Professional Documents
Culture Documents
المنهجية - آمنة بلعلى
المنهجية - آمنة بلعلى
1
اإليداع القانوني 2011 - 1143 :
ردمك 978 - 9947 – 30 – 091 - 6 :
دار
Email: edition_elamel@hotmail.com
www.editionelamel.com
2
إهداء
3
ـ ـ ـ ـ ـ محتوى الكتاب ـ ـ ـ ـ ـ
5
168 التهميش..........................................
كيفية التهميش.............................. ..............................................
174
187 التحقيق............................... .........................................................
199 توثيق املراجع..................... ..........................................................
205 الخاتمة................................ ..........................................................
209 قائمة املراجع............................................................................
215 امللحق :قانون الدراسات العليا...................................................
6
بسم هللا الرحمن الرحيم
جيدا؟ ّ
تتنزل هذه العبارة ضمن القاعدة التداولية كيف تكون باحثا ّ
التي يستدعي القول من خاللها الفعل ،أو ما يعرف باألفعال املقصودة بالقول
actes illocutoiresوهذه الجملة االستفهامية التي ارتأيت أن أبدأ بها الكتاب،
كان يمكن أن تصاغ أمرا مثل قولنا :كن باحثا جيدا ،أو تقريرا مثل :الباحث
الجيد أو تكوين الباحث الجيد ،وجميع هذه الصيغ ،تعكس الجانب العملي
الذي يصحب قراءة هذا الكتاب ،أي أنها توص ي بفعل ّ
يحقق هدفا ساميا
للبحث العلمي؛ كما أن كلمة "جيدا" على الرغم من أنها تعكس تعبي را قيميا ،هو
ما يمكن للطالب القي ام به لكي يبحث بطريقة أفضل ،فإننا كذلك نقرأ من
ورائها الفشل الذي يعاني منه الطالب في بالدنا ،حين ال يدرك حقيقة القواعد
العملية التي تجعل منه باحثا جيدا؛ ذلك أن اعتبار منهجية البحث العلمي
مجرد قواعد نظرية تحفظ فقط ،هو رأي قاصر ال يوصل إلى نتيجة.
ال يعني هذا أن الذي يقرأ الكتاب سيصبح باحثا جيدا ،ألن ّ
التعرف على
القواعد ال بد أن تصحبه املمارسة ،وألن":ال ش ئ إال الفعل يستطيع أن ّ
يحل
املشكلة العملية ،فاألفعال تحدث فقط في عالم الواقع وليس في عالم الكتب". 1
أسئلة كثيرة تطرح ،وستظل تطرح في مجال البحث العلمي ،حاولت في
هذا الكتاب اإلجابة عن أهمها ،من خالل شرح القواعد املنهجية العلمية التي
ّ
ينبغي أن تتوفر في البحث العلمي ،في مجال اللغة واألدب.
- 1مورتيمر آدلر ،وتشارز فان دورن ،كيف تقرأ كتابا ،ترجمة ،طالل الحمصي ،ط ،1الدار العربية
للعلوم ،بيروت 1995 ،ص .218
7
ّ
وغني عن البيان أن مصطلح املنهجية ،في قولنا منهجية البحث
العلمي ،مصدر صناعي مشتق من منهج؛ واملراد من منهجية البحث ،كون
ّ
البحث ب حالة يلزم الرجوع بها إلى املنهج ،وملا كان هذا األمر غير كاف في اللغة
واألدب نظرا ألن كلمة منه ترتبط في أذهان البعض بالطريق الذي يسلكه
ّ
اإلنسان لفعل ش يء ما ،أردفنا كلمة البحث بالعلم ،لنؤكد أن البحث في اللغة ال
يتوسل باملنهج فقط ،ولكن بالعلم أيضا ،فيصبح ال بحث عمال بالعلم" ،بناء ّ
على أنه ال عمل بدون علم ،وأن العلم قد يكون بغير عمل .2ورغبة في تجديد
صالت اللغة واألدب بصفتهما أقرب املوضوعات إلى اإلنسان ،باملنطق العلمي.
ومادام املنطق يعد آلة للمعارف جميعا ،يمكننا ،إذن ،االستفادة منه للوصول
إلى الحقائق التي نطلبها في البحث.
مادة منهجية البحث العلمي في اللغة واألدب، إنها خالصة تجربة تدريس ّ
ّ ّ
وتتلخص في مجموع القواعد صغتها باالعتماد على أهم ما توفر لي من مراجع،
ّ
والشروط الواجب على الطالب االلت زام بها وتحقيقها عمليا..
تعثر مستمر في بحوث الطلبة ،كان من بين ّ ّ
الدوافع إن ما الحظته من
قدمته من دروس في املنهجية ،كي أؤكد أن هذه التي جعلتني أعيد صياغة ما ّ
ّ ّ
القواعد يجب أن تمارس باستمرار منذ دخول الطالب إلى الجامعة ،فيتعلم
كيف يستمع إلى األستاذ وكيف يقرأ ،ويفهم ما يقرأ ،وكيف يجيب عن السؤال،
يقوي لديه ا لقدرة على الفهم والتفكير واالستعمالويكتب مقالة ،األمر الذي ّ
ّ
فكثيرا ما نالحظ ّأن إخفاق الطالب في االمتحان
ً املنظم للمعلومات التي يأخذها.
- 2طه ،،بدهد الرامههانه فقه ،ال ل ه ة -ال ل ه ة والترجمههة ،1 ،ط ،1ال مركه الققههافي العربهي ،الههدار
الديضاء /بيروت ،1995 ،ص.173
8
ناتج عن عدم قدرتهم على فهم السؤال ،وتوظيف ما يأخذونه بانتقاء ما
ّ ً
وغالبا ما يثار في مناقشات الرسائل الجامعية تعثر يستجيب ملحتوى السؤال.
الطالب في املنهجية ،وتبقى األخطاء نفسها ّ ّ
تتكرر ،في وقت نرى فيه الجامعات
علما ً
قائما بذاته ومجاال خصصت لها ً خاصا باملنهجية ،إذ ّ
اهتماما ً
ً العاملية تولى
ً
واسعا لتطبيقه؛ وقد كان ضرور ًيا أن أقوم بهذه املبادرة انطالقا من هذه
ّ
املعاناة ،علني أسهم ،ولو بشكل متواضع في إ يصال القواعد العملية الصالحة
للتطبيق متغاضية عن بعض القواعد النظرية كبعض التعريفات املوجودة في
كتب املنهجية؛ ألن هدفي هو النتائج العملية ،أي كيف يقرأ الطالب كتابا وكيف
يحرر بحثه؟ ذلك أن ّ
مجرد املعرفة النظرية يختار موضوعا ويضع خطة ،وكيف ّ
لقواعد كتابة البحث أمر غير كاف.
لقد ّاتبعت أسلوبا بسيطا في العرض انطالقا من تجربتي في البحث،
ومالحظتي الخلل الذي يعاني منه الطالب الباحث عندما يباشر ممارسة
البحث ،وأعتقد أن العنوان نفسه "أسئلة املنهجية العلمية في اللغة واألدب"
سيكون حافزا لالطالع عليه ،ليس فقط من الباحثين امل بتدئين ،ولكن ،من
جيدين أيضا ،لسبب بسيط ،هو أننا الذين يعتقدون أنهم أصبحوا باحثين ّ
بحاجة دائما ملا يؤكد اعتقاداتنا ،ونستثني في هذا الذين ال يقرؤون والذين ال
يعتبرون القراءة أمرا يستحق القيام به ،ويسيئون فهم رغباتهم وهواجسهم
العلمية؛ ألنهم يعتقدون أنهم فوق ّ
كل التوجيهات.
قد ال تكون قراءة هذا الكتاب أو غيره من الكتب التي تنحو نحوه ،أمرا
ملزما ما دمنا ال زلنا نعتبر منهجية البحث ّ
مجرد قواعد نظرية يحفظها الطالب،
ويسأل عنها يوم االمتحان؛ صحيح أنه بحصول الطالب على معلومات نظرية
9
ّ ّ
يكون قد تعلم شيئا ،ولكن ممارسة عملية التذكر فقط ،تكسب املعلومات وال
ّ
تغير السلوكات ،وهذا يعني أننا نفكر بدرجة أقل وبفعالية ضعيفة ،وإذا نسينا
ّ ّ
ما تعلمناه نكون كمن لم يتعلم البتة.
إن تحقيق املستوى العملي هو ما نسعى إليه من خالل هذا الكتاب،
ولعل السؤال النموذجي الذي ال بد أن يسأله الطالب بعد قراءة هذا الكتاب،
ّ ّ
هو :ما الش يء الذي تعلمته من هذا الكتاب؟ وهل سأظل أعمل به حتى أتمثله،
ّ
فأحققه في الواقع من خالل بحث يوصف بأنه علمي وأكاديمي؟
ال ّأدعي أنني أحطت بكل ما يمكن أن يقال في منهجية البحث ،فهناك
مواطن وأسئلة غامضة فيها ،مازالت تحتاج إلى إيضاح ،وأعترف أنني لم أول
عناية كبيرة لكثير من النقاط ،ومنها الجانب التطبيقي ،خشية أن تعلق بعض
األمثلة في أذهان الطلبة فينسجون على منوالها ،فأكون كمن ّ
يكرس عادات
واعتقادات ّتتخذ معيارا للمنهجية املثلى ،في حين أن ما أبديه هو مجرد وجهات
ّ ّ
تخص منهجية ال بحث العلمي في اللغة واألدب ،تعلمتها من بعض نظر في مسائل
أساتذتي واستوعبتها عن طريق التجربة واملمارسة.
وبناء على ذلك ،جعلت مدار هذا الكتاب على أربعة فصولّ ،
خصصت
الفصل األول لقوانين ما قبل البحث ؛ وهي مسائل في املفاهيم كمفهوم البحث
وأنواعه ،ومفهوم املنهج ومفهوم التفكير ا لعلمي وكيفية القراءةّ ،
فضلت
توضيحها ،ليس من أجل إعادة ما قيل فيها ،وهو كثير ،ولكن من أجل تجديد
ّ
املتجددة فهمنا لها باعتبارها قضايا أصبحت من البديهيات ،وكيف أن الحاجة
ّ
تخلصنا من االعتقادات والعادات التي ّ
تثبت إلى مراجعة املفاهيم ،يمكن أن
العقل عند لحظة واحدة.
10
ّ
وتعرضت فيه إلى وتفرد الفصل الثاني باملستوى اإلشكالي للبحث، ّ
اإلجابة عن أسئلة ّ
مهمة منها :كيفية اختيار املوضوع اإلشكالي وتحويل املعطيات
املألوفة إلى موضوعات إشكالية ،وكيفية صياغة أسئلة وفرضيات تستجيب
للهدف من البحث واختيار املنهج؟ ثم كيف يختبر الباحث اختياره موضوع
بحثه و يصوغ خطة تعكس املوضوع اإلشكالي املختار؟
وتميز الفصل الثالث ،وهو املستوى العملي للبحث ،بتوضيح طرقّ
البحث عن املعلومة في البحوث املكتبية وامليدانية على السواء ،وتقنيات جمعها
تقصيها في امليدان ،وطريقة إعدادها من أجل تحرير والتعامل معها ،وكيفية ّ
البحث.
أما الفصل الرابع ،وهو املستوى الحجاجي والتقني للبحث ،فيشتغل
باإلجابة عن كيفبة تحيين الكفاءة الحجاجية للباحث أثناء عملية تحرير
البحث ،وهي مقتض ى تداولي صرف ،هدفه إقناع القارئ بواسطة التحليل
واالستدالل والحجاج ما دام ّ
يقدم له معرفة ،قد تدفعه إلى تغيير اعتقاد أو رأي
سلم بصحته ،ولقد ّ ّ
تعمدت إرداف الجانب التقني باملستوى الحجاجي كان قد
لدفع الدعوى القائلة :إن تقنيات البحث كالتهميش وبناء الفقرة وعالمات
الكتابة ،ليست سوى قضايا شكلية ،مع األخذ بعين االعتبار ما تعنيه كلمة
تلقونها؛ ذلك أن تقنيات البحث كفاءة ال ّ
تقل شكلية عند القائلين بها وعند من ي ّ
12
الفصل األول
قوانين ما قبل البحث
- 3حامد حفني داود :املنهج العلمي في البحث األدبي ،ص .17
- 4ثريا عبد الفتاح ملحس :منهج البحوث العلمية للطالب الجامعيين ،دار الكتاب اللبناني ،مكتبة
املدرسة ،ط ، 1983 ، 3ص .43
13
التخصص واملنهج املعتمد ،أو تبعا للفترة الزمنية ،أو بما يقتضيه القصد ّ
والهدف املرجو.
ّ
إن هذه االعتبارات هي بمثابة املقاييس التي تحدد تسمية البحث فنقول
عن موضوع إنه ميداني حين يلجأ الباحث فيه إلى استقاء املعلومات من ّ
عينة
معينة تكون هي محل الدراسة من أجل تحليل الظواهر املختلفة، مجتمعية ّ
مثلما هو الشأن في بعض موضوعات األدب الشعبي أو املوضوعات اللغوية التي
ّ
تعالج بعض الظواهر اللسانية مثل :اللسانيات االجتماعية أو التعليميات
وغيرها.
واستنادا إلى القصد من البحث ،نسمي بحثا نظريا ،حين يدور موضوعه
تطورها ورصد حول تحليل مفهوم أو نظرية معينة للتعريف بها أو الوقوف عند ّ
ّ
عالقتها بظواهر أخرى وتأثي راتها ،وفي هذا النوع من البحوث ،ال يشكل تطبيق
هذا املفهوم أو النظرية اهتماما أساسيا بالنسبة للباحث ،بمعنى أنه ال يستثمر
املفهوم أو النظرية في دراسة ظاهرة معينة ،ويغلب على هذا النوع من البحوث
تتبع الظاهرة تاريخيا من حيث النشأة وتفسيرها والتعريف بها ,ويركز فيه
الباحث على جمع املعلومات ووصفها وتحلي لها ومقارنتها وتأويلها.
يوجه قصد الباحث إلى استغالل ونطلق تسمية البحث التطبيقي عندما ّ
معينة وتحويلها إلى آليات لتحليل إشكالية ما ،أو وصف نص أو مفاهيم نظرية ّ
ظاهرة و تحليلها ،وقد ّتتخذ طابعا نفعيا ،خاصة في بعض البحوث في العلوم
اإلنسانية ،كعلم االجتماع وعلم النفس والبحوث التربوية ،حيث يمكن
استثمار نتائج البحث لتغيير واقع اجتماعي أو تربوي ما ،أو املساعدة على إيجاد
حل ملشكل في املجتمع ,غير أن التفريق الصارم بين النوعين من البحث ال
يستقيم؛ ألن االختالف املطلق بينهما غير وارد.
14
كما قد ينظر إلى نوع البحث من خالل امل نهج املطبق ،سواء كان قائما
على جمع املعلومات من الوثائق املكتبية أو من امليدان ،فنقول :بحث مقارن أو
سيميائي أو أسوبي أو تقابلي أو وصفي أو تحليلي أو تاريخي أو تداولي وغيره؛
تخصص صاحبه ،مثلما يمكن القول إنه ّ وقد يسمى البحث بحسب ميدان
ّ
التخصصات إذا سعى الباحث إلى تحليل اإلشكالية واإلجابة عنها بحث ّ
متعدد
باللجوء إلى عالقات تقاطع الظاهرة املدروسة مع غيرها من الظواهر
االجتماعية أو الثقافية أو النفسية أو التاريخية والسياسية ،وقد يتجاوز
البحث كل هذا إلى مجال أعمق ،فيأخذ بعين االعتبار األبعاد املعرفية ويدرج في
إطار ابستمولوجي أشمل.
توضح ،هو تسمية مرتبطة ،سواء بطبيعة الظاهرة إن نوع البحث كما ّ
أو موقع استقاء املعلومة أو بالفترة و مجال الدراسة أو املنهج ّ
املطبق أو غير
مطوال عند طبيعة هذا البحث أو ذاك ،وإثارة الجدل ذلك؛ ولذا ،فإن الوقوف ّ
بخصوص تسميته ليس إال مضيعة للوقت ،غير أن هذا ال يكون ّ
مبررا لعدم
قدرة الباحث أو القارئ على تصنيف بحث ما.
15
- IIشروط الباحث العلمية:
يتعين على الباحثهي مجموعة من الضوابط األخالقية والعلمية التي ّ
االلت زام بها قبل البحث ،وتستمر معه إلى نهايته ،ودون العمل بها ،يقع الباحث
تجرد بح ثه من صفة العلمية ،ومن هذه الصفات ما يكون لها دور في أخطاء ّ
الدافع إلى االنخراط في ميدان البحث العلمي ،كالرغبة فيه ،والصبر على
ّ
الصعوبات التي تعترضه .ومنها ما يتعلق بنشاط البحث ذاته ،وهي عناصر
أساسية للقيام ببحث علمي يضيف جديدا إلى املعرفة اإلنسانية .ولقد أفاض
من كت بوا في املنهجية في الحديث عن هذه الشروط مثل :ثريا ملحس وعلي جواد
الطاهر؛ ارتأيت التذكير ببعضها ،وإضافة ما رأيته ضروريا.
- 1عنصر االجتهاد والقدرة على االبتكار والعرض املنطقي :ونعني بذلك
أن تكون للباحث القدرة التي تعينه على اإلتيان بجديد ،فيضيف إلى ما وصل
إل يه الباحثون اآلخرون ،حتى ال يكون عمله معاودة ،ويختلف اإلتيان بالجديد
كل واحد إثبات وجوده بالوصول إلى ما من باحث إلى آخر ،حيث يتطلب من ّ
يميزه ،ويجعله ناجحا ومتفوقا ,فالباحث الذي ال يلمس في بحثه جديدا ،ال يعد ّ
باحثا باملعنى الدقيق للكلمة ,فشأنه في ذلك شأن املقلد الجامع الناقل .غير أن
عنصر اإلبداع واالبتكار هذا -والذي يعني الوصول إلى أفكار ونظريات جديدة -ال
يخص إال الباحثين في مستوى رسائل الدكتوراه ،أما مذكرات املاجستير كما
ّ
يحددها قانون الدراسات العليا ،فيكتفي فيها الباحث بتعلم تطبيق املنهج الذي
تعد عمليات كالوصف والتحليل واملقارنة والفهم واالستنتاج من ضرورياته.ّ
- 2الفهم الدقيق للنصوص وإمعان النظر في اآلراء :إن الباحث الذي
يتذوق النصوص ،يكون قد ّمهد الطريق لدقة الفهم ،و الذي يخطئ فهم نص ّ
ّ ما ،يكون ّ
معرضا بسبب سوء الفهم هذا لتقديم أحكام وآراء ليست في محلها ،و
يج ّره ذلك إلى الوقوع في املتناقضات؛ أما الفهم الجيد للنصوص ،فيمنح
16
الباحث -إلى جانب اكتسابه معلومات جديدة -القدرة على التحليل واالستنتاج،
واإلجابة على أي إشكال يعترضه ،فيتجاوز املسلمات ،وال ينقض رأيا إال بدليل
يتريث في الحكم على ما يورده الباحثون من آراء ،دون يخطئه أو ينفيه به ،كما ّ
تأثر بشهرة من ينقل عنهم وال بأسبقيتهم الزمنية.
- 3مبدأ الشك :على الباحث –إلى جانب دقته في فهم الظواهر
والنصوص ،أن يستخدم مبدأ الشك في النصوص التي يقرأها ،وال يهوله في ذلك
شهرة صاحب النص أو جالل مصدره الذي أخذ منه ،إال بحجة مقنعة،
ّ
فال شك يذهب االعتقاد ويزيح ما علق به من غموض ،حتى وإن كان متعلقا
ّ
بمسلمة تبدو للباحث أنها ال تستحق البحث ،ألن "عمل الفكر يستثار بواسطة
ّ
إثارة الشك ويتوقف عندما يحصل على االعتقاد.5
- 4معرفة اللغات األجنبية :أن يكون الباحث عارفا بإحدى اللغات األجنبية
وتأتي حاجة الباحث إلى ذلك ،ليس فقط ،لإلطالع على ما كتبه املستشرقون
والعلماء الذين تناولوا الت راث العربي اإلسالمي ،بل لحاجة البحث امللحة في عصرنا
الحالي إلى املناهج والنظريات الحديثة في املجاالت املختلفة.
- 5القدرة على اإلقناع :تكاد تشمل هذه الخاصية كل الشروط التي يجب
ّ
أن تتوفر في الباحث؛ ألن البحث عالقة يقيمها الباحث مع اآلخر من جهتين:
األولى ،تلك التي يقيمها مع الذين يقرأ عنهم ويستلهم منهم املعلومات ،فال يقف
موقف اآلخذ فحسب ،بل يحاورهم ويتواصل معهم باالعت راض على أفكارهم
وإبداء الرأي في أقوالهم والتحفظ عليهم؛ والثانية :تلك التي يقيمها مع من يكتب
لهم ،ويوصل إليهم نتائجه أو طريقته في التعامل مع اآلخرين ،فيثبت جدارته،
- 5مشهد سعدي العالف ،بناء املف اهيم بين العلم واملنطق ،مقدمة في فلسفة العلم ،ط ، 1دار عمار،
عمان /دار الجيل ،بيروت ، 1991 ،ص ،135
17
يتحدث إلى نفسه إالّ ألن اإلنسان في حقيقة األمر ال يكتب لنفسه مثلما ال
عندما يخالفها.
إن إقامة العالقة بمن نقرأ لهم ال تكون ملجرد الشك فحسب ،بل
الفت راض طريقة أخرى في تحليل موقف أو التعامل مع ظاهرة أو اعت راض على
ّ
مفهوم معين؛ ولذلك يجب أن تكون للباحث كفاءات مختلفة تمكنه من تحيين
قدراته اللغوية واملعرفية واملنطقية والتواصلية وتفعيلها (نتحدث عنها عند
فتتلخص في إعمال كافة ّ قراءة النصوص) ،وأما عالقته بمن يكتب إليهم
تحقق الوظائف األساليب من أجل إقناعهم بنتائجه وطريقته التي يجب أن ّ
اآلتية:
ّ
-الوظيفة اإلخبارية :وتتمثل في إيصال معرفة ومعلومات حول ظاهرة
يفترض أن القارئ يجهلها ،أو يريد االست زادة في تحصيل معلومات أخرى متعلقة
بها.
-الوظيفة التواصلية :وذلك بأن يجعل الباح ث التواصل بينه وبين
القارئ مستمرا ال ينقطع ،فغياب هذه الوظيفة ،هو ما يجعلنا أحيانا ،نتخلى
عن قراءة كتاب واضح األفكار ،بدأنا ّ
للتو قراءته ،لنبدأ قراءة آخر إلى نهايته،
حتى وإن نظفر إال بفهم القليل منه؛ ذلك أن صاحب الكتاب الثاني يمتلك من
الوسائل ما يجعل التواصل مستمرا مع قرائه.
يحقق الباحث وظيفتي اإلخبار والتواصل، - 6التأدب األقص ى :كثي را ما ّ
غير أن عنصر التأثير يكون مفقودا ،لغياب الجانب األخالقي للباحث ،من آداب
املخاطبة ،فنقرأ حماسا مبالغا فيه أو دعوة إيديولوجية ،أو ّ
تجنيا على اآلخرين
واستخفافا بهم ،فالتخلق بأخالق الباحثين ضرورة علمية قبل أن يكون سلوكا
اجتماعيا؛ ألن موقف الباحث في بحثه يشبه موقف العالم في علمه ،وهو يختلف
كل االختالف عن األديب املبدع ،أو املصلح املرشد أو الداعي إلى عقيدة ّ
معينة،
18
الذي قد تجرفه الذاتية فيهيم باللغة وفي اللغة باستعمال العبارات الجازمة
الدالة على الغرور واالعتداد بالنفس؛ في حين أن قضايا الفكر كلها وجهات نظر،
قابلة للجدل واألخذ والرد.
على الباحث أن يتحلى بفضائل يقاس عليها ويحاسب بها ،وقد سبق
للعرب واملسلمين أن اهتموا بها وأكدوا عليها مثلما جاء عند الغزالي واملاوردي
وغيرهما ممن أكدوا على آداب املخاطبة وعلى شروط أخذ العلم ،حيث قال
ّ ّ
الرسول عليه السالم :تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والوقار وتواضعوا
ّ
ملن تتعلمون منه" وحذر اإلمام مالك بن أنس 6من أن يؤخذ الحديث من أربعة
معينة فقال:ال تتوفر فيهم شروط ّ
- 1ال يؤخذ الحديث من سفيه.
- 2وال يؤخذ من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه.
ّ
- 3وال من كذاب يكذب في أحاديث الناس.
يحدث به. - 4وال من شيخ له فضل وصالح وعبادة إذا كان ال يعرف ما ّ
عما دعا إليه علماء الغرب من الحياد الفكري وهي صفات ،ال تختلف ّ
التجرد التام من األهواء ،واألمانة العلمية ،وامل ثابرة على العمل املستمر، و ّ
والتحلي بالتواضع واالحت رام ،وعدم مهاجمة أي عالم مهما ارتكب من أخطاء،
وضرورة تحمل املسؤولية .وهو ما لخصته ثريا ملحس عن ريدر ،من كتابه كيف
نكتب رسالة ،بما يلي:
-أال يبدي الباحث آراءه الشخصية دون أن يعززها بآراء لها قيمتها.
متخصص -حقيقة ّ -أال يعتبر الباحث أي رأي -وإن كان صادرا من عالم
راهنة ال تقبل املناقشة.
- 6ثريا عبد الفتاح :منهج البحوث العلمية للطالب الجامعيين ،ص .55
19
-أال يعتبر الباحث رأيا من اآلراء حقيقة راهنة؛ ألنه صدر عن األكثرية أو
عن لجنة أو عن جماعة.
-أال يعتبر الباحث القياس أو املشابهة حقيقة ال تقبل املناقشة.
-أال يعتبر الباحث السكوت عن بعض النتائج حقيقة راهنة.
-أال يحذف أي دليل أو حجة أو نظرية ال ّتتفق ورأيه ومذهبه.
-أال يعتمد الباحث على الروايات أو االقتباسات أو التواريخ غير
الواضحة أو غير الدقيقة.
-أال يخطئ الباحث في شرح بعض املدلوالت7.
- IIIمفهوم املنهج:
معي نة ألمة ما باملتطورة إال بمقدار ما ّ
يقدم فيها من ال توسم مرحلة ّ
بحوث علمية ،وال يمكن أن يكتسب البحث صفة العلمية إال إذا قام على منهج
يسهل سير البحث ،ويؤدي إلى االبتكار ويقود الفكر؛ ومنهجية البحث ليست ّ
قيادة للفكر فحسب ،بل أيضا "وقبل كل ش يء قيادة أخالقية؛ ألن روح العلم
روح أخالقية".8
ورد في لسان العرب أن النهج هو "الطريق ّ
البين الواضح ،ونهج املرء
منهاجا أي أنه سلك طريقا واضحا)) 9واملعروف أن كلمة منهج مأخوذة من
- 7ثريا عبد الفتاح ملحس ،منهجية البحث العلمي للطالب الجامعيين ،ص . 57نقال عن أسد رستم،
مصطلح التاريخ ،ص .101/100
- 8محمد مندور ،من مقدمة كتاب النسون وماييه منهج البحث في اللغة واألدب ط ، 2دار العلم للماليين
بيروت 1982ص.12
- 9ابن منظور ،لسان العرب ،جـ ، 2د .ط ،بيروت ،دار الطباعة والنشر ، 1955 ،ص .383
20
الكلمة الالتينية " " "Méthodusوكان يقصد بها البحث والنظر" 10في مسائل
الفلسفة وامليتاقيزيقا.
ّأما مفهوم هذه الكلمة اصطالحا فهو يعني" :الطريق املؤدي إلى الكشف
عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير
وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة" .11والنتيجة املعلومة ّ العقل،
املقصودة ال تعني بالضرورة الحقيقة الثابتة ،وإنما هي فكرة أو مجموعة من
يتوصل إليها الباحث بواسطة آليات منظمة تجعل العقل ّ
يتقبلها، ّ األفكار
عرفه عبد الرحمان بدوي بأنه "فن التنظيم استنادا إلى تلك اآلليات؛ ذلك ما ّ
الصحيح لسلسلة من األفكار العديدة ،إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين
تكون بها جاهلين ،وأما من أجل البرهنة علميا لآلخرين حين تكون بها عارفين ".12
فهو بهذا املعنى ،ليس أكثر من عملية تنظيم وتبويب وتقسيم ملجموعة
من األفكار واآلراء في صورة منظمة تشتمل على مقدمات ونتائج ،وهذا مستوى
بسيط من تعريف املنهج العلمي ،أما املستوى األكثر تطورا ،فهو تحيين
مجموعة من املفاهيم املستمدة من نظرية أو علم معين ،واتخاذها إجراءات
لتحليل ظاهرة ما من أجل ّ
حل إشكالية.
لقد مارس اإلنسان بما وهبه هللا من قدرات عقلية املنهج بالطريقة التي
يقتضيها العقل ،فوجد اإلنسان البدائي نفسه أمام ظواهر طبيعية ّ
معقدة
أحس بقصوره أمام قوة الطبيعة ّ صعب عليه الوقوف عند كنهها ،ومن ثم
ّ
الهائلة ،فبدأ يفكر في طريقة تمكنه من السيطرة عليها وإخضاعها إلرادته،
- 10عبد الرحمان بدوي ،مناهج البحث العلم ــي ،ط ،3وكال ــة املطبوعــات ،الكويت ، 1977 ،ص .3
- 11أحمد بدر ،أصول البحث العلمـ ــي ومناهجـ ــه ،ط ، 5وكالة املطبوعات ،الكويت ، 1979 ،ص .5
- 12عمار بوحوش :دليل الباحث في املنهجية وكتابه الرسائل الجامعية ،املؤسسة الوطنية للكتاب1985 ،
الجزائر ،ص .19
21
يتوصل إلى وسيلة تساعده على ّ ّ ّ
التكيف بالتفكير في أسباب تلك الظواهر ،عله
وفق ظروفها؛ غير أن تفكيره لم يكن تفكي را علميا نتيجة لعدم قدرته على إدراك
العالقات التي تربط األشياء فيما بي نها ،ولقلة خبرته ،وعدم استناده إلى قواعد
معلومة أو قوانين مقررة سلفا.
مدنية إنسانية عريقة ،وتشهد ّ وكان املصريون القدامى أصحاب
خلفوها بذلك ،وقد كان اتجاه التفكير لديهم ّ ّ
متصال األهرامات واآلثار التي
باآللهة ،كالتفكير في قضية الخلود واملوت والحساب ،ومن ثم ،كان للكهنة نفوذ
كبير .وعلى الرغم من براعتهم في التخطيط والهندسة والطب والفلك ،إال أن
ّ
ذلك كان ملجرد تحقيق غايات نفعية ال غير ،فاخترعوا املساحات ،مثال،لتمكنهم
من استعادة الحدود الصحيحة بعد الفيضانات السنوية للنيل ولذلك " لم
يتركوا لنا قوانين علمية تفسر الظواهر املختلفة ،فلم ينظموا معلوماتهم
تنظيما منهجيا سليما" .13بخالف اليونان الذين أحرزوا تقدما عظيما ،في مبادئ
املجرد ،وكانت كل دراسة تحتاجالبحث ،واعتمدوا على التأمل والنظر العقلي ّ
إلى تجربة في نظرهم ،ولعل تمييز أفالطون بين الفالسفة والعمال ووضعه
الفالسفة في جمهوريته مكان القيادة يعكس ذلك التفكير.
ّ
اطلع اإلغريق على جهود املصريين في ميدان املعرفة من فلك وهندسة
وطب ،واعتمدوا عليها في تفكيرهم املنهجي ،ولعل أول منهج وضع للبحث العلمي
هو منهج أرسطو الذي سماه املنطق ،بحيث وضع له قواعد تنظيمية تسير وفق
سلمنا فيه بمقدمات ّ ّ قانون منطقي قياس يّ ،
معينة وعرفه بأنه االستدالل الذي إذا
لزم عنها بالضرورة حكما آخر غير تلك املقدمات.
- 13محمد حسن عبد الباسط ،أصول البحث االجتماعي ط ، 4مكتبة األنجلو مصرية ،القاهرة،1978 ،
ص .45
22
وافتقدت أوروبا لفترة من الزمن املعارف وطرق البحث بعد انهيار
اإلمب راطورية الرومانية ،وكان العرب في هذه الفترة املظلمة من تاريخ الغرب ،هم
حملة مشعل العلم والبحث العلمي إلى أوروبا ،والفضل في ذلك عاد إلى النص
وثور العقول بمنهجه الرباني الشامل ،فقد وردت كلمة القرآني الذي بهر القلوب ّ
منهاج في القرآن الكريم؛ حيث جاء في قوله تعالى{ :لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}
"واملنهاج هنا يعني الطريق ّ
املحدد الواضح ملعرفة دين هللا" 14وفقه العلم من خالله.
ّ
وبعد اتصال العرب بغيرهم من األمم ،واطالعهم على حضاراتها املختلفة
من يونانية وفارسية ،كان طبيعيا أن يفيدوا من هذه الحضارات واملناهج السابقة
عليهم ،واتبعوا في إنتاجهم العلمي أساليب مبتكرة في البحث فاعتمدوا على
االستقراء واملالحظة والتدريب العلمي للوصول إلى النتائج العلمية ،فنبغ في
العلوم الخوارزمي وابن الهيثم ،والرازي وابن سينا وغيرهم .كما " تنبه العرب إلى
أن القياس األرسطي قياس رياض ي ،فهو يبدأ من العام الكلي ويطلبه في املفردات
الجزئية ،ورأوا أن هذا القياس ال يصح إال في الرياضيات ،أما في العلوم الطبيعية
واإلنسانية فاالنتقال يكون عكسيا ،أي من املفردات إلى الكلي العام " .15وذلك
حتى يكون القياس سديدا ،إلى جانب إحداثهم مناهج تعنى بمباحث علم األصول
التي تتناول الكتاب والسنة واإلجماع ،وتضع باملثل مناهج للنحو واللغة والدين،
فكل حديث نبوي ال ّبد أن يشفع بسند ،ويدرس رجال السند بالتفصيل ،وتناقش
تجلى ذلك ً ّ
أيضا في الرواية مناقشة واسعة ،عن طريق الجرح والتعديل ،كما
ّ
األدب ،حيث نجد كل مؤلف يحاول أن يوثق الرواية عن طريق اإلسناد ،مثل
كتب األخبار املختلفة.
- 14حسن الساعاتي ،تصميم البحوث االجتماعية ،د .ت ،دار النهضة العربية ،بيروت ، 1982 ،ص .27
- 15شوقي ضيف ،البحث األدبي ،طبيعته ،مناهج أصوله ،مصادره ،د .ت ،دار املعارف ،القاهرة،1972 ،
ص .80
23
فال غرو إذن ،أن يخرج العرب عن حدود املنطق األرسطي ومنهجه
القياس ي ،إلى حدود اصطناع مناهج مختلفة تكون متماشية مع الظواهر
ّ
املدروسة وتابعة ملقاصدهم من البحث والغرض التداولي الشامل منه ،فخلفوا
متعددة ّ
ضمنوها في دراساتهم التطبيقية ولم يفردوا لها كتبا نظرية ملطالب مناهج ّ
تداولية ثقافية أيضا.
كان إطالع األوربيين في بداية عصر النهضة على الت راث العربي نقطة
االنطالق في الحضارة األوربية التي ازدهرت بعد ذلك فأخذوا ّ
يتحررون تدريجيا
من سلطان الكنيسة ،التي كانت تراقب كل حركة أو تفكير علمي ،ومن مظاهر
ذلك التحرر أنهم:
- 1وضعوا آراء أرسطو موضع النقد.
- 2طالبوا بتحكيم العقل في كل املسائل.
- 3طالبوا بالنظرة املوضوعية في جميع األمور.
- 4نادوا باستخدام املالحظة والتجربة للوصول إلى الحقائق.16
إال أنهم -رغم هذه املطالب -ظلوا متأرجحين بين أساليب القياس
واالستقراء ،ومن أجل هذا يعتبر هذا العصر بمثابة مرحلة انتقالية في تاريخ
التفكير العلمي بأوروبا .وقد اكتملت صورة ذلك التفكير في أوروبا إبان العصور
الحديثة.
اكتملت في هذه املرحلة دعائم التفكير العلمي على يد مجموعة من
الباحثين ،وظهرت ألول مرة في تاريخ التفكير العلمي لفظة منهج ،وأول من تطرق
لهذا ،الفيلسوف اإلنجليزي " "Baconوالفرنس ي " "Descartesالذي أكد أنه خير
لإلنسان أن يترك التماس الحقيقة إذا كان يفعل ذلك دون منهج.
- 16يراجع محمد حسن ،عبد الباسط ،أصول البحث االجتماعي ،ص ،49
24
أما األول فتتلخص آراؤه في:
- 1ضرورة تخليص العلم من شوائبه الالهوتية.
- 2ضرورة مالءمة النتائج العلمية للواقع والحركية االجتماعية.
- 3إخضاع العلم للمالحظة و التجربة.
وبذلك وضع منهجه في العلوم التجريبية الذي سمي "باملنهج التجريبي".
وأما ديكارت فقد هاجم املنهج األرسطي ،ألنه يفترض في مقدماته أقيسة
ّ
الحسية يقينية ال يرقى إليها الشك ،كما هاجم بيكون؛ ألنه اعتمد على املشاهدة
الستنباط القوانين ،ووضع منهجه الجديد ،في حين اعتمد هو على الب راهين
الرياضية.17
كما رأوا ّأن لكل علم طبيعته ،ومن الصعب أن يوضع لكل العلوم قوانين
عامة مطلقة على نحو ما حاول أرسطو قديما في منطقه ،وفي ذلك الوقت كانت
العلوم اإلنسانية تطمح إلى أن تكون مادة علمية كغيرها ،وبدأت تطرح قضية
إمكانية اعتماد املناهج ا لعلمية في العلوم اإلنسانية أثناء البحث والدراسة،
ومحاولة تنزيلها من زلة العلم بحصر مناهجها وتطويرها ،حتى طال النظر فيما
كان يعتقد أنه فن مثل األدب.
في مقال له سنة 1901أكد النسون على وجود فرق بين التاريخ واألدب،
"فموضوع التاريخ هو املاض ي ،ماض لم تبق منه إال أمارات أو أنقاض بواسطتها
ولكنه ماض باق يعاد بعثه ،وموضوعنا نحن أيضا هو املاض ي(يقصد األدب) ّ
فاألدب من املاض ي ومن الحاضر معا" 18وأكد أن موضوعات التاريخ موجودة
كوثائق محفوظة أو أوامر ملكية أو حسابات مبان في حالة ّ
تحجر ،ميتة باردة ال
تمت إلى الحياة بصلة ،وليس هو األمر بالنسبة لألدب والفن؛ فهو حي دائما
- 1محمد سليمان ياقوت ،منهج البحث اللغوي ،ط ، 1دار املعرفة الجامعية الكويت ،ص.95
28
خلفية له ،وليس من املمكن القيام بالتفكير دون بعض أو جميع هذه
العمليات 22؛ لذلك تبدو وظائف ونتائج التفكير العلمي على اإلنسان كثيرة
ومتنوعة بتنوع وأثر هذه العمليات املتداخلة.
إن الوظائف التي يمنحنا إياها التفكير العلمي كثيرة ومن بينها أنه:
الفعال من األفكار غير الواضحة. -يمنحنا إمكانية التخلص السريع و ّ
-يكسبنا القدرة على صياغة الفرضيات انطالقا من الوقائع التي نالحظها
من خالل ما نقرأ أو نالحظ من ظواهر.
-يجعل مفاهيمنا وأفكارنا واضحة كما ذهب إلى ذلك الفيلسوف شارل
سندرس بورس ،Peirce ،حيث إن غموض املفاهيم ليس له عالقة بصفة
غامضة من صفات الش يء" ،بل هو في الحقيقة ناش ئ من أننا نعتبر اإلحساس
الناتج عن غموض تفكيرنا صفة للش يء الذي نفكر به؛ أي أن الغموض هنا ش ئ
ذاتي محض ،ويرى بورس أن هذا النوع من الخداع يكون أول عقبة في طريق
التفكير الواضح".23
يجنبنا سوء استعمال اللغة ،وهو نوع آخر من الخداع الذي يؤدي إلى ّ -
غموض التفكير ويوقعنا في اعتقاد اختالفات وهمية ،كالفرق بين تركيب نحوي
لعبارتين على أنه فرق بين فكرتين ،أو أن مجرد اختالف أسلوب وطريقة التعبير
عن االعتقادات يجعل منها مختلفة حقا.24
ّ
-يخلصنا التفكير العلمي إذن من أسباب الغموض في تمييز املعاني
ويؤسس للشك باعتباره شرطا من شروط البحث ،مقابل ّ واملفاهيم،
- 22هادي نعمان الهيتي ،ثقافة األطفال ،سلسلة عالم املعرفة ،املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب،
الكويت ، 1988ص .92
- 23مشهد سعدي العالف ،بناء املفاهيم بين العلم واملنطق ،ص .132
- 24املرجع نفسه ،ص .135
29
ّ ّ
االعتقادات املثبتة في هيئة مسلمات ،أو ما يبدو للباحث أنها بديهيات ،فيتوقف
عن البحث فيها وقد يجادل من أجل أن يثبت أنها من البديهيات بنفس قوة
االعتقاد بها.
إن ال تفكير العلمي حين ينظر إليه باعتباره سلوكا بالنسبة لإلنسان،
يصبح مطلبا تربويا ضروريا في ثقافة الشعوب وحتى في سياساتهم ،فيسهم في
مواجهة املواقف واملشكالت التي تصاحب عمليات التواصل الثقافي ،ويجدد
آليات البحث العلمي التي تضمن للثقافة تميزها وخصوصيتها .ومن دالئل
التفكير العلمي للباحث الجيد ،وأولى آليات البحث العلمي وقواعده ،عملية
القراءة التي يمكن أن نقول :إنها تستغرق كافة اآلليات التي يمارسها الباحث وما
الباحث الجيد في نهاية األمر إال قارئ جيد.
- 26يراجع طه عبد الرحمان ،في أصول الحوار وتجديد علم الكالم ،ط ، 2املركز الثقافي العربي الدار
البيضاء -بيروت ، 2000 ،ص .43- 42
34
ّ
ال بد من اإلشارة إلى أن األفكار والجمل التي تمكن القارئ من إنتاج
معرفة ليست تلك التي تستهويه أو تؤثر فيه ،بل تلك التي يقف لحظة ملساءلتها
ويجهده فهمها دافعا ّإياه لطرح أسئلة مثل :ملاذا؟ كيف؟ أو ماذا يريد أن يقول
لي الكاتب؟ وما هي حجته ،وإذا لم أقتنع فما هي حجتي؟ ففي هذا املستوى فقط
ويقدم نصا واصفا metatexteللنص يمكن للقارئ الباحث أن ينتج معرفة ّ
الذي قرأه.
ّ
قد يقول قائل إن القارئ في هذا املستوى ،يجب أن تتوفر لديه آليات
التفكير العلمي التي سبق أن أشرنا إليها ،وهنا ،قد يبدو األمر صحيحا بالنسبة
املتمرس ،أما الباحث املبتدئ ،فيكفي أن يعرف ّأن كل نص أو فكرة ّ للباحث
قابلة ألن تناقش وتحتاج إلى اعت راض حتى تنشأ عنده القدرة على االعت راض
مهما كانت املعرفة التي تنتج عن ذلك ،والعقل البشري ال يسبق االعت راض على
الفهم ،فإذا ما استطاع القارئ أن يفهم أفكار الكاتب ورؤيته ،ال بد أن تنتج
لديه ردود أفعال سوف لن تكون املتعة أو التسلية؛ ألن األمر ال يتعلق بكتب
التسلية؛ ولكن تكون بإعطاء أجوبة عن األسئلة التي أوردناها حتى وإن كان
ّ
األمر متعلقا بقبول آراء الكاتب؛ فالبحث عن أسباب القبول ذاتها يولد حتما
االعت راض حتى وإن بدا في شكل تعليق بسيط عن فكرة شائعة بقوله هذا
معروف أو بديهي.
نالحظ أن القراءة التحليلية االستكشافية التي تقوم على فهم أفكار
الكاتب من خالل :فهم كلماته وجمله وفقراته ومحاولة إنتاج معرفة ،ستؤدي
حتما إلى استنبا ط حكم على صاحب الكتاب ،ومهما كانت طبيعة وصف هذا
الحكم ،كأن نقول :مثال ،إنه أصاب أو أخطأ أو أتى بجديد أو لم يفعل ش ئ أو
ّ
فشل في اإلجابة عن أسئلة طرحها ،فكلها تمكن القارئ بالضرورة من إيجاد
ّ
الحلول ملا لم يتمكن منه الكاتب أو تقويم طريقته في العرض فيقول مثال :لو
35
ّ
كانت بشكل مغاير لوصلت إلى نتائج مغايرة ،وفي هذا املستوى يكون قد تعلم
ّ
أشياء عديدة وتعله مستعدا ملستوى أعلى من القراءة وهي القراءة النقدية التي
السجالية بين القارئ وصاحب النص نقدا ونقضا تنش ئ نوعا من العالقات ّ
دفاعا أو غلبة ،تجسيدا ملبدأ املغايرة واالختالف الذي ليس عداء أو تعديا.
- 4القراءة النقدية :في هذا املستوى ،يكون القارئ في نفس مرتبة الكاتب،
ويكون نقد القارئ عبارة عن ردود أفعال على فكرة فهمها بطريقة ّ
معينة في بداية
ضحت لديه بعد قراءة الحقة ،وقد يجد الكتاب ليجد نفسه أساء فهمها أو ّات ّ
ّ
القارئ في نهاية ا لكتاب نفسه قد تراجع على كثير من اعت راضاته ،وتأكدت لديه
ومتقبال بعض عروض ّ أخرى أكثر من غيرها ،وفي هذه الحالة يجد نفسه ّ
مؤيدا
الكاتب أو معارضا بعضها اآلخر بإثبات أدلة معينة ،وفي كلتا الحالتين ،سوف
تصبح أفكار كاتب ما أو نصوصه ،إما وسائل للتدليل على آراء يتفق فيها مع هذا
الكاتب ويختلف فيها مع آخرين ،وفي هذه الحالة تصبح حججا لدحض أفكار أخرى
ومناقشتها - ،وهذا في حالة رفض عروض الكاتب وأفكاره – أو تصبح موضوعا
للنقد وللتدليل بها على صحة بعض األفكار أو خطئها (ومقياس الخطأ والصواب
هنا نسبي ،ألنه ال وجود لحقيقة ثابتة في العلوم اإلنسانية) وهنا تتحول القراءة إلى
تفاعل وحوار قد يصل حد املناظرة التي تقوم على "التعارض والتحاج "27فيمارس
آليات من "سبل تشقيق الكالم ...وتوليد النص ،هذه اآلفاق التي ينتقل فيها الغير
من أقوال لغيره يوردها على لسانه هو ،ليستنتج منها أقواال أخرى ينس بها لنفسه"28
فيحدث التفاعل اإليجابي بين القارئ والكاتب؛ إن هذا التحاور ال تتحقق إيجابيته
إال بتساوي حق القارئ مع حق الكاتب في تكوين النص وإنشاء معرفة ،ال بد للقارئ
أن ّ
يتحول بها إلى كاتب جيد أثناء عملية التحرير.
37
- 3هل هدفي من النقد هو أن أخالف الكاتب ،أم أن هناك ،فعال ،ما
يستدعي النقد واملخالفة؟ وهل أضيف شيئا إلى ما قاله الكاتب ؟
- 4هل أملك األدلة الكافية لنقد الكتاب واآلليات الكافية لتوظيفها؟
ّ
إن اإلجابة عن هذه األسئلة ،سوف تمكن الباحث من محاورة الكتاب
بقوانين حللها طه عبد الرحمان في حديثة عن القوانين التبليغية والتهذيبة
لخصناها في الحديث عن مرحلة قراءة املادة ،بالكفاءة للخطاب ،والتي ّ
التخاطبية ،مثلما سنرى في حديثنا عن قراءة النصوص.
38
الفصل الثاني
املستوى اإلشكالي للبحث
املعطيات :لقد كان النص القرآني وما يزال ،هو الحدث األكبر في اإلسالم،
وال نظن أنه يوجد في الحضارة اإلسالمية من النصوص ما استقطب االهتمام
كالذي ناله النص القرآني؛ فلقد كان في العصر اإلسالمي األول موضع تأثير ّ
يشد
اآلذان ويبهر القلوب ،وبغياب الرسول ،عليه الصالة والسالم ،اختلف علماء
اإلسالم في استكناه معانيه وتأويلها .ففي حين انطلق علماء اإلعجاز من اعتباره
نسقا لغويا ،بيان إعجازه في بالغته ،نظر إليه املتصوفة باعتباره نسقا رمزيا،
43
باطنه أولى من ظاهره ،وتجاوز أمره إلى العامة التي أضفت عليه طابعا تقديسيا،
جعل منه تعويذة تكرر أو حرزا يتداوى به ،يبطل السحر ويبعد األذى عن
الصغار والكبار ،وانتقل الحفظ في الصدور إلى الحفظ على الصدور في تميمة
ّ
تعلق على صدر طفل أو توضع تحت وسادة مريض.وملا ازدهرت الحضارة
اإلسالمية ،وظف النص القرآني على املنابر واملحاريب ،وفي واجهات القصور
وعد موضوعا جماليا ّ
يجسد في رسم وتزينت به النساء في هيئة عقدّ ،واملدائنّ ،
على ورق أو ينحت في الصخور والخشب ،وصبغ بالذهب وزين بالجواهر والدرر،
حمال معان.ولم يخرج النص القرآني عن كونه قوال ّ
إن نزول القرآن بلسان عربي ،جعل اللغة العربية تخلد به وتالزمه ،حتى
أن الثقافة العامل ية ،جعلت للفن الذي يوظف فيه الخط العربي اسم
"األرابيسك" ،نسبة إلى العربية ،وبقدر ما كان املسلمون يبتعدون عن القرآن
قراءة وتالوة وذكرا ،كان يقترب هو منهم من خالل إطار ّ
يزينون به منازلهم ،أو
ّ
حلي تتحلى بها نساؤهم ،أو مجلد في رفوف مكتباتهم.
-السؤال :من هذه املعطيات ،صغ إشكالية بحث في ضوء االتجاهات
ّ
وتصورا لخطة بحث أولية؟ السيميائية املدروسة وضع عنوانا
-اإلجابة:
حبي والطالب حسين إجابة مركبة مما جاء في إجابة الطالبة حكيمة ّ
خالفي:
القرآن كتاب هللا املعجز ،يحمل بداخله ما ال يستطيع بشر أن يأتي
بمثله ،ولقد تناوله الدارسون من مختلف النواحي وبمناهج مختلفة .وانطالقا
من النص الذي بين أيدينا تبلورت لدينا عدة أسئلة ارتبطت بمختلف الدالالت
التي حمل بها النص القرآني ،وبمختلف التأويالت التي ارتبطت به.
44
لعل أول سؤال يطرح هو :ما طبيعة العالقة املوجودة بين النص القرآني
باعتباره كالما واستعماالته املختلفة في الثقافة اإلسالمية؟ كيف حدث هذا
التحول وكيف حدث الخرق؛ أي االنتقال من كونه خطابا دينيا مقدسا ،هدفه ّ
تقويم حياة البشر إلى توظيفه في مجاالت أخرى من الحياة ،اكتسب من خاللها
معاني أخرى ودالالت جديدة ؟ ما داللة استعماله كتعويذات وارتباطه بطالسم
في السحر والشعوذة؟ ما داللة كل هذه العالمات واألنساق التي أنتجتها الثقافة
الشعبية؟ ملاذا نحتت آيات القرآن في املباني واملساجد وكتبت بماء الذهب
وزينت بالجواهر والدرر؟ هل أن قداسة القرآن هي التي ر ّسخت النص القرآني
في أذهان العامة أم هي طبيعة تحول األنساق واألنظمة الداللية في
املجتمعات؟ ،ما مقدار تواجد القرآن في املجتمع وبالخصوص آية الكرس ي؟
لقد ثبت أن القرآن هو نظام من العالمات ،حاول العلماء وصفها
ّ
وتحليلها ورصد تحولها في مجاالت الحياة املختلفة ،وكيفية ممارستها في شكل
طقوس مختلفة ،فما داللة هذه العالمات ،وبشكل أدق كيف انتقلت داللة
القرآن من كونه نظاما لغويا إلى نظام غير لغوي؟ هل هذه النقلة من االهتمام
بالقرآن الكريم من قراءته ومعرفة معانيه إلى تجسيده كتابة وخطا ومعتقدا،
تعبر عن استنفاذ ملعاني النص ودالالته ،وبالتالي االنتقال إلى تجسيده وجعله
جزء ا من املحيط والثقافة؟ أم هو مجرد تعميم وإحاطة بالثقافة الدينية؟
إن هذه األسئلة يمكن أن نصوغ منها إشكالية البحث ،وندرسها في ضوء
املنهج السيميائي ،ولعل أهم اتجاه يساعدنا في اإلجابة على هذه األسئلة هو
اتجاه سيميولوجيا الداللة والثقافة ،حيث يمكننا تبني االتجاهين من رصد
كيفيات استعمال النص القرآني في املجتمع وفي الثقافة اإلسالمية ،ومن خالل
ممارساته الطقوسية له من طرف العامة ،ثم داللة كل ذلك.
45
ال بد في هذا املجال أن نعود إلى داللة رسم اآليات القرآنية في املساجد
والبنايات وتاريخ التوظيف وأسبابه ،وذلك باالعتماد على مفهوم املوسوعة
ألمبرتو إيكو ،مثال ،وكيف تساهم في فهم وتأويل األنظمة والعالمات ،كما يمكن
االستفادة من سيميولوجيا الصورة البصرية بالنظر إلى النص القرآني كفعل
فني يصوغ جمالية الخط العربي وتنوعه بتنوع األقطار ،فنجد الخط املغربي
والفارس ي والكوفي والرقعي وغيرها من الخطوط التي تحيل على تميز خاص
داخل إطار ثقافي عام مبرزة التنوع الجمالي ،بمزاوجة هذا الفن بفن العمران
وهو نسق دال مختلف ،كل هذا يمكننا تناوله في إطار نظرية العالمة عند ش.
س .بورس ،الذي نجد في نظريته مجاال معرفيا خصبا يمكن اعتماده في دراسة
النص باعتباره نسقا عالميا له ممثالته وموضوعاته ومؤوالته املختلفة،
وباعتباره رموزا لحضارة ومؤشرات على تحوالت ثقافية وإيقونات ملجتمع،
وعليه ،يمكن أن يصاغ البحث في عنوان" النص القرآني من القراءة إلى
الصورة -دراسة سيميو ثقافية" أو "سيرورة تأويل النص القرآني" ،حيث يتم
تقص ي ا ملسار التأويلي الذي رافق النص القرآني.
هذه خالصة إجابة الطالب والطالبة املذكورين -أعدت صياغة بعض
عباراتها .لعل عدم ذكر الخطة فيها راجع إلى أن اإلجابتين حصرتا الخطة في
محورين عامين هما :النص القرآني باعتباره نسقا لغويا ،والنص القرآني
باعتباره ممارسة جمالية؛ مما يعني أن الطالب في هذا املستوى من البحث ومع
قدمت له ،ال يمكن أن ّ
يقدم إال محاور عامة؛ ألن الخطة تبدأ في املعطيات التي ّ
ّ
التشكل مع مرحلة جمع املادة.
أما بالنسبة لصياغة إشكالية البحث ،فواضح هنا استثمار الطالب
والطالبة معرفتهما في السيميائيات ،وواضح أيضا كيف ساهمت هذه املعرفة في
بلورة أسئلة هي من صميم االتجاهات السيميائية ،والدور الذي لعبته املعطيات
46
املذكورة -وهي من املسلمات بالنسبة لهما -في صياغة أسئلة اإلشكالية ،وهي أسئلة
مقبولة إلى حد كبير بالنسبة لطالب في السنة التحضيرية كانت أول امتحان له.
كيف تصوغ أ سئلة فعالة إلشكالية قائمة على مواصفات علمية؟
-أعط لنفسك الوقت الكافي لصياغة أسئلة ،والوقت الكافي ليس محددا
بالزمان بقدر ما هو محدد بالطريقة.
-تحاش األسئلة التي تتطلب اإلجابة املباشرة ب نعم أو ال؛ ألنها لن تفيد
كثي را.
تولد السؤال من السؤال؛ ألن هذه الطريقة تجعلك ّ ّ
تتعمق في -حاول أن
ّ
للتوصل إلى اإلشكالية التي تستحق الدراسة. الظاهرة املدروسة
-اطرح أنواعا مختلفة من األسئلة منها ما هو مرتبط باملنهج ومنها ما هو
مرتبط بالنص ،ومنها ما هو مرتبط بصاحب النص ،وأخرى بالتاريخ ،فقد تجد
إحداها أهم من األخرى عند اختبارها.
ّ ّ -
كون األسئلة التي تمكن من صياغة األشكال والنماذج ،أي األسئلة التي
تركز على العالقات.
-صغ أسئلة جديدة وطريفة ومدهشة قائمة على اإلمكان :ماذا ينتج عن
التخيل :ما الذي يمكن وكيف يمكن وملاذا هذا؟ واالحتمال :ماذا سيحصل؟ و ّ
يمكن أن؟
-صغ أسئلة افت راضية بأجوبة تخمينية.
-صغ أسئلتك بلغة وأسلوب واضحين للتأكد من أنها أسئلة فعالة.
-تأكد أال تكون بعض أسئلتك خاطئة.
ما هي الفرضية وكيف تصاغ؟
إن نجاح الباحث في وضع أسئلة هو الوجه اآلخر لصياغة الفرضية،
ودليل على أهميتها في الوقت نفسه ووضوح الهدف من البحث ،وعندما ّ
يتم
47
ل لباحث كل هذا ،يكون قادرا على استنباط املفاهيم التي ّ
يتم تحليلها ،والتي
ّ
تشكل في الحقيقة جوهر اإلشكالية العلمية للبحث ,وبمجرد ما يصوغ الباحث
مفاهيمه يكون أمام ما يسمى بالفرضية التي هي اإلجابة املقترحة ألسئلة
البحث ، 29التي تقتض ي التنبؤ بإجابة تقوم على إيجاد عالقة منطقية بين رأيين
ّ
التحقق منها .وإذا كانت القضية قائمة ،كما قلنا ،على أو عنصرين أو أكثر ثم
األسئلة فهذا ال يعني ،أن التنبؤ باإلجابة ال بد أن يحدث في البداية ،فكثي را ما
يؤدي ذلك إلى تأكيد تتحقق الفرضية بعد إدراك العالقة بين العناصر ،وقد ّ ّ
الفرضية إذا كا نت اإلجابات موضوعية غير نابعة من رأي شخص ي ذاتي مثال ،أو
إلى نفيها .أما إذا كان الباحث ال يمتلك الوسائل الكافية واملعطيات التي تسهم في
ّ
تأكيدها ،فإن أسئلته ال تقوم على مفاهيم تتعلق بالظاهرة املدروسة وال على
العالقات بين أجزائها.
الفعالة واف ت راض إجابة من شأنه أن يوصل الباحث إلى إن طرح األسئلة ّ
إيجاد عالقات بين عناصر الظاهرة ،بحيث يكون كل عنصر سببا آلخر ,وهو ما
يجعل الهدف من البحث واضحا ,قابال للفهم والتأويل ،فيمنح فرصة للحوار
توصل إلى صياغة الفعال والتفكير املخصب ،وبهذه الطريقة ،يكون الطالب قد ّ
إشكالية علمية تؤهله الختيار موضوع بحث.
محاذير حول توجيه األستاذ املشرف:
في هذا املستوى هناك محاذير ّ
توجه إلى األساتذة املشرفين ،وهي :أال
تخصصهم ّ
وتوجهاتهم دون اختبار هذا التوجيه ،مثلما ّ يوجهوا الطلبة بحسب ّ
وضحنا سابقا .وإذا ما حدث أن اقترح األستاذ على الطالب موضوعا بحسب ّ
- 29يراجع موريس أنجرس ،منهجية البحث العلمي في العلوم اإلنسانية ،تدريبات عملية ،ترجمة :بوزيد
صحراوي ،كمال بوشرف ،سعيد سبعون ،مراجعة مصطفى ماض ي ،دار القصبة ،2004 ،الجزائر ص
151
48
توجهه هو ،ووجد ارتياحا لدى الطالب واستوعب املوضوع بسرعة ووضع ّ
توجه الطالب منذ البداية لكن أعوزته أسئلة اإلشكالية ،فهذا يعني أنه كان ّ
الطريقة وحالت قلة التجربة دون تحديد وضعه وتوضيح قصده ،أو أعوزته
اللغة في التعبير عنه.
ما عالقة األسئلة باملنهج املختار؟
ال بد من اإلشارة إلى قضية أساسية في صياغة األسئلة بالنسبة للباحث،
وهي :أنها يجب أن تكون مرتبطة بالظاهرة ال باملنهج ،وال بأس أن تكون أسئلة
املنهج أدوات مساعدة الستثارة أسئلة الظاهرة؛ ألن أسئلة املنهج هي من النوع
التقاربي ،فإذا قلت مثال :ما هي تقنيات السرد و أنواعه في رواية ّ
معينة ،أو ما
نوع املفارقات الزمنية أو املنظور السردي؛فيها؟ فموضوع هذه األسئلة والذي
هو السرد والبنية الزمنية ،حاضر في ذهني من خالل ما حدده رواد علم السرد
الحديث كجيرار جينيت مثال ،ومن ّثمة ،فإن األجوبة تكون حاضرة في هذه
األسئلة األسئلة .في حين لو قلت مثال :ملاذا أصبحت اللغة هي موضوع الحكي في
روايات الحبيب السائح؟ الستوجب األمر أسئلة أخرى وبحثا من أجل الوصول
إلى أجوبة تنطلق أساسا من الرواية ذاتها ،ومن روايات سابقة عند نفس
الروائي ،أو عند غيره من الروائيين ،وهي ّ
تعد أسئلة تباعدية؛ ألن اإلجابة عنها
ليست معطاة ومعروفة سلفا ،ولذلك ال يمكن أن تساهم في صياغة إشكالية.
هذا النوع من األسئلة يساعد الطلبة على تطوير مستويات عليا من
التفكير ،ليصبحوا باحثين خالقين ،ومبدعين في حل القضايا ومثقفين علميا. ّ
ّ ّ
فاألسئلة التي تتطلب معلومات كأن يتذكر الطالب مفهوم البرنامج السردي أو
أنواع السرد أو أنواع املفارقات أو الفرق بين الكالم واللسان في اللغة أو أفعال
ّ
الكالم في التداولية ،هي ذات تأثير مختلف عن األسئلة التي ال تذكر بل
تستشرف ،وال بأس أن يستعين الطالب ببعض املفاهيم لكي يصوغ أسئلة
49
علمية ،لها تأثير في صوغ الفرضيات وتخمين األجوبة ،وهنا ال بد أن يتجاوز
ّ
مستوى التذكر واالستيعاب والتطبيق اآللي ،إلى مستوى التحليل والتركيب
املبررات ،وهذا النوع من األسئلة ّ
يسمى األسئلة املفتوحة، وتقديم األسباب و ّ
تحفز عمليات التفكير التباعدي ،وإنتاج املواقف؛ وهي أسئلة تقوم على التي ّ
االفت راض والتنبؤ ،والتفكيك وإعادة البناء ،إنها أسئلة ّ
تحفز على التفكير
باالحتماالت القائمة على ربط األفكار املعروفة بأفكار غير معروفة من أجل
ّ
إعطاء تفسي رات جديدة ،وتتطلب تفكي را تركيبيا عالئقيا.
كيف يمتحن الباحث اختياره للموضوع؟
ّ
عندما تتوفر للباحث القواعد ال نفسية الضرورية الختيار املوضوع من
رغبة وإرادة ،ومعطيات ،يخضع الباحث نفسه وموضوعه بمساعدة أستاذه
املشرف إلى نوع من االمتحان حدده Jean- pierre Fragniereفي كتابه
Comment réussir un mémoireفي املخطط التالي الذي استفدنا من بعض
شرحه له:30
30 -jean-pierre Fragnière , comment réussir un mémoire, éditions, dunod, 2 éd Paris 1996
p17.
50
- 1سعة املوضوع :وهي مرتبطة بشمولية املوضوع ملجموعة من
ّ
اإلشكاليات التي يصعب الربط بينها ،أو توزعه على فت رات زمنية متباعدة ،لذلك
تحدد اإلشكالية ،وأن تكون قابلة للد اسة غير مستهلكة ،وأن ّ
يحدد يفضل أن ّ ّ
ر
املوضوع زمانيا ومكانيا ،إلمكانية الخروج بنتائج يمكن تعميمها واالستفادة منها.
فال يمكن مثال أن يختار الطالب ظاهرة الرمز في األدب العربي الحديث؛ ألنه
ّ
يتوزع على عدة إشكاالت ،منها ما هو متعلق بالنثر بأنواعه ،ومنها ما له عالقة
بالشعر بأنواعه ،كما أن الرموز أنواع ولها مصادر متنوعة دينية وتاريخية
وأسطورية وأجنبية ،ولها أسباب في توظيفها ،ثقافية وذاتية ،وأخرى مرتبطة
توجهاتهم اإليديولوجيةالكتاب لهم ّ بعملية الكتابة عند كل مبدع ،كما أن ّ
والدينية والسياسية املختلفة ،فضال عن أنهم من أجيال مختلفة وغيرها من
اإلشكاالت التي ال يمكن أن تكون موضوع بحث واحد.
- 2وضعية املوضوع في حقل املعارف :على الطالب أن يكون على دراية
ّ
املتوصل إليها، باملوضوعات التي أنجزت في املجال الذي يبحث فيه ،والنتائج
وضرورة السعي إلى اإلضافة وليس إلى التكرار ،فما أنجز يصبح ملكه وما لم ينجز
فذلك الذي عليه القيام بفعله ؛ لذلك نجد كثي را من الباحثين يقعون ضحية
تم قبلهم ،فيكشفون بعد أن قطعوا أشواطا كبيرة أن املوضوع درس، جهلهم ملا ّ
واإلشكالية حلت فيصابون بالخيبة ويضيع الهدف.
ّ
على الباحث أن يسأل نفسه :أين توقفت قراءاته؟ ومنذ متى قرأ في املجال
الذي يريد أن يختار البحث فيه؟ ،وما هي التطورات التي حصلت في ميدان توجهه،
وال بد أن يسأل األساتذة والباحثين الذين كتبوا في املوضوع.
تطور الحياة ،وفي إطار العوملة - 3الداللة االجتماعية للموضوع :مع ّ
الثقافية وضرورة املحافظة على الهوية ،ال يمكن للباحث أن يكون حياديا في اختيار
املوضوعات التي ترتبط بمجتمعه وحضارته ،والتي ّ
تعرفه بت راثه وتساهم في تطوير
51
يتعلق بثقافته وإبراز عناصر ّّ
التميز فيها؛ لذلك نرى الجامعات الغربية تفرض ما
من خالل األساتذة املشرفين على الطلبة األجانب أن يتناولوا ظواهر مجتمعاتها
ّ
بالدراسة والتحليل ،ولذلك يبدو التفطن إلى هذه القضية أمرا ضروريا.
ليس للطالب الجزائري إملام بما كتب في الشعر أو الرواية أو القصة أو النقد
في الجزائر ،بل نراه أحيانا يعرف عن األدب الغربي من األسماء وعناوين الروايات
والدواوين أكثر مما يعرف عن الكتاب الجزائريين ،والنتيجة أننا تركنا تراثا بأكمله
نعرف به .فكم من باحث في الرواية بين رفوف املكتبات أو في البيوت ،ال نعرفه وال ّ
يعرف محمد مفالح أو الحفناوي زاغر ،أومرزاق بقطاش ،وكم من باحث في الشعر
يعرف عثمان لوصيف و عبد هللا حمادي مثال .كم من باحث في النقد ال يعرف عن
النقد الجزائري شيئا حتى أننا أصبحنا نعتقد ونؤمن بأننا أمة ال تنتج.
- 4صعوبات املوضوع :على الباحث أن يضع في االعتبار أن كل عمل له
صعوباته الخاصة ،وأن مصادر الصعوبة مختلفة تبدأ من كفاءته وقدرته هو على
البحث واملثابرة وتنتهي عند الصعوبات املادية املرتبطة بضرورة التنقل ،خاصة إذا
ّ
كان البحث ميدانيا ،وقد تكون متعلقة بصعوبة املنهج أو قلة املراجع ،وحتى
بالوقت ّ
املحدد للبحث.
تخص امتحان املوضوع ،وهي كما نرى مقترنة بالباحث؛ ّ هذه املحاور
لذلك سوف نجد بأن ما تشتمل عليه خانات الباحث يلتقي مع خانات
املوضوع؛ فيكون السؤال عن هذا إجابة عن ذاك.
فاملنفعة الشخصية ال يجب أن تتعارض مع طبيعة املوضوع ،ألن الوقت
والشهادة والعمل والترقية كلها يجب أن توضع في الحسبان فيختار املوضوع الذي
يتناسب مع مرحلة معينة من وضعه الشخص ي ،ولذلك نرى الجامعات الغربية
تحدد طبيعة املوضوعات الخاصة باملاجستير ،والتي تصلح لكي تكون أطروحة
دكتوراه ،األمر الذي ال يوجد عندنا ،حيث نجد بعض طلبة املاجستير أنجزوا
52
بحوثا في مستوى أطروحة الدكتوراه ،ودكاترة لم يبذلوا إال جهد الطالب املبتدئ،
وهنا تطرح قضية االستفادة من البحث ،وربما هو األمر نفسه بالنسبة للموضع
االجتماعي للباحث ،وتكوينه وقدرا ته املعرفية واملادية املرتبطة بإنجاز موضوع
ّ
معين.
إن هذا االختبار هو امتحان لقدرة الباحث واملوضوع على السواء ،وهو
التردد وتضييع الوقت والعجزيسهم بشكل كبير ،في رد كثير من املخاوف و ّ
ألن الباحث ،حتىواالنسحاب والرداءة .واالختيار في النهاية هو ركوب الخطر؛ ّ
مجرد وضعية ابتدائية للبحث؛ وإن نجح في امتحان االختيار عليه أن يعلم أنها ّ
والوضعية البدئية هي حالة من ّالالمعرفة ،ومراحل البحث هي التي ّ
تجسد
تحول الالمعرفة إلى معرفة ،حيث يشبه الباحث بطل الحكايات الذي ينبغي أن
ّ ّ ّ
تتوفر لديه الرغبة في تغيير الوضع املتمثل في حالة االفتقار ،إلى وضع التملك،
ويمر بثالث مستويات تطابق التجارب الثالثة املعروفة في فتواجهه صعوباتّ ،
حكاية البطل.
حاولت بيرنديت بلو Bernadette Plotأن تقابل بين هذه التجارب وبين
فيجسد األول املستوى املؤسس( التجربة التأهيلية) أول ّ مستويات البحث،
لقاء مع موضوع البحث ،وهو خطاب االكتشاف ،والتحفيز الشخص ي الذي
يتمظهر في شكل إرادة املعرفة أو وجوب املعرفة vouloir-savoir ou un devoir
-savoirحيث يتأكد هاجس البحث عند الباحث باعتباره قادرا على البحث،
ويمتلك الوسائل النظرية واملنهجية للوصول إلى نتائج ّ
قيمة.
أما املستوى ا لذي يتمفصل من خالله املستويان اآلخران ،فهو املستوى
العملي (التجربة الترشيحية) .إنه خطاب البحث عن القناعات العلمية ،وتقديم
املعطيات املنطقية من أجل تحقيق الهدف املنشود ،ويتمظهر هذا الخطاب في
ملفوظ أفعال املعرفة نفسها وهو ملفوظ الفعل.
53
يمر من مرحلةإن ملفوظ تحقيق األفعال املعرفية ،يسمح للباحث أن ّ
املحصلة إلى فعل املعرفة ،faire-savoirإنه املستوى ّ تحول املعرفة ّ
التحقيقي(التجربة املمجدة)؛ حيث يحيل إلى ما هو أكمل ،ويعرض النتائج التي
تتجسد في ملفوظات الحالة كائنة وظاهرة لكي يستطيع املتلقي أن ّ
يقيم ّ
الحقيقة.
إن هذه املستويات تتداخل فيما بينها ،وتتكئ على بعضها البعض لتضمن
صالبة التطور 31ولذلك ،قد ال يبدو غريبا أن نرى بعض الباحثين ّ
يغيرون
يتبين لهم أن وسائلهم وعملياتهم مجرى البحث في مستوى معين منه بعدما ّ
النظرية أو املنهجية ال تسعفهم في االستمرارية بالطريقة التي بدأوا بها.
31 -voir, Bernadette Plot Ecrire une thèse ou un mémoire en sciences humaines ; Champion
Paris 1986, p182-183.
54
ما هي شروط صياغة املوضوع أكاديميا؟
ّ
إن هذا االمتحان املذكور آنفا ،سيمكن الطالب واملشرف معا من اختيار
تحدده الشروط األكاديمية التالية:موضوع إشكالي ال وصفي ،يعكسه عنوان ّ
- 1الدقة والوضوح :أن ال يكون في العنوان غموض أو إبهام ،وال ما يدعو
إلى الشك و ّ
التأويل وال أن يكون طويال ممال وال قصي را مخال.
- 2الجدة واالبتكار :ونقصد بها اإلضافة العلمية التي ال ّ
يكرر فيها
فالجدة قد تكون آتية من ّ موضوعات أو يعيد صياغة إشكالية مدروسة،
اإلشكالية الجديدة املطروحة ،أو من املنهج الجديد الذي تعالج به اإلشكالية.
وهذا ال يمنع الباحث أن يختار موضوعا مطروقا إذا رأى أنه يستطيع أن يأتي
ّ
املطبق في بجديد أو يثبت ضعف النتائج السابقة ،أو عدم كفاية املنهج
الدراسات السابقة.
- 3التحديد الزماني واملكاني :وهو مرتبط كما رأينا بسعة املوضوع؛ ألن
غياب اإلشكالية في كثير من األحيان يكون هو املسؤول عن عدم التحديد
والدقة ،وال يشترط بالضرورة ذكر املكان أو الزمن بالتحديد؛ ألن هناك
نتعرف بها على ذلك ،كاسم الكاتب ،أو القدم والحداثة ،فذكر مصطلحات ّ
املتنبي مثال يكفي للداللة على العصر ،كما أن الشعر العربي املعاصر ،أو
الروائيين الشباب ّ
يدل على املرحلة.
التردد بين العنوان الجملةإن هذه الشروط تمكن الباحث من عدم ّ
والعنوان الفقرة ،العنوان البرنامج والعنوان التركيب ،العنوان التساؤل
والعنوان التأكيد ،العنوان املختصر والعنوان الذي ال ينتهي ،العنوان الصحفي
الذي يستفز والعنوان الحيادي العلمي.
تحقق األكاديمية بشكل نهائي ال يكون إال بعد االنتهاء من البحث؛ إن ّ
لذلك كثي را ما يكون العنوان النهائي هو آخر ما يكتب ،وللعنوان أهمية كبيرة
55
بالنسبة للقارئ ،فهو بداية البحث ،وله دور في فتح النص ألنه بمثابة فاتح
للشهية .وإذا كان العنوان اإلبداعي يتحمل اإليحاء والغموض ،وال يعطي قرائن
كثيرة للقارئ من أجل تعيين املعنى ،فإن العنوان األكاديمي ال يؤدي هذا املعنى
نظرا للشروط التي ذكرناها ،فهو باعتباره أوال ،يعد بداية للسيرورة السيميائية
للبحث ،ونقطة بداية والدته ،فعندما يقرأ ألول وهلة ،يفترض من القارئ
معينة وافت راضات قد يجدها مح ّققة فيصبح العنوان إشارة لرسالة هي تأويالت ّ
البحث ،ويغدو فهمها إدراكا للقصد منه.
أيهما أصلح للطالب املوضوع النظري أم التطبيقي؟
كثي را ما يحتار الطالب في طبيعة املوضوع الذي يختاره ،خاصة فيما
يتعلق بمسألة النظري والتطبيقي .ففي الوقت الذي نجد فيه بعض الطلبة
يسمى املوضوعات النظرية؛ ألنهم يعتقدون -خطأ -أنها يحبذون البحث فيما ّ ّ
األسهل؛ لكونها مرتبطة بعملية جمع نصوص من الكتب وتنظيمها وتنسيقها،
يعتقد آخرون أنهم -ولكي ال يضيعوا بين النظريات واألفكار -ال بد أن يختاروا
موضوعا تطبيقيا- ،وهو األسهل بالنسبة إليهم أيضا -ألنه يبعدهم عن األفكار
تكبلهم ّ
وتحد من حريتهم. والنظريات التي قد ّ
إن مصطلحي السهولة والصعوبة ليسا معيارين صحيحين للحكم على
مفهوم النظري والتطبيقي؛ ألن التطبيق وارد في كال املوضوعين سواء من يعتمد
فيه على تحليل نظرية أو مفهوم ،أو على تحليل نص إبداعي ،وبالتالي ،ال معنى
لوجود موضوع نظري باملفهوم املتعارف عليه ،كما ال يوجد موضوع تطبيقي
صرف ،ومن يعتقد أنه يطبق بدون خلفية نظرية ،ال بد أن يعلم أنه "ال توجد
موضوعات تطبيقية بدون معارف نظرية.32
32 - Jean-pièrre fragnière, comment réussir un mémoire, éd, DUNOD ? Paris 1996, p 13
56
إن مفهوم الشعرية عند العرب ،أو مفهوم العالمة عند علماء األصول أو
توصل إلى هذهعند بورس peirceم ثال هو موضوع نظري بالنسبة إلى من ّ
النظرية أو تلك ،أما بالنسبة للباحث الذي يحاول أن يبحث في هذا املفهوم أو
النظرية ،فهي محاولة لتحليلها والوقوف على خصائصها ومقارنتها واستنباط
أحكام معينة منها ،وهذا ال يختلف فيه مع باحث آخر يتناول رواية ،ويكشف
ع ن كيفية بناء شخصياتها ،يحللها ويستنبط نتائج منها.
فاإلشكال إذن ،قائم في طبيعة املوضوع ذاته ،هل هو موضوع إشكالي
مهمة تضيف جديدا إلى البحث العلمي؟ أم أنه موضوع وصفي يطرح أسئلة ّ
تجميعي؟ ال يحتاج إلى دراسة ،أو أنه بحاجة إلى أن ّ
يتحول إلى موضوع إشكالي.
نحول موضوعا ما إلى موضوع إشكالي؟ كيف ّ
ّ
هناك اعتبارات كثير تتحكم في تحويل موضوع ما ،إلى موضوع إشكالي،
تلقي ظاهرة معينة لدى القراء ،أو نتائج هيمنة موضوع ّ
معين في ترتبط بطبيعة ّ
فترة زمنية معينة دون أن يسأل ملاذا يحصل ذلك ،كما قد ينبع من مالحظة
نتائج ظاهرة ّ
معينة ،وأ ثرها في الواقع على القراء وفي البحث العلمي ،وقد يعود
إلى الغرض من تحويل موضوع ما ،مهما كانت طبيعته ،أو إلى أسباب أخرى
ّ
التوجهات واإليديولوجيات واملستوى وغير ذلك. مختلفة باختالف
مثال :تحويل موضوع التناص إلى موضوع إشكالي :ليس هناك باحث في
األدب العربي يجهل ه ذه الظاهرة اللصيقة باألدب ،فقد كتب فيها الكثير ،حتى
أصبحت موضوعا يستهوي الكثير من الباحثين ،فنرى كثي را من البحوث ّتتخذ
موضوعا لها البحث عن أشكال التناص في قصيدة أو رواية معينة استنادا إلى
ما كتبه باختين Bakhtineفي الحوارية أو Gerard Gennetteجي رار جنيت في
ّ
كتابه أطراس Palimpsestes؛ حيث حلل الظاهرة بمختلف مستوياتها ،وجعل
التناص نوعا من ظاهرة التفاعالت النصية الخمسة ،وكانت قبل ذلك julia
57
kristèvaجوليا كريستيفا ،أول من أشار إلى هذه الظاهرة من حيث املفهوم
واملصطلح ،ولذلك أصبح الباحث ال يجد صعوبة في الكشف عن هذه الظاهرة
في النص املدروس؛ ألنها ،كما أسلفت ،ظاهرة لصيقة باإلبداع ،فال يمكن أن
يكتب اإلنسان إال انطالقا مما يقرأ ،أي أن هذه الظاهرة هي تسمية أخرى
لتوظيف الت راث.
لقد غدت هذه الظاهرة موضوعا مألوفا ،حتى أننا أصبحنا نقرأ صورا
ّ
التوجه، مستنسخة لبحوث ال تختلف إال من ح يث النصوص ،وقد راعني هذا
ورأيت أن أجعل منه موضوعا إشكاليا ،بحافز من دعوة وجهت إلي من الرابطة
العاملية لألدب اإلسالمي ،حيث كان موضوع التناص واحدا من محاور الندوة،
وملا كان هذا الحافز طريقا لتحويل هذا املوضوع إلى موضوع إشكالي ،مراعاة
للتوجه اإلسالم ي للندوة ،كانت نتيجة ذلك أن كتبت موضوعا عن التناص ّ
معين ّيتضح من خالل بلورة بإشكالية نابعة من هذا الحافز ،ومرتبطة بغرض ّ
اإلشكالية التالية:
تطرح مقولة التناص Intertextualitéعددا من القضايا النقدية ،وتثير
عددا من التساؤالت ،لعل أهمها :كيف يمكن من وجهة نظر إسالمية أن ّ
نقيم
التناص نفسه؟ 33وهل يعد التعالق بين النصوص -من وجهة النظر السائدة
عندنا بتأثير من الغرب -إهدارا للهوية النصية؟ وهل يعتبر التناص -من وجهة
النظر هذه أيضا -عائقا بنيويا يقف دون تحقيق خصوصية التشكيل اللغوي
لألديب؟ ثم ما عالقته بخصوصية األجناس األدبية عند الشعوب ،وكيف استغل
من قبل البعض لتجسيد مطالب الحداثة وما بعد الحداثة ،وكل منهما أسهم
وبأشكال مختلفة أحيانا ومتشابهة أخرى في إلغاء الهوية تبعا للدعوة إلى إلغاء
- 33قدمت اإلجابة عن هذه اإلشكالية إلى ندوة اللغات والترجمة ،جامعة اإلمام سعود بالسعودية.
58
األنماط األساسية للفكر واإلبداع وعلمنة األخالق ،وما هو السبيل إلى حفظ
هوية التناص ونصوص الهوية؟
إن هذه األسئلة تبلورت من خالل عنوان يتماش ى مع الغرض وهو:عوملة
التناص ونص الهوية.
كيف يختار األستاذ املشرف؟
اقترنت عملية اختيار املوضوع باختيار املشرف ،وكثي را ما ربط ضعف
البحث بضعف اإلشراف ،كما اقترن نجاح بحوث أخرى بسمعة األستاذ
املشرف ،وهذا راجع إلى عدم إدراك حقيقة اإلشراف؛ ألن مسؤولية املشرف
يقيمان بمدى مسؤولية الطالب والت زامه؛ وهما عنصران أساسيان في والت زامه ّ
الجيد ،وإذا ما تخلى أحدهما عن الت زامه ومسؤوليته ،أخفق عملية اإلشراف ّ
الطالب في بحثه .فماذا ينتظر الطالب من األستاذ املشرف؟
ّ
ينبغي أوال ،أن تتوفر في األستاذ املشرف الكفاءة العلمية والفعالية وروح
ّ ّ
املسؤؤلية والتوافق النفس ي مع الطالب ويتجلى الت زامه املركب هذا ،فيما يلي:
- 1يعطي للطالب املعلومات والتوضيحات والتوجيهات الالزمة حول
اختيار املوضوع ،وقد يقترح عليه مجاال للبحث ويساعده في تحديد اإلشكالية
يوجهها له ،يعرف من خاللها مستواه وتوجهاته باختباره عن طريق أسئلة ّ
وقدراته ،مثلما أكدنا سابقا ،ويختبر أسئلته وفرضياته.
- 2يشارك الطالب في امتحان اختبار املوضوع الذي ذكرناه سابقا.
ّ
- 3يدله على املصادر القاعدية التي يبدأ بها.
ّ
املتخصصين الذين يفيدونه. - 4يعرفه باملصادر التي ّ
تهمه وببعض
- 5يعطيه بعض التعليمات النظرية واملنهجية في كيفية العمل.
- 6يعطيه نصائح منظمة حول تطور اإلشكالية وتبلورها.
تقدمه وماذا حقق. - 7يبدي له أحكاما على املراحل التي قطعها ومدى ّ
59
- 8يقرأ له ،ويعيد القراءة ويوقفه على األخطاء ،ويوجهه نحو الطريقة
التي تمكنه من تفادي الخطأ.
- 9يساعده على توضيح بعض املسائل واملفاهيم وحل بعض املشكالت
العالقة وغير املتوقعة.
- 10يصارحه حول قيمة ما قدم سلبا وإيجابا.
وال يتصور الطالب بعد هذا أن وظيفة األستاذ املشرف هي إعادة صياغة
البحث إذا كان أسلوب ال طالب ركيكا ،أو استنباط األحكام والنتائج إذا كان غير
قادر على إدراك العالقات بين اآلراء والنصوص املختلفة .فذلك طالب عليه
التفكير في كيفيه البحث قبل الخوض في موضوع البحث ،أما املشرف غير
امللتزم بقواعد اإلشراف ،فاألحسن أن يتنازل عن هذا الحق الواجب ،فكثير من
األساتذة يشرفون إداريا فحسب ،يلتقون بالطالب مرة في بداية السنة إلمضاء
أوراق التسجيل اإلدارية ،فإن كان باحثا جيدا ارتفع شأنهم به وإن فشل حملوه
املسؤولية.
هل االختيار تقييم لألستاذ؟
ّ
تقييمية لألستاذ من نشير إلى أن اختيار األستاذ املشرف ،ليس عملية
الطالب ،فكثي را من األساتذة يختارون من الطلبة من يرون أنهم قادرون على
ّ
تقديم الجيد ،غير أن هناك مقاييس ذاتية أو إيديولوجية قد تتحكم في عملية
اإلشراف؛ لذلك قد تتدخل الهيئة العلمية باملؤسسة كاللجنة العلمية أو
ّ
متعددة ،مثل املجلس العلمي في هذه العملية استنادا إلى اعتبارات علمية
التخصص ونوعية البحوث التي أشرف عليها األستاذ وسيرته العلمية والتأهيل ّ
تلبي حاجيات وتوجه الطلبة نحو موضوعات ّ ّ العلمي ،وطبيعة املوضوع،
متخصصين في مجال يحقق أهدافا اجتماعية وحضارية، ّ الجامعة إلى أساتذة
كالتعريف بالت راث واملساهمة في ّ
حل اإلشكاالت العلمية للوطن.
60
كيف يختار الطالب املنهج؟
توضح لنا أن أسئلة املوضوع وإشكاليته قد يبدو األمر بسيطا إذا ما ّ
تحوي بالضرورة املنهج الذي يستقيم معها ،حينها يدرك الطالب أن الظاهرة
املراد درسها ،أو املجتمع املقصود باملعاينة ليس هو املوضوع األكاديمي ،فال
يكفي أن يقول الطالب أريد أن أدرس ديوان "مقام البوح" لعبد هللا العش ي أو
رواية "تلك املحبة" للحبيب السائح ،أو املجموعة القصصية "اللعنة عليكم
جميعا" للسعيد بوطاجين أو لغة فئة البطالين ،لنقول بأنه اختار موضوعا؛ ألن
املوضوع ،كما أوضحنا سابقا ،سلسلة من العمليات الذهنية ،التي تبلورها
مجموعة من األسئلة حول نص معين أو ظاهرة لغوية أو اجتماعية معينة،
تشكل إشكالية يستوجب على الطالب البحث عن إجابات أو تخمين حلول
العينات والنصوص والظواهر فمطروحة في الطريق ،على حد ونتائج لها ،أما ّ
تعبير الجاحظ ،يعرفها الجميع ،إنما األهم يكمن في صياغة اإلشكالية وحصر
املوضوع.
إننا بطرح األسئلة نبني وجهة نظر معينة هي التي ّ
يتحدد بها املوضوع الحقا،
ووجهة النظر هذه ال بد أن تسهم في بلورتها خلفية معرفية معينة؛ هي املنطلق
املنهجي الذي يوجه الباحث نحو التركيز على قضايا دون أخرى .فإذا أردت مثال أن
أد س ّ
توتر العالقة املعروف بين املتصوفة والسلطة الدينية في التاريخ اإلسالمي ر
العربي فهذا يعني أنني أطرح أسئلة من قبيل :ملاذا حصل هذا؟ ملا لم تتواصل
السلطة مع الخطاب الصوفي؟ ما هي القضايا املوجودة في هذا الخطاب التي
جعلتهم ال يتقبلونه؟ هل األمر مرتبط باعتبارات شكلية بنيوية أم باألفكار؟ ما هي
أوجه الخالف بين الخطاب الصوفي والخطاب الشعري الرسمي؟ وغيرها من
األسئلة التي يمكن أن تصوغ لي موضوعا عن طبيعة التواصل في الخطاب الصوفي
61
أو إكراهات تلقي الخطاب الصوفي ، 34وهنا يبدو جليا ،أنني قد أنطلق من نظرية
ّ ّ
فالقضية إذن التلقي أو نظرية التواصل والسيميائيات ألحلل هذه اإلشكاليات،
ليست الخطاب الصوفي شعرا أو نث را لكي يكون هو موضوع البحث بل اإلشكالية
املرتبطة به وهي أزمة التواصل في الخطاب ذاته.
ملن األسبقية للمنهج أم للموضوع؟
إن ّ
قضية أيهما أسبق املنهج أم املوضوع ،أو أن طبيعة املوضوع هي التي
تفرض املنهج ،ال يجب أن يثيرها باحث أدرك كيف ّ
يتم بناء املوضوع األكاديمي،
معين لجعلها أسئلة ،يصبح كما أن االنطالق من مفاهيم أو مصطلحات منهج ّ
البحث عنها في النص املراد تحليله هدفا في ذاته ،يعد ّ
تجنيا على النص واملنهج
ّ
على حد سواء؛ ألن العالقة بين النص واملنهج تؤكدها طبيعة األسئلة املطروحة
في اإلشكالية ،والهدف من البحث ،والنتائج التي ّ
خمنها الباحث.
ال توجد طريقة علمية واحدة يمكن اعتمادها للوصول إلى الحقيقة؛ ألن
طرق العلم تختلف باختالف املواضيع التي يدرسها كل باحث ،وكل موضوع
معين من املناهج العلمية املالئمة له .هناك البحث الذي ّ
يقدم يحتاج إلى نوع ّ
يوضح أصحابها طروحاتهم معرفة نظرية خالصة ،وهناك من البحوث التي ّ
النظرية بأمثلة وشروح تطبيقية ،وهناك البحوث التي يلتزم فيها أصحابها
يحولونها إلى آليات للوصف بتحليل ظاهرة يعتمدون على مفاهيم نظرية ثم ّ
والتحليل واالستنباط.
ّ
تخص - 34يراجع كتاب الحركية التواصلية في الخطاب الصوفي آمنة بلعلى والذي أعيد طبعه العتبارات
جمعية االختالف بعنوان :تحليل الخطاب الصوفي في ضوء املناهج املعاصرة ،منشورات االختالف الجزائر.
.2002
62
واختالف املوضوعات األكاديمية يعكس بالضرورة اختالف املنهج ،كما
ّ
أن قيمة النتائج تتوقف على قيمة املناهج املستخدمة ،35ألنه -كما أوضحنا
آنفا في عملية اختيار املوضوع -ال بد أن تنسجم أسئلة النص مع أسئلة املنهج،
تكمل بعضها البعض ،وينتج عنها في معظم األحيان حقائق ومع هذا فاملناهج ّ
جديدة لم نكن نعرفها ،أي بفضل استعمالنا ملختلف األساليب العلمية قد
نصل إلى اكتشاف ظواهر لم تخطر على البال.
إذا كان املنهج هو الطريق املوصل إلى الحقيقة ،فقيمة البحث مرتبطة
وصحة املعلومات تضفي على الدراسة ّ يتوخاه الباحث فيه، باألسلوب الذي ّ
ّ ّ
الجدية ،واملنهجية تؤثر في مجرى األمور وفي النتائج ،واختيار الطريقة طابع
ّ
التوصل إلى نتائج تفرضها طبيعة النص أو يعني انتهاج أسلوب ّ
معين في الكتابة و
الظاهرة واملنهج معا.
هل يمكن حصر أنواع املناهج املعتمدة؟
ال يختلف اثنان في أن التطور العلمي والتكنولوجي واتساع املعارف
ّ
التعرف النظرية خلق معه نشاطا مماثال في طرق اكتساب هذه املعارف ،وفي
ّ عليها ونقدها ،و ّ
السعي في تحويل بعضها إلى آليات توظف في دراسة الظواهر
وتعددت واختلفت باختالف بتنوع املعرفة وثرائهاّ ،
املختلفة .لقد تنوعت اآلليات ّ
نوعت البحوثّ ،
لتنوع االعتبارات املذكورة املقاصد واألسئلة واألغراض ،وكما ت ّ
تعددت املناهج بحسب املجال أو النظرية أو العلم الذي تنتمي إليه إلى آنفاّ ،
درجة أصبحت اإلحاطة بمجموع املناهج في العلوم اإلنسانية مثال أمرا
مستعصيا.
في اللغة واألدب ،ما زلنا نستقبل كل يوم تسميات ملناهج عديدة ،بعضها
مجرد إعادة صياغة ملفاهيم قديمة جرى تداولها بتسميات جد يد واآلخر هو ّ
Festinger et kartz - 35نقال عن موريس انجرس منهجية البحث العلمي في العلوم اإلنسانية ترجمة يزيد
صحراوي وآخرون دار القصبة الجزائر 2004ص97
63
تفرعت عن منهج واحد ،بل إن كلمة منهج ذاتها ،أصبحت تزاحمها أخرى ،أو ّ
مصطلحات أخرى تحمل صفتها أو تتقاطع جزئيا معها ،أو تستلهم بعضا من
تقدم منهجها الخاص ،كما تجسد مفهوما من نظرية لم ّ آليات املنهج األصلي ،أو ّ
قد تأخذ من روح نظرية دون أن تلتزم بها حرفيا .إننا نقرأ مصطلحات أصبحت
عند البعض بديال لكلمة منهج ،مثل :دراسة ومقاربة وقراءة وفي ضوء أو إضاءة،
ّ ّ
التخصص، وغيرها من املصطلحات التي تعكس الث راء وفي الوقت نفسه الدقة و
بل كثي را ما أصبح املنهج ،أو ما يق وم مقامه هو الذي يعكس اإلشكالية أو
حدد من خالله املوضوع ،سواء كان قصدا أو فترة زمنية ،أو املقياس الذي ّ
ّ
التخصص. رغبة في أن يموقع الباحث نفسه عند نقطة ّ
معينة من
كنا اليوم ،ال نقف في عنوان بحث على ما يشير إلى املناهج السياقيةوإذا ّ
كالتاريخي واالجتماعي والنفس ي في األدب ،أو الفيلولوجي والوصفي واملقارن
تفرعت أوواالستقرائي والتقابلي في اللغة ،فان ذلك ال يعني اندثارها ،فلقد ّ
اندمجت في إطار مختلف ،وبرزت من خالل تسميات أخرى.
إن املناهج النصية وتفرعاتها كالبنيوية والسيميائية والتداولية واللسانية
االجتماعية واملوضوعاتية والتلقي وسوسيولوجيا النص والتناصية والنسقية
تعتمد الوصف والتحليل أو التاريخ أو املقارنة مما يعد جوهر املناهج
ّ
السياقية ،وهذا يعني أن الباحث في العلوم اإلنسانية واللغة واألدب ،توفرت
لديه من الوسائل واآلليات الكثيرة ،ما يسمح له بدراسة الظواهر املختلفة،
وإيجاد الحلول ألسئلة كثيرة وإن كان التعامل معها بدقة وحذر أكثر ،نظرا
ّ للطابع العلمي لها؛ ّ
فكل منهج إذا ما استوعب يوفر للباحث اإلحاطة بالظاهرة
املدروسة بكل دقة وموضوعية.
ّ
التطوري للمعرفة لعل كثرة املسميات تعود من جانب آخر إلى الطابع
ّ
املتخصصة ،وإلى ما في بعض املناهج التي تعد اليوم تقليدية كالوصفي والتاريخي
والتحليلي ولم تعد ملك نفسها -إن جاز التعبير -فقد استفادت منها نماذج
نظرية مختلفة وأصبحت جزءا منها جميعا ،في حين ،انغلقت بعض املناهج على
64
نماذجها النظرية ،كاملنهج التجريبي الذي يسعى فيه الباحث إلى دراسة الظواهر
متغير مستقل ،ومالحظة النتائج على ّ
املتغير التابع)36 (في إطار التجربة بمعالجة ّ
خاصة ،في البحوث امليدانية. وهو يطبقّ ،
وملا كان املنهج التاريخي يستعمل الوثائق واملعلومات التاريخية قصد
االستفادة من تجارب املاض ي ،يرى البعضّ ،أنه ال يمكن فهم الحاضر إال
بدراسة املاض ي ،ولذلك فميزته ،أنه يدرس الظاهرة من خالل الرجوع إلى أصلها،
ّ ّ ويسجل ّّ
ويفسر هذه التطورات استنادا إلى املنهج تطوراتها ويحلل فيصفها
العلمي في البحث ،الذي يربط النتائج بأسبابها.
إن إعادة بناء ماض ي الظواهر املختلفة نجده قائما في التناص وفي نظرية
ّ
التلق ي ونظرية التأويل والتداولية ،وكلها تتوفر على الوسائل التي يصل بها
الباحث إلى وصل املاض ي بالحاضر في وصف الظواهر ،وفي عالقتها ببعضها
البعض.
كما أن املنهج التجريبي ،وعلى الرغم ،كما قلنا سابقا ،من أنه ّ
يتميز
للتعرف على العالقات بين الظواهر ّ بإثبات الفروض عن طريق التجربة
ّ ّ
املختلفة ،فانه يمكن من إجراء تجارب حول تعلم اللغات ،وعالقة ذلك
نطبقه على أمراض اللغة ،وعلى األصوات ،ولغة الطفل، باملحيط ،كما يمكن أن ّ
تحريات ميدانيةوتغير الدالالت املعنوية من منطقة ألخرى ،كما يمكننا من إجراء ّ ّ
يخص ضعف املستوى وغير ذلك ،مما يؤكد عدم موت ّ للوصول إلى مفاهيم فيما
املناهج ،وإنما تنحصر تارة ،وتنحل في مناهج أخرى أحيانا أخرى.
متعددة تقوم بنفس الوظيفة التي كانت تقوم بها مناهج إن هناك مناهج ّ
أخرى ،فتساعد في اكتشاف العالقات القائمة بين الظواهر ،وجمع املعلومات
الالزمة لتكوين نظرية شاملة يمكن بمقتضاها إيجاد حل منطقي للقضية ،كما
تقوم على التخطيط الدقيق وجمع البيانات ،ثم تحليلها والوصول إلى نتائج حقيقية.
للتعرف على رغبات الجماعات وأهدافها ،وكذلك امليول ّ إنها تعتبر أداة ّ
قيمة
66
للتعرف على عالقة املوضوع باملنهج؟ ّ هل هناك طريقة
للتعرف على هذه العالقة ،ومن بينها :العالقة بينّ هناك طرق عديدة
ّ
أسئلة النص وما يفترض من أسئلة املنهج ،مثلما أكد ذلك محمد حمود ،نقال
عن نجيب العوفي في مقال له عن " ٍأسئلة النص وأسئلة املنهج" ،رأينا نقل
ّ
الجدول الذي صاغه عن املقال املذكور ،ألهميته الكبيرة بالنسبة للباحث ،لعله
ّ
يحد من أسئلة كثيرة عن عالقة املنهج باللنص أو املوضوع ،و ّأيهما يفرض اآلخر
عندما تثار قضية املنهج وموضوع البحث ،وهو يعد خير مثال لتوضيح هذه
القضية:37
- 37يراجع محمد حمود ،مكونات القراءة املنهجية للنصوص ،ط 1دار الثقافة للنشر والتوزيع الدار
البيضاء املغرب 1998مطبعة النجاح الجديدة.87 ،
67
داللتها على مستوى داللتها على مستوى املنهج أسئلة النص واملنهج
النص
الرسالة أو الداللة أي التحليل املضموني - 1ماذا يقول النص؟
والتيماتيكي للنص+التحليل الثاوية في أطوائه.
السوسيولوجي
املؤلف كمفرد بصيغة التحليل السوسيولوجي - 2من يقول النص؟
الجمع أو كجمع والبيوغرافي للنص.
بصيغة املفرد.
يعني طرائق اشتغال التحليل اللساني واألسلوبي يقول - 3كيف
وقوانين والسيميائي والبنيوي للنص. النص النص؟
تبنينه.
يعني املتلقي كطرف يعني منهجيا تحليل عملية - 4ملن يقول النص؟
النص ي، ومنتج التواصل مستهلك
واستحضار املنهج الثاني للنص.
للنص وفق نظرية التلقي
اللحظة التاريخية يعني منهجيا التحليل التاريخي - 5متى يقول النص؟
والسوسيوثقافية التي والسوسيوثقافي للنص.
ينشرط بها النص.
الفضاء يعني منهجيا ربط النص يعني - 6حين يقول النص
الجغرافي والوطني بواقعه البيئي ومجاله
الذي تالبس النص .البشري.
يعني الرسالة أو يعني منهجيا الكشف عن - 7لم يقول النص؟
الوظيفة التي يتوخى مقاصد النص االست راتيجية
68
وعن إيديولوجيته الضمنية. النص تأديتها.
يلخص هذا الجدول أسئلة املنهج والنص بالنسبة للباحث نالحظ كيف ّ
املبتدئ الذي ال يعلم عن املناهج الش يء الكثير ،ويحتار في اختيار املنهج؛ غير
عينة من املناهج املعتمدة ،فقط ،قد تلتقي مع مناهج أخرى وإن كانت أنها ّ
تختلف معها في التسمية وخاصة تلك املتعلقة بدراسة الظواهر اللسانية.
إن الذي يجب التركيز عليه ،هنا ،هو أن االنشغال الدؤوب بهذه األسئلة
أثناء قراءة النصوص ،يجعل الباحث يتجاوز البعد الواحد الذي قد يفرضه
عليه منهج واحد منذ البداية ،وخاصة بعدما أصبح "من البد يهي أكثر فأكثر
ويشوهه ،أن يصير كال وينتمي إلى الكل وال ّ على النقد ،لئال يفقد موضوعه
ينشغل إال بالكل" كما يقول هنري ميشونيك ،38وخاصة بعدما أصبحنا نرى
معين على أغلب البحوث في جامعاتنا تنحو منحى آليا يستهدف تطبيق منهج ّ
مكونات النص أو الظاهرة التي تطرح أسئلتها نص ،دون األخذ بعين االعتبار ّ
وتستوجب منهجها.
لقد اتضح في كثير من األحيان ،أن صياغة أسئلة النص بطريقة علمية
أكاديمية تجعل الباحث -ومن دون أن يدري ،حتى وإن كان يجهل منهجا ما -
يشتغل بنفس آلياته وإجراءاته؛ ألنه ،وببساطة ،ساءل النص كما ساءله
يجر الطالب صاحب املنهج عندما ا نطلق هو أيضا من النص .وإذا كان األمر ّ
معين إلى نوع من اآللية التي يكون هم الباحث فيها البرهنة على باعتماد منهج ّ
ّ
تجلي املنهج في النص ،فاألفضل للباحث أن يبدأ بأسئلة النص أوال.
70
ّ ّ
– 1الخطة التوضيحية اإلعالمية :Plan indicatifوهي الخطة األولية
تجسد العناصر الكبرى واألساسية للبحث ،وتشرح املوضوع ،كما تعطينا التي ّ
صورة أولى عن طبيعته؛ إنها بمثابة املعالم الضرورية واألساسية الستعمال
تشكل القاعدة التي تنبني عليها استشارات الباحثّ ، ّ
وتوجهه املراجع،وهي التي
النص أو ذاك .كما تعطي للباحث ّ نحو املصادر واملراجع ،فيستقي منها هذا
وتسهل عليه عملية الجمع ،وفهم اإلشكالية ،وهي ّ
تسمى ّ النظرة اإلجمالية،
كذلك ،خطة البحث أو خطة القراءة.
ّ
على الرغم من أنها ليست واضحة تماما ،فإنها تيهئ لفضاء آخر يسهم في
تحولها إلى خطة أخرى .وليحذر الباحث من الخطة الجاهزة ،التي تنطبق على ّ
تعود الباحث الكسل واالتكال على البحوث جميعا مع تغيير في األمثلة ،فتلك ّ
ملفق ال غير.مجرد ّ وتكبل فيه روح البحث ،فيصبح ّ الغيرّ ،
– 2ا لخطة العملية املفصلة :Plan opérationnel détailléوهي التي
املفصلة بعدما أغنت ّ
املادة ّ األولي إلى مجموعة من العناصر يتحول فيها التصور ّ
ّ
ّ
التي جمعها العناصر العامة التي ظهرت بها في البداية ،وما أن يوزع الباحث
الخطة األولية ،حتى ّ ّ
يؤدي ذلك إلى إغنائها وتوسيعها، املعلومات على محاور
ّ
وتصبح خطة عملية نقرأ من خاللها املوضوع ،ويكون هدفها ،بالدرجة األولى،
املتحصل عليها بعد أن أصبح علىّ تأويل موضوع البحث في ضوء املعلومات
درجة من الوضوح ،فتتالش ى آثار الخطة األولية.
ّ
– 3خطة التحرير :Plan de rédactionوتتبلور بعد أن يقرأ الطالب
املادة فيجمع النصوص املتشابهة واملختلفة ،ويبحث لها عن مكان داخل ّ
الخطة ،مما يسمح له بالحصول على مجموعة من األفكار الجديدة التي ّ
يحولها
إلى عناوين فرعية ،يعمل الباحث على التنسيق فيما بينها من أجل وحدة
البحث ،وهنا ترتكز الخطة على عدة عمليات كالتحليل واالستنباط واملقارنة،
وتصبح صالحة لتحرير البحث في ضوئها.
71
كل مرحلة من هذه املراحل ،نرى ّ ّ
الخطة في ّ
بأنها ،إلى جانب إذا نظرنا إلى
كونها وسيلة لعرض املعطيات واألفكار املختلفة ،تساعد الباحث على التحليل
والكشف فتكون بمثابة الدليل أو اإلطار الذي يشتغل ضمنه.
للخطة؛ فيمكن أن ّّ
نحدد ثالثة أنواع أ ّما من ناحية الصياغة الشكلية
كل واحد منها مع طبيعة اإلشكالية املطروحة ،وهي:ينسجم ّ
ّ
– 1الخطة األحادية الخطية املتسلسلة :حيث يسير التفكير فيها
ّ
وتتحكم في التي تليها ،ويقوم القارئ خطياّ ، ً
وكل فكرة تكون محكومة بما قبلها،
بإدراك هذه العالقات بواسطة مقترحات وعروض مرتبطة فيما بينها بروابط
ّ
منطقية ،لذلك نجد هذا النوع من الخطة يسير حسب ترتيب .. 3 – 2 – 1الخ.
وهذا النوع من الخطط ذو الطابع األنجلوسكسوني هو الغالب في البحوث.
الخطة الثنائية أو ذات التفرع التقابلي :حيث يكون فيها ّّ
كل قسم –2
متشعبا إلى قسمين متقابلين ،كاملوت والحياة ،السلبيات واإليجابيات .وفي ّ
ً
الوقت نفسه يكون القسم الرئيس مقابال لقسم آخر ،وتتجلى بهذا الشكل:
2 1
72
ّ ّ ّ
– 3الخطة الثالثية :وهي خطة ديالكتيكية تتوزع على قضية ونقيض
أي مجال من لكل اإلشكاالت ّ
املعقدة في ّ قضية وتركيب ،وهي كما نرى صالحة ّ ّ
مجاالت البحث ،وعادة ما ترتبط بمراحل عليا من كتابة البحوث كأطروحات
ّ
الدكتوراه؛ حيث يكون الباحث في مستوى يمكنه من إعطاء البدائل ،ومناقشة
القضايا ّ
املعقدة واإلشكاالت املثي رة .غير أن عدم اعتماد هذا النوع من الخطط ،ال
يعني أن البحث ال يرقى إلى مستوى البحوث التي تعتمده؛ ألن اإلشكاالت ّ
املعقدة قد
تحويها أيضا خطة خطية أو ثنائية ،فالعبرة تكمن في التحليل واملقارنة
ّ
واالستنتاجاتّ .إن الخطة هي أحد أعمدة البحث األساسية ،وهي بمثابة أحد وجهي
العملة الواحدة ،بفضلها ينشأ بناء البحث؛ لذلك قال السيوطي ً
قديما " :ال ينبغي
هم بوضع كتاب ،أن يحيد عن غرضين اثنين :إنشاء مبنى وابتداع ّ
ملصنف إذا ّ
معنى ،وما سوى هذين الغرضين فتسويد الورق" .هي إذن أحد العوامل األساسية
التي قد تطرح مشاكل عديدة إذا لم يلتزم الباحث ببعض القواعد ،كضرورة
التناسب في الحجم بين الفصول واألبواب ،فذلك يعكس عدم قدرة الباحث على
توزيع ّ
مادته وإدراك العالقات بين اآلراء املختلفة.
إن تحقيق االنسجام والنسق الذي يجمع العناصر بطرق علمية يجعل
البحث في حركية تكون عناصرها في تفاعل ،وتسفر عن عالقات تعطي للبحث
أهميته ومن ّثمة قيمته العلمية ،وأما غيابهما في البحث فيعتبر دليال على عجز
ّ ّ
الباحث عن صنع خطة يوزع فيها املعلومات بطريقة منهجية.
73
الفصل الثاني
املستوى اإلشكالي للبحث
74
حيرته ،أو سؤال قد تتبين له بداهة فكرة استهوته ،أو ضعف إشكالية ّ فقد ّ
ّ
أجيب عنه ولم يطلع على مصدره.
ّ
يتسرع الباحث في ّإن أكث ر البحوث اشتماال على املخاطرة؛ هي تلك التي
التسجيل فيها بدافع الحماس والطموح املبالغ فيه الذي يقترن في أحيان كثيرة
باعتداد بالنفس ،أو إفراط في التسرع؛ ولكي ال يقع في هذه املخاطرة ،عليه أن
يسير وفق منهجية ّ
معينة في اختيار املوضوع.
يبدأ البا حث بتحديد املجال الذي يرغب أن يبحث فيه ،بحسب الرغبة
يحدد الظاهرة املراد مناقشتها واإلحاطة بها ،وبعد ذلك يصوغ الفعلية فيه ،ثم ّ
اإلشكالية أي :ما يثير التساؤل في الظاهرة ،وما يقتض ي اإلجابة عنه ،ثم يضع
افت راضات لإلجابة عن األسئلة بالسعي إلى إثباتها أو دحضها.
إن ذلك كله ينبغي أن يكون مرتبطا بالهدف من البحث ،على الرغم من
أن للبحث أهدافا كثيرة يجب أن يضعها الباحث نصب عينيه وبحسب األولوية،
ومنها:
-يجب أن يعرف أي باحث أن كتابة بحث هي منبع إرضاء معرفي عميق،
ّ ينمي الفضول املعرفي ّ ّ
ويحفزه ،إلى جانب كونه ضرورة عملية تمكن الباحث من
الحصول على شهادة عليا تسمح له بأن تكون له مكانة ّ
مهمة في املجتمع.
يمكن الباحث من توجيه ذهن الباحث نحو عدة أمور ّ
-إن البحث نشاط
منها:
تكون ظاهرة ما أو -القدرة على حصر إشكالية ما يراها ضرورية في ّ
تطويرها أو تهميش ظاهرة أخرى.
-إعطاء مواقف وأفكارا شخصية من خالل تخمين إجابات الفت راضات
تثيرها اإلشكالية وتنظيمها وفق آليات منهجية معينة.
75
-االكتشاف والتعرف على آراء وأفكار اآلخرين من خالل املراجع التي
ّ
يتمكن من جمعها وقراءتها ،وبالتالي اكتساب معلومات ومعارف إضافية تسهم
في تكوين شخصيته والرفع من مستواه.
إن معرفة هذه األمور نظريا ،ال يفيد الباحث في ش يء ما لم يمارسها،
ويحرص على االستفادة من كيفية توظيفها من أجل اختيار موضوع بحث
للتخطيط و ّ تتوفر فيه الشروط األكاديمية الال مة؛ ولذلك هناك أدوات ّ ّ
التفكير ز
من أجل الوصول إلى الهدف املرجو من اختيار املوضوع ،وأهمها :وضع أسئلة
اإلشكالية ،وصياغة الفرضيات ،وتحويل املعطيات إلى موضوع إشكالي.
ّ
كثي را ما يقال يجب توفر إشكالية للبحث ،وعادة ما تناقش قضية خلو
البحث من إشكالية ،دون أن تعطى األهمية إلى كيفية صياغتها وكيف تكون
األسئلة هي األداة األساسية للتفكير وزيادة ّ
التحصيل العلمي.
ّ
إن تعثر الباحثين املبتدئين في صياغة أسئلة ،يعود بالدرجة األولى إلى
ّ
الطريقة التي تعلموا بها .فما زلنا نلقن الطلبة ،ونستبعد الطريقة الحوارية.
ّ
مازال األساتذة في مستوى التعليم العالي يطرحون على الطلبة أسئلة التذكر
لترجع إليهم بضاعتهم.
وتشير نتائج ا لطلبة وطبيعة البحوث املقدمة أن عددا كبي را من األساتذة
يطورون أسئلتهم ،وال يدركون أنها تلعب دورا كبي را في تحصيلهم العلمي أكثرال ّ
يفرقون بينيقدمونها لهم ،كما أن الطلبة أنفسهم ،ال ّ من املعلومات التي ّ
مختلف أنماط األسئلة وكيفية استخدامها إال من حيث الحكم عليها بالسهولة
ّ
أو الصعوبة؛ فإذا كانت أسئلة توطد معلومات األستاذ أو تراجعها؛ فهي سهلة،
ّ
وإذا كانت أسئلة غير مباشرة تباعدية تتطلب التفكير واإلبداع واالختالف
باتخاذ موقف أو حكم؛ فهي من الصعب العسير؛ لذلك يبدو طبيعيا أن يحتار
الطلبة في مستوى الدراسات العليا في اختيار موضوع للدراسة ،ولذلك يبدو من
76
املهم الحديث عن كيفية الوصول إلى وضع أسئلة؛ ّ
ألن أي إشكالية ال بد أن
ّ
تتشكل منها وأن موضوعا بدون إشكالية محكوم على صاحبه بالفشل.
ما معنى السؤال؟
يعرف السؤال عادة بأنه :جملة استفهامية تحتاج إلى جواب ،أو هو ّ
معينة من حيث:محاولة الحصول على معلومة بالبحث في معطيات ظاهرة ّ
وتطورها ،نتائجها أو عالقاتها بظواهر أخرى في مجال ّ خصائصهاّ ،
تحولها،
ّ
آخر ،وغير ذلك من األهداف؛ ولذلك ،عادة ما تشكل أسئلة إشكالية ما ،من
ّ
أجل أهداف تتمثل في ما يلي:
-اكتشاف ما هو مجهول.
-تشخيص معرفة سابقة بطريقة مغايرة.
-تقديم تطبيق على مسألة نظرية.
-تفسير بعض الظواهر أو تطوير املفاهيم.
-كشف العالقات املوجودة بين الظواهر وأسبابها.
التعمق في فهم معطيات أو قضية ّ
معينة. ّ -
-ترسيخ عالقة سبب بنتيجة نعرفها أو العكس.
-تشخيص صعوبة فكرة ما ،واقت راح حلول.
-است ثمار منهج ما في دراسة ظاهرة معروفة.
-تنمية القدرة على التفكير وتطوير التقدير.
ّ
-التمكن من التعبير عن قضايا مختلفة.
إن معرفة هذه األهداف هو جزء من امتالك القدرة على صياغة
ّ
األسئلة ،والتمكن من تكوين مواقف إيجابية؛ لذلك ال بد أن يطرح الطلبة
الباحثون على أ نفسهم مثل هذه األسئلة ،كما قد يسهم األستاذ املشرف في
اختبار قدرة الطالب على اكتساب مهارة صياغة السؤال من خالل طرحه أسئلة
77
عليه عندما يستشيره في موضوع البحث ،ويكون الهدف منها هو التعرف على
ّ ّ
توجهات الطالب املعرفية والعلمية واملنهجية ،وربطها بمدى توفر الرغبة وإرادة
معين ،ومحاولة استغالل هذه القدرات العلمية واملنهجية البحث في موضوع ّ
والنفسية في توجيهه نحو ظاهرة معينة تستحق الدراسة ،أو تلفت انتباهه إلى
ّ
ظاهرة يعتقد أنها من املسلمات ،في حين ،هي تثير أسئلة إشكالية ،كما قد
يصرفه عن أمور يعتقد -ملحدودية تجربته -أن ا لبحث يصلح فيها ،وهي أمور قد
حسم األمر فيها ،ال تضيف إلى البحث العلمي جديدا.
هناك طرق مختلفة الختبار الطالب ،وأفضلها ما كان فيها مطالبا بتنفيذ
االختبار ،وخاصة من خالل أسئلة االمتحان التي تطرح على طلبة السنة
التحضيرية من املاجستير ،ملعرفة قدرتهم على صياغة إشكالية بحث انطالقا
معينة ،وهذا ما قمت به مع طلبة شعبة السيميائيات لسنة من معطيات ّ
2004- 2003بجامعة تيزي وزو- ،ارتأيت أن أعرضها في هذا السياق -وكان
السؤال عبارة عن معطيات معروفة يحاول الطالب انطالقا منها أن يصوغ
تلقاه منإشكالية ،وأن يقترح خطة أولية ملشروع بحث علمي في ضوء ما ّ
اتجاهات سيميائية (الداللة والتواصل والثقافة) سأعرضه مع إجابة طالب
وطالبة.
املعطيات :لقد كان النص القرآني وما يزال ،هو الحدث األكبر في اإلسالم،
وال نظن أنه يوجد في الحضارة اإلسالمية من النصوص ما استقطب االهتمام
كالذي ناله النص القرآني؛ ف لقد كان في العصر اإلسالمي األول موضع تأثير ّ
يشد
اآلذان ويبهر القلوب ،وبغياب الرسول ،عليه الصالة والسالم ،اختلف علماء
اإلسالم في استكناه معانيه وتأويلها .ففي حين انطلق علماء اإلعجاز من اعتباره
نسقا لغويا ،بيان إعجازه في بالغته ،نظر إليه املتصوفة باعتباره نسقا رمزيا،
78
باطنه أولى من ظاهره ،وتجاوز أمره إلى العامة التي أضفت عليه طابعا تقديسيا،
جعل منه تعويذة تكرر أو حرزا يتداوى به ،يبطل السحر ويبعد األذى عن
الصغار والكبار ،وانتقل الحفظ في الصدور إلى الحفظ على الصدور في تميمة
ّ
تعلق على صدر طفل أو توضع تحت وسادة مريض.وملا ازدهرت الحضارة
اإلسالمية ،وظف النص القرآني على املنابر واملحاريب ،وفي واجهات القصور
وعد موضوعا جماليا ّ
يجسد في رسم وتزينت به النساء في هيئة عقدّ ،واملدائنّ ،
على ورق أو ينحت في الصخور والخشب ،وصبغ بالذهب وزين بالجواهر والدرر،
حمال معان.ولم يخرج النص القرآني عن كونه قوال ّ
إن نزول القرآن بلسان عربي ،جعل اللغة العربية تخلد به وتالزمه ،حتى
أن الثقافة العاملية ،جعلت للفن الذي يوظف فيه الخط العربي اسم
"األرابيسك" ،نسبة إلى العربية ،وبقدر ما كان املسلمون يبتعدون عن القرآن
قراءة وتالوة وذكرا ،كان يقترب هو منهم من خالل إطار ّ
يزينون به منازلهم ،أو
ّ
حلي تتحلى بها نساؤهم ،أو مجلد في رفوف مكتباتهم.
-السؤال :من هذه املعطيات ،صغ إشكالية بحث في ضوء االتجاهات
ّ
وتصورا لخطة بحث أولية؟ السيميائية املدروسة وضع عنوانا
-اإلجابة:
حبي والطالب حسين إجابة مركبة مما جاء في إجابة الطالبة حكيمة ّ
خالفي:
القرآن كتاب هللا املعجز ،يحمل بداخله ما ال يستطيع بشر أن يأتي
بمثله ،ولقد تناوله الدارسون من مختلف النواحي وبمناهج مختلفة .وانطالقا
من النص الذي بين أيدينا تبلورت لدينا عدة أسئلة ارتبطت بمختلف الدالالت
التي حمل بها النص القرآني ،وبمختلف التأويالت التي ارتبطت به.
79
لعل أول سؤال يطرح هو :ما طبيعة العالقة املوجودة بين النص القرآني
باعتباره كالما واستعماالته املختلفة في الثقافة اإلسالمية؟ كيف حدث هذا
التحول وكيف حدث الخرق؛ أي االنتقال من كونه خطابا دينيا مقدسا ،هدفه ّ
تقويم حياة البشر إلى توظيفه في مجاالت أخرى من الحياة ،اكتسب من خاللها
معاني أخرى ودالالت جديدة ؟ ما داللة استعماله كتعويذات وارتباطه بطالسم
في السحر والشعوذة؟ ما داللة كل هذه العالمات واألنساق التي أنتجتها الثقافة
الشعبية؟ ملاذا نحتت آيات القرآن في املباني واملساجد وكتبت بماء الذهب
وزينت بالجواهر والدرر؟ هل أن قداسة القرآن هي التي ر ّسخت النص القرآني
في أذهان العامة أم هي طبيعة تحول األنساق واألنظمة الداللية في
املجتمعات؟ ،ما مقدار تواجد القرآن في املجتمع وبالخصوص آية الكرس ي؟
لقد ثبت أن القرآن هو نظام من العالمات ،حاول العلماء وصفها
ّ
وتحليلها ورصد تحولها في مجاالت الحياة املختلفة ،وكيفية ممارستها في شكل
طقوس مختلفة ،فما داللة هذه العالمات ،وبشكل أدق كيف انتقلت داللة
القرآن من كونه نظاما لغويا إلى نظام غير لغوي؟ هل هذه النقلة من االهتمام
بالقرآن الكريم من قراءته ومعرفة معانيه إلى تجسيده كتابة وخطا ومعتقدا،
تعبر عن استنفاذ ملعاني النص ودالالته ،وبالتالي االنتقال إلى تجسيده وجعله
جزءا من املحيط والثقافة؟ أم هو مجرد تعميم وإحاطة بالثقافة الدينية؟
إن هذه األسئلة يمكن أن نصوغ منها إشكالية البحث ،وندرسها في ضوء
املنهج السيميائي ،ولعل أهم اتجاه يساعدنا في اإلجابة على هذه األسئلة هو
اتجاه سيميولوجيا الداللة والثقافة ،حيث يمكننا تبني االتجاهين من رصد
كيفيات استعمال النص القرآني في املجتمع وفي الثقافة اإلسالمية ،ومن خالل
ممارساته الطقوسية له من طرف العامة ،ثم داللة كل ذلك.
80
ال بد في هذا ا ملجال أن نعود إلى داللة رسم اآليات القرآنية في املساجد
والبنايات وتاريخ التوظيف وأسبابه ،وذلك باالعتماد على مفهوم املوسوعة
ألمبرتو إيكو ،مثال ،وكيف تساهم في فهم وتأويل األنظمة والعالمات ،كما يمكن
االستفادة من سيميولوجيا الصورة البصرية بالنظر إلى النص القرآني كفعل
فني يصوغ جمالية الخط العربي وتنوعه بتنوع األقطار ،فنجد الخط املغربي
والفارس ي والكوفي والرقعي وغيرها من الخطوط التي تحيل على تميز خاص
داخل إطار ثقافي عام مبرزة التنوع الجمالي ،بمزاوجة هذا الفن بفن العمران
وهو نسق دال مختلف ،كل هذا يمكننا تناوله في إطار نظرية العالمة عند ش.
س .بورس ،الذي نجد في نظريته مجاال معرفيا خصبا يمكن اعتماده في دراسة
النص باعتباره نسقا عالميا له ممثالته وموضوعاته ومؤوالته املختلفة،
وباعتباره رموزا لحضارة ومؤشرات على تحوالت ثقافية وإيقونات ملجتمع،
وعليه ،يمكن أن يصاغ البحث في عنوان" النص القرآني من القراءة إلى
الصورة -دراسة سيميو ثقافية" أو "سيرورة تأويل النص القرآني" ،حيث يتم
تقص ي املسار التأويلي الذي رافق النص القرآني.
هذه خالصة إجابة الطالب والطالبة املذكورين -أعدت صياغة بعض
عباراتها .لعل عدم ذكر الخطة فيها راجع إلى أن اإلجاب تين حصرتا الخطة في
محورين عامين هما :النص القرآني باعتباره نسقا لغويا ،والنص القرآني
باعتباره ممارسة جمالية؛ مما يعني أن الطالب في هذا املستوى من البحث ومع
قدمت له ،ال يمكن أن ّ
يقدم إال محاور عامة؛ ألن الخطة تبدأ في املعطيات التي ّ
ّ
التشكل مع مرحلة جمع املادة.
أما بالنسبة لصياغة إشكالية البحث ،فواضح هنا استثمار الطالب
والطالبة معرفتهما في السيميائيات ،وواضح أيضا كيف ساهمت هذه املعرفة في
بلورة أسئلة هي من صميم االتجاهات السيميائية ،والدور الذي لعبته املعطيات
81
املذكورة -وهي من املسلمات بالنسبة لهما -في صياغة أسئ لة اإلشكالية ،وهي أسئلة
مقبولة إلى حد كبير بالنسبة لطالب في السنة التحضيرية كانت أول امتحان له.
كيف تصوغ أسئلة فعالة إلشكالية قائمة على مواصفات علمية؟
-أعط لنفسك الوقت الكافي لصياغة أسئلة ،والوقت الكافي ليس محددا
بالزمان بقدر ما هو محدد بالطريقة.
-تحاش األسئلة التي تتطلب اإلجابة املباشرة ب نعم أو ال؛ ألنها لن تفيد
كثي را.
تولد السؤال من السؤال؛ ألن هذه الطريقة تجعلك ّ ّ
تتعمق في -حاول أن
ّ
للتوصل إلى اإلشكالية التي تستحق الدراسة. الظاهرة املدروسة
-اطرح أنواعا مختلفة من األسئلة منها ما هو مرتبط باملنهج ومنها ما هو
مرتبط بالنص ،ومنها ما هو مرتبط بصاحب النص ،وأخرى بالتاريخ ،فقد تجد
إحداها أهم من األخرى عند اختبارها.
ّ ّ -
كون األسئلة التي تمكن من صياغة األشكال والنماذج ،أي األسئلة التي
تركز على العالقات.
-صغ أسئلة جديدة وطريفة ومدهشة قائمة على اإلمكان :ماذا ينتج عن
التخيل :ما الذي يمكن وكيف يمكن وملاذا هذا؟ واالحتمال :ماذا سيحصل؟ و ّ
يمكن أن؟
-صغ أسئلة افت راضية بأجوبة تخمينية.
-صغ أسئلتك بلغة وأسلوب واضحين للتأكد من أنها أسئلة فعالة.
-تأكد أال تكون بعض أسئلتك خاطئة.
ما هي الفرضية وكيف تصاغ؟
إن نجاح الباحث في وضع أسئلة هو الوجه اآلخر لصياغة الفرضية،
ودليل على أهميتها في الوقت نفسه ووضوح الهدف من البحث ،وعندما ّ
يتم
82
للباحث كل هذا ،يكون قادرا على استنباط املفاهيم التي ّ
يتم تحليلها ،والتي
ّ
تشكل في الحقيقة جوهر اإلشكالية العلمية للبحث ,وبمجرد ما يصوغ الباحث
مفاهيمه يكون أمام ما يسمى بالفرضية التي هي اإلجابة املقترحة ألسئلة
البحث ، 39التي تقتض ي التنبؤ بإجابة تقوم على إيجاد عالقة منطقية بين رأيين
ّ
التحقق منها .وإذا كانت القضية قائمة ،كما قلنا ،على أو عنصرين أو أكثر ثم
األسئلة فهذا ال يعني ،أن التنبؤ باإلجابة ال بد أن يحدث في البداية ،فكثي را ما
يؤدي ذلك إلى تأكيد تتحقق الفرضية بعد إدراك العالقة بين العناصر ،وقد ّ ّ
الفرضية إذا كانت اإلجابات موضوعية غير نابعة من رأي شخص ي ذاتي مثال ،أو
إلى نفيها .أما إذا كان الباحث ال يمتلك الوسائل الكافية واملعطيات التي تسهم في
ّ
تأكيدها ،فإن أس ئلته ال تقوم على مفاهيم تتعلق بالظاهرة املدروسة وال على
العالقات بين أجزائها.
الفعالة وافت راض إجابة من شأنه أن يوصل الباحث إلى إن طرح األسئلة ّ
إيجاد عالقات بين عناصر الظاهرة ،بحيث يكون كل عنصر سببا آلخر ,وهو ما
يجعل الهدف من البحث واضحا ,قابال للفهم والت أويل ،فيمنح فرصة للحوار
توصل إلى صياغة الفعال والتفكير املخصب ،وبهذه الطريقة ،يكون الطالب قد ّ
إشكالية علمية تؤهله الختيار موضوع بحث.
محاذير حول توجيه األستاذ املشرف:
في هذا املستوى هناك محاذير ّ
توجه إلى األساتذة املشرفين ،وهي :أال
تخصصهم ّ
وتوجهاتهم دون اختبار هذا التوجيه ،مثلما ّ يوجهوا الطلبة بحسب ّ
وضحنا سابقا .وإذا ما حدث أن اقترح األستاذ على الطالب موضوعا بحسب ّ
- 39يراجع موريس أنجرس ،منهجية البحث العلمي في العلوم اإلنسانية ،تدريبات عملية ،ترجمة :بوزيد
صحراوي ،كمال بوشرف ،سعيد سبعون ،مراجعة مصطفى ماض ي ،دار القصبة ،2004 ،الجزائر ص
151
83
توجهه هو ،ووجد ارتياحا لدى الطالب واستوعب املوضوع بسرعة ووضع ّ
توجه الطالب منذ البداية لكن أعوزته أسئلة اإلشكالية ،فهذا يعني أنه كان ّ
الطريقة وحالت قلة التجربة دون تحديد وضعه وتوضيح قصده ،أو أعوزته
اللغة في التعبير عنه.
ما عالقة األسئلة باملنهج املختار؟
ال بد من اإلشارة إلى قضية أساسية في صياغة األسئلة بالنسبة للباحث،
وهي :أنها يجب أن تكون مرتبطة بالظاهرة ال باملنهج ،وال بأس أن تكون أسئلة
املنهج أدوات مساعدة الستثارة أسئلة الظاهرة؛ ألن أسئلة املنهج هي من النوع
التقاربي ،فإذا قلت مثال :ما هي تقنيات السرد و أنواعه في رواية ّ
معينة ،أو ما
نوع املفارقات الزمنية أو املنظور السردي؛فيها؟ فموضوع هذه األسئلة والذي
هو السرد والبنية الزمنية ،حاضر في ذهني من خالل ما حدده رواد علم السرد
الحديث كجيرار جينيت مثال ،ومن ّثمة ،فإن األجوبة تكون حاضرة في هذه
األسئلة األسئلة .في حين لو قلت مثال :ملاذا أصبحت اللغة هي موضوع الحكي في
روايات الحبيب السائح؟ الستوجب األمر أسئلة أخرى وبحثا من أجل الوصول
إلى أجوبة تنطلق أساسا من الرواية ذاتها ،ومن روايات سابقة عند نفس
الروائي ،أو عند غيره من الروائيين ،وهي ّ
تعد أسئلة تباعدية؛ ألن اإلجابة عنها
ليست معطاة ومعروفة سلفا ،ولذلك ال يمكن أن تساهم في صياغة إشكالية.
هذا النوع من األسئلة يساعد الطلبة على تطوير مستويات عليا من
التفكير ،ليصب حوا باحثين خالقين ،ومبدعين في حل القضايا ومثقفين علميا. ّ
ّ ّ
فاألسئلة التي تتطلب معلومات كأن يتذكر الطالب مفهوم البرنامج السردي أو
أنواع السرد أو أنواع املفارقات أو الفرق بين الكالم واللسان في اللغة أو أفعال
ّ
الكالم في التداولية ،هي ذات تأثير مختلف عن األسئلة التي ال تذكر بل
تستشرف ،وال بأس أن يستعين الطالب ببعض املفاهيم لكي يصوغ أسئلة
84
علمية ،لها تأثير في صوغ الفرضيات وتخمين األجوبة ،وهنا ال بد أن يتجاوز
ّ
مستوى التذكر واالستيعاب والتطبيق اآللي ،إلى مستوى التحليل والتركيب
املبررات ،وهذا النوع من األسئلة ّ
يسمى األسئلة املفتوحة، وتقديم األسباب و ّ
تحفز عمليات التفكير التباعدي ،وإنتاج املواقف؛ وهي أسئلة تقوم على التي ّ
االفت راض والتنبؤ ،والتفكيك وإعادة البناء ،إنها أسئلة ّ
تحفز على التفكير
باالحتماالت القائمة على ربط األفكار املعروفة بأفكار غير معروفة من أجل
ّ
إعطاء تفسي رات جديدة ،وتتطلب تفكي را تركيبيا عالئقيا.
كيف يمتحن الباحث اختياره للموضوع؟
ّ
عندما تتوفر للباحث القواعد النفسية الضرورية الختيار املوضوع من
رغبة وإرادة ،ومعطيات ،يخضع الباحث نفسه وموضوعه بمساعدة أستاذه
املشرف إلى نوع من االمتحان حدده Jean- pierre Fragniereفي كتابه
Comment réussir un mémoireفي املخطط التالي الذي استفدنا من بعض
شرحه له:40
40 -jean-pierre Fragnière , comment réussir un mémoire, éditions, dunod, 2 éd Paris 1996
p17.
85
- 1سعة املوضوع :وهي مرتبطة بشمولية املوضوع ملجموعة من
ّ
اإلشكاليات التي يصعب الربط بينها ،أو توزعه على فت رات زمنية متباعدة ،لذلك
تحدد اإلشكالية ،وأن تكون قابلة للد اسة غير مستهلكة ،وأن ّ
يحدد يفضل أن ّ ّ
ر
املوضوع زمانيا ومكانيا ،إلمكانية الخروج بنتائج يمكن تعميمها واالستفادة منها.
فال يمكن مثال أن يختار الطالب ظاهرة الرمز في األدب العربي الحديث؛ ألنه
ّ
يتوزع على عدة إشكاالت ،منها ما هو متعلق بالنثر بأنواعه ،ومنها ما له عالقة
بالشعر بأنواعه ،كما أن الرموز أنواع ولها مصادر متنوعة دينية وتاريخية
وأسطورية وأجنبية ،ولها أسباب في توظيفها ،ثقافية وذاتية ،وأخرى مرتبطة
توجهاتهم اإليديولوجيةالكتاب لهم ّ بعملية الكتابة عند كل مبدع ،كم ا أن ّ
والدينية والسياسية املختلفة ،فضال عن أنهم من أجيال مختلفة وغيرها من
اإلشكاالت التي ال يمكن أن تكون موضوع بحث واحد.
- 2وضعية املوضوع في حقل املعارف :على الطالب أن يكون على دراية
ّ
املتوصل إليها، باملوضوعات التي أنجزت في املجال الذي ي بحث فيه ،والنتائج
وضرورة السعي إلى اإلضافة وليس إلى التكرار ،فما أنجز يصبح ملكه وما لم ينجز
فذلك الذي عليه القيام بفعله ؛ لذلك نجد كثي را من الباحثين يقعون ضحية
تم قبلهم ،فيكشفون بعد أن قطعوا أشواطا كبيرة أن املوضوع درس، جهلهم ملا ّ
واإلشكالية حلت فيصابون بالخيبة ويضيع الهدف.
ّ
على الباحث أن يسأل نفسه :أين توقفت قراءاته؟ ومنذ متى قرأ في املجال
الذي يريد أن يختار البحث فيه؟ ،وما هي التطورات التي حصلت في ميدان توجهه،
وال بد أن يسأل األساتذة والباحثين الذين كتبوا في املوضوع.
تطور الحياة ،وفي إطار العوملة - 3الداللة االجتماعية للموضوع :مع ّ
الثقافية وضرورة املحافظة على الهوية ،ال يمكن للباحث أن يكون حياديا في اختيار
املوضوعات التي ترتبط بمجتمعه وحضارته ،والتي ّ
تعرفه بت راثه وتساهم في تطوير
86
يتعلق بثقافته وإبراز عناصر ّّ
التميز فيها؛ لذلك نرى الجامعات الغربية تفرض ما
من خالل األساتذة املشرفين على الطلبة األجانب أن يتناولوا ظواهر مجتمعاتها
ّ
بالدراسة والتحليل ،ولذلك يبدو التفطن إلى هذه القضية أمرا ضروريا.
ليس للطالب الجزائري إملام بما كتب في الشعر أو الرواية أو القصة أو النقد
في الجزائر ،بل نراه أحيانا يعرف عن األدب الغربي من األسماء وعناوين الروايات
والدواوين أكثر مما يعرف عن الكتاب الجزائريين ،والنتيجة أننا تركنا تراثا بأكمله
نعرف به .فكم من باحث في الرواية بين رفوف املكتبات أو في البيوت ،ال نعرفه وال ّ
يعرف محمد مفالح أو الحفناوي زاغر ،أومرزاق بقطاش ،وكم من باحث في الشعر
يعرف عثمان لوصيف و عبد هللا حمادي مثال .كم من باحث في النقد ال يعرف عن
النقد الجزائري شيئا حتى أننا أصبحنا نعتقد ونؤمن بأننا أمة ال تنتج.
- 4صعوبات املوضوع :على الباحث أن يضع في االعتبار أن كل عمل له
صعوباته الخاصة ،وأن مصادر الصعوبة مختلفة تبدأ من كفاءته وقدرته هو على
البحث واملثابرة وتنتهي عند الصعوبات املادية املرتبطة بضرورة التنقل ،خاصة إذا
ّ
كان البحث ميدانيا ،وقد تكون متعلقة بصعوبة املنهج أو قلة املراجع ،وحتى
بالوقت ّ
املحدد للبحث.
تخص امتحان املوضوع ،وهي كما نرى مقترنة بالباحث؛ ّ هذه املحاور
لذلك سوف نجد بأن ما تشتمل عليه خانات الباحث يلتقي مع خانات
املوضوع؛ فيكون السؤال عن هذا إجابة عن ذاك.
فاملنفعة الشخصية ال يجب أن تتعارض مع طبيعة املوضوع ،ألن الوقت
والشهادة والعمل والترقية كلها يجب أن توضع في الحسبان فيختار املوضوع الذي
يتناسب مع مرحلة معينة من وضعه الشخص ي ،ولذلك نرى الجامعات الغربية
تحدد طبيعة املوضوعات الخاصة باملاجستير ،والتي تصلح لكي تكون أطروحة
دكتوراه ،األمر الذي ال يوجد عندنا ،حيث نجد بعض طلبة املاجستير أنجزوا
87
بحوثا في مستوى أطروحة الدكتوراه ،ودكاترة لم يبذلوا إال جهد الطالب املبتدئ،
وهنا تطرح قضية االستفادة من البحث ،وربما هو األمر نفسه بالنسبة للموضع
االجتماعي للباحث ،وتكوينه وقدراته املعرفية واملادية املرتبطة بإنجاز موضوع
ّ
معين.
إن هذا االختبار هو امتحان لقدرة الباحث واملوضوع على السواء ،وهو
التردد وتضييع الوقت والعجزيسهم بشكل كبير ،في رد كثير من املخاوف و ّ
ألن الباحث ،حتىواالنسحاب والرداءة .واالختيار في النهاية هو ركوب الخطر؛ ّ
مجرد وضعية ابتدائية للبحث؛ وإن نجح في امتحان االختيار عليه أن يعلم أنها ّ
والوضعية البدئية هي حالة من ّالالمعرفة ،ومراحل البحث هي التي ّ
تجسد
تحول الالمعرفة إلى معرفة ،حيث يشبه الباحث بطل الحكايات الذي ينبغي أن
ّ ّ ّ
تتوفر لديه الرغبة في تغيير الوضع املتمثل في حالة االفتقار ،إلى وضع التملك،
ويمر بثالث مستويات تطابق التجارب الثالثة املعروفة في فتواجهه صعوباتّ ،
حكاية البطل.
حاولت بيرنديت بلو Bernadette Plotأن تقابل بين هذه التجارب وبين
فيجسد األول املستوى املؤسس( التجربة التأهيلية) أول ّ مستويات البحث،
لقاء مع موضوع البحث ،وهو خطاب االكتشاف ،والتحفيز الشخص ي الذي
يتمظهر في شكل إرادة املعرفة أو وجوب املعرفة vouloir-savoir ou un devoir
-savoirحيث يتأكد هاجس البحث عند الباحث باعتباره قادرا على البحث،
ويمتلك الوسائل النظرية واملنهجية للوصول إلى نتائج ّ
قيمة.
أما املستوى الذي يتمفصل من خالله املستويان اآلخران ،فهو املستوى
العملي (التجربة الترشيحية) .إنه خطاب البحث عن القناعات العلمية ،وتقديم
املعطيات املنطقية من أجل تح قيق الهدف املنشود ،ويتمظهر هذا الخطاب في
ملفوظ أفعال املعرفة نفسها وهو ملفوظ الفعل.
88
يمر من مرحلةإن ملفوظ تحقيق األفعال املعرفية ،يسمح للباحث أن ّ
املحصلة إلى فعل املعرفة ،faire-savoirإنه املستوى ّ تحول املعرفة ّ
التحقيقي(التجربة املمجدة)؛ حيث يحيل إلى ما هو أكمل ،ويعرض النتائج التي
تتجسد في ملفوظات الحالة كائنة وظاهرة لكي يستطيع املتلقي أن ّ
يقيم ّ
الحقيقة.
إن هذه املستويات تتداخل فيما بينها ،وتتكئ على بعضها البعض لتضمن
صالبة التطور 41ولذلك ،قد ال يبدو غريبا أن نرى بعض الباحثين ّ
يغيرون
يتبين لهم أن وسائلهم وعملياتهم مجرى البحث في مستوى معين منه بعدما ّ
النظرية أو املنهجية ال تسعفهم في االستمرارية بالطريقة التي بدأوا بها.
41 -voir, Bernadette Plot Ecrire une thèse ou un mémoire en sciences humaines ; Champion
Paris 1986, p182-183.
89
ما هي شروط صياغة املوضوع أكاديميا؟
ّ
إن هذا االمتحان املذكور آنفا ،سيمكن الطالب واملشرف معا من اختيار
موضوع إشكالي ال وصفي ،يعكسه عنوان ّ
تحدده ا لشروط األكاديمية التالية:
- 1الدقة والوضوح :أن ال يكون في العنوان غموض أو إبهام ،وال ما يدعو
إلى الشك و ّ
التأويل وال أن يكون طويال ممال وال قصي را مخال.
- 2الجدة واالبتكار :ونقصد بها اإلضافة العلمية التي ال ّ
يكرر فيها
لجدة قد تكون آتية من موضوعات أو يعيد صياغة إشكالية مدروسة ،فا ّ
اإلشكالية الجديدة املطروحة ،أو من املنهج الجديد الذي تعالج به اإلشكالية.
وهذا ال يمنع الباحث أن يختار موضوعا مطروقا إذا رأى أنه يستطيع أن يأتي
ّ
املطبق في بجديد أو يثبت ضعف النتائج السابقة ،أو عدم كفاية املنهج
الدراسات السابقة.
- 3التحديد الزماني واملكاني :وهو مرتبط كما رأينا بسعة املوضوع؛ ألن
غياب اإلشكالية في كثير من األحيان يكون هو املسؤول عن عدم التحديد
والدقة ،وال يشترط بالضرورة ذكر املكان أو الزمن بالتحديد؛ ألن هناك
نتعرف بها على ذلك ،كاسم الكاتب ،أو القدم والحداثة ،فذكر مصطلحات ّ
املتنبي مثال يكفي للداللة على العصر ،كما أن الشعر العربي املعاصر ،أو
الروائيين الشباب ّ
يدل على املرحلة.
إن هذه الشروط تمكن الباحث من عدم ّ
التردد بين العنوان الجملة
والعنوان الفقرة ،العنوان البرنامج والعنوان التركيب ،العنوان التساؤل
والعنوان التأكيد ،العنوان املختصر والعنوان الذي ال ينتهي ،العنوان الصحفي
الذي يستفز والعنوان الحيادي العلمي.
تحقق األكاديمية بشكل نهائي ال يكون إال بعد االنتهاء من البحث؛ إن ّ
لذلك كثي را ما يكون العنوان النهائي هو آخر ما يكتب ،وللعنوان أهمية كبيرة
90
بالنسبة للقارئ ،فهو بداية البحث ،وله دور في فتح النص ألنه بمثابة فاتح
للشهية .وإذا كان العنوان اإلبداعي يتحمل اإليحاء والغموض ،وال يعطي قرائن
كثيرة للقارئ من أجل تعيين املعنى ،فإن العنوان األكاديمي ال يؤدي هذا املعنى
نظرا للشروط التي ذكرناها ،فهو باعتباره أوال ،يعد بداية للسيرورة السيميائية
للبحث ،ونقطة بداية والدته ،فعندما يقرأ ألول وهلة ،يفترض من القارئ
محققة فيصبح العنوان إشارة لرسالة هي معينة وافت راضات قد يجدها ّ تأويالت ّ
البحث ،ويغدو فهمها إدراكا للقصد منه.
أيهما أصلح للطالب املوضوع النظري أم التطبيقي؟
كثي را ما يحتار الطالب في طب يعة املوضوع الذي يختاره ،خاصة فيما
يتعلق بمسألة النظري والتطبيقي .ففي الوقت الذي نجد فيه بعض الطلبة
يسمى املوضوعات النظرية؛ ألنهم يعتقدون -خطأ -أنها يحبذون البحث فيما ّ ّ
األسهل؛ لكونها مرتبطة بعملية جمع نصوص من الكتب وتنظيمها وتنسيقها،
يعتقد آخرون أنهم -ولك ي ال يضيعوا بين النظريات واألفكار -ال بد أن يختاروا
موضوعا تطبيقيا- ،وهو األسهل بالنسبة إليهم أيضا -ألنه يبعدهم عن األفكار
تكبلهم ّ
وتحد من حريتهم. والنظريات التي قد ّ
إن مصطلحي السهولة والصعوبة ليسا معيارين صحيحين للحكم على
مفهوم النظري والتطبيقي؛ ألن التطب يق وارد في كال املوضوعين سواء من يعتمد
فيه على تحليل نظرية أو مفهوم ،أو على تحليل نص إبداعي ،وبالتالي ،ال معنى
لوجود موضوع نظري باملفهوم املتعارف عليه ،كما ال يوجد موضوع تطبيقي
صرف ،ومن يعتقد أنه يطبق بدون خلفية نظرية ،ال بد أن يعلم أنه "ال توجد
موضوعات تطبيقية بدون معارف نظرية.42
42 - Jean-pièrre fragnière, comment réussir un mémoire, éd, DUNOD ? Paris 1996, p 13
91
إن مفهوم الشعرية عند العرب ،أو مفهوم العالمة عند علماء األصول أو
توصل إلى هذهعند بورس peirceمثال هو موضوع نظري بالنسبة إلى من ّ
النظرية أو تلك ،أما بالنسبة للباحث الذي يحاول أن يبحث في هذا املفهوم أو
النظرية ،فهي محاولة لتحليلها والوقوف على خصائصها ومقارنتها واستنباط
أحكام معينة منها ،وهذا ال يختلف فيه مع باحث آخر يتناول رواية ،ويكشف
عن كيفية بناء شخصياتها ،يحللها ويستنبط نتائج منها.
فاإلشكال إذن ،قائم في طبيعة املوضوع ذاته ،هل هو موضوع إشكالي
مهمة تضيف جديدا إلى البحث العلمي؟ أم أنه موضوع وصفي يطرح أسئلة ّ
تجميعي؟ ال يحتاج إلى دراسة ،أو أنه بحاجة إلى أن ّ
يتحول إلى موضوع إشكالي.
نحول موضوعا ما إلى موضوع إشكالي؟ كيف ّ
ّ
هناك اعتبارات كثير تتحكم في تحويل موضوع ما ،إلى موضوع إشكالي،
تلقي ظاهرة معينة لدى القراء ،أو نتائج هيمنة موضوع ّ
معين في ترتبط بطبيعة ّ
فترة زمنية معينة دون أن يسأل ملاذا يحصل ذلك ،كما قد ينبع من مالحظة
نتائج ظاهرة ّ
معينة ،وأثرها في الواقع على القراء وفي البحث العلمي ،وقد يعود
إلى الغرض من تحويل موضوع ما ،مهما كانت طبيعته ،أو إلى أسباب أخرى
ّ
التوجهات واإليديولوجيات واملستوى وغير ذلك. مختلفة باختالف
مثال :تحويل موضوع التناص إلى موضوع إشكالي :ليس هناك باحث في
األدب العربي يجهل هذه الظاهرة اللصيقة باألدب ،فقد كتب فيها الكثير ،حتى
أصبحت موضوعا يستهوي الكثير من الباحثين ،فنرى كثي را من البحوث ّتتخذ
موضوعا لها البحث عن أشكال التن اص في قصيدة أو رواية معينة استنادا إلى
ما كتبه باختين Bakhtineفي الحوارية أو Gerard Gennetteجي رار جنيت في
ّ
كتابه أطراس Palimpsestes؛ حيث حلل الظاهرة بمختلف مستوياتها ،وجعل
التناص نوعا من ظاهرة التفاعالت النصية الخمسة ،وكانت قبل ذلك julia
92
kristèvaجوليا كريستيفا ،أول من أشار إلى هذه الظاهرة من حيث املفهوم
واملصطلح ،ولذلك أصبح الباحث ال يجد صعوبة في الكشف عن هذه الظاهرة
في النص املدروس؛ ألنها ،كما أسلفت ،ظاهرة لصيقة باإلبداع ،فال يمكن أن
يكتب اإلنسان إال انطالقا مما يقرأ ،أي أن هذه الظاهرة هي تسمية أخرى
لتوظيف الت راث.
لقد غدت هذه الظاهرة موضوعا مألوفا ،حتى أننا أصبحنا نقرأ صورا
ّ
التوجه، مستنسخة لبحوث ال تختلف إال من حيث النصوص ،وقد راعني هذا
ورأيت أن أجعل منه موضوعا إشكاليا ،بحافز من دعوة وجهت إلي من الرابطة
العاملية لألدب اإلسالمي ،حيث كان موضوع التناص واحدا من محاور الندوة،
وملا كان هذا الحافز طريقا لتحويل هذا املوضوع إلى موضوع إشكالي ،مراعاة
للتوجه اإلسالمي للندوة ،كانت نتيجة ذلك أن كتبت موضوعا عن التناص ّ
معين ّيتضح من خالل بلورة بإشكالية نابعة من هذا الحافز ،ومرتبطة بغرض ّ
اإلشكالية التالية:
تطرح مقولة التناص Intertextualitéعددا من القضايا النقدية ،وتثير
عددا من التساؤالت ،لعل أهمها :كيف يمكن من وجهة نظر إسالمية أن ّ
نقيم
التناص نفسه؟ 43وهل يعد التعالق بين النصوص -من وجهة النظر السائدة
عندنا بتأثير من الغرب -إهدارا للهوية النصية؟ وهل يعتبر التناص -من وجهة
النظر هذه أيضا -عائقا بنيويا يقف دون تحقيق خصوصية التشكيل اللغوي
لألديب؟ ثم ما عالقته بخصوصية األجناس األدبية عند الشعوب ،وكيف استغل
من قبل البعض لتجسيد مطالب الحداثة وما بعد الحداثة ،وكل منهما أسهم
وبأشكال مختلفة أحيانا ومتشابهة أخرى في إلغاء الهوية تبع ا للدعوة إلى إلغاء
- 43قدمت اإلجابة عن هذه اإلشكالية إلى ندوة اللغات والترجمة ،جامعة اإلمام سعود بالسعودية.
93
األنماط األساسية للفكر واإلبداع وعلمنة األخالق ،وما هو السبيل إلى حفظ
هوية التناص ونصوص الهوية؟
إن هذه األسئلة تبلورت من خالل عنوان يتماش ى مع الغرض وهو:عوملة
التناص ونص الهوية.
كيف يختار األستاذ املشرف؟
اقترنت عملية اختيار املوضوع باختيار املشرف ،وكثي را ما ربط ضعف
البحث بضعف اإلشراف ،كما اقترن نجاح بحوث أخرى بسمعة األستاذ
املشرف ،وهذا راجع إلى عدم إدراك حقيقة اإلشراف؛ ألن مسؤولية املشرف
يقيمان بمدى مسؤولية الطالب والت زامه؛ وهما عنصران أساسيان في والت زامه ّ
الجيد ،وإذا ما تخلى أحدهما عن الت زامه ومسؤوليته ،أخفق عملية اإلشراف ّ
الطالب في بحثه .فماذا ينتظر الطالب من األستاذ املشرف؟
ّ
ينبغي أوال ،أن تتوفر في األستاذ املشرف الكفاءة العلمية والفعالية وروح
ّ ّ
املسؤؤلية والتوافق النفس ي مع الطالب ويتجلى الت زامه املركب هذا ،فيما يلي:
- 1يعطي للطالب املعلومات والتوضيحات والتوجيهات الالزمة حول
اختيار املوضوع ،وقد يقترح عليه مجاال للبحث ويساعده في تحديد اإلشكالية
يوجهها له ،يعرف من خاللها مستواه وتوجهاته باختباره عن طريق أسئلة ّ
وقدراته ،مثلما أكدنا سابقا ،ويختبر أسئلته وفرضياته.
- 2يشارك الطالب في امتحان اختبار املوضوع الذي ذكرناه سابقا.
ّ
- 3يدله على املصادر القاعدية التي يبدأ بها.
ّ
املتخصصين الذين يفيدونه. - 4يعرفه باملصادر التي ّ
تهمه وببعض
- 5يعطيه بعض التعليمات النظرية واملنهجية في كيفية العمل.
- 6يعطيه نصائح منظمة حول تطور اإلشكالية وتبلورها.
تقدمه وماذا حقق. - 7ي بدي له أحكاما على املراحل التي قطعها ومدى ّ
94
- 8يقرأ له ،ويعيد القراءة ويوقفه على األخطاء ،ويوجهه نحو الطريقة
التي تمكنه من تفادي الخطأ.
- 9يساعده على توضيح بعض املسائل واملفاهيم وحل بعض املشكالت
العالقة وغير املتوقعة.
- 10يصارحه حول قيمة ما قدم سلبا وإيجابا.
وال يتصور الطالب بعد هذا أن وظيفة األستاذ املشرف هي إعادة صياغة
البحث إذا كان أسلوب الطالب ركيكا ،أو استنباط األحكام والنتائج إذا كان غير
قادر على إدراك العالقات بين اآلراء والنصوص املختلفة .فذلك طالب عليه
التفكير في كيفيه البحث قبل ال خوض في موضوع البحث ،أما املشرف غير
امللتزم بقواعد اإلشراف ،فاألحسن أن يتنازل عن هذا الحق الواجب ،فكثير من
األساتذة يشرفون إداريا فحسب ،يلتقون بالطالب مرة في بداية السنة إلمضاء
أوراق التسجيل اإلدارية ،فإن كان باحثا جيدا ارتفع شأنهم به وإن فشل حملوه
املسؤولية.
هل االختيار تقييم لألستاذ؟
ّ
تقييمية لألستاذ من نشير إلى أن اختيار األستاذ املشرف ،ليس عملية
الطالب ،فكثي را من األساتذة يختارون من الطلبة من يرون أنهم قادرون على
ّ
تقديم الجيد ،غير أن هناك مقاييس ذاتية أو إيديولوجية قد تتحكم في عملية
اإلشراف؛ لذلك قد تتدخ ل الهيئة العلمية باملؤسسة كاللجنة العلمية أو
ّ
متعددة ،مثل املجلس العلمي في هذه العملية استنادا إلى اعتبارات علمية
التخصص ونوعية البحوث التي أشرف عليها األستاذ وسيرته العلمية والتأهيل ّ
تلبي حاجيات وتوجه الطلبة نحو موضوعات ّ ّ العلمي ،وطبيعة املوضوع،
متخصصين في مجال يحقق أهدافا اجتماعية وحضارية، ّ الجامعة إلى أساتذة
كالتعريف بالت راث واملساهمة في ّ
حل اإلشكاالت العلمية للوطن.
95
كيف يختار الطالب املنهج؟
توضح لنا أن أسئلة املوضوع وإشكاليته قد يبدو األمر بسيطا إذا ما ّ
تحوي بالضرورة املنهج الذي يستقيم معها ،حينها يدرك الطالب أن الظاهرة
املراد درسها ،أو املجتمع املقصود باملعاينة ليس هو املوضوع األكاديمي ،فال
يكفي أن يقول الطالب أريد أن أدرس ديوان "مقام البوح" لعبد هللا العش ي أو
رواية "تلك املحبة" للحبيب السائح ،أو املجموعة القصصية "اللعنة عليكم
جميعا" للسعيد بوطاجين أو لغة فئة البطالين ،لنقول بأنه اختار موضوعا؛ ألن
املوضوع ،كما أوضحنا سابقا ،سلسلة من العمليات الذهنية ،التي تبلورها
مجموعة من األسئلة حول نص معين أو ظاهرة لغوية أو اجتماعية معينة،
تشكل إشكالية يستوجب على الطالب البحث عن إجابات أو تخمين حلول
ونتائج لها ،أما الع ّينات والنصوص والظواهر فمطروحة في الطريق ،على حد
تعبير الجاحظ ،يعرفها الجميع ،إنما األهم يكمن في صياغة اإلشكالية وحصر
املوضوع.
إننا بطرح األسئلة نبني وجهة نظر معينة هي التي ّ
يتحدد بها املوضوع الحقا،
ووجهة النظر هذه ال بد أن تسهم في بلورتها خلفية معرفية مع ينة؛ هي املنطلق
املنهجي الذي يوجه الباحث نحو التركيز على قضايا دون أخرى .فإذا أردت مثال أن
أد س ّ
توتر العالقة املعروف بين املتصوفة والسلطة الدينية في التاريخ اإلسالمي ر
العربي فهذا يعني أنني أطرح أسئلة من قبيل :ملاذا حصل هذا؟ ملا لم تتواصل
السلطة مع الخطاب ا لصوفي؟ ما هي القضايا املوجودة في هذا الخطاب التي
جعلتهم ال يتقبلونه؟ هل األمر مرتبط باعتبارات شكلية بنيوية أم باألفكار؟ ما هي
أوجه الخالف بين الخطاب الصوفي والخطاب الشعري الرسمي؟ وغيرها من
األسئلة التي يمكن أن تصوغ لي موضوعا عن طبيعة التواصل في الخطاب الصوفي
96
أو إكراهات تلقي الخطاب الصوفي ، 44وهنا يبدو جليا ،أنني قد أنطلق من نظرية
ّ ّ
فالقضية إذن التلقي أو نظرية التواصل والسيميائيات ألحلل هذه اإلشكاليات،
ليست الخطاب الصوفي شعرا أو نث را لكي يكون هو موضوع البحث بل اإلشكالية
املرتبطة به وهي أزمة التواصل في الخطاب ذاته.
ملن األسبقية للمنهج أم للموضوع؟
إن ّ
قضية أيهما أسبق املنهج أم املوضوع ،أو أن طبيعة املوضوع هي التي
تفرض املنهج ،ال يجب أن يثيرها باحث أدرك كيف ّ
يتم بناء املوضوع األكاديمي،
معين لجعلها أسئلة ،يصبح كما أن االنطالق من مفاهيم أو مصطلحات منهج ّ
البحث عنها ف ي النص املراد تحليله هدفا في ذاته ،يعد ّ
تجنيا على النص واملنهج
ّ
على حد سواء؛ ألن العالقة بين النص واملنهج تؤكدها طبيعة األسئلة املطروحة
في اإلشكالية ،والهدف من البحث ،والنتائج التي ّ
خمنها الباحث.
ال توجد طريقة علمية واحدة يمكن اعتمادها للوصول إلى الحقيقة؛ ألن
طرق العلم تختلف باختالف املواضيع التي يدرسها كل باحث ،وكل موضوع
معين من املناهج العلمية املالئمة له .هناك البحث الذي ّ
يقدم يحتاج إلى نوع ّ
يوضح أصحابها طروحاتهم معرفة نظرية خالصة ،وهناك من البحوث التي ّ
النظرية بأمثلة وشروح تطبيقية ،وهناك البحوث التي يلتزم فيها أصحابها
يحولونها إلى آليات للوصف بتحليل ظاهرة يعتمدون على مفاهيم نظرية ثم ّ
والتحليل واالستنباط.
ّ
تخص - 44يراجع كتاب الحركية التواصلية في الخطاب الصوفي آمنة بلعلى والذي أعيد طبعه العتبارات
جمعية االختالف بعنوان :تحليل الخطاب الصوفي في ضوء املناهج املعاصرة ،منشورات االختالف الجزائر.
.2002
97
واختالف املوضوعات األكاديمية يعكس بالضرورة اختالف املنهج ،كما
ّ
أن قيمة النتائج تتوقف على قيمة املناهج املستخدمة ،45ألنه -كما أوضحنا
آنفا في عملية اختيار املوضوع -ال بد أن تنسجم أسئلة النص مع أسئلة املنهج،
تكمل بعضها البعض ،وينتج عنها في معظم األحيان حقائق ومع هذا فاملناهج ّ
جديدة لم نكن نعرفها ،أي بفضل استعمالنا ملختلف األساليب العلمية قد
نصل إلى اكتشاف ظواهر لم تخطر على البال.
إذا كان املنهج هو الطريق امل وصل إلى الحقيقة ،فقيمة البحث مرتبطة
وصحة املعلومات تضفي على الدراسة ّ يتوخاه الباحث فيه، باألسلوب الذي ّ
ّ ّ
الجدية ،واملنهجية تؤثر في مجرى األمور وفي النتائج ،واختيار الطريقة طابع
ّ
التوصل إلى نتائج تفرضها طبيعة النص أو يعني انتهاج أسلوب ّ
معين في الكتابة و
الظ اهرة واملنهج معا.
هل يمكن حصر أنواع املناهج املعتمدة؟
ال يختلف اثنان في أن التطور العلمي والتكنولوجي واتساع املعارف
ّ
التعرف النظرية خلق معه نشاطا مماثال في طرق اكتساب هذه املعارف ،وفي
ّ عليها ونقدها ،و ّ
السعي في تحويل بعضها إلى آليات توظف في دراسة الظواهر
وتعددت واختلفت باختالف بتنوع املعرفة وثرائهاّ ،
املختلفة .لقد تنوعت اآلليات ّ
تنوعت البحوثّ ،
لتنوع االعتبارات املذكورة املقاصد واألسئلة واألغراض ،وكما ّ
تعددت املناهج بحسب املجال أو النظرية أو العلم الذي تنتمي إليه إلى آنفاّ ،
درجة أصبحت اإلحاطة بمجموع املناهج في العلوم اإلنسانية مثال أمرا
مستعصيا.
في اللغة واألدب ،ما زلنا نستقبل كل يوم تسميات ملناهج عديدة ،بعضها
مجرد إعادة صياغة ملفاهيم قديمة جرى تداولها بتسميات جديد واآلخر هو ّ
Festinger et kartz - 45نقال عن موريس انجرس منهجية البحث العلمي في العلوم اإلنسانية ترجمة يزيد
صحراوي وآخرون دار القصبة الجزائر 2004ص97
98
تفرعت عن منهج واحد ،بل إن كلمة منهج ذاتها ،أصبحت تزاحمها أخرى ،أو ّ
مصطلحات أخرى تحمل صفتها أو تتقاطع جزئيا معها ،أو تستلهم بعضا من
تقدم منهجها الخاص ،كما تجسد مفهوما من نظرية لم ّ آليات املنهج األصلي ،أو ّ
قد تأخذ من روح نظرية دون أن تلتزم بها حرفيا .إننا نقرأ مصطلحات أصبحت
عند البعض بديال لكلمة منهج ،مثل :دراسة ومقاربة وقراءة وفي ضوء أو إضاءة،
ّ ّ
التخصص، وغيرها من املصطلحات التي تعكس الث راء وفي الوقت نفسه الدقة و
بل كثي را ما أصبح املنهج ،أو ما يقوم مقامه هو الذي يعكس اإلشكالية أو
حدد من خالله املوضوع ،سواء كان قصدا أو فترة زمنية ،أو املقياس الذي ّ
ّ
التخصص. رغبة في أن يموقع الباحث نفسه عند نقطة ّ
معينة من
كنا اليوم ،ال نقف في عنوان بحث على ما يشير إلى املناهج السياقيةوإذا ّ
كالتاريخي واالجتماعي والنفس ي في األدب ،أو الفيلولوجي والوصفي واملقارن
تفرعت أوواالستقرائي والتقابلي في اللغة ،فان ذلك ال يعني اندثارها ،فلقد ّ
اندمجت في إطار مختلف ،وبرزت من خالل تسميات أخرى.
إن املناهج النصية وتفرعاتها كالبنيوية والسيميائية والتداولية واللسانية
االجتماعية واملوضوعاتية والتلقي وسوسيولوجيا النص والتناصية والنسقية
تعتمد الوصف والتحليل أو التاريخ أو املقارنة مما يعد جوهر املناهج
ّ
السياقية ،وهذا يعني أن الباحث في ا لعلوم اإلنسانية واللغة واألدب ،توفرت
لديه من الوسائل واآلليات الكثيرة ،ما يسمح له بدراسة الظواهر املختلفة،
وإيجاد الحلول ألسئلة كثيرة وإن كان التعامل معها بدقة وحذر أكثر ،نظرا
ّ للطابع العلمي لها؛ ّ
فكل منهج إذا ما استوعب يوفر للباحث اإلحاطة بالظاهرة
املدروسة بكل دقة وموضوعية.
ّ
التطوري للمعرفة لعل كثرة املسميات تعود من جانب آخر إلى الطابع
ّ
املتخصصة ،وإلى ما في بعض املناهج التي تعد اليوم تقليدية كالوصفي والتاريخي
والتحليلي ولم تعد ملك نفسها -إن جاز التعبير -فقد استفادت منها نماذج
نظرية مختلفة وأصبحت جزءا منه ا جميعا ،في حين ،انغلقت بعض املناهج على
99
نماذجها النظرية ،كاملنهج التجريبي الذي يسعى فيه الباحث إلى دراسة الظواهر
متغير مستقل ،ومالحظة النتائج على ّ
املتغير التابع)46 (في إطار التجربة بمعالجة ّ
خاصة ،في البحوث امليدانية. وهو يطبقّ ،
وملا كان املنهج التاريخي يستعمل الوثائق واملعلومات التاريخية قصد
االستفادة من تجارب املاض ي ،يرى البعضّ ،أنه ال يمكن فهم الحاضر إال
بدراسة املاض ي ،ولذلك فميزته ،أنه يدرس الظاهرة من خالل الرجوع إلى أصلها،
ّ ّ ويسجل ّّ
ويفسر هذه التطورات استنادا إلى املنهج تطوراتها ويحلل فيصفها
العلمي في ا لبحث ،الذي يربط النتائج بأسبابها.
إن إعادة بناء ماض ي الظواهر املختلفة نجده قائما في التناص وفي نظرية
ّ
التلقي ونظرية التأويل والتداولية ،وكلها تتوفر على الوسائل التي يصل بها
الباحث إلى وصل املاض ي بالحاضر في وصف الظواهر ،وفي عالقتها ببعضها
البعض.
كما أن امل نهج التجريبي ،وعلى الرغم ،كما قلنا سابقا ،من أنه ّ
يتميز
للتعرف على العالقات بين الظواهر ّ بإثبات الفروض عن طريق التجربة
ّ ّ
املختلفة ،فانه يمكن من إجراء تجارب حول تعلم اللغات ،وعالقة ذلك
نطبقه على أمراض اللغة ،وعلى األصوات ،ولغة الطفل، باملحيط ،كما يمكن أن ّ
تحريات ميدانيةتغير الدالالت املعنوية من منطقة ألخرى ،كما يمكننا من إجراء ّ و ّ
يخص ضعف املستوى وغير ذلك ،مما يؤكد عدم موت ّ للوصول إلى مفاهيم فيما
املناهج ،وإنما تنحصر تارة ،وتنحل في مناهج أخرى أحيانا أخرى.
متعددة تقوم بنفس الوظيفة التي كانت تقوم بها مناهج إن هناك مناهج ّ
أخرى ،فتساعد في اكتشاف العالقات القائمة بين الظواهر ،وجمع املعلومات
الالزمة لتكوين نظرية شاملة يمكن بمقتضاها إيجاد حل منطقي للقضية ،كما
تقوم على التخطيط الدقيق وجمع البيانات ،ثم تحليلها والوصول إلى نتائج حقيقية.
للتعرف على رغبات الجماعات وأهدافها ،وكذلك امليول ّ إنها تعتبر أداة ّ
قيمة
101
للتعرف على عالقة املوضوع باملنهج؟ ّ هل هناك طريقة
للتعرف على هذه العالقة ،ومن بينها :العالقة بينّ هناك طرق عديدة
ّ
أسئلة النص وما يفترض من أسئلة املنهج ،مثلما أكد ذلك محمد حمود ،نقال
عن نجيب العوفي في مقال له عن " ٍأسئلة النص وأسئلة املنهج" ،رأينا نقل
ّ
الجدول الذي صاغه عن املقال املذكور ،ألهميته الكبيرة بالنسبة للباحث ،لعله
ّ
يحد من أسئلة كثيرة عن عالقة املنهج باللنص أو املوضوع ،و ّأيهما يفرض اآلخر
عندما تثار قضية املنهج وموضوع البحث ،وهو يعد خي ر مثال لتوضيح هذه
القضية:47
- 47يراجع محمد حمود ،مكونات القراءة املنهجية للنصوص ،ط 1دار الثقافة للنشر والتوزيع الدار
البيضاء املغرب 1998مطبعة النجاح الجديدة.87 ،
102
داللتها على مستوى داللتها على مستوى املنهج أسئلة النص واملنهج
النص
الرسالة أو الداللة أي التحليل املضموني - 1ماذا يقول النص؟
والتيماتيكي للنص+التحليل الثاوية في أطوائه.
السوسيولوجي
املؤلف كمفرد بصيغة التحليل السوسيولوجي - 2من يقول النص؟
الجمع أو كجمع والبيوغرافي للنص.
بصيغة املفرد.
يعني طرائق اشتغال التحليل اللساني واألسلوبي يقول - 3كيف
وقوانين والسيميائي والبنيوي للنص. النص النص؟
تبنينه.
يعني املتلقي كطرف يعني منهجيا تحليل عملية - 4ملن يقول النص؟
النص ي، ومنتج التواصل مستهلك
واستحضار املنهج الثاني للنص.
للنص وفق نظرية التلقي
اللحظة التاريخية يعني منهجيا التحليل التاريخي - 5متى يقول النص؟
والسوسيوثقافية التي والسوسيوثقافي للنص.
ينشرط بها النص.
الفضاء يعني منهجيا ربط النص يعني - 6حين يقول النص
الجغرافي والوطني بواقعه البيئي ومجاله
الذي تالبس النص .البشري.
يعني الرسالة أو يعني منهجيا الكشف عن - 7لم يقول النص؟
الوظيفة التي يتوخى مقاصد النص االست راتيجية
103
وعن إيديولوجيته الضمنية. النص تأديتها.
يلخص هذا الجدول أسئلة املنهج والنص بالنسبة للباحث نالحظ كيف ّ
املبتدئ الذي ال يعلم عن املناهج الش يء الكثير ،ويحتار في اختيار املنهج؛ غير
عينة من املناهج املعتمدة ،فقط ،قد تلتقي مع مناهج أخرى وإن كانت أنها ّ
تختلف معها في التسمية وخاصة تلك املتعلقة بدراسة الظواهر اللسانية.
إن الذي يجب التركيز عليه ،هنا ،هو أن االنشغال الدؤوب بهذه األسئلة
أثناء قراءة النصوص ،يجعل الباحث يتجاوز البعد الواحد الذي قد يفرضه
عليه منهج واحد منذ البداية ،وخاصة بعدما أصبح "من البديهي أكثر فأكثر
ويشوهه ،أن يصير كال وينتمي إلى الكل وال ّ على النقد ،لئال يفقد موضوعه
ينشغل إال بالكل" كما يقول هنري ميشونيك ،48وخاصة بعدما أصبحنا نرى
معين على أغلب البحوث في جامعاتنا تنحو منحى آليا يستهدف تطبيق منهج ّ
مكونات النص أو الظاهرة التي تطرح أسئلتها نص ،دون األخذ بعين االعتبار ّ
وتستوجب منهجها.
لقد اتضح في كثير من األحيان ،أن صياغة أسئلة النص بطريقة علمية
أكاديمية تجعل الباحث -ومن دون أن يدري ،حتى وإن كان يجهل منهجا ما -
يشتغل بنفس آلياته وإجراءاته؛ ألنه ،وببساطة ،ساءل النص كما ساءله
يجر الطالب صاحب املنهج عندما انطلق هو أيضا من النص .وإذا كان األمر ّ
معين إلى نوع من اآللية التي يكون هم الباحث فيها البرهنة على باعتماد منهج ّ
ّ
تجلي املنهج في النص ،فاألفضل للباحث أن يبدأ بأسئلة النص أوال.
105
ّ ّ
– 1الخطة التوضيحية اإلعالمية :Plan indicatifوهي الخطة األولية
تجسد العناصر الكبرى واألساسية للبحث ،وتشرح املوضوع ،كما تعطينا التي ّ
صورة أولى عن طبيعته؛ إنها بمثابة املعالم الضرورية واألساسية الستعمال
تشكل القاعدة التي تنبني عليها استشارات الباحثّ ، ّ
وتوجهه املراجع،وهي التي
النص أو ذاك .كما تعطي للباحث ّ نحو املصادر واملراجع ،فيستقي منها هذا
وتسهل عليه عملية الجمع ،وفهم اإلشكالية ،وهي ّ
تسمى ّ النظرة اإلجمالية،
كذلك ،خطة البحث أو خطة القراءة.
ّ
على الرغم من أنها ليست واضحة تماما ،فإنها تيهئ لفضاء آخر يسهم في
تحولها إلى خطة أخرى .وليحذر الباحث من الخطة الجاهزة ،التي تنطبق على ّ
تعود الباحث الكسل واالتكال على البحوث جميعا مع تغيير في األمثلة ،فتلك ّ
ملفق ال غير. مجرد ّوتكبل فيه روح البحث ،فيصبح ّ الغيرّ ،
– 2الخطة العملية املفصلة :Plan opérationnel détailléوهي التي
املفصلة بعدما أغنت ّ
املادة ّ األولي إلى مجموعة من العناصر يتحول فيها التصور ّ
ّ
ّ
التي جمعها الع ناصر العامة التي ظهرت بها في البداية ،وما أن يوزع الباحث
الخطة األولية ،حتى ّ ّ
يؤدي ذلك إلى إغنائها وتوسيعها، املعلومات على محاور
ّ
وتصبح خطة عملية نقرأ من خاللها املوضوع ،ويكون هدفها ،بالدرجة األولى،
املتحصل عليها بعد أن أصبح علىّ تأويل موضوع البحث في ضوء املعلومات
درجة من الوضوح ،فتتالش ى آثار الخطة األولية.
ّ
– 3خطة التحرير :Plan de rédactionوتتبلور بعد أن يقرأ الطالب
املادة فيجمع النصوص املتشابهة واملختلفة ،ويبحث لها عن مكان داخل ّ
الخطة ،مما يسمح له بالحصول على مجموعة من األفكار الجديدة التي ّ
يحولها
إلى عناوين فرعية ،يعمل الباحث على التنسيق فيما بينها من أجل وحدة
البحث ،وهنا ترتكز الخطة على عدة عمليات كالتحليل واالستنباط واملقارنة،
وتصبح صالحة لتحرير البحث في ضوئها.
106
كل مرحلة من هذه املراحل ،نرى ّ ّ
الخطة في ّ
بأنها ،إلى جانب إذا نظرنا إلى
كونها وسيلة لعرض ا ملعطيات واألفكار املختلفة ،تساعد الباحث على التحليل
والكشف فتكون بمثابة الدليل أو اإلطار الذي يشتغل ضمنه.
للخطة؛ فيمكن أن ّّ
نحدد ثالثة أنواع ّأما من ناحية الصياغة الشكلية
كل واحد منها مع طبيعة اإلشكالية املطروحة ،وهي:ينسجم ّ
ّ
– 1الخطة األحادية الخطية املتسلسلة :حيث يسير التفكير فيها
ّ
وتتحكم في التي تليها ،ويقوم القارئ خطياّ ، ً
وكل فكرة تكون محكومة بما قبلها،
بإدراك هذه العالقات بواسطة مقترحات وعروض مرتبطة فيما بينها بروابط
ّ
منطقية ،لذلك نجد هذا النوع من الخطة يسير حسب ترتيب .. 3 – 2 – 1الخ.
وهذا النوع من ال خطط ذو الطابع األنجلوسكسوني هو الغالب في البحوث.
الخطة الثنائية أو ذات التفرع التقابلي :حيث يكون فيها ّّ
كل قسم –2
متشعبا إلى قسمين متقابلين ،كاملوت والحياة ،السلبيات واإليجابيات .وفي ّ
ً
الوقت نفسه يكون القسم الرئيس مقابال لقسم آخر ،وتتجلى بهذا الشكل:
2 1
107
ّ ّ ّ
– 3الخطة الثالثية :وهي خطة ديالكتيكية تتوزع على قضية ونقيض
أي مجال من لكل اإلشكاالت ّ
املعقدة في ّ قضية وتركيب ،وهي كما نرى صالحة ّ ّ
مجاالت البحث ،وعادة ما ترتبط بمراحل عليا من كتابة البحوث كأطروحات
ّ
الدكتوراه؛ حيث يكون الباحث في مستوى يمكنه من إعطاء البدائل ،ومناقشة
القضايا ّ
املعقدة واإلشكاالت املثيرة .غير أن عدم اعتماد هذا النوع من الخطط ،ال
يعني أن البحث ال يرقى إلى مستوى البحوث التي تعتمده؛ ألن اإلشكاالت ّ
املعقدة قد
تحويها أيضا خطة خطية أو ثن ائية ،فالعبرة تكمن في التحليل واملقارنة
ّ
واالستنتاجاتّ .إن الخطة هي أحد أعمدة البحث األساسية ،وهي بمثابة أحد وجهي
العملة الواحدة ،بفضلها ينشأ بناء البحث؛ لذلك قال السيوطي ً
قديما " :ال ينبغي
هم بوضع كتاب ،أن يحيد عن غرضين اثنين :إنشاء مبنى وابتداع ّ
ملصنف إذا ّ
معنى ،وما سوى هذين الغرضين فتسويد الورق" .هي إذن أحد العوامل األساسية
التي قد تطرح مشاكل عديدة إذا لم يلتزم الباحث ببعض القواعد ،كضرورة
التناسب في الحجم بين الفصول واألبواب ،فذلك يعكس عدم قدرة الباحث على
توزيع ّ
مادته وإدراك العالقات بين اآلراء املختلفة.
إن تحقيق االنسجام والنسق الذي يجمع العناصر بطرق علمية يجعل
البحث في حركية تكون عناصرها في تفاعل ،وتسفر عن عالقات تعطي للبحث
أهميته ومن ّثمة قيمته العلمية ،وأما غيابهما في البحث فيعتبر دليال على عجز
ّ ّ
الباحث عن صنع خطة يوزع فيها املعلومات بطريقة منهجية.
108
الفصل الثالث
املستوى العملي للبحث
جمع املادة la documentation
109
ّ
التوجه إلى موقع الظاهرة واالتصال املباشر إن من خصائص األولى
ّ
باألفراد أو الجماعات املمثلة للظاهرة ،واعتماد تقنيات معينة لجمع املعلومات
كاملقابلة واالستبيان واملالحظة( .سنتعرض لهذه الطرائق فيما بعد).
أما تلك التي تعتمد على االتصال غير املباشر مثلما هو الشأن في األدب،
مثال- ،ونستثني أغلب الدراسات في األدب الشعبي الذي تؤخذ مادته من الرواة
أفرادا كانوا أم مجموعات -فإن هذا النوع من البحوث يعتمد على الوثائق
املختلفة من كتب ومجالت تحوي املادة التي تتكون من مجموع املعلومات
تعبر عن آراء وأفكار أصحابها؛ فيستعين بها الباحث في كتابة(النصوص) التي ّ
ّ
بحثه تحليال ومقارنة وتأويال ويجعلها أدلة على أحكام يستنبطها وسندا
الستنتاجاته.
- Iجمع املادة في البحوث املكتبية
فرق الباحثون في هذا النوع من البحوث التي تعتمد على الكتب بين ّ
املصدر واملرجع .ويكادون يجمعون على أن املصادر هي الكتب القديمة ،أما
املراجع ،فهي الكتب الحديثة ،غير أننا ،إذا نظرنا إليها من حيث القيمة
يتبين لنا نوعان من املصادر؛ منها الكتب القديمة األولى التي جاءتالعلميةّ ،
وتعد من املصادر؛ ألن أصحابها استمدوا املعلومات ّ بعد مرحلة املشافهة،
بأنفسهم ،سواء عن طريق الرواية والبحث امليداني بين الناس في البوادي
والحضر ،أو في مجالس الخلفاء ،ومجالس العلم من أفواه الشيوخ والعلماء،
وهذا النوع من املصادر هو أقرب إلى الباحث من حيث الفائدة ملا ّ
تتميز به من
وتنوع في املادة العلمية وخاصة إذا كان الهدف من املوضوع هو تأصيل ثراء ّ
املفاهيم والنظريات.
هناك ،أيضا ،املصادر الحديثة ،ويشترط فيها أن تحمل نظرة تأسيسية لم
يسبق إليها أو على األقل تتناول ظاهرة ما بالتحليل والنقد من وجهة نظر غير
110
متداولة؛ فتصبح مصدرا لكل الدراسات التي تأتي من بعده في مجاله ،مثل ،كتاب
دروس في علم اللغة لدوسوسير ،ب النسبة للباحثين في اللغة واألدب؛ غير أننا،
كثي را ما نالحظ أن مصطلح املرجع هو أكثر تداوال؛ ألن استعمالهما غالبا ما يراد به
املعنى نفسه.
يقوم الباحث بجمع النصوص من املصادر األصلية ،ثم املراجع العامة
كالكتب املوسوعية واملعاجم وكتب الطبقات ،وكتب الت راجم على اختالفها إذا كان
املوضوع في الت راث .أما إذا كان حديثا فإنه يبحث عن الطرق املؤدية إلى تسهيل األمر
تخصه دون أن يستغني ،هو كذلك ،عن املعاجم ّ عليه القتناء الكتب التي
ّ
املتخصصة واملوسوعات.
أ -خطوات جمع املادة49:
ّ
بعد جمع الباحث ما توفر لديه من املصادر واملراجع يقوم بما يلي:
- 1إخضاع املراجع إلى التسلسل التاريخي؛ ألن ذلك يمكنه من ّ
تتبع
تصحح وتشرح الكتب الظاهرة التي هو بصدد البحث فيها ،فالكتب املتأخرة قد ّ
املتقدمة التي تحمل بعض النظريات التأسيسية فتضيف إليها ،وقد نصادف
ّ
غموضا في مراجع حديثة ،سببها سوء التأويل وتعثر فهم ملا ورد في مصدر قديم
يتجنى صاحب الكتاب الحديث على كتاب قديم فيجتزئ من أفكار ،كما قد ّ
األفكار من سياقها ،فتصبح موحية بعكس ما أراده صاحبها ،أو ّ
يتعمد إغالقها
ملقاصد مختلفة.
ّ
- 2يختار الطالب عددا من املراجع التي تحوي موضوعات تتعلق ببحثه ،على
يتحصل عليها دفعة واحدة ،ومهما كان األمر ،فإنه -ولكسب ّ الرغم من أنه قد ال
الوقت -يحسن به أن يعرف أجزاء الكتاب جيدا؛ ألنها تساعده على اتباع أقصر
- 49يستحسن بداية الرجوع إلى العنصر الخاص بكيفية قراءة الكتاب الذي أشرنا إليه في الفصل األول.
111
السبل في الوصول إلى املوضوعات املطلوبة ،وكذا مراجعة فهارس الكتب ،وتسجيل
أرقام صفحات األبواب والفصول التي لها عالقة ببحثه.
- 3ييهئ لهذه الكتب بطاقات fichesيشترط أن تحمل كل املعلومات
الخاصة:
ََ َ َ َ َ
-املؤلف ،كاتبا فردا كان أو جماعة ،واملترجم أَََََو املحقق
واملراجع.
-عنوان الكتاب كامال ،أو رقم الجزء أو املجلد -إن وجد -
-معلومات النشر كاملة يذكر فيها الطبعة واملكان والبلد والسنة.
-مكان تواجد الكتاب ،إذا كان خاصا يمتلكه الباحث أو معارا من زميل
أو موجودا في املكتبة تحت رقم كذا.
-تسجيل مالحظات تشير إلى أهمية فصل أو وجود ثبت باملصطلحات ،أو
أي ظاهرة تلفت النظر؛ لكي تسهل علي الباحث عملية التوثيق وتحقيق األمانة
العلمية ،ويسمى هذا النوع من البطاقات :بطاقة بيبليوغرافية fiche
bibliographiqueمثلما هي موضحة بهذا النموذج:
112
- 4تسجيل ما يجده مفيدا في بطاقات جمع املعلومات ،مع ذكر املرجع
الذي أخذ منه والصفحة واملؤلف والناشر؛ وهذا في حالة عدم اعتماد البطاقة
سجل الباحث املعلومات كلها فيها ،فيستحسن ذكر البيبليوغرافية؛ أما إذا ّ
تم اعتماد أكثر من مرجع لكاتب واحد ،ثم رقمصاحب الكتاب أو عنوانه ،إذا ّ
مدون على البطاقة البيبليوغرافية؛ حيث ّ
تدون املعلومة الكتاب كما هو ّ
باإلشارة إلى محتواها من خالل وضع عنوان لها وتسجيل الفصل الذي يمكن أن
ّ
موضح في النموذج تدرج ضمنه ،من فصول الخطة أو عناصرها ،مثلما هو
التالي:
إن عدم ذكر املعلومات الكاملة الخاصة بالكتاب ،يرجع إلى كونها ّ
مدونة في
وضحه النموذج السابق ،وهي البطاقة البيبلوغرافية الخاصة بالكتاب ،مثلما ّ
طريقة تقوم على االقتصاد ،الذي هو جوهر العملية املنهجية ،ويشير املزدوجان
إلى نقل النص حرفيا؛ أما املبادئ فقد ّتمت اإلشارة إليها بواسطة التلخيص،
ويمكن العودة إليها مشروحة في الكتاب عند الحاجة ،أو تعديل طريقة
التلخيص ،بالزيادة فيه ،إذا بدا أنها تحتاج إلى شرح وتوضيح.
- 5يقسم الطالب بعد ذلك بطاقات جمع املعلومات على حسب
موضوعاتها ،وبحسب الخطوط الرئيسية للبحث ،فإذا وجد أن املادة التي جمعها
113
األولي للبحث ،فال مانع من تعديله بحسب ما تستوجب إجراء تغيير في املخطط ّ
ّ ّ
تجمع لديه من مادة ،وهكذا ،فبطاقات جمع املعومات تنظم بحسب عناصر
البحث وقد نجد معلومات من كتب مختلفة حول نفس العنصر؛ لذلك يجب
ّ
الحرص على حفظ املعلومات املتعلقة بالكتاب وصاحبه ومعلومات النشر ،حتى
ال يلتبس األمر على الباحث ،فيسند نصا لغير صاحبه.
تدون في بطاقة جمع أما فيما يخص املالحظات والتعليقات ،فقد ّ
املعلومات ولكن ،تفاديا للخلط ،يمكن أن توضع لها بطاقات خاصة ّ
تسمى،
بطاقة التعليق ،fiche de commentaireغير أن هذه الطريقة قد تباعد بين
يفضل اعتماد بطاقة واحدة تشمل املادة والتعليق النص والتعليق عليه ،لذلك ّ
ويتم الفصل بينهما بلون قلم آخر ،واألفضل أال يشغل الباحث بطاقاته إال بما ّ
ّيتصل ببحثه مباشرة ،لكيال تتكاثر بطاقاته.
هناك من ينهضون ببحوث دون استخدام بطاقات ،فيستخدمون
ّ
كراسات تقل أهمية عن البطاقات في تنسيق املادة ،لكنها تتطلب دقة في
التنظيم وحرصا مضاعفا على حفظ معلومات النشر؛ فالبطاقة ،إلى جانب أنها
ذاكرة من ورق ،تسمح بإيجاد املعلومة التي نريد بسرعة ،إنها وسيلة لربح الوقت
وحفظ املادة بطريقة أفضل ولوقت أطول ،يستفيد منها الباحث في بحوثه
الالحقة أو يفيد بها غيره من الباحثين في بحوثهم.
ب -تقنيات االستفادة من املادة:
إن اعتماد البطاقات ،ليس إال تقنية لجمع املعلومات ،غير أن عملية
تسجيل املعلومات( ،النصوص املختارة للتدوين في البطاقة) يخضع إلى آليات
تتم بطريقة آلية ّ
يضيع تسهل عملية االستفادة من املعلومات ،ال ّمنهجية أخرى ّ
فيها الباحث جهده ووقته ،وال بطريقة ذاتية تعتمد على انتقاء ما سهل عليه وما
ّ
أثر في نفسه من أفكار ،فيترك األهم.
114
إن هذه اآلليات تتجلى من خالل تقنيات أهمها التلخيص واالقتباس
الحرفي أو املقلص ،كما يتعامل مع بعضها بكيفية أخذ رؤوس أقالم فقط.
- 1التلخيص Résumé
يعد التلخيص من املظاهر التطبيقية التي تسهم في تحقيق خطة البحث،
ّ
التمرن على الوفاء للنص األصلي " الوفاء للمعنى واالرتباط التام، فهو نوع من
إن أمكن ،بفكر الكاتب" 50ألنه يجب أن يحافظ على أفكار وآراء الكاتب دون
تعليق أو حكم.
أال ينقل الباحث من الكتب إال ما ّ ّ
يهمه ،وقد يحدث أن قد يبدو بديهيا
جدة املعلومات املوجودة في ا لكتب ،وخاصة بالنسبة يبدو كل ش يء مهم أمام ّ
ّ
للباحث املبتدئ لذلك هناك طرق منهجية تمكن الباحث من االستفادة من كل
املعارف الواردة في املراجع التي يقرأها ،ولكن ،بحسب أهمية هذه املادة أو تلك،
ومن هذه الطرق ،التلخيص ،الذي يعد جوهر عملية القراءة العلمية؛ لذلك
ّ
يتعين على الباحث إدراك ما هيته ووظيفته ومراحل القيام به.
ليس التلخيص حذفا لفقرة أو جملة أو مجموعة كلمات من نص وترك
ّ
أخرى لتعذر فهمها ،كما أنه ليس تسجيال النطباع عن نص وال تعليقا عليه،
وليس شرحا أو تحليال مقتضبا ،إنما هو آلية يقتض ي احت رام معنى النص وأفكار
ّ
صاحبه ،وتمثل فكر الكاتب ثم اإلحاطة باملهم من فكره ،بطريقة منطقية
ووفية" 51وتتم هذه العملية كما يلي:
50- le résumé du texte hatier, paris, 1979, p, 10, in Ecrire une thèse ou un mémoire en science
humaines, Bernadette PLOT, champion, éditeur, paris, 1986, p109.
51 - ibid, p, 110.
115
* معاينة النص من الخارج :وذلك من خالل رصد مؤشرات النص
الشكلية النحوية والتركيبية والسياق النص ي ونظامه العام من حيث البساطة
أو التعقيد.
* قراءة أولى شاملة للنص :وذلك بمراعاة املنطق الذي جاء به النص؛
أي إذا كان الكاتب قد عرض مفهوما أو تعريفا ليشرح فكرة أو يحللها ،وبأي
صيغة تلفظ بذلك ،وأي أسلوب ّاتبع.
* رصد العالقات املنطقية بين وحدات املعنى في النص :وذلك من خالل
البحث عن تلك الوحدات األساسية ،أو ما يعرف باألفكار الرئيسية ،ورصد
معينا ينتقل فيه صاحبه:طريقة ورودها؛ فقد نجد نصا ّ
-من سبب إلى آخر
-أو من نتيجة إلى أخرى.
-أو من حل إلى آخر.
-أو من سبب إلى نتيجة.
-أو من هيئة إلى هيئة أخرى لنفس الفكرة أو القضية.
-أومن تحليل إلى نتيجة.
-أو من وضعية حالية إلى مستقبلية.
-أومن وضعية ماضية إلى حاضرة.
-أومن رأي إلى آخر.
* تشكيل وترتيب ّ
املهم ،ويتم ذلك بما يلي:
-وضع خط على الكلمات والعبارات املعالم ،أو تأطير الجملة الهدف التي
تجسد املعنى ،أو التي تبدو غامضة والتي تثير إشكاال معرفيا ،أو تؤكد حالة. ّ
-استخراج معنى كل فقرة أو الفكرة األساس فيها ،وإغفال األفكار
الجزئية والشروحات واألمثلة.
116
-إعطاء عنوان يعكس املعنى أو يظهره ويؤكده ،وذلك من خالل جملة
ّ
يتسنى له تلخص الفكرة األساسية ،ويجب أن تكون بأسلوب الطالب؛ لكي ّ
إعادة التشكيل أثناء تحرير امللخص في صيغته النهائية ،فيستدل به أثناء عملية
تحرير البحث ،ويشترط أن يكون واضحا ومنسجما.
يتعين على الباحث إعادة تقييم النص ومحاولةحين تظهر األفكار كثيرةّ ،
رصد األهم من األفكار املفاتيح ،أو التي تحوي تعريفا ،أو تقارن بين وضعين أو
ّ
تدحض فكرة ،أو تكون دليال أو حجة على رأي ،أو تشكل استنتاجا ملعطيات قبلية.
117
* تحرير التلخيص :ويتم بمراعاة ما يلي:
-استعمال الطالب عباراته الخاصة التي يفترض أن تكون مختلفة عن
عبارات النص ما عدا املصطلحات التي ال يستطيع استبدالها نظرا لشيوعها.
-احت رام نظام صيغة تلفظ النص التي ورد بها ،بالحفاظ على من ّ
يتحدث
وإلى من وما موضع صاحب الن ص ،كما تراعى الوضعيات الزمانية كالحديث عن
تاريخ ظاهرة ما أو حاضرها أو حتى مجرد التنبؤ بها.
-احت رام معنى النص بالتعبير عن أفكار صاحبه دون تأويل أو تعليق أو
إضافة ،وأن يكون مصوغا بأسلوب واضح ومنسجم ،ليريح الذاكرة من كثرة
نصوص الغير؛ كما أن القدرة على التعبير باألسلوب الخاص للباحث تكون أول
للتحرر من اآلخر وامتالك أولى آليات الحجاج التي تهيئه ،أثناء عملية ّ خطوة
التحرير ،للشرح والتحليل ولهامش من التأويل.
لكن ما معنى األسلوب الخاص بالباحث؟ وإلى أي مدى يكون متحررا في
التعبير أثناء التلخيص ،أليس األسلوب هو الرجل كما يقال؟
قد تصادف الباحث أثناء صياغة امللخص مشكالت من قبيل فقر لغته
مقارنة بلغة الكتاب أو صعوبة لغة الكتاب إذا كانت رياضية أو منطقية أو
يتعود عليها الباحث ،مثل ،لغة طه عبد الرحمان أو محمد مفتاح أو فلسفية لم ّ
أمبرتو إيكو أو بعض أصحاب نظرية التلقي والظاهرا تية كغادامير ودوفرين
ّ
والسيميائيين كشارل سندرس بورس وغيرهم ,ففي هذه الحالة ،عليه أن يتأنى
يتعود على هذه اللغة أو تلك.قليال فيقتبس عوض التلخيص حتى ّ
قد يكون الكتاب الذي يقرأه الباحث مصوغا بطريقة منطقية في العرض
ال تسمح له بالتلخيص؛ حيث يلجأ بعض الباحثين األكفاء إلى وضع ملخص
لألفكار التي أوردوها ،وفي هذه الحال يضطر الباحث لنقل التلخيص اقتباسا،
وهذا ما فعلته في حديثي عن جمع املادة في البحوث امليدانية حيث فرضت علي
118
طريقة املؤلف أنجرس في كتابه " منهجية البحث في العلوم اإلنسانية" أن
ّ
التصرف فيها بإعادة ترتيبها أو إعطائها عناوين أو أعمد إلى اقتباس امللخصات ،و
املراوحة بينها وبين نصوص كتاب آخر.
امللخص بحوالي عشرة باملائة من النص األصلي، يقدر ّأخي را يفضل أن ّ
وهذه النسبة ال ينظر إليها من حيث الكم ،ولكن بمقدار تحقيقها ألهداف
التلخيص التي أشرنا إليها.
119
ّ
* حل اإلشكاالت املتعلقة بامللخص:
يفضل إعادة قراءة النص ومقارنته بما كتب ثم -إذا بدا امللخص طويالّ ،
يعدل فيه ،وذلك بحذف الجمل االعت راضية والجمل الشارحة واألمثلة ،وقد
تعوض عبارة بجملة والجملة املركبة بأخرى بسيطة. ّ
امللخص قصي را مخال باملعنى ،يتأكد الباحث من اإلملام بجميع-حين يكون ّ
يمهد للفكرة بشرحها أو املهمة منها ،كما يستحسن أن ّ وحدات املعنى وخاصة ّ
تعوض بعض العبارات القصيرة بجمل أطول ،وبهذا التمثيل لها ،مثلما يمكن أن ّ
الشكل ينقل النص على البطاقة املعدة لجمع املادة ،مع اإلشارة إلى رقم
الصفحة من أجل توثيق التهميش الحقا.
- 2االقتباس :citationوهي عملية نقل نصوص كما هي من الكتب،
وعادة ما تكون الطريقة األكثر استعماال بالنسبة للباحث املبتدئ الذي يبدو له
أن كل كلمة لها أهميتها ،فيعمد إلى نقل النصوص من الكتب دون تلخيص ،وهي
مرحلة انتقالية؛ فإذا كثرت قراءاته وبدأ يكتسب معلومات ،وبدأت الرؤية
ّتتضح ،يشرع في التعامل مع النصوص بطريقة التلخيص.
ّ
املتمرس - غير أنه يجب التأكيد أن من النصوص -حتى بالنسبة الباحث
ما يستوجب النقل الحرفي؛ ألن االقتباس هو نقل الفكرة والنص معا كما
نغير فيهما شيئا ،وإذا لوحظ خطأ يشار إليه في الهامش، وردت في املصدر ،ال ّ
يتميز النص الذيإال ما كان استطرادا أو شرحا أو تمثيال فنحذفه؛ ولذلك ّ
نقتبسه بمواصفات معينة هي التي تدفعنا إلى نقله حرفيا ،منها:
-أن يحوي النص تعريفا أو مفهوما أو فكرة جديدة.
-أن يحوي حكما بالسلب أو اإليجاب.
-أن يحمل كالما فيه تناقض أو جدل يثير الخالف ،شرط أال يكون
طويال.
120
نلخصه باملواصفات التالية: في حين يكون النص الذي ّ
-يحمل فكرة عامة أو أفكارا متشابهة.
-طويل فيه استطراد.
– فيه تحليل فكرة أو مجموعة من األفكار.
– يحمل تعليقا على رأي سابق أو على حكم.
– فيه مقارنة بين رأيين أو أكثر.
-فيه أمثلة أو شرح.
وقد يقرأ الباحث نصوصا ،فيستفيد منها بدون أن يقتبسها أو يلخصها
ويشير إلى أصحابها أو ال يشير ،وهي تلك النصوص ذات األفكار الشائعة
واملستهلكة والتي تكررت في أكثر من مرجع حتى أصبحت ملكا للجميع ،فيحق
يتبناها دون ذكر أي مرجع. للباحث أن ّ
إن هذه املواصفات هي بمثابة شروط يجب أن يوفرها الباحث لنفسه
ّ
أثناء عملية جمع املادة ،لتوفر له بدورها شرط الفهم والتحليل العلمي الدقيق
ّ
واستنباط األحكام أثناء التحرير ،وإذا ما تمثل الباحث شروط الجمع هذه،
سوف يوفر على نفسه عبء ركام من النصوص قد ال يفيده في ش يء ،بل قد
يشوش أفكاره وفهمه لقضايا بحثه األساسية.
يدون ،والعبرة في األهم ،وإذا كانت طريقة االقتباس ليس كل ما يقرأ ّ
واضحة يسيرة تقتض ي نقل النص كما هو دون حذف وال نقص بمراعاة شروط
يتصور البعض ،مجرد إعادة صياغة نص ّ معينة ،فإن التلخيص ،ليس كما ّ
بحذف كلمة أو جملة أو جمل ،كما أنه ليس تسجيل انطباع عارض أو تحليل
فكرة وتعليقا على نص؛ إنما هو اقتباس الفكرة بأسلوب الباحث ،ونقل الفكرة
بأمانة بحيث يحاول أن يصوغها صياغة ال يمكن أن تؤدي إلى تأويل أو سوء فهم
وغموض.
121
ولعل ما تفيدنا به عملية الجمع األكاديمية ،هو معرفتنا بطبيعة
نصنف املتشابه منها واملتناقض ّ النصوص وأهميتها ،فنستطيع بذلك أن
والغامض ،ونكون قد اكتسبنا أولى مالمح روح النقد وشخصية الباحث.
أخي را على الباحث أن ال يكثر من االقتباسات ونقل املعلومات إلى حد
ّ
إثقال عقله بذخيرة من املعلومات" ،فإن املعلومات املتعلقة باملشكلة تتركز في
بؤرة التفكير ،فإذا كانت املعلومات غير كافية لهذه املشكلة بالذات ،فإنه يمكن
الوصول إلى حل ما ،أما إذا كانت املعلومات كافية ،فإن وجود هذه الكمية من
املعلومات يجعل من الصعب على الذهن أن يبتدع أفكارا أصلية"52
- 3أخذ رؤوس األقالم : Prise de notes 53إن الهدف من أخذ النقاط
املعروفة برؤوس األقالم ،هو تحصيل املهم مما نسمع أو نقرأ ،وهذه النقاط
ّ توجه إلى الباحث نفسهّ ،
يسجلها مختصرة وتحمل بصماته الشخصية ليتمكن
من قراءتها واالستفادة منها الحقا ،كما أنها تعرض املعلومات بطريقة تراتبية
واضحة لتسهل عملية استيعابها وحفظها,و ترتبط بطبيعة الخطاب ومنهجية
صاحبه.
ولكي يتم للباحث ذلك ،ال بد أن يستعين ببعض العمليات املنظمة
املسهلة لعملية أخذ النقاط ،كاالختصارات والحذف والتلخيص والترميز و ّ
ووضع الترسيمات والجداول ،وإذا كانت بعض اللغات األوربية كالفرنسية مثال
تستسيغ أساليب ثرية من االختصارات ،فإن اللغة ا لعربية ال يمكن أن تخضع
لنظام اختصاري صارم في شكل حروف رامزة أصبحت متداولة ،األمر الذي
يحتم على الباحث أن يستعمل وسائل أخرى من االختصار ،من أهمها: ّ
-االختصار باخت زال املعلومات إلى جمل بسيطة أو إلى كلمات مفاتيح.
- 52وأ -ب بقردج :فن البحث العلمي ،ترجمة :جماعة من الباحثين ،ص .16
- 53يراجع في هذا املجال وغيره كالتلخيص كتاب Techniques du français
122
-اإلبقاء على األهم ،وهو وجه آخر لالختصارّ ،
يتم فيه اإلبقاء على
ّ
ويسمى التقليص. املعلومات التي تخدم هدفه من البحث،
-حذف بعض املعلومات؛ كأن يتخلى الباحث عن األوصاف واألمثلة
والصيغ املكررة ملعلومة واحدة وخاصة إذا تعلق األمر بخطاب شفهي.
-ترتيب املعلومات بحسب التسلسل املنطقي الذي ورد به النص ،وإذا
افتقد ال نص هذا التسلسل كما هو الشأن في بعض النصوص املكتوبة
واملسموعة خاصة يعيد الباحث ترتيب املعلومات لكي يسهل استيعابها وإدراك
العالقات بينها.
-إعادة قراءة النقاط ،وهي املرحلة األخيرة قبل استغالل املعلومة ،وذلك
بصياغة املعلومات في شكل عناوين رئيسة وأخرى فرعية ،وقد يوضع سطرا
يلخص األفكار في مخطط أو ترسيمة ّ
توضح تحت جملة أو فكرة معينة ،كما قد ّ
وتسهل إد اك العالقات ّ
املعقدة بين األفكار. بنية النص ّ ر
أما إذا كان النص مسموعا ،فإن هذه اآلليات كلها يجب أن يمارسها
الباحث كدليل على انتباهه وتركيزه على ما يقال ،ثم يعيد العملية مرة أخرى
ّ ّ
املسودة ،ويتبع نفس اآلليات في االختصار وإدراك عندما ينقل املعلومات من
ّ
املهم من األفكار54.
123
وفي كل مجموعة يكتب النصوص التي جمعها ،كل نص في ورقة مستقلة مع
مر ذكره؛ وهي طريقة ال كتابة مصدره ومراعاة الترتيب التاريخي والزمني الذي ّ
تختلف عن طريق البطاقات كثي را؛ حيث يضع الطالب كل مجموعة من الورق
السالف الذكر في ظرف خاص يشتمل على باب من أبواب البحث أو فصوله:
فظرف للمقدمة وثان للباب األول ،وثالث للباب الثاني ...وهكذا حتى ينتهي إلى
الظرف األخير الذي يضع فيه خالصة البحث والنتائج والجديد الذي ّ
توصل إليه.
ب -طريقة امللفات :classeursوتمتاز هذه الطريقة عن نظام البطاقة بأنها
ّ
أحفظ ألوراق البحث ،وتتمثل في بطاقات من الورق الرقيق متساوية األبعاد في
ّ
صورة كتاب بين دفتين من الورق املقوى ،فيه توثق البطاقات الرقيقة بوساطة
حلقتين من املعدن بعد أن تحزم البطاقات املذكورة بسلك ،ويمكن تحريكها
بسهولة ويسر ،كما يمكن تحريك أوراق الكتاب ،55وهذا النظام أحسن وسيلة
تتعرضلجمع النصوص وحفظها واإلضافة عليها ونقلها من مكان إلى آخر دون أن ّ
لإلتالف.
ومهما تكن الطريقة ّ
املتبعة ،فنظام بطاقة املعلومات ال غنى عنه؛ ألنه
من أ يسر الطرق حفاظا على املادة ،ومن أكثر الوسائل املساعدة على تنظيم
القراءة والتقدم في البحث؛ ذلك أن املشكلة التي يمكن أن يصادفها الباحث،
يحتم عليه في كل مرة إعادة ترتيب هي أن خطته تتعرض للتغيير في كل مرة مما ّ
املادة املجموعة تبعا لعناصر جديدة وحذف أخرى؛ ولذلك فهذه العملية في
ترتيب املادة تكون أنسب للباحث عندما ينتهي من عملية الجمع ويحدث تعديال
لخطة يمكن أن تكون خطته للتحرير.
- 5بطاقات القراءة fiches de lecture
- 55كــان عل ــي جــواد ط ــاهر مــن األوائ ــل ال ــذين ذكــروا ه ــذه الطــرق ف ــي كتاب ــه مــنهج البح ــث األدبــي ث ــم ت ــداولها
الباحثون في كتبهم ،ومنه كانت االستفادة في هذا الكتاب.
124
صحيح أن بطاقة جمع املعلومات هي في األساس بطاقة قراءة ،ولكنها قد
ّ
تتعلق بجزء من كتاب يرى الباحث أنه ي خدم بحثه ،وكثي را ما يلجأ الطلبة ،وهم
في مرحلة ال يدركون ما يفيدهم إلى عمليات انتقاء يفرضها مستواهم البسيط في
التعلم ،فيغفلون كثي را من املعلومات ّّ
املهمة ويحرمون أنفسهم من االطالع على
كثير من القضايا التي تعود عليهم بالفائدة؛ لهذا ينصح بعض املشرفين الطلبة
ا لباحثين ويكلفونهم بإعداد بطاقات قراءة للكتب التي يقرأونها ،كما نرى بعض
الباحثين يقومون بإعداد هذه البطاقات ألنفسهم ملزاياها املذكورة.
إن هذه البطاقات ّتتخذ مسارات ثالثة يمكن أن نصف بها طريقة قراءة
ّ كتاب ما ،تتعلق أوال :بطريقة األستاذ املشرف إذا كان ّ
يحبذ أن يطلع على بطاقة
قراءة كل كتاب ،كما ترتبط بمستوى الطالب ،ومن خالل هذه املسارات ّ
نتعرف
على ثالثة أنواع من بطاقات القراءة ،هي:
- 1بطاقة القراءة الوصفية fiche de lecture descriptive ،وهي من
حيث اإلعداد ّتتبع فيها نفس طريقة التلخيص؛ ألن الباحث في هذا املستوى
يكون مطالبا بوصف األفكار املوجودة في الكتاب وطريقة تنظيمها ،وهي تقابل
ّ
التفحصية التي أشرنا إليها في الفصل األول. النوع األول من القراءة
- 2بطاقة القراءة التحليلية fiche de lecture analytiqueوهي تتجاوز
العرض األمين إلى تحليل األفكار والتعليق على آراء الكاتب بتسجيل اعت راض أو
مالحظة عن تناقض أو تعقيد ،وعالقة الباحث بصاحب الكتاب في هذا
املستوى ،تصبح عالقة اعت راض ،حيث يقف عند قضايا يرى وجوب تحليلها
يقيم نظام الكتاب ويعطي رأيه في منهج الكاتب وأسلوبه.وإبداء الرأي فيها ،كما ّ
- 3بطاقة القراءة النقدية fiche de lecture critiqueالباحث في هذا
املستوى يتجاوز االعت راض الشخص ي لعرض ما يخالف آراء الكاتب من خالل
مقابلتها بآراء لكتاب آخرين سبق وأن قرأ لهم ،فال يعترض إال بدليل ،وال يناقض
125
إال بحجة ،وهنا تكون القراءة نقدية مرجعية تقابل ما أشرنا إليه سابقا من
القراءة النقدية وهي املستوى األعلى من القراءة.
إن وضع بطاقة قراءة للكتاب الذي نقرأه ليس من أجل املشرف فحسب،
بل هي طريقة جيدة لتهيئة الطالب لعملية التحرير ،حيث تكون هذه البطاقات
جزءا من عمل الباحثين ،قد يأخذ أو يحذف منها أشياء ولكنه حتما سيبقي منها
على أهم األشياء ،هي ما يعبر عن شخصيته.
يفترض أن تصبح هذا النوع من البطاقات عادة عند الباحث ،يقوم بها
تمكنه من تجاوز كثير من الصعوبات التي ّ ّ
يتعرض مع قراءته ألي كتاب؛ ألنها
ّ
إليها في املستقبل بفضل إيجابياتها املتمثلة في:
تتبخر آثاره بعد فترة وجيزة من انتهاء القراءة.-تجاوز التلقي املريح الذي ّ
-االعتماد على القلم أثناء القراءة عوض العين؛ ألن من آفات العين أنها
لتركز عليها بدل مقاطع أخرى ،والقلم يكسر ثبات العين ّ ّ ّ
ويوجهها تعين مقاطع
نحو كل ما هو مكتوب.
-إن كثي را من األفكار تحيل إلى مرجعية معينة اتفاقا أو اختالفا أثناء
يسجل الباحث كل ما توحي به فكرة ما؛ ألن قراءتها ،ولذلك يكون ضروريا أن ّ
يعد مسلكا الكتساب القدرة على إدراك العالقات بين النصوص وبناء هذا ّ
الباحث لشخصيته الخاصة.
تحضر بعض الباحثين إلى مرحلة تقدم ّ -وأخي را ،إن بطاقة القراءة
ّ
العمر ،حين يصبحون غير قادرين على تذكر كل ما يقرأون بطريقة جيدة،
ّ فيكون القلم وسيلة ضرورية ّ
تعود على التذكر ،ويصبح الباحث مجب را على عدم
التهاون في تسجيل املالحظة التي تصادفه في الكتاب ،غير معتمد على ذاكرته؛
ألنها حتما تخونه.
126
ويبدو أن أسالفنا كانوا يعرفون من القديم نظام البطاقات معرفة
جيدة ،وهل يس تطيع إنسان أن يتصور كتابا مثل الحيوان للجاحظ أو منهاج
البلغاء لحازم القرطاجني صنف دون استخدام البطاقات في جمع مادته ،وكثير
من الكتب بعده ،وخاصة املطولة الواسعة؟
إن أثر استخدام البطاقات واضح فيها دون جدال ،فقد دأبوا على تدوين
مصنفاتهم بطرق تختلف عن ّ املالحظات التي جمعوها من بطون الكتب في
ّ
الطريقة التي نتبعها اليوم ،فالتزموا بنقل االقتباسات عن املصادر السابقة
كاملة ،كما التزموا أن تكون بنفس صيغتها ونفس ألفاظها وحروفها ،وكثي را من
يتردد فيها ذكر املصادر واألخذ عنها أخذا مطردا ،مثل كتاب اإلتقان الكتب التي ّ
في ع وم القرآن لجالل الدين السيوطي ،وكانوا إذا عمدوا إلى تلخيص االقتباس
أشاروا إلى ذلك بمثل ( :يقول املؤلف ما معناه) كما كانوا يبدأون االقتباس
يصرحون بانتهاء االقتباس بمثل ،انتهىبمثل :قال ونحوها ،والغالب أنهم كانوا ّ
أو انتهى ما ذكره ،أو الحمد هلل أو هللا املوفق أو هللا أعلم أو نحو ذلك.56
ّ
أما اليوم ،فال بد للباحث أن يتبع الطرق املعتمدة في االقتباس
واالستشهاد بالنصوص واإلحالة إليها ،فال ينبغي أن يفرط في كثرة االقتباسات
من املصادر أثناء التحرير ،فاالقتباس له شروط علمية ال يمكن تجاوزهاّ ،
حدد
معينا من الورقة ،مثلما نرى في عملية التحرير ،أما إذا لها علماء املناهج ّ
حي زا ّ
عد جامعا وليس باحثا أو في جعل الطالب من بحثه فسيفساء من النصوص ّ
يسودون الورق كما قال السيوطي. عداد من ّ
العينة الطبقية :ويتم الحصول عليها عندما نكتشف فئات ضمن ّ -2
العينة تنتمي إلى طبقات اجتماعية مختلفة مثل السن ،والجنس واملهنة أو إلى ّ
نتوخى الدقة العالية في تحديد هذه مستويات تعليمية متفاوتة ،ويجب أن ّ
ّ
الخصائص والصفات؛ وذلك بحساب ما تمثله إحصائيا في املجتمع ،وبعد ذلك
تنتقي عينة مطابقة إحصائيا لتلك الخصائص.59
130
حاجة إلى سحب عن طريق القرعة ،ومن ثمة يستحيل قياس درجة تمثيليتها،
وهي تستخدم عادة من قبل بعض الهيئات واملنظمات الحكومية لسبر اآلراء60.
- 63أنجرس ص .197
132
اللغة واألسلوب والتعابير التي يستعملها ...وتعتبر هذه الطريقة مالئمة لجمع
البيانات من األطفال واألميين بصفة خاصة"64
- 65أنجرس ص .204
- 66مناهج البحث التربوي ص.27
- 67يراجع املرجع السابق ،ص .32
134
ب -م رحلة االختبار الفعلي [ ] test
بعد إدخال التعديالت والقيام بالتصحيحات التي ظهرت ضرورتها في
ّ املرحلة السابقة ،يختار الباحث ّ
عينة محدودة تتوفر فيها شروط مجتمع
ّ ّ البحث؛ أي ّ
ويطبق عليها االستمارة ،مع الحرص على احت رام كل عينة ممثلة،
ّ
يسجل الشروط والقواعد والظروف الخاصة بالبحث ،وأثناء هذا التطبيق
الباحث كل املالحظات والصعوبات واالستفسارات الصادرة عن املستجوبين،
للتعرف أيضا على ّ بأول تجربة لتفريغ البيانات ومعالجتها وبعد ذلك يقوم ّ
ّ
الصعوبات املتعلقة بهذا املجال ،كما يجب اختيار الطول املناسب لالستمارة
أي ملل. لكي ال يحدث ّ
ج -مرحلة االختبار البعدي [ ] post-test
إنها مرحلة التحرير النهائي لالستمارة؛ حيث تستهل بتقديم يشرح فيه
ويوضح لهم بأمثلة واضحة كيفيةّ الباحث أهداف البحث ويشكر املستجوبين
تسجيل إجابتهم ،كما يحرص على أن تكون حروف الطباعة واضحة ومقروءة بكل
ّ
سهولة ،وأن تنظم األسئلة تنظيما جيدا على الصفحة ،بحيث يظهر الفرق بين
ّ يجربها على ّسؤال وآخر بكل وضوح وجالء ،وعندها فقط ّ
عينة ممثلة وفي ظروف
مقنعة تشبه إلى حد كبير شروط وظروف البحث.
لتقص ي املعلومات من عدد كبير من ّ إن االستبيان أو االستمارة تقنية
األفراد في فترة وجيزة ،وت مأل من املبحوث نفسه أو باملقابلة وذلك بطرح الباحث
أسئلته على املستجوب ويقوم في الوقت نفسه بتسجيل اإلجابة ،وهي تقنية
ّ
سريعة التنفيذ ،يمكن أن تشمل مئات األفراد في وقت قصير وتمكن من مقارنة
اإلجابات بيسر ،وقد تكون األسئلة مغلقة يطلب فيها من املستجوب أن يختار
ج وابا من األجوبة التي اقترحها عليه الباحث بوضع عالمة [ ]xفي املربع
املخصص لذلك ،أو يطلب منه اإلجابة ب [نعم] أو [ال] إذا أراد إجابة قطعية،
135
تحدد موقف املستجوب واتجاهه فيضع كلمات مثل [جيد] يحبذ إجابة ّكما قد ّ
[حسن] [متوسط] [ضعيف] أو [ال رأي لي] .واإلجابة على م ثل هذه األسئلة
تسهل عملية تفريغها وتحليلها.ّ
قد يلجأ الباحث إلى وضع أسئلة مفتوحة تعطي الحرية للمستجوب في
التعبير عن آرائه وأفكاره وبأسلوبه الخاص ،مع مالحظة الجانب السطحي لألجوبة
نظرا للعفوية املرتبطة بها ،غير أن تلك العفوية ليست دائما سلبية؛ ألن الجانب
الش خص ي املرتبط باإلجابة قد يمكن الباحث من الحصول على معلومات إضافية
ّ
تتعلق بمستواه الثقافي أو حالته االجتماعية؛ لذلك نرى بعض الباحثين يطلبون
التوضيح أو التبرير ،ولكن على الرغم من ذلك قد يلجأ املستجوب من املستجوب ّ
تعمد اإلجابة الزائفة نظرا لسرية االستمارة ،كما قد يرفض البعض أحيانا إلى ّ
ّ ّ
اإلجابة أو يعجز عنها لجهله للقراءة والكتابة ،فكلها مشاكل ال تقلل من أهمية
االستبيان العلمية.
136
-أما تلك التي ال يستطيع تصنيفها ضمن عناصر الخطة ،فيعقد لها عنوانا
فرعيا تندرج تحته ويكون عنصرا من الخطة أو مستقال سيثريه فيما بعد.
-وقد يجد بعض النصوص غير مفهومة وبعضها مبتورا وآخر ال قيمة له؛
ويتم تحضيرها وتجميعا بطريقة تسمح باملباشرة في تحريرها. فكلها يجب أن تراجع ّ
وأما املادة الخاصة بالبحوث امليدانية فيجب أن يخضع ترتيبها إلى ترميز
فصلوتحقق من نوعيتها وتحويلها إلى سند مالئم ثم مراجعة النتائج ،ولقد ّ ّ
أنجرس في هذه العملية التي نعرض لها من خالل ما جاء في كتابه عن عملية
ترتيب املعلومات ألسبقيته وأهمية ما أورده ،وملن أراد االستفاضة عليه العودة
إلى الكتاب.68
فألجل تحضيرها ال بد أن ّ
يتم ترتيبها وتهيئتها.
فيتضمن ترميزها و ّ
التحقق منها ،تحويلها ومراجعتها. ّ - 1أما ترتيبها:
ّ ّ
أ -الترميز :وهو عملية ترقيم املعطيات الخام بكل متغير من متغي رات
ّ
الدراسة ،وهي عملية يشرع فيها الباحث مع بداية الجمع ،فعادة ما تتطلب
عملية جمع املعطيات نسقا للترميز كما هو الحال في االستبيان ،حيث ّ
يتم
الترقيم املتتالي للعناصر املنتقاة من مجتمع البحث ،وكل خاصية أو زاوية
ّ
نستطيع من خاللها فحص العناصر واملوقع الذي يحتله كل عنصر من كل
زاوية ،وعليه ،يجب منح كل الرموز معنى منسجما ومنطقيا مع تفيئة اإلجابات
عن األسئلة املفتوحة .إن هذا اإلجراء يحتوي على:
معين من اإلجابات عشوائيا. -أخذ عدد ّ
-مقارنتها بعضها بالبعض.
-تقليصها في بعض ردود أفعال املستجوبين األساسية.
138
- 2وأما تهيئتها :فتتحقق بطرق مختلفة.
أ -االستعانة بالقياسات الوصفية بالنسبة إلى املعطيات الرقميةّ ،
ويتم
من خاللها تحويل األرقام املطلقة املوجودة في جداول التجميع إلى نسب مئوية،
وذلك بهدف جعل املعلومات قابلة للتقييم واملقارنة.
ب -االنتقال إلى قياسات ،إما ذات اتجاه مركزي مثل املنوال والوسيط
ّ و ّ
املتوسط الحسابي ،أو تكون ذات عالقة بالتشتت مثل االنحراف املعياري،
وإما أن تكون خاصة با ملوقع مثل األرباع واألعشار.
ج -تنظيم املعطيات في شكل جداول ورسومات بيانية إذا كانت املعلومات
ّ ّ ّ
بمتغير واحد فقط، كمية ،فالجدول ذو املدخل الواحد يمثل التوزيع الخاص
ويصبح هذا الجدول عبارة عن جدول فئوي ..إن هذه الجداول ذات املدخل
املتغير في عدد مطلق أو نسبي ،وعندما تضعالواحد تعطي تكرارا لكل فئة من فئات ّ
متغيرين ،فإن العالقة يمكن عرضها بمساعدة جدول ذي فرضية ما عالقة بين ّ
مدخلين.
أما الرسم البياني فله أشكال مختلفة هي:
-مدرج األعمدة الذي يتكون من مستطيالت عمودية أو أفقية متباعدة.
يتكون من مستطيالت أفقية موضوعة بجانب -املدرج التكراري الذي ّ
بعضها البعض.
ّ
-املضلع التكراري الذي يتصل بواسطة خطوط مستقيمة بأوساط قمم
املستطيالت في املدرج التكراري.
-املنحنى التكراري ويعطي شكل منحنى لخطوط املضلع التكراري.
-املدرج الدائري فهو يشبه كعكة الحلوى املقسمة إلى أجزاء تشير كل
واحدة إلى القيمة املطلقة أو النسبية للفئة.
ّ
فيوضح تغيي رات -وأخي را هناك املضلع التكراري املتجمع الصاعد
ّ
املتغير حسب الفترة الزمنية املأخوذة في االعتبار.
139
د -القيام باختبارات إحصائية :وذلك من أجل تحديد العالقة بين
متغيرين ومدى شدتهما ،وتقوم برامج اإلعالم اآللي بهذه الحسابات التي تتم ّ
آليا ,واالختبارات اإلحصائية على نوعين:
ّ
بالتحقق إن كانت الفروق املالحظة في -اختبارات الفرضية :وهي التي تسمح
ّ
العينة صالحة لكل مجتمع البحث ،وبالتالي ستساعد في التحقق من العالقة ّ
املوجودة بين ّ
املتغيرين ،واالختيار ينطلق من الفرضية الصفرية بمعنى أنه ال توجد
عالقة بين متغيرين خاضعين لالختبار ،أي أن العالقة الظاهرة ليست ذات معنى
وداللة ،وأنها تعود إلى الصدفة في سحب العينة نظرا لوجود فارق ضروري ال محالة
العينة ومجتمع البحث ،فينبغي قبول حد معين من الخطأ في الفروق املوجودة بين ّ
بين املتغيرين.
ّ
-اختبارات التجميع :وهي تخبرنا بشدة العالقة بين متغيرين؛ أي أنها
تسمح بإتمام دراسة العالقة بين ّ
متغيرين بالنظر إلى فرضيات البحث.
ّ
ويتمثل في إنشاء ّ
متغي رات جديدة ،فالدليل هو هـ -التحضير األخير:
متغير يجمع مجموعة من املؤشرات تم تحويلها إلى أسئلة أو غيرها بحسب ّ
ّ
التفيئة املستعملة؛ ويمكن بناء الدليل بشرط أن تمثل املؤشرات املختارة جزءا
تضمنتمن نفس ميدان املعاني املستمد منه الدليل ،وفي الوقت نفسه إذا ّ
متغي رات البحث األخرى فئات يمكننا تقليصها وذلك بتجميعها ،فينبغي العمل ّ
متغي را جديدا بجانب ّ
املتغير األصلي. بهذه التوصية وهكذا ننش ئ ّ
أما بالنسبة للمعطيات الكيفية؛ فإنه يمكن جمعها في مواضيع يهتدى
بها أثناء التهيئة ،أو تعطي حوصلة عن مضمون كل وحدة من وحدات التحليل،
أو املقارنة بين مختلف عناصر مجتمع البحث حول املوضوع أو في نقطة
تجمع املعطيات انطالقا من فكرة جديدة ،أو من حدس يبرز محددة ،كما قد ّ
أثناء مراحل البحث .ويمكن تنظيم املعطيات في شكل جداول إحصائية أو
تتضمن خانات الجداول نصوصا قصيرة أو اقتباسات ّ أشكال ،كما يمكن أن
140
متنوعة .وأما بالنسبة للشكل فيمكن أنمختصرة أو اخت زاالت لغوية أو رموزا ّ
يقدم تصنيفا أو ترتيبا أ و إقامة عالقات بين العناصر املراد دراستها ،ويكون
الشكل في هيئة مستطيالت أو خطوط أو حتى رسوم.
أتم الباحث هذه اإلجراءات جميعا في البحث امليداني ،يمكنه أن وإذا ما ّ
يقوم بعملية تحليل املعطيات وتأويلها ،وهي عملية ال تختلف عن عملية القراءة
والتحرير في البحوث امل كتبية ،وإن اختلفت في املنهج ،والتي سنبدأ الحديث عنها
بالقراءة.
141
- IVقراءة النصوص
ليست القراءة مرحلة تالية الختيار املوضوع ووضع الخطة وجمع
قدمنا عرضا عاما املعلومات ،ولقد ّأكدنا ذلك في بداية هذا املؤلف عندما ّ
لكيفية قراءة كتاب ،ليتأكد لنا أن اإلنسان ال يكتسب صفة البحث إال
بالقراءة؛ إنها عملية تستمر باإلطالع على كل ما له صلة باملوضوع ،وتتطور إلى
ّ
"تأمل وتحليل املعلومات واألفكار والحقائق عقليا وفكريا حتى تولد في عقل
الباحث وذهنه النظام التحليلي للموضوع" 69غير أن هذا ال يعني أبدا أنها تصير
بديال للمنهج ،وإن كانت تلتقي مع جميع املناهج ،حتى أن هناك من يستعيض
بها عليه كما نجده في عناوين بعض الكتب ،فتوضع قراءة دون اإلشارة إلى املنهج
أو يذكران معا لتصبح القراءة أشمل ،كأن يقال مثال " :قراءة في ضوء املنهج
الظاهراتي"
ّ
تمكن ممارسة القراءة العلمية من االستفادة منها لتشكيل أسلوب
الباحث الخاص ،وتحصيل اآلليات املنهجية التي توقفه ،من جهة ،على
ّ
القوانين التي تشكل النصوص وإدراك النماذج والعالقات ،ومن جهة أخرى،
تمكنه من إنشاء معرفة ّّ
معينة.
فالقراءة بهذا املعنى ليست مرحلة ،بل هي نشاط وعمليات لها مستوياتها
و شروطها وأهدافها ومحاذيرها أيضا ،وهي تساير الباحث منذ البداية ،ولو في
تحقق أهم أهدافها في مرحلة التحرير ،وهي :الفهم حتى ّأبسط مستوياتهاّ ،
- 69عمــار عوابــدي :منــاهج البحــث العلمــي وتطبيقاته ــا فــي ميــدان العلــوم القانونيــة ،ط ، 2ديــوان املطبوع ــات
الجامعية ،الجزائر ، 1992ص .62
142
ّ
والتأويل واالستجابة التامة للموضوع الجمالي إذا كان األمر يتعلق بالنص
األدبي.
وبين الفهم والتأويل مسافة قصيرة جدا ،مرتبطة بمستويات القراءة التي
أشرنا إليها سابقا ،كما ترتبط بطبيعة النص ذاته ،من حيث الوضوح والتعقيد
ومنطقه التلفظي ونموذجه البنائي ،كما أن القراءة ذاتها ترتبط بشروط
ّ
موضوعية ،كتوفر الوقت ،وهدوء املكان والبال والصبر ،وخاصة مع بعض
ّ
النصوص التي يتعذر الكشف عن خباياها وأسرارها من الوهلة األولى ،مما
يقتض ي من الباحث أن يعايشها ويألفها ،وأذكر بالخصوص ،تلك النصوص
التي تحمل نظريات جديدة ،حيث تصبح القراءة فيها نشاطا حجاجيا ،يقتض ي
آليات منطقية يوظف فيها الباحث قدراته في التحليل واالستنتاج والفهم،
ّ فيقوم على ّ
تتبع عملية تشكل املعنى في النص من خالل الوقوف على سيرورة
األشكال النحوية والتركيبية والبالغية في النص ،ثم استثمار كل مؤشرات النص
التي تفرزها هذه األشكال الكتشاف معان أخرى ،وذلك من خالل اللجوء إلى
وضع النص في سياقه املعرفي والتاريخي بغرض الوصول إلى تشكيل نوع من
الرؤية الشاملة التي تخلقها القراءة النقدية املرجعية ،مثلما أشرنا إلى ذلك
سابقا.
النص والقراءة /النصوص املتعددة والقراءات املختلفة:
تعدد النصوص ،وهل يستوجب اختالفها بالضرورة كثي را ما تثار قضية ّ
متعددة .وتفاديا للتجزئة التي يفرضها اختالف األسلوب ،كثي را ما ّ قراءات
يقتصر في تصنيف النصوص إلى نوعين :النص النظري والنص اإلبداعي،
فيقال :إن النص النظري مثال ،كلماته لباس أفكاره ،فكل كلمة فيه تؤدي
معناها في سياق النظام الذي ترد فيه ،وهذا ال يتطلب من الباحث الغوص في
ّ
ما وراء األلفاظ ،بل عليه أن يفهم األفكار التي تحملها تلك الكلمات واملشكلة في
143
نظام هدفه اإلخبار واإلفهام ،وما يهدف إليه من إبالغ أفكار ونظريات ،ويدخل
ضمن هذا النوع النص النقدي والفلسفي وغيرها من مجاالت البحث.
ّ
أما النص اإلبداعي :فإذا علمنا بأنه إعادة تشكيل للغة ،وعبور من
مستواها كنظام (مألوف) إلى مستوى تسيطر فيه الوظيفة الجمالية ،بواسطة
االنزياح بالكلمة من معناها الذي وضعت له إلى معاني ودالالت ال متناهية،
وإحداث عالقات غير عادية بينها وبين بقية الكلمات في النص ،فيسيطر عليه
اإليحاء والرمز؛ فإن الباحث مطالب بتجاوز مستوى الوصف والتصنيف إلى
مستوى التأويل والكشف عن لعبة املعاني الالمتناهية واألفعال التي تنطوي عليها
االستجابة للنص.
وسواء بقينا عند هذا املستوى العام من تصنيف النصوص ،أو تجاوزناه
ّ
إلى رصد أنماط مختلفة منها بحسب الطريقة التي شكل بها املضمون الذي
يحتويه ،فإن ما يجب اإلقرار به أن القراءة العلمية واحدة ومختلفة في الوقت
نفسه.
ّ
فأما كونها واحدة :فذلك ما أكدته األبحاث الحديثة من أن فعل القراءة
ّ
يوازي السيرورة السيميائية للنص ،ومسار تشكل املعنى فيه ،ومهما كانت
تشكله ،لكي نستطيع أن نقول ّ
طبيعة النص ،فال بد من مسايرة النص في مسار
إننا قرأنا نصا ،أي أعدنا إنتاج املعنى ،وهذا يعني أن عملية القراءة هنا ،هي نتاج
عمليات ذهنية منطقية قابلة للتعامل مع أي نص كان.
تتحكم فيها مؤشرات نص ّ ّ
معين وتقنيات وأما كونها متعددة :فعندما
ّ ّ
تشكله من نحوية و تركيبية و داللية ،فتمكن كل قارئ بتوظيف خلفيته
ّ
اللغوية واملعرفية وطريقته في التعامل مع هذا الشكل أو غيره ،فتصبح القراءة
حينئذ فعال حرا ،تسهم حركة النص في إنشاء افت راضاته وصوغ استنتاجاته،
144
بتعدد الدالالت؛ ولهذا ال يصبح املعنى معطى قبليا ،ولكنه نتاج كما تسمح ّ
التفاعل بين القارئ والنص ،من خالل الفهم والتأويل.
إنه التأويل الذي يقوم على ممارسة العمليات املالئمة للقراءة العلمية،
ّ ّ
تتحقق إال إذا توفرت لدى الباحث الشروط القاعدية للفعل القرائي التي ال
وهي بمثابة الحدود التي تضبط هذا الفعل ،وتجعل التأويل ممكنا العلمي ّ
ومنظما والتي نصوغها فيما يلي:
– 1الكفاءة اللغوية :يفترض أن الباحث الذي قرأ عددا من الكتب،
ّ
يعمل بطريقة غير مباشرة على تنمية ثروته اللغوية ،وتمكنه هذه الثروة من
إنجاز قراءة نص بكثير من اليسر؛ ألن الباحث إذا أعوزته امللكة اللغوية ،ال
معين بتأويل فاسد يتجنى على كاتب ّيمكن أن يصل إلى كنه النصوص ،فقد ّ
ملعنى النص أو الفكرة إذا لم تسعفه لغته في فهمه ،كما قد يدعوه ضعفه
التخلي عن كثير من النصوص ّ ّ
املهمة بإبعادها واالهتمام بالنصوص اللغوي إلى
ذات األفكار العامة والشائعة املستهلكة ،فيجني على نفسه ببحث ال قيمة له.
ولتجنب كل هذا ،يفترض فيه أن يكون عارفا بالسنن اللغوي في جانبه ّ
النحوي والصرفي والتركيبي واملعجمي ،كما يكون مدركا لكيفية اشتغال هذا
تنوعت السنن أسلوبيا ،فال شك أن لكل نص أسلوبه الخاص ،ولذلك ّ
النصوص ،من سردية وشعرية وحجاجية ووصفية ،واختلفت أشكالها
يتحتم على الباحث أن يكون "عارفا بأنماطباختالف املقاصد والغايات ،ولذلك ّ
األساليب وما بينه ا من وجوه الشبه واالختالف ".70
- 2الكفاءة املعرفية :وهي ذات عالقة بكمية ونوعية ما يقرأ ،فال يكفي
أن تكون للباحث الكفاية اللغوية لكي يفهم نصا في النقد أو في األدب ،حتى وإن
- 70حامد حفني داود :املنهج العلمي في البحث األدبي ،ص .46
145
كان لغويا بارعا بل ينبغي أن يكون له إملام ببعض املعارف والثقافة التي ينتسب
إليها النص؛ ألن السيناريوهات املعرفية ال تخلقها اللغة وحدها بقدر ما تخلقها
ّ نصوص مشابهة سبق وأن ّ
تعرف عليها الباحث ،وهي تشكل معرفة الباحث
معينا .والقارئ ال يستطيع أن يبني تخصصا ّ ّ وتعين مجاال أوّ املرجعية،
استنتاجاته من خالل حركة العالمات في النص إال بمعرفة سابقة بسياق
ّ
النص ،حيث يمكنه من استرجاع نصوص سابقة بواسطة عالقات مختلفة
مباشرة أو ضمنية.
ال بد من اإلشارة إلى أن العالقة بين الكفاءة اللغوية واملعرفية تقوم على
ّ ّ
التفاعل؛ فإدراك طبيعة تشكل النص والعالقات بين وحداته اللغوية يسفر
حتما عن إدراك املعنى وبنائه؛ ألن " إدراك املعنى هو الرابطة التي نحدث بين
ّ
انطباعات املعرفة اللغوية ،التي تمكن من ربط الدالالت اللغوية باأللفاظ
املسموعة أو املكتوبة ،واالنطباعات غير اللفظية للمعرفة بصفة عامة"71؛ قد
تساهم فيه معرفة سطحية أو أولية ولكن ما تلبث بفعل حركة االستنتاجات
التي تنشأ بين الوحدات أن تنش ئ معرفة ثانية ،تضيف إلى النص دالالت
جديدة ،تسهم فيها بنية معرفية لدى الفرد ،بواسطة الدور الذي تلعبه الذاكرة
في عملية الفهم والتأويل.
– 3الكفاءة املنطقية :ال شك أن الكفاءة اللغوية ذاتها هي كفاءة
منطقية ،نظرا للعالقات الخالفية التي تقوم عليها وينشأ بواسطتها املعنى ،ثم إن
مسار أي نص ال يشتغل به صاحبه إال بواسطة عالقات منطقية كاإلثبات
والنفي ،وعمليات تنحو نفس النحو كالتماثل والتضاد ،وإن االستدالالت التي
تحدث أثناء عملية القراءة تكون ناشئة عن هذه العمليات والعالقات ،وليست
- 71الحرشـاوي الســعدية ،فعـل الق ـراءة مـن الــنص إلــى املعنـى ،مجلــة ديـداكتيكا ع 2ينــاير 1992دار الخطــابي
للطباعة والنشر املحمدية املغرب ص .18نقال عن .danica séleckovitch
146
ّ
عملية بناء املعنى في نهاية األمر سوى عملية إدراك كيفية تشكل املعنى ،ولعل
هذا ما نالحظه في كتاب منهاج البلغاء وسراج األدباء للقرطاجني ،حيث ّإن
ّ
عملية تشكل الخطاب هي نفسها إمكانية لتحليل الخطاب الشعري عنده.
ّ
لقد حرصت على التأكيد منذ البداية ،أن البحث كله ممارسة منطقية،
وأن القراءة العلمية ال يمكن إال أن تكون كذلك ،ما دامت إدراكا للمتشابه
واملتناقض والبعيد والقريب من العالقات الداخلية والخارجية للنص .كما أن
تشكلها النصوص ّ ّ
تكون لدى الباحث ما يسمى بالفكر الكفاءة املعرفية التي
ّ
العملي الذي يمكنه من توظيف النصوص وإحداث عالقات بينها ،وابتكار أفكار
أخرى ،فيكتسب ما يسمى تقليديا ،بروح النقد ،أو شخصية الباحث والتي ال
ّ
تتأتى له إال باالستدالل واملقارنة واستنباط األحكام.
سلمنا بأن البحث هو عملية حوارية ّ ّ
تتم بين الكفاءة التخاطبية :إذا
الباحث ومن يقرأ لهم من جهة ،والباحث ومن يقرأون له من جهة أخرى ،فإن
ّ
هذا يفترض إلى جانب الكفاءات املذكورة ،ضوابط تتحكم في تلك العملية ،وهي
بمثابة القوانين التي تجعل الخطاب (البحث) ناجحا ،أي ضوابط التبليغ
والتهذيب على حد تعبير طه عبد الرحمان بغية حصول التواصل املطلوب
ّ
والذي يتمثل في إقناع الغير والتأثير في سلوكهم ،وسوف أعرض لهذه الضوابط
ّ
كما أوردها في كتابه اللسان وامليزان واملتمثلة في مبدأ التصديق الراسخ في
ّ
الت راث اإلسالمي والذي ّاتخذ صورا مختلفة وجدها مجملة ومفصلة عند
املاوردي في كتاب أدب الدنيا والدين وهي:
أ -ينبغي للكالم أن يكون لداع يدعو إليه ،إما في اجتالب نفع أو دفع ضرر.
ّ ّ
ويتوخى به إصابة فرصته. ب -ينبغي أن يأتي املتكلم به في موضعه
ج -ينبغي أن يقتصر الكالم على قدر حاجته.
د -يجب أن ّ
يتخير اللفظ الذي به يتكلم.
147
وتتفرع عن هذا املبدأ قواعد استقرأها طه عب الرحمان من الت راث وهي: ّ
أ -قاعدة القصد
لتتفقد قصدك في كل قول تلقي به إلى الغير. ّ -
ب -قاعدة الصدق:
-لتكن صادقا فيما تنقله إلى غيرك.
ج -قاعدة اإلخالص:
متجردا من أغراضك.توددك للغير ّ -لتكن في ّ
ففي قاعدة القصد يوصل املستوى التبليغي باملستوى التهذيبي في
املتكلم حقيقة قصده من قوله ،أثمر عنده هذا ّ ّ املخاطبة ،فمتى ّ
التبين تبين
نتيجتين تقوم إحداهما على تعيين وظيفته العلميه أو مسؤؤليته األخالقية،
وبالتالي صيانة قوله عن اللغو بجعله يعمل عمله في إفادة املخاطب املعنى
املقصود.
الصدق فهو أن يحفظ املتكلم لسانه عن إخبار املخاطب بأشياء أما ّ
على خالف ما هي عليه ،وأن يصون سلوكه عن إشعار املخاطب بأوصاف هي
على خالف ما ّيتصف به ،وأن يحفظ لسانه وسلوكه عن إشعار املخاطب
بوجود تفاوت بينهما.
ّ
التجرد والتنافس في التخلق ،72كأن وأما اإلخالص فيقتض ي التنافس في
املتكلم حقوق املخاطب على حقوقه ،وإذا كان هناك تنافس فعليه الت ّ ّ ّ
جرد يقدم
من أسباب النزوع كاألغراض و على التنازع والتجريح.
إن املتأمل لهذه القواعد التخاطبية أو ما عرف بآداب املخاطبة عند
مضمنا في املقاييس والشروط العلمية التي صاغها الغرب من العرب ،يجد بعضها ّ
- 72يراج ــع بالتفص ــيل ص ــياغة ط ــه عب ــد الرحم ــان له ــذه القواع ــد التخاطبي ــة ف ــي كتاب ــه اللس ــان وامليـ ـزان أو
التكوثر العقلي ،املركز الثقافي العربي ،ط 1الدار البيضاء -بيروت 1998ص.253- 250
148
أجل أن يكون الباحث ناجحا ،وأن يكون بحثه علميا ،وهي ضوابط ال ينضبط
الباحث علميا إال بها حتى إن كان يتعامل مع الكتب ،ألنه في حقيقة األمر يتعامل
مع أصحابها ،باإلضافة إلى من ّ
يقدم إليهم البحث من القراء.
ّ
إن هذه الكفاءات كلها ،اللغوية واملعرفية واملنطقية والتخاطبية ،ليست
قدرات طبيعية يمتلكها البعض ويفتقدها اآلخر ،إنما هي ممارسات للغة واملعرفة
بوساطة العقل الذي تقوده األخالق .ولعل ّأول العناصر الباعثة على املمارسة
السليمة لهذه املعطيات هو اإلرادة والحب اللذان يقودان الباحث نحو القراءة
العلمية املخصبة ،ونحو االستمرارية لكي يكون باحثا ناجحا.
القراءة واملنهج
إن اعتماد منهج معين ،مهما اختلفت مصادره الفلسفية واملعرفية ال يلغي
اعتماد الباحث على ضوابط منهجية تلتقي فيها كل املناهج ،وتكتسب بها صفة
العلمية ،فهي لحظات تلتقي فيها األدوات العلمية بمهارات الباحث القرائية ،من
ّ
يتحصل عليها الباحث أجل الحصول على معرفة علمية تتألف من النتائج التي
والتي تحتوي بدورها على أفكار مرتبطة بعضها ببعض ،قد تسهم في صياغة
نظرية خاصة به ،وتز ّود القارئ ليس فقط بآليات لشرح ظاهرة ما ،وإنما يمكن
تعمم من أجل دراسة ظواهر أخرى أو حل إشكاليات أخرى .و من أهم هذه أن ّ
األدوات ما يلي:
االفتراضات :وصياغتها ليست مرتبطة بمرحلة اختيار املوضوع فقط،
تقدم الباحث في القراءة ،وتقترن باملعلومات التي إنما هي آلية ترتبط بمدى ّ
يتحصل عليها من قراءة النصوص ،حيث يصبح االفت راض هو استعمال هذه ّ
املعلومات للوصول إلى نتائج ّ
معينة.
149
املالحظة والتمييز :وهي املعاينة العلمية للنص للوقوف على الهيئة التي
يرد بها من حيث الشكل النحوي والتركيبي ،من أجل الوقوف على طبيعته ،كأن
يكون نصا سرديا أو حواريا أو وصفيا أو غيره.
الوصف :هو إجراء يقوم به الباحث في أي مجال لجرد عناصر الظاهرة،
أي التركيز على ما هو موجود في الظاهرة املدروسة ،وفي هذا املستوى يقوم
الباح ث بعزل العناصر أو األفكار األساسية في النص ،و تبيين أوجه التشابه
واالختالف في الخصائص ،ثم ترتيبها وتصنيفها والتأمل فيها ،وعلى الرغم من
ّ ّ
أهميته ،حيث يمكن الباحث من جعل الظاهرة مفهومة ،فإن التوقف عند هذا
املستوى من املعرفة الوصفية ال يكفي إال إذا أفصحت العناصر املوصوفة عن
ذاتها من خالل عمليات أخرى مثل التحليل.
ّ
التحليل :ويتمثل في النظر في العمليات التي تفصح فيها العناصر
املوصوفة عن ذاتها ،ويتم ذلك بإدراك العالقات بين أجزاء النص ،وبمقارنته
بالنصوص األخرى .وهذا املستوى يقابل القراءة االستكشافية؛ حيث تبدو
ّ
عملية التحليل بمثابة البناء الذي يقوم عليه البحث ،فكل نص بعد أن يحلل
يتكون منها وتدرك العالقات بينها ،قد ّ
يؤيد موقفا إلى العناصر أو األجزاء التي ّ
معينا أو يشرح وجهة نظر ،وقد يقاوم رأيا آخر وينفيه ،فتقوم بعض املقارنات،ّ
وتنسج شبكة من االستنتاجات ،واألدلة املنطق ية وتبرز دالالت ،ويحدث الفهم
تبني أحكام وإعطاء استنتاجات.ويصبح الباحث قاد ا على ّ
ر
ّ
تكوين االستنتاج :إن التعرف على األسباب أو املقدمات والنتائج ،ثم إمعان
النظر فيها واستخالص النتائج وإجراء التعميم ،يتطلب اإلجابة عن أسئلة تدور
تعد جزءا ّ
مهما في كلها حول عملية الفهم ثم املباشرة بإصدار األحكام التي ّ
البحث ،ويجب أن يقرن االستنتاج بالنصوص ألنه يستخرج منها ،فإذا لم تكن
هناك نصوص ،يصوغ الباحث فرضية ،قد تكون ضرورية في عملية اختيار
املوضوع ،غير أن هيمنتها أثناء التحليل ّ
تنم عن عجز فيه.
150
تشكيل النماذج ،ال أحد ينكر الدور الذي لعبته البنيوية والسيميائيات
ونظريات التواصل في تشكيل النماذج باعتبارها الطريقة العلمية التي ّ
تجسد
تعد بالنسبة للباحث اختبارا ملدى صحة املجرد العقلي لنص ما ،وهي ّ ّ الشرح
عمليات االستدالل.
ّيتضح جليا ،أن القراءة القائمة على تفاعل أدوات العلم مع مهارات
الباحث يمكن اعتبارها فنا ال يتقنه كل األفراد .لقد أدرك شوقي ضيف منذ
زمن بعيد أن "البحوث األدبية قائمة على عمليتين أساسيتين هما استقراء
تلخص الحقائق الجزئية ،واستنباط الحقائق الكلية والقضايا العامة" 73وهي ّ
يتحقق الهدفان األساسيان اللذان ال ّ العمليات السالفة الذكر ،والتي بها
يستقيم البحث إال بهما ،وهما الفهم والتأويل.
الفهم :وهو الهدف األول واألخير من القراءة ،فبه توصف وال يمكن
الحديث عن قراءة حقيقية إذا لم يفهم القارئ ما يقرأ ،ولقد أشرنا في حديثنا عن
أنواع القراءة إلى هذا األمر؛ ونؤكد أن الفهم ينهض على آليات ومفاهيم محددة
مرتبطة بالشروط التي ذكرناها سالفا ،وهذا يعني أن أي خلل يحدث في ممارسة
ّ
هذه اآلليات ،سوف يقلل من عملية بناء معنى النص ،وبمعنى آخر ،فإن عملية
تعرضناالفهم مرتبطة بمدى توظيف الكفاءات اللغوية واملنطقية واملعرفية التي ّ
ّ
إليها سابقا ،وإن التعثر في معرفة قوانين االشتغال النص ي على مستوى الشكل
واملحتوى ،يعرقل عملية الفهم ،أي :ماذا يقول النص وكيف يقوله؟ ،وتبعات
ّ
سنوضحها الحقا في هذين السؤالين الكبيرين اللذين تندرج ضمنهما أسئلة أخرى
حديثنا عن العالقة بين النص واملنهج.
والفهم الناقد على حد تعبير فرانسيس بيكون هو أن تقرأ "ال لتعارض
وتسلم به ،بل لتزن ّ ّ ّ
وتقدر" فمهما كانت قدسية وتخطئ وال لتؤمن بما تقرأ
النص وعلو من زلة القائل ،فال يتقبل الباحث نصا أو فكرة إال بعد عرضها على
األدوات العلمية املذكورة والقرائن املعرفية التي تنشأ بواسطة السيناريوهات
التي يعرفها وا لتي تعد بمثابة البنية املعرفية التي تنشأ من قراءات الباحث
- 75اعتمدنا هنا على تصور مراحل التحرير من كتاب علي جواد طاهر ّ
القيم على الرغم من قدمه ،حيث
قسم التحرير إلى تسويد وتبييض.
155
حرفية ،وييهئ التعليقات واملالحظات التي يشرح فيها فكرة أو يحلل نصا أو
يكشف تناقضا في رأي ويبدأ في اإلجراءات التالية:
ّ
أوال :قراءة مجموع البطاقات من أجل تمثل املوضوع في شموليته.
ثانيا :تحديد مواطن التغيير واإلضافة والحذف.
ثالثا :إعادة صياغة اإلشكالية من جديد.
رابعا :توسيع الخطة األولية ،بنقل ما استنبطته من أفكار وعناصر
جديدة واستبدال ما ال يراه مهما.
خامسا :التأكد من اإلملام بكل العناصر واألفكار واألسئلة التي تبدو بها
اإلشكالية الجديدة أو املنقحة واملزيدة ،وضبط تقسيم الفصول واألبواب.
ما أهمية كل ذلك بالنسبة للباحث؟
- 1تيهئ له النظرة اإلجمالية للبحث ،وتساعده على إدراك أبعاده.
- 2يدرك من خاللها ما هو ناقص ،وما هو زائد ،ويعمل على إقامة
التوازن بين ما يجب أن يستفاض فيه ،وما يجب أن يوجز ،ما تعتمد فيه املادة
وما تستعمل فيه رأيه ،ما يكون فصال وما يكون جزءا.
إن هذه املرحلة األولى من استغالل البطاقات هي مرحلة امتحان الخطة
وانتقالها من مجرد خطة أولية إلى خطة تحرير عملية مفصلة Plan
،opérationnel détailléتثرى بعناصر أخرى يكتشفها الباحث من قراءاته
أثناء جمع املادة ،فتصبح أكثر تفصيال ووضوحا ،ولكن هذا ال يمنع من وجود
مواطن غامضة تحتاج إلى إيضاح.
املرحلة الثانية يقوم الباحث بتوزيع األفكار والنصوص بحسب تسلسلها
الخطي حيث يقتض ي النص نصا آخر والفكرة فكرة أخرى بحسب االشتمال أو
ّ
التفرع أو التشابه أو التناقض أو االستنتاج ،وفي هذا املستوى،ال يكون الباحث
في مرحلة كاملة من الوصف والتحليل واملقارنة واالستنتاج ،إنما مهمته تتمثل
في نقل ما في البطاقات إلى الورق مت رابطا متصال في ضوء نقاط الخطة.
156
إن عملية النقل هنا ليست آلية ،وإنما تقوم على فهم هذه النصوص
وإدراك طبيعتها ،مما يسمح بنقل نص بتمامه أو تلخيص آخر ،كما قد يستغني
عن آخر ،تاركا أكبر هامش معقول إلى يمينه وإلى أسفل الصفحة ،وأكبر بياض
مناسب بين نص وآخر ،فيستفيد من ذلك أثناء عملية النقد والتعليق ،التي قد
تت زامن عند الباحث املحترف مع عملية النقل هذه.
املرحلة الثالثة :يقرأ الباحث ما كتب ،وينظر في الذي يكتب وفي
النصوص التي يعتمدها ،فيقف عند كل فكرة وكل رأي وكل نص" ،ويكتب كل
ما تثيره فيه القراءة ،من شرح وتحليل واستنتاج ،وكل ما يوقظه من رأي تأييدا
يسهل عليهأو معارضة ،ويكون له في الهامش والبياض بين الفقرات ّمتسع ّ
املهمة ،فإذا فاض التعليق عن البياض املحدود ،وأمكن أن يستعمل ظهر
الورقة يوضع سهم .76كما قد يضيف ورقة أو أكثر ،إذا ما استثاره رأي أو
معينة أو أحس برغبة في تسجيل اعت راض أو حفزته داللة ّ استهواه تناقض أو ّ
دحض اعت راض آخر.
ينصح في هذا املستوى من الكتابة ،أن يقف الباحث أحيانا ملراجعة كل ما
ّ
كتب وال يتوقف عن الكتابة إال إذا أحس بتعب ،ويكتب بكل حرية ،ألن هذه
ّ ّ
التحرر من كل قيد إال قيد األمانة العلمية واملوضوعية .يقلب املرحلة ،هي مرحلة
املادة (النصوص) التي أمامه على كل وجوهها ،فيكون مرة لها ومرة عليها ،يحاورها
ّ
ويسجل كل ما يرد عليه؛ ألنه يكتب استلهاما ،بعد أن احتواه ج ّو وتهيأت ّ
ويحدثها
له مادة ومر عليه زمن وحدثت فيه ألفة.77
وقد يحس أن أمرا يتطلب منه مراجعة أحد املصادر ،أو استشارة
املشرف أو غيره ،فيشير إلى ذلك ،أو يضع عالمة استفهام أو تساؤل.
159
- IIعملية التبييض:
بعد عملية التسويد ،يجد الباحث أمامه بحثا مشوش الهيئة؛ فحذف هنا،
وآخر هناك ،وتشطيب ،وقد تضيق حاشية باملالحظات وتبقى أخرى فارغة ،وقد
يجد أسهما وعالمات استفهام ،وقد يضطر ألن يكتب وراء الورقة.
املشوشة تمنح للباحث مهلة للراحة ،يجيب فيها عن ّ إن هذه الهيئة
ّ ّ
األسئلة املطروحة ،وعالمات االستفهام ،وحل كل إشكال أو غموض ،كما قد
يعود إلى املصادر واملراجع ليتأكد من صحة الخبر ،أو فهم النص في سياقه؛ وهي
عملية إعادة تنظيم هذا البحث املشوش الهيئة وإخراجه في شكل منظم
ّ مباشرة بعد التنقيح؛ ألنه لو تركه مدة ،وعاد إليه ،صعب عليه أن ّ
يتعرف عما
قام به ،أو يمسك بالسياق الذي ّتمت فيه املراجعة ،وهذا يستدعي منه بذل
ّ
تمثله ّ
وتتبعه. جهد كبير في إعادة
إن أول ما يفعله بعد أن ينتهي من املسودة في شكلها األخير ،وبعد أن
ينظر فيها نظرة من أجل وحدة أجزائها ،أن يقرأها ويخرجها من هيئة التشويش
إلى هيئة ّبينة واضحة .سوف تكون أمامه الخطة في آخر صورها وهي خط ـة
التحريـر " "Plan de rédactionالتي تبدو أكثر تدقيقا وتفصيال ووضوحا؛
ّ ّ
التقدم في عملية حيث يتمكن الباحث من تشكيل عناوين فرعية تساعده على
ّ ّ
وتجنبه االستطرادات غير التحرير ،كما تمكنه من العمل بسهولة وبكل أمان،
ّ
املهمة ،وتحافظ على وحدة البحث ،ويتجلى تحيين كل هذا في ممارسة اآلليات
ّ
األساسية لعملية املنهجية التي تتمثل فيما يلي:
أ -القواعد العامة ملعالجة األفكار:
هي لحظة مهمة من البحث ،في معالجة التساؤالت املطروحة استنادا إلى ما
توصل إليه من معطيات جديدة ،وتقوم على ممارسة مجموعة من العمليات ّ
التحليلية الحجاجية االستنتاجية ،التي تسمح للباحث باالنتقال من التعريف إلى
التدليل ثم االستنتاج بدون عوائق ،ويتم إنجاز هذه العمليات بأمرين اثنين :األول
ّ
التقدم في املعالجة مما يجعل كل الربط املنطقي بين كل عملية وأخرى ،والثاني
160
ّ
فيتحقق التدرج في املنهجية،79 مرحلة تنتمي إلى سابقتها وتضيف إليها جديدا،
يتم إال بعمليات جزئية ،هي بمثابة القوانين التي يجب على الباحث والذي ال ّ
ّ
اعتمادها ،وتتمثل فيما يلي:
– 1ضرورة االقت ران املنهجي بين املادة (النصوص) وآراء الباحث
وتعليقاته وشروحاته التي يختار منها ما يوحي بالقدرة على النقد والتحليل،
فيبقي على األحكام ،ويحذف كل شرح أو تعليق غير ذي أهمية.
- 2يجب أال تكون آراء الباحث (تعليقاته) مجرد إعادة نثر للنصوص أو
ألن هذا يؤدي إلى التكرار اململّ ،
ّ األفكار ،بواسطة التلخيص أو التحليل
والرتابة ،وخلو البحث من املقارنة وإلى ضعف االستنتاج.
- 3يجب أال تكون املادة (مجموع النصوص) تجميعا وركاما من
املعلومات الواحدة تلو األخرى دون نقد وال تحليل أو استنباط أحكام ،فتنعدم
شخصية الباحث ،ونكون أمام بحث محشو بالنصوص.
- 4يجب أال تطغى خلفية الباحث املعرفية على املادة ،فتبدو النصوص
كالحلية العالقة ،ال قيمة لها ،ويحدث تنافر بينها وبين خلفية الباحث.
- 5املالءمة الحجاجية بين املعطيات ،وذلك بالحفاظ على انسجام خطاب
ّ البحث ّ
حتى وإن كانت الظاهرة املدروسة ،مثال ،تتحكم فيها ظواهر أخرى سياسية
أو فلسفسية أو اقتصادية ،فال بد على الباحث أن يحافظ على انسجام املعطيات
ّ
باملسببات ،ويلعب بعضها مع بعض ،بانسجام التعبير عنها ،وهو يربط األسباب
املنهج ّ
املتبع دورا كبي را في إحداث هذا االنسجام.
- 6كسر تلقائية الف كر أثناء الكتابة ،ويعني أن يعتمد الباحث طريقة
التناوب ال التعاقب في كتابة األفكار ،وهذه العملية تسمح بكسر ثبات الفكر
- 79يراجع سؤال املنهجية في درس الفلسفة ،مجلة فكر ونقد ،ع 20في موقع:
www.fikrwanakd.Aldjabiri.bed. Com .
161
والقلم على أفكار متشابهة ال يفصل بينها إال روابط مثل :قال فالن ،ويضيف
آخر وكما أن ...إلخ.
- 7أثناء هذه العملية تتجسد الشروط -األخالقية العلمية ،وعلى
الباحث أن يمارسها بكل صرامة وهي التي لخصها " "Ward Reederفي كتابه
"كيف تكتب رسالة" فيما يلي:
-أال يبدي الباحث آراءه الشخصية دون أن ّ
يعززها بآراء لها قيمتها.
-أال يعتبر الباحث أي رأي وأن صادرا عن عالم متخصص ،حقيقة راهنة
ال تقبل الجدل واملناقشة.
-أال يعتبر الباحث أي رأي من اآلراء حقيقة؛ ألنه صدر عن األكثرية أو
عن لجنة أو عن جماعة أو حركة.
-أال يعتبر الباحث القياس واملشابهة حقيقة ال تقبل املناقشة.
-أال يعتبر السكوت عن بعض النتائج واملسلمات حقائق.
-أال يحذف الباحث أي دليل أو حجة أو نظرية ال تتفق ورأيه أو مذهبه.
-أال يعتمد الباحث على النصوص غير الواضحة وغير الدقيقة.
-أال يخطئ الباحث في فهم وشرح بعض املدلوالت80.
- 8الحرص على أال يقول الباحث كل ش يء ،فليس كل ما يقرأ يكتب ،وال
نتحدث؛ ألن اللغة املكتوبة -وهي لغة البحث العلمي -تختلف عن أن نكتب كما ّ
اللغة الشفاهية التي قد تفرض مقتضيات شفاهيتها طرقا مختلفة في األداء تعد
من األخطاء في اللغة املكتوبة ،فيجب على الباحث االحت راز من أن يكتب ما لم
يفهمه.
164
تعتبر مرحلة التبييض أهم وآخر خطوات إعداد البحث ،فمن خالل هذه
الخطوة يصوغ الباحث بحثه ،ويكتبه بصورته النهائية قبل أن يعرضه على أستاذه
مجسدا فيه آراءه الجديدة ،وتحليالته العميقة، ّ املشرف لقراءته وإبداء الرأي فيه
وعارضا قدراته التعبيرية في اللفظ واألسلوب ،مثبتا شخصيته العلمية ،وقدرته على
اإلجابة عن اإلشكالية ،وإقناع القارئ بطريقته ونتائجه ،ومن أهم اإلجراءات املنهجية
املعتمدة أثناء الصياغة ،حتى يكون بحثه بهذه الصورة ،ما يلي:
– 1اإلجابة عن عالمات االستفهام :التي كان الباحث يضعها على
النصوص واألخبار واآلراء ق اصدا العودة إليها بعد االنتهاء ،ليكمل نقصها ويقرر
ّ
مصيرها في حالة صفاء مع النفس وراحة البال؛ فقد يرى في نص إشكاال يحله،
ّ أو غموضا ّ
يوضحه ،وقد يضطر إلى الرجوع إلى األصل ليستوفي الدقة ويزيل
ومنقحة ،أو يسألدواعي الغموض ،وقد يعود إلى املعجم ،أو إلى طبعة مزيدة ّ
أستاذه ،أو من هم أعلم منه.
- 2بناء الفقرات:
وتتجسد ،ولكي تؤدي هذهّ تعد الفقرة الفضاء الذي ترسو فيه األفكار
األفكار وظيفتها اإلفهامية والتواصلية ،البد أن تتمظهر بطريقة منطقية،
ّ
متسقة فيما بينها ،ومنسجمة مع الفصل الذي تنتمي إليه ومع البحث ككل.
ّ
إن االتساق واالنسجام ال يتأتيان إال بمعرفة طبيعة تكوين الفقرة
ّ
ووظيفتها ،فالفقرة تتوفر على فكرة أساس ،تحيل عليها أفكار بواسطة
قسم كلود بيرولي الفقرات إلى االستدالل ،الشرح أو األمثلة ،وعلى هذا األساس ّ
نوعين نعمد إلى التعرض إليهما ألهميتهما وهما:81
166
-شرح الفكرة األساس وإذا اقتض ى األمر توضيحها بمثال ،فالفكرة
ّ األساس ّ
يتلفظ بها مباشرة ثم تليها األفكار التي تحلل محتواها من أجل توضيح
ّ
املجردة أو األبعاد والفروقات ،واعتماد هذه الطريقة يكون خاصة لألفكار
تتحقق في مدى وضوح الشرح. العامة ،غير أن قوة إقناع هذا النوع من الفقرات ّ
ّ
-إيراد قياس يمكننا من شرح الفكرة األساس ،وهذا يعني أن الفكرة
ّ يمكن أن يعلن عنها بطريقة مختلفة في بداية الفقرةّ ،
ومهمة القياس تتمثل في
إدماج القارئ في مجال أقل تعقيدا ومعروف لديه ،حيث ّتتضح الفكرة األساس
من خالل مسار التحليل ،وتعتمد هذه الطريقة عندما تكون الفكرة جديدة غير
متداولة أو غريبة عن القارئ ،فيجعلها القياس أكثر استساغة ،ويكون بمثابة
وسيلة للتمثيل وليس للبرهنة والتدليل.
-إيراد مثال بغرض البرهنة على الفكرة األساس ،ويكون هو بدوره ّ
مبررا
بها (املثال) ،وهنا ،تذكر الفكرة األساس في األخير؛ ألن تحليل املثال يمكننا من
إيرادها ،باعتباره حدثا داال ،فهو وسيلة ملالحظة الحقيقة كما هي دون أن البقاء
في مستوى الوصف ،أما إذا كان املثال غير دال ،فمن األحسن أن نلجأ إلى
أساليب أخرى كأن نعتمد مثال طريقة االستنتاج.
-تبرير الفكرة العامة بسلسلة من الب راهين املتجاورة وإن اقتض ى األمر
توضيحها بمثال ،وقد يحال ذكر الفكرة األساس إلى األخير إلحداث املفاجأة وتكون
تدل على إضافة أفكار ،مثل:سلسلة الب راهين مرتبطة فيما بينها بمصطلحات ّ
أيضا ،كذلك ،زيادة على ذلك ،أضف إلى هذا ،أخيرا ،وإذا استعملنا املثال يكون
إما :مثاال واحدا نهائيا يشمل املجموع ،أو مجموع أمثلة سريعة متعلقة بكل برهان.
ّ
املوضحة إن هذا النوع من الفقرات يعتمد على مجموعة من الب راهين
ّ
للفكرة ،غير أنه يجب أخذ الحذر من املبالغة في عرض األدلة كيال يصبح
التحليل غير منطقي.
167
تتحقق إال بمعرفة الباحث موضع الفكرة إن طبيعة الفقرة العلمية ال ّ
ّ تتشكل بها ،وكيف ّ ّ
توضح وتعلل ،أي :ما هي األدلة األساس في النص ،والطريقة التي
واألمثلة التي تؤكدها ،وما هو الدور الذي تلعبه فقرة ما في سياق النص؟.
إن بن اء الفقرات بالطريقة التي عرضنا لها ،تسمح للباحث بإدراك
الناقص والزائد وغير املالئم.
ج -مراجعة التحرير:
ّ
املتكرر منها ،والتعليق املبتور والتي -حذف املعلومات واآلراء غير املهمة،
يلمس فيها تناقضا ،في راجعه في عالقته بالسياق السابق.
– إحداث التناسب في الطول والقصر ،أي االكتفاء من النصوص
يؤدي املطلوب ،وهذا يعني إيجاز ما أطال فيه ،لغير واألخبار الطويلة بأقصر ما ّ
سبب وال بأس من إعادة كتابته على وجه جديد.
-مراعاة مكان الفقر والفصول ،فقد تكون فقرة في غير مكانها فتنقل
حيث يجب أن تكون أكثر صلة بما حولها ،وقد يكون فصل متأخرا فيقدمه أو
فيؤخره ،ويحذف خالل ذلك ما يحذف ويضيف ما يضيف على ّ متقدما
مقتض ى الحال.
بالتحقق من بعضها وإلغاء البعض ّ -مراجعة بعض الصيغ املستعملة
اآلخر فكثي را "ما يستخدم الباحثون املبتدئون كلمات ورثوها عن أسالفهم من
تبينا كافيا كأن يقول أحدهم مثال عن أسلوب النقاد دون أن يتبينوا معناها ّ
قصيدة إنه( :جزل سائغ رصين سلس) وكلمة "جزل" كانت تستخدم أصال
للغليظ من الحطب ،وهي لذلك تعني األسلوب األدبي الفصيح املتين الذي
تستطيل كلماته وتكثر فيها الحروف القوية.82
- 82شوقي ،ضيف :البحث األدبي ،طبيعته -مناهجه -أصوله -مصادره ،ط ، 6دار املعارف ،القاهرة ،ص
.76
168
ّ
-تجنب التكرار في التعبير واللفظ واملعنى للفكرة الواحدة وفي أكثر من
موقع ،ألن املعنى قد يضيع بين الكالم الكثير الذي يدور حول نفسه.
-استعمال لغة الشك واالحتمال وليس اليقين والجزم .فاألولى أن
يستعمل صيغ الظن ،فيقول مثال :وأظن ،ولعل ،وأمثال ذلك من الكلمات التي
تدل على االحتمال .أما عبارات اليقين والجزم القاطع فمن األحسن أن ال
يستخدمها ،إذ األحكام في العلوم اإلنسانية تقرر نتائج متغيرة مهما كانت الدقة
تغير ّ
وتطور مستمرين. واملوضوعية وهي في ّ
-التحلي بآداب املخاطبة وتحري املوضوعية :وتتلخص في قانون
التأدب األقص ى الذي أشرنا إليه سابقا ،حيث يجب االعتماد على األسلوب
املوضوعي املنصف لذات الباحث واآلخرين ،وتجنب استخدام ألفاظ التهكم،
ّ
والسخرية والحط من علم وأسلوب اآلخرين ،فقواعد املوضوعية تقتض ي
اإلنصاف في الجمع بين الباحث وغيره من الباحثين ،وخطورة الخروج عن
املوضوعية تؤدي إلى نبذ ما يكتبه الباحث من مبالغة وشدة في النقد غير البناء
لآلخرين ،أو املبالغة في االعتداد بالنفس مدحا ،ولآلخرين ذما ،ويقتض ي تجاوز
تجنب استخدام األلفاظ الدالة على االستخفاف بآراء اآلخرين ،وتفادي هذا ّ
اإلغراق في الذاتية.
مضمنة في أسلوب الباحث الذي ال يستطيع أن ّ صحيح أن الذاتية تأتي
يمنعها أحيانا وهي تتمظهر بطرق مختلفة في التعبير ،غير أن تأويل املعطيات ينأى
عن املعايير العلمية عندما يستسلم الباحث لتأويالته ،فتجبره الذاتية على
التجلي بطرق مختلفة ،قد ال ينتبه إليها هو نفسه .فهناك فرق ،مثال ،بين أن
يقول باحث ما وهو يعرض لرأي مؤلف ما كأدونيس مثال " ويقول أدونيس في هذا
الشأن" وبين قوله " يقول صاحب "الثابت واملتحول"؛ فإن كلمة صاحب الثابت
تعبر عن وجهة نظر شخصية عن أدونيس وموقف من الثابت واملتحول ّ
169
واملتحول ،كما أن كلمة صاحبنا أو الناقد الفذ وغيرها من الصفات املشحونة
عاطفيا ،يمكن أن تسم صاحبها بالذاتية ألنها تلعب دورا تأويليا في الخطاب،
واألثر نفسه يمكن أن يكون لبعض الجمل االعت راضية.
إن ظاهرة انتشار العبارة على الغير أو ما يسمى d'osmose phénomène
يمكن أن يفرض شبكة تقييم ذاتية لتأويل مؤسس منهجيا 83فنقرأ أحيانا رؤى
ّ
تأويليه شخصية جدا يقدمها الباحث للقارئ ،ولكن التأويل يكون مؤكدا
باستشهادات موضوعية ،وهذا النوع من الذاتية املنهجية ،إن صح منا التعبير ،ال
يمارسه إال من اجتمع فيه القول والعمل معا ،وهو قانون يجمع بين البعد التبليغي
والتهذيبي للخطاب ،وليس على هذا النوع من الذاتية احتجاج؛ إنما اإلشكال في الذي
يحاول أن يقنع باملجاز واإليحاء في مقام البحث العلمي.
على الباحث إذن ،وخاصة في األدب ،أن يكتب كباحث وليس كمبدع حتى
وإن ذاع صيته في أوساط الكتاب ،وأن يجعل الهيمنة للوظيفة اإلخبارية
والتواصلية التي تكون بالوسائل الحجاجية ال اإليحائية ،على الرغم مما في
اإليحاء من حجاج ،ل كنه حجاج تخييلي ،يصلح إلحداث املتعة الجمالية ،وهو
من سمات الوظيفة الشعرية التي تهيمن في الخطاب األدبي وهي ال مجال لها في
البحث العلمي.
-تحسين اللغة :ال يتم النجاح للباحث باملادة أو املعلومات الكثيرة وال
حتى بالقدرة الفائقة على النقد والتحليل ،إذا كان ال يحسن صياغة الجمل
بأسلوب سليم ,ويقع في األخطاء كأن ال يعرف صلة الفعل بالفاعل ،وأسلوب
الشرط أو القسم أو مواضع الهمزة أو الوصل والفصل وغيرها.
83 -Bernadette PLOT, comment écrire une thèse ou un mémoire, p :254 .
170
على الباحث أن يؤثر اإليجاز في الجمل مقام العموميات والكالم املجازي,
ّ
ولكن دون إفراط ,خاصة إذا تعلق األمر بتوضيح ما غمض من اآلراء والتعليق على
ّ
النصوص ،فكلما كان الباحث طويل النفس في التعليق على النصوص ،كان أكثر
توفيقا في الوصول إلى النتائج وإصدار األحكام؛ وهذا يعني أن اإليجاز غير مرتبط
بالطول أو القصر ،واالختصار ،أو اإلطناب ،بقدر ما هو مرتبط بطبيعة تكوين
الجملة التي يجب أن تؤدي املعنى بأقل ما يمكن من األلفاظ؛ كأن تكون هناك جمل
فرعية بين املبتدأ والخبر في الجملة األصلية ،أو أن يكثر الباحث من الجمل
االعت راضية ،والجمل الشرطية ،فيضيع جواب الشرط مثال.
-إبراز شخصية الباحث أمر ضروري في البحث تدعيما الستقالليته في
ّ ّ
الصياغة وقدرته على الكتابة ،وتمكنه من مادته ،والتحكم في عناصر
ّ
موضوعه ،ويتمثل ذلك في آرائه ،وتعليقاته ،ونقده ،واستنباطه األحكام،
وتأصيله ،وتبنيه للمواقف العلمية ،ووسائله الحجاجية وعدم اإلكثار من نقل
النصوص املتشابهة ،حيث إن كثرتها تحط من القيمة العلمية للبحث.
د -التقنيات املكملة لقواعد البحث:
ّ ّ
الضمة والفتحة * -التشكيل :واملراد به استعمال عالمات الضبط وهي
الشدة ،عند االلتباس في بعض الكلمات ،وهو ليس والكسرة والسكون ،و ّ
ضروريا في مواضع اإلعراب في أواخر الكلمات ،أما الضبط الكامل ،فهو أشد
ضرورة في ضبط آيات القرآن وأحاديث النبي -صلى هللا عليه وسلم – وبعض
النصوص الت راثية كالنصوص الصوفية مثال( ،ويحمل الضبط في الكلمات
الغريبة في الشعر ،كما يحسن في أشعار الشواهد واأللغاز النحوية التي يكثر
فيها التقديم والتأخير) .84وكذلك األمثال والحكم.
إن في هذه العالمات سر ال يعرفه إال من أدرك أهمية املنهجية العلمية في
يعدها البعض املنفذ الذي الكتابة؛ فهي التي يتم بوساطتها الفهم واإلفهامّ ،
تتنفس منه الجمل في النص إذا كان هو بمثابة البيت ،كما تعد عناصر إيضاح ّ
تساهم في فهم نظام ال نص ،بل إن صعوبة فهم نص كثي را ما يكون سببه غياب
هذه العالمات أو عدم تماسكها وعدم استعمالها بدقة .إنها "تلعب دورا مهما في
ضبط الكتابة والقراءة ،يمكن مقارنته بالدور الذي تقوم به إشارات املرور في
تنظيم حركة السير ،أو الدور الذي تقوم به الحركات الجسمية والنب رات
الصوتية في توجيه داللة الخطاب الشفوي" 86كما تقوم بدور أساس ي في ّ
التعرف
على املقصود من اللفظ داخل الجمل ،فتضبط معانيها األساسية والفرعية،
ويدرك اتساقها ،وانسجام خطابها ،وهذا يعني أنها املسؤولة عن مقروئية نص
من النصوص.
في الدراسة التي قام بها إنطون صياح ملجم وعة من الكتب الحديثة ،ومن
مجموع كل ألف كلمة ،استنتج أن النسبة املئوية في استخدام عالمات الكتابة
تؤكد عدم إدراك الكتاب املحدثين ألهمية دورّ
التي تت راوح بين 9,8و 21,5باملائة،
- 85إنطوان صياح ،دراسات في اللغة العربية الفصحى وطرائق تعليمها ،ط ،1دار الفكر اللبناني ،بيروت
،1995ص.23
- 86عمر أوكان ،دالئل اإلمالء وأسرار الترقيم كتاب في أصول الترقيم والنحو ،أفريقيا الشرق -املغرب،
بيروت ،ط ,1،1999ص.103
172
هذه العالمات في عملية تصوير املفاصل الفكرية التي تربط بين الجمل
واألفكار ،وإن التف اوت في العدد املستعمل لهذه العالمات ،يشير إلى عدم اكتناه
الكتاب لها ،فيلجأون إلى التقليل منها وإلى نقل مواقع استعمالها ،مما هؤالء ّ
يؤدي إلى توزيع جديد للمعاني التي تقصدها عالمات الكتابة في ربطها بين الجمل
والفكر ،وفي تصويرها للعالقات القائمة على مستوى الشكل اللغوي الذي
تندرج األفكار في إطاره.87
- 1عالمات الوقف :إن هذا النوع من العالمات تقوم بوظائف هامة في
الوصول إلى تعبير مفهوم ودقيق وإدراك سهل للعالقات بين األفكار وطبيعة
العمليات املنطقية التي تجمع بينها ،ويمكن حصرها في اآلتي:
* -النقطة ( :).توضع في نهاية الجملة التامة التي لم تختم باستفهام أو
تعجب ،لتشير إلى تمام املعنى أو عند االنتهاء من الكالم ،لتشير إلى استقالله عما يأتي
داللة وإعرابا كما في قولنا :في البدء خلق هللا السماء واألرض .كما تستعمل عند
نهاية كل فقرة ،وال تستعمل في نهاية األبيات الشعرية.
* -ا لنقطتان العموديتان أو نقطتا التفسير ):( :وظيفتهما التوضيح،
وتستعمالن:
-بين القول واملقول.مثل :حدثنا عيس ى بن هشام قال :كنت في نيسابور...
-بين الش يء وأقسامه.مثل :نذكر من االتجاهات السيمسائية:
سيميولوجيا التواصل ،الداللة ،الثقافة.
-قبل التمثيل :وذلك بعد ك لمة مثل التي ليست للتشبيه.
-في الهامش للفصل بين الكاتب والكتاب ،مثل:التوحيدي (أبو حيان):
كتاب اإلشارات اإللهية.
- 88مارون غضن "عالمات الوقف في اللغة العربية وكيف نستعملها" مجلة الهالل 37فيفري 1929ع
،10011ص ص576- 573
174
عبير في االمتحان؛ وإل يك الطريقة التي أتبعتها .العلم مفيد لإلنسان؛ هو الذي يدلنا
على وجود الخالق ،وعلى ما يجب علينا فعله؛ فموضعها إذن بين جملتين تكون
الثانية سببا في األولى .وتسبق ألن ولكي ولهذا ،كما تستعمل في الجملة الطويلة
املعقدة أو الجملتين املرتبطتين في واملعنى دون اإلعراب ،89مثل :إذا رأيتم الخير
فخذوا به؛ وإذا رأيتم الشر فدعوه.
* -عالمة االستفهام (؟) :تستعمل في نهاية جملة االستفهام سواء كانت
مقدرة .ويشترط في االستفهام أال يكون معلقا ،أو أداة االستفهام ظاهرة أم ّ
معموال لعامل نحوي أما إذا كان معلقا ،أو معموال لعامل نحوي؛ فحينئذ ،ال
توضع له عالمة.
فنكتب :ال أدري أسافرت سيرين أم ليس بعد.،وال نكتب :ال أدري
أسافرت سيرين أم ليس بعد؟90
176
* -املعقوفتان "[ ]" ويستعمالن بغرض حصر نقاط الحذف في
االستشهاد حتى يتبين أنه ليس أصليا كالم الكاتب ،بل هو من فعل املستشهد.92
يميزه عن الكالم املقتبس وقد يكون بهدف أو لزيادة من وضع املستشهد لكي ّ
التصحيح أو اإلحالة إلى التاريخ ،أو توضيح القصد ،أو لفت نظر، التوضيح أو ّ ّ
أو غير ذلك.
* -الحاضنتان "{ }" :تستعمالن فيما له عالقة باملنطق والرياضيات
ونجدها خاصة في الرسوما ت والنماذج املنطقية والرياضية املرتبطة بالتوجه
البنيوي والسيميائي مثال.
إن عالمات الكتابة من التقنيات املساعدة على ضبط الكالم وفهمه ،كما
أنها عامل مهم في تجاوز العموميات واملجاز وكثير من الصيغ الذاتية في البحث
العلمي ،وهي تقتض ي دقة وصب را من الباحث ،يجد نتيجتهما في الصورة املنهجية
التي يرى بها القراء بحثه.
مالحظة :إن في اللغة العربية من أدوات الربط ما يمكن االستعاضة به
عن الفاصلة مثل :الواو والفاء وثم وأو ،فإذا اعترض أحد على أهمية هذه
األدوات وخلو الكتابات القديمة من عالمات الوقف الحديثة ،حيث" لم يكن
املؤلفون والنساخ يعنون في األغلب بتنظيم مادة النص ،كما هو متعارف عليه
في عصرنا من حيث بداية الفقرات ووضع النقط عند انتهاء املعاني ،ووضع
وتميزها ،بل يسردون الكالم سردا ويوردونه متتاليا".93 الفواصل التي تظهرها ّ
نرد هذا االعت راض بأمرين:ّ
األول :إن العرب كانوا يستعملون أدوات الربط املعروفة التي هي من
خصائص التعبير العربي ،والتي ّ
تيسر عملية الفهم إلى حد ما ،كما أننا نقرأ كتاباتهم
؛ ،
.
،
تلخيص /
؛
)1( .
.
، "
؛
؛ .؛
؛
اقتداس ؛
()2
". ،
؛
،
،
؛
.
182
- IIIتحرير املقدمة -التمهيد – والخاتمة
- 1املقدمة:
ّ
تولد أولى مواد املقدمة منذ اليوم األول الذي فكر الباحث فيه بالبحث،
يسجل من موادها شيئا على بطاقة مستقلة أو في وتظل تعيش معه ،وربما ّ
حاشية بطاقة ما ،أو في الدفتر املساعد .إنها بمثابة "إعالن ّ annonce
يحدد
العناصر األساسية للعملية الحجاجية التي ّ
تنمى فيما بعد"95
يبدأ فيها الباحث بتقديم أهمية املوضوع ،وسبب اختياره له ،وطبيعة
يتعرض إلى نقدها وبيان أهميتها ومدى معالجتها الدراسات املنشورة عنه ،كما ّ
ّ
املسجلة ،وما هي للموضوع ،وزاوية الرؤية التي نوقش منها املوضوع ،والنقائص
اإلضافات التي يعتزم تقديمها إلى ما كتب عن هذا املوضوع.
ال يمكن أن يكون الحديث عن هذه النوايا في شكل إجابات مسبقة ،بل عبارة
عن تساؤالت وافتراضات تعد بمثابة مقدمات حجاجية سوف يؤكدها بالنتائج التي
توصل إليها في الخاتمة ،وفي إمكان الباحث أن يثني في نهاية املقدمة على كل من ّ
ساعده في املكتبة واإلشراف ،وأعانه على إنجاز بحثه.
ّ
املفضل في يتأمل الباحث قليال ويكتب مراعيا واضعا في اعتباره أن ّ
ّ
املقدمة أن تكون مركزة ،واصفة شاملة لكل أسئلة اإلشكالية واملنهج ،ولذلك
يجب التركيز فيها على النقاط اآلتية:
* -تحديد املوضوع من حيث الجدة والزمان واملكان ،ثم تعيين العنوان وتبرير اختيار
وضحناه في عملية اختيار املوضوع .وقد يذكر الباحث من سبقه إلى صياغته مثلما ّ
دراسة املوضوع من زوايا أخرى مختلفة ّ
عما يعتزم هو القيام به.
* – عرض الخطة بجميع عناصرها وتعليل طريقة تقسيمها وتناسقها وتوضيح
أسئلتها ،وذلك بعرض األهم من تلك األسئلة ،حتى يتسنى للقارئ التنبؤ بما
يمكن أن يكون عليه البحث.
183
* – شرح املنهج ّ
املتبع وتبرير عالقته باملوضوع واإلشكالية ،فإذا كان مستعمال
من قبل يكتفي باإلشارة إليه ،وتوضيح ضرورة االعتماد عليه ،أما إذا كان ّ
سباقا
إلى تطبيق منهج معين ،فعليه أن يعرض له أو يعقد له تمهيدا بعد املقدمة
للتعريف به؛ مما يؤكد أن عرض املنهج ،بالنسبة للباحث ،ليس غاية في حد
ّ
ذاته ،ألنه ال ينبغي أن يتحدث عن املنهج ،ولكن عن النتائج مكنه املنهج من
الوصول إليها"96
ّ
مالحظة :شاع –خطأ -في أوساط الباحثين أن املقدمة ال ترقم ألنها
ليست من البحث ،وإذا وقفنا على وظائف املقدمة ّيتضح لنا أن بحثا بدون
مقدمة كجسم بال رأس.
- 2التمهيد:
ظل التمهيد ،إلى فترة قريبة ،قسما يتناول فيه الباحث الخلفية التاريخية
للظاهرة املدروسة حتى قيل :إن الباحث في التمهيد هو أقرب إلى املؤرخ منه إلى
فيتعرض فيه إلى األسباب التي ساهمت في تكوين ّ الباحث في مجال غير التاريخ،
الظاهرة أو تطورها ،أو كانت مسؤؤلة عن توقفها ،وهي غالبا ما تكون سياسية أو
يتكفل التمهيد بالتعريف بمدرسة أدبية ما أو بمنهجاجتماعية أو ثقافية ،وقد ّ
معين ،وخاصة إذا كان البحث تأسيسيا ،غير أن تبني وظيفة التمهيد هذه ،بهذه ّ
الطريقة ،كشف عن عدة مشاكل أهمها:
-فصل الظاهرة املحللة عن جانبها التاريخي أثناء التحليل مما يضطر القارئ
إلى إحداث الربط ،ويكون قد قام بما يجب أن يقوم به الباحث.
-ضعف التحليل وسطحيته أحيانا ،العتقاد الباحث أن ما قاله في
التمهيد ال يجب أن يكرره في التحليل.
قد تدفع ضرورة التمهيد إلى اإليغال في الجوانب التاريخية التي ال تقدم
شيئا للباحث ،وهذا ما جعل بعض الباحثين يعقدون فصال أو بابا نظريا كامال
96- voir Hélene MERLIN, la dissertation littéraire, collection MEMO, seuil, paris:1996, p: 73.
184
ّ
وقد تستهلكهم الخلفية النظرية فيتخلون عن البحث الحقيقي ،وهو تحليل
اإلشكالية واإلجابة عن أسئلتها ،ولذلك كثي را ما نجد اإلشكالية في بعض البحوث
تعالج في آخر فصل منها.
إن إقامة التمهيد بهذه الطريقة يفقد الباحث القدرة على إدراك
العالقات بين السبب واملسبب ،ومن ثمة إمكانية استنباط األحكام؛ ألن املادة
النظرية تمارس سلطتها على الباحث كما يمارس املاض ي أحيانا سلطته على
اإلنسان ،فيتركه أسي را له ال يستطيع ااالنفالت منه.
ال يعني هذا ،التغاض ي عن التمهيد لحساب تحليل الظاهرة دون ربطها
بسياقها الذي قد يكون له دور كبير في فهمها ومقارنتها والوقوف عند طريقة
ّ
تشكلها ،مثل ما يفعله املنتصرون للمحايثة من خالل مناهج شكلية ال طعم فيها
تصر على عدم أهمية الخلفية السياقية- ،على الرغم من التأثير وال رائحةّ ،
الصحي في املنهجية العلمية لها -إنما غاية ما في األمر أن يحاول الباحث استثمار
تلك الخلفية في فهم وتحليل وتأويل الظاهرة املدروسة ،فكثي را ما ينجح الباحث
إذا ما قرأنا أثناء تحليله إحاالت لخلفية ما تكون بمثابة التدليل أو التبرير على
املحاجة بها؛ لذلك فأفضل طريقة هي أن يحاول الباحث اإلشارة ّ حكم ما أو
املركزة إلى هذه الخلفية التاريخية أ و النظرية في املقدمة ويستثمر التفاصيل
أثناء التحليل.
وألن معالم الخلفية التاريخية تؤثر بشكل كبير في إدراك الباحث
للموضوع واإلشكالية املطروحة ،ينبغي على الباحث أن يكون واعيا بهذه املعالم
غير جامع لها والوعي بها :هو أن يدرك العالقات بين الخلفية واإلشكالية ،كما
يجب أن يعتقد كذلك باألثر النسبي لها ،وبأن ما يكتب عنه قد يكون حقيقة
يشترك فيها مع غيره ،وأن ّ
التميز و ّ
التفرد يكون في مدى قدرته على تأويل الظاهرة
في عالقتها بالخلفية ،أما الجهد املبذول لهذه العملية؛ فليس فيما تقترحه عليه
ّ
انطباعاته ،بل يجب أن يكون مسلحا بمفاهيم ومصطلحات ومنهج يضمن له
االتزان بين الذاتية واملوضوعية.
185
املتميزون من الباحثينإن من يلقي نظرة سريعة إلى ما يكتبه الغرب ،و ّ
الدسمة التي تفتح آفاق العرب في بحوثهم األكاديمية ،تلفت انتباهه تلك املقدمات ّ
وتقرب املسافة بين القارئ ومضمون البحث ،ف تؤدي وظيفة تعريفية التلقيّ ،
دل على ش يء ،إنما حجاجية إلى جانب الوظيفة االستهاللية التواصلية ،وهذا إن ّ
يدل على الطريقة العلمية لالستجابة للسياق؛ أما من يجهد نفسه بعرض فصل
تمهيدي ال عالقة له بما سيأتي فإنه ينظر إلى التاريخ من مسافة غير مالئمة ،تبدأ
بعدم القدرة على إدراك القيم املؤثرة في املوضوع ،وتنتهي إلى سوء تأويلها.
إن التمهيد العلمي ،هو الذي يستطيع فيه الباحث أن يدرك القيم
الواضحة واملؤثرة في اإلشكالية ،وأن يدرك العالقات ،ويكتشف املعاني
ضمنه فيوالدالالت ،وإذا ما تم له ذلك ،فسواء عقد لبحثه تمهيدا مستقال أو ّ
عبر عن وعيه قسمه بين الفصول يستهلها به ،يكون قد ّ املقدمة ،أو ّ
االبستمولوجي للظاهرة وتجاوز عوائق االستجابة التامة لها.
- 3الخاتمة :إذا كانت الغاية من املقدمة هي تقريب املوضوع من القارئ،
فإنها كذلك تقدم باعتبارها املكان املفضل الذي يتضح فيه انسجام وتطور
النص ،ف االنسجام الذي قد يخفى على القارئ طيلة قراءته للبحث؛ نظرا
النصباب اهتمامه على النقاط الجزئية أثناء التحليل ،تقوم الخاتمة بدور
اقتناصه من أهم ما قيل من منظور ما أعلن عنه في املقدمة97
إن لحظة الخالصة هي تقرير للنتائج العامة وما وصلت إليه عمليات
التحليل املختلف ة أثناء التحرير ،قد تذكر عند نهاية كل فصل ثم يعاد تركيبها في
الخاتمة ،بهدف رؤية خالصة البحث في انسجامها ووحدتها ،وهي في الحقيقة
ليست إال أجوبة على إشكالية البحث وفرضيته.
إنها ،إذن ،تقوم بالتذكير بما سبق وبما له عالقة باإلشكالية ،وال يعني
هذا إعادة نقل ما ورد في املقدمة من صيغة التساؤل إلى صيغة التأكيد ،أو
ّ
تكرار مسطح لبعض املعادالت املفاتيح لتحليل املوضوع ،وإنما هي عملية
186
ّ
استرجاع ملجموع الب راهين بصيغة مقلصة ،واالعتماد على وجهة نظر واضحة
من خاللها ،هي رؤية من يعيد النظر في مسار البحث ،واستخالص الدروس،
إنها اللحظة األولى التي يعيد فيها تأمل إشكالية املوضوع ،ولكن في ضوء ما
تقدم ،وليس في شكل افت راضات كما حدث في املقدمة.98
أما اللحظة الثانية ،فهي وظيفة االختتام ذاتها وهي تختلف عن التلخيص
واإلجابة عن اإلشكالية ،إنها املستوى اإلشكالي الالحق مثلما ّسماه عبد املجيد
االنتصار في دراسته ملنهجية ابن رشد في كتبه وانطالقا من "فصل املقال" ،حيث
تعد هذه اللحظة تفكي را في املستوى التركيبي كأساس إلشكالية أخرى تصدر عنها،
وتنبثق من داخلها ،وذلك بإثارة أسئلة بحث أخرى ملوضوع آخر ،تحضي را له،
وتحويال لكل جواب كي يصبح سؤاال جديدا .99يحق للباحث أن يخرج عن
موضوعه ليفتح النقاش على منظور أكثر شمولية ،كأن ّ
يبين ،مثال ،بأي طريقة أو
من أي زاوية يمكن أن تدرس اإلشكالية أو ما هي اإلشكاليات األخرى التي يمكن أن
تدرس ،أو األسئلة التي لم تستطع إشكالية البحث اإلجابة عنها.
مثال ذلك ما أورده الباحث خالد ميالد في خاتمة كتابه عن "اإلنشاء في
العربية بين التركيب والداللة ،دراسة نحوية تداولية" حيث تناول -كما هو
واضح من العنوان -تحديد مفهوم اإلنشاء الذي اختلف القدامى في حدوده
وتوصل إلى تحديد اإلنشاءات من حيث مفهومها ومباحثها، ّ اختالفا كبي را،
وتوقف عند ما ّ ّ
يميز به النظرية اللغوية العربية عن سائر النظريات الداللية
والتداولية الغربية الحديثة ،وانتهى إلى القول :أوال :إن العالقة بين تلك
املعطيات (النفسية واألبنية املعرفية) والجهاز اللغوي مما يحتاج إلى بحوث
خاصة نأمل أن يسهم عملنا هذا في توجيه البحث إليها.ثانيا إننا نروم
بإنشائنا هذا املسلك في البحث اللغوي اإلسهام في إنارة بعض السبل في
إجراءات تحليل فن القول وأساليب الخطاب وداللتها .ثالثا :إننا نأمل أن
- 99يراجع عبد املجيد االنتصار" ،سؤال املنهجية في درس الفلسفة" املرجع السابق.
187
يكون بحثنا هذا مقدمة ملشروع أعم يتعمق دراسة مباحث اإلنشاء مبحثا
ّ
ويتسع لتحليل عالقاتها بإنشاءات البيان التخييلية"100". مبحثا
اعتقد علي جواد طاهر أن الخاتمة في البحث العلمي "يستحسن أال
املفضل فيها أال تزيد على عشر صفحات في بحث يزيد على ثالثمائة تطول ،و ّ
صفحة ،ألن طولها ّ
يضيع الفائدة التي وجدت من أجلها ،وألن املادة التي يمكن أن
تطيل الخاتمة يحسن بها أن ترد إلى أماكنها املناسبة من فصول البحث"101.
ّ
إن مقاييس البحث العلمي أحيانا تتحكم فيها اعتبارات كثيرة ،فقد
وجدت هناك مرحلة كان املهم فيها ،هو التعريف بالت راث؛ لذلك كانت األسبقية
ّ
فيها إلى العرض أكثر من إعطاء الحكم ،ولعله املنطلق الذي جعل علي جواد
التوجه العلمي الصارم الذي قاد العلوم ّ طاهر يقول بهذا الرأي؛ غير أن
اإلنسانية في نهاية القرن املاض ي ،جعل الخاتمة كما املقدمة تنطوي على
وتنوع مناهجه ،وتعطي ّ
للتقدم الهائل في البحث العلمي ّ وظائف أهم ،وتستجيب
مجاال لردود الفعل واالعت راض من القراء ،وهي طريقة اعتمدها علماء اإلسالم
في التعليم وال تأليف على حد سواء.
ليس املهم تلخيص رأي الباحث؛ ألن البحث مجرد رأي من بين آراء ،بل
إن الباحث نفسه قد ال يسعفه املوضوع لعرضها جميعا أو عرضها كلها من
وجهة نظر أو زاوية واحدة ،أما التكرار الذي ينتقد من خالله دور الخاتمة ،فال
موجها إلزالة مواط ن الغموض ،كأن يشرح الباحث ،مثال ،أثر ضرر منه إذا كان ّ
معنى مضمر في البحث قد يؤدي إلى اللبس ،وهذا يعني أن إعادة ما قيل ال يكون
ّمبررا في الخاتمة إال إذا كان الهدف منه تطوير خطاب البحث في عالقته
- 100خالد ميالد :اإلنشاء في العربية بين التركيب والداللة ،دراسة نحوية تداولية ،منشورات جامعة منوبة
واملؤسسة العربية للتوزيع ،تونس 2001 ،ص 624
- 101علي جواد طاهر ص 130
188
ملخص يعيد بصيغة مختصرة ما قيل مجرد ّ
باإلشكالية املطروحة ،أما إذا كان ّ
من قبل ،فه ناك من ال يعتبره خاتمة.102
إن الخاتمة يجب أن تؤدي وظيفتها الحجاجية ،فإذا كانت تحتوي على
تأكيدات موضوعية ،فالحقيقة فيها تكون مدعومة باملنطق الذي سار به التحليل
في البحث ،كما يمكن أن تعبر ،أيضا ،عن خطاب تأويلي ،فبعدما كان الباحث في
عالقة مباشرة مع موضوع بحثه أ ثناء التحليل ،يصبح في الخاتمة هو نفسه ّ
مقيما
تطورا في خطاب البحث ،ويشكل يعد ّلصياغاته ،وهذا التقويم الذاتي نفسهّ ،
ّ خاتمة له ،كما يعتبر أيضا ّ
تصورا جديدا يشكل موضوع تفكير جديد لباحث
آخر103.
192
- IVالتهميش notes de bas de page
يسجل الباحث املصادر واملراجعفي مرحلة التحرير (التبييض والتسويد)ّ ،
مهمة من عملية التهميش ،حيث ينتقي محققا بذلك مرحلة ّ التي اعتمدهاّ ،
املعلومات التي ّ
يسجلها في املتن ،وتكون هي موضوع التحليل واملقارنة ،كما يكتب
بعضها ف ي أسفل الصفحة لتحقيق وظائف مختلفة ،وذلك ما يعرف بالتهميش.
- 1الهامش :هو كل كالم خرج عن املتن وخالفه ،وهذا ال يعني ّأن ال عالقة
له بالبحث ،بل العكس تماما ،فعالقته وطيدة تكاملية مع النص؛ لذلك يقال
ّ
للمتخصصين من املستوى األعلى ،أما الهامش فللطالب العاديين. إن املتن
ويقول الدكتور غازي عناية "إن الحاشية أساسية يستخدمها الباحث
للتوثيق واإلفادة ،للوصول إلى أهم مبدأ في البحث العلمي أال وهو األمانة
العلمية ،ويكون عادة في أسفل الصفحة.105
يتضمن تعليقاتّ عرف الهامش عند أسالفنا بالحاشية أو الذيل ،وكان
املخصص على جوانب الصفحة ،وكثي را ما كانوا يوردون كتبا ّ طويلة في الفراغ
ّ بأكملها تشرح أو ّ
تكمل ما في املتن ،وتتجلى هذه الطريقة خاصة في ما يعرف
بكتب املتون.
فرق علي جواد طاهر بين هذه املصطلحات (الحاشية ،الهامش، ّ
الذيل ) بقوله" :فالحاشية (وجمعها حواش) هي البياض الذي يحيط بالنص أي
املتن من الصفحة ،وقد يكون إلى اليسار أو في األعلى أو في األسفل ،والهامش
- 105غازي عناية ،إعداد البحث العلمي دار الشهاب ،باتنة ،الجزائر 1985ص .76
193
يعني البياض الذي على يمين املتن من الصفحة (أو يسايره) وقد يستعمل
لعناوين جانبية.
والذيل هو البياض الذي في أسفل الصفحة من املتن ،وتكتب فيه اإلحالة
إلى املصادر ،ونقوال وتعليقات وشروحا ملا يرد في املتن ،دون أن تكون على قدر
املتن من األهمية ،وهو في هذا أقرب إلى الكلمة (.106)Foot notes
على الرغم من اختالف داللة هذه املصطلحات ،إال أنها توحي إلى عمل واحد
وهو :اإلحالة شرحا أو تعليقا أو توضيحا أو تثبيتا ملرجع أو تصحيح خطأ.
في الحقيقة إن مصطلح ا لتهميش حديث العهد ،وهو تقنية حديثة
اقترنت بمناهج البحث ،والعرب لم يعرفوا الكتابة واآلليات التقنية بالطريقة
التي هي عليها في وقتنا الحاضر؛ ألن الكتابة لديهم كانت في مرحلة االنتقال من
الشفاهية التي كانت لها مقتضياتها وشروطها املنهجية ،فكانوا يحيلون اآلراء
ألصحابها ،بواسطة اإلسناد والعنعنة والرواية و ّ
السماع.
يتجزأ من البحث العلمي األكاديمي؛ ألننا تعد الهوامش جزءا أساسيا ال ّ
نتبين من خاللها املستندات التي استخدمها الباحث في بحثه ،والحجج التي أتى ّ
بها ،واألدلة والب راهين التي ساق بحثه من خاللها؛ فالباحث ال يعرض أفكاره
وآراءه بصفة عشوائية كيفما جاء واتفق ،بل يغلق كل منافذ الضعف ،فيوردها
تعليقات أو توثيقا وتوضيحات ،أو مقارنات.
يتم في الهوامش توجيه القارئ وإحالته إلى املراجع التي اعتمدها ،كما قد ّ
تحيله إلى آراء وقضايا فكرية ال يجوز تفصيلها في املوضوع" .107فهي بهذا املعنى لها
متعددة وضرورية بالنسبة إلى الباحث والقارئ معا .ويمكن تحديدها بما وظائف ّ
يلي:
- 108يراجع أحمد شلبي ،كيف نكتب بحثا أو رسالة ،ط ، 6مكتبة النهضة املصرية ،القاهرة ، 1968 ،ص
.102 - 101
195
يعطي الباحث النتائج في املتن ،وهي آراؤه ،ويحيل القارئ على الخلفية
أسس من خاللها األحكام ،وبذلك يترك له هامشا أكبر من الحرية في الفهم التي ّ
والتأويل.
- 2طريقة التهميش:
يلتزم الباحث بتدوين املصادر واملراجع في الحواش ي السفلية ،بأمانة
علمية ،وهي مرحلة مهمة جدا في البحث ،لذلك نجدها استقطبت اهتمام
ّ
املؤلفين الغربيين ،حيث وضعوا أصوال وقواعد يتبعونها في فصول طويلة،
مهمة من تحقيق تعد لحظة ّ ويقتبسها العرب وغيرهم من األمم األخرى ،وهي ّ
املنهجية.
* طرق الترقيم بالهامش :أثناء اقتباس الباحث لرأي أو اختصاره لعبارة،
ّ البد أن ّ
يدعمها باألرقام حتى يشير إلى مصدرها في الهوامش،وبالتالي يتمكن من
ويسهل على القارئ الرجوع إلى مصادر الباحث ،ويضع ّ تجسيد األمانة العلمية،
الرقم عند نهاية الجملة املقتبسة بارتفاع قليل عن السطر ،واألرقام توضع
ّ
يتجسد الترقيم في ثالث طرق ،وهي: متوازية ،أي :بمحاذاة ّ
تامة ويمكن أن
أ -أسهل الطرق وأكثرها شيوعا ،هي استقاللية األرقام في هامش كل
صفحة ،ففي هذه الحالة ،يمكن حذف أو إضافة أرقام أخرى ،دون أن يطرأ
ّ
املستقل". ّ
وتسميه ثريا ملحس "الترقيم تغيير في هوامش الصفحات األخرى،
ومتصال يجمع في آخر كل ب -يكون الترقيم في هذه الطريقة متسلسال ّ
فصل على حده ،إذ يستهل بالرقم الواحد إلى نهاية الفصل؛ وإن إحداث أي
تغيير سواء بالحذف أو اإلضافة يستوجب تغيير ما بعده إلى نهاية الفصل،
ّ
وتعرفه ثريا ملحس "بالترقيم املتسلسل الفصلي".
196
متصلة، يتصل الترقيم بالبحث ككل ،إذ تكون األ قام متسلسلة ّ جّ -
ر
املذكرة أو األطروحة ،وأي تغيير في األرقام ّ ّ
يؤدي إلى يستهل بالواحد إلى نهاية
وتعرفه ثريا ملحس "بالترقيم املتسلسل ّ
التام".109 تغيير ما بعده إلى نهايتهاّ .
نستنتج ،إذن ،أن أساليب التوثيق في الهوامش ،واإلشارة إلى املصادر
ملخصة عنها بما يلي: متعددة ،ويمكن إعطاء صورة ّ واملراجع ّ
* -الهوامش التي تحمل أرقاما متوالية ،من أول الفصل في الكتاب إلى
نهايته ،أو من بداية الدراسة إلى نهايتها.
* -الهوامش التي تحمل أرقاما غير متوالية ،وهي التي يكتفي الباحث فيها
بوضع األرقام للهوامش التي توجد على كل صفحة فقط ،ومعنى هذا أن لكل
صفحة هوامشها التي تنتهي سلسلة الترقيم فيها بانتهاء الصفحة.
* -الهوامش التي تأتي داخل املتن أو النص ،وهي التي ّ
يتم فيها االعتماد
مرقمة ترقيما تصاعديا ،ابتداء من أول ن ّ
على قائمة املصادر التي ينبغي أن تكو
مصدر في البحث إلى آخر واحد فيه ،ويعتمد هذا في الجامعات اإلنجليزية.
* -الهوامش التي تأتي في شكل عالمة نجمة ،وهي عبارة عن إشارة توجد
في مقدمة أو وسط الصفحة ،وتأتي على شكل مالحظة للفت االنتباه إلى بعض
الحقائق الهامة عن املوضوع أو التعريف بشخصية في البحث ،مثل:
التقنية والتنمية اإلدارية بقلم :رانجت كومار* ترجمة :نادر أبو شيخة**
(*) املدير التنفيذي ملؤسسة التدريب العالي لدول العالم الثالث.
(**) باحث باملنظمة العربية للعلوم اإلدارية.110
199
بالكتاب املشار إليه ،ولهذا ينبغي مراعاة التسلسل في اإلشارة إلى الكتاب ،واحت رام
الطريقة نفسها طيلة البحث كله ،كأن نذكر مثال:
ّ
-اسم املؤلف ثم لقبه ،عنوان الكتاب ،واسم املترجم أو املحقق أو املشرف
على البحوث ،مثال:
-رقم الطبعة إذا كانت الثانية أو الثالثة ...إلخ.
-اسم املطبعة أو دار النشر.
-البلد الذي نشر فيه الكتاب وتاريخ النشر ،ثم رقم صفحة أو صفحات
االقتباس.
مثال :إحسان عباس ،فن الشعر ،ط ،1مطبعة دار املعارف ،القاهرة
،1980ص .3
إذا كان للكتاب محقق ومترجم يذكران بعد العنوان مباشرة.
مثال :أرسطو طاليس ،فن الشعر ،ترجمة وشرح وتحقيق عبد
الرحمان بدوي ،دار الثقافة ،بيروت -لبنان ،د.ت.
* الهامش الذي يشار فيه إلى نفس الكتاب مرتين متتاليتين:
يتعين عليه أن يذكر جميع إذا أشار الباحث في الهامش ،مثال إلى كتابّ ،
املعلومات عن هذا الكتاب -كما سبقت اإلشارة -ولكن ،عند استعماله مرة ثانية
مباشرة في الصفحة نفسها ،يكتفي بوضع كلمة :املصدر نفسه ،مع وضع رقم
الصفحة التي أخذ منها املعلومات.
ّ ّ
فيتعين على الباحث أن يستعمل كلمة وإذا كان الكتاب باللغة األجنبية،
ibid , p21
* الهامش املشار فيه إلى نفس الكتاب مرتين غير متتاليتين:
فإذا كان للمؤلف كتاب واحد ،فهذا وضع طبيعي ويكتفي الباحث
باإلشارة إلى هذا الكتاب وإعادة كتابة لقب املؤلف مع اإلشارة إلى الصفحة ،وفي
200
اللغة اإلنجليزية نستعمل في هذه الحالة املختصر .op. citأما إذا كانت لنفس
الكاتب مقاالت أو كتب أخرى واستغلها كمراجع له في البحث ،فاألمر يختلف،
حيث ال ّبد من ذكر عنوان املصدر كامال ،حتى يعرف القارئ أي مقال أو كتاب
يقصد في كل مرة ّ
تتم اإلشارة إليه.
* الهامش الذي يشار فيه إلى مقال في مجلة أو جريدة:
عندما يكون االقتباس من مجلة علمية أو جريدة ،فإن الترتيبات التي
تحدثنا عنها في بداية الحديث عن الهوامش هي نفسها ،مع مراعاة بعض
الخصوصيات ،وهي على النحو التالي:
اسم ولقب الكاتب ،عنوان املقالة بين مزدوجتين ثم فاصلة ،فاسم
املجلة أو الجريدة ،ثم رقم العدد ورقم املجلد ومكان وتاريخ الصدور ،اليوم أو
الشهر والسنة ،وأخي را رقم الصفحة أو الصفحات املشار إليها.
مثال:
عمار بلحسن" ،دراسة سيميائية لرواية الزلزال" مجلة الحياة
الثقافية ،ع ،44مطبعة دار الثقافة .تونس ،مارس أفريل ماي ،1980 ،ص
.25
* الهامش الذي يشار فيه إلى دراسة صادرة عن مؤسسة دون ذكر
اسم أي كاتب :في حالة ما إذا كان قد تم نشر الدراسة أو الكتاب ،من قبل
مؤسسة وطنية أو دولية ،فإنه ينبغي على الباحث أن يبدأ بكتابة اسم
املؤسسة؛ ألنها هي التي قامت بتأليف ونشر الدراسة أو الكتاب (وذلك بدال من
كتابة اسم الكاتب) ثم تذكر معلومات النشر.
ّ
* الهامش الذي يشار فيه إلى اسم كاتب نقل عنه من كتاب آخر غير متوفر:
قد يحدث في بعض األحيان أن يعثر الباحث على بعض املعلومات التي
ّ
تفيده من كتاب أو مقال ،غير متوفر في املكتبات لنفاذ طبعته مثال ،ففي مثل
201
هذه الحالة ،يستطيع الباحث أن يعتمد على املصدر األساس ي ولكن بشرط
يتحمل مسؤولية ّ اإلشارة إلى املصدر الذي نقل عنه تلك املعلومات حتى ال
التحريف في النص أو سوء فهمه ،والشائع لدى الباحثين أنهم يرجعون االعتماد
على الفقرات املقتبسة وليس املعنى العام للفكرة ،ويكون كما يلي:
مثال :ابن عربي ،محاضرة األبرار( ،معلومات النشر والصفحة) ،نقال
عن منصف عبد الحق ،الكتابة والتجربة الصوفية ،فمعلومات النشر
بنفس الطريقة املعتمدة.سابقا.
* الهامش الذي يشار فيه إلى دراسة في كتاب تحمل اسم غير كاتبها.
عندما يجد الباحث مجموعة من الدراسات ،قام باإلشراف عليها
وتصنيفها كاتب آخر ،يكتب الباحث اسم صاحب املقال ،وعنوان دراسته في
الكتاب بين مزدوجين ،ثم يضع اسم ولقب املشرف على الدراسة ،إذا كان اسمه
مثبتا على ظهر الغالف ،وي ضيف إلى ذلك جميع املعلومات املتبقية عن الكتاب،
وهنا نشير إلى أن املشرف على مقاالت أو دراسات وبحوث ،ال يعد مؤلفا تنسب
إليه الدراسة ،كما أنه ال يمكن أن ننسب نصا مأخوذا من تقديم لكتاب على أنه
لصاحب الكتاب ،فكتاب السيميائية أصولها وقواعدها الذي ترجمه رشيد بن
مالك مثال ،يمتد تقديمه إلى ثالث وستين صفحة وهو لعز الدين املناصرة ،فال
يليق أن ننسبه مثال إلى رشيد بن مالك ،كما ال ننسب إليه وحده ما ورد في
تحليله مع عبد الحميد بورايو للموكب الجنائزي في نفس الكتاب.
مثال :ميشال أريفيه وآخرون ،السيميائية أصولها وقواعدها ،ترجمة
رشيد بن مالك ،مراجعة وتقديم عز الدين املناصرة ،منشورات االختالف،
الجزائر.2001.
202
* الهامش الذي يشار فيه إلى وثائق حكومية
في هذه الحالة ال ّبد من كتابة اسم الدولة ،ثم الوزارة أو الدائرة العامة
التي قامت بنشر الدراسة ،وعنوان الدراسة ،واسم ومكان النشر ،وتاريخ النشر
وبعد فاصلة ،الصفحة املقتبس منها.
تعبر عن السياسة التي إن النصوص الحكومية تعتبر وثائق رسمية؛ ألنها ّ
تسير عليها الدولة ،لذا ينبغي على الباحث مراعاة الدقة في االقتباس منها.
ّ
فعندما يقتبس الكاتب من نص قانوني ،فمن املستحسن أن يتبع الترتيبات
التالية ف ي كتابه الهامش فيكون كاآلتي :كتابة اسم الدولة ،ثم اسم السلطة
التشريعية أو الرئاسية :أي الجهة التي أصدرت القانون -اإلشارة إلى نوع القانون
(مرسوم أو أمر أو قرار) -تحديد رقم القانون -ذكر السنة -اسم الجريدة الرسمية -
رقم العدد والتاريخ الذي صدرت فيه ثم وضع فاصلة بعد إغالق القوس وكتابة
البند أو الفقرة واإلشارة إلى الصفحة أو الصفحات التي تم االقتباس منها.
مثال :الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ،وزارة التعليم العالي
والبحث العلمي ،القانون األساس ي النموذجي للجامعة ،التكوين في الدكتوراه
وما بعد التدرج ،املتخصص والتأهيل الجامعي (/254/98في )1998/08/17
* الهامش الذي يشار فيه إلى دراسات غير منشورة.
زّ
قد يستعين الباحث ببعض املطبوعات التي تو ع على الطلبة من قبل
أساتذتهم أو يحصل على مشروع بحث لم ينشر بعد ،فبإمكان الباحث أن
يقتبس من هذه الدراسات غير املنشورة وذلك باتباع الترتيبات التالية :اسم
ولقب الكاتب ،ففاصلة ،ثم يكتب عنوان الدراسة التي يتناولها الباحث وتحديد
نوع الدراسة( :أطروحة ،رسالة جامعية ،أو مطبوعة للطلبة )...ثم يذكر اسم
املعهد والجامعة التي نوقشت فيها األطروحة ،ثم ذكر األستاذ املشرف ،والسنة
203
تم منها االقتباس ،وأخي راالتي ّتمت فيها املناقشة ثم الصفحة أو الصفحات التي ّ
اإلشارة إلى عدد صفحات املخطوط.
مثال :آمنة بلعلى ،الرمز الديني عند رواد الشعر العربي الحديث :السياب
صالح عبد الصبور ،خليل حاوي ،أدونيس ،رسالة ماجستير ،إشراف محمد
حسين األعرجي ،معهد اللغة العربية وآدابه ا ،جامعة الجزائر،1988/1987 ،
ص 358( .345ورقة).
ّ
مالحظة :إذا نشر املخطوط تفضل العودة إليه مطبوعا ،فقد يعمد
قدمت إليه أثناء الباحث إلى تصحيح مخطوطه تبعا للمالحظات التي ّ
مهما فيه ،بالزيادة أو النقصان. املناقشة ،كما قد يحدث تغييرا ّ
* الهامش الذي يشار فيه إلى مقابالت شخصية:
املقابلة الشخصية وسيلة لجمع البيانات واملعلومات املطلوبة حول
ّ
وتتميز هذه املقابلة موضوع ما عن طريق املقابلة املباشرة بين طرفي القضية،
بأنها تعطي لنا الفرصة لتشخيص من نقابله وتحليل بعض جوانب سلوكه،112
وخاصة في البحوث امليدانية في العلوم اإلنسانية.
ّ
فإذا كان موضوع البحث يتطلب إجراء مقابالت مع املسؤولين املعنيين
للتعرف على وجهات نظرهم في املوضوع ،فإنه ّ و ّ
املهتمين باملوضوع الذي يعالجه،
يتعين على الباحث أن يستعمل األسلوب التالي في كتابة الهامش: ّ
اإلشارة في أول سطر إلى كلمة "مقابلة مع" أي :ال ّبد من ذكر اسم ولقب
الشخص الذي جرت املقابلة معه ،بعد الفاصلة يأتي ذكر وظيفة الشخص أو
منصبه ،ثم اإلشارة إلى املكان الذي ّتمت فيه املقابلة وتاريخ إجراء املقابلة.
- 112حسن سليمان قورة ،األصول التربوية في بناء املناهج ،ط ، 5دار املعارف ،مصر ، 1977ص 68
204
مثال :مقابلة مع د.رشيد حراوبية ،وزير التعليم العالي ،وزارة التعليم
العالي ،األحد في الساعة العاشرة 12ديسمبر 2005.
- 4تهميش مصادر مواقع األنترنت:
لم تعد الكتب وال امليدان وحدهما من املصادر املهمة لجمع املادة
واملعلومات ،فأمام التطور الهائل للتكنولوجيا ،وشبكة اإلعالم اآللي ،توفر
األنترنت معلومات ومراجع ،كان العثور عليها من قبل في عداد املستحيل ،بل إنها
تقرب املعلومة من الباحث ،ساعة إنزالها في املوقع .ولذلك بات من الضروري ّ
ّ
االعتماد على هذه الوسيلة في جمع املعلومات ،كما يجب التحكم في طرائق
التعامل معها بنفس الشروط العلمية واألخالقية التي تحدثنا عنها من قبل.
ولعل السؤال املهم الذي يطرحه الباحثون اليوم هو كيفية توثيق
مصادر هذه املعلومات التي يجدونها في مواقع اإلنترنت املختلفة .إلى جانب
التساؤل حول أهميتها ومدى مصداقيتها ،مقارنة بالكتب.
إن البحث في مواقع اإلنترنت مهم مفيد إذا كان الباحث يعرف ماذا يريد،
ّ
إلى جانب تمكنه من تقنيات اإلبحار في اإلنترنت ،فالقرن العشرون لم يكن قرننا
نحن العرب ،بل كان قرن الغرب ،سيد العلم واملناهج والتكنولوجيا ،ولكي
نجعل أنفسنا منتمين إلى هذا القرن ،علينا أن نحل إشكاالتنا مع التكنولوجيا،
فهي الوحيدة التي تجعلنا في مستوى املتلقي الغربي ،وتجعلنا فاعلين ضمن
إلكترونية التواصل.
محركات بحث وصور وموسيقى إن استعمال الوسائط اإللكترونية من ّ
مصاحبة يجعل ّ
تلقينا للمعلومات املوجودة في اإلنترنت أكثر إشعاعا ومرونة في
التفاعل معها ،لكن ينبغي على الباحث في اللغة واألدب خاصة ،أن يعرف كيف
ينقب في طوفان املعلومات الذي يداهمه في األنترنت ،والطريقة التي ّ
تقدم بها ّ
النصوص؛ حيث إن ترابط النص والصورة واملوسيقى ،يجعل من النص
205
متعدد األبعاد ،قد يسقط الباحث في نوع من التأويل الذاتي ّ البسيط نصا
يتعرض إلى تعديالت يومية ،وخاصة تلك ويبعده عن املوضوعية ،كما أنه قد ّ
النصوص التي تنشر في مواقع غير متخصصة ثقافية كانت أو إعالمية.
يجب أن يعلم الباحث أن تنظيم فيض املعلومات وتنقيتها،
ّ
()filtrageحسب احتياجات الباحثين غير متوفر بدرجة كبيرة؛ لذلك ال بد على
مؤسسات جامعية أو اتحادات الباحث أن يختار املواقع العلمية التي تقوم عليها ّ
محكمة أو منشورات جامعية ،أو يشرف عليها باحثون ّ
كتاب أو مجالت
معروفون .فاحتمال الغرق في التفاصيل واملعلومات اإلشهارية وارد ،كما أن
إمكانية الوقوع في األخطاء اللغوية كذلك وارد ،ألن الذين يقومون بمهمة الكتابة
التخصص ،وال يقومون بدورّ الحاسوبية على األنترنت هم تقنيون بعيدون عن
الكاتب الحقيقي .ونضيف إلى ذلك ظاهرة التعاون والتشارك في التأليف غير
حيز للتعليقات وإعطاء الرأي أو إثارة أسئلة املباشرة التي نالحظها في تخصيص ّ
مما ّ
يعرض امللكية الفردية إلى نوع من االنمحاء.
ّ
إن كل هذه املآخذ وغيرها تتطلب الحذر في التعامل مع املعلومة
اإللكترونية ،دون الطعن في أهميتها الكبيرة ،ولعل أرقى درجات هذا الحذر هي
ّ
طريقة توثيق مصادر هذه املعلومات التي يجب أن تتبع فيها األساليب العلمية
بنفس الشروط املذكورة أو أكثر كما رأيناها في تهميش الكتب.
فكيف نهمش مصادر هذه املواقع؟
تعتمد الطريقة العادية التقليدية القائمة على ذكر العناصر األساسية
وه ي :املؤلف ،وعنوان العمل أي :املقال أو الكتاب ،وعنوان املوقع ،وتاريخ
اإلنزال.
206
.مثال:
الطريقة األولى:
- Gingras, François-Pierre, « Comment citer des sources sur Internet
dans un travail scientifique »,
<http://aix1.uottawa.ca/~fgingras/metho/citation.html>, 21 mars
2005.
الطريقة الثانية :ويذكر فيها تاريخ اإلنزال بعد ذكر املؤلف.
- Gingras, François-Pierre (2005), « Comment citer des sources sur
Internet dans un travail scientifique »,
<http://aix1.uottawa.ca/~fgingras/metho/citation.html> (21 mars).
ّ
التعرف على الكاتب الحقيقي مالحظة :في بعض الحاالت ،ليس سهال
للمقال ،وخاصة إذا لم ّ
تنزل املعلومات واضحة في بداية النص ،أو ما يشير إلى
حق التأليف ،وقد يختلط على الباحث األمر ،حين ال يفرق بين الناشر أو
صاحب املوقع.،وإذا ما اتضح للباحث أن اسم صاحب املقال ال يظهر على
ا لشاشة ،ففي هذه الحالة يلجأ للبحث عنه بالنقر على:
« Affichage » puis « Source » (source du cadre ou, s'il n'y a pas de
)cadre, source du document
يدون :مجهولوفي حالة استحالة التعرف على صاحب امللف ّ
يتحرز من عملية الخلط بينه ّ -بالنسبة لعنوان املقال ،على الباحث أن
وبين عنوان امللف العام الوارد ضمنه املقال ،وإذا ما تأكد له عدم ظهوره في
أعلى الشاشة ،يتم البحث عنه بنفس الطريقة التي يبحث فيها عن صاحب
املقال.
207
-أما عنوان املوقع ،فيعد األكثر أهمية ،ولكنه في الوقت ذاته أسهل
ّ
املخصص العناصر في العثور عليه ألنه يظهر دائما في أعلى الجهاز في املكان
للعناوين ،ويبدأ دائما ب > <http://وينتهي ب » « htmأو» . « html
* تهميش مقال من مجلة واردة في موقع ما ،يذكر املؤلف ،عنوان املقال بين
مزدوجين ،اسم املجلة،تاريخ النشر ،عنوان املوقع ،وتاريخ اإلنزال.
مثال:
Ramonet, Ignacio, « Désarmer les marchés », Le monde
diplomatique (décembre 1997), <http://www.monde-
diplomatique.fr/md/1997/12/RAMONET/>, 28 novembre 1997.
- 113يراجع:
- Gingras, François-Pierre (2005), « Comment citer des sources sur Internet dans un travail
scientifique », <http://aix1.uottawa.ca/~fgingras/metho/citation.html> (21 mars).
208
ّ
نشير أيضا إلى أن هناك نظام طريقة علمية أكاديمية أخرى يتعلق
يدون فيه الباحث اسم بفهرسة هذه املراجع واملصادر ويكون في آخر البحث؛ ّ
املؤلف وعنوان الكتاب واسم املطبعة مرتبا ذلك على حروف الهجاء لتسهيل
املراجعة ،وذلك ما نراه في نظام الفهرسة.
املختصرات:
ّ
املختصرات واالختصارات ،يستعملها الباحث في الهوامش ،وهي تتعلق
باملصطلحات والكلمات التي ترد كثي را خالل البحث ،لذلك اتفق على اختصارها
في رموز خاصة ،وال يسمح ل لباحث أن يختصر مثلما يريد ،بل مثلما ما جرى
العرف على قبوله ومن أهم املختصرات ما يلي:
- 1املصدر نفسه :مختصر م .ن )Idem. Ibid.(.في اللغة األجنبية؛
ويستعان به إذا وضع الباحث رقمين متتاليين من نفس املصدر بدون متطلبات
الهامش في الرقم األول ،أما الثاني فيكفي ذكر مختصر م .ن .وفي حالة اختالف
الصفحة يذكر رقمها بعد املختصر بينهما فاصلة.
- 2املصدر السابق ،مختصرة م .س ( )op. cit.في اللغة األجنبية ،إذا ّ
تكرر
االقتباس من مصدر واحد للمؤلف ،بينهما مصدر آخر يستخدم هذا املختصر.
- 4الصفحة ،مختصرها :ص.P .
- 5الجزء ،مختصره ج .أو جـ.
- 6املجلد ،مختصره :مج.
- 7السطر ،مختصره :س.
- 8انتهى ،مختصره :أ .هـ.
209
تحقيق املخطوطات
ال نجد في كتب منهجية البحث حديثا عن التحقيق ،وإذا عثرنا على إشارة
لذلك ،فإنها تثبت في ملحق الكتاب كما هو الشأن في كتاب "منهجية البحث
ّ
العلمي للطالب الجامعيين" لثريا ملحس التي استلت هذا امللحق من كتاب
"قواعد تحقيق املخطوطات" لصالح الدين املنجد .وإذا كنا نعتقد أن الباحثة
التحقيق في كتابها؛ ألن هناك من سبقها إلى ذلك تفادت إد اج الحديث عن ّ
ر
بقول كل ش يء في التحقيق ،فإننا يمكن كذلك أن نستنتج القيمة التي توليها
الجامعات العربية عموما للتحقيق ،وكأن العهد الذي كان زاحم فيه عبد
محققي الت راث العربي من السالم هارون وأحمد شاكر وغيرهم ،بعض ّ
ّ
املستشرقين ،قد ولى ،أو أن ما يستهوينا من كتابات الغربيين في العصر
الحاضر ،ونستورده كما نستورد األشياء التي نستهلكها ،يغنينا عن تراثنا الذي
يوجد فيه ما يغنينا عما نستورد.
ّ
الوصية وال من للتحقيق ،ال من الوزارةليس لدينا في الجزائر سياسة ّ
حتى من مراكز البحث ،على الرغم من الكم الهائل من املخطوطات الجامعة أو ّ
التي تزخر به زوايانا في مختلف أنحاء الوطن وخاصة في بالد القبائل والصحراء.
210
ف ي جامعة الجزائر بادر املحقق العراقي محمد حسين األعرجي بتكوين
دفعات ماجستير في تحقيق املخطوطات ،وشرع البحث فيها ونوقشت بعض
البحوث التي تناول فيها الطلبة تحقيق مخطوطات ،غير أن املبادرة ما لبثت أن
فتوقف املشروعّ ، ّ ّ
وتبناه بعض الباحثين توقفت برحيل الدكتور األعرجي،
الجزائريين الذين تحول الظروف املختلفة دون تحقيق أهدافهم.
ّ
إن النظام الجديد في البحث ،والذي يقلص من مدة إنجاز بحوث
املاجستير والدكتوراه ،سيزيد الباحثين نفورا من هذا النوع من البحث الذي
يتطلب وقتا أطول؛ ولذلك ،ينبغي أن تت ّولى الدولة هذه ّ
املهمة ،بإنشاء مراكز
ّ
متخصصة في تحقيق املخطوطات ،وإال ،فإن مصير مخطوطاتنا سيبقى ّ بحث
مجهوال وقد ّ
يتعرض إلى االندثار بفعل الزمن.
يعرف التحقيق بأنه ضبط النص وإعادة إخراجه صحيحا كما تركه ّ
صاحبه منسوخا بخط يده أو بخط ناسخ آخر .وعملية إخراجه صحيحا
تتطلب من الباحث املحقق التح ّقق من ّ ّ
صحة الكتاب واسمه ونسبته إلى
مؤلفه ،وهي عملية دقيقة جدا" وليس مجرد مهارة مهنية فقط ،بل هو عمل
نقدي يتناول النص محل التحقيق من جوانب عدة ،يتعلق بعضها بالسياق
املولد للنص ،ويتعلق بعضها اآلخر بالبنية النصية ذاتها أو ما يتفرع عنها".114
التحري العلمي الصا م واملوضوعية والصبر على ّ ّ ّ
مشقة البحث ر لذلك يتطلب
التي تفرض على الباحث ّ
التنقل إلى أماكن وجود النسخ .إنها عملية ّ
تتم على عدة
مراحل نذكرها مختصرة باالستناد إلى ما كتبه بشار عواد في كتابه القيم ضبط
- 114عبد هللا العش ي ،زحام الخطابات ،ط ، 1دار األمل للطباعة والنشر والتوزيع ،الجزائر ، 2005ص.88
211
مميزة في التحقيق ،كما نستندالنص والتعليق عليه،115ألنه صادر عن تجربة ّ
إلى بعض ما ذكره صالح الدين املنجد الذي أوردته ثريا ملحس ملحقا في كتابها.
يحتل ضبط النص والتعليق عليه أهمية عظيمة في علم تحقيق
املخطوطات العربية ،ويذكر بشار عواد أنه منذ أن بدأ العرب يعنون بتحقيق
املخطوطات ظهر رأيان متضاربان حول الطريقة التي ينبغي ات باعها عند نشر
الت راث العربي.
مجردا من كل تعليق،مصححا ّّ األول :يرى االقتصار على إخراج النص
والثاني :يرى أن الواجب يقتض ي توضيح النص الهوامش والتعليقات وإثبات
االختالف بين النسخ والتعريف باألعالم وشرح ما يحتاج إلى شرح وتوضيح.
املحققين فأثقلوا هوامش الكتب التي عنوا بنشرها ّ وقد بالغ بعض
بتعليقات وتعاريف ال مبرر لها وال مسوغ ،كأنهم يريدون خلق كتاب آخر وليس
يكررون التعريف،يعرفون األعالم في كل موضع وقد ّ تصحيح املخطوط حيث ّ
ويعرفون باألعالم املعروفين وباألوطان التي ال داعي لتعريفها ،وذلك ما يخرجّ
التحقيق عن طريقه القويم.
مجردا من كلاعترض الكاتب على عدم صالحية تحقيق مخطوط ونشره ّ
تعليق وذلك لألسباب التالية:
- 1ندرة النسخ الخطية الصحيحة السليمة الخالية من التصحيف
والتحريف.
- 115بشار عواد معروف ،ضبط النص والتعليق عليه ،مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر ،بيروت1982 ،
ونشير إلى الدور الكبير الذي لعبه الباحثون العراقيون في مجال تحقيق املخطوطات العربية.ومنهم بشار
عواد وحاتم صالح الضامن وغيره من الباحثين باملجمع العلمي العراقي ،وخارجه كمحمد حسين األعرجي.
212
- 2الغالبية الكبيرة من املخطوطات لم تصل إلينا بخطوط مؤلفيها ،بل
التغيير والتحريف ،وهذا بخطوط نساخ فيهم الجاهل ،والعالم ،مما عرضها إلى ّ
التحقيق.يتناقض مع الهدف من ّ
ّ
املوضحة - 3جمهرة املؤلفين والنساخ لم يعنوا باإلعجام ووضع الحركات
للنص ،وكانوا يعتمدون على ما للقارئ من معرفة في موضوع الكتاب.
- 4افتقار املؤلفين والنساخ إلى وحدة كتابية مما يؤدي إلى تباين كبير في
رسم بعض الكلم ،واستخدام كثير من الصيغ الكتابية غير املعروفة في العصر
الحالي.
لهذه األسباب وغيرها ،يتساءل الكاتب عن السبل الصحيحة لضبط
النص ومتى يكون التعليق عليه؟ و يرى أن ضبط النص والتعليق عليه أمران
متالزمان ،فالغاية من التعليق يجب أن ّتتجه نحو خدمة ضبط النص
ّ
وتوضيحه ودفع كل إبهام عنه ،وال تتأتى هذه األمور إال بمراحل معينة مثل:
جمع النسخ وترتيبها ،وهي تقابل مرحلة اختيار املوضوع وجمع املادة وقراءتها في
البحوث املكتبية ،وتحقيق النص ومنهجه ،وهي تعادل مرحلة التحرير ،وعلى
املحقق أن يقوم بعمل يات هي من صميم املنهج العلمي وما تقتضيه ّ الباحث
ّ ّ
وتتلخص فيما يلي: الدقة واملوضوعية
أوال :تنظيم مادة النص
ّ
املؤلفون و ّ
النساخ يعنون بتنظيم مادة النص ،من حيث منهجية لم يكن
العرض بحسب األسبقية ووضع عالمات الكتابة وتنظيم الفقرات والصفحات؛
محقق الكتاب ،إعادة تنظيم املادة وفهم النص فهما جيدا يتعين على ّ لذا ّ
وتقسيمه إلى فقرات وجمل ،ويضرب بشار عواد مثال لطريقة تنظيم تراجم
العلماء باتباع الخطوات التالية:
أ -اسم املترجم ونسبه ولقبه وكنيته ونسبته.
213
يدل على عمره.ب -مولده أو ما ّ
جـ -نشأته ودراساته وأخذه عن الشيوخ.
د -إنتاجه وتالمذته.
هـ -مكانته العلمية وآراء العلماء فيه.
و -تحديد تاريخ وفاته.
املتصلة به.ز -بعض األمور ّ
ّ ّ
تخص صاحب تتوفر هذه األمور في الترجمة الواحدة إذا كانت
املخطوط ،أما األعالم املذكورين في املخطوط فيشار إليهم باقتضاب.
املحقق في كيفية جعل النص وحدة موضوعية قائمة ّ كما تظهر براعة
بذاتها ،فتوضع كل فقرة مستقلة عن األخرى؛ ألن هناك صعوبات كثيرة ّ
تتحدد من
حلها قد ة ّ ّ
املحقق وبراعته ،مثل الصعوبة املرتبطة بعدم وجود أسلوب ر خالل
واضح عند مؤلفي النصوص في ذكر املصادر ،فكانوا يشيرون بكلمات وعبارات
مثل :قال /وذكر /ووجدت بخط فالن/ /قال أئمة النحو/قال صاحبنا /وكثيرا ما
ينهون النص بقولهم :هذا آخر الكالم أو انتهى .كما أن املحقق قد يصادف
ّ إشكاالت منهجية أخرى ّ
يتعين على الباحث حلها مثل:
-إرجاء ذكر املصدر إلى نهاية النص.
-اإلشارة إلى املصدر ال إلى الصفحة.
-اعتماد بعض املؤلفين على السماع.
-عدم إشارة املؤلف إلى انتهاء النقل.
مما يوقع في اإلبهام.-اإلشارة إلى الكنية دون االسم ّ
-ذكر املؤلف وعدم ذكر املصدر وقد يكون للمؤلف الواحد أكثر من
يتعين على الباحث املحقق تعيين الكتاب املقصود. كتاب ،مما ّ
214
توضح أن علمية تنظيم النص ليست من السهولة التي كل هذه األمور ّ
ّ ّ
تتصور ،فاملحقق بحاجة إلى معرفة تامة بمنهجية البحث العلمي والتمكن من
ممارستها ،إضافة إلى معرفة السياق ،والثقافة الواسعة في اللغة والبالغة
والتاريخ وغيرها116.
املحقق إلى املقارنة بين النسخ بطرق مختلفة ،أسهب فيها بشار ّ يعمد
املحقق إثبات ما يراه صوابا في أصل النص ،وتدوين يتعين على ّ عواد ورأى أنه ّ
ّ
ما يراه خطأ أو ضعيفا في الهامش ،فهو مطالب بتعليل الت رجيح وبيان األدلة
التي دفعته إلى هذا االختيار ،حيث تصبح املقارنة بغير هذا التعليل خالية من
تقدم أي توثيق أو دعم لصحة النص. أية فائدة وال ّ
ومن املستحسن كذلك مقارنته باملطبوعات الخالية من األخطاء ،والتي
ّ
أكد الجمهور عليها وكانت خالية من التصحيف والتحريف.
- 116نذكر في هذا السياق أستاذنا الفاضل محمد حسين األعرجي ،وكيف كان يبهر الحاضرين في
ّ
لتتحقق له بتلك الصفة ،لوال أنه محقق بارع .جمع الدقة املناقشات بمعرفته املوسوعية التي ما كانت
والثقافة الجامعة والذكاء الفائق من خالل مقارناته وتعليالته املنطقية وأحكامه الصحيحة.
- 117يراجع صالح الدين املنجد ،نقال عن ثريا ملحس ص .204
215
ّ
املعنية تنبه السلف إلى أهمية مراجعة النسخ الصحيحة أو الكتب ولقد ّ
أصح النسخ عند عند ضبط أسماء الناس وكناهم وألقابهم ،واعتنوا بانتقاء ّ
ّ ّ
اعتمادها في النقل ،ونبهوا إلى أن ما نقلوه هو من خط املؤلف أو خط عالم ثقة
جيد الضبط ،وكانت غايتهم ترمي إلى تصحيح النص متقن صحيح النقل ّ
وتدقيقه وطمأنة القارئ إلى صحة ما كتبوه ومن ذلك تجد :قرأت بخط الكندي
في تذكرته/نقلت هذا من خط أمين الدين/...وجدت بخط/...قرأت بخط
الضياء.../إلخ.
ثالثا :توحيد النسخ
اختلف الكتاب والنساخ في عصر املخطوطات وحتى هذا اليوم في رسم
بعض األلفاظ والحروف ،واستخدموا صيغا ّ
متنوعة لعدة أسباب ومنها:
أ -دفع االشتباه وخوف وقوع القارئ في قراءة خاطئة.
ب -تسهيل عمل ّ
النساخ.
ّ
جـ -عدم وجود وحدة كتابية تنظم مثل هذه األمور كالطباعة الحديثة.
لذلك حذفوا بعض الحروف التي من حقها أن تكتب ،وزادوا حروفا لم
تكن من أصل اللفظ ،وأبدلوا حروفا مكان حروف أخرى ،وهذه أمثلة عن ذلك:
-حذف األلف الوسطية في كثير من األعالم :الحارث -خالد -إبراهيم -
إسماعيل إسحاق -هارون -مروان -سليمان -عثمان -معاوية -وكتبوا:
السموات -ثلثة -ثمنية -ثمنين -وغيرها
-معظم القدماء وبعض املعاصرين يكتبون " مئة" بزيادة ألف (مائة)
وفعلوا ذلك الشتباهها بلفظة (منه) ولكن كثي را من املتعلمين صاروا يقرأونها
بلفظ األلف.
216
-عدم وضع النقطتين تحت الياء املتطرفة في معظم املخطوطات فصارت
تلتبس باأللف املقصورة -املتوفى واملتوفي -إعجام الفاء بنقطة من األسفل:
إعجام القاف بنقطة واحدة :مثل فل بدل قل.
-لم يكن القدماء في األغلب يكتبون الهمزة و ّأدى هذا إلى اختالف
املقصود باملمدود :عليا ،مثال.
-إثبات همزة "ابن" أو حذفها حيث يجد هذه الهمزة تارة مكتوبة وتارة
محذوفة وأهل العربية مختلفون في حذفها إال عند مجيئها مفردة أو في بداية
السطر أو قبل الصفات املادحة "اإلمام" (الشيخ) واألنساب.
املؤلفون و ّّ
النساخ جملة مختصرات اعتاد املحدثون خاصة -استعمل
استعمالها فكتبوا (حدثنا) الثاء والنون من غير نقط ،واختصروا (أنبأنا) بـ (أنا)،
وقد تبدو هذه األمور صعبة ،من غير شك وتؤدي إلى أخطار ال يمكن تجاهلها،
ومنها على سبيل املثال:
-التباس املقصور باملمدود.
-التباس املقصور بالياء.
-ظهور تسميات غير موجودة أصال مثل (الحرث -خلد -صلح) مع أنها
الحارث ،خالد ،صالح.
-صعوبة قراءة الخط العربي بسبب الحذف أو الزيادة.
-ظهور أخطاء القراءة عند املتعلمين في قراءة (مئة) .بسبب زيادة األلف.
217
رابعا :ضبط النص بالشكل:
ّ ّ
-إذا كان النص مشكال ،كله أو بعضه ،حوفظ عليه.
-تشكيل اآليات القرآنية واألحاديث ،واألشعار التي تصعب قراءتها
واألمثال واألفعال املبنية للمجهول إذا ما التبس معناها إذا أهمل شكلها،
وكذلك األعالم األعجمية املعربة ،أو املركبة ،أو الصعبة118.
محاذير التحقيق :تذكر في هذا املجال بعض املشاكل التي يجب تجاوزها
ّ ّ
من أجل أن يخرج املخطوط صحيحا ،منها تضخم حواش ي الكتب املحققة
ّ
حيث يتوسع املحققون في التعريف بكل ش يء في حين يتمثل عمل املحقق في
ّ
أن يخرج نصا صحيحا ويعلق عليه بما يفيد تصحيحه وتوضيحه ،ال أن
يكون شارحا لكل صغيرة وكبيرة ،لذا فالتعريف باملشهور أو توضيحه
ومطالبة الرجوع إلى الكتب ونقل الشروح أمر قد يصرف عن الهدف
ّ
الحقيقي من التحقيق إلى أمور هامشية؛ حيث يغرق بعض املحققين في
تخريج األعالم فيذكرون كل مصدر على سبيل االستقصاء ومثلها البلدان،
ّ
وبالغ بعض املحققين في تخريج القصائد ،وأثقلوا حواش ي الكتب بذكر
املكان واالختالف في الروايات ،وعني البعض بتخريج األحاديث النبوية
الشريفة فصار يذكر كل املصادر التي ورد فيها الحديث دون النظر إلى
قيمتها وأهميتها وهذا عمل مبالغ فيه.
يرجع بشار عواد مشاكل التحقيق إلى الخلط بين (التحقيق) و(التعليق).
فالتحقيق يهدف إلى ضبط النص وتقييده وإخراجه أقرب ما يمكن إلى الصيغة ّ
دونه ،وهذا هو (التحقيق) ،أما التعليق على النص فبماالتي أرادها مؤلفه يوم ّ
219
املخطوط ،بل يجب اختيار ما يستطيع به توضيح فكرة أو معنى أو رأي ،أو
يدفع به تعارضا أو ّ
يحل به إشكاال.
للتحقيق منهجيته العلمية الصارمة فقط ،والتي يلتقي معه في ليس ّ
املحقق ،والناقد أيضا ،وإنما هو فلسفة قائمة بذاتها ،ال بعضها الباحث غير ّ
يعرفها إال من ما سها وال يشعر بأهميتها إال من قرأ ألحد كبار ّ
املحققين العرب، ر
أو حتى املستشرقين منهم ،ليقف على أهميتها ليس فقط بالنسبة للباحث
والبحث العلمي ولكن أيضا بالنسبة للوطن الذي ننتمي إليه.
إن املوازنة بين النصوص املختلفة ،وشرح الغامض فيها ،وتحقيق نسبة
النص إلى صاحبه ،ومادته العلمية وتوثيقها ،وإسناد ما ورد فيها من غير إسناد
إلى صاحبه ،وترجمة األعالم الواردة في املتن ،إنما يحتاج إلى ثقافة أدبية ولغوية
تتعدى إلى معارف أخرى .إنها عمليات يختلط فيها الشرح وتا يخية ،بل قد ّ
ر
باالعت راض بالتوثيق بغيرها من العمليات النقدية ،التي تبقى خطابا حول
النص ،وعمال نقديا يندرج في إطار التحليل الفيلولوجي والجينيالوجي.119
إن إشارتي املقتضبة هذه إلى أهمية التحقيق من خالل ما ورد عند
محققين متميزين ،ليس إال لفت النظر إلى جانب من البحث يجب أن نسعى
يتم ّ
التعرف ع لى تراثنا ،وألن معرفة الت راث جزء من معرفة الذات. لبعثه ،فبه ّ
- 120يراجع عبد هللا العش ي ،زحام الخطابات ،مدخل تصنيفي ألشكال الخطابات الواصفة ،املذكور سابقا.
221
املراجع املعتمدة العتبة التي تدخل القارئ إلى الكتاب أو تجعله يعزف عنه ،كما
تدل كثرة املراجع توجه الكتاب العلمي ،فكثي را ما ّأن املراجع عادة ما تعكس ّ
وتنوعها ،حداثتها أو قدمها ،على مستوى الباحث العلمي. ّ
ّ
هي ،إذن ،ضرورة منهجية إلى جانب وظيفتها التداولية ،لتحكمها في أفق
فيتعين على الباحث وضع قائمة كاملة بعناوين املراجع ّ تلقي محتوى الكتاب،ّ
يتسنى للباحثين اآلخرين اختيار الكتب واملقاالت التي هم في حاجة إليها. حتى ّ
- 1عملية ترتيب املراجع:
ينبغي على الباحث االستناد إلى طريقة تصنيفية في عرض املراجعّ ،
تقسم
عادة إلى مراجع عربية وأخرى أجنبية .إن هذا التقسيم يساعد على اإلملام بأهم
ّ ّ
الدراسات املتوفرة باللغتين ،أو بعديد من اللغات عن موضوع البحث الذي
كتب فيه ،لذلك عليه ترتيب املراجع بحسب الفئات وأهميتها ،كما يلي:
أ -الكتب.
ب -املقاالت.
جـ -الوثائق الرسمية.
د -املواد غير املنشورة.
و نفصل في األمر أكثر ّ
متبعين هذا الترتيب في الفهرسة.
أ – الكتب املصادر :وتشتمل على املوسوعات و املعاجم والنصوص
اإلبداعية.
ب -املراجع التي استفاد منها الباحث في التحليل باقتطاف نصوص منها.
ج -املخطوطات كالرسائل الجامعية.
د -املقاالت في الكتب املشتركة التأليف ،أو املجالت ،أو الجرائد أو
التقديمات أو املحاضرات التي ألقيت في امللتقيات والندوات ،أو تلك املنشورة
في مواقع األنترنت املختلفة.
222
هـ -الوثائق الحكومية :كالوثائق الرسمية ،مثل الدساتير واملواثيق
والقوانين والقرارات واملؤتمرات الحكومية الرسمية وغير الرسمية.
-املواد غير املنشورة :أ -مراسالت.
ب -مقابالت.
جـ -أحاديث إذاعية -تلفزيونية.
- 2طريقة توثيق الكتب:
يختلف الترتيب في توثيق املرجع عن الذي عرفناه في الهوامش في عدم
ّ
ويتم اتباع الترتيب ذكر الصفحة ،وعبارات اإلحالة مثل :يراجع أو ينظر،
مدون على غالف الكتاب ،وتؤخذ األبجدي ألسماء املؤلفين وألقابهم كما هو ّ
بعين االعتبار الكنية الشائعة في أسماء القدامى كالجاحظ والغزالي وابن سينا،
حيث تذكر الكنية أوال أو االسم الشائع ،ففاصلة ثم االسم مخ تصرا؛ ألن ذكره
كامال ّ
يتم في الهوامش.
1كنية املؤلف ففاصلة ثم اسمه فنقطتان.
- 2عنوان الكتاب ،ففاصلة.
- 3اسم املترجم أو ّ
املحقق.
– 4معلومات النشر من طبعة ودار نشر ومكان وتاريخ النشر.
مثال:
الغزالي ،أبو حامد :تهافت الفالسفة ،تحقيق سليمان دنيا ،دار
املعارف ،الطبعة الرابعة ،مصر.1966 ،
توضيح:
-إذا كان للكتاب مؤلفان يذكر االثنان معا.
-إذا كان للكتاب أكثر من ثالثة مؤلفين ،فهنا نختصر ونكتفي بذكر اسم
األول فقط ،ثم عبارة وآخرون.
223
-في حالة ما إذا كان الكتاب دون أي اسم ،ينبغي على الباحث أن يكتب
عنوان الكتاب ،وذلك حسب التسلسل في الحروف األبجدية.
-في حالة إذا كان الكتاب ألفته هيئة علمية أو مؤسسة ،من األفضل
استعمال اسم املنظمة مدخال وذلك حسب التتالي في األبجدية.
ّ
-في حالة إذا كان الكتاب قد أشرف على جمع مقاالته مؤلف أو كاتب
يذكر اسمه ،ويوضح بعد عنوان الكتاب مثال ( ترجمة) (جمع) أو (إشراف).
-إذا كان املؤلف مترجما ،نكتب لقب املؤلف األصلي واسمه وعنوان
الكتاب ثم نضع اسم ولقب املترجم ،وباقي املعلومات دون تغيير.
تم االعتماد على عدة مؤلفات لكاتب واحد ،نكتب اسم الكاتب مرة -إذا ّ
واحدة ،ثم نذكر املراجع التي اعتمدناها في البحث ّ
مرتبة بالهجائي .وانطالقا مما
ذكرنا على الباحث أن يقوم بما يلي:
- 1تصنيف وترتيب العناوين ،بحسب الترتيب الهجائي ،أو بحسب سنة
النشر.
- 2ترك مسافة صغيرة ،في بداية السطر الثاني ،الذي يأتي بعد كتابة
متقدما على السطر األول ،والهدف هو إبراز اسم الكاتب، اسم املؤلف ،ويكون ّ
وإظهار التسلسل في أسماء املؤلفين من األلف إلى الياء.
224
مثال:
طه عبد الرحمان :اللسان وامليزان أو التكوثر العقلي ،الطبعة األولى،
املركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء/بيروت.1998 ،
سؤال األخالق ،الطبعة األولى ،املركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء/
بيروت.2000 ،
- 2املراجع األجنبية :في الفهرسة تكتب بلغتها كلها حسب الترتيب الهجائي
لتلك اللغة .مثال:
- JACQUES, F: dialogique, recherches logiques sur le dialogue,
P.U.F., Paris, 1979.
-DUCROT, O: dire et ne pas dire, collection savoir, Hermann,
Paris, 1973.
يالحظ اعتماد الحرف األول السم املؤلف في اللغة الفرنسية في حالة لم
يكن هناك مؤلف آخر له نفس اللقب.
- 3توثيق املقاالت:
- 1لقب املؤلف ،واسمه ،ثم فاصلة بينهما ،فنقطتان.
- 2عنوان املقال بين مزدوجين.
– 3عنوان املجلة.
4رقم العدد.
- 5مكان وتاريخ صدور املجلة.
مثال :آمنة بلعلى" :إشكالية ترجمة السوابق واللواحق في اللغة العربية"
مجلة التعريب ،املركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر ،العدد ،42
دمشق ،ديسمبر 2002.
- 5توثيق املراجع الخاصة بالوثائق الحكومية:
225
إن استعمال الوثائق الحكومية في الهوامش مشابه للنظام املعمول به في
املراجع ،ويكمن الفرق في استعمال النقطتين بدل الفاصلة بعد كتابة الدولة
والهيئة التي أصدرت الوثيقة ،مثال:
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية :الجريدة الرسمية،
واملتمم املعدل للجامعة، النموذجي األساس ي القانون
(/253/98في)1998/08/17
226
الخاتمة
تم نقصانّ ،
فأبرر كثي را من املزالق التي هل علي أن أقول :لكل ش يء إذا ما ّ
ّ
تالحظ في هذا الكتاب ،أم أعلل النفس بقولي :إن النقص من صفات البشر؟
قيدت إنها خالصة تجربتي في البحث والتدريس و ضعتها بي أيدي الطلبة الذين ّ
ّ
هذا الكالم من أجلهم ،مثلما حاولت أن أبلغه إياهم مشافهة.
ّ ّ
غني عن البيان ،أن البحث الذي يكون صاحبه غير مسلح بمنهجية
علمية صارمة ال يمكن أن يكون متماسكا ،ونظرا ملا يالحظ من استخفاف
بمنهجية البحث العلمي في اللغة واألدب خاصة ،بحجج واهية ،فمن الضروري
تركيز الجهود التعليمية والتطبيقية خاصة في الجامعة بدءا من السنة األولى،
بل من املراحل األولى من التعليم ،لتدريب الطلبة على اعتماد التفكير املنطقي
في الفهم واإلجابة والكتابة.
وسيحتاج ذلك إلى أمرين مهمين ،أولهما :وعي اللغة التي يكتب بها،
تعود الطالب االستجابة العلمية والثاني :وعي املعلومات التي يتلقاها .فإذا ّ
ومهمة الستعمال املنهجية ّ الستعمال اللغة واملعلومة ،تكون بداية ّ
فعالة
العلمية.
إن الحالة (الكئيبة) التي نالحظها في تطبيق املنهجية ،حتى في بحوث
ّ ّ
الدكتوراه ،تعكس طبيعة التعلم التي تتعارض مع الذكاء ،وليس هناك إال
التربية املنهجية يمكن أن تدفع هذا التعارض.
ال بد أن يدرك الباحث في األدب ،أن دراسته بطريقة منهجية ،تيهئ له
جيدا إلدراك التجربة الجمالية فيه ،فتساعده على اإلحساس بالجمال مدخال ّ
وتيسر له املتعة بهذا الفن .فال تعارض إذن ،بين التربية املنهجية وإدراك ّ
التجربة الجمالية في األدب.
227
أقل قيمة من البحث في أمراض فتاكة كالسرطان ليس البحث في األدب ّ
ّ
والسيدا مثال؛ ألن تخصيص مي زانية كبيرة إلنقاذ املعذبين بهذه األمراض ،ليس
من قبيل القرارات االقتصادية أو السياسية ،ولكنها قرارات إنسانية تعتمد على
اإليمان بقيمة الحياة اإلنسانية ،وكرامة اإلنسان في أن يعيش معافى لكي ّ
يؤدي
الوظيفة التي خلق من أجلها أال وهي فعل العبادة.
واملنهجية العلمية في دراسة العلوم اإلنسانية والفنون عامة ،ذات أهمية
في التعريف بأهمية ودور هذا النوع من املوضوعات في فهم اإلنسان واملجتمع
والحضارة ،وفي ذلك تكمن أهميته وقيمته في الواقع ودوره في املحافظة على
القيم الحضارية الفاعلة ضد هيمنة قيم عوملة الثقافة والقيم.
سيكون طبيعيا بالنسبة للطالب الذي لم يمارس املنهجية العلمية من
قبل ،أن يجد صعوبة في تطبيق القواعد واآللي ات املنهجية املرتبطة بكل عنصر
من عناصر البحث وسنتوقع عزوفا عن بعضها ،غير أن اعتماد مناهج نقدية
تؤكد دور الذات وتعيد االعتبار إليها في فهم النصوص ،مثل السيميائيات
التأويلية والتداولية ونظريات التلقي ،سيكون عامال مهما في تجاوز هذا
العزوف؛ ذلك أن هذا النوع من املناهج يدمج الباحث باعتباره له دور في عملية
فهم النص وتأويله ،ويصبح (املنهج) وسيلة إلثارة استجابته للقيم الجمالية
املنضوية في العمل األدبي ،وبالتالي تأكيد دوره كمنتج ،عكس املناهج املحايثة
كالشكلية والسيميائيات السردية التي تنظر إلى الباحث باعتباره آلة تتعامل مع
ّ
آلة قادرة على تفسير اآلليات العميقة لتشكل املعنى ،وهنا تكمن علميتها
وأهميتها التي ال تنكر ،غير أنها غير قادرة على إعطاء الباحث فرصة لرؤية النص
من الخارج ،والخروج به من نفسه (أي بوصفه سلسلة من العمليات املنطقية
التي ال تثير أي استجابة) إلى الوجود في العالم ليعاد إنتاجه في ّ
كل مرة ،ذلك أنها
يقوض بالغة النصوص األدبية ،ويجعل معنى أي نص تفرض أنموذجا واحداّ ،
228
ّ
متعددة، منضويا في البنيات األولية للداللة ،في حين أن معاني النص األدبي
تؤكدها السيرورة السيميائية له باعتباره نسقا داال بغزارة األنساق الدالة
ّ
االجتماعية والثقافية التي يحتويها ,أي باعتباره نشاطا مركبا.
التصالح مع الذات ،أي إن أي تصالح مع منهجية العلمية ال يكون إال عبر ّ
حين تعطى القيمة الفعلية لدور الباحث في اإلنتاج وفي متعة اإلنتاج ،أما أن
تلقيها في شكل قوانين إلزامية صارمة ،فذلك هو النفق الذي نضع فيه يكون ّ
صح لي أن طالبنا ،ينبغي أن تمارس املنهجية بحب يشبه عشق املتصوفة ،وإذا ّ
أشبه منهجية البحث بش يء ،فلن تكون إال كما الحب يعاش ويمارس وينتج ،قد ّ
ّ
يصعب الحديث عنه كما كان يؤكد املتصوفة ،ولكن يستطيع وصفه من
مارسه.
صحيح أن املنهجية العلمية تطرح أسئلة تقنية مثلما رأينا طيلة هذا
ّ
العرض ،ولكن هناك سؤالين أخيرين يطرحان ،أولهما :أي سلطة تتحكم في
تبنت أسئلة العلم ،فمن يمنحنا متعتها ّ ّ
ويكرس فينا لذة املنهجية ،إذا كانت قد
القيام بأعباء قوانينها؟ والجواب :ال بد أن يكون حب البحث ،الذي أريد أن
التصوف ،فقد بدأ بتجربة سؤال ّ أكشف من خالله عن وشائج القربى بينها وبين
الذات والوجود ،وارتقى إلى األجوبة بخطوات منهجية هي التي عرف بها
ّ
املتصوفة كيف يعبدون هللا ألنهم عرفوا كيف يحبونه.
وثانيهما :أي فضاء تتحرك فيه املنهجية؟ ،إذا ثبت من خالل هذا العرض
تقبل إلزامي وامتثال صارم كذلك ،أن عالقة الباحث بها ،يجب أن تكون عالقة ّ
تتحول من قيم ّ
موجهة رادعة إلى ّ لقوانينها؟ فنقول :إنه فضاء األخالق ،حين
ِ
قيم تعلو بهمة الباحث إلى االرتقاء إلى حالة من املعرفة ،تجعله يتقبل وبفعالية
أي شكل مغاير من أشكال املعرفة ،فينفتح له على حد تعبير الفيلسوف طه
عبد الرحمان ،في كتابه سؤال األخالق "باب تحصيل التكامل املادي الروحي،
229
املقوم لفطرة اإلنسان ،فيكتسب القدرة على االستقالل عن النمط املعرفي ّ
املتداول ،وينهض إلى تجديد املعرفة تجديدا يزداد فيه عمال بعلمه وكماال
بعقله ،فيكون علمه نافعا وعقله كامال".
230
قائمة املصادر واملراجع
- 1بالعربية
-ابن منظور :لسان العرب ،جـ ، 2د .ط ،بيروت ،دار الطباعة والنشر،
.1955
-أحمد بدر :أصول البحث العلمي ومناهجه ،ط ،5الكويت ،وكالة
املطبوعات. 1979 ،
-أحمد ،شلبي :كيف نكتب بحثا أو رسالة ،ط ،6القاهرة ،مكتبة النهضة
املصرية.1968 ،
-إنط ـوان ،ص ــياح :دراس ــات ف ــي اللغ ــة العربي ــة الفص ــحى وطرائ ــق تعليمه ــا،
ط1دار الفكر اللبناني ،بيروت .1995
-بشــار ،ع ـواد مع ــروف :ضــبط ال ــنص والتعليــق علي ــه ،مؤسســة الرس ــالة
للطباعة والنشر ،بيروت.1982 ،
-ثريا ،ملحس :منهج البحوث العلمية للطالب الجامعيين ،دار الكتاب
للبناني مكتبة املدرسة ،ط.1983 ،3
-حامد ،حفني داود :ا ملنهج العلمي في البحث األدبي ،د .ط ،الجزائر،
ديوان املطبوعات الجامعية.1983 ،
-الحرش ـ ــاوي ،الس ـ ــعدية :فع ـ ــل الق ـ ـراءة م ـ ــن ال ـ ــنص إل ـ ــى املعن ـ ــى ،مجل ـ ــة
ديــداكتيكا ع 2دار الخط ــابي للطباع ــة والنش ــر املحمدي ــة
املغرب يناير .1992
-حسن ،الساعاتي :تصميم البحوث االجتماعية ،د .ط ،بيروت ،دار
النهضة العربية .1982
231
-حسن ،سليمان قورة :األصول التربوية في بناء املناهج ،ط ،5دار
املعارف مصر.1977 ،
-حميدة ،عمي راوي :في منهجية البحث العلمي ،دار البعث ،قسنطينة،
.1985
-خالــد ،م ــيالد :اإلنشــاء ف ــي العربيــة ب ــين التركيــب والدالل ــة ،دراســة نحوي ــة
تداولي ــة ،منش ــورات جامع ــة منوب ــة واملؤسس ــة العربيـ ــة
للتوزيع ،تونس.2001 ،
-شوقي ضيف :البحث األدبي ،طبيعته ،مناهجه ،أصوله ،مصادره ،د.
مصر ،دار املعارف .1972
-طـه ،عبـد الرحمـان :فــي أصـول الحـوار وتجديـد علــم الكـالم ،املركـز الثقــافي
العربي ط 2الدار البيضاء -بيروت.2000 ،
-عبد الرحمان ،بدوي :مناهج البحث العلمي ،ط ،3الكويت -وكالة
املطبوعات .1977
-عبد هللا العش ي :زحام الخطابات،ط ،1دار األمل للطباعة والنشر
والتوزيع ،الجزائر.2005
-علي ،جواد الطاهر :منهج البحث األدبي ،ط ،3بيروت ،املؤسسة
العربية للدراسات والنشر.1979 ،
-عماد الدين محمد :املنهج العلمي وتفسير السلوك ،ط ،2القاهرة
مكتبة النهضة املصرية .1970
-عمار بوحوش :دليل الباحث في املنهجية وكتابه الرسائل الجامعية ،د.ت،
الجزائر ،املؤسسة الوطنية للكتاب.1985 ،
232
-عم ــار ،عواب ــدي :منـ ــاهج البح ــث العلمـ ـي وتطبيقاتهـ ــا ف ــي مي ــدان العلـ ــوم
القانوني ــة ،ط ، 2ديـ ـوان املطبوع ــات الجامعي ــة ،الجزائ ــر
.1992
-عمر ،أوكان :دالئل اإلمالء وأسرار الترقيم كتاب في أصول الترقيم والنحو،
أفريقيا الشرق -املغرب ،بيروت ،ط.1999 ،
-غازي ،حسين :عناية :إعداد البحث العلمي ليسانس ،ماجستير ،دكتوراه،
ط ،1االسكندرية :مؤسسة شباب الجامعة.1986 ،
-النسون وماييه :منهج البحث في اللغة واألدب ترجمة محمد مندور ط،2
دار العلم للماليين بيروت .1982
-اللس ــان وامليـ ـ زان أو التك ــوثر العقل ــي ،املرك ــز الثق ــافي العرب ــي ،ط 1الـ ــدار
البيضاء -بيروت .1989
-محمد ،الخي :مناهج البحث التربوي سلسلة التكوين التربوي رقم16
-محم ـ ــد ،حم ـ ــود :مكون ـ ــات القـ ـ ـراءة املنهجي ـ ــة للنص ـ ــوص ،ط 1مطبع ـ ــة
النجاح ،الدار البيضاء ،املغرب 1989
-محمد ،سليمان ياقوت :منهج البحث اللغوي ،دار املعرفة الجامعية
ط 1الكويت.
-محمد ،عبد الباسط :أصول البحث االجتماعي ،ط ،4القا هرة ،مكتبة
األنجلومصرية.1978 ،
-مش ــهد ،س ــعدي الع ــالف :بن ــاء املف ــاهيم ب ــين العل ــم واملنط ــق ،مقدم ــة ف ــي
ف لس ـ ـ ـ ــفة العل ـ ـ ـ ــم ط 1دار عم ـ ـ ـ ــار ،عم ـ ـ ـ ــان /دار الجي ـ ـ ـ ــل،
بيروت.1991،
-م ــورتيمر آدل ــر وف ــان دورن :كي ــف تق ـرأ كتاب ــا ،ترجم ــة :ط ــالل الحمصـ ـ ي،
ط ،1الدار بيروت.1995 ،
233
-م ــوريس ،انج ــرس :من هجي ــة البح ــث ف ــي العل ــوم اإلنس ــانية ،ترجم ــة يزي ــد
صحراوي وآخرون دار القصبة الجزائر2004
-هادي نعمان الهيتي :ثقافة األطفال ،سلسلة عالم املعرفة ،املجلس الوطني
للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت.1988 ،
-و أ -ب بقـ ــردج :ف ـ ــن البحـ ــث العلم ـ ــي ،ترجم ـ ــة :جماعـ ــة م ـ ــن الب ـ ــاحثين،
املغرب.2001 ،
-يوسف ،مصطفى القاض ي :مناهج البحوث وكتابتها ،دار املريخ ،د ت.
املقاالت:
-م ــارون ،غض ــن" :عالم ــات الوق ــف ف ــي اللغ ــة العربي ــة وكي ــف نس ــتعملها"
مجلة الهالل 37فيفري .1929
- 2عبد املجيد االنتصار" :سؤال املنهجية في درس الفلسفة" مجلة فكر
ونقد،ع 20
www. Fikrwanakd.Aldjabiri bed .Com.
- 2بالفرنسية
-Bernadette Plot: Ecrire une thèse ou un mémoire en sciences
humaines ; Champion Paris 1986.
- Claude Peiroulet & Evelyne Pouzalgues damon: Les techniques
du français BTS NATHAN paris 1990 p 112- 113
- Hélène MERLIN la dissertation littéraire, collection MEMO,
seuil, paris : 1996
- Jean-Pièrre Fragnière, comment réussir un mémoire, éd,
DUNOD Paris 1996
234
.
235
ملحق
القانون األساس ي النموذجي للجامعة ،املعدل واملتمم
(/253/98في )1998/08/17
التكوين في الدكتوراه وما بعد التدرج
الباب الثاني
التكوين في الدكتوراه
ّ
املادة :5ينظم طور التكوين في الدكتوراه ،بالنسبة لجميع الفروع
واالختصاصات ،باستثناء العلوم الطبية التي تخضع ألحكام املراسيم رقم - 71
275املؤرخ في 3ديسمبر سنة 1971ورقم 291- 74املؤرخ في أول أكتوبر سنة
1974ورقم 291- 97املؤرخ في 27يوليو سنة 1997واملذكورة أعاله ،في
تتضمنان دراسات للحصول على شهادة املاجستير متبوعة بتحضير ّ مرحلتين
الدكتوراه في نفس مجال البحث. أطروحة ّ
ّ
املكلف ّ
بالتعليم العالي لجنة تأهيل التكوين في املادة :6تنشأ لدى الوزير
ّ
الدكتوراه.
التأهيل ّ تكلف لجنة ّ ّ
للتكوين في الدكتوراه بما يأتي:
التأهيل وكذا طلبات التجديد التي ّ
تقدمها ملفات ترشيحات ّ -د اسة ّ
ر
املؤسسات وذلك بالقيام على وجه الخصوص بتقيم قدرة هذه ّ
املؤسسات على ّ
التكوين في ّ
الدكتوراه. تنظيم ّ
ملفات ترشيحات التأهيل ملنح التأهي الت الجامعية وكذا طلبات -د اسة ّ
ر
تقدمها ّ
املؤسسات. التجديد التي ّ
الدكتوراه في مختلف التكوين في ّ-اقت راح عدد املناصب الواجب فتحها في ّ
ّ ّ
الفروع واالختصاصات حسب الطاقات املتوفرة والحاجات املبرمجة.
236
الدكتوراه والقيام ّ
بكل اقت راح من للتكوين في ّ السنوية ّ -دراسة الحصائل ّ
وديته.شأنه تحسين سيره ومرد ّ
الدكتوراه على الخصوص ممثلي التأهيل للتكوين في ّ تضم لجنة ّ املادة ّ :7
مؤسسات ّ بالتعليم العالي ،ومديري ّ ّ
املكلفة ّ
التعليم والتكوين اإلدارة املركزية
ومؤسسات البحث املعنية. ّ العاليين
وكيفيات سيرها ،بقرارّ للتكوين في ال ّدكتوراه التأهيل ّ يحدد تشكيل لجنة ّ ّ
املكلف ّ ّ
بالتعليم العالي. من الوزير
تنظم ّ ّ
الدراسات للحصول على شهادة املاجستير داخل املادة :8
التكوين والبحث مؤسسات ّ ومؤسسات التعليم العالي ،وغيرها من ّ ّ الجمعيات،
ّ ّ ّ
املؤهلة بموجب قرار من الوزير املكلف بالتعليم العالي ،بناء على اقت راح من
الدكتوراه. للتكوين في ّ التأهيل ّ لجنة ّ
الدكتوراه في الجامعات املؤهلة بقرار من الوزير تحضر أطروحة ّ ّ املادة :9
التأهيل ّ بالتعليم العالي ،بناء على اقت راح من لجنة ّ املكلف ّ ّ
للتكوين في
الدكتوراه. ّ
ّ
املؤسسات ال ّتعليم العالي وغيرها الدكتوراه في ّ تنظم أطروحة ّ كما يمكن أن
املكلف ّ ّ ّ مؤسسات ّ من ّ
بالتعليم املؤهلة بقرار من الوزير التكوين والبحث
الدكتوراه. للتكوين في ّ التأهيل ّ العالي ،بناء على اقت راح من لجنة ّ
الت َّأهيل املنصوص عليه في ّ
املادتين 8و9 املادة :10تحدد شروط منح ّ
املكلف ّ ّ
بالتعليم العالي. أعاله ،وكيفيات ذلك من الوزير
ّ
املعينة ّ
املؤسسة املؤسسة على الخصوص, ّ يوضح قرار تأهيل ينبغي أن ّ
تم تحديده والتجهي زات العلمية املطلوبة، والفرع واالختصاص واالختيار الذي ّ
ومؤهالت األساتذة أو الباحثين الذين ّ عند االقتضاء ,وكذا أسماء وألقاب
بإمكانهم املشاركة في تأطير ال ّتكوين املنشود.
237
للتجديد ّ
كل للتكوين لنيل شهادة املاجستير ّ التأهيل ّ املادة :11يخضع ّ
ّ ّ
سنتين وكذلك عند تغيير الشروط التي تنظم الحصول عليها.
كل أربع)(4للتجديد ّ الدكتوراه ّ التأهيل لنيل شهادة ّ املادة :12يخضع ّ
ّ سنوات ،وكذلك عند تغيير الشروط ّ
التي تنظم الحصول عليها.
ّ املادة :13يسحب ّ
التأهيل ،عند االقتضاء ،بقرار من الوزير املكلف
الدكتوراه.للتكوين في ّ التأهيل ّ بالتعليم العالي ،بناء على اقت راح من لجنة ّ ّ
املؤسسة املعنية ضمان ّ التأهيل أو عدم تجديده ،على في حالة سحب ّ
ّ
متابعة تكوين املترشحين املسجلين بانتظام لتحضير املاجستير أو أطروحة
الدكتوراه. ّ
املكلف ّ ّ ّ
بالتعليم العالي على شهادة املاجستير املادة :14يوقع الوزير
ّ وشهادة ّ
الدكتوراه ويسلمها.
التكوين من أجل الخبرة و ّ
التاطير العالي املادة :15يادة على أهداف ّ
ز
املستوى في مختلف قطاعات الحياة االقتصادية واالجتماعية ،ينبغي أن تكون
الدكتوراه متطابقة نوعا ّ
وكما مع التكوين في ّ االختصاصات املفتوحة في ّ
كل فرع أو شعبة ّ
فرعية. الجامعيين والباحثين في ّ ّ الحاجات إلى األساتذة
الدكتوراه وعدد للتكوين في ّ سنويا قائمة الفروع املفتوحة ّ ّ املادة :16تحدد
املؤسسات والفروع ّ ّ
الصعيد الوطني وتوزيعها على املناصب املفتوحة على ّ
ّ
املكلف ّ
بالتعليم العالي ،بناء على واالختصاصات واالختيارات بقرار من الوزير
الدكتوراه. للتكوين في ّ اقت راح من لجنة التأهيل ّ
ّ
املادة :17ينبغي أن تحدد مواضيع مذكرات املاجستير أو أطروحات
ّ ّ
الدكتوراه ،وتصاغ كلما أمكن ألمر ذلك ،لالستجابة لضرورة الجمع املزدوج بين
املكونين وأهداف البحث وأهداف التنمية ّ األهداف البيداغوجية لتكوين
االقتصادية واالجتماعية من جهة أخرى.
238
املادة :18تستخلص مواضيع البحث املطابقة ملواضيع مذكرات املاجستير
ّ أو أطروحات ّ
الدكتوراه ،كلما أمكن األمر ذلك ،إم ا من الب رامج الوطنية ذات
املعبئة ،و ّإما املساهمة بصفة
النوعية أو ّ األولوية في البحث ،بما فيها الب رامج ّ
مباشر أو غير مباشر في تحقيق هذه الب رامج.
املادة :19يمكن أن تستفيد مواضيع مذكرات املاجستير أطروحات
التي تستوفي الشروط املذكورة في املادة 18أع اله ،من تمويل تكميلي الدكتوراه ّ
التطوير التكنولوجي ،دون املساس في إطار الصندوق وطني للبحث العلمي و ّ
ّ
بالتكفل بها في إطار مؤسسة التسجيل
كما ال يمكن أن يستفيد التكوين في الدكتوراه من رعاية و /أو تمويل
تكميلي من منظمات ومؤسسات عمومية أو خاصة أو أشخاص معنويين
ّ
طبيعيين. خاضعين للقا نون العام أو الخاص أو أشخاص
كيفيات تطبيق الفقرة أعاله عند االقتضاء عن طريق التنظيم. تحدد ّ
التكوين من أجل نيل شهادة املاجستير أو املادة :20يمكن أن يستفيد ّ
التداريب القصيرة املدى في الخارج ومن اتفاقيات الدكتوراه من برامج ّ
شهادة ّ
برامج التعاون الدولي في إطار التنظيم املعمول به.
239
الباب الثالث
شهادة املاجستير
240
املكلف ّ ّ املادة ّ :25 ّ
بالتعليم املالي ،بقرار ،قائمة الشهادات التي يحدد الوزير
يتوج بشهادة املاجستير. بالتكوين ّالذي ّ تفتح االلتحاق ّ
ّ للتكوين في ّ التأهيل ّ املادة :26تحدد لجنة ّ ّ
الدكتوراه عدد التسجيالت
ّ التأطير ّ
املفتوحة في فرع ما مختلف اختصاصه ،حسب قد ة ّ
التي تتوفر عليها ر
املؤسسة املؤهلة. ّ
الدراسات لنيل شهادة املاجستير سنتين ،ويشترط فيها املادة :27تدوم ّ
مؤسسة تكوين مؤهلة. ّ متتاليان في سنويان ّ تسجيالن ّ
التكوين لنيل شهادة املاجستير ما يأتي: يتضمن ّ ّ املادة :28
النظري. التعليم ّ ّ -
التطبيقي أو في املخبر في اإلختصصات التي يكون فيها هذا التعليم ّ ّ -
ّ ّ
التعليم ضروريا.
ّ ّ
أجنبية الستعمالها في مجال البحث العلمي. -تعليم لغة
التعليم املنهجي أو البيداغوجي أو في البحث. ّ -
-محاضرات وعروض وورشات وندوات.
ّ
-تحضير مذكرة.
التي يشملها برنامج ّ النشاطات ّ ّ
الدراسات إجباري. الحضور في جميع
ّ
املادة :29ينقسم التعاليم إلى تعليم أساس ي وتعليم مختص أو اختياري. ّ
ّ التعليم األساس ي بصفة مشتركة ّ يقدم ّ املادة ّ :30
لعدة اختيارات ،وينظم
ساعيا شامال يت راوح بين 300و 400ساعة، ّ خالل أربعة أشهر ويطابق حجما
ّ
يتوج التعليم األساس ي بامتحانات. حسب املجال والفرع واالختصاص املختار ّ
ّ يقدم ّ املادة ّ :31
التعليم املختص أو االختياري ،حسب االختيار ،وينظم
ساعيا شامال يت راوح بين 250و 300ساعة، ّ خالل ثالثة) (3أشهر ويطابق حجما
حسب املجال والفرع واالختصاص واالختيار املختار.
241
يتوج التعليم املختص بامتحانات. ّ
ّ التعليم ّ املادة :32يمكن أن ينظم ّ
التطبيقي وأعمال املخبر ،بالنسبة
الت كنولوجية على الخصوص ،في دورة ّ
مجمعة تت راوح بين 4و3 العلمية و ّ
ّ للفروع
التعليم املختص أو االختياري. أسابيع ،عند انتهاء فترة ّ
ّ ّ
املادة :43تتمثل املذكرة املنصوص عليها في املادة 38أعاله ،في إعداد عمل
ّ ّ
تطبيقي أو الجانبان في آن واحد يتعلق بموضوع بحث علمي له جانب نظري أو
ّ
محدد.
ّ ّ
ينتظر من املترشح قصد إعداد املذكرة تنفيذ املناهج املطابقة ملقتضيات
التلخيص بعمل التحليل و ّ
الدقة ،وعليه تبيان قد اته في املالحظة و ّ املوضوعية و ّ
ّ
ر
ّ ّ ويحرره ّ ينجزه ّ
العلمية الالزمة ،وال يكون االبتكار فيها مطلوبا أساسا. بالصرامة
ّ ّ املادة :44يجب أن ّ
تحرر وثيقة املذكرة باللغة العربية.
املؤسسة ترخيصاكما يمكن تحريرها بلغة أخرى في حالة ما إذا منح مدير ّ
الجامعية ّ
املعينة أو املجلس العلمي أو ّ بذلك ،بعد إدالء املجلس العلمي للهيئة
ّ البيداغوجي للمؤسسة ّ
املؤهلة برأي معلل.
الرسمي قصد ّ املذكرة عند إيداعه ّ ّ ّ
التقييم املادة :45يجب أن يرفق ملف
ّ ّ ّ ّ
املحرر باللغة العربية ،إجبار ّيا. بملخص وثيقة املذكرة
العربية ّ
ّ املذكرات ّّ
بملخص املحررة بلغة أخرى غير اللغة كما يجب أن ترفق
ّ ّ
يعد بلغة كتابة املذكرة.
املذكرة ومواصفات تقديمها و ّ ى ّ ّ
امللخصات بقرار من الوزير يحدد محتو
املكلف ّ ّ
بالتعليم العالي.
املادة :46يجب أن يودع ملف املناقشة في ثماني ) (8نسخ ،قبل شهر على
األقل من تاريخ املناقشة.
242
ّ ّ ّ ّ ّ يسلم مدير ّ ّ
املؤهلة الت رخيص بمناقشة املذكرة للمترشحين للذين املؤسسة
التطبيقي ،بناء على تقرير إيجابي التعليم ّ النظري و ّ التعليم ّ نجحوا في امتحانات ّ
ّ ّ ّ ّ
البيداغوجية للماجستير. يحرره املشرف على املذكرة وبعد موافقة اللجنة
علنيا أمام لجنة ّ مذكرة املاجستير ّ ّ
تتكون من املادة :47تتم مناقشة
األستاذية أو أساتذة باحثين ّ ثالثة ) (3إلى خمسة ) (5أعضاء أساتذة برتبة
ّ
بدرجة مكلف باألبحاث على األقل.
املؤهلة بناء على املؤسسة ّ يعين ّال ّلجنة مدير الجامعة أو مدير ّ املادة ّ :48
املعينة أو املجلس العلمي للهيئة ّ ّ
الجامعية اقت راح من املجلس العلمي للهيئة
ّ
وتتكون للمؤسسة ّ
املؤهلة ّ املعينة أو املجلس العلمي أو البيداغوجي ّ ّ
الجامعية
مقررا .كما يمكنها أن ّ املذكرة بصفته ّ ّ
تضم على الخصوص من املشرف على
مؤسسة التسجيل ،يختار لكفاءته في مجال اهتمام املوضوع، عضوا من خارج ّ
الشروط املحددة في ّ ن ّ ّ
املادة 47أعاله. من بين األساتذة الباحثين الذين يستوفو
املعينة أو املجلس العلمي الجامعية ّ ّ أغلبية املجلس العلمي للهيئة ّ إذا كانت
ّ
األستاذية أو مكونة من أساتذة برتبة املؤهلة غير ّ للمؤس سة ّ ّ أو البيداغوجي
ّ ّ ّ
باحثين بدرجة مكلفين باألبحاث على األقل ،تعين اللجنة بقرار من الوزير
الكلف ّ ّ
بالتعليم العالي ،بناء على اقت راح من هذا املجلس.
ّ ّ املذكرةّ ، ى ّ ّ ّ
وتقدر العرض الشفوي للمترشح، تقيم اللجنة محتو املدة :49
وبإمكانها أن تطرح عليه أسئلة ،وتتداول في جلسة مغلقة وتعلن قراراتها بلسان
رئيسها.
الرئيس ّ ّتتخذ قرارات اللجنة بأغلبية األصوات ،ويكون صوت ّ ّ
مرجحا في
حالة تساوي عدد األصوات.
243
املادة :50تمنح شهادة املاجستير مع اإلشارة إلى الفرع واالختصاص
ّ ّ
واالختيار ،للمتر شح الذي نجح في االمتحانات وفي مناقشة املذكرة املنصوص
عليها في املواد 30و 31و 32و 47من هذا املرسوم.
ّ
املترشح ،وتكون تحمل الشهادة ،عالوة على ذلك ،املالحظة التي تحصل عليها
املالحظات املمكنة كما يأتي:
املعدل العام يساوي 20/10على األقل و ّ
أقل من "-مقبول" عندما يكون ّ
.20/12
املعدل العام يساوي 20/125على " -قريب من الحسن" عندما يكون ّ
أقل من .20/14األقل و ّ
العام يساوي 20/14على األقل أو ّ
أقل "-حسن" عندما يكون ّ
املعدل ّ
.20/16
العام يساوي أو يفوق .20/16 ّ
"-حسن جدا" عندما يكون املعدل ّ
ّ
طبيقية النظرية و ّ
الت حصل عليها في االمتحانات ّالنقاط املت ّ تترك موا نة ّ
ز
ّ ّ
معدل االمتحانات ،لتقدير الل ّ لحساب ّ
البيداغوجية للماجستير. جنة
املعدل العام ،بموازنة متساوية ،من معدل االمتحانات وعالمة يحسب ّ
ّ
مناقشة املذكرة.
ّ
املتحصلين على مالحظة املادة :51يسمح بالتسجيل في أطروحة ّ
الدكتوراه
"حسن جدا " و"حسن و"قريب من الحسن " فقط.
244
الربعالباب ّ
الدكتوراه أطروحة ّ
ّ املادة :52تهدف األطروحة لنيل ّ
الدكتوراه إلى تكريس قدرات املترشح
قيم واملساهمة بصفة معتبرة في ّ
حل لتحقيق عمل بحث مبتكر ذي مستوى ّ
ّ
االقتصادية. ّ
االجتماعية و ّ
التكنولوجية و ّ
العلمية و املشاكل
تقدم األطروحة بالضرورة ،مساهمة في تطوير املعارف أو ّ
تؤدي يجب أن ّ
إلى تطبيقات جديدة.
الدكتوراه بتقييم ّ
املؤهالت واملهارات التكوين في ّ تسمح املقتضيات في مجال ّ
جيدة وباستقاللية عند الحائزوالقدرات املطلوبة للقيام بأعمال البحث بصفة ّ
ّ
الحقا الشهادة.
املادة :53يفتح التسجيل للحصول على ّ
الدكتوراه للحائزين على املاجستير
ّ
بمالحظة تتطابق واملادة 51أعاله ،أو شهادة تعادلها.
الدكتوراه بلقب دكتور في العلوم في االختصاص التكوين في ّ
يتوج ّ املادة ّ :54
املدروس.
تتمثل أطروحة ّ ّ
الدكتوراه في إعداد عمل بحث مبتكر نشر على املادة :55
ّ ّ األقل ّ
علمية ذات اهتمام معترف به وذات لجنة قراءة، مرة واحدة في مجلة
ومتوج بتحرير أطروحة ومناقشتها. ّ
املادة :56األطروحة هي عرض كتابي متبوع بتقديم شفوي ألعمال البحث
الدكتوراه. التي ّتمت قصد الحصول على ّ
األطروحة هي نتيجة عمل طالب واحد.
املادة :57ينشأ جدول فهرس ّي مركز ّي ملواضيع األطروحات املناقشة وكذا
كل أستاذاملواضيع الجار ّية حسب املجاالت واالختصاصات وهو مفتوح أمام ّ
ّ
باحث لإلطالع عليه.
245
تحدد شروط إنشاء الجدول الفهرس ي املركزي لألطروحات وتسجيل ّ
املكلف ّ ّ
بالتعليم العالي. مواضيع األطروحات فيها وسحبها بقرار من الوزير
ّ
املادة :58يختار املترشح موضوع األطروحة باالتفاق مع املشرف وعليه
إيداعه عند تسجيله ّ
األول.
الدكتوراه طبقا ّ
للمادة 36أعاله. يجب أن يكون موضوع أطروحة ّ
ّ
الجامعية يقدم موضوع األطروحة املختار ملوافقة املجلس العلمي للهيئة ّ
املؤهلة الذي يقدر تطابقه للمؤسسة ّ ّ املعنية أو املجلس العلمي أو البيداغوجي ّ
ويسجل املوضوع املعتمد في الجدول الفهرس ي ّ ّ
األولوية. مع محاور البحث ذات
املركزي لألطروحات.
ّ ّ املادة :59يجب أن ّ
العربية. تحرر وثيقة األطروحة باللغة
املؤسسة ترخيصا كما يمكن تحريرها بلغة أخرى في حالة ما إذا منح مدير ّ
ّ
املعنية أو ّ
الجامعية للمؤسسةّ صريحا بذلك ،بعد إدالء املجلس العلمي
ّ املجلس العلمي للمؤسسة ّ
املؤهلة برأي معلل.
الرسمي قصد املادة :60يجب أن يرفق ملف األطروحة عند إيداعه ّ
ّ ّ
العربية ،إجبار ّيا.
ّ بملخص وثيقة األطروحة املحرر باللغة
ّ ّ ّ
العربية املحررة بلغة أخرى غير اللغة كما يجب أن ترفق األطروحات
بملخص يعد بلغة كتابة األطروحة. ّ
امللخصات بقرار من يحدد محتوى األطروحة ومواصفات تقديمها وكذا ّ ّ
ّ
املكلف ّ
بالتعليم العالي. الوزير
ّ ّ
تحصل ،في إطار أعماله ،على معلومات املادة :61على املترشح الذي
يتعهد بأال يستعمل هذه املعلومات في سر ّية أو ذات نشر محدود أن ّ خاصة أو ّ ّ
ّ
املعنية يتعهد بالحصول على ترخيص كتابي من املؤسسة تحرير أطروحته أو ّ
الرسمي لألطروحة. قبل اإليداع ّ
246
أكاديمية ،وفي إطار ّ
ّ ّ
التبادل ما بين املادة :62الت رخيص للمترشح ألسباب
املؤسسات ،أن يتابع جزءا من أعمال أطروحته في مؤسسة بحث غير املؤسسة
ّ ّ سجل بها.و يجب أن ّ التي ّ
وتقدم تحرر هذه األسباب بالتشاور مع املشرف
املعنية أو املجلس العلمي أو ّ ّ
الجامعية لتقدير املجلس العلمي للهيئة
البيداغوجي للمؤسسة املؤهلة.
ّ املترشح أن يختار قبل تسجيله ّ ّ
ويتحصل األول مشرفا املادة :63يجب على
ّ
منه على قبوله طبقا لإلجراءات اإلدار ّية املعمول بها في مؤسسة التسجيل.
األستاذية ّ
مؤهال باملعنى املنصوص ّ املادة :64يكون املشرف أستاذ برتبة
السابع من هذا املرسوم ،لتوجيه فرق أو مشاريع بحث أو عليه في الباب ّ
تأطيرها .ويكون برتبة أستاذ ا ّلتعليم العالي أو مدير أبحاث أو أستاذ ّ
مؤهل أو
أستاذ أبحاث.
يخضع اختيار املشرف على األطروحة ملوافقة املجلس العلمي للهيئة
املعنية أو املجلس العلمي أو البيداغوجي للمؤسسة ّ
املؤهلة لتنظيم ّ ّ
الجامعية
الدكتوراه.التكوين في ّّ
املادة :65يمكن املترشح استثناء وألسب اب مقبولة ،تغيير املشرف إذا
تحصل على قبول املشرف الجديد املختار وإذا استوفى هذا األخير الشروط ّ
املحددة في الفقرة األولى من املادة 64أعاله.
الجامعية ّ
املعية أو املجلس العلمي أو ّ يجب أن يقبل املجلس العلمي للهيئة
البيداغوجي للمؤسسة ّ
املؤهلة تغيير املشرف.
املادة :66يمكن أن يساعد املشرف مشرف مساعد أن يجعل مشاركته
ر ّ
سمية.
247
يتحصل على موافقة ّ يختار املشرف ،املشرف املساعد الذي يجب أن
املجلس العلمي للهيئة الجامعية املعينة أو املجلس العلمي أو البيداغوجي
ّ
ملؤسسة التسجيل.
يمكن املشرف املساعد بصفته مناقشا ،وال يؤثر تعيينه بصفة مشرفا
مساعدا في ش يء على اختيار الحق ألعضاء لجنة املناقشة.
تقدم أعمال البحث املادة :67يتابع املشرف على األطروحة بانتظام حالة ّ
ويحرر تقريرا بذلك كل ّسنة للمجلس العلمي أو البيداغوجي املعني. ّ
ّ تتم مناقشة أطروحة ّ املادة :68ال يمكن أن ّ
الدكتوراه إال بعد أربعة )(4
تسجيالت متتالية على األقل.
ّ ّ
يحدد العدد األقص ى للتسجيالت بخمس تسجيالت ويمكن أن يمنح
املترشح تسجيال سادسا ،استثنائيا وبناء على رأي مخالف من املجلس العلمي أو
ّ ّ
وموضح قانونا. البيداغوجي املعني معلل
يمكن املترشح مناقشة أطروحته في أي وقت من سنة أخر تسجيل له.
ّ ّ
املادة :69يشطب املترشح الذي لم يتمكن من مناقشة أطروحته ،عند
السادسة لتسجيله ،من قوائم ّ
التكوين السنة ّ األكاديمية التي تلي ّّ السنة نهاية ّ
الدكتوراه ،كما يسحب موضوع بحثه من الجدول الفهرس ي املركزي في ّ
لألطروحات املذكورة في املادة 57أعاله.
ّ ّ املادة :70تتم مناقشة األطروحة أمام لجنة ّ
قانونية تتألف مكونة بصفة
التعليم العالي أو مدير أبحاث ،أو ستة أعضاء برتبة أستاذ في ّ من أ بعة إلى ّ
ر
مؤهل أو أستاذ أبحاث ،ويكون فيها للمشرف صفة ّ
مقررا. أستاذ ّ
ّ
يجب أن يكون نصف عدد أعضاء اللجنة على األقل أو ثلثاها على األكثر
ّ
من خارج مؤسسة التسجيل ،ويتم اختيارهم لكفاءتهم في مجال اهتمام
248
ّ
املوضوع من بين األساتذة الباحثين الذين يستوفون الشروط املحددة في
الفقرة أعاله.
عالوة على األعضاء املنصوص عليهم في الفقرة األولى أعاله ،يمكن استدعاء
أخصائي واحد ،ذي مستوى عال بصفته عضوا مدع ّوا للمشاركة في املناقشة.و ّ
ّ
للعضو املدعو صوت استشاري أثناء مداوالت اللجنة.
ّ ّ ّ ّ
املعنية أو املجلس الجامعية املادة :71يشكل اللجنة املجلس العلمي للهيئة
املؤهلة الذي يقترحها على مدير الجامعة أو العلمي أو البيداغوجي للمؤسسة ّ
مدير املؤسسة.
ّ ّ
يتضمن تعيين اللجنة. يحرر مدير الجامعة أو مدير املؤسسة مقررا
اللجنةّ ، ّ يوضح هذا املقرر صفة ّ و ّ
الرئيس واملقرر كل عضو من أعضاء
واملقرر املساعد ،عند االقتضاء وكذا العضو املدعو احتماال.
ّ ّ
املادة :72تتمثل عهدة رئيس اللجنة فبما يأتي:
النقاش أثناء املناقشة. 1ـ إدا ة مرحلة األسئلة وتنشيط ّ
ر
التوافقي فورا بعد 2ـ ئاسة املداوالت في جلسة مغلقة وتشجيع القرار ّ
ر
املناقشة.
هائية لألطروحة ،لدى الهيئات اإلدار ّية الصيغة ّ
الن ّ التأكيد عند إيداع ّ 3ـ ّ
ّ
املعنيةّ ،أن املترشح قد أخذ بعين االعتبار وبصفة مالئمة تقارير املناقشين ّ
يفوض هذا الجزء من للرئيس أن ّ قييمية وتوصياتهم أث ناء املناقشة .ويمكن ّّ ّ
الت
عهدته إلى عضو آخر من اللجنة.
املعينين ،بما فيهم العضو تقدم وثيقة األطروحة ألعضاء اللجنة ّ املادة ّ :73
املحدد للمناقشة كما يجب إيداع ثماني( )8نسخ ستين يوما قبل التا يخ ّ املدعو ّ
ر
ّ
املعنية. من وثيقة األطروحة في نفس األجل لدى الهيئات اإلدار ّية
249
ّ
العلمية يجب أن يكون ملف األطروحة مرفقا بنصوص املنشورات
بملخص كما هو ّتبرر ابتكا ّية العمل ،وكذا ّ ّ
للمترشح وخالصة ّ
محدد في املادة ر
60أعاله.
ّ
أغلبية سميا لدراسة األطروحة عندما ّيتفق املادة :74تجتمع اللجنة ر ّ
ّ
لقابلية ّ
إيجابيا ّ
ويحررون لهذا الغرض تقريرا ّ
قابلية مناقشتها أعضائها على
املناقشة.
ّ ّ
جوهرية تبلغ هذه في حالة ما إذا كان مشروع األطروحة محل تحفظات
يقدرا مدى ّ
صحتهما. الترشح ّالذين يجب أن ّّ
التحفظات للمشرف و
املقدمة ،يتم تعيين لجنة ثانية بنفس إذا فض املشرف جميع االنتقادات ّ
ر
ّ
الشروط املنصوص عليهما في املادتين 70و 71أعاله.
ّ
ال رجوع في القرار الذي ّتتخذه اللجنة الثانية.
ّ ّ
قررت الهيئات اإلدار ّية إال إذا ّ املادة :75تكون مناقشة األطروحة علنية
ّ
املعنية غير ذالك بعد استشارة الجنة.
املادة :76املناقشة جزء ال يتجزأ من سياق تقييم األطروحة ،وهي تهدف
املترشح على ّّ إلى إثبات أصالة األطروحة ّ
الدفاع عن األعمال بالتحقيق في قدرات
ّ
العلمية التي ّتمت في إطار هذه األطروحة والحكم عليها نهائيا.ّ
ّ ّ
بأغلبية املادة :77يكون قرار لجنة املناقشة نهائيا وال رجوع فيه ،ويؤخذ
الرئيس ّ
مرجحا. األصوات .وفي حالة تساوي عدد األصوات يكون صوت ّ
سجل فيها املؤهلة التي ّسميا داخل املؤسسة ّ املادة :78تتم املناقشة ر ّ
املترشح وفي قاعة ّّ
تعين لهذا الغرض وفي تاريخ يحدده رئيس املؤسسة.
املادة :79ال يمكن أن تتم املناقشة عادة إذا كان أحد األعضاء غائبا وال
يمكنه املشاركة في املناقشة عن بعد بواسطة جهاز اتصال السلكي مالئم.
250
ّ
غير ّأنه يمكن رئيس اللجنة ترخيص بانعقاد املناقشة عند غياب أحد
أعضاء اللجنة باستثناء املقرر ،عندما توص ي جميع تقارير املناقشين بانعقاد
املؤهلين اإلجمالي ال يقل عن أربعة .4 املناقشة وعندما يكون عدد املناقشين ّ
املادة :80يكون سير املناقشة بالنسبة لكل الفروع واالختصاصات كما
يأتي:
ثم ّ اللجنة ّأن شروط املناقشة مجتمعةّ ، ّ ّ
يقدم 1ـ في البداية يتأكد رئيس
ّ ّ ّ
بكيفيات سير للحضور أعضاء اللجنة وكذا املترشح وموضوع أعماله ،ويذكر
املناقشة.
ّ
2ـ يستفيد املترشح بعد ذلك من عشرين 20إلى ثالثين 30دقيقة ،لعرض
إشكالية أبحاثه وكذا بروتوكول األبحاث املعتمد وذكر نتائج أطروحته ّ جوهر
التعقيب إذا رغب في ذلك على تبين ابتكا ّية عمله و ّ النتائج التي ّ ئيسية مبرزا ّ
الر ّ
ّ
ر
ّ
املفصلة. بعض املالحظات املحتواة في تقارير املناقشين
ّ ّ ثم ّ
3ـ ّ
يرخص بعد ذلك ألعضاء ا للجنة وحدهم ،بطرح أسئلة للمترشح
ّ
واإلدالء علنا ببعض املالحظات املتعلقة باألطروحة.
ّ
يخص 4ـ وفي األخير ،يمكن األعضاء الحضور ،اإلدالء ببعض ّ
التعاليق فيما
ّ ّ
األطروحة أو طرح أسئلة على املترشح .ويمكن رئيس اللجنة استعمال عهدته
تدخل الحضور. لتحديد ّ
ّ
املادة :81عند انتهاء املناقشة ،يتداول أعضاء اللجنة في جلسة مغلقة
ّ
ويصدرون قرارهم ،كما ّيتفقون أيضا على تقييم أداء املترشح أثناء املناقشة.
ّ ّ ّ
املادة :82يعلن رئيس اللجنة قرار اللجنة وتقييم أداء املترشح أثناء
املناقشة.
ّ ّ
املادة :83عقب املناقشة وتبعا ملداوالت اللجنة ،ينجح املترشح أو ّ
يؤجل.
251
النجاح الحق في مالحظة "مشرف" أو مالحظة مشرف جدا .ويمنح يعطي ّ
ّ
املترشح لقب دكتور في العلوم.
ّ ّ ّ ّ
وعلنيا بلسان رئيسها ،عندما شفويا يمكن للجنة أن تنهئ الحائز الشهادة
نوعية األعمال واألداء أثناء مناقشتها كانا ممتازين. يجمع أعضاؤها على ّأن ّ
ّ ّ ّ ّ
كتابيا باألسباب التي عللت قرار يحق للمترشح في حالة تأجيله أن يبلغ
ّ
اللجنة.
ّ ّ
تدون أعمال اللجنة في محضر للمناقشة مؤ ّرخ ،يوقع عليه املادة ّ :84
اللجنة إلى مدير الجامعة أو املؤسسة ّ ّ ّ
املؤهلة وكذا أعضاء اللجنة ويرسل رئيس
إلى رئيس املجلس العلمي أو البيداغوجي املعني.
املكلف ّّ املادة ّ :85
بالتعليم العالي عند االقتضاء كيفيات يوضح الوزير
تقديم مناقشة األطروحة.
ّ ّ
املادة :86يجب أن تحمل الشهادة املسلمة ،إضافة إلى الفرع واالختصاص
اللجنة ورتبهم وكذا األعمال ّ ّ
املقدمة خالل املناقشة. واالختيار أسماء أعضاء
املترشح في إطار أطروحة ّ ّ العلمي التي ّ
ّ
الدكتوراه يعدها املادة :87تنسب األعمال
ّ املؤهلة التي ّ بقوة القانون إلى املؤسسة ّ ّ
سجل بها املترشح ،وقام بأبحاثه فيها ،ويمكن
ّ ّ ّ ّ
بحر ّية ،إال إذا تخلف عنها صراحة لصالح املترشح. صرف فيها ّالت ّ
تعتبر االبتكارات التي قد تنتج عن األعمال التي ّتمت في مؤسسة ّ
مؤهلة في
ّ
قابلية الب راءة كابتكارات الدكتوراه والتي تستوفي شروط إطار أطروحة ّ
ّ مصلحيه باملفهوم الذي ّ
تنص عليه املادتان 16و 17من الرسوم التشريعي رقم
93ـ 17املؤ ّرخ في 7ديسمبر سنة 1993واملذكور أعاله.
ّ ّ
خاصة مبرمة بين املؤسسة واملترشح، وملثل هذا االبتكار ولغياب أحكام
ّ
املؤهلة التي استعمل املترشح وسائلها والتي ّ تملك املؤسسة ّ
سجل بها وقام
بأعماله فيها ّ
الحق في االبتكار.
252
ّ ّ
إذا تخلت املؤسسة صراحة عن هذا االبتكار يعود هذا الحق للمترشح.
للمترشح أو املؤلف أو املؤلف املساعد في االبتكار الحق في ذكر اسمه في الب راءة.
املادة :"88كل تصرف أو محاولة انتحال أو تزوير في النتائج أو غش له
صلة باألعمال العلمية املطالب بها في األطروحة واملثبتة قانونا أثناء املناقشة أو
بعدها ،يعرض صاحبه إلى إبطال املناقشة أو سحب اللقب الحائز عليه دون
املساس بالعقوبات املنصوص عليها في التشريع والتنظيم املعمول بهما.
أما بعد
ّ ّ
غني عن البيان ،أن البحث الذي يكون صاحبه غير مسلح بمنهجية
علمية صارمة ال يمكن أن يكون متماسكا ،ونظرا ملا يالحظ من استخفاف
بمنهجية البحث العلمي في اللغة واألدب خاصة ،وبحجج واهية؛ فمن الضروري
تركيز الجهود ا لتعليمية والتطبيقية خاصة في الجامعة بدءا من السنة األولى،
بل من املراحل األولى من التعليم ،لتدريب الطلبة على اعتماد املنطق في الفهم
واإلجابة والكتابة.
وسيحتاج ذلك إلى أمرين ّ
مهمين ،أولهما :وعي اللغة التي يكتب بها،
تعود الطالب االستجابة العلميةوالثاني :وعي املعلومات التي يتلقاها ،فإذا ّ
ّ
ومهمة الستعمال املنهجية الستعمال اللغة واملعلومة ،تكون بداية ّ
فعالة
العلمية.
إن الحالة الكئيبة التي نالحظها في تطبيق املنهجية ،حتى في بحوث
ّ ّ
الدكتوراه ،تعكس طبيعة التعلم التي تتعارض مع الذكاء ،وليس هناك إال
التربية املنهجية يمكن أن تدفع هذا التعارض.
253
ال بد أن يدرك الباحث في األدب أن دراسته بطريقة علمية ،تيهئ له
جيدا إلدراك التجربة الجمالية فيه ،فتساعده على اإلحساس بالجمال مدخال ّ
وتيسر له املتعة بهذا الفن .فال تعارض إذن ،بين التربية املنهجية وإدراك ّ
التجربة الجمالية في األدب.
فتاكة كالسرطانليس البحث في األدب أقل قيمة من البحث في أمراض ّ
ّ
والسيدا مثال؛ ألن تخصيص مي زانية كبيرة إلنقاذ املعذبين بهذه األمراض ،ليس
من قبيل القرارات االقتصادية أو السياسية ،ولكنها قرارات إنسانية تعتمد على
اإليمان بقيمة الحياة اإلنسانية ،وكرامة اإلنسان في أن بعيش معافى ّ
يؤدي
الوظيفة التي خلق من أجلها أال وهي فعل العبادة.
.
254