَثَ ًال لِلَّ ِذي َن آمَنُوا امْ َرأَةَ فِ ْر َع ْو َن إِذْ قَال َ ْ‬
‫ت َر ِّ‬ ‫ب َّ‬ ‫مثالً للَّذين آمنوا‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫ض َر َ‬
‫جنِي ِم َن ال ْ َق ْو ِم ال َّظال ِ ِمي َن﴾ [التَّحريم‪ ،)1(]11 :‬هذه‬
‫جنِي ِم ْن فِ ْر َع ْو َن َو َع َم ِل ِه َون َ ِّ‬ ‫بَيْتًا فِي ال ْ َ‬
‫جن َّ ِة َون َ ِّ‬
‫ت على كف ِر فرعون وظلمه وادِّعائه األلوهيَّة‪ ،‬ووجدت في موسى‬ ‫صبر ْ‬
‫َ‬ ‫المرأةُ المؤمنة‬
‫قرةَ عي ٍن لها‪.‬‬ ‫ال ِّطفل َّ‬
‫الرضيع َّ‬
‫السالم‪ ،‬فعندما خرج موسى من‬
‫‪ -‬وهناك امرأتان أخريان لهما دو ٌر في حياة موسى عليه َّ‬
‫المصري‪ ،‬وصل إلى ماء مدي َن ووجد‬
‫ِّ‬ ‫الرجل‬
‫مقتل َّ‬
‫ِ‬ ‫مصر خائ ًفا يترق َّ ُ‬
‫ب انكشافَ أم ِره في‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)230-229 /28‬‬

‫‪30‬‬
‫الرعاة من سقي أغنا ِمهم‪،‬‬
‫امرأتين تذودان (تدفعان) غن َمهما عن الماء تنتظران انتهاءَ ُّ‬
‫الرعاةُ ويستقوا‪ ،‬فانصرفتا إلى وال ِدهما‬
‫فساعدهما موسى على سقاي ِة دوابِّهما قبل أن يأتي ُّ‬
‫الشيخ الكبير مب ِّك َرتين في العودة إلى البيت على غير عادتِهما‪ ،‬و َع ِل َم منهما أ َّن رجالً‬
‫َّ‬

‫َّواب وحده دون مساعدة من أح ٍد‪ ،‬وقبل قدوم ُّ‬


‫الرعاة‪،‬‬ ‫غريبًا قويًّا استطاع أن يسقي الد َّ‬
‫يخ‬ ‫الرج َل ليكافئه َّ‬
‫الش ُ‬ ‫الرجل الغريب‪ ،‬وطلب من ابنته أن تستدعي َّ‬ ‫وأعجب َّ‬
‫الش ُ‬
‫يخ بق َّوة َّ‬
‫المسير معها إلى أبيها‪ ،‬ورغبت‬
‫َ‬ ‫على ما فعل‪ ،‬فجاءته تمشي على استحيا ٍء‪ ،‬وطلبت منه‬
‫القوي األمين لرعي المواشي وإراح ِة البنتين‬
‫َّ‬ ‫اب‬ ‫يستأجر هذا َّ‬
‫الش َّ‬ ‫َ‬ ‫هذه الفتاةُ إلى أبيها أن‬
‫ق بينهما على أن يتز َّو َج إحدى البنتين على أن يخدمَ َّ‬
‫الشيخ ثماني‬ ‫من ذلك‪ ،‬وت َّم االت ِّفا ُ‬
‫عشرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫سنوات أو‬
‫وكانت هذه ال َّزوجةُ معه عندما سار بأه ِله عائدًا إلى بل ِده وآنس نا ًرا‪ ،‬ث َّم تل َّقى عندها‬
‫والرسالة‪ ،‬وأُيِّد بمعجز ِة العصا واليد‪ ،‬وكان من هذه ال َّزوجة وأختِها هذا‬ ‫الوحي بالن ُّب َّو ِة ِّ‬
‫السالم‪.‬‬‫ال َّدو ُر ال َّذي ش َّك َل مرحلةً جديدةً كلِّيَّاً من مراحل حياة موسى عليه َّ‬
‫سلبي‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫شريرة ذات تأثير‬ ‫ُ‬
‫الحديث في القرآن الكريم عن شخصيَّات نسائيَّة ِّ‬ ‫‪ -‬كما ورد‬
‫ولكن ِذ ْك ُر القرآن لها يؤ ِّكد على أه ِّميَّة وخطورة دور المرأة إيجاباً وسلباً؛ ومدى تأثيرها‬
‫واستقاللها في ات ِّخاذ القرار‪ ،‬ومثال ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬امرأة نوح‪:‬‬
‫مباشرة عن امرأة نوح كما في قول اهلل تعالى‪﴿ :‬فَأ َ ْو َحيْنَا إِلَيْ ِه أ َ ِن ْ‬
‫اصن َ ِع‬ ‫إشارات غير ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َت‬
‫ورد ْ‬
‫ك‬ ‫ك فِي َها ِم ْن ُك ٍّل َز ْو َجيْ ِن اث ْنَيْ ِن َوأَهْلَ َ‬ ‫ك بِأ َ ْعيُنِنَا َو َو ْحيِنَا ف َ ِإذَا َجاءَ أَمْ ُرنَا َوفَا َر التَّنُّو ُر ف َ ْ‬
‫اسلُ ْ‬ ‫ال ْ ُفلْ َ‬
‫خا ِطبْنِي فِي ال َّ ِذي َن َظلَ ُموا إِن َّ ُه ْم ُم ْغ َرقُو َ‬
‫ن﴾ [المؤمنون‪،]27 :‬‬ ‫إ َِّال َم ْن َسبَ َق عَلَيْ ِه ال ْ َق ْو ُل ِمن ْ ُه ْم َو َال ت ُ َ‬
‫ففي قوله تعالى‪﴿ :‬إِالَّ مَ ْن َسبَ َق عَلَيْ ِه ال ْ َق ْو ُل ِمن ْ ُه ْم﴾ إشارةٌ عامَّة إلى ال َّذين لم يؤمنوا بدعوة‬
‫صرحت‬
‫السالم من أهله؛ وهما ابنه وامرأته‪ ،‬كما يُف َهم ذلك من آيات أخرى َّ‬
‫نوح عليه َّ‬
‫ٍ‬
‫وح‬‫ت نُ ٍ‬ ‫اهللُ مَثَ ًال لِلَّ ِذي َن َك َف ُروا امْ َرأ َ َ‬
‫ب َّ‬ ‫َ‬
‫﴿ض َر َ‬ ‫بذكر امرأة نوح‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪:‬‬
‫خانَتَا ُه َما فَلَ ْم يُ ْغنِيَا َعن ْ ُه َما ِم َن َّ ِ‬
‫اهلل‬ ‫حيْ ِن ف َ َ‬
‫صال ِ َ‬‫ت َعبْ َديْ ِن ِم ْن ِعبَا ِدنَا َ‬ ‫وط َكانَتَا ت َ ْ‬
‫ح َ‬ ‫َوا ْم َرأ َ َ‬
‫ت لُ ٍ‬

‫‪31‬‬
‫َشيْئًا َوقِي َل ادْ ُخ َال النَّا َر مَ َع الد ِ‬
‫َّاخ ِلي َن﴾ [التَّحريم‪.)1(]10 :‬‬
‫‪ -‬امرأة لوط‪:‬‬
‫وهي مثَ ٌل آ َخر للَّذين كفروا‪ ،‬ولم يغ ِن عنها كونها زوجةً لنب ٍّي من أنبياء اهلل ما دامَ ْ‬
‫ت غير‬
‫السابقة ُح ِك َم عليها بالكفر صراحة‪ ،‬وقد ورد ذكرها‬
‫مؤمنة برسالته‪ ،‬وهي في هذه اآلية َّ‬
‫خريَات من ُس َو ٍر متعدِّدة‪ ،‬وكلُّها يُح َك ُم عليها فيها بعدم‬‫ُ‬
‫بصورة واضحة في ثماني آيات أ َ‬
‫السالمة من عذاب اهلل في ال ُّدنيا‪ ،‬وأن َّها سيُ ِصيبها ما يُ ِصيب قومها من عذاب اهلل‪﴿ :‬قَالُوا يَا‬ ‫َّ‬
‫ت ِمن ْ ُك ْم أ َ َح ٌد إ َِّال‬ ‫ك فَأ َ ْس ِر بِأ َ ْه ِل َ‬
‫ك بِ ِق ْط ٍع ِم َن اللَّيْ ِل َو َال يَلْتَ ِف ْ‬ ‫ك ل َ ْن يَ ِصلُوا إِلَيْ َ‬ ‫لُ ُ‬
‫وط إِنَّا ُر ُس ُل َرب ِّ َ‬
‫صاب َ ُه ْم إِ َّن مَ ْو ِع َد ُه ُم ُّ َ‬ ‫ك إِن َّهُ مُ ِصيبُ َها مَا أ َ َ‬
‫امْ َرأَت َ َ‬
‫يب﴾ [هود‪.)2(]81 :‬‬ ‫الصبْ ُح بِ َق ِر ٍ‬‫س ُّ‬ ‫الصبْ ُح ألَيْ َ‬
‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬فَأَن ْ َ‬
‫جيْنَاهُ َوأَهْلَهُ إ َِّال ا ْم َرأَتَهُ ق َ َّد ْرنَاهَا ِم َن ال ْ َغابِ ِري َ‬
‫ن﴾ [الن َّمل‪.]57 :‬‬

‫وقال تعالى‪﴿ :‬إ َِّال امْ َرأَتَهُ ق َ َّد ْرنَا إِن َّ َها ل َ ِم َن ال ْ َغابِ ِري َن﴾ [الحجر‪.)3(]60 :‬‬
‫جيَنَّهُ َوأَهْلَهُ إ َِّال ا ْم َرأَتَهُ َكان َ ْ‬
‫ت‬ ‫ح ُن أَعْلَ ُم بِ َم ْن فِي َها لَنُن َ ِّ‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬قَا َل إِ َّن فِي َها لُو ًطا قَالُوا ن َ ْ‬
‫ِم َن ال ْ َغابِ ِري َ‬
‫ن﴾ [العنكبوت‪.]32 :‬‬

‫ن﴾ ُّ‬
‫[الشعراء‪.]171 :‬‬ ‫جو ًزا فِي ال ْ َغابِ ِري َ‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬إ َِّال َع ُ‬
‫‪ -‬امرأة أبي لهب‪:‬‬
‫الرسول ﷺ أبي لهب (عبد ال ُعزَّى)‪ ،‬ال َّذي كان يُؤ ِذي رسو َل اهلل ﷺ‬ ‫وهي زوجة ع ِّم َّ‬
‫الرسول ﷺ وهو جا ٌر لهم‪،‬‬ ‫الش ْوك في طريق َّ‬ ‫وتُشا ِركه في ذلك زوجتُهُ‪ ،‬أذًى مادِّيًّا بنَثْ ِر َّ‬
‫وأذًى معنويًّا عندما ع ِمال على تطليق ابنتيه اللَّتَين قد خطبتا لولديهما‪ ،‬وزوجة أبي لهب‬
‫هي‪ :‬أروى بنت حرب بن أُمَيَّة أ ُ ْخ ُ‬
‫ت أبي سفيان بن حرب‪ ،‬وكنيتُها أمُّ جميل‪ ،‬المعروفة‬
‫خصها اهلل تعالى مع زوجها بإحدى‬ ‫وص َفها القرآن الكريم‪ ،‬وقد َّ‬ ‫بح َّمالة الحطب كما َ‬
‫ب * مَا أ َ ْغنَى َعنْهُ مَالُهُ َومَا َك َس َ‬
‫ب‬ ‫ت يَدَا أَبِي ل َ َه ٍ‬
‫ب َوت َ َّ‬ ‫الس َور وهي سورة المسد‪﴿ :‬تَبَّ ْ‬
‫قِصار ُّ‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)229-227 /28‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)81-80 /12‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)70 /14‬‬

‫‪32‬‬
‫س ٍد﴾ [المسد‪:‬‬ ‫ب * َوامْ َرأَتُهُ َح َّمالَةَ ال ْ َ‬
‫ح َط ِ‬
‫ب * فِي جِ ي ِدهَا َحبْ ٌل ِم ْن مَ َ‬ ‫ات ل َ َه ٍ‬
‫صلَى نَا ًرا ذَ َ‬
‫* َسيَ ْ‬
‫‪.)1(]5-1‬‬

‫‪ -‬كما ورد ِذ ْك ُر المرأة في القرآن؛ حيث إنَّها أمٌّ للمؤمنين جميعاً (زوجات َّ‬
‫الرسول ﷺ)‪،‬‬
‫الخاصة‪﴿ :‬النَّبِ ُّي أ َ ْولَى بِال ْ ُم ْؤ ِمنِي َن ِم ْن أَن ْ ُف ِس ِه ْم َوأ َ ْز َوا ُجهُ‬
‫َّ‬ ‫ولها مكانتُها وحرمتُها وأحكامُها‬
‫ْض ُه ْم أ َ ْولَى بِبَع ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اهللِ ِم َن ال ْ ُم ْؤ ِمنِي َن َوال ْ ُم َهاجِ ِري َن إِ َّال‬
‫َاب َّ‬
‫ْض فِي ِكت ِ‬ ‫أمَّ َهات ُ ُه ْم َوأولُو ْاأل ْر َح ِ‬
‫ام بَع ُ‬
‫َاب مَ ْس ُ‬
‫طو ًرا﴾ [األحزاب‪.]6:‬‬ ‫أ َ ْن ت َ ْفعَلُوا إِلَى أ َ ْولِيَائِ ُك ْم مَع ُْروفًا َكا َن ذَل ِ َ‬
‫ك فِي ال ْ ِكت ِ‬
‫الخاصة بالمرأة في القرآن الكريم‪ :‬أ َّن الخطاب‬
‫َّ‬ ‫الصورة العامَّة المستنبطة من األحكام‬
‫ُّ‬
‫الرجل‪ ،‬وأ َّن لها‬
‫اإللهي يتو َّجه إليها بالتَّكليف والثَّواب والعقاب على قدم المساواة مع َّ‬
‫َّ‬
‫خاصا وشخصيَّة مستقلَّة‪ ،‬فهي تتملَّك وترث‪ ،‬وتُن ِفق وتتز َّوج‪ ،‬وتطلِّق وتعتدُّ‪ ،‬ولها‬
‫ًّ‬ ‫كياناً‬

‫الشـرع‪ ،‬وفق نظام جديد بعي ٍد ك َّل البعد‬


‫دقيق حدَّده َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ميزان‬ ‫حقو ٌ‬
‫ق وواجبات متوازنة وفق‬
‫عن واقع المرأة الَّتي كانت مظلومةً ومضطهدة ليس في البيئة العربيَّة فقط‪ ،‬وإنَّما في ك ِّل‬
‫المجتمعات اإلنسانيَّة آنذاك كما سبق وقدَّمنا‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا ما تحدَّثنا عن لغة األرقام‪ ،‬من جهة عدد األلفاظ ال َّدال َّة على المرأة ال َّتي وردت في‬
‫القرآن كالن ِّساء‪ ،‬والمرأة‪ ،‬واألنثى‪ ،‬واألمِّ‪ ،‬والوالدة‪ ،‬وال َّزوج‪ ،‬واألهل‪ ،‬والحليلة‪،‬‬
‫والصاحبة‪ ،‬واألخت‪ ،‬والبنت‪ ،‬فسنجد هناك أرقاماً كبيرة‪ ،‬فمثالً‪:‬‬
‫َّ‬
‫الصيغة‪ ،‬وبصيغة المفرد‪( :‬امرأة)‪ ،‬والمثن َّى‪:‬‬
‫‪ - 1‬يَ ِرد لفظ "النِّساء" في القرآن الكريم بهذه ِّ‬
‫مرة‪.‬‬
‫(امرأتان)‪ ،‬والجمع‪( :‬نسوة)؛ خمسة وثمانين َّ‬
‫‪" – 2‬األنثى"‪ :‬ورد هذا اللَّفظ في القرآن الكريم بصيغ اإلفراد (أنثى)‪ ،‬والمثن َّى (أنثيين)‪،‬‬
‫مرة‪.‬‬
‫والجمع (إناث)؛ ثالثين َّ‬
‫‪" - 3‬األمُّ والوالدة"‪ُ :‬عبِّر عن مفهوم األمومة في القرآن الكريم تارة بلفظ «األمّ» وهو‬
‫مرات‬
‫مرة‪ ،‬وتارة بلفظ «الوالدة»‪ ،‬حيث ورد خمس َّ‬
‫األكثر؛ حيث ورد ثماني وعشرين َّ‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)281-277 /30‬‬

‫‪33‬‬
‫فقط‪.‬‬
‫‪" - 4‬ال َّزوج"‪ :‬ورد في القرآن الكريم لفظ "ال َّزوج" مفرداً‪ ،‬والمثن َّى منه "ال َّزوجين"‪،‬‬
‫مرة‪.‬‬
‫والجمع "األزواج"؛ إحدى وثمانين َّ‬
‫مرةً يأتي لل َّداللة على المرأة‬
‫أكثر ِم ْن نصف هذه المواضع؛ أي‪ :‬تسعاً وأربعين َّ‬
‫وفي َ‬
‫الرجل والمرأة معاً‪ ،‬وذلك بصيغة الجمع (أزواج)‪،‬‬
‫المتز ِّوجة‪ ،‬ويأتي أحياناً لل َّداللة على َّ‬
‫مرات‪.‬‬ ‫َ‬
‫ثالث َّ‬ ‫الرجل َّ‬
‫إال‬ ‫مرات‪ ،‬بينما لم يرد لل َّداللة على َّ‬
‫ست َّ‬
‫وقد جاء ذلك َّ‬
‫الصيغة (اسم جنس في اللُّغة‬ ‫وأه ُّم ما يميِّز مفهوم ال َّزوج‪ :‬هو التَّأكيد من خالل هذه ِّ‬
‫َّاللي للكلمة ــ‪ ،‬ومعنى المقابلة ال َّدال َّة على‬
‫العربيَّة) على معنى االقتران ــ وهو األصل الد ُّ‬
‫مقابل له‪ ،‬ومقترن‬
‫ٍ‬ ‫التَّكامل‪ ،‬حيث ال يمكن أن نذكر "ال َّزوج" َّ‬
‫إال ويتبادر إلى أذهاننا وجودُ‬
‫به‪ ،‬وأمَّا ورودُ لفظ ال َّزوج بصيغة المثن َّى والجمع فهو تأكي ٌد على معنى ال َّزوجيَّة والثُّنائيَّة‪.‬‬

‫وم َّما يميِّز لفظ ال َّزوج أيضاً داللته على الوحدة والمساواة بين الن َّ ْوعَي ِن‪ ،‬فالمرأة َّ‬
‫والرجل‬
‫معاً يؤوالن إلى جنس اإلنسان‪ ،‬لك َّن المثير في هذا المعنى أنَّه ينطوي على تن ُّو ٍع داخ َل‬
‫هذا الجنس‪ ،‬وهو التَّن ُّو ُع المؤدِّي إلى التَّقابل‪ ،‬والمستلز ُم للتَّكامل‪ ،‬بحيث ال تستقيم حياةُ‬
‫زوج َّ‬
‫إال بوجود زوج ٍة‪ ،‬وهذا األمر ال‬ ‫الجنسين معاً َّ‬
‫إال بهذا التَّكامل‪ ،‬فال يستقيم وجودُ ٍ‬
‫يقتصر على جنس اإلنسان فحسب‪ ،‬بل يشمل سائر األنواع والمخلوقات‪.‬‬
‫‪" - 5‬األهل"‪ :‬إذا تتبَّعنا لفظ " األهل" في القرآن الكريم وجدناه كثير الورود‪ ،‬فهو عموماً‬
‫مرةً‪ ،‬لكن ما يقرب من نصف هذه المواضع جاء اللَّ ُ‬
‫فظ فيه مضافاً إلى غير‬ ‫يَ ِردُ (‪َّ )127‬‬
‫الرجل‪ ،‬أي‪ :‬إلى ديان ٍة أو بل ٍد (أهل الكتاب وأهل اإلنجيل وأهل القرية وأهل البيت)‪.‬‬
‫َّ‬
‫وما يزيد على نصف هذه الموارد‪ ،‬أي‪ :‬في ثالثة وسبعين موضعاً جاء لفظ "األهل"‬
‫خاصةً أحياناً أخرى‪ ،‬لك َّن وروده بمعنى األسرة‬
‫َّ‬ ‫لل َّداللة على األسرة أحياناً‪ ،‬وعلى المرأة‬
‫الرجل‪ ،‬فإن َّنا نجده في موضع‬
‫أكثر‪ ،‬وإذا كان الغالب على لفظ "األهل" أن يضاف إلى َّ‬
‫حو ُه َّن بِ ِإذْ ِن أ َ ْه ِل ِه َّن﴾‬
‫واحد يضاف إلى الن ِّساء في قوله تعالى من سورة الن ِّساء‪﴿ :‬ف َان ْ ِك ُ‬

‫‪34‬‬
‫[النِّساء‪.)1(]25 :‬‬

‫"الصاحبة"‪ :‬يرد هذا اللَّفظ في القرآن الكريم أربع َّ‬


‫مرات‪ ،‬يد ُّل فيها على المرأة‬ ‫َّ‬ ‫‪-6‬‬
‫ال َّزوج‪.‬‬

‫بر ُرهُ؛ ألنَّه ُ‬


‫أكثر األلفاظ داللةً على‬ ‫واستعما ُل لفظ َّ‬
‫الصاحبة هنا لل َّداللة على ال َّزوج له ما يُ ِّ‬
‫حبَةُ أبل َغ من االجتماع؛ ألن َّها تقتضي طوالً في‬
‫الص ْ‬
‫المالزمة بين ال َّزوجين‪ ،‬ولذلك كانت ُّ‬
‫م َّدة المالزمة أكثر م َّما يقتضيه االجتماع‪ ،‬ولهذا استعمله القرآن الكريم لل َّداللة على هول‬
‫ُّ‬
‫تنفك ع َُرى ال َّز ْوجيَّة‪ ،‬ويذ َه ُل ك ُّل زوج عن زوجه م َع ما كان يجم ُع ُهما‬ ‫يوم القيامة حيث‬
‫من مالزم ٍة دائم ٍة‪ ،‬كما استعمل القرآ ُن هذا اللَّفظ بال َّذات لتنزيه اهلل ﷻ عن اتِّخاذ ال َّزوج‬
‫ال َّذي يُ َع ُّد ِس َمةً لل َّطبيعة اإلنسانيَّة‪.‬‬

‫‪" .7‬الحليلة"‪ :‬جاء هذا اللَّفظ في القرآن الكريم َّ‬


‫مرةً واحدةً في صيغة الجمع (حالئل) في‬
‫قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َح َالئِ ُل أَبْنَائِ ُك ُم﴾ لل َّداللة على أزواج أبنائكم ال َّذين من أصالبكم‪ ،‬وذلك‬
‫ت عَلَيْ ُك ْم أُمَّ َهات ُ ُك ْم َوبَنَات ُ ُك ْم‬ ‫المحرمات من الن ِّساء في ال َّزواج‪ُ ﴿ :‬ح ِّرمَ ْ‬ ‫َّ‬ ‫في سياق ذكر‬
‫ض ْعن َ ُك ْم‬ ‫الالتِي أ َ ْر َ‬
‫ت َوأ ُ َّم َهات ُ ُك ُم َّ‬ ‫ات ْاأل ُ ْخ ِ‬ ‫ات ْاأل َ ِخ َوبَن َ ُ‬ ‫َوأ َ َخ َوات ُ ُك ْم َو َع َّمات ُ ُك ْم َو َخ َ‬
‫االت ُ ُك ْم َوبَن َ ُ‬
‫جو ِر ُك ْم ِم ْن نِ َسائِ ُك ُم‬ ‫الالتِي فِي ُح ُ‬ ‫ات نِ َسائِ ُك ْم َو َربَائِبُ ُك ُم َّ‬ ‫ضا َع ِة َوأُمَّ َه ُ‬ ‫الر َ‬‫َوأ َخ َوات ُ ُك ْم ِم َن َّ‬
‫َ‬

‫اح عَلَيْ ُك ْم َو َح َالئِ ُل أَبْنَائِ ُك ُم ال َّ ِذي َن ِم ْن‬ ‫الالتِي دَ َخلْتُ ْم بِ ِه َّن ف َ ِإ ْن ل َ ْم ت َ ُكونُوا دَ َخلْتُ ْم بِ ِه َّن ف َ َال ُجن َ َ‬
‫َّ‬

‫ج َمعُوا بَيْ َن ْاأل ُ ْختَيْ ِن إ َِّال مَا ق َ ْد َسلَ َ‬


‫ف إِ َّن اهللَ َكا َن َغ ُفو ًرا َر ِحي ًما﴾‬ ‫ص َالبِ ُك ْم َوأ َ ْن ت َ ْ‬
‫أَ ْ‬
‫[النِّساء‪.)2(]23:‬‬

‫عبير بالحليلة يُ ِحيل على معنى الحالل‪ ،‬فالمرأةُ حال ُل َّ‬


‫الرجل بموجب ال َّزوجية‪ ،‬وقد‬ ‫والتَّ ُ‬
‫حلُول؛ إذ المرأةُ ِ‬
‫تح ُّل مع ال َّزوج في مكان واحد‪.‬‬ ‫يُ ِحيل أيضاً على معنى ال ُ‬

‫مرةً‪َّ ،‬‬
‫مرة واحدة بصيغة‬ ‫‪" .8‬البنت"‪ :‬ورد لفظ البنت في القرآن الكريم؛ تس َع عشرةَ َّ‬
‫ومرة واحدة بصيغة التَّثنية‪ ،‬وباقي المواضع بصيغة الجمع‪.‬‬
‫اإلفراد‪َّ ،‬‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)13-11 /5‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)193-191 /4‬‬

‫‪35‬‬
‫مرةً‪ ،‬ويستعمل‬
‫‪" .9‬األخت"‪ :‬يرد لفظ األخت بصيغ اإلفراد والتَّثنية والجمع؛ أرب َع عشرةَ َّ‬
‫غالباً لل َّداللة على المرأة المشاركة َّ‬
‫للرجل في الن َّ َس ِ‬
‫ب‪.‬‬
‫تشريعي‪ ،‬وجاء جزء آخر في مجال ال َق َ‬
‫صص‬ ‫ٍّ‬ ‫أمَّا باقي المواضع فجاء جزءٌ منها في مجال‬
‫السالم‪.‬‬
‫قصتي مريم وموسى عليهما َّ‬
‫القرآني‪ ،‬ضمن َّ‬
‫ِّ‬
‫ٌ‬
‫ألفاظ دلَّت على المرأة في القرآن الكريم في أوضاع مختلفة‪ :‬المرأة األنثى‬ ‫تلك إذن‬
‫وال َّزوج واألمُّ والوالدة واألخت والبنت‪ ،‬وهي تعكس جانباً من الحضور المميَّز للمرأة‬
‫في القرآن الكريم‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬المرأة ودورها في األسرة‪:‬‬

‫األسري‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ -1‬القرار‬
‫وهنا ال ب َّد من الحديث عن المرأة ودورها في بناء األسرة وفق ما عبَّر عنه القرآن الكريم‬
‫بالميثاق الغليظ‪ ،‬وال َّذي هو عق ُد ال َّزواج ال َّذي ال تنح ُّل عُراه‪ ،‬وال َّذي يت ُّم باإليجاب‬
‫الشهود والمهر‪ ،‬فقد أعطى اإلسال ُم المرأةَ حقوقاً في اختيار القرار‬
‫والقبول وشهادة ُّ‬
‫األسري‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ِّ‬
‫ح ُّق اختيار ال َّزوج‪:‬‬
‫اآليات القرآنيَّة ال َّتي يمكن أن يستفاد منها إمكانيَّةُ المرأة التَّح ُّكم في قرار إنشاء أسرة هي‪:‬‬
‫ح َن‬ ‫ْضلُو ُه َّن أ َ ْن يَن ْ ِك ْ‬‫قولُهُ سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬وإِذَا َطلَّ ْقتُ ُم الن ِّ َساءَ فَبَلَ ْغ َن أ َ َجلَ ُه َّن ف َ َال تَع ُ‬
‫َظ بِ ِه مَ ْن َكا َن ِمن ْ ُك ْم يُ ْؤ ِم ُن بِاهللِ َوالْيَ ْو ِم‬ ‫ك يُوع ُ‬ ‫وف ذَل ِ َ‬ ‫أ َ ْز َوا َج ُه َّن إِذَا ت َ َر َ‬
‫اض ْوا بَيْن َ ُه ْم بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫ْاآل ِخ ِر ذَل ِ ُك ْم أ َ ْز َكى ل َ ُك ْم َوأ َ ْط َه ُر َواهللُ يَعْلَ ُم َوأَنْتُ ْم َال تَعْلَ ُمو َن﴾ [البقرة‪.)1(]232 :‬‬
‫وقولُهُ سبحانه وتعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها ال َّ ِذي َن آ َمنُوا َال يَ ِح ُّل ل َ ُك ْم أ َ ْن ت َ ِرثُوا الن ِّ َساءَ َك ْرهًا َو َال‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)290-288 /2‬‬

‫‪36‬‬
‫َاش ُرو ُه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫وف‬ ‫ْض مَا آتَيْتُ ُمو ُه َّن إ َِّال أ َ ْن يَأْتِي َن بِ َف ِ‬
‫اح َش ٍة مُبَيِّن َ ٍة َوع ِ‬ ‫ْضلُو ُه َّن لِتَ ْذ َهبُوا بِبَع ِ‬
‫تَع ُ‬

‫ف َ ِإ ْن َك ِر ْهتُ ُمو ُه َّن فَع ََسى أ َ ْن ت َ ْك َرهُوا َشيْئًا َويَ ْ‬


‫ج َع َل اهللُ فِي ِه َخيْ ًرا َكثِ ً‬
‫يرا﴾ [النِّساء‪.)1(]19 :‬‬
‫ص َن بِأَن ْ ُف ِس ِه َّن أ َ ْرب َ َع َة أ َ ْش ُه ٍر‬
‫وقولُهُ تعالى‪َ ﴿ :‬وال َّ ِذي َن يُتَ َوف َّ ْو َن ِمن ْ ُك ْم َويَ َذ ُرو َن أ َ ْز َوا ًجا يَت ََرب َّ ْ‬
‫وف َواهللُ بِ َما‬ ‫اح عَلَيْ ُك ْم فِي َما فَعَلْ َن فِي أَن ْ ُف ِس ِه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ‬ ‫َوع َْش ًرا ف َ ِإذَا بَلَ ْغ َن أ َ َجلَ ُه َّن ف َ َال ُجن َ َ‬
‫ير﴾ [البقرة‪.)2(]234 :‬‬ ‫ت َ ْع َملُو َن َخبِ ٌ‬
‫ت أ ُ ُجو َر ُه َّن َومَا مَلَ َك ْ‬
‫ت‬ ‫ك َّ‬
‫الالتِي آتَيْ َ‬ ‫ك أ َ ْز َوا َج َ‬
‫وقو ُل اهلل تعالى‪﴿:‬يَا أَيُّ َها النَّبِ ُّي إِنَّا أ َ ْحلَلْنَا ل َ َ‬
‫ك‬ ‫االتِ َ‬ ‫ات َخ َ‬ ‫ك َوبَن َ ِ‬ ‫ات َخال ِ َ‬ ‫ك َوبَن َ ِ‬ ‫ات َع َّماتِ َ‬ ‫ك َوبَن َ ِ‬ ‫ات َع ِّم َ‬ ‫ك َوبَن َ ِ‬ ‫ك ِم َّما أَفَاءَ اهللُ عَلَيْ َ‬ ‫يَ ِمين ُ َ‬
‫ح َها‬ ‫ت ن َ ْف َس َها لِلنَّبِ ِّي إِ ْن أ َ َرادَ النَّبِ ُّي أ َ ْن يَ ْستَن ْ ِك َ‬ ‫َك َوامْ َرأَةً مُ ْؤ ِمنَةً إِ ْن َو َهبَ ْ‬ ‫الالتِي هَا َج ْر َن مَع َ‬ ‫َّ‬

‫ت أَيْ َمان ُ ُه ْم‬‫ضنَا عَلَيْ ِه ْم فِي أ َ ْز َواجِ ِه ْم َو َما َملَ َك ْ‬ ‫ُون ال ْ ُم ْؤ ِمنِي َن ق َ ْد َع ِل ْمنَا َما ف َ َر ْ‬
‫ك ِم ْن د ِ‬ ‫صةً ل َ َ‬‫َخال ِ َ‬
‫ل ِ َكيْ َال يَ ُكو َن عَلَيْ َ‬
‫ك َح َر ٌج َو َكا َن اهللُ َغ ُفو ًرا َر ِحي ً‬
‫ما﴾ [األحزاب‪.]50 :‬‬

‫ح ُّق المرأ ِة في مفارقة ال َّزوج‪:‬‬


‫ان َو َال يَ ِح ُّل‬ ‫يح بِ ِإ ْح َس ٍ‬ ‫وف أ َ ْو ت َ ْس ِر ٌ‬
‫ان ف َ ِإمْ َسا ٌك بِ َمع ُْر ٍ‬‫ق مَ َّرت َ ِ‬ ‫قال اهلل تبارك وتعالى‪﴿ :‬ال َّط َال ُ‬
‫ل َ ُك ْم أ َ ْن تَأ ْ ُخ ُذوا ِم َّما آتَيْتُ ُمو ُه َّن َشيْئًا إ َِّال أ َ ْن يَ َ‬
‫خافَا أ َ َّال يُ ِقي َما ُحدُودَ اهللِ ف َ ِإ ْن ِخ ْفتُ ْم أ َ َّال يُ ِقي َما‬
‫َت بِ ِه تِلْ َ‬
‫ك ُحدُودُ اهللِ ف َ َال ت َ ْعتَدُوهَا َومَ ْن يَتَ َع َّد ُحدُودَ‬ ‫اح عَلَيْ ِه َما فِي َما افْتَد ْ‬
‫ُحدُودَ اهللِ ف َ َال ُجن َ َ‬
‫اهللِ فَأُولَئِ َ‬
‫ك ُه ُم ال َّظال ِ ُمو َن﴾ [البقرة‪.)3(]229 :‬‬
‫يختلف العلماءُ أ َّن المراد باآلية الكريمة أخ ُذ العوض على الفراق (ال َّذي هو الخلع)‪،‬‬
‫ِ‬ ‫لم‬
‫نفس المرأة ولم يكن‬
‫ُ‬ ‫والجمهو ُر أيضاً على جواز أخذ العوض على ال َّطالق إ ْن طاب َ ْ‬
‫ت به‬
‫فيه إضرار بها‪ ،‬وأجمعوا على أنَّه إ ْن كان عن إضرا ٍر به َّن فهو حرامٌ عليه‪.‬‬

‫وال َّطالق في حال الن ُّفور الكامل وانعدام ال َّطريق لإلصالح هو ح ٌّق لك ٍّل من َّ‬
‫الرجل‬
‫والمرأة‪ ،‬فهذه من الميزات ال َّتي أعطاها اهلل للمرأة؛ حتَّى ال تعيش حياتها كلَّها في جحيم‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)187-185 /4‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)298-296 /2‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)283-269 /2‬‬

‫‪37‬‬
‫وعن أنس بن‬ ‫[البقرة‪،]229 :‬‬ ‫ال يطاق‪ ،‬فبيَّن اهلل أحكام ال َّطالق بقوله‪﴿ :‬ال َّط َال ُ‬
‫ق مَ َّرتَان﴾‬
‫بي ﷺ‪ :‬إن ِّي أسمع اهلل يقول‪﴿ :‬ال َّط َال ُ‬
‫ق مَ َّرتَان﴾‬ ‫مالك رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رجل للن َّ ِّ‬
‫فأين الثَّالثة؟ قال‪« :‬فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان هي الثَّالثة» فهذه‬ ‫[البقرة‪،]229 :‬‬

‫للرجل أن يعود بعدها َّ‬


‫إال إذا تز َّوجت من غيره‪ ،‬ال َّطالق ثالث َّ‬
‫مرات‬ ‫الثَّالثة ال َّتي ال يجوز َّ‬
‫اثنتان لك‪ ،‬والثَّالثة ليست لك‪.‬‬
‫وكما أوجب اإلسالم األمور المؤدِّية الستمرار واستقرار األسرة فإن َّه بنفس الوقت بيَّن‬

‫أ َّن هناك ظروفاً قد تعتري األسرة‪ ،‬ويصبح العيش المشترك بين َّ‬
‫الرجل والمرأة معها في‬
‫شرع اإلسالم ال َّطالق‪ ،‬لذلك قال ﷺ‪(( :‬أبغض الحالل إلى اهلل‬
‫استحالة‪ ،‬عند هذا الح ِّد َّ‬
‫ال َّطالق))(‪.)1‬‬

‫وأ َّما الع َّدة هي فترة ها َّمة من أجل إعادة التَّفكير‪ ،‬وإعادة البناء بدالً من الهدم؛ أل َّن ال َّطالق‬

‫هدم‪ ،‬فإذا انقضت الع َّدةُ بانت ال َّزوجة بينونة صغرى‪ ،‬فيح ُّق َّ‬
‫للرجل والمرأة هنا العودة‬
‫ثانية لعروة ال َّزواج؛ لكن بعقد ومهر جديد‪ ،‬ويكون ذلك باختيار المرأة‪ ،‬أ َّما إن كانت في‬
‫الع َّدة فيمكن أن يُعيدها زوجها من دون عقد ومن دون مهر‪ ،‬على أن يعلمها ال َّزوج‬
‫بالرجعة لتنتقل من أحكام الع َّدة إلى أحكام ال َّزوجيَّة‪َ ﴿ ،‬و َال يَ ِح ُّل ل َ ُك ْم أ َ ْن تَأ ْ ُخ ُذوا ِم َّما‬ ‫َّ‬
‫خافَا أ َ َّال يُ ِقي َما ُحدُودَ اهللِ﴾ [البقرة‪.)2(]229 :‬‬
‫آتَيْتُ ُمو ُه َّن َشيْئًا إ َِّال أ َ ْن يَ َ‬
‫فقد حرص اإلسالم في ك ِّل األحوال على المهر للمرأة‪ ،‬وحرص أن تأخذ المرأة ح َّقها‬
‫عند ال َّزواج وعند ال َّطالق‪.‬‬
‫خافَا أ َ َّال يُ ِقي َما ُحدُودَ اهللِ﴾ [البقرة‪ ]229 :‬هنا يأتي الحديث عن الخلع‪ ،‬فإذا كانت‬
‫﴿إ َِّال أ َ ْن يَ َ‬
‫المرأة تريد أن تعيد المهر لزوجها‪ ،‬وتتنازل عنه مقابل ح ِّل عقد ال َّزواج بينها وبينه‪ ،‬وت َّم‬
‫االت ِّفاق‪ ،‬فهذا ح ٌّق للمرأة أيضاً أعطاه اإلسالم لها‪ ،‬بأن يتَّفقا بالخلع ال َّذي تخلعه من هذا‬

‫(‪ (1‬رواه أبو داود يف سننه برقم (‪.)2178‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)283-269 /2‬‬

‫‪38‬‬
‫المهر‪ ،‬لكن بشـرط أن تطلب هي ذلك‪ ،‬وهذا أيضاً من ح ِّق المرأة‪ ،‬وهذا يُشير إلى حكم‬
‫الخلع ﴿ف َ ِإ ْن ِخ ْفتُ ْم أ َ َّال يُ ِقي َما ُحدُودَ اهللِ ف َ َال ُجن َ َ‬
‫اح عَلَيْ ِه َما فِي َما افْتَد ْ‬
‫َت بِ ِه﴾ [البقرة‪ ]229 :‬إذاً‬
‫هي افتدت نفسها بمهرها‪ ،‬إذاً هي هنا تركت المهر وات َّفقت معه على الخلع‪﴿ .‬تِلْ َ‬
‫ك‬
‫ُحدُودُ اهللِ ف َ َال ت َ ْعتَدُوهَا﴾ [البقرة‪ ]229 :‬وهذا يعني إباحة الخلع‪ ،‬وأول خلع وقع في عهد‬
‫رسول اهلل ﷺ هو خلع زوجة ثابت بن قيس ‪.‬‬
‫ح ُّق الملكيَّة الفرديَّة للمرأة‪:‬‬

‫ال ن َ ِص ٌ‬
‫يب ِم َّما‬ ‫ْض ُك ْم عَلَى بَع ٍ‬
‫ْض ل ِ ِّ‬
‫لر َج ِ‬ ‫قال سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬و َال تَتَ َمن َّ ْوا مَا ف َ َّ‬
‫ض َل اهللُ بِ ِه بَع َ‬
‫اسأَلُوا اهللَ ِم ْن ف َ ْ‬
‫ض ِل ِه إِ َّن اهللَ َكا َن بِ ُك ِّل َش ْي ٍء َع ِلي ًما﴾‬ ‫ا ْكت ََسبُوا َولِلن ِّ َسا ِء ن َ ِص ٌ‬
‫يب ِم َّما ا ْكت ََسبْ َن َو ْ‬
‫[النِّساء‪.)1(]32 :‬‬
‫اح ف َ ِإ ْن آن َ ْستُ ْم ِمن ْ ُه ْم ُر ْشدًا فَادْفَعُوا إِلَيْ ِه ْم‬
‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬وابْتَلُوا الْيَتَامَى َحتَّى إِذَا بَلَ ُغوا الن ِّ َك َ‬

‫ف َو َم ْن َكا َن ف َ ِق ً‬
‫يرا‬ ‫أ َ ْم َوال َ ُه ْم َو َال تَأ ْ ُكلُوهَا إ ِْس َرافًا َوبِدَا ًرا أ َ ْن يَ ْكبَ ُروا َو َم ْن َكا َن َغنِيًّا فَلْيَ ْستَ ْع ِف ْ‬
‫سيبًا﴾ [النِّساء‪:‬‬ ‫وف ف َ ِإذَا دَف َ ْعتُ ْم إِلَيْ ِه ْم أَمْ َوال َ ُه ْم فَأ َ ْش ِهدُوا عَلَيْ ِه ْم َو َك َفى بِاهللِ َح ِ‬
‫فَلْيَأ ْ ُك ْل بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫‪.)2(]6‬‬
‫يب ِم َّما ت َ َر َك‬ ‫َان َو ْاألَق ْ َربُو َن َولِلن ِّ َسا ِء ن َ ِص ٌ‬
‫يب ِم َّما ت َ َر َك ال ْ َوالِد ِ‬ ‫ال ن َ ِص ٌ‬ ‫لر َج ِ‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬ل ِ ِّ‬
‫وضا﴾ [النِّساء‪.)3(]7 :‬‬ ‫َان َو ْاألَق ْ َربُو َن ِم َّما ق َ َّل ِمنْهُ أ َ ْو َكثُ َر ن َ ِصيبًا َم ْف ُر ً‬
‫ال ْ َوالِد ِ‬
‫ان َو َال يَ ِح ُّل ل َ ُك ْم أ َ ْن‬
‫يح بِ ِإ ْح َس ٍ‬‫ف أ َ ْو ت َ ْس ِر ٌ‬ ‫ان ف َ ِإمْ َسا ٌك بِ َمع ُْرو ٍ‬ ‫ق مَ َّرت َ ِ‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬ال َّط َال ُ‬
‫تَأ ْ ُخ ُذوا ِم َّما آتَيْتُ ُمو ُه َّن َشيْئًا إ َِّال أ َ ْن يَ َ‬
‫خافَا أ َ َّال يُ ِقي َما ُحدُودَ اهللِ ف َ ِإ ْن ِخ ْفتُ ْم أ َ َّال يُ ِقي َما ُحدُودَ اهللِ‬
‫ك ُحدُودُ اهللِ ف َ َال ت َ ْعتَدُوهَا َومَ ْن يَتَ َع َّد ُحدُودَ اهللِ فَأُول َئِ َ‬
‫ك‬ ‫َت بِ ِه تِلْ َ‬
‫اح عَلَيْ ِه َما فِي َما افْتَد ْ‬
‫ف َ َال ُجن َ َ‬
‫ُه ُم ال َّظال ِ ُمو َن﴾ [البقرة‪.)4(]229 :‬‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)27-25 /5‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)174-173 /4‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)175-174 /4‬‬
‫(‪ (4‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)283-269 /2‬‬

‫‪39‬‬
‫أقر للمرأة الملكيَّة الفرديَّةَ كاملةً‪ ،‬وجعل ذلك ح ّقاً أصيالً لها‪ ،‬وهو أحد‬
‫إ َّن اإلسالم َّ‬
‫وبحريَّتها‬
‫ِّ‬ ‫حقوقها المدنيَّة‪ ،‬و ِم ْن ث َ َّم فاإلسالم اعترف لها بشخصيَّتها المدنيَّة الكاملة‪،‬‬
‫كالرجل لها ذمَّةٌ ماليَّة مستقلَّة لتحقيق‬
‫صرف في أموالها وممتلكاتها‪ ،‬فهي َّ‬
‫المطلقة في التَّ ُّ‬
‫االقتصادي‪ ،‬ومن هنا كانت المساواةُ في ح ِّق التَّملُّك والكسب بين‬
‫ِّ‬ ‫كيانها ال َّذ ِّ‬
‫اتي وكيانها‬

‫ال ن َ ِص ٌ‬
‫يب‬ ‫الرجال والن ِّساء‪ ،‬وإلى هذه الحقيقة أشار القران الكريم بألفاظ متساوية‪﴿ :‬ل ِ ِّ‬
‫لر َج ِ‬ ‫ِّ‬
‫ِم َّما ا ْكت ََسبُوا َولِلن ِّ َسا ِء ن َ ِص ٌ‬
‫يب ِم َّما ا ْكتَ َسبْ َن﴾ [النِّساء‪ ،)1(]32 :‬وبذلك فمن ح ِّق ال َّزوجة إبرامُ‬
‫صرفات القانونيَّة‪ ،‬وإدارةُ أموالها بال ُّطرق ال َّتي تختارها‪ ،‬وال رقابة لل َّزوج على‬
‫جميع التَّ ُّ‬
‫يحرمُ على ال َّزوج أن يأخذ شيئاً من مال زوجته بغير رضاها‪.‬‬
‫أموال زوجته‪ ،‬كما ُ‬
‫‪ -2‬بناء األسرة‪:‬‬
‫حجر األساس والدِّعامة الكبرى ال َّتي يقوم عليها بناءُ األسرة‪ ،‬فهي ال َّتي‬
‫ُ‬ ‫إ َّن المرأة هي‬

‫تَكفل لألسرة حياةً تسودها سكينةُ الن ُّفوس واطمئنا ُن القلوب‪ ،‬وهي ال َّتي لها ٌ‬
‫أثر كبير في‬
‫الن َّاشئة فمنها يتعلَّمون وبأخالقها يتخلَّقون‪ ،‬فإذا كانت المرأةُ صالحةً مستقيمةً عاقلةً‬

‫مدبِّرةً نشأ أوالدُها على ِخاللها‪ ،‬وتأثَّروا بأخالقها وت َطبَّعوا بطبائعها‪ ،‬وكانوا في مستقبلهم‬
‫نافعين ألنفسهم وأمَّتِ ِهم‪ ،‬وإذا كانت غير ذلك انعكس ذلك على أوالدها‪.‬‬
‫كرمةً‪ ،‬وزوجةً صالحة‪ ،‬وأ ّماً‬
‫لذلك اعتنى اإلسالم بالمرأة أكم َل اعتناء‪ ،‬واهت َّم بها بنتاً ُم َّ‬
‫ج َّدةً م َع َّظ َمة‪ ،‬ومَ ْن ُح ِرمت ال َّزوجيَّةَ أو األمومةَ لم ت ُ َ‬
‫حرم الكفالة والكرامة في ظ ِّل‬ ‫مرب ِّية‪ ،‬ف َ َ‬

‫ض ِم َن لها الحمايةَ ِّ‬


‫والرعاية عند مرضها وعند زواجها‪ ،‬وعند عجزها‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وبذلك َ‬
‫وب التَّكريم‬
‫ض ُر َ‬ ‫وشيخوختها‪ ،‬فهو بح ٍّق الدِّي ُن ال َّذي َ‬
‫ناص َر وأنصف المرأة‪ ،‬أفاض عليها ُ‬
‫والتَّقدير‪ ،‬وأنصفها ومتَّعها متاعاً حسناً‪ ،‬ومنحها من الحقوق ما لم تحلم به من قَبْ ُل في‬
‫وضعي‪ ،‬فق ِد امت َّن اهلل على عباده إذْ بعث سيِّدَنا مح َّمداً ﷺ بدعوتهم إلى‬
‫ٍّ‬ ‫سماوي أو‬
‫ٍّ‬ ‫قانون‬
‫عبادة اهلل وحده‪ ،‬وإلى إصالح أنفسهم ال َّتي أفسدتها التَّقالي ُد والعصبِيَّات‪ ،‬وكان للمرأة‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)27-25 /5‬‬

‫‪40‬‬
‫حظ كبير من هذا اإلصالح لم يسبق اإلسالمَ به ِديْ ٌن ولم يَبْلُغ شأ َوه تشريع‪.‬‬
‫ٌّ‬

‫وقد اعت َّد اإلسالمُ برسالة المرأة في تكوين األسرة‪ ،‬وق َ َّد َر أنَّه ال ِغناء َّ‬
‫للرجل عنها‪ ،‬فهي‬
‫الن ِّصف المك ِّم ُل له‪ ،‬تشترك معه فيما تتطلَّبُهُ حياةُ األسرة من أعمال‪.‬‬

‫الصلة الوثيقة ال َّتي ال تنفصل بين َّ‬


‫الرجل والمرأة‪ ،‬ولهذه المسؤوليَّة‬ ‫ومن أجل هذه ِّ‬
‫الكبرى ال َّتي اضطلعت بها للقيام بدورها في بناء األسرة هيَّأ لها اإلسالمُ ُّ‬
‫السبُ َل ألداء‬
‫رسالتها على وجه صريح ال تشكو منه ُظلماً وال ه ْ‬
‫َضماً‪ ،‬وبذلك كبرت مكانتها‪ ،‬وصارت‬
‫لر َج ِ‬
‫ال‬ ‫ت َ ْع ِرف قدر نفسها كما حدَّدها القرآن‪َ ﴿ :‬ول َ ُه َّن ِمثْ ُل ال َّ ِذي عَلَيْ ِه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫وف َول ِ ِّ‬
‫الالزم في بناء األسرة؛ إذ كانت تدرك‬ ‫عَلَيْ ِه َّن دَ َر َجةٌ﴾ [البقرة‪ ،)1(]228 :‬وقامت بدورها َّ‬

‫وظيفتَها في تكوين الن َّشء والبيوت‪ ،‬فتاريخها حاف ٌل بالجهاد في ذلك‪ ،‬فهي كأ ٍّم مثابرةٌ في‬
‫بيتها ترعى أوالدها وزوجها‪ ،‬وال تنتظر أجراً على ما تق ِّدمُ من خدمات‪ ،‬وإن َّما قلبها الكبير‬
‫وحبُّها ألوالدها يدفعانها للعمل ال َّدائم ليل نهار‪ ،‬فهي ترضع أوالدها من لبانها حتَّى ال‬
‫يهزلوا‪ ،‬وتقوم بتربيتهم حتَّى ال يضيعوا‪ ،‬مُمتثلةً لقول اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬وال ْ َوالِد ُ‬
‫َات يُ ْر ِض ْع َن‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ضا َعةَ﴾ [البقرة‪ ،)2(]233 :‬وهي كزوج ٍة راعيةٌ‬ ‫أ ْو َالدَ ُه َّن َح ْولَيْ ِن َكا ِملَيْ ِن ل ِ َم ْن أ َرادَ أ ْن يُتِ َّم َّ‬
‫الر َ‬

‫ما َل زوجها‪ ،‬وسفيرتُهُ بين جيرانه وأقربائه‪ ،‬عاملةٌ بقول َّ‬


‫الرسول ﷺ‪(( :‬المرأة في بيت‬
‫زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيَّتها))(‪ ،)3‬استطاعت أن تسهم في بناء األسرة‪ ،‬وأثبتت‬
‫اله َّمة واالعتدال واألمانة في أداء واجبها‪ ،‬ففي المجتمع ماليي ُن من األسر تعيش في ظ ٍّل‬
‫األسري‪ ،‬ويتعاون رجالها ونساؤها وأبناؤها على حياتهم في نطاق‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫وارف من االستقرار‬
‫سبب هذا االستقرار‬‫ُ‬ ‫معيشي‪ ،‬وليس‬
‫ٍّ‬ ‫ما وهبهم اهلل من رزق‪ ،‬وما قُدِّر لهم من مستوى‬
‫الرجل وسيطرته المادِّيَّة عليها‪ ،‬ولكن سببُ ُه سلو ُك المرأة ووقوفُها‬
‫رهبةَ المرأة من َس ْو ِط َّ‬
‫الشريعة وقواعد ال َّطبيعة ومكانتها في المجتمع‪ ،‬فالمرأةُ تعرف مكانها من هذه‬
‫عند قواعد َّ‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)268-263 /2‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)296-290 /2‬‬
‫(‪ -(3‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪ ،)5188‬ومسلم برقم (‪.)1829‬‬

‫‪41‬‬
‫القواعد والتَّقاليد فال تتح َّداه وال تتخ َّطاه‪ ،‬ذلك أ َّن َّ‬
‫الشريعة اإلسالميَّة وضعت قوانينها‬
‫السعيدة وصيانتها‪ ،‬وراعت فيها مصلحة جميع أعضائها‪ ،‬وأعطت لك ِّل ذي‬
‫لبناء األسرة َّ‬
‫وتستقر‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ح ٍّق ح َّقه‪ ،‬وبمقدار مراعاة ك ِّل فرد لح ِّقه تسعد األسر‬

‫إ َّن دين اإلسالم ال يمكن أن يقبل أن يُساء للمرأة داخل البيت من قبل َّ‬
‫الرجل‪ ،‬هذه المرأة‬
‫الرجل‪ ،‬هي شريكة‬ ‫ال َّتي هي شريكةٌ في الحياة األسريَّة مع َّ‬
‫الرجل‪ ،‬هي شريكة في حياة َّ‬
‫الرجال))(‪ ،)1‬فبناءُ األسرة إن َّما يت ُّم‬
‫في المجتمع‪ ،‬قال رسول اهلل‪(( :‬إن َّما الن ِّساء شقائق ِّ‬
‫بشراكة كاملة بين رجل وامرأة‪.‬‬
‫ولقد وضع اهلل تعالى وبيَّن رسول اهلل ﷺ أحكامَ بناء األسرة‪ ،‬فكلَّما كان بناء‬
‫األسرة على أسس سليمة‪ ،‬كلَّما ابتعد ال َّطالق عن األسر اإلسالميَّة‪ ،‬وكلَّما بُني ال َّزواج‬
‫والشقاق وال َّطالق يكون أقرب لألسرة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫على غير أحكام اهلل سبحانه فإ َّن الخالف‬
‫الرجل والمرأة أصبحت واضحة‪ ،‬لو ت َّمت‬ ‫واألسس ال َّتي وضعها اإلسالم للعالقة بين َّ‬
‫ُ‬
‫اخترت‬
‫َ‬ ‫للضرورات القصوى؛ ألن َّك‬ ‫األمور من خالل هذا التَّوجيه النعدم ال َّطالق َّ‬
‫إال َّ‬
‫اخترت المرأةَ ال َّتي ترب َّت على‬
‫َ‬ ‫الرج َل ال َّذي ترب َّى على القيم واألخالق‪ ،‬وأنت‬
‫البنتك َّ‬
‫أخالقي‪ ،‬فال‬
‫ٍّ‬ ‫القيم واألخالق‪ ،‬وال َّذي يترب َّى على القيم واألخالق ال يكون في بيته َ‬
‫غير‬
‫يكون في بيته ك َّذاباً‪ ،‬أو خائناً غير مؤتمن‪ ،‬ال يكون في بيته ن َّماماً‪ ،‬ال يكون في بيته مغتاباً‪،‬‬
‫ال يكون في بيته سارقاً‪.‬‬

‫إذ ًا‪ :‬ك ُّل القيم تحملها المرأة من بيتها وأسرتها إلى بيت زوجها‪ ،‬وك ُّل القيم ال َّتي حملها َّ‬
‫الرجل‬
‫تظهر في بيته‪.‬‬

‫الرجل والمرأة والقاعدة القرآنيَّة ال َّذهبيَّة‪:‬‬


‫ثالثاً‪ :‬حقيقة المساواة بين َّ‬

‫ً‬
‫جدال في العصـر الحديث‬ ‫الرجل والمرأة من أكثر القضايا‬
‫‪ -‬تع ُّد قضيَّة المساواة بين َّ‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود يف سننه برقم (‪)236‬‬

‫‪42‬‬
‫والسياسيَّة والتَّشريعيَّة والدِّينيَّة‪ ،‬كما أنَّها‬
‫ِّ‬ ‫على كافَّة األصعدة الحقوقيَّة واإلعالميَّة‬
‫المتحضـرة عن المتخلِّفة حسب التَّصنيف‬
‫ِّ‬ ‫المجتمعات‬
‫ُ‬ ‫أصبحت عالمة فارقة تُميَّز بها‬
‫الغربي‪ ،‬حيث تسود نظرة راديكاليَّة غربيَّة للموضوع‪ ،‬تشترط المساواة التَّامَّة في كافَّة‬
‫ِّ‬
‫المجاالت‪ ،‬متجاهلة حتَّى الفروق البيولوجيَّة بين الجنسين‪.‬‬
‫اإلسالمي بهذا الخصوص‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ومن المعلوم أ َّن حروباً كثيرة ُشنَّت على اإلسالم والتَّشـريع‬
‫علماً بأنَّه انطلق من نظرة أكثر واقعيَّة وتالؤماً مع الفطرة اإلنسانيَّة وال َّطبيعة البشريَّة‪،‬‬
‫وتتل َّ‬
‫خص هذه النَّظرة بالنِّقاط اآلتية‪:‬‬

‫الرجل والمرأة في القيمة اإلنسانيَّة بمعنى أ َّن َّ‬


‫الرجل ليس أفضل من‬ ‫‪ -1‬المساواة بين َّ‬
‫الصلة باهلل ﷻ‪،‬‬
‫والصالح واألخالق وحسن ِّ‬
‫َّ‬ ‫المرأة وال العكس‪ ،‬وإنَّما يح ُك ُم ذلك التَّقوى‬
‫اس إِنَّا َخلَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن ذَ َك ٍر َوأُنْثَى َو َجعَلْنَا ُك ْم ُشعُوبًا َوقَبَائِ َل لِتَعَا َرفُوا‬ ‫َ‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬يَا أيُّ َها الن َّ ُ‬
‫إِ َّن أ َ ْك َر َم ُك ْم ِعن ْ َد اهللِ أَت ْ َقا ُك ْم﴾ [الحجرات‪.)1(]13:‬‬
‫الرجل والمرأة في أساس التَّكليف والثَّواب والعقاب‪ ،‬استناداً لقوله‬ ‫‪ -2‬المساواة بين َّ‬
‫اب ل َ ُه ْم َرب ُّ ُه ْم أَنِّي َال أ ُ ِضي ُع َع َم َل عَا ِم ٍل ِمن ْ ُك ْم ِم ْن ذَ َك ٍر أ َ ْو أُنْثَى بَع ُ‬
‫ْض ُك ْم ِم ْن‬ ‫ج َ‬ ‫تعالى‪﴿ :‬ف َ ْ‬
‫استَ َ‬
‫حا ِم ْن ذَ َك ٍر أ َ ْو أُنْثَى َو ُه َو مُ ْؤ ِم ٌن‬
‫صال ِ ً‬
‫ْض﴾ [آل عمران‪ ،)2(]195 :‬ولقوله تعالى‪﴿ :‬مَ ْن َع ِم َل َ‬
‫بَع ٍ‬
‫ج ِزيَن َّ ُه ْم أ َ ْج َر ُه ْم بِأ َ ْح َس ِن َما َكانُوا يَ ْع َملُو َن﴾ [النَّحل‪.)3( ]97:‬‬
‫ح ِييَنَّهُ َحيَاةً َطيِّبَةً َولَن َ ْ‬
‫فَلَن ُ ْ‬
‫الرجل والمرأة فكما يُطلَب من المرأة‬ ‫‪ -3‬توازن الحقوق والواجبات في العالقة بين َّ‬
‫الرجل فإ َّن لها كذلك حقوقاً‪ ،‬وفق قاعدة ذهبيَّة قرآنيَّة كانت أ َّول ندا ٍء‬
‫واجبات تجاه َّ‬
‫بحقوق المرأة في تاريخ البشريَّة‪ ،‬فقال تعالى‪َ ﴿ :‬ول َ ُه َّن ِمثْ ُل الَّذي عَلَيْ ِه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫وف﴾‬
‫[البقرة‪.)4(]228:‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)160-159/4‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)150-148 /4‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)307-306/14‬‬
‫(‪ (4‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)268-263 /2‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ -4‬ومن ذلك التَّساوي والمماثلة في التَّكاليف أيضاً‪:‬‬
‫‪ -‬فعليها حفظ نفسها عن غيره ممن ليس بزوج‪ ،‬وعليه مثل ذلك ع َّمن ليست‬
‫ك أ َ ْز َكى ل َ ُه ْم﴾‬
‫ح َف ُظوا ف ُ ُرو َج ُه ْم ذَل ِ َ‬ ‫ضوا ِم ْن أَب ْ َ‬
‫صا ِر ِه ْم َويَ ْ‬ ‫بزوجة ﴿ق ُ ْل لِلْ ُم ْؤ ِمنِي َن يَ ُغ ُّ‬
‫ح َف ْظ َن ف ُ ُرو َج ُه َّن﴾‬ ‫ض َن ِم ْن أَب ْ َ‬
‫صا ِر ِه َّن َويَ ْ‬ ‫[النُّور‪ ،]30 :‬ث َّم قال‪َ ﴿ :‬وق ُ ْل لِلْ ُم ْؤ ِمن َ ِ‬
‫ات يَ ْغ ُ‬
‫ض ْ‬
‫[النُّور‪ ،]31 :‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬وال َّ ِذي َن ُه ْم ل ِ ُف ُروجِ ِه ْم َحافِ ُظو َن * إ َِّال عَلَى أ َ ْز َواجِ ِه ْم﴾‬
‫[المعارج‪.)1(]30-29 :‬‬
‫ق بَيْنِ ِه َما فَاب ْ َعثُوا َح َك ًما‬
‫ح َك َمي ِن‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم ِش َقا َ‬ ‫‪ -‬والمماثلة في بَع ِ‬
‫ْث ال َ‬
‫ِم ْن أ َ ْه ِل ِه َو َح َك ًما ِم ْن أ َ ْه ِل َها إِ ْن يُ ِريدَا إ ْ‬
‫ِص َال ًحا يُ َوف ِّ ِق اهللُ بَيْن َ ُه َما إِ َّن اهللَ َكا َن َع ِلي ًما‬
‫يرا﴾ [النِّساء‪.)2(]35 :‬‬
‫َخبِ ً‬
‫راع على أهله‪ ،‬والمرأةُ راعيةٌ في‬
‫((الرج ُل ٍ‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬والمماثلة في ِّ‬
‫الرعاية‪ ،‬ففي الحديث‪:‬‬
‫بيت زوجها))(‪.)3‬‬
‫اال َع ْن‬ ‫ص ً‬ ‫الرضاع وغيره‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ف َ ِإ ْن أ َ َرادَا فِ َ‬
‫‪ -‬والمماثلة في التَّشاور في َّ‬
‫اح عَلَيْ ِه َما﴾ [البقرة‪ ،)4(]233 :‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬وأْت َ ِم ُروا‬
‫اض ِمن ْ ُه َما َوت َ َشا ُو ٍر ف َ َال ُجن َ َ‬
‫ت َ َر ٍ‬
‫بَيْن َ ُك ْم بِ َمع ُْر ٍ‬
‫وف﴾ [ال َّطالق‪.)5(]6 :‬‬
‫ً‬
‫كامال من حيث الحوار‬ ‫الرأي‪ :‬اإلسالم أعطى المرأة ح َّقها‬
‫‪ -5‬المساواةُ في ح ِّق إبداء َّ‬
‫ك فِي َز ْوجِ َها‬ ‫جا ِدل ُ َ‬
‫الرأي‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ق َ ْد َس ِم َع اهللُ ق َ ْو َل الَّتي ت ُ َ‬ ‫والمجادلة وإبداء َّ‬
‫بي ﷺ في‬ ‫بي ﷺ ل َّما استشارها الن َّ ُّ‬ ‫زوج الن َّ ِّ‬
‫ُ‬ ‫َوت َ ْشت َِكي إِلَى اهللِ﴾ [المجادلة‪ ،)6(]1 :‬وأ ُّم سلمةَ‬

‫أي ال َّذي أخذ به َّ‬


‫الرسول ﷺ‪.‬‬ ‫الر َ‬
‫أثناء صلح الحديبية أبدت رأيَها‪ ،‬وكان هو َّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)191-189/29‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪)32 /5‬‬
‫(‪ (3‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪ ،)5188‬ومسلم برقم (‪.)1829‬‬
‫(‪ (4‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)296-290 /2‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)201-199/28‬‬
‫(‪ (6‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)11-9 /28‬‬

‫‪44‬‬
‫للرجل ح َّق االنفصال عن‬
‫‪ -6‬وساوى بينهما في ح ِّق االنفصال‪ :‬فاإلسالم كما أعطى َّ‬
‫يفرق بينهما في كيفيَّة وأسلوب هذا االنفصال‬
‫زوجته أعطى للمرأة هذا الحقَّ‪ ،‬ولكن ِّ‬
‫ويفرق بينهما في كيفيَّة استخدام هذا الح ِّق؛ حيث يعطي‬
‫ِّ‬ ‫"فهو يس ِّوي بينهما في الح ِّق‪،‬‬

‫الرج َل ح َّق ال َّطالق ويعطي المرأة ح َّق الخلع"‪ ،‬أو رفع دعوى التَّفريق عند القاضي ِّ‬
‫فيفرق‬ ‫َّ‬
‫بينهما‪.‬‬
‫قر اإلسالمُ المساواةَ التَّامَّة الَّتي يريدها الغرب‪ ،‬وإنَّما يعترف باالختالف بين بِنْيَة‬
‫‪ -7‬ال يُ ُّ‬
‫والرجل‪ ،‬جسديًّا ونفسيًّا وعاطفيًّا‪ ،‬وكذلك في نمط التَّفكير وطريقة محاكمة‬
‫َّ‬ ‫المرأة‬
‫الرجل؛ ولذلك كانت‬
‫يمر بها َّ‬
‫وتمر بظروف ال ُّ‬
‫ُّ‬ ‫األمور‪ ،‬فالمرأةُ تح ِم ُل وتُرضع وتربِّي‪،‬‬
‫الرجل‪.‬‬
‫خاصة بالمرأة تنفرد بها عن َّ‬
‫َّ‬ ‫هناك أحكام‬
‫الرجل والمرأة‪ ،‬ك ٌّل بما‬
‫مبني على توزيع المسؤوليَّات بين َّ‬
‫‪ -8‬نظام األسرة في اإلسالم ٌّ‬
‫أساس التَّربية وإعداد الجيل وتنشئته على الخير‬
‫ُ‬ ‫يناسب طبيعته وتكوينه‪ ،‬فالمرأةُ هي‬
‫الرجل يتح َّمل مسؤوليَّة حماية هذه األسرة واإلنفاق عليها والكدح من‬
‫والصالح‪ ،‬بينما َّ‬
‫َّ‬
‫﴿الر َجا ُل ق َ َّوا ُمو َن عَلَى الن ِّ َسا ِء﴾‬
‫ِّ‬ ‫أجلها‪ ،‬وهذه هي تماماً درجة ال ِقوامة الَّتي ذكرها اهلل‪:‬‬
‫ال عَلَيْ ِه َّن دَ َر َجةٌ َواهللُ َع ِزي ٌز َح ِكي ٌم﴾ [البقرة‪ ،)2(]228 :‬وقد يعتقد‬ ‫[النِّساء‪َ ﴿ ، ]34:‬ول ِ ِّ‬
‫لر َج ِ‬ ‫(‪)1‬‬

‫البعض أ َّن هذه الدَّرجة هي تفضيل َّ‬


‫للرجل على المرأة أو منع للمرأة من العمل‪ ،‬وهذا‬
‫ٍ‬
‫تكليف‬ ‫الرجل على المرأة قِوامةُ‬‫القرآني؛ وقوامةُ َّ‬
‫ِّ‬ ‫االعتقاد ناب ٌع من سوء فهم التَّشـريع‬
‫الرجل على المرأة‪ ،‬وهي أيضاً للتَّرتيب وتدبير‬ ‫ِ‬
‫لتشريف َّ‬ ‫ومسؤوليَّ ٍة أما َم اهلل ﷻ‪ ،‬وليست‬
‫أمور األسرة‪ ،‬وليست للتَّسلُّط على المرأة وإذاللها‪ ،‬كما أ َّن هذه ال ِقوامة ال تمنع المرأة‬
‫من العمل والمساهمة في تح ُّمل المسؤوليَّات‪ ،‬إن كان العمل مناسباً لطبيعتها الجسديَّة‬
‫ومنضبطاً بما يحفظ خصوصيَّتها واحترامها‪.‬‬
‫الرجال على حسن‬
‫حض ِّ‬
‫ِّ‬ ‫قال ابن عبَّاس رضي اهلل عنهما‪( :‬تلك ال َّدرجة إشارة إلى‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)32-27 /5‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)268-263 /2‬‬

‫‪45‬‬
‫وسع للن ِّساء في المال والخلق)‪ ،‬وقال ابن عطيَّة‪( :‬وهو قول حسن بارع) (‪.)1‬‬
‫الع ُْشرة والتَّ ُّ‬
‫الرجل والمرأة‪َ ﴿ ،‬ول َ ُه َّن‬ ‫وما أجملها من قاعد ٍة قرآنيَّ ٍة ذهبيَّ ٍة ت ُ ِّ‬
‫وضح حقيقة المساواة بين َّ‬
‫ِمثْ ُل ال َّ ِذي عَلَيْ ِه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫وف﴾ [البقرة‪.)2(]228 :‬‬
‫للرجال عليه َّن‪ ،‬فليؤدِّ ك ُّل واحد منهما إلى‬
‫الرجال من الح ِّق مث ُل ما ِّ‬
‫أي‪ :‬وله َّن على ِّ‬
‫اآلخر ما يجب عليه بالمعروف‪.‬‬
‫جة الوداع‪(( :‬فَات َّ ُقوا اهللَ فِي‬
‫عن جابر رضي اهلل عنه أ َّن رسول اهلل ﷺ قال في خطبته في ح َّ‬
‫الن ِّ َسا ِء‪ ،‬ف َ ِإن َّ ُكم أ َ َخذت ُ ُمو ُه َّن بِأَمَان اهللِ‪َ ،‬واستَحلَلتُم ف ُ ُرو َج ُه َّن بِ َك ِل َم ِة اهللِ‪َ ،‬ولَكم عَلَي ِه َّن أ َ ْن ال‬
‫َ‬
‫يُو ِطئْ َن ف ُ ُر َش ُكم أ َحدًا ت َ َ‬
‫كرهُونَهُ))(‪.)3‬‬
‫أحب أن تتزيَّ َن لي‬
‫ُّ‬ ‫ألحب أن أتزيَّ َن للمرأة كما‬
‫ُّ‬ ‫اس رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬إنِّي‬
‫عن ابن عبَّ ٍ‬
‫المرأةُ؛ أل َّن اهلل يقول‪َ ﴿ :‬ول َ ُه َّن ِمثْ ُل ال َّ ِذي عَلَيْ ِه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫وف﴾ [البقرة‪.)4())]228 :‬‬
‫وت ُ َع ُّد هذه اآليةُ من أوائل ما نزل في اإلسالم في بيان العالقة بين ال َّزوجين‪ ،‬والقائم ِة على‬
‫األصبهاني" هذا المعنى‬
‫ُّ‬ ‫بغض الن َّظر عن جنسه‪ ،‬ويؤ ِّكد َّ‬
‫"الراغب‬ ‫ِّ‬ ‫إعطاء ك ِّل ذي ح ٍّق ح َّقهُ‪،‬‬
‫بقوله‪(( :‬يتبيَّ ُن أ َّن لك ِّل واحد على اآلخر ح ًّقا كح ِّق اآلخر‪ ،‬ف ِم َّما تشاركا فيه مراعاتُهما‬
‫للمعنى ال َّذي شرع ألجله النِّكاح‪ ،‬وهو طلب الن َّسل‪ ،‬وتربية الولد‪ ،‬ومعاشرة ُك ِّل واحد‬
‫وتدبير ما فيه‪ ،‬وسياسةُ ما تحت أيديهما‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وحفظ المنزل‪،‬‬ ‫منهما لآلخر بالمعروف‪،‬‬
‫وحمايةُ ك ِّل واحد على اآلخر بقدر جهده وحده))(‪.)5‬‬
‫صرح ٌة بأ َّن له َّن حقوقًا قبل‬
‫واجبات تجاه أزواجه َّن فإ َّن اآلية ُم ِّ‬
‫ٍ‬ ‫فكما أ َّن على الن ِّساء‬
‫ت اآليةُ أرو َع األمثلة في التَّعامالت األسريَّة‬
‫أدائه َّن لهذه الواجبات‪ ،‬بهذا الميزان ضرب َ ِ‬
‫الرجل والمرأة‪ ،‬فانكشف بذلك زيف الحضارة المادِّيَّة الحديثة‪ ،‬ال َّتي لم تجعل‬
‫بين َّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)269-267/2‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)268-263 /2‬‬
‫(‪ (3‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪.)1218‬‬
‫(‪ (4‬رواه البيهقي يف السنن الكربى برقم (‪.)14728‬‬
‫(‪ (5‬تفسري الراغب األصفهاين (‪.)469 /1‬‬

‫‪46‬‬
‫ً‬
‫أصال‪ ،‬وإنَّما عاملتها على أنَّها سلعة لالستمتاع‪ ،‬تباع وتشترى كما ِّ‬
‫السلع‬ ‫للمرأة حقوقًا‬
‫األخرى‪.‬‬
‫وم َّما يسترعي الن َّظر في اآلية الكريمة كلمةُ ﴿ ِمثْ ُل﴾‪ ،‬وما تض َّمنته من التَّسوية بين‬
‫الجنسين في الحقوق والواجبات‪ ،‬والمعنى‪ :‬المساواة في جملة الحقوق والواجبات ال‬
‫الشريعةُ؛ فقد يكون وجه المماثلة بينهما‬
‫تفصيل في ذلك بيَّنته َّ‬
‫ٍ‬ ‫المساواة في جنسها‪ ،‬على‬
‫ظاهرا ال يحتاج إلى بيان‪ :‬كالمماثلة بينهما في تربية األوالد وتنشئتهم على اإلسالم‪ ،‬وقد‬
‫ً‬
‫يكون خفيًّا يحتاج إلى بيان وتفصيل‪ ،‬وبطبيعة الحال فإنَّه مما يُعلَم سل ًفا االختالف‬
‫خلق ك ِّل واحد‬
‫ِ‬ ‫الجسدي‪ ،‬أو في مقاص ِد‬
‫ِّ‬ ‫والتَّباين بين ال َّذكر واألنثى‪ ،‬سواء في التَّكوين‬
‫منهما؛ إذ جعل اهلل تعالى لك ٍّل من ال َّذكر واألنثى وظيفةً تناسب قدراته ِ‬
‫وخلقته والمقصد‬
‫ير﴾ [الملك‪.)1(]14 :‬‬
‫خب ِ ُ‬ ‫ال َّذي ُخلق له‪ ،‬يقول تعالى‪﴿ :‬أ َ َال يَعْلَ ُم مَ ْن َخلَ َق َو ُه َو اللَّ ِط ُ‬
‫يف ال ْ َ‬
‫الخاصة بالمرأة في مجال األسرة‪ ،‬فإنَّنا‬
‫َّ‬ ‫وإذا نظرنا بموضوعيَّة إلى مجموع النُّصوص‬
‫الرجل تكريماً وتكليفاً‪.‬‬ ‫سنجد على العكس م َّما يُظ ُّن‪ ،‬أ َّن المرأة مُ َّ‬
‫فضلة على َّ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪،‬‬
‫بي ﷺ‪َ ( :‬جاءَ َر ُج ٌل إلى َر ُس ِ‬ ‫تكريماً‪ :‬األ ُّم ُم َّ‬
‫فضلة على األب بدليل حديث الن َّ ِّ‬
‫ك قا َل‪ :‬ث ُ َّم مَ ْن؟ قا َل‪ :‬ث ُ َّم أُمُّ َ‬
‫ك قا َل‪ :‬ث ُ َّم‬ ‫حابَتِي؟ قا َل‪ :‬أُمُّ َ‬ ‫ص َ‬‫ح ْس ِن َ‬ ‫اس ب ُ‬ ‫فَقا َل‪ :‬مَن أ َ َح ُّق الن َّ ِ‬
‫ك قا َل‪ :‬ث ُ َّم َم ْن؟ قا َل‪ :‬ث ُ َّم أَبُو َك)(‪.)2‬‬ ‫َم ْن؟ قا َل‪ :‬ث ُ َّم أ ُ ُّم َ‬
‫تكليفاً‪ :‬مسؤوليَّة اإلعداد والتَّربية للجيل هي من أعظم وأشرف ما يمكن أن يقوم به‬
‫شك أ َّن هذه المه َّمة‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فالمرأةُ هي الَّتي تصنع ِّ‬
‫الرجال بل تصنع األجيال‪ ،‬وال َّ‬
‫الرجل ومسؤوليَّاته‪.‬‬
‫أعظم من كثير من مهامِّ َّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)47-43/29‬‬


‫(‪ (2‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪.)2548‬‬

‫‪47‬‬
‫رابعاً‪ :‬العدالة بين َّ‬
‫الرجل والمرأة كما بيَّنها اإلسالم‪:‬‬
‫ق بين المساواة والعدالة‪ ،‬فالمساواةُ أن أُكلِّف هذا وهذا بمهامٍّ متساوية‪ ،‬ولك َّن‬
‫هناك فر ٌ‬
‫العدالة َّ‬
‫أال تت َِّح َد المهامُّ؛ أل َّن لك ٍّل منهما طبيعة وقدرة على التَّح ُّمل‪ ،‬تختلف عن اآلخر‬
‫الخلْقة‪.‬‬
‫بأصل ِ‬

‫الرجل والمرأة بمعنى أن َّه كلَّف‬


‫وفي هذا المطلب سوف نتح َّدث أ َّن اإلسالم ساوى بين َّ‬
‫الرجل بحقوق وكلَّف المرأة بحقوق‪ ،‬ولكن َّه‬
‫الرجل بعبادته وكلَّف المرأة بعبادته‪ ،‬وكلَّف َّ‬
‫َّ‬
‫الرجل التَّكاليف الَّتي يستطيع القيام بها‪ ،‬وكلَّف المرأة‬
‫َعدَل بينهما؛ أي‪ :‬أنَّه أعطى َّ‬
‫بتكاليف تستطيع القيام بها‪ ،‬ولم يُكلِّفها بتكاليف فوق طاقتها‪ ،‬وهذا وإن َّ‬
‫مر من خالل‬
‫لمعان أ ُ َخر رب َّما ال يُتنَبَّه لها‪ ،‬ولنذكر بعض األمثلة‬
‫ٍ‬ ‫السابق َّ‬
‫إال أ َّن في إفراده إظهاراً‬ ‫الكالم َّ‬
‫على ذلك‪:‬‬
‫ص ُدقَاتِ ِه َّن‬
‫الرجل‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬وآتُوا النِّساء َ‬
‫الصداق (المهر) على َّ‬ ‫‪ -1‬في َّ‬
‫الشرع َّ‬
‫الرجل‬ ‫حلَةً﴾ [النِّساء‪ ،)1( ]4 :‬ولو قلنا بالمساواة يجب أن تدفع المرأة نصف َّ‬
‫الصداق و َّ‬ ‫نِ ْ‬
‫النصف‪.‬‬
‫الرجل باإلنفاق على ال َّزوجة‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬وعَلَى ال ْ َم ْولُو ِد لَهُ ِر ْزق ُ ُه َّن‬ ‫‪ -2‬يُل َزم َّ‬
‫وف﴾ [البقرة‪ ،)2( ]233 :‬وإن امتنع عن ذلك يُجبَر على اإلنفاق‪ ،‬ولو‬ ‫َو ِك ْس َوت ُ ُه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫فرضنا المساواة لما كان ذلك‪.‬‬
‫الرجل والمرأة فالَّذي يستح ُّق الحضانةَ المرأةُ‪ ،‬ونفقةُ األوالد‬
‫‪ -3‬حينما يقع انفصال بين َّ‬
‫الس ْكنَى‪ ،‬ولو فرضنا المساواة يجب أن نقسم األطفال إذا‬
‫مسؤوليَّةُ األب‪ ،‬وكذلك توفير ُّ‬
‫كانوا أربعة مثالً‪ ،‬اثنان مع األمِّ‪ ،‬وآخران مع األب‪ ،‬وكذلك إشراك األمِّ في مسؤوليَّة‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)172 /4‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)296-290 /2‬‬

‫‪48‬‬
‫الن َّفقة ُّ‬
‫والسكنى‪.‬‬
‫‪ -4‬ولو كانت المرأة تُرضع يجب على ال َّزوج أن يعطيها نفقة اإلرضاع‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫ض ْع َن ل َ ُك ْم فَآتُو ُه َّن أ ُ ُجو َر ُه َّن﴾ [ال َّطالق‪ ،)1(]6 :‬ولو فرضنا المساواة لما كان ذلك‪.‬‬
‫﴿ف َ ِإ ْن أ َ ْر َ‬

‫أب وأمٌّ‪ ،‬فهو مل َزم باإلنفاق عليهما‪ ،‬لكن إن ق َ ُ‬


‫صرت يديه ولم‬ ‫‪ -5‬إذا كان لإلنسان ٌ‬
‫يستطع أن ينفق عليهما سويًّا‪ ،‬فإن َّه ينفق على األمِّ ويقدِّمها على األب‪ ،‬ولو فرضنا‬
‫المساواة لما كان ذلك‪.‬‬

‫‪ -6‬في مسألة فكاك أسرى المسلمين‪ ،‬يُقدَّم فِداء النِّساء على فِداء ِّ‬
‫الرجال‪ ،‬ولو فرضنا‬
‫المساواة لما كان ذلك‪.‬‬
‫الرجل والمرأة‪:‬‬
‫من مظاهر تحقيق العدل بين َّ‬
‫الروح الَّتي تسري في جنبات الحياة؛ فما من تشريع‬
‫العدل في التَّشريع واإلسالم بمثابة ُّ‬
‫حا في القرآن الكريم؛ يقول‬
‫األمر به صري ً‬
‫ُ‬ ‫في اإلسالم َّ‬
‫إال وهو قائم على العدل؛ لذا جاء‬
‫ان َوإِيتَا ِء ِذي ال ْ ُق ْربَى َويَن ْ َهى َع ِن‬ ‫اهللَ يَأْمُ ُر بِال ْ َعد ِْل َو ْ ِ‬
‫اإل ْح َس ِ‬ ‫اهلل تق َّدست أسماؤه‪﴿ :‬إِ َّن َّ‬

‫ح َشا ِء َوال ْ ُمن ْ َك ِر َوالْبَ ْغ ِي يَ ِع ُظ ُك ْم لَعَلَّ ُك ْم ت َ َذ َّك ُرون﴾ [النَّحل‪ ،)2(]90 :‬ويقول ج َّل ِمن قائل‪:‬‬
‫ال ْ َف ْ‬
‫﴿ َوإِذَا قُلْتُ ْم فَا ْع ِدلُوا َول َ ْو َكا َن ذَا ق ُ ْرب َى﴾ [األنعام‪ ،)3(]152 :‬وفيها يأمر اهلل تعالى بالعدل في‬
‫ٍ‬
‫وقت‬ ‫ال ِفعال والمقال‪ ،‬على القريب والبعيد‪ ،‬واهلل تعالى يأمر بالعدل لك ِّل أحد‪ ،‬في ك ِّل‬
‫وفي ك ِّل حال‪.‬‬

‫وقد تجلَّت مظاهر العدل بين َّ‬


‫الرجل والمرأة في جوانب ع َّدة‪ ،‬ومن أبرزها‪:‬‬
‫أ َّو ًال– جانب العبادات وحقوق اهلل تعالى‪:‬‬
‫الشارع الحكيم بين ال َّذكر واألنثى في العبادات وحقوق اهلل تعالى‪ ،‬وجعل‬
‫يفرق َّ‬
‫لم ِّ‬
‫الرجل واألنثى َّ‬
‫إال في حاالت استثنائيَّة بحسب طبيعة واستعداد‬ ‫األصل هو المساواة بين َّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)200/28‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)292-282/14‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)74-71 /8‬‬

‫‪49‬‬
‫ك ٍّل منهما ألداء وظيفته؛ ومن األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫الخدري‬
‫ِّ‬ ‫والصيام إذا أصابها الحيض أو الن ِّفاس؛ فعن أبي سعيد‬
‫ِّ‬ ‫‪ -‬أ َّن المرأة تترك َّ‬
‫الصالة‬
‫بي ﷺ‪(( :‬أليس إذا حاضت لم تُص ِّل ولم تصم))(‪.)1‬‬
‫رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال الن َّ ُّ‬
‫‪ -‬أ َّن اهلل تعالى فرض الجهاد (وهو ردُّ العدوان وال ِّدفاع عن األوطان) على ِّ‬
‫الرجال دون‬

‫استأذنت الن َّ َّ‬


‫بي ﷺ في الجهاد‬ ‫ُ‬ ‫النِّساء؛ فعن أمِّ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها قالت‪:‬‬
‫الحج))(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫فقال‪(( :‬جهادُ ُك َّن‬
‫وذلك لِـ َما في الجهاد من تعب وعناء ومش َّقة ومخاطرة ربَّما تعجز أجسادُ ُه َّن الَّتي ُجبِلت‬
‫الرق َّة واللُّطف من تح ُّمله‪ ،‬ولما فيه من مشاهد ال َّدم وه َّن يفضن عاطفةً ورقَّةً‪.‬‬
‫على ِّ‬
‫ثانيًا – جانب المعامالت وحقوق العباد‪:‬‬
‫صرفات الماليَّة المطلق‬
‫الرجل في باب المعامالت وحقوق العباد‪ ،‬فلها ح ُّق التَّ ُّ‬
‫المرأة ك َّ‬
‫صرف‪:‬‬
‫برع أو المعاوضة أو الهبة‪ ،‬ما لم يكن هناك مان ٌع من التَّ ُّ‬
‫في مالها‪ ،‬سواء بالتَّ ُّ‬
‫الرجل والمرأة‪ ،‬وليس لزوجها أن يمنعها‬
‫السفه أو الحجر‪ ،‬وهذا يشترك فيه َّ‬
‫كالجنون أو َّ‬

‫الخاص ِة بها؛ وفي الحديث‪(( :‬أ َّن امرأة سألت الن َّ َّ‬
‫بي ﷺ‪ :‬أتجزئ‬ ‫َّ‬ ‫صرفات الماليَّة‬
‫من التَّ ُّ‬
‫أيتام في ِح ْ‬
‫جرها؟ فأجابها رسو ُل اهلل ﷺ بقوله‪ :‬لها أجران‪:‬‬ ‫الصدقةُ على ال َّزوج‪ ،‬وعلى ٍ‬
‫َّ‬
‫الصدَقة))(‪.)3‬‬
‫وأجر َّ‬
‫ُ‬ ‫أجر القرابة‪،‬‬
‫ُ‬
‫ثالثًا – العالقات األسريَّة‪:‬‬
‫اإلسالمي يرى بوضوح أ َّن من أه ِّم سماتها‬
‫ِّ‬ ‫الن َّاظر إلى العالقات األسريَّة في التَّشريع‬
‫فالبنات نعمةٌ من نعم اهلل ﷻ‬
‫ُ‬ ‫ومميِّزاتها العدل بين ال َّذكر واألنثى في الحقوق والواجبات؛‬
‫فيجب القيام بما افترضه اهلل علينا من اإلحسان إليه َّن‪ ،‬ومن المعلوم أ َّن العرب في‬
‫ُ‬ ‫علينا‪،‬‬
‫الجاهليَّة كانوا ال يحبُّون البنات‪ ،‬ويترق َّبون األوالد للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم في‬

‫(‪ (1‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)1951‬‬


‫(‪ (2‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)2875‬‬
‫(‪ (3‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪ ،)1466‬ومسلم برقم (‪.)1000‬‬

‫‪50‬‬
‫البنت فكانوا ال يحبُّونها‪ ،‬وكان عدمُ حبِّهم لها والخوف من عارها‬
‫ُ‬ ‫حياتهم وحروبهم‪ ،‬أمَّا‬
‫يحمل بعضهم على كراهتها‪ ،‬بل وعلى قتلها ووأ ْ ِدها‪ ،‬كما قال اهلل تعالى عن ذلك‪:‬‬
‫﴿ َوإِذَا ب ُ ِّش َر أ َ َح ُد ُه ْم بِاألُنْثَى َظ َّل َو ْج ُههُ مُ ْس َودًّا َو ُه َو َك ِظي ٌم * يَتَ َوا َرى ِم َن ال َق ْو ِم ِم ْن ُسو ِء مَا‬
‫اب أ َ َال َساءَ مَا يَ ْ‬
‫ح ُك ُمو َن ﴾ [النَّحل‪،)1(]59-58 :‬‬ ‫ُون أَمْ يَد ُُّسهُ فِي الت َُّر ِ‬
‫ب ُ ِّش َر بِ ِه أَيُ ْم ِس ُكهُ عَلَى ه ٍ‬
‫ب قُتِلَ ْ‬
‫ت ﴾[التكوير‪.)2(]9-8 :‬‬ ‫ت * بِأ َ ِّ‬
‫ي ذَن ْ ٍ‬ ‫وقال‪َ ﴿ :‬وإِذَا ال ْ َم ْوءُودَةُ ُسئِلَ ْ‬
‫الشنعاء وهي َوأْدُ البنات‪ ،‬فعن‬
‫وحرم هذه ال ِفعلة َّ‬
‫َّ‬ ‫حتَّى بعث اهلل نبيَّنا مح َّمداً ﷺ‪َّ ،‬‬
‫فجرم‬
‫حرم عليكم عقوق األمهات‪َ ،‬ومَنْعاً‬‫بي ﷺ قال‪(( :‬إ َّن اهلل َّ‬
‫المغيرة بن شعبة ‪ ‬أ َّن الن َّ َّ‬
‫وهات‪ ،‬و َوأد البنات‪ ،‬و َك ِرهَ لكم قيل وقال‪ ،‬وكثرة ُّ‬
‫السؤال‪ ،‬وإضاعة المال))(‪.)3‬‬
‫قال ابن حجر في "فتح الباري"‪" :‬قوله ﷺ‪( :‬و َوأدَ البنات) هو دفن البنات بالحياة‪ ،‬وكان‬
‫أهل الجاهليَّة يفعلون ذلك كراهةً فيه َّن"‪.‬‬
‫َت له ابنةٌ فلم يئِدْها‬
‫وعن ابن عبَّاس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ (( :‬م ْن ُولِد ْ‬
‫ؤثر ولَده عليها ‪ -‬يعني ال َّذ َك َر‪ -‬أدخلَه اهللُ بها الجن َّة))(‪.)4‬‬
‫ولم يُهنْها‪ ،‬ولم يُ ْ‬
‫ًّ‬
‫محال لجهاالت‬ ‫وهذان الحديثان وما جاء في معناهما َّ‬
‫يدالن صراحةً على أ َّن البنات ك َّن‬

‫وبُغض بعض العرب إبان بعثة الن َّ ِّ‬


‫بي ﷺ‪.‬‬
‫تصحيح‬
‫ِ‬ ‫الشديد عن وأد البنات‪ ،‬بل أمر باالعتناء به َّن بغيةَ‬ ‫بي ﷺ بالن َّهي َّ‬
‫يكتف الن َّ ُّ‬
‫ِ‬ ‫لم‬
‫والرحمة‪ ،‬وتكريماً للبنات وحماية له َّن‬ ‫َّ‬ ‫مسار البشريَّة‪ ،‬وإعادتها إلى طريق اإلنسانيَّة‬
‫وحفظاً لحقوقه َّن‪ ،‬بل وأمر ﷺ في أحاديث كثيرة باإلحسان إليه َّن‪ ،‬ووعد من يرعاه َّن‬
‫ويحسن إليه َّن باألجر الجزيل والمنزلة العالية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ (( :‬م ْن عال جاريتين حتَّى تبلغا‪ ،‬جاء يوم‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)216-215/14‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)65-64/30‬‬
‫(‪ (3‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)2408‬‬
‫(‪ (4‬رواه أمحد يف مسنده برقم (‪.)1957‬‬

‫‪51‬‬
‫القيامة أنا وهو كهاتين‪ ،‬وض َّم أصابعه))(‪.)1‬‬
‫ابنتان لها تسأَل (أي‪ :‬فقيرة)‪ ،‬فلم‬
‫ِ‬ ‫((دخلت امرأةٌ معها‬
‫ْ‬ ‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪:‬‬
‫قامت‬
‫ْ‬ ‫غير تمر ٍة‪ ،‬فأَعطيتُ َها إيَّاها‪ ،‬ف َ َق َس َمتْ َها بي َن ابنتيْها ولم تأ ُك ْل منها‪ ،‬ث َّم‬
‫تج ْد عندي شيئًا َ‬
‫بشيء ُك َّن لهُ‬ ‫ِ‬
‫البنات ٍ‬ ‫بي ﷺ علينا فأخبرته‪ ،‬فقال‪(( :‬من ابْتُ ِلي من هذ ِه‬
‫فخرجت‪ ،‬فدخ َل الن َّ ُّ‬
‫ْ‬
‫ترا من الن َّار))(‪.)2‬‬
‫ِس ً‬
‫وعن أنس ‪ ‬أ َّن الن َّ َّ‬
‫بي ﷺ قال‪(( :‬مَ ْن عال ابنتين أو ثالث بنات‪ ،‬أو أختين أو ثالث‬
‫السبَّابة‬
‫أخوات‪ ،‬حتَّى يَبِ َّن أو يموت عنه َّن‪ ،‬كنت أنا وهو كهاتين "وأشار بأصبعيه َّ‬
‫والوسطى"))(‪.)3‬‬

‫وعن عقبة بن عامر ‪ ‬أ َّن الن َّ َّ‬


‫بي ﷺ قال‪(( :‬من كان له ثالث بنات‪ ،‬فصبر عليه َّن‬
‫وأطعمه َّن وسقاه َّن وكساه َّن من ج َّدته ك َّن له حجاباً يوم القيامة من الن َّار))(‪.)4‬‬
‫البنات)) إِن َّ َما َس َّماهُ اِبْتِالء؛ أل َ َّن النَّاس‬
‫ِ‬ ‫ووي‪" :‬قوله ﷺ‪(( :‬من ابتلي بِ َشي ٍء من‬ ‫قال الن َّ ُّ‬
‫يَ ْك َرهُون َ ُه َّن في الْعَادَة‪َ ،‬وقَا َل اهلل تعالَى‪َ ﴿ :‬وإِذَا ب ُ ِّش َر أ َ َحده ْم بِاألُنْثَى َظ َّل َو ْجهه مُ ْس َودًّا َو ُه َو‬
‫َك ِظيم﴾ [النَّحل‪.")5(]58 :‬‬
‫اإلن ْ َسا ُن إِذَا مَا ابْت ََالهُ َربُّهُ فَأ َ ْك َرمَ ُه َون َ َّع َمهُ‬
‫ويأتي البالء بمعنى االختبار قال تعالى‪﴿ :‬فَأَمَّا ْ ِ‬
‫ن﴾ [الفجر‪،15 :‬‬ ‫فَيَ ُقو ُل َربِّي أ َ ْك َر َم ِن * َوأ َ َّما إِذَا َما ابْت ََالهُ ف َ َق َد َر عَلَيْ ِه ِر ْزقَهُ فَيَ ُقو ُل َربِّي أَهَان َ ِ‬
‫‪.)6(]16‬‬
‫خيْ ِر فِتْنَةً َوإِلَيْنَا ت ُ ْر َجعُون﴾ [األنبياء‪.)7(]35 :‬‬
‫الش ِّر َوال ْ َ‬
‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬ونَبْلُو ُك ْم بِ َّ‬

‫(‪ (1‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪.)2631‬‬


‫(‪ (2‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)1418‬‬
‫(‪ (3‬رواه أمحد يف مسنده برقم (‪.)12498‬‬
‫(‪ (4‬رواه ابن ماجه يف سننه برقم (‪.)3669‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)216-215/14‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)150-149/30‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)52-50/17‬‬

‫‪52‬‬
‫فسيختبرنا اهلل تعالى هل أحسنَّا إليه َّن أو أسأنا‪.‬‬
‫الخدري ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪(( :‬مَ ْن كان له ثالث بنات أو ثالث‬
‫ِّ‬ ‫وعن أبي سعيد‬
‫أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبته َّن وات َّقى اهلل فيه َّن فله الجن َّة))(‪.)1‬‬

‫ك‪ ،‬ففي رواية جابر بن عبد اهلل ‪ ‬أ َّن الن َّ َّ‬
‫بي‬ ‫للش ِّ‬
‫وقوله ﷺ في الحديث‪( :‬أو) للتَّنويع ال َّ‬
‫ﷺ قال‪(( :‬من كان له ثالث بنات يعوله َّن ويك ُّفه َّن ويرحمه َّن فقد وجبت له الجن َّة ألبتَّة‪،‬‬
‫فقال رج ٌل من بعض القوم‪ :‬وابنتان يا رسول اهلل قال‪ :‬وابنتان))(‪.)2‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪(( :‬ليس أحد من أمَّتي يعول ثالث‬
‫بنات أو ثالث أخوات فيحسن إليه َّن َّ‬
‫إال ُك َّن له ستراً من الن َّار))(‪.)3‬‬
‫وقيل‪" :‬واختُ ِل َ‬
‫ف في المراد باإلحسان هل يقتصر به على قدر الواجب أو بما زاد عليه؟‪،‬‬

‫الشرع ال ما خالفه‪ ،‬وال َّظ ُ‬


‫اهر‪ :‬أ َّن الثَّواب‬ ‫وال َّظاهر‪ :‬الثَّاني‪ ،‬وشرط اإلحسان أن يوافق َّ‬
‫استمر إلى أن يحصل استغناؤه َّن بزوج أو غيره"‪.‬‬
‫َّ‬ ‫المذكور إنَّما يحصل لفاعله إذا‬
‫بي ﷺ على ح ِّق البنات على آبائهم أو من يقوم على‬ ‫وفي هذه األحاديث تأكيد الن َّ ِّ‬
‫تربيته َّن‪ ،‬وليست القضيَّة طعاماً ولباساً وتزويجاً فقط‪ ،‬بل أدباً ورحمة‪ ،‬وحسن تربية‬
‫وات ِّقاءً هللِ فيه َّن‪ ،‬فال َع ْول في الغالب يكون بالقيام بمؤونة البدن‪ ،‬من الكسوة وال َّطعام‬
‫الروح‪ ،‬بالتَّعليم‬
‫والسكن والفراش ونحو ذلك‪ ،‬وكذلك يكون في غذاء ُّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫والشراب‬
‫والتَّهذيب والتَّوجيه‪ ،‬واألمر بالخير والن َّهي عن َّ‬
‫الش ِّر‪ ،‬وحسن التَّربية‪.‬‬

‫قال الن َّ ُّ‬


‫ووي‪" :‬ومعنى عالهما‪ :‬قام عليهما بالمؤنة والتَّربية ونحوهما"‪.‬‬
‫وهذا يد ُّل على فضل اإلحسان إلى البنات والقيام بشؤونه َّن‪ ،‬رغبةً فيما عند اهلل ﷻ فإ َّن‬
‫والسالمة من الن َّار‪ ،‬ويُ ْر َجى لمن عال غير البنات من‬
‫َّ‬ ‫ذلك من أسباب دخول الجن َّة‬
‫األخوات والع َّمات والخاالت وغيره َّن من ذوي الحاجة‪ ،‬فأحسن إليه َّن وأطعمه َّن‬

‫(‪ (1‬رواه الرتمذي يف سننه برقم (‪.)1916‬‬


‫(‪ )2‬رواه البيهقي يف شعب اإلميان برقم (‪.)10511‬‬
‫(‪ )3‬رواه البيهقي يف شعب اإلميان برقم (‪.)11025‬‬

‫‪53‬‬
‫وسقاه َّن وكساه َّن أن يحصل له من األجر مث ُل ما ذكر الن َّ ُّ‬
‫بي ﷺ في ح ِّق من عال ثالث‬
‫بنات‪ْ ،‬‬
‫وفض ُل اهلل واسع ورحمته عظيمة‪ ،‬وهكذا من عال واحدة أو اثنتين من البنات أو‬
‫غيره َّن فأحسن إليه َّن يُرجى له األجر العظيم والثَّواب الجزيل‪.‬‬
‫واإلحسان للبنات ونحوه َّن يكون بتربيته َّن التربية الَّتي يرضى عنها اهلل تعالى‪ ،‬وتعليمه َّن‬
‫حرم اهلل‪ ،‬وبذلك يُعلم أن َّه‬
‫وتنشئته َّن على الح ِّق‪ ،‬والحرص على ع َّفته َّن‪ ،‬وبعده َّن ع َّما َّ‬
‫مجرد اإلحسان باألكل ُّ‬
‫والشرب والكسوة فقط‪ ،‬بل المراد ما هو أع ُّم من‬ ‫َّ‬ ‫ليس المقصود‬
‫ذلك من اإلحسان إليه َّن في عمل ال ِّدين وال ُّدنيا‪.‬‬
‫األسري بخصوص المرأة‪ ،‬بل إ َّن الن َّاظر في‬
‫ِّ‬ ‫فهل هناك عد ٌل أعظم من ذلك في الجانب‬

‫الرجل فيما ذكرناه‪ ،‬حتَّى إ َّن َّ‬


‫للرجل‬ ‫الشرعيَّة ليرى بأ َّن المرأة ف ُ ِّ‬
‫ضلت على َّ‬ ‫هذه الن ُّصوص َّ‬
‫بأن يطالب بحقوق مثل هذه الحقوق الَّتي أعطاها اإلسالم للمرأة‪ ،‬ولك َّن هذه الحقوق‬
‫والميِّزات للمرأة اقتضتها العدالة اإللهيَّة لما يتناسب مع خلقها وبنيتها‪ ،‬وردًّا على ما كان‬
‫شائعاً عند األمم األخرى والعرب في الجاهليَّة على االنتقاص منها وسلبها آدميَّتها‬
‫وحقوقها‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫وزيادة في اإليضاح نقول‪:‬‬
‫الرجل والمرأة‪:‬‬
‫ما يتو َّجب فيه عدم المماثلة بين َّ‬
‫دف ُع توهُّم المماثلة بينهما في وجوب الن َّفقة؛ كأن يُقال ً‬
‫مثال‪ :‬كما يجب على ال َّزوج‬
‫اإلنفاق على زوجته‪ ،‬فكذلك يجب عليها اإلنفاق على زوجها‪.‬‬
‫الشرع في مثل ذلك هو العد ُل بينهما‪ ،‬ومقتضاه‪ :‬أنَّه كما ينبغي عليها حفظ‬
‫بينما معيار َّ‬

‫بيتها وتهيئته من ال َّداخل‪ ،‬فإن َّه ينبغي على َّ‬


‫الرجل الن َّفقة والكسوة ونحو ذلك‪.‬‬
‫الشريعة على المرأة حضانة ولدها‪ ،‬فإن َّها‬
‫عدم المماثلة في حضانة الولد؛ فكما أوجبت َّ‬
‫كذلك أوجبت على ال َّزوج كفايته وتع ُّهده بالتَّربية والتَّعليم‪ ،‬وهذا هو مقتضى العدل‬
‫واإلنصاف‪.‬‬
‫الرجل والمرأة‪:‬‬
‫ما يستوجب المماثلة فيه بين َّ‬
‫الرجل والمرأة في شيء‬ ‫ً‬
‫إجماال‪ :‬إنَّه حيثما تح َّققت المماثلة الكاملة بين َّ‬ ‫يمكن القول‬
‫ُشرعت؛ تحقي ًقا للمصالح وتكثيرها‪ ،‬ودفعًا للمفاسد وتقليلها؛ نلحظ ذلك في قوله‬
‫تعالى‪﴿ :‬بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫وف﴾ [البقرة‪.]228 :‬‬

‫ومن األمثلة على ذلك‪:‬‬


‫الرجال في ذلك بقوله تعالى‪:‬‬ ‫حسن المعاشرة بين ال َّزوجين؛ حيث ر َّغب َّ‬
‫الشارع ِّ‬
‫وحسنوا‬
‫ِّ‬ ‫َاش ُرو ُه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫وف﴾ [النِّساء‪ ،)1(]19 :‬والمعنى‪ :‬طيِّبوا أقوالكم له َّن‪،‬‬ ‫﴿ َوع ِ‬
‫تحب ذلك منها‪ ،‬فافعل أنت بها مثله‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم‪ ،‬كما‬
‫الرعاية‪ ،‬ففي الحديث عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‬
‫المماثلة في تح ُّمل مسؤوليَّة ِّ‬
‫راع وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته‪ ،‬فاإلمام الَّذي على‬ ‫ُّ‬
‫أ َّن رسول اهلل ﷺ قال‪(( :‬أال كلكم ٍ‬
‫راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيَّته‪،‬‬
‫والرجل ٍ‬ ‫الن َّاس ٍ‬
‫راع وهو مسؤول عن رعيَّته‪َّ ،‬‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)187-185 /4‬‬

‫‪55‬‬
‫راع على‬
‫الرجل ٍ‬
‫والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم‪ ،‬وعبد َّ‬
‫راع وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته)) (‪.)1‬‬ ‫ُّ‬
‫مال سيِّده وهو مسؤول عنه‪ ،‬أال فكلكم ٍ‬
‫للسعي في ح ِّل المشكالت الَّتي قد تقع بين ال َّزوجين؛ قال‬
‫المماثلة في بعث الحك َمين َّ‬
‫ق بَيْنِ ِه َما فَاب ْ َعثُوا َح َك ًما ِم ْن أ َ ْه ِل ِه َو َح َك ًما ِم ْن أ َ ْه ِل َها إِ ْن يُ ِريدَا‬
‫تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم ِش َقا َ‬
‫اهللُ بَيْن َ ُه َما إِ َّن َّ‬
‫اهللَ َكا َن َع ِلي ًما َخبِ ً‬
‫يرا﴾ [النِّساء‪.)2(]35 :‬‬ ‫ِص َال ًحا يُ َوف ِّ ِق َّ‬
‫إ ْ‬
‫الرضيع قبل الحول َين؛ قال تعالى‪﴿ :‬ف َ ِإ ْن‬
‫التَّراضي بين ال َّزوجين والتَّشاور في فِطام ال ِّطفل َّ‬
‫اح عَلَيْ ِه َما﴾ [البقرة‪ ،)3(]233 :‬والمعنى‪ :‬فإن‬
‫اض ِمن ْ ُه َما َوت َ َشا ُو ٍر ف َ َال ُجن َ َ‬ ‫ص ً‬
‫اال َع ْن ت َ َر ٍ‬ ‫أ َ َرادَا فِ َ‬
‫أراد الوالدان فِطامًا لل ِّطفل قبل الحول َين‪ ،‬ويكون ذلك عن ات ِّفاق الوال َدين ومشاورة أهل‬

‫العلم به‪ ،‬حتَّى يخبروا أ َّن ال ِفطام في ذلك الوقت ال ُّ‬


‫يضر بالولد‪ ،‬فال حرج عليهما في الفطام‬
‫قبل الحول َين‪.‬‬
‫اختص به أحدهما عن اآلخر لحكمة‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ما‬
‫تخصه دون‬
‫ُّ‬ ‫الجنسين – ال َّذكر واألنثى – أحكامًا‬
‫َ‬ ‫اقتضت حكمة اهلل تعالى أن جعل ألحد‬
‫الرجال ببعض األحكام دون النِّساء‪ ،‬ومن ذلك ما جاء في‬
‫اختص اهلل تعالى ِّ‬
‫َّ‬ ‫اآلخر‪ ،‬فقد‬
‫آيتَين كري َمتين من كتاب اهلل تعالى‪:‬‬
‫ال عَلَيْ ِه َّن دَ َر َجةٌ﴾ [البقرة‪ ،)4(]228 :‬وقد سبق الحديث أن َّها‬ ‫األولى‪ :‬قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ول ِ ِّ‬
‫لر َج ِ‬
‫درجة تكليف وحمل مسؤوليَّة‪.‬‬
‫﴿الر َجا ُل ق َ َّوا ُمو َن عَلَى النِّساء﴾ [النِّساء‪)5(]34 :‬؛ أي‪ :‬يقومون بالنَّفقة‬
‫ِّ‬ ‫والثَّانية‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫عليه َّن وال َّذ ِّ‬
‫ب عنه َّن‪.‬‬
‫وهي قاعدة تنظيميَّة تستلزمها هندسة المجتمع واستقرار األوضاع في الحياة ال ُّدنيا‪ ،‬وال‬

‫(‪ (1‬صحيح البخاري رقم (‪ ،)5188‬صحيح مسلم رقم (‪)1829‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪)32 /5‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)296-290 /2‬‬
‫(‪ (4‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)268-263 /2‬‬
‫(‪ (5‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)32-27 /5‬‬

‫‪56‬‬
‫الرؤساء وأولي األمر‪.‬‬ ‫تسلم الحياة في مجموعها َّ‬
‫إال بالتزامها‪ ،‬فهي تشبه قوامة ُّ‬
‫اختص اهلل سبحانه النِّساء ببعض األحكام الَّتي تناسب طبيعتها وأنوثتها‪ ،‬وتتوافق مع‬
‫َّ‬ ‫كما‬
‫مه َّمتها ووظيفتها‪ :‬كالحمل‪ ،‬والوالدة‪ ،‬والحضانة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫خامساً‪ :‬شبهات وردود‬

‫ُّ‬
‫الشبهة األولى‪ :‬المرأة مهضومة الحقوق‪:‬‬

‫الحريَّة والمساواة‪ -‬يَ ِ‬


‫هضم‬ ‫ِّ‬ ‫يجني على اإلسالم أيَّما جناي ٍة مَ ْن يظ ُّن أ َّن اإلسالم ‪ -‬وهو دين‬
‫فتيال من حقوقها‪ ،‬فاإلسال ُم رفع من شأن المرأة‪ ،‬وع َّظم من حرمتها‪ ،‬وشرع لها‬
‫المرأة ً‬
‫ً‬
‫فضال عن أن تنالها‪.‬‬ ‫حقوقاً ما كانت لتحلم بها‬
‫ونستغرب م َّمن يتكلَّمون عن حقوق المرأة كأن َّهم ال يقرؤون كتاب اهلل ﷻ‪ ،‬أو أن َّهم‬
‫يأخذون تفسير القرآن الكريم من غير مصادره الحقيقيَّة‪ ،‬وعلى غير ما أراده اهلل سبحانه‪،‬‬
‫َّ‬
‫بالشريعة‬ ‫ومن هذا تراكم موروث م َّما ألصق بالمرأة من هضم للحقوق ال يتعلَّق‬
‫مرت بعد المرحلة ال َّذهبيَّة الَّتي‬ ‫ٍ‬
‫لمجتمعات َّ‬ ‫ٍ‬
‫وعادات‬ ‫اإلسالميَّة‪ ،‬وإن َّما يعتمد على أعراف‬
‫فهم فيها صحابةُ رسول اهلل ‪ ‬عن القرآن وعن سيِّدنا رسول اهلل ﷺ حقو َ‬
‫ق المرأة‬
‫رب الن َّاس‪،‬‬ ‫الصحيح‪ ،‬ف ُهضمت هذه الحقوق من قبل الن َّاس ولم ت ُ َ‬
‫هضم من قبل ِّ‬ ‫بشكلها َّ‬
‫وال ب َّد من تصحيح هذه األفكار في المجتمع(‪.)1‬‬
‫لقد َرا َع اإلسالمَ أن يرى المرأةَ ضعيفةً بين قوم ِغ ِ‬
‫الظ األكباد يحقرونها لدرجة أن يئدوها‬
‫فأمرت امرأتي أن‬
‫ُ‬ ‫بنت‬ ‫وهي حيَّةٌ‪ ،‬حتَّى قال أحدهم للن َّ ِّ‬
‫بي ﷺ‪ :‬كانت لي في الجاهليَّة ٌ‬
‫انتهيت إلى وا ٍد بعيد ال َقعْر ألقيتُها فقالت‪ :‬يا ِ‬
‫أبت قتلتني(‪.)2‬‬ ‫ُ‬ ‫تزيِّنَها‪ ،‬فأخرجتُها فل َّما‬
‫ليس هذا في شبه الجزيرة العربيَّة فقط‪ ،‬فهذا مجمع "ماكون" المنعقد في أورب َّا سنة ‪685‬‬
‫ميالديَّة يشهد بأ َّن المناقشة امت َّدت فيه بين القوم في البحث عن المرأة هل هي إنسان؟‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)310-309/2‬‬


‫(‪ (2‬ذكره فخر الدين الرازي يف تفسريه مفاتيح الغيب‬

‫‪58‬‬
‫الرجل‪ ،‬هذا ما‬ ‫قرر القوم أ َّن المرأة إنسان‪ ،‬ولكن َّها ُخ ِل َقت لخدمة َّ‬
‫وبعد مناقشة طويلة َّ‬
‫الرومان‪ ،‬ما كانوا ينزلون المرأةَ َّ‬
‫إال منزلة‬ ‫حدث في فرنسا‪ ،‬وكذلكم في اليونان وعند ُّ‬
‫المتاع والحيوان‪ ،‬ليس لها ح ٌّق في التَّملُّك بأيَّة طريقة‪ ،‬وال لها ميراث ً‬
‫أصال‪ ،‬وال َح َّ‬
‫ظ لها‬

‫من التَّعلُّم والتَّهذيب‪ ،‬بل إ َّن َّ‬


‫الرجل إذا مات وترك نساء فإ َّن األقرب نسباً هو وح َدهُ له‬
‫الح ُّق أن يرث أولئك النِّساء‪ ،‬فيفعل فيه َّن ما يشاء‪ ،‬ويز ِّو ُجه َّن م َّمن يشاء دون أن يكون‬
‫له َّن خيار أو رأي‪.‬‬
‫َّت لها أركا ُن‬
‫هكذا كانت المرأةُ‪ ،‬فأخذ اإلسالم بيدها‪ ،‬وصاح في وجوه القوم صيحةً اهتز ْ‬

‫العالم‪(( :‬إنَّما النِّساء شقائ ُق ِّ‬


‫الرجال))(‪ ،)1‬ولم يشأ أن يقف اإلسالم بالمرأة عند هذا‬
‫السلَ ِم ِّي قَا َل‪:‬‬ ‫الح ِّد؛ بل جعل الجن َّةَ تُنال بلُزُوم خدمة األ َّمهات‪ ،‬ف َع ْن َطلْ َ‬
‫حةَ ب ْ ِن ُمعَا ِويَةَ ُّ‬
‫يل اهلل قَا َل‪(( :‬أُمُّ َ‬
‫ك َحيَّةٌ؟))‬ ‫ت يَا َر ُسو َل اهلل‪ :‬إِنِّي أ ُ ِري ُد الْجِ َهادَ فِي َسبِ ِ‬ ‫أَتَيْ ُ‬
‫ت النَّبِ َّي ﷺ ف َ ُقلْ ُ‬
‫ت‪ :‬ن َ َع ْم‪ ،‬ف َ َقا َل النَّبِ ُّي ﷺ‪(( :‬ال ْ َز ْم ِر ْجلَ َها فَثَ َّم ال ْ َ‬
‫جنَّةُ))(‪ ،)2‬هذا تكري ٌم لم تنله المرأة حتَّى‬ ‫ف َ ُقلْ ُ‬
‫في عصر التُّكنولوجيا وال َّذ َّرة‪.‬‬
‫ك ‪ ،‬أ َ َّن َر ُسو َل اهلل ﷺ قَا َل‪َ (( :‬م ْن َر َزقَهُ‬ ‫نصف ال ِّديْن‪َ ،‬ع ْن أَن َ ِ‬
‫س ب ْ ِن َمال ِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫وجعلها اإلسال ُم‬
‫حةً‪ ،‬ف َ َق ْد أَعَانَهُ اهلل عَلَى َش ْط ِر ِدينِ ِه‪ ،‬فَلْيَت َِّق اهلل فِي َّ‬
‫الش ْط ِر الثَّانِي))(‪.)3‬‬ ‫اهلل امْ َرأَةً َ‬
‫صال ِ َ‬
‫بي ﷺ به َّن‪ ،‬ف َع ْن أَبِي ه َُريْ َرةَ َر ِض َي اهلل َعنْهُ‪ ،‬قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُسو ُل اهلل ﷺ‪:‬‬
‫وأوصى الن َّ ُّ‬
‫صوا بِالنِّساء))(‪.)4‬‬
‫((استَ ْو ُ‬
‫ْ‬
‫بل جعل اإلسال ُم اإلحسا َن إليه َّن عالمةً على قرب العبد من ربِّه‪ ،‬وعالمةً على ش َّد ِة‬
‫ت‪ :‬قَا َل َر ُسو ُل اهلل ﷺ‪َ (( :‬خيْ ُر ُك ْم َخيْ ُر ُك ْم ِأل َ ْه ِل ِه َوأَنَا‬
‫بي ﷺ‪ ،‬ف َع ْن عَائِ َشةَ قَال َ ْ‬ ‫اتِّباعه للن َّ ِّ‬
‫َخيْ ُر ُك ْم ِأل َ ْه ِلي))(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود يف سننه برقم (‪)236‬‬


‫(‪ (2‬األحاديث املختارة للضياء املقدسي رقم (‪.)161‬‬
‫(‪ (3‬رواه الطرباين يف املعجم األوسط برقم (‪.)972‬‬
‫(‪ (4‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)3331‬‬
‫(‪ (5‬رواه الرتمذي يف سننه برقم (‪ )3895‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫الرجل زوجتَهُ إذا ظهر منها ُخلُ ٌق سيِّئ‪ ،‬ف َع ْن أَبِي ه َُريْ َرةَ ‪،‬‬
‫ض َّ‬‫بي ﷺ عن ب ُ ْغ ِ‬
‫وقد نهى الن َّ ُّ‬
‫«ال يَ ْف َر ْك مُ ْؤ ِم ٌن مُ ْؤ ِمنَةً‪ ،‬إِ ْن َك ِرهَ ِمن ْ َها ُخلُ ًقا َر ِض َي ِمن ْ َها آ َخ َر» أ َ ْو‬
‫قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُسو ُل اهللِ ﷺ‪َ :‬‬

‫قَا َل‪َ « :‬غيْ َرهُ»‪ ،‬ومعنى "يفرك"‪ :‬يُبْ ِغض(‪.)1‬‬


‫الرجل الَّذي جاءه يسأله عن األح ِّق بخيره وإحسانِ ِه‪ ،‬فأمره أن يق ِّدم أفض َل‬ ‫وأمر الن َّ ُّ‬
‫بي ﷺ َّ‬
‫ما عنده من الخير واإلحسان لوالدته أ َّوالً‪َّ ،‬‬
‫وكرره ثالثاً تأكيداً على أه ِّميَّة العناية بها على‬
‫غيرها‪ ،‬وأنَّها مُقدَّمة حتَّى على األب‪ ،‬ف َع ْن أَبِي ه َُريْ َرةَ ‪‬قَا َل‪َ :‬جاءَ َر ُج ٌل إِلَى َر ُس ِ‬
‫ول اهللِ‬

‫حابَتِي؟ (أي‪ :‬صحبتي) قَا َل‪(( :‬أُمُّك)) قَا َل‪ :‬ث ُ َّم مَ ْن؟‬
‫ص َ‬
‫ح ْس ِن َ‬ ‫ﷺ‪ ،‬ف َ َقا َل‪ :‬مَ ْن أ َ َح ُّق الن َّ ِ‬
‫اس بِ ُ‬
‫ك)) قَا َل‪ :‬ث ُ َّم مَ ْن؟ قَا َل‪(( :‬ث ُ َّم أَبُو َك))(‪.)2‬‬
‫قَا َل‪(( :‬ث ُ َّم أُمُّك)) قَا َل‪ " :‬ث ُ َّم مَ ْن؟ قَا َل‪(( :‬ث ُ َّم أُمُّ َ‬
‫ولهذا قدَّم "القاضي عياض" األ َّم على األب في ح ِّق الن َّفقة إذا لم يتَّسع اإلنفاق َّ‬
‫إال على‬
‫أحدهما‪.‬‬
‫نفسهُ‬
‫نصب َ‬ ‫وهض ِمه واالستعالء عليها‪ ،‬بل َّ‬ ‫ِ‬ ‫بي ﷺ من التَّعدِّي على ح ِّقها‬ ‫بل ح َّذر الن َّ ُّ‬
‫خصماً لمن يريد التَّعدِّي على ح ِّقها وح ِّق اليتيم أيًّا كان‪ ،‬ف َع ْن أَبِي ه َُريْ َرةَ رضي اهلل عنه‬
‫الض ِعي َفيْ ِن‪ :‬الْيَتِي ِم َوال ْ َم ْرأ َ ِة))(‪.)3‬‬
‫َع ِن النَّبِ ِّي ﷺ قَا َل‪(( :‬اللَّ ُه َّم إِنِّي أ ُ َح ِّر ُج َح َّق َّ‬
‫عالن في "دليل‬ ‫بي ﷺ بقوله‪(( :‬اللَّه َّم))؛ أي‪ :‬أشه ُد َك يا اهلل‪ ،‬ولذلك قال اب ُن َّ‬
‫فالن َّ ُّ‬
‫الصالحين" (‪"(( :)91 /3‬إن ِّي ِّ‬
‫أحرج"‪ :‬من الحرج‪ :‬وهو اإلث ُم‪،‬‬ ‫الفالحين شرح رياض َّ‬
‫حرج ح َّق ُهما وبالغ في المنع‬
‫الضعي َفي ِن‪ :‬اليتيم والمرأة))‪ :‬وإنَّما َّ‬
‫والصيغةُ للمبالغة‪(( ،‬ح َّق َّ‬
‫ِّ‬
‫ويحاج عنهما سوى المولى سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫َّ‬ ‫منه؛ ألنَّهما ال ملجأ لهما يلتجئان إليه‬
‫ض العه َد الَّذي بينه وبين اهلل‪ ،‬فالن َّ ُ‬
‫اقض للعهد حقي ٌق بأنواع‬ ‫فالمتعرضُ لهما كأنَّهُ ن َق َ‬
‫ِّ‬
‫الرجال فإ َّن الغالب منهم َم ْن يعتمد على ق َّوته أو ق َّوة َم ْن‬
‫ال َوبال‪ ،‬وهذا بخالف الكامل من ِّ‬
‫يركن إليه‪ ،‬ويع ِّول في أمره عليه من مخلوقٍ مثله‪ ،‬ومن اعت َّز بغير اهلل ذ َّل))‪.‬‬

‫(‪ -(1‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪.)1469‬‬


‫(‪ (2‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪.)2548‬‬
‫(‪ (3‬رواه أمحد يف مسنده برقم (‪.)9666‬‬

‫‪60‬‬
‫الشبهة الثَّانية‪ :‬امتهان اإلسالم لعقليَّة المرأة باعتبار شهادتها تعدل نصف شهادة َّ‬
‫الرجل‬ ‫ُّ‬

‫مضمون ُّ‬
‫الشبهة‪:‬‬

‫ٍ‬
‫إنسان‪ ،‬وذلك‬ ‫نصف‬
‫َ‬ ‫الرجل والمرأة أ َّن اإلسالم قد جعل المرأةَ‬
‫يزع ُم دعاةُ المساواة بين َّ‬
‫الرجل‪ ،‬ويستدل ُّون خطأ ً على ذلك بقول اهلل ﷻ‪:‬‬
‫نصف شهاد ِة َّ‬
‫َ‬ ‫عندما جعل شهادتَها تعدل‬
‫ض ْو َن‬ ‫است َْش ِهدُوا َش ِهي َديْ ِن ِم ْن ِر َجال ِ ُك ْم ف َ ِإ ْن ل َ ْم يَ ُكونَا َر ُجلَيْ ِن ف َ َر ُج ٌل َوامْ َرأَت َ ِ‬
‫ان ِم َّم ْن ت َ ْر َ‬ ‫﴿ َو ْ‬
‫الش َهدَا ِء﴾ [البقرة‪ ،)1(]282 :‬ويسعون من وراء ذلك إلى ال َّطعن في سالمة أحكام المرأة‬
‫ِم َن ُّ‬
‫في اإلسالم‪.‬‬

‫وجوه إبطال ُّ‬


‫الشبهة‪:‬‬

‫الشروط الَّتي ت ُراعى في َّ‬


‫الشهادة ليست عائدة إلى وصف ال ُّذكورة أو األنوثة في‬ ‫إ َّن ُّ‬
‫َّ‬
‫الشاهد‪ ،‬ولكن َّها عائدة في مجموعها إلى أمرين اثن َين هما‪:‬‬
‫الشاهد وضب ُطهُ‪َّ ،‬‬
‫وأال تكون بينه وبين المشهود عليه خصومةٌ تبعث على ات ِّهامه‬ ‫‪ .1‬عدالةُ َّ‬
‫فيما يشهد عليه به‪َّ ،‬‬
‫وأال تكون بينه وبين المشهود له قرابةٌ تبعث على احتمال تحيُّ ِز ِه له في‬
‫َّ‬
‫الشهادة‪.‬‬
‫الشاهد والواقعة الَّتي يشهد بها صلةٌ تجعله مؤ َّهالً للدِّراية و َّ‬
‫الشهادة‬ ‫‪ .2‬أن تكون بين َّ‬
‫فيها‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فشهادة من ُخ ِد َشت عدالتُه أو لم يَثبُ ْ‬
‫ت كام ُل وعيه وضبطه ال ت ُقبَل؛ رجالً كان‬
‫والقريب لقريبه؛ رجالً كان َّ‬
‫الشاهد‬ ‫ِ‬ ‫الشاهد أو امرأةً‪ ،‬وكذلك شهادةُ الخصم على خصمه‬
‫َّ‬
‫أو امرأة‪.‬‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)88-80 /3‬‬

‫‪61‬‬
‫واحتماالت اإليذاء‬
‫ُ‬ ‫احتماالت التَّحيُّز لقراب ٍة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فإذا تح َّققت صفةُ العدالة وانتفت‬
‫لخصومة‪ ،‬كان ال ب َّد بعد ذلك من أن يتح َّقق ال َق ْد ُر الَّذي ال ب َّد منه من االنسجام بين‬
‫الشاهد والمسألة الَّتي يشهد بشأنها‪.‬‬
‫شخص َّ‬

‫فإن لم يتح َّقق هذا القد ُر الَّذي ال ب َّد منه؛ ُردَّت َّ‬
‫الشهادة رجالً كان َّ‬
‫الشاهد أو امرأة‪ ،‬وإن‬
‫تفاوتت العالقة بين المسألة الَّتي تحتاج إلى شهادة وبين فئات من الن َّاس؛ كانت األولويَّة‬
‫أكثر صلةً بهذه المسألة وتعامُالً معها بقطع الن َّظر عن ال ُّذكورة واألنوثة‪.‬‬
‫لشهادة من هو ُ‬

‫ولو كان األمر متعلِّقاً بوصف ال ُّذكورة واألنوثة ل َ َما كانت األولويَّة لشهادة المرأة في أمور‬
‫ِّ‬
‫والشراء) م َّما‬ ‫ح َ‬
‫ضانة والن َّ َسب وغي ِرها (وهي أخطر بكثير من موضوع البيع‬ ‫الرضاعة وال َ‬
‫َّ‬
‫الرجال؛ ول َ َما كانت األولوية لشهادة النِّساء في ك ِّل‬
‫الصلةُ فيه مع النِّساء أكثر من ِّ‬
‫تقوم ِّ‬
‫خصومة جرت بين النِّساء بعضه َّن مع بعض أيًّا كان سببُها‪.‬‬

‫ولو كان األمر كذلك ل ُقبِلت شهادةُ رجل في وصف جريمة وقعت‪ ،‬بعد أن ثبت أ َّن‬
‫الحس والوجدان‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫عاطفي النَّزْعة‪ ،‬رقيق المشاعر‪ ،‬مرهف‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫الشاهد رجل‬

‫الصفات فإ َّن شهادته‬ ‫ومن المعلوم أن َّه إذا ثبت لدى القاضي ات ِّصافُ هذا َّ‬
‫الرجل بهذه ِّ‬
‫تصبح غير مقبولة‪ ،‬إذ ال ب َّد أن يقوم من ذلك دلي ٌل على أ َّن صلته بالمسائل ال ُ‬
‫ج ْرميَّة‬
‫وقدرته على معاينتها ضعيفةٌ أو معدومة‪ ،‬وهو األمر الَّذي يُف ِقدُه أهليَّةَ َّ‬
‫الشهادة عليها‪.‬‬

‫إذن‪ :‬فالـ َمدا ُر على شرط ال ب َّد منه هو المحور واألساس‪ :‬وهو أن تكون بين َّ‬
‫الشاهد‬
‫والموضوع الَّذي يشهد فيه صلةٌ قويَّة قائمة‪ ،‬أيًّا كان َّ‬
‫الشاهد رجالً أو امرأة‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫وليس المدار على ال ُّذكورة من حيث هي‪ ،‬كما أ َّن المانع أو المض ِّعف َّ‬
‫للشهادة إن َّما هو‬
‫الصلة بينهما‪ ،‬وليس المانع األنوثة من حيث هي(‪.)1‬‬
‫انعدام هذه ِّ‬

‫الشهادة" الَّتي يعتمد عليها القاضي في حكمه‬ ‫ُ‬


‫الخلط بين " َّ‬ ‫ثانياً‪ :‬إ َّن مصدر هذه ُّ‬
‫الشبهة هو‬
‫بين المتنازعين‪ ،‬وبين "اإلشهاد" الَّذي يقوم به صاحب ال َّديْن لالستيثاق من الحفاظ على‬
‫دَيْنه‪.‬‬

‫الشهادة" و"اإلشهاد" الَّذي‬ ‫وتفصيل ذلك‪ :‬أ َّن أساس هذه ُّ‬
‫الشبهة هو خلط مثيريها بين " َّ‬
‫الشهادة الَّتي يعتمد عليها القضاءُ في اكتشاف العدل‬
‫تتحدَّث عنه هذه اآلية الكريمة؛ ف َّ‬
‫المؤسس على البيِّنة‪ ،‬واستخالصه من ثنايا دعاوى الخصوم ال تتَّخذ من ال ُّذكورة أو‬
‫َّ‬
‫األنوثة معياراً لصدقها أو كذبها‪ ،‬ومن ث َ َّم قبولها أو رفضها؛ وإن َّما معيارها تَح ُّقق اطمئنان‬
‫الشاهد ذكراً كان أو أنثى‪ ،‬وبصرف الن َّظر‬
‫الشهادة بصرف الن َّظر عن جنس َّ‬
‫القاضي لصدق َّ‬
‫عن عدد ُّ‬
‫الشهود‪.‬‬

‫ضميرهُ إلى ظهور البيِّنة أن يعتمد شهادة رجلَين‪ ،‬أو امرأت َين‪ ،‬أو رجل‬
‫ُ‬ ‫فللقاضي إذا اطمأ َّن‬
‫وامرأة‪ ،‬أو رجل وامرأت َين‪ ،‬أو امرأة ورجلَين‪ ،‬أو رجل واحد‪ ،‬أو امرأة واحدة‪ ،‬وال أثر‬
‫الشهادة الَّتي يحكم القضاءُ بناءً على ما يُق َّدم له من البيِّنات‪.‬‬
‫لل ُّذكورة أو األنوثة في َّ‬

‫است َْش ِهدُوا َش ِهي َديْ ِن ِم ْن ِر َجال ِ ُك ْم ف َ ِإ ْن ل َ ْم يَ ُكونَا‬


‫أ َّما اآلية الكريمة الَّتي يقول اهلل ﷻ فيها‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫الش َهدَا ِء أ َ ْن ت َ ِض َّل إِ ْحدَا ُه َما فَتُ َذ ِّك َر إِ ْحدَا ُه َما‬
‫ض ْو َن ِم َن ُّ‬ ‫َر ُجلَيْ ِن ف َ َر ُج ٌل َوامْ َرأَت َ ِ‬
‫ان ِم َّم ْن ت َ ْر َ‬
‫الشهادة" أمام القضاء‪ ،‬إنَّها‬ ‫َّث عن أمر آخر غير " َّ‬ ‫ْاأل ُ ْخ َرى﴾ [البقرة‪ )2(]282 :‬فإنَّها تتحد ُ‬
‫تتحدَّث عن "اإلشهاد" الَّذي يقوم به صاحب ال َّديْن لالستيثاق من الحفاظ على دَيْنه‪،‬‬

‫(‪ (1‬املرأة بني طغيان النظام الغريب ولطائف التشريع الرابين‪ ،‬د‪ .‬حممد سعيد رمضان البوطي‪.‬‬
‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)88-80 /3‬‬

‫‪63‬‬
‫الشهادة" الَّتي يعتمد عليها القاضي في حكمه بين المتنازعين‪ ،‬فهذه اآلية‬
‫وليس عن " َّ‬
‫مو َّجهةٌ لصاحب الح ِّق ‪ -‬ال َّديْن ‪ -‬وليس إلى القاضي الحاكم في الن ِّزاع‪.‬‬

‫فقو ُل اهلل سبحانه وتعالى‪﴿ :‬ف َ ِإ ْن ل َ ْم يَ ُكونَا َر ُجلَيْ ِن ف َ َر ُج ٌل َوامْ َرأَت َ ِ‬


‫ان﴾ [البقرة‪ ،]282 :‬ليس‬
‫الشهادة الَّتي يقضي بها القاضي ويحكم‪ ،‬وإن ِّما هو في مقام اإلرشاد إلى‬ ‫وارداً في مقام َّ‬
‫وقت التَّعامل‪ ،‬قال اهلل‬
‫َ‬ ‫طرق االستيثاق واالطمئنان على الحقوق بين المتعاملين‬
‫ب‬ ‫ُب بَيْن َ ُك ْم َكاتِ ٌ‬‫ﷻ‪﴿ :‬يَاأَيُّ َها الَّذي َن آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُ ْم بِ َديْ ٍن إِلَى أ َ َج ٍل مُ َس ًّمى فَا ْكتُبُوهُ َولْيَ ْكت ْ‬
‫ُب َك َما عَلَّ َمهُ اهلل﴾ [البقرة‪ ،]282 :‬إلى أن قال‬ ‫ب أ َ ْن يَ ْكت َ‬ ‫ب َكاتِ ٌ‬ ‫بِال ْ َعد ِْل َو َال يَأ ْ َ‬
‫است َْش ِهدُوا َش ِهي َديْ ِن ِم ْن ِر َجال ِ ُك ْم ف َ ِإ ْن ل َ ْم يَ ُكونَا َر ُجلَيْ ِن ف َ َر ُج ٌل َوا ْم َرأَت َ ِ‬
‫ان ِم َّم ْن‬ ‫ﷻ‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫الش َهدَا ِء أ َ ْن ت َ ِض َّل إِ ْحدَا ُه َما فَتُ َذ ِّك َر إِ ْحدَا ُه َما ْاأل ُ ْخ َرى﴾ [البقرة‪ ،)1(]282 :‬فالمقامُ‬ ‫ض ْو َن ِم َن ُّ‬ ‫ت َ ْر َ‬
‫هنا مقا ُم استيثاق على الحقوق‪ ،‬ال مقام قضا ٍء بها‪ ،‬واآليةُ ت ُ ِ‬
‫رش ُد إلى أفضل أنواع‬
‫نفوس المتعاملين على حقوقهما‪.‬‬
‫ُ‬ ‫االستيثاق الَّذي تطمئ ُّن به‬

‫وإليضاح مسألة َّ‬


‫الشهادة على األموال أشير إلى حقيقتين هما‪:‬‬

‫الصحابة بشهادة رجلَين‪،‬‬


‫بي ﷺ شهادةَ أح ِد َّ‬
‫خاص ٍة جعل الن َّ ُّ‬
‫َّ‬ ‫الحقيقة األولى‪ :‬أنَّه في حال ٍة‬

‫الصحابة أو المسلمين ‪ -‬أنَّهُ ُ‬


‫أكبر عقالً من غيره‬ ‫ولم يب ِن على ذلك ‪ -‬ال هو وال أح ٌد من َّ‬

‫الصحابة؛ حيث روى اإلمام أحمد وغيره‪(( :‬أ َّن الن َّ َّ‬
‫بي ﷺ ابتاع (أي‪ :‬اشترى) فرساً‬ ‫من َّ‬
‫المشي وأبطأ‬‫َ‬ ‫بي ﷺ‬‫فرس ِه‪ ،‬فأسرع الن َّ ُّ‬
‫بي ﷺ ليقضيه ثم َن ِ‬
‫أعرابي‪ ،‬فاستتبعه الن َّ ُّ‬
‫ٍّ‬ ‫من‬
‫بي ﷺ‬ ‫األعرابي فيساومونه بالفرس‪ ،‬ال يشعرون أ َّن الن َّ َّ‬
‫َّ‬ ‫األعرابي‪ ،‬ف َط ِف َق رجا ٌل يعترضون‬
‫ُّ‬
‫الس ْوم على ثمن الفرس الَّذي ابتاعه به الن َّ ُّ‬
‫بي ﷺ‪،‬‬ ‫األعرابي في َّ‬
‫َّ‬ ‫ابتاعه‪ ،‬حتَّى زاد بعضهم‬
‫بي‬ ‫الفرس فابت ْعهُ َّ‬
‫وإال بعتُهُ‪ ،‬فقام الن َّ ُّ‬ ‫َ‬ ‫بي ﷺ فقال‪ :‬إ ْن كنت مُبتاعاً هذا‬
‫األعرابي الن َّ َّ‬
‫ُّ‬ ‫فنادى‬
‫هلل ما‬ ‫األعرابي‪ :‬ال وا ِ‬
‫ُّ‬ ‫األعرابي‪ ،‬فقال‪(( :‬أوليس قد ابتعتُ ُه منك؟)) قال‬
‫ِّ‬ ‫ﷺ حين سمع نداء‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)88-80 /3‬‬

‫‪64‬‬
‫بي ﷺ‬ ‫اس يَلُوذون بالن َّ ِّ‬
‫بي ﷺ‪(( :‬بلى قد ابتعتُهُ منك))‪ ،‬ف َط ِف َق الن َّ ُ‬ ‫بعت َ‬
‫ُك‪ ،‬فقال الن َّ ُّ‬
‫ُك‪ ،‬ف َم ْن‬‫األعرابي يقول‪ :‬هل َّم شهيداً يشهد أنِّي بايعت َ‬
‫ُّ‬ ‫واألعرابي وهما يتراجعان‪ ،‬ف َط ِف َق‬
‫ِّ‬
‫بي ﷺ لم يكن ليقول َّ‬
‫إال ح ًّقا‪ ،‬حتَّى جاء‬ ‫لألعرابي‪ :‬ويلَ َ‬
‫ك‪ ،‬إ َّن الن َّ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫جاء من المسلمين قال‬
‫األعرابي يقول‪ :‬هل َّم شهيداً يشهد‬
‫ُّ‬ ‫األعرابي‪ ،‬فطفق‬
‫ِّ‬ ‫بي ﷺ ومراجع ِة‬
‫خزيمةُ لمراجعة الن َّ ِّ‬
‫ُك‪ ،‬قال خزيمة‪ :‬أنا أشهد أنَّك قد بايعتَهُ‪ .‬فأقبل الن َّ ُّ‬
‫بي ﷺ على خزيمةَ فقال‪(( :‬بم‬ ‫أنِّي بايعت َ‬
‫بي ﷺ شهادةَ خزيمةَ بشهادة رجلين‪.‬‬
‫تشهد؟)) فقال‪ :‬بتصديقك يا رسول اهلل‪ ،‬فجعل الن َّ ُّ‬
‫الرجالن هما المطلوبان في اآلية في األموال (‪.)1‬‬
‫و َّ‬

‫النبي ﷺ‪(( :‬قضى فيها باليمين مع‬


‫َّ‬ ‫الشهادة على األموال أ َّن‬
‫الحقيقة الثَّانية‪ :‬في مسألة َّ‬
‫السنَّة في القضاء باليمين مع َّ‬
‫الشاهد‬ ‫شاهد واحد))‪ ،‬قال اإلمام مالك رحمه اهلل‪ :‬مضت ُّ‬
‫صاحب الح ِّق مع شاهد ويستح ُّق ح َّقه‪ ،‬فإ ْن ن َ َك َل وأبى أن يحلف‬
‫ُ‬ ‫الواحد‪ ،‬يحلف‬
‫المطلوب (المدَّعى عليه)‪ ،‬فإ ْن حلَ َ‬
‫ف س َق َ‬
‫ط عنه ذلك الح ِّق‪ ،‬فإ ْن أبى أن يحلف‬ ‫ُ‬ ‫استُح ِل َ‬
‫ف‬
‫ت عليه الح ُّق لصاحبه‪.‬‬
‫ثبَ َ‬

‫خاصةً‪ ،‬وال يقع ذلك في شيء‬


‫َّ‬ ‫قال اإلمام مالك رحمه اهلل‪ :‬وإنَّما يكون ذلك في األموال‬
‫نكاح‪ ،‬وال في طالقٍ ‪ ،‬وال في سرق ٍة‪ ،‬وال في فِ ْري ٍة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫من الحدود‪ ،‬وال في‬

‫الشهادة على األموال‪ :‬أ َّن القرآن الكريم طلَ َ‬


‫ب فيها رجلين‪ ،‬أو رجالً‬ ‫فالحاص ُل في قضيَّة َّ‬

‫وامرأتين‪ ،‬وأ َّن الن َّ َّ‬


‫بي ﷺ وهو القائ ُم على تطبيق اإلسالم ومن جعل اهلل طاعتَهُ طاعةً له‬
‫تعالى أضاف إلى ذلك أمرين‪:‬‬

‫األنصاري خصوصيَّة أن تكون شهادتُهُ بشهادة رجلين‪.‬‬


‫َّ‬ ‫_ أعطى خزيمةَ ب َن ثابت‬

‫(‪ (1‬رواه أمحد يف مسنده برقم (‪ ،)21883‬وأبو داود يف سننه برقم (‪.)3607‬‬

‫‪65‬‬
‫_ إذا لم يوجد َّ‬
‫إال شاه ٌد واحد لصاحب الح ِّق ‪ -‬الم َّد ِعي ‪ -‬كان على صاحب الح ِّق أن‬
‫الشاهد الثَّاني‪ ،‬وذلك حسب التَّفصيل المذكور في‬
‫يحلف مع شاهده‪ ،‬فيقوم يمينُهُ مَقام َّ‬
‫الفقه‪.‬‬

‫رجل واحد‬
‫ٍ‬ ‫ق اإلشهاد في آية سورة البقرة الَّتي تجعل شهادةَ المرأتين تَع ِد ُل شهادةَ‬
‫فطر ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وليست التَّشري َع المو َّجهَ إلى‬ ‫الخاصة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫هي نصيحةٌ وإرشادٌ لصاحب ال َّديْن ذي ال َّطبيعة‬
‫خاصةٌ ب َديْ ٍن له مواصفاته ومالبساته‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الشهادات والبيِّنات؛ إذ إنَّها‬
‫الحاكم والجامع لطرق َّ‬
‫وليست التَّشريع العامَّ في البيِّنات الَّتي تُظ ِهر العد َل فيحكم به القضاة‪.‬‬

‫أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقَهم بهذا النِّصاب من‬


‫َ‬ ‫فاهللُ سبحانه إنَّما أمر بذلك‬
‫ح َّكام أن يحكموا به‪ ،‬فضالً عن أن يكون قد أمرهم َّ‬
‫أال يقضوا‬ ‫الشهود‪ ،‬ولم يأمر بذلك ال ُ‬‫ُّ‬
‫ِ‬
‫حفظ الحقوق شيءٌ آخر‪.‬‬ ‫ق الحك ِم شيءٌ وطر ُ‬
‫ق‬ ‫َّ‬
‫إال بذلك‪ ،‬فطر ُ‬

‫الرجل الواحد إذا عرف صدقَهُ في غير الحدود‪ ،‬ولم‬ ‫فيجوز للحاكم الحك ُم بشهادة َّ‬
‫أال يحكموا َّ‬
‫إال بشاهدين أو بشاهد وامرأتين‪ ،‬وهذا ال يد ُّل على‬ ‫ح َّكام َّ‬
‫يوجب اهلل على ال ُ‬
‫أ َّن الحاكم ال يحكم بأق َّل من ذلك‪ ،‬بل قد حكم رسو ُل اهلل ﷺ َّ‬
‫بالشاهد واليمين‪ ،‬أو‬
‫بالشاهد فقط‪ ،‬وليس ذلك مخالفاً لكتاب اهلل ﷻ عند َم ْن فهمه‪ ،‬وليس بين حكم اهلل ﷻ‬
‫َّ‬
‫األعرابي وح َدهُ على رؤية هالل‬
‫ِّ‬ ‫بي ﷺ شهادةَ‬
‫وحكم رسوله ﷺ خالفٌ ‪ ،‬وقد قبل الن َّ ُّ‬
‫السلَ ِ‬
‫ب‪ ،‬ولم يطالب القات َل بشاه ٍد‬ ‫الشاهد الواحد في قضيَّة َّ‬ ‫رمضان‪ ،‬وأجاز ﷺ شهادة َّ‬
‫حين صريحة في ذلك‪.‬‬
‫الصحي َ‬ ‫آ َخ َر وال استحل َفهُ‪ ،‬وهذه َّ‬
‫القصةُ وروايتُها في َّ‬

‫ثالثاً‪ .‬العلَّةُ في اعتبار المرأتين مقابل رجل واحد‪:‬‬

‫الرجل في اآلية‪﴿ :‬أ َ ْن ت َ ِض َّل‬


‫وتفصيل ذلك‪ :‬أ َّن العلَّةَ ِم ْن جعل شهادة المرأة نصف شهادة َّ‬
‫إِ ْحدَا ُه َما فَتُ َذ ِّك َر إِ ْحدَا ُه َما ْاأل ُ ْخ َرى﴾ [البقرة‪:]282 :‬‬

‫‪66‬‬
‫عدمُ ِخبْر ِة المرأة بالمعامالت الماليَّة في ذلك الوقت عند العرب‪ ،‬حيث لم تكن المرأة‬
‫تباشر ذلك َّ‬
‫إال نادراً‪ ،‬إذْ ليس من شأنها االشتغال بالمعامالت الماليَّة في الغالب‪.‬‬

‫الرجال على إدخال‬


‫ويشير بعض العلماء إلى ملمح مه ٍّم في آية سورة البقرة‪ ،‬وهو تعويد ِّ‬
‫المرأة في شؤون الحياة‪ ،‬إذ كانت في الجاهليَّة ال تشترك في هذه ُّ‬
‫الشؤون‪ ،‬فجعل اهلل‬
‫الرجل الواحد‪ ،‬وعلَّل ذلك بقوله ‪﴿ :‬أ َ ْن ت َ ِض َّل إِ ْحدَا ُه َما فَتُ َذ ِّك َر إِ ْحدَا ُه َما‬
‫المرأتين مقام َّ‬
‫ْاأل ُ ْخ َرى﴾ وهذه حيطة أخرى من تحريف َّ‬
‫الشهادة‪ ،‬وهي خشية االشتباه والن ِّسيان‪،‬‬
‫َّ‬
‫والضالل هنا بمعنى الن ِّسيان‪.‬‬

‫المالي‬
‫ِّ‬ ‫فهذه مرحلة تأهيل للمرأة الَّتي كانت في مجتمع تُمن َع فيه من المشاركة في العمل‬
‫مرس بالحياة‪ ،‬فتكون هذه مرحلة أولى بالمشاركة‪ ،‬الَّتي‬
‫والحياتي‪ ،‬فيفقدها خبرة التَّ ُّ‬
‫ِّ‬
‫تعينها فيها امرأة أخرى‪ ،‬تقوية لها ولموقفها‪ ،‬تليها مرحلة أخرى تتقن فيها المرأة فنون‬
‫ق مثالً‪ ،‬واضعاً‬
‫الر ِّ‬
‫الحياة الماليَّة وغيرها‪ ،‬فيتغيَّر حكمها‪ ،‬كما تد َّرج اإلسالم في إنهاء ِّ‬
‫التَّشريع هدف إنهائه في فترة ما‪.‬‬

‫الرجل في آية البقرة‪ ،‬ليس ح ًّطا من‬


‫نتبيَّن م َّما سبق أ َّن جعل شهادة المرأة نصف شهادة َّ‬
‫قدر المرأة وال ات ِّهاماً لها بالغباء‪ ،‬وإنَّما قال بذلك فقط المغرضون و َم ْن لم يفهم مرادَ اهلل‬
‫ﷻ في كتابه العزيز أو كالم رسوله الكريم‪.‬‬

‫رابعاً‪ .‬شهادة المرأة ليست نصف شهادة َّ‬


‫الرجل على ال َّدوام‪:‬‬

‫وتفصيل ذلك‪ :‬أ َّن م َّما يد ُّل على قيمة شهادة المرأة في اإلسالم أ َّن شهادتها قد تتساوى‬
‫الرجل في بعض األمور‪ ،‬بل قد تفوق شهادتُها شهادتَه في أمور أخرى‪ ،‬م َّما‬
‫مع شهادة َّ‬
‫يؤ ِّكد أ َّن شهادتها ليست مهملة أو نصف شهادة على ال َّدوام‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫ومن القضايا ما تقبل فيه شهادةُ المرأ ِة وحدَها‪ ،‬وهي القضايا الَّتي لم تج ِر العادةُ با ِّطالع‬
‫الرجال على موضوعاتها‪ ،‬كال ِوالدة والبِكارة و ُعيُوب النِّساء في المواضع الباطنة‪ ،‬قال‬
‫ِّ‬
‫الرضاع‪ ،‬والوالدة‪ ،‬والحيض‪ ،‬والع َّدة‪،‬‬ ‫الفقهاء‪( :‬ويُقبَ ُل فيما ال ي َّط ِلع عليه ِّ‬
‫الرجال‪ ،‬مثل َّ‬
‫وما أشبهها شهادةُ امرأ ٍة عدل‪ ،‬ال نعلم بين أهل العلم خالفاً في قبول شهادة النِّساء‬
‫المنفردات في الجملة)(‪.)1‬‬

‫ت امرأةً‪ ،‬فجاءت امرأةٌ فقالت‪ :‬إنِّي قد‬


‫وقد روى عقبةُ ب ُن الحارث ‪ ‬فقال‪ :‬تز َّو ْج ُ‬
‫بي ﷺ فقال‪(( :‬دعها عنك))(‪.)2‬‬
‫فأتيت الن َّ َّ‬
‫ُ‬ ‫أرضعتُ ُكما‪،‬‬

‫ت ِخيا ُر الفسخ‬ ‫وتُق َّدمُ شهادةُ المرأة أحياناً على شهادة َّ‬
‫الرجل بعد سماع َّ‬
‫الشهادتين‪" :‬يثبُ ُ‬
‫لعيب يجده في صاحبه‪ ،‬وإن اختلفا في عيوب النِّساء أ ُ ِريَت‬
‫ٍ‬ ‫لك ِّل واحد من ال َّزوجين‬
‫وج َّ‬
‫وإال فالقو ُل قو ُل‬ ‫النِّساء الثِّقات‪ ،‬ويُقبَ ُل فيه قو ُل امرأة واحدة‪ ،‬فإن شهدت بما قال ال َّز ُ‬
‫المرأة"(‪.)3‬‬

‫وباإلضافة إلى ك ِّل ما ذكرناه‪ :‬لو كانت األنوثة وال ُّذكورة تلعبان دوراً في قيمة َّ‬
‫الشهادة‬
‫الرجل على شهادة المرأة في باب اللِّعان؛ أي‪ :‬لكانت‬
‫ومدى شرعيَّتها لسمت شهادةُ َّ‬
‫شهاداتُها األرب ُع بقيمة شهادَتين فقط من شهاداته‪ ،‬ولك َّن الواقع أنَّها متساويات‪.‬‬

‫وبيان ذلك‪ :‬أ َّن َّ‬


‫الرجل إذا ات َّه َم زوجته بالزِّنا كان عليه أن يدعم ات ِّهامه بتقديم أربعة شهود‬
‫م َّمن يعت ُّد بشهادتهم‪ ،‬وقد رأوا زوجته وهي تزني‪ ،‬فإذا عجز عن تقديم ُّ‬
‫الشهود كان عليه‬
‫مرات بأنَّه صادق فيما يتَّ ِه ُمها به‪ ،‬وهذه األيمان تُنزَّل في َّ‬
‫الشرع منزلة‬ ‫أن يقسم أربع َّ‬
‫َّ‬
‫الشهادة‪.‬‬

‫(‪ )1‬املغين البن قدامة‪.‬‬


‫(‪ (2‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)2517‬‬
‫(‪ (3‬املرأة يف احلضارة اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬علي مجعة‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫مرات بأ َّن زوجها كاذب‬ ‫وتُع َطى ال َّزوجةُ الَّتي ت ُ ِ‬
‫نكر هذه التُّ ْهمة الفرصةَ ذاتَها‪ ،‬فت ِ‬
‫ُقس ُم أرب َع َّ‬
‫فيما يتَّه ُمها به‪ ،‬ويتبيَّن من ذلك أ َّن أحدهما كاذب َّ‬
‫بالضرورة‪.‬‬

‫الشهادتين المتكافئتَين‪ ،‬أن يقضي بالفصل بينهما ف َ ْ‬


‫صالً ال رجعة‬ ‫الشرعيَّة لهاتين َّ‬
‫والثَّمرة َّ‬
‫فيه‪ ،‬بعد أن يدعو ال َّزوج على نفسه باللَّع ِن إ ْن كان من الكاذبين‪ ،‬وتدعو ال َّزوجة على‬
‫نفسها بغضب اهلل إ ْن كان من َّ‬
‫الصادقين‪.‬‬

‫الشاهد في هذا‪ :‬أ َّن األيمان األربعة الَّتي يؤدِّيها ك ٌّل منهما تنزَّل منزلة َّ‬
‫الشهادات‬ ‫ومح ُّل َّ‬
‫الشهادات األربع الَّتي تنكرها‪ ،‬وهو األمر الَّذي‬ ‫األربع الَّتي تُثبِ ُ‬
‫ت الزِّنا‪ ،‬وهي مكافئة لقيمة َّ‬

‫يؤ ِّكد أ َّن األنوثة وال ُّذكورة بح ِّد ذاتهما ال دخل ٍّ‬
‫ألي منهما في قيمة َّ‬
‫الشهادة‪.‬‬

‫اإللهي الَّذي يتض َّمن ذلك‪َ ﴿ :‬والَّذي َن يَ ْرمُو َن أ َ ْز َوا َج ُه ْم َول َ ْم يَ ُك ْن ل َ ُه ْم‬ ‫ِّ‬ ‫نص البيان‬ ‫وإليك ُّ‬
‫خا ِم َسةُ أ َ َّن‬
‫الصا ِدقِي َن * َوال ْ َ‬ ‫ُش َهدَاءُ إ َِّال أَن ْ ُف ُس ُه ْم ف َ َش َهادَةُ أ َ َح ِد ِه ْم أ َ ْرب َ ُع َش َهاد ٍ‬
‫َات بِاهلل إِنَّهُ ل َ ِم َن َّ‬
‫اب أ َ ْن ت َ ْش َه َد أ َ ْرب َ َع َش َهاد ٍ‬
‫َات بِاهلل إِن َّ ُه‬ ‫ت اهلل عَلَيْ ِه إِ ْن َكا َن ِم َن ال ْ َكا ِذبِي َن * َويَ ْد َرأ ُ َعن ْ َها ال ْ َع َذ َ‬
‫ل َ ْعن َ َ‬
‫ب اهلل عَلَيْ َها إِ ْن َكا َن ِم َن َّ‬
‫الصا ِدقِي َن﴾ [النُّور‪.]9 - 6 :‬‬ ‫خا ِم َسةَ أ َ َّن َغ َ‬
‫ض َ‬ ‫ل َ ِم َن ال ْ َكا ِذبِي َن * َوال ْ َ‬

‫إ َّن َّ‬
‫الشريعة اإلسالميَّة ات َّجهت إلى تعزيز َّ‬
‫الشهادة في القضايا الماليَّة بصورة مطلقة بشهادة‬
‫الشهادة عُرضةً لالت ِّهام‪ ،‬ولم يعتبر أح ٌد‬
‫الرجل األ َّول‪ ،‬حتَّى ال تكون َّ‬
‫رجل آخر إلى جانب َّ‬
‫الرجل ما دام ذلك‬
‫ماسا بكرامة َّ‬
‫الرجل هنا وتعزيزها بشهادة رجل آخر ًّ‬
‫تنصيف شهادة َّ‬
‫الرجل لم ت ُقبَل ُّ‬
‫قط وح َدهُ‬ ‫التَّعزيز أضمن لحقوق الن َّاس‪ ،‬وزيادة على ذلك فإ َّن شهادة َّ‬
‫حتَّى في أت َف ِه القضايا الماليَّة‪ ،‬غير أ َّن المرأة قد امتازت على َّ‬
‫الرجل في سماع شهادتها‬
‫أخطر من َّ‬
‫الشهادة على األمور التَّافهة‪ ،‬وذلك كما هو معلوم‬ ‫ُ‬ ‫الرجل‪ ،‬فيما هو‬
‫وحدها دون َّ‬

‫‪69‬‬
‫الشهادة على الوالدة وما يلحقها من ن َ َس ٍ‬
‫ب وإرث‪ ،‬وفي هذا ردٌّ بليغ على من يتَّهم‬ ‫في َّ‬
‫الشهادة (‪.)1‬‬
‫الرجل على المرأة في َّ‬
‫اإلسالم بتمييز َّ‬

‫خامساً‪ .‬كيف ت ُقبَل َّ‬


‫الشهادة من المرأة على رسول اهلل ﷺ وال ت ُقبَل على واحد من‬
‫الن َّاس؟‪:‬‬

‫ك َجعَلْنَا ُك ْم أُمَّةً َو َس ًطا لِتَ ُكونُوا ُش َهدَاءَ عَلَى‬


‫وتفصيل ذلك‪ :‬فقد قال اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬و َك َذل ِ َ‬
‫الر ُسو ُل عَلَيْ ُك ْم َش ِهيدًا﴾ [البقرة‪.)2( ]143 :‬‬
‫اس َويَ ُكو َن َّ‬
‫الن َّ ِ‬
‫السن َّة الن َّبويَّة‪ ،‬فهي ك َّ‬
‫الرجل‬ ‫الشهادة على بالغ َّ‬
‫الشريعة ورواية ُّ‬ ‫إ َّن المرأة ك َّ‬
‫الرجل في هذه َّ‬
‫في رواية الحديث الَّتي هي شهادةٌ على رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫بوي جيالً بعد جيل‪،‬‬
‫راويات الحديث الن َّ ِّ‬
‫ُ‬ ‫وإذا كان ذلك م َّما أجمعت عليه األ َّمةُ‪ ،‬ومارسته‬
‫والروايةُ شهادةٌ؛ فكيف ت ُقبَل َّ‬
‫الشهادة من المرأة على رسول اهلل ﷺ وال ت ُقبَل على واحد‬ ‫ِّ‬
‫الصدق واألمانة وال ِّديانة‪.‬‬ ‫من الن َّاس؟! إ َّن المرأة العدل ك َّ‬
‫الرجل في ِّ‬
‫والرجال‪ ،‬بل أحكامها كلُّها‬
‫ذلكم هو منطق شريعة اإلسالم‪ ،‬وهذا هو عدلها بين النِّساء ِّ‬
‫م َّما يشهد العقل والفطرة بحسنها ووقوعها على أت ِّم الوجوه وأحسنها‪ ،‬وأنَّه ال يصلح في‬
‫موضعها سواها‪.‬‬

‫(‪ (1‬املرأة يف احلضارة اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬علي مجعة‪.‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)16-12 /2‬‬

‫‪70‬‬
‫الشبهة الثَّالثة‪ :‬ميراث المرأة‪.‬‬
‫ُّ‬

‫ميراث المرأة قضيَّ ًة جدليَّة تتبع الكالم عن المساواة بين َّ‬


‫الرجل والمرأة‪ ،‬حيث‬ ‫ُ‬ ‫يُ َع ُّد‬
‫اإلسالمي المتكامل بعبارة واحدة هي‬
‫ِّ‬ ‫اإلرثي‬
‫ِّ‬ ‫خص المتربِّصون باإلسالم ك َّل النِّظام‬ ‫يُل ِّ‬
‫ظ ْاألُنْثَيَيْ ِن﴾ [النِّساء ‪ ،)1(]11‬ويُبنى على ذلك فوراً سرديَّات‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬لِل َّذ َك ِر ِمثْ ُل َح ِّ‬

‫وغالب‬
‫ُ‬ ‫ط ذلك كلُّه بتشريعات اإلسالم‪،‬‬
‫ظلم واضطهاد المرأة والتَّقليل من شأنها‪ ،‬ويُرب َ ُ‬

‫من يتحدَّثون عن هذا الجزء من اآلية ربَّما ال يحفظون كلمةً قبله أو بعده‪ ،‬وإنَّما يظنُّون أ َّن‬
‫توزيع اإلرث في اإلسالم ليس فيه َّ‬
‫إال هذه القاعدة‪ ،‬وهنا ينبغي أن ِّ‬
‫نوضح ما يأتي‪:‬‬
‫يُو َج ُد في اإلسالم نظا ٌم متكام ٌل لإلرث‪ ،‬وهو مرتبط بشكل وثيق مع نظام النَّفقة‪ ،‬وتحديد‬
‫المسؤوليَّات وتوزيعها بشكل عادل‪ ،‬فك ُّل من يأخذ نصيباً زائداً من اإلرث تكون عليه‬
‫مسؤوليَّة إضافيَّة في النَّفقة‪ ،‬لذلك من الخطأ تماماً النَّظر إلى بعض جزئيَّات تقسيم اإلرث‬
‫في اإلسالم بمعزل عن باقي التَّشريعات المرتبطة بالنَّفقة وشؤون األسرة عموماً‪.‬‬
‫الشبُهات المثارة حول نقصان ِّ‬
‫حظ المرأة من تركة مو ِّرثيها‬ ‫ولكن قبل الشروع في َس ْر ِد ُّ‬
‫ودحضها ال ب َّد من الحديث عن آلية وفلسفة الميراث في اإلسالم‪ ،‬والمعايير الَّتي‬
‫استنبطها العلماء من آيات الميراث‪ ،‬والَّتي بناءً عليها يت ُّم توزيع الميراث بين الورثة‪،‬‬
‫أكثر أو مساوياً لهذا‪ ،‬وال ب َّد من تحديد األدل َّة على وجوب توريث‬
‫فيأخذ هذا ح ًّظا أق َّل أو َ‬
‫آيات القرآن الكريم‪.‬‬ ‫النِّساء‪ ،‬ومن ذلك ما َّ‬
‫أقرتهُ ُ‬
‫أ َّوالً‪ :‬معايير التَّفاوت في أنصبة الميراث بين الورثة‪:‬‬
‫معايير التَّفاوت في أنصبة الميراث ال عالقة لها بالجنس ذكورةً أو أنوثةً على اإلطالق‪،‬‬
‫ُ‬
‫على غير ما يحسب ويظ ُّن الكثيرون‪ ،‬وإنَّما معايير هذا التَّفاوت ثالثة‪:‬‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)180-177 /4‬‬

‫‪71‬‬
‫أقرب إلى الـ ُم َو ِّرث زاد نصيبه في الميراث‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الوارث‬ ‫‪ - 1‬درجة القرابة‪ :‬فكلَّما كان‬
‫‪ - 2‬موقع الجيل الوارث في تسلسل األجيال‪ :‬وتلك حكمة إلهيَّة بالغة في فلسفة‬
‫جيل يستقبل الحياة وأعباءها‪ ،‬وأمامه‬
‫ٍ‬ ‫أصغر من‬
‫َ‬ ‫اإلسالم للميراث؛ فكلَّما كان الوارث‬
‫المسؤوليَّات المتنامية كان نصيبُهُ من الميراث أكبر‪ ،‬فمثالً‪ :‬اب ُن المتوفَّى يرث أكثر من أب‬
‫وبنت المتوفَّى ترث أكثر من أمِّه‪ ،‬مع أ َّن كلتيهما أنثى‪ ،‬بل إ َّن‬
‫ُ‬ ‫المتوفَّى‪ ،‬مع أ َّن كليهما ذَ َك ٌر‪،‬‬

‫بنت المتوفَّى ترث َ‬


‫أكثر من أبيه‪.‬‬
‫المالي الَّذي يتح َّمله ويُكلَّف به‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 3‬العامل الثَّالث في تفاوت أنصبة الميراث‪ :‬هو العبء‬
‫الوارث طب ًقا َّ‬
‫للشريعة اإلسالميَّة‪ ،‬فإذا ات َّفقت وتساوت درجةُ القرابة‪ ،‬وموق ُع الجيل‬ ‫ُ‬
‫المالي بين الولد‬
‫ِّ‬ ‫الوارث‪ ،‬مثل‪ :‬مركز األوالد ‪ -‬أوالد الـ ُم َو ِّرث ‪ -‬مع تفاوت العبء‬
‫ال َّذكر ‪ -‬المكلَّف بإعالة زوج ٍة وأسر ٍة وأوال ٍد ‪ -‬وبين البنت الَّتي سيعولُها هي وأوالدَها‬
‫زوج ذَ َك ٌر هنا يكون لل َّذ َكر مث ُل ِّ‬
‫حظ األنثيين‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫وهو تقسيم عاد ٌل رائ ٌع ليس فيه أيَّةُ شبهة لظلم األنثى‪ ،‬بل رب َّما كان فيه امتياز لها؛ احتيا ًطا‬
‫الستضعافها من قبل المجتمع‪.‬‬
‫وهذه العوامل واألحكام الَّتي ذكرناها في المواريث اإلسالميَّة ‪ -‬والَّتي جهلها أو‬
‫يتجاهلها دعاة تحرير المرأة ‪ -‬هي الَّتي جعلت المرأة في الجداول اإلجماليَّة لحاالت‬
‫اإلسالمي ت َ ِر ُ‬
‫ث‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫الميراث‬
‫الرجل‪ ،‬وذلك في أكثر من ثالثي َن‬
‫الرجل‪ ،‬أو ترث وال يرث َّ‬
‫الرجل‪ ،‬أو أكثر من َّ‬
‫مثل َّ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بينما هي ترث نصف ما يرث ال َّذكر في أربع‬
‫ِّ‬ ‫حالةً من حاالت الميراث‬
‫حاالت فقط‪ ،‬وسوف نذكر هذه الحاالت‪ ،‬حتَّى نقف على حقيقة موضوع ميراث المرأة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬أدل َّة ميراث المرأة‪:‬‬
‫من الكتاب‪:‬‬

‫َان َو ْاألَق ْ َربُو َن َولِلن ِّ َسا ِء ن َ ِص ٌ‬


‫يب ِم َّما ت َ َر َك‬ ‫يب ِم َّما ت َ َر َك ال ْ َوالِد ِ‬
‫ال ن َ ِص ٌ‬ ‫‪ - 1‬قال تعالى‪﴿ :‬ل ِ ِّ‬
‫لر َج ِ‬

‫‪72‬‬
‫َان َو ْاألَق ْ َربُو َن ِم َّما ق َ َّل ِمنْهُ أ َ ْو َكثُ َر ن َ ِصيبًا مَ ْف ُر ً‬
‫وضا﴾ [النِّساء‪.)1(]7 :‬‬ ‫ال ْ َوالِد ِ‬

‫أثبت اهلل سبحانه ح َّق النِّساء في الميراث‪ ،‬وأ َّكده من ع َّدة ٍ‬


‫نواح‪:‬‬
‫للرجال والنِّساء‬
‫الرجال‪ ،‬ولم يقل ِّ‬ ‫‪ -‬أفرد سبحانه وتعالى ِذ َ‬
‫كر النِّساء بعد ِذكر ِّ‬
‫نصيب؛ َّ‬
‫لئال يستهان بأصالته َّن في هذا الحكم‪ ،‬ولدفع ما كانت عليه الجاهليَّة من‬
‫عدم التَّوريث‪.‬‬
‫‪ -‬قوله تعالى‪ِ ﴿ :‬م َّما ق َ َّل ِمنْهُ أ َ ْو َكثُ َر ن َ ِصيبًا مَ ْف ُر ً‬
‫وضا﴾ [النِّساء‪ ،)2(]7 :‬يد ُّل على أ َّن ح َّق‬

‫المرأة في اإلرث ثابت‪ ،‬ولو من القليل التَّافه الَّذي يخلِّفه الميت‪ ،‬م َّما يدفع َّ‬
‫أي‬
‫هرب من إعطاء المرأة ما تستح ُّقه بعطاء اهلل لها‪.‬‬
‫الريب أو التَّ ُّ‬ ‫للش ِّ‬
‫ك أو َّ‬ ‫احتمال َّ‬
‫ٍ‬
‫وضا﴾ [النِّساء‪ ،]7 :‬يُبيِّ ُن أنَّه فضالً ع َّما ذُكر من أ َّن نصيب‬
‫‪ -‬قوله تعالى‪﴿ :‬ن َ ِصيبًا َم ْف ُر ً‬
‫كرر ذكر هذا‬ ‫ثابت وجاء في أ َّول اآلية ﴿ َولِلن ِّ َسا ِء ن َ ِص ٌ‬
‫يب﴾ فإ َّن اهلل تعالى َّ‬ ‫ٌ‬ ‫المرأة‬
‫أي لبس‪ ،‬وإلثبات هذا الح ِّق ثبوتاً‬
‫الن َّصيب مع توكيده بكلمة (مفروضاً)؛ إلزالة ِّ‬
‫قطعيًّا‪.‬‬
‫ق اثْنَتَيْ ِن فَلَ ُه َّن‬
‫‪ - 2‬أثبت القرآن ح َّق األ ِّم في اإلرث‪ ،‬فقال ع َّز من قائل‪﴿ :‬ف َ ِإ ْن ُك َّن نِ َساءً ف َ ْو َ‬
‫ُس ِم َّما ت َ َر َك إِ ْن‬ ‫ف َو ِألَب َ َويْ ِه ل ِ ُك ِّل َو ِ‬
‫اح ٍد ِمن ْ ُه َما ُّ‬
‫السد ُ‬ ‫اح َدةً فَلَ َها الن ِّ ْ‬
‫ص ُ‬ ‫ثُلُثَا مَا ت َ َر َك َوإِ ْن َكان َ ْ‬
‫ت َو ِ‬

‫ُس‬
‫السد ُ‬ ‫ث ف َ ِإ ْن َكا َن لَهُ إِ ْخ َوةٌ ف َ ِأل ُ ِّم ِه ُّ‬ ‫َكا َن لَهُ َول َ ٌد ف َ ِإ ْن ل َ ْم يَ ُك ْن لَهُ َول َ ٌد َو َو ِرثَهُ أَب َ َواهُ ف َ ِأل ُ ِّم ِه الثُّلُ ُ‬
‫ب ل َ ُك ْم ن َ ْفعًا ف َ ِر َ‬
‫يضةً‬ ‫وصي بِ َها أ َ ْو دَيْ ٍن آبَا ُؤ ُك ْم َوأَبْنَا ُؤ ُك ْم َال ت َ ْد ُرو َن أَيُّ ُه ْم أَق ْ َر ُ‬ ‫صيَّ ٍة يُ ِ‬ ‫ِم ْن ب َ ْع ِد َو ِ‬
‫ِم َن اهلل إِ َّن اهلل َكا َن َع ِلي ًما َح ِكي ًما﴾ [النِّساء‪.)3(]11 :‬‬
‫الرب ُ ُع ِم َّما ت َ َر ْكتُ ْم إِ ْن ل َ ْم يَ ُك ْن ل َ ُك ْم َول َ ٌد ف َ ِإ ْن‬
‫‪ - 3‬وأثبت ح َّق ال َّزوجة‪ ،‬فقال سبحانه‪َ ﴿ :‬ول َ ُه َّن ُّ‬
‫وصو َن بِ َها أ َ ْو دَيْ ٍن﴾ [النِّساء‪.)4(]12 :‬‬ ‫َكا َن ل َ ُك ْم َول َ ٌد فَلَ ُه َّن الثُّ ُم ُن ِم َّما ت َ َر ْكتُ ْم ِم ْن ب َ ْع ِد َو ِ‬
‫صيَّ ٍة ت ُ ُ‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)175-174 /4‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)175-174 /4‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)180-177 /4‬‬
‫(‪ (4‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)182-180 /4‬‬

‫‪73‬‬
‫ظ ْاألُنْثَيَيْ ِن‬ ‫وصي ُك ُم اهلل فِي أ َ ْو َال ِد ُك ْم لِل َّذ َك ِر ِمثْ ُل َح ِّ‬ ‫‪ - 4‬وأثبت ح َّق البنت‪ ،‬فقال سبحانه‪﴿ :‬يُ ِ‬
‫ف َو ِألَب َ َويْ ِه ل ِ ُك ِّل‬
‫ص ُ‬ ‫اح َدةً فَلَ َها الن ِّ ْ‬ ‫ت َو ِ‬ ‫ق اثْنَتَيْ ِن فَلَ ُه َّن ثُلُثَا مَا ت َ َر َك َوإِ ْن َكان َ ْ‬
‫ف َ ِإ ْن ُك َّن نِ َساءً ف َ ْو َ‬
‫ُس ِم َّما ت َ َر َك إِ ْن َكا َن لَهُ َولَدٌ﴾ [النِّساء‪.)1(]11 :‬‬ ‫السد ُ‬ ‫َو ِ‬
‫اح ٍد ِمن ْ ُه َما ُّ‬
‫ث َك َاللَةً أ َ ِو امْ َرأَةٌ َولَهُ أ َ ٌخ أ َ ْو‬
‫‪ - 5‬وأثبت ح َّق األخت‪ ،‬فقال سبحانه‪َ ﴿ :‬وإِ ْن َكا َن َر ُج ٌل يُو َر ُ‬
‫ث﴾ [النِّساء‪:‬‬ ‫ك ف َ ُه ْم ُش َر َكاءُ فِي الثُّلُ ِ‬ ‫ُس ف َ ِإ ْن َكانُوا أ َ ْكثَ َر ِم ْن ذَل ِ َ‬
‫السد ُ‬ ‫أ ُ ْخ ٌ‬
‫ت ف َ ِل ُك ِّل َو ِ‬
‫اح ٍد ِمن ْ ُه َما ُّ‬
‫‪.)2(]12‬‬

‫س لَهُ َول َ ٌد َولَهُ أ ُ ْخ ٌ‬


‫ت‬ ‫ك لَيْ َ‬
‫ك ق ُ ِل اهلل يُ ْفتِي ُك ْم فِي ال ْ َك َالل َ ِة إ ِِن ا ْم ُر ٌؤ هَلَ َ‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬يَ ْستَ ْفتُون َ َ‬
‫ف مَا ت َ َر َك َو ُه َو يَ ِرث ُ َها إِ ْن ل َ ْم يَ ُك ْن ل َ َها َول َ ٌد ف َ ِإ ْن َكانَتَا اثْنَتَيْ ِن فَلَ ُه َما الثُّلُثَ ِ‬
‫ان ِم َّما ت َ َر َك‬ ‫فَلَ َها نِ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ظ ْاألُنْثَيَيْ ِن يُبَيِّ ُن اهلل ل َ ُك ْم أ َ ْن ت َ ِضلُّوا َواهلل بِ ُك ِّل‬ ‫َوإِ ْن َكانُوا إِ ْخ َوةً ِر َج ً‬
‫اال َونِ َساءً ف َ ِلل َّذ َك ِر ِمثْ ُل َح ِّ‬

‫َش ْي ٍء َع ِلي ٌم﴾ [النِّساء‪.)3(]176 :‬‬

‫‪ -‬أدل َّة ميراث المرأة من ُّ‬


‫السن َّة‪:‬‬
‫صيَّةُ لِلْ َوال ِ َديْ ِن‪،‬‬ ‫اس َر ِض َي اهلل َعن ْ ُه َما‪ ،‬قَا َل‪َ (( :‬كا َن ال َما ُل لِلْ َول َ ِد‪َ ،‬و َكان َ ِ‬
‫ت ال َو ِ‬ ‫‪َ - 1‬ع ِن اب ْ ِن َعبَّ ٍ‬
‫ظ األُنْثَيَيْ ِن‪َ ،‬و َج َع َل ل ِ ْألَب َ َويْ ِن ل ِ ُك ِّل َو ِ‬
‫اح ٍد‬ ‫ج َع َل لِل َّذ َك ِر ِمثْ َل َح ِّ‬ ‫ك َما أ َ َح َّ‬
‫ب‪ ،‬ف َ َ‬ ‫فَن َ َس َخ اهلل ِم ْن ذَل ِ َ‬
‫َ‬
‫الش ْط َر َو ُّ‬
‫الرب ُ َع))(‪.)4‬‬ ‫ُس‪َ ،‬و َج َع َل لِلْ َم ْرأ ِة الثُّ ُم َن َو ُّ‬
‫الرب ُ َع‪َ ،‬ولِل َّز ْو ِج َّ‬ ‫ِمن ْ ُه َما ُّ‬
‫السد َ‬
‫ت ِمن ْ ُه عَلَى ال َم ْو ِ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ضا‪ ،‬فَأ َ ْش َفيْ ُ‬
‫ت بِ َم َّكةَ َم َر ً‬ ‫‪ – 2‬عن َس ْع ِد ب ْ ِن أَبِي َوق َّ ٍ‬
‫اص‪ ،‬قَا َل‪َ :‬م ِر ْ‬
‫ض ُ‬
‫س يَ ِرثُنِي إ َِّال ابْنَتِي‪،‬‬
‫يرا‪َ ،‬ولَيْ َ‬ ‫ت‪ :‬يَا َر ُسو َل اهلل‪ ،‬إِ َّن لِي مَ ً‬
‫اال َكثِ ً‬ ‫فَأَتَانِي النَّبِ ُّي ﷺ يَعُودُنِي‪ ،‬ف َ ُقلْ ُ‬
‫ت‪ :‬الثُّلُ ُ‬
‫ث؟ قَا َل‪:‬‬ ‫الش ْط ُر؟ قَا َل‪(( :‬الَ)) قُلْ ُ‬ ‫ق بِثُلُثَ ْي َمالِي؟ قَا َل‪(( :‬ال)) قَا َل‪ :‬قُلْ ُ‬
‫ت‪ :‬ف َ َّ‬ ‫أَفَأَت َ َ‬
‫ص َّد ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت َول َ َد َك أ ْغنِيَاءَ َخيْ ٌر ِم ْن أ ْن تَت ُْر َك ُه ْم عَالَةً يَتَ َك َّف ُفو َن الن َّ َ‬
‫اس‪َ ،‬وإِن َّ َ‬
‫ك‬ ‫ك إِ ْن ت َ َر ْك َ‬ ‫((الثُّلُ ُ‬
‫ث َك ٌ‬
‫ثير‪ ،‬إِن َّ َ‬
‫ت عَلَيْ َها‪َ ،‬حتَّى اللُّ ْق َمةَ ت َ ْرف َ ُع َها إِلَى فِي ا ْم َرأَتِ َ‬
‫ك))(‪.)5‬‬ ‫ل َ ْن تُن ْ ِف َق ن َ َف َقةً إِ َّال أُجِ ْر َ‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)180-177 /4‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)182-180 /4‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)47-45 /6‬‬
‫(‪ (4‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)2747‬‬
‫(‪ (5‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)6733‬‬

‫‪74‬‬
‫البخاري أيضاً في "ميراث البنات" من طريق األسود بن يزيدَ‪ ،‬قال‪ :‬أتانا معاذ‬
‫ُّ‬ ‫وأخرج‬
‫رجل توف ِّ َي‪ ،‬وترك ابنته وأخته‪ ،‬فأعطى االبنة‬
‫ٍ‬ ‫بن جبل باليمن معلِّماً وأميراً‪ ،‬فسألناه عن‬
‫الن ِّصف‪ ،‬واألخت الن ِّصف‪.‬‬
‫ت َوابْن َ ِة اب ْ ٍن َوأ ُ ْخ ٍ‬
‫ت‪ ،‬ف َ َقا َل‪:‬‬ ‫((سئِ َل أَبُو مُ َ‬
‫وسى َع ْن بِن ْ ٍ‬ ‫‪ – 3‬عن ُه َزيْل بْن ُش َر ْحبِي َل‪ ،‬قَا َل‪ُ :‬‬
‫ت اب ْ َن مَ ْسعُو ٍد‪ ،‬ف َ َسيُتَابِ ُعنِي‪ ،‬ف َ ُسئِ َل اب ْ ُن مَ ْسعُو ٍد‪،‬‬ ‫ف‪َ ،‬وأ ْ ِ‬‫ص ُ‬ ‫ت الن ِّ ْ‬ ‫ف‪َ ،‬ول ِ ْأل ُ ْخ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫لِلْبِن ْ ِ‬
‫ت الن ِّ ْ‬
‫ضى‬ ‫ت إِذًا َومَا أَنَا ِم َن ال ُم ْهتَ ِدي َن‪ ،‬أَق ْ ِضي فِي َها بِ َما ق َ َ‬ ‫ضلَلْ ُ‬‫وسى ف َ َقا َل‪ :‬ل َ َق ْد َ‬ ‫َوأ ُ ْخبِ َر بِ َق ْو ِل أَبِي مُ َ‬
‫ت»‪ ،‬فَأَت َيْنَا‬ ‫ُس ت َ ْك ِملَةَ الثُّلُثَيْ ِن‪َ ،‬ومَا ب َ ِق َي ف َ ِل ْأل ُ ْخ ِ‬ ‫ف‪َ ،‬و ِالبْن َ ِة اب ْ ٍن ُّ‬
‫السد ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫النَّبِ ُّي ﷺ‪« :‬ل ِ ِ‬
‫البْن َ ِة الن ِّ ْ‬
‫وسى فَأ َ ْخبَ ْرنَاهُ بِ َق ْو ِل اب ْ ِن مَ ْسعُو ٍد‪ ،‬ف َ َقا َل‪ :‬الَ ت َ ْسأ َلُونِي مَا دَامَ َه َذا ال َ‬
‫حبْ ُر فِي ُك ْم))(‪.)1‬‬ ‫أَبَا مُ َ‬
‫ْت َجابِ ًرا ‪ ،‬قَا َل‪" :‬دَ َخ َل عَلَ َّي النَّبِ ُّي ﷺ َوأَنَا‬ ‫ح َّم ِد ب ْ ِن ال ُمن ْ َك ِد ِر‪ ،‬قَا َل‪َ :‬س ِمع ُ‬ ‫‪َ - 4‬ع ْن ُم َ‬
‫ت‪ :‬يَا َر ُسو َل اهلل‪ ،‬إِن َّ َما‬ ‫ضوئِ ِه فَأَف َ ْق ُ‬
‫ت‪ ،‬ف َ ُقلْ ُ‬ ‫ضأَ‪ ،‬ث ُ َّم ن َ َ‬
‫ض َح عَلَ َّي ِم ْن َو ُ‬ ‫ضو ٍء فَتَ َو َّ‬
‫يض‪ ،‬ف َ َدعَا بِ َو ُ‬
‫مَ ِر ٌ‬
‫ت آيَةُ ال َف َرائِ ِ‬
‫ض"(‪.)2‬‬ ‫لِي أ َ َخ َو ٌ‬
‫ات‪ ،‬فَنَزَل َ ْ‬
‫يع بِابْنَتَيْ َها ِم ْن َس ْع ٍد إِلَى َر ُس ِ‬ ‫َ‬ ‫‪َ - 5‬ع ْن َجابِ ِر ب ْ ِن َعبْ ِد اهلل قَا َل‪َ :‬جاءَ ْ‬
‫ول اهلل‬ ‫ت امْ َرأةُ َس ْع ِد ب ْ ِن َّ‬
‫الربِ ِ‬
‫َك يَ ْو َم أ ُ ُح ٍد َش ِهيدًا‪،‬‬
‫يع‪ ،‬قُتِ َل أَبُو ُه َما َمع َ‬ ‫ان ابْنَتَا َس ْع ِد ب ْ ِن َّ‬
‫الربِ ِ‬ ‫ﷺ‪ ،‬ف َ َقال َ ْ‬
‫ت‪ :‬يَا َر ُسو َل اهلل‪ ،‬هَات َ ِ‬
‫ان إ َِّال َول َ ُه َما َما ٌل‪( ،‬أي‪ :‬ال‬
‫ح ِ‬ ‫َوإِ َّن َع َّم ُه َما أ َ َخ َذ مَال َ ُه َما‪ ،‬فَلَ ْم يَ َد ْع ل َ ُه َما َم ً‬
‫اال‪َ ،‬و َال تُن ْ َك َ‬
‫َث َر ُسو ُل اهلل ﷺ إِلَى‬
‫اث‪ ،‬فَبَع َ‬
‫ير ِ‬ ‫ك)) فَنَزَل َ ْ‬
‫ت‪ :‬آيَةُ ال ِم َ‬ ‫تُز َّوجان) قَا َل‪(( :‬يَ ْق ِضي اهلل فِي ذَل ِ َ‬
‫ْط أُمَّ ُه َما الثُّ ُم َن‪َ ،‬ومَا ب َ ِق َي ف َ ُه َو ل َ َ‬
‫ك))(‪.)3‬‬ ‫ْط ابْنَتَ ْي َس ْع ٍد الثُّلُثَيْ ِن‪َ ،‬وأَع ِ‬
‫َع ِّم ِه َما‪ ،‬ف َ َقا َل‪(( :‬أَع ِ‬

‫َصبَ ِة؛ ِألَن َّ ُه ْم‬‫اب ‪ ‬قَا َل‪َ :‬ما أ َ َرى ال ِّديَةَ إ َِّال لِلْع َ‬ ‫ب‪ ،‬أ َ َّن ُع َم َر ب ْ َن ال ْ َ‬
‫خ َّط ِ‬ ‫‪َ - 6‬ع ْن َس ِعي ِد ب ْ ِن ال ْ ُم َسيِّ ِ‬
‫حا ُك ب ْ ُن‬ ‫الض َّ‬‫ك َشيْئًا؟ ف َ َقا َل َّ‬ ‫ول اهللِ ﷺ فِي ذَل ِ َ‬ ‫يَ ْع ِقلُو َن َعنْهُ‪ ،‬ف َ َه ْل َس ِم َع أ َ َح ٌد ِمن ْ ُك ْم ِم ْن َر ُس ِ‬
‫َب إِل َ َّي َر ُسو ُل اهللِ‬ ‫اب ‪َ -‬كت َ‬ ‫استَ ْع َملَ ُه َر ُسو ُل اهللِ ﷺ عَلَى ْاألَع َْر ِ‬ ‫ُس ْفيَا َن ال ْ ِك َالبِ ُّي ‪َ -‬و َكا َن ْ‬
‫خ َّط ِ‬
‫اب‬ ‫ك ُع َم ُر ب ْ ُن ال ْ َ‬ ‫الضبَابِ ِّي ِم ْن ِديَ ِة َز ْوجِ َها))‪ ،‬فَأ َ َخ َذ بِ َذل ِ َ‬
‫ث امْ َرأَةَ أ َ ْشيَ َم َّ‬
‫ﷺ‪(( :‬أ َ ْن أ ُ َو ِّر َ‬

‫(‪ (1‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)6736‬‬


‫(‪ (2‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)6743‬‬
‫(‪ (3‬رواه الرتمذي يف سننه (‪.)2092‬‬

‫‪75‬‬
‫‪.)1(‬‬
‫اس رضي اهلل عنهما في قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها الَّذي َن آمَنُوا الَ يَ ِح ُّل ل َ ُك ْم أ َ ْن‬
‫‪َ - 7‬ع ِن اب ْ ِن َعبَّ ٍ‬
‫قَا َل‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫[النِّساء‪]19 :‬‬ ‫ْض مَا آتَيْتُ ُمو ُه َّن﴾‬‫ْضلُو ُه َّن لِتَ ْذ َهبُوا بِبَع ِ‬ ‫ت َ ِرثُوا النِّساء َك ْرهًا‪َ ،‬والَ تَع ُ‬
‫الرجل َكا َن أ َ ْولِيَا ُؤهُ أ َ َح َّق بِامْ َرأَتِ ِه‪ ،‬إِ ْن َشاءَ بَع ُ‬
‫ْض ُه ْم ت َ َز َّو َج َها َوإِ ْن َشاؤوا‬ ‫ات َّ‬ ‫(( َكانُوا إِذَا مَ َ‬
‫ت َه ِذ ِه اآليَةُ فِي‬ ‫َز َّو ُجوهَا‪َ ،‬وإِ ْن َشاؤوا ل َ ْم يُ َز ِّو ُجوهَا‪ ،‬ف َ ُه ْم أ َ َح ُّق بِ َها ِم ْن أ َ ْه ِل َها‪ ،‬فَنَزَل َ ْ‬
‫ذَل ِ َ‬
‫ك»(‪.)3‬‬
‫الشريفة الَّتي تُثبِ ُ‬
‫ت ح َّق المرأة في اإلرث‪ ،‬وتركنا‬ ‫وهذه بعض من األحاديث الن َّبويَّة َّ‬
‫ذكر َكثي ٍر من األحاديث الن َّبويَّة َّ‬
‫الشريفة خشية اإلطالة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬حاالت توريث المرأة‪:‬‬
‫ظ ْاألُنْثَيَيْ ِن﴾ وكأنَّها قاعدة في ك ِّل توريث بين ال َّذكر‬
‫إ َّن تعميم حالة ﴿لِل َّذ َك ِر ِمثْ ُل َح ِّ‬

‫واألنثى هو تعميم غير صحيح‪ ،‬وإنَّما هي حالة ضمن عدَّة حاالت أخرى وفق ما يأتي‪:‬‬
‫حاالت الميراث أرب ٌع وثالثون حالةً‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪-1‬أربع حاالت يتف َّوق فيها ال َّذكر على األنثى فقط‪.‬‬
‫‪-2‬عشر حاالت تتساوى فيها األنثى مع ال َّذكر‪.‬‬
‫‪ -3‬عشر حاالت تتف َّوق فيها األنثى على ال َّذكر‪.‬‬

‫ب األنثى ال َّذ َ‬
‫كر من الميراث‪ ،‬وال يرث‪.‬‬ ‫ج ُ‬ ‫‪-4‬عشر حاالت ت َ ْ‬
‫ح ُ‬
‫تفصيل حاالت الميراث‪:‬‬
‫الرجل‪ ،‬ولذلك أربع صور‪ ،‬هي اآلتية‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬أن ترث المرأة نصف َّ‬
‫‪ .1‬إذا ورثت المتوفَّى ابنتُ ُه مع ابنه‪.‬‬
‫بنت ابنِ ِه مع ابن ابنه‪.‬‬
‫‪ .2‬أو ُ‬

‫(‪ (1‬رواه أمحد يف مسنده (‪.)15745‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)187-185 /4‬‬
‫(‪ (3‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)4579‬‬

‫‪76‬‬
‫الشقيقةُ مع أخيه َّ‬
‫الشقيق‪.‬‬ ‫‪ .3‬أو أختُهُ َّ‬
‫‪ .4‬أو أختُهُ ألب مع أخيه ألب‪.‬‬

‫الحالة الثَّانية‪ :‬أن يكون نصيب المرأة مساويًا لنصيب َّ‬


‫الرجل‪ ،‬ولهذه الحالة صور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬إذا توفِّي شخص وترك بنتًا وأبًا‪ ،‬فإ َّن نصيب البنت هو نصف الميراث‪،‬‬
‫ُّ‬
‫بينما نصيب األب هو‪ :‬سدس الميراث مع باقي الميراث تعصيباً‪ ،‬وهو ما مجموعه‬
‫النِّصف اآلخر من التَّركة) في هذه الحالة‪ ،‬ففي هذه الحالة تأخذ بنت المتوفَّى مث َل‬
‫نصيب والد المتوفَّى‪.‬‬
‫الصورة الثَّانية‪ :‬إذا توفِّي شخص وترك بنتًا وابن ابن‪ ،‬فإ َّن نصيب البنت هو نصف‬
‫ُّ‬
‫َصبة يأخذ ما بقي من التَّركة إن بقي منها شيء‪،‬‬
‫َصبة‪ ،‬والع َ‬
‫الميراث‪ ،‬وابن االبن هنا ع َ‬
‫وباقي التَّركة في هذه الحالة هو النِّصف‪ ،‬وهكذا ترى هنا أ َّن بنت المتوفَّى قد أخذت مثل‬
‫نصيب اب ِن اب ِن المتوفَّى‪.‬‬
‫الصورة الثَّالثة‪ :‬إذا توفِّي شخص وترك بنتًا وأ ًخا واحدًا شقيقاً كان أو ألب‪ ،‬فإ َّن نصيب‬
‫ُّ‬
‫َصبة‪ ،‬فسيأخذ باقي الميراث‪ ،‬والباقي في هذه‬
‫البنت هو نصف الميراث‪ ،‬واألخ هنا ع َ‬
‫الحالة هو النِّصف‪ ،‬وهكذا ترى هنا أ َّن بنت المتوفَّى قد أخذت مث َل نصيب أخ المتوفَّى‪.‬‬

‫الحالة الثَّالثة‪ :‬أن يكون نصيب المرأة أكثر من نصيب َّ‬


‫الرجل‪ ،‬ولهذه الحالة صور منها‪:‬‬
‫البنت الن ِّصف‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الصورة األولى‪ :‬إذا توفِّي شخص وترك بنتًا وأمًّا وأبًا‪ ،‬فهذه الحالة تأخذ‬
‫ُّ‬
‫السدس لن يخفض من نصيب‬
‫السدس‪ ،‬وستأخذ األ ُّم سدس الميراث‪ ،‬لك َّن هذا ُّ‬
‫واألب ُّ‬
‫نصف‬
‫َ‬ ‫البنت شيئًا‪ ،‬بل سيخفض من نصيب األب‪ ،‬وعليه فسيكون نصيب بنت المتوفَّى‬
‫ونصيب األب هو‪ :‬سدس الميراث مع باقي‬
‫ُ‬ ‫سدس الميراث‪،‬‬
‫َ‬ ‫ونصيب األ ِّم‬
‫ُ‬ ‫الميراث‪،‬‬
‫السدس فقط (أي‪ :‬ما مجموعه ثلث التَّركة)‪ ،‬وهكذا ترى‬
‫الميراث‪ ،‬وهو في هذه الحالة ُّ‬
‫في هذه الحالة أ َّن بنت المتوفَّى قد أخذت أكثر من نصيب جدِّها‪.‬‬
‫الصورة الثَّانية‪ :‬إذا توفِّي شخص وترك بنتًا وعشرة إخوة أش َّقاء كانوا أم ألب‪ ،‬فإ َّن نصيب‬
‫ُّ‬
‫َصبة‪ ،‬فسيأخذون الباقي‪ ،‬أي‪ :‬إ َّن‬
‫البنت هو نصف الميراث‪ ،‬واإلخوة العشـرة هنا ع َ‬

‫‪77‬‬
‫العشرة سيشتركون في نصف الميراث‪ ،‬وهذا يعني أ َّن بنت المتوفَّى وحدها ستأخذ‬
‫نصف التَّركة‪ ،‬وك ُّل واحد من اإلخوة سيأخذ واحداً من عشرين جزءاً من التَّركة‪.‬‬
‫الصورة الثَّالثة‪ :‬إذا توفِّي شخص وترك بنتين وثالثة أعمام‪ ،‬فإ َّن نصيب البنتين معا هو‬
‫ُّ‬
‫َصبة‪ ،‬فسيأخذون الباقي‪ ،‬أي‪ :‬إ َّن األعمام‬
‫الثُّلثان من الميراث‪ ،‬واألعمامُ الثَّالثة هنا ع َ‬
‫الثَّالثة سيشتركون في باقي الميراث‪ ،‬وهو الثُّلث‪ ،‬وهذا يعني أ َّن ابنتَي المتوفَّى وحدهما‬
‫ستأخذان ثلثي التَّركة‪ ،‬وك ُّل واحد من األعمام سيأخذ جزءاً من تسعة أجزاء من التَّركة‪.‬‬
‫الرجل ولهذه الحالة صور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن ترث المرأة وال يرث َّ‬
‫الحالة َّ‬
‫فإذا توفِّي شخص وترك بنتًا وأختًا شقيقة وأ ًخا ألب‪ ،‬فإ َّن البنت ستأخذ نصف الميراث‪،‬‬
‫َصبة مع البنت فستأخذ الباقي‪ ،‬وك ٌّل من البنت واألخت َّ‬
‫الشقيقة‬ ‫واألخت َّ‬
‫الشقيقة هنا ع َ‬
‫األخت َّ‬
‫الشقيقة فسيكون‬ ‫ُ‬ ‫معاً سيحجبان األخ ألب‪ ،‬ولن يرث شيئًا‪ ،‬بينما لو لم توجد‬
‫األخ ألب عصبة‪ ،‬وسيأخذ هو الباقي‪ ،‬وهذا يعني أ َّن األخت َّ‬
‫الشقيقة مع البنت حجبتا‬
‫األخ ألب‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ُّ‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬مشاركة المرأة في الحياة العامَّة‬

‫إ َّن وجود المرأة في عصرنا هذا ضمن ميادين الحياة العا َّمة أصبح أمراً أساسيًّا وضروريًّا‬
‫والسياسة وغير ذلك‪ ،‬وهذا ما‬
‫ال غنى عنه في كثير من مجاالت العلم والعمل واالقتصاد ِّ‬
‫درجت عليه أغلب الدُّول والمجتمعات اليوم‪ ،‬وأمام هذه َّ‬
‫الضـرورة برزت العديد من‬

‫الَّتيارات الفقهيَّة ُّ‬


‫والرؤى َّ‬
‫الشرعيَّة‪:‬‬

‫بعضها في غاية التَّشدُّد يرى أ َّن المرأة يجب أن تبقى حبيسة البيت ال تخرج منه‪ ،‬وأنَّه ال‬
‫ُ‬

‫يح ُّق لها أن تتعلَّم أو تع َم َل‪ ،‬مستدلِّين بآي ٍة قرآنيَّة َّ‬


‫فسروها على غير وجهها وهي قول اهلل‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫وسنتعرض فيما بعد لتفسيرها َّ‬
‫َّ‬ ‫تعالى‪َ ﴿ :‬وق َ ْر َن فِي بُيُوتِ ُك َّ‬
‫ن﴾ [األحزاب‪،]33 :‬‬

‫المتطرفة‬
‫ِّ‬ ‫وقد رأينا أنموذج ذلك في الدُّويالت المتشدِّدة الَّتي أقامتها المجموعات‬
‫كطالبان والقاعدة وداعش وغيرهم‪.‬‬

‫الرجل تماماً دون‬


‫الغربي يريد أن يجعل المرأة ك َّ‬
‫ِّ‬ ‫يبرالي‬
‫ِّ‬ ‫وبعضها اآلخر متَّبع للنَّموذج اللِّ‬

‫أي اعتبار لطبيعتها الجسديَّة والنَّفسيَّة‪ ،‬ودون ِّ‬


‫أي حفاظ على خصوصيَّتها وحشمتها‬ ‫ِّ‬
‫وآدابها العامَّة‪.‬‬

‫وبين الفريقين كانت غالبيَّةُ األمَّة بمنهج الوسطيَّة واالعتدال‪ ،‬فأعطت المرأةَ حقوقَها في‬
‫العلم والعمل والمشاركة في الحياة بميادينها كافَّة‪ ،‬ولكن بما يتناسب مع طبيعتها‬
‫األساسي في بيتها ومع زوجها وأوالدها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وشخصيَّتها وال يُغ ِف ُل دورها‬

‫الشرعيَّة المتعلِّقة بهذا األمر من‬


‫واأله ُّم من الموازنة بين هذه الَّتيارات هو النَّظر في األدلَّة َّ‬
‫والجيل األ َّول‪ ،‬حتَّى نعرف بدقَّة‬
‫ِ‬ ‫بي ﷺ‬‫بوضع المرأة أيَّامَ الن َّ ِّ‬
‫ِ‬ ‫والسنَّة‪ ،‬والن َّظر‬
‫ُّ‬ ‫القرآن‬
‫خص ذلك في النُّقاط اآلتية‪:‬‬ ‫الصحيح من هذه القضيَّة‪ ،‬ويتل َّ‬ ‫الموقف َّ‬
‫َ‬

‫‪79‬‬
‫الرجل بكافَّة األوامر اإللهيَّة المتعلِّقة‬
‫اإلسالمي مكلَّفة ك َّ‬
‫ِّ‬ ‫‪ -‬المرأة في التَّشـريع‬
‫ق القرآ ُن أبداً بين رجل‬ ‫يفر ُ‬
‫بالعبادة والتَّشـريع واألخالق وعمارة األرض‪ ،‬وال ِّ‬
‫وامرأة في ذلك‪ ،‬وعليه‪ :‬فإ َّن من مقتضيات هذا التَّكليف أ َّن المرأة مأمورة بالتَّعلُّم‬
‫نبوي‬
‫ٌّ‬ ‫قرآني أو‬
‫ٌّ‬ ‫والعمل لتحقيق هذه الغاية الَّتي ُخلقت من أجلها‪ ،‬وال يوجد ٌّ‬
‫نص‬
‫يمنع المرأة من هذا الح ِّق ابتداءً‪ ،‬وكذلك فإ َّن اآليات واألحاديث الَّتي َّ‬
‫حضت‬
‫بي ﷺ‪(( :‬مَن سلَ َ‬
‫ك‬ ‫تفرق أبداً بين رجل وامرأة‪ ،‬كقول الن َّ ِّ‬
‫على العلم وأمرت به ال ِّ‬
‫س في ِه عل ًما‪َ ،‬س َّه َل اهللُ طري ًقا إلى الجن َّ ِة))(‪ ،)1‬فالن َّ ُّ‬
‫ص عا ٌّم ليس فيه‬ ‫طري ًقا يلتَ ِم ُ‬
‫للرجل دون المرأة‪.‬‬
‫تخصيص َّ‬
‫بي ﷺ‪ ،‬وسلَّ ْطنا المجهر عليها فسنجد الكثير من‬
‫‪ -‬إذا نظرنا إلى واقع المرأة أيَّام الن َّ ِّ‬
‫َّ‬
‫الشواهد على مشاركة المرأة في الحياة االجتماعيَّة العامَّة‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫ت ح َّقها في إظهار رأيها وال ِّدفاع‬
‫باشر ْ‬
‫َ‬ ‫‪ -‬للمرأ ِة حريَّةُ المناقشة وإبداء الرأي؛ فلقد‬
‫عنه‪ ،‬فأعلنت وحا َّجت به وجادلت دونه‪ ،‬قال اهلل ﷻ‪﴿ :‬ق َ ْد َس ِم َع اهلل ق َ ْو َل الَّتي‬
‫ك فِي َز ْوجِ َها َوت َ ْشت َِكي إِلَى اهلل َواهلل يَ ْس َم ُع ت َ َ‬
‫حا ُو َر ُك َما إِ َّن اهلل َس ِمي ٌع ب َ ِص ٌ‬
‫ير﴾‬ ‫جا ِدل ُ َ‬
‫تُ َ‬
‫[المجادلة‪.)2(]1 :‬‬
‫ج َم ِع والجماعات واألعياد في المسجد‪ ،‬وتصلِّي‬
‫‪ -‬المرأة تخرج إلى صلوات ال ُ‬

‫الرجال دون حاجز بينهم‪ ،‬ومنه قول الن َّ ِّ‬


‫بي ﷺ‪(( :‬ال تمنعوا إماء اهلل مساجد‬ ‫خلف ِّ‬
‫اهلل))(‪.)3‬‬
‫الرجل‬
‫الصحابة‪ ،‬وتشارك َّ‬ ‫‪ -‬كانت المرأة تخرج إلى المعارك زم َن الن َّ ِّ‬
‫بي ﷺ وزم َن َّ‬

‫في مداواة الجرحى وسقاية المقاتلين‪ ،‬وأحياناً في القتال‪ ،‬فعن ُّ‬


‫الربَيِّ ِع ِ‬
‫بنت ُم َع ِّوذ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪.)2699‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)11-9 /28‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪)442‬‬

‫‪80‬‬
‫رضي اهلل عنها قالت‪(( :‬كنَّا مع الن َّ ِّ‬
‫بي ﷺ نسقي ونداوي الجرحى‪ ،‬ونردُّ القتلى‬
‫إلى المدينة))(‪.)1‬‬
‫بي ﷺ عن نسيبة بنت كعب المازنيَّة‪(( :‬رحم اهلل أمَّ عمارة‪ ،‬ما‬ ‫‪ -‬وكذلك قول الن َّ ِّ‬
‫التفت يميناً وال شماالً َّ‬
‫إال ورأيتها تقاتل دوني))(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬

‫‪ -‬كانت المرأةُ تُجِ ُ‬


‫ير من استجار بها وطلب الحمايةَ منها‪ ،‬وليس أد َّل على هذا الح ِّق‬
‫الرجل تماماً‪،‬‬
‫في المشاركة العامَّة من إجازة إجارتها – أي‪ :‬حمايتها للغير ‪ -‬ك َّ‬
‫فعن أ ِّم هانئ بنت أبي طالب رضي اهلل عنها‪ ،‬قالت‪(( :‬يا رسول اهلل زعم اب ُن أمِّي‬
‫علي أنَّه قاتل رجالً قد أجرتُهُ‪ :‬فال ُن بن هبيرة‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪(( :‬قد أجرنا‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫أجرت يا أ َّم هانئ))(‪.)3‬‬ ‫من‬

‫‪ -‬وتظهر عظمةُ المرأة في مشاركتها في ح ِّل المشكالت‪َّ :‬‬


‫فالسيِّدة خديجةُ رضي‬
‫اهلل عنها الَّتي كانت حص َن اإلسالم‪ ،‬وركنَهُ َّ‬
‫الشديد‪ ،‬وسن َد الن َّ ِّ‬
‫بي ﷺ نفسيًّا‬

‫الوحي أ َّو َل َّ‬


‫مرة‪ ،‬عاد إليها وهو يرتجف قائالً‪(( :‬زمِّلوني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وعاطفيًّا عندما جاءَهُ‬
‫الر ْوعُ‪ ،‬وقال لخديجة رضي اهلل عنها وأخبرها‬
‫ز ِّملوني))‪ ،‬فز َّملوه حتَّى ذهب عنه َّ‬
‫خشيت على نفسي))‪ ،‬فأجابته خديجةُ رضي اهلل عنها وقالت‪َّ :‬‬
‫كال‬ ‫ُ‬ ‫الخبر‪(( :‬لقد‬
‫الرحم‪ ،‬وتحمل ال َك َّل‪ ،‬وت َ ِ‬
‫كسب المعدوم‪،‬‬ ‫واهلل‪ ،‬ال يُخزيك اهلل أبداً‪ ،‬إن َّك لتصل َّ‬
‫الضيف‪ ،‬وتُعين على نوائب الح ِّق‪ ،‬واهلل لن يخزيك اهلل أبداً يا مح َّمد‪،‬‬
‫وتَقري َّ‬
‫وذهبت به إلى ابن ع ِّمها ورقة بن نوفل(‪.)4‬‬

‫‪ -‬وكانت َّ‬
‫السيِّدة خديجة رضي اهلل عنها كذلك سنداً اقتصاديًّا وماليًّا عندما قدَّمت‬
‫مالها وتجارتها خدمة للدَّعوة‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)2882‬‬


‫(‪ )2‬اإلصابة يف متييز الصحابة‪.)479/4(،‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)3171‬‬
‫(‪ (4‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪ ،)3‬ومسلم يف صحيحه برقم (‪.)160‬‬

‫‪81‬‬
‫ص دروساً للنِّساء‪ ،‬ويخرج إليه َّن بناءً على طلبه َّن‪ ،‬فعن أبي‬
‫يخص ُ‬
‫ِّ‬ ‫‪ -‬كان الن َّ ُّ‬
‫بي ﷺ‬
‫الخدري ‪ ،‬قال‪ :‬جاءت امرأةٌ إلى رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫ِّ‬ ‫سعيد‬
‫الرجا ُل بحديثك‪ ،‬فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه‪ ،‬تعلِّمنا م َّما علَّمك‬
‫ذهب ِّ‬
‫َ‬
‫اهلل‪ ،‬فقال ﷺ‪(( :‬اجتَ ِم ْع َن يوم كذا وكذا))‪ ،‬فاجتم ْع َن‪ ،‬فأتاه َّن رسول اهلل ﷺ‬
‫فعلَّ َمه َّن مما علَّمه اهلل(‪.)1‬‬
‫‪ -‬إ َّن في مشاركة المرأة في الحياة االجتماعيَّة تنميةً لشخصيتها وإفادةً لمجتمعها؛‬
‫رات متن ِّوعةً‪ ،‬بينما انعزالُها يَهبِط بشخصيَّتها ومستوى اهتماماتها‪،‬‬
‫ُكسبُها ِخبْ ٍ‬
‫فت ِ‬
‫الرصينة‪ ،‬والن َّشاط‬ ‫ُ‬
‫األحاديث والحوارات َّ‬ ‫بشرط أن تتوف َّر في مجتمع المشاركة‬
‫الجادُّ المثمر‪ ،‬في مجال العبادة أو العلم أو الفكر أو في مجال العمل‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫ِّ‬
‫‪ -‬لقد كان الح ُّد األدنى من ك ِّل ذلك موجوداً على عهد الن َّ ِّ‬
‫بي ﷺ‪ ،‬ويكون بقص ِد‬
‫ثقافي‬
‫ٍّ‬ ‫إشعاع‬
‫ٍ‬ ‫بوي مكاناً للعبادة ومرك َز‬
‫النِّساء المسجدَ‪ ،‬فقد كان المسجد الن َّ ُّ‬
‫السواء‪.‬‬
‫للرجل والمرأة على َّ‬
‫واجتماعي َّ‬
‫ٍّ‬
‫‪ -‬أمَّا الح ُّد األعلى المتميِّز فتمثَّل في بناته وأزواجه ﷺ أمَّ ِ‬
‫هات المؤمنين رضي اهلل‬

‫الالئي بَلَ ْغن بمعايشته َّن و ِع ْشرته َّن للن َّ ِّ‬


‫بي ﷺ وسما ِع ِه َّن منه وأخ ِذ ِه َّن عنه‬ ‫عنه َّن‪َّ ،‬‬

‫فسير والفقهَ‪.‬‬ ‫َ‬


‫الحديث والتَّ َ‬ ‫منزلةً علميَّة رفيعة‪ ،‬فأخذ عنه َّن كبا ُر َّ‬
‫الصحابة‬

‫فالسيِّدة فاطمة ال َّزهراء الَّتي كان الن َّ ُّ‬


‫بي ﷺ يقوم لها ويقول عنها‪(( :‬إِن َّ َما فَا ِط َمةُ‬ ‫َّ‬ ‫‪-‬‬
‫ض َعةٌ ِمنِّي يُ ْؤ ِذينِي مَا آذَاهَا))(‪ ،)2‬وقد أخبر أنَّها سيِّدة نساء العالمين‪ ،‬كان لها دور‬ ‫بَ ْ‬
‫محوري عظيم ومكانة كبيرة في نفوس ك ِّل المسلمين‪.‬‬
‫ٌّ‬
‫والسيِّدة عائشة رضي اهلل عنها كانت تعلِّم الن َّاس أحكامَ اإلسالم‪ ،‬وكانت مرجعاً‬
‫َّ‬ ‫‪-‬‬
‫بي ﷺ‪ ،‬تُعلِّمهم‬
‫السنوات بعد وفاة الن َّ ِّ‬ ‫ِ‬
‫عشـرات َّ‬ ‫الرجال‬
‫للصحابة من ِّ‬
‫فقهيًّا وعلميًّا َّ‬

‫(‪ (1‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪.)2633‬‬


‫(‪ (2‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪.)2449‬‬

‫‪82‬‬
‫والسيرة طافحةٌ بآرائها‬
‫ِّ‬ ‫وكتب الفقه والحديث‬
‫ُ‬ ‫وتبيِّن لهم أحكام اهلل في عباده‪،‬‬
‫الصحابة في بعض المسائل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الجتهادات كبار َّ‬ ‫واجتهاداتها‪ ،‬وأحياناً بمخالفتها‬
‫الرزين‬ ‫‪ -‬وكانت َّ‬
‫السيِّدة أمُّ سلمة أمُّ المؤمنين رضي اهلل عنها كذلك‪ ،‬صاحبة العقل َّ‬
‫السديد حالة ِشبْه ال ِعصيان الَّذي حصل‬
‫الصائبة‪ ،‬والَّتي حلَّت برأيها َّ‬
‫والمشورة َّ‬
‫بعد صلح الحديبية‪.‬‬

‫‪ -‬وعُرف عن َّ‬
‫السيِّدة حفصة بنت عمر أمِّ المؤمنين رضي اهلل عنها أنَّها كانت‬
‫المؤتمنة على أعظم مقدَّس من مقدَّسات المسلمين وهي نسخة المصحف‬
‫َّ‬
‫الشريف‪.‬‬

‫‪ -‬وهذه َّ‬
‫السيِّدة ِّ‬
‫الشفاء بنت عبد اهلل القرشيَّة رضي اهلل عنها كانت من عاقالت النِّساء‬
‫صفات كانت نادرةً‬
‫ٍ‬ ‫وفُضاله َّن‪ ،‬احتلَّت منزلةً مرموقةً بين نساء م َّكة؛ المتالكها‬
‫عند المرأة في ذلك العهد‪ ،‬فهي تمثِّل المرأة المث َّقفة المتعلِّمة المتميِّزة‪ ،‬أسلمت‬

‫في وقت مب ِّكر قبل الهجرة‪ ،‬وبايعت الن َّ َّ‬


‫بي ﷺ في زم ٍن كان اإليمان والبيعة‬
‫مصد َر شقا ٍء وتعذيب واضطهاد على يد المعاندين للدِّين‪ ،‬وهي من المهاجرات‬
‫األ ُ ْوليات‪.‬‬
‫فتطرح األسئلةَ عليه باستمرار للحصول على‬
‫ُ‬ ‫كان رسول َّ‬
‫اهلل ﷺ يزو ُرها‪،‬‬
‫"الشفاء" فيما بعد إلى راوي ٍة أمين ٍة‬
‫ت ِّ‬ ‫األجوبة‪ ،‬وهذا من أكبر العوامل الَّتي ح َّول َ ْ‬

‫الكثير من كالم الن َّ ِّ‬


‫بي ﷺ‪ ،‬وقدَّمتهُ‬ ‫َ‬ ‫وصادق ٍة للحديث الن َّ ِّ‬
‫بوي‪ ،‬فقد اختزنت ذاكرتُها‬
‫للن َّاس بعقل ناضح وأسلوب واضح‪.‬‬
‫والرواية لعبت دوراً في مجال التَّعليم‪ ،‬فقد طلب‬
‫وإلى جانب دورها في الحفظ ِّ‬
‫بي ﷺ أن تعلِّم زوجتَه حفصةَ رضي اهلل عنها‪ ،‬فقال لها‪(( :‬أال تعلِّمين هذه‬
‫منها الن َّ ُّ‬

‫‪83‬‬
‫ُرقْيَةَ الن َّ ْمل ِة كما علَّمتِيها الكتابة))(‪ ،)1‬أي‪ :‬إن َّها كانت طبيبةً ومعلِّمةً للقراءة‬
‫والكتابة‪ ،‬وقد علَّمت الكثيرين‪.‬‬
‫خاص ٍة في صدر اإلسالم‪ ،‬م َّما دفع‬
‫َّ‬ ‫عليمي َح ِظ َي بمكان ٍة‬
‫ُّ‬ ‫ربوي والتَّ‬
‫ُّ‬ ‫وهذا ال َّدور التَّ‬
‫والعلمي‬
‫ِّ‬ ‫االجتماعي‬
‫ِّ‬ ‫لشفاء" رضي اهلل عنها ولدورها‬ ‫بي ﷺ ‪ -‬تقديراً منه لـ "ا ِّ‬
‫بالن َّ ِّ‬
‫بإلحاح في هذا المجتمع ‪ -‬أن أَق ْ َطعَها داراً لتقيم بها مع ابنها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫المطلوب‬
‫خارج البيت‪ ،‬وتلقى‬
‫َ‬ ‫‪ -‬وكذلك َّ‬
‫السيِّدة أسماء بنت أبي بكر رضي اهلل عنهما تع َم ُل‬
‫البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي اهلل‬
‫ُّ‬ ‫الرجال أحياناً‪ ،‬فقد روى اإلمام‬‫ِّ‬
‫مملوك‪ ،‬وال شي ٍء‬
‫ٍ‬ ‫ُّبير‪ ،‬وما له في األرض من ٍ‬
‫مال وال‬ ‫عنهما‪ ،‬قالت‪(( :‬تز َّوجني الز ُ‬
‫فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء‪ ،‬وأخ ِر ُز (أي‪ :‬أخيط)‬
‫ُ‬ ‫فرس ِه‪،‬‬
‫وغير ِ‬
‫َ‬ ‫ناضح‬
‫ٍ‬ ‫غير‬
‫َ‬
‫جارات لي من‬
‫ٌ‬ ‫حس ُن أَخبِزُ‪ ،‬وكان يخب ُز‬
‫َغ ْربَهُ (أي‪ :‬دلوه) وأعجن‪ ،‬ولم أكن أ َ ِ‬
‫صدْق‪ ،‬وكنت أنقل النَّوى من أرض ال ُّزبير الَّتي أقطعه رسو ُل‬
‫األنصار‪ ،‬وك َّن نسوةَ ِ‬
‫اهلل ﷺ على رأسي‪ ،‬وهي ِمن ِّي على ثُلُثي فرسخ‪ ،‬فجئت يوماً والنَّوى على رأسي‪،‬‬
‫فلقيت رسو َل اهلل ﷺ ومعه ن َ َف ٌر من األنصار‪ ،‬فدعاني ث َّم قال‪(( :‬إِ ْخ إِ ْخ)) لِيَحملَني‬
‫ُ‬

‫ُّبير و َغيْ َرتَهُ وكان َ‬


‫أغير الن َّاس‪،‬‬ ‫وذكرت الز َ‬
‫ُ‬ ‫الرجال‪،‬‬
‫فاستحييت أن أسير مع ِّ‬
‫ُ‬ ‫َخلْ َفهُ‪،‬‬
‫استحييت فمضى))(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫فعرف رسو ُل اهلل ﷺ أنِّي قد‬

‫اإلسالمي النِّساء اللَّواتي جِ ئْ َن يُبايِ ْع َن الن َّ َّ‬


‫بي ﷺ‪ ،‬وأمر الن َّ ُّ‬
‫بي ﷺ‬ ‫ُّ‬ ‫‪ -‬وذكر التَّاريخ‬
‫بمبايعته َّن وأخ ِذ العهد عليه َّن واالستغفا ِر له َّن‪ ،‬كما جاء في سورة الممتَحنة‪﴿ :‬يَا‬
‫اهللِ َشيْئًا َو َال يَ ْس ِرق ْ َن‬ ‫ك عَلَى أ َ ْن َال يُ ْش ِر ْك َن بِ َّ‬ ‫أَيُّ َها النَّبِ ُّي إِذَا َجاءَ َك ال ْ ُم ْؤ ِمن َ ُ‬
‫ات يُبَايِ ْعن َ َ‬
‫َو َال يَ ْزنِي َن َو َال يَ ْقتُلْ َن أ َ ْو َالدَ ُه َّن َو َال يَأْتِي َن بِبُ ْهت ٍ‬
‫َان يَ ْفتَ ِرين َ ُه بَيْ َن أَيْ ِدي ِه َّن َوأ َ ْر ُج ِل ِه َّن َو َال‬

‫(‪ (1‬رواه أبو داود يف سننه برقم (‪.)3887‬‬


‫(‪ (2‬رواه البخاري يف صحيحه برقم (‪.)5224‬‬

‫‪84‬‬
‫[الممتحنة‪]12:‬‬ ‫اهللَ َغ ُفو ٌر َر ِحي ٌم﴾‬ ‫استَ ْغ ِف ْر ل َ ُه َّن َّ‬
‫اهللَ إِ َّن َّ‬ ‫وف فَبَايِ ْع ُه َّن َو ْ‬
‫ك فِي مَع ُْر ٍ‬
‫ْصين َ َ‬
‫يَع ِ‬
‫(‪.)1‬‬

‫رأس وف ٍد لتكلِّم النَّبـ َّ‬


‫ـي ﷺ وتُحــاو َرهُ وتجادلــه‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬وكانت المرأةُ تأتي منفردةً أو على‬

‫بنت حاتم ال َّط ِّ‬


‫ائي‪.‬‬ ‫الرجال‪ ،‬كخولَةَ ِ‬
‫بنت ثعلبة‪ ،‬وس َّفانةَ ِ‬ ‫وهو بين ِّ‬
‫الشواهد المتضافرة والقاطعة ال مجال للقول‪ :‬إ َّن المرأة كمــا أرادهــا‬
‫إذاً‪ :‬بعد ك ِّل هذه َّ‬

‫اإلسالم ونظر إليها كانت محجوبـةً أو منعزلـةً أو محجــوراً عليهــا كمــا يقــو ُل بعـ ُ‬
‫ـض‬

‫ٍ‬
‫عادات وتقالي َد جاهليَّـة علــى أحكــام‬ ‫ِ‬
‫إسقاط‬ ‫أدعياء التَّشدُّد وكما يس ِّوقون‪ ،‬من خالل‬

‫وإلباسها لَبُ َ‬
‫وس الدِّين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الشريعة‪،‬‬

‫أمَّا ما ذُ ِكر من استدالل بعض المتش ِّددين بقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وق َ ْر َن فِي بُيُوتِ ُك َّ‬
‫ن﴾ [األحزاب‪]33 :‬‬

‫وعدم الخروج منه نبيِّن ما يأتي‪:‬‬


‫ِ‬ ‫على أ َّن المرأة مأمورة بال َقرار في البيت‬

‫خطاب ألمَّهات المؤمنين على وجه الخصوص‪ ،‬وليس لعموم‬ ‫ٌ‬ ‫إ َّن سياق اآلية هو‬
‫المسلمات‪ ،‬حيث ابتدأت اآليات بقوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها النَّبِ ُّي ق ُ ْل ِأل َ ْز َواجِ َ‬
‫ك إِ ْن ُكنْتُ َّن ت ُ ِردْ َن‬
‫يال﴾ [األحزاب‪.]28 :‬‬ ‫حيَاةَ ال ُّدنْيَا َو ِزينَتَ َها فَتَعَالَيْ َن أُمَتِّ ْع ُك َّن َوأ ُ َس ِّر ْح ُك َّن َس َرا ًحا َج ِم ً‬
‫ال ْ َ‬

‫الخطاب لعموم النِّساء فإ َّن األمر بال َقرار بالبيت يعني‪ :‬أ َّن األولويَّة هي‬
‫ِ‬ ‫وعلى فرض تو ُّجه‬

‫للبيت‪ ،‬وليست نهياً عن الخروج‪ ،‬بدليل أ َّن نساء الن َّ ِّ‬


‫بي ﷺ ك َّن يخر ْج َن من بيوته َّن بعد‬
‫نزول هذه اآلية‪.‬‬

‫أمر اهلل للمرأة بالحجاب أنَّها ينبغي أن تحتجب عن ِّ‬


‫الرجال بالكامل‪ ،‬فال‬ ‫البعض َ‬
‫ُ‬ ‫ويفسر‬
‫ِّ‬
‫فالحجاب هو أمر يتعلَّق باللِّباس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عكس ذلك تماماً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تراهم وال يرونها مطلقاً‪ ،‬والحقيقةُ‬

‫وإنَّما ُش ِرع الحجاب لترتديه المرأة عند خروجها من البيت وعند رؤيتها ِّ‬
‫للرجال أو‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)99-98 /28‬‬

‫‪85‬‬
‫جة‬
‫جة مؤيِّدة لمشاركة المرأة في الحياة العامَّة وليس ح َّ‬
‫الكالم معهم‪ ،‬فالدَّليل هنا هو ح َّ‬
‫ضدَّها‪.‬‬

‫أي حرج‪ ،‬وهذا‬


‫الرجال دون ِّ‬
‫الحج تخرج وتسافر وتطوف وتسعى بين ِّ‬
‫ِّ‬ ‫والمرأةُ في عبادة‬
‫ومقرر لدى النَّاس منذ صدر اإلسالم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫معروف‬

‫والخالصة‪ :‬من ك ِّل ما سبق أ َّن من أراد أن ين ِّ‬


‫حي الهوى وأن يُع ِم َل العقل واإلنصاف في‬
‫السيرة النَّبويَّة يرى المرأةَ حاضرةً بق َّوة‪ ،‬ومشاركةً في كافَّة ميادين‬ ‫األدلَّة َّ‬
‫الشرعيَّة ووقائع ِّ‬
‫أي حرج‪ ،‬مع الحفاظ على حشمتها وبما يناسب طبيعتها وفطرتها‪.‬‬
‫الحياة العامَّة دون ِّ‬

‫‪86‬‬
‫ا ّ‬
‫لشبهة الخامسة‪ :‬قضية العنف ض ّد المرأة ومنها ضرب المرأة‪.‬‬
‫أ َّوالً‪ :‬شبهة زعم العنف ض َّد المرأة‪:‬‬
‫كرم اهلل تعالى اإلنسان رجالً كان أو امرأة بقوله‪َ ﴿ :‬ول َ َق ْد َك َّرمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [اإلسراء‪،)1(]70 :‬‬
‫َّ‬
‫وال يح ُّق بعد ذلك لذي ل ُ ٍّ‬
‫ب أن يثير قضية العنف ض َّد المرأة ويلصقها بالدِّين‪ ،‬وخصوصاً‬

‫بعد بيان األهميَّة الكبرى الَّتي أوالها القرآن الكريم للمرأة‪ ،‬حيث أكرمها ووضعهـا في‬
‫العنف فهو ظاهرةٌ إنسانيّةٌ ليست ِح ْكراً على شعب‬
‫ُ‬ ‫والسم ّو‪ ،‬أمّا‬
‫أعلى درجـات االحترام ّ‬
‫الرجال‬
‫س من ّ‬
‫العنف يُما َر ُ‬
‫ُ‬ ‫من ّ‬
‫الشعوب وال جنس من األجناس‪ ،‬فمنذ بدء الخليقة كان‬
‫ض َّد الن ّساء والعكس‪ ،‬وعندما يقولون‪" :‬العنف ض َّد المرأة" فذلك ليست عنفاً ض َّد المرأة‪،‬‬
‫الحقيقة هو العنف ض َّد أنفسنا‪ ،‬العنف ض َّد اإلنسانيّة؛ أل َّن المرأة هي األ ُّم‪ ،‬هي األخت‪،‬‬

‫هي ال ّزوجة‪ ،‬وهي الَّتي ترب ِّي المجتمع‪ ،‬وتعطي َّ‬


‫أي مجتمع من المجتمعات قيمتَهُ‬
‫الحضاريّة واإلنسانيَّة‪.‬‬
‫السماويّة والتّعاليم األرضيّة تتح َّدث عن حقوق المرأة‪ ،‬ومنها اإلسالم‪ ،‬فال‬ ‫وك ُّل ّ‬
‫الشرائع ّ‬
‫يجوز ألح ٍد أن يعتقد بأ َّن إهانة المرأة هو من تشريع اإلسالم‪ ،‬فاإلسالم أعطى المرأة‬

‫ت بِأ َ ِّ‬
‫ي‬ ‫الحقوق عندما كانت المرأة في ظ ّل الوأد‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬وإِذَا ال ْ َم ْوءُودَةُ ُسئِلَ ْ‬
‫نب قُتِلَ ْ‬
‫ت﴾ [التكوير‪.)2( ]9-8 :‬‬ ‫ذَ ٍ‬
‫ضياع لحقوق المرأة أو إهانة لقدرها وظلمها ما هو إال من صنع‬
‫ٍ‬ ‫وإ َّن ك َّل ما نشاهده من‬
‫رب البشر‪ ،‬ال في المسيحيّة وال في اإلسالم‪.‬‬
‫البشر‪ ،‬وليس من شرع ِّ‬
‫لذلك استدعانا المقامُ للبحث في قضيَّة العنف ض َّد المرأة كدراسة تأصيليّة مه ّمة؛ من‬
‫الصحيحة‪.‬‬ ‫شأنها إلقاءُ ّ‬
‫الضوء على هذه القضيَّة وبيان حقيقتها ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)197-196/15‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)65-64/30‬‬

‫‪87‬‬
‫ما هو العنف؟‬
‫ف بِ ِه وعليه ُعن ْفاً و َعناف َةً‪ :‬أخ َذهُ بش َّدة وقسوة والمَـُه‪ ،‬فهو‬ ‫‪ -‬العنف في ال ّلغة‪َ :‬عن ُ َ‬
‫الرف ْق‪.‬‬
‫ف ض ُّد ِّ‬ ‫عنيف‪ ،‬وال ُعن ْ ُ‬
‫‪ -‬العنف في االصطالح‪ :‬هو جمي ُع أشكال اإليذاء واالستغالل الَّتي تؤدِّي إلى ضرر‬
‫معنوي باألفراد أو الجماعات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جسدي أو‬
‫ّ‬
‫‪ -‬تاريخ العنف‪:‬‬
‫العنف بطبيعة الحال ظاهرةٌ قديمة قِ َد َم اإلنسانيّة نفسها‪ ،‬ومرافقةٌ للوجود؛ ألنَّها‬
‫ِ‬ ‫ظاهرةُ‬

‫العنف في‬
‫ُ‬ ‫ابني آدم "قابيل وهابيل"‪ ،‬ث َّم تط َّور‬
‫الصراع بين ّ‬
‫بدأت ببدء الخليقة من خالل ّ‬
‫العصور األخيرة ليصبح أكثر تنظيماً وأكثر انتشاراً‪ ،‬علماً بأ ّن العنف ال يح ُّل المشاكل‪ ،‬بل‬
‫السلْبيّة الَّتي ت ُثقل الن َّفس وت ُؤدِّي إلى التَّعاسة‬
‫يزيدها تعقيداً‪ ،‬والعنف مشحو ٌن بالمشاعر َّ‬
‫في الحياة‪.‬‬
‫والعنف يحمل أوجهاً متع ّددةً منها‪ :‬اإلرهاب‪ ،‬االستبداد‪ ،‬الحرب‪ ،‬االغتيال‪ ،‬االغتصاب‪،‬‬
‫ُ‬
‫االنتقام‪ ،‬والثَّأر‪ ،...‬وعليه‪ :‬فإ َّن مشاكل العنف تبدو غير متناهيّة فهي متج ِّددة بتج ُّدد‬
‫الحياة‪.‬‬
‫مفردات تد ُّل على مفاهيم‬
‫ٍ‬ ‫ومفردة العنف بلفظها لم ترد في القرآن الكريم‪َّ ،‬‬
‫إال أ ّن هناك‬
‫العنف في القرآن‪ ،‬علماً أن َّها تتن َّوع من جهة المدح وال َّذمّ منها‪:‬‬

‫‪ -‬الق َّوة‪ :‬كما في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وأ َ ِعدُّوا ل َ ُه ْم َما ْ‬


‫استَ َط ْعتُ ْم ِم ْن ق ُ َّو ٍة﴾ [األنفال‪،)1( ]60 :‬‬
‫فينبغي التَّفريق بين استخدام الق ّوة لردِّ العدوان فتس َّمى حينها‪ :‬دفاعاً‪ ،‬واستخدامها‬
‫الرغم من أ َّن االستعمال األكثر‬
‫لالعتداء على اآلخرين فتس َّمى‪ :‬عدواناً‪ ،‬وعلى ّ‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)27-25 /10‬‬

‫‪88‬‬
‫فسر الق َّوةَ بالعودة بها‬ ‫هو لمفردة‪" :‬الق ّوة" في القرآن الكريم إال أ َّن قرائن الن َّ ّ‬
‫ص ت ُ ِّ‬
‫إلى أكثر من معنى‪ ،‬منها‪ :‬الجِ ّد‪ ،‬ال َع ْزم‪ ،‬الثِّقة‪ ،‬ال ُق ْدرة‪ ،‬التَّح ُّمل‪.‬‬
‫‪ -‬ومن مرادفات العنف‪ :‬اإلرهاب‪ ،‬وقد ورد في القرآن قوله تعالى‪﴿ :‬ت ُ ْر ِهبُو َن بِ ِه‬
‫َب َر ْهبَةً و َر َهباً‪،‬‬ ‫َع ُد َّو اهلل َو َع ُد َّو ُك ْم﴾ [األنفال‪ ، ]60:‬وهو في اللّغة من‪َ :‬ره َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َب يره ُ‬
‫أي‪ :‬خاف‪ ،‬أي‪ :‬ت ُ ِع ُّدون من ال ُع ّدة ما يخاف به عد ُّوكم معها من االعتداء عليكم‪،‬‬
‫ال أن َّكم تنشرون بها اإلرهاب بين الن ّاس كما يفعل الغرب اليوم‪ ،‬على ذلك أجمع‬
‫المفسرون‪.‬‬
‫ِّ‬
‫األخالق الَّتي ندب لها القرآن الكريم‪:‬‬
‫اس أ َ ْن‬
‫حر ُم ال ُّظلْم فقال تعالى‪َ ﴿ :‬وإِذَا َح َك ْمتُ ْم بَيْ َن الن َّ ِ‬ ‫ب القرآ ُن الكريم العد َل ويُ ِّ‬ ‫يُوجِ ُ‬
‫يرا﴾ [النساء‪.)2( ]58 :‬‬ ‫ح ُك ُموا بِال ْ َعد ِْل إِ َّن اهلل نِ ِع َّما يَ ِع ُظ ُك ْم بِ ِه إِ َّن اهلل َكا َن َس ِميعًا ب َ ِص ً‬
‫تَ ْ‬
‫ك َجعَلْنَا ُك ْم أ ُ َّم ًة َو َس ًطا﴾‬
‫ووسم القرآن أ ّمة اإلسالم بالوسطيّة‪ ،‬فقال تعالى‪َ ﴿ :‬و َك َذل ِ َ‬
‫[البقرة‪.)3( ]143 :‬‬
‫لسلْ ِم فَا ْجن َ ْح ل َ َها َوت َ َو َّك ْل عَلَى‬ ‫للسالم‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ ْن َجن َ ُ‬
‫حوا ل ِ َّ‬ ‫ويدعو القرآن الكريم ّ‬
‫اهلل﴾ [األنفال‪ ،)4( ]61 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬فَإ ِِن ا ْعتَزَلُو ُك ْم فَلَ ْم يُ َقاتِلُو ُك ْم َوأَل ْ َق ْوا إِلَيْ ُك ُم َّ‬
‫السلَ َم ف َ َما‬
‫َج َع َل اهلل ل َ ُك ْم عَلَيْ ِه ْم َسبِ ً‬
‫يال﴾ [النساء‪.)5( ]90 :‬‬
‫ويحض على العفو‪ ،‬قال‬
‫ُّ‬ ‫ويؤ ِّكد القرآن الكريم على اللِّين‪ ،‬ويح ِّذ ُر من ال َفظاظة وال ِغلْظة‪،‬‬
‫ضوا ِم ْن َح ْول ِ َ‬
‫ك‬ ‫ب َالن ْ َف ُّ‬
‫يظ ال ْ َقلْ ِ‬
‫ت ف َ ًّظا َغ ِل َ‬ ‫ت ل َ ُه ْم َول َ ْو ُكن ْ َ‬
‫تعالى‪﴿ :‬فَبِ َما َر ْح َم ٍة ِم َن اهلل لِن ْ َ‬
‫ب‬‫ت فَتَ َو َّك ْل عَلَى اهلل إِ َّن اهلل يُ ِح ُّ‬ ‫استَ ْغ ِف ْر ل َ ُه ْم َو َشا ِو ْر ُه ْم فِي ْاألَمْ ِر ف َ ِإذَا َع َزمْ َ‬ ‫فَاع ُ‬
‫ْف َعن ْ ُه ْم َو ْ‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)27-25 /10‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)83-78 /5‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)16-12 /2‬‬
‫(‪ (4‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)28-27 /10‬‬
‫(‪ (5‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)154-153 /5‬‬

‫‪89‬‬
‫ال ْ ُمتَ َو ِّك ِلي َن﴾ [آل عمران‪.)1( ]159 :‬‬
‫يتعرض له الفقهاءُ سابقاً‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫حديث لم َّ‬ ‫مصطلح‬
‫ٌ‬ ‫العنف‬
‫ُ‬
‫يتناول الفقهاء معنى العنف فقهيًّا تحت مصطلح اإلكراه‪ ،‬ولم يت َّم استخدام مصطلح‬
‫اإلسالمي إال حديثاً؛ إذ ُع ّرف اإلكراهُ بأنَّه‪« :‬إلزامُ ّ‬
‫الشخص شيئاً على‬ ‫ّ‬ ‫العنف في الفقه‬
‫ِ‬
‫خالف مُراده»‪.‬‬
‫نهي القران الكريم عن ك ِّل أشكال اإليذاء للمرأة‪:‬‬
‫ُ‬
‫يؤ ِّك ُد القرآ ُن الكريم في آيات ع َّدة على نبذ العنف واإليذاء تجاه المرأة‪ ،‬مؤ ِّكداً على إكرام‬
‫المرأة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫الن َّهي عن إيذاء المرأة عموماً‪:‬‬
‫ات بِ َغيْ ِر مَا ا ْكت ََسبُوا ف َ َق ِد ا ْحتَ َملُوا ب ُ ْهتَانًا‬
‫قال اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬والَّذي َن يُ ْؤذُو َن ال ْ ُم ْؤ ِمنِي َن َوال ْ ُم ْؤ ِمن َ ِ‬

‫َوإِث ْ ً‬
‫ما ُمبِينًا﴾ [األحزاب‪.]58 :‬‬

‫القولي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الن َّهي عن اإليذاء‬
‫خ ْر ق َ ْو ٌم ِم ْن ق َ ْو ٍم ع ََسى أ َ ْن يَ ُكونُوا َخيْ ًرا ِمن ْ ُه ْم َو َال‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها الَّذي َن آ َمنُوا َال يَ ْس َ‬
‫س‬ ‫األَل ْ َق ِ‬
‫اب بِئْ َ‬ ‫نِ َساءٌ ِم ْن نِ َسا ٍء ع ََسى أ َ ْن يَ ُك َّن َخيْ ًرا ِمن ْ ُه َّن َو َال تَلْ ِمزُوا أَن ْ ُف َس ُك ْم َو َال تَنَابَزُوا بِ ْ‬

‫ك ُه ُم ال َّظال ِ ُمون﴾ [الحجرات‪.]11 :‬‬ ‫ُب فَأُولَئِ َ‬‫ان َو َم ْن ل َ ْم يَت ْ‬‫ق ب َ ْع َد ْاإلِي َم ِ‬
‫ِاال ْس ُم ال ْ ُف ُسو ُ‬

‫تؤ ِّكد اآليةُ الكريمة على صون المرأة من الكالم الفاحش والبذيء ّ‬
‫والسخرية‪.‬‬
‫الن ّهي عن إيذاء المرأة في سمعتها‪:‬‬
‫ات ث ُ َّم ل َ ْم يَأْتُوا بِأ َ ْرب َ َع ِة ُش َهدَاءَ فَا ْج ِلدُو ُه ْم ث َ َمانِي َن َجلْ َدةً َو َال ت َ ْقبَلُوا‬
‫صن َ ِ‬ ‫﴿ َوالَّذي َن يَ ْرمُو َن ال ْ ُم ْ‬
‫ح َ‬
‫ل َ ُه ْم َش َهادَةً أَبَدًا َوأُولَئِ َ‬
‫ك ُه ُم ال ْ َف ِ‬
‫اس ُقو َن﴾ [النور‪ ،]4 :‬فاآلية الكريم تبيِّ ُن عظيم هذا الجرم؛‬
‫الضـرر على المرأة‪ ،‬ولذلك كانت العقوبة عظيمةً في ح ِّق من يعتدي‬
‫لما فيه من عظيم َّ‬
‫على ُس ْم َع ِة المرأة تتناسب مع عظيم تلك الجريمة‪.‬‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)108-105 /4‬‬

‫‪90‬‬
‫السمعة‪ :‬كما جاء حكاية‬
‫بل أشار القرآن الكريم إلى ذمِّ قبيح القول في التَّعريض بسوء ُّ‬
‫ت أُمُّ ِ‬
‫ك ب َ ِغيًّا﴾‬ ‫وك امْ َرأ َ َس ْو ٍء َومَا َكان َ ْ‬
‫ت هَا ُرو َن مَا َكا َن أَب ُ ِ‬
‫عن اليهود في قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أ ُ ْخ َ‬
‫[مريم‪.)1( ]28 :‬‬
‫ومن أشكال اإليذاء الَّتي نهى عنها القرآن الكريم‪:‬‬
‫هجران ال ّزوجة بغير ح ّق‪:‬‬
‫الصامت رضي اهلل عنهما حين قال لها‪:‬‬
‫أوس بن ّ‬
‫ِ‬ ‫بنت ثعلبةَ زوج ِة‬
‫قصة خولةَ ِ‬
‫كما في ّ‬
‫علي كظهر أمِّي‪ ،‬يريد تحري َمها عليه‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى قوله‪﴿ :‬ق َ ْد َس ِم َع اهلل ق َ ْو َل الَّتي‬
‫أنت ّ‬
‫ير (‪ )1‬الَّذي َن‬ ‫ك فِي َز ْوجِ َها َوت َ ْشت َِكي إِلَى اهلل َواهلل يَ ْس َم ُع ت َ َ‬
‫حا ُو َر ُك َما إِ َّن اهلل َس ِمي ٌع ب َ ِص ٌ‬ ‫جا ِدل ُ َ‬
‫تُ َ‬
‫يُ َظا ِه ُرو َن ِمن ْ ُك ْم ِم ْن نِ َسائِ ِه ْم َما ُه َّن أ ُ َّم َهاتِ ِه ْم إِ ْن أ ُ َّم َهات ُ ُه ْم إ َِّال َّ‬
‫الالئِي َول َ ْدن َ ُه ْم َوإِن َّ ُه ْم لَيَ ُقولُو َن‬
‫مُن ْ َك ًرا ِم َن ال ْ َق ْو ِل َو ُزو ًرا َوإِ َّن اهلل ل َ َع ُف ٌّو َغ ُفو ٌر (‪َ )2‬والَّذي َن يُ َظا ِه ُرو َن ِم ْن نِ َسائِ ِه ْم ث ُ َّم يَعُودُو َن‬
‫ير (‪)3‬‬ ‫ير َرقَبَ ٍة ِم ْن قَبْ ِل أ َ ْن يَتَ َم َّ‬
‫اسا ذَل ِ ُك ْم تُو َع ُظو َن بِ ِه َواهلل بِ َما ت َ ْع َملُو َن َخبِ ٌ‬ ‫ل ِ َما قَالُوا فَتَ ْ‬
‫ح ِر ُ‬
‫ف َ َم ْن ل َ ْم يَجِ ْد ف َ ِصيَامُ َش ْه َريْ ِن مُتَتَابِ َعيْ ِن ِم ْن قَبْ ِل أ َ ْن يَتَ َم َّ‬
‫اسا ف َ َم ْن ل َ ْم يَ ْستَ ِط ْع ف َ ِإ ْطعَامُ ِستِّي َن‬
‫م (‪[ ﴾)4‬المجادلة‪:‬‬ ‫اب أَلِي ٌ‬‫ك ُحدُودُ اهلل َولِلْ َكافِ ِري َن َع َذ ٌ‬ ‫ك لِتُ ْؤ ِمنُوا بِاهلل َو َر ُسول ِ ِه َوتِلْ َ‬‫ِم ْس ِكينًا ذَل ِ َ‬
‫‪.)2( ]4 - 1‬‬
‫عقوبات شديدةً هي‪ :‬ع ُّد قول ِ ِه من‬
‫ٍ‬ ‫فرت َّب القرآ ُن الكريم على مقولة أوس بن ّ‬
‫الصامت‬
‫تحرير رقبة‪ ،‬أو صيامُ شهرين متتابعين‪ ،‬أو إطعامُ ستي َن مسكيناً‪ ،‬وما‬
‫ُ‬ ‫مُن ْ َك ِر القول‪ ،‬وعليه‬
‫العقوبات إال داللةٌ على عظيم رفض القرآن الكريم لجميع أشكال العنف واإليذاء‬
‫ُ‬ ‫تلك‬
‫تجاه المرأة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬اإليالء وهو‪ :‬الحلف على عدم جماع ال ّزوجة‪:‬‬
‫إذْ َرف َ َ‬
‫ض القرآ ُن الكريم أن تعيش المرأة في حياة زوجيّة ناقصة الحقوق‪ ،‬فال يح ُّق لل ّزوج‬
‫لولي األمر أن يطلِّقها منه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬لِلَّ ِذي َن يُؤْلُو َن ِم ْن‬
‫ِّ‬ ‫أن يَحرم المرأة ح َّقها‪َّ ،‬‬
‫وإال‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)89 /16‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)15-9 /28‬‬

‫‪91‬‬
‫ص أ َ ْرب َ َع ِة أ َ ْش ُه ٍر ف َ ِإ ْن فَاءُوا ف َ ِإ َّن اهلل َغ ُفو ٌر َر ِحي ٌم (‪َ )226‬وإِ ْن َع َزمُوا ال َّط َال َ‬
‫ق ف َ ِإ َّن‬ ‫نِ َسائِ ِه ْم ت َ َرب ُّ ُ‬
‫اهلل َس ِمي ٌع َع ِلي ٌم﴾ [البقرة‪.)1( ]227 ،226 :‬‬
‫ومنها‪ :‬الن ّهي عن اإلضرار بالمطلَّقة‪:‬‬
‫وف أ َ ْو َس ِّر ُحو ُه َّن‬ ‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬وإِذَا َطلَّ ْقتُ ُم الن ِّ َساءَ فَبَلَ ْغ َن أ َ َجلَ ُه َّن فَأَمْ ِس ُكو ُه َّن بِ َمع ُْر ٍ‬
‫ات‬ ‫ك ف َ َق ْد َظلَ َم ن َ ْف َسهُ َو َال تَت َِّخ ُذوا آيَ ِ‬
‫وف َو َال ت ُ ْم ِس ُكو ُه َّن ِض َرا ًرا لِتَ ْعتَدُوا َومَ ْن يَ ْف َع ْل ذَل ِ َ‬
‫بِ َمع ُْر ٍ‬

‫ت اهلل عَلَيْ ُك ْم َومَا أَن ْ َز َل عَلَيْ ُك ْم ِم َن ال ْ ِكت ِ‬


‫َاب َوال ْ ِح ْك َم ِة يَ ِع ُظ ُك ْم بِ ِه‬ ‫اهلل ُه ُز ًوا َواذْ ُك ُروا نِ ْع َم َ‬
‫َوات َّ ُقوا اهلل َواعْلَ ُموا أ َ َّن اهلل بِ ُك ِّل َش ْي ٍء َع ِلي ٌم * َوإِذَا َطلَّ ْقتُ ُم الن ِّ َساءَ فَبَلَ ْغ َن أ َ َجلَ ُه َّن ف َ َال‬
‫ك يُوع ُ‬
‫َظ بِ ِه مَ ْن َكا َن ِمن ْ ُك ْم‬ ‫وف ذَل ِ َ‬ ‫ح َن أ َ ْز َوا َج ُه َّن إِذَا ت َ َر َ‬
‫اض ْوا بَيْن َ ُه ْم بِال ْ َمع ُْر ِ‬ ‫ْضلُو ُه َّن أ َ ْن يَن ْ ِك ْ‬
‫تَع ُ‬
‫ن﴾ [البقرة‪،231 :‬‬ ‫يُ ْؤ ِم ُن بِاهلل َوالْيَ ْو ِم ْاآل ِخ ِر ذَل ِ ُك ْم أ َ ْز َكى ل َ ُك ْم َوأ َ ْط َه ُر َواهلل يَعْلَ ُم َوأَنْتُ ْم َال تَعْلَ ُمو َ‬

‫‪.)2( ]232‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها النَّبِ ُّي إِذَا َطلَّ ْقتُ ُم الن ِّ َساءَ ف َ َطلِّ ُقو ُه َّن ل ِ ِع َّدتِ ِه َّن َوأ َ ْح ُ‬
‫صوا ال ْ ِع َّدةَ َوات َّ ُقوا اهلل‬
‫ك ُحدُودُ اهلل‬ ‫خ ُر ْج َن إ َِّال أ َ ْن يَأْتِي َن بِ َف ِ‬
‫اح َش ٍة مُبَيِّن َ ٍة َوتِلْ َ‬ ‫خ ِر ُجو ُه َّن ِم ْن بُيُوتِ ِه َّن َو َال يَ ْ‬
‫َرب َّ ُك ْم َال ت ُ ْ‬
‫ك أ َ ْم ًرا (‪ )1‬ف َ ِإذَا بَلَ ْغ َن‬
‫ث ب َ ْع َد ذَل ِ َ‬ ‫َو َم ْن يَتَ َع َّد ُحدُودَ اهلل ف َ َق ْد َظلَ َم ن َ ْف َسهُ َال ت َ ْد ِري ل َ َع َّل اهلل يُ ْ‬
‫ح ِد ُ‬
‫أ َ َجلَ ُه َّن فَأَمْ ِس ُكو ُه َّن بِ َمع ُْر ٍ‬
‫وف أ َ ْو فَا ِرقُو ُه َّن بِ َمع ُْر ٍ‬
‫وف﴾ [الطالق‪.)3( ]2 ،1 :‬‬
‫المادي للمرأة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ومنها‪ :‬الن ّهي عن اإلضرار‬
‫ْضلُو ُه َّن لِتَ ْذ َهبُوا‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها الَّذي َن آمَنُوا َال يَ ِح ُّل ل َ ُك ْم أ َ ْن ت َ ِرثُوا الن ِّ َساءَ َك ْرهًا َو َال تَع ُ‬
‫َاش ُرو ُه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ‬
‫وف ف َ ِإ ْن َك ِر ْهتُ ُمو ُه َّن‬ ‫اح َش ٍة ُمبَيِّن َ ٍة َوع ِ‬ ‫ْض َما آتَيْتُ ُمو ُه َّن إ َِّال أ َ ْن يَأْتِي َن بِ َف ِ‬
‫بِبَع ِ‬
‫يرا﴾ [النساء‪.)4( ]19 :‬‬ ‫ج َع َل اهلل فِي ِه َخيْ ًرا َكثِ ً‬ ‫فَع ََسى أ َ ْن ت َ ْك َرهُوا َشيْئًا َويَ ْ‬
‫المالي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ومنها‪ :‬االعتداء على ح ِّق المرأة‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)262-257 /2‬‬


‫(‪ (2‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)290-288 /2‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)195-189/28‬‬
‫(‪ (4‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)187-185 /4‬‬

‫‪92‬‬
‫ال ن َ ِص ٌ‬
‫يب ِم َّما‬ ‫ْض ُك ْم عَلَى بَع ٍ‬
‫ْض ل ِ ِّ‬
‫لر َج ِ‬ ‫قال اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬و َال تَتَ َمن َّ ْوا مَا ف َ َّ‬
‫ض َل اهلل بِ ِه بَع َ‬
‫اسأَلُوا اهلل ِم ْن ف َ ْ‬
‫ض ِل ِه إِ َّن اهلل َكا َن بِ ُك ِّل َش ْي ٍء‬ ‫يب ِم َّما ا ْكت ََسبْ َن َو ْ‬ ‫ا ْكت ََسبُوا َولِلن ِّ َسا ِء ن َ ِص ٌ‬
‫َع ِلي ًما﴾[النساء‪.)1( ]32 :‬‬
‫ثانياً‪ :‬هل اإلسالم أباح ضرب المرأة؟‬
‫يرى بعض المهاجمين لإلسالم والمشككين في أحكامه هذه القضيَّة وكأن ّها ثغرة كبيرة‬
‫وخطيرة ‪ ،‬يسيئون من خاللها لإلسالم‪ ،‬ويص ّورونه دين القسوة والعنف وظلم واضطهاد‬
‫خافُو َن ن ُ ُشو َز ُه َّن‬ ‫المرأة‪ ،‬وتعويلهم في هذا األمر على آية سورة الن ّساء ‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫الالتِي ت َ َ‬
‫اض ِربُو ُه َّن ف َ ِإ ْن أ َ َط ْعن َ ُك ْم ف َ َال تَبْ ُغوا عَلَيْ ِه َّن َسبِ ً‬
‫يال إِ َّن‬ ‫ج ُرو ُه َّن فِي ال ْ َم َ‬
‫ضاجِ ِع َو ْ‬ ‫ف َ ِع ُظو ُه َّن َوا ْه ُ‬
‫َّ‬
‫اهللَ َكا َن َع ِليًّا َكبِ ً‬
‫يرا﴾ [النّساء‪.]34:‬‬
‫والردّ على ذلك من ع َّدة وجوه‪:‬‬ ‫حيث يقولون أ َّن األمر َّ‬
‫بالضرب هنا واضح وصريح ّ‬
‫خاصة هي‬
‫َّ‬ ‫الضرب المذكور في اآلية ليس ضرباً عا ًّما لك ّل الن ّساء وإن ّما هو حالة‬
‫‪ّ -1‬‬
‫تتمرد على أسرتها وتريد هدم بيتها وتتخلّى عن‬
‫المرأة الن َّاشز‪ ،‬أي المرأة الَّتي َّ‬
‫أوالدها‪ ،‬وتأتي مرحلة َّ‬
‫الضرب بعد مرحلتين هما الوعظ والهجران‪.‬‬
‫الحقيقي أو‬
‫ّ‬ ‫رمزي وليس على وجه األذى‬
‫ّ‬ ‫‪ -2‬إن ّ‬
‫الضرب الوارد في اآلية هو ضرب‬
‫المبرح‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ّ‬
‫بالضرب غير‬ ‫إحداث َّ‬
‫الضرر أو إيقاع األلم‪ ،‬وقد أسماه الفقهاء‬
‫رمزي وليس‬
‫ّ‬ ‫السواك‪ ،‬وهذا يد ّل على أن ّه‬ ‫ّ‬
‫بالضرب بعود ّ‬ ‫وجعلوه له مثالً‬
‫فعليًّا‪ ،‬فهو أشبه بالعتب واإلشارة منه ّ‬
‫بالضرب‪.‬‬
‫‪ّ -3‬‬
‫الشواهد الكثيرة واآلثار العديدة عن الن ّبي ﷺ تتضافر في األمر بحسن معاملة‬
‫ال ّزوجة وإكرامها وعدم إهانتها والن ّهي ّ‬
‫الشديد عن ضربها‪ ،‬ولم يرد عن الن ّبي‬
‫ﷺ ّ‬
‫قط أن ّه ضرب زوجة من زوجاته أو سمح بذلك‪ ،‬بل واقع الحال هو‬
‫العكس تماماً‪ ،‬إذ كان المسلمون األوائل يشكون إلى رسول اهلل ﷺ تمرد‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)27-25 /5‬‬

‫‪93‬‬
‫نسائِهم عليهم أل ّن رسول اهلل ﷺ قد منع ضرب الن ّساء‪ ،‬ومن هذه ّ‬
‫الشواهد‪:‬‬
‫ضرب رسو ُل اهلل ﷺ‬
‫َ‬ ‫السيّدة عائشة قولها‪(( :‬مَا‬
‫‪ -‬ما أخرجه اإلمام مسلم عن ّ‬
‫ضرب بي ِد ِه شيئًا))(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫خادمًا لَه وال امرأةً وال‬
‫وف ف َ ِإ ْن َك ِر ْهتُ ُمو ُه َّن فَع ََسى أ َ ْن ت َ ْك َرهُوا‬
‫َاش ُرو ُه َّن بِال ْ َمع ُْر ِ‬‫‪ -‬قول اهلل ﷻ‪َ ﴿ :‬وع ِ‬
‫يرا﴾ [النّساء‪.]۱۹ :‬‬ ‫ج َع َل َّ‬
‫اهللُ فِي ِه َخيْ ًرا َكثِ ً‬ ‫َشيْئًا َويَ ْ‬
‫((استوصوا بالنِّسا ِء‬
‫ُ‬ ‫ير ُكم أل َ ْه ِل ِه))(‪ )2‬وقوله ﷺ‬
‫خير ُكم َخ ُ‬ ‫‪ -‬قول الن ّ ّ‬
‫بي ﷺ ‪ُ (( :‬‬
‫خيرا))(‪.)3‬‬
‫ً‬
‫بي ﷺ ‪(( :‬ال َ‬
‫ضر َر وال‬ ‫بأي أحد وفي ذلك قول الن ّ ّ‬
‫‪ -‬الن ّهي عن اإلضرار ّ‬
‫ِضرا َر))(‪ )4‬وال ّ‬
‫شك أن ّ‬
‫الضرب هو أحد صور اإلضرار‪.‬‬
‫وهجرهُ في بعض الحاالت‪ ،‬وأن تشكوه إلى‬
‫ُ‬ ‫للمرأة الح ّق في وعظ زوجها إذا نشز‪،‬‬
‫القاضي الَّذي ينوب عنها في تأديب ال ّزوج‪:‬‬
‫تأديب زوجِ ها إذا لم يعاملها زوجها بالمعروف‪،‬‬
‫َ‬ ‫من ح ِّق الزوجة أن تطلب من القاضي‬

‫فعلى القاضي أن يعظه‪ ،‬فإذا لم ينفع الوعظ حكم القاضي لل ّزوجة بالن َّفقة‪ ،‬وال ُ‬
‫يأمر له‬
‫بال ّطاعة وقتاً مناسباً؛ وذلك لتأديبه‪ ،‬وهو مقابل الهجر في المضاجع‪ ،‬فإذا لم يجد من‬
‫ال ّزوج استجابة حكم عليه َّ‬
‫بالضرب‪.‬‬
‫الشريعة اإلسالميّة أخضعت ُك ًّال من ال ّزوج وال ّزوجة لهذا التّأديب‪ ،‬إذا‬
‫وينبغي أن نعلم أ َّن ّ‬
‫فرقت بينهما في طريقة‬‫الشريعة َّ‬‫تح َّقق موجبه‪ ،‬ولم تخضع ال ّزوجة فقط له‪ ،‬غير أ َّن ّ‬
‫التَّنفيذ‪ ،‬ففي الوقت الَّذي م َّكنت ال َّزوج من تطبيق هذا التَّأديب على ال َّزوجة بشروطه‬
‫وقيوده‪ ،‬فقد م َّكنت القاضي ‪ -‬دون غيره ‪ -‬من تطبيق هذا التَّأديب وأش َّد منه على ال َّزوج‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪)2328‬‬


‫(‪)2‬صحيح الرتمذي (‪)3895‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5186‬ومسلم (‪ )1468‬ابختالف يسري‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ال ّدارقطين (‪ ،)77/3‬واحلاكم (‪.)2345‬‬

‫‪94‬‬
‫بشروطه وقيوده أيضاً‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫والخالصة‪:‬‬

‫· الن ُّ ُشوز هو معصيةُ المرأة لزوجها فيما يجب عليها؛ فهو مُوجِ ٌ‬
‫ب تأديبها‪ ،‬وهذا ال يعني‬
‫والرحمة بينهما أو إهانتها‪ ،‬وإن َّما هو بمثابة تقويم وإصالح لها‪.‬‬
‫سلب المودَّة َّ‬
‫اإلسالمي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الرجل أيضاً‪ ،‬ولقد تد َّرج التَّشريع‬
‫· الن ُّ ُشوز كما يكون في المرأة يكون في َّ‬
‫وأعطى لك ّل طرف طريقة في معالجته‪ ،‬كما ح َّدد اإلسالم هذه ال ّطرق العالجيّة‪ ،‬وضبطها‬
‫بضوابط مراعياً خصوصيات ك ّل منهما‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫ُّ‬
‫الشبهة ال َّسادسة‪ :‬شبهة عمل المرأة‬

‫مضمون ُّ‬
‫الشبهة‪:‬‬

‫ي َّد ِعي أدعياءُ تحري ِر المرأة أ َّن اإلسالم ّ‬


‫حرم العمل على المرأة‪ ،‬وجعلها حبيسةً بين أربعة‬
‫جدران‪ ،‬فهي بذلك مه َّمش ُة ال َّد ْو ِر مسلوبةُ اإلرادة‪ ،‬وفي ذلك هد ٌر لكرامتها‪ ،‬وش ّل‬
‫والفكري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والعملي‬
‫ّ‬ ‫العلمي‬
‫ّ‬ ‫لحركتها‪ ،‬وتعطي ٌل لطاقاتها ولنتاجها‬

‫ويتلخص إبطال هذه ُّ‬


‫الشبهة‪:‬‬

‫الراشدين‪ ،‬ونحن نأخذ ّ‬


‫الشريعة‬ ‫هدي سيدنا مح َّمد ﷺ وهدي خلفائه ّ‬
‫ُ‬ ‫خير الهدي‬
‫ُ‬
‫الرسالة وما بعده‬ ‫الرسول الكريم‪ ،‬والن َّ ُ‬
‫اظر في حياة المرأة في عهد ّ‬ ‫واألحكام من سلوك ّ‬
‫يرى يقيناً أنَّها لم تكن مسجونة وال معزولة وال مه َّمشة‪.‬‬

‫نماذج كثيرة دال َّةً على أ َّن المرأة أخذت دورها في شتى المجاالت العلميّة‬
‫َ‬ ‫بل يرى‬
‫والعمليّة والفكريّة واالجتماعيّة وغي ِر هذا‪ ،‬م ّما هو مشهور معروف من سيرته ﷺ وهدي‬
‫أصحابه‪.‬‬

‫الشرعيّة ّ‬
‫الضابطة‬ ‫الرجل والمرأة‪ ،‬وتُنسى القيود ّ‬
‫وهذا ال يعني أن تذوب الحدود بين َّ‬
‫لذلك‪ ،‬إن َّما ّ‬
‫الصواب في ذلك هو االشتراك في العمل والتّعاون على ما فيه مصلحة‬
‫الوطن واألمَّة‪ ،‬وخدمة المجتمع‪ ،‬وبما يتناسب مع طبيعة المرأة وفطرتها‪ ،‬وأن ال يشغلها‬
‫ذلك عن أعظم مهمة في الوجود‪ ،‬وهي تنشئة األجيال واالرتقاء باألخالق‪.‬‬

‫التَّفصيل فيما يتعلق بعمل المرأة في اإلسالم‪:‬‬

‫اإلسالمي‬
‫َّ‬ ‫بناءً على قاعدة‪" :‬األص ُل في اإلسالم المساواة بين ال َّذكر واألنثى" فإ َّن َّ‬
‫الشرع‬
‫البوطي رحمه اهلل تعالى‪( :‬إ َّن األعمال‬ ‫ّ‬ ‫يحرم عم َل المرأة‪ ،‬يقول اإلمام ّ‬
‫الشهيد‬ ‫ِّ‬ ‫ال‬

‫‪97‬‬
‫للرجال هي ذاتها الَّتي أباحها للن ّساء‪ ،‬واألعمال ّ‬
‫الشائنة‬ ‫المشروعة الَّتي أباحها اإلسالم ّ‬
‫الرجال هي ذاتها الَّتي حرمها على الن ّساء‪.‬‬ ‫الَّتي َّ‬
‫حرمها اهلل على ّ‬

‫الرجال بآداب سلوكيّة واجتماعيّة؛ فاقتضى ذلك أن تكون‬‫غير أ َّن اهلل ع َّز وج َّل ألزم ِّ‬
‫َ‬
‫أعمالهم الَّتي يمارسونها خاضعة لتلك ّ‬
‫الضوابط واآلداب‪ ،‬وألزم الن ِّساء أيضاً بآداب‬
‫أال يخرجن في أعماله َّن الَّتي يمارسنها على شيء من‬
‫سلوكيّة واجتماعيّة؛ فكان عليه َّن َّ‬

‫تلك األحكام واآلداب‪.‬‬

‫فإذا انتفى هذا المحذو ُر الَّذي هو محذو ٌر في ح ِّق ك ٍّل من َّ‬


‫الرجل والمرأة كما قد رأيت‪،‬‬
‫أي‬
‫تباشر َّ‬
‫َ‬ ‫أي وظيفة من الوظائف المشروعة بح ِّد ذاتها‪ ،‬كما أ َّن لها أن‬
‫فللمرأة أن تمارس َّ‬
‫عمل من األعمال المباحة في أصلها‪ ،‬سواءٌ كانت صناعة أو زراعة أو تجارة أو غير ذلك‪.‬‬

‫غير أ َّن األعمال الوظيفيّة والمهنيّة عندما تتزاحم بحكم المتطلَّبات األسريّة واالجتماعيّة‪،‬‬
‫َ‬
‫فال مناص عندئ ٍذ من ات ِّباع ما يقتضيه ُسلَّ ُم األولويات في تفضيل األه ِّم فما دونه‪ ،‬من‬
‫حيث رعايةُ َّ‬
‫الضروريَّات ث َّم الحاجيَّات ث َّم التَّحسينيَّات من مصالح المجتمع‪.‬‬

‫إ َّن المرأة المتز ِّوجة الَّتي أنجبت أطفاالً يالحقها المجتم ُع بطائفة من األعمال الكثيرة‬
‫الَّتي ال تقدر في األغلب على الن ُّهوض بها كلِّها‪ ،‬فهي مُال َح َقةٌ برعاية زوجها وتوفير‬
‫مق ِّومات إسعاده‪ ،‬وهي ُمال َحقةٌ في الوقت ذاته برعاية أطفالها وتربيتهم‪ ،‬كما أن َّها بحكم‬
‫العلمي الَّذي تتمتَّع به مدع َّوةٌ إلى أن تساهم في خدمة مجتمعها من‬
‫ّ‬ ‫ثقافتها واختصاصها‬
‫ٍ‬
‫نشاط‬ ‫ذات‬
‫َ‬ ‫خالل وظيفة تعليميّة في إحدى المدارس أو الجامعات‪ ،‬وقد تكون‬
‫اجتماعي‪ ،‬فهي مدع َّوةٌ بحكم مزيَّتها هذه إلى أن تبذل من نشاطها هذا ما تساهم به في‬
‫ّ‬
‫رعاية مجتمعها وح ِّل بعض مشكالته‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫إ َّن الوقت ال يُس ِع ُفها في الن ُّهوض بسائر هذه المهام والوظائف‪ ،‬وهي كلُّها جيدة ومفيدة‪،‬‬
‫منطقي سليم إال اللجوءَ إلى ما تقتضيه‬
‫ٌّ‬ ‫المصير إليه؟ ليس ث َّمةَ َح ٌّل‬
‫ُ‬ ‫فما الح ُّل الَّذي يجب‬
‫رعايةُ ُسلَّم األولويات‪.‬‬

‫سائر علماء االجتماع‪ :‬إ َّن نهوض ال ّزوجة األمِّ‬


‫ُ‬ ‫وسلَّ ُم األولويات يقول فيما َّ‬
‫قرره‬ ‫ُ‬
‫بمسؤوليَّة رعاية زوجها وتربية أوالدها‪ ،‬والعمل على تنشئتهم الن َّشأة ّ‬
‫الصالحة يرقى إلى‬
‫األساس األ َّو ُل‬
‫ُ‬ ‫الضروريات من مصالح المجتمع‪ ،‬ذلك أ َّن صالح األسرة هو‬
‫مستوى ّ‬
‫رياح الفوضى واإلهمال فإ َّن سائر‬
‫ُ‬ ‫لصالح المجتمع‪ ،‬فإذا فسدت األسرة وعصفت بها‬
‫األنشطة العلميّة والثّقافيّة وسائر القوى والم َّدخرات االقتصاديّة ال يمكن أن يح َّل مح َّل‬
‫سوي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األسرة في إقامة المجتمع على نهج‬

‫السبي ُل أمام المرأة للتقيُّد بمقتضى ُسلَّ ِم األولويات هذا‪ ،‬ولكي ال ترى َعن َتاً‬
‫يتيس َر َّ‬
‫ولكي َّ‬
‫في إلزام نفسها بذلك‪ ،‬فقد َك َفتْها ّ‬
‫الشريعةُ اإلسالميّةُ َم ُؤون َةَ الن َّفقة على نفسها وأوالدها‪،‬‬
‫ووف َّرت لها الجهد الَّذي كان ينبغي أن تبذله لذلك‪ ،‬عندما ألزم ال َّز َ‬
‫وج باإلنفاق عليها‬
‫وعلى أوالدها‪.‬‬

‫وليكن معلوماً أ َّن هذا الَّتيسير الَّذي ح َّققه َّ‬


‫الشار ُع أمام المرأة بين يدي ات ِّباعها لما يقتضيه‬

‫ُسلَّ ُم األولويات ال يعني أن َّه َّ‬


‫حرم عليها ممارسةَ الوظائف واألعمال األخرى خارج‬
‫المنزل‪ ،‬بل إ َّن باب الوظائف واألعمال المختلفة يظ ُّل مفتوحاً أمامها كما هو مفتوح أمام‬
‫الفكري‬
‫ُّ‬ ‫تنسيقي يخاطب به المنط ُق‬
‫ٌّ‬ ‫الرجل‪ ،‬ولكن ضرورة البدء باأله ِّم فما دونه واجب‬
‫َّ‬
‫السواء‪.‬‬ ‫واالجتماعي كالً من المرأة و َّ‬
‫الرجل على َّ‬ ‫ُّ‬

‫وعلى سبيل المثال‪ :‬فإ َّن ال َّزوجين إذا اقتنعا بأ َّن الوظائف البيتيَّةَ أق ُّل من أن تملك على‬
‫ال َّزوجة كام َل وقتِها فال مانع شرعاً من أن تنفق ف ُ ُ‬
‫ضو َل وقتها في ِّ‬
‫أي عمل صالح تؤدِّيه‬
‫والضوابط الَّتي يجب أن تلتزم بها‪،‬‬
‫َّ‬ ‫خارج المنزل‪ ،‬على أن تأخذ بعين االعتبار اآلداب‬

‫‪99‬‬
‫حتى إذا رأيا أ َّن عملها هذا يُ ِخ ُّل باأله ِّم من ضرورات رعاية األسرة وحمايتها من اآلفات‬
‫الَّتي تترب َّص بها كان عليهما أن يتخذا القرار المتَّ ِفق مع مبدأ تد ُّر ِج المصالح االجتماعيّة‪.‬‬

‫وانظر إلى المجتمعات الغربيّة اليوم‪ ،‬كم تندب ح َّظها التَّعيس في انهيار األسرة الغربيّة‪،‬‬
‫وفي تح ُّول المنازل الَّتي كانت يوماً ما َخاليا مُق َّدسة ألس ٍر متماسكة إلى فنادق صغيرة‬
‫الت التَّعاون والقربى‪ ،‬فلم يَ ُع ْد يجمعهم إال‬
‫ص ُ‬ ‫أشخاص تق َّط َع ْ‬
‫ت فيما بينهم ِ‬ ‫ٌ‬ ‫يأوي إليها‬
‫المبيت في هذه الملتقيات‪ ،‬ث َّم تساءل ما الَّذي جعل صالت القربى ‪ -‬وهي موجودة ‪-‬‬
‫ُ‬
‫تتق َّطع فيما بينهم؟‬

‫إ َّن الَّذي ق َّطع هذه ِّ‬


‫الصلة إن َّما هو استقالليَّةُ ك ٍّل من أعضاء األسرة الواحدة‪ ،‬فال َّزوجةُ األمُّ‬
‫وج األب ك ٌّل منهم مسؤول عن نفسه‪ ،‬ومن ث َ َّم فعلى ك ٍّل منهم أن‬
‫والبنت البالغة وال َّز ُ‬
‫ُ‬
‫يبحث عن معيشته الَّتي يحلم بها من خالل جهده ّ‬
‫الشخصي و َك ِّد يمينه‪.‬‬

‫السبيل‬ ‫نت المرأةَ آمنةً مطمئنةً في مملكة أنوثتها‪َّ ،‬‬


‫ويسرت لها َّ‬ ‫أما ِش ْرعةُ اإلسالم فقد َّ‬
‫حص ِ‬

‫األمث َل لتكون عضواً صالحاً في أسرة سعيدة صالحة َّ‬


‫تتفرغ لرعايتها وحمايتها من ك ِّل‬
‫سوء وآفة‪ ،‬وفتحت أمامها المجا َل في الوقت ذاته لتمارس ما تشاء من األنشطة‬
‫االجتماعيّة‪ ،‬وتنهض بما قد يناسبها من الوظائف واألعمال المفيدة‪ ،‬إشباعاً منها لهواي ٍة‬
‫أو رغب ٍة‪ ،‬ال انسياقاً ذليالً وراء ضرور ٍة ُملجِ ئَ ٍة) (‪.)1‬‬

‫وقد قدَّمنا نماذج كثيرة عن عمل المرأة ومشاركتها في جميع جوانب الحياة العامَّة‪ ،‬في‬
‫بناء األ َّمة والوطن‪ ،‬وخدمة المجتمع في فصل مشاركة المرأة في الحياة العا َّمة في عهد‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬فليرجع إليها ففيها من الوقائع ما يك ِّذ ُ‬
‫ب دعوى تحريم عمل المرأة‪.‬‬ ‫َّ‬

‫‪ - 1‬املرأة بني طغيان النظام الغريب ولطائف التشريع الرابين‪ ،‬د‪ .‬حممد سعيد رمضان البوطي‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫ُّ‬
‫الشبهة ال َّسابعة‪ :‬مهر المرأة وصداقها‬

‫مضمون ُّ‬
‫الشبهة‪:‬‬

‫امتهان المرأ ِة و ُظلْ ِمها‪ ،‬زاعمين‬


‫ِ‬ ‫بعض ال ُمتو ِّهمين أ َّن المهر في اإلسالم من مظاهر‬
‫ُ‬ ‫ي َّد ِعي‬
‫أن َّه ثم ٌن لشرائها واقتنائها‪ ،‬وكأن َّها َمتا ٌع يُباع ويشترى‪.‬‬

‫وجوه إبطال ُّ‬


‫الشبهة‪:‬‬

‫هذه شبهة تناولها أعداءُ اإلسالم وأعداءُ األ ّمة‪ ،‬يريدون من خاللها تشوي َه اإلسالم‬
‫الراقية‪ ،‬ويرو ُمو َن من وراء ذلك ال َّطع َن في أحكام األسرة في‬
‫الحقيقي وتعاليمه ّ‬
‫ّ‬
‫اإلسالم وموقفه من المرأة‪.‬‬

‫ص ُدقَاتِ ِه َّن‬
‫ّث عن المهر بأعظم صف ٍة‪ ،‬فقال تعالى‪َ ﴿ :‬وآتُوا الن ِّ َساءَ َ‬
‫إ َّن القرآن الكريم يتحد ُ‬

‫حلَةً﴾ [النساء‪ ،)1( ]4 :‬و( َّ‬


‫الصدَاق) هو المهر‪ ،‬و(نِحلة) أي‪ :‬هديّة؛ أي‪ :‬يجب أن تُعطى‬ ‫نِ ْ‬
‫مهرها عند زواجها وهو ح ٌّق لها‪.‬‬
‫المرأة َ‬

‫والحكمةُ من وجوبه إظها ُر َخ َط ِر هذا العقد ومكانته‪ ،‬وإعزا ُز المرأة وإكرا ُمها‪ ،‬وهو دليل‬
‫بالمال الَّذي ك َّد‬
‫ِ‬ ‫على أ َّن للمرأة مكانةً عاليةً عند َّ‬
‫الرجل تستح ُّق أن يضحي من أجلها‬

‫والمهر كذلك دلي ٌل على َّ‬


‫الرغبة في بناء حياة‬ ‫ُ‬ ‫واجتهد في َج ْمعه وتحصيله والحفاظ عليه‪،‬‬
‫زوجيّة كريمة مع ال َّزوجة‪ ،‬وإبداءٌ لحسن النيَّة على قصد معاشرتها بالمعروف‪ ،‬وفيه‬
‫تمكي ٌن للمرأة من التَّهيؤ لل ّزواج‪ ،‬ومساعدةٌ لها في التَّجهيز واالستعداد للتَّعاون في تأثيث‬
‫بيت ال َّزوجية‪ ،‬وإعداد مالبسها وما تحتاج إليه‪ ،‬تط ُّوعاً منها وليس فرضاً عليها‪.‬‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬التفسري العصري اجلامع (‪.)172 /4‬‬

‫‪101‬‬
‫والصداق؛ أي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫إيجاب وقبو ٌل وشهادة ّ‬
‫الشهود واإلشهار‬ ‫ٌ‬ ‫ّواج في اإلسالم إن َّما هو‪:‬‬
‫والز ُ‬
‫المهر فيها إال بعد‬
‫ُ‬ ‫بأي شي ٍء يعبّر عن هذه الهديّة‪ ،‬فال َّزواج ُعالقة سامية ال يرتبط‬
‫المهر‪ّ ،‬‬
‫الرضا واالتفاق بين ال ّطرفين على العشرة بالمعروف واالرتباط والمودَّة والتّفاهم‪.‬‬
‫ِّ‬

‫ص َداقاً)) (‪ ،)1‬فأعظ ُم مه ٍر هو األق ّل؛‬


‫أيسر ُه َّن َ‬
‫َ‬ ‫بي ﷺ‪(( :‬إ َّن من أ َ ْع َظ ِم الن ّسا ِء بركةً‬
‫وقال الن ّ ّ‬
‫أل ّن اإلسالم ال يث ِّم ُن المرأةَ بالمهر وإنّما ّ‬
‫يكرمها‪ ،‬فأه ِّميَّةُ المهر في رمزيَّته وليس في‬
‫السيِّدةَ فاطمةَ رضي اهلل عنها _ وهي خير النِّساء _ كان َ ْ‬
‫ت أق َّل النِّساء‬ ‫قيمته‪ ،‬بدليل أ َّن َّ‬
‫وتعبير‬
‫ٌ‬ ‫يكرم‪ ،‬وهذه الهديّة هي تكري ٌم‬ ‫ق بين أن يث ّمن وأن ّ‬ ‫مهراً على اإلطالق‪ ،‬وهناك فار ٌ‬
‫عن المودّة؛ قال تعالى‪َ ﴿ :‬و ِم ْن آيَاتِ ِه أ َ ْن َخلَ َق ل َ ُك ْم ِم ْن أَن ْ ُف ِس ُك ْم أ َ ْز َوا ًجا لِت َْس ُكنُوا إِلَيْ َها‬
‫[الروم‪.]21 :‬‬
‫ن﴾ ُّ‬ ‫ك َآليَ ٍ‬
‫ات ل ِ َق ْو ٍم يَتَ َف َّك ُرو َ‬ ‫َو َج َع َل بَيْن َ ُك ْم مَ َودَّةً َو َر ْح َمةً إِ َّن فِي ذَل ِ َ‬

‫المهر ليس ثمناً للمرأة‪ ،‬وال يقترب مفهومُهُ في اإلسالم ‪ -‬مطلقاً ‪ -‬من فكرة ِّ‬
‫الشراء أو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬
‫التَّملُّك‪ ،‬فاإلسالم جعل المهر ح ّقاً للمرأة هديَّ ًة محضةً‪ ،‬وألزم ال َّز َ‬
‫وج بالوفاء به‪ ،‬بينما‬
‫العرب في الجاهلية يَ َر ْون المهر ثمناً للمرأة عند زواجها‪ ،‬وكان من ح ِّق األب ال‬
‫ُ‬ ‫كانت‬
‫االبنة‪.‬‬

‫ئ َّ‬
‫بالضرورة‬ ‫ولو كان المهر ثمناً لل َّزوجة لجاز لل َّزوج أن يبيع زوجته؛ أل َّن ح َّق البيع ناش ٌ‬
‫عن الملك؛ وهذا ليس في اإلسالم وال من تعاليمه‪ ،‬بل هو شيءٌ ُوجِ َد في بعض الثَّقافات‬
‫األخرى كالهند القديمة‪ ،‬وفي بريطانيا كان هناك قانو ٌن شائع حتى نهاية القرن العاشر‬
‫بمرض ُعضال؛ بل إ َّن‬
‫ٍ‬ ‫يعطي ال َّزوج ح َّق بيع زوجته وإعارتها‪ ،‬بل وق َتْ ِلها إذا أصيبَ ْ‬
‫ت‬
‫للرجل أن يبيع زوجته‪ ،‬وقد ُح ِّددَ ثم ُن‬
‫اإلنجليزي حتى عام ‪1805‬م كان يُبِيح َّ‬
‫َّ‬ ‫القانون‬
‫ال ّزوج ِة بستَّة بِن ْسات‪.‬‬

‫‪ - 1‬رواه البيهقي يف السنن الكربى برقم (‪.)14356‬‬

‫‪102‬‬
‫أي‬
‫وج َّ‬
‫المهر ال يمنح ال َّز َ‬
‫ُ‬ ‫هذا إذن هو ق َ َد ُر المرأة في هذه الثّقافات‪ ،‬أمَّا في اإلسالم ف‬
‫ح ٍّق من حقوق التَّملُّك لزوجته‪ ،‬وال يمكن أن يعتقد عاق ٌل أ َّن اإلسالم وضعه ثمناً‬

‫للمرأة وشرطاً لتملُّكها؛ إن َّما هو تكريم وحماية للمرأة وإعزاز لها وعناية بها‪ ،‬وتقديس‬
‫للحياة ال ّزوجيّة‪ ،‬وحماية لكيان األسرة‪ ،‬وحماية الستقرار المجتمع‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫وختاماً‪:‬‬

‫شك أ َّن قضايا المرأة وحقوقها ودورها في المجتمع غدت من القضايا المركزيّة‬
‫ال َّ‬

‫الَّتي تحدد هويّة ِّ‬


‫أي مجتمع وتوجهاته‪ ،‬وينبني عليها الكثير من الن ّتائج في مجال‬
‫والسياسيّة واالقتصاديّة لك ّل بلد من البلدان‪ ،‬يضاف إلى‬
‫ِّ‬ ‫األسرة والحياة االجتماعيّة‬
‫ذلك التّقاطع والتّشابك الكبير لمثل هذه القضايا مع التّشريعات ال ّدينيّة واألوامر‬
‫اإللهيّة‪ ،‬وقد كان عنوان كتابنا هذا (المرأة بين ظلم الغرب وعدالة الدّين) ممثِّالً‬
‫البراقة األ ّخاذة الَّتي‬ ‫للتَّحدي الكبير الَّذي تعيشه نساء عصرنا ومجتمعاتنا بين ّ‬
‫الصورة َّ‬
‫يُص ّور عليها وضع المرأة في الغرب‪ ،‬وما يحاول البعض إلصاقه باإلسالم من تهم‬
‫تمت له‬
‫ُّ‬ ‫ٍ‬
‫عادات جاهليّة وتقاليد مجتمعيّة ال‬ ‫ِ‬
‫أغالل‬ ‫الغل ّو والتّطرف أو ربطه به من‬
‫بصلة‪.‬‬

‫ولع َّل القارئ أن يجد في هذا الكتاب تجلية للحقائق وسوقاً لألدلة من الن ّصوص‬
‫واألحداث في زمن النّبوة ما يزيح عن ناظريه غشاوة التّضليل والتَّزييف‪ ،‬ويريه ال َّدور‬
‫والسنّة النّبويّة‪ ،‬وهي تعيش حالة‬
‫ّ‬ ‫والرائد للمرأة كما ص َّورها القرآن الكريم‬
‫ّ‬ ‫الكبير‬
‫الرجل وتكامل في األدوار ال حالة صراع وتنازع كما يريدها الغرب‪.‬‬
‫انسجام مع َّ‬

‫ويلخص ك ّل ذلك ما أسميناه في الكتاب القاعدة القرآنيّة الذهبيّة للعالقة بين َّ‬
‫الرجل‬
‫والمرأة وتوازن الحقوق بينهما‪ ،‬وهي قوله تعالى ﴿وله َّن مث ُل الَّذي عَلَي ِه َّن‬
‫بِالمع ُْر ْوف﴾ [البقرة‪]228 :‬‬

‫‪104‬‬
‫الفهرس‬

‫مقدمة‪2 ................................................................................. :‬‬

‫تمهيد‪4 ................................................................................. :‬‬

‫حال المرأة لدى األمم القديمة والحضارات والتشريعات المختلفة السابقة على‬

‫اإلسالم‪4 ............................................................................... :‬‬

‫المرأة في عصر الفراعنة‪4 ........................................................... :‬‬

‫المرأة في بالد الرافدين‪( :‬الحضارة السومرية والبابلية واآلشورية)‪5 ................ :‬‬

‫الصينيين القدماء‪6 ....................................................... :‬‬


‫المرأة عند ِّ‬

‫المرأة عند الهنود‪7 .................................................................. :‬‬

‫المرأة عند اإلغريق (اليونانيين)‪7 ....................................................:‬‬

‫المرأة عند الرومان‪10 ...............................................................:‬‬

‫المرأة عند الفرس‪11 ................................................................:‬‬

‫المرأة عند اليهود‪12 ................................................................ :‬‬

‫المرأة في القارة األوروبية‪14 ....................................................... :‬‬

‫المرأة عند العرب في الجاهلية قبل اإلسالم‪166 .......................................:‬‬

‫المرأة في اإلسالم‪17 ...................................................................:‬‬

‫‪105‬‬
‫قضية المرأة في الوقت الحاضر‪20 ..................................................:‬‬

‫من هي المرأة المقصودة في نصوص اإلسالم‪21 .......................................:‬‬

‫ما هي األسباب الَّتي قلبت الحقائق حول مكانة المرأة في اإلسالم‪26 ..................:‬‬

‫أهم الن ّقاط اإلشكاليّة في قضيَّة المرأة‪27 ............................................... :‬‬

‫أوالً‪ :‬القرآن الكريم يتحدَّث عن المرأة‪27 .......................................... :‬‬

‫ثانياً‪ :‬المرأة ودورها في األسرة‪36 .................................................. :‬‬

‫الرجل والمرأة والقاعدة القرآنيَّة ال َّذهبيَّة‪42 ............... :‬‬


‫ثالثاً‪ :‬حقيقة المساواة بين َّ‬

‫رابعاً‪ :‬العدالة بين َّ‬


‫الرجل والمرأة كما بيَّنها اإلسالم‪1 ................................ :‬‬

‫خامساً‪ :‬شبهات وردود مختلفة وفيها‪58 .................................................‬‬

‫ّ‬
‫الشبهة األولى‪ :‬المرأة مهضومة الحقوق‪58 ......................................... :‬‬

‫الشبهة الثّانية‪ :‬شبهة امتهان اإلسالم لعقلية المرأة باعتبار شهادتها تعدل نصف شهادة‬
‫ّ‬

‫الرجل ‪61 ............................................................................‬‬


‫َّ‬

‫الشبهة الثّالثة‪ :‬ميراث المرأة‪71 .......................................................‬‬


‫ّ‬

‫الرابعة‪ :‬مشاركة المرأة في الحياة العا َّمة ‪79 ...................................‬‬ ‫ّ‬


‫الشبهة ّ‬

‫ّ‬
‫الشبهة الخامسة‪ :‬قضية العنف ضد المرأة ومنها ضرب المرأة‪87 ................... .‬‬

‫السادسة‪ :‬شبهة عمل المرأة ‪96 ...............................................‬‬ ‫ّ‬


‫الشبهة ّ‬

‫السابعة‪ :‬مهر المرأة وصداقها‪100 ............................................‬‬ ‫ّ‬


‫الشبهة ّ‬

‫الفهرس‪104 ............................................................................‬‬

‫‪106‬‬

You might also like