Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 73

‫المملكة المغربية‬

‫وزارة العدل‬
‫المعهد العالي للقضاء‬
‫‪.‬‬

‫بحث نهاية التمرين‬


‫حول موضوع‪:‬‬

‫إشكالية إثبات النسب‬


‫ونفيه في التشريع األسري‬
‫المغربي‬
‫على ضوء العمل القضائي‬

‫إشراف األستاذ‪:‬‬ ‫إعداد الملحق القضائي‪:‬‬


‫سعد أصبان‬ ‫محمد العربي لعبيدي‬
‫رئيس قسم قضاء األسرة‬ ‫الفوج ‪36‬‬
‫بالمحكمة االبتدائية بسال‬
‫أستاذ بالمعهد العالي للقضاء‬

‫فترة التدريب‪:‬‬
‫‪2011-2009‬‬

‫‪1‬‬
‫بعد شكر هللا سبحانه وتعالى على فضله ونعمه‬
‫أتقدم بالشكر الجزيل ألستاذي الفاضل سعد أصبان والذي لم‬
‫يدخر جهدا في مساعدتي بتوجيهاته النيرة ونصائحه الغالية‬
‫سواء في إنجاز هذا البحث أو أثناء تكويننا بالمعهد العالي‬
‫للقضاء‬
‫أتقدم بجزيل الشكر للسيد محمد سعيد بناني المدير العام للمعهد‬
‫العالي للقضاء‬
‫أتقدم بجزيل الشكر للسيد محمد األيوبي مدير تكوين الملحقين‬
‫القضائيين والقضاة‬
‫تشكري وتقديري ألساتذة المعهد األجالء الذين ساهموا في‬
‫تكويننا بعلم وصناعة القضاء والتقاضي‬
‫شكري لكل الموظفين العاملين بالمعهد العالي للقضاء‬

‫‪2‬‬
‫إلى‪:‬‬
‫أبي وأمي‬
‫رمز المحبة‬
‫والعطاء‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫تعتبر رابطة النسب في اإلسالم من أبرز آثار عقد الزوج الذي اعتبره هللا‬
‫ميثاقا غليظا بين الزوجين‪ ،‬ورتب عليه حقوقا‪ ،‬أولها ثبوت نسب كل فرد إلى أبيه‬
‫حتى ال تختلط األنساب ويضيع األوالد‪ .‬ولم يقل اهتمام الشريعة اإلسالمية بنفي‬
‫النسب كما كان لها أكبر االهتمام بإثباته‪ ،‬وذلك لما يتمتع به من مكانة مقدسة بين‬
‫نصوص الشرع وأحكامه الفقهية‪ ،‬إذ يعد أحد أركان ومقاصد الشريعة الخمسة التي‬
‫من بينها النسل "النسب"‪ .‬لذا أمر هللا عز وجل اآلباء أن ينسبوا إليهم أوالدهم‬
‫ونهاهم عن إنكار بنوتهم في قوله جل ثناؤه‪ :‬أدعوهم آلبائهم هو أقسط عند‬
‫هللا‪ ،)1(‬كما توعد الرسول صلى هللا عليه وسلم األبناء الذين ينتسبون إلى غير‬
‫آبائهم فقال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه‬
‫فالجنة عليه حرام"(‪ ،)2‬كما نهى المرأة عن إنساب ولد إلى زوجها ‪ ،‬تعلم أنه ليس‬
‫منه فقال‪" :‬أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من هللا في شيء ولن‬
‫يدخلها الجنة"(‪ ،)3‬وأبطل أن يكون الزنا طريقا لثبوت النسب فقال الرسول صلى‬
‫هللا عليه و سلم‪" :‬الولد للفراش وللعاهر الحجر"(‪.)4‬‬

‫والنسب باعتباره صلة اإلنسان بمن ينتمي إليه من اآلباء واألجداد يدور‬
‫حول محورين أساسيين‪ ،‬وهما اإلثبات بمعنى تأكيد حق متنازع فيه له أثر قانوني‬
‫بالدليل الذي أباحه القانون إلثبات ذلك الحق‪ ،‬والنفي وفق الشروط والضوابط‬
‫الشرعية والقانونية‪ .‬وإذا استقر النسب التحق المنسب بقرابته وتعلقت به سائر‬
‫األحكام الشرعية المرتبطة بهذا النسب من ميراث ونفقة وموانع الزواج وترتبت‬
‫عليه حقوق وواجبات‪ ،‬فكان استقرار النسب استقرارا للمعامالت في المجتمع‪.‬‬

‫(‪ – )1‬اآلية ‪ 5‬من سورة األحزاب‪.‬‬


‫(‪ – )2‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ – )3‬رواه أبو داوود والنسائي‪.‬‬
‫(‪ – )4‬رواه اجلماعة إال أاب داود‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وقد نظم المشرع المغربي أحكام النسب في المواد ‪ 150‬إلى ‪ 162‬ضمن‬
‫الباب الثاني من الكتاب الثالث بمدونة األسرة والتي جاءت بمستجدات هامة وفي‬
‫مقدمتها الخبرة الطبية إلثبات النسب أو نفيه التي تعتبر من التطورات العلمية‬
‫الجديدة‪ ،‬كما سمحت بإلحاق نسب االبن المزداد خالل فترة الخطبة بالخاطب للشبهة‬
‫شريطة توفر شروط منصوص عليها في المادة ‪ 156‬من مدونة األسرة‪.‬‬

‫والنسب حسب مدونة األسرة هو لحمة شرعية بين األب وولده تنتقل من‬
‫السلف إلى الخلف (المادة ‪ 150‬من مدونة األسرة)‪.‬‬

‫والنسب في اللغة يعني القرابة‪ ،‬وسميت القرابة نسبا لما بينهما من صلة‬
‫واتصال‪ ،‬فيقال نسبت فالنا إلى أبيه أنسبه نسبا إذا رفعت في نسبه إلى جده‬
‫األكبر(‪ ،)1‬أما اصطالحا فهو ساللة الدم أو رباط ساللة الدم الذي يربط اإلنسان‬
‫بأصوله وفروعه وحواشيه(‪.)2‬‬

‫والنسب حق للولد يدفع به عن نفسه المعرة والضياع وحق ألمه تدرأ به‬
‫الفضيحة واالتهام بالفحشاء‪ ،‬وحق ألبيه يحفظ به نسبه وولده على أن يضيع أو‬
‫ينسب إليه(‪ ،)3‬كما أنه حق يكتسي طابعا آمرا متعلقا بالنظام العام‪ ،‬وهو ما يؤكده‬
‫قرار صادر عن محكمة االستئناف بمكناس" وطبقا للقواعد اآلمرة فإن البنت ملحقة‬
‫بنسب أبيها وال يعتد بأي اعتراف بالحمل قبل العقد لتعلق قاعدة النسب بالنظام العام‬
‫والقواعد المطبقة فيه آمرة"(‪ ،)4‬ومن هنا يبرز الدور األساسي الذي يلعبه االجتهاد‬
‫القضائي في حل اإلشكاالت العملية وبلورة القواعد من خالل النوازل المعروضة‬
‫عليه باعتباره مصدرا من مصادر القاعدة القانونية‪ .‬وخاصة في حالة تعارض‬

‫(‪ – )1‬ابن منظور لسان العرب‪ ،‬ج ‪ -14‬فعل نسب‪ ،‬ص ‪.119-118‬‬
‫(‪ – )2‬مغنية رشيدي‪ :‬حق الطفل يف النسب دراسة فقهية تشريعية قضائية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم د‪.‬ع‪.‬م يف القانون اخلاص‪،‬‬
‫وحدة األسرة والطفولة‪ ،‬جامعة سيدي حممد بن عبد هللا‪ ،‬فاس ‪،2003-2002‬ص ‪.19‬‬
‫(‪ – )3‬حممد جوهر‪ :‬إثبات ونفي النسب بني الطب والعجب‪ ،‬اجمللة املغربية للقانون واقتصاد التنمية العدد ‪،2004 -50‬‬
‫ص ‪.149‬‬
‫(‪ – )4‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 3560‬والصادر بتاريخ ‪ 2008-12-11‬يف امللف الشرعي عدد‬
‫‪ ،8/08/1951‬غري منشور‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الخبرة كوسيلة علمية حديثة إلثبات ونفي النسب مع باقي الطرق الشرعية األخرى‪،‬‬
‫وهذا ما أسعى إلبرازه في هذا البحث الميداني المتعلق بالنسب من خالل محاكم‬
‫التدريب‪ :‬استئنافية مكناس‪ ،‬وابتدائية مكناس وميسور‪.‬‬

‫أهمية الموضوع ودوافع اختياره‪:‬‬

‫تتجلى أهمية دراسة موضوع إشكالية إثبات النسب ونفيه في التشريع‬


‫األسري المغربي على ضوء العمل القضائي في إبراز األسس القانونية التي جاءت‬
‫بها مدونة األسرة في موضوع النسب وخاصة ما يتعلق بالمستجدات الجديدة‬
‫المتعلقة به‪ ،‬والوقوف على مختلف اإلشكاالت الواقعية التي أفرزها الواقع المعيش‬
‫وكيف تعاملت معها محاكم التدريب ومدى مسايرتها لمواقف المجلس األعلى بهذا‬
‫الخصوص‪.‬‬

‫ولقد كان الدافع الختيار هذا الموضوع كمحور لهذه الدراسة الميدانية كون‬
‫أن النسب بالغ الخطورة وله أبعاد وآثار نفسية على الولد بدرجة أولى كما له بعد‬
‫اجتماعي لكونه يحقق مصلحة عامة للمتجمع ويتضمن حرمات هللا‪ .‬كما كان الدافع‬
‫الوقوف على كيفية تعامل القضاء من خالل محاكم التدريب مع أهم المستجدات‬
‫التي جاءت بها مدونة األسرة في مجال إثبات ونفي النسب‪.‬‬

‫إشكالية الموضوع‪:‬‬

‫تتجلى إشكالية البحث فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا عن المضامين الجديدة التي جاءت بها مدونة األسرة في النسب؟‬

‫‪ -‬كيف تعامل القضاء – محاكم التدريب‪ -‬مع أحكام النسب بصفة عامة‬
‫ومع مستجدا ته في مدونة األسرة بصفة خاصة؟‬

‫‪ -‬وماذا عن اإلشكاليات العملية التي يفرزها التطبيق القضائي من حين‬


‫آلخر في قضايا النسب؟‬

‫منهجية البحث‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫إن دراسة موضوع إشكالية إثبات النسب ونفيه في التشريع األسري‬
‫المغربي على ضوء العمل القضائي يقتضي ضرورة اعتماد منهجية معينة لمعالجة‬
‫هذا الموضوع‪ ،‬ومن هنا عالجت هذا الموضوع وفق منهج تحليلي‪ ،‬من خالل‬
‫تحليل مجموعة من النصوص المتعلقة بالنسب والمضمنة في مدونة األسرة‪ ،‬وأيضا‬
‫األحكام والقرارات الصادرة عن محاكم التدريب في نفس الموضوع‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬

‫بحث هذا الموضوع من خالل الخطة التالية‪:‬‬

‫‪ -‬المحور األول‪ :‬وسائل إثبات النسب‬

‫المبحث األول‪ :‬إثبات النسب بالفراش‬

‫المبحث الثاني‪ :‬إثبات النسب باإلقرار وبالبينة الشرعية‬

‫‪ -‬المحور الثاني‪ :‬وسائل نفي النسب‬

‫المبحث األول‪ :‬نفي النسب عن طريق إثبات اختالل أحد شروط‬


‫الفراش أو باللعان‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬نفي النسب بواسطة الخبرة الطبية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫المحور األول‪ :‬وسائل إثبات النسب‬
‫لقد نصت المادة ‪ 158‬من مدونة األسرة على أنه ‪" :‬يثبت النسب بالفراش‬
‫أو بإقرار األب أو بشهادة عدلين أو بينة السماع وبكل الوسائل األخرى المقررة‬
‫شرعا ً بما في ذلك الخبرة القضائية" محددة بذلك طرق تقليدية وأخرى علمية في‬
‫إثبات النسب وكاشفة عن تطور في قواعد إثبات النسب في القانون المغربي‪.‬‬

‫وهكذا فإن النسب يثبت بالفراش(المبحث األول) وباإلقرار وبالبينة‬


‫الشرعية (المبحث الثاني) وذلك ما سأوضحه فيما يلي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬إثبات النسب بالفراش‬


‫الفراش لغة هو ما بسط عادة للنوم والجلوس عليه‪ ،‬ويطلق على المرأة‬
‫التي يستمتع بها زوجها (‪ ،)1‬لقوله تعالى " وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء‬
‫فجعلناهن أبكارا ً عربا ً أترابا ً ألصحاب اليمين" (‪.)2‬‬

‫واصطالحا ً‪ ،‬الزوجية القائمة أي أن المرأة متعينة للوالدة لشخص واحد‬


‫وال يكون ذلك عادة إال بالزواج الصحيح أو ما ألحقه به المشرع استثناءا ً كالزواج‬
‫الباطل أو الفاسد واالتصال عن طريق الشبهة بخصوص ثبوت النسب (‪.)3‬‬

‫وعليه‪ ،‬سأقسم هذا المبحث إلى مطلبين أخصص (األول) للحديث عن‬
‫ثبوت النسب في الزواج الصحيح‪ ،‬وفي المطلب الثاني أتحدث عن ثبوت النسب في‬
‫الزواج غير الصحيح والوطء بشبهة‪.‬‬

‫( ‪ )1‬حممد ابن منظور‪" :‬لسان العرب" ‪ ،‬دار صادر بريوت ج‪ 6‬ص ‪326:‬‬
‫( ‪ )2‬اآلايت من ‪ 35‬إىل ‪ 38‬من سورة الواقعة‬
‫( ‪ )3‬حممد الكشبور‪" :‬البنوة والنسب يف مدونة األسرة‪ ،‬قراءة يف املستجدات البيولوجية"‪ ،‬دراسة قانونية وشرعية مقارنة‪،‬‬
‫سلسلة الدراسات القانونية املعاصرة ‪ 14‬ط‪ ،2007/‬ص ‪67 :‬‬

‫‪8‬‬
‫المطلب األول‪ :‬ثبوت النسب في الزواج الصحيح‬
‫جاء في المادة ‪ 50‬من مدونة األسرة "إذا توفرت في عقد الزواج أركانه‬
‫وشروط صحته وانتفت موانعه‪ ،‬فيعتبر صحيحا ً وينتج جميع آثاره من الحقوق‬
‫والواجبات التي رتبتها الشريعة بين الزوجين واألبناء واألقارب‪ ،‬المنصوص عليها‬
‫في هذه المدونة"‪.‬‬

‫وال شك أن من أبرز وأهم اآلثار ثبوت نسب الولد الذي يزداد على فراش‬
‫الزوجية لصاحب هذا الفراش‪.‬‬

‫كما جاء في المادة ‪ 154‬من مدونة األسرة الشروط المعتبرة في الفراش‬


‫إلثبات النسب وهكذا نصت هذه المادة على أنه "يثبت نسب الولد بفراش الزوجية‪:‬‬

‫‪ -1‬إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن االتصال سواء كان العقد‬
‫صحيحا ً أم فاسدا‪.‬‬

‫‪ -2‬إذا ولد خالل سنة من تاريخ الفراق"‬

‫وعليه يمكن الحديث عن هذه الشروط في النقط التالية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬إبرام عقد زواج صحيح‬

‫إن العمل بقاعدة الولد للفراش تستوجب توفر عقد زواج صحيح مستوف‬
‫األركان والشروط وموثقاً‪ .‬وهكذا جاء في قرار للمجلس األعلى "‪ ...‬أنه لما كان‬
‫عقد الزواج موثقا والطالق ثابتا ً بتاريخه وتم الوضع خالل األجل القانوني وفي‬
‫ظل غياب أي دليل قوي لما يدعيه الطاعن ألنه ال وجود ألي تقرير يفيد العقم‪،‬‬
‫فإن قرار المحكمة كان مرتكزا ً على أساس قانوني وما جاء في الوسيلة عديم‬
‫الجدوى" (‪.)1‬‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى صادر بتاريخ ‪ ،2009/3/18‬امللف رقم ‪ 2007/1/2/479‬حتت عدد ‪ ،116‬منشور بكتاب‬
‫"أهم قرارات اجمللس األعلى يف تطبيق الكتاب الثالث من مدونة األسرة‪ ،‬ط ادكل للطباعة والنشر‪ ،‬الرابط ‪ ،2007‬ص ‪.79‬‬

‫‪9‬‬
‫وهو نفس ما تعتمده محاكم الموضوع‪ ،‬إذ جاء في قرار صادر عن محكمة‬
‫االستئناف بمكناس "‪ ...‬بالرجوع إلى نسخة عقد الزواج المدلى بها بالملف‪ ،‬يتبين‬
‫أن الزواج تم بين طرفي الدعوى بتاريخ ‪ 1997/12/12‬في حين أن االبن المذكور‬
‫ازداد بتاريخ ‪ 1999/4/21‬أي بعد سنة وأربعة أشهر من تاريخ عقد الزواج‬
‫وبالتالي فهو ال يحق للمستأنف وتعين تبعا ً لذلك رد الدفع المذكور" (‪ .)1‬كما جاء‬
‫في حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بمكناس "‪ ...‬وحيث إن العالقة الزوجية‬
‫قائمة بين الطرفين استنادا إلى نسخة مشهود بمطابقتها لألصل من نسخة عقد‬
‫زواج‪ ...‬وأن المدعى عليه عقد على المدعية بتاريخ ‪ 1997/07/8‬وأن الوالدة تمت‬
‫بتاريخ ‪...1998/01/30‬‬

‫وحيث إنه في غياب الدالئل القوية يمتنع اللجوء إلى الخبرة لنفي النسب‬
‫المستند إلى فراش صحيح" (‪.)2‬‬

‫كما جاء في حكم صادر عن قسم قضاء األسرة التابع البتدائية تاونات ‪" :‬‬
‫حيث أنكر المدعى عليه بواسطة دفاعه أية عالقة له بالمدعية وابنها ولم تدل‬
‫المدعية بما يثبت زواجها منه‪.‬‬

‫وحيث إنه وفضال عن ذلك أجري البحث بواسطة السلطة المحلية فوردت‬
‫نتيجته مكذبة إلدعاء المدعية‪ .‬كما أن أغلب الشهود المستمع إليهم ال يؤكدون تلك‬
‫العالقة‪ ،‬الشيء الذي يكون معه الطلب غير مؤسس ويتعين رفضه‪.)3( "...‬‬

‫فمن خالل هذا العمل القضائي يتضح أن إعمال قرينة الولد للفراش تتطلب‬
‫أن يصب عقد الزواج الصحيح في رسم مكتوب من طرف عدلين منتصبين‬
‫( ‪ )1‬قرار عدد ‪ 3035‬صادر عن حمكمة االستئناف مبكناس بتاريخ ‪ 2008/9/23‬يف امللف الشرعي عدد‬
‫‪ – 8/08/1000‬غري منشور‪.‬‬
‫( ‪ )2‬حكم احملكمة االبتدائية مبكناس بتاريخ ‪ 07/5/9‬يف امللف الشرعي عدد ‪5/5/1783‬ج‪ ،‬منشور بكتاب املنتقى من‬
‫عمل القضاء يف تطبيق مدونة األسرة ‪ ،‬اجلزء األول منشورات مجعية نشر املعلومة القانونية والقضائية سلسلة الشروح‬
‫والدالئل‪ ،‬العدد ‪ 10‬فرباير ‪ ،2009‬ط‪ /‬بدون‪ ،‬ص ‪.257‬‬
‫( ‪ )3‬حكم رقم ‪ ، 380‬ملف ‪ 06/2‬ج ‪ ،‬صادر بتاريخ ‪ 06/11/8‬قسم قضاء األسرة التابع البتدائية اتوانت (غري‬
‫منشور) أوردته امللحقة القضائية عزيزة محيدي يف حبث هنائية التمرين الفوج ‪ ،34‬ص ‪.12‬‬

‫‪10‬‬
‫لإلشهاد ومخاطب عليه من طرف قاضي التوثيق‪ .‬مع مالحظة أن الكتابة في هذا‬
‫الصدد هي لإلثبات ال النعقاد حسب ما يفهم من المادة ‪ 16‬من مدونة األسرة‪.‬‬

‫غير أن اإلشكال الذي يطرح حول ما إذا كان نسب الولد يثبت بمجرد‬
‫إبرام عقد الزواج ومرور المدة المعتبرة شرعا ً أم ال بد للمدعي من إثبات واقعة‬
‫الدخول بالزوجة بعد إبرام العقد ؟‬

‫هذا السؤال كان محط خالفات فقهية‪ ،‬غير أن مدونة األسرة قررت ثبوت‬
‫النسب إن مر على عقد الزواج أقل مدة الحمل مع إمكان االتصال ودون تكليف‬
‫مدعي النسب بإثبات واقعة الدخول (الفقرة األولى من المادة ‪ 154‬من مدونة‬
‫األسرة)‪.‬‬

‫وهكذا اعتبر المجلس األعلى االتصال حاصال ودونما حاجة إلثباته في‬
‫الواقعة التي يتم االتفاق فيها على بعد مرور أدنى أمد الحمل‪ .‬وينفي الزوج‬
‫االتصال دون إثبات‪ .‬ألن الخلوة بين الزوجين ثابتة‪ ،‬وألنها هي األصل‪ ،‬ولم يثبت‬
‫خالف هذا األصل (‪.)1‬‬

‫ففي هذا القرار اكتفى المجلس األعلى بالعقد ومرور أقل أمد الحمل للتدليل‬
‫على حصول االتصال وأنه ال حاجة إلثباته‪ ،‬ألن الخلوة ليست شرطا ً من شروط‬
‫قيام العالقة الزوجية وما ينتج عنها من آثار‪ ،‬بل هي مفترضة بمجرد كتابة عقد‬
‫الزواج وعلى من يدعي خالف ذلك أن يثبته بأدلة واقعية ومحسوسة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مدة الحمل المعتبرة شرعا‬

‫ال يكفي لكي يلحق النسب بالزوج حسب مدونة األسرة إبرام عقد زواج‬
‫صحيح‪ ،‬بل البد من تحقق مدة الحمل المعتبرة شرعا ً إما في حدها األدنى أي ستة‬
‫أشهر من تاريخ العقد‪ ،‬وإما في حدها األقصى أي سنة من تاريخ انتهاء عقد‬
‫الزواج‪.‬‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى الصادر بتاريخ ‪ ،1999/2/16‬منشور مبجلة قضاء اجمللس األعلى‪ ،‬عدد ‪ ،55‬ص ‪ 1123‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ولعل هذا ما كرسه المجلس األعلى من خالل قرارات متواترة عنه‪ ،‬إذ‬
‫جاء في إحدى قراراته "‪ ...‬لكن حيث إن الولد للفراش إن مضى على عقد الزواج‬
‫أقل مدة الحمل وأمكن االتصال وكذا إذا ولد بعد فراق داخل سنة واحدة‪...‬‬
‫والمحكمة لما ثبت لها أن المطلوبة في الطعن قد أتت بالمولودة‪ ...‬ألكثر من ستة‬
‫شهور من تاريخ العقد وألقل من سنة من تاريخ الطالق مما يجعلها الحقة بنسب‬
‫والدها الطاعن بناء على فراش الزوجية‪ ...‬تكون قد أقامت قضاءها على أساس "‬
‫(‪ )1‬وجاء في قرار آخر "‪ ...‬لكن حيث إن المادة ‪ 154‬من مدونة األسرة تنص‬
‫على انه يثبت نسب الولد للفراش إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد‪ .‬والثابت من‬
‫أوراق الملف أن الولد‪ ...‬ازداد على فراش الزوجية بتاريخ ‪ 2001/02/3‬أي بعد‬
‫ستة أشهر من تاريخ العقد‪ ...‬والمحكمة لما ردت دفوع الطاعن بعلة أن الفراش‬
‫يعتبر حجة قاطعة على النسب بصريح المادة ‪ 153‬من مدونة األسرة‪ ...‬تكون قد‬
‫بنت قضاءها على أساس" (‪.)2‬‬

‫ونفس النهج سارت عليه محاكم الموضوع‪ ،‬إذ جاء في قرار لمحكمة‬
‫االستئناف بمكناس " بالرجوع إلى نسخة عقد الزواج ‪ ...‬يتبين أن الزواج تم بين‬
‫طرفي الدعوى بتاريخ ‪ 1997/12/12‬في حين أن االبن المذكور ازداد بتاريخ‬
‫‪ 1999/4/21‬أي بعد سنة وأربعة أشهر من تاريخ العقد وبالتالي فهو الحق‬
‫للمستأنف‪ .)3( "...‬وجاء في قرار آخر لها " ويحث إن العالقة الزوجية ربطت بين‬
‫طرفي النزاع ابتداء من تاريخ ‪ 2005/5/2‬وانتهت بالحكم بالتطليق بتاريخ‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى صادر بتاريخ ‪ 2006/06/28‬رقم ‪ 2005 1/2/188‬حتت عدد ‪ ،418‬منشور بكتاب أهم‬
‫قرارات اجمللس األعلى يف تطبيق الكتاب الثالث من مدونة األسرة‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫( ‪ )2‬قرار اجمللس األعلى صادر بتاريخ ‪ 2006/11/15‬امللف رقم ‪ 2005/1/2/317‬حتت عدد ‪ ،639‬املرجع نفسه‪،‬‬
‫ص ‪.77‬‬
‫( ‪ )3‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 3035‬يف امللف عدد ‪ 8/08/1000‬والصادر بتاريخ ‪ ،2008/9/23‬غري‬
‫منشور‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ 07/7/26‬مما يجعل ازدياد االبن‪ ...‬بتاريخ ‪ 2007/2/14‬حصل أثناء العالقة‬
‫الزوجية‪ ...‬مما يجعل نسبه لوالده تابتا استنادا لقاعدة الولد للفراش" (‪.)1‬‬

‫وجاء في قرار آخر لها " وحيث إن االبن‪ ...‬ازداد خالل مدة ‪ 7‬أشهر و‬
‫‪ 19‬يوم من تاريخ الطالق أي خالل سنة‪ ،‬وأن المحكمة كانت على صواب لما‬
‫اعتبرت نسبه ثابتا لوالده"‪ .)2( ...‬وجاء في حكم لقسم قضاء اآلسرة التابع‬
‫للمحكمة االبتدائية بمكناس" وحيث تبين للمحكمة من خالل إطالعها على عقد‬
‫الزواج المذكور مراجعه أعاله ورسم والدة البنت ‪ ...‬أنها ازدادت داخل األجل‬
‫القانوني‪ ،‬وبذلك يعتبر الفراش حجة قاطعة على ثبوت النسب‪ .)3(" ...‬وجاء في‬
‫حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية لبولمان بميسور "وحيث‬
‫أدلى المدعي بنسخة مقاررة بزواج‪ ...‬مما يعني أن والدته كانت ألكثر من ستة‬
‫أشهر من تاريخ العقد‪ .‬وحيث إن الولد الذي يولد أثناء فترة العالقة الزوجية المحددة‬
‫في المادة ‪ 154‬من مدونة األسرة يثبت نسبه إلى الزوج بقرينة قانونية قاطعة‪"...‬‬
‫(‪.)4‬‬

‫والمالحظ أن القضاء المغربي يتشدد في ضرورة توفر أقل أمد الحمل‪،‬‬


‫ففي قرار صادر عن المجلس األعلى جاء فيه "الولد للفراش متى ولد لستة أشهر‬
‫من عقد الزواج وهي أدنى مدة الحمل إن أمكن االتصال وإال فال يلحق نسبه" (‪.)5‬‬
‫أما فيما يخص أقصى أمد الحمل ‪ ،‬فقد تم تحديده في سنة من تاريخ الفراق‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فإن المجلس األعلى يتساهل في هذه المدة فقد جاء في إحدى قراراته " على أن‬

‫(‪ )1‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 590‬يف امللف عدد ‪ 8/08/3019‬والصادر بتاريخ ‪ ،2009/2/24‬غري منشور‪.‬‬
‫( ‪ )2‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 2182‬يف امللف عدد ‪ 8/04/1092‬والصادر بتاريخ ‪ ،2004/11/19‬غري منشور‪.‬‬
‫( ‪ )3‬حكم احملكمة االبتدائية مبكناس قسم قضاء األسرة عدد ‪ 2183‬يف امللف عدد ‪5/2078‬ج‪ 08/‬والصادر بتاريخ‬
‫‪.2010/6/8‬غري منشور‪.‬‬
‫( ‪ )4‬حكم احملكمة االبتدائية لبوملان قسم قضاء األسرة عدد ‪ 05/ 378‬والصادر بتاريخ ‪ 05/11/28‬يف امللف‬
‫عدد‪ 05_272‬غري منشور‪.‬‬
‫( ‪ )5‬قرار اجمللس األعلى رقم ‪ 1303‬صادر بتاريخ ‪ 1991/12/12‬منشور مبجلسة قضاء اجمللس األعلى عدد ‪95-83‬‬
‫ص ‪107‬‬

‫‪13‬‬
‫ما بين تاريخ الطالق وفاتح أبريل ال يتعدى أسبوعا وقد نص الفقهاء على أن مثل‬
‫هذه المدة غير مؤثرة الشيء الذي كان معه الحكم المطعون فيه ناقص التعليل" (‪.)1‬‬

‫هذا وتجدر اإلشارة إلى أن المادة ‪ 154‬من مدونة األسرة أغفلت اإلشارة‬
‫إلى التقويم المعتبر في احتساب المدة الشرعية للحمل هل هو القمري أو الشمسي‪،‬‬
‫وهو ما خلف إشكاال خاصة أن التقويم الشمسي يفوق التقويم القمري بإحدى عشر‬
‫يوماً‪.‬‬

‫هذا وقد حسم المجلس األعلى في هذا اإلشكال من خالل عدة قرارات ‪،‬‬
‫بحيث جاء في إحدى قراراته "لكن حيث إنه من جهة أولى فإن المحكمة مصدرة‬
‫القرار المطعون فيه لما اعتمدت التقويم القمري في احتساب أقل مدة الحمل بدال من‬
‫التقويم الشمسي فإنها تكون قد طبقت ما هو مقرر فقها وما جرى به العمل‬
‫القضائي" (‪ .)2‬وجاء في قرار لمحكمة االستئناف بمكناس " وحيث إنه بمقتضى‬
‫مدونة األسرة‪ ،‬فإن أقل أمد الحمل هو ستة أشهر‪ ،‬والمعروف عند الفقهاء أن‬
‫الحساب في ذلك يكون بالشهور القمرية" (‪.)3‬‬

‫فمن خالل حيثيات هذين القرارين يتضح أن العمل القضائي يعتمد التقويم‬
‫الهجري أخذا ً باألحوط وتفاديا لإلضرار بحق الطفل في النسب إلى أبيه‪ ،‬وهو في‬
‫الحقيقية إعمال للمادة ‪ 400‬من مدونة األسرة التي تحيل على المذهب المالكي‬
‫واالجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم اإلسالم فيما لم يرد عليه نص في المدونة‪.‬‬

‫إضافة إلى ما سبق‪ ،‬فهل يجب مراعاة أمد الحمل إلثبات نسب الولد‬
‫للفراش حتى ولو أثبتت الخبرة البنوة ؟‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى رقم ‪ 1461‬صادر بتاريخ ‪ 1988/11/29‬يف امللف عدد ‪ 87/6711‬أشارت إليه مغنية‬
‫رشيدي‪ ،‬حق الطفل يف النسب ‪ ،‬دراسة فقهية تشريعية قضائية ر‪.‬ل‪.‬د‪.‬د‪.‬ع‪.‬م يف القانون اخلاص وحدة األسرة والطفولة‬
‫جامعة سيدي حممد بن عبد هللا فاس‪ -2003-2002 ،‬ص ‪.92‬‬
‫( ‪)2‬اجمللس األعلى قرار عدد ‪ 43‬بتاريخ ‪ 2006/1/18‬منشور بكتاب املنتقى من عمل القضاء‪،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪227‬‬
‫( ‪ )3‬حمكمة االستئناف مبكناس قرار عدد ‪ 3560‬صادر بتاريخ ‪ ،2008/11/11‬يف امللف عدد ‪ 8/08/1951‬غري‬
‫منشور‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ال بد من مراعاة أقل مدة الحمل وأكثرها إلثبات النسب بالفراش ولو أثبتت‬
‫الخبرة البنوة‪ ،‬لكون الخبرة قاصرة على إثبات العالقة الطبيعية فقط‪ ،‬ولكن الفراش‬
‫يثبت اإلطار الشرعي الذي تكونت فيه هذه العالقة(‪.)1‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن من يرفع دعوى تخص إثبات النسب وحتى يستفيد‬
‫من المقتضيات التشريعية التي تحدد أقل مدة الحمل وأقصاها عليه أن يحدد بكل دقة‬
‫تاريخ إبرام العقد في الحالة األولى وتاريخ وقوع الطالق في الحالة الثانية‪،‬‬
‫باإلضافة إلى تاريخ الوالدة‪ ،‬والمسألة قانونية تتصل بجوهر النظام العام وتخضع‬
‫بالتالي لرقابة المجلس األعلى (‪ .)2‬وهكذا جاء في إحدى قراراته بغرفتين"‪ .‬لئن‬
‫كان الفراش الشرعي قرينة قاطعة على إثبات النسب‪ ،‬فإن ذلك مشروط بأن تكون‬
‫الوالدة ثابتة التاريخ وداخل األمد المعتبر شرعا ً بشكل ال مراء وال جدال فيه‪...‬‬
‫وأنه وأمام اختالف الزوجين بشأن تاريخ ازدياد االبن المذكور‪ ،‬فإنه كان على‬
‫المحكمة أن تبحث بوسائل اإلثبات المعتمدة شرعا ً ومنها الخبرة التي ال يوجد نص‬
‫قانوني صريح يمنع المحكمة من االستعانة بها"(‪ .)3‬كما أن محاكم الموضوع تستند‬
‫إلى وسائل اإلثبات المعتمدة لتحديد تاريخ الوالدة بكل دقة لترتب األثر المناسب‬
‫عليها‪ .‬وهكذا جاء في قرار لمحكمة االستئناف بمكناس " حيث تبث للمحكمة أن‬
‫الطفل مزداد بتاريخ ‪ ...‬حسب أوراق الملف‪ ،‬وأن الشهادة اإلدارية المسلمة في هذا‬
‫الشأن تعد حجة على ذلك إلى أن يثبت ما يخالفها"(‪.)4‬‬

‫( ‪ )1‬عمر ملني ‪ :‬د‪ .‬ملحق بوزارة العدل‪ ،‬رئيس غرفة مبحكمة االستئناف يف ندوة مث إلقاؤها ابملعهد العايل للقضاء سنة‬
‫‪.2007‬‬
‫( ‪ )2‬حممد الكشبور ‪" :‬البنوة والنسب يف مدونة األسرة"‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫( ‪ )3‬قرار اجمللس األعلى بغرفتني بتاريخ ‪ 2005/03/9‬يف امللف عدد ‪ ،2003/1/2/615‬منشور بكتاب املنتقى م‪.‬س‪،‬‬
‫ص ‪.226‬‬
‫( ‪. )4‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 1295‬صادر بتاريخ ‪ 2008/4/8‬يف امللف عدد ‪ -8/07/3313‬غري‬
‫منشور ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وهكذا يتضح من خالل حيثيات هذين القرارين أن المحكمة ملزمة باعتماد‬
‫جميع الوسائل المقررة شرعا ً لتحديد تاريخ االزدياد من نسخة عقد زواج أو رسم‬
‫طالق أو شهادة الوفاة وشهادة الوالدة إلثبات االزدياد وتاريخه مع اإلشارة إلى أن‬
‫وصادرة عن الجهة‬ ‫هذه الوثيقة األخيرة يجب أن تتضمن البيانات الالزمة‬
‫المختصة وإال فال يعتد بها كما هو حال الشهادة الصادرة عن ضابط الحالة المدنية‬
‫والمحررة من طرفه بناء على تصريح يحتمل الصدق والكذب‪.‬‬

‫بقي أن أشير إلى نقطة تتعلق بأقصى أمد الحمل ومشكلة الريبة فيه‪ ،‬فقد‬
‫جاء في المادة ‪ 134‬من مدونة األسرة "في حالة إدعاء المعتدة الريبة في الحمل‪،‬‬
‫وحصول المنازعة في ذلك‪ ،‬يرفع األمر إلى المحكمة التي تستعين بذوي‬
‫االختصاص من الخبراء للتأكد من وجود الحمل وفترة نشوءه لتقرر استمرار العدة‬
‫أو انتهائها"‪ .‬فإذا تأكد من ذوي االختصاص أن ما في بطن المرأة هو حمل وجب‬
‫الحكم آنذاك باستمرار العدة وبكيفية غير مباشرة الزيادة في أقصى أمد الحمل‪.‬‬

‫ومن بعض الخرافات المتداولة أن الحمل قد يرقد في بطن أمه لسنوات‬


‫طوال‪ ،‬فالثابت علميا أن الحمل ال يمكن أن يمكث في بطن األم أكثر من تسعة‬
‫أشهر إال استثناءا ً جدا ً ولفترة جد قصيرة‪ .‬وقد قرر المشرع سواء في المغرب أو‬
‫مصر أن أقصى مدة الحمل سنة وذلك من باب االحتياط ال غير (‪.)1‬‬

‫ثالثا ‪ :‬إمكانية االتصال بين الزوجين‬

‫تتعلق االستفادة من قرينة الولد للفراش باإلضافة إلى شرطي الزوجية‬


‫والمدة على شرط آخر وهو إمكانية اتصال الزوج بزوجته‪ ،‬أي اإلمكان المادي‪،‬‬
‫كما يستفاد من المادة ‪ 154‬من مدونة األسرة ‪" ...‬وأمكن االتصال‪ "...‬والمالحظ‬
‫أن هذا الفصل يتحدث عن إمكانية االتصال ال عن تحققه وفي هذا الصدد جاء في‬
‫قرار للمجلس األع لى "‪...‬لكن حيث إن محكمة القرار لما عللت قرارها بأن الوضع‬
‫المتفق على حصوله في غشت ‪ 1990‬قد جاء بعد عقد الزواج المؤرخ في‬

‫( ‪ )1‬حممد الكشبور ‪ " :‬البنوة والنسب"‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.97 -96‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ 89/12/21‬أي بعد مرور أكثر من ستة أشهر أي داخل األمد الذي يترتب عن‬
‫الوضع خالله ثبوت نسب المولود إلى الزوج طبقا للفصول ‪ 76‬و ‪ 84‬و ‪85‬‬
‫و‪ 98‬من المدونة وبذلك يكون االتصال قد حصل وال حاجة إلثباته" (‪ )1‬وجاء في‬
‫قرار آخر له " يتحقق إمكان االتصال بعد ما تبث أن الزوج المقيم بالخارج كان‬
‫يتردد على المغرب حيث تقيم الزوجية خالل قيام العالقة الزوجية (‪ .)2‬وهو نفس‬
‫ما تسير فيه محكمة االستئناف بمكناس حيت جاء في قرار لها " وحيث تبث‬
‫الملف وإقرار المستأنف نفسه كون هذا األخير لم يتم‬ ‫للمحكمة من خالل أوراق‬
‫أسره من طرف‪ ....‬إال بتاريخ ‪ 4‬يناير ‪ 1980‬أي بعد والدة المطلوب نفي نسبه‪.‬‬
‫مما يكون الحكم المستأنف صادف الصواب ويتعين تأييده"(‪)3‬‬
‫ويستتبع إمكانية اتصال الزوج بزوجته إمكانية إنجابها منه بأن يكون بالغا ً‬
‫قادرا ً على الوطء‪ ،‬وأال يكون مجبوبا وال عنينا ً وال مخصيا ً أي اإلمكان الشرعي‬
‫وهو ما سكتت عنه مدونة األسرة‪.‬‬

‫ويقوم المانع الشرعي الذي يحول دون انتساب الولد للزوج وذلك فيما إذا‬
‫كانت المدة الفاصلة بين وضع الحمل وبين عقد الزواج أقل من ستة أشهر الن‬
‫المانع مكتسب من دليل شرعي ما لم يقر الزوج بالمولود فيلحق حينها بنسبه‪ .‬كما‬
‫جاء في قرار المجلس األعلى(‪.)4‬‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 84‬والصادر بتاريخ ‪ 99/2/16‬يف امللف الشرعي عدد ‪ 94/2/2/5729‬منشور مبجلة‬
‫قضاء اجمللس األعلى عدد ‪-61‬ص ‪.76 :‬‬
‫( ‪ )2‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 488‬والصادر بتاريخ ‪ 2005/5/19‬يف امللف الشرعي عدد ‪ 95/2/2/572‬منشور مبجلة‬
‫قضاء اجمللس األعلى عدد مزدوج ‪ -60-59‬ص ‪.163 :‬‬
‫(‪ )3‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 159‬والصادر بتاريخ ‪ 08/1/15‬يف امللف الشرعي عدد ‪ ،8/7/2025‬غري‬
‫منشور‪.‬‬
‫( ‪ )4‬قرار عدد ‪ 213‬صادر بتاريخ ‪ 2005/04/13‬يف امللف عدد ‪ ، 2004/2/356‬منشور مبؤلف إبراهيم حبماين‪،‬‬
‫العمل القضائي يف قضااي األسرة مرتكزاته ومستجداته يف مدونة األحوال الشخصية ومدونة األسرة ط‪ ،2008/‬مكتبة دار‬
‫السالم – الرابط‪ -‬ص ‪ 379‬وما يليها‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ثبوت النسب في الزواج غير الصحيح والوطء‬
‫بشبهة‬
‫بعد ما سأتحدث عن ثبوت النسب في الزواج غير الصحيح (أوال) سأنتقل‬
‫للحديث عن ثبوت النسب للشبهة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬ثبوت النسب في الزواج غير الصحيح‬

‫نصت المادة ‪ 96‬من مدونة األسرة على أن " الزواج غير الصحيح يكون‬
‫إما باطال وإما فاسدا"‪ .‬من هنا سأتحدث عن كل نوع على حدة لمعرفة آثارهما على‬
‫ثبوت النسب‪.‬‬

‫(‪ )1‬الزواج الباطل ‪:‬‬

‫تطرقت المادة ‪ 51‬من مدونة األسرة لحاالت الزواج الباطل‪ ،‬بحيث نصت‬
‫على أنه ‪" :‬يكون الزواج باطال‬

‫‪ -1‬إذا اختل فيه أحد األركان المنصوص عليها في المادة ‪ 10‬أعاله‪.‬‬

‫‪ -2‬إذا وجد بين الزوجين أحد موانع الزواج المنصوص عليها في المواد‬
‫‪ 35‬إلى ‪ 39‬أعاله‪.‬‬

‫‪ -3‬إذا انعدم التطابق بين اإليجاب والقبول‬

‫كما نصت المادة ‪ 58‬من نفس المدونة على ما يلي ‪:‬‬

‫" تصرح المحكمة ببطالن الزواج تطبيقا ألحكام المادة ‪ 97‬أعاله بمجرد‬
‫اطالعها عليه أو بطلب ممن يعينه األمر‪.‬‬

‫يترتب على هذا الزواج بعد البناء الصداق واالستبراء كما يترتب عليه‬
‫عند حسن النية لحوق النسب وحرمة المصاهرة"‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وهكذا فإذا تم بناء بالمرأة في الزواج الباطل‪ ،‬ونتج عن هذا البناء حمل‪،‬‬
‫فإن المشرع قد ميز بين حالة حسن وسوء النية ونكون أمام حسن النية إذا كان‬
‫الزوج المعني جاهال بسبب التحريم‪ ،‬أما إذا كان عالما بذلك ومتيقنا ً منه فنكون أمام‬
‫سوء النية‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد استنبط الفقهاء قاعدة عامة مفادها عدم اجتماع حد ونسب‪،‬‬
‫مع التنبيه إلى أن األصل في الشخص أنه حسن النية‪ ،‬لكن متى يعتد بحسن النية ؟‬

‫يرى األستاذ إبراهيم بحماني‪ ،‬أن المعتبر لحسن القصد هو وقت صدور‬
‫اإليجاب والقبول‪ ،‬ويعتبر اإليجاب والقبول متوافرا ً في الحاالت التالية ‪:‬‬

‫عندما يثبت انه وقع حفل زواج أو خطبة بالشهود‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫وجود وثائق تفيد اتصال الزوجين بنية الزواج وتكون صادرة‬ ‫‪-2‬‬
‫عنهما فعال‪.‬‬

‫إذا قام أحد الزوجين أو هما معا ً لدى المصالح اإلدارية بإنجاز‬ ‫‪-3‬‬
‫وثائق يقران فيها أو أحدهما بالزواج كتسجيل األبناء بمكتب الحالة المدنية مثال(‪.)1‬‬

‫والمالحظ أ ن مدونة األسرة تعتبر أن مدة الحمل في الزواج الباطل‬


‫تبدأ من تاريخ الدخول ال من تاريخ العقد‪ .‬كما أن المعول عليه هو قصد الزوج ال‬
‫الزوجة‪.‬‬

‫هذا وقد كرس العمل القضائي المقتضيات أعاله‪ ،‬إذ جاء في قرار للمجلس‬
‫األعلى "لكن ردا ً على ما ورد في النعي أعاله‪ ،‬فإن المحكمة مصدرة القرار‬
‫المطعون فيه تبت لها أن المطلوب في النقض عقد على الطاعنة وهي حامل‪...‬‬
‫وقضت تبعا ً لذلك بفسخ (البطالن حسب مدونة األسرة) عقد النكاح المبرم بين‬
‫الطرفين‪ ،‬كما قضت بعدم لحوق نسب الولد للمطلوب في النقض… وبذلك تكون‬

‫( ‪ )1‬إبراهيم حبماين ‪ :‬م‪.‬س‪ :‬ص ‪ 23‬وما يليها‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫المحكمة قد عللت قرارها تعليال كافيا ً وطبقت القانون تطبيقا صحيحا" (‪ . )1‬وجاء‬
‫في حكم لقسم قضاء األسرة التابع للمحكمة االبتدائية بفاس ما يلي ‪ " :‬وحيث إن‬
‫بطالن العالقة الزوجية بين والدي البنت… ال يؤثر في نسبها إليهما باعتبار أن‬
‫بطالن العقد يرتب عند حسن النية لحوق النسب وأن حسن النية في العالقات‬
‫الزوجية هو األصل"(‪ .)2‬وجاء في حكم آخر له " وحيث إن الزوج عقد قرانه مع‬
‫زوجته في وقت كانت فيه حامل مما يجعل المانع المؤقت من الزواج قائما وقت‬
‫إبرام العقد مما ترتب عنه بطالن هذا العقد تطبيقا ً لمقتضيات المادة ‪ 58‬من مدونة‬
‫األسرة‪ ...‬وحيث إن الولدين قد ازدادا خالل المدة المعتبرة شرعا ً األمر الذي يجعل‬
‫نسبهما إلى والديهما المذكورين في رسم الزواج الذي تم إبطاله ثابتا ً نظرا لوجود‬
‫حسن النية لدى الزوجان اللذان أقرا أمام هيئة المحكمة خالل جلسة البحث بأن‬
‫اإليجاب والقبول والتراضي على الزواج كان حاصال بينهما وتمت إقامة حفل‬
‫الزفاف الذي حضره جمع من الناس"(‪..)3‬‬

‫وهكذا يتضح من خالل حيثيات العمل القضائي أعاله أن الزواج الباطل‬


‫يترتب عنه عند حسن نية الزوج إلحاق الولد به ويترتب عن ذلك بالتبع ترتيب‬
‫جميع اآلثار المتعلقة بالقرابة بحيث يحرم الزواج في الدرجات الممنوعة وتتحقق به‬
‫نفقة القرابة واإلرث‪.‬‬

‫(‪ )2‬الزواج الفاسـد‬

‫ينقسم الزواج الفاسد طبقا للمادتين ‪ 60‬و ‪ 61‬من مدونة األسرة إلى زواج‬
‫فاسد لصداقه وزواج فاسد لعقده‪.‬‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى بتاريخ ‪ 2006/5/10‬يف امللف عدد ‪ 2005/1/2/598‬منشور بكتاب املنتقى من عمل‬
‫القضاء‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.231‬‬
‫( ‪ )2‬حكم قسم األسرة ابحملكمة االبتدائية بقاس رقم ‪ 2009‬والصادر بتاريخ ‪ 2009/4/6‬يف امللف رقم ‪،8/2/3674‬‬
‫غري منشور‪.‬‬
‫( ‪ )3‬حكم قسم األسرة ابحملكمة االبتدائية بقاس رقم ‪ 390‬والصادر بتاريخ ‪ 2007/1/29‬يف امللف رقم ‪ 06/1/783‬غري‬
‫منشور‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫والزواج الفاسد لصداقه هو الذي اختل فيه شرط كأن يسمى للزوجة صداق‬
‫مما ال يصح التعامل به شرعا‪ ،‬وال يطرح هذا الزواج أي إشكال على مستوى‬
‫النسب مادام أنه يفسخ قبل الدخول ويصحح بعد الدخول بصداق المثل‪.‬‬

‫ويكون الزواج فاسدا ً لعقدة طبقا ألحكام المادة ‪ 61‬في الحاالت الثالث‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬إذا كان الزواج في المرض المخوف ألحد الزوجين إال أن يشفى‬


‫المريض بعد الزواج‪.‬‬

‫‪ -2‬إذا قصد الزوج بالزواج تحليل المبتوتة لمن طلقها ثالثا‪.‬‬

‫‪ -3‬إذا أبرم الزواج بدون ولي في حالة وجوبه‪.‬‬

‫والقاعدة أن الزواج الفاسد لعقده يفسح قبل البناء وبعد ويعتد فيه بالطالق‬
‫والتطليق إن حدث قبل الحكم بالفسخ‪ ،‬ولم يتطرق المشرع بكيفية صريحة إلى‬
‫مسألة ثبوت النسب في الزواج الفاسد لعقده‪ ،‬وإنما نص في المادة ‪ 64‬من مدونة‬
‫األسرة وبصيغة العموم على ما يلي ‪:‬‬

‫"الزواج الذي يفسخ تطبيقا للمادتين ‪ 60‬و ‪ 61‬أعاله ال ينتج أي أثر قبل‬
‫البناء وتترتب عنه بعد البناء آثار العقد الصحيح إلى أن يصدر الحكم بفسخه"‪.‬‬

‫ومن هنا فالزواج الفاسد لعقده يرتب آثار الزواج الصحيح متى تم بناء‬
‫بالزوجة ومن ثمة فالنسب يثبت به دون اعتبار لنية الزوج خالفا ً للزواج الباطل(‪.)1‬‬

‫هذا وقد كرس العمل القضائي المقتضيات أعاله إذ جاء في قرار للمجلس‬
‫األعلى "‪ ...‬والمحكمة لما عللت قراراها بأن رسم ثبوت الزوجية المحتج به ال‬
‫يتضمن اإليجاب والقبول وبالتالي ليس زواجا ً صحيحا ً‪ ،‬دون أن تناقش إذا كان‬
‫زواجا ً فاسدا ً في إطار المادة ‪ 157‬من مدونة األسرة‪ ...‬تكون قد جانبت الصواب"‬

‫( ‪ )1‬حممد الكشبور ‪ :‬البنوة والنسب‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪ 84 :‬وما بعدها‪.‬‬


‫للمزيد من التوسع حول طبيعة النسب يف الزواج الباطل والفاسد‪ ،‬راجع يف هذا الصدد ‪.‬د‪.‬إبراهيم حبماين‪ ،‬نسب األبناء يف‬
‫الزواج الفاسد‪ ،‬مقال منشور مبجلة القضاء والقانون العدد ‪ 149‬ص ‪ 23‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫(‪ .)1‬وجاء في قرار آخر له " لكن حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه‬
‫اعتبرت ما تم بين الطرفين زواجاً‪ ...‬ولما لم يشهد عليه ولم يسم فيه الصداق فإنه‬
‫يبقى زواجا ً فاسدا ً طبقا لمدونة األحوال الشخصية‪ .‬وأنه بمقتضى الفصل ‪ 37‬من‬
‫المدونة المذكورة (المادتان ‪ 64‬و ‪ 157‬م‪ .‬األسرة) فإن الزواج الفاسد لعقده يفسخ‬
‫قبل الدخول وبعده ومن آثاره لحوق النسب" (‪. )2‬‬

‫وهكذا فالمجلس األعلى يؤكد على أنه متى تعلق األمر بزواج فاسد فعلى‬
‫المحكمة أن تناقشه وترتب لحوق النسب عليه بعد تأكدها من توفر شروطه من‬
‫إبرام لزواج فاسد لصداقه أو عقده وانصرام المدة الشرعية من تاريخ العقد أو‬
‫اإلنهاء‪ ،‬وإمكانية والدة الزوجة من زوجها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ثبوت النسب للشبهة(‪( :)3‬المادة ‪ 156‬من مدونة األسرة نموذجاً)‬

‫الشبهة هي كل ما لم يتيقن هل هو حالل أم حرام‪ ،‬فهو ال يكون زنا وال‬


‫ملحقا ً بزنا وال يكون بناء على نكاح صحيح أو فاسد ومن هنا دخلته الشبهة التي‬
‫أنزلته منزلة الفراش على مستوى ثبوت النسب‪.‬‬

‫وفي التشريع األسري المغربي اعتبرت المادة ‪ 152‬من مدونة األسرة أن‬
‫الشبهة تعتبر سببا من أسباب لحوق النسب‪.‬‬

‫ونصت الفقرة األولى من المادة ‪ 159‬من نفس المدونة على ما يلي ‪:‬‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى صادر بتاريخ ‪ 2009/3/18‬يف امللف رقم ‪ 2008/1/2/340‬حتت عدد ‪ ،113‬منشور بكتاب‬
‫أهم قرارات اجمللس األعلى ‪ ،‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.91-90‬‬
‫( ‪ )2‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 39‬الصادر بتاريخ ‪ 2010/01/27‬يف امللف عدد ‪ ،2008/1/2/305‬منشور مبجلة‬
‫قضاء اجمللس األعلى‪ ،‬العدد ‪ 72‬مطبعة األمنية الرابط‪ .2010 ،‬ص ‪.114‬‬
‫( ‪ )3‬والشبهة أنواع ‪:‬‬
‫‪ -‬شبهة العقد‪ :‬وهي ما كان االشتباه حبل الوطء فيها انشئاً عن عقد غري صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬شبهة الفعل‪ :‬وهي ما كان االشتباه حبل الوطء فيها انشئاً عن خطأ غري مقصود‪ ،‬كما لو زفت إليه غري الزوجة اليت عقد‬
‫عليها وقيل له زوجته ومل تكن كذلك يف واقع األمر‪.‬‬
‫‪ -‬شبهة احملل ‪ :‬إذا وجد على فراشه امرأة ظنها زوجته فوطئها مت تبني أهنا أجنبية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫"إذا نتج عن االتصال بشبهة حمل وولدت المرأة ما بين أقل مدة الحمل‬
‫وأكثرها ثبت نسب الولد من المتصل"‪.‬‬

‫وال ن االتصال بشبهة عبارة عن واقعة مادية فقد جاء في الفقرة الثانية من‬
‫المادة ‪ 195‬أعاله أنه‪" :‬يثبت النسب الناتج عن الشبهة بجميع الوسائل المقررة‬
‫شرعا ً"‪.‬‬

‫وباعتبار االتصال عن طريق الشبهة واقعة مادية فغالبا ً يبقى استخالصها‬


‫وتقديرها من مسائل الواقع التي تخضع للسلطة التقديرية لمحاكم الموضوع وال‬
‫رقابة عليها في ذلك من طرف المجلس األعلى إال من حيث التعليل‪ ،‬وهي من‬
‫الحاالت النادرة والتي ال تصل إن وقعت إلى ساحة المحاكم ألن األطراف تفضل‬
‫الستر على العلنية في هذا المجال(‪.)1‬‬

‫هذا ولعل أبرز المستجدات التشريعية التي جاءت بها مدونة األسرة‬
‫القاعدة المنصوص عليها في المادة ‪ " : 156‬إذا تمت الخطوبة وحصل اإليجاب‬
‫والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة‬
‫ينسب للخاطب إذا توفرت الشروط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما ووافق ولي الزوجة عليها عند‬
‫االقتضاء‪.‬‬

‫‪ -‬إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة‪.‬‬

‫‪ -‬إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهما‪.‬‬

‫تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن‪ ،‬إذا أنكر الخاطب‬
‫أن يكون ذلك الحمل منه أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات‬
‫النسب"‪.‬‬

‫( ‪ )1‬حممد الكشبور ‪ " :‬البنوة والنسب"‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 71 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫من هنا فقد جاءت مدونة األسرة بمقتضى جديد في المادة ‪ 156‬منها إذا‬
‫اعتبرت الحمل أثناء الخطبة بمثابة شبهة يثبت بها النسب إذا توفرت الشروط‬
‫المنصوص عليها في هذه المادة‪ ،‬وقد صار االجتهاد القضائي في هذا الصدد‪.‬‬

‫وهكذا جاء في قرار للمجلس األعلى " لكن حيث إنه بمقتضى المادة ‪156‬‬
‫من مدونة األسرة‪ ،‬فإن من ضمن شروط إلحاق النسب بالخاطب للشبهة ثبوت‬
‫الخطبة الناتج عنها الحمل‪ ،‬والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه رفضت طلب‬
‫إلحاق النسب بالمطلوب بعلة أنه ال مجال لتطبيق مقتضيات المادة ‪ 156‬من مدونة‬
‫األسرة لما تبت لها عدم حصول الخبطة بين الطرفين‪ ،‬وأن الحمل ناتج عن عالقة‬
‫فساد ‪ ،‬فتكون بذلك أسست قضاءها على أساس" (‪.)1‬‬

‫فالمجلس األعلى يؤكد على ضرورة حصول الخطبة بين الطرفين إللحاق‬
‫االبن بالخاطب أما إذا كانت العالقة عبارة عن عالقة جنسية عابرة ال تستند إلى‬
‫اتفاق على زواج امتنع نسب الحمل إلى الخاطب‪ .‬وفي هذا جاء في حكم صادر‬
‫عن قسم قضاء األسرة التابع للمحكمة االبتدائية بمكناس " لكن حيث إن المدعية لم‬
‫تستطع إثبات وجود خطبة بينها وبين المدعى عليه واشتهارها بين األسرتين‪ ،‬كما‬
‫أنها لم تستطع إثبات وجود حمل أثناء الخطبة‪.‬‬

‫وحيث إن هذه الشروط هي الواجب توفرها في مقتضيات المادة ‪ 156‬من‬


‫مدونة األسرة حتى يمكن الحديث عن أسباب لحوق النسب‪)2( .‬‬

‫وفي نفس السياق نجد المجلس األعلى يؤكد على ضرورة اشتهار الخطبة‬
‫بين أسرتي الخطيبين وإقرار الخطيبين بان الحمل منهما ووقوعه أثناء الخطبة‪ ،‬إذ‬
‫جاء في إحدى قراراته " لئن كانت المادة ‪ 156‬من مدونة األسرة تجيز لحوق نسب‬
‫حمل المخطوبة للخاطب للشبهة‪ ،‬فإن ذلك رهين باشتهار الخطبة بين أسرتيهما‪،‬‬
‫وإقرار الخطيبين معا ً بأن الحمل منهما وبثبوت وقوعه أثناء الخطبة‪ .‬كما أن‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 264‬والصادر بتاريخ ‪ 2006/4/26‬منشور بكتاب املنتقى‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪230 :‬‬
‫(‪)2‬حكم صادر عن قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد ‪ 1029‬والصادر بتاريخ ‪ 2010/3/23‬يف امللف‬
‫عدد ‪5/9/1795‬ج‪ ،‬غري منشور‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الشهود المستمع إليهم من طرف المحكمة استقى معظمهم علمه بالخطوبة عن‬
‫طريق السماع‪ .‬والمحكمة لما قضت بثبوت النسب إلى الطاعن رغم إنكاره تكون قد‬
‫أساءت تطيق المادة المحتج بها"‪.)1(.‬‬

‫وهكذا فالمجلس األعلى يؤكد على أنه ال يكفي التواعد السري بين الرجل‬
‫والمرأة‪ ،‬بل ضروري من اشتهار الخطبة بين أسرتيهما حتى يساهما في إثبات هذه‬
‫الخطبة عند النزاع ولدرء مظنة التستر على حمل كان نتيجة سفاح‪ .‬ويقع عبئ‬
‫إثبات اشتهار الخطبة على الخطيبين‪ ،‬ففي حكم صادر عن قسم قضاء األسرة‬
‫بالمحكمة االبتدائية بميسور جاء فيه ‪ " :‬وحيث إن الخطبة تمت واشتهرت بين‬
‫الناس لمدة ‪ 5‬سنوات حسب الشاهد والذي صرح أمامنا بعد ازدياد االبن أنه له‪،‬‬
‫وهذا يعد قرينة على أن االبن ازداد داخل فترة الخطوبة(‪.)2‬‬

‫كما أن موافقة ولي المخطوبة إذا كانت قاصرة ضرورية ألجل أن تكون‬
‫الخطبة صحيحة ومنتجة آلثارها القانونية ‪ ،‬وإن كان فيه تعارض مع مقتضيات‬
‫المادة ‪ 13‬من مدونة األسرة ألن الولي شرط لصحة عقد الزواج ال الخطبة‪ .‬ففي‬
‫حكم لقسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس جاء فيه " وحيث إن الخطوبة‬
‫اشتهرت بين الطرفين حسب ما أكدته المخطوبة وكذا الخاطب ووالديها‪ ،‬كما وافق‬
‫أب المدعية وهو وليها عليها‪ ...‬مما يتعين معه االستجابة لطلب ثبوت نسب‬
‫البنت‪)3( ....‬‬

‫هذا وقد ذهب المجلس األعلى إلى أنه إذا تمت الخطبة وحصل معها حمل‬
‫من المخطوبة ينسب للخاطب بشروط المادة ‪ 156‬وال يشترط لذلك قيام العالقة‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى صادر بتاريخ ‪ 2007/4/18‬يف امللف رقم ‪ 2006/1/2/282‬حتت عدد ‪ .226‬منشور بكتاب‬
‫أهم قرارات اجمللس األعلى ‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫( ‪ )2‬حكم صادر عن قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية لبوملان مبيسور رقم ‪ 05/24‬الصادر بتاريخ ‪ 05/2/28‬يف امللف‬
‫الشرعي عدد ‪ ،04/313‬حكم غري منشور‪.‬‬
‫(‪ )3‬حكم صادر عن قسم قضاء األسرة التابع للمحكمة االبتدائية مبكناس رقم ‪ 09/285‬الصادر بتاريخ ‪ 09/11/2‬يف‬
‫امللف رقم ‪ 18/09/493‬غري منشور‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الزوجية‪ ،‬إذ جاء في قرار صار عنه "والبين من أوراق الملف ومن شهادة الشهود‬
‫المستمع إليهم من طرف المحكمة أن تصريحاتهم اقتصرت على وجود خطبة بين‬
‫الطالب والمطلوبة في النقض واشتهار هذه الخطبة بين الناس دون أن تكون في‬
‫هذه التصريحات ما يفيد انعقاد الزواج بينهما بحصول اإليجاب والقبول بالشكل‬
‫المقرر في المادة ‪ 16‬من مدونة األسرة‪ ...‬وكان على المحكمة أن تتحقق من توفر‬
‫شروط المادة ‪ 156‬وترتب عليها أثارها بدل أن تطبق المادة ‪.)1("16‬‬

‫والسؤال الذي يطرح‪ ،‬هل يشترط أقل مدة الحمل في إثبات النسب بالشبهة‬
‫في الخطوبة أم أنه قاصر على فراش الزوجية فقط ؟‬

‫إن إعمال المادة ‪ 156‬من مدونة األسرة يقتضي مراعاة المادة ‪154‬‬
‫من نفس المدونة والتي تتحدث عن مدة الحمل المعتبرة شرعاً‪ ،‬طبقا للمادة ‪155‬‬
‫من المدونة والتي تشترط أقل مدة الحمل أو أقصاها عند االتصال بشبهة والذي يبدأ‬
‫من التاريخ الذي انعقدت فيه الخطبة بالنسبة ألقل مدة الحمل أو من تاريخ العدول‬
‫عن الخطبة أو فسخها أو الوفاة بالنسبة ألقصى مدة الحمل‪ ،‬وهو ما يمكن إثباته‬
‫بكل وسائل اإلثبات المعتمدة في مجال إثبات النسب‪.‬‬

‫كذلك ما الحكم إذا نازع الخطيب أن الولد ليس منه‪ ،‬فهل يمكن إثبات نسبه‬
‫بوسيلة أخرى ؟‬

‫تشير الفقرة األخيرة من المادة ‪ 156‬من مدونة األسرة إلى الجواب عن‬
‫هذا السؤال " إذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه‪ ،‬أمكن اللجوء إلى جميع‬
‫الوسائل الشرعية في إثبات النسب" والمقصود بها طبعا ً الخبرة الطبية للتحقق من‬
‫النسب‪ ،‬ففي حكم لقسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بفاس جاء فيه‪ " :‬وحيث‬
‫نصت المادة ‪ 156‬على أنه إذا أنكر الخاطب‪ ...‬وحيث إنه إعماال لهذا المقتضى‬

‫( ‪)1‬قرار اجمللس األعلى بتاريخ ‪ 09/03/18‬يف امللف رقم ‪ 07/1/2/213‬حتت عدد ‪ ،108‬منشور بكتاب أهم قرارات‬
‫اجمللس ‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.88‬‬

‫‪26‬‬
‫فقد أمرت المحكمة تمهيديا بإجراء خبرة على الحامض النووي لكل من المدعى‬
‫عليه والطفلة‪ ...‬لمعرفة ما إذا كانت هذه األخيرة قد تنصلت من صلبه‪...‬‬

‫وحيث إنه بناء على العلل مجتمعة‪ ،‬اقتنعت المحكمة جازمة بأن الشروط‬
‫المنصوص عليها بمقتضى المادة ‪ 156‬من المدونة قام الدليل على توافرها في‬
‫نازلة الحال‪ .‬كما أن تقرير الخبرة جاء شاهدا بلسان حاله على تنسل الطفلة‪ ...‬من‬
‫صلب والدها المدعى عليه " (‪ .)1‬على أنه إذا تأكدت المحكمة من عدم توفر‬
‫شروط المادة ‪ 156‬من مدونة األسرة فإنها ال تلجأ إلى إجراء الخبرة‪ .‬ففي قرار‬
‫للمجلس األعلى جاء فيه " المحكمة مصدرة القرار المطعون لما رفضت طلب‬
‫إلحاق النسب بالمطلوب بعلة أنه ال مجال لتطبيق مقتضيات المادة ‪ 156‬من مدونة‬
‫األسرة بما في ذلك إجراء خبرة لما تبث لها عدم حصول الخطبة بين الطرفين وأن‬
‫العالقة المزعومة الناتج عنها الحمل موضوع النزاع مجرد عالقة فساد‪ ...‬يكون‬
‫قد أسست قضاءها على أساس قانوني صحيح" (‪.)2‬‬

‫وجدير بالذكر فإنه من خالل تصفح مجموعة من األحكام الصادرة عن‬


‫قسم قضاء األسرة التابع للمحكمة االبتدائية بمكناس بخصوص إثبات النسب وفق‬
‫المادة ‪ 156‬من مدونة األسرة فهو ال يكلف نفسه عناء البحث في وجود ظروف‬
‫استثنائية حالت دون توثيق عقد الزواج كالحصول على إذن قاضي األسرة المكلف‬
‫بالزواج إذا كان أحد طرفيه قاصرا ً أو اإلذن بالتعدد‪ ،‬أو إذن السلطة الرئاسية إذا‬
‫تعلق األمر بزواج العسكريين أو وجود ظروف مادية أو عائلية‪ .‬وهي مسائل‬
‫موضوعية تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة والتي يجب عليها أن تتعامل بنوع من‬
‫المرونة تماشيا ً مع المادة ‪ 151‬والتي تؤكد على أن النسب يثبت بالظن وال ينتفي‬
‫إال بحكم قضائي‪ .‬وفي هذا اإلطار نجد أن المحكمة االبتدائية بفاس في حكمها‬

‫( ‪ )1‬حكم صادر عن قسم األسرة ابحملكمة االبتدائية بفاس عدد ‪ 4650‬والصادر بتاريخ ‪ 2007/10/15‬يف امللف‬
‫الشرعي عدد ‪ ،05/1/3181‬غري منشور‬
‫( ‪ )2‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 264‬والصادر بتاريخ ‪ 2006/04/20‬يف امللف رقم ‪ ، 2005/1/2/607‬منشور بكتاب‬
‫أهم قرارات اجمللس األعلى‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.86‬‬

‫‪27‬‬
‫بتاريخ ‪ 2006/04/31‬اعتبرت أن الظروف المادية والعائلية لم تسمح بتوثيق عقد‬
‫الزواج نظرا ً لمرض الجد والوالدين بمثابة ظرف قاهر حال دون توثيق عقد‬
‫الزواج" (‪.)1‬‬

‫وجدير بالذكر أن الخاطب ال يجوز له مالعنة المخطوبة فيما إذا شكك في‬
‫سلوكها أثناء الخطبة ألن النسب ال يثبت له إال بحكم قضائي وذلك عكس الفراش‬
‫في الزواج الصحيح‪ .‬كما أن الحمل الناتج عن الخطبة ال يمكن تسجيله في سجالت‬
‫الحالة المدنية لتوقف ذلك على استصدار حكم قضائي يثبت توفر شروط المادة‬
‫‪ 156‬من مدونة األسرة أوال لترتيب اآلثار القانونية عليه ثانيا‪.‬‬

‫وقبل ختم هذا المبحث المتعلق بإثبات النسب بالفراش أود التأكيد على أنه‬
‫عند توفر شروط الفراش فال يستجاب لطلب الزوج المبني على أن الولد ليس منه‪،‬‬
‫وأنه ناتج عن عالقة الخيانة الزوجيةـ أو أنه عقيم‪ .‬ففي قرار للمجلس األعلى "إذا‬
‫ثبت النسب بالفراش فال يستجاب إلجراء طبي لنفيه" (‪ .)2‬كما جاء في قرار أخر "‬
‫لكن حيث إنه لما كان الفراش الصحيح حجة قاطعة على ثبوت البنت‪ ..‬فإن صدور‬
‫حكم بإدانة المطلوبة في النقض بالخيانة الزوجية وإقرارها بذلك أمام الضابطة‬
‫القضائية‪ ،‬ال تأثير على ثبوت النسب" (‪. )3‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬إثبات النسب باإلقرار والبينة الشرعية‬


‫هكذا بعدما سأتحدث عن إثبات النسب باإلقرار (المطلب األول) سأنتقل‬
‫للحديث عن إثبات النسب بالبينة الشرعية (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إثبات النسب باإلقرار‬

‫( ‪ )1‬حكم رقم ‪ 3382‬صادر عن قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية بقاس‪ ،‬يف امللف رقم ‪ 06/18/3671‬أشارت إليه‬
‫امللحقة القضائية عزيزة محيدي يف حبث هناية التمرين‪ ،‬الفوج ‪ ،34‬ص ‪.37‬‬
‫( ‪ )2‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ ،304‬صادر بتاريخ ‪ 2003/6/12‬يف امللف عدد ‪ ،2001/2/2/374‬أورده ذ‪ .‬إبراهيم‬
‫حبماين يف مؤلفه م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.329 :‬‬
‫( ‪ )3‬قرار اجمللس األعلى الصادر بتاريخ ‪ 2006/01/4‬يف امللف عدد ‪ 2004/1/2/547‬منشور بكتاب املنتقى م‪.‬س‪،‬‬
‫ص ‪.234‬‬

‫‪28‬‬
‫يعتبر اإلقرار أو االستلحاق وسيلة من وسائل إثبات النسب وقد تعرضت‬
‫له مدونة األسرة‪ ،‬في المادة ‪ 152‬منها كسبب من أسباب لحوق النسب‪ .‬وكذلك في‬
‫المادة ‪ 158‬كوسيلة من وسائل إثبات النسب‪.‬‬

‫واإلقرار في اللغة هو اإلذعان للحق واالعتراف به(‪ )1‬واصطالحا ً خبر‬


‫يجب على قائله فقط بلفظه أو بلفظ نائبه‪ .‬واإلقرار بالنسب إخبار شخص بوجود‬
‫القرابة بينه وبين شخص آخر‪.)2(.‬‬

‫هذا ولكي يرتب اإلقرار أثاره القانونية البد من توفر شروط معينة (أوال)‬
‫بعد أن يتم إثباته (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬شروط اإلقرار‬

‫جاء في المادة ‪ 160‬من مدونة األسرة ما يلي‪ " :‬يثبت النسب بإقرار األب‬
‫ببنوة المقر به ولو في مرض الموت‪ ،‬وفق الشروط اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون األب المقر عاقال‪.‬‬

‫‪ -2‬أال يكون الولد المقر به معلوم النسب‪.‬‬

‫‪ -3‬أن ال يكذب المستلحق عقل أو عادة‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يوافق المستلحق إذا كان راشدا ً حين االستلحاق‪ ،‬وإذا استلحق قبل‬
‫أن يبلغ سن الرشد‪ ،‬فله الحق في أن يرفع دعوى نفي النسب عند بلوغه سن‬
‫الرشد‪.‬‬

‫إذا عين المستلحق األم‪ ،‬أمكنها االعتراض بنفي الولد عنها‪ ،‬أو اإلدالء بما‬
‫يثبت عدم صحة االستلحاق‪.‬‬

‫( ‪ )1‬ابن منظور ‪ " :‬لسان العرب"‪،‬ج ‪ 5‬م‪.‬س – ص‪.88‬‬


‫( ‪ )2‬حممد مصطفى شليب أحكام األسرة يف اإلسالم ط‪ 2 /،‬سنة ‪1973‬ص‪. 683.‬‬

‫‪29‬‬
‫لكل من له مصلحة أن يطعن في توفر شروط االستلحاق المذكورة ما دام‬
‫المستلحق حيا"‪.‬‬

‫لقد ذهبت محكمة االستئناف بمكناس في كثير من قراراتها إلى اعتبار‬


‫اإلقرار وسيلة من وسائل إثبات النسب متى توفرت شروطه‪ ،‬حيث جاء في إحدى‬
‫قراراتها " وحيث إن من بين أسباب لحوق النسب إقرار األب ببنوة المقر به‬
‫استنادا ً للمادة ‪ 152‬و‪ 160‬من مدونة األسرة وبذلك فإن ما قضى به الحكم‬
‫المستأنف في محله مما يتعين معه التأييد(‪.)1‬‬

‫وجاء في حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس‬


‫ما يلي " وحيث لكي يرتب اإلقرار بالنسب أثاره القانونية البد من توفر شروطه‪...‬‬
‫وحيث يتبين من خالل وثائق الملف أن المدعي يتمتع بكامل قواه العقلية وبالغ سن‬
‫الرشد وأن الولد المقر به غير معلوم النسب‪ ،‬مما يكون الطلب مبررا ً ويتعين‬
‫االستجابة له(‪.)2‬‬

‫فمتى توفرت شروط اإلقرار فإن االبن يلحق بأبيه‪ ،‬ولو ازداد الولد ألقل‬
‫من أدنى أمد الحمل وفي هذا الصدد جاء في قرار للمجلس األعلى " اإلقرار ولو‬
‫لولد ازداد ألقل من أدنى أمد الحمل استنادا ً إلى ما في مدونة اإلمام مالك ج ‪3‬ص‬
‫‪ 146‬من أن الزوج إذا اقر بنسب الولد إليه‪ ،‬ولو جاءت به ألقل من ستة أشهر‪،‬‬
‫فإنه يلحق به على اعتبار أن الرضا بالزواج كان متوفرا ً قبل كتابة العقد"(‪ ،)3‬وهو‬
‫نفس ما سار عليه قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس ‪ ،‬إذ جاء في حكم‬
‫له " وحيث تبث للمحكمة من خالل تصريحات الطرفين معا ً أن الرضا بالزواج‬
‫كان متوافرا ً قبل كتابة العقد‪ ،‬ومن المنصوص عليه فقها كما جاء في المدونة‬

‫( ‪ )1‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 3509‬والصادر بتاريخ ‪ 2007/11/20‬يف امللف الشرعي عدد‬
‫‪ ، 8/07/2269‬غري منشور‪.‬‬
‫( ‪)2‬حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد ‪ 3738‬والصادر بتاريخ ‪ 2010/10/26‬يف امللف عدد‬
‫‪5/1573‬ج‪ ، 10/‬غري منشور‪.‬‬
‫( ‪ )3‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 553‬الصادر بتاريخ ‪ 2006/9/27‬أشار إليه د‪ .‬عمر ملني‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪8‬‬

‫‪30‬‬
‫الكبرى لإلمام مالك ج ‪ ،3‬ص ‪ 146‬أن الزوج إذا أقر بنسب الولد إليه ولو جاءت‬
‫به ألقل من ‪ 6‬أشهر فإنه يلحق به‪...‬‬

‫وحيث بناء على ما تقدم فإن طلب المدعين مؤسس مما يتعين والحالة هذه‬
‫االستجابة له " (‪.)1‬‬

‫هذا ويعتبر االستلحاق بشروطه سببا ً لثبوت النسب بدون تكليف األب‬
‫المقر بالبينة شرط أال يصرح أن الولد المستلحق به من زنى‪ ،‬وفي هذا اإلطار جاء‬
‫في قرار صادر عن محكمة االستئناف بمكناس " وأن الفصل ‪ 152‬و ‪ 160‬من‬
‫مدونة األسرة حين أكدا ثبوت النسب باإلقرار‪ ،‬فإن ذلك معلوم بالضرورة أن يكون‬
‫اإلقرار ال تشوبه أي شائبة تذهب إلى وجود فساد‪ ...‬والفقه ال يلحق النسب في‬
‫الزنا " (‪ .)2‬فاألب يمكنه استلحاق المزداد خارج نطاق الزواج شرط أن ال يصرح‬
‫أنه من عالقة غير شرعية‪ ،‬ألن مقطوع النسب ال يجوز استلحاقه‪ .‬كما أنه إذا أدين‬
‫المتهم بحكم نهائي في جريمة الفساد فال يعمل بإقراره لكون هذا الحكم حجة على‬
‫أن العالقة بين الطرفين غير شرعية‪ .‬أما إذا لم يدل بحكم نهائي في جريمة الفساد‪،‬‬
‫فيعتبر إقراره في هذه الحالة أقوى من إثبات النسب بالظن(‪.)3‬‬

‫وجدير بالذكر أن القضاء ال يقبل رجوع المقر – بنسب البنتين في عقد‬


‫الخلع‪ -‬في إقراره (‪ .)4‬بحيث من أقر بالنسب ال يمكنه فيما بعد أن ينفيه باالعتماد‬
‫على أن الوضع كان ألقل من مدة الحمل المعتبرة شرعاً‪ ،‬أو أنه عقيم وذلك تماشيا‬
‫مع مقاصد الشرع المتشوف للحوق النسب‪ ،‬كما أن موافقة المستلحق إذا كان راشدا ً‬
‫تكون ضرورية حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بصفرو" وحيث‬

‫( ‪ )1‬حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس بتاريخ ‪ 2006/8/22‬يف امللف عدد ‪ 06/5/2808‬ج‪ ،‬كتاب‬
‫املنتقى م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.282‬‬
‫(‪ )2.‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 3490‬والصادر بتاريخ ‪ 2008/11/4‬يف امللف الشرعي عدد ‪.8/08/183‬‬
‫غري منشور‪.‬‬
‫( ‪ )3‬عمر ملني ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪9‬‬

‫( ‪ )4‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 4‬الصادر يف ‪ ،2006/1/4‬أشار إليه عمر ملني‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.8‬‬

‫‪31‬‬
‫إن إقرار األب ببنوة البنت المطلوب إلحاق نسبها إليه تجب أن تتوفر فيه الشروط‬
‫المتطلبة قانوناً‪....‬‬

‫وحيث أنه للتأكد من قيام تلك الشروط كان من الواجب االستماع إلى‬
‫المطلوب إلحاق نسبها ألنها راشدة‪ .‬وكذا أمها ما دامت معلومة‪.‬‬

‫وحيث أشعر الطالب باإلدالء بعنوان والدة البنت المطلوب استلحاقها وكذا‬
‫إحضار البنت وأمهل ولم يفعل‪.‬‬

‫وحيث بذلك يكون الطلب غير متوفر للشروط المتطلبة قانونا فهو غير‬
‫مقبول"(‪.)1‬‬

‫أما إذا كان المستلحق قاصرا ً فله أن يرفع دعوى نفي النسب عند بلوغه‬
‫سن الرشد القانوني وإذا عين المستلحق األم أمكنها االعتراض بنفي الولد عنها أو‬
‫اإلدالء بما يثبت عدم صحة االستلحاق‪ ،‬وقد درجت المحكمة االبتدائية بمكناس قسم‬
‫قضاء األسرة قبل البث في موضوع النسب لإلقرار استدعاء األم إذا عينها‬
‫المستلحق لتجيب عن ادعاءاته إثباتا أو نفياً‪ ،‬بحيث جاء في أحد أحكامها " وحيث‬
‫حضر المدعيان ‪...‬وصرحا بأنهما يتعاشران معاشرة األزواج‪ ...‬وأقرا على أن‬
‫الطفلين من صلبهما"(‪ .)2‬كما جاء في حكم للمحكمة االبتدائية بميسور "وحيث أقر‬
‫الزوج المدعي األول أن االبن‪ ...‬هو من صلبه ازداد له من زوجته المدعية الثانية‪،‬‬
‫وهو ما أكدته هاته األخيرة كذلك"(‪.)3‬‬

‫ثانيا‪ :‬إثبات اإلقرار بالنسب‬

‫( ‪ )1‬حكم احملكمة االبتدائية بصفرو – قسم قضاء األسرة رقم ‪ 297‬صادر بتاريخ ‪ /5/14‬يف امللف رقم ‪،07/493‬‬
‫أشارت إليه امللحقة القضائية عزيزة محيدي‪ ،‬الفوج ‪ 34‬يف حبث هناية التمرين ص ‪21 :‬‬
‫( ‪ )2‬حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس بتاريخ ‪ 06/8/22‬يف امللف عدد ‪06/5/2808‬ج‪ ،‬املنتقى‬
‫م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.281‬‬
‫( ‪ )3‬حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبيسور رقم ‪ 420‬صادر بتاريخ ‪ 2011/05/2‬يف امللف عدد‬
‫‪ ،2011/318‬غري منشور‬

‫‪32‬‬
‫جاء في المادة ‪ 162‬من مدونة األسرة"يثبت اإلقرار بإشهاد رسمي أو‬
‫بخط يد المقر الذي ال يشك فيه"‬

‫وقد كرست محكمة االستئناف بمكناس مقتضيات هذا الفصل بحيث جاء‬
‫في إحدى قراراتها "وحيث أقر المستأنف في رسم البنوة المضمن تحت عدد أن‬
‫هو ابنه من صلبه ودمه وله على فراشه من زوجته‪ ...‬كما تبنى وأيد‬ ‫االبن‪....‬‬
‫رسم الزوجية التي أقامتها زوجته الذكورة (‪ .)1‬كما جاء في حكم صادر عن قسم‬
‫قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس"حيث التمس المدعيان الحكم باإلشهاد‬
‫على لحوق نسب البنت بوالدها‪.‬‬

‫وحيث إثباتا لدعواهما أدلى المدعيان بشهادة الوالدة‪ ...‬كما أدلى المدعيان‬
‫بصورة مطابقة لألصل من إقرار ببنوة ضمن بعدد‪ .....‬صحيفة‪.......‬سجل‬
‫المختلفة بتاريخ ‪ ......‬توثيق مكناس‪ ...‬تبين من خالله أنه حضر لدى شهيديه‪...‬‬
‫وأشهد أن البنت‪ .....‬المزدادة بتاريخ ‪.....‬بمكناس من صلبه‪...‬من المرأة‪ ...‬إقرارا ً‬
‫منه بالحق ودفعا ً للباطل"(‪.)2‬‬

‫العمل القضائي أعاله يتضح أن اإلقرار الشفوي‬ ‫فمن خالل حيثيات‬


‫بالنسب ال يكفي بل البد من توثيقه إما في شكل إشهاد رسمي لدى الموظف‬
‫المختص أو إشهاد عرفي بخط يده ويوقع عليه‪ ،‬والقصد من ذلك الوقوف على‬
‫اإلرادة الحقيقية للمقر‪ .‬وأنه كان في كامل قواه العقلية وبإرادة حرة‪.‬‬

‫هذا وقد توسع المجلس األعلى في مجال وسائل إثبات اإلقرار‪ ،‬حيث أخذ‬
‫بالرسائل المتبادلة بين الطرفين‪ ،‬بحيث جاء في قرار له " حيث صح ما عابته‬
‫الطاعنة على القرار ذلك أنه بمقتضى المادة ‪ 151‬من مدونة األسرة‪ ،‬فإن النسب‬
‫يثبت بالظن وال ينتفي إال بحكم قضائي‪ .‬والتا بث من الرسائل المتبادلة بين‬

‫( ‪ )1‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 3509‬صدر بتاريخ ‪ 2007/11/20‬يف امللف الشرعي عدد ‪،8/07/2269‬‬
‫غري منشور‬
‫( ‪ )2‬حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد ‪ 11/442‬صادر بتاريخ ‪ 2011/2/8‬يف امللف رقم‬
‫‪5/2680‬ج‪2008/‬‬

‫‪33‬‬
‫الطرفين أنهما تراضيا على الزواج قبل كتابة العقد‪...‬وأن المطلوب أقر بثبوت‬
‫يقر فيه بنسب البنت إليه‬ ‫نسب البنت‪ ...‬إليه كما جاء ذلك بمحضر استجواب عدد‬
‫ومن الشهادة الطبية المؤرخة في‪ ...‬التي يقر فيها أيضا بتاريخ‪ ...‬بأن حمل الطاعنة‬
‫منه ومن الرسالة الرابعة التي بعثها إليها والتي أورد فيها بأنه في أمس الحاجة إلى‬
‫ابنته‪ ...‬والمحكمة لما قضت برفض نفقة البنت لكونها ازدادت بعد ثالثة أشهر من‬
‫تاريخ النكاح‪ ...‬تكون قد خرقت القانون(‪.)1‬‬

‫فمن خالل حيثيات هذا القرار فالمجلس األعلى كان يهدف إلى حماية‬
‫الطفل وتحقيق تشوف الشرع لثبوت النسب وذلك باعتبار الرسائل المتبادلة دليل‬
‫إثبات على وجود اإلقرار بالنسب وبالتالي عدم االعتداد بمدة ثالثة أشهر من تاريخ‬
‫العقد على اعتبار أن الرضا بالزواج كان موجودا ً قبل كتابة العقد‪.‬‬

‫واإلشكال الذي يطرح هل يعتبر اإلقرار المضمن في محررات قضائية أو‬


‫إدارية حجة أمام محكمة الموضوع التي تنظر في دعوى نفي النسب ؟‬

‫الجواب نعم حسب العمل القضائي‪ ،‬إذ جاء في قرار للمجس األعلى "‬
‫والبين من وثائق الملف أن المطلوب أقر أمام السيد وكيل الملك‪ ....‬بأبوته للنبت‪...‬‬
‫ومحكمة القرار التي استبعدت اإلقرار تكون قد أساءت تطبيق القانون" (‪،)2‬‬
‫والهدف دائما تشوف الشرع إلى ثبوت النسب واالكتفاء في ثبوته بالظن‪.‬‬

‫وجدير بالذكر من أن التسجيل بسجالت الحالة المدنية مم طرف األب ال‬


‫يعد إقرارا يثبت به النسب‪ ،‬بحيث جاء في قرار للمجلس األعلى "لكن حيث انه من‬
‫المقرر فقها وقضاء أن النسب ال يثبت إال بالوسائل المقررة في الفصل ‪ 89‬المحتج‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 553‬بتاريخ ‪ ،2006/9/27‬منشور بكتاب املنتقى‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.223‬‬
‫( ‪ )2‬قرار اجمللس األعلى بتاريخ ‪ 2005/6/8‬يف امللف عدد ‪ ،2003/1/2/713‬املنتقى‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.233‬‬

‫‪34‬‬
‫به وليس من ضمنها شهادة الميالد وأن تسجيل مولود بسجل الحالة المدنية ال يعتبر‬
‫إقرارا بالبنوة ممن قام به" (‪.)1‬‬

‫فالمجلس األعلى في هذا القرار اعتبر التسجيل في الحالة المدنية ال يثبت‬


‫النسب وال ينفيه كذلك باعتبار أن سجالت الحالة المدنية موجود بإدارة عمومية‬
‫وبإمكان كل من له مصلحة أن يطلع عليها متى شاء وفي أي وقت شاء‪ .‬وإن كانت‬
‫وثيقة الحالة المدنية المبنية على أمر قضائي حائز لحجية األمر المقضي به تفيد في‬
‫إثبات تاريخ ازدياد الولد‪ .‬مع التنبيه إلى أن اإلقرار بالبنوة ال يمكن االعتماد عليه‬
‫للتسجيل بالحالة المدنية باعتبار أن طلب التسجيل فيها موقوف على اإلدالء بعقد‬
‫الزواج أو ما يقوم مقامه كالحكم بثبوت الزوجية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إثبات النسب بالبينة الشرعية‬


‫كما يثبت النسب بالفراش أو اإلقرار ‪ ،‬فإنه قد يثبت بشهادة عدلين أو بينية‬
‫السماع‪ .‬وفي هذا نصت مدونة األسرة في المادة ‪ 158‬على أنه‪ :‬يثبت النسب‪...‬‬
‫بشهادة عدلين أو بينة السماع‪ "...‬وهكذا بعدما سأقف على ماهية كل واحدة منهما‬
‫(أول) سأنتقل للحديث عن موقف القضاء منهما‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬ماهية شهادة عدلين وبينة السماع‬

‫فالشهادة في حقيقتها إخبار اإلنسان بحق لغيره على غيره‪ ،‬وقد اعتبرها‬
‫المشرع المغربي في مدونة األسرة حجة كافية إلثبات النسب‪ ،‬إال أنه لم ينظمها‬
‫بمقتضات خاصة ‪ ،‬ومن هنا فالمعول عليه هو أحكام الفقه المالكي والذي تحيل‬
‫عليه المادة ‪ 400‬من مدونة األسرة‪.‬‬

‫والقاعدة العامة أن شهادة الشهود التي يثبت بها النسب في الفقه اإلسالمي‬
‫عموما ً والفقه المالكي على وجه الخصوص هي شهادة رجلين أو شهادة رجل‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى ‪ 74‬صادر بغرفتني يف ‪ 18‬فرباير ‪ 2004‬يف امللف املدين عدد‪ ،2000/1/2/352‬منشور‬
‫بكتاب البنوة والنسب ‪،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 228‬وما يليها‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫وامرأتين‪ ،‬على أنه متى تعلق األمر بإثبات الوالدة فيمكن مبدئيا أن يقع اإلثبات عن‬
‫طريق شهادة امرأتين فقط على أساس أن الوالدة من األمور التي ال يطلع عليها إال‬
‫النساء عادة دون الرجال (‪.)1‬‬

‫والفقه المالكي يميز في الشهادة بين الشهادة األصلية والتي يكون‬


‫موضو عها من إمالء المشهود عليه‪ ،‬وبين الشهادة االسترعائية وهي شهادة الشاهد‬
‫بما في علمه‪.‬‬

‫أما بينة السماع فهي نقل خبر مشاع بين الناس(‪ ،)2‬وهي اللفيف التي يشهد‬
‫فيها ‪ 12‬شاهدا ً بأنهم سمعوا سماعا ً شافيا َ بين الناس بالواقعة موضوع الشهادة أي‬
‫أنهم ال يشهدون بعلمهم المباشر بالواقعة كما أنهم ال يرونها أو ينقلونها عن شخص‬
‫أو أشخاص معينين ‪ ،‬وإنما يعتمدون فيما يشهدون به على السماع الفاشي والمنتشر‬
‫بين الناس(‪ .)3‬فبينة السماع كافية إلثبات النسب حسب الفقه المالكي بشروط وهي‪:‬‬
‫االستفاضة والسالمة من الريبة‪ .‬وأداء اليمين تزكية لها‪ ،‬وطول المدة(‪. )4‬‬

‫ثانيا ‪ :‬موقف القضاء من شهادة عدلين وبينة السماع‬

‫لقد ذهب القضاء إلى اعتبار شهادة عدلين وبينة السماع وسيلتان إلثبات‬
‫النسب من أجل تحقيق الغاية السامية للشارع وهي حماية األنساب‪ ،‬ففي قرار‬
‫للمجلس األعلى جاء فيه "يثبت النسب بالفراش أو بإقرار األب أو بشهادة عدلين أو‬
‫بينة السماع بأنه ابنه ولد على فراشه" (‪ .)5‬وجاء في قرار أخر له " وإذ هي‬

‫( ‪ )1‬حممد الكشبور ‪ " :‬البنوة والنسب"‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.130‬‬


‫( ‪ )2‬مرزق أيت احلاج ‪ " :‬الوجيز يف التوثيق العديل ط‪ ،2005 .1/‬مطبعة طوب بريس‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫( ‪ )3‬امحد اخلمليشي ‪ " :‬التعليق على قانون األحوال الشخصية ج‪ ،2‬ط‪ ،1994 .1/‬املعارف اجلديدة‪ ،‬الرابط‪.61 :‬‬
‫( ‪ )4‬حممد الكشبور ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.133‬‬
‫( ‪ )5‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 12‬بتاريخ ‪ 58/10/29‬منشور مبجلة قضاء اجمللس ا؟ألعلى عدد ‪ ،10‬ص ‪49‬‬

‫‪36‬‬
‫التي تعتبر بينة‬ ‫استندت في ثبوت نسب المطلوب للهالك على اإلراثة عدد‪8‬‬
‫شرعية‪ ...‬فقد بنت قضاءها على أساس"(‪.)1‬‬

‫و جاء في قرار آخر له‪ " :‬والبين من وثائق الملف وخصوصا ً الموجب‬
‫عدد‪ ...‬والذي يشهد شهوده بأن الطالب والمطلوبة كان يتعاشران معاشرة األزواج‬
‫إلى أن ازداد ابنهما‪ ...‬وأن سندهم في ذلك المخالطة والمجاورة وبعضهم السماع‬
‫الفاشي المستفيض‪ ،‬والكل بشدة االطالع على األحوال ولما قامت بإلحاق االبن‬
‫المذكور بنسب الطالب استنادا إلى ما ذكر‪ .. .‬فإن قرارها جاء مبنيا ً على‬
‫أساس(‪.)2‬‬

‫وقد سارت محكمة االستئناف بمكناس في نفس توجه المجلس األعلى‬


‫بحيث جاء في إحدى قراراتها " وحيث إن بينة ثبوت النسب أنجزت بتاريخ‬
‫‪ ،2004/3/30‬وأن المحكمة استنتجت من خالل االستماع لشهودها أن العالقة‬
‫الزوجية بين طرفي النزاع ابتدأت منذ ما يفوق ‪ 6‬سنوات من تاريخ اإلشهاد‪ .‬مما‬
‫يجعل البنت ‪ ...‬والتي ازدادت بتاريخ ‪ ،1999/8/15‬ازدادت على فراش الزوجية‬
‫وفي إطار شرعي ونسبها الحق بالمستأنفة والمستأنف عليه"(‪.)3‬‬

‫وهكذا يتضح من خالل الحيثيات أعاله أن النسب يثبت بشهادة عدلين أو‬
‫ما يقوم مقامها من بينة السماع شريطة‪ ،‬أن تكون صالحة وذلك باكتمال نصابها‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن المجلس األعلى " ولما قضت‬
‫(أي المحكمة) بنفي نسبه تبعا ً لذلك تكون قد استبعدت ضمنيا ً بينة النسب عدد ‪135‬‬
‫التي لم تعد حجة صالحة في إثباته بعد رجوع سبعة من شهودها عن شهادتهم وبقي‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 498‬بتاريخ ‪ 2008/10/29‬يف امللف عدد‪ 06/1/2/589‬منشور بكتاب أهم قرارات‬
‫اجمللس األعلى‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫( ‪ )2‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 6‬صادر بتاريخ ‪ 08/1/2‬يف امللف ‪ 2006/1/2/591‬منشور أبهم قرارات اجمللس األعلى‬
‫م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫( ‪ )3‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 3590‬والصادر بتاريخ ‪ 2007/11/27‬يف امللف عدد ‪ ،8/07/754‬غري‬
‫منشور‬

‫‪37‬‬
‫منهم خمسة شهود‪ .‬وهو نصاب ال يستقل الحكم به في دعوى النسب التي ال تثبت‬
‫إال بشهادة عدلين أو ما يقوم مقامها كما جرى به العمل فقها وقضاء وباعتبار‬
‫رجوع من تراجع عن رجوعه غير معتبر لما هو مقرر فقها من أن الرجوع في‬
‫الرجوع غير مقبول و يؤدي إلى إبطال الشهادة"(‪.)1‬‬

‫غير أنه في بعض األحيان قد تتعارض شهادة العدول مع شهادة اللفيف‪،‬‬


‫ففي هذه الحالة فاألسبقية لشهادة العدول ألنها شهادة قطع ال شهادة نقل‪ ،‬فقد جاء في‬
‫قرار للمجلس األعلى "إن ما شهد به العدول مقدم على ما شهد به اللفيف(‪.)2‬‬

‫وجدير بالذكر في آخر هذا المحور إلى أن الخبرة القضائية تعتبر وسيلة‬
‫من وسائل إثبات النسب حسب مدونة األسرة إال أنني سأرجئ الحديث عنها إلى‬
‫المحور الموالي المتعلق بنفي النسب مخافة التكرار‪.‬‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى صادر بتاريخ ‪ 2006/6/28‬يف امللف عدد ‪ 2003/1/2/687‬منشور بكتاب املنتقى‪ ،‬م‪.‬س‪،‬‬
‫ص ‪232‬‬
‫( ‪ )2‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 354‬بتاريخ ‪ 1983/6/23‬م‪.‬ج‪.‬ع ‪ 88871‬أشار إليه حممد الكشبور‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‬
‫‪137‬‬
‫‪38‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬وسائل نفي النسب‬
‫لقد ذهب الفقه المالكي وكذا مدونة األسرة إلى أن هناك وسيلتين شرعيتين‬
‫لنفي النسب وهما‪ :‬اختالل شرط من شروط الفراش‪ ،‬واللعان‪ ،‬وقد أضافت هذه‬
‫األخيرة وسيلة علمية حديثة نصت عليها في المادة ‪ 153‬منها " يثبت الفراش بما‬
‫تثبت به الزوجية‪.‬‬

‫يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب ال يمكن الطعن فيه‬
‫إال من الزوج عن طريق اللعان‪ ،‬أو بواسطة خبرة تفيد القطع بشرطين‪:‬‬

‫‪ -‬إدالء الزوج المعني بدالئل قوية على إدعائه‪.‬‬

‫‪ -‬صدور أمر قضائي بهده الخبرة‬

‫‪ -‬وهكذا بعدما سأتناول نفي النسب عن طريق إثبات اختالل أحد شروط‬
‫الفراش أو باللعان (المبحث األول) سأنتقل للحديث عن نفي النسب بواسطة الخبرة‬
‫الطبية (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬نفي النسب عن طريق إثبات اختالل أحد شروط‬


‫الفراش أو باللعان‬
‫بعدما سأتعرض لنفي النسب عن طريق إثبات اختالل أحد شروط الفراش‬
‫(المطلب األول) سأعرج على نفي النسب باللعان (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نفي النسب عن طريق إثبات اختالل احد شروط‬


‫الفراش‬
‫إذا كان الفراش يعتبر قرينة قاطعة ال تقبل إثبات عكسها في ميدان إثبات‬
‫النسبـ فإن إعمالها رهين بتوفر شروطها مجتمعة كما يستفاد صراحة من مقتضيات‬
‫المادة ‪ 154‬من مدونة األسرة‪.‬‬

‫وهكذا فإن قرينة الفراش تختل في الحاالت التالية‪:‬‬

‫‪39‬‬
‫أوال ‪ :‬عدم وجود عقد زواج صحيح‬

‫إن عقد الزواج هو مناط الفراش يدور معه وجودا ً وعدما ً حتى صار عقد‬
‫الزواج لدى جانب من الفقه مرادفا ً للفراش‪ .‬ومن هنا يمكن للشخص أن ينفي النسب‬
‫عنه كل ما استطاع إثبات عدم وجود الرابطة الزوجية أثناء الحمل أو الوالدة‪ .‬وهذا‬
‫اإلثبات ليس في حقيقته حكرا ً على الرجل والمرأة المعنيين بأمر الحمل أو الولد‬
‫مباشرة وإنما هو حق ثابت لكل ذي مصلحة في نفي الحمل أو الولد‪ .‬ومن ذلك‬
‫الورثة مثال بعد وفاة الرجل أو المرأة الستبعاد ذلك الحمل أو الولد من نطاق‬
‫اإلرث حيث تكون الدعوى في هذه الحالة األخيرة مالية ال دعوى نسب"(‪)1.‬‬

‫وعليه يمكن لكل شخص له مصلحة أن ينفي النسب عنه أو عن غيره كلما‬
‫استطاع إثبات عدم وجود رابطة الزوجية أثناء الحمل أو الوالدة‪ .‬وفي هذا اإلطار‬
‫جاء في حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس "وحيث إن‬
‫من شروط ثبوت النسب للفراش وجود عقد سواء أكان صحيحا ً أو فاسدا ً حسبما‬
‫يستفاد من المادة ‪ 154‬من مدونة األسرة وحيث إن اللفيف المدلى بنسخة منه‬
‫إلثبات قيام العالقة الزوجية والمنجز سنة ‪ 1993‬ال يقوم حجة على وجود عقد بين‬
‫الطرفين أي زواج بمفهومه الشرعي وما يشترط فيه من إيجاب وقبول كشرطي‬
‫انعقاد‪ .‬ذلك انه منجز من طرف المدعية فقط وال تتوفر فيه شروط المادة ‪ 16‬من‬
‫مدونة األسرة‪...‬‬

‫وحيث إنه اعتبارا ً للعلل أعاله مجتمعة فإن طلب المدعية الرامي إلى إثبات‬
‫النسب للفراش غير مؤسس قانوناً"(‪.)2‬‬

‫وقد ذهب المجلس األعلى في العديد من قراراته إلى تأكيد هذه القاعدة‬
‫بحيث ذهب إلى القول في إحدى حيثياته "‪ ...‬لما ثبت أن الزواج كان بعد الوضع‬
‫فإن المولود ال يلحق بنسب المدعى عليه‪ ،‬ولو أقر ببنوته" (‪.)1‬‬

‫( ‪ )1‬حممد الكشبور‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.144‬‬


‫( ‪ )2‬حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد ‪ 11/2001‬صادر بتاريخ ‪ .2011/9/3‬يف امللف رقم‬
‫‪5/2526‬ج‪ ،2008/‬غري منشور‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫فمن خالل حيثيات العمل القضائي أعاله يتضح أن االتصال الجنسي الذي‬
‫يحصل بين رجل وامرأة خارج نطاق عقد الزواج الصحيح أو ما يدخل في حكمه‬
‫ال يرتب عليه القانون لحوق النسب في حالة نشوء حمل أو والدة عن هذه العالقة‬
‫مع األخذ بعين االعتبار المستجد الجديد الذي جاءت به المادة ‪ 156‬من مدونة‬
‫األسرة باإلضافة إلى القواعد الخاصة باالستلحاق‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬عدم تحقق مدة الحمل المعتبرة شرعا ً‬

‫إن المدة المعتبرة شرعا للحمل ترتبط بأقل مدة الحمل وأقصاها‪ ،‬وعليه فإذا‬
‫أتت الزوجية بالولد ألقل من ستة أشهر من تاريخ إبرام عقد الزواج‪ ،‬أو أكثر من‬
‫سنة من تاريخ انتهاء عقد الزواج‪ ،‬فإن النسب ال يلحق بالزوج كقاعدة‪ ،‬بل أكثر من‬
‫ذلك فإن نفي نسب الولد هنا ال يحتاج إلى لعان‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد جاء في قرار لمحكمة االستئناف بمكناس "وحيث إن‬
‫المستأنفة اعترفت بوضع الحمل لمدة دون مدة أقل الحمل التي هي ستة أشهر‪ ..‬فال‬
‫يلحق النسب ألن الولد وضع بتاريخ ‪ 89/12/4‬وتاريخ عقد النكاح هو ‪ 10‬غشت‬
‫مدة حمله أقل من المدة الشرعية المنصوص عليها للحوق‬ ‫‪ ،1989‬فتكون‬
‫النسب"(‪ .)2‬وجاء في قرار آخر لنفس المحكمة "وحيث إنه وفق الشهادة الطبية‬
‫المرفقة بالمقال االفتتاحي فإن البنت المذكورة مزدادة في ‪ 2001/9/5‬وهذا ما تأكد‬
‫بعقد ازديادها عدد‪ ...‬بمعنى أن البنت المذكورة قد ازدادت بعد حوالي أكثر من‬
‫شهرين بعد سنة من يوم العلم بالطالق‪.‬‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 446‬الصادر يف ‪ 30‬مارس ‪ .1983‬منشور مبجلة قضاء اجمللس األعلى‪ ،‬العدد ‪ 39‬ص‬
‫‪.109‬‬
‫( ‪ )2‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 3357‬صادر بتاريخ ‪ 2004/12/13‬يف امللف الشرعي عدد ‪8/04/48‬‬
‫غري منشور‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫وحيث لذلك وما دام قد مر أكثر من سنة على االزدياد المذكور فإن نسب‬
‫البنت ال يلحق المستأنف شرعاً‪)1(...‬‬

‫وفي نفس االتجاه نجد المجلس األعلى يؤكد من خالل العديد من قراراته‬
‫على نفي النسب في حالة عدم تحقق مدة الحمل المعتبرة شرعاً‪ ،‬حيث جاء في‬
‫إحدى قراراته " حيث إنه لما كانت مقتضيات الفصل ‪ 154‬من مدونة األسرة تنص‬
‫على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر من تاريخ العقد‪ ،‬وكان البين من أورق الملف أن‬
‫الطالبة وضعت حملها بتاريخ ‪ 200/12/16‬واألقل من ستة أشهر من تاريخ العقد‬
‫المبرم بتاريخ ‪ ،2000/10/20‬فإن المحكمة لما اعتبرت أن الولد‪ ...‬غير الحق‬
‫بنسب المطلوب في النقض الذي ينفيه عنه تكون قد طبقت الفصل المحتج به تطبيقا‬
‫صحيحا ً ولم تكن في حاجة إلى إجراء خبرة طبية في هذا الشأن‪ )2(....‬وجاء في‬
‫قرار آخر له "‪ ...‬والثابت من وثائق الملف أن الطالبة طلقت من المطلوب في‬
‫‪ 98/10/13‬ولم يراجعها من هذا الطالق إال في ‪ 2002/7/18‬أي بعد انتهاء‬
‫عدتها‪ ...‬واالبن المذكور لم يولد إال في ‪ 2000/10/19‬أي بعد انتهاء أجل السنة‬
‫من تاريخ الطالق المذكور وقبل مراجعتها بسنة ونصف تقريباً‪ .‬والمحكمة لما‬
‫اعتبرت أن نسب االبن المذكور ال يلحق بالمطلوب استنادا إلى ما ذكر فإن قرارها‬
‫جاء مبنيا على أساس‪ .‬ولم تكن في حاجة إلى إجراء الخبرة الجينية أو مسطرة‬
‫اللعان طالما أن المحكمة كانت تتوفر على العناصر الكافية للحسم في‬
‫الموضوع‪.)3("...‬‬

‫( ‪ )1‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 1716‬صادر بتاريخ ‪ 2009/05/12‬يف امللف الشرعي عدد ‪8/04/2782‬‬
‫غري منشور‪.‬‬
‫( ‪ )2‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 213‬والصادر بتاريخ ‪ 2005/4/13‬يف امللف الشرعي عدد ‪ ،2004/1/2/356‬أشار‬
‫إليه ذ‪ .‬مصطفى زرويف يف ميزان الذهب يف قواعد اللعان والنسب من خالل قرارات اجمللس األعلى ط‪ ،2007 ،1/‬مطبعة‬
‫سريينور فاس‪ ،‬ص ‪ 175‬وما بعدها‪.‬‬
‫( ‪ )3‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 152‬والصادر بتاريخ ‪ 2009/4/8‬يف امللف رقم ‪ ،2008 /1/2/293‬أهم قرارات اجمللس‬
‫األعلى م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.81 :‬‬

‫‪42‬‬
‫فمن خالل الحيثيات أعاله فالقضاء تعامل بنوع من الصرامة فقد تبث له‬
‫أن الزوجة التي ولدت ألقل مدة الحمل المعتبرة شراعا ً قد عقد عليها زوجها وهي‬
‫حامل من غيره وبالتالي ال ينبغي أن ينسب له الولد طالما أنه ينكره وال يقر به‬
‫وينفي أن يكون الحمل منه وعقد عليها وهو عالم بذلك‪ ،‬وهو األمر الذي يغني‬
‫المحكمة من إجراء خبرة جينية ويعفي الزوج من اللجوء إلى مسطرة اللعان وهو‬
‫نفس األمر بالنسبة للمطلقة والتي ولدت بعد مرور أكثر من سنة على طالقها حيث‬
‫يدل ذلك على أن الولد ليس ماء المطلق بل من ماء غيره‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬عدم إمكانية االتصال بين الزوجين‬

‫إن قرينة الفراش يمكن هدمها وذلك بإثبات عدم إمكانية حمل الزوجة من‬
‫زوجها كما لو كان مخصيا ً أو مجبوبا ً أو لم يكن كذلك إال أنه لم تكن له مناسبة‬
‫االتصال بزوجته كأن عقد شخص يقطن بدولة أخرى على امرأة تسكن بدولة‬
‫أخرى عبر توكيل ولم يحضر إلى بيت الزوجية إال بعد مرور مدة معينة وعند‬
‫حضوره يجدها حامل أو وضعت حملها‪.‬‬

‫والقضاء يؤكد على شرط إمكان االتصال كشرط أساسي لثبوت النسب‪.‬‬
‫مما يعني بمفهوم المخالفة انتفاء النسب باختالل هذا الشرط بالتبعية‪ .‬وهكذا جاء في‬
‫قرار للمجلس األعلى "حيث صح ما عابه السبب‪ ،‬ذلك أن الفراش يكون حجة‬
‫قاطعة على ثبوت النسب شرط تحقق اإلمكانين العادي والشرعي‪ .‬والتا بث من‬
‫أوراق الملف أن الطاعن نازع في نسب االبن إليه‪ .‬وادعى أنه لم يتصل بالمطلوبة‬
‫منذ ازدياد االبن األول‪ ،‬أي أنه استبرأها بعد هذا الوضع ‪ .‬وأدى يمين اللعان على‬
‫ذلك ‪ ..‬ورفضت الزوجة أداءها رغم توصلها والمحكمة لما عللت قضاءها بأن‬
‫الخبرة ليست من وسائل نفي النسب شرعا ً تكون قد أقامت قضاءها على غير‬
‫أساس" (‪ )1‬وجاء في قرار آخر له "حيث صح ما عابه الطاعن على القرار ذلك‬
‫أن الفراش يكون حجة قاطعة على ثبوت النسب ‪ .‬شرط تحقق االتصال الشرعي‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 37‬صادر بتاريخ ‪ 2006/01/18‬يف امللف رقم ‪ ،2005/1/2/108‬أهم قرارات اجمللس‬
‫األعلى ‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.51‬‬

‫‪43‬‬
‫والثابت من أوراق الملف‪ ...‬أن الطاعن ادعى على أنه لم يتصل بالمطلوبة خالل‬
‫الفترة التي قضاها بعيدا عن زوجته بدولة ايطاليا واستدل على ذلك بموجب لفيف‬
‫‪ ...‬الشيء الذي يؤكده أيضا جواز سفره ولم تنكره المطلوبة والتمس إجراء‬
‫خبرة‪ ...‬والمحكمة لما قضت برفض طلبه‪ ...‬تكون قد أقامت قضاءها على غير‬
‫أساس"(‪.)1‬‬

‫فمن خالل حيثيات هذين القرارين للمجلس األعلى يتضح أنه نقض قرار‬
‫محكمة االستئناف التي لم تستجب لطلب إجراء خبرة لنفي النسب عن الزوج والذي‬
‫أدى يمين اللعان ورفضت الزوجة أدائها بدون مبرر أو التي لم تستجب لها بعدما لم‬
‫تتحقق من االتصال الشرعي وذلك بغياب الزوج عن زوجته خارج البلد الذي تقيم‬
‫فيه‪.‬‬

‫والمالحظ أن القضاء المغربي ال يتساهل في مسألة إثبات عدم إمكانية‬


‫االتصال ويلقيها على عاتق الزوج‪ ،‬عالوة على أنه ال يقبل شهادة الشهود إلثبات‬
‫عدم الدخول‪ ،‬وهكذا جاء في قرار للمجلس األعلى " شهادة الشهود إنما تعتمد في‬
‫إثبات واقعة الزنا بشروطها المحددة شرعا ً وال يعتد بها في إثبات عدم االتصال‬
‫الجنسي بين الزوجين إذا أمكن االتصال‪.)2("...‬‬

‫والمالحظ أن القضاء المغربي ال يأخذ بإدعاء الزوج العقم إال إذا عززه‬
‫بأدلة قوية ‪ ،‬وفي هذا اإلطار جاء في حكم لقسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية‬
‫بفاس " وحيث أقرت أي المدعى عليها بأن المدعي كان عاقرا ً ولم تنجب معه أبناء‬
‫خالل فترة زواجهما‪...‬‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 554‬صادر بتاريخ ‪ 2006/09/27‬يف امللف رقم ‪ ،2006/09/27‬أهم قرارات اجمللس‬
‫األعلى ‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫( ‪ )2‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 578‬صادر بتاريخ ‪ 2000/5/30‬يف امللف رقم ‪ ،1995/5/2/458‬أورده ذ‪ .‬إبراهيم‬
‫حبماين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.278-277 :‬‬

‫‪44‬‬
‫وحيث وجدت المحكمة في هذه اإلفادة دالئل قوية ارتأت على ضوءها‬
‫إجراء خبرة جنينية‪.)1(...‬‬

‫وفي قرار للمجلس األعلى‪ "...‬والطاعن ادعى العقم واستدل على ذلك‬
‫بشواهد طبية وتحليالت مخبرية تؤيد ادعاءه والمحكمة لما اعتبرت هذه الحجج‬
‫قوية وأمرت بإجراء خبرتين‪ ...‬واللتين أثبتا بصفة قطعية بأن البنت‪ ...‬ليست من‬
‫صلب المطلوب وقضت تبعا ً لذلك بنفي نسبها عنه‪...‬جاء قرارها معلال تعليال‬
‫كافيا‪.)2( ".‬‬

‫كما ذهب المجلس األعلى إلى أن العيب الجنسي بالزوج ال يمنع زوجته‬
‫من الحمل منه‪ ،‬وأن الزوجة يمكن أن تحمل دون افتضاض بكارتها(‪.)3‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نفي النسب باللعان‬


‫اللعان نظام شرعي يهدف من ضمن ما يهدف إليه إلى نفي النسب‪ ،‬وهو‬
‫نظام إسالمي خالص ال نظير له مطلقا في باقي التشريعات السماوية أو القوانين‬
‫الوضعية غير ا إلسالمية األخرى‪ ،‬لذلك فهو ال يقبل التطبيق على معتنقي الديانة‬
‫اليهودية والنصرانية إال إذا ارتضوا ذلك صراحة أمام قضائنا المسلم (‪.)4‬‬

‫( ‪ )1‬حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية بفاس عدد ‪ 1205‬صادر بتاريخ ‪ 2009/3/2‬يف امللف رقم‬
‫‪ ،07/1/3704‬غري منشور‬
‫( ‪ )2‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 46‬صادر بتاريخ ‪ 09/01/28‬يف امللف رقم ‪ ،2008/1/2/232‬أهم قرارات اجمللس‬
‫األعلى ‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫( ‪ )3‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 44‬صادر بتاريخ ‪ 06/1/25‬يف امللف رقم ‪ ،2004/1/2/65‬الكشبور ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص‬
‫‪ .275‬وما بعدها‬
‫( ‪ )4‬حممد الكشبور ‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.153‬‬

‫‪45‬‬
‫واللعان لغة‪ :‬يفيد البعد‪ :‬يقال عادة لعنه هللا أي أبعده عنه فهو لعين وملعون‬
‫(‪.)1‬‬

‫وفي االصطالح عرفه الفقه المالكي بأنه ‪ :‬حلف الزوج على زنا زوجته أو‬
‫نفي حملها الالزم له وحلفها على تكذيبه إن أوجب نكولها حدها بحكم قاض(‪.)2‬‬

‫ومن خالل مقتضيات المادة ‪ 153‬من مدونة األسرة اعتبر المشرع‬


‫المغربي اللعان سببا لنفي النسب دون أن يضع له أحكاما خاصة‪ ،‬مما ال مناص‬
‫معه من الرجوع إلى أحكام الفقه المالكي تطبيقا للمادة ‪ 400‬من مدونة األسرة‪.‬‬

‫وهكذا بعد ما سأقف عند إجراءات وشروط اللعان (أوال) سأنتقل لدراسة‬
‫اللعان على ضوء العمل القضائي (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬إجراءات اللعان وشروطه‬

‫بداية فاللعان يجب أن ال يتم إال بحكم يصدر عن محكمة مختصة بذلك بناء‬
‫على طلب من الزوج صاحب المصلحة في حالتين اثنتين‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن يدعي انه رأى زوجته تزني‬

‫ب‪ -‬أن ينفي حملها عنه‪.‬‬

‫وعلى المحكمة التي رفعت دعوى اللعان أمامها أن تستدعي الطرفين –‬


‫أي الزوج والزوجية – وفقا ً للقواعد المضمنة في قانون المسطرة المدنية وتطبق‬
‫بصددها األحكام المضمنة في آية المالعنة المنصوص عليها في سورة النور‬
‫وصورتها‪ :‬أن يحلف الزوج أربع مرات أنه صادق في اتهامه لزوجته‪ ،‬والخامسة‬
‫أن لعنة هللا عليه إن كان كاذبا ً في ادعائه‪ ،‬وإن أصرت الزوجة على تكذيبه فيجب‬
‫عليها بدورها أن تحلف أربع مرات بأنه كاذب فيما يدعيه‪ ،‬وفي الخامسة أن غضب‬
‫هللا عليها إن كان صادق فيما رماها به‪.‬‬

‫( ‪ )1‬ابن منظور ‪ " :‬لسان العرب" م‪.‬س ج‪ ،13‬ص ‪.387‬‬


‫( ‪ )2‬الرصاع‪ :‬شرح حدود ابن عرفة‪ ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬تونس ‪ ،‬ص ‪.210‬‬

‫‪46‬‬
‫والمحكمة المختصة وفقا لما استقر عليه الفقه المالكي ال يمكنها مطلقا ً أن‬
‫تقضي باللعان إال بعد تحققها من الشروط الفقهية اآلتي بيانها‪:‬‬

‫في حالة اللعان بسبب الزنا يشترط أن تكون الزوجة في العصمة‬ ‫(‪)1‬‬
‫إما حقيقة أو حكماً‪ ،‬أما في حالة نفي الحمل فيشترط أن يكون هذا الحمل الحقا‬
‫بالمالعن كما هو الحال في االتصال في حالة الشبهة والزوج الباطل والفاسد‪.‬‬

‫أال يتصل الزوج مطلقا ً بزوجته بعد استقراره على مالعنتها‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وأن يقوم باستبراءها بحيضة واحدة في قول لإلمام مالك أو بثالث حيضات في‬
‫قول آخر له(‪)1‬‬

‫يجب أال يكون الولد غير الحق شرعا ً بالزوج كما لو أتت به‬ ‫(‪)3‬‬
‫الزوجة ألقل مدة من أدنى مدة الحمل بعد العقد عليها أو ألكثر من مدة من أقصى‬
‫أمد الحمل‪ ،‬أو لم يكن هنالك اتصال أصال بين الزوجين المتنازعين أو كان الزوج‬
‫مما ال يولد لمثله‪.‬‬

‫أن يسارع الزوج إلى رفع دعوى اللعان مباشرة بعد تأكده من‬ ‫(‪)4‬‬
‫الواقعة التي تستوجب شرعا ً اللجوء إلى تحريك مسطرة اللعان‪.‬‬

‫يجب أال يكون الزوج قد اعترف صراحة أو ضمنا ً بالنسب الذي‬ ‫(‪)5‬‬
‫يالعن بسببه‪.‬‬

‫كما ال يشترط في اللعان أن يكون الزوج قد بنا بزوجته وإنما له أن‬


‫يالعنها قبل البناء وبعده‪.‬‬

‫وإذا تمت وانتهت إجراءات اللعان فرق القاضي بين الزوج وزوجته‬
‫وحرمت عليه حرمة مؤبدة وسقط الحد‪ ،‬وكذا النسب عن الزوج وعدم اعتبار‬
‫الحمل أو الولد أنه قد تخلف عن واقعة زنا‪.‬‬

‫‪ -1‬ابن جزي‪ " :‬القوانني الفقهية"‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت لبنان (بدون اتريخ)‪ ،‬ص ‪.161‬‬

‫‪47‬‬
‫وإذا نكل الزوج عن اللعان فإن جمهور الفقهاء يرون حسبه حتى يالعن أو‬
‫حده بسبب القذف وتبقى الزوجة في عصمته ويلحق به الحمل أو الولد‪ .‬أما إذا‬
‫نكلت الزوجة فإنها تحد للزنا وينتفي الولد عن الزوج المالعن وتبقى الزوجة في‬
‫عصمته(‪.)1‬‬

‫ثانيا ‪ :‬نفي النسب باللعان على ضوء العمل القضائي‬

‫يظهر من القرارات الشرعية الصادرة عن محكمة االستئناف بمكناس أنها‬


‫تعتبر اللعان مسطرة شرعية لنفي النسب متى توفرت شروطه‪ ،‬ومنها ضرورة‬
‫اإلسراع برفع دعوى اللعان مباشرة بعد العلم بالحمل (بواسطة مقال مؤدى عنه ال‬
‫في إطار دفع) وإال فالنسب يلحق بالزوج‪ .‬وهكذا جاء في قرار صادر عن محكمة‬
‫االستئناف بمكناس" وحيث فيما يرجع لنفي نسب الولد فهذا من شروطه رفع‬
‫الدعوى بصورة مستعجلة وداخل ثالثة أيام من تاريخ العلم بالوضع"(‪ .)2‬وجاء في‬
‫قرار آخر لها "وحيث إن نفي النسب كان يتطلب ممارسة دعوى اللعان داخل‬
‫األجل المعمول بها فقها وقضاء‪ .‬وأن عدم ممارسة ذلك يجعل دفوعات المستأنف ال‬
‫تنبني على أساس"(‪ .)3‬كما جاء في حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة‬
‫االبتدائية بمكناس"يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب وال يمكن‬
‫الطعن فيه إال من الزوج عن طريق اللعان‪ ،‬إال أن المدعي لم يسلك هذه المسطرة‬
‫خاصة أنه لم يلجأ إلى نفي النسب إال بعد سبع سنوات من تاريخ والدة البنت‪.)4(...‬‬

‫فمن خالل هذه الحيثيات يتضح جليا ً أن الزوج الذي يعلم بحمل زوجته وال‬
‫يعجل بطلب نفي النسب ال تقبل منه دعوى اللعان إال إذا أثبت أن له عذر في تأخير‬

‫( ‪ )1‬حممد الكشبور ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 157‬وما بعدها‬


‫( ‪ )2‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 737‬واتريخ ‪ 2005/3/14‬يف امللف الشرعي عدد ‪ ، 4/04/2884‬غري‬
‫منشور‬
‫( ‪ )3‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 590‬واتريخ ‪ 2009/2/24‬يف امللف الشرعي عدد ‪ 8/08/3019‬غري‬
‫منشور‬
‫( ‪ )4‬حكم صادر عن قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد ‪ 2183‬واتريخ ‪ 2010/6/8‬يف امللف رقم‬
‫‪5/2078‬ج‪ ،2008/‬غري منشور‬

‫‪48‬‬
‫ذلك‪ .‬هذا العذر الذي يترك للقاضي تقديره مع األخذ بعين االعتبار الظروف‬
‫الزمانية والمكانية وشخص المتالعن من الناحية االجتماعية والثقافية واالقتصادية‪،‬‬
‫فسلوك مسطرة اللعان لنفي النسب يستلزم الفورية و الزوج في حالة تأخره في رفع‬
‫دعوى اللعان عليه أن يثبت عدم علمه بحمل الزوجة ‪ ،‬وهذه األخيرة ال تلزم‬
‫بإعالمه‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن محكمة االستئناف بمكناس "‪...‬‬
‫وأن تذرعه باللعان ونفي النسب في مدة الحقة للوضع أي ‪ 05/3/9‬أي بعد تسعة‬
‫أشهر ونيف من الوالدة‪ ،‬كان طلبه ال يسمع لعدم تقديمه مدعم بما يثبت استحالة‬
‫العشرة ولعدم دعمه أيضا بما يثبت العلم بالمحل‪ .)1("...‬وجاء في قرار للمجلس‬
‫األعلى "ال تلزم المدعية بإعالم المدعى عليه بالحمل فطرق هذا العلم جد‬
‫متعددة"(‪.)2‬‬

‫هذا وقد ذهبت محكمة االستئناف بمكناس إلى أن الزوج الذي يتصل‬
‫بزوجته بعد علمه بالحمل أو الولد ال تسمع منه بعد ذلك دعوى نفي النسب باللعان‪،‬‬
‫وهكذا جاء في أحد قراراتها ما يلي ‪ " :‬وحيث إنه من الثابت فقها في المذهب‬
‫المالكي أن اللعان حجة ضرورية لنفي النسب وال عذر لزوج تأكد من أن الحمل‬
‫ليس منه‪ .‬ثم استمر في معاشرة زوجته رغم ذلك وال يسمع منه بعد ذلك دعوى نفي‬
‫النسب أو غيرها ولكون النسب نسبه ال ينتفي عنه بأقوال صادرة عن الزوجة بنفيه‬
‫عنه (‪.)3‬‬

‫( ‪ )1‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 3262‬واتريخ ‪ 07/10/30‬يف امللف الشرعي عدد ‪ ،8/07/628‬غري‬
‫منشور‬
‫( ‪ )2‬قرار شرعي صادر عن اجمللس األعلى يف ‪ ،1968/01/8‬منشور مبجلة القضاء والقانون العددان ‪ -89/88‬ص ‪:‬‬
‫‪.400‬‬
‫( ‪ )3‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 2902‬بتاريخ ‪ 2007/9/25‬يف امللف الشرعي عدد ‪ 8/06/2675‬ن غري‬
‫منشور‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫وفي نفس اإلطار جاء في قرار صادر عن المجلس األعلى "‪ ...‬لكن حيث‬
‫إنه بخالف ما أثاره الطالب فإن المحكمة لما اعتبرت أن شروط اللعان غير‬
‫متوفرة ‪ ،‬وهو التحقق من عدم معاشرة الطالب المطلوبة بعد طهرها باعتبار أنهما‬
‫كانا معا ً ببيت الزوجية‪ ،‬وأن إمكانية المعاشرة مستمرة بينهما وبذلك فالمحكمة لما‬
‫قضت برفض الطلب استنادا ً إلى ما ذكر تكون قد عللت قرارها تعليال كافيا ً (‪.)1‬‬

‫وهكذا فمحكمة االستئناف بمكناس لما ثبت لها إمكانية المسيس في النازلة‬
‫أعاله قضت بعدم قبول دعوى اللعان من الزوج لما هو مقرر فقها من شرط عدم‬
‫المسيس بعد رؤية الزنا أو العلم بالحمل لممارسة دعوى اللعان وأيضا ً ادعاء‬
‫االستبراء الذي يقوم مقام العدة بالنسبة لمن تم االتصال بها جنسيا ً خارج إطار‬
‫العالقة الزوجية‪ ،‬وفي هذا الصدد جاء في قرار للمجلس األعلى "‪ ...‬لكن حيث إن‬
‫المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما عللته بان الطاعن يؤكد في مقاله المرفوع‬
‫من طرفه في دعوى سابقة بأنه حاز زوجته بعد العقد عليها في بيت الزوجية مدة‬
‫‪ 14‬يوما تقريبا ً وغادرته بتاريخ ‪ 2002/1/30‬وطالب الحكم عليها بالرجوع‪ ،‬بينما‬
‫لم يرفع هذه الدعوى التي ترمي إلى اللعان إال في ‪ 2006/6/14‬الشيء الذي‬
‫يكذب إدعاءه عدم الخلوة‪ .‬وانه ما دام لم يدع االستبراء طبقا ً لما هو مقرر فقها ولم‬
‫يدع عدم المسيس والخلوة معتبرة شروط اللعان غير متوافرة في النازلة‪ ...‬تكون قد‬
‫عللت قرارها بما فيه الكفاية"(‪.)2‬‬

‫وهكذا فالمجلس األعلى أيد قرار محكمة االستئناف فيما قضت به لما ثبت‬
‫لها عدم توفر شرط ادعاء االستبراء وهو ما يؤكد أن المجلس األعلى يتعامل بدقة‬
‫مع مسطرة اللعان ويتشدد في إعمال الشروط الواردة في الفقه المالكي لصحة‬
‫اللعان ويثيرها ت لقائيا لتعلق قواعد النسب بالنظام العام ‪ .‬وهذا ما يندرج كمبدأ عام‬

‫( ‪ )1‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 46‬الصادر بتاريخ ‪ 2007/01/17‬يف امللف الشرعي عدد ‪ ، 2006/1/2/244‬أهم‬
‫قرارات اجمللس األعلى‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫( ‪ )2‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 96‬والصادر بتاريخ ‪ 2008/02/27‬يف امللف الشرعي عدد ‪ ،2005/1/2/161‬املرجع‬
‫نفسه ص ‪.60 :‬‬

‫‪50‬‬
‫في إطار مبادئ الفقه اإلسالمي التي تجعل الشارع دائما ً متشوف للحوق النسب‬
‫وهو نفس ما يمكن قوله بالنسبة لمحكمة االستئناف بمكناس من خالل القرارات‬
‫الصادرة عنها أعاله‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬نفي النسب عن طريق الخبرة الطبية‬


‫تعتبر الخبرة الطبية بمثابة استشارة فنية يستعين بها القاضي في مجال‬
‫اإلثبات لمساعدته في المسائل الفنية التي يحتاج تقديرها إلى دراية علمية وتتميز‬
‫عن بقية وسائل اإلثبات بطابعها العلمي(‪.)1‬‬

‫وفي إطار مدونة األسرة تطرق المشرع المغربي إلى الخبرة القضائية‬
‫كوسيلة من وسائل إثبات ونفي النسب‪ ،‬والمقصود بها الخبرة الطبية‪ ،‬التي لم تبق‬
‫مقتصرة على الفحوصات األولية فحسب وإنما تطورت إلى فحص دم الفصيلة التي‬
‫ينتسب إليها دم الزوجين والولد‪ ،‬حيث أفادت الحقائق العلمية المسلم بها في الطب‬
‫الشرعي مؤخرا أن تحليل فصائل الدم قد تفيد في التحقق من انتفاء النسب عند‬
‫المنازعة فيه‪ ،‬أما بشأن ثبوته فاألمر مجرد احتماالت‪ ،‬واليوم تقدمت العلوم‬
‫البيولوجية فأصبح ممكنا عن طريق اختبارات علم الوراثة التحقق من ثبوت النسب‬
‫ال انتفائه فقط(‪.)2‬‬

‫لهذا ارتأيت تناول هذا المبحث من خالل ثالثة مطالب أخص األول ألنواع‬
‫الخبرة الطبية في مجال النسب‪ ،‬والثاني لشروط اللجوء إلى الخبرة الطبية‪ ،‬والثالث‬
‫لإلشكاالت العملية المثارة بشأن اعتماد الخبرة الطبية لنفي النسب‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أنواع الخبرة الطبية في مجال النسب‬

‫(‪ – )1‬املنتدى مدونة األسرة تقييم ومعاجلة‪ ،‬جملة دورية يصدرها منتدى البحث القانوين‪ ،‬مراكش العدد ‪ ،2005 -5‬ص‬
‫‪.185‬‬
‫(‪ – )2‬حممد حممد أبو زيد‪ :‬دور التقدم البيولوجي يف إثبات النسب‪ ،‬منشور مبجلة احلقوق الكويتية السنة العشرون‪ ،‬العدد‬
‫األول‪ ،‬مارس ‪ ،1996‬ص ‪.272‬‬

‫‪51‬‬
‫إلى زم ن قريب كانت الخبرة الطبية في مجال النسب تعتمد على تحليل‬
‫الفصائل الدموية للزوجين والولد‪ ،‬إال أنها كانت ال تفيد إال التحقق من نفي النسب‪،‬‬
‫وب تطور العلم تم اكتشاف ما يسمى بالبصمة الوراثية بحيث أصبحت الخبرة الطبية‬
‫تفيد القطع في إثبات النسب ونفيه‪.‬‬

‫أوال‪ :‬فصيلة الدم‬

‫لقد أظهرت األبحاث العلمية منذ مدة ليست بالقصيرة أن دم اإلنسان يتنوع‬
‫إلى فصائل عدة(‪ .)1‬وأن لكل فصيلة خصائصها المحددة‪ ،‬وعن طريق هذا الفحص‬
‫أمكن التوصل إل أحد الفرضين‪:‬‬

‫‪ -‬الفرض األول‪ :‬ظهور فصيلة دم الطفل مخالفة لمقتضيات تناسل فصيلتي‬


‫دم الزوجين‪ ،‬وهذا معناه أن الزوج ليس األب الحقيقي للطفل بكيفية مؤكدة‪.‬‬

‫‪ -‬الفرض الثاني‪ :‬ظهور فصيلة دم الطفل موافقة لمقتضيات تناسل فصيلتي‬


‫دم الزوجين وهذا معناه أن الزوج قد يكون األب الحقيقي وقد ال يكون‪ ،‬ذلك أن‬

‫(‪ – )1‬تتنوع فصائل الدم إىل أربعة أنواع وهي‪ A-B-AB-O :‬غري أن هذه الفصائل يف الغالب ما تكون مضافة إليها مادة‬
‫‪ RH‬فإذا كانت هذه املادة موجودة يف الدم يرمز إليها بعالمة ‪ +‬وتكتب هكذا ‪ ARH+‬وإذا كان الدم خاليا منها يرمز إىل‬
‫الفصيلة بعالمة – وتكتب حينئذ هكذا ‪ ،ARH-‬وابعتبار املادة املذكورة تكون جمموع فصائل الدم مثانية‪ .‬عبد السالم بوزيدي‪:‬‬
‫إشكالية اخلربة الطبية يف إثبات النسب أو نفيه مدونة األسرة بعد ثالث سنوات من التطبيق‪ :‬احلصيلة واآلفاق‪ ،‬أشغال الندوة‬
‫الدولية املنظمة من طرف جمموعة البحث يف القانون واألسرة يومي ‪ 16/15‬مارس ‪ 2007‬بكلية احلقوق وجدة‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،‬مطبعة اجلسور‪ ،‬وجدة ‪ ،2008‬سلسلة الندوات ‪ ،2‬ص ‪.191‬‬

‫‪52‬‬
‫الفصيلة الواحدة قد يشترك فيها أناس كثيرون يحتمل أن يكون الزوج المدعى عليه‬
‫واحدا منهم‪.‬‬

‫وكنتيجة لهذه المعطيات العلمية المتاحة في ذلك الوقت تبين أن فصائل الدم‬
‫تفيد في نفي قاطع ولكنها ال تفيد في الحصول على إثبات مؤكد(‪.)1‬‬

‫ثانيا‪ :‬البصمة الوراثية‬

‫البصمة الوراثية هي تعيين هوية اإلنسان عن طريق تحليل جزء أو أجزاء‬


‫من حمض الدنا المتمركز في نواة أية خلية من خاليا جسمه(‪.)2‬‬

‫وهكذا على إثر اكتشاف حمض معين يسكن في نواة الخلية في جسم‬
‫اإلنسان‪ ،‬أمكن في ذات الوقت اكتشاف جزء معين في تركيب هذا الحمض‪ ،‬الذي‬
‫يتكون من خيطان يحمالن الصفات الوراثية الخاصة بكل إنسان والتي تظل مالزمة‬
‫له مدى حياته‪ .‬فمعرفة البصمة الوراثية لشخص ما يتم عن طريق فحص الحمض‬
‫النووي (‪ )ADN‬ألحد المواد السائلة في جسمه (كالدم‪ ،‬والمني واللعاب)‪ ،‬أو ألحد‬
‫أنسجة الجسم (اللحم أو الجلد) أو مواد أخرى (كالشعر أو العظام)(‪.)3‬‬

‫وعليه فاالبن يحمل خيطان واحد من األب واآلخر من األم‪ ،‬وعند تحليل‬
‫الحمض النووي له وألبيه ينبغي أن يكون هناك تطابق في نصف ‪ ADN‬عند‬
‫الرجل مع النصف الموجود عند االبن‪.‬‬

‫وهكذا أمكن االستفادة من هذا الكشف العلمي الرائد في التوصل إلى ما إذا‬
‫كان األثر اآلدمي الخاضع للفحص يخص شخصا معينا أم ال‪ ،‬فحسب المتخصصين‬

‫(‪ – )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬


‫(‪ – )2‬سعد الدين مسعد هاليل‪ :‬البصمة الوراثية وعالئقها الشرعية دراسة فقهية مقارنة‪ ،‬جملة النشر العلمي‪ ،‬جامعة الكويت‪،‬‬
‫سنة ‪ ،2001‬ص ‪.7‬‬
‫(‪ – )3‬حممد الكشبور‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 187‬وما يليها‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫تعتبر البصمة الوراثية هي أدق وسيلة عرفت حتى اآلن في تحديد هوية اإلنسان‬
‫وذلك ألن نتائجها قطعية ال تقبل الشك والظن وذلك بنسبة ‪.)1(%100‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬شروط اللجوء إلى الخبرة الطبية في مدونة‬


‫األسرة‬
‫جاء في المادة ‪ 153‬من مدونة األسرة‪":‬يثبت الفراش بما تثبت به الزوجية‪.‬‬

‫يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب‪ ،‬ال يمكن الطعن‬
‫فيه إال من الزوج عن طريق اللعان‪ ،‬أو بواسطة خبرة تفيد القطع بشرطين‪:‬‬

‫‪ -‬إدالء الزوج بدالئل قوية على ادعائه‪.‬‬

‫‪ -‬صدور حكم قضائي بهذه الخبرة"‪.‬‬

‫وهكذا حسب مقتضيات هذه المادة‪ ،‬فإن اللجوء إلى الخبرة الطبية لنفي‬
‫النسب ال يتم إال بشرطين‪:‬‬

‫أوال‪ :‬إدالء الزوج بدالئل قوية على ادعائه‬

‫لم يحدد المشرع المغربي من خالل المادة ‪ 153‬من مدونة األسرة‬


‫المقصود بالدالئل القوية وترك ذلك للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع‪ ،‬وقد‬
‫فسرها الفقه بما إذا كانت الزوجة تتعاطى بكيفية اعتيادية للخيانة الزوجية‪ ،‬أو أن‬
‫يتأكد أن الغير قد اتصل بها عن طريق الشبهة أو أن يدلي بشهادة طبية تثبت عقمه‬
‫أو أن يتضح أن أقل مدة الحمل أو أقصاها غير مضبوطة(‪.)2‬‬

‫وهكذا فقد ذهبت محكمة االستئناف بمكناس إلى رفض طلب إجراء خبرة‬
‫طبية لنفي النسب بعلة عدم إدالء الزوج بدالئل قوية على ادعائه‪ ،‬حيث جاء في‬
‫إحدى قراراتها "وحيث إن الفراش بتوافر شروطه يعتبر حجة قاطعة على ثبوت‬

‫(‪ – )1‬خليفة علي الكعيب‪ :‬البصمة الوراثية وأثرها على األحكام الفقهية‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر اإلسكندرية ‪،2004‬‬
‫ص ‪ 28‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ – )2‬ذ‪ .‬سعد أصبان‪ :‬النسب بني قواعد الشريعة ونتائج اخلربة‪ ،‬عرض قدم لطلبة املعهد العايل للقضاء‪ ،‬الفوج ‪ ،34‬ص‪.5‬‬

‫‪54‬‬
‫النسب وال يطعن فيه إال من الزوج عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة بشرط إدالء‬
‫الزوج بدالئل قوية على ادعاءه‪.‬‬

‫وحيث إن المستأنف عليه لم يدل بأي دليل يدعم ادعاءه حتى يستجاب‬
‫لطلبه"(‪ .)1‬وذلك ردا على ادعاء الزوج بكونه يعاني من العقم دون تعزيز ذلك‬
‫بشواهد طبية‪ ،‬وأيضا كون زوجته تتعاطى للفساد‪.‬‬

‫وجاء في قرار آخر صادر عنها "وحيث التمس المستأنف إجراء خبرة‬
‫للتأكد من صحة النسب إال أن المادة ‪ 153‬من قانون األسرة تشترط لذلك شرطين‪:‬‬
‫إدالء الزوج بدالئل قوية على ادعائه‪ ،‬وصدور أمر قضائي بهذه الخبرة‪ ،‬فهذا‬
‫الفصل ينص على أنه ليستجاب لعرض االبن على خبرة يجب أن يدلي األب بدالئل‬
‫قوية لصدق ادعائه وهو لم يدل بشيء فيتعين التأييد"(‪ .)2‬وذلك ردا على ادعاء‬
‫األب بكونه مريض جنسيا وال يستطيع اإلنجاب ودون تعزيز ذلك بشواهد طبية‪،‬‬
‫كما جاء ف ي حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس "وحيث‬
‫إن المدعي لم يلجأ لمسطرة اللعان المنصوص عليها فقها وقانونا‪ ،‬كما أنه لم يدل‬
‫بدالئل قوية تفيد بأن البنت‪ ...‬ليست من صلبه‪.‬‬

‫وحيث إنه في غياب الدالئل القوية يمتنع اللجوء إلى الخبرة لنفي النسب‬
‫المستند إلى الفراش صحيح"(‪ .)3‬وجاء في حكم آخر صادر عنه "ومن جهة أخرى‬
‫لم يدل بدالئل قوية على ادعائه بنفي النسب حتى تستجيب المحكمة لطلب الخبرة‬
‫القضائية استنادا للمادة ‪ 153‬من المدونة وأن ما أثاره المدعي كون المدعى عليها‬

‫(‪ – )1‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 1286‬والصادر بتاريخ ‪ 2006/04/25‬يف امللف الشرعي ‪8/05/3398‬‬
‫غري منشور‪.‬‬
‫(‪ – )2‬قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد ‪ 737‬والصادر بتاريخ ‪ 2005/03/14‬يف امللف الشرعي عدد‬
‫‪ 8/04/2884‬غري منشور‪.‬‬
‫(‪ – )3‬حكم صادر عن قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد ‪ 1524‬بتاريخ ‪ 2006/05/09‬منشور مبجلة‬
‫قضاء األسرة العدد ‪ -3‬دجنرب ‪ ،2006‬ص ‪ 143‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫تغادر مرارا بيت الزوجية دون علمه ال يمكن اعتباره بأي حال من األحوال سببا‬
‫قويا لنفي النسب"(‪.)1‬‬

‫فمن خالل حيثيات العمل القضائي أعاله‪ ،‬فإن الدالئل المقدمة من الزوج‬
‫تبقى خاضعة للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع‪ ،‬فإذا لم ترقى إلى مستوى الدليل‬
‫القوي‪ ،‬كشهادة الشهود بنفي النسب أو إثبات أن الزوج مصاب بعقم أو مجبوب أو‬
‫عنين أو أسير وكل الحجج التي تفيد عدم إمكانية اتصال الزوج بزوجته امتنع‬
‫االستجابة لطلب اللجوء إلى الخبرة لنفي النسب المستند إلى فراش صحيح‪.‬‬

‫وهذا المعطى أكده المجلس األعلى في عدة قرارات صادرة عنه‪ ،‬حيث‬
‫جاء في أحد قراراته "حيت صح ما عابه الطاعن على القرار ذلك أنه لئن كانت‬
‫المادة ‪ 153‬من مدونة األسرة تعتبر الفراش حجة قاطعة على ثبوت النسب فإنها‬
‫أجازت دحضه عن طريق اللعان أو بواسطة طلب إجراء خبرة طبية المعززة‬
‫بدالئل قوية"(‪ .)2‬وجاء في قرار آخر صادر عنه "والبين من أوراق الملف أن‬
‫البنت المطلوب نفي نسبها ازدادت أثناء قيام العالقة الزوجية بين الطرفين‪،‬‬
‫والزوجة في عصمته‪ ،‬وكانت مقيمة معه والمحكمة لما لم تستجب لطلب الخبرة‬
‫أمام عجز الطاعن عن اإلدالء بدالئل قوية على ادعائه تكون قد طبقت مقتضيات‬
‫المادة ‪ 153‬من مدونة األسرة التطبيق السليم‪ ،‬وعللت قرارها تعليال كافيا"(‪.)3‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن المجلس األعلى ذهب في كثير من قراراته إلى‬


‫اعتبار إدالء الزوج بشواهد طبية تفيد عقمه من األدلة القوية التي تبرر االستجابة‬
‫لطلبه بإجراء خبرة وهكذا جاء في إحدى قراراته "والطالب نازع في نسب البنت‬

‫(‪ – )1‬حكم صادر عن قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد ‪ 2183‬والصادر بتاريخ ‪ 2010/06/08‬يف‬
‫امللف رقم ‪5/2078‬ج‪ 2008/‬غري منشور‪.‬‬
‫(‪ – )2‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 504‬صادر بتاريخ ‪ 2006/09/06‬يف امللف الشرعي عدد ‪ 4/1/2/393‬نشره ذ‪.‬‬
‫إبراهيم حبماين‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.467‬‬
‫(‪ – )3‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 144‬والصادر بتاريخ ‪ 2009/04/01‬يف امللف رقم ‪ 2008/1/2/546‬أهم قرارات‬
‫اجمللس األعلى‪ :‬م‪.‬سن ص ‪.66‬‬

‫‪56‬‬
‫إليه وادعى أنه عقيم‪ ،‬واستدل بتحليل طبي على ذلك‪ ،‬والمحكمة لما لم ترد على‬
‫طلبه سلبا أو إيجابا في هذا الخصوص تكون قد أساءت تطبيق القانون"(‪ .)1‬كما‬
‫اعتبر إدانة الزوجة بالخيانة الزوجية دليل قويا أيضا وفي هذا اإلطار جاء في‬
‫إحدى قراراته "حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه‪ ،‬لما اعتمدت في‬
‫قضائها على الدليل المكتمل في الحكم الجنحي الذي أدان أخ الزوج المطلوب في‬
‫النقض من أجل جنحة المشاركة في الخيانة الزوجية مع الطاعنة‪ ،‬واعتبرت أن هذه‬
‫الحجة دليل على ادعائه وقررت بناء على ذلك إجراء خبرة جينية أثبتت أن الولد‬
‫المتنازع في نسبه ليس من صلب الزوج لعدم وجود أي عالقة بيولوجية بين‬
‫الطرفين وقضت تبعا لذلك بنفي نسب الولد عنه تكون قد طبقت المادة المحتج بها‬
‫تطبيقا صحيحا ولم تخرق القانون"(‪.)2‬‬

‫وغني عن البيان أن الخبرة تفيد في التوصل إلى وجود عالقة بيولوجية‬


‫بين الولد واألب المحتمل دون الحسم في مسألة النسب‪ ،‬وفي هذا الصدد جاء في‬
‫حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس "وحيث إنه وإن‬
‫كانت نتائج الخبرة الجينية قد بينت وجود عالقة بنوة بيولوجية بين الطفل‪...‬‬
‫والمسمى‪ ...‬إال أن هذه البنوة ال يترتب عليها أي اثر من آثار البنوة الشرعية‬
‫مادامت أن البنوة غير شرعية‪ ،‬وذلك باعتراف المدعية نفسها استنادا لمقتضيات‬
‫المادة ‪ 148‬من مدونة األسرة"(‪.)3‬‬

‫فمن خالل حيثيات هذا الحكم أرى أن المحكمة لم تكن في حاجة إلجراء‬
‫خبرة طبية مادام قد ثبت لها أن البنت مزدادة من عالقة غير شرعية باعتراف‬
‫المدعية‪ .‬كما أن الزوج ال يحتاج في مثل هذه الحالة إلى اللجوء إلى اللعان أو‬

‫(‪ – )1‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 504‬صادر بتاريخ ‪ 2006/09/06‬ملف شرعي عدد ‪ 4/1/2/393‬نشره ذ‪ .‬إبراهيم‬
‫حبماين‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.467‬‬
‫(‪ – )2‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 586‬والصادر بتاريخ ‪ 2007/11/21‬يف امللف الشرعي عدد ‪ 2007/1/2/315‬نشره‬
‫ذ‪ .‬إبراهيم حبماين‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 531‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ – )3‬حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد ‪ 1134‬واتريخ ‪ 2011/03/22‬يف امللف عدد‬
‫‪5/1037‬ج‪ 2010/‬غري منشور‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الخبرة الطبية لنفي النسب عنه مادام الولد غير الحق شرعا بالزوج‪ ،‬ذلك أن‬
‫الخبرة يكون لها محل في ما إذا ازداد الولد على فراش صحيح أو الحاالت الملحقة‬
‫به مثل حالة االتصال بشبهة وحالة الزواج غير الصحيح‪ ،‬وهو ما يفيد أن الخبرة‬
‫ليست وسيلة مستقلة يثبت بها النسب ألن من شأن ذلك إلحاق أبناء الزنا بآبائهم‪.‬‬

‫وأختم هذه النقطة بكالم نفيس لألستاذ إبراهيم بحماني رئيس الغرفة‬
‫الشرعية لدى المجلس األعلى أنه يتعين اللجوء إلى الفحوص الطبية لمعرفة من‬
‫ينسب إليه الولد عند االقتضاء‪ ،‬ولكن ذلك ال يكون إال في الحالة التي يقع فيها نزاع‬
‫حو ل نسبه وال يوجد حل قانوني لذلك النزاع‪ ،‬أما إذا وجد الحل القانوني بفراش‬
‫صحيح فإنه ال يبقى مبرر للجوء للفحص الطبي ألن الولد للفراش وألن البنوة‬
‫الشرعية مقدمة على البنوة الطبيعية‪ ،‬كما يرى أنه في حالة عدم ثبوت البنوة‬
‫الشرعية بالنسبة لألب معالجة الموضوع بإجراء تحليل طبي على المولود‪ ،‬فإذا‬
‫ثبت أنه من ماء المتهم في حالة االغتصاب يمكن إلزامه باإلنفاق عليه إلى أن يبلغ‬
‫قادرا على الكسب استنادا لقواعد المسؤولية التقصيرية (الفصل ‪ 77‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م)‬
‫(‪.)1‬‬

‫ثانيا‪ :‬صدور أمر قضائي بهذه الخبرة‬

‫عند اقتناع المحكمة بالدالئل القوية المدلى بها من طرف الزوج تصدر‬
‫حكما تمهيديا بإجراء خبرة جينية يخضع لها كل من الزوج والزوجة والولد المراد‬
‫نفي نسبه‪ ،‬وفي هذا اإلطار جاء في حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة‬
‫االبتدائية بميسور" وحيث أن المدعي ينفي نسب االبن على اعتبار أن المدعي‬
‫عليها حملت به وهي خارج بيت الزوجية وأنجبته ألكثر من سنة من تاريخ‬
‫مغادرتها لهذا البيت في وقت لم يتصل بها خاللها‪.‬‬

‫وحيث إن المادة ‪ 153‬من مدونة األسرة تنص على أن‪...‬‬

‫(‪ – )1‬إبراهيم حبماين‪ :‬مقال نسب األبناء يف الزواج الفاسد‪ ،...‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 39‬و‪.58‬‬

‫‪58‬‬
‫وحيث إن المحكمة حكمت تمهيديا بإجراء خبرة طبية جينية إلثبات ما إذا‬
‫كان الطفل‪ ...‬يتنسل من صلب المدعي‪ ...‬أم ال‪.‬‬

‫وحيث إن تقرير الخبرة الطبية المنجز من طرف مختبر الشرطة العلمية‬


‫بالدار البيضاء‪ ،‬خلص فيه من خالل نتائجها وبعد سلسلة من الفحوصات إلى عدم‬
‫ثبوت بنوة الطفل‪ ...‬للمسمى‪.)1( "...‬‬

‫وجدير بالذكر إلى أنه في حالة غياب الزوج أو امتناعه عن إجراء خبرة‬
‫طبية عليه في دعوى نفي النسب فإن ذلك يعد قرينة على عدم صحة ادعائه إذا كان‬
‫مدعيا وقرينة على صحة ما جاء في مقال المدعية إذا كان مدعى عليه(‪ .)2‬أما في‬
‫حالة وفاته فيمكن اللجوء إلى وسائل اإلثبات المقررة شرعا لما هو مقرر من أنه‬
‫ال تعجيز في النسب‪ ،‬كما يمكن إجراء الخبرة على بقايا عظام الهالك‪ ،‬علما أن عدم‬
‫أداء أتعاب الخبرة يعد سببا موجبا لصرف النظر عن الخبرة التي يمكن للمحكمة‬
‫أن تأمر بها تلقائيا(‪.)3‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن الخبرة الطبية يجب أن تفيد القطع لألخذ بنتائجها‬
‫خصوصا وأن األمر يتعلق بمجال خطير وهو نفي النسب والشرع متشوف‬
‫للحوقه‪ ،‬علما أنه يمكن اللجوء إلى خبرة تكميلية أو مضادة‪ ،‬وفي هذا اإلطار جاء‬
‫في حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بميسور "وحيث إن‬
‫تقرير الخبرة الطبية جاء مستوفيا لكافة الشروط الشكلية المتطلبة قانونا ولم يكن‬
‫محل طعن من طرف المدعى عليها‪ ،‬مما يتعين معه األخذ بنتائجه‪.‬‬

‫(‪ – )1‬حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبيسور عدد ‪ 75‬والصادر بتاريخ ‪ 2007/03/12‬يف امللف الشرعي‬
‫عدد ‪ 2006/71‬غري منشور‪.‬‬
‫(‪ – )2‬ويف هذا اإلطار جاء يف حكم صادر عن قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية بفاس "وحيث إن ختلف املدعى عليهم‬
‫عن إجراء اخلربة رغم توصلهما بصفة قانونية وبدون عذر مقبول تعتربه احملكمة قرينة قوية على صحة ادعاءات املدعني"‪ ،‬حكم‬
‫عدد ‪ 769‬والصادر بتاريخ ‪ 2009/02/09‬يف امللف الشرعي عدد ‪ 06/01/2766‬غري منشور‪.‬‬
‫(‪ – )3‬عمر ملني‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 14‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫وحيث إنه ال يسع المحكمة تبعا لذلك سوى الحكم بنفي نسب االبن‪...‬عن‬
‫المدعي"(‪.)1‬‬

‫وجاء في حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس‬


‫"وحيث إن الخبرة المذكورة لم تكن محل أي طعن شكلي أو موضوعي مما جعل‬
‫المحكمة تعتمدها"(‪.)2‬‬

‫والمالحظ أن المشرع أعطى المحكمة وحدها الحق في إصدار األمر‬


‫بإجراء الخبرة الطبية وأن تكون مختصة وكل ذلك لحساسية موضوع النسب‪ ،‬وهو‬
‫األمر الذي يدفع المحاكم إلى إسناد مهمة الخبرة الطبية لجهات تتوفر على‬
‫اإلمكانيات التقنية والمؤهالت البشرية الالزمة كالمختبر الوطني العلمي للشرطة‬
‫بالدار البيضاء‪.‬‬

‫وأشير في آخر هذه النقطة إلى أن المجلس األعلى ذهب إلى عدم اشتراط‬
‫مدة معينة لنفي النسب بواسطة الخبرة الطبية‪ ،‬وهكذا جاء في أحد قراراته‬
‫"والمحكمة لما قضت برفض طلبه بعلة أنه عاد إلى المغرب وزوجته حامل في‬
‫شهرها الثامن وسكت عن ذلك ولم يمارس دعوى اللعان ونفي النسب داخل األجل‬
‫المقرر شرعا والحال أن المادة ‪ 153‬من مدونة األسرة لم تشترط مدة معينة‬
‫لممارسة دعوى نفي النسب بواسطة خبرة قضائية تفيد القطع فإنها تكون بدلك قد‬
‫تعلل قرارها تعليال سليما ما يعرضه‬ ‫أقامت قضائها على غير أساس ولم‬
‫للنقض"(‪.)3‬‬

‫(‪ – )1‬حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبيسور عدد ‪ 75‬والصادر بتاريخ ‪ 2007/03/12‬يف امللف الشرعي‬
‫عدد ‪ 2006/71‬غري منشور‪.‬‬
‫(‪ – )2‬حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد ‪ 806‬والصادر بتاريخ ‪ 10/03/08‬يف امللف الشرعي عدد‬
‫‪5/373‬ج‪ 2010/‬غري منشور‪.‬‬
‫(‪ – )3‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 554‬والصادر بتاريخ ‪ 2006/09/27‬يف امللف الشرعي عدد ‪ 2005/1/2/391‬أهم‬
‫قرارات اجمللس األعلى‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.54‬‬

‫‪60‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬اإلشكاالت العملية المثارة بشنن اعتماد الخبرة‬
‫الطبية لنفي النسب‬
‫لقد أدى إيجاد مؤسسة الخبرة الطبية كوسيلة علمية جديدة في مدونة‬
‫األسرة إل ثبات ونفي النسب إلى طرح مجموعة من اإلشكاالت العملية لم يتعرض‬
‫لها المشرع المغربي بنص صريح وهو ما سأحاول إبرازه من خالل النقط التالية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تعارض نتائج الخبرة الطبية مع قاعدة الولد للفراش‬

‫إذا كان النسب ثابتا بالفراش والخبرة الطبية أكدت عكس ذلك فمن يرجح‬
‫على اآلخر؟‬

‫لم يتطرق المشرع لهاته المسالة إال أن المجلس األعلى قد حسم في هذه‬
‫النقطة من خالل قضية بلخديم التي عرضت عليه‪ ،‬حيث جاء في إحدى حيثيات‬
‫القرار "لكن حيث إن المحكمة المطعون في قرارها قد بنت قضاءها على أنه إذا‬
‫ولدت الزوجة بعد فراق يثبت نسب الولد إذا جاءت به خالل سنة من تاريخ الفراق‬
‫مع مراعاة ما ورد في الفصل ‪ 76‬من مدونة األحوال الشخصية‪ ...‬مؤيدة الحكم‬
‫االبتدائي فيما قضى به معلال بأن الحكم األجنبي المحتج به والذي حكم بأن المدعي‬
‫عليه ليس أبا للطفلة اعتمادا على دراسة الدم وتحليله إال أن ذلك مخالف لمقتضيات‬
‫الفصل ‪ 76‬المذكور"(‪.)1‬‬

‫فهذه النازلة طرحت مسألة التعارض بين قاعدة شرعية واكتشاف علمي‬
‫حديث ورجح المجلس األعلى قرينة الفراش إال أن المجلس كان عليه أن يبرز أن‬
‫القضاء الفرنسي لم يتأكد من شرط إدالء الزوج بدالئل قوية للجوء إلى الخبرة‬
‫الطبية لنفي النسب وهو مسألة جوهرية في القانون المغربي‪.‬‬

‫ونعتقد أن االتجاه الذي سار عليه المجلس األعلى هو عين الصواب‪ ،‬إذ ال‬
‫يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة األنساب الثابتة شرعا وذلك‬

‫(‪ – )1‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 658‬صادر جبميع غرفه يف ‪ 2004/12/30‬يف امللف الشرعي عدد ‪2003/1/2/556‬‬
‫نشره حممد الكشبور‪ :‬البنوة والنسب‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.243‬‬

‫‪61‬‬
‫حماية ألعراض الناس‪ ،‬فمن المقاصد األصولية والفقهية أن درء المفاسد يقدم على‬
‫جلب المصالح‪ ،‬وقاعدة "احكم بالظاهر وهللا يتولى السرائر"‪ ،‬وكل ذلك يقتضي منع‬
‫اعتماد الخبرة أو البصمة الوراثية لنفي نسب ثابت شرعا‪ ...‬فالنسب الثابت بالفراش‬
‫ال يقبل االنتفاء إذا توفرت سائر شروطه وال ينتفي الولد عن الزوج مادامت شروط‬
‫الفراش متوفرة من مدة حمل وإمكان االتصال بنوعيه المادي والمعنوي(‪.)1‬‬

‫ثانيا‪ :‬تعارض نتائج الخبرة الطبية واإلقرار بالنسب‬

‫يثار اإلشكال في هذه النقطة في حالة ما إذا أقر شخص بولد مجهول‬
‫النسب مع توفر باقي الشروط األخرى ثم عاد وطلب نفي النسب اعتمادا على‬
‫البصمة الوراثية‪.‬‬

‫من الناحية الفقهية ال يقبل الرجوع في اإلقرار لكون الشرع متشوف‬


‫للحوق النسب وهو نفس ما كرسه المجلس األعلى إذ يلزم المقر بما أقر به من‬
‫لحوق النسب إليه‪ ،‬وال يقبل منه تراجعه في ذلك بدعوى أنه عقيم وال يقبل منه‬
‫طلب إجراء خبرة طبية إلثبات ذلك‪ ،‬وهكذا جاء في إحدى قراراته "إن الثابت من‬
‫القرار المطعون فيه أن الطالب سبق أن أقر ببنوة االبن المذكور سواء بموجب‬
‫رسم الطالق‪ ...‬أو في معرض جوابه عن الدعوى السابقة والتي كانت المطلوبة قد‬
‫رفعتها لمطالبته بواجبات نفقة وحضانة االبن المذكور حيت اكتفى بالجواب بعدم‬
‫اإلنفاق على االبن المذكور دون تحفظ‪ ...‬ومعلوم فقها وقانونا أن المستند في نسبه‬
‫لوالده إلى فراش الزوجية وإقرار الوالد ال ينتفي نسبه عن هذا الولد بادعاء العقم‬
‫المكتشف حديثا بزعمه وإنما البد من سلوك مسطرة اللعان بشروطها الشرعية‪...‬‬
‫والمحكمة لما ردت على الدفع بنفي النسب بعلة اإلقرار المشار إليه والذي يعتبر‬

‫(‪ – )1‬قضااي األسرة من خالل اجتهادات اجمللس األعلى‪ :‬الندوة اجلهوية الثانية املنظمة ابلقصر البلدي‪ ،‬مكناس أايم ‪9-8‬‬
‫مارس ‪ ،2007‬مطبعة األمنية الرابط‪ ،‬ص ‪ 278‬وما يليها‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫وحده ملزما للطالب وحاسما للنزاع‪ ،‬فإنها تكون قد استبعدت ضمنيا طلب إجراء‬
‫خبرة لعدم جدواها في مثل هذه النازلة‪ ...‬وعللت قراراها تعليال قانونيا"(‪.)1‬‬

‫فالمجلس األعلى من خالل حيثيات هذا القرار قدم اإلقرار بالنسب على‬
‫النفي بالبصمة الوراثية تغليبا لحق الطفل المجهول النسب‪ ،‬والذي تدعمه قاعدة أن‬
‫الشرع متشوف للحوق األنساب‪.‬‬

‫وأرى أن اإلقرار بالنسب إذا توفرت سائر شروطه القانونية والشرعية ال‬
‫يقبل االنتفاء بعد ذلك إال إذا أدلى المستلحق بدالئل قوية على ادعاءه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تنثير الخبرة الطبية على العمل باللعان‬

‫كل طفل يولد أثناء فترة العالقة الزوجية المحددة في المادة ‪ 154‬من مدونة‬
‫األسرة يثبت نسبه إلى الزوج بقرينة قانونية قاطعة غير قابلة إلثبات العكس من أي‬
‫كان ماعدا الزوج نفسه الذي يمكنه أن يطعن في نسب الطفل إليه عن طريق‬
‫المطالبة باللعان أو بخبرة طبية تفيد القطع بوجود أو عدم وجود العالقة البيولوجية‬
‫بينه وبين الطفل المعني‪ ،‬وذلك مثل تحليل الحامض النووي الذي يعبر عنه‬
‫بالبصمة الوراثية‪.‬‬

‫وفي حالة اقتصار الزوج على المطالبة باللعان يمكن للزوجة أن تطالب‬
‫بالخبرة السالفة الذكر إلثبات كذبه في إنكار نسب الحمل أو الطفل(‪.)2‬‬

‫ففي هذه الحالة هل يمكن اعتماد الوسيلتين معا لنفي النسب؟ وما الحل‬
‫الواجب األخذ به في حالة تعارض نتائجهما؟‬

‫بداية أشير إلى أنه على الزوج أن يختار إحدى الوسيلتين لنفي النسب‪،‬‬
‫ومن اخت ار ال يرجع‪ ،‬فإن اختار اللعان أمكن للزوجة اللجوء إلى الخبرة الطبية‪ ،‬إال‬

‫(‪ – )1‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 492‬والصادر بتاريخ ‪ 2005/10/26‬يف امللف الشرعي عدد ‪ 2005/1/2/293‬أورده‬
‫حممد الكشبور‪ :‬البنوة والنسب‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 237‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ – )2‬الدليل العملي ملدونة األسرة‪ ،‬منشورات مجعية نشر املعلومة القانونية والقضائية‪ ،‬سلسلة الشروح والدالئل‪ ،‬العدد ‪-1‬‬
‫‪ ،2004‬الطبعة الثالثة فرباير ‪ ،2007‬ص ‪.99-98‬‬

‫‪63‬‬
‫أن المجلس األعلى لم يعترض على جمع اللعان والخبرة الطبية‪ ،‬بل أقر ذلك على‬
‫ما يتضح من القرار اآلتي‪" :‬والثابت من أوراق الملف أن الطاعن نازع في نسب‬
‫االبن وادعى أنه لم يتصل بالمطلوبة‪ ،‬وأدى يمين اللعان على ذلك في حين رفضت‬
‫المطلوبة أدائها رغم توصلها كما رفضت الحضور أثناء أدائه اليمين‪ ،‬ورفضت‬
‫كذلك الخبرة‪ ،‬والتمس إجراء خبرة قضائية إلثبات عدم نسبة المولود إليه وتمسك‬
‫بها‪ ،‬والمحكمة لما عللت قرارها بأن الخبرة ليست من وسائل نفي النسب شرعا‪،‬‬
‫في حين أن المادة ‪ 153‬من مدونة األسرة النافذة المفعول بتاريخ القرار المطعون‬
‫فيه والواجبة التطبيق تنص على أن الخبرة القضائية من وسائل الطعن في النسب‬
‫إثباتا أو نفيا تكون قد أقامت قضاء على غير أساس"(‪.)1‬‬

‫فالمجلس األعلى من خالل حيثيات هذا القرار سمح بالجمع بين اللعان‬
‫والخبرة الطبية‪ ،‬إال أنه في حالة تعارض نتائجهما ومادامت الخبرة الطبية وسيلة‬
‫احتياطية وال يمكن اللجوء إليها إال بعد توفر شروطها وتخضع للسلطة التقديرية‬
‫للمحكمة‪ ،‬في حين أن اللعان وسيلة شرعية وال يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة‬
‫عند توفر شروطه وإعمال مسطرته فهو مقدم على الخبرة‪.‬‬

‫(‪ – )1‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 39‬والصادر بتاريخ ‪ ،2006/01/18‬كتاب املنتقى‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.225‬‬

‫‪64‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫هكذا أصل إلى نهاية هذا البحث بعد أن قضيت على امتداد صفحاته‬
‫السابقة وقتا غير يسير والذي وقفت من خالله على قضية من أهم القضايا‬
‫المعروضة على المحاكم المغربية (ابتدائية واستئنافية مكناس وابتدائية ميسور) في‬
‫المجال األسري وهي مسألة إثبات النسب ونفيه‪ ،‬هذه اللحمة البشرية التي خصها‬
‫الشرع اإلسالمي والقانون الوضعي بأهمية بالغة سدا لذريعة اختالط األنساب‪ ،‬ولقد‬
‫خلصت من خالل ذلك إلى النتائج التالية‪:‬‬

‫* أن مدونة األسرة أحدثت طفرة نوعية من خالل المضامين الجديدة التي‬


‫جاءت بها في النسب‪ ،‬ومن ذلك مثال ما يخص إثبات النسب ونفيه بواسطة الخبرة‬
‫الطبية التي تعتمد على التحليالت الجينية (‪ ،)ADN‬ومن ذلك ما يخص إثبات نسب‬
‫الحمل أو الولد الذي كان ثمرة عالقة جنسية تمت بين مخطوبين في فترة الخطوبة‪،‬‬
‫وهو ما يبرز من خالل اعتماد الخبرة انفتاح المشرع األسري المغربي على وسيلة‬
‫علمية أفضى إليها البحث العلمي الحديث من أجل االستعانة بها للبت في المنازعات‬
‫المرتبطة بالنسب‪.‬‬

‫* أن المشرع األسري وسع من وسائل إثبات النسب وضيق من وسائل‬


‫نفيه‪ ،‬والتي وضع لها قيود للتضييق كثيرا من نطاقها وفي مقدمة هذه القيود وجوب‬
‫تدخل المحكمة بحكم قضائي في الموضوع‪ ،‬وهذا إن دل على شيء إنما يدل على‬
‫تماشي المشرع مع تشوف الشريعة اإلسالمية للحوق النسب وحفظ حق الطفل في‬
‫النسب‪.‬‬

‫* أن محاكم التدريب أعاله ومعها المجلس األعلى وإن كانا يتساهالن في‬
‫إلحاق النسب‪ ،‬فإنهما يتشددان في نفيه ويلحقانه ليس في الزواج الصحيح فحسب بل‬
‫حتى في الزواج الفاسد‪ ،‬وكذا الباطل أو للشبهة إذا توفرت شروطهما‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫* أن محاكم التدريب أعاله ومعها المجلس األعلى لعبا دورا في تكريس‬
‫حق الطفل في النسب من خالل إيجاد الحلول المناسبة لإلشكاليات التي أفرزها‬
‫التطبيق القضائي في قضايا النسب‪.‬‬

‫* يعاب على التشريع األسري كونه لم يحدد ضوابط وأحكام الترجيح بين‬
‫الخبرة الجينية وحجيتها عند تعارضها مع وسائل اإلثبات أو النفي المقررة شرعا‬
‫وكل ذلك من أجل توحيد االجتهاد القضائي في هذا الشأن‪.‬‬

‫* من خالل محاكم التدريب لم أقف على تنفيذ عملي لمسطرة اللعان‪ ،‬بل‬
‫فقط بعض األحكام والقرارات التي لم تتم االستجابة فيها لطلب نفي النسب باللعان‬
‫لتخلف شرط من شروطه‪ ،‬علما أن المشرع فتح باب اللجوء إلى الخبرة الطبية‪.‬‬

‫* إن قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس ال يكلف نفسه عناء‬


‫البحث في وجود الظروف القاهرة التي حالت دون توثيق عقد الزواج‪ ،‬كما تنص‬
‫على ذلك المادة ‪ 156‬من مدونة األسرة عكس ما عليه األمر بابتدائية ميسور‪.‬‬

‫* إن محاكم التدريب تسير في نفس اجتهادات المجلس األعلى المتواترة‬


‫بخصوص النسب‪.‬‬

‫* إن محاكم التدريب تأخذ وقتها الكافي والالزم وتسلك كل ما يمكن من‬


‫وسائل التحقيق قبل البث في ملفات النسب لخطورة وأهمية هذا النوع من الملفات‪،‬‬
‫علما أن سلوك مسطرة الخبرة يكلف المتقاضين كثيرا ويضع الدولة أمام تحدي‬
‫توفير مراكز للتحاليل الجينية بالشكل الكافي من حيث العدد والتجهيزات الخاصة‬
‫وعدد األطر المتخصصة‪.‬‬

‫* إن محاكم التدريب تعمل سلطتها التقديرية في اللجوء إلى الخبرة الطبية‬


‫أو عدم اللجوء إليها وكذلك األمر بالنسبة للعمل بنتيجتها‪.‬‬

‫تلكم كانت أهم النتائج التي توصلت إليها من خالل هذا البحث الميداني‬
‫بمحاكم التدريب‪ ،‬وأشيرا إلى أن كل سهو أو إغفال أو تقصير فمن نفسي‪ ،‬فإني‬
‫حاولت االجتهاد ما استطعت وهللا المستعان‪ ،‬وإني أستحضر مقولة العماد‬
‫‪66‬‬
‫األصفهاني الذي يقول فيها "إني رأيت أنه ال يكتب إنسان كتابا في يومه إال قال في‬
‫غذه لو غير هذا لكان أحسن‪ ،‬ولو زيد كذا لكان يستحسن‪ ،‬ولو قدم ذاك لكان‬
‫أفضل‪ ،‬ولو ترك ذلك لكان أجمل‪ ،‬وهذا من أعظم العبر‪ ،‬وهو دليل على استيالء‬
‫النقص على جملة البشر"‪.‬‬

‫نسأل هللا أن ينفعنا بهذا العمل وينفع به وأن يوفقنا لما فيه الخير آمين‪.‬‬

‫‪‬سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا إنك أنت‬


‫صدق هللا العظيم‪.‬‬ ‫العليم الحكيم‪‬‬

‫‪67‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬

‫‪ -‬القرآن الكريم برواية ورش عن نافع‬

‫‪ -‬الكتب الفقهية واللغوية‬


‫‪ ‬ابن جزي‪ :‬القوانين الفقهية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬تاريخ‪/‬‬
‫بدون‪.‬‬

‫‪ ‬الرصاع‪ :‬شرح حدود ابن عرفة‪ ،‬المكتبة العلمية‪ ،‬تونس ط‪.‬ت‪/‬بدون‪.‬‬

‫‪ ‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر بيروت ج ‪ 6‬و‪ 5‬و‪.13‬‬

‫‪ -‬الكتب القانونية‪:‬‬
‫‪ ‬أحمد الخمليشي‪ :‬التعليق على قانون األحوال الشخصية‪ ،‬ج ‪ 2‬ط‪1/‬‬
‫‪ ،1994‬المعارف الجديدة الرباط‪.‬‬

‫‪ ‬إبراهيم بحماني‪ :‬العمل القضائي في قضايا األسرة؛ مرتكزاته‬


‫ومستجداته في مدونة األحوال الشخصية ومدونة األسرة‪ ،‬ط ‪ ،2008‬مكتبة دار‬
‫السالم‪ -‬الرباط‪.‬‬

‫‪ ‬محمد الكشبور‪ :‬البنوة والنسب في مدونة األسرة قراءة في المستجدات‬


‫البيولوجية دراسة قانونية وشرعية مقارنة‪ ،‬سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة‬
‫‪ 14‬طبعة ‪.2007‬‬

‫‪ ‬محمد مصطفى شلبي‪ :‬أحكام األسرة في اإلسالم‪ ،‬ط‪.1973 2/‬‬

‫‪ ‬مرزق أيت الحاج‪ :‬الوجيز في التوثيق العدلي‪ ،‬ط‪ ،2005 1/‬مطبعة‬


‫طوب بريس‪.‬‬

‫‪ ‬مصطفى رزقي‪ :‬ميزان الذهب في قواعد اللعان والنسب من خالل‬


‫قرارات المجلس األعلى ط‪ ،2007 1/‬مطبعة سيرنيور‪ -‬فاس‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫‪ ‬خليفة علي الكعبي‪ :‬البصمة الوراثية وأثرها على األحكام الفقهية‪ ،‬دار‬
‫الجامعة الجديدة للنشر االسكندرية ‪.2004‬‬

‫‪ ‬أهم قرارات المجلس األعلى في تطبيق الكتاب الثالث من مدونة األسرة‬


‫ط‪ /‬بدون إدكل للطباعة والنشر‪ -‬الرباط ‪.2007‬‬

‫‪ ‬إشكالية الخبرة الطبية في إثبات النسب أو نفيه‪ ،‬مدونة األسرة بعد ثالث‬
‫سنوات من التطبيق الحصيلة واآلفاق‪ ،‬أشغال الندوة الدولية المنظمة من طرف‬
‫مجموعة البحث في القانون واألسرة‪ ،‬يومي ‪ 16-15‬مارس ‪ 2007‬بكلية الحقوق‬
‫بوجدة ط‪ ،1/‬مطبعة الجسور وجدة ‪ ،2008‬سلسلة الندوات ‪.2‬‬

‫‪ ‬المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة األسرة‪ ،‬الجزء ‪ ،1‬منشورات‬


‫جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية‪ ،‬سلسلة الشروح والدالئل‪ ،‬العدد ‪10‬‬
‫فبراير ‪ 2009‬ط‪ /‬بدون‪.‬‬

‫‪ ‬الدليل العملي لمدونة األسرة‪ ،‬منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية‬


‫والقضائية‪ ،‬سلسلة الشروح والدالئل العدد ‪ ،2004/1‬ط ‪ 3/‬فبراير ‪.2007‬‬

‫‪ ‬قضايا األسرة من خالل اجتهاد المجلس األعلى‪ ،‬الندوة الجهوية الثانية‬


‫المنظمة بالقصر البلدي مكناس أيام ‪ 9-8‬مارس ‪ ،2007‬مطبعة األمنية الرباط‪.‬‬

‫‪ -‬المجالت‪:‬‬
‫‪ ‬مجلة القضاء والقانون العدد ‪.89-88-149‬‬

‫‪ ‬مجلة قضاء المجلس األعلى العدد ‪.86-83-55‬‬

‫‪ ‬مجلة قضاء األسرة العدد ‪ 3‬دجنبر ‪.2006‬‬

‫‪ ‬مجلة الحقوق الكويتية‪ ،‬السنة العشرون العدد األول مارس ‪.1996‬‬

‫‪ ‬مجلة النشر العلمي جامعة الكويت سنة ‪.2001‬‬

‫‪ ‬المجلة المغربية للقانون واقتصاد التنمية العدد ‪ 50‬سنة ‪.2004‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ ‬المنتدى مدونة األسرة تقييم ومعالجة مجلة دورية يصدرها منتدى‬
‫البحث القانوني مراكش العدد ‪.2005-5‬‬

‫‪ -‬المحاضرات والرسائل‪:‬‬
‫‪ ‬سعد أصبان‪ :‬النسب بين قواعد الشريعة ونتائج الخبرة‪ ،‬عرض قدم‬
‫لطلبة المعهد العالي للقضاء‪ ،‬الفوج ‪.34‬‬

‫‪ ‬عمر لمين‪ :‬محاضرة تتعلق بالنسب تم إلقاؤها في ندوة بالمعهد العالي‬


‫للقضاء سنة ‪ 2007‬للفوج ‪.34‬‬

‫‪ ‬عزيزة حميدي‪ :‬إثبات النسب ونفيه من خالل العمل القضائي بالدائرة‬


‫االستئنافية بفاس‪ ،‬بحث نهاية التمرين‪ ،‬الفوج ‪.34‬‬

‫‪ ‬مغنية رشيدي‪ :‬حق الطفل في النسب دراسة فقهية تشريعية قضائية‬


‫د‪.‬د‪.‬ع‪.‬م في القانون الخاص‪ ،‬وحدة األسرة والطفولة‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد‬
‫هللا‪ -‬فاس ‪.2003-2002‬‬

‫‪70‬‬
‫مقدمة ‪1 -----------------------------------------------------------------‬‬

‫المحور األول‪ :‬وسائل إثبات النسب ‪5------------------------------‬‬


‫المبحث األول‪ :‬إثبات النسب بالفراش ‪5 -------------------------------------‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ثبوت النسب في الزواج الصحيح ‪6 --------------------------‬‬

‫أوال‪ :‬إبرام عقد زواج صحيح ‪6 --------------------------------------------‬‬

‫ثانيا‪ :‬مدة الحمل المعتبرة شرعا ‪9 ------------------------------------------‬‬

‫ثالثا‪ :‬إمكانية االتصال بين الزوجين ‪14 --------------------------------------‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ثبوت النسب في الزواج غير الصحيح‬

‫والوطء بشبهة ‪15 --------------------------------------------‬‬

‫أوال‪ :‬ثبوت النسب في الزواج غير الصحيح ‪16 ------------------------------‬‬

‫الزواج الباطل ‪16 --------------------------------------------------‬‬ ‫‪-1‬‬

‫الزواج الفاسد ‪18 ---------------------------------------------------‬‬ ‫‪-2‬‬

‫ثانيا‪ :‬ثبوت النسب للشبهة (المادة ‪ 156‬من م‪.‬األسرة نموذجا) ‪20 --------------‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬إثبات النسب باإلقرار والبينة الشرعية ‪27 ---------------------‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إثبات النسب باإلقرار ‪27 -------------------------------------‬‬

‫أوال‪ :‬شروط اإلقرار بالنسب ‪28 ---------------------------------------------‬‬

‫ثانيا‪ :‬إثبات اإلقرار بالنسب ‪31 ----------------------------------------------‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إثبات النسب بالبينة الشرعية ‪34 ------------------------------‬‬

‫‪71‬‬
‫أوال‪ :‬ماهية شهادة عدلين وبينة السماع ‪34 -----------------------------------‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف القضاء من شهادة عدلين وبينة السماع ‪35 ------------------------‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬وسائل نفي النسب ‪38 -----------------------------------‬‬

‫المبحث األول‪ :‬نفي النسب عن طريق إثبات اختالل أحد شروط‬

‫الفراش أو باللعان ‪38 ------------------------------------------‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نفي النسب عن طريق إثبات اختالل أحد‬

‫شروط الفراش ‪38 ---------------------------------------------------------‬‬

‫أوال‪ :‬عدم وجود عقد زواج صحيح ‪39 --------------------------------------‬‬

‫ثانيا‪ :‬عدم تحقق مدة الحمل المعتبرة شرعا ‪40 --------------------------------‬‬

‫ثالثا‪ :‬عدم إمكانية االتصال بين الزوجين ‪42 ----------------------------------‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نفي النسب باللعان ‪45 ---------------------------------------‬‬

‫أوال‪ :‬إجراءات اللعان وشروطه ‪45 ------------------------------------------‬‬

‫ثانيا‪ :‬نفي النسب باللعان على ضوء العمل القضائي ‪47 -----------------------‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬نفي النسب عن طريق الخبرة الطبية ‪50 -----------------------‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أنواع الخبرة الطبية في مجال النسب ‪51 ----------------------‬‬

‫أوال‪ :‬فصيلة الدم ‪52 --------------------------------------------------------‬‬

‫ثانيا‪ :‬البصمة الوراثية ‪52 ---------------------------------------------------‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬شروط اللجوء إلى الخبرة الطبية في مدونة األسرة ‪53 ---------‬‬

‫أوال‪ :‬إدالء الزوج بدالئل قوية على ادعائه ‪54 --------------------------------‬‬

‫ثانيا‪ :‬صدور أمر قضائي بهذه الخبرة ‪58 ------------------------------------‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬اإلشكاالت العملية المثارة بشأن اعتماد‬


‫‪72‬‬
‫الخبرة الطبية لنفي النسب ‪61 -----------------------------------‬‬

‫أوال‪ :‬تعارض نتائج الخبرة الطبية مع قاعدة الولد للفراش ‪61 ------------------‬‬

‫ثانيا‪ :‬تعارض نتائج الخبرة الطبية واإلقرار بالنسب ‪62 -----------------------‬‬

‫ثالثا‪ :‬تأثير الخبرة الطبية على العمل باللعان ‪63 ------------------------------‬‬

‫خاتمة ‪65 -----------------------------------------------------------------‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع ‪68 -----------------------------------------------‬‬

‫‪73‬‬

You might also like