Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 254

‫آمنة بلّعلى‬

‫أسئلة المنهجية العلمية‬


‫في اللّغة واألدب‬
‫طبعة ثانية‬

‫‪1‬‬
‫‪‬‬
‫اإليداع القانوني ‪2011 - 1143 :‬‬
‫ردمك ‪978 - 9947 – 30 – 091 - 6 :‬‬

‫دار‬

‫للطباعة والنشر والتوزيع‬


‫المدينة الجديدة‪ .‬تيزي وزو‬
‫‪ 026 21 .07.21‬‬

‫‪Email: edition_elamel@hotmail.com‬‬

‫‪www.editionelamel.com‬‬

‫‪2‬‬
‫إهداء‬

‫إلى صديقاتي وهن كثيرات‬


‫وإلى طلبتي بجامعة تيزي وزو‬

‫‪3‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ محتوى الكتاب ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪9‬‬ ‫مقدمة ‪................... .........................................................‬‬ ‫ّ‬


‫‪15‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬قوانين ما قبل البحث‪..................................‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪ - 1‬مفهوم البحث العلمي ‪.................................................‬‬
‫‪18‬‬ ‫‪ - 2‬شروط الباحث العلمية‪.......................................................‬‬
‫‪23‬‬ ‫‪ - 3‬مفهوم املنهج‪...............................................................‬‬
‫‪30‬‬ ‫‪ - 4‬كيف نفكر تفكي را علميا؟ ‪.......................................................‬‬
‫‪ - 5‬كيف نقرأ كتابا؟‪................ ....................................................‬‬
‫‪34‬‬

‫‪43‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬املستوى اإلشكالي للبحث‪..........................‬‬


‫‪43‬‬ ‫عملية اختيار املوضوع ‪...............................................................‬‬
‫‪46‬‬ ‫صياغة السؤال اإلشكالي‪............................................................‬‬
‫‪55‬‬ ‫امتحان اختيار املوضوع‪............................................. ..............‬‬
‫‪62‬‬ ‫صياغة املوضوع اإلشكالي‪................ ............................................‬‬
‫‪64‬‬ ‫اختيار املشرف‪.............. ............................................................‬‬
‫‪66‬‬ ‫اختيار املنهج‪....................... ..........................................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫وضع الخطة وأنواعها‪................. ...................................................‬‬

‫‪81‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬املستوى العملي للبحث‪...........................‬‬


‫‪82‬‬ ‫جمع املادة في البحوث املكتبية‪.............. ....................................‬‬
‫‪84‬‬ ‫أنواع البطاقات‪...........................................................................‬‬
‫‪87‬‬ ‫تقنيات االستفادة من املادة‪.......................................................‬‬
‫‪4‬‬
‫‪87‬‬ ‫التلخيص ‪-‬االقتباس ‪-‬رؤوس األقالم‪............................................‬‬
‫‪101‬‬ ‫جمع املعطيات في البحوث امليدانية‪...........................................‬‬
‫‪102‬‬ ‫اختيار ّ‬
‫العينات‪............................. ...............................................‬‬
‫‪105‬‬ ‫طرق تقص ي املعلومات‪................................................................‬‬
‫‪105‬‬ ‫املالحظة املقابلة االستبيان‪..........................................................‬‬
‫‪110‬‬ ‫ترتيب املعلومات‪............................................................................‬‬
‫‪113‬‬ ‫تهيئة املعلومات للتحرير‪...............................................................‬‬
‫‪116‬‬ ‫قراءة النصوص‪...........................................................................‬‬
‫‪117‬‬ ‫كفاءات القراءة‪............................................................................‬‬
‫القراءة واملنهج‪..............................................................................‬‬
‫‪124‬‬

‫‪129‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املستوى الحجاجي والتقني للبحث‪...............‬‬


‫‪130‬‬ ‫عملية التسويد‪............. ....................................... .......................‬‬
‫‪134‬‬ ‫عملية التبييض‪............................................................................‬‬
‫مراجعة التحرير‪142 .............................. .......................‬‬
‫‪158‬‬
‫‪159‬‬ ‫تحرير املقدمة‪...............................................................................‬‬
‫تحرير التمهيد‪............................. ..................................................‬‬
‫‪161‬‬
‫تحرير الخاتمة‪..............................................................................‬‬
‫‪165‬‬ ‫وضع البح ث في شكله النهائي‪......................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫‪168‬‬ ‫التهميش‪..........................................‬‬
‫كيفية التهميش‪.............................. ..............................................‬‬
‫‪174‬‬
‫‪187‬‬ ‫التحقيق‪............................... .........................................................‬‬
‫‪199‬‬ ‫توثيق املراجع‪..................... ..........................................................‬‬
‫‪205‬‬ ‫الخاتمة‪................................ ..........................................................‬‬
‫‪209‬‬ ‫قائمة املراجع‪............................................................................‬‬
‫‪215‬‬ ‫امللحق‪ :‬قانون الدراسات العليا‪...................................................‬‬

‫‪6‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫جيدا؟ ّ‬
‫تتنزل هذه العبارة ضمن القاعدة التداولية‬ ‫كيف تكون باحثا ّ‬
‫التي يستدعي القول من خاللها الفعل‪ ،‬أو ما يعرف باألفعال املقصودة بالقول‬
‫‪ actes illocutoires‬وهذه الجملة االستفهامية التي ارتأيت أن أبدأ بها الكتاب‪،‬‬
‫كان يمكن أن تصاغ أمرا مثل قولنا‪ :‬كن باحثا جيدا‪ ،‬أو تقريرا مثل‪ :‬الباحث‬
‫الجيد أو تكوين الباحث الجيد ‪ ،‬وجميع هذه الصيغ‪ ،‬تعكس الجانب العملي‬
‫الذي يصحب قراءة هذا الكتاب‪ ،‬أي أنها توص ي بفعل ّ‬
‫يحقق هدفا ساميا‬
‫للبحث العلمي؛ كما أن كلمة "جيدا" على الرغم من أنها تعكس تعبي را قيميا‪ ،‬هو‬
‫ما يمكن للطالب القي ام به لكي يبحث بطريقة أفضل‪ ،‬فإننا كذلك نقرأ من‬
‫ورائها الفشل الذي يعاني منه الطالب في بالدنا‪ ،‬حين ال يدرك حقيقة القواعد‬
‫العملية التي تجعل منه باحثا جيدا؛ ذلك أن اعتبار منهجية البحث العلمي‬
‫مجرد قواعد نظرية تحفظ فقط‪ ،‬هو رأي قاصر ال يوصل إلى نتيجة‪.‬‬
‫ال يعني هذا أن الذي يقرأ الكتاب سيصبح باحثا جيدا‪ ،‬ألن ّ‬
‫التعرف على‬
‫القواعد ال بد أن تصحبه املمارسة‪ ،‬وألن‪":‬ال ش ئ إال الفعل يستطيع أن ّ‬
‫يحل‬
‫املشكلة العملية‪ ،‬فاألفعال تحدث فقط في عالم الواقع وليس في عالم الكتب"‪. 1‬‬
‫أسئلة كثيرة تطرح‪ ،‬وستظل تطرح في مجال البحث العلمي‪ ،‬حاولت في‬
‫هذا الكتاب اإلجابة عن أهمها‪ ،‬من خالل شرح القواعد املنهجية العلمية التي‬
‫ّ‬
‫ينبغي أن تتوفر في البحث العلمي‪ ،‬في مجال اللغة واألدب‪.‬‬

‫‪ - 1‬مورتيمر آدلر‪ ،‬وتشارز فان دورن‪ ،‬كيف تقرأ كتابا‪ ،‬ترجمة‪ ،‬طالل الحمصي‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار العربية‬
‫للعلوم‪ ،‬بيروت‪ 1995 ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪7‬‬
‫ّ‬
‫وغني عن البيان أن مصطلح املنهجية‪ ،‬في قولنا منهجية البحث‬
‫العلمي‪ ،‬مصدر صناعي مشتق من منهج؛ واملراد من منهجية البحث‪ ،‬كون‬
‫ّ‬
‫البحث ب حالة يلزم الرجوع بها إلى املنهج‪ ،‬وملا كان هذا األمر غير كاف في اللغة‬
‫واألدب نظرا ألن كلمة منه ترتبط في أذهان البعض بالطريق الذي يسلكه‬
‫ّ‬
‫اإلنسان لفعل ش يء ما‪ ،‬أردفنا كلمة البحث بالعلم‪ ،‬لنؤكد أن البحث في اللغة ال‬
‫يتوسل باملنهج فقط‪ ،‬ولكن بالعلم أيضا‪ ،‬فيصبح ال بحث عمال بالعلم‪" ،‬بناء‬ ‫ّ‬
‫على أنه ال عمل بدون علم‪ ،‬وأن العلم قد يكون بغير عمل‪ .2‬ورغبة في تجديد‬
‫صالت اللغة واألدب بصفتهما أقرب املوضوعات إلى اإلنسان‪ ،‬باملنطق العلمي‪.‬‬
‫ومادام املنطق يعد آلة للمعارف جميعا‪ ،‬يمكننا‪ ،‬إذن‪ ،‬االستفادة منه للوصول‬
‫إلى الحقائق التي نطلبها في البحث‪.‬‬
‫مادة منهجية البحث العلمي في اللغة واألدب‪،‬‬ ‫إنها خالصة تجربة تدريس ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتتلخص في مجموع القواعد‬ ‫صغتها باالعتماد على أهم ما توفر لي من مراجع‪،‬‬
‫ّ‬
‫والشروط الواجب على الطالب االلت زام بها وتحقيقها عمليا‪..‬‬
‫تعثر مستمر في بحوث الطلبة‪ ،‬كان من بين ّ‬ ‫ّ‬
‫الدوافع‬ ‫إن ما الحظته من‬
‫قدمته من دروس في املنهجية‪ ،‬كي أؤكد أن هذه‬ ‫التي جعلتني أعيد صياغة ما ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القواعد يجب أن تمارس باستمرار منذ دخول الطالب إلى الجامعة‪ ،‬فيتعلم‬
‫كيف يستمع إلى األستاذ وكيف يقرأ‪ ،‬ويفهم ما يقرأ‪ ،‬وكيف يجيب عن السؤال‪،‬‬
‫يقوي لديه ا لقدرة على الفهم والتفكير واالستعمال‬‫ويكتب مقالة‪ ،‬األمر الذي ّ‬
‫ّ‬
‫فكثيرا ما نالحظ ّأن إخفاق الطالب في االمتحان‬
‫ً‬ ‫املنظم للمعلومات التي يأخذها‪.‬‬

‫‪ - 2‬طه‪ ،،‬بدهد الرامههانه فقه‪ ،‬ال ل ه ة ‪ -‬ال ل ه ة والترجمههة‪ ،1 ،‬ط‪ ،1‬ال مركه الققههافي العربهي‪ ،‬الههدار‬
‫الديضاء‪ /‬بيروت‪ ،1995 ،‬ص‪.173‬‬
‫‪8‬‬
‫ناتج عن عدم قدرتهم على فهم السؤال‪ ،‬وتوظيف ما يأخذونه بانتقاء ما‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫وغالبا ما يثار في مناقشات الرسائل الجامعية تعثر‬ ‫يستجيب ملحتوى السؤال‪.‬‬
‫الطالب في املنهجية‪ ،‬وتبقى األخطاء نفسها ّ‬ ‫ّ‬
‫تتكرر‪ ،‬في وقت نرى فيه الجامعات‬
‫علما ً‬
‫قائما بذاته ومجاال‬ ‫خصصت لها ً‬ ‫خاصا باملنهجية‪ ،‬إذ ّ‬
‫اهتماما ً‬
‫ً‬ ‫العاملية تولى‬
‫ً‬
‫واسعا لتطبيقه؛ وقد كان ضرور ًيا أن أقوم بهذه املبادرة انطالقا من هذه‬
‫ّ‬
‫املعاناة‪ ،‬علني أسهم‪ ،‬ولو بشكل متواضع في إ يصال القواعد العملية الصالحة‬
‫للتطبيق متغاضية عن بعض القواعد النظرية كبعض التعريفات املوجودة في‬
‫كتب املنهجية؛ ألن هدفي هو النتائج العملية‪ ،‬أي كيف يقرأ الطالب كتابا وكيف‬
‫يحرر بحثه؟ ذلك أن ّ‬
‫مجرد املعرفة النظرية‬ ‫يختار موضوعا ويضع خطة‪ ،‬وكيف ّ‬
‫لقواعد كتابة البحث أمر غير كاف‪.‬‬
‫لقد ّاتبعت أسلوبا بسيطا في العرض انطالقا من تجربتي في البحث‪،‬‬
‫ومالحظتي الخلل الذي يعاني منه الطالب الباحث عندما يباشر ممارسة‬
‫البحث‪ ،‬وأعتقد أن العنوان نفسه "أسئلة املنهجية العلمية في اللغة واألدب"‬
‫سيكون حافزا لالطالع عليه‪ ،‬ليس فقط من الباحثين امل بتدئين‪ ،‬ولكن‪ ،‬من‬
‫جيدين أيضا‪ ،‬لسبب بسيط‪ ،‬هو أننا‬ ‫الذين يعتقدون أنهم أصبحوا باحثين ّ‬
‫بحاجة دائما ملا يؤكد اعتقاداتنا‪ ،‬ونستثني في هذا الذين ال يقرؤون والذين ال‬
‫يعتبرون القراءة أمرا يستحق القيام به‪ ،‬ويسيئون فهم رغباتهم وهواجسهم‬
‫العلمية؛ ألنهم يعتقدون أنهم فوق ّ‬
‫كل التوجيهات‪.‬‬
‫قد ال تكون قراءة هذا الكتاب أو غيره من الكتب التي تنحو نحوه‪ ،‬أمرا‬
‫ملزما ما دمنا ال زلنا نعتبر منهجية البحث ّ‬
‫مجرد قواعد نظرية يحفظها الطالب‪،‬‬
‫ويسأل عنها يوم االمتحان؛ صحيح أنه بحصول الطالب على معلومات نظرية‬
‫‪9‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يكون قد تعلم شيئا‪ ،‬ولكن ممارسة عملية التذكر فقط‪ ،‬تكسب املعلومات وال‬
‫ّ‬
‫تغير السلوكات‪ ،‬وهذا يعني أننا نفكر بدرجة أقل وبفعالية ضعيفة‪ ،‬وإذا نسينا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما تعلمناه نكون كمن لم يتعلم البتة‪.‬‬
‫إن تحقيق املستوى العملي هو ما نسعى إليه من خالل هذا الكتاب‪،‬‬
‫ولعل السؤال النموذجي الذي ال بد أن يسأله الطالب بعد قراءة هذا الكتاب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هو‪ :‬ما الش يء الذي تعلمته من هذا الكتاب؟ وهل سأظل أعمل به حتى أتمثله‪،‬‬
‫ّ‬
‫فأحققه في الواقع من خالل بحث يوصف بأنه علمي وأكاديمي؟‬
‫ال ّأدعي أنني أحطت بكل ما يمكن أن يقال في منهجية البحث‪ ،‬فهناك‬
‫مواطن وأسئلة غامضة فيها‪ ،‬مازالت تحتاج إلى إيضاح‪ ،‬وأعترف أنني لم أول‬
‫عناية كبيرة لكثير من النقاط‪ ،‬ومنها الجانب التطبيقي‪ ،‬خشية أن تعلق بعض‬
‫األمثلة في أذهان الطلبة فينسجون على منوالها‪ ،‬فأكون كمن ّ‬
‫يكرس عادات‬
‫واعتقادات ّتتخذ معيارا للمنهجية املثلى‪ ،‬في حين أن ما أبديه هو مجرد وجهات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تخص منهجية ال بحث العلمي في اللغة واألدب‪ ،‬تعلمتها من بعض‬ ‫نظر في مسائل‬
‫أساتذتي واستوعبتها عن طريق التجربة واملمارسة‪.‬‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬جعلت مدار هذا الكتاب على أربعة فصول‪ّ ،‬‬
‫خصصت‬
‫الفصل األول لقوانين ما قبل البحث ؛ وهي مسائل في املفاهيم كمفهوم البحث‬
‫وأنواعه‪ ،‬ومفهوم املنهج ومفهوم التفكير ا لعلمي وكيفية القراءة‪ّ ،‬‬
‫فضلت‬
‫توضيحها‪ ،‬ليس من أجل إعادة ما قيل فيها‪ ،‬وهو كثير‪ ،‬ولكن من أجل تجديد‬
‫ّ‬
‫املتجددة‬ ‫فهمنا لها باعتبارها قضايا أصبحت من البديهيات‪ ،‬وكيف أن الحاجة‬
‫ّ‬
‫تخلصنا من االعتقادات والعادات التي ّ‬
‫تثبت‬ ‫إلى مراجعة املفاهيم‪ ،‬يمكن أن‬
‫العقل عند لحظة واحدة‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫ّ‬
‫وتعرضت فيه إلى‬ ‫وتفرد الفصل الثاني باملستوى اإلشكالي للبحث‪،‬‬ ‫ّ‬
‫اإلجابة عن أسئلة ّ‬
‫مهمة منها‪ :‬كيفية اختيار املوضوع اإلشكالي وتحويل املعطيات‬
‫املألوفة إلى موضوعات إشكالية‪ ،‬وكيفية صياغة أسئلة وفرضيات تستجيب‬
‫للهدف من البحث واختيار املنهج؟ ثم كيف يختبر الباحث اختياره موضوع‬
‫بحثه و يصوغ خطة تعكس املوضوع اإلشكالي املختار؟‬
‫وتميز الفصل الثالث‪ ،‬وهو املستوى العملي للبحث‪ ،‬بتوضيح طرق‬‫ّ‬
‫البحث عن املعلومة في البحوث املكتبية وامليدانية على السواء‪ ،‬وتقنيات جمعها‬
‫تقصيها في امليدان‪ ،‬وطريقة إعدادها من أجل تحرير‬ ‫والتعامل معها‪ ،‬وكيفية ّ‬
‫البحث‪.‬‬
‫أما الفصل الرابع‪ ،‬وهو املستوى الحجاجي والتقني للبحث‪ ،‬فيشتغل‬
‫باإلجابة عن كيفبة تحيين الكفاءة الحجاجية للباحث أثناء عملية تحرير‬
‫البحث‪ ،‬وهي مقتض ى تداولي صرف‪ ،‬هدفه إقناع القارئ بواسطة التحليل‬
‫واالستدالل والحجاج ما دام ّ‬
‫يقدم له معرفة‪ ،‬قد تدفعه إلى تغيير اعتقاد أو رأي‬
‫سلم بصحته‪ ،‬ولقد ّ‬ ‫ّ‬
‫تعمدت إرداف الجانب التقني باملستوى الحجاجي‬ ‫كان قد‬
‫لدفع الدعوى القائلة‪ :‬إن تقنيات البحث كالتهميش وبناء الفقرة وعالمات‬
‫الكتابة‪ ،‬ليست سوى قضايا شكلية‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار ما تعنيه كلمة‬
‫تلقونها؛ ذلك أن تقنيات البحث كفاءة ال ّ‬
‫تقل‬ ‫شكلية عند القائلين بها وعند من ي ّ‬

‫عن الكفاءة الحجاجية‪ ،‬إن لم تكن جزءا منها‪.‬‬


‫ّ‬
‫وأنهيت البحث بخاتمة دارت حول سؤال إشكالي يتعلق بحدود العلمية‬
‫في األدب خاصة في ظل سيطرة املناهج املحايثة بحجة العلمية‪ ،‬وأشرت إلى‬
‫وجهة نظر تحتاج إلى توضيح في كتاب مستقل إن شاء هللا‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫في األخير ال بد أن أتوجه بالشكر والعرفان إلى كل من ّ‬
‫حفزني للعودة إلى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إتمام هذا الكتاب بعدما تخليت عنه سنوات‪ ،‬وأخص بالذكر طلبة قسم‬
‫املاجستير شعبة "تحليل الخطاب" ‪ ،2005/2004‬بقسم األدب العربي بجامعة‬
‫تيزي وزو‪ .‬ومنهم الطالبان دريس ي صالح وبن حسان عبد الحميد اللذان راجعا‬
‫فصوله‪.‬‬
‫وهللا من وراء القصد‬
‫تيزي وزو في ‪ 23‬مارس ‪2005‬‬

‫‪12‬‬
‫الفصل األول‬
‫قوانين ما قبل البحث‬

‫‪ - I‬مفهوم البحث العلمي‬


‫البحث لغة‪ :‬هو التنقيب والتفتيس عن الش يء‪ ،‬فيقال‪ :‬بحث يبحث‬
‫وتبحث واستبحث وابتحث‪ ،‬ويقال أيضا‪ :‬بحث في األرض أي حفر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بحثا‬
‫وباحثه أي حاوره‪ .‬أما اصطالحا‪ :‬فهو معالجة فكرة ّ‬
‫معينة ومحدودة ملعرفة‬
‫التعمق أكثر‪ ،‬نجد أن البحث محاولة جادة‬ ‫ّ‬ ‫كنهها وأبعادها‪ ،3‬وإذا حاولنا‬
‫الكتشاف خبايا املعرفة والتنقيب عنها وتنميتها وفحصها وتحقيقها بتقص‬
‫ّ‬
‫دقيق ونقد عميق ثم عرضها بطريقة ذكية‪4‬؛ أي أنه نشاط علمي يتمثل في‬
‫جمع املعومات من مختلف املصادر من أجل تحليلها ومقارنتها بهدف‬
‫الوصول إلى اإلجابة عن أسئلة إشكالية ملعالجة فكرة أو أفكار معينة يشترط‬
‫أن تكون معقولة في الذهن ومحددة‪ ،‬بحيث تسمح بتحليلها منطقيا‪ ،‬وإيجاد‬
‫العالقات فيما بينها‪ ،‬ويستثنى من هذه الشروط األفكار املطلقة‪ ،‬ألن العقل‬
‫البشري نسبي‪ ،‬ال يمكنه أن يدرك املطلق‪ ،‬كالتفكير في الغيبيات أو املتناقضات‬
‫التي ال يمكن البرهنة عليها بالحجج املنطقية‪.‬‬
‫أنواع البحث العلمي‪ :‬يمكن النظر إلى أنواع البحوث تبعا لعدة‬
‫اعتبارات سواء من حيث طبيعة املادة‪ ،‬أو مكان تواجدها‪ ،‬أو من حيث‬

‫‪- 3‬حامد حفني داود‪ :‬املنهج العلمي في البحث األدبي‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪- 4‬ثريا عبد الفتاح ملحس‪ :‬منهج البحوث العلمية للطالب الجامعيين‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬مكتبة‬
‫املدرسة‪ ،‬ط‪ ، 1983 ، 3‬ص ‪.43‬‬
‫‪13‬‬
‫التخصص واملنهج املعتمد‪ ،‬أو تبعا للفترة الزمنية‪ ،‬أو بما يقتضيه القصد‬ ‫ّ‬
‫والهدف املرجو‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن هذه االعتبارات هي بمثابة املقاييس التي تحدد تسمية البحث فنقول‬
‫عن موضوع إنه ميداني حين يلجأ الباحث فيه إلى استقاء املعلومات من ّ‬
‫عينة‬
‫معينة تكون هي محل الدراسة من أجل تحليل الظواهر املختلفة‪،‬‬ ‫مجتمعية ّ‬
‫مثلما هو الشأن في بعض موضوعات األدب الشعبي أو املوضوعات اللغوية التي‬
‫ّ‬
‫تعالج بعض الظواهر اللسانية مثل‪ :‬اللسانيات االجتماعية أو التعليميات‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫واستنادا إلى القصد من البحث‪ ،‬نسمي بحثا نظريا‪ ،‬حين يدور موضوعه‬
‫تطورها ورصد‬ ‫حول تحليل مفهوم أو نظرية معينة للتعريف بها أو الوقوف عند ّ‬
‫ّ‬
‫عالقتها بظواهر أخرى وتأثي راتها‪ ،‬وفي هذا النوع من البحوث‪ ،‬ال يشكل تطبيق‬
‫هذا املفهوم أو النظرية اهتماما أساسيا بالنسبة للباحث‪ ،‬بمعنى أنه ال يستثمر‬
‫املفهوم أو النظرية في دراسة ظاهرة معينة‪ ،‬ويغلب على هذا النوع من البحوث‬
‫تتبع الظاهرة تاريخيا من حيث النشأة وتفسيرها والتعريف بها‪ ,‬ويركز فيه‬
‫الباحث على جمع املعلومات ووصفها وتحلي لها ومقارنتها وتأويلها‪.‬‬
‫يوجه قصد الباحث إلى استغالل‬ ‫ونطلق تسمية البحث التطبيقي عندما ّ‬
‫معينة وتحويلها إلى آليات لتحليل إشكالية ما‪ ،‬أو وصف نص أو‬ ‫مفاهيم نظرية ّ‬
‫ظاهرة و تحليلها‪ ،‬وقد ّتتخذ طابعا نفعيا‪ ،‬خاصة في بعض البحوث في العلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬كعلم االجتماع وعلم النفس والبحوث التربوية‪ ،‬حيث يمكن‬
‫استثمار نتائج البحث لتغيير واقع اجتماعي أو تربوي ما‪ ،‬أو املساعدة على إيجاد‬
‫حل ملشكل في املجتمع‪ ,‬غير أن التفريق الصارم بين النوعين من البحث ال‬
‫يستقيم؛ ألن االختالف املطلق بينهما غير وارد‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫كما قد ينظر إلى نوع البحث من خالل امل نهج املطبق‪ ،‬سواء كان قائما‬
‫على جمع املعلومات من الوثائق املكتبية أو من امليدان‪ ،‬فنقول‪ :‬بحث مقارن أو‬
‫سيميائي أو أسوبي أو تقابلي أو وصفي أو تحليلي أو تاريخي أو تداولي وغيره؛‬
‫تخصص صاحبه‪ ،‬مثلما يمكن القول إنه‬ ‫ّ‬ ‫وقد يسمى البحث بحسب ميدان‬
‫ّ‬
‫التخصصات إذا سعى الباحث إلى تحليل اإلشكالية واإلجابة عنها‬ ‫بحث ّ‬
‫متعدد‬
‫باللجوء إلى عالقات تقاطع الظاهرة املدروسة مع غيرها من الظواهر‬
‫االجتماعية أو الثقافية أو النفسية أو التاريخية والسياسية‪ ،‬وقد يتجاوز‬
‫البحث كل هذا إلى مجال أعمق‪ ،‬فيأخذ بعين االعتبار األبعاد املعرفية ويدرج في‬
‫إطار ابستمولوجي أشمل‪.‬‬
‫توضح‪ ،‬هو تسمية مرتبطة‪ ،‬سواء بطبيعة الظاهرة‬ ‫إن نوع البحث كما ّ‬
‫أو موقع استقاء املعلومة أو بالفترة و مجال الدراسة أو املنهج ّ‬
‫املطبق أو غير‬
‫مطوال عند طبيعة هذا البحث أو ذاك‪ ،‬وإثارة الجدل‬ ‫ذلك؛ ولذا‪ ،‬فإن الوقوف ّ‬
‫بخصوص تسميته ليس إال مضيعة للوقت‪ ،‬غير أن هذا ال يكون ّ‬
‫مبررا لعدم‬
‫قدرة الباحث أو القارئ على تصنيف بحث ما‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ - II‬شروط الباحث العلمية‪:‬‬
‫يتعين على الباحث‬‫هي مجموعة من الضوابط األخالقية والعلمية التي ّ‬
‫االلت زام بها قبل البحث‪ ،‬وتستمر معه إلى نهايته‪ ،‬ودون العمل بها‪ ،‬يقع الباحث‬
‫تجرد بح ثه من صفة العلمية‪ ،‬ومن هذه الصفات ما يكون لها دور‬ ‫في أخطاء ّ‬
‫الدافع إلى االنخراط في ميدان البحث العلمي‪ ،‬كالرغبة فيه‪ ،‬والصبر على‬
‫ّ‬
‫الصعوبات التي تعترضه‪ .‬ومنها ما يتعلق بنشاط البحث ذاته‪ ،‬وهي عناصر‬
‫أساسية للقيام ببحث علمي يضيف جديدا إلى املعرفة اإلنسانية‪ .‬ولقد أفاض‬
‫من كت بوا في املنهجية في الحديث عن هذه الشروط مثل‪ :‬ثريا ملحس وعلي جواد‬
‫الطاهر؛ ارتأيت التذكير ببعضها‪ ،‬وإضافة ما رأيته ضروريا‪.‬‬
‫‪ - 1‬عنصر االجتهاد والقدرة على االبتكار والعرض املنطقي‪ :‬ونعني بذلك‬
‫أن تكون للباحث القدرة التي تعينه على اإلتيان بجديد‪ ،‬فيضيف إلى ما وصل‬
‫إل يه الباحثون اآلخرون‪ ،‬حتى ال يكون عمله معاودة‪ ،‬ويختلف اإلتيان بالجديد‬
‫كل واحد إثبات وجوده بالوصول إلى ما‬ ‫من باحث إلى آخر‪ ،‬حيث يتطلب من ّ‬
‫يميزه‪ ،‬ويجعله ناجحا ومتفوقا‪ ,‬فالباحث الذي ال يلمس في بحثه جديدا‪ ،‬ال يعد‬ ‫ّ‬
‫باحثا باملعنى الدقيق للكلمة‪ ,‬فشأنه في ذلك شأن املقلد الجامع الناقل‪ .‬غير أن‬
‫عنصر اإلبداع واالبتكار هذا ‪-‬والذي يعني الوصول إلى أفكار ونظريات جديدة ‪-‬ال‬
‫يخص إال الباحثين في مستوى رسائل الدكتوراه‪ ،‬أما مذكرات املاجستير كما‬
‫ّ‬
‫يحددها قانون الدراسات العليا‪ ،‬فيكتفي فيها الباحث بتعلم تطبيق املنهج الذي‬
‫تعد عمليات كالوصف والتحليل واملقارنة والفهم واالستنتاج من ضرورياته‪.‬‬‫ّ‬
‫‪- 2‬الفهم الدقيق للنصوص وإمعان النظر في اآلراء‪ :‬إن الباحث الذي‬
‫يتذوق النصوص‪ ،‬يكون قد ّمهد الطريق لدقة الفهم‪ ،‬و الذي يخطئ فهم نص‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ما‪ ،‬يكون ّ‬
‫معرضا بسبب سوء الفهم هذا لتقديم أحكام وآراء ليست في محلها‪ ،‬و‬
‫يج ّره ذلك إلى الوقوع في املتناقضات؛ أما الفهم الجيد للنصوص‪ ،‬فيمنح‬
‫‪16‬‬
‫الباحث ‪-‬إلى جانب اكتسابه معلومات جديدة ‪-‬القدرة على التحليل واالستنتاج‪،‬‬
‫واإلجابة على أي إشكال يعترضه‪ ،‬فيتجاوز املسلمات‪ ،‬وال ينقض رأيا إال بدليل‬
‫يتريث في الحكم على ما يورده الباحثون من آراء‪ ،‬دون‬ ‫يخطئه أو ينفيه به‪ ،‬كما ّ‬
‫تأثر بشهرة من ينقل عنهم وال بأسبقيتهم الزمنية‪.‬‬
‫‪- 3‬مبدأ الشك‪ :‬على الباحث –إلى جانب دقته في فهم الظواهر‬
‫والنصوص‪ ،‬أن يستخدم مبدأ الشك في النصوص التي يقرأها‪ ،‬وال يهوله في ذلك‬
‫شهرة صاحب النص أو جالل مصدره الذي أخذ منه‪ ،‬إال بحجة مقنعة‪،‬‬
‫ّ‬
‫فال شك يذهب االعتقاد ويزيح ما علق به من غموض‪ ،‬حتى وإن كان متعلقا‬
‫ّ‬
‫بمسلمة تبدو للباحث أنها ال تستحق البحث‪ ،‬ألن "عمل الفكر يستثار بواسطة‬
‫ّ‬
‫إثارة الشك ويتوقف عندما يحصل على االعتقاد‪.5‬‬
‫‪ - 4‬معرفة اللغات األجنبية‪ :‬أن يكون الباحث عارفا بإحدى اللغات األجنبية‬
‫وتأتي حاجة الباحث إلى ذلك‪ ،‬ليس فقط‪ ،‬لإلطالع على ما كتبه املستشرقون‬
‫والعلماء الذين تناولوا الت راث العربي اإلسالمي‪ ،‬بل لحاجة البحث امللحة في عصرنا‬
‫الحالي إلى املناهج والنظريات الحديثة في املجاالت املختلفة‪.‬‬
‫‪- 5‬القدرة على اإلقناع‪ :‬تكاد تشمل هذه الخاصية كل الشروط التي يجب‬
‫ّ‬
‫أن تتوفر في الباحث؛ ألن البحث عالقة يقيمها الباحث مع اآلخر من جهتين‪:‬‬
‫األولى‪ ،‬تلك التي يقيمها مع الذين يقرأ عنهم ويستلهم منهم املعلومات‪ ،‬فال يقف‬
‫موقف اآلخذ فحسب‪ ،‬بل يحاورهم ويتواصل معهم باالعت راض على أفكارهم‬
‫وإبداء الرأي في أقوالهم والتحفظ عليهم؛ والثانية‪ :‬تلك التي يقيمها مع من يكتب‬
‫لهم‪ ،‬ويوصل إليهم نتائجه أو طريقته في التعامل مع اآلخرين‪ ،‬فيثبت جدارته‪،‬‬

‫‪ - 5‬مشهد سعدي العالف‪ ،‬بناء املف اهيم بين العلم واملنطق‪ ،‬مقدمة في فلسفة العلم‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار عمار‪،‬‬
‫عمان‪ /‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ، 1991 ،‬ص ‪،135‬‬
‫‪17‬‬
‫يتحدث إلى نفسه إال‬‫ّ‬ ‫ألن اإلنسان في حقيقة األمر ال يكتب لنفسه مثلما ال‬
‫عندما يخالفها‪.‬‬
‫إن إقامة العالقة بمن نقرأ لهم ال تكون ملجرد الشك فحسب‪ ،‬بل‬
‫الفت راض طريقة أخرى في تحليل موقف أو التعامل مع ظاهرة أو اعت راض على‬
‫ّ‬
‫مفهوم معين؛ ولذلك يجب أن تكون للباحث كفاءات مختلفة تمكنه من تحيين‬
‫قدراته اللغوية واملعرفية واملنطقية والتواصلية وتفعيلها (نتحدث عنها عند‬
‫فتتلخص في إعمال كافة‬ ‫ّ‬ ‫قراءة النصوص)‪ ،‬وأما عالقته بمن يكتب إليهم‬
‫تحقق الوظائف‬ ‫األساليب من أجل إقناعهم بنتائجه وطريقته التي يجب أن ّ‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬الوظيفة اإلخبارية‪ :‬وتتمثل في إيصال معرفة ومعلومات حول ظاهرة‬
‫يفترض أن القارئ يجهلها‪ ،‬أو يريد االست زادة في تحصيل معلومات أخرى متعلقة‬
‫بها‪.‬‬
‫‪ -‬الوظيفة التواصلية‪ :‬وذلك بأن يجعل الباح ث التواصل بينه وبين‬
‫القارئ مستمرا ال ينقطع‪ ،‬فغياب هذه الوظيفة‪ ،‬هو ما يجعلنا أحيانا‪ ،‬نتخلى‬
‫عن قراءة كتاب واضح األفكار‪ ،‬بدأنا ّ‬
‫للتو قراءته‪ ،‬لنبدأ قراءة آخر إلى نهايته‪،‬‬
‫حتى وإن نظفر إال بفهم القليل منه؛ ذلك أن صاحب الكتاب الثاني يمتلك من‬
‫الوسائل ما يجعل التواصل مستمرا مع قرائه‪.‬‬
‫يحقق الباحث وظيفتي اإلخبار والتواصل‪،‬‬ ‫‪ - 6‬التأدب األقص ى‪ :‬كثي را ما ّ‬
‫غير أن عنصر التأثير يكون مفقودا‪ ،‬لغياب الجانب األخالقي للباحث‪ ،‬من آداب‬
‫املخاطبة‪ ،‬فنقرأ حماسا مبالغا فيه أو دعوة إيديولوجية‪ ،‬أو ّ‬
‫تجنيا على اآلخرين‬
‫واستخفافا بهم‪ ،‬فالتخلق بأخالق الباحثين ضرورة علمية قبل أن يكون سلوكا‬
‫اجتماعيا؛ ألن موقف الباحث في بحثه يشبه موقف العالم في علمه‪ ،‬وهو يختلف‬
‫كل االختالف عن األديب املبدع‪ ،‬أو املصلح املرشد أو الداعي إلى عقيدة ّ‬
‫معينة‪،‬‬
‫‪18‬‬
‫الذي قد تجرفه الذاتية فيهيم باللغة وفي اللغة باستعمال العبارات الجازمة‬
‫الدالة على الغرور واالعتداد بالنفس؛ في حين أن قضايا الفكر كلها وجهات نظر‪،‬‬
‫قابلة للجدل واألخذ والرد‪.‬‬
‫على الباحث أن يتحلى بفضائل يقاس عليها ويحاسب بها‪ ،‬وقد سبق‬
‫للعرب واملسلمين أن اهتموا بها وأكدوا عليها مثلما جاء عند الغزالي واملاوردي‬
‫وغيرهما ممن أكدوا على آداب املخاطبة وعلى شروط أخذ العلم‪ ،‬حيث قال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الرسول عليه السالم‪ :‬تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والوقار وتواضعوا‬
‫ّ‬
‫ملن تتعلمون منه" وحذر اإلمام مالك بن أنس‪ 6‬من أن يؤخذ الحديث من أربعة‬
‫معينة فقال‪:‬‬‫ال تتوفر فيهم شروط ّ‬
‫‪ - 1‬ال يؤخذ الحديث من سفيه‪.‬‬
‫‪ - 2‬وال يؤخذ من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ - 3‬وال من كذاب يكذب في أحاديث الناس‪.‬‬
‫يحدث به‪.‬‬‫‪ - 4‬وال من شيخ له فضل وصالح وعبادة إذا كان ال يعرف ما ّ‬
‫عما دعا إليه علماء الغرب من الحياد الفكري‬ ‫وهي صفات‪ ،‬ال تختلف ّ‬
‫التجرد التام من األهواء‪ ،‬واألمانة العلمية‪ ،‬وامل ثابرة على العمل املستمر‪،‬‬ ‫و ّ‬
‫والتحلي بالتواضع واالحت رام‪ ،‬وعدم مهاجمة أي عالم مهما ارتكب من أخطاء‪،‬‬
‫وضرورة تحمل املسؤولية‪ .‬وهو ما لخصته ثريا ملحس عن ريدر‪ ،‬من كتابه كيف‬
‫نكتب رسالة‪ ،‬بما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أال يبدي الباحث آراءه الشخصية دون أن يعززها بآراء لها قيمتها‪.‬‬
‫متخصص ‪ -‬حقيقة‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬أال يعتبر الباحث أي رأي ‪ -‬وإن كان صادرا من عالم‬
‫راهنة ال تقبل املناقشة‪.‬‬

‫‪ - 6‬ثريا عبد الفتاح‪ :‬منهج البحوث العلمية للطالب الجامعيين‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪19‬‬
‫‪ -‬أال يعتبر الباحث رأيا من اآلراء حقيقة راهنة؛ ألنه صدر عن األكثرية أو‬
‫عن لجنة أو عن جماعة‪.‬‬
‫‪ -‬أال يعتبر الباحث القياس أو املشابهة حقيقة ال تقبل املناقشة‪.‬‬
‫‪ -‬أال يعتبر الباحث السكوت عن بعض النتائج حقيقة راهنة‪.‬‬
‫‪ -‬أال يحذف أي دليل أو حجة أو نظرية ال ّتتفق ورأيه ومذهبه‪.‬‬
‫‪ -‬أال يعتمد الباحث على الروايات أو االقتباسات أو التواريخ غير‬
‫الواضحة أو غير الدقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬أال يخطئ الباحث في شرح بعض املدلوالت‪7.‬‬

‫‪ - III‬مفهوم املنهج‪:‬‬
‫معي نة ألمة ما باملتطورة إال بمقدار ما ّ‬
‫يقدم فيها من‬ ‫ال توسم مرحلة ّ‬
‫بحوث علمية‪ ،‬وال يمكن أن يكتسب البحث صفة العلمية إال إذا قام على منهج‬
‫يسهل سير البحث‪ ،‬ويؤدي إلى االبتكار ويقود الفكر؛ ومنهجية البحث ليست‬ ‫ّ‬
‫قيادة للفكر فحسب‪ ،‬بل أيضا "وقبل كل ش يء قيادة أخالقية؛ ألن روح العلم‬
‫روح أخالقية"‪.8‬‬
‫ورد في لسان العرب أن النهج هو "الطريق ّ‬
‫البين الواضح‪ ،‬ونهج املرء‬
‫منهاجا أي أنه سلك طريقا واضحا))‪ 9‬واملعروف أن كلمة منهج مأخوذة من‬

‫‪- 7‬ثريا عبد الفتاح ملحس‪ ،‬منهجية البحث العلمي للطالب الجامعيين‪ ،‬ص ‪ . 57‬نقال عن أسد رستم‪،‬‬
‫مصطلح التاريخ‪ ،‬ص ‪.101/100‬‬
‫‪ - 8‬محمد مندور‪ ،‬من مقدمة كتاب النسون وماييه منهج البحث في اللغة واألدب ط‪ ، 2‬دار العلم للماليين‬
‫بيروت ‪ 1982‬ص‪.12‬‬
‫‪ - 9‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬جـ ‪ ، 2‬د‪ .‬ط‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الطباعة والنشر‪ ، 1955 ،‬ص ‪.383‬‬
‫‪20‬‬
‫الكلمة الالتينية " ‪" "Méthodus‬وكان يقصد بها البحث والنظر"‪ 10‬في مسائل‬
‫الفلسفة وامليتاقيزيقا‪.‬‬
‫ّأما مفهوم هذه الكلمة اصطالحا فهو يعني‪" :‬الطريق املؤدي إلى الكشف‬
‫عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير‬
‫وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة"‪ .11‬والنتيجة املعلومة‬ ‫ّ‬ ‫العقل‪،‬‬
‫املقصودة ال تعني بالضرورة الحقيقة الثابتة‪ ،‬وإنما هي فكرة أو مجموعة من‬
‫يتوصل إليها الباحث بواسطة آليات منظمة تجعل العقل ّ‬
‫يتقبلها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫األفكار‬
‫عرفه عبد الرحمان بدوي بأنه "فن التنظيم‬ ‫استنادا إلى تلك اآلليات؛ ذلك ما ّ‬
‫الصحيح لسلسلة من األفكار العديدة‪ ،‬إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين‬
‫تكون بها جاهلين‪ ،‬وأما من أجل البرهنة علميا لآلخرين حين تكون بها عارفين "‪.12‬‬
‫فهو بهذا املعنى‪ ،‬ليس أكثر من عملية تنظيم وتبويب وتقسيم ملجموعة‬
‫من األفكار واآلراء في صورة منظمة تشتمل على مقدمات ونتائج‪ ،‬وهذا مستوى‬
‫بسيط من تعريف املنهج العلمي‪ ،‬أما املستوى األكثر تطورا‪ ،‬فهو تحيين‬
‫مجموعة من املفاهيم املستمدة من نظرية أو علم معين‪ ،‬واتخاذها إجراءات‬
‫لتحليل ظاهرة ما من أجل ّ‬
‫حل إشكالية‪.‬‬
‫لقد مارس اإلنسان بما وهبه هللا من قدرات عقلية املنهج بالطريقة التي‬
‫يقتضيها العقل‪ ،‬فوجد اإلنسان البدائي نفسه أمام ظواهر طبيعية ّ‬
‫معقدة‬
‫أحس بقصوره أمام قوة الطبيعة‬ ‫ّ‬ ‫صعب عليه الوقوف عند كنهها‪ ،‬ومن ثم‬
‫ّ‬
‫الهائلة‪ ،‬فبدأ يفكر في طريقة تمكنه من السيطرة عليها وإخضاعها إلرادته‪،‬‬

‫‪ - 10‬عبد الرحمان بدوي‪ ،‬مناهج البحث العلم ــي‪ ،‬ط‪ ،3‬وكال ــة املطبوعــات‪ ،‬الكويت‪ ، 1977 ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 11‬أحمد بدر‪ ،‬أصول البحث العلمـ ــي ومناهجـ ــه‪ ،‬ط‪ ، 5‬وكالة املطبوعات‪ ،‬الكويت‪ ، 1979 ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪ - 12‬عمار بوحوش‪ :‬دليل الباحث في املنهجية وكتابه الرسائل الجامعية‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪1985 ،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪21‬‬
‫يتوصل إلى وسيلة تساعده على ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التكيف‬ ‫بالتفكير في أسباب تلك الظواهر‪ ،‬عله‬
‫وفق ظروفها؛ غير أن تفكيره لم يكن تفكي را علميا نتيجة لعدم قدرته على إدراك‬
‫العالقات التي تربط األشياء فيما بي نها‪ ،‬ولقلة خبرته‪ ،‬وعدم استناده إلى قواعد‬
‫معلومة أو قوانين مقررة سلفا‪.‬‬
‫مدنية إنسانية عريقة‪ ،‬وتشهد‬ ‫ّ‬ ‫وكان املصريون القدامى أصحاب‬
‫خلفوها بذلك‪ ،‬وقد كان اتجاه التفكير لديهم ّ‬ ‫ّ‬
‫متصال‬ ‫األهرامات واآلثار التي‬
‫باآللهة‪ ،‬كالتفكير في قضية الخلود واملوت والحساب‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬كان للكهنة نفوذ‬
‫كبير‪ .‬وعلى الرغم من براعتهم في التخطيط والهندسة والطب والفلك‪ ،‬إال أن‬
‫ّ‬
‫ذلك كان ملجرد تحقيق غايات نفعية ال غير‪ ،‬فاخترعوا املساحات‪ ،‬مثال‪،‬لتمكنهم‬
‫من استعادة الحدود الصحيحة بعد الفيضانات السنوية للنيل ولذلك " لم‬
‫يتركوا لنا قوانين علمية تفسر الظواهر املختلفة‪ ،‬فلم ينظموا معلوماتهم‬
‫تنظيما منهجيا سليما"‪ .13‬بخالف اليونان الذين أحرزوا تقدما عظيما‪ ،‬في مبادئ‬
‫املجرد‪ ،‬وكانت كل دراسة تحتاج‬‫البحث‪ ،‬واعتمدوا على التأمل والنظر العقلي ّ‬
‫إلى تجربة في نظرهم‪ ،‬ولعل تمييز أفالطون بين الفالسفة والعمال ووضعه‬
‫الفالسفة في جمهوريته مكان القيادة يعكس ذلك التفكير‪.‬‬
‫ّ‬
‫اطلع اإلغريق على جهود املصريين في ميدان املعرفة من فلك وهندسة‬
‫وطب‪ ،‬واعتمدوا عليها في تفكيرهم املنهجي‪ ،‬ولعل أول منهج وضع للبحث العلمي‬
‫هو منهج أرسطو الذي سماه املنطق‪ ،‬بحيث وضع له قواعد تنظيمية تسير وفق‬
‫سلمنا فيه بمقدمات ّ‬ ‫ّ‬ ‫قانون منطقي قياس ي‪ّ ،‬‬
‫معينة‬ ‫وعرفه بأنه االستدالل الذي إذا‬
‫لزم عنها بالضرورة حكما آخر غير تلك املقدمات‪.‬‬

‫‪- 13‬محمد حسن عبد الباسط‪ ،‬أصول البحث االجتماعي ط‪ ، 4‬مكتبة األنجلو مصرية‪ ،‬القاهرة‪،1978 ،‬‬
‫ص ‪.45‬‬
‫‪22‬‬
‫وافتقدت أوروبا لفترة من الزمن املعارف وطرق البحث بعد انهيار‬
‫اإلمب راطورية الرومانية‪ ،‬وكان العرب في هذه الفترة املظلمة من تاريخ الغرب‪ ،‬هم‬
‫حملة مشعل العلم والبحث العلمي إلى أوروبا‪ ،‬والفضل في ذلك عاد إلى النص‬
‫وثور العقول بمنهجه الرباني الشامل‪ ،‬فقد وردت كلمة‬ ‫القرآني الذي بهر القلوب ّ‬
‫منهاج في القرآن الكريم؛ حيث جاء في قوله تعالى‪{ :‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}‬
‫"واملنهاج هنا يعني الطريق ّ‬
‫املحدد الواضح ملعرفة دين هللا"‪ 14‬وفقه العلم من خالله‪.‬‬
‫ّ‬
‫وبعد اتصال العرب بغيرهم من األمم‪ ،‬واطالعهم على حضاراتها املختلفة‬
‫من يونانية وفارسية‪ ،‬كان طبيعيا أن يفيدوا من هذه الحضارات واملناهج السابقة‬
‫عليهم‪ ،‬واتبعوا في إنتاجهم العلمي أساليب مبتكرة في البحث فاعتمدوا على‬
‫االستقراء واملالحظة والتدريب العلمي للوصول إلى النتائج العلمية‪ ،‬فنبغ في‬
‫العلوم الخوارزمي وابن الهيثم‪ ،‬والرازي وابن سينا وغيرهم‪ .‬كما " تنبه العرب إلى‬
‫أن القياس األرسطي قياس رياض ي‪ ،‬فهو يبدأ من العام الكلي ويطلبه في املفردات‬
‫الجزئية‪ ،‬ورأوا أن هذا القياس ال يصح إال في الرياضيات‪ ،‬أما في العلوم الطبيعية‬
‫واإلنسانية فاالنتقال يكون عكسيا‪ ،‬أي من املفردات إلى الكلي العام "‪ .15‬وذلك‬
‫حتى يكون القياس سديدا‪ ،‬إلى جانب إحداثهم مناهج تعنى بمباحث علم األصول‬
‫التي تتناول الكتاب والسنة واإلجماع‪ ،‬وتضع باملثل مناهج للنحو واللغة والدين‪،‬‬
‫فكل حديث نبوي ال ّبد أن يشفع بسند‪ ،‬ويدرس رجال السند بالتفصيل‪ ،‬وتناقش‬
‫تجلى ذلك ً‬ ‫ّ‬
‫أيضا في‬ ‫الرواية مناقشة واسعة‪ ،‬عن طريق الجرح والتعديل‪ ،‬كما‬
‫ّ‬
‫األدب‪ ،‬حيث نجد كل مؤلف يحاول أن يوثق الرواية عن طريق اإلسناد‪ ،‬مثل‬
‫كتب األخبار املختلفة‪.‬‬

‫‪ - 14‬حسن الساعاتي‪ ،‬تصميم البحوث االجتماعية‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ، 1982 ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ - 15‬شوقي ضيف‪ ،‬البحث األدبي‪ ،‬طبيعته‪ ،‬مناهج أصوله‪ ،‬مصادره‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪،1972 ،‬‬
‫ص ‪.80‬‬
‫‪23‬‬
‫فال غرو إذن‪ ،‬أن يخرج العرب عن حدود املنطق األرسطي ومنهجه‬
‫القياس ي‪ ،‬إلى حدود اصطناع مناهج مختلفة تكون متماشية مع الظواهر‬
‫ّ‬
‫املدروسة وتابعة ملقاصدهم من البحث والغرض التداولي الشامل منه‪ ،‬فخلفوا‬
‫متعددة ّ‬
‫ضمنوها في دراساتهم التطبيقية ولم يفردوا لها كتبا نظرية ملطالب‬ ‫مناهج ّ‬
‫تداولية ثقافية أيضا‪.‬‬
‫كان إطالع األوربيين في بداية عصر النهضة على الت راث العربي نقطة‬
‫االنطالق في الحضارة األوربية التي ازدهرت بعد ذلك فأخذوا ّ‬
‫يتحررون تدريجيا‬
‫من سلطان الكنيسة‪ ،‬التي كانت تراقب كل حركة أو تفكير علمي‪ ،‬ومن مظاهر‬
‫ذلك التحرر أنهم‪:‬‬
‫‪ - 1‬وضعوا آراء أرسطو موضع النقد‪.‬‬
‫‪ - 2‬طالبوا بتحكيم العقل في كل املسائل‪.‬‬
‫‪ - 3‬طالبوا بالنظرة املوضوعية في جميع األمور‪.‬‬
‫‪ - 4‬نادوا باستخدام املالحظة والتجربة للوصول إلى الحقائق‪.16‬‬
‫إال أنهم ‪-‬رغم هذه املطالب ‪-‬ظلوا متأرجحين بين أساليب القياس‬
‫واالستقراء‪ ،‬ومن أجل هذا يعتبر هذا العصر بمثابة مرحلة انتقالية في تاريخ‬
‫التفكير العلمي بأوروبا‪ .‬وقد اكتملت صورة ذلك التفكير في أوروبا إبان العصور‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫اكتملت في هذه املرحلة دعائم التفكير العلمي على يد مجموعة من‬
‫الباحثين‪ ،‬وظهرت ألول مرة في تاريخ التفكير العلمي لفظة منهج‪ ،‬وأول من تطرق‬
‫لهذا‪ ،‬الفيلسوف اإلنجليزي "‪ "Bacon‬والفرنس ي "‪ "Descartes‬الذي أكد أنه خير‬
‫لإلنسان أن يترك التماس الحقيقة إذا كان يفعل ذلك دون منهج‪.‬‬

‫‪ - 16‬يراجع محمد حسن‪ ،‬عبد الباسط‪ ،‬أصول البحث االجتماعي‪ ،‬ص ‪،49‬‬
‫‪24‬‬
‫أما األول فتتلخص آراؤه في‪:‬‬
‫‪ - 1‬ضرورة تخليص العلم من شوائبه الالهوتية‪.‬‬
‫‪ - 2‬ضرورة مالءمة النتائج العلمية للواقع والحركية االجتماعية‪.‬‬
‫‪ - 3‬إخضاع العلم للمالحظة و التجربة‪.‬‬
‫وبذلك وضع منهجه في العلوم التجريبية الذي سمي "باملنهج التجريبي"‪.‬‬
‫وأما ديكارت فقد هاجم املنهج األرسطي‪ ،‬ألنه يفترض في مقدماته أقيسة‬
‫ّ‬
‫الحسية‬ ‫يقينية ال يرقى إليها الشك‪ ،‬كما هاجم بيكون؛ ألنه اعتمد على املشاهدة‬
‫الستنباط القوانين‪ ،‬ووضع منهجه الجديد‪ ،‬في حين اعتمد هو على الب راهين‬
‫الرياضية‪.17‬‬
‫كما رأوا ّأن لكل علم طبيعته‪ ،‬ومن الصعب أن يوضع لكل العلوم قوانين‬
‫عامة مطلقة على نحو ما حاول أرسطو قديما في منطقه‪ ،‬وفي ذلك الوقت كانت‬
‫العلوم اإلنسانية تطمح إلى أن تكون مادة علمية كغيرها‪ ،‬وبدأت تطرح قضية‬
‫إمكانية اعتماد املناهج ا لعلمية في العلوم اإلنسانية أثناء البحث والدراسة‪،‬‬
‫ومحاولة تنزيلها من زلة العلم بحصر مناهجها وتطويرها‪ ،‬حتى طال النظر فيما‬
‫كان يعتقد أنه فن مثل األدب‪.‬‬
‫في مقال له سنة ‪ 1901‬أكد النسون على وجود فرق بين التاريخ واألدب‪،‬‬
‫"فموضوع التاريخ هو املاض ي‪ ،‬ماض لم تبق منه إال أمارات أو أنقاض بواسطتها‬
‫ولكنه ماض باق‬ ‫يعاد بعثه‪ ،‬وموضوعنا نحن أيضا هو املاض ي(يقصد األدب) ّ‬
‫فاألدب من املاض ي ومن الحاضر معا"‪ 18‬وأكد أن موضوعات التاريخ موجودة‬
‫كوثائق محفوظة أو أوامر ملكية أو حسابات مبان في حالة ّ‬
‫تحجر‪ ،‬ميتة باردة ال‬
‫تمت إلى الحياة بصلة‪ ،‬وليس هو األمر بالنسبة لألدب والفن؛ فهو حي دائما‬

‫‪ - 17‬شوقي ضيف‪ ،‬البحث األدبي ص ‪.84‬‬


‫‪ - 18‬النسون وماييه‪ ،‬منهج البحث في اللغة واألدب‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪25‬‬
‫ممتع بخصائص إيجابية تحمل لإلنسانية املتحضرة إمكانات ال تنفذ في إثارة‬
‫ّ‬
‫اإلحساس بالجمال‪ ،‬فيؤثر فينا كما أثر في األولين‪ 19‬؛ غير أن أولى قواعد املنهج‬
‫العلمي في الفن‪ ،‬هي إخضاعه ملقتضيات التفكير العلمي‪ ،‬حتى وإن كنا نعتقد‬
‫أحيانا أن الحقائق التي نتوصل إليها في العلوم اإلنسانية ‪-‬األدب خاصة ‪ -‬ال‬
‫تستحق ما يبذل في سبيلها من علم‪ ،‬ولكن كما ينقل النسون عن مونتين قوله‪:‬‬
‫ّ‬
‫"إذا لم نكن قد خلقنا على نحو يمكننا من معرفة الحقيقة‪ ،‬فال أقل من أن‬
‫ّ‬
‫نبحث عنها"‪ 20‬ولعل أولى قواعد البحث هو أن نوطن أنفسنا على التفكير‬
‫العلمي‪.‬‬

‫‪ - 19‬يراجع النسون ص ‪28‬‬


‫‪ - 20‬املصدر نفسه ص ‪82.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ - IV‬كيف نفكر تفكيرا علميا؟‬
‫إن االفتقار إلى املعرفة ومحاولة اكتشافها ليس يسي را على الفكر البشري‬
‫إذا لم يوظف طاقاته الفكرية من أجل إدراكها‪ ،‬وفهم الظواهر املعقدة من‬
‫ّ‬ ‫حوله؛ وال ّ‬
‫يتسنى له ذلك إال بتجاوز النتائج السابقة مركزا على ا ملسكوت عنه في‬
‫ّ‬
‫دراسة الظواهر املختلفة أو مبديا رأيا مختلفا فيها‪ ،‬ومتمكنا من صياغة أسئلة‬
‫حل إشكاالت لم تجد إجابات مقنعة عن‬ ‫و الشك في املسلمات و الرغبة في ّ‬
‫أسئلتها‪.‬‬
‫يتسنى إال بفعالية التفكير العلمي الذي يختلف عن‬ ‫ّ‬ ‫إن هذا اإلجراء ال‬
‫ردود الفعل التلقائية التي ت فرضها املعرفة املباشرة بالظواهر املختلفة‪ ،‬ويستند‬
‫إلى آليات منطقية تسمح للذهن بترتيب إجراءاته‪ ،‬بعيدا عن التسليم بالحقائق‬
‫التلقي السطحي واألحادي للمعرفة‪ ،‬ذلك أن التسليم بالحقائق؛ هو محطة‬ ‫و ّ‬
‫لتوقف الفكر ّ‬ ‫ّ‬
‫نعبر عنها عادة بالقناعات أو االعتقادات بآرائنا الخاصة‪ ،‬غير أن‬
‫خطورتها تكمن في توجيه تفكيرنا املستقبلي انطالقا ّمما ّ‬
‫تعودناه؛ ليس باعتباره‬
‫قاعدة للفكر ونقطة نهايته‪ ،‬بل نقطة انطالق وقاعدة عمل من أجل نتائج‬
‫أخرى‪ ،‬فتصبح األفكار فيها أدوات للفكر‪ ،‬حيث يتم إدراكها إدراكا عالئقيا‬
‫للوقوف على طبيعتها وقيمتها ضمن شبكة املعارف املختلفة‪ ،‬ورصد اختالفاتها‬
‫معوقات‬‫أو تماثالتها فيما بينها لتجاوز اإلقرار بالحقائق الثابتة التي تعد من ّ‬
‫التفكير العلمي‪.‬‬
‫إن نظرة بسيطة إلى مشاكل البحث العلمي في الجامعة يالحظ هيمنة هذه‬
‫ترسخها‪ ،‬وذلك من خالل‪:‬‬ ‫املعوقات بل ّ‬
‫‪-‬طريقة التدريس القائمة على التلقين‪ ،‬ويقابلها التلقي املريح من الطالب‪.‬‬
‫‪-‬طريقة اختبار معلومات الطالب القائمة على مطالبته باجت رار ما أخذه‬
‫من األستاذ وتتجلى في وضع أسئلة مباشرة تساعد الطالب على استرجاع آلي‬
‫‪27‬‬
‫للمعلومات وليس التفكير فيها الستنباط فكرة أو تجلية موقف أو بلورة نتيجة؛‬
‫ّ‬
‫وكانت النتيجة أن نا أصبحنا ننش ئ طلبة سلبيين ال يفكرون وال يقرأون وإذا قرأوا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ال يفهمون إال ما شاع من األفكار‪ ،‬ال يدركون كيف تتشكل الظواهر‬
‫والنصوص‪ ،‬في حين أن التفكير العلمي" هو في أساسه منهج أو أسلوب منظم‬
‫لرؤية األشياء وفهم العالم‪ ،‬فكل تقدم أحرزنه البشرية في القرون األخيرة‪ ،‬إنما‬
‫هو مرتبط بطريق مباشر أو غير مباشر بالعلم"‪.21‬‬
‫ليس التفكير العلمي درسا يلقى على الطلبة؛ فالكتب في هذا املجال كثيرة‬
‫ومتنوعة؛ ولكنها ممارسة ينتقل بها الطالب من مستوى التفكير الساذج الذي‬
‫يتلقى األبسط من املعرفة أو املعرفة الوهمية‪ ،‬إلى مستوى التفكير‬ ‫ّ‬ ‫يجعله‬
‫ويفسرها‪ ،‬بالوقوف عند أسبابها‬ ‫ّ‬ ‫العلمي الذي يجعله يضع الظواهر بين قوسين‬
‫ّ‬ ‫تعبر عن فكر ّ‬‫وعالقاتها ببقية الظواهر ويحاول أن يصل إلى نتائج ّ‬
‫فعال يحلل‬
‫ّ‬
‫ويعلل ويستنبط ويستدل‪ ،‬وتكون هذه النتائج بدورها مقدمات لنتائج أخرى‪،‬‬
‫تشكل معرفة علمية ّ‬ ‫ّ‬
‫تعد مرجعا للجميع‪.‬‬ ‫كما‬
‫ّ‬
‫ويتطور بالتدريج مع ازدياد الخب رات‬ ‫إن التفكير العلمي ينشأ مع اإلنسان‬
‫التكيف معها‪ ،‬وتلعب البيئة دورا مهما في تطويره؛‬ ‫وتنوع وسائل تلقيها و ّ‬
‫واملعارف ّ‬
‫ّ‬
‫لذلك فاإلنسان يستطيع أن يدرك في مرحلة ما من تعلمه بعض أساليب‬
‫التفكير التي تفتقر إلى السالمة واملنطق مثل التفكير الخرافي‪ ،‬كما يمكن أن‬
‫يوجه دود أفعال مختلفة تجاه بعض املعا ف التي ّ‬
‫يتلقاها‪ ،‬وخاصة تلك التي‬ ‫ر‬ ‫ّ ر‬
‫توسم بالهيمنة‪ ،‬أو التي تحد من نشاطه الفكري‪.‬‬
‫وتت رابط العمليات املعرفية األخرى مع التفكير كاإلدراك والتذكر‬
‫ّ‬ ‫والتخيل و ّ‬
‫التصور وكثي را ما تنتهي هذه العمليات إلى تفكير‪ ،‬لذا فهي تشكل‬

‫‪ - 1‬محمد سليمان ياقوت‪ ،‬منهج البحث اللغوي‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار املعرفة الجامعية الكويت‪ ،‬ص‪.95‬‬

‫‪28‬‬
‫خلفية له‪ ،‬وليس من املمكن القيام بالتفكير دون بعض أو جميع هذه‬
‫العمليات‪ 22‬؛ لذلك تبدو وظائف ونتائج التفكير العلمي على اإلنسان كثيرة‬
‫ومتنوعة بتنوع وأثر هذه العمليات املتداخلة‪.‬‬
‫إن الوظائف التي يمنحنا إياها التفكير العلمي كثيرة ومن بينها أنه‪:‬‬
‫الفعال من األفكار غير الواضحة‪.‬‬‫‪ -‬يمنحنا إمكانية التخلص السريع و ّ‬
‫‪ -‬يكسبنا القدرة على صياغة الفرضيات انطالقا من الوقائع التي نالحظها‬
‫من خالل ما نقرأ أو نالحظ من ظواهر‪.‬‬
‫‪ -‬يجعل مفاهيمنا وأفكارنا واضحة كما ذهب إلى ذلك الفيلسوف شارل‬
‫سندرس بورس‪ ،Peirce ،‬حيث إن غموض املفاهيم ليس له عالقة بصفة‬
‫غامضة من صفات الش يء‪" ،‬بل هو في الحقيقة ناش ئ من أننا نعتبر اإلحساس‬
‫الناتج عن غموض تفكيرنا صفة للش يء الذي نفكر به؛ أي أن الغموض هنا ش ئ‬
‫ذاتي محض‪ ،‬ويرى بورس أن هذا النوع من الخداع يكون أول عقبة في طريق‬
‫التفكير الواضح"‪.23‬‬
‫يجنبنا سوء استعمال اللغة‪ ،‬وهو نوع آخر من الخداع الذي يؤدي إلى‬ ‫‪ّ -‬‬
‫غموض التفكير ويوقعنا في اعتقاد اختالفات وهمية‪ ،‬كالفرق بين تركيب نحوي‬
‫لعبارتين على أنه فرق بين فكرتين‪ ،‬أو أن مجرد اختالف أسلوب وطريقة التعبير‬
‫عن االعتقادات يجعل منها مختلفة حقا‪.24‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬يخلصنا التفكير العلمي إذن من أسباب الغموض في تمييز املعاني‬
‫ويؤسس للشك باعتباره شرطا من شروط البحث‪ ،‬مقابل‬ ‫ّ‬ ‫واملفاهيم‪،‬‬

‫‪- 22‬هادي نعمان الهيتي‪ ،‬ثقافة األطفال‪ ،‬سلسلة عالم املعرفة‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت ‪ ، 1988‬ص ‪.92‬‬
‫‪- 23‬مشهد سعدي العالف‪ ،‬بناء املفاهيم بين العلم واملنطق‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪ - 24‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪29‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫االعتقادات املثبتة في هيئة مسلمات‪ ،‬أو ما يبدو للباحث أنها بديهيات‪ ،‬فيتوقف‬
‫عن البحث فيها وقد يجادل من أجل أن يثبت أنها من البديهيات بنفس قوة‬
‫االعتقاد بها‪.‬‬
‫إن ال تفكير العلمي حين ينظر إليه باعتباره سلوكا بالنسبة لإلنسان‪،‬‬
‫يصبح مطلبا تربويا ضروريا في ثقافة الشعوب وحتى في سياساتهم‪ ،‬فيسهم في‬
‫مواجهة املواقف واملشكالت التي تصاحب عمليات التواصل الثقافي‪ ،‬ويجدد‬
‫آليات البحث العلمي التي تضمن للثقافة تميزها وخصوصيتها‪ .‬ومن دالئل‬
‫التفكير العلمي للباحث الجيد‪ ،‬وأولى آليات البحث العلمي وقواعده‪ ،‬عملية‬
‫القراءة التي يمكن أن نقول‪ :‬إنها تستغرق كافة اآلليات التي يمارسها الباحث وما‬
‫الباحث الجيد في نهاية األمر إال قارئ جيد‪.‬‬

‫‪ - V‬كيف نقرأ كتابا؟‬


‫تتصدر كتب منهجية البحث أحاديث عن كيفية‬ ‫ّ‬ ‫ليس من املنطقي أن‬
‫اختيار موضوع أو وضع خطة‪ ،‬في حين نجد أغلب الطلبة ال يعرفون كيف‬
‫ّ‬
‫يتصفحون كتابا أو يقرؤونه‪.‬‬
‫نوجه الطلبة عادة‪ ،‬ومنذ سنتهم األولى‪ ،‬إلى تقديم عروض لكتب‬ ‫إننا ّ‬
‫ّ‬
‫وبحوث تتطلب موضوعاتها الرجوع إلى أكثر من كتاب‪ ،‬فترى الطلبة يغرقون في‬
‫استنساخ الكتب‪ ،‬بعم ليات اختيار ملا سهل لديهم من نصوص‪ ،‬وإلقائها أو‬
‫تقديمها لألستاذ لتقييمها؛ وعلى الرغم من النتائج الضعيفة واملستوى الذي‬
‫نرى عليه طلبتنا من جراء هذه الطريقة في البحث‪ ،‬لم ينتبه أحدنا إلى أن جوهر‬
‫اإلشكال يكمن في جهل الطالب الطريقة العلمية لقراءة كتاب‪ ،‬وإذا كان البحث‬
‫يعكس الطريقة العلمية في التفكير‪ ،‬مثلما أشرنا إلى ذلك آنفا‪ ،‬فإنه يبدو من‬
‫الغرابة بما كان أن نسأل عن عدم قدرة الطالب على عرض كتاب‪ ،‬وال الكيفية‬
‫‪30‬‬
‫املثلى لقراء ته أوال؛ ألن القراءة تفكير وما العرض أو البحث سوى نتيجة ذلك‬
‫التفكير‪.‬‬
‫لقد رأيت من املنطقي أن أعرض أهم مراحل القراءة وما يقابلها من‬
‫تتوج بكتابة بحث‪،‬‬ ‫آليات العرض؛ وإذا ثبت لدينا أن البحث العلمي كله قراءة ّ‬
‫تجسد كل مراحل‬ ‫فهو في نهاية األمر قراءة شاملة نقدية تحليلية مقارنة‪ّ ،‬‬
‫ومستويات القراءة للكتب التي نستخلص منها اإلشكاليات‪ ،‬ونستدل بنصوصها‬
‫على آرائنا‪ ،‬ونق ارن بينها وبين نصوص من كتب أخرى‪ ،‬ونجعل بعض مفاهيمها‬
‫إجراءات لفهم نصوص أخرى‪.‬‬
‫تعقده‪ ،‬وبفضل قدرته ‪ -‬إلى‬ ‫يسعى العقل البشري ‪-‬على الرغم من ّ‬
‫استيعاب األشياء ومنها النصوص املعقدة‪ ،‬بدرجات متفاوتة‪ ،‬وتبعا للمهارات‬
‫ينفذ بها اإلنسان عمليات الفهم واالستيعاب الذهنية‪ ،‬والهدف من القراءة‪.‬‬ ‫التي ّ‬
‫وفي البحث العلمي قد يكون هاجس البحث ذاته هدفا‪ ،‬وذلك يعني أن عقولنا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تظل دوما متوقدة بالتعلم واالكتشاف واكتساب املعرفة‪ ،‬فيصبح التعلم جزءا‬
‫من عملية التفكير‪ ،‬وتصبح أنواع القراءة املختلفة أنماطا من التفكير‪.‬‬
‫فحصية البسيطة‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫الت ّ‬
‫يجسد هذا النوع من القراءة املرحلة‬ ‫‪ - 1‬القراءة‬
‫التعرف على موضوع الكتاب من خالل العالمات البارزة‬ ‫يتم فيها ّ‬ ‫التمهيدية التي ّ‬
‫فيه مثل‪ :‬العنوان واسم املؤلف وفهرس املحتويات واملقدمة والعناوين‬
‫الفرعية والخاتمة وكلمة الناشر‪ .‬وتمكننا هذه العملية من التعرف على هيكل‬
‫الكتاب ومنطقه‪ ،‬من حيث نوعه‪ :‬نظري أو تطبيقي‪ ،‬يعتمد على الوثائق املكتوبة‬
‫ّ‬
‫أو ميداني يتطلب طرقا أخرى في جمع املعلومات‪ ،‬كاملالحظة في امليدان أو‬
‫املقابلة أو بواسطة االستبيان‪ ،‬كما تسمح لنا هذه العملية بأن نستمر في قراءته‬
‫أو نتغاض ى عنه؛ ذلك أن من الكتب ما يكشف للقارئ عن كل ش يء من خالل‬
‫قلب الصفحات وقراءة بعضها أو فقرات منها أو قراءة املقدمة والخاتمة؛ غير‬
‫‪31‬‬
‫تعد هذه الطريقة تهيئة لهم‬ ‫أن األمر مختلف بالنسبة للمبتدئين‪ ،‬الذين ّ‬
‫للمرحلة الثانية من القراءة‪ ،‬ويقابل هذه املرحلة في مستوى العرض أو الكتابة‬
‫عملية التلخيص‪ ،‬ذلك أن القراءة والك تابة بالنسبة للباحث عمليتان‬
‫يحرر بطاقة قراءة للكتاب الذي قرأه‪ ،‬إنما‬ ‫متبادلتان‪ ،‬فإذا ما أراد الباحث أن ّ‬
‫يفعل ذلك من منطلق قراءته للكتاب التي تكون بدورها محددة بحسب‬
‫الطريقة التي كتب بها الكتاب‪ ،‬وعليه؛ ففي هذا املستوى تعد الطريقة‬
‫الوصفية التي تعكس مدى قدرة ال باحث على اإلملام بموضوع الكتاب و ّ‬
‫التعرف‬
‫ّ‬
‫املتمثل في ّ‬
‫التعرف على هيكل‬ ‫عليه‪ ،‬األكثر قدرة على تحقيق الهدف من القراءة و‬
‫الكتاب وموضوعه‪ ،‬وأهم آليات هذه الطريقة التلخيص الذي سنعود إلى‬
‫الحديث عنه فيما بعد‪.‬‬
‫‪ - 2‬القراءة التفحصية االستكشافية‪ :‬والهدف منها هو ّ‬
‫التعرف على كل‬
‫ما جاء في الكتاب من أفكار ومحاولة فهمها وإدراك العالقات فيما بينها‪ ،‬وفي هذا‬
‫املستوى يشرع الباحث في قراءة الكتاب فقرة فقرة‪ ،‬يصاحبها وضع عالمات‬
‫وإشارات تجسد مستوى فهم الباحث بحسب أهمية الفكرة أو غموضها‪ ،‬وهذه‬
‫اإلشارات كثيرة نذكر منها على سبيل املثال‪ :‬وضع خط جانبي عمودي على جانب‬
‫الورقة بقلم الرصاص مقابل فكرة نراها أساسية لنعود إلى تلخيصها أو‬
‫اقتباسها أثناء مرحلة جمع املادة‪ ،‬أو وضع عالمة استفهام بجانب الفقرة التي‬
‫نجد فيها إشكاال لكي نعود إليها مرة أخرى لنستوضحها‪ ،‬وفي هذا املستوى تكون‬
‫القراءة سريعة إلى حد ما‪ ،‬ولكي نكسر ثبات العين على فقرة دون أخرى‬
‫ّ‬ ‫نستعمل السبابة في ّ‬
‫تتبع األسطر‪ ،‬لنتمكن من متابعة القراءة‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن هذا املستوى من القراءة يمكننا من الوقوف على اآلليات املنطقية بين‬
‫الفقرات والجمل‪ ،‬وعلى منهجية ترتيبها عند املؤلف‪ ،‬إن كان تحليليا أو وصفيا‬
‫أو قائما على املقارنة بين النصوص‪ ،‬أو استنتاجيا استدالليا هدفه إيراد النتائج‬
‫‪32‬‬
‫ّ‬ ‫واألجوبة دون أن ّ‬
‫يعرفك على األسئلة التي افترضها‪ .‬وإذا تعلم الطالب أن لكل‬
‫كتاب بنيته الخاصة‪ ،‬وأن لكل مؤلف طريقته في عرض األفكار وتحليلها‪ ،‬فهذا‬
‫يعني أن لكل كتاب طريقته في القراءة التي تالئم طبيعته؛ غير أن الذي يجب أن‬
‫يتعلمه الباحث القارئ من كل الكتب التي يقرأها هو التفكير العلمي‪ ،‬أما املهارة‬
‫األسلوبية أو اللغوية لهذا الكاتب أو ذاك‪ ،‬فال يكون السعي إلى امتالكها إال في‬
‫أحايين قليلة؛ ألن هذا الباحث سوف تكون له‪ ،‬حتما‪ ،‬طريقته وأسلوبه الخاص‬
‫في الكتابة‪ ،‬كم ا ال بد أن نفهم أن " أفضل الكتب هي الكتب التي لها تركيب‬
‫هيكلي مفهوم‪ ،‬على الرغم من أنها تكون عادة أكثر تعقيدا من الكتب السيئة‪،‬‬
‫وتعقيداتها الكبيرة هي أيضا بساطتها الكبيرة؛ ألن أجزاءها متسلسلة بشكل‬
‫توحدا‪ ،‬وهذا واحد من األسباب في أن أفضل الكتب هي أيضا‬ ‫أفضل وأكثر ّ‬
‫األكثر قراءة واألعمال األقل مستوى هي في الحقيقة مزعجة في القراءة"‪.25‬‬

‫‪ - 3‬القراءة التحليلية االستكشافية‪ :‬ليس الفصل بين أنواع القراءات‬


‫ّ‬
‫املتمرس؛ ألنه قد يقوم بهذه العمليات‬ ‫هذه إال نظريا‪ ،‬وخاصة بالنسبة للباحث‬
‫جميعها دفعة واحدة‪ ،‬غير أن الباحث املبتدئ ال بد أن يبدأ باستيعاب هذه‬
‫العمليات وممارستها؛ ألنها من األسس التي تجعله يكتسب التفكير العلمي‪.‬‬
‫يبدأ الباحث بالوقوف عند مقاصد كاتب الكتاب‪ ،‬أي ما يريد إيصاله إلى‬
‫ّ‬
‫التعرف على الكلمات واملفاهيم‬ ‫القارئ‪ ،‬وفي هذه الحالة‪ ،‬ينتقل من مستوى‬
‫لتقبل عروض‬ ‫املفاتيح للموضوع املعالج‪ ،‬إلى م ستوى إدراكها‪ ،‬ويكون ممارسا ّ‬
‫التفحصية التي يكون خاللها في وضع من ّ‬
‫يتلقى هذه‬ ‫ّ‬ ‫الكاتب‪ ،‬على خالف القراءة‬
‫يتحول هو بدوره إلى منتج ملعرفة أخرى ّتتخذ‬
‫ّ‬ ‫العروض‪ ،‬غير أنه ما يلبث أن‬

‫‪ - 25‬كيف تقرأ كتابا ص‪.98- 97‬‬


‫‪33‬‬
‫شكلين أساسيين هما‪ :‬إبداء فهم خاص واستنتاجات يستنبطها من كلمات‬
‫وأفكار الكات ب األساسيـة‪ ،‬أو اعت راضات على عروض الكاتب‪ ،‬و يمكن اعتبار‬
‫تلك العروض تجسيدا لرؤية الكاتب وإنتاجا ملعرفة قد تكون تعبي را عن آراء‬
‫شخصية‪ ،‬فييهئ لها ما أمكن من األدلة من أجل إقناع القارئ بها؛ ولذلك فهذه‬
‫املرحلة هي بمثابة محاورة تحدث بين القارئ وصاحب الكتاب‪ ،‬تقوم بحسب ما‬
‫حدده طه عبد الرحمان على ارتقاء القارئ وهو املعروض عليه إلى درجة من‬
‫يتعاون مع العارض الذي هو صاحب الكتاب في إنشاء معرفة مشتركة‪ ،‬تبدأ‬
‫باالستجابة ملا يقرأ‪ ،‬باعتبارها رد فعل على ما يقرأ‪ ،‬ويراجع أقوال صاحب‬
‫الكتاب بالبحث عن األدلة‪ ،‬وعلى وجاهة ما يقول‪ ،‬في تبناه أو ّ‬
‫يتبنى إبطال أدلته؛‬
‫يقوله ما لم يقل؛ أي عليه أن ّ‬
‫يتعرف‬ ‫ولكن ذلك يقتض ي شروطا‪ ،‬منها‪ :‬أن ال ّ‬
‫على القصد من القول‪ ،‬وهو قصد اإلخبار‪ ،‬ال قصد التأثير‪ ،‬وأن تكون حجته‬
‫معاكسة في قوتها لحجة صاحب النص‪ .26‬فالقارئ عندما ينطلق من الكلمات‬
‫للتعرف على طبيع ة املعرفة التي يريد صاحب الكتاب إيصالها‪ ،‬إنما‬‫ّ‬ ‫إلى الجمل‬
‫يقوم بعملية تفسير وتحليل لتلك العروض وتلك املعرفة‪ ،‬التي تتجلى في فقرة‬
‫يقدمها الكاتب على أنها معطيات‪ ،‬قد تكون‬ ‫تتشكل من مجموعة من الجمل ّ‬ ‫ّ‬
‫أسبابا أو مقدمات لجمل أخرى‪ ،‬هي نفسها نتائج‪ ،‬وهي ما نعبر عنه بآراء الكاتب‬
‫ّ‬
‫أ و عروضه؛ فتكون هذه الطريقة في القراءة تعلما؛ إنه تعلم معرفة جديدة في‬
‫ّ‬
‫الوقت الذي هو تعلم إنتاج معرفة‪ ،‬ويتجلى هذا خاصة في محاولة فهم الجمل‬
‫التي نحتاج إلى قراءتها أكثر من مرة‪ ،‬وخاصة إذا صيغت في شكل تأكيد أو نفي أو‬
‫إصرار من الكاتب على عرض األسباب التي ّأدت به إلى تأكيدها أو نفيها‪ ،‬وفي‬
‫التأكيد أو النفي اعت راض وإنتاج معرفة‪.‬‬

‫‪- 26‬يراجع طه عبد الرحمان‪ ،‬في أصول الحوار وتجديد علم الكالم‪ ،‬ط‪ ، 2‬املركز الثقافي العربي الدار‬
‫البيضاء ‪ -‬بيروت‪ ، 2000 ،‬ص ‪.43- 42‬‬
‫‪34‬‬
‫ّ‬
‫ال بد من اإلشارة إلى أن األفكار والجمل التي تمكن القارئ من إنتاج‬
‫معرفة ليست تلك التي تستهويه أو تؤثر فيه‪ ،‬بل تلك التي يقف لحظة ملساءلتها‬
‫ويجهده فهمها دافعا ّإياه لطرح أسئلة مثل‪ :‬ملاذا؟ كيف؟ أو ماذا يريد أن يقول‬
‫لي الكاتب؟ وما هي حجته‪ ،‬وإذا لم أقتنع فما هي حجتي؟ ففي هذا املستوى فقط‬
‫ويقدم نصا واصفا ‪ metatexte‬للنص‬ ‫يمكن للقارئ الباحث أن ينتج معرفة ّ‬
‫الذي قرأه‪.‬‬
‫ّ‬
‫قد يقول قائل إن القارئ في هذا املستوى‪ ،‬يجب أن تتوفر لديه آليات‬
‫التفكير العلمي التي سبق أن أشرنا إليها‪ ،‬وهنا‪ ،‬قد يبدو األمر صحيحا بالنسبة‬
‫املتمرس‪ ،‬أما الباحث املبتدئ‪ ،‬فيكفي أن يعرف ّأن كل نص أو فكرة‬ ‫ّ‬ ‫للباحث‬
‫قابلة ألن تناقش وتحتاج إلى اعت راض حتى تنشأ عنده القدرة على االعت راض‬
‫مهما كانت املعرفة التي تنتج عن ذلك‪ ،‬والعقل البشري ال يسبق االعت راض على‬
‫الفهم‪ ،‬فإذا ما استطاع القارئ أن يفهم أفكار الكاتب ورؤيته‪ ،‬ال بد أن تنتج‬
‫لديه ردود أفعال سوف لن تكون املتعة أو التسلية؛ ألن األمر ال يتعلق بكتب‬
‫التسلية؛ ولكن تكون بإعطاء أجوبة عن األسئلة التي أوردناها حتى وإن كان‬
‫ّ‬
‫األمر متعلقا بقبول آراء الكاتب؛ فالبحث عن أسباب القبول ذاتها يولد حتما‬
‫االعت راض حتى وإن بدا في شكل تعليق بسيط عن فكرة شائعة بقوله هذا‬
‫معروف أو بديهي‪.‬‬
‫نالحظ أن القراءة التحليلية االستكشافية التي تقوم على فهم أفكار‬
‫الكاتب من خالل‪ :‬فهم كلماته وجمله وفقراته ومحاولة إنتاج معرفة‪ ،‬ستؤدي‬
‫حتما إلى استنبا ط حكم على صاحب الكتاب‪ ،‬ومهما كانت طبيعة وصف هذا‬
‫الحكم‪ ،‬كأن نقول‪ :‬مثال‪ ،‬إنه أصاب أو أخطأ أو أتى بجديد أو لم يفعل ش ئ أو‬
‫ّ‬
‫فشل في اإلجابة عن أسئلة طرحها‪ ،‬فكلها تمكن القارئ بالضرورة من إيجاد‬
‫ّ‬
‫الحلول ملا لم يتمكن منه الكاتب أو تقويم طريقته في العرض فيقول مثال‪ :‬لو‬
‫‪35‬‬
‫ّ‬
‫كانت بشكل مغاير لوصلت إلى نتائج مغايرة‪ ،‬وفي هذا املستوى يكون قد تعلم‬
‫ّ‬
‫أشياء عديدة وتعله مستعدا ملستوى أعلى من القراءة وهي القراءة النقدية التي‬
‫السجالية بين القارئ وصاحب النص نقدا ونقضا‬ ‫تنش ئ نوعا من العالقات ّ‬
‫دفاعا أو غلبة‪ ،‬تجسيدا ملبدأ املغايرة واالختالف الذي ليس عداء أو تعديا‪.‬‬
‫‪ - 4‬القراءة النقدية‪ :‬في هذا املستوى‪ ،‬يكون القارئ في نفس مرتبة الكاتب‪،‬‬
‫ويكون نقد القارئ عبارة عن ردود أفعال على فكرة فهمها بطريقة ّ‬
‫معينة في بداية‬
‫ضحت لديه بعد قراءة الحقة‪ ،‬وقد يجد‬ ‫الكتاب ليجد نفسه أساء فهمها أو ّات ّ‬
‫ّ‬
‫القارئ في نهاية ا لكتاب نفسه قد تراجع على كثير من اعت راضاته‪ ،‬وتأكدت لديه‬
‫ومتقبال بعض عروض‬ ‫ّ‬ ‫أخرى أكثر من غيرها‪ ،‬وفي هذه الحالة يجد نفسه ّ‬
‫مؤيدا‬
‫الكاتب أو معارضا بعضها اآلخر بإثبات أدلة معينة‪ ،‬وفي كلتا الحالتين‪ ،‬سوف‬
‫تصبح أفكار كاتب ما أو نصوصه‪ ،‬إما وسائل للتدليل على آراء يتفق فيها مع هذا‬
‫الكاتب ويختلف فيها مع آخرين‪ ،‬وفي هذه الحالة تصبح حججا لدحض أفكار أخرى‬
‫ومناقشتها‪ - ،‬وهذا في حالة رفض عروض الكاتب وأفكاره – أو تصبح موضوعا‬
‫للنقد وللتدليل بها على صحة بعض األفكار أو خطئها (ومقياس الخطأ والصواب‬
‫هنا نسبي‪ ،‬ألنه ال وجود لحقيقة ثابتة في العلوم اإلنسانية) وهنا تتحول القراءة إلى‬
‫تفاعل وحوار قد يصل حد املناظرة التي تقوم على "التعارض والتحاج‪ "27‬فيمارس‬
‫آليات من "سبل تشقيق الكالم ‪ ...‬وتوليد النص‪ ،‬هذه اآلفاق التي ينتقل فيها الغير‬
‫من أقوال لغيره يوردها على لسانه هو‪ ،‬ليستنتج منها أقواال أخرى ينس بها لنفسه"‪28‬‬

‫فيحدث التفاعل اإليجابي بين القارئ والكاتب؛ إن هذا التحاور ال تتحقق إيجابيته‬
‫إال بتساوي حق القارئ مع حق الكاتب في تكوين النص وإنشاء معرفة‪ ،‬ال بد للقارئ‬
‫أن ّ‬
‫يتحول بها إلى كاتب جيد أثناء عملية التحرير‪.‬‬

‫‪- 27‬طه عبد الرحمان‪ ،‬أصول الحوار ص ‪.55‬‬


‫‪ - 28‬أصول الحوار‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪36‬‬
‫إن الكتاب الجيد والقارئ الجيد ينتجان حالة من الحوار الفعال‪ ،‬وال بد‬
‫نوضح أن القارئ الجيد ال يعني أن يكون في مستوى الكاتب‪ ،‬فقد نكون قراء‬ ‫أن ّ‬
‫جيدين لبورس أو هيدغر أو فوكو أو أدونيس أو الجرجاني أو القرطاجني أو‬ ‫ّ‬
‫حتى املتصوفة دون أن نكون بالضرورة في نفس مستواهم؛ ولكن الذي نقصده‬
‫ّ‬
‫بالقراءة الجيدة القدرة على فهم هؤالء والتعلم منهم‪ ،‬ثم أن نثبت ذلك لهم بأن‬
‫جيدين‪ ،‬فألنهم‬ ‫نتفاعل معهم‪ ،‬فنناقشهم وننتقدهم‪ ،‬وإذا كان هؤالء الكتاب ّ‬
‫جيدون بتفكيرهم العلمي‪ ،‬فقواعد التفكير العلمي التي أسست للكتابة‬ ‫قراء ّ‬
‫جيدين‪ ،‬وبها يمكن ألي قارئ أن يكون‬ ‫الجيدة‪ ،‬هي نفسها التي كانوا بها قراء ّ‬ ‫ّ‬
‫الجيدة التي مكنت غيري من التأثير في سلوكه وجعلته ّيتخذ‬ ‫كذلك؛ فالقراءة ّ‬
‫جيدا وباحثا‬‫جيدا‪ ،‬واستطاع بها أن يكون قارئا ّ‬ ‫مواقف هي التي جعلته كاتبا ّ‬
‫جيدا كذلك‪.‬‬ ‫ّ‬
‫التفحصية والتحليلية‪ ،‬قد اتبعنا قواعد منطقية‬ ‫ّ‬ ‫وإذا كنا في القراءة‬
‫التعرف واالس تكشاف‪ ،‬فإن هذه املرحلة من القراءة‬ ‫علمية للفهم والوصف و ّ‬
‫ّ‬
‫تستند بالدرجة األولى إلى الحجاج كأرقى ما وصل إله املنطق وما يتسم به الفكر‬
‫العلمي السليم؛ ولذلك فالقراءة النقدية ال يمكن أن يشرع فيها إال إذا أجاب‬
‫القارئ على األسئلة التالية‪:‬‬
‫‪- 1‬هل فهمت؟ وعليه أن ّ‬
‫يتردد قليال قبل اإلجابة بأ نني فهمت أو لم أفهم‪.‬‬
‫وسواء كانت اإلجابة بالنفي أو باإلثبات‪ ،‬يجب أن يسأل نفسه إذا كان قد قرأ‬
‫الكتاب ّكله؛ ألن عملية انتقاء فصل أو اثنين بحجة‪ّ ،‬‬
‫يعبر عنها بقوله‪:‬هذا ما يهمني‬
‫من الكتاب‪ ،‬يجعل من الصعوبة إقرار الفهم من عدمه‪.‬‬
‫‪ - 2‬هل عدم فهمي‪ ،‬مثال‪ ،‬يستدعي ضرورة قراءة كتاب آخر لنفس املؤلف‬
‫فقد تكون اإلجابة عن األسئلة واإلشكالية موجودة فيه‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ - 3‬هل هدفي من النقد هو أن أخالف الكاتب‪ ،‬أم أن هناك‪ ،‬فعال‪ ،‬ما‬
‫يستدعي النقد واملخالفة؟ وهل أضيف شيئا إلى ما قاله الكاتب ؟‬
‫‪ - 4‬هل أملك األدلة الكافية لنقد الكتاب واآلليات الكافية لتوظيفها؟‬
‫ّ‬
‫إن اإلجابة عن هذه األسئلة‪ ،‬سوف تمكن الباحث من محاورة الكتاب‬
‫بقوانين حللها طه عبد الرحمان في حديثة عن القوانين التبليغية والتهذيبة‬
‫لخصناها في الحديث عن مرحلة قراءة املادة‪ ،‬بالكفاءة‬ ‫للخطاب‪ ،‬والتي ّ‬
‫التخاطبية‪ ،‬مثلما سنرى في حديثنا عن قراءة النصوص‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫املستوى اإلشكالي للبحث‬

‫‪ - I‬اختيار املوضوع ‪choisir un sujet‬‬


‫تعد عملية اختيار املوضوع املرحلة األساسية في البحث‪ّ ،‬‬
‫تفعلها قدرة‬
‫الباحث على املواصلة والوصول إلى نتائج جيدة‪ ،‬أو التعثر واإلخفاق؛ فاالختيار‬
‫توجه فكر الطالب نحو املصادر التي يستقي منها موضوعه؛ أولها‪:‬‬ ‫عملية ذهنية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتكون من قراءاته‪ ،‬ومما تعلمه في مسيرته الدراسية‪ ،‬من‬ ‫رصيده املعرفي‬
‫مالحظاته واستفساراته‪ ،‬اعت راضاته أو رضاه؛ لذلك يفضل إذا كان الطالب‬
‫محدود املعرفة أن يلجأ إلى أحد مصادر األدب واللغة العامة القديمة والحديثة‬
‫ّ‬
‫ليكون فكرة عامة عن املجال املراد البحث فيه‪.‬‬

‫هل الطالب بحاجة إلى من يساعده في اختيار املوضوع؟‬


‫إن قراءات الباحث وخلفيته املعرفية هي أول مساعد له‪ ،‬غير أن اإلنسان‬
‫يوجهه ويأخذ بوجهة نظره مهما بلغ من العلم‪ ،‬فالنفس في‬‫بحاجة دائما إلى من ّ‬
‫العلم تقنع بالقليل‪ ،‬والفكر قد يثبت عند قضية ما تستهويه‪ ،‬فال يحيد عنها‪.‬‬
‫ليوجهه نحو مجال‬‫ال بد أن يلجأ الطالب املبتدئ إلى األستاذ املشرف ّ‬
‫حدد املوضوع‪ ،‬وقد تفيده‬‫معين يطالع فيه حتى إذا تبلورت في ذهنه إشكالية ما‪ّ ,‬‬
‫ّ‬
‫‪39‬‬
‫وتنوعها تسهم في توضيح األفكار‪،‬‬‫مناقشته أصدقاءه أو أساتذته؛ ألن كثرة اآلراء ّ‬
‫حيرته‪ ،‬أو سؤال قد‬ ‫تتبين له بداهة فكرة استهوته‪ ،‬أو ضعف إشكالية ّ‬ ‫فقد ّ‬
‫ّ‬
‫أجيب عنه ولم يطلع على مصدره‪.‬‬
‫ّ‬
‫يتسرع الباحث في‬ ‫ّإن أكثر البحوث اشتماال على املخاطرة؛ هي تلك التي‬
‫التسجيل فيها بدافع الحماس والطموح املبالغ فيه الذي يقترن في أحيان كثيرة‬
‫باعتداد بالنفس‪ ،‬أو إفراط في التسرع؛ ولكي ال يقع في هذه املخاطرة‪ ،‬عليه أن‬
‫يسير وفق منهجية ّ‬
‫معينة في اختيار املوضوع‪.‬‬
‫يبدأ الباحث بتحديد املجال الذي يرغب أن يبحث فيه‪ ،‬بحسب الرغبة‬
‫يحدد الظاهرة املراد مناقشتها واإلحاطة بها‪ ،‬وبعد ذلك يصوغ‬ ‫الفعلية فيه‪ ،‬ثم ّ‬
‫اإلشكالية أي‪ :‬ما يثير التساؤل في الظاهرة‪ ،‬وما يقتض ي اإلجابة عنه‪ ،‬ثم يضع‬
‫افت راضات لإلجابة عن األسئلة بالسعي إلى إثباتها أو دحضها‪.‬‬
‫إن ذلك كله ينبغي أن يكون مرتبطا بالهدف من البحث‪ ،‬على الرغم من‬
‫أن للبحث أهدافا كثيرة يجب أن يضعها الباحث نصب عينيه وبحسب األولوية‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬يجب أن يعرف أي باحث أن كتابة بحث هي منبع إرضاء معرفي عميق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ينمي الفضول املعرفي ّ‬ ‫ّ‬
‫ويحفزه‪ ،‬إلى جانب كونه ضرورة عملية تمكن الباحث من‬
‫الحصول على شهادة عليا تسمح له بأن تكون له مكانة ّ‬
‫مهمة في املجتمع‪.‬‬
‫يمكن الباحث من توجيه ذهن الباحث نحو عدة أمور‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬إن البحث نشاط‬
‫منها‪:‬‬
‫تكون ظاهرة ما أو‬ ‫‪ -‬القدرة على حصر إشكالية ما يراها ضرورية في ّ‬
‫تطويرها أو تهميش ظاهرة أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬إعطاء مواقف وأفكارا شخصية من خالل تخمين إجابات الفت راضات‬
‫تثيرها اإلشكالية وتنظيمها وفق آليات منهجية معينة‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫‪ -‬االكتشاف والتعرف على آراء وأفكار اآلخرين من خالل املراجع التي‬
‫ّ‬
‫يتمكن من جمعها وقراءتها‪ ،‬وبالتالي اكتساب معلومات ومعارف إضافية تسهم‬
‫في تكوين شخصيته والرفع من مستواه‪.‬‬
‫إن معرفة هذه األمور نظريا‪ ،‬ال يفيد الباحث في ش يء ما لم يمارسها‪،‬‬
‫ويحرص على االستفادة من كيفية توظيفها من أجل اختيار موضوع بحث‬
‫للتخطيط و ّ‬ ‫تتوفر فيه الشروط األكاديمية الال مة؛ ولذلك هناك أدوات ّ‬ ‫ّ‬
‫التفكير‬ ‫ز‬
‫من أجل الوصول إلى الهدف املرجو من اختيار املوضوع‪ ،‬وأهمها‪ :‬وضع أسئلة‬
‫اإلشكالية‪ ،‬وصياغة الفرضيات‪ ،‬وتحويل املعطيات إلى موضوع إشكالي‪.‬‬
‫ّ‬
‫كثي را ما يقال يجب توفر إشكالية للبحث‪ ،‬وعادة ما تناقش قضية خلو‬
‫البحث من إشكالية‪ ،‬دون أن تعطى األهمية إلى كيفية صياغتها وكيف تكون‬
‫األسئلة هي األداة األساسية للتفكير وزيادة ّ‬
‫التحصيل العلمي‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن تعثر الباحثين املبتدئين في صياغة أسئلة‪ ،‬يعود بالدرجة األولى إلى‬
‫ّ‬
‫الطريقة التي تعلموا بها‪ .‬فما زلنا نلقن الطلبة‪ ،‬ونستبعد الطريقة الحوارية‪.‬‬
‫ّ‬
‫مازال األساتذة في مستوى التعليم العالي يطرحون على الطلبة أسئلة التذكر‬
‫لترجع إليهم بضاعتهم‪.‬‬
‫وتشير نتائج الطلبة وطبيعة البحوث املقدمة أن عددا كبي را من األساتذة‬
‫يطورون أسئلتهم‪ ،‬وال يدركون أنها تلعب دورا كبي را في تحصيلهم العلمي أكثر‬‫ال ّ‬
‫يفرقون بين‬‫يقدمونها لهم‪ ،‬كما أن الطلبة أنفسهم‪ ،‬ال ّ‬ ‫من املعلومات التي ّ‬
‫مختلف أنماط األسئلة وكيفية استخدامها إال من حيث الحكم عليها بالسهولة‬
‫ّ‬
‫أو الصعوبة؛ فإذا كانت أسئلة توطد معلومات األستاذ أو تراجعها؛ فهي سهلة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وإذا كانت أسئلة غير مباشرة تباعدية تتطلب التفكير واإلبداع واالختالف‬
‫باتخاذ موقف أو حكم؛ فهي من الصعب العسير؛ لذلك يبدو طبيعيا أن يحتار‬
‫الطلبة في مستوى الدراسات العليا في اختيار موضوع للدراسة‪ ،‬ولذلك يبدو من‬
‫‪41‬‬
‫املهم الحديث عن كيفية الوصول إلى وضع أسئلة؛ ّ‬
‫ألن أي إشكالية ال بد أن‬
‫ّ‬
‫تتشكل منها وأن موضوعا بدون إشكالية محكوم على صاحبه بالفشل‪.‬‬
‫ما معنى السؤال؟‬
‫يعرف السؤال عادة بأنه‪ :‬جملة استفهامية تحتاج إلى جواب‪ ،‬أو هو‬ ‫ّ‬
‫معينة من حيث‪:‬‬‫محاولة الحصول على معلومة بالبحث في معطيات ظاهرة ّ‬
‫وتطورها‪ ،‬نتائجها أو عالقاتها بظواهر أخرى في مجال‬ ‫ّ‬ ‫خصائصها‪ّ ،‬‬
‫تحولها‪،‬‬
‫ّ‬
‫آخر‪ ،‬وغير ذلك من األهداف؛ ولذلك‪ ،‬عادة ما تشكل أسئلة إشكالية ما‪ ،‬من‬
‫ّ‬
‫أجل أهداف تتمثل في ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬اكتشاف ما هو مجهول‪.‬‬
‫‪ -‬تشخيص معرفة سابقة بطريقة مغايرة‪.‬‬
‫‪ -‬تقديم تطبيق على مسألة نظرية‪.‬‬
‫‪ -‬تفسير بعض الظواهر أو تطوير املفاهيم‪.‬‬
‫‪ -‬كشف العالقات املوجود ة بين الظواهر وأسبابها‪.‬‬
‫التعمق في فهم معطيات أو قضية ّ‬
‫معينة‪.‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬ترسيخ عالقة سبب بنتيجة نعرفها أو العكس‪.‬‬
‫‪ -‬تشخيص صعوبة فكرة ما‪ ،‬واقت راح حلول‪.‬‬
‫‪ -‬استثمار منهج ما في دراسة ظاهرة معروفة‪.‬‬
‫‪ -‬تنمية القدرة على التفكير وتطوير التقدير‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬التمكن من التعبير عن قضايا مختلفة‪.‬‬
‫إن معرفة هذه األهداف هو جزء من امتالك القدرة على صياغة‬
‫ّ‬
‫األسئلة‪ ،‬والتمكن من تكوين مواقف إيجابية؛ لذلك ال بد أن يطرح الطلبة‬
‫الباحثون على أنفسهم مثل هذه األسئلة‪ ،‬كما قد يسهم األستاذ املشرف في‬
‫اختبار قدرة الطالب على اكتساب مهارة صياغة السؤال من خالل طرحه أسئلة‬
‫‪42‬‬
‫عليه عندما يستشيره في موضوع البحث‪ ،‬ويكون الهدف منها هو التعرف على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫توجهات الطالب املعرفية والعلمية واملنهجية‪ ،‬وربطها بمدى توفر الرغبة وإرادة‬
‫معين‪ ،‬ومحاولة استغالل هذه القدرات العلمية واملنهجية‬ ‫البحث في موضوع ّ‬
‫والنفسية في توجيهه نحو ظاهرة معي نة تستحق الدراسة‪ ،‬أو تلفت انتباهه إلى‬
‫ّ‬
‫ظاهرة يعتقد أنها من املسلمات‪ ،‬في حين‪ ،‬هي تثير أسئلة إشكالية‪ ،‬كما قد‬
‫يصرفه عن أمور يعتقد ‪-‬ملحدودية تجربته ‪ -‬أن البحث يصلح فيها‪ ،‬وهي أمور قد‬
‫حسم األمر فيها‪ ،‬ال تضيف إلى البحث العلمي جديدا‪.‬‬
‫هناك طرق مختلفة الختبار الطالب‪ ،‬وأفضلها ما كان فيها مطالبا بتنفيذ‬
‫االختبار‪ ،‬وخاصة من خالل أسئلة االمتحان التي تطرح على طلبة السنة‬
‫التحضيرية من املاجستير‪ ،‬ملعرفة قدرتهم على صياغة إشكالية بحث انطالقا‬
‫معينة‪ ،‬وهذا ما قمت به مع طلبة شعبة السيميائيات لسنة‬ ‫من معطيات ّ‬
‫‪ 2004- 2003‬بجامعة تيزي وزو‪- ،‬ارتأيت أن أعرضها في هذا السياق ‪ -‬وكان‬
‫السؤال عبارة عن معطيات معروفة يحاول الطالب انطالقا منها أن يصوغ‬
‫تلقاه من‬‫إشكالية‪ ،‬وأن يقترح خطة أولية ملشروع بحث علمي في ضوء ما ّ‬
‫اتجاهات سيميائية (الداللة والتواصل والثقافة) سأعرضه مع إجابة طالب‬
‫وطالبة‪.‬‬

‫املعطيات‪ :‬لقد كان النص القرآني وما يزال‪ ،‬هو الحدث األكبر في اإلسالم‪،‬‬
‫وال نظن أنه يوجد في الحضارة اإلسالمية من النصوص ما استقطب االهتمام‬
‫كالذي ناله النص القرآني؛ فلقد كان في العصر اإلسالمي األول موضع تأثير ّ‬
‫يشد‬
‫اآلذان ويبهر القلوب‪ ،‬وبغياب الرسول‪ ،‬عليه الصالة والسالم‪ ،‬اختلف علماء‬
‫اإلسالم في استكناه معانيه وتأويلها‪ .‬ففي حين انطلق علماء اإلعجاز من اعتباره‬
‫نسقا لغويا‪ ،‬بيان إعجازه في بالغته‪ ،‬نظر إليه املتصوفة باعتباره نسقا رمزيا‪،‬‬
‫‪43‬‬
‫باطنه أولى من ظاهره‪ ،‬وتجاوز أمره إلى العامة التي أضفت عليه طابعا تقديسيا‪،‬‬
‫جعل منه تعويذة تكرر أو حرزا يتداوى به‪ ،‬يبطل السحر ويبعد األذى عن‬
‫الصغار والكبار‪ ،‬وانتقل الحفظ في الصدور إلى الحفظ على الصدور في تميمة‬
‫ّ‬
‫تعلق على صدر طفل أو توضع تحت وسادة مريض‪.‬وملا ازدهرت الحضارة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وظف النص القرآني على املنابر واملحاريب‪ ،‬وفي واجهات القصور‬
‫وعد موضوعا جماليا ّ‬
‫يجسد في رسم‬ ‫وتزينت به النساء في هيئة عقد‪ّ ،‬‬‫واملدائن‪ّ ،‬‬
‫على ورق أو ينحت في الصخور والخشب‪ ،‬وصبغ بالذهب وزين بالجواهر والدرر‪،‬‬
‫حمال معان‪.‬‬‫ولم يخرج النص القرآني عن كونه قوال ّ‬
‫إن نزول القرآن بلسان عربي‪ ،‬جعل اللغة العربية تخلد به وتالزمه‪ ،‬حتى‬
‫أن الثقافة العامل ية‪ ،‬جعلت للفن الذي يوظف فيه الخط العربي اسم‬
‫"األرابيسك"‪ ،‬نسبة إلى العربية‪ ،‬وبقدر ما كان املسلمون يبتعدون عن القرآن‬
‫قراءة وتالوة وذكرا‪ ،‬كان يقترب هو منهم من خالل إطار ّ‬
‫يزينون به منازلهم‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫حلي تتحلى بها نساؤهم‪ ،‬أو مجلد في رفوف مكتباتهم‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال‪ :‬من هذه املعطيات‪ ،‬صغ إشكالية بحث في ضوء االتجاهات‬
‫ّ‬
‫وتصورا لخطة بحث أولية؟‬ ‫السيميائية املدروسة وضع عنوانا‬
‫‪ -‬اإلجابة‪:‬‬
‫حبي والطالب حسين‬ ‫إجابة مركبة مما جاء في إجابة الطالبة حكيمة ّ‬
‫خالفي‪:‬‬
‫القرآن كتاب هللا املعجز‪ ،‬يحمل بداخله ما ال يستطيع بشر أن يأتي‬
‫بمثله‪ ،‬ولقد تناوله الدارسون من مختلف النواحي وبمناهج مختلفة‪ .‬وانطالقا‬
‫من النص الذي بين أيدينا تبلورت لدينا عدة أسئلة ارتبطت بمختلف الدالالت‬
‫التي حمل بها النص القرآني‪ ،‬وبمختلف التأويالت التي ارتبطت به‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫لعل أول سؤال يطرح هو‪ :‬ما طبيعة العالقة املوجودة بين النص القرآني‬
‫باعتباره كالما واستعماالته املختلفة في الثقافة اإلسالمية؟ كيف حدث هذا‬
‫التحول وكيف حدث الخرق؛ أي االنتقال من كونه خطابا دينيا مقدسا‪ ،‬هدفه‬ ‫ّ‬
‫تقويم حياة البشر إلى توظيفه في مجاالت أخرى من الحياة‪ ،‬اكتسب من خاللها‬
‫معاني أخرى ودالالت جديدة ؟ ما داللة استعماله كتعويذات وارتباطه بطالسم‬
‫في السحر والشعوذة؟ ما داللة كل هذه العالمات واألنساق التي أنتجتها الثقافة‬
‫الشعبية؟ ملاذا نحتت آيات القرآن في املباني واملساجد وكتبت بماء الذهب‬
‫وزينت بالجواهر والدرر؟ هل أن قداسة القرآن هي التي ر ّسخت النص القرآني‬
‫في أذهان العامة أم هي طبيعة تحول األنساق واألنظمة الداللية في‬
‫املجتمعات؟‪ ،‬ما مقدار تواجد القرآن في املجتمع وبالخصوص آية الكرس ي؟‬
‫لقد ثبت أن القرآن هو نظام من العالمات‪ ،‬حاول العلماء وصفها‬
‫ّ‬
‫وتحليلها ورصد تحولها في مجاالت الحياة املختلفة‪ ،‬وكيفية ممارستها في شكل‬
‫طقوس مختلفة‪ ،‬فما داللة هذه العالمات‪ ،‬وبشكل أدق كيف انتقلت داللة‬
‫القرآن من كونه نظاما لغويا إلى نظام غير لغوي؟ هل هذه النقلة من االهتمام‬
‫بالقرآن الكريم من قراءته ومعرفة معانيه إلى تجسيده كتابة وخطا ومعتقدا‪،‬‬
‫تعبر عن استنفاذ ملعاني النص ودالالته‪ ،‬وبالتالي االنتقال إلى تجسيده وجعله‬
‫جزء ا من املحيط والثقافة؟ أم هو مجرد تعميم وإحاطة بالثقافة الدينية؟‬
‫إن هذه األسئلة يمكن أن نصوغ منها إشكالية البحث‪ ،‬وندرسها في ضوء‬
‫املنهج السيميائي‪ ،‬ولعل أهم اتجاه يساعدنا في اإلجابة على هذه األسئلة هو‬
‫اتجاه سيميولوجيا الداللة والثقافة‪ ،‬حيث يمكننا تبني االتجاهين من رصد‬
‫كيفيات استعمال النص القرآني في املجتمع وفي الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ومن خالل‬
‫ممارساته الطقوسية له من طرف العامة‪ ،‬ثم داللة كل ذلك‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ال بد في هذا املجال أن نعود إلى داللة رسم اآليات القرآنية في املساجد‬
‫والبنايات وتاريخ التوظيف وأسبابه‪ ،‬وذلك باالعتماد على مفهوم املوسوعة‬
‫ألمبرتو إيكو‪ ،‬مثال‪ ،‬وكيف تساهم في فهم وتأويل األنظمة والعالمات‪ ،‬كما يمكن‬
‫االستفادة من سيميولوجيا الصورة البصرية بالنظر إلى النص القرآني كفعل‬
‫فني يصوغ جمالية الخط العربي وتنوعه بتنوع األقطار‪ ،‬فنجد الخط املغربي‬
‫والفارس ي والكوفي والرقعي وغيرها من الخطوط التي تحيل على تميز خاص‬
‫داخل إطار ثقافي عام مبرزة التنوع الجمالي‪ ،‬بمزاوجة هذا الفن بفن العمران‬
‫وهو نسق دال مختلف‪ ،‬كل هذا يمكننا تناوله في إطار نظرية العالمة عند ش‪.‬‬
‫س‪ .‬بورس‪ ،‬الذي نجد في نظريته مجاال معرفيا خصبا يمكن اعتماده في دراسة‬
‫النص باعتباره نسقا عالميا له ممثالته وموضوعاته ومؤوالته املختلفة‪،‬‬
‫وباعتباره رموزا لحضارة ومؤشرات على تحوالت ثقافية وإيقونات ملجتمع‪،‬‬
‫وعليه‪ ،‬يمكن أن يصاغ البحث في عنوان" النص القرآني من القراءة إلى‬
‫الصورة ‪ -‬دراسة سيميو ثقافية" أو "سيرورة تأويل النص القرآني"‪ ،‬حيث يتم‬
‫تقص ي ا ملسار التأويلي الذي رافق النص القرآني‪.‬‬
‫هذه خالصة إجابة الطالب والطالبة املذكورين ‪-‬أعدت صياغة بعض‬
‫عباراتها‪ .‬لعل عدم ذكر الخطة فيها راجع إلى أن اإلجابتين حصرتا الخطة في‬
‫محورين عامين هما‪ :‬النص القرآني باعتباره نسقا لغويا‪ ،‬والنص القرآني‬
‫باعتباره ممارسة جمالية؛ مما يعني أن الطالب في هذا املستوى من البحث ومع‬
‫قدمت له‪ ،‬ال يمكن أن ّ‬
‫يقدم إال محاور عامة؛ ألن الخطة تبدأ في‬ ‫املعطيات التي ّ‬
‫ّ‬
‫التشكل مع مرحلة جمع املادة‪.‬‬
‫أما بالنسبة لصياغة إشكالية البحث‪ ،‬فواضح هنا استثمار الطالب‬
‫والطالبة معرفتهما في السيميائيات‪ ،‬وواضح أيضا كيف ساهمت هذه املعرفة في‬
‫بلورة أسئلة هي من صميم االتجاهات السيميائية‪ ،‬والدور الذي لعبته املعطيات‬
‫‪46‬‬
‫املذكورة ‪-‬وهي من املسلمات بالنسبة لهما ‪-‬في صياغة أسئلة اإلشكالية‪ ،‬وهي أسئلة‬
‫مقبولة إلى حد كبير بالنسبة لطالب في السنة التحضيرية كانت أول امتحان له‪.‬‬
‫كيف تصوغ أ سئلة فعالة إلشكالية قائمة على مواصفات علمية؟‬
‫‪ -‬أعط لنفسك الوقت الكافي لصياغة أسئلة‪ ،‬والوقت الكافي ليس محددا‬
‫بالزمان بقدر ما هو محدد بالطريقة‪.‬‬
‫‪ -‬تحاش األسئلة التي تتطلب اإلجابة املباشرة ب نعم أو ال؛ ألنها لن تفيد‬
‫كثي را‪.‬‬
‫تولد السؤال من السؤال؛ ألن هذه الطريقة تجعلك ّ‬ ‫ّ‬
‫تتعمق في‬ ‫‪ -‬حاول أن‬
‫ّ‬
‫للتوصل إلى اإلشكالية التي تستحق الدراسة‪.‬‬ ‫الظاهرة املدروسة‬
‫‪ -‬اطرح أنواعا مختلفة من األسئلة منها ما هو مرتبط باملنهج ومنها ما هو‬
‫مرتبط بالنص‪ ،‬ومنها ما هو مرتبط بصاحب النص‪ ،‬وأخرى بالتاريخ‪ ،‬فقد تجد‬
‫إحداها أهم من األخرى عند اختبارها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫كون األسئلة التي تمكن من صياغة األشكال والنماذج‪ ،‬أي األسئلة التي‬
‫تركز على العالقات‪.‬‬
‫‪ -‬صغ أسئلة جديدة وطريفة ومدهشة قائمة على اإلمكان‪ :‬ماذا ينتج عن‬
‫التخيل‪ :‬ما الذي يمكن وكيف يمكن وملاذا‬ ‫هذا؟ واالحتمال‪ :‬ماذا سيحصل؟ و ّ‬
‫يمكن أن؟‬
‫‪ -‬صغ أسئلة افت راضية بأجوبة تخمينية‪.‬‬
‫‪ -‬صغ أسئلتك بلغة وأسلوب واضحين للتأكد من أنها أسئلة فعالة‪.‬‬
‫‪ -‬تأكد أال تكون بعض أسئلتك خاطئة‪.‬‬
‫ما هي الفرضية وكيف تصاغ؟‬
‫إن نجاح الباحث في وضع أسئلة هو الوجه اآلخر لصياغة الفرضية‪،‬‬
‫ودليل على أهميتها في الوقت نفسه ووضوح الهدف من البحث‪ ،‬وعندما ّ‬
‫يتم‬
‫‪47‬‬
‫ل لباحث كل هذا‪ ،‬يكون قادرا على استنباط املفاهيم التي ّ‬
‫يتم تحليلها‪ ،‬والتي‬
‫ّ‬
‫تشكل في الحقيقة جوهر اإلشكالية العلمية للبحث‪ ,‬وبمجرد ما يصوغ الباحث‬
‫مفاهيمه يكون أمام ما يسمى بالفرضية التي هي اإلجابة املقترحة ألسئلة‬
‫البحث‪ ، 29‬التي تقتض ي التنبؤ بإجابة تقوم على إيجاد عالقة منطقية بين رأيين‬
‫ّ‬
‫التحقق منها‪ .‬وإذا كانت القضية قائمة‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬على‬ ‫أو عنصرين أو أكثر ثم‬
‫األسئلة فهذا ال يعني‪ ،‬أن التنبؤ باإلجابة ال بد أن يحدث في البداية‪ ،‬فكثي را ما‬
‫يؤدي ذلك إلى تأكيد‬ ‫تتحقق الفرضية بعد إدراك العالقة بين العناصر‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ّ‬
‫الفرضية إذا كا نت اإلجابات موضوعية غير نابعة من رأي شخص ي ذاتي مثال‪ ،‬أو‬
‫إلى نفيها‪ .‬أما إذا كان الباحث ال يمتلك الوسائل الكافية واملعطيات التي تسهم في‬
‫ّ‬
‫تأكيدها‪ ،‬فإن أسئلته ال تقوم على مفاهيم تتعلق بالظاهرة املدروسة وال على‬
‫العالقات بين أجزائها‪.‬‬
‫الفعالة واف ت راض إجابة من شأنه أن يوصل الباحث إلى‬ ‫إن طرح األسئلة ّ‬
‫إيجاد عالقات بين عناصر الظاهرة‪ ،‬بحيث يكون كل عنصر سببا آلخر‪ ,‬وهو ما‬
‫يجعل الهدف من البحث واضحا‪ ,‬قابال للفهم والتأويل‪ ،‬فيمنح فرصة للحوار‬
‫توصل إلى صياغة‬ ‫الفعال والتفكير املخصب‪ ،‬وبهذه الطريقة‪ ،‬يكون الطالب قد ّ‬
‫إشكالية علمية تؤهله الختيار موضوع بحث‪.‬‬
‫محاذير حول توجيه األستاذ املشرف‪:‬‬
‫في هذا املستوى هناك محاذير ّ‬
‫توجه إلى األساتذة املشرفين‪ ،‬وهي‪ :‬أال‬
‫تخصصهم ّ‬
‫وتوجهاتهم دون اختبار هذا التوجيه‪ ،‬مثلما‬ ‫ّ‬ ‫يوجهوا الطلبة بحسب‬ ‫ّ‬
‫وضحنا سابقا‪ .‬وإذا ما حدث أن اقترح األستاذ على الطالب موضوعا بحسب‬ ‫ّ‬

‫‪ - 29‬يراجع موريس أنجرس‪ ،‬منهجية البحث العلمي في العلوم اإلنسانية‪ ،‬تدريبات عملية‪ ،‬ترجمة‪ :‬بوزيد‬
‫صحراوي‪ ،‬كمال بوشرف‪ ،‬سعيد سبعون‪ ،‬مراجعة مصطفى ماض ي‪ ،‬دار القصبة‪ ،2004 ،‬الجزائر ص‬
‫‪151‬‬
‫‪48‬‬
‫توجهه هو‪ ،‬ووجد ارتياحا لدى الطالب واستوعب املوضوع بسرعة ووضع‬ ‫ّ‬
‫توجه الطالب منذ البداية لكن أعوزته‬ ‫أسئلة اإلشكالية‪ ،‬فهذا يعني أنه كان ّ‬
‫الطريقة وحالت قلة التجربة دون تحديد وضعه وتوضيح قصده‪ ،‬أو أعوزته‬
‫اللغة في التعبير عنه‪.‬‬
‫ما عالقة األسئلة باملنهج املختار؟‬
‫ال بد من اإلشارة إلى قضية أساسية في صياغة األسئلة بالنسبة للباحث‪،‬‬
‫وهي‪ :‬أنها يجب أن تكون مرتبطة بالظاهرة ال باملنهج‪ ،‬وال بأس أن تكون أسئلة‬
‫املنهج أدوات مساعدة الستثارة أسئلة الظاهرة؛ ألن أسئلة املنهج هي من النوع‬
‫التقاربي‪ ،‬فإذا قلت مثال‪ :‬ما هي تقنيات السرد و أنواعه في رواية ّ‬
‫معينة‪ ،‬أو ما‬
‫نوع املفارقات الزمنية أو املنظور السردي؛فيها؟ فموضوع هذه األسئلة والذي‬
‫هو السرد والبنية الزمنية‪ ،‬حاضر في ذهني من خالل ما حدده رواد علم السرد‬
‫الحديث كجيرار جينيت مثال‪ ،‬ومن ّثمة‪ ،‬فإن األجوبة تكون حاضرة في هذه‬
‫األسئلة األسئلة‪ .‬في حين لو قلت مثال‪ :‬ملاذا أصبحت اللغة هي موضوع الحكي في‬
‫روايات الحبيب السائح؟ الستوجب األمر أسئلة أخرى وبحثا من أجل الوصول‬
‫إلى أجوبة تنطلق أساسا من الرواية ذاتها‪ ،‬ومن روايات سابقة عند نفس‬
‫الروائي‪ ،‬أو عند غيره من الروائيين‪ ،‬وهي ّ‬
‫تعد أسئلة تباعدية؛ ألن اإلجابة عنها‬
‫ليست معطاة ومعروفة سلفا‪ ،‬ولذلك ال يمكن أن تساهم في صياغة إشكالية‪.‬‬
‫هذا النوع من األسئلة يساعد الطلبة على تطوير مستويات عليا من‬
‫التفكير‪ ،‬ليصبحوا باحثين خالقين‪ ،‬ومبدعين في حل القضايا ومثقفين علميا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فاألسئلة التي تتطلب معلومات كأن يتذكر الطالب مفهوم البرنامج السردي أو‬
‫أنواع السرد أو أنواع املفارقات أو الفرق بين الكالم واللسان في اللغة أو أفعال‬
‫ّ‬
‫الكالم في التداولية‪ ،‬هي ذات تأثير مختلف عن األسئلة التي ال تذكر بل‬
‫تستشرف‪ ،‬وال بأس أن يستعين الطالب ببعض املفاهيم لكي يصوغ أسئلة‬
‫‪49‬‬
‫علمية‪ ،‬لها تأثير في صوغ الفرضيات وتخمين األجوبة‪ ،‬وهنا ال بد أن يتجاوز‬
‫ّ‬
‫مستوى التذكر واالستيعاب والتطبيق اآللي‪ ،‬إلى مستوى التحليل والتركيب‬
‫املبررات‪ ،‬وهذا النوع من األسئلة ّ‬
‫يسمى األسئلة املفتوحة‪،‬‬ ‫وتقديم األسباب و ّ‬
‫تحفز عمليات التفكير التباعدي‪ ،‬وإنتاج املواقف؛ وهي أسئلة تقوم على‬ ‫التي ّ‬
‫االفت راض والتنبؤ‪ ،‬والتفكيك وإعادة البناء‪ ،‬إنها أسئلة ّ‬
‫تحفز على التفكير‬
‫باالحتماالت القائمة على ربط األفكار املعروفة بأفكار غير معروفة من أجل‬
‫ّ‬
‫إعطاء تفسي رات جديدة‪ ،‬وتتطلب تفكي را تركيبيا عالئقيا‪.‬‬
‫كيف يمتحن الباحث اختياره للموضوع؟‬
‫ّ‬
‫عندما تتوفر للباحث القواعد ال نفسية الضرورية الختيار املوضوع من‬
‫رغبة وإرادة‪ ،‬ومعطيات‪ ،‬يخضع الباحث نفسه وموضوعه بمساعدة أستاذه‬
‫املشرف إلى نوع من االمتحان حدده ‪ Jean- pierre Fragniere‬في كتابه‬
‫‪ Comment réussir un mémoire‬في املخطط التالي الذي استفدنا من بعض‬
‫شرحه له‪:30‬‬

‫المن عة الشخصية‬ ‫سعة‬


‫للدااث‬ ‫الموضوع‬
‫قدرة وتكوين‬ ‫وضعية الموضوع في اقل‬
‫الدااث‬ ‫المعرفة المعارف‬
‫الموقع االجتمابي‬
‫الباحث‬ ‫املوضوع‬ ‫الداللة االجتمابية‬
‫للدااث‬ ‫للموضوع‬
‫المصادر المادية‬ ‫صعوبات‬
‫الم ابدة‬ ‫الموضوع‬

‫‪30 -‬‬‫‪jean-pierre Fragnière , comment réussir un mémoire, éditions, dunod, 2 éd Paris 1996‬‬
‫‪p17.‬‬
‫‪50‬‬
‫‪- 1‬سعة املوضوع‪ :‬وهي مرتبطة بشمولية املوضوع ملجموعة من‬
‫ّ‬
‫اإلشكاليات التي يصعب الربط بينها‪ ،‬أو توزعه على فت رات زمنية متباعدة‪ ،‬لذلك‬
‫تحدد اإلشكالية‪ ،‬وأن تكون قابلة للد اسة غير مستهلكة‪ ،‬وأن ّ‬
‫يحدد‬ ‫يفضل أن ّ‬ ‫ّ‬
‫ر‬
‫املوضوع زمانيا ومكانيا‪ ،‬إلمكانية الخروج بنتائج يمكن تعميمها واالستفادة منها‪.‬‬
‫فال يمكن مثال أن يختار الطالب ظاهرة الرمز في األدب العربي الحديث؛ ألنه‬
‫ّ‬
‫يتوزع على عدة إشكاالت‪ ،‬منها ما هو متعلق بالنثر بأنواعه‪ ،‬ومنها ما له عالقة‬
‫بالشعر بأنواعه‪ ،‬كما أن الرموز أنواع ولها مصادر متنوعة دينية وتاريخية‬
‫وأسطورية وأجنبية‪ ،‬ولها أسباب في توظيفها‪ ،‬ثقافية وذاتية‪ ،‬وأخرى مرتبطة‬
‫توجهاتهم اإليديولوجية‬‫الكتاب لهم ّ‬ ‫بعملية الكتابة عند كل مبدع‪ ،‬كما أن ّ‬
‫والدينية والسياسية املختلفة‪ ،‬فضال عن أنهم من أجيال مختلفة وغيرها من‬
‫اإلشكاالت التي ال يمكن أن تكون موضوع بحث واحد‪.‬‬
‫‪ - 2‬وضعية املوضوع في حقل املعارف‪ :‬على الطالب أن يكون على دراية‬
‫ّ‬
‫املتوصل إليها‪،‬‬ ‫باملوضوعات التي أنجزت في املجال الذي يبحث فيه‪ ،‬والنتائج‬
‫وضرورة السعي إلى اإلضافة وليس إلى التكرار‪ ،‬فما أنجز يصبح ملكه وما لم ينجز‬
‫فذلك الذي عليه القيام بفعله ؛ لذلك نجد كثي را من الباحثين يقعون ضحية‬
‫تم قبلهم‪ ،‬فيكشفون بعد أن قطعوا أشواطا كبيرة أن املوضوع درس‪،‬‬ ‫جهلهم ملا ّ‬
‫واإلشكالية حلت فيصابون بالخيبة ويضيع الهدف‪.‬‬
‫ّ‬
‫على الباحث أن يسأل نفسه‪ :‬أين توقفت قراءاته؟ ومنذ متى قرأ في املجال‬
‫الذي يريد أن يختار البحث فيه؟‪ ،‬وما هي التطورات التي حصلت في ميدان توجهه‪،‬‬
‫وال بد أن يسأل األساتذة والباحثين الذين كتبوا في املوضوع‪.‬‬
‫تطور الحياة‪ ،‬وفي إطار العوملة‬‫‪ - 3‬الداللة االجتماعية للموضوع‪ :‬مع ّ‬
‫الثقافية وضرورة املحافظة على الهوية‪ ،‬ال يمكن للباحث أن يكون حياديا في اختيار‬
‫املوضوعات التي ترتبط بمجتمعه وحضارته‪ ،‬والتي ّ‬
‫تعرفه بت راثه وتساهم في تطوير‬
‫‪51‬‬
‫يتعلق بثقافته وإبراز عناصر ّ‬‫ّ‬
‫التميز فيها؛ لذلك نرى الجامعات الغربية تفرض‬ ‫ما‬
‫من خالل األساتذة املشرفين على الطلبة األجانب أن يتناولوا ظواهر مجتمعاتها‬
‫ّ‬
‫بالدراسة والتحليل‪ ،‬ولذلك يبدو التفطن إلى هذه القضية أمرا ضروريا‪.‬‬
‫ليس للطالب الجزائري إملام بما كتب في الشعر أو الرواية أو القصة أو النقد‬
‫في الجزائر‪ ،‬بل نراه أحيانا يعرف عن األدب الغربي من األسماء وعناوين الروايات‬
‫والدواوين أكثر مما يعرف عن الكتاب الجزائريين‪ ،‬والنتيجة أننا تركنا تراثا بأكمله‬
‫نعرف به‪ .‬فكم من باحث في الرواية‬ ‫بين رفوف املكتبات أو في البيوت‪ ،‬ال نعرفه وال ّ‬
‫يعرف محمد مفالح أو الحفناوي زاغر‪ ،‬أومرزاق بقطاش‪ ،‬وكم من باحث في الشعر‬
‫يعرف عثمان لوصيف و عبد هللا حمادي مثال‪ .‬كم من باحث في النقد ال يعرف عن‬
‫النقد الجزائري شيئا حتى أننا أصبحنا نعتقد ونؤمن بأننا أمة ال تنتج‪.‬‬
‫‪ - 4‬صعوبات املوضوع‪ :‬على الباحث أن يضع في االعتبار أن كل عمل له‬
‫صعوباته الخاصة‪ ،‬وأن مصادر الصعوبة مختلفة تبدأ من كفاءته وقدرته هو على‬
‫البحث واملثابرة وتنتهي عند الصعوبات املادية املرتبطة بضرورة التنقل‪ ،‬خاصة إذا‬
‫ّ‬
‫كان البحث ميدانيا‪ ،‬وقد تكون متعلقة بصعوبة املنهج أو قلة املراجع‪ ،‬وحتى‬
‫بالوقت ّ‬
‫املحدد للبحث‪.‬‬
‫تخص امتحان املوضوع‪ ،‬وهي كما نرى مقترنة بالباحث؛‬ ‫ّ‬ ‫هذه املحاور‬
‫لذلك سوف نجد بأن ما تشتمل عليه خانات الباحث يلتقي مع خانات‬
‫املوضوع؛ فيكون السؤال عن هذا إجابة عن ذاك‪.‬‬
‫فاملنفعة الشخصية ال يجب أن تتعارض مع طبيعة املوضوع‪ ،‬ألن الوقت‬
‫والشهادة والعمل والترقية كلها يجب أن توضع في الحسبان فيختار املوضوع الذي‬
‫يتناسب مع مرحلة معينة من وضعه الشخص ي‪ ،‬ولذلك نرى الجامعات الغربية‬
‫تحدد طبيعة املوضوعات الخاصة باملاجستير‪ ،‬والتي تصلح لكي تكون أطروحة‬
‫دكتوراه‪ ،‬األمر الذي ال يوجد عندنا‪ ،‬حيث نجد بعض طلبة املاجستير أنجزوا‬
‫‪52‬‬
‫بحوثا في مستوى أطروحة الدكتوراه‪ ،‬ودكاترة لم يبذلوا إال جهد الطالب املبتدئ‪،‬‬
‫وهنا تطرح قضية االستفادة من البحث‪ ،‬وربما هو األمر نفسه بالنسبة للموضع‬
‫االجتماعي للباحث‪ ،‬وتكوينه وقدرا ته املعرفية واملادية املرتبطة بإنجاز موضوع‬
‫ّ‬
‫معين‪.‬‬
‫إن هذا االختبار هو امتحان لقدرة الباحث واملوضوع على السواء‪ ،‬وهو‬
‫التردد وتضييع الوقت والعجز‬‫يسهم بشكل كبير‪ ،‬في رد كثير من املخاوف و ّ‬
‫ألن الباحث‪ ،‬حتى‬‫واالنسحاب والرداءة‪ .‬واالختيار في النهاية هو ركوب الخطر؛ ّ‬
‫مجرد وضعية ابتدائية للبحث؛‬ ‫وإن نجح في امتحان االختيار عليه أن يعلم أنها ّ‬
‫والوضعية البدئية هي حالة من ّالالمعرفة‪ ،‬ومراحل البحث هي التي ّ‬
‫تجسد‬
‫تحول الالمعرفة إلى معرفة‪ ،‬حيث يشبه الباحث بطل الحكايات الذي ينبغي أن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتوفر لديه الرغبة في تغيير الوضع املتمثل في حالة االفتقار‪ ،‬إلى وضع التملك‪،‬‬
‫ويمر بثالث مستويات تطابق التجارب الثالثة املعروفة في‬ ‫فتواجهه صعوبات‪ّ ،‬‬
‫حكاية البطل‪.‬‬
‫حاولت بيرنديت بلو ‪ Bernadette Plot‬أن تقابل بين هذه التجارب وبين‬
‫فيجسد األول املستوى املؤسس( التجربة التأهيلية) أول‬ ‫ّ‬ ‫مستويات البحث‪،‬‬
‫لقاء مع موضوع البحث‪ ،‬وهو خطاب االكتشاف‪ ،‬والتحفيز الشخص ي الذي‬
‫يتمظهر في شكل إرادة املعرفة أو وجوب املعرفة ‪vouloir-savoir ou un devoir‬‬
‫‪ -savoir‬حيث يتأكد هاجس البحث عند الباحث باعتباره قادرا على البحث‪،‬‬
‫ويمتلك الوسائل النظرية واملنهجية للوصول إلى نتائج ّ‬
‫قيمة‪.‬‬
‫أما املستوى ا لذي يتمفصل من خالله املستويان اآلخران‪ ،‬فهو املستوى‬
‫العملي (التجربة الترشيحية)‪ .‬إنه خطاب البحث عن القناعات العلمية‪ ،‬وتقديم‬
‫املعطيات املنطقية من أجل تحقيق الهدف املنشود‪ ،‬ويتمظهر هذا الخطاب في‬
‫ملفوظ أفعال املعرفة نفسها وهو ملفوظ الفعل‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫يمر من مرحلة‬‫إن ملفوظ تحقيق األفعال املعرفية‪ ،‬يسمح للباحث أن ّ‬
‫املحصلة إلى فعل املعرفة ‪ ،faire-savoir‬إنه املستوى‬ ‫ّ‬ ‫تحول املعرفة‬ ‫ّ‬
‫التحقيقي(التجربة املمجدة)؛ حيث يحيل إلى ما هو أكمل‪ ،‬ويعرض النتائج التي‬
‫تتجسد في ملفوظات الحالة كائنة وظاهرة لكي يستطيع املتلقي أن ّ‬
‫يقيم‬ ‫ّ‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫إن هذه املستويات تتداخل فيما بينها‪ ،‬وتتكئ على بعضها البعض لتضمن‬
‫صالبة التطور‪ 31‬ولذلك‪ ،‬قد ال يبدو غريبا أن نرى بعض الباحثين ّ‬
‫يغيرون‬
‫يتبين لهم أن وسائلهم وعملياتهم‬ ‫مجرى البحث في مستوى معين منه بعدما ّ‬
‫النظرية أو املنهجية ال تسعفهم في االستمرارية بالطريقة التي بدأوا بها‪.‬‬

‫‪31 -voir, Bernadette Plot‬‬ ‫‪Ecrire une thèse ou un mémoire en sciences humaines ; Champion‬‬
‫‪Paris 1986, p182-183.‬‬
‫‪54‬‬
‫ما هي شروط صياغة املوضوع أكاديميا؟‬
‫ّ‬
‫إن هذا االمتحان املذكور آنفا‪ ،‬سيمكن الطالب واملشرف معا من اختيار‬
‫تحدده الشروط األكاديمية التالية‪:‬‬‫موضوع إشكالي ال وصفي‪ ،‬يعكسه عنوان ّ‬
‫‪- 1‬الدقة والوضوح‪ :‬أن ال يكون في العنوان غموض أو إبهام‪ ،‬وال ما يدعو‬
‫إلى الشك و ّ‬
‫التأويل وال أن يكون طويال ممال وال قصي را مخال‪.‬‬
‫‪- 2‬الجدة واالبتكار‪ :‬ونقصد بها اإلضافة العلمية التي ال ّ‬
‫يكرر فيها‬
‫فالجدة قد تكون آتية من‬ ‫ّ‬ ‫موضوعات أو يعيد صياغة إشكالية مدروسة‪،‬‬
‫اإلشكالية الجديدة املطروحة‪ ،‬أو من املنهج الجديد الذي تعالج به اإلشكالية‪.‬‬
‫وهذا ال يمنع الباحث أن يختار موضوعا مطروقا إذا رأى أنه يستطيع أن يأتي‬
‫ّ‬
‫املطبق في‬ ‫بجديد أو يثبت ضعف النتائج السابقة‪ ،‬أو عدم كفاية املنهج‬
‫الدراسات السابقة‪.‬‬
‫‪ - 3‬التحديد الزماني واملكاني‪ :‬وهو مرتبط كما رأينا بسعة املوضوع؛ ألن‬
‫غياب اإلشكالية في كثير من األحيان يكون هو املسؤول عن عدم التحديد‬
‫والدقة‪ ،‬وال يشترط بالضرورة ذكر املكان أو الزمن بالتحديد؛ ألن هناك‬
‫نتعرف بها على ذلك‪ ،‬كاسم الكاتب‪ ،‬أو القدم والحداثة‪ ،‬فذكر‬ ‫مصطلحات ّ‬
‫املتنبي مثال يكفي للداللة على العصر‪ ،‬كما أن الشعر العربي املعاصر‪ ،‬أو‬
‫الروائيين الشباب ّ‬
‫يدل على املرحلة‪.‬‬
‫التردد بين العنوان الجملة‬‫إن هذه الشروط تمكن الباحث من عدم ّ‬
‫والعنوان الفقرة‪ ،‬العنوان البرنامج والعنوان التركيب‪ ،‬العنوان التساؤل‬
‫والعنوان التأكيد‪ ،‬العنوان املختصر والعنوان الذي ال ينتهي‪ ،‬العنوان الصحفي‬
‫الذي يستفز والعنوان الحيادي العلمي‪.‬‬
‫تحقق األكاديمية بشكل نهائي ال يكون إال بعد االنتهاء من البحث؛‬ ‫إن ّ‬
‫لذلك كثي را ما يكون العنوان النهائي هو آخر ما يكتب‪ ،‬وللعنوان أهمية كبيرة‬
‫‪55‬‬
‫بالنسبة للقارئ‪ ،‬فهو بداية البحث‪ ،‬وله دور في فتح النص ألنه بمثابة فاتح‬
‫للشهية‪ .‬وإذا كان العنوان اإلبداعي يتحمل اإليحاء والغموض‪ ،‬وال يعطي قرائن‬
‫كثيرة للقارئ من أجل تعيين املعنى‪ ،‬فإن العنوان األكاديمي ال يؤدي هذا املعنى‬
‫نظرا للشروط التي ذكرناها‪ ،‬فهو باعتباره أوال‪ ،‬يعد بداية للسيرورة السيميائية‬
‫للبحث‪ ،‬ونقطة بداية والدته‪ ،‬فعندما يقرأ ألول وهلة‪ ،‬يفترض من القارئ‬
‫معينة وافت راضات قد يجدها مح ّققة فيصبح العنوان إشارة لرسالة هي‬ ‫تأويالت ّ‬
‫البحث‪ ،‬ويغدو فهمها إدراكا للقصد منه‪.‬‬
‫أيهما أصلح للطالب املوضوع النظري أم التطبيقي؟‬
‫كثي را ما يحتار الطالب في طبيعة املوضوع الذي يختاره‪ ،‬خاصة فيما‬
‫يتعلق بمسألة النظري والتطبيقي‪ .‬ففي الوقت الذي نجد فيه بعض الطلبة‬
‫يسمى املوضوعات النظرية؛ ألنهم يعتقدون ‪-‬خطأ ‪ -‬أنها‬ ‫يحبذون البحث فيما ّ‬ ‫ّ‬
‫األسهل؛ لكونها مرتبطة بعملية جمع نصوص من الكتب وتنظيمها وتنسيقها‪،‬‬
‫يعتقد آخرون أنهم ‪-‬ولكي ال يضيعوا بين النظريات واألفكار ‪ -‬ال بد أن يختاروا‬
‫موضوعا تطبيقيا‪- ،‬وهو األسهل بالنسبة إليهم أيضا ‪-‬ألنه يبعدهم عن األفكار‬
‫تكبلهم ّ‬
‫وتحد من حريتهم‪.‬‬ ‫والنظريات التي قد ّ‬
‫إن مصطلحي السهولة والصعوبة ليسا معيارين صحيحين للحكم على‬
‫مفهوم النظري والتطبيقي؛ ألن التطبيق وارد في كال املوضوعين سواء من يعتمد‬
‫فيه على تحليل نظرية أو مفهوم‪ ،‬أو على تحليل نص إبداعي‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬ال معنى‬
‫لوجود موضوع نظري باملفهوم املتعارف عليه‪ ،‬كما ال يوجد موضوع تطبيقي‬
‫صرف‪ ،‬ومن يعتقد أنه يطبق بدون خلفية نظرية‪ ،‬ال بد أن يعلم أنه "ال توجد‬
‫موضوعات تطبيقية بدون معارف نظرية‪.32‬‬

‫‪32 - Jean-pièrre fragnière, comment réussir un mémoire, éd, DUNOD ? Paris 1996, p 13‬‬

‫‪56‬‬
‫إن مفهوم الشعرية عند العرب‪ ،‬أو مفهوم العالمة عند علماء األصول أو‬
‫توصل إلى هذه‬‫عند بورس ‪ peirce‬م ثال هو موضوع نظري بالنسبة إلى من ّ‬
‫النظرية أو تلك‪ ،‬أما بالنسبة للباحث الذي يحاول أن يبحث في هذا املفهوم أو‬
‫النظرية‪ ،‬فهي محاولة لتحليلها والوقوف على خصائصها ومقارنتها واستنباط‬
‫أحكام معينة منها‪ ،‬وهذا ال يختلف فيه مع باحث آخر يتناول رواية‪ ،‬ويكشف‬
‫ع ن كيفية بناء شخصياتها‪ ،‬يحللها ويستنبط نتائج منها‪.‬‬
‫فاإلشكال إذن‪ ،‬قائم في طبيعة املوضوع ذاته‪ ،‬هل هو موضوع إشكالي‬
‫مهمة تضيف جديدا إلى البحث العلمي؟ أم أنه موضوع وصفي‬ ‫يطرح أسئلة ّ‬
‫تجميعي؟ ال يحتاج إلى دراسة‪ ،‬أو أنه بحاجة إلى أن ّ‬
‫يتحول إلى موضوع إشكالي‪.‬‬
‫نحول موضوعا ما إلى موضوع إشكالي؟‬ ‫كيف ّ‬
‫ّ‬
‫هناك اعتبارات كثير تتحكم في تحويل موضوع ما‪ ،‬إلى موضوع إشكالي‪،‬‬
‫تلقي ظاهرة معينة لدى القراء‪ ،‬أو نتائج هيمنة موضوع ّ‬
‫معين في‬ ‫ترتبط بطبيعة ّ‬
‫فترة زمنية معينة دون أن يسأل ملاذا يحصل ذلك‪ ،‬كما قد ينبع من مالحظة‬
‫نتائج ظاهرة ّ‬
‫معينة‪ ،‬وأ ثرها في الواقع على القراء وفي البحث العلمي‪ ،‬وقد يعود‬
‫إلى الغرض من تحويل موضوع ما‪ ،‬مهما كانت طبيعته‪ ،‬أو إلى أسباب أخرى‬
‫ّ‬
‫التوجهات واإليديولوجيات واملستوى وغير ذلك‪.‬‬ ‫مختلفة باختالف‬
‫مثال‪ :‬تحويل موضوع التناص إلى موضوع إشكالي‪ :‬ليس هناك باحث في‬
‫األدب العربي يجهل ه ذه الظاهرة اللصيقة باألدب‪ ،‬فقد كتب فيها الكثير‪ ،‬حتى‬
‫أصبحت موضوعا يستهوي الكثير من الباحثين‪ ،‬فنرى كثي را من البحوث ّتتخذ‬
‫موضوعا لها البحث عن أشكال التناص في قصيدة أو رواية معينة استنادا إلى‬
‫ما كتبه باختين ‪ Bakhtine‬في الحوارية أو ‪Gerard Gennette‬جي رار جنيت في‬
‫ّ‬
‫كتابه أطراس ‪Palimpsestes‬؛ حيث حلل الظاهرة بمختلف مستوياتها‪ ،‬وجعل‬
‫التناص نوعا من ظاهرة التفاعالت النصية الخمسة‪ ،‬وكانت قبل ذلك ‪julia‬‬
‫‪57‬‬
‫‪ kristèva‬جوليا كريستيفا‪ ،‬أول من أشار إلى هذه الظاهرة من حيث املفهوم‬
‫واملصطلح‪ ،‬ولذلك أصبح الباحث ال يجد صعوبة في الكشف عن هذه الظاهرة‬
‫في النص املدروس؛ ألنها‪ ،‬كما أسلفت‪ ،‬ظاهرة لصيقة باإلبداع‪ ،‬فال يمكن أن‬
‫يكتب اإلنسان إال انطالقا مما يقرأ‪ ،‬أي أن هذه الظاهرة هي تسمية أخرى‬
‫لتوظيف الت راث‪.‬‬
‫لقد غدت هذه الظاهرة موضوعا مألوفا‪ ،‬حتى أننا أصبحنا نقرأ صورا‬
‫ّ‬
‫التوجه‪،‬‬ ‫مستنسخة لبحوث ال تختلف إال من ح يث النصوص‪ ،‬وقد راعني هذا‬
‫ورأيت أن أجعل منه موضوعا إشكاليا‪ ،‬بحافز من دعوة وجهت إلي من الرابطة‬
‫العاملية لألدب اإلسالمي‪ ،‬حيث كان موضوع التناص واحدا من محاور الندوة‪،‬‬
‫وملا كان هذا الحافز طريقا لتحويل هذا املوضوع إلى موضوع إشكالي‪ ،‬مراعاة‬
‫للتوجه اإلسالم ي للندوة‪ ،‬كانت نتيجة ذلك أن كتبت موضوعا عن التناص‬ ‫ّ‬
‫معين ّيتضح من خالل بلورة‬ ‫بإشكالية نابعة من هذا الحافز‪ ،‬ومرتبطة بغرض ّ‬
‫اإلشكالية التالية‪:‬‬
‫تطرح مقولة التناص ‪ Intertextualité‬عددا من القضايا النقدية‪ ،‬وتثير‬
‫عددا من التساؤالت‪ ،‬لعل أهمها‪ :‬كيف يمكن من وجهة نظر إسالمية أن ّ‬
‫نقيم‬
‫التناص نفسه؟‪ 33‬وهل يعد التعالق بين النصوص ‪-‬من وجهة النظر السائدة‬
‫عندنا بتأثير من الغرب ‪ -‬إهدارا للهوية النصية؟ وهل يعتبر التناص ‪-‬من وجهة‬
‫النظر هذه أيضا ‪ -‬عائقا بنيويا يقف دون تحقيق خصوصية التشكيل اللغوي‬
‫لألديب؟ ثم ما عالقته بخصوصية األجناس األدبية عند الشعوب‪ ،‬وكيف استغل‬
‫من قبل البعض لتجسيد مطالب الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬وكل منهما أسهم‬
‫وبأشكال مختلفة أحيانا ومتشابهة أخرى في إلغاء الهوية تبعا للدعوة إلى إلغاء‬

‫‪ - 33‬قدمت اإلجابة عن هذه اإلشكالية إلى ندوة اللغات والترجمة‪ ،‬جامعة اإلمام سعود بالسعودية‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫األنماط األساسية للفكر واإلبداع وعلمنة األخالق‪ ،‬وما هو السبيل إلى حفظ‬
‫هوية التناص ونصوص الهوية؟‬
‫إن هذه األسئلة تبلورت من خالل عنوان يتماش ى مع الغرض وهو‪:‬عوملة‬
‫التناص ونص الهوية‪.‬‬
‫كيف يختار األستاذ املشرف؟‬
‫اقترنت عملية اختيار املوضوع باختيار املشرف‪ ،‬وكثي را ما ربط ضعف‬
‫البحث بضعف اإلشراف‪ ،‬كما اقترن نجاح بحوث أخرى بسمعة األستاذ‬
‫املشرف‪ ،‬وهذا راجع إلى عدم إدراك حقيقة اإلشراف؛ ألن مسؤولية املشرف‬
‫يقيمان بمدى مسؤولية الطالب والت زامه؛ وهما عنصران أساسيان في‬ ‫والت زامه ّ‬
‫الجيد‪ ،‬وإذا ما تخلى أحدهما عن الت زامه ومسؤوليته‪ ،‬أخفق‬ ‫عملية اإلشراف ّ‬
‫الطالب في بحثه‪ .‬فماذا ينتظر الطالب من األستاذ املشرف؟‬
‫ّ‬
‫ينبغي أوال‪ ،‬أن تتوفر في األستاذ املشرف الكفاءة العلمية والفعالية وروح‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املسؤؤلية والتوافق النفس ي مع الطالب ويتجلى الت زامه املركب هذا‪ ،‬فيما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬يعطي للطالب املعلومات والتوضيحات والتوجيهات الالزمة حول‬
‫اختيار املوضوع‪ ،‬وقد يقترح عليه مجاال للبحث ويساعده في تحديد اإلشكالية‬
‫يوجهها له‪ ،‬يعرف من خاللها مستواه وتوجهاته‬ ‫باختباره عن طريق أسئلة ّ‬
‫وقدراته‪ ،‬مثلما أكدنا سابقا‪ ،‬ويختبر أسئلته وفرضياته‪.‬‬
‫‪ - 2‬يشارك الطالب في امتحان اختبار املوضوع الذي ذكرناه سابقا‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ - 3‬يدله على املصادر القاعدية التي يبدأ بها‪.‬‬
‫ّ‬
‫املتخصصين الذين يفيدونه‪.‬‬ ‫‪ - 4‬يعرفه باملصادر التي ّ‬
‫تهمه وببعض‬
‫‪ - 5‬يعطيه بعض التعليمات النظرية واملنهجية في كيفية العمل‪.‬‬
‫‪ - 6‬يعطيه نصائح منظمة حول تطور اإلشكالية وتبلورها‪.‬‬
‫تقدمه وماذا حقق‪.‬‬‫‪ - 7‬يبدي له أحكاما على املراحل التي قطعها ومدى ّ‬
‫‪59‬‬
‫‪ - 8‬يقرأ له‪ ،‬ويعيد القراءة ويوقفه على األخطاء‪ ،‬ويوجهه نحو الطريقة‬
‫التي تمكنه من تفادي الخطأ‪.‬‬
‫‪- 9‬يساعده على توضيح بعض املسائل واملفاهيم وحل بعض املشكالت‬
‫العالقة وغير املتوقعة‪.‬‬
‫‪ - 10‬يصارحه حول قيمة ما قدم سلبا وإيجابا‪.‬‬
‫وال يتصور الطالب بعد هذا أن وظيفة األستاذ املشرف هي إعادة صياغة‬
‫البحث إذا كان أسلوب ال طالب ركيكا‪ ،‬أو استنباط األحكام والنتائج إذا كان غير‬
‫قادر على إدراك العالقات بين اآلراء والنصوص املختلفة‪ .‬فذلك طالب عليه‬
‫التفكير في كيفيه البحث قبل الخوض في موضوع البحث‪ ،‬أما املشرف غير‬
‫امللتزم بقواعد اإلشراف‪ ،‬فاألحسن أن يتنازل عن هذا الحق الواجب‪ ،‬فكثير من‬
‫األساتذة يشرفون إداريا فحسب‪ ،‬يلتقون بالطالب مرة في بداية السنة إلمضاء‬
‫أوراق التسجيل اإلدارية‪ ،‬فإن كان باحثا جيدا ارتفع شأنهم به وإن فشل حملوه‬
‫املسؤولية‪.‬‬
‫هل االختيار تقييم لألستاذ؟‬
‫ّ‬
‫تقييمية لألستاذ من‬ ‫نشير إلى أن اختيار األستاذ املشرف‪ ،‬ليس عملية‬
‫الطالب‪ ،‬فكثي را من األساتذة يختارون من الطلبة من يرون أنهم قادرون على‬
‫ّ‬
‫تقديم الجيد‪ ،‬غير أن هناك مقاييس ذاتية أو إيديولوجية قد تتحكم في عملية‬
‫اإلشراف؛ لذلك قد تتدخل الهيئة العلمية باملؤسسة كاللجنة العلمية أو‬
‫ّ‬
‫متعددة‪ ،‬مثل‬ ‫املجلس العلمي في هذه العملية استنادا إلى اعتبارات علمية‬
‫التخصص ونوعية البحوث التي أشرف عليها األستاذ وسيرته العلمية والتأهيل‬ ‫ّ‬
‫تلبي حاجيات‬ ‫وتوجه الطلبة نحو موضوعات ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمي‪ ،‬وطبيعة املوضوع‪،‬‬
‫متخصصين في مجال يحقق أهدافا اجتماعية وحضارية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الجامعة إلى أساتذة‬
‫كالتعريف بالت راث واملساهمة في ّ‬
‫حل اإلشكاالت العلمية للوطن‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫كيف يختار الطالب املنهج؟‬
‫توضح لنا أن أسئلة املوضوع وإشكاليته‬ ‫قد يبدو األمر بسيطا إذا ما ّ‬
‫تحوي بالضرورة املنهج الذي يستقيم معها‪ ،‬حينها يدرك الطالب أن الظاهرة‬
‫املراد درسها‪ ،‬أو املجتمع املقصود باملعاينة ليس هو املوضوع األكاديمي‪ ،‬فال‬
‫يكفي أن يقول الطالب أريد أن أدرس ديوان "مقام البوح" لعبد هللا العش ي أو‬
‫رواية "تلك املحبة" للحبيب السائح‪ ،‬أو املجموعة القصصية "اللعنة عليكم‬
‫جميعا" للسعيد بوطاجين أو لغة فئة البطالين‪ ،‬لنقول بأنه اختار موضوعا؛ ألن‬
‫املوضوع‪ ،‬كما أوضحنا سابقا‪ ،‬سلسلة من العمليات الذهنية‪ ،‬التي تبلورها‬
‫مجموعة من األسئلة حول نص معين أو ظاهرة لغوية أو اجتماعية معينة‪،‬‬
‫تشكل إشكالية يستوجب على الطالب البحث عن إجابات أو تخمين حلول‬
‫العينات والنصوص والظواهر فمطروحة في الطريق‪ ،‬على حد‬ ‫ونتائج لها‪ ،‬أما ّ‬
‫تعبير الجاحظ‪ ،‬يعرفها الجميع‪ ،‬إنما األهم يكمن في صياغة اإلشكالية وحصر‬
‫املوضوع‪.‬‬
‫إننا بطرح األسئلة نبني وجهة نظر معينة هي التي ّ‬
‫يتحدد بها املوضوع الحقا‪،‬‬
‫ووجهة النظر هذه ال بد أن تسهم في بلورتها خلفية معرفية معينة؛ هي املنطلق‬
‫املنهجي الذي يوجه الباحث نحو التركيز على قضايا دون أخرى‪ .‬فإذا أردت مثال أن‬
‫أد س ّ‬
‫توتر العالقة املعروف بين املتصوفة والسلطة الدينية في التاريخ اإلسالمي‬ ‫ر‬
‫العربي فهذا يعني أنني أطرح أسئلة من قبيل‪ :‬ملاذا حصل هذا؟ ملا لم تتواصل‬
‫السلطة مع الخطاب الصوفي؟ ما هي القضايا املوجودة في هذا الخطاب التي‬
‫جعلتهم ال يتقبلونه؟ هل األمر مرتبط باعتبارات شكلية بنيوية أم باألفكار؟ ما هي‬
‫أوجه الخالف بين الخطاب الصوفي والخطاب الشعري الرسمي؟ وغيرها من‬
‫األسئلة التي يمكن أن تصوغ لي موضوعا عن طبيعة التواصل في الخطاب الصوفي‬

‫‪61‬‬
‫أو إكراهات تلقي الخطاب الصوفي‪ ، 34‬وهنا يبدو جليا‪ ،‬أنني قد أنطلق من نظرية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فالقضية إذن‬ ‫التلقي أو نظرية التواصل والسيميائيات ألحلل هذه اإلشكاليات‪،‬‬
‫ليست الخطاب الصوفي شعرا أو نث را لكي يكون هو موضوع البحث بل اإلشكالية‬
‫املرتبطة به وهي أزمة التواصل في الخطاب ذاته‪.‬‬
‫ملن األسبقية للمنهج أم للموضوع؟‬
‫إن ّ‬
‫قضية أيهما أسبق املنهج أم املوضوع‪ ،‬أو أن طبيعة املوضوع هي التي‬
‫تفرض املنهج‪ ،‬ال يجب أن يثيرها باحث أدرك كيف ّ‬
‫يتم بناء املوضوع األكاديمي‪،‬‬
‫معين لجعلها أسئلة‪ ،‬يصبح‬ ‫كما أن االنطالق من مفاهيم أو مصطلحات منهج ّ‬
‫البحث عنها في النص املراد تحليله هدفا في ذاته‪ ،‬يعد ّ‬
‫تجنيا على النص واملنهج‬
‫ّ‬
‫على حد سواء؛ ألن العالقة بين النص واملنهج تؤكدها طبيعة األسئلة املطروحة‬
‫في اإلشكالية‪ ،‬والهدف من البحث‪ ،‬والنتائج التي ّ‬
‫خمنها الباحث‪.‬‬
‫ال توجد طريقة علمية واحدة يمكن اعتمادها للوصول إلى الحقيقة؛ ألن‬
‫طرق العلم تختلف باختالف املواضيع التي يدرسها كل باحث‪ ،‬وكل موضوع‬
‫معين من املناهج العلمية املالئمة له‪ .‬هناك البحث الذي ّ‬
‫يقدم‬ ‫يحتاج إلى نوع ّ‬
‫يوضح أصحابها طروحاتهم‬ ‫معرفة نظرية خالصة‪ ،‬وهناك من البحوث التي ّ‬
‫النظرية بأمثلة وشروح تطبيقية‪ ،‬وهناك البحوث التي يلتزم فيها أصحابها‬
‫يحولونها إلى آليات للوصف‬ ‫بتحليل ظاهرة يعتمدون على مفاهيم نظرية ثم ّ‬
‫والتحليل واالستنباط‪.‬‬

‫ّ‬
‫تخص‬ ‫‪ - 34‬يراجع كتاب الحركية التواصلية في الخطاب الصوفي آمنة بلعلى والذي أعيد طبعه العتبارات‬
‫جمعية االختالف بعنوان‪ :‬تحليل الخطاب الصوفي في ضوء املناهج املعاصرة‪ ،‬منشورات االختالف الجزائر‪.‬‬
‫‪.2002‬‬
‫‪62‬‬
‫واختالف املوضوعات األكاديمية يعكس بالضرورة اختالف املنهج‪ ،‬كما‬
‫ّ‬
‫أن قيمة النتائج تتوقف على قيمة املناهج املستخدمة‪ ،35‬ألنه ‪-‬كما أوضحنا‬
‫آنفا في عملية اختيار املوضوع ‪ -‬ال بد أن تنسجم أسئلة النص مع أسئلة املنهج‪،‬‬
‫تكمل بعضها البعض‪ ،‬وينتج عنها في معظم األحيان حقائق‬ ‫ومع هذا فاملناهج ّ‬
‫جديدة لم نكن نعرفها‪ ،‬أي بفضل استعمالنا ملختلف األساليب العلمية قد‬
‫نصل إلى اكتشاف ظواهر لم تخطر على البال‪.‬‬
‫إذا كان املنهج هو الطريق املوصل إلى الحقيقة‪ ،‬فقيمة البحث مرتبطة‬
‫وصحة املعلومات تضفي على الدراسة‬ ‫ّ‬ ‫يتوخاه الباحث فيه‪،‬‬ ‫باألسلوب الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجدية‪ ،‬واملنهجية تؤثر في مجرى األمور وفي النتائج‪ ،‬واختيار الطريقة‬ ‫طابع‬
‫ّ‬
‫التوصل إلى نتائج تفرضها طبيعة النص أو‬ ‫يعني انتهاج أسلوب ّ‬
‫معين في الكتابة و‬
‫الظاهرة واملنهج معا‪.‬‬
‫هل يمكن حصر أنواع املناهج املعتمدة؟‬
‫ال يختلف اثنان في أن التطور العلمي والتكنولوجي واتساع املعارف‬
‫ّ‬
‫التعرف‬ ‫النظرية خلق معه نشاطا مماثال في طرق اكتساب هذه املعارف‪ ،‬وفي‬
‫ّ‬ ‫عليها ونقدها‪ ،‬و ّ‬
‫السعي في تحويل بعضها إلى آليات توظف في دراسة الظواهر‬
‫وتعددت واختلفت باختالف‬ ‫بتنوع املعرفة وثرائها‪ّ ،‬‬
‫املختلفة‪ .‬لقد تنوعت اآلليات ّ‬
‫نوعت البحوث‪ّ ،‬‬
‫لتنوع االعتبارات املذكورة‬ ‫املقاصد واألسئلة واألغراض‪ ،‬وكما ت ّ‬
‫تعددت املناهج بحسب املجال أو النظرية أو العلم الذي تنتمي إليه إلى‬ ‫آنفا‪ّ ،‬‬
‫درجة أصبحت اإلحاطة بمجموع املناهج في العلوم اإلنسانية مثال أمرا‬
‫مستعصيا‪.‬‬
‫في اللغة واألدب‪ ،‬ما زلنا نستقبل كل يوم تسميات ملناهج عديدة‪ ،‬بعضها‬
‫مجرد إعادة صياغة ملفاهيم قديمة جرى تداولها بتسميات‬ ‫جد يد واآلخر هو ّ‬

‫‪ Festinger et kartz - 35‬نقال عن موريس انجرس منهجية البحث العلمي في العلوم اإلنسانية ترجمة يزيد‬
‫صحراوي وآخرون دار القصبة الجزائر‪ 2004‬ص‪97‬‬
‫‪63‬‬
‫تفرعت عن منهج واحد‪ ،‬بل إن كلمة منهج ذاتها‪ ،‬أصبحت تزاحمها‬ ‫أخرى‪ ،‬أو ّ‬
‫مصطلحات أخرى تحمل صفتها أو تتقاطع جزئيا معها‪ ،‬أو تستلهم بعضا من‬
‫تقدم منهجها الخاص‪ ،‬كما‬ ‫تجسد مفهوما من نظرية لم ّ‬ ‫آليات املنهج األصلي‪ ،‬أو ّ‬
‫قد تأخذ من روح نظرية دون أن تلتزم بها حرفيا‪ .‬إننا نقرأ مصطلحات أصبحت‬
‫عند البعض بديال لكلمة منهج‪ ،‬مثل‪ :‬دراسة ومقاربة وقراءة وفي ضوء أو إضاءة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التخصص‪،‬‬ ‫وغيرها من املصطلحات التي تعكس الث راء وفي الوقت نفسه الدقة و‬
‫بل كثي را ما أصبح املنهج‪ ،‬أو ما يق وم مقامه هو الذي يعكس اإلشكالية أو‬
‫حدد من خالله املوضوع‪ ،‬سواء كان قصدا أو فترة زمنية‪ ،‬أو‬ ‫املقياس الذي ّ‬
‫ّ‬
‫التخصص‪.‬‬ ‫رغبة في أن يموقع الباحث نفسه عند نقطة ّ‬
‫معينة من‬
‫كنا اليوم‪ ،‬ال نقف في عنوان بحث على ما يشير إلى املناهج السياقية‬‫وإذا ّ‬
‫كالتاريخي واالجتماعي والنفس ي في األدب‪ ،‬أو الفيلولوجي والوصفي واملقارن‬
‫تفرعت أو‬‫واالستقرائي والتقابلي في اللغة‪ ،‬فان ذلك ال يعني اندثارها‪ ،‬فلقد ّ‬
‫اندمجت في إطار مختلف‪ ،‬وبرزت من خالل تسميات أخرى‪.‬‬
‫إن املناهج النصية وتفرعاتها كالبنيوية والسيميائية والتداولية واللسانية‬
‫االجتماعية واملوضوعاتية والتلقي وسوسيولوجيا النص والتناصية والنسقية‬
‫تعتمد الوصف والتحليل أو التاريخ أو املقارنة مما يعد جوهر املناهج‬
‫ّ‬
‫السياقية‪ ،‬وهذا يعني أن الباحث في العلوم اإلنسانية واللغة واألدب‪ ،‬توفرت‬
‫لديه من الوسائل واآلليات الكثيرة‪ ،‬ما يسمح له بدراسة الظواهر املختلفة‪،‬‬
‫وإيجاد الحلول ألسئلة كثيرة وإن كان التعامل معها بدقة وحذر أكثر‪ ،‬نظرا‬
‫ّ‬ ‫للطابع العلمي لها؛ ّ‬
‫فكل منهج إذا ما استوعب يوفر للباحث اإلحاطة بالظاهرة‬
‫املدروسة بكل دقة وموضوعية‪.‬‬
‫ّ‬
‫التطوري للمعرفة‬ ‫لعل كثرة املسميات تعود من جانب آخر إلى الطابع‬
‫ّ‬
‫املتخصصة‪ ،‬وإلى ما في بعض املناهج التي تعد اليوم تقليدية كالوصفي والتاريخي‬
‫والتحليلي ولم تعد ملك نفسها ‪-‬إن جاز التعبير ‪ -‬فقد استفادت منها نماذج‬
‫نظرية مختلفة وأصبحت جزءا منها جميعا‪ ،‬في حين‪ ،‬انغلقت بعض املناهج على‬

‫‪64‬‬
‫نماذجها النظرية‪ ،‬كاملنهج التجريبي الذي يسعى فيه الباحث إلى دراسة الظواهر‬
‫متغير مستقل‪ ،‬ومالحظة النتائج على ّ‬
‫املتغير التابع)‪36‬‬ ‫(في إطار التجربة بمعالجة ّ‬
‫خاصة‪ ،‬في البحوث امليدانية‪.‬‬ ‫وهو يطبق‪ّ ،‬‬
‫وملا كان املنهج التاريخي يستعمل الوثائق واملعلومات التاريخية قصد‬
‫االستفادة من تجارب املاض ي‪ ،‬يرى البعض‪ّ ،‬أنه ال يمكن فهم الحاضر إال‬
‫بدراسة املاض ي‪ ،‬ولذلك فميزته‪ ،‬أنه يدرس الظاهرة من خالل الرجوع إلى أصلها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويسجل ّ‬‫ّ‬
‫ويفسر هذه التطورات استنادا إلى املنهج‬ ‫تطوراتها ويحلل‬ ‫فيصفها‬
‫العلمي في البحث‪ ،‬الذي يربط النتائج بأسبابها‪.‬‬
‫إن إعادة بناء ماض ي الظواهر املختلفة نجده قائما في التناص وفي نظرية‬
‫ّ‬
‫التلق ي ونظرية التأويل والتداولية‪ ،‬وكلها تتوفر على الوسائل التي يصل بها‬
‫الباحث إلى وصل املاض ي بالحاضر في وصف الظواهر‪ ،‬وفي عالقتها ببعضها‬
‫البعض‪.‬‬
‫كما أن املنهج التجريبي‪ ،‬وعلى الرغم‪ ،‬كما قلنا سابقا‪ ،‬من أنه ّ‬
‫يتميز‬
‫للتعرف على العالقات بين الظواهر‬ ‫ّ‬ ‫بإثبات الفروض عن طريق التجربة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املختلفة‪ ،‬فانه يمكن من إجراء تجارب حول تعلم اللغات‪ ،‬وعالقة ذلك‬
‫نطبقه على أمراض اللغة‪ ،‬وعلى األصوات‪ ،‬ولغة الطفل‪،‬‬ ‫باملحيط‪ ،‬كما يمكن أن ّ‬
‫تحريات ميدانية‬‫وتغير الدالالت املعنوية من منطقة ألخرى‪ ،‬كما يمكننا من إجراء ّ‬ ‫ّ‬
‫يخص ضعف املستوى وغير ذلك‪ ،‬مما يؤكد عدم موت‬ ‫ّ‬ ‫للوصول إلى مفاهيم فيما‬
‫املناهج‪ ،‬وإنما تنحصر تارة‪ ،‬وتنحل في مناهج أخرى أحيانا أخرى‪.‬‬
‫متعددة تقوم بنفس الوظيفة التي كانت تقوم بها مناهج‬ ‫إن هناك مناهج ّ‬
‫أخرى‪ ،‬فتساعد في اكتشاف العالقات القائمة بين الظواهر‪ ،‬وجمع املعلومات‬
‫الالزمة لتكوين نظرية شاملة يمكن بمقتضاها إيجاد حل منطقي للقضية‪ ،‬كما‬
‫تقوم على التخطيط الدقيق وجمع البيانات‪ ،‬ثم تحليلها والوصول إلى نتائج حقيقية‪.‬‬
‫للتعرف على رغبات الجماعات وأهدافها‪ ،‬وكذلك امليول‬ ‫ّ‬ ‫إنها تعتبر أداة ّ‬
‫قيمة‬

‫‪ - 36‬موريس أنجرس منهجية البحث العلمي ص‪.116‬‬


‫‪65‬‬
‫واالتجاهات اإلنسانية‪ ،‬وتفيد في قياس اتجاهات الرأي العام نحو مختلف‬
‫املوضوعات‪ ،‬وإعادة النظر في أساليب العمل‪ ،‬بحيث يمكن تدارك األخطاء؛‬
‫وهي نفسها وظائف املناهج الوصفية أو امليدانية أو املسحية كما كانت ّ‬
‫تسمى‪،‬‬
‫أو كما هي منضوية في مناهج عدة لدراسة الظواهر اللغوية واالجتماعية واألدب‬
‫الشعبي‪ ،‬مثلما أسفر عنه علم اإلناسة أو األنثروبولوجية واللسانيات‬
‫االجتماعية واللسانيات التطبيقية التاريخية واملقارنة والتداولية وغيرها‪.‬‬
‫ّ‬
‫ال يمكن االعتقاد‪ ،‬مثال‪ ،‬أن منهجا كاملنهج اإلحصائي‪ ،‬قد ولى عهده؛ ففي‬
‫متعددة تستعمله من أجل ّ‬
‫التعرف على األدلة‬ ‫اللغة كما في األدب‪ ،‬هناك مناهج ّ‬
‫املتوفرة‪ ،‬ويستعمل في دراسة ّ‬‫ّ‬
‫عينة من‬ ‫واألسباب التي تستخلص من اإلحصائيات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التعرف على املجموع الكلي للموضوع‪ ،‬مثلما هو الشأن في‬ ‫العينات‪ ،‬لكي يمكن‬
‫ّ‬
‫الدراسات اللغوية‪ ،‬كموضوع األخطاء اللغوية في ناحية من نواحي تيزي وزو‪،‬‬
‫فيمكن أن نستفيد من املنهج اإلحصائي في تحديد نوعية األخطاء وتكرارها‬
‫وأسبابها‪ ،‬ونسبة الطلبة الجامعيين الذين يقعون في أخطاء لغوية‪ ،‬نحوية‬
‫وتعبيرية‪ ،‬وننقل هذه النسبة إلى التعليم الثانوي‪ ،‬فاملتوسط‪ ،‬فاالبتدائي مع‬
‫تحدد نوعية الخطأ والسن واملستوى والجنس؛ وذلك بوضع‬ ‫سومات بيانية ّ‬
‫ر‬
‫استبيانات عامة ننطلق منها‪ ،‬ولقد استفادت كثير من امل ناهج منه كاملنهج‬
‫املوضوعاتي واألسلوبي وغيره‪.‬‬
‫تتطور ويخلف بعضها‬ ‫إن الهدف من هذه اإلشارة‪ ،‬أن املناهج ال تموت‪ ،‬بل ّ‬
‫وتتجزأ‪ ،‬وتخلق لها تسميات بحسب ذلك الجزء‬ ‫ّ‬ ‫بعضا بالتسمية فقط‪ ،‬وهي ّ‬
‫تتفرع‬
‫ّ‬
‫املركز عليه‪ ،‬ويأخذ بعضها عن بعض‪ ،‬وتتداخل أحيانا مثلما تتداخل الظواهر‬
‫ّ‬
‫وكما تتأثر ببعضها البعض‪ ,‬وغاية ما يهدف إليه البحث العلمي‪ ،‬ليس هو البحث‬
‫عن املنهج األمثل أو النموذجي‪ ،‬بقدر ما هو السعي إلى تطبيق املنهج بطريقة علمية‪،‬‬
‫جوهرها هو‪ :‬انسجام أسئلة الظاهرة مع أسئلة املنهج املراد تطبيقه‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫للتعرف على عالقة املوضوع باملنهج؟‬ ‫ّ‬ ‫هل هناك طريقة‬
‫للتعرف على هذه العالقة‪ ،‬ومن بينها‪ :‬العالقة بين‬‫ّ‬ ‫هناك طرق عديدة‬
‫ّ‬
‫أسئلة النص وما يفترض من أسئلة املنهج‪ ،‬مثلما أكد ذلك محمد حمود‪ ،‬نقال‬
‫عن نجيب العوفي في مقال له عن " ٍأسئلة النص وأسئلة املنهج"‪ ،‬رأينا نقل‬
‫ّ‬
‫الجدول الذي صاغه عن املقال املذكور‪ ،‬ألهميته الكبيرة بالنسبة للباحث‪ ،‬لعله‬
‫ّ‬
‫يحد من أسئلة كثيرة عن عالقة املنهج باللنص أو املوضوع‪ ،‬و ّأيهما يفرض اآلخر‬
‫عندما تثار قضية املنهج وموضوع البحث‪ ،‬وهو يعد خير مثال لتوضيح هذه‬
‫القضية‪:37‬‬

‫‪ - 37‬يراجع محمد حمود‪ ،‬مكونات القراءة املنهجية للنصوص‪ ،‬ط‪ 1‬دار الثقافة للنشر والتوزيع الدار‬
‫البيضاء املغرب ‪ 1998‬مطبعة النجاح الجديدة‪.87 ،‬‬

‫‪67‬‬
‫داللتها على مستوى داللتها على مستوى املنهج‬ ‫أسئلة النص واملنهج‬
‫النص‬
‫الرسالة أو الداللة أي التحليل املضموني‬ ‫‪- 1‬ماذا يقول النص؟‬
‫والتيماتيكي للنص‪+‬التحليل‬ ‫الثاوية في أطوائه‪.‬‬
‫السوسيولوجي‬
‫املؤلف كمفرد بصيغة التحليل السوسيولوجي‬ ‫‪- 2‬من يقول النص؟‬
‫الجمع أو كجمع والبيوغرافي للنص‪.‬‬
‫بصيغة املفرد‪.‬‬
‫يعني طرائق اشتغال التحليل اللساني واألسلوبي‬ ‫يقول‬ ‫‪- 3‬كيف‬
‫وقوانين والسيميائي والبنيوي للنص‪.‬‬ ‫النص‬ ‫النص؟‬
‫تبنينه‪.‬‬
‫يعني املتلقي كطرف يعني منهجيا تحليل عملية‬ ‫‪- 4‬ملن يقول النص؟‬
‫النص ي‪،‬‬ ‫ومنتج التواصل‬ ‫مستهلك‬
‫واستحضار املنهج الثاني‬ ‫للنص‪.‬‬
‫للنص وفق نظرية التلقي‬
‫اللحظة التاريخية يعني منهجيا التحليل التاريخي‬ ‫‪- 5‬متى يقول النص؟‬
‫والسوسيوثقافية التي والسوسيوثقافي للنص‪.‬‬
‫ينشرط بها النص‪.‬‬
‫الفضاء يعني منهجيا ربط النص‬ ‫يعني‬ ‫‪- 6‬حين يقول النص‬
‫الجغرافي والوطني بواقعه البيئي ومجاله‬
‫الذي تالبس النص‪ .‬البشري‪.‬‬
‫يعني الرسالة أو يعني منهجيا الكشف عن‬ ‫‪- 7‬لم يقول النص؟‬
‫الوظيفة التي يتوخى مقاصد النص االست راتيجية‬
‫‪68‬‬
‫وعن إيديولوجيته الضمنية‪.‬‬ ‫النص تأديتها‪.‬‬
‫يلخص هذا الجدول أسئلة املنهج والنص بالنسبة للباحث‬ ‫نالحظ كيف ّ‬
‫املبتدئ الذي ال يعلم عن املناهج الش يء الكثير‪ ،‬ويحتار في اختيار املنهج؛ غير‬
‫عينة من املناهج املعتمدة‪ ،‬فقط‪ ،‬قد تلتقي مع مناهج أخرى وإن كانت‬ ‫أنها ّ‬
‫تختلف معها في التسمية وخاصة تلك املتعلقة بدراسة الظواهر اللسانية‪.‬‬
‫إن الذي يجب التركيز عليه‪ ،‬هنا‪ ،‬هو أن االنشغال الدؤوب بهذه األسئلة‬
‫أثناء قراءة النصوص‪ ،‬يجعل الباحث يتجاوز البعد الواحد الذي قد يفرضه‬
‫عليه منهج واحد منذ البداية‪ ،‬وخاصة بعدما أصبح "من البد يهي أكثر فأكثر‬
‫ويشوهه‪ ،‬أن يصير كال وينتمي إلى الكل وال‬ ‫ّ‬ ‫على النقد‪ ،‬لئال يفقد موضوعه‬
‫ينشغل إال بالكل" كما يقول هنري ميشونيك‪ ،38‬وخاصة بعدما أصبحنا نرى‬
‫معين على‬ ‫أغلب البحوث في جامعاتنا تنحو منحى آليا يستهدف تطبيق منهج ّ‬
‫مكونات النص أو الظاهرة التي تطرح أسئلتها‬ ‫نص‪ ،‬دون األخذ بعين االعتبار ّ‬
‫وتستوجب منهجها‪.‬‬
‫لقد اتضح في كثير من األحيان‪ ،‬أن صياغة أسئلة النص بطريقة علمية‬
‫أكاديمية تجعل الباحث ‪-‬ومن دون أن يدري‪ ،‬حتى وإن كان يجهل منهجا ما ‪-‬‬
‫يشتغل بنفس آلياته وإجراءاته؛ ألنه‪ ،‬وببساطة‪ ،‬ساءل النص كما ساءله‬
‫يجر الطالب‬ ‫صاحب املنهج عندما ا نطلق هو أيضا من النص‪ .‬وإذا كان األمر ّ‬
‫معين إلى نوع من اآللية التي يكون هم الباحث فيها البرهنة على‬ ‫باعتماد منهج ّ‬
‫ّ‬
‫تجلي املنهج في النص‪ ،‬فاألفضل للباحث أن يبدأ بأسئلة النص أوال‪.‬‬

‫‪38- Henri meshonnic ;pour la poétique, ed gallimard 1970‬‬ ‫‪p12‬‬


‫نقال عن محمد حمود ص‪.77‬‬
‫‪69‬‬
‫ّ‬
‫‪ - II‬وضع الخطة ‪Etablir un plan‬‬
‫ّ‬
‫تعتبر الخطة الواجهة التي تعكس قدرة الباحث على دراسة املوضوع‬
‫وأهميته األكاديمية‪ ،‬من حيث طرح األسئلة وصياغة اإلشكالية وتكوين‬
‫األول للقارئ؛ ّ‬
‫ألن جودة‬ ‫الفرضيات وتخمين النتائج‪ .‬فهي التي تعطي االنطباع ّ‬
‫متوقفة إلى ّ‬ ‫ّ‬
‫حد كبير على جودة البذرة األولى‪.‬‬ ‫النبات كما ُيقال‬
‫خاصة به‪ ،‬كما ّأن ّ‬‫خطة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّإن ّ‬
‫لكل باحث‬ ‫لكل موضوع طبيعته التي تقتض ي‬
‫خاصة‪ ،‬لكن‪ ،‬تبقى هناك نقاط ّ‬ ‫الخطة من زاوية نظر ّ‬ ‫ّ‬
‫عامة‬ ‫شخصيته التي تدير‬
‫يلم بها‪ ،‬وهي‪ :‬الصياغة األكاديمية للعنوان‪ ،‬ومنطقية‬ ‫بكل باحث أن ّ‬ ‫يجدر ّ‬
‫الخطة وثراؤها‪ ،‬وبناء عناصرها أبوابا وفصوال ومباحث‪ ،‬وشروط ّ‬
‫املقدمة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وانفتاح الخاتمة‪ ،‬وا لدقة في التهميش وفهرسة املصادر واملراجع‪ .‬إن هذه‬
‫العمليات املنظمة‪ ،‬موجهة أساسا لتحقيق الهدف من البحث‪ ،‬غير أن الهدف‬
‫ليس واحدا في كل املراحل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تعد الخطة بمثابة املساحة التي تلتقي فيها مفاتيح البحث املعرفية‬
‫ّ‬
‫وعالماته املنهجية‪ ،‬فيها وبها يتجلى موضوع البحث‪ ،‬ومن خاللها تبرز األسئلة‬
‫ّ‬ ‫املهمة التي ّ‬
‫تم اختيارها بواسطة عزل بعضها‪ ،‬واإلبقاء على ما يشكل قضايا‬
‫ً‬
‫معطى‬ ‫سما‬‫ويحقق موضوعه األكاديمي‪ ،‬وهي مع ذلك ليست ر ً‬ ‫البحث الجوهرية‪ّ ،‬‬
‫وتتكون باستمرار‪ ،‬مثل القميص بالنسبة‬ ‫ّ‬ ‫قبليا‪ ،‬كاملخطط املعماري‪ ،‬و ّإنما تنشأ‬ ‫ً‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ويتحول عن طريق‬ ‫للخياط‪ ،‬حين يبدأ خطوطا‪ ،‬فورقا‪ ،‬فأجزاء من القماش‪،‬‬
‫الخياطة إلى قميص‪.‬‬
‫إنها بمثابة السيرورة التي ال يمكن أن تكون إال البحث ذاته‪ ،‬ولكن‬
‫بمراحل مختلفة‪ ،‬وطبيعتها الحركية هذه‪ ،‬هي التي جعلتنا ننظر إليها من حيث‬
‫نتحدث بعد ذلك‪ ،‬على طبيعة‬ ‫ّ‬ ‫كل مرحلة من مراحل البحث‪ ،‬ثم‬ ‫وظيفتها في ّ‬
‫تمظهرها الشكلي‪ ،‬ولقد بصرنا بثالثة أنواع هي‪:‬‬

‫‪70‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ – 1‬الخطة التوضيحية اإلعالمية ‪ :Plan indicatif‬وهي الخطة األولية‬
‫تجسد العناصر الكبرى واألساسية للبحث‪ ،‬وتشرح املوضوع‪ ،‬كما تعطينا‬ ‫التي ّ‬
‫صورة أولى عن طبيعته؛ إنها بمثابة املعالم الضرورية واألساسية الستعمال‬
‫تشكل القاعدة التي تنبني عليها استشارات الباحث‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وتوجهه‬ ‫املراجع‪،‬وهي التي‬
‫النص أو ذاك‪ .‬كما تعطي للباحث‬ ‫ّ‬ ‫نحو املصادر واملراجع‪ ،‬فيستقي منها هذا‬
‫وتسهل عليه عملية الجمع‪ ،‬وفهم اإلشكالية‪ ،‬وهي ّ‬
‫تسمى‬ ‫ّ‬ ‫النظرة اإلجمالية‪،‬‬
‫كذلك‪ ،‬خطة البحث أو خطة القراءة‪.‬‬
‫ّ‬
‫على الرغم من أنها ليست واضحة تماما‪ ،‬فإنها تيهئ لفضاء آخر يسهم في‬
‫تحولها إلى خطة أخرى‪ .‬وليحذر الباحث من الخطة الجاهزة‪ ،‬التي تنطبق على‬ ‫ّ‬
‫تعود الباحث الكسل واالتكال على‬ ‫البحوث جميعا مع تغيير في األمثلة‪ ،‬فتلك ّ‬
‫ملفق ال غير‪.‬‬‫مجرد ّ‬ ‫وتكبل فيه روح البحث‪ ،‬فيصبح ّ‬ ‫الغير‪ّ ،‬‬
‫‪ – 2‬ا لخطة العملية املفصلة ‪ :Plan opérationnel détaillé‬وهي التي‬
‫املفصلة بعدما أغنت ّ‬
‫املادة‬ ‫ّ‬ ‫األولي إلى مجموعة من العناصر‬ ‫يتحول فيها التصور ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫التي جمعها العناصر العامة التي ظهرت بها في البداية‪ ،‬وما أن يوزع الباحث‬
‫الخطة األولية‪ ،‬حتى ّ‬ ‫ّ‬
‫يؤدي ذلك إلى إغنائها وتوسيعها‪،‬‬ ‫املعلومات على محاور‬
‫ّ‬
‫وتصبح خطة عملية نقرأ من خاللها املوضوع‪ ،‬ويكون هدفها‪ ،‬بالدرجة األولى‪،‬‬
‫املتحصل عليها بعد أن أصبح على‬‫ّ‬ ‫تأويل موضوع البحث في ضوء املعلومات‬
‫درجة من الوضوح‪ ،‬فتتالش ى آثار الخطة األولية‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ – 3‬خطة التحرير ‪ :Plan de rédaction‬وتتبلور بعد أن يقرأ الطالب‬
‫املادة فيجمع النصوص املتشابهة واملختلفة‪ ،‬ويبحث لها عن مكان داخل‬ ‫ّ‬
‫الخطة‪ ،‬مما يسمح له بالحصول على مجموعة من األفكار الجديدة التي ّ‬
‫يحولها‬
‫إلى عناوين فرعية‪ ،‬يعمل الباحث على التنسيق فيما بينها من أجل وحدة‬
‫البحث‪ ،‬وهنا ترتكز الخطة على عدة عمليات كالتحليل واالستنباط واملقارنة‪،‬‬
‫وتصبح صالحة لتحرير البحث في ضوئها‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫كل مرحلة من هذه املراحل‪ ،‬نرى ّ‬ ‫ّ‬
‫الخطة في ّ‬
‫بأنها‪ ،‬إلى جانب‬ ‫إذا نظرنا إلى‬
‫كونها وسيلة لعرض املعطيات واألفكار املختلفة‪ ،‬تساعد الباحث على التحليل‬
‫والكشف فتكون بمثابة الدليل أو اإلطار الذي يشتغل ضمنه‪.‬‬
‫للخطة؛ فيمكن أن ّ‬‫ّ‬
‫نحدد ثالثة أنواع‬ ‫أ ّما من ناحية الصياغة الشكلية‬
‫كل واحد منها مع طبيعة اإلشكالية املطروحة‪ ،‬وهي‪:‬‬‫ينسجم ّ‬
‫ّ‬
‫‪ – 1‬الخطة األحادية الخطية املتسلسلة‪ :‬حيث يسير التفكير فيها‬
‫ّ‬
‫وتتحكم في التي تليها‪ ،‬ويقوم القارئ‬ ‫خطيا‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫وكل فكرة تكون محكومة بما قبلها‪،‬‬
‫بإدراك هذه العالقات بواسطة مقترحات وعروض مرتبطة فيما بينها بروابط‬
‫ّ‬
‫منطقية‪ ،‬لذلك نجد هذا النوع من الخطة يسير حسب ترتيب ‪.. 3 – 2 – 1‬الخ‪.‬‬
‫وهذا النوع من الخطط ذو الطابع األنجلوسكسوني هو الغالب في البحوث‪.‬‬
‫الخطة الثنائية أو ذات التفرع التقابلي‪ :‬حيث يكون فيها ّ‬‫ّ‬
‫كل قسم‬ ‫‪–2‬‬
‫متشعبا إلى قسمين متقابلين‪ ،‬كاملوت والحياة‪ ،‬السلبيات واإليجابيات‪ .‬وفي‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫الوقت نفسه يكون القسم الرئيس مقابال لقسم آخر‪ ،‬وتتجلى بهذا الشكل‪:‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫جـ تقابل د‬ ‫أ تقابل ب‬


‫ّإن القاعدة الثنائية تستوجب أن يمسك الباحث باألسباب املنطقية‬
‫ّ‬
‫الخاصة‬ ‫ّ‬
‫خاصة في البحوث‬ ‫الزوجي التقابلي؛ لذلك نالحظ ّأنها تعتمد‬ ‫للتنظيم ّ‬
‫ّ‬
‫بالعلوم القانونية واالقتصادية والتربوية‪ ،‬حيث يطغى نمط البحث املتعلق‬
‫بالوصف ‪/‬التحل يل‪ ،‬املاض ي‪ /‬الحاضر‪ ،‬التطور اآلني‪ /‬املستقبلي‪ ،‬النقد‪/‬البناء‪...‬‬
‫يعلق نفسه في ثنائيات متقابلة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫حتى‬ ‫الخ‪ .‬إن هذه الطريقة ال تعني ّأن الباحث‬
‫بقوة؛ وذلك لكي ال يسقط في نوع من اآللية والشكلية‬ ‫وإن فرضت نفسها ّ‬
‫املسرفة‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ – 3‬الخطة الثالثية‪ :‬وهي خطة ديالكتيكية تتوزع على قضية ونقيض‬
‫أي مجال من‬ ‫لكل اإلشكاالت ّ‬
‫املعقدة في ّ‬ ‫قضية وتركيب‪ ،‬وهي كما نرى صالحة ّ‬ ‫ّ‬
‫مجاالت البحث‪ ،‬وعادة ما ترتبط بمراحل عليا من كتابة البحوث كأطروحات‬
‫ّ‬
‫الدكتوراه؛ حيث يكون الباحث في مستوى يمكنه من إعطاء البدائل‪ ،‬ومناقشة‬
‫القضايا ّ‬
‫املعقدة واإلشكاالت املثي رة‪ .‬غير أن عدم اعتماد هذا النوع من الخطط‪ ،‬ال‬
‫يعني أن البحث ال يرقى إلى مستوى البحوث التي تعتمده؛ ألن اإلشكاالت ّ‬
‫املعقدة قد‬
‫تحويها أيضا خطة خطية أو ثنائية‪ ،‬فالعبرة تكمن في التحليل واملقارنة‬
‫ّ‬
‫واالستنتاجات‪ّ .‬إن الخطة هي أحد أعمدة البحث األساسية‪ ،‬وهي بمثابة أحد وجهي‬
‫العملة الواحدة‪ ،‬بفضلها ينشأ بناء البحث؛ لذلك قال السيوطي ً‬
‫قديما‪ " :‬ال ينبغي‬
‫هم بوضع كتاب‪ ،‬أن يحيد عن غرضين اثنين‪ :‬إنشاء مبنى وابتداع‬ ‫ّ‬
‫ملصنف إذا ّ‬
‫معنى‪ ،‬وما سوى هذين الغرضين فتسويد الورق"‪ .‬هي إذن أحد العوامل األساسية‬
‫التي قد تطرح مشاكل عديدة إذا لم يلتزم الباحث ببعض القواعد‪ ،‬كضرورة‬
‫التناسب في الحجم بين الفصول واألبواب‪ ،‬فذلك يعكس عدم قدرة الباحث على‬
‫توزيع ّ‬
‫مادته وإدراك العالقات بين اآلراء املختلفة‪.‬‬
‫إن تحقيق االنسجام والنسق الذي يجمع العناصر بطرق علمية يجعل‬
‫البحث في حركية تكون عناصرها في تفاعل‪ ،‬وتسفر عن عالقات تعطي للبحث‬
‫أهميته ومن ّثمة قيمته العلمية‪ ،‬وأما غيابهما في البحث فيعتبر دليال على عجز‬
‫ّ ّ‬
‫الباحث عن صنع خطة يوزع فيها املعلومات بطريقة منهجية‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫املستوى اإلشكالي للبحث‬

‫‪ - I‬اختيار املوضوع ‪choisir un sujet‬‬


‫تعد عملية اختيار املوضوع املرحلة األساسية في البحث‪ّ ،‬‬
‫تفعلها قدرة‬
‫الباحث على املواصلة والوصول إلى نتائج جيدة‪ ،‬أو التعثر واإلخفاق؛ فاالختيار‬
‫توجه فكر الطالب نحو املصادر التي يستقي منها موضوعه؛ أولها‪:‬‬ ‫عملية ذهنية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتكون من قراءاته‪ ،‬ومما تعلمه في مسيرته الدراسية‪ ،‬من‬ ‫رصيده املعرفي‬
‫مالحظاته واستفساراته‪ ،‬اعت راضاته أو رضاه؛ لذلك يفضل إذا كان الطالب‬
‫محدود املعرفة أن يلجأ إلى أحد مصادر األدب واللغة العامة القديمة والحديثة‬
‫ّ‬
‫ليكون فكرة عامة عن املجال املراد البحث فيه‪.‬‬

‫هل الطالب بحاجة إلى من يساعده في اختيار املوضوع؟‬


‫إن قراءات الباحث وخلفيته املعرفية هي أول مساعد له‪ ،‬غير أن اإلنسان‬
‫يوجهه ويأخذ بوجهة نظره مهما بلغ من العلم‪ ،‬فالنفس في‬ ‫بحاجة دائما إلى من ّ‬
‫العلم تقنع بالقليل‪ ،‬والفكر قد يثبت عند قضية ما تستهويه‪ ،‬فال يحيد عنها‪.‬‬
‫ليوجهه نحو مجال‬‫ال بد أن يلجأ الطالب املبتدئ إلى األستاذ املشرف ّ‬
‫حدد املوضوع‪ ،‬وقد تفيده‬‫معين يطالع فيه حتى إذا تبلورت في ذهنه إشكالية ما‪ّ ,‬‬
‫ّ‬
‫مناقشته أصدقاءه أو أساتذته؛ ألن كثرة اآلراء ّ‬
‫وتنوعها تسهم في توضيح األفكار‪،‬‬

‫‪74‬‬
‫حيرته‪ ،‬أو سؤال قد‬ ‫تتبين له بداهة فكرة استهوته‪ ،‬أو ضعف إشكالية ّ‬ ‫فقد ّ‬
‫ّ‬
‫أجيب عنه ولم يطلع على مصدره‪.‬‬
‫ّ‬
‫يتسرع الباحث في‬ ‫ّإن أكث ر البحوث اشتماال على املخاطرة؛ هي تلك التي‬
‫التسجيل فيها بدافع الحماس والطموح املبالغ فيه الذي يقترن في أحيان كثيرة‬
‫باعتداد بالنفس‪ ،‬أو إفراط في التسرع؛ ولكي ال يقع في هذه املخاطرة‪ ،‬عليه أن‬
‫يسير وفق منهجية ّ‬
‫معينة في اختيار املوضوع‪.‬‬
‫يبدأ البا حث بتحديد املجال الذي يرغب أن يبحث فيه‪ ،‬بحسب الرغبة‬
‫يحدد الظاهرة املراد مناقشتها واإلحاطة بها‪ ،‬وبعد ذلك يصوغ‬ ‫الفعلية فيه‪ ،‬ثم ّ‬
‫اإلشكالية أي‪ :‬ما يثير التساؤل في الظاهرة‪ ،‬وما يقتض ي اإلجابة عنه‪ ،‬ثم يضع‬
‫افت راضات لإلجابة عن األسئلة بالسعي إلى إثباتها أو دحضها‪.‬‬
‫إن ذلك كله ينبغي أن يكون مرتبطا بالهدف من البحث‪ ،‬على الرغم من‬
‫أن للبحث أهدافا كثيرة يجب أن يضعها الباحث نصب عينيه وبحسب األولوية‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬يجب أن يعرف أي باحث أن كتابة بحث هي منبع إرضاء معرفي عميق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ينمي الفضول املعرفي ّ‬ ‫ّ‬
‫ويحفزه‪ ،‬إلى جانب كونه ضرورة عملية تمكن الباحث من‬
‫الحصول على شهادة عليا تسمح له بأن تكون له مكانة ّ‬
‫مهمة في املجتمع‪.‬‬
‫يمكن الباحث من توجيه ذهن الباحث نحو عدة أمور‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬إن البحث نشاط‬
‫منها‪:‬‬
‫تكون ظاهرة ما أو‬‫‪ -‬القدرة على حصر إشكالية ما يراها ضرورية في ّ‬
‫تطويرها أو تهميش ظاهرة أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬إعطاء مواقف وأفكارا شخصية من خالل تخمين إجابات الفت راضات‬
‫تثيرها اإلشكالية وتنظيمها وفق آليات منهجية معينة‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫‪ -‬االكتشاف والتعرف على آراء وأفكار اآلخرين من خالل املراجع التي‬
‫ّ‬
‫يتمكن من جمعها وقراءتها‪ ،‬وبالتالي اكتساب معلومات ومعارف إضافية تسهم‬
‫في تكوين شخصيته والرفع من مستواه‪.‬‬
‫إن معرفة هذه األمور نظريا‪ ،‬ال يفيد الباحث في ش يء ما لم يمارسها‪،‬‬
‫ويحرص على االستفادة من كيفية توظيفها من أجل اختيار موضوع بحث‬
‫للتخطيط و ّ‬ ‫تتوفر فيه الشروط األكاديمية الال مة؛ ولذلك هناك أدوات ّ‬ ‫ّ‬
‫التفكير‬ ‫ز‬
‫من أجل الوصول إلى الهدف املرجو من اختيار املوضوع‪ ،‬وأهمها‪ :‬وضع أسئلة‬
‫اإلشكالية‪ ،‬وصياغة الفرضيات‪ ،‬وتحويل املعطيات إلى موضوع إشكالي‪.‬‬
‫ّ‬
‫كثي را ما يقال يجب توفر إشكالية للبحث‪ ،‬وعادة ما تناقش قضية خلو‬
‫البحث من إشكالية‪ ،‬دون أن تعطى األهمية إلى كيفية صياغتها وكيف تكون‬
‫األسئلة هي األداة األساسية للتفكير وزيادة ّ‬
‫التحصيل العلمي‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن تعثر الباحثين املبتدئين في صياغة أسئلة‪ ،‬يعود بالدرجة األولى إلى‬
‫ّ‬
‫الطريقة التي تعلموا بها‪ .‬فما زلنا نلقن الطلبة‪ ،‬ونستبعد الطريقة الحوارية‪.‬‬
‫ّ‬
‫مازال األساتذة في مستوى التعليم العالي يطرحون على الطلبة أسئلة التذكر‬
‫لترجع إليهم بضاعتهم‪.‬‬
‫وتشير نتائج ا لطلبة وطبيعة البحوث املقدمة أن عددا كبي را من األساتذة‬
‫يطورون أسئلتهم‪ ،‬وال يدركون أنها تلعب دورا كبي را في تحصيلهم العلمي أكثر‬‫ال ّ‬
‫يفرقون بين‬‫يقدمونها لهم‪ ،‬كما أن الطلبة أنفسهم‪ ،‬ال ّ‬ ‫من املعلومات التي ّ‬
‫مختلف أنماط األسئلة وكيفية استخدامها إال من حيث الحكم عليها بالسهولة‬
‫ّ‬
‫أو الصعوبة؛ فإذا كانت أسئلة توطد معلومات األستاذ أو تراجعها؛ فهي سهلة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وإذا كانت أسئلة غير مباشرة تباعدية تتطلب التفكير واإلبداع واالختالف‬
‫باتخاذ موقف أو حكم؛ فهي من الصعب العسير؛ لذلك يبدو طبيعيا أن يحتار‬
‫الطلبة في مستوى الدراسات العليا في اختيار موضوع للدراسة‪ ،‬ولذلك يبدو من‬
‫‪76‬‬
‫املهم الحديث عن كيفية الوصول إلى وضع أسئلة؛ ّ‬
‫ألن أي إشكالية ال بد أن‬
‫ّ‬
‫تتشكل منها وأن موضوعا بدون إشكالية محكوم على صاحبه بالفشل‪.‬‬
‫ما معنى السؤال؟‬
‫يعرف السؤال عادة بأنه‪ :‬جملة استفهامية تحتاج إلى جواب‪ ،‬أو هو‬ ‫ّ‬
‫معينة من حيث‪:‬‬‫محاولة الحصول على معلومة بالبحث في معطيات ظاهرة ّ‬
‫وتطورها‪ ،‬نتائجها أو عالقاتها بظواهر أخرى في مجال‬ ‫ّ‬ ‫خصائصها‪ّ ،‬‬
‫تحولها‪،‬‬
‫ّ‬
‫آخر‪ ،‬وغير ذلك من األهداف؛ ولذلك‪ ،‬عادة ما تشكل أسئلة إشكالية ما‪ ،‬من‬
‫ّ‬
‫أجل أهداف تتمثل في ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬اكتشاف ما هو مجهول‪.‬‬
‫‪ -‬تشخيص معرفة سابقة بطريقة مغايرة‪.‬‬
‫‪ -‬تقديم تطبيق على مسألة نظرية‪.‬‬
‫‪ -‬تفسير بعض الظواهر أو تطوير املفاهيم‪.‬‬
‫‪ -‬كشف العالقات املوجودة بين الظواهر وأسبابها‪.‬‬
‫التعمق في فهم معطيات أو قضية ّ‬
‫معينة‪.‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬ترسيخ عالقة سبب بنتيجة نعرفها أو العكس‪.‬‬
‫‪ -‬تشخيص صعوبة فكرة ما‪ ،‬واقت راح حلول‪.‬‬
‫‪ -‬است ثمار منهج ما في دراسة ظاهرة معروفة‪.‬‬
‫‪ -‬تنمية القدرة على التفكير وتطوير التقدير‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬التمكن من التعبير عن قضايا مختلفة‪.‬‬
‫إن معرفة هذه األهداف هو جزء من امتالك القدرة على صياغة‬
‫ّ‬
‫األسئلة‪ ،‬والتمكن من تكوين مواقف إيجابية؛ لذلك ال بد أن يطرح الطلبة‬
‫الباحثون على أ نفسهم مثل هذه األسئلة‪ ،‬كما قد يسهم األستاذ املشرف في‬
‫اختبار قدرة الطالب على اكتساب مهارة صياغة السؤال من خالل طرحه أسئلة‬
‫‪77‬‬
‫عليه عندما يستشيره في موضوع البحث‪ ،‬ويكون الهدف منها هو التعرف على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫توجهات الطالب املعرفية والعلمية واملنهجية‪ ،‬وربطها بمدى توفر الرغبة وإرادة‬
‫معين‪ ،‬ومحاولة استغالل هذه القدرات العلمية واملنهجية‬ ‫البحث في موضوع ّ‬
‫والنفسية في توجيهه نحو ظاهرة معينة تستحق الدراسة‪ ،‬أو تلفت انتباهه إلى‬
‫ّ‬
‫ظاهرة يعتقد أنها من املسلمات‪ ،‬في حين‪ ،‬هي تثير أسئلة إشكالية‪ ،‬كما قد‬
‫يصرفه عن أمور يعتقد ‪-‬ملحدودية تجربته ‪ -‬أن ا لبحث يصلح فيها‪ ،‬وهي أمور قد‬
‫حسم األمر فيها‪ ،‬ال تضيف إلى البحث العلمي جديدا‪.‬‬
‫هناك طرق مختلفة الختبار الطالب‪ ،‬وأفضلها ما كان فيها مطالبا بتنفيذ‬
‫االختبار‪ ،‬وخاصة من خالل أسئلة االمتحان التي تطرح على طلبة السنة‬
‫التحضيرية من املاجستير‪ ،‬ملعرفة قدرتهم على صياغة إشكالية بحث انطالقا‬
‫معينة‪ ،‬وهذا ما قمت به مع طلبة شعبة السيميائيات لسنة‬ ‫من معطيات ّ‬
‫‪ 2004- 2003‬بجامعة تيزي وزو‪- ،‬ارتأيت أن أعرضها في هذا السياق ‪ -‬وكان‬
‫السؤال عبارة عن معطيات معروفة يحاول الطالب انطالقا منها أن يصوغ‬
‫تلقاه من‬‫إشكالية‪ ،‬وأن يقترح خطة أولية ملشروع بحث علمي في ضوء ما ّ‬
‫اتجاهات سيميائية (الداللة والتواصل والثقافة) سأعرضه مع إجابة طالب‬
‫وطالبة‪.‬‬

‫املعطيات‪ :‬لقد كان النص القرآني وما يزال‪ ،‬هو الحدث األكبر في اإلسالم‪،‬‬
‫وال نظن أنه يوجد في الحضارة اإلسالمية من النصوص ما استقطب االهتمام‬
‫كالذي ناله النص القرآني؛ ف لقد كان في العصر اإلسالمي األول موضع تأثير ّ‬
‫يشد‬
‫اآلذان ويبهر القلوب‪ ،‬وبغياب الرسول‪ ،‬عليه الصالة والسالم‪ ،‬اختلف علماء‬
‫اإلسالم في استكناه معانيه وتأويلها‪ .‬ففي حين انطلق علماء اإلعجاز من اعتباره‬
‫نسقا لغويا‪ ،‬بيان إعجازه في بالغته‪ ،‬نظر إليه املتصوفة باعتباره نسقا رمزيا‪،‬‬
‫‪78‬‬
‫باطنه أولى من ظاهره‪ ،‬وتجاوز أمره إلى العامة التي أضفت عليه طابعا تقديسيا‪،‬‬
‫جعل منه تعويذة تكرر أو حرزا يتداوى به‪ ،‬يبطل السحر ويبعد األذى عن‬
‫الصغار والكبار‪ ،‬وانتقل الحفظ في الصدور إلى الحفظ على الصدور في تميمة‬
‫ّ‬
‫تعلق على صدر طفل أو توضع تحت وسادة مريض‪.‬وملا ازدهرت الحضارة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وظف النص القرآني على املنابر واملحاريب‪ ،‬وفي واجهات القصور‬
‫وعد موضوعا جماليا ّ‬
‫يجسد في رسم‬ ‫وتزينت به النساء في هيئة عقد‪ّ ،‬‬‫واملدائن‪ّ ،‬‬
‫على ورق أو ينحت في الصخور والخشب‪ ،‬وصبغ بالذهب وزين بالجواهر والدرر‪،‬‬
‫حمال معان‪.‬‬‫ولم يخرج النص القرآني عن كونه قوال ّ‬
‫إن نزول القرآن بلسان عربي‪ ،‬جعل اللغة العربية تخلد به وتالزمه‪ ،‬حتى‬
‫أن الثقافة العاملية‪ ،‬جعلت للفن الذي يوظف فيه الخط العربي اسم‬
‫"األرابيسك"‪ ،‬نسبة إلى العربية‪ ،‬وبقدر ما كان املسلمون يبتعدون عن القرآن‬
‫قراءة وتالوة وذكرا‪ ،‬كان يقترب هو منهم من خالل إطار ّ‬
‫يزينون به منازلهم‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫حلي تتحلى بها نساؤهم‪ ،‬أو مجلد في رفوف مكتباتهم‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال‪ :‬من هذه املعطيات‪ ،‬صغ إشكالية بحث في ضوء االتجاهات‬
‫ّ‬
‫وتصورا لخطة بحث أولية؟‬ ‫السيميائية املدروسة وضع عنوانا‬
‫‪ -‬اإلجابة‪:‬‬
‫حبي والطالب حسين‬ ‫إجابة مركبة مما جاء في إجابة الطالبة حكيمة ّ‬
‫خالفي‪:‬‬
‫القرآن كتاب هللا املعجز‪ ،‬يحمل بداخله ما ال يستطيع بشر أن يأتي‬
‫بمثله‪ ،‬ولقد تناوله الدارسون من مختلف النواحي وبمناهج مختلفة‪ .‬وانطالقا‬
‫من النص الذي بين أيدينا تبلورت لدينا عدة أسئلة ارتبطت بمختلف الدالالت‬
‫التي حمل بها النص القرآني‪ ،‬وبمختلف التأويالت التي ارتبطت به‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫لعل أول سؤال يطرح هو‪ :‬ما طبيعة العالقة املوجودة بين النص القرآني‬
‫باعتباره كالما واستعماالته املختلفة في الثقافة اإلسالمية؟ كيف حدث هذا‬
‫التحول وكيف حدث الخرق؛ أي االنتقال من كونه خطابا دينيا مقدسا‪ ،‬هدفه‬ ‫ّ‬
‫تقويم حياة البشر إلى توظيفه في مجاالت أخرى من الحياة‪ ،‬اكتسب من خاللها‬
‫معاني أخرى ودالالت جديدة ؟ ما داللة استعماله كتعويذات وارتباطه بطالسم‬
‫في السحر والشعوذة؟ ما داللة كل هذه العالمات واألنساق التي أنتجتها الثقافة‬
‫الشعبية؟ ملاذا نحتت آيات القرآن في املباني واملساجد وكتبت بماء الذهب‬
‫وزينت بالجواهر والدرر؟ هل أن قداسة القرآن هي التي ر ّسخت النص القرآني‬
‫في أذهان العامة أم هي طبيعة تحول األنساق واألنظمة الداللية في‬
‫املجتمعات؟‪ ،‬ما مقدار تواجد القرآن في املجتمع وبالخصوص آية الكرس ي؟‬
‫لقد ثبت أن القرآن هو نظام من العالمات‪ ،‬حاول العلماء وصفها‬
‫ّ‬
‫وتحليلها ورصد تحولها في مجاالت الحياة املختلفة‪ ،‬وكيفية ممارستها في شكل‬
‫طقوس مختلفة‪ ،‬فما داللة هذه العالمات‪ ،‬وبشكل أدق كيف انتقلت داللة‬
‫القرآن من كونه نظاما لغويا إلى نظام غير لغوي؟ هل هذه النقلة من االهتمام‬
‫بالقرآن الكريم من قراءته ومعرفة معانيه إلى تجسيده كتابة وخطا ومعتقدا‪،‬‬
‫تعبر عن استنفاذ ملعاني النص ودالالته‪ ،‬وبالتالي االنتقال إلى تجسيده وجعله‬
‫جزءا من املحيط والثقافة؟ أم هو مجرد تعميم وإحاطة بالثقافة الدينية؟‬
‫إن هذه األسئلة يمكن أن نصوغ منها إشكالية البحث‪ ،‬وندرسها في ضوء‬
‫املنهج السيميائي‪ ،‬ولعل أهم اتجاه يساعدنا في اإلجابة على هذه األسئلة هو‬
‫اتجاه سيميولوجيا الداللة والثقافة‪ ،‬حيث يمكننا تبني االتجاهين من رصد‬
‫كيفيات استعمال النص القرآني في املجتمع وفي الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ومن خالل‬
‫ممارساته الطقوسية له من طرف العامة‪ ،‬ثم داللة كل ذلك‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫ال بد في هذا ا ملجال أن نعود إلى داللة رسم اآليات القرآنية في املساجد‬
‫والبنايات وتاريخ التوظيف وأسبابه‪ ،‬وذلك باالعتماد على مفهوم املوسوعة‬
‫ألمبرتو إيكو‪ ،‬مثال‪ ،‬وكيف تساهم في فهم وتأويل األنظمة والعالمات‪ ،‬كما يمكن‬
‫االستفادة من سيميولوجيا الصورة البصرية بالنظر إلى النص القرآني كفعل‬
‫فني يصوغ جمالية الخط العربي وتنوعه بتنوع األقطار‪ ،‬فنجد الخط املغربي‬
‫والفارس ي والكوفي والرقعي وغيرها من الخطوط التي تحيل على تميز خاص‬
‫داخل إطار ثقافي عام مبرزة التنوع الجمالي‪ ،‬بمزاوجة هذا الفن بفن العمران‬
‫وهو نسق دال مختلف‪ ،‬كل هذا يمكننا تناوله في إطار نظرية العالمة عند ش‪.‬‬
‫س‪ .‬بورس‪ ،‬الذي نجد في نظريته مجاال معرفيا خصبا يمكن اعتماده في دراسة‬
‫النص باعتباره نسقا عالميا له ممثالته وموضوعاته ومؤوالته املختلفة‪،‬‬
‫وباعتباره رموزا لحضارة ومؤشرات على تحوالت ثقافية وإيقونات ملجتمع‪،‬‬
‫وعليه‪ ،‬يمكن أن يصاغ البحث في عنوان" النص القرآني من القراءة إلى‬
‫الصورة ‪ -‬دراسة سيميو ثقافية" أو "سيرورة تأويل النص القرآني"‪ ،‬حيث يتم‬
‫تقص ي املسار التأويلي الذي رافق النص القرآني‪.‬‬
‫هذه خالصة إجابة الطالب والطالبة املذكورين ‪-‬أعدت صياغة بعض‬
‫عباراتها‪ .‬لعل عدم ذكر الخطة فيها راجع إلى أن اإلجاب تين حصرتا الخطة في‬
‫محورين عامين هما‪ :‬النص القرآني باعتباره نسقا لغويا‪ ،‬والنص القرآني‬
‫باعتباره ممارسة جمالية؛ مما يعني أن الطالب في هذا املستوى من البحث ومع‬
‫قدمت له‪ ،‬ال يمكن أن ّ‬
‫يقدم إال محاور عامة؛ ألن الخطة تبدأ في‬ ‫املعطيات التي ّ‬
‫ّ‬
‫التشكل مع مرحلة جمع املادة‪.‬‬
‫أما بالنسبة لصياغة إشكالية البحث‪ ،‬فواضح هنا استثمار الطالب‬
‫والطالبة معرفتهما في السيميائيات‪ ،‬وواضح أيضا كيف ساهمت هذه املعرفة في‬
‫بلورة أسئلة هي من صميم االتجاهات السيميائية‪ ،‬والدور الذي لعبته املعطيات‬
‫‪81‬‬
‫املذكورة ‪-‬وهي من املسلمات بالنسبة لهما ‪-‬في صياغة أسئ لة اإلشكالية‪ ،‬وهي أسئلة‬
‫مقبولة إلى حد كبير بالنسبة لطالب في السنة التحضيرية كانت أول امتحان له‪.‬‬
‫كيف تصوغ أسئلة فعالة إلشكالية قائمة على مواصفات علمية؟‬
‫‪ -‬أعط لنفسك الوقت الكافي لصياغة أسئلة‪ ،‬والوقت الكافي ليس محددا‬
‫بالزمان بقدر ما هو محدد بالطريقة‪.‬‬
‫‪ -‬تحاش األسئلة التي تتطلب اإلجابة املباشرة ب نعم أو ال؛ ألنها لن تفيد‬
‫كثي را‪.‬‬
‫تولد السؤال من السؤال؛ ألن هذه الطريقة تجعلك ّ‬ ‫ّ‬
‫تتعمق في‬ ‫‪ -‬حاول أن‬
‫ّ‬
‫للتوصل إلى اإلشكالية التي تستحق الدراسة‪.‬‬ ‫الظاهرة املدروسة‬
‫‪ -‬اطرح أنواعا مختلفة من األسئلة منها ما هو مرتبط باملنهج ومنها ما هو‬
‫مرتبط بالنص‪ ،‬ومنها ما هو مرتبط بصاحب النص‪ ،‬وأخرى بالتاريخ‪ ،‬فقد تجد‬
‫إحداها أهم من األخرى عند اختبارها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫كون األسئلة التي تمكن من صياغة األشكال والنماذج‪ ،‬أي األسئلة التي‬
‫تركز على العالقات‪.‬‬
‫‪ -‬صغ أسئلة جديدة وطريفة ومدهشة قائمة على اإلمكان‪ :‬ماذا ينتج عن‬
‫التخيل‪ :‬ما الذي يمكن وكيف يمكن وملاذا‬ ‫هذا؟ واالحتمال‪ :‬ماذا سيحصل؟ و ّ‬
‫يمكن أن؟‬
‫‪ -‬صغ أسئلة افت راضية بأجوبة تخمينية‪.‬‬
‫‪ -‬صغ أسئلتك بلغة وأسلوب واضحين للتأكد من أنها أسئلة فعالة‪.‬‬
‫‪ -‬تأكد أال تكون بعض أسئلتك خاطئة‪.‬‬
‫ما هي الفرضية وكيف تصاغ؟‬
‫إن نجاح الباحث في وضع أسئلة هو الوجه اآلخر لصياغة الفرضية‪،‬‬
‫ودليل على أهميتها في الوقت نفسه ووضوح الهدف من البحث‪ ،‬وعندما ّ‬
‫يتم‬
‫‪82‬‬
‫للباحث كل هذا‪ ،‬يكون قادرا على استنباط املفاهيم التي ّ‬
‫يتم تحليلها‪ ،‬والتي‬
‫ّ‬
‫تشكل في الحقيقة جوهر اإلشكالية العلمية للبحث‪ ,‬وبمجرد ما يصوغ الباحث‬
‫مفاهيمه يكون أمام ما يسمى بالفرضية التي هي اإلجابة املقترحة ألسئلة‬
‫البحث‪ ، 39‬التي تقتض ي التنبؤ بإجابة تقوم على إيجاد عالقة منطقية بين رأيين‬
‫ّ‬
‫التحقق منها‪ .‬وإذا كانت القضية قائمة‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬على‬ ‫أو عنصرين أو أكثر ثم‬
‫األسئلة فهذا ال يعني‪ ،‬أن التنبؤ باإلجابة ال بد أن يحدث في البداية‪ ،‬فكثي را ما‬
‫يؤدي ذلك إلى تأكيد‬ ‫تتحقق الفرضية بعد إدراك العالقة بين العناصر‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ّ‬
‫الفرضية إذا كانت اإلجابات موضوعية غير نابعة من رأي شخص ي ذاتي مثال‪ ،‬أو‬
‫إلى نفيها‪ .‬أما إذا كان الباحث ال يمتلك الوسائل الكافية واملعطيات التي تسهم في‬
‫ّ‬
‫تأكيدها‪ ،‬فإن أس ئلته ال تقوم على مفاهيم تتعلق بالظاهرة املدروسة وال على‬
‫العالقات بين أجزائها‪.‬‬
‫الفعالة وافت راض إجابة من شأنه أن يوصل الباحث إلى‬ ‫إن طرح األسئلة ّ‬
‫إيجاد عالقات بين عناصر الظاهرة‪ ،‬بحيث يكون كل عنصر سببا آلخر‪ ,‬وهو ما‬
‫يجعل الهدف من البحث واضحا‪ ,‬قابال للفهم والت أويل‪ ،‬فيمنح فرصة للحوار‬
‫توصل إلى صياغة‬ ‫الفعال والتفكير املخصب‪ ،‬وبهذه الطريقة‪ ،‬يكون الطالب قد ّ‬
‫إشكالية علمية تؤهله الختيار موضوع بحث‪.‬‬
‫محاذير حول توجيه األستاذ املشرف‪:‬‬
‫في هذا املستوى هناك محاذير ّ‬
‫توجه إلى األساتذة املشرفين‪ ،‬وهي‪ :‬أال‬
‫تخصصهم ّ‬
‫وتوجهاتهم دون اختبار هذا التوجيه‪ ،‬مثلما‬ ‫ّ‬ ‫يوجهوا الطلبة بحسب‬ ‫ّ‬
‫وضحنا سابقا‪ .‬وإذا ما حدث أن اقترح األستاذ على الطالب موضوعا بحسب‬ ‫ّ‬

‫‪ - 39‬يراجع موريس أنجرس‪ ،‬منهجية البحث العلمي في العلوم اإلنسانية‪ ،‬تدريبات عملية‪ ،‬ترجمة‪ :‬بوزيد‬
‫صحراوي‪ ،‬كمال بوشرف‪ ،‬سعيد سبعون‪ ،‬مراجعة مصطفى ماض ي‪ ،‬دار القصبة‪ ،2004 ،‬الجزائر ص‬
‫‪151‬‬
‫‪83‬‬
‫توجهه هو‪ ،‬ووجد ارتياحا لدى الطالب واستوعب املوضوع بسرعة ووضع‬ ‫ّ‬
‫توجه الطالب منذ البداية لكن أعوزته‬ ‫أسئلة اإلشكالية‪ ،‬فهذا يعني أنه كان ّ‬
‫الطريقة وحالت قلة التجربة دون تحديد وضعه وتوضيح قصده‪ ،‬أو أعوزته‬
‫اللغة في التعبير عنه‪.‬‬
‫ما عالقة األسئلة باملنهج املختار؟‬
‫ال بد من اإلشارة إلى قضية أساسية في صياغة األسئلة بالنسبة للباحث‪،‬‬
‫وهي‪ :‬أنها يجب أن تكون مرتبطة بالظاهرة ال باملنهج‪ ،‬وال بأس أن تكون أسئلة‬
‫املنهج أدوات مساعدة الستثارة أسئلة الظاهرة؛ ألن أسئلة املنهج هي من النوع‬
‫التقاربي‪ ،‬فإذا قلت مثال‪ :‬ما هي تقنيات السرد و أنواعه في رواية ّ‬
‫معينة‪ ،‬أو ما‬
‫نوع املفارقات الزمنية أو املنظور السردي؛فيها؟ فموضوع هذه األسئلة والذي‬
‫هو السرد والبنية الزمنية‪ ،‬حاضر في ذهني من خالل ما حدده رواد علم السرد‬
‫الحديث كجيرار جينيت مثال‪ ،‬ومن ّثمة‪ ،‬فإن األجوبة تكون حاضرة في هذه‬
‫األسئلة األسئلة‪ .‬في حين لو قلت مثال‪ :‬ملاذا أصبحت اللغة هي موضوع الحكي في‬
‫روايات الحبيب السائح؟ الستوجب األمر أسئلة أخرى وبحثا من أجل الوصول‬
‫إلى أجوبة تنطلق أساسا من الرواية ذاتها‪ ،‬ومن روايات سابقة عند نفس‬
‫الروائي‪ ،‬أو عند غيره من الروائيين‪ ،‬وهي ّ‬
‫تعد أسئلة تباعدية؛ ألن اإلجابة عنها‬
‫ليست معطاة ومعروفة سلفا‪ ،‬ولذلك ال يمكن أن تساهم في صياغة إشكالية‪.‬‬
‫هذا النوع من األسئلة يساعد الطلبة على تطوير مستويات عليا من‬
‫التفكير‪ ،‬ليصب حوا باحثين خالقين‪ ،‬ومبدعين في حل القضايا ومثقفين علميا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فاألسئلة التي تتطلب معلومات كأن يتذكر الطالب مفهوم البرنامج السردي أو‬
‫أنواع السرد أو أنواع املفارقات أو الفرق بين الكالم واللسان في اللغة أو أفعال‬
‫ّ‬
‫الكالم في التداولية‪ ،‬هي ذات تأثير مختلف عن األسئلة التي ال تذكر بل‬
‫تستشرف‪ ،‬وال بأس أن يستعين الطالب ببعض املفاهيم لكي يصوغ أسئلة‬
‫‪84‬‬
‫علمية‪ ،‬لها تأثير في صوغ الفرضيات وتخمين األجوبة‪ ،‬وهنا ال بد أن يتجاوز‬
‫ّ‬
‫مستوى التذكر واالستيعاب والتطبيق اآللي‪ ،‬إلى مستوى التحليل والتركيب‬
‫املبررات‪ ،‬وهذا النوع من األسئلة ّ‬
‫يسمى األسئلة املفتوحة‪،‬‬ ‫وتقديم األسباب و ّ‬
‫تحفز عمليات التفكير التباعدي‪ ،‬وإنتاج املواقف؛ وهي أسئلة تقوم على‬ ‫التي ّ‬
‫االفت راض والتنبؤ‪ ،‬والتفكيك وإعادة البناء‪ ،‬إنها أسئلة ّ‬
‫تحفز على التفكير‬
‫باالحتماالت القائمة على ربط األفكار املعروفة بأفكار غير معروفة من أجل‬
‫ّ‬
‫إعطاء تفسي رات جديدة‪ ،‬وتتطلب تفكي را تركيبيا عالئقيا‪.‬‬
‫كيف يمتحن الباحث اختياره للموضوع؟‬
‫ّ‬
‫عندما تتوفر للباحث القواعد النفسية الضرورية الختيار املوضوع من‬
‫رغبة وإرادة‪ ،‬ومعطيات‪ ،‬يخضع الباحث نفسه وموضوعه بمساعدة أستاذه‬
‫املشرف إلى نوع من االمتحان حدده ‪ Jean- pierre Fragniere‬في كتابه‬
‫‪ Comment réussir un mémoire‬في املخطط التالي الذي استفدنا من بعض‬
‫شرحه له‪:40‬‬

‫المن عة الشخصية‬ ‫سعة‬


‫للدااث‬ ‫الموضوع‬
‫قدرة وتكوين‬ ‫وضعية الموضوع في اقل‬
‫الدااث‬ ‫المعرفة المعارف‬
‫الموقع االجتمابي‬
‫الباحث‬ ‫املوضوع‬ ‫الداللة االجتمابية‬
‫للدااث‬ ‫للموضوع‬
‫المصادر المادية‬ ‫صعوبات‬
‫الم ابدة‬ ‫الموضوع‬

‫‪40 -‬‬‫‪jean-pierre Fragnière , comment réussir un mémoire, éditions, dunod, 2 éd Paris 1996‬‬
‫‪p17.‬‬
‫‪85‬‬
‫‪- 1‬سعة املوضوع‪ :‬وهي مرتبطة بشمولية املوضوع ملجموعة من‬
‫ّ‬
‫اإلشكاليات التي يصعب الربط بينها‪ ،‬أو توزعه على فت رات زمنية متباعدة‪ ،‬لذلك‬
‫تحدد اإلشكالية‪ ،‬وأن تكون قابلة للد اسة غير مستهلكة‪ ،‬وأن ّ‬
‫يحدد‬ ‫يفضل أن ّ‬ ‫ّ‬
‫ر‬
‫املوضوع زمانيا ومكانيا‪ ،‬إلمكانية الخروج بنتائج يمكن تعميمها واالستفادة منها‪.‬‬
‫فال يمكن مثال أن يختار الطالب ظاهرة الرمز في األدب العربي الحديث؛ ألنه‬
‫ّ‬
‫يتوزع على عدة إشكاالت‪ ،‬منها ما هو متعلق بالنثر بأنواعه‪ ،‬ومنها ما له عالقة‬
‫بالشعر بأنواعه‪ ،‬كما أن الرموز أنواع ولها مصادر متنوعة دينية وتاريخية‬
‫وأسطورية وأجنبية‪ ،‬ولها أسباب في توظيفها‪ ،‬ثقافية وذاتية‪ ،‬وأخرى مرتبطة‬
‫توجهاتهم اإليديولوجية‬‫الكتاب لهم ّ‬ ‫بعملية الكتابة عند كل مبدع‪ ،‬كم ا أن ّ‬
‫والدينية والسياسية املختلفة‪ ،‬فضال عن أنهم من أجيال مختلفة وغيرها من‬
‫اإلشكاالت التي ال يمكن أن تكون موضوع بحث واحد‪.‬‬
‫‪ - 2‬وضعية املوضوع في حقل املعارف‪ :‬على الطالب أن يكون على دراية‬
‫ّ‬
‫املتوصل إليها‪،‬‬ ‫باملوضوعات التي أنجزت في املجال الذي ي بحث فيه‪ ،‬والنتائج‬
‫وضرورة السعي إلى اإلضافة وليس إلى التكرار‪ ،‬فما أنجز يصبح ملكه وما لم ينجز‬
‫فذلك الذي عليه القيام بفعله ؛ لذلك نجد كثي را من الباحثين يقعون ضحية‬
‫تم قبلهم‪ ،‬فيكشفون بعد أن قطعوا أشواطا كبيرة أن املوضوع درس‪،‬‬ ‫جهلهم ملا ّ‬
‫واإلشكالية حلت فيصابون بالخيبة ويضيع الهدف‪.‬‬
‫ّ‬
‫على الباحث أن يسأل نفسه‪ :‬أين توقفت قراءاته؟ ومنذ متى قرأ في املجال‬
‫الذي يريد أن يختار البحث فيه؟‪ ،‬وما هي التطورات التي حصلت في ميدان توجهه‪،‬‬
‫وال بد أن يسأل األساتذة والباحثين الذين كتبوا في املوضوع‪.‬‬
‫تطور الحياة‪ ،‬وفي إطار العوملة‬‫‪ - 3‬الداللة االجتماعية للموضوع‪ :‬مع ّ‬
‫الثقافية وضرورة املحافظة على الهوية‪ ،‬ال يمكن للباحث أن يكون حياديا في اختيار‬
‫املوضوعات التي ترتبط بمجتمعه وحضارته‪ ،‬والتي ّ‬
‫تعرفه بت راثه وتساهم في تطوير‬
‫‪86‬‬
‫يتعلق بثقافته وإبراز عناصر ّ‬‫ّ‬
‫التميز فيها؛ لذلك نرى الجامعات الغربية تفرض‬ ‫ما‬
‫من خالل األساتذة املشرفين على الطلبة األجانب أن يتناولوا ظواهر مجتمعاتها‬
‫ّ‬
‫بالدراسة والتحليل‪ ،‬ولذلك يبدو التفطن إلى هذه القضية أمرا ضروريا‪.‬‬
‫ليس للطالب الجزائري إملام بما كتب في الشعر أو الرواية أو القصة أو النقد‬
‫في الجزائر‪ ،‬بل نراه أحيانا يعرف عن األدب الغربي من األسماء وعناوين الروايات‬
‫والدواوين أكثر مما يعرف عن الكتاب الجزائريين‪ ،‬والنتيجة أننا تركنا تراثا بأكمله‬
‫نعرف به‪ .‬فكم من باحث في الرواية‬ ‫بين رفوف املكتبات أو في البيوت‪ ،‬ال نعرفه وال ّ‬
‫يعرف محمد مفالح أو الحفناوي زاغر‪ ،‬أومرزاق بقطاش‪ ،‬وكم من باحث في الشعر‬
‫يعرف عثمان لوصيف و عبد هللا حمادي مثال‪ .‬كم من باحث في النقد ال يعرف عن‬
‫النقد الجزائري شيئا حتى أننا أصبحنا نعتقد ونؤمن بأننا أمة ال تنتج‪.‬‬
‫‪ - 4‬صعوبات املوضوع‪ :‬على الباحث أن يضع في االعتبار أن كل عمل له‬
‫صعوباته الخاصة‪ ،‬وأن مصادر الصعوبة مختلفة تبدأ من كفاءته وقدرته هو على‬
‫البحث واملثابرة وتنتهي عند الصعوبات املادية املرتبطة بضرورة التنقل‪ ،‬خاصة إذا‬
‫ّ‬
‫كان البحث ميدانيا‪ ،‬وقد تكون متعلقة بصعوبة املنهج أو قلة املراجع‪ ،‬وحتى‬
‫بالوقت ّ‬
‫املحدد للبحث‪.‬‬
‫تخص امتحان املوضوع‪ ،‬وهي كما نرى مقترنة بالباحث؛‬ ‫ّ‬ ‫هذه املحاور‬
‫لذلك سوف نجد بأن ما تشتمل عليه خانات الباحث يلتقي مع خانات‬
‫املوضوع؛ فيكون السؤال عن هذا إجابة عن ذاك‪.‬‬
‫فاملنفعة الشخصية ال يجب أن تتعارض مع طبيعة املوضوع‪ ،‬ألن الوقت‬
‫والشهادة والعمل والترقية كلها يجب أن توضع في الحسبان فيختار املوضوع الذي‬
‫يتناسب مع مرحلة معينة من وضعه الشخص ي‪ ،‬ولذلك نرى الجامعات الغربية‬
‫تحدد طبيعة املوضوعات الخاصة باملاجستير‪ ،‬والتي تصلح لكي تكون أطروحة‬
‫دكتوراه‪ ،‬األمر الذي ال يوجد عندنا‪ ،‬حيث نجد بعض طلبة املاجستير أنجزوا‬
‫‪87‬‬
‫بحوثا في مستوى أطروحة الدكتوراه‪ ،‬ودكاترة لم يبذلوا إال جهد الطالب املبتدئ‪،‬‬
‫وهنا تطرح قضية االستفادة من البحث‪ ،‬وربما هو األمر نفسه بالنسبة للموضع‬
‫االجتماعي للباحث‪ ،‬وتكوينه وقدراته املعرفية واملادية املرتبطة بإنجاز موضوع‬
‫ّ‬
‫معين‪.‬‬
‫إن هذا االختبار هو امتحان لقدرة الباحث واملوضوع على السواء‪ ،‬وهو‬
‫التردد وتضييع الوقت والعجز‬‫يسهم بشكل كبير‪ ،‬في رد كثير من املخاوف و ّ‬
‫ألن الباحث‪ ،‬حتى‬‫واالنسحاب والرداءة‪ .‬واالختيار في النهاية هو ركوب الخطر؛ ّ‬
‫مجرد وضعية ابتدائية للبحث؛‬ ‫وإن نجح في امتحان االختيار عليه أن يعلم أنها ّ‬
‫والوضعية البدئية هي حالة من ّالالمعرفة‪ ،‬ومراحل البحث هي التي ّ‬
‫تجسد‬
‫تحول الالمعرفة إلى معرفة‪ ،‬حيث يشبه الباحث بطل الحكايات الذي ينبغي أن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتوفر لديه الرغبة في تغيير الوضع املتمثل في حالة االفتقار‪ ،‬إلى وضع التملك‪،‬‬
‫ويمر بثالث مستويات تطابق التجارب الثالثة املعروفة في‬ ‫فتواجهه صعوبات‪ّ ،‬‬
‫حكاية البطل‪.‬‬
‫حاولت بيرنديت بلو ‪ Bernadette Plot‬أن تقابل بين هذه التجارب وبين‬
‫فيجسد األول املستوى املؤسس( التجربة التأهيلية) أول‬ ‫ّ‬ ‫مستويات البحث‪،‬‬
‫لقاء مع موضوع البحث‪ ،‬وهو خطاب االكتشاف‪ ،‬والتحفيز الشخص ي الذي‬
‫يتمظهر في شكل إرادة املعرفة أو وجوب املعرفة ‪vouloir-savoir ou un devoir‬‬
‫‪ -savoir‬حيث يتأكد هاجس البحث عند الباحث باعتباره قادرا على البحث‪،‬‬
‫ويمتلك الوسائل النظرية واملنهجية للوصول إلى نتائج ّ‬
‫قيمة‪.‬‬
‫أما املستوى الذي يتمفصل من خالله املستويان اآلخران‪ ،‬فهو املستوى‬
‫العملي (التجربة الترشيحية)‪ .‬إنه خطاب البحث عن القناعات العلمية‪ ،‬وتقديم‬
‫املعطيات املنطقية من أجل تح قيق الهدف املنشود‪ ،‬ويتمظهر هذا الخطاب في‬
‫ملفوظ أفعال املعرفة نفسها وهو ملفوظ الفعل‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫يمر من مرحلة‬‫إن ملفوظ تحقيق األفعال املعرفية‪ ،‬يسمح للباحث أن ّ‬
‫املحصلة إلى فعل املعرفة ‪ ،faire-savoir‬إنه املستوى‬ ‫ّ‬ ‫تحول املعرفة‬ ‫ّ‬
‫التحقيقي(التجربة املمجدة)؛ حيث يحيل إلى ما هو أكمل‪ ،‬ويعرض النتائج التي‬
‫تتجسد في ملفوظات الحالة كائنة وظاهرة لكي يستطيع املتلقي أن ّ‬
‫يقيم‬ ‫ّ‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫إن هذه املستويات تتداخل فيما بينها‪ ،‬وتتكئ على بعضها البعض لتضمن‬
‫صالبة التطور‪ 41‬ولذلك‪ ،‬قد ال يبدو غريبا أن نرى بعض الباحثين ّ‬
‫يغيرون‬
‫يتبين لهم أن وسائلهم وعملياتهم‬ ‫مجرى البحث في مستوى معين منه بعدما ّ‬
‫النظرية أو املنهجية ال تسعفهم في االستمرارية بالطريقة التي بدأوا بها‪.‬‬

‫‪41 -voir, Bernadette Plot‬‬ ‫‪Ecrire une thèse ou un mémoire en sciences humaines ; Champion‬‬
‫‪Paris 1986, p182-183.‬‬
‫‪89‬‬
‫ما هي شروط صياغة املوضوع أكاديميا؟‬
‫ّ‬
‫إن هذا االمتحان املذكور آنفا‪ ،‬سيمكن الطالب واملشرف معا من اختيار‬
‫موضوع إشكالي ال وصفي‪ ،‬يعكسه عنوان ّ‬
‫تحدده ا لشروط األكاديمية التالية‪:‬‬
‫‪- 1‬الدقة والوضوح‪ :‬أن ال يكون في العنوان غموض أو إبهام‪ ،‬وال ما يدعو‬
‫إلى الشك و ّ‬
‫التأويل وال أن يكون طويال ممال وال قصي را مخال‪.‬‬
‫‪- 2‬الجدة واالبتكار‪ :‬ونقصد بها اإلضافة العلمية التي ال ّ‬
‫يكرر فيها‬
‫لجدة قد تكون آتية من‬ ‫موضوعات أو يعيد صياغة إشكالية مدروسة‪ ،‬فا ّ‬
‫اإلشكالية الجديدة املطروحة‪ ،‬أو من املنهج الجديد الذي تعالج به اإلشكالية‪.‬‬
‫وهذا ال يمنع الباحث أن يختار موضوعا مطروقا إذا رأى أنه يستطيع أن يأتي‬
‫ّ‬
‫املطبق في‬ ‫بجديد أو يثبت ضعف النتائج السابقة‪ ،‬أو عدم كفاية املنهج‬
‫الدراسات السابقة‪.‬‬
‫‪ - 3‬التحديد الزماني واملكاني‪ :‬وهو مرتبط كما رأينا بسعة املوضوع؛ ألن‬
‫غياب اإلشكالية في كثير من األحيان يكون هو املسؤول عن عدم التحديد‬
‫والدقة‪ ،‬وال يشترط بالضرورة ذكر املكان أو الزمن بالتحديد؛ ألن هناك‬
‫نتعرف بها على ذلك‪ ،‬كاسم الكاتب‪ ،‬أو القدم والحداثة‪ ،‬فذكر‬ ‫مصطلحات ّ‬
‫املتنبي مثال يكفي للداللة على العصر‪ ،‬كما أن الشعر العربي املعاصر‪ ،‬أو‬
‫الروائيين الشباب ّ‬
‫يدل على املرحلة‪.‬‬
‫إن هذه الشروط تمكن الباحث من عدم ّ‬
‫التردد بين العنوان الجملة‬
‫والعنوان الفقرة‪ ،‬العنوان البرنامج والعنوان التركيب‪ ،‬العنوان التساؤل‬
‫والعنوان التأكيد‪ ،‬العنوان املختصر والعنوان الذي ال ينتهي‪ ،‬العنوان الصحفي‬
‫الذي يستفز والعنوان الحيادي العلمي‪.‬‬
‫تحقق األكاديمية بشكل نهائي ال يكون إال بعد االنتهاء من البحث؛‬ ‫إن ّ‬
‫لذلك كثي را ما يكون العنوان النهائي هو آخر ما يكتب‪ ،‬وللعنوان أهمية كبيرة‬
‫‪90‬‬
‫بالنسبة للقارئ‪ ،‬فهو بداية البحث‪ ،‬وله دور في فتح النص ألنه بمثابة فاتح‬
‫للشهية‪ .‬وإذا كان العنوان اإلبداعي يتحمل اإليحاء والغموض‪ ،‬وال يعطي قرائن‬
‫كثيرة للقارئ من أجل تعيين املعنى‪ ،‬فإن العنوان األكاديمي ال يؤدي هذا املعنى‬
‫نظرا للشروط التي ذكرناها‪ ،‬فهو باعتباره أوال‪ ،‬يعد بداية للسيرورة السيميائية‬
‫للبحث‪ ،‬ونقطة بداية والدته‪ ،‬فعندما يقرأ ألول وهلة‪ ،‬يفترض من القارئ‬
‫محققة فيصبح العنوان إشارة لرسالة هي‬ ‫معينة وافت راضات قد يجدها ّ‬ ‫تأويالت ّ‬
‫البحث‪ ،‬ويغدو فهمها إدراكا للقصد منه‪.‬‬
‫أيهما أصلح للطالب املوضوع النظري أم التطبيقي؟‬
‫كثي را ما يحتار الطالب في طب يعة املوضوع الذي يختاره‪ ،‬خاصة فيما‬
‫يتعلق بمسألة النظري والتطبيقي‪ .‬ففي الوقت الذي نجد فيه بعض الطلبة‬
‫يسمى املوضوعات النظرية؛ ألنهم يعتقدون ‪-‬خطأ ‪ -‬أنها‬ ‫يحبذون البحث فيما ّ‬ ‫ّ‬
‫األسهل؛ لكونها مرتبطة بعملية جمع نصوص من الكتب وتنظيمها وتنسيقها‪،‬‬
‫يعتقد آخرون أنهم ‪-‬ولك ي ال يضيعوا بين النظريات واألفكار ‪ -‬ال بد أن يختاروا‬
‫موضوعا تطبيقيا‪- ،‬وهو األسهل بالنسبة إليهم أيضا ‪-‬ألنه يبعدهم عن األفكار‬
‫تكبلهم ّ‬
‫وتحد من حريتهم‪.‬‬ ‫والنظريات التي قد ّ‬
‫إن مصطلحي السهولة والصعوبة ليسا معيارين صحيحين للحكم على‬
‫مفهوم النظري والتطبيقي؛ ألن التطب يق وارد في كال املوضوعين سواء من يعتمد‬
‫فيه على تحليل نظرية أو مفهوم‪ ،‬أو على تحليل نص إبداعي‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬ال معنى‬
‫لوجود موضوع نظري باملفهوم املتعارف عليه‪ ،‬كما ال يوجد موضوع تطبيقي‬
‫صرف‪ ،‬ومن يعتقد أنه يطبق بدون خلفية نظرية‪ ،‬ال بد أن يعلم أنه "ال توجد‬
‫موضوعات تطبيقية بدون معارف نظرية‪.42‬‬

‫‪42 - Jean-pièrre fragnière, comment réussir un mémoire, éd, DUNOD ? Paris 1996, p 13‬‬

‫‪91‬‬
‫إن مفهوم الشعرية عند العرب‪ ،‬أو مفهوم العالمة عند علماء األصول أو‬
‫توصل إلى هذه‬‫عند بورس ‪ peirce‬مثال هو موضوع نظري بالنسبة إلى من ّ‬
‫النظرية أو تلك‪ ،‬أما بالنسبة للباحث الذي يحاول أن يبحث في هذا املفهوم أو‬
‫النظرية‪ ،‬فهي محاولة لتحليلها والوقوف على خصائصها ومقارنتها واستنباط‬
‫أحكام معينة منها‪ ،‬وهذا ال يختلف فيه مع باحث آخر يتناول رواية‪ ،‬ويكشف‬
‫عن كيفية بناء شخصياتها‪ ،‬يحللها ويستنبط نتائج منها‪.‬‬
‫فاإلشكال إذن‪ ،‬قائم في طبيعة املوضوع ذاته‪ ،‬هل هو موضوع إشكالي‬
‫مهمة تضيف جديدا إلى البحث العلمي؟ أم أنه موضوع وصفي‬ ‫يطرح أسئلة ّ‬
‫تجميعي؟ ال يحتاج إلى دراسة‪ ،‬أو أنه بحاجة إلى أن ّ‬
‫يتحول إلى موضوع إشكالي‪.‬‬
‫نحول موضوعا ما إلى موضوع إشكالي؟‬ ‫كيف ّ‬
‫ّ‬
‫هناك اعتبارات كثير تتحكم في تحويل موضوع ما‪ ،‬إلى موضوع إشكالي‪،‬‬
‫تلقي ظاهرة معينة لدى القراء‪ ،‬أو نتائج هيمنة موضوع ّ‬
‫معين في‬ ‫ترتبط بطبيعة ّ‬
‫فترة زمنية معينة دون أن يسأل ملاذا يحصل ذلك‪ ،‬كما قد ينبع من مالحظة‬
‫نتائج ظاهرة ّ‬
‫معينة‪ ،‬وأثرها في الواقع على القراء وفي البحث العلمي‪ ،‬وقد يعود‬
‫إلى الغرض من تحويل موضوع ما‪ ،‬مهما كانت طبيعته‪ ،‬أو إلى أسباب أخرى‬
‫ّ‬
‫التوجهات واإليديولوجيات واملستوى وغير ذلك‪.‬‬ ‫مختلفة باختالف‬
‫مثال‪ :‬تحويل موضوع التناص إلى موضوع إشكالي‪ :‬ليس هناك باحث في‬
‫األدب العربي يجهل هذه الظاهرة اللصيقة باألدب‪ ،‬فقد كتب فيها الكثير‪ ،‬حتى‬
‫أصبحت موضوعا يستهوي الكثير من الباحثين‪ ،‬فنرى كثي را من البحوث ّتتخذ‬
‫موضوعا لها البحث عن أشكال التن اص في قصيدة أو رواية معينة استنادا إلى‬
‫ما كتبه باختين ‪ Bakhtine‬في الحوارية أو ‪Gerard Gennette‬جي رار جنيت في‬
‫ّ‬
‫كتابه أطراس ‪Palimpsestes‬؛ حيث حلل الظاهرة بمختلف مستوياتها‪ ،‬وجعل‬
‫التناص نوعا من ظاهرة التفاعالت النصية الخمسة‪ ،‬وكانت قبل ذلك ‪julia‬‬
‫‪92‬‬
‫‪kristèva‬جوليا كريستيفا‪ ،‬أول من أشار إلى هذه الظاهرة من حيث املفهوم‬
‫واملصطلح‪ ،‬ولذلك أصبح الباحث ال يجد صعوبة في الكشف عن هذه الظاهرة‬
‫في النص املدروس؛ ألنها‪ ،‬كما أسلفت‪ ،‬ظاهرة لصيقة باإلبداع‪ ،‬فال يمكن أن‬
‫يكتب اإلنسان إال انطالقا مما يقرأ‪ ،‬أي أن هذه الظاهرة هي تسمية أخرى‬
‫لتوظيف الت راث‪.‬‬
‫لقد غدت هذه الظاهرة موضوعا مألوفا‪ ،‬حتى أننا أصبحنا نقرأ صورا‬
‫ّ‬
‫التوجه‪،‬‬ ‫مستنسخة لبحوث ال تختلف إال من حيث النصوص‪ ،‬وقد راعني هذا‬
‫ورأيت أن أجعل منه موضوعا إشكاليا‪ ،‬بحافز من دعوة وجهت إلي من الرابطة‬
‫العاملية لألدب اإلسالمي‪ ،‬حيث كان موضوع التناص واحدا من محاور الندوة‪،‬‬
‫وملا كان هذا الحافز طريقا لتحويل هذا املوضوع إلى موضوع إشكالي‪ ،‬مراعاة‬
‫للتوجه اإلسالمي للندوة‪ ،‬كانت نتيجة ذلك أن كتبت موضوعا عن التناص‬ ‫ّ‬
‫معين ّيتضح من خالل بلورة‬ ‫بإشكالية نابعة من هذا الحافز‪ ،‬ومرتبطة بغرض ّ‬
‫اإلشكالية التالية‪:‬‬
‫تطرح مقولة التناص ‪ Intertextualité‬عددا من القضايا النقدية‪ ،‬وتثير‬
‫عددا من التساؤالت‪ ،‬لعل أهمها‪ :‬كيف يمكن من وجهة نظر إسالمية أن ّ‬
‫نقيم‬
‫التناص نفسه؟‪ 43‬وهل يعد التعالق بين النصوص ‪-‬من وجهة النظر السائدة‬
‫عندنا بتأثير من الغرب ‪ -‬إهدارا للهوية النصية؟ وهل يعتبر التناص ‪-‬من وجهة‬
‫النظر هذه أيضا ‪ -‬عائقا بنيويا يقف دون تحقيق خصوصية التشكيل اللغوي‬
‫لألديب؟ ثم ما عالقته بخصوصية األجناس األدبية عند الشعوب‪ ،‬وكيف استغل‬
‫من قبل البعض لتجسيد مطالب الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬وكل منهما أسهم‬
‫وبأشكال مختلفة أحيانا ومتشابهة أخرى في إلغاء الهوية تبع ا للدعوة إلى إلغاء‬

‫‪ - 43‬قدمت اإلجابة عن هذه اإلشكالية إلى ندوة اللغات والترجمة‪ ،‬جامعة اإلمام سعود بالسعودية‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫األنماط األساسية للفكر واإلبداع وعلمنة األخالق‪ ،‬وما هو السبيل إلى حفظ‬
‫هوية التناص ونصوص الهوية؟‬
‫إن هذه األسئلة تبلورت من خالل عنوان يتماش ى مع الغرض وهو‪:‬عوملة‬
‫التناص ونص الهوية‪.‬‬
‫كيف يختار األستاذ املشرف؟‬
‫اقترنت عملية اختيار املوضوع باختيار املشرف‪ ،‬وكثي را ما ربط ضعف‬
‫البحث بضعف اإلشراف‪ ،‬كما اقترن نجاح بحوث أخرى بسمعة األستاذ‬
‫املشرف‪ ،‬وهذا راجع إلى عدم إدراك حقيقة اإلشراف؛ ألن مسؤولية املشرف‬
‫يقيمان بمدى مسؤولية الطالب والت زامه؛ وهما عنصران أساسيان في‬ ‫والت زامه ّ‬
‫الجيد‪ ،‬وإذا ما تخلى أحدهما عن الت زامه ومسؤوليته‪ ،‬أخفق‬ ‫عملية اإلشراف ّ‬
‫الطالب في بحثه‪ .‬فماذا ينتظر الطالب من األستاذ املشرف؟‬
‫ّ‬
‫ينبغي أوال‪ ،‬أن تتوفر في األستاذ املشرف الكفاءة العلمية والفعالية وروح‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املسؤؤلية والتوافق النفس ي مع الطالب ويتجلى الت زامه املركب هذا‪ ،‬فيما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬يعطي للطالب املعلومات والتوضيحات والتوجيهات الالزمة حول‬
‫اختيار املوضوع‪ ،‬وقد يقترح عليه مجاال للبحث ويساعده في تحديد اإلشكالية‬
‫يوجهها له‪ ،‬يعرف من خاللها مستواه وتوجهاته‬ ‫باختباره عن طريق أسئلة ّ‬
‫وقدراته‪ ،‬مثلما أكدنا سابقا‪ ،‬ويختبر أسئلته وفرضياته‪.‬‬
‫‪ - 2‬يشارك الطالب في امتحان اختبار املوضوع الذي ذكرناه سابقا‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ - 3‬يدله على املصادر القاعدية التي يبدأ بها‪.‬‬
‫ّ‬
‫املتخصصين الذين يفيدونه‪.‬‬ ‫‪ - 4‬يعرفه باملصادر التي ّ‬
‫تهمه وببعض‬
‫‪ - 5‬يعطيه بعض التعليمات النظرية واملنهجية في كيفية العمل‪.‬‬
‫‪ - 6‬يعطيه نصائح منظمة حول تطور اإلشكالية وتبلورها‪.‬‬
‫تقدمه وماذا حقق‪.‬‬‫‪ - 7‬ي بدي له أحكاما على املراحل التي قطعها ومدى ّ‬
‫‪94‬‬
‫‪ - 8‬يقرأ له‪ ،‬ويعيد القراءة ويوقفه على األخطاء‪ ،‬ويوجهه نحو الطريقة‬
‫التي تمكنه من تفادي الخطأ‪.‬‬
‫‪- 9‬يساعده على توضيح بعض املسائل واملفاهيم وحل بعض املشكالت‬
‫العالقة وغير املتوقعة‪.‬‬
‫‪ - 10‬يصارحه حول قيمة ما قدم سلبا وإيجابا‪.‬‬
‫وال يتصور الطالب بعد هذا أن وظيفة األستاذ املشرف هي إعادة صياغة‬
‫البحث إذا كان أسلوب الطالب ركيكا‪ ،‬أو استنباط األحكام والنتائج إذا كان غير‬
‫قادر على إدراك العالقات بين اآلراء والنصوص املختلفة‪ .‬فذلك طالب عليه‬
‫التفكير في كيفيه البحث قبل ال خوض في موضوع البحث‪ ،‬أما املشرف غير‬
‫امللتزم بقواعد اإلشراف‪ ،‬فاألحسن أن يتنازل عن هذا الحق الواجب‪ ،‬فكثير من‬
‫األساتذة يشرفون إداريا فحسب‪ ،‬يلتقون بالطالب مرة في بداية السنة إلمضاء‬
‫أوراق التسجيل اإلدارية‪ ،‬فإن كان باحثا جيدا ارتفع شأنهم به وإن فشل حملوه‬
‫املسؤولية‪.‬‬
‫هل االختيار تقييم لألستاذ؟‬
‫ّ‬
‫تقييمية لألستاذ من‬ ‫نشير إلى أن اختيار األستاذ املشرف‪ ،‬ليس عملية‬
‫الطالب‪ ،‬فكثي را من األساتذة يختارون من الطلبة من يرون أنهم قادرون على‬
‫ّ‬
‫تقديم الجيد‪ ،‬غير أن هناك مقاييس ذاتية أو إيديولوجية قد تتحكم في عملية‬
‫اإلشراف؛ لذلك قد تتدخ ل الهيئة العلمية باملؤسسة كاللجنة العلمية أو‬
‫ّ‬
‫متعددة‪ ،‬مثل‬ ‫املجلس العلمي في هذه العملية استنادا إلى اعتبارات علمية‬
‫التخصص ونوعية البحوث التي أشرف عليها األستاذ وسيرته العلمية والتأهيل‬ ‫ّ‬
‫تلبي حاجيات‬ ‫وتوجه الطلبة نحو موضوعات ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمي‪ ،‬وطبيعة املوضوع‪،‬‬
‫متخصصين في مجال يحقق أهدافا اجتماعية وحضارية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الجامعة إلى أساتذة‬
‫كالتعريف بالت راث واملساهمة في ّ‬
‫حل اإلشكاالت العلمية للوطن‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫كيف يختار الطالب املنهج؟‬
‫توضح لنا أن أسئلة املوضوع وإشكاليته‬ ‫قد يبدو األمر بسيطا إذا ما ّ‬
‫تحوي بالضرورة املنهج الذي يستقيم معها‪ ،‬حينها يدرك الطالب أن الظاهرة‬
‫املراد درسها‪ ،‬أو املجتمع املقصود باملعاينة ليس هو املوضوع األكاديمي‪ ،‬فال‬
‫يكفي أن يقول الطالب أريد أن أدرس ديوان "مقام البوح" لعبد هللا العش ي أو‬
‫رواية "تلك املحبة" للحبيب السائح‪ ،‬أو املجموعة القصصية "اللعنة عليكم‬
‫جميعا" للسعيد بوطاجين أو لغة فئة البطالين‪ ،‬لنقول بأنه اختار موضوعا؛ ألن‬
‫املوضوع‪ ،‬كما أوضحنا سابقا‪ ،‬سلسلة من العمليات الذهنية‪ ،‬التي تبلورها‬
‫مجموعة من األسئلة حول نص معين أو ظاهرة لغوية أو اجتماعية معينة‪،‬‬
‫تشكل إشكالية يستوجب على الطالب البحث عن إجابات أو تخمين حلول‬
‫ونتائج لها‪ ،‬أما الع ّينات والنصوص والظواهر فمطروحة في الطريق‪ ،‬على حد‬
‫تعبير الجاحظ‪ ،‬يعرفها الجميع‪ ،‬إنما األهم يكمن في صياغة اإلشكالية وحصر‬
‫املوضوع‪.‬‬
‫إننا بطرح األسئلة نبني وجهة نظر معينة هي التي ّ‬
‫يتحدد بها املوضوع الحقا‪،‬‬
‫ووجهة النظر هذه ال بد أن تسهم في بلورتها خلفية معرفية مع ينة؛ هي املنطلق‬
‫املنهجي الذي يوجه الباحث نحو التركيز على قضايا دون أخرى‪ .‬فإذا أردت مثال أن‬
‫أد س ّ‬
‫توتر العالقة املعروف بين املتصوفة والسلطة الدينية في التاريخ اإلسالمي‬ ‫ر‬
‫العربي فهذا يعني أنني أطرح أسئلة من قبيل‪ :‬ملاذا حصل هذا؟ ملا لم تتواصل‬
‫السلطة مع الخطاب ا لصوفي؟ ما هي القضايا املوجودة في هذا الخطاب التي‬
‫جعلتهم ال يتقبلونه؟ هل األمر مرتبط باعتبارات شكلية بنيوية أم باألفكار؟ ما هي‬
‫أوجه الخالف بين الخطاب الصوفي والخطاب الشعري الرسمي؟ وغيرها من‬
‫األسئلة التي يمكن أن تصوغ لي موضوعا عن طبيعة التواصل في الخطاب الصوفي‬

‫‪96‬‬
‫أو إكراهات تلقي الخطاب الصوفي‪ ، 44‬وهنا يبدو جليا‪ ،‬أنني قد أنطلق من نظرية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فالقضية إذن‬ ‫التلقي أو نظرية التواصل والسيميائيات ألحلل هذه اإلشكاليات‪،‬‬
‫ليست الخطاب الصوفي شعرا أو نث را لكي يكون هو موضوع البحث بل اإلشكالية‬
‫املرتبطة به وهي أزمة التواصل في الخطاب ذاته‪.‬‬
‫ملن األسبقية للمنهج أم للموضوع؟‬
‫إن ّ‬
‫قضية أيهما أسبق املنهج أم املوضوع‪ ،‬أو أن طبيعة املوضوع هي التي‬
‫تفرض املنهج‪ ،‬ال يجب أن يثيرها باحث أدرك كيف ّ‬
‫يتم بناء املوضوع األكاديمي‪،‬‬
‫معين لجعلها أسئلة‪ ،‬يصبح‬ ‫كما أن االنطالق من مفاهيم أو مصطلحات منهج ّ‬
‫البحث عنها ف ي النص املراد تحليله هدفا في ذاته‪ ،‬يعد ّ‬
‫تجنيا على النص واملنهج‬
‫ّ‬
‫على حد سواء؛ ألن العالقة بين النص واملنهج تؤكدها طبيعة األسئلة املطروحة‬
‫في اإلشكالية‪ ،‬والهدف من البحث‪ ،‬والنتائج التي ّ‬
‫خمنها الباحث‪.‬‬
‫ال توجد طريقة علمية واحدة يمكن اعتمادها للوصول إلى الحقيقة؛ ألن‬
‫طرق العلم تختلف باختالف املواضيع التي يدرسها كل باحث‪ ،‬وكل موضوع‬
‫معين من املناهج العلمية املالئمة له‪ .‬هناك البحث الذي ّ‬
‫يقدم‬ ‫يحتاج إلى نوع ّ‬
‫يوضح أصحابها طروحاتهم‬ ‫معرفة نظرية خالصة‪ ،‬وهناك من البحوث التي ّ‬
‫النظرية بأمثلة وشروح تطبيقية‪ ،‬وهناك البحوث التي يلتزم فيها أصحابها‬
‫يحولونها إلى آليات للوصف‬ ‫بتحليل ظاهرة يعتمدون على مفاهيم نظرية ثم ّ‬
‫والتحليل واالستنباط‪.‬‬

‫ّ‬
‫تخص‬ ‫‪ - 44‬يراجع كتاب الحركية التواصلية في الخطاب الصوفي آمنة بلعلى والذي أعيد طبعه العتبارات‬
‫جمعية االختالف بعنوان‪ :‬تحليل الخطاب الصوفي في ضوء املناهج املعاصرة‪ ،‬منشورات االختالف الجزائر‪.‬‬
‫‪.2002‬‬
‫‪97‬‬
‫واختالف املوضوعات األكاديمية يعكس بالضرورة اختالف املنهج‪ ،‬كما‬
‫ّ‬
‫أن قيمة النتائج تتوقف على قيمة املناهج املستخدمة‪ ،45‬ألنه ‪-‬كما أوضحنا‬
‫آنفا في عملية اختيار املوضوع ‪ -‬ال بد أن تنسجم أسئلة النص مع أسئلة املنهج‪،‬‬
‫تكمل بعضها البعض‪ ،‬وينتج عنها في معظم األحيان حقائق‬ ‫ومع هذا فاملناهج ّ‬
‫جديدة لم نكن نعرفها‪ ،‬أي بفضل استعمالنا ملختلف األساليب العلمية قد‬
‫نصل إلى اكتشاف ظواهر لم تخطر على البال‪.‬‬
‫إذا كان املنهج هو الطريق امل وصل إلى الحقيقة‪ ،‬فقيمة البحث مرتبطة‬
‫وصحة املعلومات تضفي على الدراسة‬ ‫ّ‬ ‫يتوخاه الباحث فيه‪،‬‬ ‫باألسلوب الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجدية‪ ،‬واملنهجية تؤثر في مجرى األمور وفي النتائج‪ ،‬واختيار الطريقة‬ ‫طابع‬
‫ّ‬
‫التوصل إلى نتائج تفرضها طبيعة النص أو‬ ‫يعني انتهاج أسلوب ّ‬
‫معين في الكتابة و‬
‫الظ اهرة واملنهج معا‪.‬‬
‫هل يمكن حصر أنواع املناهج املعتمدة؟‬
‫ال يختلف اثنان في أن التطور العلمي والتكنولوجي واتساع املعارف‬
‫ّ‬
‫التعرف‬ ‫النظرية خلق معه نشاطا مماثال في طرق اكتساب هذه املعارف‪ ،‬وفي‬
‫ّ‬ ‫عليها ونقدها‪ ،‬و ّ‬
‫السعي في تحويل بعضها إلى آليات توظف في دراسة الظواهر‬
‫وتعددت واختلفت باختالف‬ ‫بتنوع املعرفة وثرائها‪ّ ،‬‬
‫املختلفة‪ .‬لقد تنوعت اآلليات ّ‬
‫تنوعت البحوث‪ّ ،‬‬
‫لتنوع االعتبارات املذكورة‬ ‫املقاصد واألسئلة واألغراض‪ ،‬وكما ّ‬
‫تعددت املناهج بحسب املجال أو النظرية أو العلم الذي تنتمي إليه إلى‬ ‫آنفا‪ّ ،‬‬
‫درجة أصبحت اإلحاطة بمجموع املناهج في العلوم اإلنسانية مثال أمرا‬
‫مستعصيا‪.‬‬
‫في اللغة واألدب‪ ،‬ما زلنا نستقبل كل يوم تسميات ملناهج عديدة‪ ،‬بعضها‬
‫مجرد إعادة صياغة ملفاهيم قديمة جرى تداولها بتسميات‬ ‫جديد واآلخر هو ّ‬

‫‪ Festinger et kartz - 45‬نقال عن موريس انجرس منهجية البحث العلمي في العلوم اإلنسانية ترجمة يزيد‬
‫صحراوي وآخرون دار القصبة الجزائر‪ 2004‬ص‪97‬‬
‫‪98‬‬
‫تفرعت عن منهج واحد‪ ،‬بل إن كلمة منهج ذاتها‪ ،‬أصبحت تزاحمها‬ ‫أخرى‪ ،‬أو ّ‬
‫مصطلحات أخرى تحمل صفتها أو تتقاطع جزئيا معها‪ ،‬أو تستلهم بعضا من‬
‫تقدم منهجها الخاص‪ ،‬كما‬ ‫تجسد مفهوما من نظرية لم ّ‬ ‫آليات املنهج األصلي‪ ،‬أو ّ‬
‫قد تأخذ من روح نظرية دون أن تلتزم بها حرفيا‪ .‬إننا نقرأ مصطلحات أصبحت‬
‫عند البعض بديال لكلمة منهج‪ ،‬مثل‪ :‬دراسة ومقاربة وقراءة وفي ضوء أو إضاءة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التخصص‪،‬‬ ‫وغيرها من املصطلحات التي تعكس الث راء وفي الوقت نفسه الدقة و‬
‫بل كثي را ما أصبح املنهج‪ ،‬أو ما يقوم مقامه هو الذي يعكس اإلشكالية أو‬
‫حدد من خالله املوضوع‪ ،‬سواء كان قصدا أو فترة زمنية‪ ،‬أو‬ ‫املقياس الذي ّ‬
‫ّ‬
‫التخصص‪.‬‬ ‫رغبة في أن يموقع الباحث نفسه عند نقطة ّ‬
‫معينة من‬
‫كنا اليوم‪ ،‬ال نقف في عنوان بحث على ما يشير إلى املناهج السياقية‬‫وإذا ّ‬
‫كالتاريخي واالجتماعي والنفس ي في األدب‪ ،‬أو الفيلولوجي والوصفي واملقارن‬
‫تفرعت أو‬‫واالستقرائي والتقابلي في اللغة‪ ،‬فان ذلك ال يعني اندثارها‪ ،‬فلقد ّ‬
‫اندمجت في إطار مختلف‪ ،‬وبرزت من خالل تسميات أخرى‪.‬‬
‫إن املناهج النصية وتفرعاتها كالبنيوية والسيميائية والتداولية واللسانية‬
‫االجتماعية واملوضوعاتية والتلقي وسوسيولوجيا النص والتناصية والنسقية‬
‫تعتمد الوصف والتحليل أو التاريخ أو املقارنة مما يعد جوهر املناهج‬
‫ّ‬
‫السياقية‪ ،‬وهذا يعني أن الباحث في ا لعلوم اإلنسانية واللغة واألدب‪ ،‬توفرت‬
‫لديه من الوسائل واآلليات الكثيرة‪ ،‬ما يسمح له بدراسة الظواهر املختلفة‪،‬‬
‫وإيجاد الحلول ألسئلة كثيرة وإن كان التعامل معها بدقة وحذر أكثر‪ ،‬نظرا‬
‫ّ‬ ‫للطابع العلمي لها؛ ّ‬
‫فكل منهج إذا ما استوعب يوفر للباحث اإلحاطة بالظاهرة‬
‫املدروسة بكل دقة وموضوعية‪.‬‬
‫ّ‬
‫التطوري للمعرفة‬ ‫لعل كثرة املسميات تعود من جانب آخر إلى الطابع‬
‫ّ‬
‫املتخصصة‪ ،‬وإلى ما في بعض املناهج التي تعد اليوم تقليدية كالوصفي والتاريخي‬
‫والتحليلي ولم تعد ملك نفسها ‪-‬إن جاز التعبير ‪ -‬فقد استفادت منها نماذج‬
‫نظرية مختلفة وأصبحت جزءا منه ا جميعا‪ ،‬في حين‪ ،‬انغلقت بعض املناهج على‬

‫‪99‬‬
‫نماذجها النظرية‪ ،‬كاملنهج التجريبي الذي يسعى فيه الباحث إلى دراسة الظواهر‬
‫متغير مستقل‪ ،‬ومالحظة النتائج على ّ‬
‫املتغير التابع)‪46‬‬ ‫(في إطار التجربة بمعالجة ّ‬
‫خاصة‪ ،‬في البحوث امليدانية‪.‬‬ ‫وهو يطبق‪ّ ،‬‬
‫وملا كان املنهج التاريخي يستعمل الوثائق واملعلومات التاريخية قصد‬
‫االستفادة من تجارب املاض ي‪ ،‬يرى البعض‪ّ ،‬أنه ال يمكن فهم الحاضر إال‬
‫بدراسة املاض ي‪ ،‬ولذلك فميزته‪ ،‬أنه يدرس الظاهرة من خالل الرجوع إلى أصلها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويسجل ّ‬‫ّ‬
‫ويفسر هذه التطورات استنادا إلى املنهج‬ ‫تطوراتها ويحلل‬ ‫فيصفها‬
‫العلمي في ا لبحث‪ ،‬الذي يربط النتائج بأسبابها‪.‬‬
‫إن إعادة بناء ماض ي الظواهر املختلفة نجده قائما في التناص وفي نظرية‬
‫ّ‬
‫التلقي ونظرية التأويل والتداولية‪ ،‬وكلها تتوفر على الوسائل التي يصل بها‬
‫الباحث إلى وصل املاض ي بالحاضر في وصف الظواهر‪ ،‬وفي عالقتها ببعضها‬
‫البعض‪.‬‬
‫كما أن امل نهج التجريبي‪ ،‬وعلى الرغم‪ ،‬كما قلنا سابقا‪ ،‬من أنه ّ‬
‫يتميز‬
‫للتعرف على العالقات بين الظواهر‬ ‫ّ‬ ‫بإثبات الفروض عن طريق التجربة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املختلفة‪ ،‬فانه يمكن من إجراء تجارب حول تعلم اللغات‪ ،‬وعالقة ذلك‬
‫نطبقه على أمراض اللغة‪ ،‬وعلى األصوات‪ ،‬ولغة الطفل‪،‬‬ ‫باملحيط‪ ،‬كما يمكن أن ّ‬
‫تحريات ميدانية‬‫تغير الدالالت املعنوية من منطقة ألخرى‪ ،‬كما يمكننا من إجراء ّ‬ ‫و ّ‬
‫يخص ضعف املستوى وغير ذلك‪ ،‬مما يؤكد عدم موت‬ ‫ّ‬ ‫للوصول إلى مفاهيم فيما‬
‫املناهج‪ ،‬وإنما تنحصر تارة‪ ،‬وتنحل في مناهج أخرى أحيانا أخرى‪.‬‬
‫متعددة تقوم بنفس الوظيفة التي كانت تقوم بها مناهج‬ ‫إن هناك مناهج ّ‬
‫أخرى‪ ،‬فتساعد في اكتشاف العالقات القائمة بين الظواهر‪ ،‬وجمع املعلومات‬
‫الالزمة لتكوين نظرية شاملة يمكن بمقتضاها إيجاد حل منطقي للقضية‪ ،‬كما‬
‫تقوم على التخطيط الدقيق وجمع البيانات‪ ،‬ثم تحليلها والوصول إلى نتائج حقيقية‪.‬‬
‫للتعرف على رغبات الجماعات وأهدافها‪ ،‬وكذلك امليول‬ ‫ّ‬ ‫إنها تعتبر أداة ّ‬
‫قيمة‬

‫‪ - 46‬موريس أنجرس منهجية البحث العلمي ص‪.116‬‬


‫‪100‬‬
‫واالتجاهات اإلنسانية‪ ،‬وتفيد في قياس اتجاهات الرأي العام نحو مختلف‬
‫املوضوعات‪ ،‬وإعادة النظر في أساليب العمل‪ ،‬بحيث يمكن تدارك األخطاء؛‬
‫وهي نفسها وظائف املناهج الوصفية أو امليدانية أو املسحية كما كانت ّ‬
‫تسمى‪،‬‬
‫أو كما هي م نضوية في مناهج عدة لدراسة الظواهر اللغوية واالجتماعية واألدب‬
‫الشعبي‪ ،‬مثلما أسفر عنه علم اإلناسة أو األنثروبولوجية واللسانيات‬
‫االجتماعية واللسانيات التطبيقية التاريخية واملقارنة والتداولية وغيرها‪.‬‬
‫ّ‬
‫ال يمكن االعتقاد‪ ،‬مثال‪ ،‬أن منهجا كاملنهج اإلحصائي‪ ،‬قد ولى عهده؛ ففي‬
‫متعددة تستعمله من أجل ّ‬
‫التعرف على األدلة‬ ‫اللغة كما في األدب‪ ،‬هناك مناهج ّ‬
‫املتوفرة‪ ،‬ويستعمل في دراسة ّ‬‫ّ‬
‫عينة من‬ ‫واألسباب التي تستخلص من اإلحصائيات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التعرف على املجموع الكلي للموضوع‪ ،‬مثلما هو الشأن في‬ ‫العينات‪ ،‬لكي يمكن‬
‫ّ‬
‫الدراسات اللغوية‪ ،‬كموضوع األخطاء اللغوية في ناحية من نواحي تيزي وزو‪،‬‬
‫فيمكن أن نستفيد من املنهج اإلحصائي في تحديد نوعية األخطاء وتكرارها‬
‫وأسبابها‪ ،‬ونسبة الطلبة الجامعيين الذين يقعون في أخطاء لغوية‪ ،‬نحوية‬
‫وتعبيرية‪ ،‬وننقل هذه النسبة إلى التعليم الثانوي‪ ،‬فاملتوسط‪ ،‬فاالبتدائي مع‬
‫تحدد نوعية الخطأ والسن واملستوى والجنس؛ وذلك بوضع‬ ‫سومات بي انية ّ‬
‫ر‬
‫استبيانات عامة ننطلق منها‪ ،‬ولقد استفادت كثير من املناهج منه كاملنهج‬
‫املوضوعاتي واألسلوبي وغيره‪.‬‬
‫تتطور ويخلف بعضها‬ ‫إن الهدف من هذه اإلشارة‪ ،‬أن املناهج ال تموت‪ ،‬بل ّ‬
‫وتتجزأ‪ ،‬وتخلق لها تسميات بحسب ذلك الجزء‬ ‫ّ‬ ‫بعضا بالتسمية فقط‪ ،‬وهي ّ‬
‫تتفرع‬
‫ّ‬
‫املركز عليه‪ ،‬ويأخذ بعضها عن بعض‪ ،‬وتتداخل أحيانا مثلما تتداخل الظواهر‬
‫ّ‬
‫وكما تتأثر ببعضها البعض‪ ,‬وغاية ما يهدف إليه البحث العلمي‪ ،‬ليس هو البحث‬
‫عن املنهج األمثل أو النموذجي‪ ،‬بقدر ما هو السعي إلى تطبيق املنهج بطريقة علمية‪،‬‬
‫ج وهرها هو‪ :‬انسجام أسئلة الظاهرة مع أسئلة املنهج املراد تطبيقه‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫للتعرف على عالقة املوضوع باملنهج؟‬ ‫ّ‬ ‫هل هناك طريقة‬
‫للتعرف على هذه العالقة‪ ،‬ومن بينها‪ :‬العالقة بين‬‫ّ‬ ‫هناك طرق عديدة‬
‫ّ‬
‫أسئلة النص وما يفترض من أسئلة املنهج‪ ،‬مثلما أكد ذلك محمد حمود‪ ،‬نقال‬
‫عن نجيب العوفي في مقال له عن " ٍأسئلة النص وأسئلة املنهج"‪ ،‬رأينا نقل‬
‫ّ‬
‫الجدول الذي صاغه عن املقال املذكور‪ ،‬ألهميته الكبيرة بالنسبة للباحث‪ ،‬لعله‬
‫ّ‬
‫يحد من أسئلة كثيرة عن عالقة املنهج باللنص أو املوضوع‪ ،‬و ّأيهما يفرض اآلخر‬
‫عندما تثار قضية املنهج وموضوع البحث‪ ،‬وهو يعد خي ر مثال لتوضيح هذه‬
‫القضية‪:47‬‬

‫‪ - 47‬يراجع محمد حمود‪ ،‬مكونات القراءة املنهجية للنصوص‪ ،‬ط‪ 1‬دار الثقافة للنشر والتوزيع الدار‬
‫البيضاء املغرب ‪ 1998‬مطبعة النجاح الجديدة‪.87 ،‬‬

‫‪102‬‬
‫داللتها على مستوى داللتها على مستوى املنهج‬ ‫أسئلة النص واملنهج‬
‫النص‬
‫الرسالة أو الداللة أي التحليل املضموني‬ ‫‪- 1‬ماذا يقول النص؟‬
‫والتيماتيكي للنص‪+‬التحليل‬ ‫الثاوية في أطوائه‪.‬‬
‫السوسيولوجي‬
‫املؤلف كمفرد بصيغة التحليل السوسيولوجي‬ ‫‪- 2‬من يقول النص؟‬
‫الجمع أو كجمع والبيوغرافي للنص‪.‬‬
‫بصيغة املفرد‪.‬‬
‫يعني طرائق اشتغال التحليل اللساني واألسلوبي‬ ‫يقول‬ ‫‪- 3‬كيف‬
‫وقوانين والسيميائي والبنيوي للنص‪.‬‬ ‫النص‬ ‫النص؟‬
‫تبنينه‪.‬‬
‫يعني املتلقي كطرف يعني منهجيا تحليل عملية‬ ‫‪- 4‬ملن يقول النص؟‬
‫النص ي‪،‬‬ ‫ومنتج التواصل‬ ‫مستهلك‬
‫واستحضار املنهج الثاني‬ ‫للنص‪.‬‬
‫للنص وفق نظرية التلقي‬
‫اللحظة التاريخية يعني منهجيا التحليل التاريخي‬ ‫‪- 5‬متى يقول النص؟‬
‫والسوسيوثقافية التي والسوسيوثقافي للنص‪.‬‬
‫ينشرط بها النص‪.‬‬
‫الفضاء يعني منهجيا ربط النص‬ ‫يعني‬ ‫‪- 6‬حين يقول النص‬
‫الجغرافي والوطني بواقعه البيئي ومجاله‬
‫الذي تالبس النص‪ .‬البشري‪.‬‬
‫يعني الرسالة أو يعني منهجيا الكشف عن‬ ‫‪- 7‬لم يقول النص؟‬
‫الوظيفة التي يتوخى مقاصد النص االست راتيجية‬
‫‪103‬‬
‫وعن إيديولوجيته الضمنية‪.‬‬ ‫النص تأديتها‪.‬‬
‫يلخص هذا الجدول أسئلة املنهج والنص بالنسبة للباحث‬ ‫نالحظ كيف ّ‬
‫املبتدئ الذي ال يعلم عن املناهج الش يء الكثير‪ ،‬ويحتار في اختيار املنهج؛ غير‬
‫عينة من املناهج املعتمدة‪ ،‬فقط‪ ،‬قد تلتقي مع مناهج أخرى وإن كانت‬ ‫أنها ّ‬
‫تختلف معها في التسمية وخاصة تلك املتعلقة بدراسة الظواهر اللسانية‪.‬‬
‫إن الذي يجب التركيز عليه‪ ،‬هنا‪ ،‬هو أن االنشغال الدؤوب بهذه األسئلة‬
‫أثناء قراءة النصوص‪ ،‬يجعل الباحث يتجاوز البعد الواحد الذي قد يفرضه‬
‫عليه منهج واحد منذ البداية‪ ،‬وخاصة بعدما أصبح "من البديهي أكثر فأكثر‬
‫ويشوهه‪ ،‬أن يصير كال وينتمي إلى الكل وال‬ ‫ّ‬ ‫على النقد‪ ،‬لئال يفقد موضوعه‬
‫ينشغل إال بالكل" كما يقول هنري ميشونيك‪ ،48‬وخاصة بعدما أصبحنا نرى‬
‫معين على‬ ‫أغلب البحوث في جامعاتنا تنحو منحى آليا يستهدف تطبيق منهج ّ‬
‫مكونات النص أو الظاهرة التي تطرح أسئلتها‬ ‫نص‪ ،‬دون األخذ بعين االعتبار ّ‬
‫وتستوجب منهجها‪.‬‬
‫لقد اتضح في كثير من األحيان‪ ،‬أن صياغة أسئلة النص بطريقة علمية‬
‫أكاديمية تجعل الباحث ‪-‬ومن دون أن يدري‪ ،‬حتى وإن كان يجهل منهجا ما ‪-‬‬
‫يشتغل بنفس آلياته وإجراءاته؛ ألنه‪ ،‬وببساطة‪ ،‬ساءل النص كما ساءله‬
‫يجر الطالب‬ ‫صاحب املنهج عندما انطلق هو أيضا من النص‪ .‬وإذا كان األمر ّ‬
‫معين إلى نوع من اآللية التي يكون هم الباحث فيها البرهنة على‬ ‫باعتماد منهج ّ‬
‫ّ‬
‫تجلي املنهج في النص‪ ،‬فاألفضل للباحث أن يبدأ بأسئلة النص أوال‪.‬‬

‫‪48- Henri meshonnic ;pour la poétique, ed gallimard 1970‬‬ ‫‪p12‬‬


‫نقال عن محمد حمود ص‪.77‬‬
‫‪104‬‬
‫ّ‬
‫‪ - II‬وضع الخطة ‪Etablir un plan‬‬
‫ّ‬
‫تعتبر الخطة الواجهة التي تعكس قدرة الباحث على دراسة املوضوع‬
‫وأهميته األكاديمية‪ ،‬من حيث طرح األسئلة وصياغة اإلشكالية وتكوين‬
‫األول للقارئ؛ ّ‬
‫ألن جودة‬ ‫الفرضيات وتخمين النتائج‪ .‬فهي التي تعطي االنطباع ّ‬
‫متوقفة إلى ّ‬ ‫ّ‬
‫حد كبير على جودة البذرة األولى‪.‬‬ ‫النبات كما ُيقال‬
‫خاصة به‪ ،‬كما ّأن ّ‬‫خطة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّإن ّ‬
‫لكل باحث‬ ‫لكل موضوع طبيعته التي تقتض ي‬
‫خاصة‪ ،‬لكن‪ ،‬تبقى هناك نقاط ّ‬ ‫الخطة من زاوية نظر ّ‬ ‫ّ‬
‫عامة‬ ‫شخصيته التي تدير‬
‫يلم بها‪ ،‬وهي‪ :‬الصياغة األكاديمية للعنوان‪ ،‬ومنطقية‬ ‫بكل باحث أن ّ‬ ‫يجدر ّ‬
‫الخطة وثراؤها‪ ،‬وبناء عناصرها أبوابا وفصوال ومباحث‪ ،‬وشروط ّ‬
‫املقدمة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وانفتاح الخاتمة‪ ،‬والدقة في التهميش وفهرسة املصادر واملراجع‪ .‬إن هذه‬
‫العمليات املنظمة‪ ،‬موجهة أساسا لتحقيق الهدف من البحث‪ ،‬غير أن الهدف‬
‫ليس واحدا في كل املراحل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تعد الخطة بمثابة املساحة التي تلتقي فيها مفاتيح البحث املعرفية‬
‫ّ‬
‫وعالماته املنهجية‪ ،‬فيها وبها يتجلى موضوع البحث‪ ،‬ومن خاللها تبرز األسئلة‬
‫ّ‬ ‫املهمة التي ّ‬
‫تم اختيارها بواسطة عزل بعضها‪ ،‬واإلبقاء على ما يشكل قضايا‬
‫ً‬
‫معطى‬ ‫سما‬‫ويحقق موضوعه األكاديمي‪ ،‬وهي مع ذلك ليست ر ً‬ ‫البحث الجوهرية‪ّ ،‬‬
‫وتتكون باستمرار‪ ،‬مثل القميص بالنسبة‬ ‫ّ‬ ‫قبليا‪ ،‬كاملخطط املعماري‪ ،‬و ّإنما تنشأ‬ ‫ً‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ويتحول عن طريق‬ ‫للخياط‪ ،‬حين يبدأ خطوطا‪ ،‬فورقا‪ ،‬فأجزاء من القماش‪،‬‬
‫الخياطة إلى قميص‪.‬‬
‫إنها بمثابة السيرورة التي ال يمكن أن تكون إال البحث ذاته‪ ،‬ولكن‬
‫بمراحل مختلفة‪ ،‬وطب يعتها الحركية هذه‪ ،‬هي التي جعلتنا ننظر إليها من حيث‬
‫نتحدث بعد ذلك‪ ،‬على طبيعة‬ ‫ّ‬ ‫كل مرحلة من مراحل البحث‪ ،‬ثم‬ ‫وظيفتها في ّ‬
‫تمظهرها الشكلي‪ ،‬ولقد بصرنا بثالثة أنواع هي‪:‬‬

‫‪105‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ – 1‬الخطة التوضيحية اإلعالمية ‪ :Plan indicatif‬وهي الخطة األولية‬
‫تجسد العناصر الكبرى واألساسية للبحث‪ ،‬وتشرح املوضوع‪ ،‬كما تعطينا‬ ‫التي ّ‬
‫صورة أولى عن طبيعته؛ إنها بمثابة املعالم الضرورية واألساسية الستعمال‬
‫تشكل القاعدة التي تنبني عليها استشارات الباحث‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وتوجهه‬ ‫املراجع‪،‬وهي التي‬
‫النص أو ذاك‪ .‬كما تعطي للباحث‬ ‫ّ‬ ‫نحو املصادر واملراجع‪ ،‬فيستقي منها هذا‬
‫وتسهل عليه عملية الجمع‪ ،‬وفهم اإلشكالية‪ ،‬وهي ّ‬
‫تسمى‬ ‫ّ‬ ‫النظرة اإلجمالية‪،‬‬
‫كذلك‪ ،‬خطة البحث أو خطة القراءة‪.‬‬
‫ّ‬
‫على الرغم من أنها ليست واضحة تماما‪ ،‬فإنها تيهئ لفضاء آخر يسهم في‬
‫تحولها إلى خطة أخرى‪ .‬وليحذر الباحث من الخطة الجاهزة‪ ،‬التي تنطبق على‬ ‫ّ‬
‫تعود الباحث الكسل واالتكال على‬ ‫البحوث جميعا مع تغيير في األمثلة‪ ،‬فتلك ّ‬
‫ملفق ال غير‪.‬‬ ‫مجرد ّ‬‫وتكبل فيه روح البحث‪ ،‬فيصبح ّ‬ ‫الغير‪ّ ،‬‬
‫‪ – 2‬الخطة العملية املفصلة ‪ :Plan opérationnel détaillé‬وهي التي‬
‫املفصلة بعدما أغنت ّ‬
‫املادة‬ ‫ّ‬ ‫األولي إلى مجموعة من العناصر‬ ‫يتحول فيها التصور ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫التي جمعها الع ناصر العامة التي ظهرت بها في البداية‪ ،‬وما أن يوزع الباحث‬
‫الخطة األولية‪ ،‬حتى ّ‬ ‫ّ‬
‫يؤدي ذلك إلى إغنائها وتوسيعها‪،‬‬ ‫املعلومات على محاور‬
‫ّ‬
‫وتصبح خطة عملية نقرأ من خاللها املوضوع‪ ،‬ويكون هدفها‪ ،‬بالدرجة األولى‪،‬‬
‫املتحصل عليها بعد أن أصبح على‬‫ّ‬ ‫تأويل موضوع البحث في ضوء املعلومات‬
‫درجة من الوضوح‪ ،‬فتتالش ى آثار الخطة األولية‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ – 3‬خطة التحرير ‪ :Plan de rédaction‬وتتبلور بعد أن يقرأ الطالب‬
‫املادة فيجمع النصوص املتشابهة واملختلفة‪ ،‬ويبحث لها عن مكان داخل‬ ‫ّ‬
‫الخطة‪ ،‬مما يسمح له بالحصول على مجموعة من األفكار الجديدة التي ّ‬
‫يحولها‬
‫إلى عناوين فرعية‪ ،‬يعمل الباحث على التنسيق فيما بينها من أجل وحدة‬
‫البحث‪ ،‬وهنا ترتكز الخطة على عدة عمليات كالتحليل واالستنباط واملقارنة‪،‬‬
‫وتصبح صالحة لتحرير البحث في ضوئها‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫كل مرحلة من هذه املراحل‪ ،‬نرى ّ‬ ‫ّ‬
‫الخطة في ّ‬
‫بأنها‪ ،‬إلى جانب‬ ‫إذا نظرنا إلى‬
‫كونها وسيلة لعرض ا ملعطيات واألفكار املختلفة‪ ،‬تساعد الباحث على التحليل‬
‫والكشف فتكون بمثابة الدليل أو اإلطار الذي يشتغل ضمنه‪.‬‬
‫للخطة؛ فيمكن أن ّ‬‫ّ‬
‫نحدد ثالثة أنواع‬ ‫ّأما من ناحية الصياغة الشكلية‬
‫كل واحد منها مع طبيعة اإلشكالية املطروحة‪ ،‬وهي‪:‬‬‫ينسجم ّ‬
‫ّ‬
‫‪ – 1‬الخطة األحادية الخطية املتسلسلة‪ :‬حيث يسير التفكير فيها‬
‫ّ‬
‫وتتحكم في التي تليها‪ ،‬ويقوم القارئ‬ ‫خطيا‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫وكل فكرة تكون محكومة بما قبلها‪،‬‬
‫بإدراك هذه العالقات بواسطة مقترحات وعروض مرتبطة فيما بينها بروابط‬
‫ّ‬
‫منطقية‪ ،‬لذلك نجد هذا النوع من الخطة يسير حسب ترتيب ‪.. 3 – 2 – 1‬الخ‪.‬‬
‫وهذا النوع من ال خطط ذو الطابع األنجلوسكسوني هو الغالب في البحوث‪.‬‬
‫الخطة الثنائية أو ذات التفرع التقابلي‪ :‬حيث يكون فيها ّ‬‫ّ‬
‫كل قسم‬ ‫‪–2‬‬
‫متشعبا إلى قسمين متقابلين‪ ،‬كاملوت والحياة‪ ،‬السلبيات واإليجابيات‪ .‬وفي‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫الوقت نفسه يكون القسم الرئيس مقابال لقسم آخر‪ ،‬وتتجلى بهذا الشكل‪:‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫جـ تقابل د‬ ‫أ تقابل ب‬


‫ّإن القاعدة الثنائية تستوجب أن يمسك الباحث باألسباب املنطقية‬
‫ّ‬
‫الخاصة‬ ‫ّ‬
‫خاصة في البحوث‬ ‫الزوجي التقابلي؛ لذلك نالحظ ّأنها تعتمد‬ ‫للتنظيم ّ‬
‫ّ‬
‫بالعلوم القانونية واالقتصادية والتربوية‪ ،‬حيث يطغى نمط البحث املتعلق‬
‫بالوصف ‪/‬التحليل‪ ،‬املاض ي‪ /‬الحاضر‪ ،‬التطور اآلني‪ /‬املستقبلي‪ ،‬النقد‪/‬البناء‪...‬‬
‫يعلق نفسه في ثنائيات متقابلة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫حتى‬ ‫الخ‪ .‬إن هذه الطريقة ال تعني ّأن الباحث‬
‫بقوة؛ وذلك لكي ال يسقط في نوع من اآللية والشكلية‬ ‫وإن فرضت نفسه ا ّ‬
‫املسرفة‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ – 3‬الخطة الثالثية‪ :‬وهي خطة ديالكتيكية تتوزع على قضية ونقيض‬
‫أي مجال من‬ ‫لكل اإلشكاالت ّ‬
‫املعقدة في ّ‬ ‫قضية وتركيب‪ ،‬وهي كما نرى صالحة ّ‬ ‫ّ‬
‫مجاالت البحث‪ ،‬وعادة ما ترتبط بمراحل عليا من كتابة البحوث كأطروحات‬
‫ّ‬
‫الدكتوراه؛ حيث يكون الباحث في مستوى يمكنه من إعطاء البدائل‪ ،‬ومناقشة‬
‫القضايا ّ‬
‫املعقدة واإلشكاالت املثيرة‪ .‬غير أن عدم اعتماد هذا النوع من الخطط‪ ،‬ال‬
‫يعني أن البحث ال يرقى إلى مستوى البحوث التي تعتمده؛ ألن اإلشكاالت ّ‬
‫املعقدة قد‬
‫تحويها أيضا خطة خطية أو ثن ائية‪ ،‬فالعبرة تكمن في التحليل واملقارنة‬
‫ّ‬
‫واالستنتاجات‪ّ .‬إن الخطة هي أحد أعمدة البحث األساسية‪ ،‬وهي بمثابة أحد وجهي‬
‫العملة الواحدة‪ ،‬بفضلها ينشأ بناء البحث؛ لذلك قال السيوطي ً‬
‫قديما‪ " :‬ال ينبغي‬
‫هم بوضع كتاب‪ ،‬أن يحيد عن غرضين اثنين‪ :‬إنشاء مبنى وابتداع‬ ‫ّ‬
‫ملصنف إذا ّ‬
‫معنى‪ ،‬وما سوى هذين الغرضين فتسويد الورق"‪ .‬هي إذن أحد العوامل األساسية‬
‫التي قد تطرح مشاكل عديدة إذا لم يلتزم الباحث ببعض القواعد‪ ،‬كضرورة‬
‫التناسب في الحجم بين الفصول واألبواب‪ ،‬فذلك يعكس عدم قدرة الباحث على‬
‫توزيع ّ‬
‫مادته وإدراك العالقات بين اآلراء املختلفة‪.‬‬
‫إن تحقيق االنسجام والنسق الذي يجمع العناصر بطرق علمية يجعل‬
‫البحث في حركية تكون عناصرها في تفاعل‪ ،‬وتسفر عن عالقات تعطي للبحث‬
‫أهميته ومن ّثمة قيمته العلمية‪ ،‬وأما غيابهما في البحث فيعتبر دليال على عجز‬
‫ّ ّ‬
‫الباحث عن صنع خطة يوزع فيها املعلومات بطريقة منهجية‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫املستوى العملي للبحث‬
‫جمع املادة ‪la documentation‬‬

‫اعتاد الباحثون قبل الحديث عن جمع املادة‪ ،‬أو ما يعرف بعملية‬


‫التقميش‪ ،‬أن ّ‬
‫يتحدثوا عن املصادر التي تستقى منها‪ ،‬والطرق التي ّ‬
‫تتم بها عملية‬
‫الجمع؛ ولذلك ننظر إليها بحسب اعتبارات مختلفة منها‪ :‬الوقت‪ ،‬املوضوع‬
‫واملنهجية ّ‬
‫املتبعة‪.‬‬
‫فإذا نظرنا إلى عملية الجمع في عالقتها بالوقت‪ ،‬يكون الجمع إما منظما‬
‫يتعرف الباحث في الطريقة األولى على الفهارس املوجودة‬ ‫أو عفويا؛ حيث ّ‬
‫باملكتبة التي تحيله إلى مراجع ّ‬
‫تهمه‪ ،‬وفي الثانية‪ ،‬بأن يصادف كتابا له عالقة ما‬
‫بموضوعه فيه مراجع تقوده إلى منشورات أخرى‪ ،‬تحيله بدورها إلى مراجع‬
‫أخرى أقرب إلى موضوعه‪ ،‬وهكذا من األقرب فاألقرب‪ ،‬فينتقل من القراءة‬
‫السريعة في الكتب األولى إلى القراءة املتأنية في الكتب الالحقة‪ ،‬ويكتشف عددا‬
‫جل املراجع حول‬‫يتحصل على ّ‬
‫ّ‬ ‫مت زايدا من املراجع إلى أن تنتهي العملية بأن‬
‫موضوعه‪.‬‬
‫أما إذا نظرنا إليها في عالقتها بموضوع البحث‪ ،‬فإن موضوع بحث في‬
‫العلوم اإلنسانية يهدف إلى دراسة ظاهرة اجتماعية أو نفسية أو أنتروبولوجية‬
‫ّ‬
‫أو تربوية معينة‪ ،‬يختلف بدون شك عن موضوع تحلل فيه رواية أو ديوان‬
‫يعرف فيه بنظرية لسانية أو نقدية‪.‬‬‫شعر‪ ،‬أو ّ‬

‫‪109‬‬
‫ّ‬
‫التوجه إلى موقع الظاهرة واالتصال املباشر‬ ‫إن من خصائص األولى‬
‫ّ‬
‫باألفراد أو الجماعات املمثلة للظاهرة‪ ،‬واعتماد تقنيات معينة لجمع املعلومات‬
‫كاملقابلة واالستبيان واملالحظة‪( .‬سنتعرض لهذه الطرائق فيما بعد)‪.‬‬
‫أما تلك التي تعتمد على االتصال غير املباشر مثلما هو الشأن في األدب‪،‬‬
‫مثال‪- ،‬ونستثني أغلب الدراسات في األدب الشعبي الذي تؤخذ مادته من الرواة‬
‫أفرادا كانوا أم مجموعات ‪-‬فإن هذا النوع من البحوث يعتمد على الوثائق‬
‫املختلفة من كتب ومجالت تحوي املادة التي تتكون من مجموع املعلومات‬
‫تعبر عن آراء وأفكار أصحابها؛ فيستعين بها الباحث في كتابة‬‫(النصوص) التي ّ‬
‫ّ‬
‫بحثه تحليال ومقارنة وتأويال ويجعلها أدلة على أحكام يستنبطها وسندا‬
‫الستنتاجاته‪.‬‬
‫‪ - I‬جمع املادة في البحوث املكتبية‬
‫فرق الباحثون في هذا النوع من البحوث التي تعتمد على الكتب بين‬ ‫ّ‬
‫املصدر واملرجع‪ .‬ويكادون يجمعون على أن املصادر هي الكتب القديمة‪ ،‬أما‬
‫املراجع‪ ،‬فهي الكتب الحديثة‪ ،‬غير أننا‪ ،‬إذا نظرنا إليها من حيث القيمة‬
‫يتبين لنا نوعان من املصادر؛ منها الكتب القديمة األولى التي جاءت‬‫العلمية‪ّ ،‬‬
‫وتعد من املصادر؛ ألن أصحابها استمدوا املعلومات‬ ‫ّ‬ ‫بعد مرحلة املشافهة‪،‬‬
‫بأنفسهم‪ ،‬سواء عن طريق الرواية والبحث امليداني بين الناس في البوادي‬
‫والحضر‪ ،‬أو في مجالس الخلفاء‪ ،‬ومجالس العلم من أفواه الشيوخ والعلماء‪،‬‬
‫وهذا النوع من املصادر هو أقرب إلى الباحث من حيث الفائدة ملا ّ‬
‫تتميز به من‬
‫وتنوع في املادة العلمية وخاصة إذا كان الهدف من املوضوع هو تأصيل‬ ‫ثراء ّ‬
‫املفاهيم والنظريات‪.‬‬
‫هناك‪ ،‬أيضا‪ ،‬املصادر الحديثة‪ ،‬ويشترط فيها أن تحمل نظرة تأسيسية لم‬
‫يسبق إليها أو على األقل تتناول ظاهرة ما بالتحليل والنقد من وجهة نظر غير‬
‫‪110‬‬
‫متداولة؛ فتصبح مصدرا لكل الدراسات التي تأتي من بعده في مجاله‪ ،‬مثل‪ ،‬كتاب‬
‫دروس في علم اللغة لدوسوسير‪ ،‬ب النسبة للباحثين في اللغة واألدب؛ غير أننا‪،‬‬
‫كثي را ما نالحظ أن مصطلح املرجع هو أكثر تداوال؛ ألن استعمالهما غالبا ما يراد به‬
‫املعنى نفسه‪.‬‬
‫يقوم الباحث بجمع النصوص من املصادر األصلية‪ ،‬ثم املراجع العامة‬
‫كالكتب املوسوعية واملعاجم وكتب الطبقات‪ ،‬وكتب الت راجم على اختالفها إذا كان‬
‫املوضوع في الت راث‪ .‬أما إذا كان حديثا فإنه يبحث عن الطرق املؤدية إلى تسهيل األمر‬
‫تخصه دون أن يستغني‪ ،‬هو كذلك‪ ،‬عن املعاجم‬ ‫ّ‬ ‫عليه القتناء الكتب التي‬
‫ّ‬
‫املتخصصة واملوسوعات‪.‬‬
‫أ ‪-‬خطوات جمع املادة‪49:‬‬
‫ّ‬
‫بعد جمع الباحث ما توفر لديه من املصادر واملراجع يقوم بما يلي‪:‬‬
‫‪- 1‬إخضاع املراجع إلى التسلسل التاريخي؛ ألن ذلك يمكنه من ّ‬
‫تتبع‬
‫تصحح وتشرح الكتب‬ ‫الظاهرة التي هو بصدد البحث فيها‪ ،‬فالكتب املتأخرة قد ّ‬
‫املتقدمة التي تحمل بعض النظريات التأسيسية فتضيف إليها‪ ،‬وقد نصادف‬
‫ّ‬
‫غموضا في مراجع حديثة‪ ،‬سببها سوء التأويل وتعثر فهم ملا ورد في مصدر قديم‬
‫يتجنى صاحب الكتاب الحديث على كتاب قديم فيجتزئ‬ ‫من أفكار‪ ،‬كما قد ّ‬
‫األفكار من سياقها‪ ،‬فتصبح موحية بعكس ما أراده صاحبها‪ ،‬أو ّ‬
‫يتعمد إغالقها‬
‫ملقاصد مختلفة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪- 2‬يختار الطالب عددا من املراجع التي تحوي موضوعات تتعلق ببحثه‪ ،‬على‬
‫يتحصل عليها دفعة واحدة‪ ،‬ومهما كان األمر‪ ،‬فإنه ‪-‬ولكسب‬ ‫ّ‬ ‫الرغم من أنه قد ال‬
‫الوقت ‪-‬يحسن به أن يعرف أجزاء الكتاب جيدا؛ ألنها تساعده على اتباع أقصر‬

‫‪ - 49‬يستحسن بداية الرجوع إلى العنصر الخاص بكيفية قراءة الكتاب الذي أشرنا إليه في الفصل األول‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫السبل في الوصول إلى املوضوعات املطلوبة‪ ،‬وكذا مراجعة فهارس الكتب‪ ،‬وتسجيل‬
‫أرقام صفحات األبواب والفصول التي لها عالقة ببحثه‪.‬‬
‫‪ - 3‬ييهئ لهذه الكتب بطاقات ‪ fiches‬يشترط أن تحمل كل املعلومات‬
‫الخاصة‪:‬‬
‫ََ َ َ َ َ‬
‫‪ -‬املؤلف‪ ،‬كاتبا فردا كان أو جماعة‪ ،‬واملترجم أَََََو املحقق‬
‫واملراجع‪.‬‬
‫‪ -‬عنوان الكتاب كامال‪ ،‬أو رقم الجزء أو املجلد ‪-‬إن وجد ‪-‬‬
‫‪ -‬معلومات النشر كاملة يذكر فيها الطبعة واملكان والبلد والسنة‪.‬‬
‫‪ -‬مكان تواجد الكتاب‪ ،‬إذا كان خاصا يمتلكه الباحث أو معارا من زميل‬
‫أو موجودا في املكتبة تحت رقم كذا‪.‬‬
‫‪ -‬تسجيل مالحظات تشير إلى أهمية فصل أو وجود ثبت باملصطلحات‪ ،‬أو‬
‫أي ظاهرة تلفت النظر؛ لكي تسهل علي الباحث عملية التوثيق وتحقيق األمانة‬
‫العلمية‪ ،‬ويسمى هذا النوع من البطاقات‪ :‬بطاقة بيبليوغرافية ‪fiche‬‬
‫‪ bibliographique‬مثلما هي موضحة بهذا النموذج‪:‬‬

‫محمد بوجة‪ ،‬منهجية تدريس القراءة‪ ،‬األسس‪ ،‬األنشطة‪ ،‬أساليب‬


‫القراءة‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات ديداكتيكا‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬البيضاء‪1995.،‬‬
‫‪ - 1‬بوجة ‪( 1995‬رمز الكتاب)‬
‫‪ - 2‬املكتبة الجامعية (مكان تواجده)‬
‫‪ - 3‬ل‪( 2001‬الرقم االستداللي)‬
‫‪ - 4‬على الرغم من أنه كتاب في تعليمية القراءة في الثانوية إال أن فيه‬
‫قضايا تهم الباحث الجامعي في املنهجية ( املالحظات)‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫‪ - 4‬تسجيل ما يجده مفيدا في بطاقات جمع املعلومات‪ ،‬مع ذكر املرجع‬
‫الذي أخذ منه والصفحة واملؤلف والناشر؛ وهذا في حالة عدم اعتماد البطاقة‬
‫سجل الباحث املعلومات كلها فيها‪ ،‬فيستحسن ذكر‬ ‫البيبليوغرافية؛ أما إذا ّ‬
‫تم اعتماد أكثر من مرجع لكاتب واحد‪ ،‬ثم رقم‬‫صاحب الكتاب أو عنوانه‪ ،‬إذا ّ‬
‫مدون على البطاقة البيبليوغرافية؛ حيث ّ‬
‫تدون املعلومة‬ ‫الكتاب كما هو ّ‬
‫باإلشارة إلى محتواها من خالل وضع عنوان لها وتسجيل الفصل الذي يمكن أن‬
‫ّ‬
‫موضح في النموذج‬ ‫تدرج ضمنه‪ ،‬من فصول الخطة أو عناصرها‪ ،‬مثلما هو‬
‫التالي‪:‬‬

‫الفصل ‪03‬‬ ‫الفهم (تعريفه) ومبادئه‬


‫"الفهم باعتباره تمثال للمعطيات وإدراكا لها بناء على عمليات ذهنية‬
‫تمحيصية لإلطار املعرفي تتمثل في االختيار والفرز والتحليل"‬
‫مبادئ الفهم ثالثة هي‪ :‬التحويل والتأويل والتعميم‬
‫محمد بوجة ‪38:1995‬‬

‫إن عدم ذكر املعلومات الكاملة الخاصة بالكتاب‪ ،‬يرجع إلى كونها ّ‬
‫مدونة في‬
‫وضحه النموذج السابق‪ ،‬وهي‬ ‫البطاقة البيبلوغرافية الخاصة بالكتاب‪ ،‬مثلما ّ‬
‫طريقة تقوم على االقتصاد‪ ،‬الذي هو جوهر العملية املنهجية‪ ،‬ويشير املزدوجان‬
‫إلى نقل النص حرفيا؛ أما املبادئ فقد ّتمت اإلشارة إليها بواسطة التلخيص‪،‬‬
‫ويمكن العودة إليها مشروحة في الكتاب عند الحاجة‪ ،‬أو تعديل طريقة‬
‫التلخيص‪ ،‬بالزيادة فيه‪ ،‬إذا بدا أنها تحتاج إلى شرح وتوضيح‪.‬‬
‫‪ - 5‬يقسم الطالب بعد ذلك بطاقات جمع املعلومات على حسب‬
‫موضوعاتها‪ ،‬وبحسب الخطوط الرئيسية للبحث‪ ،‬فإذا وجد أن املادة التي جمعها‬
‫‪113‬‬
‫األولي للبحث‪ ،‬فال مانع من تعديله بحسب ما‬ ‫تستوجب إجراء تغيير في املخطط ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تجمع لديه من مادة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فبطاقات جمع املعومات تنظم بحسب عناصر‬
‫البحث وقد نجد معلومات من كتب مختلفة حول نفس العنصر؛ لذلك يجب‬
‫ّ‬
‫الحرص على حفظ املعلومات املتعلقة بالكتاب وصاحبه ومعلومات النشر‪ ،‬حتى‬
‫ال يلتبس األمر على الباحث‪ ،‬فيسند نصا لغير صاحبه‪.‬‬
‫تدون في بطاقة جمع‬ ‫أما فيما يخص املالحظات والتعليقات‪ ،‬فقد ّ‬
‫املعلومات ولكن‪ ،‬تفاديا للخلط‪ ،‬يمكن أن توضع لها بطاقات خاصة ّ‬
‫تسمى‪،‬‬
‫بطاقة التعليق ‪ ،fiche de commentaire‬غير أن هذه الطريقة قد تباعد بين‬
‫يفضل اعتماد بطاقة واحدة تشمل املادة والتعليق‬ ‫النص والتعليق عليه‪ ،‬لذلك ّ‬
‫ويتم الفصل بينهما بلون قلم آخر‪ ،‬واألفضل أال يشغل الباحث بطاقاته إال بما‬ ‫ّ‬
‫ّيتصل ببحثه مباشرة‪ ،‬لكيال تتكاثر بطاقاته‪.‬‬
‫هناك من ينهضون ببحوث دون استخدام بطاقات‪ ،‬فيستخدمون‬
‫ّ‬
‫كراسات تقل أهمية عن البطاقات في تنسيق املادة‪ ،‬لكنها تتطلب دقة في‬
‫التنظيم وحرصا مضاعفا على حفظ معلومات النشر؛ فالبطاقة‪ ،‬إلى جانب أنها‬
‫ذاكرة من ورق‪ ،‬تسمح بإيجاد املعلومة التي نريد بسرعة‪ ،‬إنها وسيلة لربح الوقت‬
‫وحفظ املادة بطريقة أفضل ولوقت أطول‪ ،‬يستفيد منها الباحث في بحوثه‬
‫الالحقة أو يفيد بها غيره من الباحثين في بحوثهم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تقنيات االستفادة من املادة‪:‬‬
‫إن اعتماد البطاقات‪ ،‬ليس إال تقنية لجمع املعلومات‪ ،‬غير أن عملية‬
‫تسجيل املعلومات‪( ،‬النصوص املختارة للتدوين في البطاقة) يخضع إلى آليات‬
‫تتم بطريقة آلية ّ‬
‫يضيع‬ ‫تسهل عملية االستفادة من املعلومات‪ ،‬ال ّ‬‫منهجية أخرى ّ‬
‫فيها الباحث جهده ووقته‪ ،‬وال بطريقة ذاتية تعتمد على انتقاء ما سهل عليه وما‬
‫ّ‬
‫أثر في نفسه من أفكار‪ ،‬فيترك األهم‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫إن هذه اآلليات تتجلى من خالل تقنيات أهمها التلخيص واالقتباس‬
‫الحرفي أو املقلص‪ ،‬كما يتعامل مع بعضها بكيفية أخذ رؤوس أقالم فقط‪.‬‬
‫‪ - 1‬التلخيص ‪Résumé‬‬
‫يعد التلخيص من املظاهر التطبيقية التي تسهم في تحقيق خطة البحث‪،‬‬
‫ّ‬
‫التمرن على الوفاء للنص األصلي " الوفاء للمعنى واالرتباط التام‪،‬‬ ‫فهو نوع من‬
‫إن أمكن‪ ،‬بفكر الكاتب" ‪ 50‬ألنه يجب أن يحافظ على أفكار وآراء الكاتب دون‬
‫تعليق أو حكم‪.‬‬
‫أال ينقل الباحث من الكتب إال ما ّ‬ ‫ّ‬
‫يهمه‪ ،‬وقد يحدث أن‬ ‫قد يبدو بديهيا‬
‫جدة املعلومات املوجودة في ا لكتب‪ ،‬وخاصة بالنسبة‬ ‫يبدو كل ش يء مهم أمام ّ‬
‫ّ‬
‫للباحث املبتدئ لذلك هناك طرق منهجية تمكن الباحث من االستفادة من كل‬
‫املعارف الواردة في املراجع التي يقرأها‪ ،‬ولكن‪ ،‬بحسب أهمية هذه املادة أو تلك‪،‬‬
‫ومن هذه الطرق‪ ،‬التلخيص‪ ،‬الذي يعد جوهر عملية القراءة العلمية؛ لذلك‬
‫ّ‬
‫يتعين على الباحث إدراك ما هيته ووظيفته ومراحل القيام به‪.‬‬
‫ليس التلخيص حذفا لفقرة أو جملة أو مجموعة كلمات من نص وترك‬
‫ّ‬
‫أخرى لتعذر فهمها‪ ،‬كما أنه ليس تسجيال النطباع عن نص وال تعليقا عليه‪،‬‬
‫وليس شرحا أو تحليال مقتضبا‪ ،‬إنما هو آلية يقتض ي احت رام معنى النص وأفكار‬
‫ّ‬
‫صاحبه‪ ،‬وتمثل فكر الكاتب ثم اإلحاطة باملهم من فكره‪ ،‬بطريقة منطقية‬
‫ووفية"‪ 51‬وتتم هذه العملية كما يلي‪:‬‬

‫‪50- le résumé du texte hatier, paris, 1979, p, 10, in Ecrire une thèse ou‬‬ ‫‪un mémoire en science‬‬
‫‪humaines, Bernadette PLOT, champion, éditeur, paris, 1986, p109.‬‬
‫‪51 - ibid, p, 110.‬‬

‫‪115‬‬
‫* معاينة النص من الخارج‪ :‬وذلك من خالل رصد مؤشرات النص‬
‫الشكلية النحوية والتركيبية والسياق النص ي ونظامه العام من حيث البساطة‬
‫أو التعقيد‪.‬‬
‫* قراءة أولى شاملة للنص‪ :‬وذلك بمراعاة املنطق الذي جاء به النص؛‬
‫أي إذا كان الكاتب قد عرض مفهوما أو تعريفا ليشرح فكرة أو يحللها‪ ،‬وبأي‬
‫صيغة تلفظ بذلك‪ ،‬وأي أسلوب ّاتبع‪.‬‬
‫* رصد العالقات املنطقية بين وحدات املعنى في النص‪ :‬وذلك من خالل‬
‫البحث عن تلك الوحدات األساسية‪ ،‬أو ما يعرف باألفكار الرئيسية‪ ،‬ورصد‬
‫معينا ينتقل فيه صاحبه‪:‬‬‫طريقة ورودها؛ فقد نجد نصا ّ‬
‫‪ -‬من سبب إلى آخر‬
‫‪ -‬أو من نتيجة إلى أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬أو من حل إلى آخر‪.‬‬
‫‪ -‬أو من سبب إلى نتيجة‪.‬‬
‫‪ -‬أو من هيئة إلى هيئة أخرى لنفس الفكرة أو القضية‪.‬‬
‫‪ -‬أومن تحليل إلى نتيجة‪.‬‬
‫‪ -‬أو من وضعية حالية إلى مستقبلية‪.‬‬
‫‪ -‬أومن وضعية ماضية إلى حاضرة‪.‬‬
‫‪ -‬أومن رأي إلى آخر‪.‬‬
‫* تشكيل وترتيب ّ‬
‫املهم‪ ،‬ويتم ذلك بما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬وضع خط على الكلمات والعبارات املعالم‪ ،‬أو تأطير الجملة الهدف التي‬
‫تجسد املعنى‪ ،‬أو التي تبدو غامضة والتي تثير إشكاال معرفيا‪ ،‬أو تؤكد حالة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪-‬استخراج معنى كل فقرة أو الفكرة األساس فيها‪ ،‬وإغفال األفكار‬
‫الجزئية والشروحات واألمثلة‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫‪ -‬إعطاء عنوان يعكس املعنى أو يظهره ويؤكده‪ ،‬وذلك من خالل جملة‬
‫ّ‬
‫يتسنى له‬ ‫تلخص الفكرة األساسية‪ ،‬ويجب أن تكون بأسلوب الطالب؛ لكي‬ ‫ّ‬
‫إعادة التشكيل أثناء تحرير امللخص في صيغته النهائية‪ ،‬فيستدل به أثناء عملية‬
‫تحرير البحث‪ ،‬ويشترط أن يكون واضحا ومنسجما‪.‬‬
‫يتعين على الباحث إعادة تقييم النص ومحاولة‬‫حين تظهر األفكار كثيرة‪ّ ،‬‬
‫رصد األهم من األفكار املفاتيح‪ ،‬أو التي تحوي تعريفا‪ ،‬أو تقارن بين وضعين أو‬
‫ّ‬
‫تدحض فكرة‪ ،‬أو تكون دليال أو حجة على رأي‪ ،‬أو تشكل استنتاجا ملعطيات قبلية‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫* تحرير التلخيص‪ :‬ويتم بمراعاة ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬استعمال الطالب عباراته الخاصة التي يفترض أن تكون مختلفة عن‬
‫عبارات النص ما عدا املصطلحات التي ال يستطيع استبدالها نظرا لشيوعها‪.‬‬
‫‪ -‬احت رام نظام صيغة تلفظ النص التي ورد بها‪ ،‬بالحفاظ على من ّ‬
‫يتحدث‬
‫وإلى من وما موضع صاحب الن ص‪ ،‬كما تراعى الوضعيات الزمانية كالحديث عن‬
‫تاريخ ظاهرة ما أو حاضرها أو حتى مجرد التنبؤ بها‪.‬‬
‫‪ -‬احت رام معنى النص بالتعبير عن أفكار صاحبه دون تأويل أو تعليق أو‬
‫إضافة‪ ،‬وأن يكون مصوغا بأسلوب واضح ومنسجم‪ ،‬ليريح الذاكرة من كثرة‬
‫نصوص الغير؛ كما أن القدرة على التعبير باألسلوب الخاص للباحث تكون أول‬
‫للتحرر من اآلخر وامتالك أولى آليات الحجاج التي تهيئه‪ ،‬أثناء عملية‬ ‫ّ‬ ‫خطوة‬
‫التحرير‪ ،‬للشرح والتحليل ولهامش من التأويل‪.‬‬
‫لكن ما معنى األسلوب الخاص بالباحث؟ وإلى أي مدى يكون متحررا في‬
‫التعبير أثناء التلخيص‪ ،‬أليس األسلوب هو الرجل كما يقال؟‬
‫قد تصادف الباحث أثناء صياغة امللخص مشكالت من قبيل فقر لغته‬
‫مقارنة بلغة الكتاب أو صعوبة لغة الكتاب إذا كانت رياضية أو منطقية أو‬
‫يتعود عليها الباحث‪ ،‬مثل‪ ،‬لغة طه عبد الرحمان أو محمد مفتاح أو‬ ‫فلسفية لم ّ‬
‫أمبرتو إيكو أو بعض أصحاب نظرية التلقي والظاهرا تية كغادامير ودوفرين‬
‫ّ‬
‫والسيميائيين كشارل سندرس بورس وغيرهم‪ ,‬ففي هذه الحالة‪ ،‬عليه أن يتأنى‬
‫يتعود على هذه اللغة أو تلك‪.‬‬‫قليال فيقتبس عوض التلخيص حتى ّ‬
‫قد يكون الكتاب الذي يقرأه الباحث مصوغا بطريقة منطقية في العرض‬
‫ال تسمح له بالتلخيص؛ حيث يلجأ بعض الباحثين األكفاء إلى وضع ملخص‬
‫لألفكار التي أوردوها‪ ،‬وفي هذه الحال يضطر الباحث لنقل التلخيص اقتباسا‪،‬‬
‫وهذا ما فعلته في حديثي عن جمع املادة في البحوث امليدانية حيث فرضت علي‬
‫‪118‬‬
‫طريقة املؤلف أنجرس في كتابه " منهجية البحث في العلوم اإلنسانية" أن‬
‫ّ‬
‫التصرف فيها بإعادة ترتيبها أو إعطائها عناوين أو‬ ‫أعمد إلى اقتباس امللخصات‪ ،‬و‬
‫املراوحة بينها وبين نصوص كتاب آخر‪.‬‬
‫امللخص بحوالي عشرة باملائة من النص األصلي‪،‬‬ ‫يقدر ّ‬‫أخي را يفضل أن ّ‬
‫وهذه النسبة ال ينظر إليها من حيث الكم‪ ،‬ولكن بمقدار تحقيقها ألهداف‬
‫التلخيص التي أشرنا إليها‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫ّ‬
‫* حل اإلشكاالت املتعلقة بامللخص‪:‬‬
‫يفضل إعادة قراءة النص ومقارنته بما كتب ثم‬ ‫‪-‬إذا بدا امللخص طويال‪ّ ،‬‬
‫يعدل فيه‪ ،‬وذلك بحذف الجمل االعت راضية والجمل الشارحة واألمثلة‪ ،‬وقد‬
‫تعوض عبارة بجملة والجملة املركبة بأخرى بسيطة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫امللخص قصي را مخال باملعنى‪ ،‬يتأكد الباحث من اإلملام بجميع‬‫‪-‬حين يكون ّ‬
‫يمهد للفكرة بشرحها أو‬ ‫املهمة منها‪ ،‬كما يستحسن أن ّ‬ ‫وحدات املعنى وخاصة ّ‬
‫تعوض بعض العبارات القصيرة بجمل أطول‪ ،‬وبهذا‬ ‫التمثيل لها‪ ،‬مثلما يمكن أن ّ‬
‫الشكل ينقل النص على البطاقة املعدة لجمع املادة‪ ،‬مع اإلشارة إلى رقم‬
‫الصفحة من أجل توثيق التهميش الحقا‪.‬‬
‫‪ - 2‬االقتباس ‪ :citation‬وهي عملية نقل نصوص كما هي من الكتب‪،‬‬
‫وعادة ما تكون الطريقة األكثر استعماال بالنسبة للباحث املبتدئ الذي يبدو له‬
‫أن كل كلمة لها أهميتها‪ ،‬فيعمد إلى نقل النصوص من الكتب دون تلخيص‪ ،‬وهي‬
‫مرحلة انتقالية؛ فإذا كثرت قراءاته وبدأ يكتسب معلومات‪ ،‬وبدأت الرؤية‬
‫ّتتضح‪ ،‬يشرع في التعامل مع النصوص بطريقة التلخيص‪.‬‬
‫ّ‬
‫املتمرس ‪-‬‬ ‫غير أنه يجب التأكيد أن من النصوص ‪-‬حتى بالنسبة الباحث‬
‫ما يستوجب النقل الحرفي؛ ألن االقتباس هو نقل الفكرة والنص معا كما‬
‫نغير فيهما شيئا‪ ،‬وإذا لوحظ خطأ يشار إليه في الهامش‪،‬‬ ‫وردت في املصدر‪ ،‬ال ّ‬
‫يتميز النص الذي‬‫إال ما كان استطرادا أو شرحا أو تمثيال فنحذفه؛ ولذلك ّ‬
‫نقتبسه بمواصفات معينة هي التي تدفعنا إلى نقله حرفيا‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬أن يحوي النص تعريفا أو مفهوما أو فكرة جديدة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يحوي حكما بالسلب أو اإليجاب‪.‬‬
‫‪ -‬أن يحمل كالما فيه تناقض أو جدل يثير الخالف‪ ،‬شرط أال يكون‬
‫طويال‪.‬‬
‫‪120‬‬
‫نلخصه باملواصفات التالية‪:‬‬ ‫في حين يكون النص الذي ّ‬
‫‪ -‬يحمل فكرة عامة أو أفكارا متشابهة‪.‬‬
‫‪ -‬طويل فيه استطراد‪.‬‬
‫– فيه تحليل فكرة أو مجموعة من األفكار‪.‬‬
‫– يحمل تعليقا على رأي سابق أو على حكم‪.‬‬
‫– فيه مقارنة بين رأيين أو أكثر‪.‬‬
‫‪ -‬فيه أمثلة أو شرح‪.‬‬
‫وقد يقرأ الباحث نصوصا‪ ،‬فيستفيد منها بدون أن يقتبسها أو يلخصها‬
‫ويشير إلى أصحابها أو ال يشير‪ ،‬وهي تلك النصوص ذات األفكار الشائعة‬
‫واملستهلكة والتي تكررت في أكثر من مرجع حتى أصبحت ملكا للجميع‪ ،‬فيحق‬
‫يتبناها دون ذكر أي مرجع‪.‬‬ ‫للباحث أن ّ‬
‫إن هذه املواصفات هي بمثابة شروط يجب أن يوفرها الباحث لنفسه‬
‫ّ‬
‫أثناء عملية جمع املادة‪ ،‬لتوفر له بدورها شرط الفهم والتحليل العلمي الدقيق‬
‫ّ‬
‫واستنباط األحكام أثناء التحرير‪ ،‬وإذا ما تمثل الباحث شروط الجمع هذه‪،‬‬
‫سوف يوفر على نفسه عبء ركام من النصوص قد ال يفيده في ش يء‪ ،‬بل قد‬
‫يشوش أفكاره وفهمه لقضايا بحثه األساسية‪.‬‬
‫يدون‪ ،‬والعبرة في األهم‪ ،‬وإذا كانت طريقة االقتباس‬ ‫ليس كل ما يقرأ ّ‬
‫واضحة يسيرة تقتض ي نقل النص كما هو دون حذف وال نقص بمراعاة شروط‬
‫يتصور البعض‪ ،‬مجرد إعادة صياغة نص‬ ‫ّ‬ ‫معينة‪ ،‬فإن التلخيص‪ ،‬ليس كما‬ ‫ّ‬
‫بحذف كلمة أو جملة أو جمل‪ ،‬كما أنه ليس تسجيل انطباع عارض أو تحليل‬
‫فكرة وتعليقا على نص؛ إنما هو اقتباس الفكرة بأسلوب الباحث‪ ،‬ونقل الفكرة‬
‫بأمانة بحيث يحاول أن يصوغها صياغة ال يمكن أن تؤدي إلى تأويل أو سوء فهم‬
‫وغموض‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫ولعل ما تفيدنا به عملية الجمع األكاديمية‪ ،‬هو معرفتنا بطبيعة‬
‫نصنف املتشابه منها واملتناقض‬ ‫ّ‬ ‫النصوص وأهميتها‪ ،‬فنستطيع بذلك أن‬
‫والغامض‪ ،‬ونكون قد اكتسبنا أولى مالمح روح النقد وشخصية الباحث‪.‬‬
‫أخي را على الباحث أن ال يكثر من االقتباسات ونقل املعلومات إلى حد‬
‫ّ‬
‫إثقال عقله بذخيرة من املعلومات‪" ،‬فإن املعلومات املتعلقة باملشكلة تتركز في‬
‫بؤرة التفكير‪ ،‬فإذا كانت املعلومات غير كافية لهذه املشكلة بالذات‪ ،‬فإنه يمكن‬
‫الوصول إلى حل ما‪ ،‬أما إذا كانت املعلومات كافية‪ ،‬فإن وجود هذه الكمية من‬
‫املعلومات يجعل من الصعب على الذهن أن يبتدع أفكارا أصلية"‪52‬‬

‫‪- 3‬أخذ رؤوس األقالم‪ : Prise de notes 53‬إن الهدف من أخذ النقاط‬
‫املعروفة برؤوس األقالم ‪،‬هو تحصيل املهم مما نسمع أو نقرأ‪ ،‬وهذه النقاط‬
‫ّ‬ ‫توجه إلى الباحث نفسه‪ّ ،‬‬
‫يسجلها مختصرة وتحمل بصماته الشخصية ليتمكن‬
‫من قراءتها واالستفادة منها الحقا‪ ،‬كما أنها تعرض املعلومات بطريقة تراتبية‬
‫واضحة لتسهل عملية استيعابها وحفظها‪,‬و ترتبط بطبيعة الخطاب ومنهجية‬
‫صاحبه‪.‬‬
‫ولكي يتم للباحث ذلك‪ ،‬ال بد أن يستعين ببعض العمليات املنظمة‬
‫املسهلة لعملية أخذ النقاط‪ ،‬كاالختصارات والحذف والتلخيص والترميز‬ ‫و ّ‬
‫ووضع الترسيمات والجداول‪ ،‬وإذا كانت بعض اللغات األوربية كالفرنسية مثال‬
‫تستسيغ أساليب ثرية من االختصارات‪ ،‬فإن اللغة ا لعربية ال يمكن أن تخضع‬
‫لنظام اختصاري صارم في شكل حروف رامزة أصبحت متداولة‪ ،‬األمر الذي‬
‫يحتم على الباحث أن يستعمل وسائل أخرى من االختصار‪ ،‬من أهمها‪:‬‬ ‫ّ‬
‫‪-‬االختصار باخت زال املعلومات إلى جمل بسيطة أو إلى كلمات مفاتيح‪.‬‬

‫‪ - 52‬وأ ‪ -‬ب بقردج‪ :‬فن البحث العلمي‪ ،‬ترجمة‪ :‬جماعة من الباحثين‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ - 53‬يراجع في هذا املجال وغيره كالتلخيص كتاب ‪Techniques du français‬‬
‫‪122‬‬
‫‪-‬اإلبقاء على األهم‪ ،‬وهو وجه آخر لالختصار‪ّ ،‬‬
‫يتم فيه اإلبقاء على‬
‫ّ‬
‫ويسمى التقليص‪.‬‬ ‫املعلومات التي تخدم هدفه من البحث‪،‬‬
‫‪-‬حذف بعض املعلومات؛ كأن يتخلى الباحث عن األوصاف واألمثلة‬
‫والصيغ املكررة ملعلومة واحدة وخاصة إذا تعلق األمر بخطاب شفهي‪.‬‬
‫‪-‬ترتيب املعلومات بحسب التسلسل املنطقي الذي ورد به النص‪ ،‬وإذا‬
‫افتقد ال نص هذا التسلسل كما هو الشأن في بعض النصوص املكتوبة‬
‫واملسموعة خاصة يعيد الباحث ترتيب املعلومات لكي يسهل استيعابها وإدراك‬
‫العالقات بينها‪.‬‬
‫‪ -‬إعادة قراءة النقاط‪ ،‬وهي املرحلة األخيرة قبل استغالل املعلومة‪ ،‬وذلك‬
‫بصياغة املعلومات في شكل عناوين رئيسة وأخرى فرعية‪ ،‬وقد يوضع سطرا‬
‫يلخص األفكار في مخطط أو ترسيمة ّ‬
‫توضح‬ ‫تحت جملة أو فكرة معينة‪ ،‬كما قد ّ‬
‫وتسهل إد اك العالقات ّ‬
‫املعقدة بين األفكار‪.‬‬ ‫بنية النص ّ ر‬
‫أما إذا كان النص مسموعا‪ ،‬فإن هذه اآلليات كلها يجب أن يمارسها‬
‫الباحث كدليل على انتباهه وتركيزه على ما يقال‪ ،‬ثم يعيد العملية مرة أخرى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املسودة‪ ،‬ويتبع نفس اآلليات في االختصار وإدراك‬ ‫عندما ينقل املعلومات من‬
‫ّ‬
‫املهم من األفكار‪54.‬‬

‫‪ - 4‬تنظيم املادة وترتيب النصوص بحسب عناصر الخطة‪:‬‬


‫قد يلجا الباحث من البداية إلى جمع مادته بحسب عناصر الخطة‬
‫األولية للبحث وتكون كما يلي‪:‬‬
‫أ ‪-‬طريقة األظرف‪ :‬وهي إيراد أوراق متساوية في العرض والطول ليسهل‬
‫يقسمها الطالب إلى مجموعات بعدد أبواب أو فصول البحث‪،‬‬ ‫تناولها وترتيبها‪ّ ،‬‬

‫‪54- voir- Techniques de français‬‬

‫‪123‬‬
‫وفي كل مجموعة يكتب النصوص التي جمعها‪ ،‬كل نص في ورقة مستقلة مع‬
‫مر ذكره؛ وهي طريقة ال‬ ‫كتابة مصدره ومراعاة الترتيب التاريخي والزمني الذي ّ‬
‫تختلف عن طريق البطاقات كثي را؛ حيث يضع الطالب كل مجموعة من الورق‬
‫السالف الذكر في ظرف خاص يشتمل على باب من أبواب البحث أو فصوله‪:‬‬
‫فظرف للمقدمة وثان للباب األول‪ ،‬وثالث للباب الثاني‪ ...‬وهكذا حتى ينتهي إلى‬
‫الظرف األخير الذي يضع فيه خالصة البحث والنتائج والجديد الذي ّ‬
‫توصل إليه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬طريقة امللفات ‪ :classeurs‬وتمتاز هذه الطريقة عن نظام البطاقة بأنها‬
‫ّ‬
‫أحفظ ألوراق البحث‪ ،‬وتتمثل في بطاقات من الورق الرقيق متساوية األبعاد في‬
‫ّ‬
‫صورة كتاب بين دفتين من الورق املقوى‪ ،‬فيه توثق البطاقات الرقيقة بوساطة‬
‫حلقتين من املعدن بعد أن تحزم البطاقات املذكورة بسلك‪ ،‬ويمكن تحريكها‬
‫بسهولة ويسر‪ ،‬كما يمكن تحريك أوراق الكتاب‪ ،55‬وهذا النظام أحسن وسيلة‬
‫تتعرض‬‫لجمع النصوص وحفظها واإلضافة عليها ونقلها من مكان إلى آخر دون أن ّ‬
‫لإلتالف‪.‬‬
‫ومهما تكن الطريقة ّ‬
‫املتبعة‪ ،‬فنظام بطاقة املعلومات ال غنى عنه؛ ألنه‬
‫من أ يسر الطرق حفاظا على املادة‪ ،‬ومن أكثر الوسائل املساعدة على تنظيم‬
‫القراءة والتقدم في البحث؛ ذلك أن املشكلة التي يمكن أن يصادفها الباحث‪،‬‬
‫يحتم عليه في كل مرة إعادة ترتيب‬ ‫هي أن خطته تتعرض للتغيير في كل مرة مما ّ‬
‫املادة املجموعة تبعا لعناصر جديدة وحذف أخرى؛ ولذلك فهذه العملية في‬
‫ترتيب املادة تكون أنسب للباحث عندما ينتهي من عملية الجمع ويحدث تعديال‬
‫لخطة يمكن أن تكون خطته للتحرير‪.‬‬
‫‪ - 5‬بطاقات القراءة ‪fiches de lecture‬‬

‫‪ - 55‬كــان عل ــي جــواد ط ــاهر مــن األوائ ــل ال ــذين ذكــروا ه ــذه الطــرق ف ــي كتاب ــه مــنهج البح ــث األدبــي ث ــم ت ــداولها‬
‫الباحثون في كتبهم‪ ،‬ومنه كانت االستفادة في هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫صحيح أن بطاقة جمع املعلومات هي في األساس بطاقة قراءة‪ ،‬ولكنها قد‬
‫ّ‬
‫تتعلق بجزء من كتاب يرى الباحث أنه ي خدم بحثه‪ ،‬وكثي را ما يلجأ الطلبة‪ ،‬وهم‬
‫في مرحلة ال يدركون ما يفيدهم إلى عمليات انتقاء يفرضها مستواهم البسيط في‬
‫التعلم‪ ،‬فيغفلون كثي را من املعلومات ّ‬‫ّ‬
‫املهمة ويحرمون أنفسهم من االطالع على‬
‫كثير من القضايا التي تعود عليهم بالفائدة؛ لهذا ينصح بعض املشرفين الطلبة‬
‫ا لباحثين ويكلفونهم بإعداد بطاقات قراءة للكتب التي يقرأونها‪ ،‬كما نرى بعض‬
‫الباحثين يقومون بإعداد هذه البطاقات ألنفسهم ملزاياها املذكورة‪.‬‬
‫إن هذه البطاقات ّتتخذ مسارات ثالثة يمكن أن نصف بها طريقة قراءة‬
‫ّ‬ ‫كتاب ما‪ ،‬تتعلق أوال‪ :‬بطريقة األستاذ املشرف إذا كان ّ‬
‫يحبذ أن يطلع على بطاقة‬
‫قراءة كل كتاب‪ ،‬كما ترتبط بمستوى الطالب‪ ،‬ومن خالل هذه املسارات ّ‬
‫نتعرف‬
‫على ثالثة أنواع من بطاقات القراءة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬بطاقة القراءة الوصفية‪ fiche de lecture descriptive ،‬وهي من‬
‫حيث اإلعداد ّتتبع فيها نفس طريقة التلخيص؛ ألن الباحث في هذا املستوى‬
‫يكون مطالبا بوصف األفكار املوجودة في الكتاب وطريقة تنظيمها‪ ،‬وهي تقابل‬
‫ّ‬
‫التفحصية التي أشرنا إليها في الفصل األول‪.‬‬ ‫النوع األول من القراءة‬
‫‪- 2‬بطاقة القراءة التحليلية ‪ fiche de lecture analytique‬وهي تتجاوز‬
‫العرض األمين إلى تحليل األفكار والتعليق على آراء الكاتب بتسجيل اعت راض أو‬
‫مالحظة عن تناقض أو تعقيد‪ ،‬وعالقة الباحث بصاحب الكتاب في هذا‬
‫املستوى‪ ،‬تصبح عالقة اعت راض‪ ،‬حيث يقف عند قضايا يرى وجوب تحليلها‬
‫يقيم نظام الكتاب ويعطي رأيه في منهج الكاتب وأسلوبه‪.‬‬‫وإبداء الرأي فيها‪ ،‬كما ّ‬
‫‪ - 3‬بطاقة القراءة النقدية ‪ fiche de lecture critique‬الباحث في هذا‬
‫املستوى يتجاوز االعت راض الشخص ي لعرض ما يخالف آراء الكاتب من خالل‬
‫مقابلتها بآراء لكتاب آخرين سبق وأن قرأ لهم‪ ،‬فال يعترض إال بدليل‪ ،‬وال يناقض‬
‫‪125‬‬
‫إال بحجة‪ ،‬وهنا تكون القراءة نقدية مرجعية تقابل ما أشرنا إليه سابقا من‬
‫القراءة النقدية وهي املستوى األعلى من القراءة‪.‬‬
‫إن وضع بطاقة قراءة للكتاب الذي نقرأه ليس من أجل املشرف فحسب‪،‬‬
‫بل هي طريقة جيدة لتهيئة الطالب لعملية التحرير‪ ،‬حيث تكون هذه البطاقات‬
‫جزءا من عمل الباحثين‪ ،‬قد يأخذ أو يحذف منها أشياء ولكنه حتما سيبقي منها‬
‫على أهم األشياء‪ ،‬هي ما يعبر عن شخصيته‪.‬‬
‫يفترض أن تصبح هذا النوع من البطاقات عادة عند الباحث‪ ،‬يقوم بها‬
‫تمكنه من تجاوز كثير من الصعوبات التي ّ‬ ‫ّ‬
‫يتعرض‬ ‫مع قراءته ألي كتاب؛ ألنها‬
‫ّ‬
‫إليها في املستقبل بفضل إيجابياتها املتمثلة في‪:‬‬
‫تتبخر آثاره بعد فترة وجيزة من انتهاء القراءة‪.‬‬‫‪-‬تجاوز التلقي املريح الذي ّ‬
‫‪-‬االعتماد على القلم أثناء القراءة عوض العين؛ ألن من آفات العين أنها‬
‫لتركز عليها بدل مقاطع أخرى‪ ،‬والقلم يكسر ثبات العين ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويوجهها‬ ‫تعين مقاطع‬
‫نحو كل ما هو مكتوب‪.‬‬
‫‪ -‬إن كثي را من األفكار تحيل إلى مرجعية معينة اتفاقا أو اختالفا أثناء‬
‫يسجل الباحث كل ما توحي به فكرة ما؛ ألن‬ ‫قراءتها‪ ،‬ولذلك يكون ضروريا أن ّ‬
‫يعد مسلكا الكتساب القدرة على إدراك العالقات بين النصوص وبناء‬ ‫هذا ّ‬
‫الباحث لشخصيته الخاصة‪.‬‬
‫تحضر بعض الباحثين إلى مرحلة تقدم‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬وأخي را‪ ،‬إن بطاقة القراءة‬
‫ّ‬
‫العمر‪ ،‬حين يصبحون غير قادرين على تذكر كل ما يقرأون بطريقة جيدة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فيكون القلم وسيلة ضرورية ّ‬
‫تعود على التذكر‪ ،‬ويصبح الباحث مجب را على عدم‬
‫التهاون في تسجيل املالحظة التي تصادفه في الكتاب‪ ،‬غير معتمد على ذاكرته؛‬
‫ألنها حتما تخونه‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫ويبدو أن أسالفنا كانوا يعرفون من القديم نظام البطاقات معرفة‬
‫جيدة‪ ،‬وهل يس تطيع إنسان أن يتصور كتابا مثل الحيوان للجاحظ أو منهاج‬
‫البلغاء لحازم القرطاجني صنف دون استخدام البطاقات في جمع مادته‪ ،‬وكثير‬
‫من الكتب بعده‪ ،‬وخاصة املطولة الواسعة؟‬
‫إن أثر استخدام البطاقات واضح فيها دون جدال‪ ،‬فقد دأبوا على تدوين‬
‫مصنفاتهم بطرق تختلف عن‬ ‫ّ‬ ‫املالحظات التي جمعوها من بطون الكتب في‬
‫ّ‬
‫الطريقة التي نتبعها اليوم‪ ،‬فالتزموا بنقل االقتباسات عن املصادر السابقة‬
‫كاملة‪ ،‬كما التزموا أن تكون بنفس صيغتها ونفس ألفاظها وحروفها‪ ،‬وكثي را من‬
‫يتردد فيها ذكر املصادر واألخذ عنها أخذا مطردا‪ ،‬مثل كتاب اإلتقان‬ ‫الكتب التي ّ‬
‫في ع وم القرآن لجالل الدين السيوطي‪ ،‬وكانوا إذا عمدوا إلى تلخيص االقتباس‬
‫أشاروا إلى ذلك بمثل‪ ( :‬يقول املؤلف ما معناه) كما كانوا يبدأون االقتباس‬
‫يصرحون بانتهاء االقتباس بمثل‪ ،‬انتهى‬‫بمثل‪ :‬قال ونحوها‪ ،‬والغالب أنهم كانوا ّ‬
‫أو انتهى ما ذكره‪ ،‬أو الحمد هلل أو هللا املوفق أو هللا أعلم أو نحو ذلك‪.56‬‬
‫ّ‬
‫أما اليوم‪ ،‬فال بد للباحث أن يتبع الطرق املعتمدة في االقتباس‬
‫واالستشهاد بالنصوص واإلحالة إليها‪ ،‬فال ينبغي أن يفرط في كثرة االقتباسات‬
‫من املصادر أثناء التحرير‪ ،‬فاالقتباس له شروط علمية ال يمكن تجاوزها‪ّ ،‬‬
‫حدد‬
‫معينا من الورقة‪ ،‬مثلما نرى في عملية التحرير‪ ،‬أما إذا‬ ‫لها علماء املناهج ّ‬
‫حي زا ّ‬
‫عد جامعا وليس باحثا أو في‬ ‫جعل الطالب من بحثه فسيفساء من النصوص ّ‬
‫يسودون الورق كما قال السيوطي‪.‬‬ ‫عداد من ّ‬

‫‪ - 56‬يراجع شوقي ضيف‪ ،‬البحث األدبي‪ ،‬دار املعارف ‪ ،‬ص ‪.263‬‬


‫‪127‬‬
‫‪ - II‬جمع املعلومات في البحوث امليدانية‬
‫ّتتجه البحوث في اللغة واألدب شيئا فشيئا إلى الواقع لرصد اإلشكاليات‬
‫ومعالجة الظواهر الطارئة على تعلم األدب واللغة‪ ،‬وعالقة كل ذلك باألسباب‬
‫االجتماعية والثقافية والسياسية‪ ،‬وذلك على غرار بقية العلوم اإلنسانية األخرى‪.‬‬
‫تطور مناهج الدراسة املختلفة في تحليل الخطاب‬ ‫ولقد أسهم في ذلك ّ‬
‫والسيميائيات واالنتروبولوجيا‪ ،‬والتداولية‪ ،‬ولسانيات املجتمع‪ ،‬والتعليميات‪،‬‬
‫ّ‬
‫للتخصصات‪،‬‬ ‫ونظرية التواصل وغيرها من املناهج التي تعد اليوم مجاالت عابرة‬
‫يستفيد منها محللو الخطابات في اللغة واألدب وعلم النفس واالجتماع والترجمة‬
‫والسينما واملسرح والشريعة وغيرها على حد سواء‪ ،‬األمر الذي جعل البحوث‬
‫تنحو من حى ميدانيا‪ ،‬وجعل الحديث عن إجراءات وآليات البحث بهذه الطريقة‬
‫أمرا ضروريا‪ ،‬وإن كانت ال تختلف عن البحوث املكتبية في الخطوات األساسية‪،‬‬
‫كاختيار املوضوع ووضع الخطة وفي التحليل واملناقشة واستنباط األحكام‪ ،‬فان‬
‫لها تقنياتها الخاصة في جمع املادة حتى وإن كانت الطريقة العلمية في قراءتها‬
‫وتحليلها هي نفسها‪.‬‬
‫ّ‬
‫التخصص‬ ‫تتنوع تقنيات جمع املادة في البحوث امليدانية بحسب‬
‫والظاهرة وطبيعة املوضوع‪ ،‬ولكن يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫ا ‪ -‬كيفية اختيار ّ‬
‫العينات‪:‬‬
‫ّ‬
‫بالعينة‪ ،‬يخضع‬ ‫إن عملية انتقاء عناصر مجتمع البحث‪ ،‬أو ما يعرف‬
‫لشروط ومقاييس ترتبط أساسا بطبيعة البحث وأهدافه‪ ،‬فانتقاء العينة‬
‫تتحكم فيه مجموع الخصائص التي ّ‬ ‫ّ‬
‫تميز مجموعة عن غيرها‪ ،‬كأن نقول مثال‪:‬‬
‫يتميزون بظاهرة التداخالت اللغوية‬ ‫إن سكان منطقة ذراع بن خدة بتيزي وزو ّ‬
‫العربية والقبائلية والفرنسية؛ ففي هذه الحالة نحن حددنا مقياسا يجمع بين‬
‫سكان هذه املنطقة يصلح أن يكون موضوعا في اللسانيات االجتماعية‪ ،‬ولكي‬
‫‪128‬‬
‫نعرف مجتمع البحث هذا فهل نهتم فقط‬ ‫يكون البحث مقبوال يجب أن ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باملثقفين رجاال ونساء أم نهتم فقط بالنساء‪ .‬وإذا حصل وأن توقفنا عند‬
‫النساء‪ ،‬ففي أي مقام أو موقع يمكن أن ّنتصل بهن أفي البيوت؟ أم في السوق؟‬
‫يتم تحديد النساء املاكثات في البيت مثال‪ ،‬كما‬ ‫أو في الحمام وفي العرس؟ وقد ّ‬
‫العينة إلى تعديل‪ ،‬فنأخذ النساء األميات املاكثات في البيت‪ ،‬وهنا‬ ‫قد تخضع ّ‬
‫نكون قد قمنا بعدة عمليات سمحت لنا بانتقاء مجموعة فرعية من مجتمع‬
‫البحث لتكون هي ّ‬
‫العينة‪.‬‬
‫إن العينة أنواع‪ ،‬حصرها موريس أنجرس في دراسته املتميزة‪ّ ،57‬‬
‫ويتم‬
‫الحصول عليها عن طريق املعاينة االحتمالية واملعاينة غير االحتمالية‪.‬‬
‫إن املعاينة من النوع األول؛ هي التي تسمح بحساب احتمال انتقاء كل‬
‫ّ‬
‫عضو من العناصر لينتمي إلى العينة؛ لذلك ال بد أن تتوفر لدى الباحث قائمة‬
‫العناصر املكونة دون حذف أو تكرار‪ ،‬وهذا النوع من املعاينة ينتج عنه ثالثة‬
‫أنواع من العينات هي‪:‬‬
‫العينة العشوائية‪ " :‬ويتم الحصول عليها بإجراء قرعة الختيار أفرادها‬ ‫‪ّ -1‬‬
‫بطريقة تضمن نفس الحظوظ في اختيار أو انتقاء جميع أفراد املجتمع"‪58‬‬

‫العينة الطبقية‪ :‬ويتم الحصول عليها عندما نكتشف فئات ضمن‬ ‫‪ّ -2‬‬
‫العينة تنتمي إلى طبقات اجتماعية مختلفة مثل السن‪ ،‬والجنس واملهنة أو إلى‬ ‫ّ‬
‫نتوخى الدقة العالية في تحديد هذه‬ ‫مستويات تعليمية متفاوتة‪ ،‬ويجب أن ّ‬
‫ّ‬
‫الخصائص والصفات؛ وذلك بحساب ما تمثله إحصائيا في املجتمع‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫تنتقي عينة مطابقة إحصائيا لتلك الخصائص‪.59‬‬

‫‪ - 57‬يراجع بالتفصيل املهم كيفية اختيار العينة وأصنافها من ص ‪.366- 298‬‬


‫‪ - 58‬محمد الخي مناهج البحث التربوي سلسلة التكوين التربوي رقم‪ 16‬ط ‪ 2001‬املغرب ص‪.24‬‬
‫‪ - 59‬املرجع نفسه ص ‪.25‬‬
‫‪129‬‬
‫تتبعها عبر وضعيات‬ ‫عينة الوضعيات‪ :‬وعي العينة التي تقتض ي ّ‬ ‫‪ّ -3‬‬
‫مختلفة؛ كأن تكون في السوق‪ ،‬في البيت وفي العمل‪ ،‬وكل األماكن التي يرتادها‬
‫عناصر العينة‪.‬‬
‫أما النوع الثاني من املعاينة كما حدده أنجرس فهي املعاينة غير‬
‫االحتمالية وهي التي يكون انت قاء العينة فيها نتيجة الصدفة املجهولة؛ ذلك أن‬
‫العينة هو غير معروف وغير محدد‬ ‫احتمال اختيار عنصر ما ليكون من ضمن ّ‬
‫مسبقا‪ .‬فكل عنصر له الحظ في أن يختار‪ ،‬إال أن هذه اإلمكانية تبقى مجهولة؛‬
‫ألن عدم االنطالق من قاعدة مجتمع البحث ال يسمح باختيار عنصر ما؛ لذلك‬
‫فدرجة خطأ العينة وتمثيليتها غير معروفة‪ ،‬وتكون على أنواع‪:‬‬
‫العينة العرضية‪ :‬وتتم عندما ال يكون للباحث أي اختيار ال في إحصاء‬ ‫‪ّ -1‬‬
‫مجتمع البحث وال في اختيار العناصر بطريقة عشوائية‪ ،‬وتعتمد هذه الطريقة‬
‫في انتقاء العينة عندما ال يكون في إمكان الباحث أن يفعل أفضل‪.‬‬
‫‪ - 2‬الع ّينة النمطية‪ :‬وتتم عن طريق البحث عن عناصر تكون بمثابة‬
‫صور نمطية لنفس مجتمع البحث الذي استخرجت منه‪ ،‬فإذا أردنا مثال معرفة‬
‫درجة االهتمام باألدب عند الطلبة في الجامعة‪ ،‬يكون طلبة األدب هم مركز‬
‫االهتمام لالعتقاد أن هؤالء هم أكثر اهتماما باألدب من غيرهم‪ ،‬فنحن إذن‬
‫نوجه اختيارنا نحو عناصر لها خصائص تسمح لنا أن نقول عنها إنها نموذج‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪ - 3‬العينة الحصصية‪ :‬وتتم بواسطة سحب عينة من مجتمع البحث‬
‫بانتقاء نسبة معينة لكل فئة؛ ومعنى ذلك أن هناك حصصا ‪ quotas‬يجب‬
‫احت رامها ونسبة مئوية معينة‪ ،‬وهي تشبه العينة الطبقية ولكنها ال تكون في‬

‫‪130‬‬
‫حاجة إلى سحب عن طريق القرعة‪ ،‬ومن ثمة يستحيل قياس درجة تمثيليتها‪،‬‬
‫وهي تستخدم عادة من قبل بعض الهيئات واملنظمات الحكومية لسبر اآلراء‪60.‬‬

‫إن العوامل التي على أساسها يتم اختيار العينات هي‪:‬‬


‫‪ -‬مجتمع البحث‬
‫‪ -‬بنية وخصائص وصفات هذا املجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬أهداف البحث‪.‬‬
‫‪ -‬درجة ا لدقة املنتظرة من النتائج‪.‬‬
‫ّ‬
‫يتوفر عليها الباحث‪61.‬‬ ‫‪ -‬الوقت واملوارد والوسائل التي‬
‫كما أن اختيار العينة وأصنافها تمليه في بداية األمر إشكالية البحث‪ ،‬وقد‬
‫العينة فمرتبط بعوامل‬ ‫عينة‪ ،‬أما حجم ّ‬ ‫يلجأ نتيجة لذلك إلى التركيب بين أكثر من ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فالعينات االحتمالية تتطلب احت رام بعض القواعد لضمان درجة كافية‬ ‫متنوعة‪،‬‬
‫من التمثيل‪ ،‬أما غير االحتمالية‪ ،‬فنأخذ بواسطتها عددا كافيا من األفراد‪ ،‬من أجل‬
‫تحليل املعطيات فيما بعد‪ ،‬وكلما أردنا إبراز خصائص مجتمع البحث كانت الزيادة‬
‫في حجم العينة أفضل‪62.‬‬

‫تقص ي املعلومة‪:‬‬ ‫ب ‪ -‬طرق وتقنيات ّ‬


‫إذا أراد الباحث أن ينجح في جمع املعطيات من ّ‬
‫العينة املنتقاة فهناك‬
‫يتقيد بها وهي‪ :‬الوصول إلى مصدر‬ ‫شروط تمهيدية لكنها ضرورية يجب أن ّ‬
‫املعلومة‪ ،‬االتفاق على مواعيد اللقاء وضرورة احت رامها‪ ،‬االلت زام األخالقي من‬
‫الباحث بعدم إلحاق أي ضرر مادي أو معنوي بعناصر مجتمع البحث‪ ،‬وتوفير‬
‫جو الثقة واالحت رام أثناء املقابلة‪.‬‬

‫‪ - 60‬يراجع أنجرس ‪.312- 311‬‬


‫‪- 61‬محمد الخي مناهج البحث التربوي ص‪26‬‬
‫‪ - 62‬يراجع أنجرس ص‪.328‬‬
‫‪131‬‬
‫عينة ّ‬
‫معينة‬ ‫للتقص ي تستعمل في مشاهدة ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ - 1‬املالحظة‪ :‬هي تقنية مباشرة‬
‫بهدف أخذ املعلومة‪ ،‬وتكون إما‪ :‬بمشاركة الباحث املالحظ حياة األشخاص‬
‫املوجودين تحت املالحظة‪ ،‬أو بدون مشاركة‪ ،‬كما قد تكون مكشوفة أو مستترة‪.‬‬
‫ومن مزايا ا ملالحظة إدراك الواقع املباشر والفهم العميق للعناصر وبلوغ صورة‬
‫التفحص املباشر للظاهرة التي يدرسها‬‫وتلقي املعلومة من دون وسيط‪ ،‬و ّ‬ ‫أشمل ّ‬
‫ّ‬
‫التعرف على‬ ‫الباحث‪ ،‬كما تسمح بتسجيل السلوك أثناء حدوثه وتساعد في‬
‫معلومات جديدة لم يفكر فيها الباحث‪.‬‬
‫أما من عيوبها‪ ،‬فنجد إمكانية غياب الباحث أو أحد عناصر ّ‬
‫العينة عن‬
‫معينة ونقص تجانس املعطيات‪ ،‬كما تخضع للتقلبات الشخصية‪،‬‬ ‫أحداث ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متطورة‬ ‫والجوية والعوامل الطارئة‪ ،‬وتتطلب مجهودا بدنيا وماال وفي را ووسائل‬
‫وإقامة قد تكون طويلة املدى‪ ،‬كما أنها محدودة بالوقت الذي تحدث فيه‬
‫األشياء ولذلك فتقنية املالحظة تعتبر أسلوبا مكمال لتقنيات أهم في البحوث‬
‫امليدانية كاملقابلة واالستبيان‪.‬‬
‫‪ - 2‬املقابلة ‪ :Entretien‬هي تقنية مباشرة تقوم على الحديث بين الباحث‬
‫والشخص الذي تؤخذ عنه املعلومات‪ ،‬وتستعمل املقابلة عادة "إما للتطرق إلى‬
‫للتعود على األ شخاص املعنيين بالبحث قبل إجراء اللقاءات‬ ‫ّ‬ ‫ميادين مجهولة أو‬
‫للتعرف على العناصر ّ‬
‫املكونة ملوضوع ما‪ ،‬والتفكير فيها قبل‬ ‫ّ‬ ‫مع عدد أكبر‪ ،‬وإما‬
‫التحديد النهائي ملشكلة البحث"‪ 63‬وللمقابلة أهمية كبيرة بالنسبة للباحث من‬
‫حيث الحصول على معلومات أعمق تساعده في التحليل واستنباط األحكام‪،‬‬
‫"إضافة إلى ما يمكن أن يحصل عليه من معلومات هامة من ردود أفعال‬
‫املستجوب االنفعالية والسيكولوجية كنغمة الصوت‪ ،‬وتعبي رات الوجه‪ ،‬ونوع‬

‫‪ - 63‬أنجرس ص ‪.197‬‬
‫‪132‬‬
‫اللغة واألسلوب والتعابير التي يستعملها‪ ...‬وتعتبر هذه الطريقة مالئمة لجمع‬
‫البيانات من األطفال واألميين بصفة خاصة"‪64‬‬

‫وللمقابلة أهداف قد تقتصر على فرد واحد كما قد تتجاوزه إلى‬


‫مجموعة‪ ،‬فتسمح بالتعبير عن اآلراء املختلفة في إطار عالقة عناصرها بعضهم‬
‫ببعض وتسمح بحرية الحديث أكثر مقارنة إذا كان املستجوب فردا‪ .‬وعلى الرغم‬
‫ّ‬
‫من مرونتها كتقنية تتمثل في إعادة طرح السؤال بطرق مختلفة على املعني‬
‫تعد أحسن وسيلة‬ ‫باملقاب لة وإعانته بطرق أخرى على التعبير‪ .‬وفائدتها أنها ّ‬
‫الختبار وتقويم الصفات الشخصية‪ ،‬ولها فائدة كبيرة في عملية االستبيان‪ ،‬كما‬
‫تز ّودنا بمعلومات ّ‬
‫مكملة لجمع البيانات التوثيقية‪ ،‬غير أن من عيوبها‪ :‬املقاومة‬
‫التي يالقيها الباحث من املستجوب أو اللف والدوران وأحيانا الكذب‪ ،‬األمر‬
‫يصعب مهمة املقارنة بين اآلراء لتناقضها مثلما يحدث عند نفس‬ ‫ّ‬ ‫الذي‬
‫املستجوب من مقابلة إلى أخرى‪ ،‬إضافة إلى الحواجز الظرفية املرتبطة بزمان‬
‫ومكان املقابلة وما يعتريها من تشويش‪.‬‬
‫إن بعض هذه العيوب تكون ناتجة عن الطريقة التي تجرى بها املقابلة أو‬
‫ّ‬
‫نوعها‪ ،‬وعليه‪ ،‬فعلى الباحث أن يتأكد من طبيعة املقابلة التي سيجريها بحسب‬
‫طبيعة املستجوب الذي من املفروض أن يكون له معه لقاء تحضيري يستطيع أن‬
‫يخمن إذا كان سيجري مقابلة حرة غير موجهة ويكتفي فيها بطرح موضوع النقاش‬ ‫ّ‬
‫موجهة تعتمد‬ ‫ّ‬
‫ليتحدث كما يشاء‪ ،‬أو يلجأ إلى مقابلة ّ‬ ‫ثم يترك املجال للمستجوب‬
‫على تحضير األسئلة وتطرح على املستجوبين‪ ،‬ولكن يشترط أن تصاغ األسئلة بدقة‬
‫ّ‬
‫متناهية حتى يتمكن من الوصول إلى املبتغى‪ ،‬كما يجب على الباحث أيضا‪ ،‬أن‬
‫ّيتصف بالشروط األخالقية وقواعد التخاطب ّ‬
‫التأدبية من إظهار الود واحت رام ردود‬

‫‪ - 64‬محمد الخي مناهج البحث التربوي‪ ،‬ص‪.35- 34‬‬


‫‪133‬‬
‫األفعال والتحفظات‪ ،‬وعدم إعطاء األوامر والنواهي‪ ،‬وعدم اإللحاح في السؤال إذا‬
‫الحظ إحجاما في الرد وهي مقاييس تنضوي كلها ضمن شروط البحث العلمي التي‬
‫تحدثنا عنها في الفصل األول‪.‬‬
‫‪ – 3‬االستبيان أو االستمارة ‪:Questionnaire‬‬
‫هو "تقنية مباشرة في التقص ي تستغل إزاء األفراد وتسمح باستجوابهم‬
‫موجهة والقيام بسحب كمي بهدف إيجاد عالقات رياضية والقيام‬ ‫بطريقة ّ‬
‫تقدم مكتوبة‬ ‫بمقا نات قمية"‪ 65‬فهي إذن مجموعة من األسئلة التي ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫وتصرفاته في وضعيات‬ ‫ّ‬ ‫للمستجوب والتي "يراد منها معرفة آرائه وأذواقه‬
‫محددة‪ ،‬وأحاسيسه واهتماماته وغيرها"‪ 66‬غير أن هذه األسئلة ال تصاغ وال‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ترتب إال وفق مقاييس وشروط تتعلق بمضمونها وشكلها وموقعها من األسئلة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التحصل على‬ ‫األخرى‪ ،‬ولعل أهم شرط يجب توفره قبل وضع األسئلة‪ ،‬هو‬
‫تحدد له األهداف؛ ولذلك‬ ‫صيد من املعلومات النظرية من الكتب‪ ،‬فهي التي ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫فاالستبيان يختلف من موضوع إلى آخر‪ ،‬كما أن أسئلته تتبع هذه األهداف‪،‬‬
‫لذلك فهي ال تستقيم إال عبر مراحل ذكرها محمد الخي فيما يلي‪:67‬‬
‫أ ‪ -‬مرحلة االختبار القبلي [‪] pré-test‬‬
‫عينة عشوائية عن طريق‬ ‫يطبق ّأول شكل لها على ّ‬ ‫في هذه املرحلة ّ‬
‫ّ‬
‫املقابلة‪ ،‬وذلك للتمكن من رصد األخطاء اللغوية في األسئلة أو غموضها وعدم‬
‫ّ‬
‫دقتها‪ ،‬وتحديد العالقة بين األسئلة بهدف املباعدة بين تلك التي يمكن أن‬
‫تتسبب في التأثير على الجواب الالحق لسؤال آخر مثال‪ ،‬والتأكد من أن األسئلة‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تؤدي الوظيفة التي من أجلها وضعت بالضبط‪ ،‬وغير ذلك من املشاكل املتعلقة‬
‫بالصياغة كالوضوح والترتيب‪.‬‬

‫‪ - 65‬أنجرس ص ‪.204‬‬
‫‪- 66‬مناهج البحث التربوي ص‪.27‬‬
‫‪- 67‬يراجع املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪134‬‬
‫ب ‪ -‬م رحلة االختبار الفعلي [ ‪] test‬‬
‫بعد إدخال التعديالت والقيام بالتصحيحات التي ظهرت ضرورتها في‬
‫ّ‬ ‫املرحلة السابقة‪ ،‬يختار الباحث ّ‬
‫عينة محدودة تتوفر فيها شروط مجتمع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البحث؛ أي ّ‬
‫ويطبق عليها االستمارة‪ ،‬مع الحرص على احت رام كل‬ ‫عينة ممثلة‪،‬‬
‫ّ‬
‫يسجل‬ ‫الشروط والقواعد والظروف الخاصة بالبحث‪ ،‬وأثناء هذا التطبيق‬
‫الباحث كل املالحظات والصعوبات واالستفسارات الصادرة عن املستجوبين‪،‬‬
‫للتعرف أيضا على‬ ‫ّ‬ ‫بأول تجربة لتفريغ البيانات ومعالجتها‬ ‫وبعد ذلك يقوم ّ‬
‫ّ‬
‫الصعوبات املتعلقة بهذا املجال‪ ،‬كما يجب اختيار الطول املناسب لالستمارة‬
‫أي ملل‪.‬‬ ‫لكي ال يحدث ّ‬
‫ج ‪ -‬مرحلة االختبار البعدي [ ‪] post-test‬‬
‫إنها مرحلة التحرير النهائي لالستمارة؛ حيث تستهل بتقديم يشرح فيه‬
‫ويوضح لهم بأمثلة واضحة كيفية‬‫ّ‬ ‫الباحث أهداف البحث ويشكر املستجوبين‬
‫تسجيل إجابتهم‪ ،‬كما يحرص على أن تكون حروف الطباعة واضحة ومقروءة بكل‬
‫ّ‬
‫سهولة‪ ،‬وأن تنظم األسئلة تنظيما جيدا على الصفحة‪ ،‬بحيث يظهر الفرق بين‬
‫ّ‬ ‫يجربها على ّ‬‫سؤال وآخر بكل وضوح وجالء‪ ،‬وعندها فقط ّ‬
‫عينة ممثلة وفي ظروف‬
‫مقنعة تشبه إلى حد كبير شروط وظروف البحث‪.‬‬
‫لتقص ي املعلومات من عدد كبير من‬ ‫ّ‬ ‫إن االستبيان أو االستمارة تقنية‬
‫األفراد في فترة وجيزة‪ ،‬وت مأل من املبحوث نفسه أو باملقابلة وذلك بطرح الباحث‬
‫أسئلته على املستجوب ويقوم في الوقت نفسه بتسجيل اإلجابة‪ ،‬وهي تقنية‬
‫ّ‬
‫سريعة التنفيذ‪ ،‬يمكن أن تشمل مئات األفراد في وقت قصير وتمكن من مقارنة‬
‫اإلجابات بيسر‪ ،‬وقد تكون األسئلة مغلقة يطلب فيها من املستجوب أن يختار‬
‫ج وابا من األجوبة التي اقترحها عليه الباحث بوضع عالمة [‪ ]x‬في املربع‬
‫املخصص لذلك‪ ،‬أو يطلب منه اإلجابة ب [نعم] أو [ال] إذا أراد إجابة قطعية‪،‬‬
‫‪135‬‬
‫تحدد موقف املستجوب واتجاهه فيضع كلمات مثل [جيد]‬ ‫يحبذ إجابة ّ‬‫كما قد ّ‬
‫[حسن] [متوسط] [ضعيف] أو [ال رأي لي]‪ .‬واإلجابة على م ثل هذه األسئلة‬
‫تسهل عملية تفريغها وتحليلها‪.‬‬‫ّ‬
‫قد يلجأ الباحث إلى وضع أسئلة مفتوحة تعطي الحرية للمستجوب في‬
‫التعبير عن آرائه وأفكاره وبأسلوبه الخاص‪ ،‬مع مالحظة الجانب السطحي لألجوبة‬
‫نظرا للعفوية املرتبطة بها‪ ،‬غير أن تلك العفوية ليست دائما سلبية؛ ألن الجانب‬
‫الش خص ي املرتبط باإلجابة قد يمكن الباحث من الحصول على معلومات إضافية‬
‫ّ‬
‫تتعلق بمستواه الثقافي أو حالته االجتماعية؛ لذلك نرى بعض الباحثين يطلبون‬
‫التوضيح أو التبرير‪ ،‬ولكن على الرغم من ذلك قد يلجأ املستجوب‬ ‫من املستجوب ّ‬
‫تعمد اإلجابة الزائفة نظرا لسرية االستمارة‪ ،‬كما قد يرفض البعض‬ ‫أحيانا إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلجابة أو يعجز عنها لجهله للقراءة والكتابة‪ ،‬فكلها مشاكل ال تقلل من أهمية‬
‫االستبيان العلمية‪.‬‬

‫‪ - III‬ترتيب املادة ‪/‬املعلومات‬


‫كم من املعلومات‪،‬‬‫عندما ينتهي الباحث من جمع املادة‪ ،‬يجد نفسه أمام ّ‬
‫ّ‬
‫موزع على مجموعة كبيرة من البطاقات أو تسجيالت عن مقابالت أو‬
‫يتم فيها فرز هذه املادة وذلك‬ ‫استمارات؛ األمر الذي يقتض ي عملية تحضيرية ّ‬
‫من أجل تعيين الناقص والزائد واملهم منها وغير ذي األهمية‪.‬‬
‫ّ‬
‫فإذا كانت املعلومات مأخوذة من املراجع فإنها ترتب مبدئيا بحسب‬
‫عناصر الخطة األولية‪ ،‬ثم تراجع‪ ،‬وذلك بما يلي‪:‬‬
‫يغير مسار البحث؛ كأن يجد الباحث نفسه‬ ‫حل كل ما من شأنه أن ّ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫أمام مادة بعيدة عن موضوعه‪ ،‬فيعقد لها ملفا خاصا يعود إليها أثناء التحرير؛‬
‫ّ‬
‫ألنها قد تفيده في مقارنة التحليل أو إثرائه‪ ،‬أو إسناد حجة‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫‪ -‬أما تلك التي ال يستطيع تصنيفها ضمن عناصر الخطة‪ ،‬فيعقد لها عنوانا‬
‫فرعيا تندرج تحته ويكون عنصرا من الخطة أو مستقال سيثريه فيما بعد‪.‬‬
‫‪ -‬وقد يجد بعض النصوص غير مفهومة وبعضها مبتورا وآخر ال قيمة له؛‬
‫ويتم تحضيرها وتجميعا بطريقة تسمح باملباشرة في تحريرها‪.‬‬ ‫فكلها يجب أن تراجع ّ‬
‫وأما املادة الخاصة بالبحوث امليدانية فيجب أن يخضع ترتيبها إلى ترميز‬
‫فصل‬‫وتحقق من نوعيتها وتحويلها إلى سند مالئم ثم مراجعة النتائج‪ ،‬ولقد ّ‬ ‫ّ‬
‫أنجرس في هذه العملية التي نعرض لها من خالل ما جاء في كتابه عن عملية‬
‫ترتيب املعلومات ألسبقيته وأهمية ما أورده‪ ،‬وملن أراد االستفاضة عليه العودة‬
‫إلى الكتاب‪.68‬‬
‫فألجل تحضيرها ال بد أن ّ‬
‫يتم ترتيبها وتهيئتها‪.‬‬
‫فيتضمن ترميزها و ّ‬
‫التحقق منها‪ ،‬تحويلها ومراجعتها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪- 1‬أما ترتيبها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أ ‪ -‬الترميز‪ :‬وهو عملية ترقيم املعطيات الخام بكل متغير من متغي رات‬
‫ّ‬
‫الدراسة‪ ،‬وهي عملية يشرع فيها الباحث مع بداية الجمع‪ ،‬فعادة ما تتطلب‬
‫عملية جمع املعطيات نسقا للترميز كما هو الحال في االستبيان‪ ،‬حيث ّ‬
‫يتم‬
‫الترقيم املتتالي للعناصر املنتقاة من مجتمع البحث‪ ،‬وكل خاصية أو زاوية‬
‫ّ‬
‫نستطيع من خاللها فحص العناصر واملوقع الذي يحتله كل عنصر من كل‬
‫زاوية‪ ،‬وعليه‪ ،‬يجب منح كل الرموز معنى منسجما ومنطقيا مع تفيئة اإلجابات‬
‫عن األسئلة املفتوحة‪ .‬إن هذا اإلجراء يحتوي على‪:‬‬
‫معين من اإلجابات عشوائيا‪.‬‬ ‫‪ -‬أخذ عدد ّ‬
‫‪ -‬مقارنتها بعضها بالبعض‪.‬‬
‫‪ -‬تقليصها في بعض ردود أفعال املستجوبين األساسية‪.‬‬

‫‪ - 68‬موريس أنجرس‪ :‬منهجية البحث العلمي في العلوم اإلنسانية‪.‬‬


‫‪137‬‬
‫ستكون على أساسها الفئات‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬استخالص بعض األفكار الرئيسية التي‬
‫النهائية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويجب االحتفاظ في دليل الترميز بكل اإلجراء املتبع للتمكن من الرجوع‬
‫إليه أثناء التحليل وجعله في متناول باقي الباحثين‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التحقق من املعطيات‪ :‬ويكون بهدف حل بعض املشاكل املرتبطة‬
‫باملعلومات الوهمية‪ ،‬أو غير التمييزية‪ ،‬أو الغائبة‪ ،‬أو غير املفهومة وغير‬
‫ّ‬
‫املنسجمة‪ ،‬أو املتعارضة‪ ،‬وهذا التحقق من املعلومات سيمكن الباحث من‬
‫حذف بعض العناصر أو تصحيحها‪.‬‬
‫سيتم فيه تنظيم املعطيات بواسطة‬ ‫ّ‬ ‫ج ‪ -‬تحويل املعطيات إلى سند‪:‬‬
‫برنامج اإلعالم اآللي اإلحصائي املختار إذا كانت املعلومات ّ‬
‫كمية؛ فإذا كان األمر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتحصل عليها من املالحظة‪ ،‬فينبغي تجميعها وتصنيفها‪ ،‬أما‬ ‫يتعلق باملعلومات‬
‫الخاصة باملقابالت فيقتض ي كتابتها حرفيا مع كل املالحظات الهامة الخاصة‬
‫باملجال‪ ،‬بواسطة بطاقة اإلعالم اآللي حتى يتمكن من القيام بمختلف عمليات‬
‫التجميع‪.‬‬
‫د ‪ -‬مراجعة املعطيات‪ :‬وتتضمن هذه العملية الكشف عن املعطيات‬
‫الخاطئة ثم حذفها‪ .‬ففيما يخص ا ملعلومات الكمية ينبغي فحص كل جدول‬
‫متغير‪ ،‬وعندما يظهر تشوه أو شذوذ‪ ،‬فال بد من البحث عن مصدر‬ ‫تجميع لكل ّ‬
‫ذلك‪ ،‬ألن الخطأ يمكن أن ينشأ أساسا من عمليات التحويل أو أثناء اختيار‬
‫ّ‬
‫املتحصل عليها‬ ‫األدوات التي ستستعمل أو عند تفيئة غير مالئمة‪ .‬أما املعطيات‬
‫من املالحظة أو املقابلة‪ ،‬فيعاد النظر فيها لتصحيح أجزاء ناقصة أو اقتباسات‬
‫غريبة أو صياغات غير الئقة‪ ،‬وهذا كله من أجل جعل املعطيات قابلة للتحليل‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫‪ - 2‬وأما تهيئتها‪ :‬فتتحقق بطرق مختلفة‪.‬‬
‫أ ‪ -‬االستعانة بالقياسات الوصفية بالنسبة إلى املعطيات الرقمية‪ّ ،‬‬
‫ويتم‬
‫من خاللها تحويل األرقام املطلقة املوجودة في جداول التجميع إلى نسب مئوية‪،‬‬
‫وذلك بهدف جعل املعلومات قابلة للتقييم واملقارنة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬االنتقال إلى قياسات‪ ،‬إما ذات اتجاه مركزي مثل املنوال والوسيط‬
‫ّ‬ ‫و ّ‬
‫املتوسط الحسابي‪ ،‬أو تكون ذات عالقة بالتشتت مثل االنحراف املعياري‪،‬‬
‫وإما أن تكون خاصة با ملوقع مثل األرباع واألعشار‪.‬‬
‫ج ‪ -‬تنظيم املعطيات في شكل جداول ورسومات بيانية إذا كانت املعلومات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بمتغير واحد فقط‪،‬‬ ‫كمية‪ ،‬فالجدول ذو املدخل الواحد يمثل التوزيع الخاص‬
‫ويصبح هذا الجدول عبارة عن جدول فئوي ‪ ..‬إن هذه الجداول ذات املدخل‬
‫املتغير في عدد مطلق أو نسبي‪ ،‬وعندما تضع‬‫الواحد تعطي تكرارا لكل فئة من فئات ّ‬
‫متغيرين‪ ،‬فإن العالقة يمكن عرضها بمساعدة جدول ذي‬ ‫فرضية ما عالقة بين ّ‬
‫مدخلين‪.‬‬
‫أما الرسم البياني فله أشكال مختلفة هي‪:‬‬
‫‪ -‬مدرج األعمدة الذي يتكون من مستطيالت عمودية أو أفقية متباعدة‪.‬‬
‫يتكون من مستطيالت أفقية موضوعة بجانب‬ ‫‪ -‬املدرج التكراري الذي ّ‬
‫بعضها البعض‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬املضلع التكراري الذي يتصل بواسطة خطوط مستقيمة بأوساط قمم‬
‫املستطيالت في املدرج التكراري‪.‬‬
‫‪ -‬املنحنى التكراري ويعطي شكل منحنى لخطوط املضلع التكراري‪.‬‬
‫‪ -‬املدرج الدائري فهو يشبه كعكة الحلوى املقسمة إلى أجزاء تشير كل‬
‫واحدة إلى القيمة املطلقة أو النسبية للفئة‪.‬‬
‫ّ‬
‫فيوضح تغيي رات‬ ‫‪ -‬وأخي را هناك املضلع التكراري املتجمع الصاعد‬
‫ّ‬
‫املتغير حسب الفترة الزمنية املأخوذة في االعتبار‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫د ‪ -‬القيام باختبارات إحصائية‪ :‬وذلك من أجل تحديد العالقة بين‬
‫متغيرين ومدى شدتهما‪ ،‬وتقوم برامج اإلعالم اآللي بهذه الحسابات التي تتم‬ ‫ّ‬
‫آليا‪ ,‬واالختبارات اإلحصائية على نوعين‪:‬‬
‫ّ‬
‫بالتحقق إن كانت الفروق املالحظة في‬ ‫‪ -‬اختبارات الفرضية‪ :‬وهي التي تسمح‬
‫ّ‬
‫العينة صالحة لكل مجتمع البحث‪ ،‬وبالتالي ستساعد في التحقق من العالقة‬ ‫ّ‬
‫املوجودة بين ّ‬
‫املتغيرين‪ ،‬واالختيار ينطلق من الفرضية الصفرية بمعنى أنه ال توجد‬
‫عالقة بين متغيرين خاضعين لالختبار‪ ،‬أي أن العالقة الظاهرة ليست ذات معنى‬
‫وداللة‪ ،‬وأنها تعود إلى الصدفة في سحب العينة نظرا لوجود فارق ضروري ال محالة‬
‫العينة ومجتمع البحث‪ ،‬فينبغي قبول حد معين من الخطأ في الفروق املوجودة‬ ‫بين ّ‬
‫بين املتغيرين‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬اختبارات التجميع‪ :‬وهي تخبرنا بشدة العالقة بين متغيرين؛ أي أنها‬
‫تسمح بإتمام دراسة العالقة بين ّ‬
‫متغيرين بالنظر إلى فرضيات البحث‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويتمثل في إنشاء ّ‬
‫متغي رات جديدة‪ ،‬فالدليل هو‬ ‫هـ ‪ -‬التحضير األخير‪:‬‬
‫متغير يجمع مجموعة من املؤشرات تم تحويلها إلى أسئلة أو غيرها بحسب‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫التفيئة املستعملة؛ ويمكن بناء الدليل بشرط أن تمثل املؤشرات املختارة جزءا‬
‫تضمنت‬‫من نفس ميدان املعاني املستمد منه الدليل‪ ،‬وفي الوقت نفسه إذا ّ‬
‫متغي رات البحث األخرى فئات يمكننا تقليصها وذلك بتجميعها‪ ،‬فينبغي العمل‬ ‫ّ‬
‫متغي را جديدا بجانب ّ‬
‫املتغير األصلي‪.‬‬ ‫بهذه التوصية وهكذا ننش ئ ّ‬
‫أما بالنسبة للمعطيات الكيفية؛ فإنه يمكن جمعها في مواضيع يهتدى‬
‫بها أثناء التهيئة‪ ،‬أو تعطي حوصلة عن مضمون كل وحدة من وحدات التحليل‪،‬‬
‫أو املقارنة بين مختلف عناصر مجتمع البحث حول املوضوع أو في نقطة‬
‫تجمع املعطيات انطالقا من فكرة جديدة‪ ،‬أو من حدس يبرز‬ ‫محددة‪ ،‬كما قد ّ‬
‫أثناء مراحل البحث‪ .‬ويمكن تنظيم املعطيات في شكل جداول إحصائية أو‬
‫تتضمن خانات الجداول نصوصا قصيرة أو اقتباسات‬ ‫ّ‬ ‫أشكال‪ ،‬كما يمكن أن‬
‫‪140‬‬
‫متنوعة‪ .‬وأما بالنسبة للشكل فيمكن أن‬‫مختصرة أو اخت زاالت لغوية أو رموزا ّ‬
‫يقدم تصنيفا أو ترتيبا أ و إقامة عالقات بين العناصر املراد دراستها‪ ،‬ويكون‬
‫الشكل في هيئة مستطيالت أو خطوط أو حتى رسوم‪.‬‬
‫أتم الباحث هذه اإلجراءات جميعا في البحث امليداني‪ ،‬يمكنه أن‬ ‫وإذا ما ّ‬
‫يقوم بعملية تحليل املعطيات وتأويلها‪ ،‬وهي عملية ال تختلف عن عملية القراءة‬
‫والتحرير في البحوث امل كتبية‪ ،‬وإن اختلفت في املنهج‪ ،‬والتي سنبدأ الحديث عنها‬
‫بالقراءة‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫‪- IV‬قراءة النصوص‬
‫ليست القراءة مرحلة تالية الختيار املوضوع ووضع الخطة وجمع‬
‫قدمنا عرضا عاما‬ ‫املعلومات‪ ،‬ولقد ّأكدنا ذلك في بداية هذا املؤلف عندما ّ‬
‫لكيفية قراءة كتاب‪ ،‬ليتأكد لنا أن اإلنسان ال يكتسب صفة البحث إال‬
‫بالقراءة؛ إنها عملية تستمر باإلطالع على كل ما له صلة باملوضوع‪ ،‬وتتطور إلى‬
‫ّ‬
‫"تأمل وتحليل املعلومات واألفكار والحقائق عقليا وفكريا حتى تولد في عقل‬
‫الباحث وذهنه النظام التحليلي للموضوع"‪ 69‬غير أن هذا ال يعني أبدا أنها تصير‬
‫بديال للمنهج‪ ،‬وإن كانت تلتقي مع جميع املناهج‪ ،‬حتى أن هناك من يستعيض‬
‫بها عليه كما نجده في عناوين بعض الكتب‪ ،‬فتوضع قراءة دون اإلشارة إلى املنهج‬
‫أو يذكران معا لتصبح القراءة أشمل‪ ،‬كأن يقال مثال‪ " :‬قراءة في ضوء املنهج‬
‫الظاهراتي"‬
‫ّ‬
‫تمكن ممارسة القراءة العلمية من االستفادة منها لتشكيل أسلوب‬
‫الباحث الخاص‪ ،‬وتحصيل اآلليات املنهجية التي توقفه‪ ،‬من جهة‪ ،‬على‬
‫ّ‬
‫القوانين التي تشكل النصوص وإدراك النماذج والعالقات‪ ،‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫تمكنه من إنشاء معرفة ّ‬‫ّ‬
‫معينة‪.‬‬
‫فالقراءة بهذا املعنى ليست مرحلة‪ ،‬بل هي نشاط وعمليات لها مستوياتها‬
‫و شروطها وأهدافها ومحاذيرها أيضا‪ ،‬وهي تساير الباحث منذ البداية‪ ،‬ولو في‬
‫تحقق أهم أهدافها في مرحلة التحرير‪ ،‬وهي‪ :‬الفهم‬ ‫حتى ّ‬‫أبسط مستوياتها‪ّ ،‬‬

‫‪ - 69‬عمــار عوابــدي‪ :‬منــاهج البحــث العلمــي وتطبيقاته ــا فــي ميــدان العلــوم القانونيــة‪ ،‬ط‪ ، 2‬ديــوان املطبوع ــات‬
‫الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ، 1992‬ص ‪.62‬‬
‫‪142‬‬
‫ّ‬
‫والتأويل واالستجابة التامة للموضوع الجمالي إذا كان األمر يتعلق بالنص‬
‫األدبي‪.‬‬
‫وبين الفهم والتأويل مسافة قصيرة جدا‪ ،‬مرتبطة بمستويات القراءة التي‬
‫أشرنا إليها سابقا‪ ،‬كما ترتبط بطبيعة النص ذاته‪ ،‬من حيث الوضوح والتعقيد‬
‫ومنطقه التلفظي ونموذجه البنائي‪ ،‬كما أن القراءة ذاتها ترتبط بشروط‬
‫ّ‬
‫موضوعية‪ ،‬كتوفر الوقت‪ ،‬وهدوء املكان والبال والصبر‪ ،‬وخاصة مع بعض‬
‫ّ‬
‫النصوص التي يتعذر الكشف عن خباياها وأسرارها من الوهلة األولى‪ ،‬مما‬
‫يقتض ي من الباحث أن يعايشها ويألفها‪ ،‬وأذكر بالخصوص‪ ،‬تلك النصوص‬
‫التي تحمل نظريات جديدة‪ ،‬حيث تصبح القراءة فيها نشاطا حجاجيا‪ ،‬يقتض ي‬
‫آليات منطقية يوظف فيها الباحث قدراته في التحليل واالستنتاج والفهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فيقوم على ّ‬
‫تتبع عملية تشكل املعنى في النص من خالل الوقوف على سيرورة‬
‫األشكال النحوية والتركيبية والبالغية في النص‪ ،‬ثم استثمار كل مؤشرات النص‬
‫التي تفرزها هذه األشكال الكتشاف معان أخرى‪ ،‬وذلك من خالل اللجوء إلى‬
‫وضع النص في سياقه املعرفي والتاريخي بغرض الوصول إلى تشكيل نوع من‬
‫الرؤية الشاملة التي تخلقها القراءة النقدية املرجعية‪ ،‬مثلما أشرنا إلى ذلك‬
‫سابقا‪.‬‬
‫النص والقراءة ‪/‬النصوص املتعددة والقراءات املختلفة‪:‬‬
‫تعدد النصوص‪ ،‬وهل يستوجب اختالفها بالضرورة‬ ‫كثي را ما تثار قضية ّ‬
‫متعددة‪ .‬وتفاديا للتجزئة التي يفرضها اختالف األسلوب‪ ،‬كثي را ما‬ ‫ّ‬ ‫قراءات‬
‫يقتصر في تصنيف النصوص إلى نوعين‪ :‬النص النظري والنص اإلبداعي‪،‬‬
‫فيقال‪ :‬إن النص النظري مثال‪ ،‬كلماته لباس أفكاره‪ ،‬فكل كلمة فيه تؤدي‬
‫معناها في سياق النظام الذي ترد فيه‪ ،‬وهذا ال يتطلب من الباحث الغوص في‬
‫ّ‬
‫ما وراء األلفاظ‪ ،‬بل عليه أن يفهم األفكار التي تحملها تلك الكلمات واملشكلة في‬
‫‪143‬‬
‫نظام هدفه اإلخبار واإلفهام‪ ،‬وما يهدف إليه من إبالغ أفكار ونظريات‪ ،‬ويدخل‬
‫ضمن هذا النوع النص النقدي والفلسفي وغيرها من مجاالت البحث‪.‬‬
‫ّ‬
‫أما النص اإلبداعي‪ :‬فإذا علمنا بأنه إعادة تشكيل للغة‪ ،‬وعبور من‬
‫مستواها كنظام (مألوف) إلى مستوى تسيطر فيه الوظيفة الجمالية‪ ،‬بواسطة‬
‫االنزياح بالكلمة من معناها الذي وضعت له إلى معاني ودالالت ال متناهية‪،‬‬
‫وإحداث عالقات غير عادية بينها وبين بقية الكلمات في النص‪ ،‬فيسيطر عليه‬
‫اإليحاء والرمز؛ فإن الباحث مطالب بتجاوز مستوى الوصف والتصنيف إلى‬
‫مستوى التأويل والكشف عن لعبة املعاني الالمتناهية واألفعال التي تنطوي عليها‬
‫االستجابة للنص‪.‬‬
‫وسواء بقينا عند هذا املستوى العام من تصنيف النصوص‪ ،‬أو تجاوزناه‬
‫ّ‬
‫إلى رصد أنماط مختلفة منها بحسب الطريقة التي شكل بها املضمون الذي‬
‫يحتويه‪ ،‬فإن ما يجب اإلقرار به أن القراءة العلمية واحدة ومختلفة في الوقت‬
‫نفسه‪.‬‬
‫ّ‬
‫فأما كونها واحدة‪ :‬فذلك ما أكدته األبحاث الحديثة من أن فعل القراءة‬
‫ّ‬
‫يوازي السيرورة السيميائية للنص‪ ،‬ومسار تشكل املعنى فيه‪ ،‬ومهما كانت‬
‫تشكله‪ ،‬لكي نستطيع أن نقول‬ ‫ّ‬
‫طبيعة النص‪ ،‬فال بد من مسايرة النص في مسار‬
‫إننا قرأنا نصا‪ ،‬أي أعدنا إنتاج املعنى‪ ،‬وهذا يعني أن عملية القراءة هنا‪ ،‬هي نتاج‬
‫عمليات ذهنية منطقية قابلة للتعامل مع أي نص كان‪.‬‬
‫تتحكم فيها مؤشرات نص ّ‬ ‫ّ‬
‫معين وتقنيات‬ ‫وأما كونها متعددة‪ :‬فعندما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تشكله من نحوية و تركيبية و داللية‪ ،‬فتمكن كل قارئ بتوظيف خلفيته‬
‫ّ‬
‫اللغوية واملعرفية وطريقته في التعامل مع هذا الشكل أو غيره‪ ،‬فتصبح القراءة‬
‫حينئذ فعال حرا‪ ،‬تسهم حركة النص في إنشاء افت راضاته وصوغ استنتاجاته‪،‬‬

‫‪144‬‬
‫بتعدد الدالالت؛ ولهذا ال يصبح املعنى معطى قبليا‪ ،‬ولكنه نتاج‬ ‫كما تسمح ّ‬
‫التفاعل بين القارئ والنص‪ ،‬من خالل الفهم والتأويل‪.‬‬
‫إنه التأويل الذي يقوم على ممارسة العمليات املالئمة للقراءة العلمية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتحقق إال إذا توفرت لدى الباحث الشروط القاعدية للفعل القرائي‬ ‫التي ال‬
‫وهي بمثابة الحدود التي تضبط هذا الفعل‪ ،‬وتجعل التأويل ممكنا‬ ‫العلمي ّ‬
‫ومنظما والتي نصوغها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ – 1‬الكفاءة اللغوية‪ :‬يفترض أن الباحث الذي قرأ عددا من الكتب‪،‬‬
‫ّ‬
‫يعمل بطريقة غير مباشرة على تنمية ثروته اللغوية‪ ،‬وتمكنه هذه الثروة من‬
‫إنجاز قراءة نص بكثير من اليسر؛ ألن الباحث إذا أعوزته امللكة اللغوية‪ ،‬ال‬
‫معين بتأويل فاسد‬ ‫يتجنى على كاتب ّ‬‫يمكن أن يصل إلى كنه النصوص‪ ،‬فقد ّ‬
‫ملعنى النص أو الفكرة إذا لم تسعفه لغته في فهمه‪ ،‬كما قد يدعوه ضعفه‬
‫التخلي عن كثير من النصوص ّ‬ ‫ّ‬
‫املهمة بإبعادها واالهتمام بالنصوص‬ ‫اللغوي إلى‬
‫ذات األفكار العامة والشائعة املستهلكة‪ ،‬فيجني على نفسه ببحث ال قيمة له‪.‬‬
‫ولتجنب كل هذا‪ ،‬يفترض فيه أن يكون عارفا بالسنن اللغوي في جانبه‬ ‫ّ‬
‫النحوي والصرفي والتركيبي واملعجمي‪ ،‬كما يكون مدركا لكيفية اشتغال هذا‬
‫تنوعت‬ ‫السنن أسلوبيا‪ ،‬فال شك أن لكل نص أسلوبه الخاص‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫النصوص‪ ،‬من سردية وشعرية وحجاجية ووصفية‪ ،‬واختلفت أشكالها‬
‫يتحتم على الباحث أن يكون "عارفا بأنماط‬‫باختالف املقاصد والغايات‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫األساليب وما بينه ا من وجوه الشبه واالختالف "‪.70‬‬
‫‪ - 2‬الكفاءة املعرفية‪ :‬وهي ذات عالقة بكمية ونوعية ما يقرأ‪ ،‬فال يكفي‬
‫أن تكون للباحث الكفاية اللغوية لكي يفهم نصا في النقد أو في األدب‪ ،‬حتى وإن‬

‫‪- 70‬حامد حفني داود‪ :‬املنهج العلمي في البحث األدبي‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪145‬‬
‫كان لغويا بارعا بل ينبغي أن يكون له إملام ببعض املعارف والثقافة التي ينتسب‬
‫إليها النص؛ ألن السيناريوهات املعرفية ال تخلقها اللغة وحدها بقدر ما تخلقها‬
‫ّ‬ ‫نصوص مشابهة سبق وأن ّ‬
‫تعرف عليها الباحث‪ ،‬وهي تشكل معرفة الباحث‬
‫معينا‪ .‬والقارئ ال يستطيع أن يبني‬ ‫تخصصا ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتعين مجاال أو‬‫ّ‬ ‫املرجعية‪،‬‬
‫استنتاجاته من خالل حركة العالمات في النص إال بمعرفة سابقة بسياق‬
‫ّ‬
‫النص‪ ،‬حيث يمكنه من استرجاع نصوص سابقة بواسطة عالقات مختلفة‬
‫مباشرة أو ضمنية‪.‬‬
‫ال بد من اإلشارة إلى أن العالقة بين الكفاءة اللغوية واملعرفية تقوم على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التفاعل؛ فإدراك طبيعة تشكل النص والعالقات بين وحداته اللغوية يسفر‬
‫حتما عن إدراك املعنى وبنائه؛ ألن " إدراك املعنى هو الرابطة التي نحدث بين‬
‫ّ‬
‫انطباعات املعرفة اللغوية‪ ،‬التي تمكن من ربط الدالالت اللغوية باأللفاظ‬
‫املسموعة أو املكتوبة‪ ،‬واالنطباعات غير اللفظية للمعرفة بصفة عامة"‪71‬؛ قد‬
‫تساهم فيه معرفة سطحية أو أولية ولكن ما تلبث بفعل حركة االستنتاجات‬
‫التي تنشأ بين الوحدات أن تنش ئ معرفة ثانية‪ ،‬تضيف إلى النص دالالت‬
‫جديدة‪ ،‬تسهم فيها بنية معرفية لدى الفرد‪ ،‬بواسطة الدور الذي تلعبه الذاكرة‬
‫في عملية الفهم والتأويل‪.‬‬
‫‪ – 3‬الكفاءة املنطقية‪ :‬ال شك أن الكفاءة اللغوية ذاتها هي كفاءة‬
‫منطقية‪ ،‬نظرا للعالقات الخالفية التي تقوم عليها وينشأ بواسطتها املعنى‪ ،‬ثم إن‬
‫مسار أي نص ال يشتغل به صاحبه إال بواسطة عالقات منطقية كاإلثبات‬
‫والنفي‪ ،‬وعمليات تنحو نفس النحو كالتماثل والتضاد‪ ،‬وإن االستدالالت التي‬
‫تحدث أثناء عملية القراءة تكون ناشئة عن هذه العمليات والعالقات‪ ،‬وليست‬

‫‪ - 71‬الحرشـاوي الســعدية‪ ،‬فعـل الق ـراءة مـن الــنص إلــى املعنـى‪ ،‬مجلــة ديـداكتيكا ع ‪ 2‬ينــاير ‪ 1992‬دار الخطــابي‬
‫للطباعة والنشر املحمدية املغرب ص‪ .18‬نقال عن ‪.danica séleckovitch‬‬
‫‪146‬‬
‫ّ‬
‫عملية بناء املعنى في نهاية األمر سوى عملية إدراك كيفية تشكل املعنى‪ ،‬ولعل‬
‫هذا ما نالحظه في كتاب منهاج البلغاء وسراج األدباء للقرطاجني‪ ،‬حيث ّإن‬
‫ّ‬
‫عملية تشكل الخطاب هي نفسها إمكانية لتحليل الخطاب الشعري عنده‪.‬‬
‫ّ‬
‫لقد حرصت على التأكيد منذ البداية‪ ،‬أن البحث كله ممارسة منطقية‪،‬‬
‫وأن القراءة العلمية ال يمكن إال أن تكون كذلك‪ ،‬ما دامت إدراكا للمتشابه‬
‫واملتناقض والبعيد والقريب من العالقات الداخلية والخارجية للنص‪ .‬كما أن‬
‫تشكلها النصوص ّ‬ ‫ّ‬
‫تكون لدى الباحث ما يسمى بالفكر‬ ‫الكفاءة املعرفية التي‬
‫ّ‬
‫العملي الذي يمكنه من توظيف النصوص وإحداث عالقات بينها‪ ،‬وابتكار أفكار‬
‫أخرى‪ ،‬فيكتسب ما يسمى تقليديا‪ ،‬بروح النقد‪ ،‬أو شخصية الباحث والتي ال‬
‫ّ‬
‫تتأتى له إال باالستدالل واملقارنة واستنباط األحكام‪.‬‬
‫سلمنا بأن البحث هو عملية حوارية ّ‬ ‫ّ‬
‫تتم بين‬ ‫الكفاءة التخاطبية‪ :‬إذا‬
‫الباحث ومن يقرأ لهم من جهة‪ ،‬والباحث ومن يقرأون له من جهة أخرى‪ ،‬فإن‬
‫ّ‬
‫هذا يفترض إلى جانب الكفاءات املذكورة‪ ،‬ضوابط تتحكم في تلك العملية‪ ،‬وهي‬
‫بمثابة القوانين التي تجعل الخطاب (البحث) ناجحا‪ ،‬أي ضوابط التبليغ‬
‫والتهذيب على حد تعبير طه عبد الرحمان بغية حصول التواصل املطلوب‬
‫ّ‬
‫والذي يتمثل في إقناع الغير والتأثير في سلوكهم‪ ،‬وسوف أعرض لهذه الضوابط‬
‫ّ‬
‫كما أوردها في كتابه اللسان وامليزان واملتمثلة في مبدأ التصديق الراسخ في‬
‫ّ‬
‫الت راث اإلسالمي والذي ّاتخذ صورا مختلفة وجدها مجملة ومفصلة عند‬
‫املاوردي في كتاب أدب الدنيا والدين وهي‪:‬‬
‫أ ‪-‬ينبغي للكالم أن يكون لداع يدعو إليه‪ ،‬إما في اجتالب نفع أو دفع ضرر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويتوخى به إصابة فرصته‪.‬‬ ‫ب ‪-‬ينبغي أن يأتي املتكلم به في موضعه‬
‫ج ‪-‬ينبغي أن يقتصر الكالم على قدر حاجته‪.‬‬
‫د ‪-‬يجب أن ّ‬
‫يتخير اللفظ الذي به يتكلم‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫وتتفرع عن هذا املبدأ قواعد استقرأها طه عب الرحمان من الت راث وهي‪:‬‬ ‫ّ‬
‫أ ‪ -‬قاعدة القصد‬
‫لتتفقد قصدك في كل قول تلقي به إلى الغير‪.‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫ب ‪ -‬قاعدة الصدق‪:‬‬
‫‪ -‬لتكن صادقا فيما تنقله إلى غيرك‪.‬‬
‫ج ‪ -‬قاعدة اإلخالص‪:‬‬
‫متجردا من أغراضك‪.‬‬‫توددك للغير ّ‬ ‫‪ -‬لتكن في ّ‬
‫ففي قاعدة القصد يوصل املستوى التبليغي باملستوى التهذيبي في‬
‫املتكلم حقيقة قصده من قوله‪ ،‬أثمر عنده هذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫املخاطبة‪ ،‬فمتى ّ‬
‫التبين‬ ‫تبين‬
‫نتيجتين تقوم إحداهما على تعيين وظيفته العلميه أو مسؤؤليته األخالقية‪،‬‬
‫وبالتالي صيانة قوله عن اللغو بجعله يعمل عمله في إفادة املخاطب املعنى‬
‫املقصود‪.‬‬
‫الصدق فهو أن يحفظ املتكلم لسانه عن إخبار املخاطب بأشياء‬ ‫أما ّ‬
‫على خالف ما هي عليه‪ ،‬وأن يصون سلوكه عن إشعار املخاطب بأوصاف هي‬
‫على خالف ما ّيتصف به‪ ،‬وأن يحفظ لسانه وسلوكه عن إشعار املخاطب‬
‫بوجود تفاوت بينهما‪.‬‬
‫ّ‬
‫التجرد والتنافس في التخلق‪ ،72‬كأن‬ ‫وأما اإلخالص فيقتض ي التنافس في‬
‫املتكلم حقوق املخاطب على حقوقه‪ ،‬وإذا كان هناك تنافس فعليه الت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جرد‬ ‫يقدم‬
‫من أسباب النزوع كاألغراض و على التنازع والتجريح‪.‬‬
‫إن املتأمل لهذه القواعد التخاطبية أو ما عرف بآداب املخاطبة عند‬
‫مضمنا في املقاييس والشروط العلمية التي صاغها الغرب من‬ ‫العرب‪ ،‬يجد بعضها ّ‬

‫‪ - 72‬يراج ــع بالتفص ــيل ص ــياغة ط ــه عب ــد الرحم ــان له ــذه القواع ــد التخاطبي ــة ف ــي كتاب ــه اللس ــان وامليـ ـزان أو‬
‫التكوثر العقلي‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪ 1‬الدار البيضاء ‪-‬بيروت ‪1998‬ص‪.253- 250‬‬
‫‪148‬‬
‫أجل أن يكون الباحث ناجحا‪ ،‬وأن يكون بحثه علميا‪ ،‬وهي ضوابط ال ينضبط‬
‫الباحث علميا إال بها حتى إن كان يتعامل مع الكتب‪ ،‬ألنه في حقيقة األمر يتعامل‬
‫مع أصحابها‪ ،‬باإلضافة إلى من ّ‬
‫يقدم إليهم البحث من القراء‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن هذه الكفاءات كلها‪ ،‬اللغوية واملعرفية واملنطقية والتخاطبية‪ ،‬ليست‬
‫قدرات طبيعية يمتلكها البعض ويفتقدها اآلخر‪ ،‬إنما هي ممارسات للغة واملعرفة‬
‫بوساطة العقل الذي تقوده األخالق‪ .‬ولعل ّأول العناصر الباعثة على املمارسة‬
‫السليمة لهذه املعطيات هو اإلرادة والحب اللذان يقودان الباحث نحو القراءة‬
‫العلمية املخصبة‪ ،‬ونحو االستمرارية لكي يكون باحثا ناجحا‪.‬‬
‫القراءة واملنهج‬
‫إن اعتماد منهج معين‪ ،‬مهما اختلفت مصادره الفلسفية واملعرفية ال يلغي‬
‫اعتماد الباحث على ضوابط منهجية تلتقي فيها كل املناهج‪ ،‬وتكتسب بها صفة‬
‫العلمية‪ ،‬فهي لحظات تلتقي فيها األدوات العلمية بمهارات الباحث القرائية‪ ،‬من‬
‫ّ‬
‫يتحصل عليها الباحث‬ ‫أجل الحصول على معرفة علمية تتألف من النتائج التي‬
‫والتي تحتوي بدورها على أفكار مرتبطة بعضها ببعض‪ ،‬قد تسهم في صياغة‬
‫نظرية خاصة به‪ ،‬وتز ّود القارئ ليس فقط بآليات لشرح ظاهرة ما‪ ،‬وإنما يمكن‬
‫تعمم من أجل دراسة ظواهر أخرى أو حل إشكاليات أخرى‪ .‬و من أهم هذه‬ ‫أن ّ‬
‫األدوات ما يلي‪:‬‬
‫االفتراضات‪ :‬وصياغتها ليست مرتبطة بمرحلة اختيار املوضوع فقط‪،‬‬
‫تقدم الباحث في القراءة‪ ،‬وتقترن باملعلومات التي‬ ‫إنما هي آلية ترتبط بمدى ّ‬
‫يتحصل عليها من قراءة النصوص‪ ،‬حيث يصبح االفت راض هو استعمال هذه‬ ‫ّ‬
‫املعلومات للوصول إلى نتائج ّ‬
‫معينة‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫املالحظة والتمييز‪ :‬وهي املعاينة العلمية للنص للوقوف على الهيئة التي‬
‫يرد بها من حيث الشكل النحوي والتركيبي‪ ،‬من أجل الوقوف على طبيعته‪ ،‬كأن‬
‫يكون نصا سرديا أو حواريا أو وصفيا أو غيره‪.‬‬
‫الوصف‪ :‬هو إجراء يقوم به الباحث في أي مجال لجرد عناصر الظاهرة‪،‬‬
‫أي التركيز على ما هو موجود في الظاهرة املدروسة‪ ،‬وفي هذا املستوى يقوم‬
‫الباح ث بعزل العناصر أو األفكار األساسية في النص‪ ،‬و تبيين أوجه التشابه‬
‫واالختالف في الخصائص‪ ،‬ثم ترتيبها وتصنيفها والتأمل فيها‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أهميته‪ ،‬حيث يمكن الباحث من جعل الظاهرة مفهومة‪ ،‬فإن التوقف عند هذا‬
‫املستوى من املعرفة الوصفية ال يكفي إال إذا أفصحت العناصر املوصوفة عن‬
‫ذاتها من خالل عمليات أخرى مثل التحليل‪.‬‬
‫ّ‬
‫التحليل‪ :‬ويتمثل في النظر في العمليات التي تفصح فيها العناصر‬
‫املوصوفة عن ذاتها‪ ،‬ويتم ذلك بإدراك العالقات بين أجزاء النص‪ ،‬وبمقارنته‬
‫بالنصوص األخرى‪ .‬وهذا املستوى يقابل القراءة االستكشافية؛ حيث تبدو‬
‫ّ‬
‫عملية التحليل بمثابة البناء الذي يقوم عليه البحث‪ ،‬فكل نص بعد أن يحلل‬
‫يتكون منها وتدرك العالقات بينها‪ ،‬قد ّ‬
‫يؤيد موقفا‬ ‫إلى العناصر أو األجزاء التي ّ‬
‫معينا أو يشرح وجهة نظر‪ ،‬وقد يقاوم رأيا آخر وينفيه‪ ،‬فتقوم بعض املقارنات‪،‬‬‫ّ‬
‫وتنسج شبكة من االستنتاجات‪ ،‬واألدلة املنطق ية وتبرز دالالت‪ ،‬ويحدث الفهم‬
‫تبني أحكام وإعطاء استنتاجات‪.‬‬‫ويصبح الباحث قاد ا على ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫تكوين االستنتاج‪ :‬إن التعرف على األسباب أو املقدمات والنتائج‪ ،‬ثم إمعان‬
‫النظر فيها واستخالص النتائج وإجراء التعميم‪ ،‬يتطلب اإلجابة عن أسئلة تدور‬
‫تعد جزءا ّ‬
‫مهما في‬ ‫كلها حول عملية الفهم ثم املباشرة بإصدار األحكام التي ّ‬
‫البحث‪ ،‬ويجب أن يقرن االستنتاج بالنصوص ألنه يستخرج منها‪ ،‬فإذا لم تكن‬
‫هناك نصوص‪ ،‬يصوغ الباحث فرضية‪ ،‬قد تكون ضرورية في عملية اختيار‬
‫املوضوع‪ ،‬غير أن هيمنتها أثناء التحليل ّ‬
‫تنم عن عجز فيه‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫تشكيل النماذج‪ ،‬ال أحد ينكر الدور الذي لعبته البنيوية والسيميائيات‬
‫ونظريات التواصل في تشكيل النماذج باعتبارها الطريقة العلمية التي ّ‬
‫تجسد‬
‫تعد بالنسبة للباحث اختبارا ملدى صحة‬ ‫املجرد العقلي لنص ما‪ ،‬وهي ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشرح‬
‫عمليات االستدالل‪.‬‬
‫ّيتضح جليا‪ ،‬أن القراءة القائمة على تفاعل أدوات العلم مع مهارات‬
‫الباحث يمكن اعتبارها فنا ال يتقنه كل األفراد‪ .‬لقد أدرك شوقي ضيف منذ‬
‫زمن بعيد أن "البحوث األدبية قائمة على عمليتين أساسيتين هما استقراء‬
‫تلخص‬ ‫الحقائق الجزئية‪ ،‬واستنباط الحقائق الكلية والقضايا العامة"‪ 73‬وهي ّ‬
‫يتحقق الهدفان األساسيان اللذان ال‬ ‫ّ‬ ‫العمليات السالفة الذكر‪ ،‬والتي بها‬
‫يستقيم البحث إال بهما‪ ،‬وهما الفهم والتأويل‪.‬‬
‫الفهم‪ :‬وهو الهدف األول واألخير من القراءة‪ ،‬فبه توصف وال يمكن‬
‫الحديث عن قراءة حقيقية إذا لم يفهم القارئ ما يقرأ‪ ،‬ولقد أشرنا في حديثنا عن‬
‫أنواع القراءة إلى هذا األمر؛ ونؤكد أن الفهم ينهض على آليات ومفاهيم محددة‬
‫مرتبطة بالشروط التي ذكرناها سالفا‪ ،‬وهذا يعني أن أي خلل يحدث في ممارسة‬
‫ّ‬
‫هذه اآلليات‪ ،‬سوف يقلل من عملية بناء معنى النص‪ ،‬وبمعنى آخر‪ ،‬فإن عملية‬
‫تعرضنا‬‫الفهم مرتبطة بمدى توظيف الكفاءات اللغوية واملنطقية واملعرفية التي ّ‬
‫ّ‬
‫إليها سابقا‪ ،‬وإن التعثر في معرفة قوانين االشتغال النص ي على مستوى الشكل‬
‫واملحتوى‪ ،‬يعرقل عملية الفهم‪ ،‬أي‪ :‬ماذا يقول النص وكيف يقوله؟‪ ،‬وتبعات‬
‫ّ‬
‫سنوضحها الحقا في‬ ‫هذين السؤالين الكبيرين اللذين تندرج ضمنهما أسئلة أخرى‬
‫حديثنا عن العالقة بين النص واملنهج‪.‬‬
‫والفهم الناقد على حد تعبير فرانسيس بيكون هو أن تقرأ "ال لتعارض‬
‫وتسلم به‪ ،‬بل لتزن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتقدر" فمهما كانت قدسية‬ ‫وتخطئ وال لتؤمن بما تقرأ‬
‫النص وعلو من زلة القائل‪ ،‬فال يتقبل الباحث نصا أو فكرة إال بعد عرضها على‬
‫األدوات العلمية املذكورة والقرائن املعرفية التي تنشأ بواسطة السيناريوهات‬
‫التي يعرفها وا لتي تعد بمثابة البنية املعرفية التي تنشأ من قراءات الباحث‬

‫‪ - 73‬شوقي ضيف‪ ،‬منهج البحث في األدب‪ ،‬ص‪.25‬‬


‫‪151‬‬
‫السابقة‪ ،‬بعد أن يتم تخزينها‪ ،‬مثلما أوضح ذلك إيزر وأمبرتو إيكو‪ ،‬ثم ّ‬
‫يتم‬
‫استحضارها أثناء قراءة النص لتحقيق عملية الفهم والتأويل‪ ،‬ولذلك عرف‬
‫ّ‬
‫الفهم بأنه " مجموع النشاطات الفكرية التي تمكن من تحليل اإلعالمات‬
‫املستقبلة‪ ،‬أي مجموع النشاطات التي تربط اإلعالمات الجديدة باملعطيات‬
‫املكتسبة‪ ،‬سابقا‪ ،‬والتي خزنت في الذاكرة طويلة األمد‪ ،‬فالقارئ يتأمل الرموز‬
‫ويربطها باملعاني ثم يفسر تلك املعاني وفقا لخب راته‪74".‬‬

‫‪ - 74‬الحرشاوي السعدية مجلة ديداكتيكا ص ‪.18‬‬


‫‪152‬‬
‫التأويل‪ :‬إذا كان الفهم يوقف الباحث عند الكيفية التي يتشكل بها املعنى‬
‫في النص‪ ،‬وإدراك املدلوالت انطالقا من الكفاءة اللغوية‪ ،‬فإن إدراك املدلوالت‪،‬‬
‫يحفز لعمليات عقلية تتفاعل مع مدلوالت اللغة هذه ومع معارف أخرى‪ ،‬حيث‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتم من خاللها التأمل في املقاصد والغايات واآلثار املتعلقة به كمتلق؛ لذلك‬
‫ّ‬
‫ويتحقق من‬ ‫سيقوم في هذا املستوى باختبار نتائج الفهم‪ّ ،‬‬
‫ويعدل فيها ما أمكن‬
‫صحة االستنتاجات‪ ،‬حتى ال يكون تأويله انطباعا يتجاوز النص دون ضوابط وال‬
‫حدود‪ .‬ولعل هذا ما حدا بأمبرتو إيكو إلى الحديث عن حدود التأويل‪ ،‬و أوجزه‬
‫تتحقق من خالل‬‫محمد حمود في ترسيخ مقتضيات آلية التأويل التي أى أنها ّ‬
‫ر‬
‫مسارين ربطهما باإلطار املدرس ي‪ ،‬ولكننا نرى أنها تتجاوز ذلك في إطار البحث‬
‫العلمي الجامعي‪ ،‬لذلك استبدلنا الحديث عن التلميذ بالحديث عن الباحث‬
‫ويتمثل هذان املساران فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬مسار أول‪ :‬وينطلق من السؤال كيف؟ إلى السؤال ملاذا؟ يعمد‬
‫ّ‬
‫الباحث في مرحلة أولى منه إلى تحديد املعنى املباشر‪ ،‬وإلى تعيين الصيغ‬
‫واألشكال املوظفة في األعمال األدبية‪ ،‬اعتمادا على جرد للمعطيات‬
‫واملؤشرات النصية‪ ،‬وفي مرحلة ثانية من هذا املسار‪ ،‬يقوم الباحث انطالقا‬
‫من فحص جديد للمعطيات‪ ،‬باالهتمام ببناء املعاني اإليحائية واملجازية‪،‬‬
‫وفق منظورات االنزياح والالمقول وخصوصية النصوص‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬مسار ثان‪ :‬يتجه من السؤال ملاذا؟ إلى السؤال كيف؟ بهدف استلهام‬
‫األسئلة املرتبطة بنظرية تأويلية (جدلية‪ ،‬بنيوية‪ ،‬سيميائية‪ )..‬من شأنها‬
‫توجيه عملية جمع املعطيات بشكل واضح‪.‬‬
‫ّ‬
‫نالحظ في املسار الثاني كيف يتدخل املنهج في تنشيط آلية الفهم‬
‫والتأويل‪ ،‬غير أن األمر هنا ليس إسقاطا بقدر ما ّ‬
‫يعد عملية اختبار للقدرة‬
‫على توظيف آليات منهج ما‪ ،‬والتي ال شك أنها تشترك جميعا في اآلليات‬
‫العلمية التي أشرنا إليها سابقا كالوصف والتحليل واملقارنة واالستنتاج‪ ،‬لكن‪،‬‬
‫‪153‬‬
‫ال شك أن لكل منهج مفاهيمه الخاصة به‪ ،‬وأطره املرجعية واملعرفية التي‬
‫تحدده‪.‬‬
‫إن هذا املسعى من القراءة يبدو منخرطا في عملية الكتابة أو تحرير‬
‫البحث‪ ،‬والحق أنه ال يمكن الفصل بين القراءة والكتابة إال نظريا‪ ،‬فقد ّ‬
‫يقدم‬
‫الباحث هذا الشكل من القراءة ألستاذه املشرف حين يكلفه بوضع بطاقة قراءة‬
‫معين‪ ،‬كما أنه قد يكتفي في مرحلة أولى من البحث بمستوى الفهم‪ ،‬كما‬ ‫لكتاب ّ‬
‫أن ألسئلة املنهج املعتمد عالقة عضوية بأسئلة النص كما أكد ذلك محمد‬
‫حمود من خالل الجدول الذي أوردناه سابقا‪.‬‬
‫ليس من السهل الفصل بين هذه العمليات وكيفياتها‪ ،‬فبين التحليل‬
‫والتأويل وشائج قربى ال تفصل بينها إال ا لكيفية أو الدرجة‪ ،‬ففي املستوى املباشر‬
‫من معنى النص يستهدف الوصف إبراز ّ‬
‫مكوناته أو مستويات بنائه‪ ،‬أما التأويل‬
‫فيقتض ي إيجاد العالقات بين هذه العناصر من جهة‪ ،‬وبينها وبين العناصر التي‬
‫تتحكم في وجودها من جهة أخرى‪ ،‬وهي تلك التي ّ‬‫ّ‬
‫يقرها السياق‪.‬‬
‫إن التأويل يسمح ل نا بمناقشة الفرضيات التي وضعناها‪ ،‬فنثبت صحتها‬
‫بواسطة عمليات منطقية‪ ،‬أو نؤكد على غيرها إذا ما بدا لنا ضعف افت راضنا‬
‫بالعمليات نفسها‪.‬‬
‫تحليل املعطيات في البحوث امليدانية‪ :‬هناك ممي زات خاصة ترتبط‬
‫بطبيعة املوضوعات امليدانية‪ ،‬غير أن تحليل املعطيات فيها ال يختلف كثي را عن‬
‫قراءة املادة في البحوث املكتبية إال من حيث ضرورة تجنب بعض األخطاء التي‬
‫قد تكون مرتبطة بمدى صحة املعطيات ودقتها‪ ،‬واألخذ بعين االعتبار خصائص‬
‫أفراد مجتمع البحث أو أنواع العينات‪ ،‬ومطالبهم الخاصة‪ ،‬كما يجب مراعاة‬
‫اللغة التي يستعملها‪ ،‬ولذلك على الباحث أن يراعي ظروف إيصال املعلومات إذا‬
‫متخصصين‪ ،‬أو إلى جمهور واسع؛‬‫ّ‬ ‫ما كانت ستوجه‪ ،‬مثال‪ ،‬إلى هيئة وصية أو إلى‬
‫ولذلك تعد عملية تحليل املعطيات أمرا مصيريا بالنسبة للباحث والبحث معا‪،‬‬
‫وتقتض ي مراجعة ألخطاء التحليل والتأويل والنتائج واإلحصاءات‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫املستوى الحجاجي والتقني للبحث‬
‫مرحلة التحرير ‪La rédaction‬‬

‫أثناء عملية جمع املادة وقراءتها‪ ،‬يكون الباحث قد ّادخر مالحظات‬


‫يعتم بعضها اآلخر له الطريق‪ ،‬كما قد‬‫وأفكا ا‪ ،‬يكون بعضها أحيانا شا دا‪ ،‬وقد ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫تفتح له في معظمها كل الطريق‪ .‬ثم ما يلبث أن تجمتع لديه حزم من البطاقات‬
‫واألفكار الواضحة‪ ،‬فتبدو املواقف التي كان يريد الدفاع عنها ّبينة في ذهنه‪،‬‬
‫وتبرز اإلجابات عن األسئلة التي طرحها‪ ،‬وتظهر له أسئلة أخرى أجدى من‬
‫ّ‬
‫األولى‪ ،‬كما قد تت راءى له أهداف أخرى لم تكن في الحسبان‪ ،‬وقد يصرفه تعلم‬
‫ّ‬
‫منهج إلى التخلي عن املنهج الذي بدا له أنه صالح ملعالجة إشكالية البحث في‬
‫البداية‪.‬‬
‫تشعب املعطيات الجديدة‬‫ينظر الباحث في الخطة فيجدها ال تستوعب ّ‬
‫واملادة التي جمعها‪ ،‬فيعقد العزم على إعادة صياغتها‪ ،‬وينتابه إحساس بتجسيد كل‬
‫ما بدا له كتابة‪ ،‬وتكون بداية املرور إلى مرحلة التحرير التي هي عبارة عن تحيين‬
‫وتفعيل للقدرات األسلوبية واآلليات الحجاجية التي يمتلكها الباحث من أجل إقناع‬
‫القارئ‪.‬‬
‫‪ - I‬عملية التسويد‪ 75:‬هي مرحلة تمهيدية يختبر فيها الباحث قدراته‬
‫األسلوبية وآلياته الحجاجية‪ ،‬وأول ما يفعله الباحث هو استظهار الخطة‬
‫دونها على البطاقات في شكل ملخصات أو اقتباسات‬ ‫األولية‪ ،‬واملعلومات التي ّ‬

‫‪- 75‬اعتمدنا هنا على تصور مراحل التحرير من كتاب علي جواد طاهر ّ‬
‫القيم على الرغم من قدمه‪ ،‬حيث‬
‫قسم التحرير إلى تسويد وتبييض‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫حرفية‪ ،‬وييهئ التعليقات واملالحظات التي يشرح فيها فكرة أو يحلل نصا أو‬
‫يكشف تناقضا في رأي ويبدأ في اإلجراءات التالية‪:‬‬
‫ّ‬
‫أوال‪ :‬قراءة مجموع البطاقات من أجل تمثل املوضوع في شموليته‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تحديد مواطن التغيير واإلضافة والحذف‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إعادة صياغة اإلشكالية من جديد‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬توسيع الخطة األولية‪ ،‬بنقل ما استنبطته من أفكار وعناصر‬
‫جديدة واستبدال ما ال يراه مهما‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬التأكد من اإلملام بكل العناصر واألفكار واألسئلة التي تبدو بها‬
‫اإلشكالية الجديدة أو املنقحة واملزيدة‪ ،‬وضبط تقسيم الفصول واألبواب‪.‬‬
‫ما أهمية كل ذلك بالنسبة للباحث؟‬
‫‪ - 1‬تيهئ له النظرة اإلجمالية للبحث‪ ،‬وتساعده على إدراك أبعاده‪.‬‬
‫‪ - 2‬يدرك من خاللها ما هو ناقص‪ ،‬وما هو زائد‪ ،‬ويعمل على إقامة‬
‫التوازن بين ما يجب أن يستفاض فيه‪ ،‬وما يجب أن يوجز‪ ،‬ما تعتمد فيه املادة‬
‫وما تستعمل فيه رأيه‪ ،‬ما يكون فصال وما يكون جزءا‪.‬‬
‫إن هذه املرحلة األولى من استغالل البطاقات هي مرحلة امتحان الخطة‬
‫وانتقالها من مجرد خطة أولية إلى خطة تحرير عملية مفصلة ‪Plan‬‬
‫‪ ،opérationnel détaillé‬تثرى بعناصر أخرى يكتشفها الباحث من قراءاته‬
‫أثناء جمع املادة‪ ،‬فتصبح أكثر تفصيال ووضوحا‪ ،‬ولكن هذا ال يمنع من وجود‬
‫مواطن غامضة تحتاج إلى إيضاح‪.‬‬
‫املرحلة الثانية يقوم الباحث بتوزيع األفكار والنصوص بحسب تسلسلها‬
‫الخطي حيث يقتض ي النص نصا آخر والفكرة فكرة أخرى بحسب االشتمال أو‬
‫ّ‬
‫التفرع أو التشابه أو التناقض أو االستنتاج‪ ،‬وفي هذا املستوى‪،‬ال يكون الباحث‬
‫في مرحلة كاملة من الوصف والتحليل واملقارنة واالستنتاج‪ ،‬إنما مهمته تتمثل‬
‫في نقل ما في البطاقات إلى الورق مت رابطا متصال في ضوء نقاط الخطة‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫إن عملية النقل هنا ليست آلية‪ ،‬وإنما تقوم على فهم هذه النصوص‬
‫وإدراك طبيعتها‪ ،‬مما يسمح بنقل نص بتمامه أو تلخيص آخر‪ ،‬كما قد يستغني‬
‫عن آخر‪ ،‬تاركا أكبر هامش معقول إلى يمينه وإلى أسفل الصفحة‪ ،‬وأكبر بياض‬
‫مناسب بين نص وآخر‪ ،‬فيستفيد من ذلك أثناء عملية النقد والتعليق‪ ،‬التي قد‬
‫تت زامن عند الباحث املحترف مع عملية النقل هذه‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬يقرأ الباحث ما كتب‪ ،‬وينظر في الذي يكتب وفي‬
‫النصوص التي يعتمدها‪ ،‬فيقف عند كل فكرة وكل رأي وكل نص‪" ،‬ويكتب كل‬
‫ما تثيره فيه القراءة‪ ،‬من شرح وتحليل واستنتاج‪ ،‬وكل ما يوقظه من رأي تأييدا‬
‫يسهل عليه‬‫أو معارضة‪ ،‬ويكون له في الهامش والبياض بين الفقرات ّمتسع ّ‬
‫املهمة‪ ،‬فإذا فاض التعليق عن البياض املحدود‪ ،‬وأمكن أن يستعمل ظهر‬
‫الورقة يوضع سهم‪ .76‬كما قد يضيف ورقة أو أكثر‪ ،‬إذا ما استثاره رأي أو‬
‫معينة أو أحس برغبة في تسجيل اعت راض أو‬ ‫حفزته داللة ّ‬ ‫استهواه تناقض أو ّ‬
‫دحض اعت راض آخر‪.‬‬
‫ينصح في هذا املستوى من الكتابة‪ ،‬أن يقف الباحث أحيانا ملراجعة كل ما‬
‫ّ‬
‫كتب وال يتوقف عن الكتابة إال إذا أحس بتعب‪ ،‬ويكتب بكل حرية‪ ،‬ألن هذه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التحرر من كل قيد إال قيد األمانة العلمية واملوضوعية‪ .‬يقلب‬ ‫املرحلة‪ ،‬هي مرحلة‬
‫املادة (النصوص) التي أمامه على كل وجوهها‪ ،‬فيكون مرة لها ومرة عليها‪ ،‬يحاورها‬
‫ّ‬
‫ويسجل كل ما يرد عليه؛ ألنه يكتب استلهاما‪ ،‬بعد أن احتواه ج ّو وتهيأت‬ ‫ّ‬
‫ويحدثها‬
‫له مادة ومر عليه زمن وحدثت فيه ألفة‪.77‬‬
‫وقد يحس أن أمرا يتطلب منه مراجعة أحد املصادر‪ ،‬أو استشارة‬
‫املشرف أو غيره‪ ،‬فيشير إلى ذلك‪ ،‬أو يضع عالمة استفهام أو تساؤل‪.‬‬

‫‪ - 76‬علي جواد طاهر‪ :‬منهج البحث األدبي‪ ،‬ص ‪.108‬‬


‫‪ - 77‬يراجع‪ ،‬غازي عناية‪ ،‬إعداد البحث العلمي‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪157‬‬
‫إذا كان املوضوع تطبيقيا‪ ،‬يحاول الباحث أن يسأل نفسه إلى أي مدى هو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متمثل املنهج الذي اختاره؟‪ ،‬وهل أن فهمه وتمثله أضاف إليه جديدا أم كان تمثل‬
‫وفاء أمين أسقطه في اآللية؟ وإذا كان املنهج هو مجموعة من القواعد أو اآلليات‬
‫معين وتحليله ودراسته‪ ،78‬فعلى‬‫التي ّيتخذها الباحث وسيلة الستنطاق نص ّ‬
‫الباحث أن يد ك مخاطر جعل توظيفه هدفا في حد ذاته؛ إنما عليه أن ّ‬
‫يتبنى‬ ‫ر‬
‫إجراءات املنهج ليدخل بها إلى النصوص‪ ،‬وهذا ّ‬
‫التبني قد يسبق عملية اختيار‬
‫وضحنا في حديثنا عن املنهج‪ ،‬كما أنه يساهم في جمع املادة‬‫املوضوع ذاتها‪ ،‬كما ّ‬
‫فتتم مع عملية التحرير هذه‪ ،‬ولكن‪ ،‬شريطة أن ال‬ ‫وقراءتها‪ ،‬أما طريقة التوظيف ّ‬
‫يكون إسقاطا على النصوص‪ ،‬فنقرأ املنهج وال نقرأ النص‪.‬‬
‫إن املناهج في دراسة الظاهرة األدبية كثيرة ومتنوعة‪ ،‬وتشترك مع دراسة‬
‫الظاهرة اللغوية في الوصف والتحليل‪ ،‬غير أن ّ‬
‫توسع الدراسات في مجال اللغة‬
‫واألدب والعلوم اإلنسانية عامة‪ ،‬سمح بتوظيف إجراءات مستمدة من نظريات‬
‫مختلفة‪ ،‬فظهرت مناهج عديدة‪ ،‬تستجيب لطبيعة الظاهرة اللغوية واإلنسانية‬
‫املعقدة‪ ،‬ولذلك‪ ،‬فالتحذير قائم من أن يقع الباحث في التلفيق واألخذ من هذا‬ ‫ّ‬
‫وذاك دون مراعاة لحدود إشكاليته وطبيعة موضوعه‪.‬‬
‫ّ‬
‫بعد هذه املراحل‪ ،‬وعند االنتهاء من كتابة فصل أو البحث كله‪ ،‬يجد‬
‫ّ‬
‫املسودة‪ ،‬التي‬ ‫مشوه الهيئة‪ ،‬هو ما نطلق عليه‬ ‫ّ‬ ‫الباحث نفسه أمام بحث‬
‫تطور املعلوميات؛ حيث أصبح لكل باحث‬ ‫تبقى ممارستها ضرورية‪ ،‬حتى مع ّ‬
‫حاسوب في البيت أو في املؤسسة الجامعية التي ينتمي إليها‪ ،‬فال بد على‬
‫يحرر بالقلم ّأوال‪ ،‬ألن الحاسوب كثيرا ما يقنع صاحبه‪ ،‬لهيئته‬ ‫الباحث أن ّ‬
‫ّ‬ ‫املتطورة في اإلخراج‪ّ ،‬‬
‫أن بإمكانه التوقف‪ ،‬ويعد هذا خطرا على البحث‬

‫‪ - 78‬يراجع‪ ،‬يوسف مصطفى الق اض ي‪ ،‬مناهج البحوث وكتابتها‪ ،‬ص ‪.76‬‬


‫‪158‬‬
‫والباحث على حد سواء؛ ألن املعلومات التي تلغى ثم نحس برغبة في إعادتها‬
‫مرة أخرى ال تعود‪ ،‬إضافة إلى األخطاء التي ال ينتبه إليها الباحث أثناء‬
‫التصحيح على الحاسوب‪.‬‬
‫ال بد أن يسمح الباحث لنفسه بفترة من الراحة يراجع فيها هذه الهيئة‪،‬‬
‫بعيدا عن ضوء الحاسوب وشروطه التقنية‪ ،‬ثم يعيد قراءتها من جديد فيجيب‬
‫ّ‬
‫على األسئلة‪ ،‬ويعود إلى املصادر ويراجع املشرف‪ ،‬ويحل كل إشكال‪ ،‬ويتخلص‬
‫فيها من التلخيصات وإعادة نثر النصوص‪ ،‬والتحليالت غير املفيدة‪ ،‬وتلك هي‬
‫عملية التنقيح والتنقية التي تليها مباشرة عملية التبييض‪ ،‬وهي الجزء األساس‬
‫من مرحلة التحرير‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫‪ - II‬عملية التبييض‪:‬‬
‫بعد عملية التسويد‪ ،‬يجد الباحث أمامه بحثا مشوش الهيئة؛ فحذف هنا‪،‬‬
‫وآخر هناك‪ ،‬وتشطيب‪ ،‬وقد تضيق حاشية باملالحظات وتبقى أخرى فارغة‪ ،‬وقد‬
‫يجد أسهما وعالمات استفهام‪ ،‬وقد يضطر ألن يكتب وراء الورقة‪.‬‬
‫املشوشة تمنح للباحث مهلة للراحة‪ ،‬يجيب فيها عن‬ ‫ّ‬ ‫إن هذه الهيئة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسئلة املطروحة‪ ،‬وعالمات االستفهام‪ ،‬وحل كل إشكال أو غموض‪ ،‬كما قد‬
‫يعود إلى املصادر واملراجع ليتأكد من صحة الخبر‪ ،‬أو فهم النص في سياقه؛ وهي‬
‫عملية إعادة تنظيم هذا البحث املشوش الهيئة وإخراجه في شكل منظم‬
‫ّ‬ ‫مباشرة بعد التنقيح؛ ألنه لو تركه مدة‪ ،‬وعاد إليه‪ ،‬صعب عليه أن ّ‬
‫يتعرف عما‬
‫قام به‪ ،‬أو يمسك بالسياق الذي ّتمت فيه املراجعة‪ ،‬وهذا يستدعي منه بذل‬
‫ّ‬
‫تمثله ّ‬
‫وتتبعه‪.‬‬ ‫جهد كبير في إعادة‬
‫إن أول ما يفعله بعد أن ينتهي من املسودة في شكلها األخير‪ ،‬وبعد أن‬
‫ينظر فيها نظرة من أجل وحدة أجزائها‪ ،‬أن يقرأها ويخرجها من هيئة التشويش‬
‫إلى هيئة ّبينة واضحة‪ .‬سوف تكون أمامه الخطة في آخر صورها وهي خط ـة‬
‫التحريـر "‪ "Plan de rédaction‬التي تبدو أكثر تدقيقا وتفصيال ووضوحا؛‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التقدم في عملية‬ ‫حيث يتمكن الباحث من تشكيل عناوين فرعية تساعده على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتجنبه االستطرادات غير‬ ‫التحرير‪ ،‬كما تمكنه من العمل بسهولة وبكل أمان‪،‬‬
‫ّ‬
‫املهمة‪ ،‬وتحافظ على وحدة البحث‪ ،‬ويتجلى تحيين كل هذا في ممارسة اآلليات‬
‫ّ‬
‫األساسية لعملية املنهجية التي تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬القواعد العامة ملعالجة األفكار‪:‬‬
‫هي لحظة مهمة من البحث‪ ،‬في معالجة التساؤالت املطروحة استنادا إلى ما‬
‫توصل إليه من معطيات جديدة‪ ،‬وتقوم على ممارسة مجموعة من العمليات‬ ‫ّ‬
‫التحليلية الحجاجية االستنتاجية‪ ،‬التي تسمح للباحث باالنتقال من التعريف إلى‬
‫التدليل ثم االستنتاج بدون عوائق‪ ،‬ويتم إنجاز هذه العمليات بأمرين اثنين‪ :‬األول‬
‫ّ‬
‫التقدم في املعالجة مما يجعل كل‬ ‫الربط املنطقي بين كل عملية وأخرى‪ ،‬والثاني‬

‫‪160‬‬
‫ّ‬
‫فيتحقق التدرج في املنهجية‪،79‬‬ ‫مرحلة تنتمي إلى سابقتها وتضيف إليها جديدا‪،‬‬
‫يتم إال بعمليات جزئية‪ ،‬هي بمثابة القوانين التي يجب على الباحث‬ ‫والذي ال ّ‬
‫ّ‬
‫اعتمادها‪ ،‬وتتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫‪ – 1‬ضرورة االقت ران املنهجي بين املادة (النصوص) وآراء الباحث‬
‫وتعليقاته وشروحاته التي يختار منها ما يوحي بالقدرة على النقد والتحليل‪،‬‬
‫فيبقي على األحكام‪ ،‬ويحذف كل شرح أو تعليق غير ذي أهمية‪.‬‬
‫‪ - 2‬يجب أال تكون آراء الباحث (تعليقاته) مجرد إعادة نثر للنصوص أو‬
‫ألن هذا يؤدي إلى التكرار‬ ‫اململ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫األفكار‪ ،‬بواسطة التلخيص أو التحليل‬
‫والرتابة‪ ،‬وخلو البحث من املقارنة وإلى ضعف االستنتاج‪.‬‬
‫‪ - 3‬يجب أال تكون املادة (مجموع النصوص) تجميعا وركاما من‬
‫املعلومات الواحدة تلو األخرى دون نقد وال تحليل أو استنباط أحكام‪ ،‬فتنعدم‬
‫شخصية الباحث‪ ،‬ونكون أمام بحث محشو بالنصوص‪.‬‬
‫‪ - 4‬يجب أال تطغى خلفية الباحث املعرفية على املادة‪ ،‬فتبدو النصوص‬
‫كالحلية العالقة‪ ،‬ال قيمة لها‪ ،‬ويحدث تنافر بينها وبين خلفية الباحث‪.‬‬
‫‪ - 5‬املالءمة الحجاجية بين املعطيات‪ ،‬وذلك بالحفاظ على انسجام خطاب‬
‫ّ‬ ‫البحث ّ‬
‫حتى وإن كانت الظاهرة املدروسة‪ ،‬مثال‪ ،‬تتحكم فيها ظواهر أخرى سياسية‬
‫أو فلسفسية أو اقتصادية‪ ،‬فال بد على الباحث أن يحافظ على انسجام املعطيات‬
‫ّ‬
‫باملسببات‪ ،‬ويلعب‬ ‫بعضها مع بعض‪ ،‬بانسجام التعبير عنها‪ ،‬وهو يربط األسباب‬
‫املنهج ّ‬
‫املتبع دورا كبي را في إحداث هذا االنسجام‪.‬‬
‫‪ - 6‬كسر تلقائية الف كر أثناء الكتابة‪ ،‬ويعني أن يعتمد الباحث طريقة‬
‫التناوب ال التعاقب في كتابة األفكار‪ ،‬وهذه العملية تسمح بكسر ثبات الفكر‬

‫‪ - 79‬يراجع سؤال املنهجية في درس الفلسفة‪ ،‬مجلة فكر ونقد‪ ،‬ع‪ 20‬في موقع‪:‬‬
‫‪www.fikrwanakd.Aldjabiri.bed. Com .‬‬
‫‪161‬‬
‫والقلم على أفكار متشابهة ال يفصل بينها إال روابط مثل‪ :‬قال فالن‪ ،‬ويضيف‬
‫آخر وكما أن ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ - 7‬أثناء هذه العملية تتجسد الشروط ‪ -‬األخالقية العلمية‪ ،‬وعلى‬
‫الباحث أن يمارسها بكل صرامة وهي التي لخصها "‪ "Ward Reeder‬في كتابه‬
‫"كيف تكتب رسالة" فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أال يبدي الباحث آراءه الشخصية دون أن ّ‬
‫يعززها بآراء لها قيمتها‪.‬‬
‫‪ -‬أال يعتبر الباحث أي رأي وأن صادرا عن عالم متخصص‪ ،‬حقيقة راهنة‬
‫ال تقبل الجدل واملناقشة‪.‬‬
‫‪ -‬أال يعتبر الباحث أي رأي من اآلراء حقيقة؛ ألنه صدر عن األكثرية أو‬
‫عن لجنة أو عن جماعة أو حركة‪.‬‬
‫‪ -‬أال يعتبر الباحث القياس واملشابهة حقيقة ال تقبل املناقشة‪.‬‬
‫‪ -‬أال يعتبر السكوت عن بعض النتائج واملسلمات حقائق‪.‬‬
‫‪ -‬أال يحذف الباحث أي دليل أو حجة أو نظرية ال تتفق ورأيه أو مذهبه‪.‬‬
‫‪ -‬أال يعتمد الباحث على النصوص غير الواضحة وغير الدقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬أال يخطئ الباحث في فهم وشرح بعض املدلوالت‪80.‬‬

‫‪ - 8‬الحرص على أال يقول الباحث كل ش يء‪ ،‬فليس كل ما يقرأ يكتب‪ ،‬وال‬
‫نتحدث؛ ألن اللغة املكتوبة ‪-‬وهي لغة البحث العلمي ‪ -‬تختلف عن‬ ‫أن نكتب كما ّ‬
‫اللغة الشفاهية التي قد تفرض مقتضيات شفاهيتها طرقا مختلفة في األداء تعد‬
‫من األخطاء في اللغة املكتوبة‪ ،‬فيجب على الباحث االحت راز من أن يكتب ما لم‬
‫يفهمه‪.‬‬

‫‪ - 80‬نقال عن ثريا ملحس‪ ،‬منهج البحوث العلمية للطالب الجامعيين‪،‬‬


‫‪162‬‬
‫توخي تقنيات االستشهاد‪ :‬إن االستشهاد هو الطريقة التي توظف بها‬ ‫‪ّ -9‬‬
‫النصوص في البحث لهدف حجاجي‪ ،‬ويجب أن يستند الباحث إلى قواعد‬
‫أكاديمية علمية‪ ،‬لكي تكتمل منهجية التعامل مع املادة التي بدأها أثناء عملية‬
‫جمع النصوص‪ ،‬مراعيا طبيعتها ومواصفاتها‪ ،‬وأثناء عملية التحرير قد تطرح‬
‫على الباحث أسئلة كثيرة‪ ،‬لعل أهمها‪ :‬هل نستشهد بنصوص كثيرة أم نتفادى‬
‫اإلكثار؟ وما هي الطريقة امل ثلى لعملية االستشهاد؟‬
‫إن أول ش يء يجب أن يعلمه الباحث هو معرفة أنواع النصوص املستشهد‬
‫بها‪ ،‬والتي تكون نصوصا طويلة أو قصيرة‪ ،‬ذات طبيعة نظرية أو إبداعية‪ ،‬أو بحسب‬
‫سلطة الحكم والقول الفصل املتضمن فيها‪ ،‬كما قد تكون مجرد أمثلة‪.‬‬
‫إن تجميع النصوص في البحث بدون عالقة بينها مدخل لفشل الهدف‬
‫من البحث الذي يروم التواصل مع القارئ وإقناعه باالنتقال ّ‬
‫املبرر من قضية‬
‫إلى أخرى‪.‬‬
‫يجب أن يعلم أيضا أن النصوص التي هي وسيلة للتدليل هي نصوص‬
‫ذات سلطة أثناء االستشهاد بها‪ ،‬ليست ملجرد التمثيل فحسب‪ ،‬وإنما تأتي‬
‫وتؤكد‬
‫لتدعيم البرهنة واالستنت اج؛ ولذلك ال بد أن تساهم في تقدم التحليل‪ِ ،‬‬
‫وجهة نظر الباحث وموقفه الحجاجي‪ ،‬كما ال يمكن أن تأتي بديال عن التحليل‬
‫الذي هو من صميم عمل الباحث‪ ،‬أما كثرة إيراد النصوص أو قلتها فمحكوم‬
‫بمدى قدرة الباحث على توظيفها بالوقوف على ما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ضرورة مراعاة ردود أفعال القارئ‪ ،‬حيث يجب اعتبار القارئ مقتنعا‬
‫بأن الباحث يوافقه‪ ،‬اللهم إال إذا أثبت له العكس بنص آخر‪ ،‬وكذلك العكس‪.‬‬
‫ب ‪ -‬عندما يكون النص قصي را‪ ،‬وفي حالة االقتباس الحرفي‪ ،‬فإنه يدمج‬
‫في املتن مع وضعه بين مزدوجين‪ ،‬أما إذا تجاوز أربعة أسطر كاملة فيترك له‬
‫هامشان على اليمين واليسار‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫يصحح الخطأ‪ ،‬وال ّ‬
‫تغير‬ ‫ّ‬ ‫ج ‪ -‬مراعاة األمانة في نقل النص املقتبس‪ ،‬فال‬
‫عالمات الوقف‪ ،‬ال يوضع سطر تحت كلمة‪ ،‬وإذا أراد الباحث حذف كلمات أو‬
‫جمل‪ ،‬فعليه وضع ثالث نقاط متتالية بين قوسين (‪.)...‬‬
‫د – اعتماد تقنية اإلحالة العلمية وهي على نوعين‪:‬‬
‫‪ -‬إحالة خارجية وذلك بتوثيق النصوص أي بذكر صاحبها ومعلومات‬
‫النشر في الهامش‪.‬‬
‫‪ -‬إحالة داخلية تنقسم بدورها إلى نوعين‪ :‬صريحة مباشرة‪ .‬وضمنية‪.‬‬
‫يتم فيها ذكر اسم صاحب القول‪ ،‬مثل‪ ( :‬قال إحسان‬ ‫فالصريحة هي التي ّ‬
‫عباس‪ ،‬ويرى أدونيس) وتستعمل أكثر في املوضوع النظري النقدي‪ ،‬حيث‬
‫النصوص هي موضوع التحليل‪ ،‬كما تستعمل لإلشارة إلى أمر فيه خالف أو‬
‫تناقض‪.‬‬
‫يتم فيها إدماج النص املستشهد به في البحث‬ ‫أما اإلحالة الضمنية‪ ،‬فهي التي ّ‬
‫دون ذكر اسم صاحب النص في املتن (ما عدا في الهامش) وتكثر في البحوث‬
‫التطبيقية؛ حيث تكون النصوص وسائل للنقد والتحليل وتأكيد الرأي أو نفيه‪،‬‬
‫ويكون الربط باألدوات املعروفة‪ :‬و‪ ،‬لكن‪ ،‬حيث أن‪ ،‬ألن‪ ،‬لذلك‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ّ‬
‫هناك إحالة تتضمن معالم موجهة إلى القارئ‪ ،‬وتتجلى من خالل بعض‬
‫تمكنه من ّ‬‫ّ‬
‫التموقع في فضاء البحث‪ ،‬فباإلضافة إلى املقدمة‬ ‫امللفوظات الشارحة التي‬
‫وعناصر الخطة والخاتمة‪ ،‬هناك ملفوظات مثل رأينا في الفصل كذا‪ ،‬وسنرى في كذا‪،‬‬
‫ّ‬
‫نالحظ اآلن‪ ،‬إذن‪ ،‬وهي عبارات شارحة ال تؤدي وظيفة تكرارية وإنما تمكن الباحث من‬
‫إدراك العالقات بين مقاطع البحث وبين القضايا واآلراء املختلفة‪ ،‬كما تساعد القارئ‬
‫على تتبع تطور التحليل عند الباحث‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مميزات مرحلة التبييض‪:‬‬

‫‪164‬‬
‫تعتبر مرحلة التبييض أهم وآخر خطوات إعداد البحث‪ ،‬فمن خالل هذه‬
‫الخطوة يصوغ الباحث بحثه‪ ،‬ويكتبه بصورته النهائية قبل أن يعرضه على أستاذه‬
‫مجسدا فيه آراءه الجديدة‪ ،‬وتحليالته العميقة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫املشرف لقراءته وإبداء الرأي فيه‬
‫وعارضا قدراته التعبيرية في اللفظ واألسلوب‪ ،‬مثبتا شخصيته العلمية‪ ،‬وقدرته على‬
‫اإلجابة عن اإلشكالية‪ ،‬وإقناع القارئ بطريقته ونتائجه‪ ،‬ومن أهم اإلجراءات املنهجية‬
‫املعتمدة أثناء الصياغة‪ ،‬حتى يكون بحثه بهذه الصورة‪ ،‬ما يلي‪:‬‬
‫‪ – 1‬اإلجابة عن عالمات االستفهام‪ :‬التي كان الباحث يضعها على‬
‫النصوص واألخبار واآلراء ق اصدا العودة إليها بعد االنتهاء‪ ،‬ليكمل نقصها ويقرر‬
‫ّ‬
‫مصيرها في حالة صفاء مع النفس وراحة البال؛ فقد يرى في نص إشكاال يحله‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أو غموضا ّ‬
‫يوضحه‪ ،‬وقد يضطر إلى الرجوع إلى األصل ليستوفي الدقة ويزيل‬
‫ومنقحة‪ ،‬أو يسأل‬‫دواعي الغموض‪ ،‬وقد يعود إلى املعجم‪ ،‬أو إلى طبعة مزيدة ّ‬
‫أستاذه‪ ،‬أو من هم أعلم منه‪.‬‬
‫‪ - 2‬بناء الفقرات‪:‬‬
‫وتتجسد‪ ،‬ولكي تؤدي هذه‬‫ّ‬ ‫تعد الفقرة الفضاء الذي ترسو فيه األفكار‬
‫األفكار وظيفتها اإلفهامية والتواصلية‪ ،‬البد أن تتمظهر بطريقة منطقية‪،‬‬
‫ّ‬
‫متسقة فيما بينها‪ ،‬ومنسجمة مع الفصل الذي تنتمي إليه ومع البحث ككل‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن االتساق واالنسجام ال يتأتيان إال بمعرفة طبيعة تكوين الفقرة‬
‫ّ‬
‫ووظيفتها‪ ،‬فالفقرة تتوفر على فكرة أساس‪ ،‬تحيل عليها أفكار بواسطة‬
‫قسم كلود بيرولي الفقرات إلى‬ ‫االستدالل‪ ،‬الشرح أو األمثلة‪ ،‬وعلى هذا األساس ّ‬
‫نوعين نعمد إلى التعرض إليهما ألهميتهما وهما‪:81‬‬

‫‪81 -Claude PEIROULETt‬‬


‫‪& Evelyne POUZALGUES DAMON. Les Techniques du français BTS‬‬
‫‪NATHANparis 1990 p 112- 113‬‬
‫‪165‬‬
‫* الفقرات االستداللية ‪ paragraphes à raisonnement‬والتي يتم‬
‫معينة‪ ،‬مثل‪ :‬إذا كانت السيميائيات‬ ‫ربط األفكار فيها بواسطة آليات منطقية ّ‬
‫استطاعت أن تقترب من معظم األنساق الدالة واألنظمة املختلفة‪ ،‬لغوية‬
‫كانت أم غير لغوية‪ ،‬فهذا يعني أنها املنهج البديل لكل املناهج‪ .‬واالستدالل في‬
‫هذا ال نوع من الفقرات ّ‬
‫يتم بالطرق التالية‪:‬‬
‫‪ -‬املقارنة ‪ comparaison‬ويتم بها إيجاد عالقة بين حالتين أو وضعين‬
‫معينة أو إلى تطور للفكرة األساس التي يمكن أن ّ‬
‫يصرح بها‬ ‫تحيالن إلى وضعية ّ‬
‫أثناء هذه العملية‪ ،‬فتكون بمثابة الخيط الذي يديرها‪ ،‬كما يمكن أن تذكر في‬
‫األخير‪.‬‬
‫‪ -‬االستنتاج ‪ déduction‬وهو أن يتم ربط أفكار متتابعة بعالقة سببية‪،‬‬
‫وتكون النتيجة األخيرة هي الفكرة األساسية وتتجلى بواسطة أدوات الربط مثل‪:‬‬
‫هكذا إذن‪ ،‬نستنتج ‪،‬والنتيجة‪ ،‬نخلص إلى أن‪ ،‬نالحظ وغيرها‪ ،‬أما العبارة التي‬
‫تلي هذه الروابط فتقدم بالضرورة فكرة ما باعتبارها تحصيال منطقيا ملا سبق‪.‬‬
‫‪ -‬االستقراء ‪ induction‬وهو أن يتم تقديم سلسلة من الوقائع املتقابلة التي‬
‫تسمح بالحصول على قاعدة عامة هي نفسها الفكرة األساس للفقرة‪.‬‬
‫‪ -‬اإلضراب ‪ :concession‬وهي الصفة التي تسلب فيها عبارة ما الحكم ّ‬
‫عما‬
‫ّ‬
‫قبلها وتجعله ملا بعدها‪ ،‬وتتمثل في أن تبدأ الفقرة بفكرة حجة تذهب في االتجاه‬
‫املعاكس ملا سوف يأتي‪ ،‬وتحمل في الوقت نفسه بعض االختالفات في التأكيدات‬
‫ّ‬
‫السابقة‪ ،‬ثم تظهر الفكرة األساس التي يمكن أن يدلل عليها‪ ،‬والرابط املنطقي‬
‫يكون ب لكن‪ ،‬ومن املؤكد‪ ،‬نتأكد وغيرها‪.‬‬
‫* ‪ -‬الفقرات الشارحة ‪ :paragraphes explicatifs‬ويمكن أن نرصد‬
‫عدة أنماط منها استنادا إلى طريقة عرض الفكرة األساس‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫‪ -‬شرح الفكرة األساس وإذا اقتض ى األمر توضيحها بمثال‪ ،‬فالفكرة‬
‫ّ‬ ‫األساس ّ‬
‫يتلفظ بها مباشرة ثم تليها األفكار التي تحلل محتواها من أجل توضيح‬
‫ّ‬
‫املجردة أو‬ ‫األبعاد والفروقات‪ ،‬واعتماد هذه الطريقة يكون خاصة لألفكار‬
‫تتحقق في مدى وضوح الشرح‪.‬‬ ‫العامة‪ ،‬غير أن قوة إقناع هذا النوع من الفقرات ّ‬
‫ّ‬
‫‪ -‬إيراد قياس يمكننا من شرح الفكرة األساس‪ ،‬وهذا يعني أن الفكرة‬
‫ّ‬ ‫يمكن أن يعلن عنها بطريقة مختلفة في بداية الفقرة‪ّ ،‬‬
‫ومهمة القياس تتمثل في‬
‫إدماج القارئ في مجال أقل تعقيدا ومعروف لديه‪ ،‬حيث ّتتضح الفكرة األساس‬
‫من خالل مسار التحليل‪ ،‬وتعتمد هذه الطريقة عندما تكون الفكرة جديدة غير‬
‫متداولة أو غريبة عن القارئ‪ ،‬فيجعلها القياس أكثر استساغة‪ ،‬ويكون بمثابة‬
‫وسيلة للتمثيل وليس للبرهنة والتدليل‪.‬‬
‫‪ -‬إيراد مثال بغرض البرهنة على الفكرة األساس‪ ،‬ويكون هو بدوره ّ‬
‫مبررا‬
‫بها (املثال)‪ ،‬وهنا‪ ،‬تذكر الفكرة األساس في األخير؛ ألن تحليل املثال يمكننا من‬
‫إيرادها‪ ،‬باعتباره حدثا داال‪ ،‬فهو وسيلة ملالحظة الحقيقة كما هي دون أن البقاء‬
‫في مستوى الوصف‪ ،‬أما إذا كان املثال غير دال‪ ،‬فمن األحسن أن نلجأ إلى‬
‫أساليب أخرى كأن نعتمد مثال طريقة االستنتاج‪.‬‬
‫‪ -‬تبرير الفكرة العامة بسلسلة من الب راهين املتجاورة وإن اقتض ى األمر‬
‫توضيحها بمثال‪ ،‬وقد يحال ذكر الفكرة األساس إلى األخير إلحداث املفاجأة وتكون‬
‫تدل على إضافة أفكار‪ ،‬مثل‪:‬‬‫سلسلة الب راهين مرتبطة فيما بينها بمصطلحات ّ‬
‫أيضا‪ ،‬كذلك‪ ،‬زيادة على ذلك‪ ،‬أضف إلى هذا‪ ،‬أخيرا‪ ،‬وإذا استعملنا املثال يكون‬
‫إما‪ :‬مثاال واحدا نهائيا يشمل املجموع‪ ،‬أو مجموع أمثلة سريعة متعلقة بكل برهان‪.‬‬
‫ّ‬
‫املوضحة‬ ‫إن هذا النوع من الفقرات يعتمد على مجموعة من الب راهين‬
‫ّ‬
‫للفكرة‪ ،‬غير أنه يجب أخذ الحذر من املبالغة في عرض األدلة كيال يصبح‬
‫التحليل غير منطقي‪.‬‬
‫‪167‬‬
‫تتحقق إال بمعرفة الباحث موضع الفكرة‬ ‫إن طبيعة الفقرة العلمية ال ّ‬
‫ّ‬ ‫تتشكل بها‪ ،‬وكيف ّ‬ ‫ّ‬
‫توضح وتعلل‪ ،‬أي‪ :‬ما هي األدلة‬ ‫األساس في النص‪ ،‬والطريقة التي‬
‫واألمثلة التي تؤكدها‪ ،‬وما هو الدور الذي تلعبه فقرة ما في سياق النص؟‪.‬‬
‫إن بن اء الفقرات بالطريقة التي عرضنا لها‪ ،‬تسمح للباحث بإدراك‬
‫الناقص والزائد وغير املالئم‪.‬‬
‫ج ‪ -‬مراجعة التحرير‪:‬‬
‫ّ‬
‫املتكرر منها‪ ،‬والتعليق املبتور والتي‬ ‫‪ -‬حذف املعلومات واآلراء غير املهمة‪،‬‬
‫يلمس فيها تناقضا‪ ،‬في راجعه في عالقته بالسياق السابق‪.‬‬
‫– إحداث التناسب في الطول والقصر‪ ،‬أي االكتفاء من النصوص‬
‫يؤدي املطلوب‪ ،‬وهذا يعني إيجاز ما أطال فيه‪ ،‬لغير‬ ‫واألخبار الطويلة بأقصر ما ّ‬
‫سبب وال بأس من إعادة كتابته على وجه جديد‪.‬‬
‫‪ -‬مراعاة مكان الفقر والفصول‪ ،‬فقد تكون فقرة في غير مكانها فتنقل‬
‫حيث يجب أن تكون أكثر صلة بما حولها‪ ،‬وقد يكون فصل متأخرا فيقدمه أو‬
‫فيؤخره‪ ،‬ويحذف خالل ذلك ما يحذف ويضيف ما يضيف على‬ ‫ّ‬ ‫متقدما‬
‫مقتض ى الحال‪.‬‬
‫بالتحقق من بعضها وإلغاء البعض‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬مراجعة بعض الصيغ املستعملة‬
‫اآلخر فكثي را "ما يستخدم الباحثون املبتدئون كلمات ورثوها عن أسالفهم من‬
‫تبينا كافيا كأن يقول أحدهم مثال عن أسلوب‬ ‫النقاد دون أن يتبينوا معناها ّ‬
‫قصيدة إنه‪( :‬جزل سائغ رصين سلس) وكلمة "جزل" كانت تستخدم أصال‬
‫للغليظ من الحطب‪ ،‬وهي لذلك تعني األسلوب األدبي الفصيح املتين الذي‬
‫تستطيل كلماته وتكثر فيها الحروف القوية‪.82‬‬

‫‪ - 82‬شوقي‪ ،‬ضيف‪ :‬البحث األدبي‪ ،‬طبيعته ‪ -‬مناهجه ‪ -‬أصوله ‪ -‬مصادره‪ ،‬ط‪ ، 6‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‬
‫‪.76‬‬
‫‪168‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬تجنب التكرار في التعبير واللفظ واملعنى للفكرة الواحدة وفي أكثر من‬
‫موقع‪ ،‬ألن املعنى قد يضيع بين الكالم الكثير الذي يدور حول نفسه‪.‬‬
‫‪ -‬استعمال لغة الشك واالحتمال وليس اليقين والجزم‪ .‬فاألولى أن‬
‫يستعمل صيغ الظن‪ ،‬فيقول مثال‪ :‬وأظن‪ ،‬ولعل‪ ،‬وأمثال ذلك من الكلمات التي‬
‫تدل على االحتمال‪ .‬أما عبارات اليقين والجزم القاطع فمن األحسن أن ال‬
‫يستخدمها‪ ،‬إذ األحكام في العلوم اإلنسانية تقرر نتائج متغيرة مهما كانت الدقة‬
‫تغير ّ‬
‫وتطور مستمرين‪.‬‬ ‫واملوضوعية وهي في ّ‬
‫‪ -‬التحلي بآداب املخاطبة وتحري املوضوعية‪ :‬وتتلخص في قانون‬
‫التأدب األقص ى الذي أشرنا إليه سابقا‪ ،‬حيث يجب االعتماد على األسلوب‬
‫املوضوعي املنصف لذات الباحث واآلخرين‪ ،‬وتجنب استخدام ألفاظ التهكم‪،‬‬
‫ّ‬
‫والسخرية والحط من علم وأسلوب اآلخرين‪ ،‬فقواعد املوضوعية تقتض ي‬
‫اإلنصاف في الجمع بين الباحث وغيره من الباحثين‪ ،‬وخطورة الخروج عن‬
‫املوضوعية تؤدي إلى نبذ ما يكتبه الباحث من مبالغة وشدة في النقد غير البناء‬
‫لآلخرين‪ ،‬أو املبالغة في االعتداد بالنفس مدحا‪ ،‬ولآلخرين ذما‪ ،‬ويقتض ي تجاوز‬
‫تجنب استخدام األلفاظ الدالة على االستخفاف بآراء اآلخرين‪ ،‬وتفادي‬ ‫هذا ّ‬
‫اإلغراق في الذاتية‪.‬‬
‫مضمنة في أسلوب الباحث الذي ال يستطيع أن‬ ‫ّ‬ ‫صحيح أن الذاتية تأتي‬
‫يمنعها أحيانا وهي تتمظهر بطرق مختلفة في التعبير‪ ،‬غير أن تأويل املعطيات ينأى‬
‫عن املعايير العلمية عندما يستسلم الباحث لتأويالته‪ ،‬فتجبره الذاتية على‬
‫التجلي بطرق مختلفة‪ ،‬قد ال ينتبه إليها هو نفسه‪ .‬فهناك فرق‪ ،‬مثال‪ ،‬بين أن‬
‫يقول باحث ما وهو يعرض لرأي مؤلف ما كأدونيس مثال " ويقول أدونيس في هذا‬
‫الشأن" وبين قوله " يقول صاحب "الثابت واملتحول"؛ فإن كلمة صاحب الثابت‬
‫تعبر عن وجهة نظر شخصية عن أدونيس وموقف من الثابت‬ ‫واملتحول ّ‬
‫‪169‬‬
‫واملتحول‪ ،‬كما أن كلمة صاحبنا أو الناقد الفذ وغيرها من الصفات املشحونة‬
‫عاطفيا‪ ،‬يمكن أن تسم صاحبها بالذاتية ألنها تلعب دورا تأويليا في الخطاب‪،‬‬
‫واألثر نفسه يمكن أن يكون لبعض الجمل االعت راضية‪.‬‬
‫إن ظاهرة انتشار العبارة على الغير أو ما يسمى ‪d'osmose phénomène‬‬
‫يمكن أن يفرض شبكة تقييم ذاتية لتأويل مؤسس منهجيا‪ 83‬فنقرأ أحيانا رؤى‬
‫ّ‬
‫تأويليه شخصية جدا يقدمها الباحث للقارئ‪ ،‬ولكن التأويل يكون مؤكدا‬
‫باستشهادات موضوعية‪ ،‬وهذا النوع من الذاتية املنهجية‪ ،‬إن صح منا التعبير‪ ،‬ال‬
‫يمارسه إال من اجتمع فيه القول والعمل معا‪ ،‬وهو قانون يجمع بين البعد التبليغي‬
‫والتهذيبي للخطاب‪ ،‬وليس على هذا النوع من الذاتية احتجاج؛ إنما اإلشكال في الذي‬
‫يحاول أن يقنع باملجاز واإليحاء في مقام البحث العلمي‪.‬‬
‫على الباحث إذن‪ ،‬وخاصة في األدب‪ ،‬أن يكتب كباحث وليس كمبدع حتى‬
‫وإن ذاع صيته في أوساط الكتاب‪ ،‬وأن يجعل الهيمنة للوظيفة اإلخبارية‬
‫والتواصلية التي تكون بالوسائل الحجاجية ال اإليحائية‪ ،‬على الرغم مما في‬
‫اإليحاء من حجاج‪ ،‬ل كنه حجاج تخييلي‪ ،‬يصلح إلحداث املتعة الجمالية‪ ،‬وهو‬
‫من سمات الوظيفة الشعرية التي تهيمن في الخطاب األدبي وهي ال مجال لها في‬
‫البحث العلمي‪.‬‬
‫‪ -‬تحسين اللغة‪ :‬ال يتم النجاح للباحث باملادة أو املعلومات الكثيرة وال‬
‫حتى بالقدرة الفائقة على النقد والتحليل‪ ،‬إذا كان ال يحسن صياغة الجمل‬
‫بأسلوب سليم‪ ,‬ويقع في األخطاء كأن ال يعرف صلة الفعل بالفاعل‪ ،‬وأسلوب‬
‫الشرط أو القسم أو مواضع الهمزة أو الوصل والفصل وغيرها‪.‬‬

‫‪83 -Bernadette PLOT, comment écrire une thèse ou un mémoire, p :254 .‬‬

‫‪170‬‬
‫على الباحث أن يؤثر اإليجاز في الجمل مقام العموميات والكالم املجازي‪,‬‬
‫ّ‬
‫ولكن دون إفراط‪ ,‬خاصة إذا تعلق األمر بتوضيح ما غمض من اآلراء والتعليق على‬
‫ّ‬
‫النصوص‪ ،‬فكلما كان الباحث طويل النفس في التعليق على النصوص‪ ،‬كان أكثر‬
‫توفيقا في الوصول إلى النتائج وإصدار األحكام؛ وهذا يعني أن اإليجاز غير مرتبط‬
‫بالطول أو القصر‪ ،‬واالختصار‪ ،‬أو اإلطناب‪ ،‬بقدر ما هو مرتبط بطبيعة تكوين‬
‫الجملة التي يجب أن تؤدي املعنى بأقل ما يمكن من األلفاظ؛ كأن تكون هناك جمل‬
‫فرعية بين املبتدأ والخبر في الجملة األصلية‪ ،‬أو أن يكثر الباحث من الجمل‬
‫االعت راضية‪ ،‬والجمل الشرطية‪ ،‬فيضيع جواب الشرط مثال‪.‬‬
‫‪ -‬إبراز شخصية الباحث أمر ضروري في البحث تدعيما الستقالليته في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصياغة وقدرته على الكتابة‪ ،‬وتمكنه من مادته‪ ،‬والتحكم في عناصر‬
‫ّ‬
‫موضوعه‪ ،‬ويتمثل ذلك في آرائه‪ ،‬وتعليقاته‪ ،‬ونقده‪ ،‬واستنباطه األحكام‪،‬‬
‫وتأصيله‪ ،‬وتبنيه للمواقف العلمية‪ ،‬ووسائله الحجاجية وعدم اإلكثار من نقل‬
‫النصوص املتشابهة‪ ،‬حيث إن كثرتها تحط من القيمة العلمية للبحث‪.‬‬
‫د ‪ -‬التقنيات املكملة لقواعد البحث‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الضمة والفتحة‬ ‫* ‪ -‬التشكيل‪ :‬واملراد به استعمال عالمات الضبط وهي‬
‫الشدة‪ ،‬عند االلتباس في بعض الكلمات‪ ،‬وهو ليس‬ ‫والكسرة والسكون‪ ،‬و ّ‬
‫ضروريا في مواضع اإلعراب في أواخر الكلمات‪ ،‬أما الضبط الكامل‪ ،‬فهو أشد‬
‫ضرورة في ضبط آيات القرآن وأحاديث النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم – وبعض‬
‫النصوص الت راثية كالنصوص الصوفية مثال‪( ،‬ويحمل الضبط في الكلمات‬
‫الغريبة في الشعر‪ ،‬كما يحسن في أشعار الشواهد واأللغاز النحوية التي يكثر‬
‫فيها التقديم والتأخير)‪ .84‬وكذلك األمثال والحكم‪.‬‬

‫‪ - 84‬حامد حنفي داود‪ :‬املنهج العلمي في البحث األدبي‪ ،‬ص ‪.159‬‬


‫‪171‬‬
‫* ‪ -‬عالمات الكتابة‪ :‬وهي ما يعرف بعالمات الوقف‪ ،‬ولقد آثرت استخدام‬
‫صياح‪ ،‬حيث رأى " أن ما اصطلح‬ ‫عالمات الكتابة مثلما أشار إلى ذلك إنطوان ّ‬
‫على تسميته عالمات الوقف عالمات ليست للوقف مثل‪ :‬الفاصلة‪ ،‬وعالمة‬
‫التوضيح وعالمة االقتباس وعالمة التفسير والعارضة‪ ،‬والعارضتان‪ ،‬إنما هي‬
‫لجعل الكتابة املصاغة أكثر أمانة في التعبير عن األفكار"‪85‬‬

‫إن في هذه العالمات سر ال يعرفه إال من أدرك أهمية املنهجية العلمية في‬
‫يعدها البعض املنفذ الذي‬ ‫الكتابة؛ فهي التي يتم بوساطتها الفهم واإلفهام‪ّ ،‬‬
‫تتنفس منه الجمل في النص إذا كان هو بمثابة البيت‪ ،‬كما تعد عناصر إيضاح‬ ‫ّ‬
‫تساهم في فهم نظام ال نص‪ ،‬بل إن صعوبة فهم نص كثي را ما يكون سببه غياب‬
‫هذه العالمات أو عدم تماسكها وعدم استعمالها بدقة‪ .‬إنها "تلعب دورا مهما في‬
‫ضبط الكتابة والقراءة‪ ،‬يمكن مقارنته بالدور الذي تقوم به إشارات املرور في‬
‫تنظيم حركة السير‪ ،‬أو الدور الذي تقوم به الحركات الجسمية والنب رات‬
‫الصوتية في توجيه داللة الخطاب الشفوي"‪ 86‬كما تقوم بدور أساس ي في ّ‬
‫التعرف‬
‫على املقصود من اللفظ داخل الجمل‪ ،‬فتضبط معانيها األساسية والفرعية‪،‬‬
‫ويدرك اتساقها‪ ،‬وانسجام خطابها‪ ،‬وهذا يعني أنها املسؤولة عن مقروئية نص‬
‫من النصوص‪.‬‬
‫في الدراسة التي قام بها إنطون صياح ملجم وعة من الكتب الحديثة‪ ،‬ومن‬
‫مجموع كل ألف كلمة‪ ،‬استنتج أن النسبة املئوية في استخدام عالمات الكتابة‬
‫تؤكد عدم إدراك الكتاب املحدثين ألهمية دور‬‫ّ‬
‫التي تت راوح بين ‪ 9,8‬و‪ 21,5‬باملائة‪،‬‬

‫‪ - 85‬إنطوان صياح‪ ،‬دراسات في اللغة العربية الفصحى وطرائق تعليمها‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكر اللبناني‪ ،‬بيروت‬
‫‪ ،1995‬ص‪.23‬‬
‫‪ - 86‬عمر أوكان‪ ،‬دالئل اإلمالء وأسرار الترقيم كتاب في أصول الترقيم والنحو‪ ،‬أفريقيا الشرق ‪-‬املغرب‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط ‪ ,1،1999‬ص‪.103‬‬
‫‪172‬‬
‫هذه العالمات في عملية تصوير املفاصل الفكرية التي تربط بين الجمل‬
‫واألفكار‪ ،‬وإن التف اوت في العدد املستعمل لهذه العالمات‪ ،‬يشير إلى عدم اكتناه‬
‫الكتاب لها‪ ،‬فيلجأون إلى التقليل منها وإلى نقل مواقع استعمالها‪ ،‬مما‬ ‫هؤالء ّ‬
‫يؤدي إلى توزيع جديد للمعاني التي تقصدها عالمات الكتابة في ربطها بين الجمل‬
‫والفكر‪ ،‬وفي تصويرها للعالقات القائمة على مستوى الشكل اللغوي الذي‬
‫تندرج األفكار في إطاره‪.87‬‬
‫‪ - 1‬عالمات الوقف‪ :‬إن هذا النوع من العالمات تقوم بوظائف هامة في‬
‫الوصول إلى تعبير مفهوم ودقيق وإدراك سهل للعالقات بين األفكار وطبيعة‬
‫العمليات املنطقية التي تجمع بينها‪ ،‬ويمكن حصرها في اآلتي‪:‬‬
‫* ‪ -‬النقطة (‪ :).‬توضع في نهاية الجملة التامة التي لم تختم باستفهام أو‬
‫تعجب‪ ،‬لتشير إلى تمام املعنى أو عند االنتهاء من الكالم‪ ،‬لتشير إلى استقالله عما يأتي‬
‫داللة وإعرابا كما في قولنا‪ :‬في البدء خلق هللا السماء واألرض‪ .‬كما تستعمل عند‬
‫نهاية كل فقرة‪ ،‬وال تستعمل في نهاية األبيات الشعرية‪.‬‬
‫* ‪ -‬ا لنقطتان العموديتان أو نقطتا التفسير‪ ):( :‬وظيفتهما التوضيح‪،‬‬
‫وتستعمالن‪:‬‬
‫‪ -‬بين القول واملقول‪.‬مثل‪ :‬حدثنا عيس ى بن هشام قال‪ :‬كنت في نيسابور‪...‬‬
‫‪ -‬بين الش يء وأقسامه‪.‬مثل‪ :‬نذكر من االتجاهات السيمسائية‪:‬‬
‫سيميولوجيا التواصل‪ ،‬الداللة‪ ،‬الثقافة‪.‬‬
‫‪ -‬قبل التمثيل‪ :‬وذلك بعد ك لمة مثل التي ليست للتشبيه‪.‬‬
‫‪ -‬في الهامش للفصل بين الكاتب والكتاب‪ ،‬مثل‪:‬التوحيدي (أبو حيان)‪:‬‬
‫كتاب اإلشارات اإللهية‪.‬‬

‫‪- 87‬يراجع إنطوان صياح‪ ،‬ص‪.26‬‬


‫‪173‬‬
‫‪ -‬عند إدخال استشهاد مثل‪ :‬وفي هذا قال هللا سبحانه وتعالى‪ :‬إنما‬
‫املؤمنون إخوة‪.‬‬
‫‪ -‬بعد عنوان فرعي‪.‬‬
‫* ‪ -‬الفاصلة‪ )،( :‬وتستعمل‪:‬بين األجزاء املتجانسة في الجملة‪ ،‬على شرط‬
‫أن تكون هذه األجزاء غير موصولة بأداة عطف وفي املواضع اآلتية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بعد لفظ املنادى‪.‬‬
‫مثال‪ :‬يا عبد هللا‪،‬‬
‫ب ‪ -‬بين املعطوف واملعطوف عليه‪.‬‬
‫مثال‪ :‬مستويات النص اللسانية هي‪ :‬الصوتي‪ ،‬والصرفي‪ ،‬والتركيبي‪،‬‬
‫والداللي‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬بين جملة الشرط وجملة جواب الشرط‪.‬‬
‫مثال‪ :‬إذا كتبت بحثا دون منهجية‪ ،‬فكأنك لم تفعل شيئا‪.‬‬
‫د ‪ -‬بين القسم والجواب‪.‬‬
‫مثال‪ :‬وهللا لئن التزمت بشروط البحث العلمي‪ ،‬لتصبحن باحثا متمي زا‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬قبل الجملة الحالية مثل‪ :‬ال تجلس إلى الطعام‪ ،‬وأنت شبعان‪.‬‬
‫و ‪ -‬قبل وبعد بدل‪ ،‬أو عطف بيان‪ ،‬يليه صفة أو مضاف إليه‪ ،‬أو ما هو‬
‫أطول من ذلك مثل‪ :‬في أيام األمير بشير‪ ،‬حاكم لبنان‪ ،‬ساد األمن والعدل في‬
‫أنحاء الجبل‪88.‬‬

‫* ‪ -‬الفاصلة املنقوطة أو القاطعة(؛) تستعمل بين جملتين يكاد يكون معنى‬


‫متغي را مثل قولي‪ :‬نجحت‬ ‫كل منها تاما‪ ،‬ويكون موضوع الكالم بين األولى والثانية ّ‬

‫‪ - 88‬مارون غضن "عالمات الوقف في اللغة العربية وكيف نستعملها" مجلة الهالل ‪ 37‬فيفري ‪ 1929‬ع‬
‫‪ ،10011‬ص ص‪576- 573‬‬

‫‪174‬‬
‫عبير في االمتحان؛ وإل يك الطريقة التي أتبعتها‪ .‬العلم مفيد لإلنسان؛ هو الذي يدلنا‬
‫على وجود الخالق‪ ،‬وعلى ما يجب علينا فعله؛ فموضعها إذن بين جملتين تكون‬
‫الثانية سببا في األولى‪ .‬وتسبق ألن ولكي ولهذا‪ ،‬كما تستعمل في الجملة الطويلة‬
‫املعقدة أو الجملتين املرتبطتين في واملعنى دون اإلعراب‪ ،89‬مثل‪ :‬إذا رأيتم الخير‬
‫فخذوا به؛ وإذا رأيتم الشر فدعوه‪.‬‬
‫* ‪ -‬عالمة االستفهام (؟)‪ :‬تستعمل في نهاية جملة االستفهام سواء كانت‬
‫مقدرة‪ .‬ويشترط في االستفهام أال يكون معلقا‪ ،‬أو‬ ‫أداة االستفهام ظاهرة أم ّ‬
‫معموال لعامل نحوي أما إذا كان معلقا‪ ،‬أو معموال لعامل نحوي؛ فحينئذ‪ ،‬ال‬
‫توضع له عالمة‪.‬‬
‫فنكتب‪ :‬ال أدري أسافرت سيرين أم ليس بعد‪.،‬وال نكتب‪ :‬ال أدري‬
‫أسافرت سيرين أم ليس بعد؟‪90‬‬

‫* ‪-‬عالمة التعجب (!)‪ :‬ونستعمل مصطلح التعجب تعميما ملختلف‬


‫االنفعاالت التي تستعمل للداللة عليه؛ لذلك ّ‬
‫سماها عمر أوكان عالمة االنفعال‬
‫وسماها غصن عالمة الهتاف‪ ،‬ومواضعها نهاية جمل‪ :‬التعجب‪ ،‬التمني‪ ،‬اإلغراء‪،‬‬ ‫ّ‬
‫التحذير‪ ،‬الدعاء‪ ،‬التأسف‪ ،‬االستغاثة‪ ،‬الفرح أو الحزن‪ ،‬وفي نهاية الجمل‬
‫املبدوءة بنعم وبئس وحبذا‪ ،‬أو السؤال االستنكاري‪.91‬‬
‫* ‪ -‬نقاط الحذف(‪ )...‬وهي نقط توضع مكان ما يضمر من كالم داخل‬
‫النص بهدف االخت زال‪ ،‬تجاوزا لك الم فيه شرح أو تمثيل أو تكرار أو غير ذي‬
‫أهمية وهي‪ :‬ثالثة نقاط ‪ ،‬قد نستعيض عنها في آخر الكالم خاصة بمختصر إلى‬
‫آخره" إلخ" دون أن نلحق به نقاطا أخرى‪.‬‬

‫‪- 89‬عمر أوكان ‪ ،‬ص‪.112‬‬


‫‪- 90‬املرجع نفسه ص‪.115‬‬
‫‪- 91‬يراجع املرجع نفسه ص ‪.116‬‬
‫‪175‬‬
‫ّ‬
‫‪- 2‬عالمات الحصر‪ :‬وهي نوع من العالمات التي تتمثل وظيفتها في حصر‬
‫الكالم أو اإلشارة إليه‪ ،‬لتفريقه عن كالم سابق الختالف مصدره أو ألهميته‪،‬‬
‫ّ‬
‫وتتمثل في‪ :‬الشرطة‪ ،‬املزدوجان‪ ،‬الهالالن‪ ،‬املعقوفان‪ ،‬والحاضنتان‪.‬‬
‫* ‪-‬الشرطة ( ‪ :)-‬تسمى أيضا العارضة وتستعمل في عدم مواضع‪:‬‬
‫‪ -‬في بداية الجملة االعت راضية وآخرها‪.‬‬
‫‪ -‬بدل تكرار األسماء التي تتكرر في الحوار‪.‬‬
‫‪ -‬بين العدد واملعدود‪.‬‬
‫‪ -‬للداللة على امتداد استشهاد من صفحة إلى أخرى في كتاب تم منه‬
‫االقتباس‪ .‬مثل‪ :‬عمر أوكان‪ :‬دالئل اإلمالء وأسرار الترقيم‪ ،‬ص‪.126- 122 :‬‬
‫لتعداد األفكار الجزئية أو أقسام الش يء في بداية السطر وتكون بعد‬
‫الرقم أو منفردة (مثل حديثنا الحالي عن عالمات الحصر)‬
‫* ‪ -‬املزدوجتان" " وهما عالمتا التنصيص وتستعمالن في حاالت عديدة‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -‬لحصر الكالم املستشهد به وتمييزه عن كالم املؤلف‪ ،‬إذا كان مأخوذا‬
‫بحذافيره‪ ،‬أو بداخله حذف محصور بين ثالث نقاط‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬إلبراز عناوين الكتب أو املقاالت أو املصطلح املكافئ للفظ بلغة أخرى ‪،‬‬
‫أو التركيز على مصطلح يشير إلى نظرية ّ‬
‫معينة‪.‬‬
‫* ‪ -‬القوسان"()" ويستعمالن غرض حصر املصطلحات أو أسماء األعالم‬
‫األجنبية أو الجمل التفسيرية أو بعض ألفاظ الدعاء‪ ،‬وحصر أرقام الوالدة‬
‫والوفاة‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫* ‪-‬املعقوفتان "[ ]" ويستعمالن بغرض حصر نقاط الحذف في‬
‫االستشهاد حتى يتبين أنه ليس أصليا كالم الكاتب‪ ،‬بل هو من فعل املستشهد‪.92‬‬
‫يميزه عن الكالم املقتبس وقد يكون بهدف‬ ‫أو لزيادة من وضع املستشهد لكي ّ‬
‫التصحيح أو اإلحالة إلى التاريخ‪ ،‬أو توضيح القصد‪ ،‬أو لفت نظر‪،‬‬ ‫التوضيح أو ّ‬ ‫ّ‬
‫أو غير ذلك‪.‬‬
‫* ‪ -‬الحاضنتان "{ }"‪ :‬تستعمالن فيما له عالقة باملنطق والرياضيات‬
‫ونجدها خاصة في الرسوما ت والنماذج املنطقية والرياضية املرتبطة بالتوجه‬
‫البنيوي والسيميائي مثال‪.‬‬
‫إن عالمات الكتابة من التقنيات املساعدة على ضبط الكالم وفهمه‪ ،‬كما‬
‫أنها عامل مهم في تجاوز العموميات واملجاز وكثير من الصيغ الذاتية في البحث‬
‫العلمي‪ ،‬وهي تقتض ي دقة وصب را من الباحث‪ ،‬يجد نتيجتهما في الصورة املنهجية‬
‫التي يرى بها القراء بحثه‪.‬‬
‫مالحظة‪ :‬إن في اللغة العربية من أدوات الربط ما يمكن االستعاضة به‬
‫عن الفاصلة مثل‪ :‬الواو والفاء وثم وأو ‪ ،‬فإذا اعترض أحد على أهمية هذه‬
‫األدوات وخلو الكتابات القديمة من عالمات الوقف الحديثة‪ ،‬حيث" لم يكن‬
‫املؤلفون والنساخ يعنون في األغلب بتنظيم مادة النص‪ ،‬كما هو متعارف عليه‬
‫في عصرنا من حيث بداية الفقرات ووضع النقط عند انتهاء املعاني‪ ،‬ووضع‬
‫وتميزها‪ ،‬بل يسردون الكالم سردا ويوردونه متتاليا"‪.93‬‬ ‫الفواصل التي تظهرها ّ‬
‫نرد هذا االعت راض بأمرين‪:‬‬‫ّ‬
‫األول‪ :‬إن العرب كانوا يستعملون أدوات الربط املعروفة التي هي من‬
‫خصائص التعبير العربي‪ ،‬والتي ّ‬
‫تيسر عملية الفهم إلى حد ما‪ ،‬كما أننا نقرأ كتاباتهم‬

‫‪ - 92‬يراجع أمثلة عمر أوكان التوضيحية في الكتاب املذكور‪.‬‬


‫‪ - 93‬بشار عواد ضبط النص والتعليق عليه‪ ،‬مؤسسة الرسالة للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ‪ ، 1983‬ص‪.8‬‬
‫‪177‬‬
‫بعد أن أعاد املحققون تنظيم مادتها؛ فقد سعوا بكثير من التفاني إلى الوقوف على‬
‫عالمات الكتابة‪ ،‬وترتيب الفقرات‪ ،‬ثم إن الهيئة التي وصلت بها إلينا كتبهم كانت‬
‫تستجيب لطبيعة النقلة من مرحلة الشفاهية إلى مؤسسة الكتابة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬إن دعوة بعض املعاصرين من الكتاب والباحثين إلى إلغاء‬
‫يعد إهدارا ألهم وسائل‬ ‫عالمات الربط بحجة عدم الدقة أو بغيرها من الحجج‪ّ ،‬‬
‫االتساق في النص؛ ولذلك نقرأ في كتاباتهم جمال بسيطة وفقرات ال تكاد ّ‬
‫تتعدى‬
‫الجملتين أو الثالث‪ ،‬فال نحس فيها بما ّ‬
‫يمت إلى العربية بصلة‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬حل إشكاالت التحرير‪:‬‬
‫يستحسن أن يسحب البحث بعد تحريره على الحاسوب لكي تتم‬
‫مراجعته‪ ،‬وتصحيح ما وقع فيه الباحث من أخطاء‪ ،‬ويكون ذلك بمراعاة األمور‬
‫التالية‪:‬‬
‫* انسجام األسلوب ووحدته‪ :‬يمكن أن تستغرق عملية التحرير‬
‫يحرر الباحث فصال‬ ‫مدة طويلة وخاصة في بحوث الدكتوراه‪ ،‬فقد ّ‬
‫تفرض ظروف معينة على الباحث أن يتوقف بعده‪ ،‬وأثناء ذلك‪ ،‬قد تنمو‬
‫ّ‬
‫وتتعدد‪ ،‬وبالتالي تحدث تغيي را في أسلوب الكتابة عنده‪،‬‬ ‫قراءات الباحث‬
‫حرر بعد مدة فصال آخر‪ ،‬وجد الفرق واضحا في الصياغة‬ ‫حتى إذا ّ‬
‫وطريقة التنظيم وبناء العبارة‪ ،‬وثراء اللغة‪ .‬وتفاديا لهذا التفاوت‪ ،‬على‬
‫الباحث أن يعيد قراءة كل ما كتب إلحداث االنسجام‪ ،‬وبما أننا غالبا ما‬
‫نجد مشقة في تحرير الصفحات األولى من فصل أو من البحث‪ ،‬يكون‬
‫هناك بعض الغموض في األسلوب‪ ،‬أو الشرح وال تعليق الذي ال طائل‬
‫منهما؛ لذلك تعد عملية مراجعة البحث بأكمله ضرورية من أجل إحداث‬
‫الوحدة واالنسجام واالتساق‪ ،‬وال بأس أن يستعين الباحث بزميل له أو‬
‫أستاذ يراجع له األسلوب‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫ّ‬
‫* مراعاة أال تكون بداية حديثه باستشهاد؛ أي ال يقتبس الباحث نصا‬
‫يمهد بالفكرة املوجودة في هذا االستشهاد؛ ألن‬‫يبدأ به الحديث‪ ،‬بل عليه أن ّ‬
‫اقتباس نص ووضعه في بداية فصل أو باب يقترح عالقة ضحلة بين الخطاب‬
‫الذي تحويه واملشروع الحجاجي للباحث‪ ،‬ومثلما هو التمهيد ضروري لكل باب‬
‫أو فصل قبل الدخول في تحليل عنصر من اإلشكالية‪ ،‬كذلك يعد االنتهاء بذكر‬
‫يسهل للقارئ‬‫النتا ئج التي توصل إليها في نهاية كل فصل أو باب‪ ،‬أمرا مهما؛ ألنه ّ‬
‫ملخصة ويساعده على استنباط األحكام‬ ‫عملية استيعاب العناصر املذكورة ّ‬
‫مما قرأ‪.‬‬
‫* النظر في اإلحاالت‪ :‬كما يقدم الباحث ِويؤخر في األفكار والنصوص؛ عليه‬
‫أيضا أن يقدم ويؤخر في اإلحاالت وأرقامها‪ ،‬فيبقي على الضروري من هذه‬
‫اإلحاالت‪ ،‬ويحذف الثانوي وغير املهم من أغلبه؛ ألن النصوص التي يستغنى عنها‬
‫نهائيا‪ ،‬يقوم الحاسوب بإلغائها آليا‪.‬‬
‫تغيب املادة آراء الباحث ‪ ،‬أي ال يبدو البحث تجميعا لنصوص‪،‬‬ ‫* عدم ّ‬
‫تعكسها الرتابة والتشابه في األفكار وضخامة اإلحاالت في الهامش‪ ،‬وباملقابل ال‬
‫نحس رتابة وتشابه في أفكار ال تكون سوى تمطيط وتنويع على فكرة‬ ‫ّ‬ ‫يمكن أن‬
‫ّ‬
‫واحدة‪ :‬هي فكرة الباحث دون أن يدلل عليها برأي مخالف‪.‬‬
‫يرد كل جملة اقتبسها إلى‬‫* األمانة في االقتباس‪ :‬يجب على الباحث أن ّ‬
‫مصدرها وذلك بوضعها بين عالمتي تنصيص لتمييزها عن نص البحث‪ ،‬وتدوين‬
‫املصدر والصفحات التي يقتبس منها معلوماته في الهامش‪ .‬وعليه أن يحسن‬
‫اإلحالة‪ ،‬الصريحة منها والضمنية‪ ،‬وذلك بحسب ما تفرضه النصوص؛ فإذا كانت‬
‫تشابه وتوافق رأي الباحث‪ ،‬فاإلحالة تكون ضمنية‪ ،‬حيث يورد النص دون اإلشارة‬
‫إلى صاحبه‪ ،‬أما عندما يذكر اسم صاحب الرأي أو النص‪ ،‬فذلك يعني‪ ،‬أن هناك‬
‫اختالفا في وجهات النظر أو أن في النص ما يثير الجدل والتناقض‪.‬‬
‫‪179‬‬
‫‪ -‬إمكانية التغيير في النص املقتبس بإضافة الجديد فيه‪ ،‬بهدف‬
‫ويتم ذلك بحصر الكالم املضاف بين قوسين؛ كما يمكن‬ ‫التوضيح أو اإلحالة‪ّ ،‬‬
‫التغيير بحذف جزء من النص املقتبس‪ ،‬ووضع ثالث نقاط أفقية بين قوسين‬ ‫ّ‬
‫محل املحذوف‪.‬‬
‫‪ -‬مراجعة نظام الفقرات‪ :‬يعد تعيين الفقرة وسيلة لتنظيم النص؛ ألن‬
‫تكون وحدة مستقلة ذات‬ ‫تتضمنها ّ‬
‫ّ‬ ‫بداية الفقرة تقدم انطباعا بأن املادة التي‬
‫فكرة أساس واحدة ومرتبطة في الوقت نفسه بالسياق العام ملجموع النص‪.94‬‬
‫يجب ال حرص على أال تبدو الورقة فقرة واحدة‪ ،‬وعلى الباحث مراجعة‬
‫طبيعة األفكار في النص بالفصل بين أجزاء الفكرة العامة وتقسيمها إلى أفكار‬
‫جزئية‪ ،‬وذلك من خالل التفريق بين األفكار القائمة على الوصف أو التحليل‬
‫واملقارنة واالستنتاج‪ ،‬وإعادة توزيعها حتى تسهل عملية التلقي البصري للنص‬
‫قبل تسهيل فهمه وقراءته‪ .‬وعلى الباحث أن يكتب األفكار الجزئية بطريقة‬
‫موضحة بعالمات الكتابة أو ببداية سطر جديد بحسب األهمية‪ ،‬تميي زا لها عن‬ ‫ّ‬
‫األفكار التي قبلها وبعدها‪ ,‬وذلك من أجل تسهيل عملية الفهم واالستيعاب‪.‬‬
‫‪ -‬مراعاة نظام الورقة األكاديمية‪:‬وكنتيجة لكل هذا‪ ،‬ال يجب أن تكون‬
‫يتخلل السواد بعض من بياض‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ويتم‬ ‫الورقة مكثفة مملوءة‪ ،‬بل يجب أن‬
‫يحل إشكاالت التحرير كلها‪ ،‬بدءا من‬ ‫للباحث تحقيق هذا النظام‪ ،‬عندما ّ‬
‫طبيعة الجملة العلمية إلى نظام الفقرة فتحقيق عالمات الترقيم وتنظيم‬
‫اإلحاالت‪ ،‬وهذا نموذج شكلي للورقة األكاديمية‪:‬‬

‫‪ - 94‬يراجع بشار عواد‪ ،‬ضبط النص والتعليق عليه‪ ،‬ص‪.8‬‬


‫‪180‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬
‫‪،‬‬ ‫؛‬
‫‪.‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬
‫؛‬
‫‪،‬‬
‫‪.‬‬

‫؛‬ ‫‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫‪،‬‬
‫تلخيص‬ ‫‪/‬‬
‫؛‬
‫‪)1( .‬‬

‫‪.‬‬
‫‪،‬‬ ‫"‬
‫؛‬
‫؛‬ ‫‪ .‬؛‬
‫؛‬
‫اقتداس‬ ‫؛‬
‫(‪)2‬‬
‫‪".‬‬ ‫‪،‬‬
‫؛‬
‫‪،‬‬
‫‪،‬‬
‫؛‬
‫‪.‬‬

‫‪ - 1‬يراجع إحسان عباس‬


‫‪181‬‬
‫‪ - 2‬أدونيس‬

‫‪182‬‬
‫‪ - III‬تحرير املقدمة ‪ -‬التمهيد – والخاتمة‬

‫‪ - 1‬املقدمة‪:‬‬
‫ّ‬
‫تولد أولى مواد املقدمة منذ اليوم األول الذي فكر الباحث فيه بالبحث‪،‬‬
‫يسجل من موادها شيئا على بطاقة مستقلة أو في‬ ‫وتظل تعيش معه‪ ،‬وربما ّ‬
‫حاشية بطاقة ما‪ ،‬أو في الدفتر املساعد‪ .‬إنها بمثابة "إعالن ‪ّ annonce‬‬
‫يحدد‬
‫العناصر األساسية للعملية الحجاجية التي ّ‬
‫تنمى فيما بعد"‪95‬‬

‫يبدأ فيها الباحث بتقديم أهمية املوضوع‪ ،‬وسبب اختياره له‪ ،‬وطبيعة‬
‫يتعرض إلى نقدها وبيان أهميتها ومدى معالجتها‬ ‫الدراسات املنشورة عنه‪ ،‬كما ّ‬
‫ّ‬
‫املسجلة‪ ،‬وما هي‬ ‫للموضوع‪ ،‬وزاوية الرؤية التي نوقش منها املوضوع‪ ،‬والنقائص‬
‫اإلضافات التي يعتزم تقديمها إلى ما كتب عن هذا املوضوع‪.‬‬
‫ال يمكن أن يكون الحديث عن هذه النوايا في شكل إجابات مسبقة‪ ،‬بل عبارة‬
‫عن تساؤالت وافتراضات تعد بمثابة مقدمات حجاجية سوف يؤكدها بالنتائج التي‬
‫توصل إليها في الخاتمة‪ ،‬وفي إمكان الباحث أن يثني في نهاية املقدمة على كل من‬ ‫ّ‬
‫ساعده في املكتبة واإلشراف‪ ،‬وأعانه على إنجاز بحثه‪.‬‬
‫ّ‬
‫املفضل في‬ ‫يتأمل الباحث قليال ويكتب مراعيا واضعا في اعتباره أن‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫املقدمة أن تكون مركزة‪ ،‬واصفة شاملة لكل أسئلة اإلشكالية واملنهج‪ ،‬ولذلك‬
‫يجب التركيز فيها على النقاط اآلتية‪:‬‬
‫* ‪ -‬تحديد املوضوع من حيث الجدة والزمان واملكان‪ ،‬ثم تعيين العنوان وتبرير اختيار‬
‫وضحناه في عملية اختيار املوضوع‪ .‬وقد يذكر الباحث من سبقه إلى‬ ‫صياغته مثلما ّ‬
‫دراسة املوضوع من زوايا أخرى مختلفة ّ‬
‫عما يعتزم هو القيام به‪.‬‬
‫* – عرض الخطة بجميع عناصرها وتعليل طريقة تقسيمها وتناسقها وتوضيح‬
‫أسئلتها‪ ،‬وذلك بعرض األهم من تلك األسئلة‪ ،‬حتى يتسنى للقارئ التنبؤ بما‬
‫يمكن أن يكون عليه البحث‪.‬‬

‫‪95 - Bernadette PLOT p 213‬‬

‫‪183‬‬
‫* – شرح املنهج ّ‬
‫املتبع وتبرير عالقته باملوضوع واإلشكالية‪ ،‬فإذا كان مستعمال‬
‫من قبل يكتفي باإلشارة إليه‪ ،‬وتوضيح ضرورة االعتماد عليه‪ ،‬أما إذا كان ّ‬
‫سباقا‬
‫إلى تطبيق منهج معين‪ ،‬فعليه أن يعرض له أو يعقد له تمهيدا بعد املقدمة‬
‫للتعريف به؛ مما يؤكد أن عرض املنهج‪ ،‬بالنسبة للباحث‪ ،‬ليس غاية في حد‬
‫ّ‬
‫ذاته‪ ،‬ألنه ال ينبغي أن يتحدث عن املنهج‪ ،‬ولكن عن النتائج مكنه املنهج من‬
‫الوصول إليها"‪96‬‬
‫ّ‬
‫مالحظة‪ :‬شاع –خطأ ‪ -‬في أوساط الباحثين أن املقدمة ال ترقم ألنها‬
‫ليست من البحث‪ ،‬وإذا وقفنا على وظائف املقدمة ّيتضح لنا أن بحثا بدون‬
‫مقدمة كجسم بال رأس‪.‬‬

‫‪ - 2‬التمهيد‪:‬‬
‫ظل التمهيد‪ ،‬إلى فترة قريبة‪ ،‬قسما يتناول فيه الباحث الخلفية التاريخية‬
‫للظاهرة املدروسة حتى قيل‪ :‬إن الباحث في التمهيد هو أقرب إلى املؤرخ منه إلى‬
‫فيتعرض فيه إلى األسباب التي ساهمت في تكوين‬ ‫ّ‬ ‫الباحث في مجال غير التاريخ‪،‬‬
‫الظاهرة أو تطورها‪ ،‬أو كانت مسؤؤلة عن توقفها‪ ،‬وهي غالبا ما تكون سياسية أو‬
‫يتكفل التمهيد بالتعريف بمدرسة أدبية ما أو بمنهج‬‫اجتماعية أو ثقافية‪ ،‬وقد ّ‬
‫معين‪ ،‬وخاصة إذا كان البحث تأسيسيا‪ ،‬غير أن تبني وظيفة التمهيد هذه‪ ،‬بهذه‬ ‫ّ‬
‫الطريقة‪ ،‬كشف عن عدة مشاكل أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬فصل الظاهرة املحللة عن جانبها التاريخي أثناء التحليل مما يضطر القارئ‬
‫إلى إحداث الربط‪ ،‬ويكون قد قام بما يجب أن يقوم به الباحث‪.‬‬
‫‪ -‬ضعف التحليل وسطحيته أحيانا‪ ،‬العتقاد الباحث أن ما قاله في‬
‫التمهيد ال يجب أن يكرره في التحليل‪.‬‬
‫قد تدفع ضرورة التمهيد إلى اإليغال في الجوانب التاريخية التي ال تقدم‬
‫شيئا للباحث‪ ،‬وهذا ما جعل بعض الباحثين يعقدون فصال أو بابا نظريا كامال‬

‫‪96- voir Hélene MERLIN, la dissertation littéraire, collection MEMO, seuil, paris:1996, p: 73.‬‬

‫‪184‬‬
‫ّ‬
‫وقد تستهلكهم الخلفية النظرية فيتخلون عن البحث الحقيقي‪ ،‬وهو تحليل‬
‫اإلشكالية واإلجابة عن أسئلتها‪ ،‬ولذلك كثي را ما نجد اإلشكالية في بعض البحوث‬
‫تعالج في آخر فصل منها‪.‬‬
‫إن إقامة التمهيد بهذه الطريقة يفقد الباحث القدرة على إدراك‬
‫العالقات بين السبب واملسبب ‪ ،‬ومن ثمة إمكانية استنباط األحكام؛ ألن املادة‬
‫النظرية تمارس سلطتها على الباحث كما يمارس املاض ي أحيانا سلطته على‬
‫اإلنسان‪ ،‬فيتركه أسي را له ال يستطيع ااالنفالت منه‪.‬‬
‫ال يعني هذا‪ ،‬التغاض ي عن التمهيد لحساب تحليل الظاهرة دون ربطها‬
‫بسياقها الذي قد يكون له دور كبير في فهمها ومقارنتها والوقوف عند طريقة‬
‫ّ‬
‫تشكلها‪ ،‬مثل ما يفعله املنتصرون للمحايثة من خالل مناهج شكلية ال طعم فيها‬
‫تصر على عدم أهمية الخلفية السياقية‪- ،‬على الرغم من التأثير‬ ‫وال رائحة‪ّ ،‬‬
‫الصحي في املنهجية العلمية لها ‪ -‬إنما غاية ما في األمر أن يحاول الباحث استثمار‬
‫تلك الخلفية في فهم وتحليل وتأويل الظاهرة املدروسة‪ ،‬فكثي را ما ينجح الباحث‬
‫إذا ما قرأنا أثناء تحليله إحاالت لخلفية ما تكون بمثابة التدليل أو التبرير على‬
‫املحاجة بها؛ لذلك فأفضل طريقة هي أن يحاول الباحث اإلشارة‬ ‫ّ‬ ‫حكم ما أو‬
‫املركزة إلى هذه الخلفية التاريخية أ و النظرية في املقدمة ويستثمر التفاصيل‬
‫أثناء التحليل‪.‬‬
‫وألن معالم الخلفية التاريخية تؤثر بشكل كبير في إدراك الباحث‬
‫للموضوع واإلشكالية املطروحة‪ ،‬ينبغي على الباحث أن يكون واعيا بهذه املعالم‬
‫غير جامع لها والوعي بها‪ :‬هو أن يدرك العالقات بين الخلفية واإلشكالية‪ ،‬كما‬
‫يجب أن يعتقد كذلك باألثر النسبي لها‪ ،‬وبأن ما يكتب عنه قد يكون حقيقة‬
‫يشترك فيها مع غيره‪ ،‬وأن ّ‬
‫التميز و ّ‬
‫التفرد يكون في مدى قدرته على تأويل الظاهرة‬
‫في عالقتها بالخلفية‪ ،‬أما الجهد املبذول لهذه العملية؛ فليس فيما تقترحه عليه‬
‫ّ‬
‫انطباعاته‪ ،‬بل يجب أن يكون مسلحا بمفاهيم ومصطلحات ومنهج يضمن له‬
‫االتزان بين الذاتية واملوضوعية‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫املتميزون من الباحثين‬‫إن من يلقي نظرة سريعة إلى ما يكتبه الغرب‪ ،‬و ّ‬
‫الدسمة التي تفتح آفاق‬ ‫العرب في بحوثهم األكاديمية‪ ،‬تلفت انتباهه تلك املقدمات ّ‬
‫وتقرب املسافة بين القارئ ومضمون البحث‪ ،‬ف تؤدي وظيفة تعريفية‬ ‫التلقي‪ّ ،‬‬
‫دل على ش يء‪ ،‬إنما‬ ‫حجاجية إلى جانب الوظيفة االستهاللية التواصلية‪ ،‬وهذا إن ّ‬
‫يدل على الطريقة العلمية لالستجابة للسياق؛ أما من يجهد نفسه بعرض فصل‬
‫تمهيدي ال عالقة له بما سيأتي فإنه ينظر إلى التاريخ من مسافة غير مالئمة‪ ،‬تبدأ‬
‫بعدم القدرة على إدراك القيم املؤثرة في املوضوع‪ ،‬وتنتهي إلى سوء تأويلها‪.‬‬
‫إن التمهيد العلمي‪ ،‬هو الذي يستطيع فيه الباحث أن يدرك القيم‬
‫الواضحة واملؤثرة في اإلشكالية‪ ،‬وأن يدرك العالقات‪ ،‬ويكتشف املعاني‬
‫ضمنه في‬‫والدالالت‪ ،‬وإذا ما تم له ذلك‪ ،‬فسواء عقد لبحثه تمهيدا مستقال أو ّ‬
‫عبر عن وعيه‬ ‫قسمه بين الفصول يستهلها به‪ ،‬يكون قد ّ‬ ‫املقدمة‪ ،‬أو ّ‬
‫االبستمولوجي للظاهرة وتجاوز عوائق االستجابة التامة لها‪.‬‬
‫‪ - 3‬الخاتمة‪ :‬إذا كانت الغاية من املقدمة هي تقريب املوضوع من القارئ‪،‬‬
‫فإنها كذلك تقدم باعتبارها املكان املفضل الذي يتضح فيه انسجام وتطور‬
‫النص‪ ،‬ف االنسجام الذي قد يخفى على القارئ طيلة قراءته للبحث؛ نظرا‬
‫النصباب اهتمامه على النقاط الجزئية أثناء التحليل‪ ،‬تقوم الخاتمة بدور‬
‫اقتناصه من أهم ما قيل من منظور ما أعلن عنه في املقدمة‪97‬‬

‫إن لحظة الخالصة هي تقرير للنتائج العامة وما وصلت إليه عمليات‬
‫التحليل املختلف ة أثناء التحرير‪ ،‬قد تذكر عند نهاية كل فصل ثم يعاد تركيبها في‬
‫الخاتمة‪ ،‬بهدف رؤية خالصة البحث في انسجامها ووحدتها‪ ،‬وهي في الحقيقة‬
‫ليست إال أجوبة على إشكالية البحث وفرضيته‪.‬‬
‫إنها‪ ،‬إذن‪ ،‬تقوم بالتذكير بما سبق وبما له عالقة باإلشكالية‪ ،‬وال يعني‬
‫هذا إعادة نقل ما ورد في املقدمة من صيغة التساؤل إلى صيغة التأكيد‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫تكرار مسطح لبعض املعادالت املفاتيح لتحليل املوضوع‪ ،‬وإنما هي عملية‬

‫‪97 -voir bernadette plot p 215‬‬

‫‪186‬‬
‫ّ‬
‫استرجاع ملجموع الب راهين بصيغة مقلصة‪ ،‬واالعتماد على وجهة نظر واضحة‬
‫من خاللها‪ ،‬هي رؤية من يعيد النظر في مسار البحث‪ ،‬واستخالص الدروس‪،‬‬
‫إنها اللحظة األولى التي يعيد فيها تأمل إشكالية املوضوع‪ ،‬ولكن في ضوء ما‬
‫تقدم‪ ،‬وليس في شكل افت راضات كما حدث في املقدمة‪.98‬‬
‫أما اللحظة الثانية ‪ ،‬فهي وظيفة االختتام ذاتها وهي تختلف عن التلخيص‬
‫واإلجابة عن اإلشكالية‪ ،‬إنها املستوى اإلشكالي الالحق مثلما ّسماه عبد املجيد‬
‫االنتصار في دراسته ملنهجية ابن رشد في كتبه وانطالقا من "فصل املقال"‪ ،‬حيث‬
‫تعد هذه اللحظة تفكي را في املستوى التركيبي كأساس إلشكالية أخرى تصدر عنها‪،‬‬
‫وتنبثق من داخلها‪ ،‬وذلك بإثارة أسئلة بحث أخرى ملوضوع آخر‪ ،‬تحضي را له‪،‬‬
‫وتحويال لكل جواب كي يصبح سؤاال جديدا ‪ .99‬يحق للباحث أن يخرج عن‬
‫موضوعه ليفتح النقاش على منظور أكثر شمولية‪ ،‬كأن ّ‬
‫يبين‪ ،‬مثال‪ ،‬بأي طريقة أو‬
‫من أي زاوية يمكن أن تدرس اإلشكالية أو ما هي اإلشكاليات األخرى التي يمكن أن‬
‫تدرس‪ ،‬أو األسئلة التي لم تستطع إشكالية البحث اإلجابة عنها‪.‬‬
‫مثال ذلك ما أورده الباحث خالد ميالد في خاتمة كتابه عن "اإلنشاء في‬
‫العربية بين التركيب والداللة‪ ،‬دراسة نحوية تداولية" حيث تناول ‪-‬كما هو‬
‫واضح من العنوان ‪-‬تحديد مفهوم اإلنشاء الذي اختلف القدامى في حدوده‬
‫وتوصل إلى تحديد اإلنشاءات من حيث مفهومها ومباحثها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اختالفا كبي را‪،‬‬
‫وتوقف عند ما ّ‬ ‫ّ‬
‫يميز به النظرية اللغوية العربية عن سائر النظريات الداللية‬
‫والتداولية الغربية الحديثة‪ ،‬وانتهى إلى القول‪ :‬أوال‪ :‬إن العالقة بين تلك‬
‫املعطيات (النفسية واألبنية املعرفية) والجهاز اللغوي مما يحتاج إلى بحوث‬
‫خاصة نأمل أن يسهم عملنا هذا في توجيه البحث إليها‪.‬ثانيا إننا نروم‬
‫بإنشائنا هذا املسلك في البحث اللغوي اإلسهام في إنارة بعض السبل في‬
‫إجراءات تحليل فن القول وأساليب الخطاب وداللتها‪ .‬ثالثا‪ :‬إننا نأمل أن‬

‫‪98 -voir Hélene merlin, p :74‬‬

‫‪ - 99‬يراجع عبد املجيد االنتصار‪" ،‬سؤال املنهجية في درس الفلسفة" املرجع السابق‪.‬‬
‫‪187‬‬
‫يكون بحثنا هذا مقدمة ملشروع أعم يتعمق دراسة مباحث اإلنشاء مبحثا‬
‫ّ‬
‫ويتسع لتحليل عالقاتها بإنشاءات البيان التخييلية"‪100".‬‬ ‫مبحثا‬
‫اعتقد علي جواد طاهر أن الخاتمة في البحث العلمي "يستحسن أال‬
‫املفضل فيها أال تزيد على عشر صفحات في بحث يزيد على ثالثمائة‬ ‫تطول‪ ،‬و ّ‬
‫صفحة‪ ،‬ألن طولها ّ‬
‫يضيع الفائدة التي وجدت من أجلها‪ ،‬وألن املادة التي يمكن أن‬
‫تطيل الخاتمة يحسن بها أن ترد إلى أماكنها املناسبة من فصول البحث"‪101.‬‬
‫ّ‬
‫إن مقاييس البحث العلمي أحيانا تتحكم فيها اعتبارات كثيرة‪ ،‬فقد‬
‫وجدت هناك مرحلة كان املهم فيها‪ ،‬هو التعريف بالت راث؛ لذلك كانت األسبقية‬
‫ّ‬
‫فيها إلى العرض أكثر من إعطاء الحكم‪ ،‬ولعله املنطلق الذي جعل علي جواد‬
‫التوجه العلمي الصارم الذي قاد العلوم‬ ‫ّ‬ ‫طاهر يقول بهذا الرأي؛ غير أن‬
‫اإلنسانية في نهاية القرن املاض ي‪ ،‬جعل الخاتمة كما املقدمة تنطوي على‬
‫وتنوع مناهجه‪ ،‬وتعطي‬ ‫ّ‬
‫للتقدم الهائل في البحث العلمي ّ‬ ‫وظائف أهم‪ ،‬وتستجيب‬
‫مجاال لردود الفعل واالعت راض من القراء‪ ،‬وهي طريقة اعتمدها علماء اإلسالم‬
‫في التعليم وال تأليف على حد سواء‪.‬‬
‫ليس املهم تلخيص رأي الباحث؛ ألن البحث مجرد رأي من بين آراء‪ ،‬بل‬
‫إن الباحث نفسه قد ال يسعفه املوضوع لعرضها جميعا أو عرضها كلها من‬
‫وجهة نظر أو زاوية واحدة‪ ،‬أما التكرار الذي ينتقد من خالله دور الخاتمة‪ ،‬فال‬
‫موجها إلزالة مواط ن الغموض‪ ،‬كأن يشرح الباحث‪ ،‬مثال‪ ،‬أثر‬ ‫ضرر منه إذا كان ّ‬
‫معنى مضمر في البحث قد يؤدي إلى اللبس‪ ،‬وهذا يعني أن إعادة ما قيل ال يكون‬
‫ّمبررا في الخاتمة إال إذا كان الهدف منه تطوير خطاب البحث في عالقته‬

‫‪- 100‬خالد ميالد‪ :‬اإلنشاء في العربية بين التركيب والداللة‪ ،‬دراسة نحوية تداولية‪ ،‬منشورات جامعة منوبة‬
‫واملؤسسة العربية للتوزيع‪ ،‬تونس‪ 2001 ،‬ص ‪624‬‬
‫‪ - 101‬علي جواد طاهر ص ‪130‬‬
‫‪188‬‬
‫ملخص يعيد بصيغة مختصرة ما قيل‬ ‫مجرد ّ‬
‫باإلشكالية املطروحة‪ ،‬أما إذا كان ّ‬
‫من قبل‪ ،‬فه ناك من ال يعتبره خاتمة‪.102‬‬
‫إن الخاتمة يجب أن تؤدي وظيفتها الحجاجية‪ ،‬فإذا كانت تحتوي على‬
‫تأكيدات موضوعية‪ ،‬فالحقيقة فيها تكون مدعومة باملنطق الذي سار به التحليل‬
‫في البحث‪ ،‬كما يمكن أن تعبر‪ ،‬أيضا‪ ،‬عن خطاب تأويلي‪ ،‬فبعدما كان الباحث في‬
‫عالقة مباشرة مع موضوع بحثه أ ثناء التحليل‪ ،‬يصبح في الخاتمة هو نفسه ّ‬
‫مقيما‬
‫تطورا في خطاب البحث‪ ،‬ويشكل‬ ‫يعد ّ‬‫لصياغاته‪ ،‬وهذا التقويم الذاتي نفسه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫خاتمة له‪ ،‬كما يعتبر أيضا ّ‬
‫تصورا جديدا يشكل موضوع تفكير جديد لباحث‬
‫آخر‪103.‬‬

‫ينبه إلى وجهات النظر املختلفة‪ ،‬أو‬‫لذلك كثي را ما أصبح نص الخاتمة ّ‬


‫يلفت النظر إلى طريقة مغايرة لدراسة املوضوع‪ ،‬أو يؤكد على سياق ّ‬
‫معين‬
‫للظاهرة مما يسمح له بعرض إشكاليات أخرى كانت غائبة عنه‪ ،‬أو أفرزتها‬
‫اإلشكالية التي يعالجها‪ ,‬وهذا من أجل الرقي بالبحث العلمي‪ ،‬مثلما فعل خالد‬
‫ميالد في املثال املذكور سلفا‪.‬‬
‫تتضمن الخاتمة خالصة القت راحات البحث تثبت في ذهن‬ ‫ّ‬ ‫كان املعتاد أن‬
‫ّ‬
‫وتتضمن أيضا أمورا جديدة عن‬ ‫القارئ النقاط األساسية في مجموع ما قرأه‪،‬‬
‫معلومات لم يسبق ذكرها‪ ،‬ولم يجد لها الباحث مكانا مناسبا في فصول‬
‫الكتاب‪ ،‬وآراء جديدة لم يكن من حقه أن يبديها في غضون بحثه؛ ألنها تعد‬
‫تتحول إلى مجرد لحظة للتلخيص‬‫ّ‬ ‫شخصية وذاتية‪ ،104‬وما زالت كذلك ما لم‬
‫‪،‬كما أوضحنا آنفا‪ ،‬يؤدي وظيفة تذكيرية فحسب‪ ،‬تدعو القارئ إلى املاض ي‬
‫ّ‬
‫وتثبت أفكارا وآراء قد تكون جازمة‪.‬‬

‫‪102- Bernadette plot ,p 217‬‬


‫‪103 -ibid,‬‬ ‫‪p 217‬‬
‫‪ - 104‬د‪ .‬علي جواد الطاهر‪ :‬منهج البحث األدبي‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪189‬‬
‫ّ‬
‫إن الخاتمة املثمرة هي التي تدفع القارئ نحو املستقبل وتوطن فيه‬
‫التساؤل وتخلق فيه العزم لكي يكتب في املوضوع من زاوية أخرى أو يستكمل‬
‫نقصا أو يضيف أهدافا وآليات أخرى للبحث العلمي‪.‬‬
‫‪ -‬كيفية وضع البحث في شكله النهائي‬
‫* الترتيبات النهائية‪:‬‬
‫بعد االنتهاء من مراجعة البحث وكتابة املقدمة والخاتمة‪ ،‬تأتي مسألة‬
‫ترتيب وتصنيف العناصر الرئيسية‪ ،‬التي اشتمل عليها املوضوع‪ ،‬وهي عملية‬
‫على جانب كبير من األهمية؛ ألن الشكل النهائي للبحث‪ ،‬هو الذي يلفت انتباه‬
‫ويتعرف على محتواه‪ .‬والكاتب البارع‪ ،‬هو الذي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتصفحه‬ ‫القارئ‪ ،‬ويدفعه لكي‬
‫منسق الئق‪ ،‬حتى يحظى باحت رام‬ ‫يحرص على تقديم إنتاجه لقرائه‪ ،‬في شكل ّ‬
‫الباحثين وينال تقديرهم‪ ،‬ويقبلون على اإلطالع عليه واالستفادة من املجهودات‬
‫القيمة التي بذلها فيه بقصد إثراء معلوماتهم في موضوع ّ‬
‫يهمهم‪ ،‬ومثلما يهتم‬
‫اإلنسان‪ :‬بسمعته‪ ،‬وكرامته‪ ،‬ولباسه‪ ،‬ونظافته‪ ،‬فال ّبد له من أن يهتم بالنوعية‬
‫يقيم أعماله الفكرية‪ ،‬ويصدر‬ ‫وحسن التنظيم في إنتاجه‪ ،‬ثم يسمح للقارئ‪ ،‬أن ّ‬
‫حكمه النهائي عليها‪ ،‬وفي العادة يحرص كل باحث على اتباع الترتيبات اآلتية‪،‬‬
‫عند وضع بحثه في شكله النهائي‪.‬‬
‫االختيار النهائي للعنوان األكاديمي‪ :‬قد ال يستطيع الباحث إعطاء العنوان‬
‫النهائي للبحث إال بعد االنتهاء من تحريره‪ ،‬وبعد التموضع في مسافة بعيدة منه‪،‬‬
‫فيدرك أن ما كت به يمكن أن يصاغ له عنوان مختلف كثي را أو قليال عما كان‪ ،‬وإذا‬
‫ما تراءى له هذا البديل‪ ،‬على الباحث أن يمتحنه بما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬التركيز على اإلشكالية من زاوية معينة‪ ،‬فتكون الصياغة بحسب تلك‬
‫اإلشكالية‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬صياغته بحسب املنهج املتبع‪ ،‬ويحذر أن يعبر العنوان عن نتيجة أو‬
‫حكم‪.‬‬
‫‪ -‬يكون مختصرا دقيقا غير طويل ممل‪.‬‬
‫‪ -‬كتابة فهرس املوضوعات‪ :‬وهو جزء من البحث يجب أن يولي الباحث‬
‫يتصفحه القارئ في الرسالة بعد العنوان‪ ،‬لذلك‬ ‫ّ‬ ‫له عناية كبيرة؛ ألنه أول ما‬
‫‪190‬‬
‫ّ‬
‫يجب أن يكون مرقما وذلك من أجل التعرف على الصفحات التي توجد فيها‬
‫العناوين الرئيسية والفرع ية‪ ،‬وألنه يعطي للقارئ نظرة شاملة عن املحتوى‪،‬‬
‫التعرف على الجزء الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يهمه والعثور عليه بسرعة بالرجوع إلى‬ ‫ويمكنه من‬
‫الصفحات‪ ،‬أما وضع الفهرس بعد املقدمة أو في األخير‪ ،‬فكالهما معتمد‪ ،‬وإن‬
‫كانت الطريقة األولى أيسر‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬املالحق‪ :‬إذا كانت هناك استبيانات‪ ،‬أو وثائق هامة أو مدونة ذات‬
‫نصوص طويلة‪ ،‬أو جداول إحصائية‪ ،‬وأشكال توضيحية‪ ،‬فمن األحسن‬
‫إلحاقها وعدم املبالغة فيها؛ ألن كثرتها قد تصرف القارئ عن قراءتها‪.‬‬
‫‪ -‬إثبات قائمة املراجع باللغة العربية واألجنبية‪.‬‬
‫‪ -‬كتابة خالصة صغيرة (أو تقرير البحث) ال تتجاوز الصفحتين أو الثالث‬
‫في أقص ى تقدير‪ ،‬وذلك لتسليمها إلى الجامعة من أجل املناقشة‪.‬‬
‫كم صفحة يتطلب البحث األكاديمي؟‬
‫تتحكم عادات البحث العلمي في كل بلد في عدد صفحات البحث‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الوصية على البحث العلمي‪ ،‬مثل‬ ‫استنادا إلى األهداف التي تسطرها الهيئة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املخصص‬ ‫ترقية البحث والحاجة إلى باحثين مؤطرين‪ ،‬كما يتحكم الوقت‬
‫للبحث في عدد الصفحات‪.‬‬
‫في ظل نظام الدراسات العليا القديم‪ ،‬كانت هناك الرسالة واألطروحة‪ ،‬ولم‬
‫ّ‬
‫الكمية أضخم‬ ‫معين؛ لذلك كان البحث من الناحية‬ ‫يكن إنجازهما محددا بوقت ّ‬
‫يقيم بحسب املراجع التي قرأها والنتائج الجديدة التي ّ‬
‫توصل إليها؛‬ ‫وكان الباحث ّ‬
‫لذلك كان الخوض في بحث ما بعد التدرج عبئا ثقيال ال يحمله إال األكفأ‪ ،‬أما من‬
‫ينجز أطروحة دكتوراه فال بد أن يكون مرجعا‪.‬‬
‫يعتبر النظام الجديد املاجستير مذكرة ‪ mémoire‬يمكن أن يكون عدد صفحاتها‬
‫حالي مائة صفحة‪ ،‬نظرا للمدة املحددة إلنجازها‪ ،‬غير أن هذا‪ ،‬ال يجب أن يكون ّ‬
‫مبررا‬
‫بالنسبة إلى الطالب لكتابة أي ش يء‪ ،‬فيلجأ إلى طرق مختلفة للتعبئة وحشو البحث‬
‫ويتم تضخيمها بالفصول‬ ‫بنصوص متشابهة غير محللة تكرر بعضها بطرق مختلفة‪ّ ،‬‬
‫النظرية والتمهيدات واملداخل والنصوص املستشهد بها وباملالحق؛ أما مراعاة الشروط‬
‫العلمية آنفا‪ ،‬فيجعل املائة صفحة مثلها مثل املائتين أو الثالث‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫إن طبيعة املوضوع هي التي تحدد عدد الصفحات‪ ،‬مثلما أن شخصية‬
‫ّ‬
‫الباحث واملنهجية املعتمدة يتحكمان في ذلك‪ ،‬فكم من بحوث ضخمة تخفي ضعف‬
‫ّ‬
‫أصحابها‪ ،‬ومذكرات قليلة الحجم تقتض ي جهدا ووقتا لقراءتها‪ ،‬ملا فيها من تركيز‬
‫ومقارنات ونتائج‪ ،‬فالعبرة إذن ليست بالحجم بل بالقيمة العلمية للبحث‪.‬‬
‫كتابة تقرير البحث في البحوث امليدانية‪ :‬إن ما يصطلح عليه بتقرير البحث‬
‫في البحوث امليدانية‪ ،‬هو نفسه ما يتم في التحرير بالنسبة للبحوث املكتبية من حيث‬
‫اتباع القواعد املنهجية املذكورة واعتماد أدوات البحث املعروفة‪ ،‬من مقدمة وعرض‬
‫ّ‬
‫للمعطيات محللة ومؤ ّولة وخاتمة‪ ،‬مع مراعاة بعض وسائل البحث املستعملة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫اختيار ّ‬
‫العينات واعتماد املقابلة واالستبيان واإلحصاء‪ ،‬وكلها وسائل ليست مرتبطة‬
‫بالطبيعة العلمية للبحث بقدر ما ترتبط بطبيعة املوضوع‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫‪ - IV‬التهميش ‪notes de bas de page‬‬
‫يسجل الباحث املصادر واملراجع‬‫في مرحلة التحرير (التبييض والتسويد)‪ّ ،‬‬
‫مهمة من عملية التهميش‪ ،‬حيث ينتقي‬ ‫محققا بذلك مرحلة ّ‬ ‫التي اعتمدها‪ّ ،‬‬
‫املعلومات التي ّ‬
‫يسجلها في املتن‪ ،‬وتكون هي موضوع التحليل واملقارنة‪ ،‬كما يكتب‬
‫بعضها ف ي أسفل الصفحة لتحقيق وظائف مختلفة‪ ،‬وذلك ما يعرف بالتهميش‪.‬‬
‫‪- 1‬الهامش‪ :‬هو كل كالم خرج عن املتن وخالفه‪ ،‬وهذا ال يعني ّأن ال عالقة‬
‫له بالبحث‪ ،‬بل العكس تماما‪ ،‬فعالقته وطيدة تكاملية مع النص؛ لذلك يقال‬
‫ّ‬
‫للمتخصصين من املستوى األعلى‪ ،‬أما الهامش فللطالب العاديين‪.‬‬ ‫إن املتن‬
‫ويقول الدكتور غازي عناية "إن الحاشية أساسية يستخدمها الباحث‬
‫للتوثيق واإلفادة‪ ،‬للوصول إلى أهم مبدأ في البحث العلمي أال وهو األمانة‬
‫العلمية‪ ،‬ويكون عادة في أسفل الصفحة‪.105‬‬
‫يتضمن تعليقات‬‫ّ‬ ‫عرف الهامش عند أسالفنا بالحاشية أو الذيل‪ ،‬وكان‬
‫املخصص على جوانب الصفحة‪ ،‬وكثي را ما كانوا يوردون كتبا‬ ‫ّ‬ ‫طويلة في الفراغ‬
‫ّ‬ ‫بأكملها تشرح أو ّ‬
‫تكمل ما في املتن‪ ،‬وتتجلى هذه الطريقة خاصة في ما يعرف‬
‫بكتب املتون‪.‬‬
‫فرق علي جواد طاهر بين هذه املصطلحات (الحاشية‪ ،‬الهامش‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الذيل ) بقوله‪" :‬فالحاشية (وجمعها حواش) هي البياض الذي يحيط بالنص أي‬
‫املتن من الصفحة‪ ،‬وقد يكون إلى اليسار أو في األعلى أو في األسفل‪ ،‬والهامش‬

‫‪ - 105‬غازي عناية‪ ،‬إعداد البحث العلمي دار الشهاب‪ ،‬باتنة‪ ،‬الجزائر ‪ 1985‬ص ‪.76‬‬
‫‪193‬‬
‫يعني البياض الذي على يمين املتن من الصفحة (أو يسايره) وقد يستعمل‬
‫لعناوين جانبية‪.‬‬
‫والذيل هو البياض الذي في أسفل الصفحة من املتن‪ ،‬وتكتب فيه اإلحالة‬
‫إلى املصادر‪ ،‬ونقوال وتعليقات وشروحا ملا يرد في املتن‪ ،‬دون أن تكون على قدر‬
‫املتن من األهمية‪ ،‬وهو في هذا أقرب إلى الكلمة (‪.106)Foot notes‬‬
‫على الرغم من اختالف داللة هذه املصطلحات‪ ،‬إال أنها توحي إلى عمل واحد‬
‫وهو‪ :‬اإلحالة شرحا أو تعليقا أو توضيحا أو تثبيتا ملرجع أو تصحيح خطأ‪.‬‬
‫في الحقيقة إن مصطلح ا لتهميش حديث العهد‪ ،‬وهو تقنية حديثة‬
‫اقترنت بمناهج البحث‪ ،‬والعرب لم يعرفوا الكتابة واآلليات التقنية بالطريقة‬
‫التي هي عليها في وقتنا الحاضر؛ ألن الكتابة لديهم كانت في مرحلة االنتقال من‬
‫الشفاهية التي كانت لها مقتضياتها وشروطها املنهجية‪ ،‬فكانوا يحيلون اآلراء‬
‫ألصحابها‪ ،‬بواسطة اإلسناد والعنعنة والرواية و ّ‬
‫السماع‪.‬‬
‫يتجزأ من البحث العلمي األكاديمي؛ ألننا‬ ‫تعد الهوامش جزءا أساسيا ال ّ‬
‫نتبين من خاللها املستندات التي استخدمها الباحث في بحثه‪ ،‬والحجج التي أتى‬ ‫ّ‬
‫بها‪ ،‬واألدلة والب راهين التي ساق بحثه من خاللها؛ فالباحث ال يعرض أفكاره‬
‫وآراءه بصفة عشوائية كيفما جاء واتفق‪ ،‬بل يغلق كل منافذ الضعف‪ ،‬فيوردها‬
‫تعليقات أو توثيقا وتوضيحات‪ ،‬أو مقارنات‪.‬‬
‫يتم في الهوامش توجيه القارئ وإحالته إلى املراجع التي اعتمدها‪ ،‬كما قد‬ ‫ّ‬
‫تحيله إلى آراء وقضايا فكرية ال يجوز تفصيلها في املوضوع"‪ .107‬فهي بهذا املعنى لها‬
‫متعددة وضرورية بالنسبة إلى الباحث والقارئ معا‪ .‬ويمكن تحديدها بما‬ ‫وظائف ّ‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ - 106‬علي جواد الطاهر‪ :‬منهج البحث األدبي ‪ ،‬ص ‪.106‬‬


‫‪ - 107‬حميدة عميراوي‪ ،‬في منهجية البحث العلمي‪ ،‬دار البعث‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬الجزائر ‪ ، 1985‬ص ‪.78‬‬
‫‪194‬‬
‫* ‪ -‬تثبيت املصادر واملراجع عن طريق االقتباس أو التلخيص‪ ،‬من أجل‬
‫ّ‬
‫التأكد من صحة الخبر الوارد في النص‪ ،‬سواء كان ذلك املرجع مطبوعا أو‬
‫مخطوطا أو كان محاضرة مكتوبة أو مسموعة‪.‬‬
‫* ‪ -‬تفسير املصطلحات العلمية الواردة في البحث‪ ،‬ملساعدة القارئ على‬
‫فهم املضمون والقصد‪.‬‬
‫* – إعطاء نبذة قصيرة عن حياة بعض األعالم والشخصيات الواردة في‬
‫البحث والتي يكون إيرادها ضروريا لفهم خلفية ّ‬
‫معينة‪.‬‬
‫* ‪ -‬اإلحالة إلى أفكار ونقاط كانت قد عولجت من قبل‪ ،‬في فصل أو في‬
‫للتذكير أو ّ‬
‫التأكيد أو املقارنة‪.‬‬ ‫معينة من البحث ّ‬ ‫صفحة ّ‬
‫* – إيضاح وشرح بعض األفكار الغامضة الواردة في املتن‪ ،‬وذلك حين ال‬
‫ّ‬
‫يتسع املجال لذكرها في حالة تحليل فكرة أو نص‪ ،‬أو حين يشعر الباحث أن‬
‫يشوه انسجام البحث واتساقه‪ ،‬وخاصة إذا كان‬ ‫االستطراد في املتن ‪ -‬إذا ذكر ‪ّ -‬‬
‫التوجه إلى املالحق‪ ،‬أما إذا كان قصي را فإنه يدخل‬ ‫ّ‬ ‫طويال‪ ،‬ففي هذه الحالة يجب‬
‫في الهامش‪ ،‬ويتبع برقم عادي مثل ما هو الحال في التهميش‪ ،‬أو بعالمة ّ‬
‫مميزة‬
‫كالنجمة‪ ،‬وإذا اتبع بإيضاح ثان في نفس الصفحة توضع نجمتان (**)‪.108‬‬
‫ّ‬
‫* ‪ -‬تصحيح األخطاء والتعليق عليها واقتراح البديل‪ ،‬سواء تعلق األمر‬
‫معين‪.‬‬‫بأخطاء لغوية أو منهجية أو بلبس في فهم مصطلح أو بخطأ في تاريخ ّ‬
‫إن للهوامش أهمية كبيرة في البحث‪ ،‬فكثي را ما ال نستطيع فهم فكرة أو‬
‫التعرض إلى خلفيتها‪ ،‬مثلما نجد في كتاب أدونيس الثابت‬ ‫ّ‬ ‫حكم إال من خالل‬
‫واملتحول مثال‪ ،‬حيث تحت ل الهوامش جزءا كبي را من البحث‪ ،‬فإذا أنعمنا النظر‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫فيها نجدها تشكل لوحدها بحثا قائما بذاته‪ ،‬له قيمة كبيرة في فهم املتن‪.‬‬

‫‪ - 108‬يراجع أحمد شلبي‪ ،‬كيف نكتب بحثا أو رسالة‪ ،‬ط‪ ، 6‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ، 1968 ،‬ص‬
‫‪.102 - 101‬‬
‫‪195‬‬
‫يعطي الباحث النتائج في املتن‪ ،‬وهي آراؤه‪ ،‬ويحيل القارئ على الخلفية‬
‫أسس من خاللها األحكام‪ ،‬وبذلك يترك له هامشا أكبر من الحرية في الفهم‬ ‫التي ّ‬
‫والتأويل‪.‬‬
‫‪ - 2‬طريقة التهميش‪:‬‬
‫يلتزم الباحث بتدوين املصادر واملراجع في الحواش ي السفلية‪ ،‬بأمانة‬
‫علمية‪ ،‬وهي مرحلة مهمة جدا في البحث‪ ،‬لذلك نجدها استقطبت اهتمام‬
‫ّ‬
‫املؤلفين الغربيين‪ ،‬حيث وضعوا أصوال وقواعد يتبعونها في فصول طويلة‪،‬‬
‫مهمة من تحقيق‬ ‫تعد لحظة ّ‬ ‫ويقتبسها العرب وغيرهم من األمم األخرى‪ ،‬وهي ّ‬
‫املنهجية‪.‬‬
‫* طرق الترقيم بالهامش‪ :‬أثناء اقتباس الباحث لرأي أو اختصاره لعبارة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫البد أن ّ‬
‫يدعمها باألرقام حتى يشير إلى مصدرها في الهوامش‪،‬وبالتالي يتمكن من‬
‫ويسهل على القارئ الرجوع إلى مصادر الباحث‪ ،‬ويضع‬ ‫ّ‬ ‫تجسيد األمانة العلمية‪،‬‬
‫الرقم عند نهاية الجملة املقتبسة بارتفاع قليل عن السطر‪ ،‬واألرقام توضع‬
‫ّ‬
‫يتجسد الترقيم في ثالث طرق‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫متوازية‪ ،‬أي‪ :‬بمحاذاة ّ‬
‫تامة ويمكن أن‬
‫أ ‪ -‬أسهل الطرق وأكثرها شيوعا‪ ،‬هي استقاللية األرقام في هامش كل‬
‫صفحة‪ ،‬ففي هذه الحالة‪ ،‬يمكن حذف أو إضافة أرقام أخرى‪ ،‬دون أن يطرأ‬
‫ّ‬
‫املستقل"‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وتسميه ثريا ملحس "الترقيم‬ ‫تغيير في هوامش الصفحات األخرى‪،‬‬
‫ومتصال يجمع في آخر كل‬ ‫ب ‪ -‬يكون الترقيم في هذه الطريقة متسلسال ّ‬
‫فصل على حده‪ ،‬إذ يستهل بالرقم الواحد إلى نهاية الفصل؛ وإن إحداث أي‬
‫تغيير سواء بالحذف أو اإلضافة يستوجب تغيير ما بعده إلى نهاية الفصل‪،‬‬
‫ّ‬
‫وتعرفه ثريا ملحس "بالترقيم املتسلسل الفصلي"‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫متصلة‪،‬‬ ‫يتصل الترقيم بالبحث ككل‪ ،‬إذ تكون األ قام متسلسلة ّ‬ ‫ج‪ّ -‬‬
‫ر‬
‫املذكرة أو األطروحة‪ ،‬وأي تغيير في األرقام ّ‬ ‫ّ‬
‫يؤدي إلى‬ ‫يستهل بالواحد إلى نهاية‬
‫وتعرفه ثريا ملحس "بالترقيم املتسلسل ّ‬
‫التام"‪.109‬‬ ‫تغيير ما بعده إلى نهايتها‪ّ .‬‬
‫نستنتج‪ ،‬إذن‪ ،‬أن أساليب التوثيق في الهوامش‪ ،‬واإلشارة إلى املصادر‬
‫ملخصة عنها بما يلي‪:‬‬ ‫متعددة‪ ،‬ويمكن إعطاء صورة ّ‬ ‫واملراجع ّ‬
‫* ‪ -‬الهوامش التي تحمل أرقاما متوالية‪ ،‬من أول الفصل في الكتاب إلى‬
‫نهايته‪ ،‬أو من بداية الدراسة إلى نهايتها‪.‬‬
‫* ‪ -‬الهوامش التي تحمل أرقاما غير متوالية‪ ،‬وهي التي يكتفي الباحث فيها‬
‫بوضع األرقام للهوامش التي توجد على كل صفحة فقط‪ ،‬ومعنى هذا أن لكل‬
‫صفحة هوامشها التي تنتهي سلسلة الترقيم فيها بانتهاء الصفحة‪.‬‬
‫* ‪ -‬الهوامش التي تأتي داخل املتن أو النص‪ ،‬وهي التي ّ‬
‫يتم فيها االعتماد‬
‫مرقمة ترقيما تصاعديا‪ ،‬ابتداء من أول‬ ‫ن ّ‬
‫على قائمة املصادر التي ينبغي أن تكو‬
‫مصدر في البحث إلى آخر واحد فيه‪ ،‬ويعتمد هذا في الجامعات اإلنجليزية‪.‬‬
‫* ‪ -‬الهوامش التي تأتي في شكل عالمة نجمة‪ ،‬وهي عبارة عن إشارة توجد‬
‫في مقدمة أو وسط الصفحة‪ ،‬وتأتي على شكل مالحظة للفت االنتباه إلى بعض‬
‫الحقائق الهامة عن املوضوع أو التعريف بشخصية في البحث‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫التقنية والتنمية اإلدارية بقلم‪ :‬رانجت كومار* ترجمة‪ :‬نادر أبو شيخة**‬
‫(*) املدير التنفيذي ملؤسسة التدريب العالي لدول العالم الثالث‪.‬‬
‫(**) باحث باملنظمة العربية للعلوم اإلدارية‪.110‬‬

‫‪ - 109‬يراجع ثريا ملحس‪ ،‬املرجع السابق‪.172 ،‬‬


‫‪ - 110‬عمار بوحوش‪ ،‬دليل الب احث في املنهجية وكتابة الرسائل الجامعية‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪197‬‬
‫وهناك بعض الباحثين الذين يستعملون أسلوبا آخر بدل النجمة‪ ،‬حيث‬
‫يضعون (أ‪ ،‬ب‪ ،‬جـ‪ ،‬د‪ ،‬هـ‪ ،111)...‬وهذا في الجداول اإلحصائية؛ حيث تكثر‬
‫التوضيحات عند اختالف املعلومات‪.‬‬
‫يفضل الهوامش في آخر كل‬‫‪ - 5‬الهوامش في آخر الدراسة‪ :‬هناك من ّ‬
‫فصل أو في آخر الكتاب‪ ،‬وهذا النوع يستعمل بكثرة في املجاالت العلمية والكتب‬
‫الدراسية خاصة‪.‬‬
‫‪ - 3‬تقنيات التهميش‪:‬‬
‫‪- 1‬إذا ورد املصدر ألول مرة في البحث‪ :‬يكتب اسم املؤلف بترتيبه‬
‫العادي‪ ،‬متبوعا بنقطتين أو بفاصلة‪ ،‬ثم عنوان الكتاب تحته خط ‪ -‬للتفريق‬
‫بينه وبين املقال ‪ -‬أو بدون خط‪ ،‬وفي هذه الحالة يوضع املقال بين شولتين‪،‬‬
‫ففاصلة‪ ،‬وقد نجد الكتاب في طبعات عديدة‪ ،‬فيذكر رقم الطبعة‪ ،‬ثم رقم‬
‫الجزء أو املجلد مسبوقا بمختصر كل منهما‪ ،‬ثم تدوين معلومات النشر‪ ،‬أي‪:‬‬
‫اسم املطبعة ومكان النشر وتاريخ نشر الكتاب‪ ،‬وفي األخير نجد رقم الصفحة‬
‫فنقطة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬ثريا عبد الفتاح ملحس‪ ،‬منهج البح ث للطالب الجامعيين‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،1982 ،‬ص ‪.16‬‬
‫أو‪ :‬ثريا عبد الفتاح ملحس‪ ،‬منهج البحث للطالب الجامعيين‪ ،‬ط‪ ،3‬دار‬
‫الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،1982 ،‬ص ‪16.‬‬
‫‪ - 2‬إذا استعمل املصدر في الهامش نفسه مرة ثانية مباشرة‪ّ ،‬‬
‫يدون‬
‫املصدر نفسه بمختصر عبارة املصدر نفسه (م‪ .‬ن) تليه فاصلة‪ ،‬ثم رقم‬
‫الصفحة إذا اختلفت الصفحات‪ ،‬وإن لم يكن ذلك‪ ،‬يذكر مختصر (ص‪ .‬ن)‪.‬‬

‫‪ - 111‬م ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬


‫‪198‬‬
‫مثال‪ - 1:‬ثريا ملحس‪ ،‬منهج البحث للطالب الجامعيين‪،‬ص‪.15‬‬
‫‪ - 2‬م‪.‬ن‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫تكرر املصدر في الهامش نفسه‪ ،‬بينهما مصدر آخر‪ ،‬يكتب اسم‬ ‫‪ - 3‬إذا ّ‬
‫املؤلف إذا اعتمد الباحث على أكثر من كتاب له‪ ،‬تليه فاصلة‪ ،‬بعدها مختصر‬
‫العبارة (م‪ .‬س ) بمعنى املصدر السابق‪ ،‬وإذا كانت نفس الصفحة يستعان‬
‫بمختصر الصفحة نفسها‪ .‬ص‪ .‬ن‬
‫إذا كان املؤلف مجهوال‪ ،‬يكتب عنوان الكتاب فقط‪ ،‬ثم معلومات النشر‪.‬‬
‫إذا استخدم الباحث مصدرا واحدا ملؤلف واحد‪ّ ،‬‬
‫يدون املصـ ـ ـدر السابق أي‬
‫(م‪ .‬س)‪ .‬ثم فاصلة متبوعة برقم الصفحة‪.‬‬
‫أما إذا كانت االستشهادات من الصفحة نفسها فيكتب بمختصر آخر وهو‬
‫(ص‪ .‬ن) أي الصفحة نفسها‪.‬‬
‫يخص املجالت والجرائد والبحوث واألطروحات واملخطوطات‬ ‫ّ‬ ‫أما فيما‬
‫فتدون مثل الكتب‪ ،‬بمراعاة االختالفات البسيطة‪ ،‬كاسم املؤلف‬ ‫ّ‬ ‫والقواميس‬
‫وعالمات حصر عنوان املقال بين مزدوجين‪ ،‬ورقم عدد املجلة‪.‬‬
‫إن كتابة املراجع في الهوامش وحسن استعمالها يدالن على املنهجية‬
‫العلمية للبحث‪ ،‬والصبر على دقائق األمور‪..‬‬
‫إذا كان املصدر بغير اللغة العربية‪ ،‬فإن الطريقة املثلى لتوثيقه‪ ،‬هي أن‬
‫يكتب بلغته األصلية‪ ،‬وال يترجم إلى العربية‪.‬‬
‫‪ - 4‬أنواع الهوامش‪:‬‬
‫* الهامش الذي يشار به إلى الكتاب‪:‬‬
‫يقدم للقارئ جميع املعلومات‬ ‫تقتض ي العلمية واألمانة من الباحث أن ّ‬
‫الكاملة عن الكتاب الذي يستعمله‪ ،‬بحيث يستطيع أي باحث آخر أن يستعين‬

‫‪199‬‬
‫بالكتاب املشار إليه‪ ،‬ولهذا ينبغي مراعاة التسلسل في اإلشارة إلى الكتاب‪ ،‬واحت رام‬
‫الطريقة نفسها طيلة البحث كله‪ ،‬كأن نذكر مثال‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬اسم املؤلف ثم لقبه‪ ،‬عنوان الكتاب‪ ،‬واسم املترجم أو املحقق أو املشرف‬
‫على البحوث‪ ،‬مثال‪:‬‬
‫‪ -‬رقم الطبعة إذا كانت الثانية أو الثالثة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -‬اسم املطبعة أو دار النشر‪.‬‬
‫‪-‬البلد الذي نشر فيه الكتاب وتاريخ النشر‪ ،‬ثم رقم صفحة أو صفحات‬
‫االقتباس‪.‬‬
‫مثال‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬فن الشعر‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة دار املعارف‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ ،1980‬ص ‪.3‬‬
‫إذا كان للكتاب محقق ومترجم يذكران بعد العنوان مباشرة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬أرسطو طاليس‪ ،‬فن الشعر‪ ،‬ترجمة وشرح وتحقيق عبد‬
‫الرحمان بدوي‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت ‪-‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫* الهامش الذي يشار فيه إلى نفس الكتاب مرتين متتاليتين‪:‬‬
‫يتعين عليه أن يذكر جميع‬ ‫إذا أشار الباحث في الهامش‪ ،‬مثال إلى كتاب‪ّ ،‬‬
‫املعلومات عن هذا الكتاب ‪-‬كما سبقت اإلشارة ‪ -‬ولكن‪ ،‬عند استعماله مرة ثانية‬
‫مباشرة في الصفحة نفسها‪ ،‬يكتفي بوضع كلمة‪ :‬املصدر نفسه‪ ،‬مع وضع رقم‬
‫الصفحة التي أخذ منها املعلومات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فيتعين على الباحث أن يستعمل كلمة‬ ‫وإذا كان الكتاب باللغة األجنبية‪،‬‬
‫‪ibid , p21‬‬
‫* الهامش املشار فيه إلى نفس الكتاب مرتين غير متتاليتين‪:‬‬
‫فإذا كان للمؤلف كتاب واحد‪ ،‬فهذا وضع طبيعي ويكتفي الباحث‬
‫باإلشارة إلى هذا الكتاب وإعادة كتابة لقب املؤلف مع اإلشارة إلى الصفحة‪ ،‬وفي‬
‫‪200‬‬
‫اللغة اإلنجليزية نستعمل في هذه الحالة املختصر ‪ .op. cit‬أما إذا كانت لنفس‬
‫الكاتب مقاالت أو كتب أخرى واستغلها كمراجع له في البحث‪ ،‬فاألمر يختلف‪،‬‬
‫حيث ال ّبد من ذكر عنوان املصدر كامال‪ ،‬حتى يعرف القارئ أي مقال أو كتاب‬
‫يقصد في كل مرة ّ‬
‫تتم اإلشارة إليه‪.‬‬
‫* الهامش الذي يشار فيه إلى مقال في مجلة أو جريدة‪:‬‬
‫عندما يكون االقتباس من مجلة علمية أو جريدة‪ ،‬فإن الترتيبات التي‬
‫تحدثنا عنها في بداية الحديث عن الهوامش هي نفسها‪ ،‬مع مراعاة بعض‬
‫الخصوصيات‪ ،‬وهي على النحو التالي‪:‬‬
‫اسم ولقب الكاتب‪ ،‬عنوان املقالة بين مزدوجتين ثم فاصلة‪ ،‬فاسم‬
‫املجلة أو الجريدة‪ ،‬ثم رقم العدد ورقم املجلد ومكان وتاريخ الصدور‪ ،‬اليوم أو‬
‫الشهر والسنة‪ ،‬وأخي را رقم الصفحة أو الصفحات املشار إليها‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫عمار بلحسن‪" ،‬دراسة سيميائية لرواية الزلزال" مجلة الحياة‬
‫الثقافية‪ ،‬ع‪ ،44‬مطبعة دار الثقافة‪ .‬تونس‪ ،‬مارس أفريل ماي‪ ،1980 ،‬ص‬
‫‪.25‬‬
‫* الهامش الذي يشار فيه إلى دراسة صادرة عن مؤسسة دون ذكر‬
‫اسم أي كاتب‪ :‬في حالة ما إذا كان قد تم نشر الدراسة أو الكتاب‪ ،‬من قبل‬
‫مؤسسة وطنية أو دولية‪ ،‬فإنه ينبغي على الباحث أن يبدأ بكتابة اسم‬
‫املؤسسة؛ ألنها هي التي قامت بتأليف ونشر الدراسة أو الكتاب (وذلك بدال من‬
‫كتابة اسم الكاتب) ثم تذكر معلومات النشر‪.‬‬
‫ّ‬
‫* الهامش الذي يشار فيه إلى اسم كاتب نقل عنه من كتاب آخر غير متوفر‪:‬‬
‫قد يحدث في بعض األحيان أن يعثر الباحث على بعض املعلومات التي‬
‫ّ‬
‫تفيده من كتاب أو مقال‪ ،‬غير متوفر في املكتبات لنفاذ طبعته مثال‪ ،‬ففي مثل‬
‫‪201‬‬
‫هذه الحالة‪ ،‬يستطيع الباحث أن يعتمد على املصدر األساس ي ولكن بشرط‬
‫يتحمل مسؤولية‬ ‫ّ‬ ‫اإلشارة إلى املصدر الذي نقل عنه تلك املعلومات حتى ال‬
‫التحريف في النص أو سوء فهمه‪ ،‬والشائع لدى الباحثين أنهم يرجعون االعتماد‬
‫على الفقرات املقتبسة وليس املعنى العام للفكرة‪ ،‬ويكون كما يلي‪:‬‬
‫مثال‪ :‬ابن عربي‪ ،‬محاضرة األبرار‪( ،‬معلومات النشر والصفحة)‪ ،‬نقال‬
‫عن منصف عبد الحق‪ ،‬الكتابة والتجربة الصوفية‪ ،‬فمعلومات النشر‬
‫بنفس الطريقة املعتمدة‪.‬سابقا‪.‬‬
‫* الهامش الذي يشار فيه إلى دراسة في كتاب تحمل اسم غير كاتبها‪.‬‬
‫عندما يجد الباحث مجموعة من الدراسات‪ ،‬قام باإلشراف عليها‬
‫وتصنيفها كاتب آخر‪ ،‬يكتب الباحث اسم صاحب املقال‪ ،‬وعنوان دراسته في‬
‫الكتاب بين مزدوجين‪ ،‬ثم يضع اسم ولقب املشرف على الدراسة‪ ،‬إذا كان اسمه‬
‫مثبتا على ظهر الغالف‪ ،‬وي ضيف إلى ذلك جميع املعلومات املتبقية عن الكتاب‪،‬‬
‫وهنا نشير إلى أن املشرف على مقاالت أو دراسات وبحوث‪ ،‬ال يعد مؤلفا تنسب‬
‫إليه الدراسة‪ ،‬كما أنه ال يمكن أن ننسب نصا مأخوذا من تقديم لكتاب على أنه‬
‫لصاحب الكتاب‪ ،‬فكتاب السيميائية أصولها وقواعدها الذي ترجمه رشيد بن‬
‫مالك مثال‪ ،‬يمتد تقديمه إلى ثالث وستين صفحة وهو لعز الدين املناصرة‪ ،‬فال‬
‫يليق أن ننسبه مثال إلى رشيد بن مالك‪ ،‬كما ال ننسب إليه وحده ما ورد في‬
‫تحليله مع عبد الحميد بورايو للموكب الجنائزي في نفس الكتاب‪.‬‬
‫مثال‪ :‬ميشال أريفيه وآخرون‪ ،‬السيميائية أصولها وقواعدها‪ ،‬ترجمة‬
‫رشيد بن مالك‪ ،‬مراجعة وتقديم عز الدين املناصرة‪ ،‬منشورات االختالف‪،‬‬
‫الجزائر‪.2001.‬‬

‫‪202‬‬
‫* الهامش الذي يشار فيه إلى وثائق حكومية‬
‫في هذه الحالة ال ّبد من كتابة اسم الدولة‪ ،‬ثم الوزارة أو الدائرة العامة‬
‫التي قامت بنشر الدراسة‪ ،‬وعنوان الدراسة‪ ،‬واسم ومكان النشر‪ ،‬وتاريخ النشر‬
‫وبعد فاصلة‪ ،‬الصفحة املقتبس منها‪.‬‬
‫تعبر عن السياسة التي‬ ‫إن النصوص الحكومية تعتبر وثائق رسمية؛ ألنها ّ‬
‫تسير عليها الدولة‪ ،‬لذا ينبغي على الباحث مراعاة الدقة في االقتباس منها‪.‬‬
‫ّ‬
‫فعندما يقتبس الكاتب من نص قانوني‪ ،‬فمن املستحسن أن يتبع الترتيبات‬
‫التالية ف ي كتابه الهامش فيكون كاآلتي‪ :‬كتابة اسم الدولة‪ ،‬ثم اسم السلطة‬
‫التشريعية أو الرئاسية‪ :‬أي الجهة التي أصدرت القانون ‪-‬اإلشارة إلى نوع القانون‬
‫(مرسوم أو أمر أو قرار) ‪-‬تحديد رقم القانون ‪-‬ذكر السنة ‪-‬اسم الجريدة الرسمية ‪-‬‬
‫رقم العدد والتاريخ الذي صدرت فيه ثم وضع فاصلة بعد إغالق القوس وكتابة‬
‫البند أو الفقرة واإلشارة إلى الصفحة أو الصفحات التي تم االقتباس منها‪.‬‬
‫مثال‪ :‬الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪ ،‬وزارة التعليم العالي‬
‫والبحث العلمي‪ ،‬القانون األساس ي النموذجي للجامعة‪ ،‬التكوين في الدكتوراه‬
‫وما بعد التدرج‪ ،‬املتخصص والتأهيل الجامعي (‪/254/98‬في ‪)1998/08/17‬‬
‫* الهامش الذي يشار فيه إلى دراسات غير منشورة‪.‬‬
‫زّ‬
‫قد يستعين الباحث ببعض املطبوعات التي تو ع على الطلبة من قبل‬
‫أساتذتهم أو يحصل على مشروع بحث لم ينشر بعد‪ ،‬فبإمكان الباحث أن‬
‫يقتبس من هذه الدراسات غير املنشورة وذلك باتباع الترتيبات التالية‪ :‬اسم‬
‫ولقب الكاتب‪ ،‬ففاصلة‪ ،‬ثم يكتب عنوان الدراسة التي يتناولها الباحث وتحديد‬
‫نوع الدراسة‪( :‬أطروحة‪ ،‬رسالة جامعية‪ ،‬أو مطبوعة للطلبة‪ )...‬ثم يذكر اسم‬
‫املعهد والجامعة التي نوقشت فيها األطروحة‪ ،‬ثم ذكر األستاذ املشرف‪ ،‬والسنة‬

‫‪203‬‬
‫تم منها االقتباس‪ ،‬وأخي را‬‫التي ّتمت فيها املناقشة ثم الصفحة أو الصفحات التي ّ‬
‫اإلشارة إلى عدد صفحات املخطوط‪.‬‬
‫مثال‪ :‬آمنة بلعلى‪ ،‬الرمز الديني عند رواد الشعر العربي الحديث‪ :‬السياب‬
‫صالح عبد الصبور‪ ،‬خليل حاوي‪ ،‬أدونيس‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬إشراف محمد‬
‫حسين األعرجي‪ ،‬معهد اللغة العربية وآدابه ا‪ ،‬جامعة الجزائر‪،1988/1987 ،‬‬
‫ص‪ 358( .345‬ورقة)‪.‬‬
‫ّ‬
‫مالحظة‪ :‬إذا نشر املخطوط تفضل العودة إليه مطبوعا‪ ،‬فقد يعمد‬
‫قدمت إليه أثناء‬ ‫الباحث إلى تصحيح مخطوطه تبعا للمالحظات التي ّ‬
‫مهما فيه‪ ،‬بالزيادة أو النقصان‪.‬‬ ‫املناقشة‪ ،‬كما قد يحدث تغييرا ّ‬
‫* الهامش الذي يشار فيه إلى مقابالت شخصية‪:‬‬
‫املقابلة الشخصية وسيلة لجمع البيانات واملعلومات املطلوبة حول‬
‫ّ‬
‫وتتميز هذه املقابلة‬ ‫موضوع ما عن طريق املقابلة املباشرة بين طرفي القضية‪،‬‬
‫بأنها تعطي لنا الفرصة لتشخيص من نقابله وتحليل بعض جوانب سلوكه‪،112‬‬
‫وخاصة في البحوث امليدانية في العلوم اإلنسانية‪.‬‬
‫ّ‬
‫فإذا كان موضوع البحث يتطلب إجراء مقابالت مع املسؤولين املعنيين‬
‫للتعرف على وجهات نظرهم في املوضوع‪ ،‬فإنه‬ ‫ّ‬ ‫و ّ‬
‫املهتمين باملوضوع الذي يعالجه‪،‬‬
‫يتعين على الباحث أن يستعمل األسلوب التالي في كتابة الهامش‪:‬‬ ‫ّ‬
‫اإلشارة في أول سطر إلى كلمة "مقابلة مع" أي‪ :‬ال ّبد من ذكر اسم ولقب‬
‫الشخص الذي جرت املقابلة معه‪ ،‬بعد الفاصلة يأتي ذكر وظيفة الشخص أو‬
‫منصبه‪ ،‬ثم اإلشارة إلى املكان الذي ّتمت فيه املقابلة وتاريخ إجراء املقابلة‪.‬‬

‫‪- 112‬حسن سليمان قورة‪ ،‬األصول التربوية في بناء املناهج‪ ،‬ط‪ ، 5‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ، 1977‬ص ‪68‬‬
‫‪204‬‬
‫مثال‪ :‬مقابلة مع د‪.‬رشيد حراوبية‪ ،‬وزير التعليم العالي‪ ،‬وزارة التعليم‬
‫العالي‪ ،‬األحد في الساعة العاشرة ‪ 12‬ديسمبر ‪2005.‬‬
‫‪ - 4‬تهميش مصادر مواقع األنترنت‪:‬‬
‫لم تعد الكتب وال امليدان وحدهما من املصادر املهمة لجمع املادة‬
‫واملعلومات‪ ،‬فأمام التطور الهائل للتكنولوجيا‪ ،‬وشبكة اإلعالم اآللي‪ ،‬توفر‬
‫األنترنت معلومات ومراجع‪ ،‬كان العثور عليها من قبل في عداد املستحيل‪ ،‬بل إنها‬
‫تقرب املعلومة من الباحث‪ ،‬ساعة إنزالها في املوقع‪ .‬ولذلك بات من الضروري‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫االعتماد على هذه الوسيلة في جمع املعلومات‪ ،‬كما يجب التحكم في طرائق‬
‫التعامل معها بنفس الشروط العلمية واألخالقية التي تحدثنا عنها من قبل‪.‬‬
‫ولعل السؤال املهم الذي يطرحه الباحثون اليوم هو كيفية توثيق‬
‫مصادر هذه املعلومات التي يجدونها في مواقع اإلنترنت املختلفة‪ .‬إلى جانب‬
‫التساؤل حول أهميتها ومدى مصداقيتها‪ ،‬مقارنة بالكتب‪.‬‬
‫إن البحث في مواقع اإلنترنت مهم مفيد إذا كان الباحث يعرف ماذا يريد‪،‬‬
‫ّ‬
‫إلى جانب تمكنه من تقنيات اإلبحار في اإلنترنت‪ ،‬فالقرن العشرون لم يكن قرننا‬
‫نحن العرب‪ ،‬بل كان قرن الغرب‪ ،‬سيد العلم واملناهج والتكنولوجيا‪ ،‬ولكي‬
‫نجعل أنفسنا منتمين إلى هذا القرن‪ ،‬علينا أن نحل إشكاالتنا مع التكنولوجيا‪،‬‬
‫فهي الوحيدة التي تجعلنا في مستوى املتلقي الغربي‪ ،‬وتجعلنا فاعلين ضمن‬
‫إلكترونية التواصل‪.‬‬
‫محركات بحث وصور وموسيقى‬ ‫إن استعمال الوسائط اإللكترونية من ّ‬
‫مصاحبة يجعل ّ‬
‫تلقينا للمعلومات املوجودة في اإلنترنت أكثر إشعاعا ومرونة في‬
‫التفاعل معها‪ ،‬لكن ينبغي على الباحث في اللغة واألدب خاصة‪ ،‬أن يعرف كيف‬
‫ينقب في طوفان املعلومات الذي يداهمه في األنترنت‪ ،‬والطريقة التي ّ‬
‫تقدم بها‬ ‫ّ‬
‫النصوص؛ حيث إن ترابط النص والصورة واملوسيقى‪ ،‬يجعل من النص‬
‫‪205‬‬
‫متعدد األبعاد‪ ،‬قد يسقط الباحث في نوع من التأويل الذاتي‬ ‫ّ‬ ‫البسيط نصا‬
‫يتعرض إلى تعديالت يومية‪ ،‬وخاصة تلك‬ ‫ويبعده عن املوضوعية‪ ،‬كما أنه قد ّ‬
‫النصوص التي تنشر في مواقع غير متخصصة ثقافية كانت أو إعالمية‪.‬‬
‫يجب أن يعلم الباحث أن تنظيم فيض املعلومات وتنقيتها‪،‬‬
‫ّ‬
‫(‪)filtrage‬حسب احتياجات الباحثين غير متوفر بدرجة كبيرة؛ لذلك ال بد على‬
‫مؤسسات جامعية أو اتحادات‬ ‫الباحث أن يختار املواقع العلمية التي تقوم عليها ّ‬
‫محكمة أو منشورات جامعية‪ ،‬أو يشرف عليها باحثون‬ ‫ّ‬
‫كتاب أو مجالت‬
‫معروفون‪ .‬فاحتمال الغرق في التفاصيل واملعلومات اإلشهارية وارد‪ ،‬كما أن‬
‫إمكانية الوقوع في األخطاء اللغوية كذلك وارد‪ ،‬ألن الذين يقومون بمهمة الكتابة‬
‫التخصص‪ ،‬وال يقومون بدور‬‫ّ‬ ‫الحاسوبية على األنترنت هم تقنيون بعيدون عن‬
‫الكاتب الحقيقي‪ .‬ونضيف إلى ذلك ظاهرة التعاون والتشارك في التأليف غير‬
‫حيز للتعليقات وإعطاء الرأي أو إثارة أسئلة‬ ‫املباشرة التي نالحظها في تخصيص ّ‬
‫مما ّ‬
‫يعرض امللكية الفردية إلى نوع من االنمحاء‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن كل هذه املآخذ وغيرها تتطلب الحذر في التعامل مع املعلومة‬
‫اإللكترونية‪ ،‬دون الطعن في أهميتها الكبيرة‪ ،‬ولعل أرقى درجات هذا الحذر هي‬
‫ّ‬
‫طريقة توثيق مصادر هذه املعلومات التي يجب أن تتبع فيها األساليب العلمية‬
‫بنفس الشروط املذكورة أو أكثر كما رأيناها في تهميش الكتب‪.‬‬
‫فكيف نهمش مصادر هذه املواقع؟‬
‫تعتمد الطريقة العادية التقليدية القائمة على ذكر العناصر األساسية‬
‫وه ي‪ :‬املؤلف‪ ،‬وعنوان العمل أي‪ :‬املقال أو الكتاب‪ ،‬وعنوان املوقع‪ ،‬وتاريخ‬
‫اإلنزال‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫‪.‬مثال‪:‬‬
‫الطريقة األولى‪:‬‬
‫‪- Gingras, François-Pierre, « Comment citer des sources sur Internet‬‬
‫‪dans un travail scientifique »,‬‬
‫‪<http://aix1.uottawa.ca/~fgingras/metho/citation.html>, 21 mars‬‬
‫‪2005.‬‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬ويذكر فيها تاريخ اإلنزال بعد ذكر املؤلف‪.‬‬
‫‪- Gingras, François-Pierre (2005), « Comment citer des sources sur‬‬
‫‪Internet dans un travail scientifique »,‬‬
‫‪<http://aix1.uottawa.ca/~fgingras/metho/citation.html> (21 mars).‬‬

‫ّ‬
‫التعرف على الكاتب الحقيقي‬ ‫مالحظة‪ :‬في بعض الحاالت‪ ،‬ليس سهال‬
‫للمقال‪ ،‬وخاصة إذا لم ّ‬
‫تنزل املعلومات واضحة في بداية النص‪ ،‬أو ما يشير إلى‬
‫حق التأليف‪ ،‬وقد يختلط على الباحث األمر‪ ،‬حين ال يفرق بين الناشر أو‬
‫صاحب املوقع‪.،‬وإذا ما اتضح للباحث أن اسم صاحب املقال ال يظهر على‬
‫ا لشاشة‪ ،‬ففي هذه الحالة يلجأ للبحث عنه بالنقر على‪:‬‬
‫‪« Affichage » puis « Source » (source du cadre ou, s'il n'y a pas de‬‬
‫)‪cadre, source du document‬‬
‫يدون‪ :‬مجهول‬‫وفي حالة استحالة التعرف على صاحب امللف ّ‬
‫يتحرز من عملية الخلط بينه‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬بالنسبة لعنوان املقال‪ ،‬على الباحث أن‬
‫وبين عنوان امللف العام الوارد ضمنه املقال‪ ،‬وإذا ما تأكد له عدم ظهوره في‬
‫أعلى الشاشة‪ ،‬يتم البحث عنه بنفس الطريقة التي يبحث فيها عن صاحب‬
‫املقال‪.‬‬
‫‪207‬‬
‫‪ -‬أما عنوان املوقع ‪ ،‬فيعد األكثر أهمية‪ ،‬ولكنه في الوقت ذاته أسهل‬
‫ّ‬
‫املخصص‬ ‫العناصر في العثور عليه ألنه يظهر دائما في أعلى الجهاز في املكان‬
‫للعناوين‪ ،‬ويبدأ دائما ب > ‪ <http://‬وينتهي ب » ‪ « htm‬أو» ‪. « html‬‬
‫* تهميش مقال من مجلة واردة في موقع ما‪ ،‬يذكر املؤلف‪ ،‬عنوان املقال بين‬
‫مزدوجين‪ ،‬اسم املجلة‪،‬تاريخ النشر‪ ،‬عنوان املوقع‪ ،‬وتاريخ اإلنزال‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫‪Ramonet, Ignacio, « Désarmer les marchés », Le monde‬‬
‫‪diplomatique‬‬ ‫‪(décembre‬‬ ‫‪1997),‬‬ ‫‪<http://www.monde-‬‬
‫‪diplomatique.fr/md/1997/12/RAMONET/>, 28 novembre 1997.‬‬

‫* تهميش الرسالة اإللكترونية‪:‬‬


‫يذكر اسم صاحب الرسالة‪ ،‬عنوانه البريدي‪،‬موضوع الرسالة‪ ،‬ثم رسالة‬
‫مبعوثة إلى (ذكر عنوان املرسل إليه)‪ ،‬ثم التاريخ‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫‪-Nabil M. El-Khodari [fits@servtech.com], « Is multilingualism‬‬
‫‪important to Canada ? », message envoyé à <cpi@ccen.uccb.ns.ca> le‬‬
‫‪30 janvier 1997.‬‬
‫هذه بعض أمثلة عن كيفية تهميش مصادر مواقع األنترنت‪ ،‬اعتمدت فيها على‬
‫املخصصة لهذا املجال وهي كثيرة ّ‬
‫وتقدم للباحث‬ ‫ّ‬ ‫بعض ما ورد في بعض املواقع‬
‫مادة ّ‬
‫مفص لة يمكن االعتماد عليها‪113.‬‬

‫‪ - 113‬يراجع‪:‬‬
‫‪- Gingras, François-Pierre (2005), « Comment citer des sources sur Internet dans un travail‬‬
‫‪scientifique », <http://aix1.uottawa.ca/~fgingras/metho/citation.html> (21 mars).‬‬
‫‪208‬‬
‫ّ‬
‫نشير أيضا إلى أن هناك نظام طريقة علمية أكاديمية أخرى يتعلق‬
‫يدون فيه الباحث اسم‬ ‫بفهرسة هذه املراجع واملصادر ويكون في آخر البحث؛ ّ‬
‫املؤلف وعنوان الكتاب واسم املطبعة مرتبا ذلك على حروف الهجاء لتسهيل‬
‫املراجعة‪ ،‬وذلك ما نراه في نظام الفهرسة‪.‬‬
‫املختصرات‪:‬‬
‫ّ‬
‫املختصرات واالختصارات‪ ،‬يستعملها الباحث في الهوامش‪ ،‬وهي تتعلق‬
‫باملصطلحات والكلمات التي ترد كثي را خالل البحث‪ ،‬لذلك اتفق على اختصارها‬
‫في رموز خاصة‪ ،‬وال يسمح ل لباحث أن يختصر مثلما يريد‪ ،‬بل مثلما ما جرى‬
‫العرف على قبوله ومن أهم املختصرات ما يلي‪:‬‬
‫‪- 1‬املصدر نفسه‪ :‬مختصر م‪ .‬ن‪ )Idem. Ibid.(.‬في اللغة األجنبية؛‬
‫ويستعان به إذا وضع الباحث رقمين متتاليين من نفس املصدر بدون متطلبات‬
‫الهامش في الرقم األول‪ ،‬أما الثاني فيكفي ذكر مختصر م‪ .‬ن‪ .‬وفي حالة اختالف‬
‫الصفحة يذكر رقمها بعد املختصر بينهما فاصلة‪.‬‬
‫‪- 2‬املصدر السابق‪ ،‬مختصرة م‪ .‬س (‪ )op. cit.‬في اللغة األجنبية‪ ،‬إذا ّ‬
‫تكرر‬
‫االقتباس من مصدر واحد للمؤلف‪ ،‬بينهما مصدر آخر يستخدم هذا املختصر‪.‬‬
‫‪- 4‬الصفحة‪ ،‬مختصرها‪ :‬ص‪.P .‬‬
‫‪- 5‬الجزء‪ ،‬مختصره ج‪ .‬أو جـ‪.‬‬
‫‪ - 6‬املجلد‪ ،‬مختصره‪ :‬مج‪.‬‬
‫‪- 7‬السطر‪ ،‬مختصره‪ :‬س‪.‬‬
‫‪- 8‬انتهى‪ ،‬مختصره‪ :‬أ‪ .‬هـ‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫تحقيق املخطوطات‬
‫ال نجد في كتب منهجية البحث حديثا عن التحقيق‪ ،‬وإذا عثرنا على إشارة‬
‫لذلك‪ ،‬فإنها تثبت في ملحق الكتاب كما هو الشأن في كتاب "منهجية البحث‬
‫ّ‬
‫العلمي للطالب الجامعيين" لثريا ملحس التي استلت هذا امللحق من كتاب‬
‫"قواعد تحقيق املخطوطات" لصالح الدين املنجد‪ .‬وإذا كنا نعتقد أن الباحثة‬
‫التحقيق في كتابها؛ ألن هناك من سبقها إلى ذلك‬ ‫تفادت إد اج الحديث عن ّ‬
‫ر‬
‫بقول كل ش يء في التحقيق‪ ،‬فإننا يمكن كذلك أن نستنتج القيمة التي توليها‬
‫الجامعات العربية عموما للتحقيق‪ ،‬وكأن العهد الذي كان زاحم فيه عبد‬
‫محققي الت راث العربي من‬ ‫السالم هارون وأحمد شاكر وغيرهم‪ ،‬بعض ّ‬
‫ّ‬
‫املستشرقين‪ ،‬قد ولى‪ ،‬أو أن ما يستهوينا من كتابات الغربيين في العصر‬
‫الحاضر‪ ،‬ونستورده كما نستورد األشياء التي نستهلكها‪ ،‬يغنينا عن تراثنا الذي‬
‫يوجد فيه ما يغنينا عما نستورد‪.‬‬
‫ّ‬
‫الوصية وال من‬ ‫للتحقيق‪ ،‬ال من الوزارة‬‫ليس لدينا في الجزائر سياسة ّ‬
‫حتى من مراكز البحث‪ ،‬على الرغم من الكم الهائل من املخطوطات‬ ‫الجامعة أو ّ‬
‫التي تزخر به زوايانا في مختلف أنحاء الوطن وخاصة في بالد القبائل والصحراء‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫ف ي جامعة الجزائر بادر املحقق العراقي محمد حسين األعرجي بتكوين‬
‫دفعات ماجستير في تحقيق املخطوطات‪ ،‬وشرع البحث فيها ونوقشت بعض‬
‫البحوث التي تناول فيها الطلبة تحقيق مخطوطات‪ ،‬غير أن املبادرة ما لبثت أن‬
‫فتوقف املشروع‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتبناه بعض الباحثين‬ ‫توقفت برحيل الدكتور األعرجي‪،‬‬
‫الجزائريين الذين تحول الظروف املختلفة دون تحقيق أهدافهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن النظام الجديد في البحث‪ ،‬والذي يقلص من مدة إنجاز بحوث‬
‫املاجستير والدكتوراه‪ ،‬سيزيد الباحثين نفورا من هذا النوع من البحث الذي‬
‫يتطلب وقتا أطول؛ ولذلك‪ ،‬ينبغي أن تت ّولى الدولة هذه ّ‬
‫املهمة‪ ،‬بإنشاء مراكز‬
‫ّ‬
‫متخصصة في تحقيق املخطوطات‪ ،‬وإال‪ ،‬فإن مصير مخطوطاتنا سيبقى‬ ‫ّ‬ ‫بحث‬
‫مجهوال وقد ّ‬
‫يتعرض إلى االندثار بفعل الزمن‪.‬‬
‫يعرف التحقيق بأنه ضبط النص وإعادة إخراجه صحيحا كما تركه‬ ‫ّ‬
‫صاحبه منسوخا بخط يده أو بخط ناسخ آخر‪ .‬وعملية إخراجه صحيحا‬
‫تتطلب من الباحث املحقق التح ّقق من ّ‬ ‫ّ‬
‫صحة الكتاب واسمه ونسبته إلى‬
‫مؤلفه‪ ،‬وهي عملية دقيقة جدا" وليس مجرد مهارة مهنية فقط‪ ،‬بل هو عمل‬
‫نقدي يتناول النص محل التحقيق من جوانب عدة‪ ،‬يتعلق بعضها بالسياق‬
‫املولد للنص‪ ،‬ويتعلق بعضها اآلخر بالبنية النصية ذاتها أو ما يتفرع عنها"‪.114‬‬
‫التحري العلمي الصا م واملوضوعية والصبر على ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مشقة البحث‬ ‫ر‬ ‫لذلك يتطلب‬
‫التي تفرض على الباحث ّ‬
‫التنقل إلى أماكن وجود النسخ‪ .‬إنها عملية ّ‬
‫تتم على عدة‬
‫مراحل نذكرها مختصرة باالستناد إلى ما كتبه بشار عواد في كتابه القيم ضبط‬

‫‪ - 114‬عبد هللا العش ي‪ ،‬زحام الخطابات‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار األمل للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2005‬ص‪.88‬‬
‫‪211‬‬
‫مميزة في التحقيق‪ ،‬كما نستند‬‫النص والتعليق عليه‪،115‬ألنه صادر عن تجربة ّ‬
‫إلى بعض ما ذكره صالح الدين املنجد الذي أوردته ثريا ملحس ملحقا في كتابها‪.‬‬
‫يحتل ضبط النص والتعليق عليه أهمية عظيمة في علم تحقيق‬
‫املخطوطات العربية‪ ،‬ويذكر بشار عواد أنه منذ أن بدأ العرب يعنون بتحقيق‬
‫املخطوطات ظهر رأيان متضاربان حول الطريقة التي ينبغي ات باعها عند نشر‬
‫الت راث العربي‪.‬‬
‫مجردا من كل تعليق‪،‬‬‫مصححا ّ‬‫ّ‬ ‫األول‪ :‬يرى االقتصار على إخراج النص‬
‫والثاني‪ :‬يرى أن الواجب يقتض ي توضيح النص الهوامش والتعليقات وإثبات‬
‫االختالف بين النسخ والتعريف باألعالم وشرح ما يحتاج إلى شرح وتوضيح‪.‬‬
‫املحققين فأثقلوا هوامش الكتب التي عنوا بنشرها‬ ‫ّ‬ ‫وقد بالغ بعض‬
‫بتعليقات وتعاريف ال مبرر لها وال مسوغ‪ ،‬كأنهم يريدون خلق كتاب آخر وليس‬
‫يكررون التعريف‪،‬‬‫يعرفون األعالم في كل موضع وقد ّ‬ ‫تصحيح املخطوط حيث ّ‬
‫ويعرفون باألعالم املعروفين وباألوطان التي ال داعي لتعريفها‪ ،‬وذلك ما يخرج‬‫ّ‬
‫التحقيق عن طريقه القويم‪.‬‬
‫مجردا من كل‬‫اعترض الكاتب على عدم صالحية تحقيق مخطوط ونشره ّ‬
‫تعليق وذلك لألسباب التالية‪:‬‬
‫‪- 1‬ندرة النسخ الخطية الصحيحة السليمة الخالية من التصحيف‬
‫والتحريف‪.‬‬

‫‪ - 115‬بشار عواد معروف‪ ،‬ضبط النص والتعليق عليه‪ ،‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪1982 ،‬‬
‫ونشير إلى الدور الكبير الذي لعبه الباحثون العراقيون في مجال تحقيق املخطوطات العربية‪.‬ومنهم بشار‬
‫عواد وحاتم صالح الضامن وغيره من الباحثين باملجمع العلمي العراقي‪ ،‬وخارجه كمحمد حسين األعرجي‪.‬‬
‫‪212‬‬
‫‪- 2‬الغالبية الكبيرة من املخطوطات لم تصل إلينا بخطوط مؤلفيها‪ ،‬بل‬
‫التغيير والتحريف‪ ،‬وهذا‬ ‫بخطوط نساخ فيهم الجاهل‪ ،‬والعالم‪ ،‬مما عرضها إلى ّ‬
‫التحقيق‪.‬‬‫يتناقض مع الهدف من ّ‬
‫ّ‬
‫املوضحة‬ ‫‪- 3‬جمهرة املؤلفين والنساخ لم يعنوا باإلعجام ووضع الحركات‬
‫للنص‪ ،‬وكانوا يعتمدون على ما للقارئ من معرفة في موضوع الكتاب‪.‬‬
‫‪- 4‬افتقار املؤلفين والنساخ إلى وحدة كتابية مما يؤدي إلى تباين كبير في‬
‫رسم بعض الكلم‪ ،‬واستخدام كثير من الصيغ الكتابية غير املعروفة في العصر‬
‫الحالي‪.‬‬
‫لهذه األسباب وغيرها‪ ،‬يتساءل الكاتب عن السبل الصحيحة لضبط‬
‫النص ومتى يكون التعليق عليه؟ و يرى أن ضبط النص والتعليق عليه أمران‬
‫متالزمان‪ ،‬فالغاية من التعليق يجب أن ّتتجه نحو خدمة ضبط النص‬
‫ّ‬
‫وتوضيحه ودفع كل إبهام عنه‪ ،‬وال تتأتى هذه األمور إال بمراحل معينة مثل‪:‬‬
‫جمع النسخ وترتيبها‪ ،‬وهي تقابل مرحلة اختيار املوضوع وجمع املادة وقراءتها في‬
‫البحوث املكتبية‪ ،‬وتحقيق النص ومنهجه‪ ،‬وهي تعادل مرحلة التحرير‪ ،‬وعلى‬
‫املحقق أن يقوم بعمل يات هي من صميم املنهج العلمي وما تقتضيه‬ ‫ّ‬ ‫الباحث‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتتلخص فيما يلي‪:‬‬ ‫الدقة واملوضوعية‬
‫أوال‪ :‬تنظيم مادة النص‬
‫ّ‬
‫املؤلفون و ّ‬
‫النساخ يعنون بتنظيم مادة النص‪ ،‬من حيث منهجية‬ ‫لم يكن‬
‫العرض بحسب األسبقية ووضع عالمات الكتابة وتنظيم الفقرات والصفحات؛‬
‫محقق الكتاب‪ ،‬إعادة تنظيم املادة وفهم النص فهما جيدا‬ ‫يتعين على ّ‬ ‫لذا ّ‬
‫وتقسيمه إلى فقرات وجمل‪ ،‬ويضرب بشار عواد مثال لطريقة تنظيم تراجم‬
‫العلماء باتباع الخطوات التالية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬اسم املترجم ونسبه ولقبه وكنيته ونسبته‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫يدل على عمره‪.‬‬‫ب ‪ -‬مولده أو ما ّ‬
‫جـ ‪ -‬نشأته ودراساته وأخذه عن الشيوخ‪.‬‬
‫د ‪ -‬إنتاجه وتالمذته‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬مكانته العلمية وآراء العلماء فيه‪.‬‬
‫و ‪ -‬تحديد تاريخ وفاته‪.‬‬
‫املتصلة به‪.‬‬‫ز ‪ -‬بعض األمور ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تخص صاحب‬ ‫تتوفر هذه األمور في الترجمة الواحدة إذا كانت‬
‫املخطوط‪ ،‬أما األعالم املذكورين في املخطوط فيشار إليهم باقتضاب‪.‬‬
‫املحقق في كيفية جعل النص وحدة موضوعية قائمة‬ ‫ّ‬ ‫كما تظهر براعة‬
‫بذاتها‪ ،‬فتوضع كل فقرة مستقلة عن األخرى؛ ألن هناك صعوبات كثيرة ّ‬
‫تتحدد من‬
‫حلها قد ة ّ‬ ‫ّ‬
‫املحقق وبراعته‪ ،‬مثل الصعوبة املرتبطة بعدم وجود أسلوب‬ ‫ر‬ ‫خالل‬
‫واضح عند مؤلفي النصوص في ذكر املصادر‪ ،‬فكانوا يشيرون بكلمات وعبارات‬
‫مثل‪ :‬قال‪ /‬وذكر‪ /‬ووجدت بخط فالن‪/ /‬قال أئمة النحو‪/‬قال صاحبنا‪ /‬وكثيرا ما‬
‫ينهون النص بقولهم‪ :‬هذا آخر الكالم أو انتهى‪ .‬كما أن املحقق قد يصادف‬
‫ّ‬ ‫إشكاالت منهجية أخرى ّ‬
‫يتعين على الباحث حلها مثل‪:‬‬
‫‪ -‬إرجاء ذكر املصدر إلى نهاية النص‪.‬‬
‫‪-‬اإلشارة إلى املصدر ال إلى الصفحة‪.‬‬
‫‪-‬اعتماد بعض املؤلفين على السماع‪.‬‬
‫‪ -‬عدم إشارة املؤلف إلى انتهاء النقل‪.‬‬
‫مما يوقع في اإلبهام‪.‬‬‫‪-‬اإلشارة إلى الكنية دون االسم ّ‬
‫‪-‬ذكر املؤلف وعدم ذكر املصدر وقد يكون للمؤلف الواحد أكثر من‬
‫يتعين على الباحث املحقق تعيين الكتاب املقصود‪.‬‬ ‫كتاب‪ ،‬مما ّ‬

‫‪214‬‬
‫توضح أن علمية تنظيم النص ليست من السهولة التي‬ ‫كل هذه األمور ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتصور‪ ،‬فاملحقق بحاجة إلى معرفة تامة بمنهجية البحث العلمي والتمكن من‬
‫ممارستها‪ ،‬إضافة إلى معرفة السياق‪ ،‬والثقافة الواسعة في اللغة والبالغة‬
‫والتاريخ وغيرها‪116.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التعليل عند الترجيح في ترتيب النسخ‪:‬‬


‫يصنف النسخ بحسب األهمية‪:‬‬ ‫ال بد للمحقق أن ّ‬
‫وتسمى النسخة األم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬فأحسن النسخ التي كتبها مؤلفها‪،‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬عند العثور على نسخة املؤلف‪ ،‬ينبغي التأكد من أن النسخة التي بين‬
‫املحقق هي آخر صورة كتب بها املؤلف كتابه‪.‬‬‫يدي ّ‬
‫املؤلف أو قرئت عليه‪.‬‬ ‫‪ -‬تأتي بعد ذلك نسخة قرأها ِ‬
‫‪ -‬ثم نسخة كتبت في عصر املؤلف وهكذا ب األقرب فاألقرب‪117‬‬

‫املحقق إلى املقارنة بين النسخ بطرق مختلفة‪ ،‬أسهب فيها بشار‬ ‫ّ‬ ‫يعمد‬
‫املحقق إثبات ما يراه صوابا في أصل النص‪ ،‬وتدوين‬ ‫يتعين على ّ‬ ‫عواد ورأى أنه ّ‬
‫ّ‬
‫ما يراه خطأ أو ضعيفا في الهامش‪ ،‬فهو مطالب بتعليل الت رجيح وبيان األدلة‬
‫التي دفعته إلى هذا االختيار‪ ،‬حيث تصبح املقارنة بغير هذا التعليل خالية من‬
‫تقدم أي توثيق أو دعم لصحة النص‪.‬‬ ‫أية فائدة وال ّ‬
‫ومن املستحسن كذلك مقارنته باملطبوعات الخالية من األخطاء‪ ،‬والتي‬
‫ّ‬
‫أكد الجمهور عليها وكانت خالية من التصحيف والتحريف‪.‬‬

‫‪ - 116‬نذكر في هذا السياق أستاذنا الفاضل محمد حسين األعرجي‪ ،‬وكيف كان يبهر الحاضرين في‬
‫ّ‬
‫لتتحقق له بتلك الصفة‪ ،‬لوال أنه محقق بارع‪ .‬جمع الدقة‬ ‫املناقشات بمعرفته املوسوعية التي ما كانت‬
‫والثقافة الجامعة والذكاء الفائق من خالل مقارناته وتعليالته املنطقية وأحكامه الصحيحة‪.‬‬
‫‪- 117‬يراجع صالح الدين املنجد‪ ،‬نقال عن ثريا ملحس ص ‪.204‬‬
‫‪215‬‬
‫ّ‬
‫املعنية‬ ‫تنبه السلف إلى أهمية مراجعة النسخ الصحيحة أو الكتب‬ ‫ولقد ّ‬
‫أصح النسخ عند‬ ‫عند ضبط أسماء الناس وكناهم وألقابهم‪ ،‬واعتنوا بانتقاء ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اعتمادها في النقل‪ ،‬ونبهوا إلى أن ما نقلوه هو من خط املؤلف أو خط عالم ثقة‬
‫جيد الضبط‪ ،‬وكانت غايتهم ترمي إلى تصحيح النص‬ ‫متقن صحيح النقل ّ‬
‫وتدقيقه وطمأنة القارئ إلى صحة ما كتبوه ومن ذلك تجد‪ :‬قرأت بخط الكندي‬
‫في تذكرته‪/‬نقلت هذا من خط أمين الدين‪/...‬وجدت بخط‪/...‬قرأت بخط‬
‫الضياء‪.../‬إلخ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬توحيد النسخ‬
‫اختلف الكتاب والنساخ في عصر املخطوطات وحتى هذا اليوم في رسم‬
‫بعض األلفاظ والحروف‪ ،‬واستخدموا صيغا ّ‬
‫متنوعة لعدة أسباب ومنها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬دفع االشتباه وخوف وقوع القارئ في قراءة خاطئة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تسهيل عمل ّ‬
‫النساخ‪.‬‬
‫ّ‬
‫جـ ‪ -‬عدم وجود وحدة كتابية تنظم مثل هذه األمور كالطباعة الحديثة‪.‬‬
‫لذلك حذفوا بعض الحروف التي من حقها أن تكتب‪ ،‬وزادوا حروفا لم‬
‫تكن من أصل اللفظ‪ ،‬وأبدلوا حروفا مكان حروف أخرى‪ ،‬وهذه أمثلة عن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬حذف األلف الوسطية في كثير من األعالم‪ :‬الحارث ‪ -‬خالد ‪ -‬إبراهيم ‪-‬‬
‫إسماعيل إسحاق ‪ -‬هارون ‪ -‬مروان ‪ -‬سليمان ‪ -‬عثمان ‪ -‬معاوية ‪ -‬وكتبوا‪:‬‬
‫السموات ‪-‬ثلثة ‪-‬ثمنية ‪ -‬ثمنين ‪ -‬وغيرها‬
‫‪ -‬معظم القدماء وبعض املعاصرين يكتبون " مئة" بزيادة ألف (مائة)‬
‫وفعلوا ذلك الشتباهها بلفظة (منه) ولكن كثي را من املتعلمين صاروا يقرأونها‬
‫بلفظ األلف‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫‪ -‬عدم وضع النقطتين تحت الياء املتطرفة في معظم املخطوطات فصارت‬
‫تلتبس باأللف املقصورة ‪-‬املتوفى واملتوفي ‪-‬إعجام الفاء بنقطة من األسفل‪:‬‬
‫إعجام القاف بنقطة واحدة‪ :‬مثل فل بدل قل‪.‬‬
‫‪ -‬لم يكن القدماء في األغلب يكتبون الهمزة و ّأدى هذا إلى اختالف‬
‫املقصود باملمدود‪ :‬عليا‪ ،‬مثال‪.‬‬
‫‪ -‬إثبات همزة "ابن" أو حذفها حيث يجد هذه الهمزة تارة مكتوبة وتارة‬
‫محذوفة وأهل العربية مختلفون في حذفها إال عند مجيئها مفردة أو في بداية‬
‫السطر أو قبل الصفات املادحة "اإلمام" (الشيخ) واألنساب‪.‬‬
‫املؤلفون و ّ‬‫ّ‬
‫النساخ جملة مختصرات اعتاد املحدثون خاصة‬ ‫‪ -‬استعمل‬
‫استعمالها فكتبوا (حدثنا) الثاء والنون من غير نقط‪ ،‬واختصروا (أنبأنا) بـ (أنا)‪،‬‬
‫وقد تبدو هذه األمور صعبة‪ ،‬من غير شك وتؤدي إلى أخطار ال يمكن تجاهلها‪،‬‬
‫ومنها على سبيل املثال‪:‬‬
‫‪ -‬التباس املقصور باملمدود‪.‬‬
‫‪ -‬التباس املقصور بالياء‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور تسميات غير موجودة أصال مثل (الحرث ‪-‬خلد ‪-‬صلح) مع أنها‬
‫الحارث‪ ،‬خالد‪ ،‬صالح‪.‬‬
‫‪ -‬صعوبة قراءة الخط العربي بسبب الحذف أو الزيادة‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور أخطاء القراءة عند املتعلمين في قراءة (مئة)‪ .‬بسبب زيادة األلف‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫رابعا‪ :‬ضبط النص بالشكل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬إذا كان النص مشكال‪ ،‬كله أو بعضه‪ ،‬حوفظ عليه‪.‬‬
‫‪ -‬تشكيل اآليات القرآنية واألحاديث‪ ،‬واألشعار التي تصعب قراءتها‬
‫واألمثال واألفعال املبنية للمجهول إذا ما التبس معناها إذا أهمل شكلها‪،‬‬
‫وكذلك األعالم األعجمية املعربة‪ ،‬أو املركبة‪ ،‬أو الصعبة‪118.‬‬

‫محاذير التحقيق‪ :‬تذكر في هذا املجال بعض املشاكل التي يجب تجاوزها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من أجل أن يخرج املخطوط صحيحا‪ ،‬منها تضخم حواش ي الكتب املحققة‬
‫ّ‬
‫حيث يتوسع املحققون في التعريف بكل ش يء في حين يتمثل عمل املحقق في‬
‫ّ‬
‫أن يخرج نصا صحيحا ويعلق عليه بما يفيد تصحيحه وتوضيحه‪ ،‬ال أن‬
‫يكون شارحا لكل صغيرة وكبيرة‪ ،‬لذا فالتعريف باملشهور أو توضيحه‬
‫ومطالبة الرجوع إلى الكتب ونقل الشروح أمر قد يصرف عن الهدف‬
‫ّ‬
‫الحقيقي من التحقيق إلى أمور هامشية؛ حيث يغرق بعض املحققين في‬
‫تخريج األعالم فيذكرون كل مصدر على سبيل االستقصاء ومثلها البلدان‪،‬‬
‫ّ‬
‫وبالغ بعض املحققين في تخريج القصائد‪ ،‬وأثقلوا حواش ي الكتب بذكر‬
‫املكان واالختالف في الروايات‪ ،‬وعني البعض بتخريج األحاديث النبوية‬
‫الشريفة فصار يذكر كل املصادر التي ورد فيها الحديث دون النظر إلى‬
‫قيمتها وأهميتها وهذا عمل مبالغ فيه‪.‬‬
‫يرجع بشار عواد مشاكل التحقيق إلى الخلط بين (التحقيق) و(التعليق)‪.‬‬
‫فالتحقيق يهدف إلى ضبط النص وتقييده وإخراجه أقرب ما يمكن إلى الصيغة‬ ‫ّ‬
‫دونه‪ ،‬وهذا هو (التحقيق)‪ ،‬أما التعليق على النص فبما‬‫التي أرادها مؤلفه يوم ّ‬

‫‪ - 118‬يراجع صالح الدين املنجد‪ ،‬نقال عن ثريا ملحس ‪.212‬‬


‫‪218‬‬
‫ويقربه منه ويجلي نصوصه بالشروح والتوضيحات‬ ‫يفيد قارئه قدر املستطاع ّ‬
‫والتعريفات وبيان األوهام ونحوها‪ .‬مثل‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ - 1‬تنظيم مادة النص‪ ،‬ورسمه بما هو متعارف عليه بما يظهر ويوضح‬
‫دالالته‪.‬‬
‫‪ - 2‬التعليق بما يفيد تقييد النص بالحركات‪.‬‬
‫املهمة بين النسخ بعد ترجيح الصواب‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تثبيت االختالفات ّ‬
‫‪ - 4‬اإلشارة إلى املوارد التي اعتمدها مؤلف النص‪.‬‬
‫‪ - 5‬متابعة النقول التي اقتبسها منه املؤلفون بعده‪ ،‬وتثبيت مواضعها‬
‫وتوضيح االختالفات‪ .‬أما التعليق فيشمل على‪:‬‬
‫‪ - 1‬شرح األلفاظ الغريبة واملصطلحات املستعملة في الكتاب مع العناية‬
‫بمعانيها في زمن تأليفه‪.‬‬
‫‪ - 2‬التعريف باملبهم املغمور من أسماء الناس والبلدان والكتب ونحوها‪.‬‬
‫‪ - 3‬تخريج األحاديث النبوية الشريفة في مواردها‪ ،‬ورد اآلية إلى سورها وأرقامها‪.‬‬
‫مما سبقه وأن‬ ‫‪ - 4‬مقارنة النص بالنصوص التي تناولت موضوع النص ّ‬
‫ّ‬
‫لم يستفد املؤلف منها أو يطلع عليها‪.‬‬
‫‪ - 5‬نقد النص‪ ،‬وبيان األخطاء التي وقع فيها كاتبه‪ ،‬وبيان الصحيح من‬
‫ذلك‪.‬‬
‫املحقق مثلما أكد ذلك‬ ‫ّ‬ ‫التعليق على النص‬ ‫بعد كل هذا‪ ،‬يظهر لنا أن ّ‬
‫املحقق أن يكون في غاية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فيتوجب على‬ ‫الكاتبان مسؤولية تاريخية وعلمية‪،‬‬
‫االلت زام عند التعليق‪ ،‬يحسب لكل كلمة وجملة حسابها وقيمتها العلمية‪ ،‬فال‬
‫يجعل من الهامش مثال معجما آخر تشرح فيه حتى الكلمات البسيطة‪ ،‬وال‬
‫يوغل في الجوانب التاريخية أو االجتماعية أو السياسية التي عاصرها صاحب‬

‫‪219‬‬
‫املخطوط‪ ،‬بل يجب اختيار ما يستطيع به توضيح فكرة أو معنى أو رأي‪ ،‬أو‬
‫يدفع به تعارضا أو ّ‬
‫يحل به إشكاال‪.‬‬
‫للتحقيق منهجيته العلمية الصارمة فقط‪ ،‬والتي يلتقي معه في‬ ‫ليس ّ‬
‫املحقق‪ ،‬والناقد أيضا‪ ،‬وإنما هو فلسفة قائمة بذاتها‪ ،‬ال‬ ‫بعضها الباحث غير ّ‬
‫يعرفها إال من ما سها وال يشعر بأهميتها إال من قرأ ألحد كبار ّ‬
‫املحققين العرب‪،‬‬ ‫ر‬
‫أو حتى املستشرقين منهم‪ ،‬ليقف على أهميتها ليس فقط بالنسبة للباحث‬
‫والبحث العلمي ولكن أيضا بالنسبة للوطن الذي ننتمي إليه‪.‬‬
‫إن املوازنة بين النصوص املختلفة‪ ،‬وشرح الغامض فيها‪ ،‬وتحقيق نسبة‬
‫النص إلى صاحبه‪ ،‬ومادته العلمية وتوثيقها‪ ،‬وإسناد ما ورد فيها من غير إسناد‬
‫إلى صاحبه‪ ،‬وترجمة األعالم الواردة في املتن‪ ،‬إنما يحتاج إلى ثقافة أدبية ولغوية‬
‫تتعدى إلى معارف أخرى‪ .‬إنها عمليات يختلط فيها الشرح‬ ‫وتا يخية‪ ،‬بل قد ّ‬
‫ر‬
‫باالعت راض بالتوثيق بغيرها من العمليات النقدية‪ ،‬التي تبقى خطابا حول‬
‫النص‪ ،‬وعمال نقديا يندرج في إطار التحليل الفيلولوجي والجينيالوجي‪.119‬‬
‫إن إشارتي املقتضبة هذه إلى أهمية التحقيق من خالل ما ورد عند‬
‫محققين متميزين‪ ،‬ليس إال لفت النظر إلى جانب من البحث يجب أن نسعى‬
‫يتم ّ‬
‫التعرف ع لى تراثنا‪ ،‬وألن معرفة الت راث جزء من معرفة الذات‪.‬‬ ‫لبعثه‪ ،‬فبه ّ‬

‫‪ - 119‬يراجع حديث عبد هللا ّ‬


‫العش ي عن التحقيق باعتباره خطابا نقديا في كتابه املذكور سابقا ص ‪.89/88‬‬
‫‪220‬‬
‫توثيق املراجع ‪la bibliographie‬‬
‫ّ‬
‫إن كتابة املراجع في نهاية أية دراسة أو كتاب‪ ،‬ضرورة علمية مؤكدة‪ ،‬وهي‬
‫التصنيفية‪ ،‬التي تقوم على التبويب والتصنيف الذي جعلها عبد‬ ‫من الخطابات ّ‬
‫هللا العش ي خطابات نقدية‪ ،120‬وهذه العملية تنضوي ضمن ما يعرف‬
‫بالفهرسة‪ ،‬التي يلجأ فيها إلى تصنيف املوضوعات أو املؤلفين‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫الطابع التقني لها‪ ،‬إال أنها عملية مسبوقة بوعي ّ‬
‫الهوية الخاصة بكل معرفة‪ ،‬وهي‬
‫تقدم مداخل مفتاحية للباحثين‪ ،‬تختصر عليهم سبل البحث‪ ،‬عن املراجع أو‬
‫املعلومات األساسية التي تختصرها العناوين‪ ،‬وتختلف عن عملية التهميش‪.‬‬
‫فالهدف من وضع قائمة بأسماء املراجع املستخدمة في البحث‪ ،‬ليس‬
‫اإلحالة إلى صاحب النص املقتبس من كتاب معين‪ ،‬فتلك عملية ّ‬
‫يتكفل بها‬
‫التهميش في آخر كل صفحة أو فصل‪ ،‬بل إعطاء نظرة حول طبيعة الكتب‬
‫املعتمدة مجتمعة في قائمة‪ .‬ولهذه العملية وظائف منهجية؛ حيث تعتبر قائمة‬

‫‪- 120‬يراجع عبد هللا العش ي‪ ،‬زحام الخطابات‪ ،‬مدخل تصنيفي ألشكال الخطابات الواصفة‪ ،‬املذكور سابقا‪.‬‬
‫‪221‬‬
‫املراجع املعتمدة العتبة التي تدخل القارئ إلى الكتاب أو تجعله يعزف عنه‪ ،‬كما‬
‫تدل كثرة املراجع‬ ‫توجه الكتاب العلمي‪ ،‬فكثي را ما ّ‬‫أن املراجع عادة ما تعكس ّ‬
‫وتنوعها‪ ،‬حداثتها أو قدمها‪ ،‬على مستوى الباحث العلمي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫هي‪ ،‬إذن‪ ،‬ضرورة منهجية إلى جانب وظيفتها التداولية‪ ،‬لتحكمها في أفق‬
‫فيتعين على الباحث وضع قائمة كاملة بعناوين املراجع‬ ‫ّ‬ ‫تلقي محتوى الكتاب‪،‬‬‫ّ‬
‫يتسنى للباحثين اآلخرين اختيار الكتب واملقاالت التي هم في حاجة إليها‪.‬‬ ‫حتى ّ‬
‫‪ - 1‬عملية ترتيب املراجع‪:‬‬
‫ينبغي على الباحث االستناد إلى طريقة تصنيفية في عرض املراجع‪ّ ،‬‬
‫تقسم‬
‫عادة إلى مراجع عربية وأخرى أجنبية‪ .‬إن هذا التقسيم يساعد على اإلملام بأهم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدراسات املتوفرة باللغتين‪ ،‬أو بعديد من اللغات عن موضوع البحث الذي‬
‫كتب فيه‪ ،‬لذلك عليه ترتيب املراجع بحسب الفئات وأهميتها‪ ،‬كما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الكتب‪.‬‬
‫ب ‪ -‬املقاالت‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬الوثائق الرسمية‪.‬‬
‫د ‪ -‬املواد غير املنشورة‪.‬‬
‫و نفصل في األمر أكثر ّ‬
‫متبعين هذا الترتيب في الفهرسة‪.‬‬
‫أ – الكتب املصادر‪ :‬وتشتمل على املوسوعات و املعاجم والنصوص‬
‫اإلبداعية‪.‬‬
‫ب ‪-‬املراجع التي استفاد منها الباحث في التحليل باقتطاف نصوص منها‪.‬‬
‫ج ‪-‬املخطوطات كالرسائل الجامعية‪.‬‬
‫د ‪-‬املقاالت في الكتب املشتركة التأليف‪ ،‬أو املجالت‪ ،‬أو الجرائد أو‬
‫التقديمات أو املحاضرات التي ألقيت في امللتقيات والندوات‪ ،‬أو تلك املنشورة‬
‫في مواقع األنترنت املختلفة‪.‬‬
‫‪222‬‬
‫هـ ‪-‬الوثائق الحكومية‪ :‬كالوثائق الرسمية‪ ،‬مثل الدساتير واملواثيق‬
‫والقوانين والقرارات واملؤتمرات الحكومية الرسمية وغير الرسمية‪.‬‬
‫‪ -‬املواد غير املنشورة‪ :‬أ ‪ -‬مراسالت‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مقابالت‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬أحاديث إذاعية ‪ -‬تلفزيونية‪.‬‬
‫‪ - 2‬طريقة توثيق الكتب‪:‬‬
‫يختلف الترتيب في توثيق املرجع عن الذي عرفناه في الهوامش في عدم‬
‫ّ‬
‫ويتم اتباع الترتيب‬ ‫ذكر الصفحة‪ ،‬وعبارات اإلحالة مثل‪ :‬يراجع أو ينظر‪،‬‬
‫مدون على غالف الكتاب‪ ،‬وتؤخذ‬ ‫األبجدي ألسماء املؤلفين وألقابهم كما هو ّ‬
‫بعين االعتبار الكنية الشائعة في أسماء القدامى كالجاحظ والغزالي وابن سينا‪،‬‬
‫حيث تذكر الكنية أوال أو االسم الشائع‪ ،‬ففاصلة ثم االسم مخ تصرا؛ ألن ذكره‬
‫كامال ّ‬
‫يتم في الهوامش‪.‬‬
‫‪ 1‬كنية املؤلف ففاصلة ثم اسمه فنقطتان‪.‬‬
‫‪- 2‬عنوان الكتاب‪ ،‬ففاصلة‪.‬‬
‫‪ - 3‬اسم املترجم أو ّ‬
‫املحقق‪.‬‬
‫‪ – 4‬معلومات النشر من طبعة ودار نشر ومكان وتاريخ النشر‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫الغزالي‪ ،‬أبو حامد‪ :‬تهافت الفالسفة‪ ،‬تحقيق سليمان دنيا‪ ،‬دار‬
‫املعارف‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬مصر‪.1966 ،‬‬
‫توضيح‪:‬‬
‫‪-‬إذا كان للكتاب مؤلفان يذكر االثنان معا‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان للكتاب أكثر من ثالثة مؤلفين‪ ،‬فهنا نختصر ونكتفي بذكر اسم‬
‫األول فقط‪ ،‬ثم عبارة وآخرون‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫‪ -‬في حالة ما إذا كان الكتاب دون أي اسم‪ ،‬ينبغي على الباحث أن يكتب‬
‫عنوان الكتاب‪ ،‬وذلك حسب التسلسل في الحروف األبجدية‪.‬‬
‫‪ -‬في حالة إذا كان الكتاب ألفته هيئة علمية أو مؤسسة‪ ،‬من األفضل‬
‫استعمال اسم املنظمة مدخال وذلك حسب التتالي في األبجدية‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬في حالة إذا كان الكتاب قد أشرف على جمع مقاالته مؤلف أو كاتب‬
‫يذكر اسمه‪ ،‬ويوضح بعد عنوان الكتاب مثال ( ترجمة) (جمع) أو (إشراف)‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان املؤلف مترجما‪ ،‬نكتب لقب املؤلف األصلي واسمه وعنوان‬
‫الكتاب ثم نضع اسم ولقب املترجم‪ ،‬وباقي املعلومات دون تغيير‪.‬‬
‫تم االعتماد على عدة مؤلفات لكاتب واحد‪ ،‬نكتب اسم الكاتب مرة‬ ‫‪ -‬إذا ّ‬
‫واحدة‪ ،‬ثم نذكر املراجع التي اعتمدناها في البحث ّ‬
‫مرتبة بالهجائي‪ .‬وانطالقا مما‬
‫ذكرنا على الباحث أن يقوم بما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تصنيف وترتيب العناوين‪ ،‬بحسب الترتيب الهجائي‪ ،‬أو بحسب سنة‬
‫النشر‪.‬‬
‫‪ - 2‬ترك مسافة صغيرة‪ ،‬في بداية السطر الثاني‪ ،‬الذي يأتي بعد كتابة‬
‫متقدما على السطر األول‪ ،‬والهدف هو إبراز اسم الكاتب‪،‬‬ ‫اسم املؤلف‪ ،‬ويكون ّ‬
‫وإظهار التسلسل في أسماء املؤلفين من األلف إلى الياء‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫طه عبد الرحمان‪ :‬اللسان وامليزان أو التكوثر العقلي‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫املركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪/‬بيروت‪.1998 ،‬‬
‫سؤال األخالق‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪/‬‬
‫بيروت‪.2000 ،‬‬
‫‪- 2‬املراجع األجنبية‪ :‬في الفهرسة تكتب بلغتها كلها حسب الترتيب الهجائي‬
‫لتلك اللغة‪ .‬مثال‪:‬‬
‫‪- JACQUES, F: dialogique, recherches logiques sur le dialogue,‬‬
‫‪P.U.F., Paris, 1979.‬‬
‫‪-DUCROT, O: dire et ne pas dire, collection savoir, Hermann,‬‬
‫‪Paris, 1973.‬‬
‫يالحظ اعتماد الحرف األول السم املؤلف في اللغة الفرنسية في حالة لم‬
‫يكن هناك مؤلف آخر له نفس اللقب‪.‬‬
‫‪ - 3‬توثيق املقاالت‪:‬‬
‫‪ - 1‬لقب املؤلف‪ ،‬واسمه‪ ،‬ثم فاصلة بينهما‪ ،‬فنقطتان‪.‬‬
‫‪ - 2‬عنوان املقال بين مزدوجين‪.‬‬
‫‪ – 3‬عنوان املجلة‪.‬‬
‫‪ 4‬رقم العدد‪.‬‬
‫‪ - 5‬مكان وتاريخ صدور املجلة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬آمنة بلعلى‪" :‬إشكالية ترجمة السوابق واللواحق في اللغة العربية"‬
‫مجلة التعريب‪ ،‬املركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر‪ ،‬العدد ‪،42‬‬
‫دمشق‪ ،‬ديسمبر ‪2002.‬‬
‫‪- 5‬توثيق املراجع الخاصة بالوثائق الحكومية‪:‬‬
‫‪225‬‬
‫إن استعمال الوثائق الحكومية في الهوامش مشابه للنظام املعمول به في‬
‫املراجع‪ ،‬ويكمن الفرق في استعمال النقطتين بدل الفاصلة بعد كتابة الدولة‬
‫والهيئة التي أصدرت الوثيقة‪ ،‬مثال‪:‬‬
‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪ :‬الجريدة الرسمية‪،‬‬
‫واملتمم‬ ‫املعدل‬ ‫للجامعة‪،‬‬ ‫النموذجي‬ ‫األساس ي‬ ‫القانون‬
‫(‪/253/98‬في‪)1998/08/17‬‬

‫توثيق الدراسات غير املنشورة‪:‬‬


‫يتم توثيق الدراسات غير املنشورة واملقابالت واملحاضرات واللقاءات‬
‫بنفس النظام من حيث ذكر املصدر ونوع الدراسة‪ ،‬ومعلومات النشر‪.‬‬
‫توثيق مواقع األنترنت‪ :‬قد يتم ذكر عنوان املوقع فقط‪ ،‬ألن املعلومات‬
‫الخاصة باملقال وصاحبها تكون مذكورة في الهامش‪.‬كما قد تذكر املعلومات‬
‫جميعها‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫الخاتمة‬
‫تم نقصان‪ّ ،‬‬
‫فأبرر كثي را من املزالق التي‬ ‫هل علي أن أقول‪ :‬لكل ش يء إذا ما ّ‬
‫ّ‬
‫تالحظ في هذا الكتاب‪ ،‬أم أعلل النفس بقولي‪ :‬إن النقص من صفات البشر؟‬
‫قيدت‬ ‫إنها خالصة تجربتي في البحث والتدريس و ضعتها بي أيدي الطلبة الذين ّ‬
‫ّ‬
‫هذا الكالم من أجلهم‪ ،‬مثلما حاولت أن أبلغه إياهم مشافهة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫غني عن البيان‪ ،‬أن البحث الذي يكون صاحبه غير مسلح بمنهجية‬
‫علمية صارمة ال يمكن أن يكون متماسكا‪ ،‬ونظرا ملا يالحظ من استخفاف‬
‫بمنهجية البحث العلمي في اللغة واألدب خاصة‪ ،‬بحجج واهية‪ ،‬فمن الضروري‬
‫تركيز الجهود التعليمية والتطبيقية خاصة في الجامعة بدءا من السنة األولى‪،‬‬
‫بل من املراحل األولى من التعليم‪ ،‬لتدريب الطلبة على اعتماد التفكير املنطقي‬
‫في الفهم واإلجابة والكتابة‪.‬‬
‫وسيحتاج ذلك إلى أمرين مهمين‪ ،‬أولهما‪ :‬وعي اللغة التي يكتب بها‪،‬‬
‫تعود الطالب االستجابة العلمية‬ ‫والثاني‪ :‬وعي املعلومات التي يتلقاها‪ .‬فإذا ّ‬
‫ومهمة الستعمال املنهجية‬ ‫ّ‬ ‫الستعمال اللغة واملعلومة‪ ،‬تكون بداية ّ‬
‫فعالة‬
‫العلمية‪.‬‬
‫إن الحالة (الكئيبة) التي نالحظها في تطبيق املنهجية‪ ،‬حتى في بحوث‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدكتوراه‪ ،‬تعكس طبيعة التعلم التي تتعارض مع الذكاء‪ ،‬وليس هناك إال‬
‫التربية املنهجية يمكن أن تدفع هذا التعارض‪.‬‬
‫ال بد أن يدرك الباحث في األدب‪ ،‬أن دراسته بطريقة منهجية‪ ،‬تيهئ له‬
‫جيدا إلدراك التجربة الجمالية فيه‪ ،‬فتساعده على اإلحساس بالجمال‬ ‫مدخال ّ‬
‫وتيسر له املتعة بهذا الفن‪ .‬فال تعارض إذن‪ ،‬بين التربية املنهجية وإدراك‬ ‫ّ‬
‫التجربة الجمالية في األدب‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫أقل قيمة من البحث في أمراض فتاكة كالسرطان‬ ‫ليس البحث في األدب ّ‬
‫ّ‬
‫والسيدا مثال؛ ألن تخصيص مي زانية كبيرة إلنقاذ املعذبين بهذه األمراض‪ ،‬ليس‬
‫من قبيل القرارات االقتصادية أو السياسية‪ ،‬ولكنها قرارات إنسانية تعتمد على‬
‫اإليمان بقيمة الحياة اإلنسانية‪ ،‬وكرامة اإلنسان في أن يعيش معافى لكي ّ‬
‫يؤدي‬
‫الوظيفة التي خلق من أجلها أال وهي فعل العبادة‪.‬‬
‫واملنهجية العلمية في دراسة العلوم اإلنسانية والفنون عامة‪ ،‬ذات أهمية‬
‫في التعريف بأهمية ودور هذا النوع من املوضوعات في فهم اإلنسان واملجتمع‬
‫والحضارة‪ ،‬وفي ذلك تكمن أهميته وقيمته في الواقع ودوره في املحافظة على‬
‫القيم الحضارية الفاعلة ضد هيمنة قيم عوملة الثقافة والقيم‪.‬‬
‫سيكون طبيعيا بالنسبة للطالب الذي لم يمارس املنهجية العلمية من‬
‫قبل‪ ،‬أن يجد صعوبة في تطبيق القواعد واآللي ات املنهجية املرتبطة بكل عنصر‬
‫من عناصر البحث وسنتوقع عزوفا عن بعضها‪ ،‬غير أن اعتماد مناهج نقدية‬
‫تؤكد دور الذات وتعيد االعتبار إليها في فهم النصوص‪ ،‬مثل السيميائيات‬
‫التأويلية والتداولية ونظريات التلقي‪ ،‬سيكون عامال مهما في تجاوز هذا‬
‫العزوف؛ ذلك أن هذا النوع من املناهج يدمج الباحث باعتباره له دور في عملية‬
‫فهم النص وتأويله‪ ،‬ويصبح (املنهج) وسيلة إلثارة استجابته للقيم الجمالية‬
‫املنضوية في العمل األدبي‪ ،‬وبالتالي تأكيد دوره كمنتج‪ ،‬عكس املناهج املحايثة‬
‫كالشكلية والسيميائيات السردية التي تنظر إلى الباحث باعتباره آلة تتعامل مع‬
‫ّ‬
‫آلة قادرة على تفسير اآلليات العميقة لتشكل املعنى‪ ،‬وهنا تكمن علميتها‬
‫وأهميتها التي ال تنكر‪ ،‬غير أنها غير قادرة على إعطاء الباحث فرصة لرؤية النص‬
‫من الخارج‪ ،‬والخروج به من نفسه (أي بوصفه سلسلة من العمليات املنطقية‬
‫التي ال تثير أي استجابة) إلى الوجود في العالم ليعاد إنتاجه في ّ‬
‫كل مرة‪ ،‬ذلك أنها‬
‫يقوض بالغة النصوص األدبية‪ ،‬ويجعل معنى أي نص‬ ‫تفرض أنموذجا واحدا‪ّ ،‬‬
‫‪228‬‬
‫ّ‬
‫متعددة‪،‬‬ ‫منضويا في البنيات األولية للداللة‪ ،‬في حين أن معاني النص األدبي‬
‫تؤكدها السيرورة السيميائية له باعتباره نسقا داال بغزارة األنساق الدالة‬
‫ّ‬
‫االجتماعية والثقافية التي يحتويها‪ ,‬أي باعتباره نشاطا مركبا‪.‬‬
‫التصالح مع الذات‪ ،‬أي‬ ‫إن أي تصالح مع منهجية العلمية ال يكون إال عبر ّ‬
‫حين تعطى القيمة الفعلية لدور الباحث في اإلنتاج وفي متعة اإلنتاج‪ ،‬أما أن‬
‫تلقيها في شكل قوانين إلزامية صارمة‪ ،‬فذلك هو النفق الذي نضع فيه‬ ‫يكون ّ‬
‫صح لي أن‬ ‫طالبنا‪ ،‬ينبغي أن تمارس املنهجية بحب يشبه عشق املتصوفة‪ ،‬وإذا ّ‬
‫أشبه منهجية البحث بش يء‪ ،‬فلن تكون إال كما الحب يعاش ويمارس وينتج‪ ،‬قد‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫يصعب الحديث عنه كما كان يؤكد املتصوفة‪ ،‬ولكن يستطيع وصفه من‬
‫مارسه‪.‬‬
‫صحيح أن املنهجية العلمية تطرح أسئلة تقنية مثلما رأينا طيلة هذا‬
‫ّ‬
‫العرض‪ ،‬ولكن هناك سؤالين أخيرين يطرحان‪ ،‬أولهما‪ :‬أي سلطة تتحكم في‬
‫تبنت أسئلة العلم‪ ،‬فمن يمنحنا متعتها ّ‬ ‫ّ‬
‫ويكرس فينا لذة‬ ‫املنهجية‪ ،‬إذا كانت قد‬
‫القيام بأعباء قوانينها؟ والجواب‪ :‬ال بد أن يكون حب البحث‪ ،‬الذي أريد أن‬
‫التصوف‪ ،‬فقد بدأ بتجربة سؤال‬ ‫ّ‬ ‫أكشف من خالله عن وشائج القربى بينها وبين‬
‫الذات والوجود‪ ،‬وارتقى إلى األجوبة بخطوات منهجية هي التي عرف بها‬
‫ّ‬
‫املتصوفة كيف يعبدون هللا ألنهم عرفوا كيف يحبونه‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬أي فضاء تتحرك فيه املنهجية؟‪ ،‬إذا ثبت من خالل هذا العرض‬
‫تقبل إلزامي وامتثال صارم‬ ‫كذلك‪ ،‬أن عالقة الباحث بها‪ ،‬يجب أن تكون عالقة ّ‬
‫تتحول من قيم ّ‬
‫موجهة رادعة إلى‬ ‫ّ‬ ‫لقوانينها؟ فنقول‪ :‬إنه فضاء األخالق‪ ،‬حين‬
‫ِ‬
‫قيم تعلو بهمة الباحث إلى االرتقاء إلى حالة من املعرفة‪ ،‬تجعله يتقبل وبفعالية‬
‫أي شكل مغاير من أشكال املعرفة‪ ،‬فينفتح له على حد تعبير الفيلسوف طه‬
‫عبد الرحمان‪ ،‬في كتابه سؤال األخالق "باب تحصيل التكامل املادي الروحي‪،‬‬
‫‪229‬‬
‫املقوم لفطرة اإلنسان‪ ،‬فيكتسب القدرة على االستقالل عن النمط املعرفي‬ ‫ّ‬
‫املتداول‪ ،‬وينهض إلى تجديد املعرفة تجديدا يزداد فيه عمال بعلمه وكماال‬
‫بعقله‪ ،‬فيكون علمه نافعا وعقله كامال"‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬

‫‪ - 1‬بالعربية‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬جـ ‪ ، 2‬د‪ .‬ط‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الطباعة والنشر‪،‬‬
‫‪.1955‬‬
‫‪ -‬أحمد بدر‪ :‬أصول البحث العلمي ومناهجه‪ ،‬ط ‪ ،5‬الكويت‪ ،‬وكالة‬
‫املطبوعات‪. 1979 ،‬‬
‫‪ -‬أحمد‪ ،‬شلبي‪ :‬كيف نكتب بحثا أو رسالة‪ ،‬ط‪ ،6‬القاهرة‪ ،‬مكتبة النهضة‬
‫املصرية‪.1968 ،‬‬
‫‪ -‬إنط ـوان‪ ،‬ص ــياح‪ :‬دراس ــات ف ــي اللغ ــة العربي ــة الفص ــحى وطرائ ــق تعليمه ــا‪،‬‬
‫ط‪1‬دار الفكر اللبناني‪ ،‬بيروت ‪.1995‬‬
‫‪ -‬بشــار‪ ،‬ع ـواد مع ــروف‪ :‬ضــبط ال ــنص والتعليــق علي ــه‪ ،‬مؤسســة الرس ــالة‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.1982 ،‬‬
‫‪ -‬ثريا‪ ،‬ملحس‪ :‬منهج البحوث العلمية للطالب الجامعيين‪ ،‬دار الكتاب‬
‫للبناني مكتبة املدرسة‪ ،‬ط‪.1983 ،3‬‬
‫‪ -‬حامد‪ ،‬حفني داود‪ :‬ا ملنهج العلمي في البحث األدبي‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫ديوان املطبوعات الجامعية‪.1983 ،‬‬
‫‪ -‬الحرش ـ ــاوي‪ ،‬الس ـ ــعدية‪ :‬فع ـ ــل الق ـ ـراءة م ـ ــن ال ـ ــنص إل ـ ــى املعن ـ ــى‪ ،‬مجل ـ ــة‬
‫ديــداكتيكا ع ‪ 2‬دار الخط ــابي للطباع ــة والنش ــر املحمدي ــة‬
‫املغرب يناير ‪.1992‬‬
‫‪ -‬حسن‪ ،‬الساعاتي‪ :‬تصميم البحوث االجتماعية‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية ‪.1982‬‬

‫‪231‬‬
‫‪ -‬حسن‪ ،‬سليمان قورة‪ :‬األصول التربوية في بناء املناهج‪ ،‬ط‪ ،5‬دار‬
‫املعارف مصر‪.1977 ،‬‬
‫‪ -‬حميدة‪ ،‬عمي راوي‪ :‬في منهجية البحث العلمي‪ ،‬دار البعث‪ ،‬قسنطينة‪،‬‬
‫‪.1985‬‬
‫‪ -‬خالــد‪ ،‬م ــيالد‪ :‬اإلنشــاء ف ــي العربيــة ب ــين التركيــب والدالل ــة‪ ،‬دراســة نحوي ــة‬
‫تداولي ــة‪ ،‬منش ــورات جامع ــة منوب ــة واملؤسس ــة العربيـ ــة‬
‫للتوزيع‪ ،‬تونس‪.2001 ،‬‬
‫‪ -‬شوقي ضيف‪ :‬البحث األدبي‪ ،‬طبيعته‪ ،‬مناهجه‪ ،‬أصوله‪ ،‬مصادره‪ ،‬د‪.‬‬
‫مصر‪ ،‬دار املعارف ‪.1972‬‬
‫‪ -‬طـه‪ ،‬عبـد الرحمـان‪ :‬فــي أصـول الحـوار وتجديـد علــم الكـالم‪ ،‬املركـز الثقــافي‬
‫العربي ط‪ 2‬الدار البيضاء ‪ -‬بيروت‪.2000 ،‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمان‪ ،‬بدوي‪ :‬مناهج البحث العلمي‪ ،‬ط ‪ ،3‬الكويت ‪ -‬وكالة‬
‫املطبوعات ‪.1977‬‬
‫‪ -‬عبد هللا العش ي‪ :‬زحام الخطابات‪،‬ط‪ ،1‬دار األمل للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪.2005‬‬
‫‪ -‬علي‪ ،‬جواد الطاهر‪ :‬منهج البحث األدبي‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ ،‬املؤسسة‬
‫العربية للدراسات والنشر‪.1979 ،‬‬
‫‪ -‬عماد الدين محمد‪ :‬املنهج العلمي وتفسير السلوك‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‬
‫مكتبة النهضة املصرية ‪.1970‬‬
‫‪ -‬عمار بوحوش‪ :‬دليل الباحث في املنهجية وكتابه الرسائل الجامعية‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪.1985 ،‬‬

‫‪232‬‬
‫‪ -‬عم ــار‪ ،‬عواب ــدي‪ :‬منـ ــاهج البح ــث العلمـ ـي وتطبيقاتهـ ــا ف ــي مي ــدان العلـ ــوم‬
‫القانوني ــة‪ ،‬ط‪ ، 2‬ديـ ـوان املطبوع ــات الجامعي ــة‪ ،‬الجزائ ــر‬
‫‪.1992‬‬
‫‪ -‬عمر‪ ،‬أوكان‪ :‬دالئل اإلمالء وأسرار الترقيم كتاب في أصول الترقيم والنحو‪،‬‬
‫أفريقيا الشرق ‪-‬املغرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1999 ،‬‬
‫‪ -‬غازي‪ ،‬حسين‪ :‬عناية‪ :‬إعداد البحث العلمي ليسانس‪ ،‬ماجستير‪ ،‬دكتوراه‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬االسكندرية‪ :‬مؤسسة شباب الجامعة‪.1986 ،‬‬
‫‪ -‬النسون وماييه‪ :‬منهج البحث في اللغة واألدب ترجمة محمد مندور ط‪،2‬‬
‫دار العلم للماليين بيروت ‪.1982‬‬
‫‪ -‬اللس ــان وامليـ ـ زان أو التك ــوثر العقل ــي‪ ،‬املرك ــز الثق ــافي العرب ــي‪ ،‬ط‪ 1‬الـ ــدار‬
‫البيضاء ‪ -‬بيروت ‪.1989‬‬
‫‪ -‬محمد‪ ،‬الخي‪ :‬مناهج البحث التربوي سلسلة التكوين التربوي رقم‪16‬‬
‫‪ -‬محم ـ ــد‪ ،‬حم ـ ــود‪ :‬مكون ـ ــات القـ ـ ـراءة املنهجي ـ ــة للنص ـ ــوص‪ ،‬ط‪ 1‬مطبع ـ ــة‬
‫النجاح‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب ‪1989‬‬
‫‪ -‬محمد‪ ،‬سليمان ياقوت‪ :‬منهج البحث اللغوي‪ ،‬دار املعرفة الجامعية‬
‫ط‪ 1‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬محمد‪ ،‬عبد الباسط‪ :‬أصول البحث االجتماعي‪ ،‬ط‪ ،4‬القا هرة‪ ،‬مكتبة‬
‫األنجلومصرية‪.1978 ،‬‬
‫‪ -‬مش ــهد‪ ،‬س ــعدي الع ــالف‪ :‬بن ــاء املف ــاهيم ب ــين العل ــم واملنط ــق‪ ،‬مقدم ــة ف ــي‬
‫ف لس ـ ـ ـ ــفة العل ـ ـ ـ ــم ط‪ 1‬دار عم ـ ـ ـ ــار‪ ،‬عم ـ ـ ـ ــان‪ /‬دار الجي ـ ـ ـ ــل‪،‬‬
‫بيروت‪.1991،‬‬
‫‪ -‬م ــورتيمر آدل ــر وف ــان دورن‪ :‬كي ــف تق ـرأ كتاب ــا‪ ،‬ترجم ــة‪ :‬ط ــالل الحمصـ ـ ي‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬الدار بيروت‪.1995 ،‬‬
‫‪233‬‬
‫‪ -‬م ــوريس‪ ،‬انج ــرس‪ :‬من هجي ــة البح ــث ف ــي العل ــوم اإلنس ــانية‪ ،‬ترجم ــة يزي ــد‬
‫صحراوي وآخرون دار القصبة الجزائر‪2004‬‬
‫‪ -‬هادي نعمان الهيتي‪ :‬ثقافة األطفال‪ ،‬سلسلة عالم املعرفة‪ ،‬املجلس الوطني‬
‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪.1988 ،‬‬
‫‪ -‬و أ ‪ -‬ب بقـ ــردج‪ :‬ف ـ ــن البحـ ــث العلم ـ ــي‪ ،‬ترجم ـ ــة‪ :‬جماعـ ــة م ـ ــن الب ـ ــاحثين‪،‬‬
‫املغرب‪.2001 ،‬‬
‫‪-‬يوسف‪ ،‬مصطفى القاض ي‪ :‬مناهج البحوث وكتابتها‪ ،‬دار املريخ‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫املقاالت‪:‬‬
‫‪ -‬م ــارون‪ ،‬غض ــن‪" :‬عالم ــات الوق ــف ف ــي اللغ ــة العربي ــة وكي ــف نس ــتعملها"‬
‫مجلة الهالل ‪ 37‬فيفري ‪.1929‬‬
‫‪ - 2‬عبد املجيد االنتصار‪" :‬سؤال املنهجية في درس الفلسفة" مجلة فكر‬
‫ونقد‪،‬ع ‪20‬‬
‫‪www. Fikrwanakd.Aldjabiri bed .Com.‬‬
‫‪ - 2‬بالفرنسية‬
‫‪-Bernadette Plot: Ecrire une thèse ou un mémoire en sciences‬‬
‫‪humaines ; Champion Paris 1986.‬‬
‫‪- Claude Peiroulet & Evelyne Pouzalgues damon: Les techniques‬‬
‫‪du français BTS NATHAN paris 1990 p 112- 113‬‬
‫‪- Hélène MERLIN la dissertation littéraire, collection MEMO,‬‬
‫‪seuil, paris : 1996‬‬
‫‪- Jean-Pièrre Fragnière, comment réussir un mémoire, éd,‬‬
‫‪DUNOD Paris 1996‬‬
‫‪234‬‬
.

235
‫ملحق‬
‫القانون األساس ي النموذجي للجامعة‪ ،‬املعدل واملتمم‬
‫(‪/253/98‬في ‪)1998/08/17‬‬
‫التكوين في الدكتوراه وما بعد التدرج‬

‫الباب الثاني‬
‫التكوين في الدكتوراه‬
‫ّ‬
‫املادة ‪ :5‬ينظم طور التكوين في الدكتوراه‪ ،‬بالنسبة لجميع الفروع‬
‫واالختصاصات‪ ،‬باستثناء العلوم الطبية التي تخضع ألحكام املراسيم رقم ‪- 71‬‬
‫‪ 275‬املؤرخ في ‪ 3‬ديسمبر سنة ‪ 1971‬ورقم ‪ 291- 74‬املؤرخ في أول أكتوبر سنة‬
‫‪ 1974‬ورقم ‪ 291- 97‬املؤرخ في ‪ 27‬يوليو سنة ‪ 1997‬واملذكورة أعاله‪ ،‬في‬
‫تتضمنان دراسات للحصول على شهادة املاجستير متبوعة بتحضير‬ ‫ّ‬ ‫مرحلتين‬
‫الدكتوراه في نفس مجال البحث‪.‬‬ ‫أطروحة ّ‬
‫ّ‬
‫املكلف ّ‬
‫بالتعليم العالي لجنة تأهيل التكوين في‬ ‫املادة ‪ :6‬تنشأ لدى الوزير‬
‫ّ‬
‫الدكتوراه‪.‬‬
‫التأهيل ّ‬ ‫تكلف لجنة ّ‬ ‫ّ‬
‫للتكوين في الدكتوراه بما يأتي‪:‬‬
‫التأهيل وكذا طلبات التجديد التي ّ‬
‫تقدمها‬ ‫ملفات ترشيحات ّ‬ ‫‪ -‬د اسة ّ‬
‫ر‬
‫املؤسسات وذلك بالقيام على وجه الخصوص بتقيم قدرة هذه ّ‬
‫املؤسسات على‬ ‫ّ‬
‫التكوين في ّ‬
‫الدكتوراه‪.‬‬ ‫تنظيم ّ‬
‫ملفات ترشيحات التأهيل ملنح التأهي الت الجامعية وكذا طلبات‬ ‫‪ -‬د اسة ّ‬
‫ر‬
‫تقدمها ّ‬
‫املؤسسات‪.‬‬ ‫التجديد التي ّ‬
‫الدكتوراه في مختلف‬ ‫التكوين في ّ‬‫‪-‬اقت راح عدد املناصب الواجب فتحها في ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفروع واالختصاصات حسب الطاقات املتوفرة والحاجات املبرمجة‪.‬‬
‫‪236‬‬
‫الدكتوراه والقيام ّ‬
‫بكل اقت راح من‬ ‫للتكوين في ّ‬ ‫السنوية ّ‬ ‫‪-‬دراسة الحصائل ّ‬
‫وديته‪.‬‬‫شأنه تحسين سيره ومرد ّ‬
‫الدكتوراه على الخصوص ممثلي‬ ‫التأهيل للتكوين في ّ‬ ‫تضم لجنة ّ‬ ‫املادة ‪ّ :7‬‬
‫مؤسسات ّ‬ ‫بالتعليم العالي‪ ،‬ومديري ّ‬ ‫ّ‬
‫املكلفة ّ‬
‫التعليم والتكوين‬ ‫اإلدارة املركزية‬
‫ومؤسسات البحث املعنية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫العاليين‬
‫وكيفيات سيرها‪ ،‬بقرار‬‫ّ‬ ‫للتكوين في ال ّدكتوراه‬ ‫التأهيل ّ‬ ‫يحدد تشكيل لجنة ّ‬ ‫ّ‬
‫املكلف ّ‬ ‫ّ‬
‫بالتعليم العالي‪.‬‬ ‫من الوزير‬
‫تنظم ّ‬ ‫ّ‬
‫الدراسات للحصول على شهادة املاجستير داخل‬ ‫املادة ‪:8‬‬
‫التكوين والبحث‬ ‫مؤسسات ّ‬ ‫ومؤسسات التعليم العالي‪ ،‬وغيرها من ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجمعيات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املؤهلة بموجب قرار من الوزير املكلف بالتعليم العالي‪ ،‬بناء على اقت راح من‬
‫الدكتوراه‪.‬‬ ‫للتكوين في ّ‬ ‫التأهيل ّ‬ ‫لجنة ّ‬
‫الدكتوراه في الجامعات املؤهلة بقرار من الوزير‬ ‫تحضر أطروحة ّ‬ ‫ّ‬ ‫املادة ‪:9‬‬
‫التأهيل ّ‬ ‫بالتعليم العالي‪ ،‬بناء على اقت راح من لجنة ّ‬ ‫املكلف ّ‬ ‫ّ‬
‫للتكوين في‬
‫الدكتوراه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫املؤسسات ال ّتعليم العالي وغيرها‬ ‫الدكتوراه في ّ‬ ‫تنظم أطروحة ّ‬ ‫كما يمكن أن‬
‫املكلف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مؤسسات ّ‬ ‫من ّ‬
‫بالتعليم‬ ‫املؤهلة بقرار من الوزير‬ ‫التكوين والبحث‬
‫الدكتوراه‪.‬‬ ‫للتكوين في ّ‬ ‫التأهيل ّ‬ ‫العالي‪ ،‬بناء على اقت راح من لجنة ّ‬
‫الت َّأهيل املنصوص عليه في ّ‬
‫املادتين ‪ 8‬و‪9‬‬ ‫املادة ‪ :10‬تحدد شروط منح ّ‬
‫املكلف ّ‬ ‫ّ‬
‫بالتعليم العالي‪.‬‬ ‫أعاله‪ ،‬وكيفيات ذلك من الوزير‬
‫ّ‬
‫املعينة‬ ‫ّ‬
‫املؤسسة‬ ‫املؤسسة على الخصوص‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫يوضح قرار تأهيل‬ ‫ينبغي أن ّ‬
‫تم تحديده والتجهي زات العلمية املطلوبة‪،‬‬ ‫والفرع واالختصاص واالختيار الذي ّ‬
‫ومؤهالت األساتذة أو الباحثين الذين‬ ‫ّ‬ ‫عند االقتضاء‪ ,‬وكذا أسماء وألقاب‬
‫بإمكانهم املشاركة في تأطير ال ّتكوين املنشود‪.‬‬
‫‪237‬‬
‫للتجديد ّ‬
‫كل‬ ‫للتكوين لنيل شهادة املاجستير ّ‬ ‫التأهيل ّ‬ ‫املادة ‪ :11‬يخضع ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سنتين وكذلك عند تغيير الشروط التي تنظم الحصول عليها‪.‬‬
‫كل أربع)‪(4‬‬‫للتجديد ّ‬ ‫الدكتوراه ّ‬ ‫التأهيل لنيل شهادة ّ‬ ‫املادة ‪ :12‬يخضع ّ‬
‫ّ‬ ‫سنوات‪ ،‬وكذلك عند تغيير الشروط ّ‬
‫التي تنظم الحصول عليها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املادة ‪ :13‬يسحب ّ‬
‫التأهيل‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬بقرار من الوزير املكلف‬
‫الدكتوراه‪.‬‬‫للتكوين في ّ‬ ‫التأهيل ّ‬ ‫بالتعليم العالي‪ ،‬بناء على اقت راح من لجنة ّ‬ ‫ّ‬
‫املؤسسة املعنية ضمان‬ ‫ّ‬ ‫التأهيل أو عدم تجديده‪ ،‬على‬ ‫في حالة سحب ّ‬
‫ّ‬
‫متابعة تكوين املترشحين املسجلين بانتظام لتحضير املاجستير أو أطروحة‬
‫الدكتوراه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫املكلف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالتعليم العالي على شهادة املاجستير‬ ‫املادة ‪ :14‬يوقع الوزير‬
‫ّ‬ ‫وشهادة ّ‬
‫الدكتوراه ويسلمها‪.‬‬
‫التكوين من أجل الخبرة و ّ‬
‫التاطير العالي‬ ‫املادة ‪ :15‬يادة على أهداف ّ‬
‫ز‬
‫املستوى في مختلف قطاعات الحياة االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ينبغي أن تكون‬
‫الدكتوراه متطابقة نوعا ّ‬
‫وكما مع‬ ‫التكوين في ّ‬ ‫االختصاصات املفتوحة في ّ‬
‫كل فرع أو شعبة ّ‬
‫فرعية‪.‬‬ ‫الجامعيين والباحثين في ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحاجات إلى األساتذة‬
‫الدكتوراه وعدد‬ ‫للتكوين في ّ‬ ‫سنويا قائمة الفروع املفتوحة ّ‬ ‫ّ‬ ‫املادة ‪ :16‬تحدد‬
‫املؤسسات والفروع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصعيد الوطني وتوزيعها على‬ ‫املناصب املفتوحة على ّ‬
‫ّ‬
‫املكلف ّ‬
‫بالتعليم العالي‪ ،‬بناء على‬ ‫واالختصاصات واالختيارات بقرار من الوزير‬
‫الدكتوراه‪.‬‬ ‫للتكوين في ّ‬ ‫اقت راح من لجنة التأهيل ّ‬
‫ّ‬
‫املادة ‪ :17‬ينبغي أن تحدد مواضيع مذكرات املاجستير أو أطروحات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدكتوراه‪ ،‬وتصاغ كلما أمكن ألمر ذلك‪ ،‬لالستجابة لضرورة الجمع املزدوج بين‬
‫املكونين وأهداف البحث وأهداف التنمية‬ ‫ّ‬ ‫األهداف البيداغوجية لتكوين‬
‫االقتصادية واالجتماعية من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪238‬‬
‫املادة ‪ :18‬تستخلص مواضيع البحث املطابقة ملواضيع مذكرات املاجستير‬
‫ّ‬ ‫أو أطروحات ّ‬
‫الدكتوراه‪ ،‬كلما أمكن األمر ذلك‪ ،‬إم ا من الب رامج الوطنية ذات‬
‫املعبئة‪ ،‬و ّإما املساهمة بصفة‬
‫النوعية أو ّ‬ ‫األولوية في البحث‪ ،‬بما فيها الب رامج ّ‬
‫مباشر أو غير مباشر في تحقيق هذه الب رامج‪.‬‬
‫املادة ‪ :19‬يمكن أن تستفيد مواضيع مذكرات املاجستير أطروحات‬
‫التي تستوفي الشروط املذكورة في املادة ‪ 18‬أع اله‪ ،‬من تمويل تكميلي‬ ‫الدكتوراه ّ‬
‫التطوير التكنولوجي‪ ،‬دون املساس‬ ‫في إطار الصندوق وطني للبحث العلمي و ّ‬
‫ّ‬
‫بالتكفل بها في إطار مؤسسة التسجيل‬
‫كما ال يمكن أن يستفيد التكوين في الدكتوراه من رعاية و‪ /‬أو تمويل‬
‫تكميلي من منظمات ومؤسسات عمومية أو خاصة أو أشخاص معنويين‬
‫ّ‬
‫طبيعيين‪.‬‬ ‫خاضعين للقا نون العام أو الخاص أو أشخاص‬
‫كيفيات تطبيق الفقرة أعاله عند االقتضاء عن طريق التنظيم‪.‬‬ ‫تحدد ّ‬
‫التكوين من أجل نيل شهادة املاجستير أو‬ ‫املادة ‪ :20‬يمكن أن يستفيد ّ‬
‫التداريب القصيرة املدى في الخارج ومن اتفاقيات‬ ‫الدكتوراه من برامج ّ‬
‫شهادة ّ‬
‫برامج التعاون الدولي في إطار التنظيم املعمول به‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫الباب الثالث‬
‫شهادة املاجستير‬

‫الدكتوراه بشهادة‬ ‫التكوين في ّ‬ ‫املادة ‪ :21‬تنتهي املرحلة األولى من طور ّ‬ ‫ّ‬


‫املاجستير‪.‬‬
‫التكوين لنيل شهادة املاجستير إلى تعميق املعارف في‬ ‫املادة ‪ :22‬يهدف ّ‬
‫التحليل والتفكير‬ ‫التمرن على طرق ّ‬ ‫تقنيات البحث و ّ‬ ‫خاص وتلقين ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجال علمي‬
‫التجارب أو كليهما‪.‬‬ ‫وإنشاء برتوكول مطابق من األبحاث أو ّ‬
‫املادة ‪ :23‬تهدف هذه املرحلة إلى تنمية قدرات البرهنة والتفكير العلميين‬
‫ّ‬
‫واالستنتاج‪ ،‬الحائز على الشهادة‪ ،‬وشرح نتائج األحداث والوقائع‪ ،‬وتدوين هذه‬
‫التقدير‪،‬‬‫النتائج في شكل قابل لالستغالل‪.‬كما تهدف إلى زرع القد ة على ّ‬ ‫ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫الصرامة و ّ‬ ‫و ّ‬
‫التوازن في الحكم على األمور الحائز الشهادة‪.‬‬
‫بالتكوين لنيل شهادة املاجستير عن طريق‬ ‫املادة ‪ :24‬يفتح االلتحاق ّ‬ ‫ّ‬
‫درج الطويل املدى أو شهادة تعادلها‪.‬‬ ‫املسابقة للحائزين شهادة ّ‬
‫الت ّ‬
‫كيفيات تنظيم املسا بقة من الوزير املكلف ّ‬
‫بالتعليم العالي‪.‬‬ ‫تحدد ّ‬ ‫ّ‬
‫بالتكوين لنيل شهادة املاجستير بدون مسابقة‪،‬‬ ‫يمكن أن يفتح اإللحاق ّ‬
‫ّ‬ ‫للحائزين األوائل شهادة في ّ‬
‫التدرج الطويل املدى أو شهادة تعادلها عند إنهاء‬
‫د اسات ّ‬
‫الت ٍدرج‪.‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وكيفيات ذلك بقرار من الوزير املكلف‬ ‫تحدد شروط تطبيق هذا الحكم‬
‫بالتعليم العالي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫املعينة أو املجلس العلمي أو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجامعية‬ ‫يعد املجلس العلمي للهيئة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للمؤسسة ّ‬
‫ّ‬
‫املؤهلة قائمة املترشحين الناجحين‪.‬‬ ‫البيداغوجي‬

‫‪240‬‬
‫املكلف ّ‬ ‫ّ‬ ‫املادة ‪ّ :25‬‬ ‫ّ‬
‫بالتعليم املالي‪ ،‬بقرار‪ ،‬قائمة الشهادات التي‬ ‫يحدد الوزير‬
‫يتوج بشهادة املاجستير‪.‬‬ ‫بالتكوين ّالذي ّ‬ ‫تفتح االلتحاق ّ‬
‫ّ‬ ‫للتكوين في ّ‬ ‫التأهيل ّ‬ ‫املادة ‪ :26‬تحدد لجنة ّ‬ ‫ّ‬
‫الدكتوراه عدد التسجيالت‬
‫ّ‬ ‫التأطير ّ‬
‫املفتوحة في فرع ما مختلف اختصاصه‪ ،‬حسب قد ة ّ‬
‫التي تتوفر عليها‬ ‫ر‬
‫املؤسسة املؤهلة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الدراسات لنيل شهادة املاجستير سنتين‪ ،‬ويشترط فيها‬ ‫املادة ‪ :27‬تدوم ّ‬
‫مؤسسة تكوين مؤهلة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫متتاليان في‬ ‫سنويان ّ‬ ‫تسجيالن ّ‬
‫التكوين لنيل شهادة املاجستير ما يأتي‪:‬‬ ‫يتضمن ّ‬ ‫ّ‬ ‫املادة ‪:28‬‬
‫النظري‪.‬‬ ‫التعليم ّ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫التطبيقي أو في املخبر في اإلختصصات التي يكون فيها هذا‬ ‫التعليم ّ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التعليم ضروريا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أجنبية الستعمالها في مجال البحث العلمي‪.‬‬ ‫‪ -‬تعليم لغة‬
‫التعليم املنهجي أو البيداغوجي أو في البحث‪.‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬محاضرات وعروض وورشات وندوات‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬تحضير مذكرة‪.‬‬
‫التي يشملها برنامج ّ‬ ‫النشاطات ّ‬ ‫ّ‬
‫الدراسات إجباري‪.‬‬ ‫الحضور في جميع‬
‫ّ‬
‫املادة ‪ :29‬ينقسم التعاليم إلى تعليم أساس ي وتعليم مختص أو اختياري‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫التعليم األساس ي بصفة مشتركة ّ‬ ‫يقدم ّ‬ ‫املادة ‪ّ :30‬‬
‫لعدة اختيارات‪ ،‬وينظم‬
‫ساعيا شامال يت راوح بين‪ 300‬و‪ 400‬ساعة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫خالل أربعة أشهر ويطابق حجما‬
‫ّ‬
‫يتوج التعليم األساس ي بامتحانات‪.‬‬ ‫حسب املجال والفرع واالختصاص املختار ّ‬
‫ّ‬ ‫يقدم ّ‬ ‫املادة ‪ّ :31‬‬
‫التعليم املختص أو االختياري‪ ،‬حسب االختيار‪ ،‬وينظم‬
‫ساعيا شامال يت راوح بين ‪ 250‬و‪ 300‬ساعة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫خالل ثالثة)‪ (3‬أشهر ويطابق حجما‬
‫حسب املجال والفرع واالختصاص واالختيار املختار‪.‬‬
‫‪241‬‬
‫يتوج التعليم املختص بامتحانات‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫التعليم ّ‬ ‫املادة ‪ :32‬يمكن أن ينظم ّ‬
‫التطبيقي وأعمال املخبر‪ ،‬بالنسبة‬
‫الت كنولوجية على الخصوص‪ ،‬في دورة ّ‬
‫مجمعة تت راوح بين ‪ 4‬و‪3‬‬ ‫العلمية و ّ‬
‫ّ‬ ‫للفروع‬
‫التعليم املختص أو االختياري‪.‬‬ ‫أسابيع‪ ،‬عند انتهاء فترة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املادة ‪ :43‬تتمثل املذكرة املنصوص عليها في املادة ‪ 38‬أعاله‪ ،‬في إعداد عمل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تطبيقي أو الجانبان في آن واحد يتعلق بموضوع‬ ‫بحث علمي له جانب نظري أو‬
‫ّ‬
‫محدد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ينتظر من املترشح قصد إعداد املذكرة تنفيذ املناهج املطابقة ملقتضيات‬
‫التلخيص بعمل‬ ‫التحليل و ّ‬
‫الدقة‪ ،‬وعليه تبيان قد اته في املالحظة و ّ‬ ‫املوضوعية و ّ‬
‫ّ‬
‫ر‬
‫ّ ّ‬ ‫ويحرره ّ‬ ‫ينجزه ّ‬
‫العلمية الالزمة‪ ،‬وال يكون االبتكار فيها مطلوبا أساسا‪.‬‬ ‫بالصرامة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املادة ‪ :44‬يجب أن ّ‬
‫تحرر وثيقة املذكرة باللغة العربية‪.‬‬
‫املؤسسة ترخيصا‬‫كما يمكن تحريرها بلغة أخرى في حالة ما إذا منح مدير ّ‬
‫الجامعية ّ‬
‫املعينة أو املجلس العلمي أو‬ ‫ّ‬ ‫بذلك‪ ،‬بعد إدالء املجلس العلمي للهيئة‬
‫ّ‬ ‫البيداغوجي للمؤسسة ّ‬
‫املؤهلة برأي معلل‪.‬‬
‫الرسمي قصد ّ‬ ‫املذكرة عند إيداعه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التقييم‬ ‫املادة ‪ :45‬يجب أن يرفق ملف‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املحرر باللغة العربية‪ ،‬إجبار ّيا‪.‬‬ ‫بملخص وثيقة املذكرة‬
‫العربية ّ‬
‫ّ‬ ‫املذكرات ّ‬‫ّ‬
‫بملخص‬ ‫املحررة بلغة أخرى غير اللغة‬ ‫كما يجب أن ترفق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يعد بلغة كتابة املذكرة‪.‬‬
‫املذكرة ومواصفات تقديمها و ّ‬ ‫ى ّ‬ ‫ّ‬
‫امللخصات بقرار من الوزير‬ ‫يحدد محتو‬
‫املكلف ّ‬ ‫ّ‬
‫بالتعليم العالي‪.‬‬
‫املادة ‪ :46‬يجب أن يودع ملف املناقشة في ثماني )‪ (8‬نسخ‪ ،‬قبل شهر على‬
‫األقل من تاريخ املناقشة‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫يسلم مدير ّ‬ ‫ّ‬
‫املؤهلة الت رخيص بمناقشة املذكرة للمترشحين للذين‬ ‫املؤسسة‬
‫التطبيقي‪ ،‬بناء على تقرير إيجابي‬ ‫التعليم ّ‬ ‫النظري و ّ‬ ‫التعليم ّ‬ ‫نجحوا في امتحانات ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البيداغوجية للماجستير‪.‬‬ ‫يحرره املشرف على املذكرة وبعد موافقة اللجنة‬
‫علنيا أمام لجنة ّ‬ ‫مذكرة املاجستير ّ‬ ‫ّ‬
‫تتكون من‬ ‫املادة ‪ :47‬تتم مناقشة‬
‫األستاذية أو أساتذة باحثين‬ ‫ّ‬ ‫ثالثة )‪ (3‬إلى خمسة )‪ (5‬أعضاء أساتذة برتبة‬
‫ّ‬
‫بدرجة مكلف باألبحاث على األقل‪.‬‬
‫املؤهلة بناء على‬ ‫املؤسسة ّ‬ ‫يعين ّال ّلجنة مدير الجامعة أو مدير ّ‬ ‫املادة ‪ّ :48‬‬
‫املعينة أو املجلس العلمي للهيئة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجامعية‬ ‫اقت راح من املجلس العلمي للهيئة‬
‫ّ‬
‫وتتكون‬ ‫للمؤسسة ّ‬
‫املؤهلة‬ ‫ّ‬ ‫املعينة أو املجلس العلمي أو البيداغوجي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجامعية‬
‫مقررا‪ .‬كما يمكنها أن ّ‬ ‫املذكرة بصفته ّ‬ ‫ّ‬
‫تضم‬ ‫على الخصوص من املشرف على‬
‫مؤسسة التسجيل‪ ،‬يختار لكفاءته في مجال اهتمام املوضوع‪،‬‬ ‫عضوا من خارج ّ‬
‫الشروط املحددة في ّ‬ ‫ن ّ‬ ‫ّ‬
‫املادة ‪ 47‬أعاله‪.‬‬ ‫من بين األساتذة الباحثين الذين يستوفو‬
‫املعينة أو املجلس العلمي‬ ‫الجامعية ّ‬ ‫ّ‬ ‫أغلبية املجلس العلمي للهيئة‬ ‫ّ‬ ‫إذا كانت‬
‫ّ‬
‫األستاذية أو‬ ‫مكونة من أساتذة برتبة‬ ‫املؤهلة غير ّ‬ ‫للمؤس سة ّ‬ ‫ّ‬ ‫أو البيداغوجي‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫باحثين بدرجة مكلفين باألبحاث على األقل‪ ،‬تعين اللجنة بقرار من الوزير‬
‫الكلف ّ‬ ‫ّ‬
‫بالتعليم العالي‪ ،‬بناء على اقت راح من هذا املجلس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املذكرة‪ّ ،‬‬ ‫ى ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫وتقدر العرض الشفوي للمترشح‪،‬‬ ‫تقيم اللجنة محتو‬ ‫املدة ‪:49‬‬
‫وبإمكانها أن تطرح عليه أسئلة‪ ،‬وتتداول في جلسة مغلقة وتعلن قراراتها بلسان‬
‫رئيسها‪.‬‬
‫الرئيس ّ‬ ‫ّتتخذ قرارات اللجنة بأغلبية األصوات‪ ،‬ويكون صوت ّ‬ ‫ّ‬
‫مرجحا في‬
‫حالة تساوي عدد األصوات‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫املادة ‪ :50‬تمنح شهادة املاجستير مع اإلشارة إلى الفرع واالختصاص‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واالختيار‪ ،‬للمتر شح الذي نجح في االمتحانات وفي مناقشة املذكرة املنصوص‬
‫عليها في املواد ‪ 30‬و‪ 31‬و‪ 32‬و‪ 47‬من هذا املرسوم‪.‬‬
‫ّ‬
‫املترشح‪ ،‬وتكون‬ ‫تحمل الشهادة‪ ،‬عالوة على ذلك‪ ،‬املالحظة التي تحصل عليها‬
‫املالحظات املمكنة كما يأتي‪:‬‬
‫املعدل العام يساوي ‪ 20/10‬على األقل و ّ‬
‫أقل من‬ ‫‪"-‬مقبول" عندما يكون ّ‬
‫‪.20/12‬‬
‫املعدل العام يساوي ‪ 20/125‬على‬ ‫‪" -‬قريب من الحسن" عندما يكون ّ‬
‫أقل من ‪.20/14‬‬‫األقل و ّ‬
‫العام يساوي ‪ 20/14‬على األقل أو ّ‬
‫أقل‬ ‫‪"-‬حسن" عندما يكون ّ‬
‫املعدل ّ‬
‫‪.20/16‬‬
‫العام يساوي أو يفوق ‪.20/16‬‬ ‫ّ‬
‫‪"-‬حسن جدا" عندما يكون املعدل ّ‬
‫ّ‬
‫طبيقية‬ ‫النظرية و ّ‬
‫الت‬ ‫حصل عليها في االمتحانات ّ‬‫النقاط املت ّ‬ ‫تترك موا نة ّ‬
‫ز‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫معدل االمتحانات‪ ،‬لتقدير الل ّ‬ ‫لحساب ّ‬
‫البيداغوجية للماجستير‪.‬‬ ‫جنة‬
‫املعدل العام‪ ،‬بموازنة متساوية‪ ،‬من معدل االمتحانات وعالمة‬ ‫يحسب ّ‬
‫ّ‬
‫مناقشة املذكرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫املتحصلين على مالحظة‬ ‫املادة ‪ :51‬يسمح بالتسجيل في أطروحة ّ‬
‫الدكتوراه‬
‫"حسن جدا " و"حسن و"قريب من الحسن " فقط‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫الربع‬‫الباب ّ‬
‫الدكتوراه‬ ‫أطروحة ّ‬
‫ّ‬ ‫املادة ‪ :52‬تهدف األطروحة لنيل ّ‬
‫الدكتوراه إلى تكريس قدرات املترشح‬
‫قيم واملساهمة بصفة معتبرة في ّ‬
‫حل‬ ‫لتحقيق عمل بحث مبتكر ذي مستوى ّ‬
‫ّ‬
‫االقتصادية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫االجتماعية و‬ ‫ّ‬
‫التكنولوجية و‬ ‫ّ‬
‫العلمية و‬ ‫املشاكل‬
‫تقدم األطروحة بالضرورة‪ ،‬مساهمة في تطوير املعارف أو ّ‬
‫تؤدي‬ ‫يجب أن ّ‬
‫إلى تطبيقات جديدة‪.‬‬
‫الدكتوراه بتقييم ّ‬
‫املؤهالت واملهارات‬ ‫التكوين في ّ‬ ‫تسمح املقتضيات في مجال ّ‬
‫جيدة وباستقاللية عند الحائز‬‫والقدرات املطلوبة للقيام بأعمال البحث بصفة ّ‬
‫ّ‬
‫الحقا الشهادة‪.‬‬
‫املادة ‪ :53‬يفتح التسجيل للحصول على ّ‬
‫الدكتوراه للحائزين على املاجستير‬
‫ّ‬
‫بمالحظة تتطابق واملادة ‪ 51‬أعاله‪ ،‬أو شهادة تعادلها‪.‬‬
‫الدكتوراه بلقب دكتور في العلوم في االختصاص‬ ‫التكوين في ّ‬
‫يتوج ّ‬ ‫املادة ‪ّ :54‬‬
‫املدروس‪.‬‬
‫تتمثل أطروحة ّ‬ ‫ّ‬
‫الدكتوراه في إعداد عمل بحث مبتكر نشر على‬ ‫املادة ‪:55‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األقل ّ‬
‫علمية ذات اهتمام معترف به وذات لجنة قراءة‪،‬‬ ‫مرة واحدة في مجلة‬
‫ومتوج بتحرير أطروحة ومناقشتها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫املادة ‪ :56‬األطروحة هي عرض كتابي متبوع بتقديم شفوي ألعمال البحث‬
‫الدكتوراه‪.‬‬ ‫التي ّتمت قصد الحصول على ّ‬
‫األطروحة هي نتيجة عمل طالب واحد‪.‬‬
‫املادة ‪ :57‬ينشأ جدول فهرس ّي مركز ّي ملواضيع األطروحات املناقشة وكذا‬
‫كل أستاذ‬‫املواضيع الجار ّية حسب املجاالت واالختصاصات وهو مفتوح أمام ّ‬
‫ّ‬
‫باحث لإلطالع عليه‪.‬‬
‫‪245‬‬
‫تحدد شروط إنشاء الجدول الفهرس ي املركزي لألطروحات وتسجيل‬ ‫ّ‬
‫املكلف ّ‬ ‫ّ‬
‫بالتعليم العالي‪.‬‬ ‫مواضيع األطروحات فيها وسحبها بقرار من الوزير‬
‫ّ‬
‫املادة ‪ :58‬يختار املترشح موضوع األطروحة باالتفاق مع املشرف وعليه‬
‫إيداعه عند تسجيله ّ‬
‫األول‪.‬‬
‫الدكتوراه طبقا ّ‬
‫للمادة ‪ 36‬أعاله‪.‬‬ ‫يجب أن يكون موضوع أطروحة ّ‬
‫ّ‬
‫الجامعية‬ ‫يقدم موضوع األطروحة املختار ملوافقة املجلس العلمي للهيئة‬ ‫ّ‬
‫املؤهلة الذي يقدر تطابقه‬ ‫للمؤسسة ّ‬ ‫ّ‬ ‫املعنية أو املجلس العلمي أو البيداغوجي‬ ‫ّ‬
‫ويسجل املوضوع املعتمد في الجدول الفهرس ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األولوية‪.‬‬ ‫مع محاور البحث ذات‬
‫املركزي لألطروحات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املادة ‪ :59‬يجب أن ّ‬
‫العربية‪.‬‬ ‫تحرر وثيقة األطروحة باللغة‬
‫املؤسسة ترخيصا‬ ‫كما يمكن تحريرها بلغة أخرى في حالة ما إذا منح مدير ّ‬
‫ّ‬
‫املعنية أو‬ ‫ّ‬
‫الجامعية‬ ‫للمؤسسة‬‫ّ‬ ‫صريحا بذلك‪ ،‬بعد إدالء املجلس العلمي‬
‫ّ‬ ‫املجلس العلمي للمؤسسة ّ‬
‫املؤهلة برأي معلل‪.‬‬
‫الرسمي قصد‬ ‫املادة ‪ :60‬يجب أن يرفق ملف األطروحة عند إيداعه ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العربية‪ ،‬إجبار ّيا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بملخص وثيقة األطروحة املحرر باللغة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العربية‬ ‫املحررة بلغة أخرى غير اللغة‬ ‫كما يجب أن ترفق األطروحات‬
‫بملخص يعد بلغة كتابة األطروحة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫امللخصات بقرار من‬ ‫يحدد محتوى األطروحة ومواصفات تقديمها وكذا ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫املكلف ّ‬
‫بالتعليم العالي‪.‬‬ ‫الوزير‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تحصل‪ ،‬في إطار أعماله‪ ،‬على معلومات‬ ‫املادة ‪ :61‬على املترشح الذي‬
‫يتعهد بأال يستعمل هذه املعلومات في‬ ‫سر ّية أو ذات نشر محدود أن ّ‬ ‫خاصة أو ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫املعنية‬ ‫يتعهد بالحصول على ترخيص كتابي من املؤسسة‬ ‫تحرير أطروحته أو ّ‬
‫الرسمي لألطروحة‪.‬‬ ‫قبل اإليداع ّ‬
‫‪246‬‬
‫أكاديمية‪ ،‬وفي إطار ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التبادل ما بين‬ ‫املادة ‪ :62‬الت رخيص للمترشح ألسباب‬
‫املؤسسات‪ ،‬أن يتابع جزءا من أعمال أطروحته في مؤسسة بحث غير املؤسسة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سجل بها‪.‬و يجب أن ّ‬ ‫التي ّ‬
‫وتقدم‬ ‫تحرر هذه األسباب بالتشاور مع املشرف‬
‫املعنية أو املجلس العلمي أو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجامعية‬ ‫لتقدير املجلس العلمي للهيئة‬
‫البيداغوجي للمؤسسة املؤهلة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املترشح أن يختار قبل تسجيله ّ‬ ‫ّ‬
‫ويتحصل‬ ‫األول مشرفا‬ ‫املادة ‪ :63‬يجب على‬
‫ّ‬
‫منه على قبوله طبقا لإلجراءات اإلدار ّية املعمول بها في مؤسسة التسجيل‪.‬‬
‫األستاذية ّ‬
‫مؤهال باملعنى املنصوص‬ ‫ّ‬ ‫املادة ‪ :64‬يكون املشرف أستاذ برتبة‬
‫السابع من هذا املرسوم‪ ،‬لتوجيه فرق أو مشاريع بحث أو‬ ‫عليه في الباب ّ‬
‫تأطيرها‪ .‬ويكون برتبة أستاذ ا ّلتعليم العالي أو مدير أبحاث أو أستاذ ّ‬
‫مؤهل أو‬
‫أستاذ أبحاث‪.‬‬
‫يخضع اختيار املشرف على األطروحة ملوافقة املجلس العلمي للهيئة‬
‫املعنية أو املجلس العلمي أو البيداغوجي للمؤسسة ّ‬
‫املؤهلة لتنظيم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجامعية‬
‫الدكتوراه‪.‬‬‫التكوين في ّ‬‫ّ‬
‫املادة ‪ :65‬يمكن املترشح استثناء وألسب اب مقبولة‪ ،‬تغيير املشرف إذا‬
‫تحصل على قبول املشرف الجديد املختار وإذا استوفى هذا األخير الشروط‬ ‫ّ‬
‫املحددة في الفقرة األولى من املادة ‪ 64‬أعاله‪.‬‬
‫الجامعية ّ‬
‫املعية أو املجلس العلمي أو‬ ‫ّ‬ ‫يجب أن يقبل املجلس العلمي للهيئة‬
‫البيداغوجي للمؤسسة ّ‬
‫املؤهلة تغيير املشرف‪.‬‬
‫املادة ‪ :66‬يمكن أن يساعد املشرف مشرف مساعد أن يجعل مشاركته‬
‫ر ّ‬
‫سمية‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫يتحصل على موافقة‬ ‫ّ‬ ‫يختار املشرف‪ ،‬املشرف املساعد الذي يجب أن‬
‫املجلس العلمي للهيئة الجامعية املعينة أو املجلس العلمي أو البيداغوجي‬
‫ّ‬
‫ملؤسسة التسجيل‪.‬‬
‫يمكن املشرف املساعد بصفته مناقشا‪ ،‬وال يؤثر تعيينه بصفة مشرفا‬
‫مساعدا في ش يء على اختيار الحق ألعضاء لجنة املناقشة‪.‬‬
‫تقدم أعمال البحث‬ ‫املادة ‪ :67‬يتابع املشرف على األطروحة بانتظام حالة ّ‬
‫ويحرر تقريرا بذلك كل ّسنة للمجلس العلمي أو البيداغوجي املعني‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫تتم مناقشة أطروحة ّ‬ ‫املادة ‪ :68‬ال يمكن أن ّ‬
‫الدكتوراه إال بعد أربعة )‪(4‬‬
‫تسجيالت متتالية على األقل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يحدد العدد األقص ى للتسجيالت بخمس تسجيالت ويمكن أن يمنح‬
‫املترشح تسجيال سادسا‪ ،‬استثنائيا وبناء على رأي مخالف من املجلس العلمي أو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وموضح قانونا‪.‬‬ ‫البيداغوجي املعني معلل‬
‫يمكن املترشح مناقشة أطروحته في أي وقت من سنة أخر تسجيل له‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املادة ‪ :69‬يشطب املترشح الذي لم يتمكن من مناقشة أطروحته‪ ،‬عند‬
‫السادسة لتسجيله‪ ،‬من قوائم ّ‬
‫التكوين‬ ‫السنة ّ‬ ‫األكاديمية التي تلي ّ‬‫ّ‬ ‫السنة‬ ‫نهاية ّ‬
‫الدكتوراه‪ ،‬كما يسحب موضوع بحثه من الجدول الفهرس ي املركزي‬ ‫في ّ‬
‫لألطروحات املذكورة في املادة ‪ 57‬أعاله‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املادة ‪ :70‬تتم مناقشة األطروحة أمام لجنة ّ‬
‫قانونية تتألف‬ ‫مكونة بصفة‬
‫التعليم العالي أو مدير أبحاث‪ ،‬أو‬ ‫ستة أعضاء برتبة أستاذ في ّ‬ ‫من أ بعة إلى ّ‬
‫ر‬
‫مؤهل أو أستاذ أبحاث‪ ،‬ويكون فيها للمشرف صفة ّ‬
‫مقررا‪.‬‬ ‫أستاذ ّ‬
‫ّ‬
‫يجب أن يكون نصف عدد أعضاء اللجنة على األقل أو ثلثاها على األكثر‬
‫ّ‬
‫من خارج مؤسسة التسجيل‪ ،‬ويتم اختيارهم لكفاءتهم في مجال اهتمام‬

‫‪248‬‬
‫ّ‬
‫املوضوع من بين األساتذة الباحثين الذين يستوفون الشروط املحددة في‬
‫الفقرة أعاله‪.‬‬
‫عالوة على األعضاء املنصوص عليهم في الفقرة األولى أعاله‪ ،‬يمكن استدعاء‬
‫أخصائي واحد‪ ،‬ذي مستوى عال بصفته عضوا مدع ّوا للمشاركة في املناقشة‪.‬و‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫للعضو املدعو صوت استشاري أثناء مداوالت اللجنة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫املعنية أو املجلس‬ ‫الجامعية‬ ‫املادة ‪ :71‬يشكل اللجنة املجلس العلمي للهيئة‬
‫املؤهلة الذي يقترحها على مدير الجامعة أو‬ ‫العلمي أو البيداغوجي للمؤسسة ّ‬
‫مدير املؤسسة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتضمن تعيين اللجنة‪.‬‬ ‫يحرر مدير الجامعة أو مدير املؤسسة مقررا‬
‫اللجنة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫يوضح هذا املقرر صفة ّ‬ ‫و ّ‬
‫الرئيس واملقرر‬ ‫كل عضو من أعضاء‬
‫واملقرر املساعد‪ ،‬عند االقتضاء وكذا العضو املدعو احتماال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املادة ‪ :72‬تتمثل عهدة رئيس اللجنة فبما يأتي‪:‬‬
‫النقاش أثناء املناقشة‪.‬‬ ‫‪1‬ـ إدا ة مرحلة األسئلة وتنشيط ّ‬
‫ر‬
‫التوافقي فورا بعد‬ ‫‪ 2‬ـ ئاسة املداوالت في جلسة مغلقة وتشجيع القرار ّ‬
‫ر‬
‫املناقشة‪.‬‬
‫هائية لألطروحة‪ ،‬لدى الهيئات اإلدار ّية‬ ‫الصيغة ّ‬
‫الن ّ‬ ‫التأكيد عند إيداع ّ‬ ‫‪3‬ـ ّ‬
‫ّ‬
‫املعنية‪ّ ،‬أن املترشح قد أخذ بعين االعتبار وبصفة مالئمة تقارير املناقشين‬ ‫ّ‬
‫يفوض هذا الجزء من‬ ‫للرئيس أن ّ‬ ‫قييمية وتوصياتهم أث ناء املناقشة‪ .‬ويمكن ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الت‬
‫عهدته إلى عضو آخر من اللجنة‪.‬‬
‫املعينين‪ ،‬بما فيهم العضو‬ ‫تقدم وثيقة األطروحة ألعضاء اللجنة ّ‬ ‫املادة ‪ّ :73‬‬
‫املحدد للمناقشة كما يجب إيداع ثماني(‪ )8‬نسخ‬ ‫ستين يوما قبل التا يخ ّ‬ ‫املدعو ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫املعنية‪.‬‬ ‫من وثيقة األطروحة في نفس األجل لدى الهيئات اإلدار ّية‬

‫‪249‬‬
‫ّ‬
‫العلمية‬ ‫يجب أن يكون ملف األطروحة مرفقا بنصوص املنشورات‬
‫بملخص كما هو ّ‬‫تبرر ابتكا ّية العمل‪ ،‬وكذا ّ‬ ‫ّ‬
‫للمترشح وخالصة ّ‬
‫محدد في املادة‬ ‫ر‬
‫‪ 60‬أعاله‪.‬‬
‫ّ‬
‫أغلبية‬ ‫سميا لدراسة األطروحة عندما ّيتفق‬ ‫املادة ‪ :74‬تجتمع اللجنة ر ّ‬
‫ّ‬
‫لقابلية‬ ‫ّ‬
‫إيجابيا‬ ‫ّ‬
‫ويحررون لهذا الغرض تقريرا‬ ‫ّ‬
‫قابلية مناقشتها‬ ‫أعضائها على‬
‫املناقشة‪.‬‬
‫ّ ّ‬
‫جوهرية تبلغ هذه‬ ‫في حالة ما إذا كان مشروع األطروحة محل تحفظات‬
‫يقدرا مدى ّ‬
‫صحتهما‪.‬‬ ‫الترشح ّالذين يجب أن ّ‬‫ّ‬
‫التحفظات للمشرف و‬
‫املقدمة‪ ،‬يتم تعيين لجنة ثانية بنفس‬ ‫إذا فض املشرف جميع االنتقادات ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫الشروط املنصوص عليهما في املادتين ‪ 70‬و‪ 71‬أعاله‪.‬‬
‫ّ‬
‫ال رجوع في القرار الذي ّتتخذه اللجنة الثانية‪.‬‬
‫ّ ّ‬
‫قررت الهيئات اإلدار ّية‬ ‫إال إذا ّ‬ ‫املادة ‪ :75‬تكون مناقشة األطروحة علنية‬
‫ّ‬
‫املعنية غير ذالك بعد استشارة الجنة‪.‬‬
‫املادة ‪ :76‬املناقشة جزء ال يتجزأ من سياق تقييم األطروحة‪ ،‬وهي تهدف‬
‫املترشح على ّ‬‫ّ‬ ‫إلى إثبات أصالة األطروحة ّ‬
‫الدفاع عن األعمال‬ ‫بالتحقيق في قدرات‬
‫ّ‬
‫العلمية التي ّتمت في إطار هذه األطروحة والحكم عليها نهائيا‪.‬‬‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بأغلبية‬ ‫املادة ‪ :77‬يكون قرار لجنة املناقشة نهائيا وال رجوع فيه‪ ،‬ويؤخذ‬
‫الرئيس ّ‬
‫مرجحا‪.‬‬ ‫األصوات‪ .‬وفي حالة تساوي عدد األصوات يكون صوت ّ‬
‫سجل فيها‬ ‫املؤهلة التي ّ‬‫سميا داخل املؤسسة ّ‬ ‫املادة ‪ :78‬تتم املناقشة ر ّ‬
‫املترشح وفي قاعة ّ‬‫ّ‬
‫تعين لهذا الغرض وفي تاريخ يحدده رئيس املؤسسة‪.‬‬
‫املادة ‪ :79‬ال يمكن أن تتم املناقشة عادة إذا كان أحد األعضاء غائبا وال‬
‫يمكنه املشاركة في املناقشة عن بعد بواسطة جهاز اتصال السلكي مالئم‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫ّ‬
‫غير ّأنه يمكن رئيس اللجنة ترخيص بانعقاد املناقشة عند غياب أحد‬
‫أعضاء اللجنة باستثناء املقرر‪ ،‬عندما توص ي جميع تقارير املناقشين بانعقاد‬
‫املؤهلين اإلجمالي ال يقل عن أربعة ‪.4‬‬ ‫املناقشة وعندما يكون عدد املناقشين ّ‬
‫املادة ‪ :80‬يكون سير املناقشة بالنسبة لكل الفروع واالختصاصات كما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫ثم ّ‬ ‫اللجنة ّأن شروط املناقشة مجتمعة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يقدم‬ ‫‪ 1‬ـ في البداية يتأكد رئيس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بكيفيات سير‬ ‫للحضور أعضاء اللجنة وكذا املترشح وموضوع أعماله‪ ،‬ويذكر‬
‫املناقشة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪2‬ـ يستفيد املترشح بعد ذلك من عشرين ‪ 20‬إلى ثالثين ‪ 30‬دقيقة‪ ،‬لعرض‬
‫إشكالية أبحاثه وكذا بروتوكول األبحاث املعتمد وذكر نتائج أطروحته‬ ‫ّ‬ ‫جوهر‬
‫التعقيب إذا رغب في ذلك على‬ ‫تبين ابتكا ّية عمله و ّ‬ ‫النتائج التي ّ‬ ‫ئيسية مبرزا ّ‬
‫الر ّ‬
‫ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫املفصلة‪.‬‬ ‫بعض املالحظات املحتواة في تقارير املناقشين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثم ّ‬
‫‪3‬ـ ّ‬
‫يرخص بعد ذلك ألعضاء ا للجنة وحدهم‪ ،‬بطرح أسئلة للمترشح‬
‫ّ‬
‫واإلدالء علنا ببعض املالحظات املتعلقة باألطروحة‪.‬‬
‫ّ‬
‫يخص‬ ‫‪4‬ـ وفي األخير‪ ،‬يمكن األعضاء الحضور‪ ،‬اإلدالء ببعض ّ‬
‫التعاليق فيما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األطروحة أو طرح أسئلة على املترشح‪ .‬ويمكن رئيس اللجنة استعمال عهدته‬
‫تدخل الحضور‪.‬‬ ‫لتحديد ّ‬
‫ّ‬
‫املادة ‪ :81‬عند انتهاء املناقشة‪ ،‬يتداول أعضاء اللجنة في جلسة مغلقة‬
‫ّ‬
‫ويصدرون قرارهم‪ ،‬كما ّيتفقون أيضا على تقييم أداء املترشح أثناء املناقشة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املادة ‪ :82‬يعلن رئيس اللجنة قرار اللجنة وتقييم أداء املترشح أثناء‬
‫املناقشة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املادة ‪ :83‬عقب املناقشة وتبعا ملداوالت اللجنة‪ ،‬ينجح املترشح أو ّ‬
‫يؤجل‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫النجاح الحق في مالحظة "مشرف" أو مالحظة مشرف جدا‪ .‬ويمنح‬ ‫يعطي ّ‬
‫ّ‬
‫املترشح لقب دكتور في العلوم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وعلنيا بلسان رئيسها‪ ،‬عندما‬ ‫شفويا‬ ‫يمكن للجنة أن تنهئ الحائز الشهادة‬
‫نوعية األعمال واألداء أثناء مناقشتها كانا ممتازين‪.‬‬ ‫يجمع أعضاؤها على ّأن ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كتابيا باألسباب التي عللت قرار‬ ‫يحق للمترشح في حالة تأجيله أن يبلغ‬
‫ّ‬
‫اللجنة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تدون أعمال اللجنة في محضر للمناقشة مؤ ّرخ‪ ،‬يوقع عليه‬ ‫املادة ‪ّ :84‬‬
‫اللجنة إلى مدير الجامعة أو املؤسسة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املؤهلة وكذا‬ ‫أعضاء اللجنة ويرسل رئيس‬
‫إلى رئيس املجلس العلمي أو البيداغوجي املعني‪.‬‬
‫املكلف ّ‬‫ّ‬ ‫املادة ‪ّ :85‬‬
‫بالتعليم العالي عند االقتضاء كيفيات‬ ‫يوضح الوزير‬
‫تقديم مناقشة األطروحة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املادة ‪ :86‬يجب أن تحمل الشهادة املسلمة‪ ،‬إضافة إلى الفرع واالختصاص‬
‫اللجنة ورتبهم وكذا األعمال ّ‬ ‫ّ‬
‫املقدمة خالل املناقشة‪.‬‬ ‫واالختيار أسماء أعضاء‬
‫املترشح في إطار أطروحة ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمي التي ّ‬
‫ّ‬
‫الدكتوراه‬ ‫يعدها‬ ‫املادة ‪ :87‬تنسب األعمال‬
‫ّ‬ ‫املؤهلة التي ّ‬ ‫بقوة القانون إلى املؤسسة ّ‬ ‫ّ‬
‫سجل بها املترشح‪ ،‬وقام بأبحاثه فيها‪ ،‬ويمكن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بحر ّية‪ ،‬إال إذا تخلف عنها صراحة لصالح املترشح‪.‬‬ ‫صرف فيها ّ‬‫الت ّ‬
‫تعتبر االبتكارات التي قد تنتج عن األعمال التي ّتمت في مؤسسة ّ‬
‫مؤهلة في‬
‫ّ‬
‫قابلية الب راءة كابتكارات‬ ‫الدكتوراه والتي تستوفي شروط‬ ‫إطار أطروحة ّ‬
‫ّ‬ ‫مصلحيه باملفهوم الذي ّ‬
‫تنص عليه املادتان ‪ 16‬و‪ 17‬من الرسوم التشريعي رقم‬
‫‪ 93‬ـ‪ 17‬املؤ ّرخ في ‪ 7‬ديسمبر سنة ‪ 1993‬واملذكور أعاله‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة مبرمة بين املؤسسة واملترشح‪،‬‬ ‫وملثل هذا االبتكار ولغياب أحكام‬
‫ّ‬
‫املؤهلة التي استعمل املترشح وسائلها والتي ّ‬ ‫تملك املؤسسة ّ‬
‫سجل بها وقام‬
‫بأعماله فيها ّ‬
‫الحق في االبتكار‪.‬‬
‫‪252‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إذا تخلت املؤسسة صراحة عن هذا االبتكار يعود هذا الحق للمترشح‪.‬‬
‫للمترشح أو املؤلف أو املؤلف املساعد في االبتكار الحق في ذكر اسمه في الب راءة‪.‬‬
‫املادة ‪ :"88‬كل تصرف أو محاولة انتحال أو تزوير في النتائج أو غش له‬
‫صلة باألعمال العلمية املطالب بها في األطروحة واملثبتة قانونا أثناء املناقشة أو‬
‫بعدها‪ ،‬يعرض صاحبه إلى إبطال املناقشة أو سحب اللقب الحائز عليه دون‬
‫املساس بالعقوبات املنصوص عليها في التشريع والتنظيم املعمول بهما‪.‬‬

‫أما بعد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫غني عن البيان‪ ،‬أن البحث الذي يكون صاحبه غير مسلح بمنهجية‬
‫علمية صارمة ال يمكن أن يكون متماسكا‪ ،‬ونظرا ملا يالحظ من استخفاف‬
‫بمنهجية البحث العلمي في اللغة واألدب خاصة‪ ،‬وبحجج واهية؛ فمن الضروري‬
‫تركيز الجهود ا لتعليمية والتطبيقية خاصة في الجامعة بدءا من السنة األولى‪،‬‬
‫بل من املراحل األولى من التعليم‪ ،‬لتدريب الطلبة على اعتماد املنطق في الفهم‬
‫واإلجابة والكتابة‪.‬‬
‫وسيحتاج ذلك إلى أمرين ّ‬
‫مهمين‪ ،‬أولهما‪ :‬وعي اللغة التي يكتب بها‪،‬‬
‫تعود الطالب االستجابة العلمية‬‫والثاني‪ :‬وعي املعلومات التي يتلقاها‪ ،‬فإذا ّ‬
‫ّ‬
‫ومهمة الستعمال املنهجية‬ ‫الستعمال اللغة واملعلومة‪ ،‬تكون بداية ّ‬
‫فعالة‬
‫العلمية‪.‬‬
‫إن الحالة الكئيبة التي نالحظها في تطبيق املنهجية‪ ،‬حتى في بحوث‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدكتوراه‪ ،‬تعكس طبيعة التعلم التي تتعارض مع الذكاء‪ ،‬وليس هناك إال‬
‫التربية املنهجية يمكن أن تدفع هذا التعارض‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫ال بد أن يدرك الباحث في األدب أن دراسته بطريقة علمية‪ ،‬تيهئ له‬
‫جيدا إلدراك التجربة الجمالية فيه‪ ،‬فتساعده على اإلحساس بالجمال‬ ‫مدخال ّ‬
‫وتيسر له املتعة بهذا الفن‪ .‬فال تعارض إذن‪ ،‬بين التربية املنهجية وإدراك‬ ‫ّ‬
‫التجربة الجمالية في األدب‪.‬‬
‫فتاكة كالسرطان‬‫ليس البحث في األدب أقل قيمة من البحث في أمراض ّ‬
‫ّ‬
‫والسيدا مثال؛ ألن تخصيص مي زانية كبيرة إلنقاذ املعذبين بهذه األمراض‪ ،‬ليس‬
‫من قبيل القرارات االقتصادية أو السياسية‪ ،‬ولكنها قرارات إنسانية تعتمد على‬
‫اإليمان بقيمة الحياة اإلنسانية‪ ،‬وكرامة اإلنسان في أن بعيش معافى ّ‬
‫يؤدي‬
‫الوظيفة التي خلق من أجلها أال وهي فعل العبادة‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪254‬‬

You might also like