Professional Documents
Culture Documents
Null
Null
وزارة العدل
المعهد العالي للقضاء
.
فترة التدريب:
2011-2009
1
بعد شكر هللا سبحانه وتعالى على فضله ونعمه
أتقدم بالشكر الجزيل ألستاذي الفاضل سعد أصبان والذي لم
يدخر جهدا في مساعدتي بتوجيهاته النيرة ونصائحه الغالية
سواء في إنجاز هذا البحث أو أثناء تكويننا بالمعهد العالي
للقضاء
أتقدم بجزيل الشكر للسيد محمد سعيد بناني المدير العام للمعهد
العالي للقضاء
أتقدم بجزيل الشكر للسيد محمد األيوبي مدير تكوين الملحقين
القضائيين والقضاة
تشكري وتقديري ألساتذة المعهد األجالء الذين ساهموا في
تكويننا بعلم وصناعة القضاء والتقاضي
شكري لكل الموظفين العاملين بالمعهد العالي للقضاء
2
إلى:
أبي وأمي
رمز المحبة
والعطاء
3
مقدمة:
تعتبر رابطة النسب في اإلسالم من أبرز آثار عقد الزوج الذي اعتبره هللا
ميثاقا غليظا بين الزوجين ،ورتب عليه حقوقا ،أولها ثبوت نسب كل فرد إلى أبيه
حتى ال تختلط األنساب ويضيع األوالد .ولم يقل اهتمام الشريعة اإلسالمية بنفي
النسب كما كان لها أكبر االهتمام بإثباته ،وذلك لما يتمتع به من مكانة مقدسة بين
نصوص الشرع وأحكامه الفقهية ،إذ يعد أحد أركان ومقاصد الشريعة الخمسة التي
من بينها النسل "النسب" .لذا أمر هللا عز وجل اآلباء أن ينسبوا إليهم أوالدهم
ونهاهم عن إنكار بنوتهم في قوله جل ثناؤه :أدعوهم آلبائهم هو أقسط عند
هللا ،)1(كما توعد الرسول صلى هللا عليه وسلم األبناء الذين ينتسبون إلى غير
آبائهم فقال صلى هللا عليه وسلم" :من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه
فالجنة عليه حرام"( ،)2كما نهى المرأة عن إنساب ولد إلى زوجها ،تعلم أنه ليس
منه فقال" :أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من هللا في شيء ولن
يدخلها الجنة"( ،)3وأبطل أن يكون الزنا طريقا لثبوت النسب فقال الرسول صلى
هللا عليه و سلم" :الولد للفراش وللعاهر الحجر"(.)4
والنسب باعتباره صلة اإلنسان بمن ينتمي إليه من اآلباء واألجداد يدور
حول محورين أساسيين ،وهما اإلثبات بمعنى تأكيد حق متنازع فيه له أثر قانوني
بالدليل الذي أباحه القانون إلثبات ذلك الحق ،والنفي وفق الشروط والضوابط
الشرعية والقانونية .وإذا استقر النسب التحق المنسب بقرابته وتعلقت به سائر
األحكام الشرعية المرتبطة بهذا النسب من ميراث ونفقة وموانع الزواج وترتبت
عليه حقوق وواجبات ،فكان استقرار النسب استقرارا للمعامالت في المجتمع.
4
وقد نظم المشرع المغربي أحكام النسب في المواد 150إلى 162ضمن
الباب الثاني من الكتاب الثالث بمدونة األسرة والتي جاءت بمستجدات هامة وفي
مقدمتها الخبرة الطبية إلثبات النسب أو نفيه التي تعتبر من التطورات العلمية
الجديدة ،كما سمحت بإلحاق نسب االبن المزداد خالل فترة الخطبة بالخاطب للشبهة
شريطة توفر شروط منصوص عليها في المادة 156من مدونة األسرة.
والنسب حسب مدونة األسرة هو لحمة شرعية بين األب وولده تنتقل من
السلف إلى الخلف (المادة 150من مدونة األسرة).
والنسب في اللغة يعني القرابة ،وسميت القرابة نسبا لما بينهما من صلة
واتصال ،فيقال نسبت فالنا إلى أبيه أنسبه نسبا إذا رفعت في نسبه إلى جده
األكبر( ،)1أما اصطالحا فهو ساللة الدم أو رباط ساللة الدم الذي يربط اإلنسان
بأصوله وفروعه وحواشيه(.)2
والنسب حق للولد يدفع به عن نفسه المعرة والضياع وحق ألمه تدرأ به
الفضيحة واالتهام بالفحشاء ،وحق ألبيه يحفظ به نسبه وولده على أن يضيع أو
ينسب إليه( ،)3كما أنه حق يكتسي طابعا آمرا متعلقا بالنظام العام ،وهو ما يؤكده
قرار صادر عن محكمة االستئناف بمكناس" وطبقا للقواعد اآلمرة فإن البنت ملحقة
بنسب أبيها وال يعتد بأي اعتراف بالحمل قبل العقد لتعلق قاعدة النسب بالنظام العام
والقواعد المطبقة فيه آمرة"( ،)4ومن هنا يبرز الدور األساسي الذي يلعبه االجتهاد
القضائي في حل اإلشكاالت العملية وبلورة القواعد من خالل النوازل المعروضة
عليه باعتباره مصدرا من مصادر القاعدة القانونية .وخاصة في حالة تعارض
( – )1ابن منظور لسان العرب ،ج -14فعل نسب ،ص .119-118
( – )2مغنية رشيدي :حق الطفل يف النسب دراسة فقهية تشريعية قضائية ،رسالة لنيل دبلوم د.ع.م يف القانون اخلاص،
وحدة األسرة والطفولة ،جامعة سيدي حممد بن عبد هللا ،فاس ،2003-2002ص .19
( – )3حممد جوهر :إثبات ونفي النسب بني الطب والعجب ،اجمللة املغربية للقانون واقتصاد التنمية العدد ،2004 -50
ص .149
( – )4قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 3560والصادر بتاريخ 2008-12-11يف امللف الشرعي عدد
،8/08/1951غري منشور.
5
الخبرة كوسيلة علمية حديثة إلثبات ونفي النسب مع باقي الطرق الشرعية األخرى،
وهذا ما أسعى إلبرازه في هذا البحث الميداني المتعلق بالنسب من خالل محاكم
التدريب :استئنافية مكناس ،وابتدائية مكناس وميسور.
ولقد كان الدافع الختيار هذا الموضوع كمحور لهذه الدراسة الميدانية كون
أن النسب بالغ الخطورة وله أبعاد وآثار نفسية على الولد بدرجة أولى كما له بعد
اجتماعي لكونه يحقق مصلحة عامة للمتجمع ويتضمن حرمات هللا .كما كان الدافع
الوقوف على كيفية تعامل القضاء من خالل محاكم التدريب مع أهم المستجدات
التي جاءت بها مدونة األسرة في مجال إثبات ونفي النسب.
إشكالية الموضوع:
-كيف تعامل القضاء – محاكم التدريب -مع أحكام النسب بصفة عامة
ومع مستجدا ته في مدونة األسرة بصفة خاصة؟
منهجية البحث:
6
إن دراسة موضوع إشكالية إثبات النسب ونفيه في التشريع األسري
المغربي على ضوء العمل القضائي يقتضي ضرورة اعتماد منهجية معينة لمعالجة
هذا الموضوع ،ومن هنا عالجت هذا الموضوع وفق منهج تحليلي ،من خالل
تحليل مجموعة من النصوص المتعلقة بالنسب والمضمنة في مدونة األسرة ،وأيضا
األحكام والقرارات الصادرة عن محاكم التدريب في نفس الموضوع.
خطة البحث:
7
المحور األول :وسائل إثبات النسب
لقد نصت المادة 158من مدونة األسرة على أنه " :يثبت النسب بالفراش
أو بإقرار األب أو بشهادة عدلين أو بينة السماع وبكل الوسائل األخرى المقررة
شرعا ً بما في ذلك الخبرة القضائية" محددة بذلك طرق تقليدية وأخرى علمية في
إثبات النسب وكاشفة عن تطور في قواعد إثبات النسب في القانون المغربي.
وعليه ،سأقسم هذا المبحث إلى مطلبين أخصص (األول) للحديث عن
ثبوت النسب في الزواج الصحيح ،وفي المطلب الثاني أتحدث عن ثبوت النسب في
الزواج غير الصحيح والوطء بشبهة.
( )1حممد ابن منظور" :لسان العرب" ،دار صادر بريوت ج 6ص 326:
( )2اآلايت من 35إىل 38من سورة الواقعة
( )3حممد الكشبور" :البنوة والنسب يف مدونة األسرة ،قراءة يف املستجدات البيولوجية" ،دراسة قانونية وشرعية مقارنة،
سلسلة الدراسات القانونية املعاصرة 14ط ،2007/ص 67 :
8
المطلب األول :ثبوت النسب في الزواج الصحيح
جاء في المادة 50من مدونة األسرة "إذا توفرت في عقد الزواج أركانه
وشروط صحته وانتفت موانعه ،فيعتبر صحيحا ً وينتج جميع آثاره من الحقوق
والواجبات التي رتبتها الشريعة بين الزوجين واألبناء واألقارب ،المنصوص عليها
في هذه المدونة".
وال شك أن من أبرز وأهم اآلثار ثبوت نسب الولد الذي يزداد على فراش
الزوجية لصاحب هذا الفراش.
-1إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن االتصال سواء كان العقد
صحيحا ً أم فاسدا.
إن العمل بقاعدة الولد للفراش تستوجب توفر عقد زواج صحيح مستوف
األركان والشروط وموثقاً .وهكذا جاء في قرار للمجلس األعلى " ...أنه لما كان
عقد الزواج موثقا والطالق ثابتا ً بتاريخه وتم الوضع خالل األجل القانوني وفي
ظل غياب أي دليل قوي لما يدعيه الطاعن ألنه ال وجود ألي تقرير يفيد العقم،
فإن قرار المحكمة كان مرتكزا ً على أساس قانوني وما جاء في الوسيلة عديم
الجدوى" (.)1
( )1قرار اجمللس األعلى صادر بتاريخ ،2009/3/18امللف رقم 2007/1/2/479حتت عدد ،116منشور بكتاب
"أهم قرارات اجمللس األعلى يف تطبيق الكتاب الثالث من مدونة األسرة ،ط ادكل للطباعة والنشر ،الرابط ،2007ص .79
9
وهو نفس ما تعتمده محاكم الموضوع ،إذ جاء في قرار صادر عن محكمة
االستئناف بمكناس " ...بالرجوع إلى نسخة عقد الزواج المدلى بها بالملف ،يتبين
أن الزواج تم بين طرفي الدعوى بتاريخ 1997/12/12في حين أن االبن المذكور
ازداد بتاريخ 1999/4/21أي بعد سنة وأربعة أشهر من تاريخ عقد الزواج
وبالتالي فهو ال يحق للمستأنف وتعين تبعا ً لذلك رد الدفع المذكور" ( .)1كما جاء
في حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بمكناس " ...وحيث إن العالقة الزوجية
قائمة بين الطرفين استنادا إلى نسخة مشهود بمطابقتها لألصل من نسخة عقد
زواج ...وأن المدعى عليه عقد على المدعية بتاريخ 1997/07/8وأن الوالدة تمت
بتاريخ ...1998/01/30
وحيث إنه في غياب الدالئل القوية يمتنع اللجوء إلى الخبرة لنفي النسب
المستند إلى فراش صحيح" (.)2
كما جاء في حكم صادر عن قسم قضاء األسرة التابع البتدائية تاونات " :
حيث أنكر المدعى عليه بواسطة دفاعه أية عالقة له بالمدعية وابنها ولم تدل
المدعية بما يثبت زواجها منه.
وحيث إنه وفضال عن ذلك أجري البحث بواسطة السلطة المحلية فوردت
نتيجته مكذبة إلدعاء المدعية .كما أن أغلب الشهود المستمع إليهم ال يؤكدون تلك
العالقة ،الشيء الذي يكون معه الطلب غير مؤسس ويتعين رفضه.)3( "...
فمن خالل هذا العمل القضائي يتضح أن إعمال قرينة الولد للفراش تتطلب
أن يصب عقد الزواج الصحيح في رسم مكتوب من طرف عدلين منتصبين
( )1قرار عدد 3035صادر عن حمكمة االستئناف مبكناس بتاريخ 2008/9/23يف امللف الشرعي عدد
– 8/08/1000غري منشور.
( )2حكم احملكمة االبتدائية مبكناس بتاريخ 07/5/9يف امللف الشرعي عدد 5/5/1783ج ،منشور بكتاب املنتقى من
عمل القضاء يف تطبيق مدونة األسرة ،اجلزء األول منشورات مجعية نشر املعلومة القانونية والقضائية سلسلة الشروح
والدالئل ،العدد 10فرباير ،2009ط /بدون ،ص .257
( )3حكم رقم ، 380ملف 06/2ج ،صادر بتاريخ 06/11/8قسم قضاء األسرة التابع البتدائية اتوانت (غري
منشور) أوردته امللحقة القضائية عزيزة محيدي يف حبث هنائية التمرين الفوج ،34ص .12
10
لإلشهاد ومخاطب عليه من طرف قاضي التوثيق .مع مالحظة أن الكتابة في هذا
الصدد هي لإلثبات ال النعقاد حسب ما يفهم من المادة 16من مدونة األسرة.
غير أن اإلشكال الذي يطرح حول ما إذا كان نسب الولد يثبت بمجرد
إبرام عقد الزواج ومرور المدة المعتبرة شرعا ً أم ال بد للمدعي من إثبات واقعة
الدخول بالزوجة بعد إبرام العقد ؟
هذا السؤال كان محط خالفات فقهية ،غير أن مدونة األسرة قررت ثبوت
النسب إن مر على عقد الزواج أقل مدة الحمل مع إمكان االتصال ودون تكليف
مدعي النسب بإثبات واقعة الدخول (الفقرة األولى من المادة 154من مدونة
األسرة).
وهكذا اعتبر المجلس األعلى االتصال حاصال ودونما حاجة إلثباته في
الواقعة التي يتم االتفاق فيها على بعد مرور أدنى أمد الحمل .وينفي الزوج
االتصال دون إثبات .ألن الخلوة بين الزوجين ثابتة ،وألنها هي األصل ،ولم يثبت
خالف هذا األصل (.)1
ففي هذا القرار اكتفى المجلس األعلى بالعقد ومرور أقل أمد الحمل للتدليل
على حصول االتصال وأنه ال حاجة إلثباته ،ألن الخلوة ليست شرطا ً من شروط
قيام العالقة الزوجية وما ينتج عنها من آثار ،بل هي مفترضة بمجرد كتابة عقد
الزواج وعلى من يدعي خالف ذلك أن يثبته بأدلة واقعية ومحسوسة.
ال يكفي لكي يلحق النسب بالزوج حسب مدونة األسرة إبرام عقد زواج
صحيح ،بل البد من تحقق مدة الحمل المعتبرة شرعا ً إما في حدها األدنى أي ستة
أشهر من تاريخ العقد ،وإما في حدها األقصى أي سنة من تاريخ انتهاء عقد
الزواج.
( )1قرار اجمللس األعلى الصادر بتاريخ ،1999/2/16منشور مبجلة قضاء اجمللس األعلى ،عدد ،55ص 1123وما
بعدها.
11
ولعل هذا ما كرسه المجلس األعلى من خالل قرارات متواترة عنه ،إذ
جاء في إحدى قراراته " ...لكن حيث إن الولد للفراش إن مضى على عقد الزواج
أقل مدة الحمل وأمكن االتصال وكذا إذا ولد بعد فراق داخل سنة واحدة...
والمحكمة لما ثبت لها أن المطلوبة في الطعن قد أتت بالمولودة ...ألكثر من ستة
شهور من تاريخ العقد وألقل من سنة من تاريخ الطالق مما يجعلها الحقة بنسب
والدها الطاعن بناء على فراش الزوجية ...تكون قد أقامت قضاءها على أساس "
( )1وجاء في قرار آخر " ...لكن حيث إن المادة 154من مدونة األسرة تنص
على انه يثبت نسب الولد للفراش إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد .والثابت من
أوراق الملف أن الولد ...ازداد على فراش الزوجية بتاريخ 2001/02/3أي بعد
ستة أشهر من تاريخ العقد ...والمحكمة لما ردت دفوع الطاعن بعلة أن الفراش
يعتبر حجة قاطعة على النسب بصريح المادة 153من مدونة األسرة ...تكون قد
بنت قضاءها على أساس" (.)2
ونفس النهج سارت عليه محاكم الموضوع ،إذ جاء في قرار لمحكمة
االستئناف بمكناس " بالرجوع إلى نسخة عقد الزواج ...يتبين أن الزواج تم بين
طرفي الدعوى بتاريخ 1997/12/12في حين أن االبن المذكور ازداد بتاريخ
1999/4/21أي بعد سنة وأربعة أشهر من تاريخ العقد وبالتالي فهو الحق
للمستأنف .)3( "...وجاء في قرار آخر لها " ويحث إن العالقة الزوجية ربطت بين
طرفي النزاع ابتداء من تاريخ 2005/5/2وانتهت بالحكم بالتطليق بتاريخ
( )1قرار اجمللس األعلى صادر بتاريخ 2006/06/28رقم 2005 1/2/188حتت عدد ،418منشور بكتاب أهم
قرارات اجمللس األعلى يف تطبيق الكتاب الثالث من مدونة األسرة ،م.س ،ص .75
( )2قرار اجمللس األعلى صادر بتاريخ 2006/11/15امللف رقم 2005/1/2/317حتت عدد ،639املرجع نفسه،
ص .77
( )3قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 3035يف امللف عدد 8/08/1000والصادر بتاريخ ،2008/9/23غري
منشور.
12
07/7/26مما يجعل ازدياد االبن ...بتاريخ 2007/2/14حصل أثناء العالقة
الزوجية ...مما يجعل نسبه لوالده تابتا استنادا لقاعدة الولد للفراش" (.)1
وجاء في قرار آخر لها " وحيث إن االبن ...ازداد خالل مدة 7أشهر و
19يوم من تاريخ الطالق أي خالل سنة ،وأن المحكمة كانت على صواب لما
اعتبرت نسبه ثابتا لوالده" .)2( ...وجاء في حكم لقسم قضاء اآلسرة التابع
للمحكمة االبتدائية بمكناس" وحيث تبين للمحكمة من خالل إطالعها على عقد
الزواج المذكور مراجعه أعاله ورسم والدة البنت ...أنها ازدادت داخل األجل
القانوني ،وبذلك يعتبر الفراش حجة قاطعة على ثبوت النسب .)3(" ...وجاء في
حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية لبولمان بميسور "وحيث
أدلى المدعي بنسخة مقاررة بزواج ...مما يعني أن والدته كانت ألكثر من ستة
أشهر من تاريخ العقد .وحيث إن الولد الذي يولد أثناء فترة العالقة الزوجية المحددة
في المادة 154من مدونة األسرة يثبت نسبه إلى الزوج بقرينة قانونية قاطعة"...
(.)4
( )1قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 590يف امللف عدد 8/08/3019والصادر بتاريخ ،2009/2/24غري منشور.
( )2قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 2182يف امللف عدد 8/04/1092والصادر بتاريخ ،2004/11/19غري منشور.
( )3حكم احملكمة االبتدائية مبكناس قسم قضاء األسرة عدد 2183يف امللف عدد 5/2078ج 08/والصادر بتاريخ
.2010/6/8غري منشور.
( )4حكم احملكمة االبتدائية لبوملان قسم قضاء األسرة عدد 05/ 378والصادر بتاريخ 05/11/28يف امللف
عدد 05_272غري منشور.
( )5قرار اجمللس األعلى رقم 1303صادر بتاريخ 1991/12/12منشور مبجلسة قضاء اجمللس األعلى عدد 95-83
ص 107
13
ما بين تاريخ الطالق وفاتح أبريل ال يتعدى أسبوعا وقد نص الفقهاء على أن مثل
هذه المدة غير مؤثرة الشيء الذي كان معه الحكم المطعون فيه ناقص التعليل" (.)1
هذا وتجدر اإلشارة إلى أن المادة 154من مدونة األسرة أغفلت اإلشارة
إلى التقويم المعتبر في احتساب المدة الشرعية للحمل هل هو القمري أو الشمسي،
وهو ما خلف إشكاال خاصة أن التقويم الشمسي يفوق التقويم القمري بإحدى عشر
يوماً.
هذا وقد حسم المجلس األعلى في هذا اإلشكال من خالل عدة قرارات ،
بحيث جاء في إحدى قراراته "لكن حيث إنه من جهة أولى فإن المحكمة مصدرة
القرار المطعون فيه لما اعتمدت التقويم القمري في احتساب أقل مدة الحمل بدال من
التقويم الشمسي فإنها تكون قد طبقت ما هو مقرر فقها وما جرى به العمل
القضائي" ( .)2وجاء في قرار لمحكمة االستئناف بمكناس " وحيث إنه بمقتضى
مدونة األسرة ،فإن أقل أمد الحمل هو ستة أشهر ،والمعروف عند الفقهاء أن
الحساب في ذلك يكون بالشهور القمرية" (.)3
فمن خالل حيثيات هذين القرارين يتضح أن العمل القضائي يعتمد التقويم
الهجري أخذا ً باألحوط وتفاديا لإلضرار بحق الطفل في النسب إلى أبيه ،وهو في
الحقيقية إعمال للمادة 400من مدونة األسرة التي تحيل على المذهب المالكي
واالجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم اإلسالم فيما لم يرد عليه نص في المدونة.
إضافة إلى ما سبق ،فهل يجب مراعاة أمد الحمل إلثبات نسب الولد
للفراش حتى ولو أثبتت الخبرة البنوة ؟
( )1قرار اجمللس األعلى رقم 1461صادر بتاريخ 1988/11/29يف امللف عدد 87/6711أشارت إليه مغنية
رشيدي ،حق الطفل يف النسب ،دراسة فقهية تشريعية قضائية ر.ل.د.د.ع.م يف القانون اخلاص وحدة األسرة والطفولة
جامعة سيدي حممد بن عبد هللا فاس -2003-2002 ،ص .92
( )2اجمللس األعلى قرار عدد 43بتاريخ 2006/1/18منشور بكتاب املنتقى من عمل القضاء،م.س ،ص 227
( )3حمكمة االستئناف مبكناس قرار عدد 3560صادر بتاريخ ،2008/11/11يف امللف عدد 8/08/1951غري
منشور.
14
ال بد من مراعاة أقل مدة الحمل وأكثرها إلثبات النسب بالفراش ولو أثبتت
الخبرة البنوة ،لكون الخبرة قاصرة على إثبات العالقة الطبيعية فقط ،ولكن الفراش
يثبت اإلطار الشرعي الذي تكونت فيه هذه العالقة(.)1
وتجدر اإلشارة إلى أن من يرفع دعوى تخص إثبات النسب وحتى يستفيد
من المقتضيات التشريعية التي تحدد أقل مدة الحمل وأقصاها عليه أن يحدد بكل دقة
تاريخ إبرام العقد في الحالة األولى وتاريخ وقوع الطالق في الحالة الثانية،
باإلضافة إلى تاريخ الوالدة ،والمسألة قانونية تتصل بجوهر النظام العام وتخضع
بالتالي لرقابة المجلس األعلى ( .)2وهكذا جاء في إحدى قراراته بغرفتين" .لئن
كان الفراش الشرعي قرينة قاطعة على إثبات النسب ،فإن ذلك مشروط بأن تكون
الوالدة ثابتة التاريخ وداخل األمد المعتبر شرعا ً بشكل ال مراء وال جدال فيه...
وأنه وأمام اختالف الزوجين بشأن تاريخ ازدياد االبن المذكور ،فإنه كان على
المحكمة أن تبحث بوسائل اإلثبات المعتمدة شرعا ً ومنها الخبرة التي ال يوجد نص
قانوني صريح يمنع المحكمة من االستعانة بها"( .)3كما أن محاكم الموضوع تستند
إلى وسائل اإلثبات المعتمدة لتحديد تاريخ الوالدة بكل دقة لترتب األثر المناسب
عليها .وهكذا جاء في قرار لمحكمة االستئناف بمكناس " حيث تبث للمحكمة أن
الطفل مزداد بتاريخ ...حسب أوراق الملف ،وأن الشهادة اإلدارية المسلمة في هذا
الشأن تعد حجة على ذلك إلى أن يثبت ما يخالفها"(.)4
( )1عمر ملني :د .ملحق بوزارة العدل ،رئيس غرفة مبحكمة االستئناف يف ندوة مث إلقاؤها ابملعهد العايل للقضاء سنة
.2007
( )2حممد الكشبور " :البنوة والنسب يف مدونة األسرة" ،م.س ،ص .93
( )3قرار اجمللس األعلى بغرفتني بتاريخ 2005/03/9يف امللف عدد ،2003/1/2/615منشور بكتاب املنتقى م.س،
ص .226
( . )4قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 1295صادر بتاريخ 2008/4/8يف امللف عدد -8/07/3313غري
منشور .
15
وهكذا يتضح من خالل حيثيات هذين القرارين أن المحكمة ملزمة باعتماد
جميع الوسائل المقررة شرعا ً لتحديد تاريخ االزدياد من نسخة عقد زواج أو رسم
طالق أو شهادة الوفاة وشهادة الوالدة إلثبات االزدياد وتاريخه مع اإلشارة إلى أن
وصادرة عن الجهة هذه الوثيقة األخيرة يجب أن تتضمن البيانات الالزمة
المختصة وإال فال يعتد بها كما هو حال الشهادة الصادرة عن ضابط الحالة المدنية
والمحررة من طرفه بناء على تصريح يحتمل الصدق والكذب.
بقي أن أشير إلى نقطة تتعلق بأقصى أمد الحمل ومشكلة الريبة فيه ،فقد
جاء في المادة 134من مدونة األسرة "في حالة إدعاء المعتدة الريبة في الحمل،
وحصول المنازعة في ذلك ،يرفع األمر إلى المحكمة التي تستعين بذوي
االختصاص من الخبراء للتأكد من وجود الحمل وفترة نشوءه لتقرر استمرار العدة
أو انتهائها" .فإذا تأكد من ذوي االختصاص أن ما في بطن المرأة هو حمل وجب
الحكم آنذاك باستمرار العدة وبكيفية غير مباشرة الزيادة في أقصى أمد الحمل.
16
89/12/21أي بعد مرور أكثر من ستة أشهر أي داخل األمد الذي يترتب عن
الوضع خالله ثبوت نسب المولود إلى الزوج طبقا للفصول 76و 84و 85
و 98من المدونة وبذلك يكون االتصال قد حصل وال حاجة إلثباته" ( )1وجاء في
قرار آخر له " يتحقق إمكان االتصال بعد ما تبث أن الزوج المقيم بالخارج كان
يتردد على المغرب حيث تقيم الزوجية خالل قيام العالقة الزوجية ( .)2وهو نفس
ما تسير فيه محكمة االستئناف بمكناس حيت جاء في قرار لها " وحيث تبث
الملف وإقرار المستأنف نفسه كون هذا األخير لم يتم للمحكمة من خالل أوراق
أسره من طرف ....إال بتاريخ 4يناير 1980أي بعد والدة المطلوب نفي نسبه.
مما يكون الحكم المستأنف صادف الصواب ويتعين تأييده"()3
ويستتبع إمكانية اتصال الزوج بزوجته إمكانية إنجابها منه بأن يكون بالغا ً
قادرا ً على الوطء ،وأال يكون مجبوبا وال عنينا ً وال مخصيا ً أي اإلمكان الشرعي
وهو ما سكتت عنه مدونة األسرة.
ويقوم المانع الشرعي الذي يحول دون انتساب الولد للزوج وذلك فيما إذا
كانت المدة الفاصلة بين وضع الحمل وبين عقد الزواج أقل من ستة أشهر الن
المانع مكتسب من دليل شرعي ما لم يقر الزوج بالمولود فيلحق حينها بنسبه .كما
جاء في قرار المجلس األعلى(.)4
( )1قرار اجمللس األعلى عدد 84والصادر بتاريخ 99/2/16يف امللف الشرعي عدد 94/2/2/5729منشور مبجلة
قضاء اجمللس األعلى عدد -61ص .76 :
( )2قرار اجمللس األعلى عدد 488والصادر بتاريخ 2005/5/19يف امللف الشرعي عدد 95/2/2/572منشور مبجلة
قضاء اجمللس األعلى عدد مزدوج -60-59ص .163 :
( )3قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 159والصادر بتاريخ 08/1/15يف امللف الشرعي عدد ،8/7/2025غري
منشور.
( )4قرار عدد 213صادر بتاريخ 2005/04/13يف امللف عدد ، 2004/2/356منشور مبؤلف إبراهيم حبماين،
العمل القضائي يف قضااي األسرة مرتكزاته ومستجداته يف مدونة األحوال الشخصية ومدونة األسرة ط ،2008/مكتبة دار
السالم – الرابط -ص 379وما يليها.
17
المطلب الثاني :ثبوت النسب في الزواج غير الصحيح والوطء
بشبهة
بعد ما سأتحدث عن ثبوت النسب في الزواج غير الصحيح (أوال) سأنتقل
للحديث عن ثبوت النسب للشبهة (ثانيا).
نصت المادة 96من مدونة األسرة على أن " الزواج غير الصحيح يكون
إما باطال وإما فاسدا" .من هنا سأتحدث عن كل نوع على حدة لمعرفة آثارهما على
ثبوت النسب.
تطرقت المادة 51من مدونة األسرة لحاالت الزواج الباطل ،بحيث نصت
على أنه " :يكون الزواج باطال
-2إذا وجد بين الزوجين أحد موانع الزواج المنصوص عليها في المواد
35إلى 39أعاله.
" تصرح المحكمة ببطالن الزواج تطبيقا ألحكام المادة 97أعاله بمجرد
اطالعها عليه أو بطلب ممن يعينه األمر.
يترتب على هذا الزواج بعد البناء الصداق واالستبراء كما يترتب عليه
عند حسن النية لحوق النسب وحرمة المصاهرة".
18
وهكذا فإذا تم بناء بالمرأة في الزواج الباطل ،ونتج عن هذا البناء حمل،
فإن المشرع قد ميز بين حالة حسن وسوء النية ونكون أمام حسن النية إذا كان
الزوج المعني جاهال بسبب التحريم ،أما إذا كان عالما بذلك ومتيقنا ً منه فنكون أمام
سوء النية.
وفي هذا الصدد استنبط الفقهاء قاعدة عامة مفادها عدم اجتماع حد ونسب،
مع التنبيه إلى أن األصل في الشخص أنه حسن النية ،لكن متى يعتد بحسن النية ؟
يرى األستاذ إبراهيم بحماني ،أن المعتبر لحسن القصد هو وقت صدور
اإليجاب والقبول ،ويعتبر اإليجاب والقبول متوافرا ً في الحاالت التالية :
وجود وثائق تفيد اتصال الزوجين بنية الزواج وتكون صادرة -2
عنهما فعال.
إذا قام أحد الزوجين أو هما معا ً لدى المصالح اإلدارية بإنجاز -3
وثائق يقران فيها أو أحدهما بالزواج كتسجيل األبناء بمكتب الحالة المدنية مثال(.)1
هذا وقد كرس العمل القضائي المقتضيات أعاله ،إذ جاء في قرار للمجلس
األعلى "لكن ردا ً على ما ورد في النعي أعاله ،فإن المحكمة مصدرة القرار
المطعون فيه تبت لها أن المطلوب في النقض عقد على الطاعنة وهي حامل...
وقضت تبعا ً لذلك بفسخ (البطالن حسب مدونة األسرة) عقد النكاح المبرم بين
الطرفين ،كما قضت بعدم لحوق نسب الولد للمطلوب في النقض… وبذلك تكون
19
المحكمة قد عللت قرارها تعليال كافيا ً وطبقت القانون تطبيقا صحيحا" ( . )1وجاء
في حكم لقسم قضاء األسرة التابع للمحكمة االبتدائية بفاس ما يلي " :وحيث إن
بطالن العالقة الزوجية بين والدي البنت… ال يؤثر في نسبها إليهما باعتبار أن
بطالن العقد يرتب عند حسن النية لحوق النسب وأن حسن النية في العالقات
الزوجية هو األصل"( .)2وجاء في حكم آخر له " وحيث إن الزوج عقد قرانه مع
زوجته في وقت كانت فيه حامل مما يجعل المانع المؤقت من الزواج قائما وقت
إبرام العقد مما ترتب عنه بطالن هذا العقد تطبيقا ً لمقتضيات المادة 58من مدونة
األسرة ...وحيث إن الولدين قد ازدادا خالل المدة المعتبرة شرعا ً األمر الذي يجعل
نسبهما إلى والديهما المذكورين في رسم الزواج الذي تم إبطاله ثابتا ً نظرا لوجود
حسن النية لدى الزوجان اللذان أقرا أمام هيئة المحكمة خالل جلسة البحث بأن
اإليجاب والقبول والتراضي على الزواج كان حاصال بينهما وتمت إقامة حفل
الزفاف الذي حضره جمع من الناس"(..)3
ينقسم الزواج الفاسد طبقا للمادتين 60و 61من مدونة األسرة إلى زواج
فاسد لصداقه وزواج فاسد لعقده.
( )1قرار اجمللس األعلى بتاريخ 2006/5/10يف امللف عدد 2005/1/2/598منشور بكتاب املنتقى من عمل
القضاء ،م.س ،ص .231
( )2حكم قسم األسرة ابحملكمة االبتدائية بقاس رقم 2009والصادر بتاريخ 2009/4/6يف امللف رقم ،8/2/3674
غري منشور.
( )3حكم قسم األسرة ابحملكمة االبتدائية بقاس رقم 390والصادر بتاريخ 2007/1/29يف امللف رقم 06/1/783غري
منشور.
20
والزواج الفاسد لصداقه هو الذي اختل فيه شرط كأن يسمى للزوجة صداق
مما ال يصح التعامل به شرعا ،وال يطرح هذا الزواج أي إشكال على مستوى
النسب مادام أنه يفسخ قبل الدخول ويصحح بعد الدخول بصداق المثل.
ويكون الزواج فاسدا ً لعقدة طبقا ألحكام المادة 61في الحاالت الثالث
اآلتية:
والقاعدة أن الزواج الفاسد لعقده يفسح قبل البناء وبعد ويعتد فيه بالطالق
والتطليق إن حدث قبل الحكم بالفسخ ،ولم يتطرق المشرع بكيفية صريحة إلى
مسألة ثبوت النسب في الزواج الفاسد لعقده ،وإنما نص في المادة 64من مدونة
األسرة وبصيغة العموم على ما يلي :
"الزواج الذي يفسخ تطبيقا للمادتين 60و 61أعاله ال ينتج أي أثر قبل
البناء وتترتب عنه بعد البناء آثار العقد الصحيح إلى أن يصدر الحكم بفسخه".
ومن هنا فالزواج الفاسد لعقده يرتب آثار الزواج الصحيح متى تم بناء
بالزوجة ومن ثمة فالنسب يثبت به دون اعتبار لنية الزوج خالفا ً للزواج الباطل(.)1
هذا وقد كرس العمل القضائي المقتضيات أعاله إذ جاء في قرار للمجلس
األعلى " ...والمحكمة لما عللت قراراها بأن رسم ثبوت الزوجية المحتج به ال
يتضمن اإليجاب والقبول وبالتالي ليس زواجا ً صحيحا ً ،دون أن تناقش إذا كان
زواجا ً فاسدا ً في إطار المادة 157من مدونة األسرة ...تكون قد جانبت الصواب"
21
( .)1وجاء في قرار آخر له " لكن حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه
اعتبرت ما تم بين الطرفين زواجاً ...ولما لم يشهد عليه ولم يسم فيه الصداق فإنه
يبقى زواجا ً فاسدا ً طبقا لمدونة األحوال الشخصية .وأنه بمقتضى الفصل 37من
المدونة المذكورة (المادتان 64و 157م .األسرة) فإن الزواج الفاسد لعقده يفسخ
قبل الدخول وبعده ومن آثاره لحوق النسب" (. )2
وهكذا فالمجلس األعلى يؤكد على أنه متى تعلق األمر بزواج فاسد فعلى
المحكمة أن تناقشه وترتب لحوق النسب عليه بعد تأكدها من توفر شروطه من
إبرام لزواج فاسد لصداقه أو عقده وانصرام المدة الشرعية من تاريخ العقد أو
اإلنهاء ،وإمكانية والدة الزوجة من زوجها.
وفي التشريع األسري المغربي اعتبرت المادة 152من مدونة األسرة أن
الشبهة تعتبر سببا من أسباب لحوق النسب.
ونصت الفقرة األولى من المادة 159من نفس المدونة على ما يلي :
( )1قرار اجمللس األعلى صادر بتاريخ 2009/3/18يف امللف رقم 2008/1/2/340حتت عدد ،113منشور بكتاب
أهم قرارات اجمللس األعلى ،م.س .ص .91-90
( )2قرار اجمللس األعلى عدد 39الصادر بتاريخ 2010/01/27يف امللف عدد ،2008/1/2/305منشور مبجلة
قضاء اجمللس األعلى ،العدد 72مطبعة األمنية الرابط .2010 ،ص .114
( )3والشبهة أنواع :
-شبهة العقد :وهي ما كان االشتباه حبل الوطء فيها انشئاً عن عقد غري صحيح.
-شبهة الفعل :وهي ما كان االشتباه حبل الوطء فيها انشئاً عن خطأ غري مقصود ،كما لو زفت إليه غري الزوجة اليت عقد
عليها وقيل له زوجته ومل تكن كذلك يف واقع األمر.
-شبهة احملل :إذا وجد على فراشه امرأة ظنها زوجته فوطئها مت تبني أهنا أجنبية.
22
"إذا نتج عن االتصال بشبهة حمل وولدت المرأة ما بين أقل مدة الحمل
وأكثرها ثبت نسب الولد من المتصل".
وال ن االتصال بشبهة عبارة عن واقعة مادية فقد جاء في الفقرة الثانية من
المادة 195أعاله أنه" :يثبت النسب الناتج عن الشبهة بجميع الوسائل المقررة
شرعا ً".
هذا ولعل أبرز المستجدات التشريعية التي جاءت بها مدونة األسرة
القاعدة المنصوص عليها في المادة " : 156إذا تمت الخطوبة وحصل اإليجاب
والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة
ينسب للخاطب إذا توفرت الشروط التالية:
-إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما ووافق ولي الزوجة عليها عند
االقتضاء.
تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن ،إذا أنكر الخاطب
أن يكون ذلك الحمل منه أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات
النسب".
23
من هنا فقد جاءت مدونة األسرة بمقتضى جديد في المادة 156منها إذا
اعتبرت الحمل أثناء الخطبة بمثابة شبهة يثبت بها النسب إذا توفرت الشروط
المنصوص عليها في هذه المادة ،وقد صار االجتهاد القضائي في هذا الصدد.
وهكذا جاء في قرار للمجلس األعلى " لكن حيث إنه بمقتضى المادة 156
من مدونة األسرة ،فإن من ضمن شروط إلحاق النسب بالخاطب للشبهة ثبوت
الخطبة الناتج عنها الحمل ،والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه رفضت طلب
إلحاق النسب بالمطلوب بعلة أنه ال مجال لتطبيق مقتضيات المادة 156من مدونة
األسرة لما تبت لها عدم حصول الخبطة بين الطرفين ،وأن الحمل ناتج عن عالقة
فساد ،فتكون بذلك أسست قضاءها على أساس" (.)1
فالمجلس األعلى يؤكد على ضرورة حصول الخطبة بين الطرفين إللحاق
االبن بالخاطب أما إذا كانت العالقة عبارة عن عالقة جنسية عابرة ال تستند إلى
اتفاق على زواج امتنع نسب الحمل إلى الخاطب .وفي هذا جاء في حكم صادر
عن قسم قضاء األسرة التابع للمحكمة االبتدائية بمكناس " لكن حيث إن المدعية لم
تستطع إثبات وجود خطبة بينها وبين المدعى عليه واشتهارها بين األسرتين ،كما
أنها لم تستطع إثبات وجود حمل أثناء الخطبة.
وفي نفس السياق نجد المجلس األعلى يؤكد على ضرورة اشتهار الخطبة
بين أسرتي الخطيبين وإقرار الخطيبين بان الحمل منهما ووقوعه أثناء الخطبة ،إذ
جاء في إحدى قراراته " لئن كانت المادة 156من مدونة األسرة تجيز لحوق نسب
حمل المخطوبة للخاطب للشبهة ،فإن ذلك رهين باشتهار الخطبة بين أسرتيهما،
وإقرار الخطيبين معا ً بأن الحمل منهما وبثبوت وقوعه أثناء الخطبة .كما أن
( )1قرار اجمللس األعلى عدد 264والصادر بتاريخ 2006/4/26منشور بكتاب املنتقى ،م.س ،ص 230 :
()2حكم صادر عن قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد 1029والصادر بتاريخ 2010/3/23يف امللف
عدد 5/9/1795ج ،غري منشور.
24
الشهود المستمع إليهم من طرف المحكمة استقى معظمهم علمه بالخطوبة عن
طريق السماع .والمحكمة لما قضت بثبوت النسب إلى الطاعن رغم إنكاره تكون قد
أساءت تطيق المادة المحتج بها".)1(.
وهكذا فالمجلس األعلى يؤكد على أنه ال يكفي التواعد السري بين الرجل
والمرأة ،بل ضروري من اشتهار الخطبة بين أسرتيهما حتى يساهما في إثبات هذه
الخطبة عند النزاع ولدرء مظنة التستر على حمل كان نتيجة سفاح .ويقع عبئ
إثبات اشتهار الخطبة على الخطيبين ،ففي حكم صادر عن قسم قضاء األسرة
بالمحكمة االبتدائية بميسور جاء فيه " :وحيث إن الخطبة تمت واشتهرت بين
الناس لمدة 5سنوات حسب الشاهد والذي صرح أمامنا بعد ازدياد االبن أنه له،
وهذا يعد قرينة على أن االبن ازداد داخل فترة الخطوبة(.)2
كما أن موافقة ولي المخطوبة إذا كانت قاصرة ضرورية ألجل أن تكون
الخطبة صحيحة ومنتجة آلثارها القانونية ،وإن كان فيه تعارض مع مقتضيات
المادة 13من مدونة األسرة ألن الولي شرط لصحة عقد الزواج ال الخطبة .ففي
حكم لقسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس جاء فيه " وحيث إن الخطوبة
اشتهرت بين الطرفين حسب ما أكدته المخطوبة وكذا الخاطب ووالديها ،كما وافق
أب المدعية وهو وليها عليها ...مما يتعين معه االستجابة لطلب ثبوت نسب
البنت)3( ....
هذا وقد ذهب المجلس األعلى إلى أنه إذا تمت الخطبة وحصل معها حمل
من المخطوبة ينسب للخاطب بشروط المادة 156وال يشترط لذلك قيام العالقة
( )1قرار اجمللس األعلى صادر بتاريخ 2007/4/18يف امللف رقم 2006/1/2/282حتت عدد .226منشور بكتاب
أهم قرارات اجمللس األعلى ،م.س ،ص .87
( )2حكم صادر عن قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية لبوملان مبيسور رقم 05/24الصادر بتاريخ 05/2/28يف امللف
الشرعي عدد ،04/313حكم غري منشور.
( )3حكم صادر عن قسم قضاء األسرة التابع للمحكمة االبتدائية مبكناس رقم 09/285الصادر بتاريخ 09/11/2يف
امللف رقم 18/09/493غري منشور.
25
الزوجية ،إذ جاء في قرار صار عنه "والبين من أوراق الملف ومن شهادة الشهود
المستمع إليهم من طرف المحكمة أن تصريحاتهم اقتصرت على وجود خطبة بين
الطالب والمطلوبة في النقض واشتهار هذه الخطبة بين الناس دون أن تكون في
هذه التصريحات ما يفيد انعقاد الزواج بينهما بحصول اإليجاب والقبول بالشكل
المقرر في المادة 16من مدونة األسرة ...وكان على المحكمة أن تتحقق من توفر
شروط المادة 156وترتب عليها أثارها بدل أن تطبق المادة .)1("16
والسؤال الذي يطرح ،هل يشترط أقل مدة الحمل في إثبات النسب بالشبهة
في الخطوبة أم أنه قاصر على فراش الزوجية فقط ؟
إن إعمال المادة 156من مدونة األسرة يقتضي مراعاة المادة 154
من نفس المدونة والتي تتحدث عن مدة الحمل المعتبرة شرعاً ،طبقا للمادة 155
من المدونة والتي تشترط أقل مدة الحمل أو أقصاها عند االتصال بشبهة والذي يبدأ
من التاريخ الذي انعقدت فيه الخطبة بالنسبة ألقل مدة الحمل أو من تاريخ العدول
عن الخطبة أو فسخها أو الوفاة بالنسبة ألقصى مدة الحمل ،وهو ما يمكن إثباته
بكل وسائل اإلثبات المعتمدة في مجال إثبات النسب.
كذلك ما الحكم إذا نازع الخطيب أن الولد ليس منه ،فهل يمكن إثبات نسبه
بوسيلة أخرى ؟
تشير الفقرة األخيرة من المادة 156من مدونة األسرة إلى الجواب عن
هذا السؤال " إذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه ،أمكن اللجوء إلى جميع
الوسائل الشرعية في إثبات النسب" والمقصود بها طبعا ً الخبرة الطبية للتحقق من
النسب ،ففي حكم لقسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بفاس جاء فيه " :وحيث
نصت المادة 156على أنه إذا أنكر الخاطب ...وحيث إنه إعماال لهذا المقتضى
( )1قرار اجمللس األعلى بتاريخ 09/03/18يف امللف رقم 07/1/2/213حتت عدد ،108منشور بكتاب أهم قرارات
اجمللس ،م.س ،ص .88
26
فقد أمرت المحكمة تمهيديا بإجراء خبرة على الحامض النووي لكل من المدعى
عليه والطفلة ...لمعرفة ما إذا كانت هذه األخيرة قد تنصلت من صلبه...
وحيث إنه بناء على العلل مجتمعة ،اقتنعت المحكمة جازمة بأن الشروط
المنصوص عليها بمقتضى المادة 156من المدونة قام الدليل على توافرها في
نازلة الحال .كما أن تقرير الخبرة جاء شاهدا بلسان حاله على تنسل الطفلة ...من
صلب والدها المدعى عليه " ( .)1على أنه إذا تأكدت المحكمة من عدم توفر
شروط المادة 156من مدونة األسرة فإنها ال تلجأ إلى إجراء الخبرة .ففي قرار
للمجلس األعلى جاء فيه " المحكمة مصدرة القرار المطعون لما رفضت طلب
إلحاق النسب بالمطلوب بعلة أنه ال مجال لتطبيق مقتضيات المادة 156من مدونة
األسرة بما في ذلك إجراء خبرة لما تبث لها عدم حصول الخطبة بين الطرفين وأن
العالقة المزعومة الناتج عنها الحمل موضوع النزاع مجرد عالقة فساد ...يكون
قد أسست قضاءها على أساس قانوني صحيح" (.)2
( )1حكم صادر عن قسم األسرة ابحملكمة االبتدائية بفاس عدد 4650والصادر بتاريخ 2007/10/15يف امللف
الشرعي عدد ،05/1/3181غري منشور
( )2قرار اجمللس األعلى عدد 264والصادر بتاريخ 2006/04/20يف امللف رقم ، 2005/1/2/607منشور بكتاب
أهم قرارات اجمللس األعلى ،م.س ،ص .86
27
بتاريخ 2006/04/31اعتبرت أن الظروف المادية والعائلية لم تسمح بتوثيق عقد
الزواج نظرا ً لمرض الجد والوالدين بمثابة ظرف قاهر حال دون توثيق عقد
الزواج" (.)1
وجدير بالذكر أن الخاطب ال يجوز له مالعنة المخطوبة فيما إذا شكك في
سلوكها أثناء الخطبة ألن النسب ال يثبت له إال بحكم قضائي وذلك عكس الفراش
في الزواج الصحيح .كما أن الحمل الناتج عن الخطبة ال يمكن تسجيله في سجالت
الحالة المدنية لتوقف ذلك على استصدار حكم قضائي يثبت توفر شروط المادة
156من مدونة األسرة أوال لترتيب اآلثار القانونية عليه ثانيا.
وقبل ختم هذا المبحث المتعلق بإثبات النسب بالفراش أود التأكيد على أنه
عند توفر شروط الفراش فال يستجاب لطلب الزوج المبني على أن الولد ليس منه،
وأنه ناتج عن عالقة الخيانة الزوجيةـ أو أنه عقيم .ففي قرار للمجلس األعلى "إذا
ثبت النسب بالفراش فال يستجاب إلجراء طبي لنفيه" ( .)2كما جاء في قرار أخر "
لكن حيث إنه لما كان الفراش الصحيح حجة قاطعة على ثبوت البنت ..فإن صدور
حكم بإدانة المطلوبة في النقض بالخيانة الزوجية وإقرارها بذلك أمام الضابطة
القضائية ،ال تأثير على ثبوت النسب" (. )3
( )1حكم رقم 3382صادر عن قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية بقاس ،يف امللف رقم 06/18/3671أشارت إليه
امللحقة القضائية عزيزة محيدي يف حبث هناية التمرين ،الفوج ،34ص .37
( )2قرار اجمللس األعلى عدد ،304صادر بتاريخ 2003/6/12يف امللف عدد ،2001/2/2/374أورده ذ .إبراهيم
حبماين يف مؤلفه م.س ،ص .329 :
( )3قرار اجمللس األعلى الصادر بتاريخ 2006/01/4يف امللف عدد 2004/1/2/547منشور بكتاب املنتقى م.س،
ص .234
28
يعتبر اإلقرار أو االستلحاق وسيلة من وسائل إثبات النسب وقد تعرضت
له مدونة األسرة ،في المادة 152منها كسبب من أسباب لحوق النسب .وكذلك في
المادة 158كوسيلة من وسائل إثبات النسب.
هذا ولكي يرتب اإلقرار أثاره القانونية البد من توفر شروط معينة (أوال)
بعد أن يتم إثباته (ثانيا).
جاء في المادة 160من مدونة األسرة ما يلي " :يثبت النسب بإقرار األب
ببنوة المقر به ولو في مرض الموت ،وفق الشروط اآلتية:
-4أن يوافق المستلحق إذا كان راشدا ً حين االستلحاق ،وإذا استلحق قبل
أن يبلغ سن الرشد ،فله الحق في أن يرفع دعوى نفي النسب عند بلوغه سن
الرشد.
إذا عين المستلحق األم ،أمكنها االعتراض بنفي الولد عنها ،أو اإلدالء بما
يثبت عدم صحة االستلحاق.
29
لكل من له مصلحة أن يطعن في توفر شروط االستلحاق المذكورة ما دام
المستلحق حيا".
فمتى توفرت شروط اإلقرار فإن االبن يلحق بأبيه ،ولو ازداد الولد ألقل
من أدنى أمد الحمل وفي هذا الصدد جاء في قرار للمجلس األعلى " اإلقرار ولو
لولد ازداد ألقل من أدنى أمد الحمل استنادا ً إلى ما في مدونة اإلمام مالك ج 3ص
146من أن الزوج إذا اقر بنسب الولد إليه ،ولو جاءت به ألقل من ستة أشهر،
فإنه يلحق به على اعتبار أن الرضا بالزواج كان متوفرا ً قبل كتابة العقد"( ،)3وهو
نفس ما سار عليه قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس ،إذ جاء في حكم
له " وحيث تبث للمحكمة من خالل تصريحات الطرفين معا ً أن الرضا بالزواج
كان متوافرا ً قبل كتابة العقد ،ومن المنصوص عليه فقها كما جاء في المدونة
( )1قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 3509والصادر بتاريخ 2007/11/20يف امللف الشرعي عدد
، 8/07/2269غري منشور.
( )2حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد 3738والصادر بتاريخ 2010/10/26يف امللف عدد
5/1573ج ، 10/غري منشور.
( )3قرار اجمللس األعلى عدد 553الصادر بتاريخ 2006/9/27أشار إليه د .عمر ملني ،م.س ،ص 8
30
الكبرى لإلمام مالك ج ،3ص 146أن الزوج إذا أقر بنسب الولد إليه ولو جاءت
به ألقل من 6أشهر فإنه يلحق به...
وحيث بناء على ما تقدم فإن طلب المدعين مؤسس مما يتعين والحالة هذه
االستجابة له " (.)1
هذا ويعتبر االستلحاق بشروطه سببا ً لثبوت النسب بدون تكليف األب
المقر بالبينة شرط أال يصرح أن الولد المستلحق به من زنى ،وفي هذا اإلطار جاء
في قرار صادر عن محكمة االستئناف بمكناس " وأن الفصل 152و 160من
مدونة األسرة حين أكدا ثبوت النسب باإلقرار ،فإن ذلك معلوم بالضرورة أن يكون
اإلقرار ال تشوبه أي شائبة تذهب إلى وجود فساد ...والفقه ال يلحق النسب في
الزنا " ( .)2فاألب يمكنه استلحاق المزداد خارج نطاق الزواج شرط أن ال يصرح
أنه من عالقة غير شرعية ،ألن مقطوع النسب ال يجوز استلحاقه .كما أنه إذا أدين
المتهم بحكم نهائي في جريمة الفساد فال يعمل بإقراره لكون هذا الحكم حجة على
أن العالقة بين الطرفين غير شرعية .أما إذا لم يدل بحكم نهائي في جريمة الفساد،
فيعتبر إقراره في هذه الحالة أقوى من إثبات النسب بالظن(.)3
( )1حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس بتاريخ 2006/8/22يف امللف عدد 06/5/2808ج ،كتاب
املنتقى م.س ،ص .282
( )2.قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 3490والصادر بتاريخ 2008/11/4يف امللف الشرعي عدد .8/08/183
غري منشور.
( )3عمر ملني :م.س ،ص 9
( )4قرار اجمللس األعلى عدد 4الصادر يف ،2006/1/4أشار إليه عمر ملني ،م.س ،ص .8
31
إن إقرار األب ببنوة البنت المطلوب إلحاق نسبها إليه تجب أن تتوفر فيه الشروط
المتطلبة قانوناً....
وحيث أنه للتأكد من قيام تلك الشروط كان من الواجب االستماع إلى
المطلوب إلحاق نسبها ألنها راشدة .وكذا أمها ما دامت معلومة.
وحيث أشعر الطالب باإلدالء بعنوان والدة البنت المطلوب استلحاقها وكذا
إحضار البنت وأمهل ولم يفعل.
وحيث بذلك يكون الطلب غير متوفر للشروط المتطلبة قانونا فهو غير
مقبول"(.)1
أما إذا كان المستلحق قاصرا ً فله أن يرفع دعوى نفي النسب عند بلوغه
سن الرشد القانوني وإذا عين المستلحق األم أمكنها االعتراض بنفي الولد عنها أو
اإلدالء بما يثبت عدم صحة االستلحاق ،وقد درجت المحكمة االبتدائية بمكناس قسم
قضاء األسرة قبل البث في موضوع النسب لإلقرار استدعاء األم إذا عينها
المستلحق لتجيب عن ادعاءاته إثباتا أو نفياً ،بحيث جاء في أحد أحكامها " وحيث
حضر المدعيان ...وصرحا بأنهما يتعاشران معاشرة األزواج ...وأقرا على أن
الطفلين من صلبهما"( .)2كما جاء في حكم للمحكمة االبتدائية بميسور "وحيث أقر
الزوج المدعي األول أن االبن ...هو من صلبه ازداد له من زوجته المدعية الثانية،
وهو ما أكدته هاته األخيرة كذلك"(.)3
( )1حكم احملكمة االبتدائية بصفرو – قسم قضاء األسرة رقم 297صادر بتاريخ /5/14يف امللف رقم ،07/493
أشارت إليه امللحقة القضائية عزيزة محيدي ،الفوج 34يف حبث هناية التمرين ص 21 :
( )2حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس بتاريخ 06/8/22يف امللف عدد 06/5/2808ج ،املنتقى
م.س ،ص .281
( )3حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبيسور رقم 420صادر بتاريخ 2011/05/2يف امللف عدد
،2011/318غري منشور
32
جاء في المادة 162من مدونة األسرة"يثبت اإلقرار بإشهاد رسمي أو
بخط يد المقر الذي ال يشك فيه"
وقد كرست محكمة االستئناف بمكناس مقتضيات هذا الفصل بحيث جاء
في إحدى قراراتها "وحيث أقر المستأنف في رسم البنوة المضمن تحت عدد أن
هو ابنه من صلبه ودمه وله على فراشه من زوجته ...كما تبنى وأيد االبن....
رسم الزوجية التي أقامتها زوجته الذكورة ( .)1كما جاء في حكم صادر عن قسم
قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس"حيث التمس المدعيان الحكم باإلشهاد
على لحوق نسب البنت بوالدها.
وحيث إثباتا لدعواهما أدلى المدعيان بشهادة الوالدة ...كما أدلى المدعيان
بصورة مطابقة لألصل من إقرار ببنوة ضمن بعدد .....صحيفة.......سجل
المختلفة بتاريخ ......توثيق مكناس ...تبين من خالله أنه حضر لدى شهيديه...
وأشهد أن البنت .....المزدادة بتاريخ .....بمكناس من صلبه...من المرأة ...إقرارا ً
منه بالحق ودفعا ً للباطل"(.)2
هذا وقد توسع المجلس األعلى في مجال وسائل إثبات اإلقرار ،حيث أخذ
بالرسائل المتبادلة بين الطرفين ،بحيث جاء في قرار له " حيث صح ما عابته
الطاعنة على القرار ذلك أنه بمقتضى المادة 151من مدونة األسرة ،فإن النسب
يثبت بالظن وال ينتفي إال بحكم قضائي .والتا بث من الرسائل المتبادلة بين
( )1قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 3509صدر بتاريخ 2007/11/20يف امللف الشرعي عدد ،8/07/2269
غري منشور
( )2حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد 11/442صادر بتاريخ 2011/2/8يف امللف رقم
5/2680ج2008/
33
الطرفين أنهما تراضيا على الزواج قبل كتابة العقد...وأن المطلوب أقر بثبوت
يقر فيه بنسب البنت إليه نسب البنت ...إليه كما جاء ذلك بمحضر استجواب عدد
ومن الشهادة الطبية المؤرخة في ...التي يقر فيها أيضا بتاريخ ...بأن حمل الطاعنة
منه ومن الرسالة الرابعة التي بعثها إليها والتي أورد فيها بأنه في أمس الحاجة إلى
ابنته ...والمحكمة لما قضت برفض نفقة البنت لكونها ازدادت بعد ثالثة أشهر من
تاريخ النكاح ...تكون قد خرقت القانون(.)1
فمن خالل حيثيات هذا القرار فالمجلس األعلى كان يهدف إلى حماية
الطفل وتحقيق تشوف الشرع لثبوت النسب وذلك باعتبار الرسائل المتبادلة دليل
إثبات على وجود اإلقرار بالنسب وبالتالي عدم االعتداد بمدة ثالثة أشهر من تاريخ
العقد على اعتبار أن الرضا بالزواج كان موجودا ً قبل كتابة العقد.
الجواب نعم حسب العمل القضائي ،إذ جاء في قرار للمجس األعلى "
والبين من وثائق الملف أن المطلوب أقر أمام السيد وكيل الملك ....بأبوته للنبت...
ومحكمة القرار التي استبعدت اإلقرار تكون قد أساءت تطبيق القانون" (،)2
والهدف دائما تشوف الشرع إلى ثبوت النسب واالكتفاء في ثبوته بالظن.
( )1قرار اجمللس األعلى عدد 553بتاريخ ،2006/9/27منشور بكتاب املنتقى ،م.س ،ص .223
( )2قرار اجمللس األعلى بتاريخ 2005/6/8يف امللف عدد ،2003/1/2/713املنتقى ،م.س ،ص .233
34
به وليس من ضمنها شهادة الميالد وأن تسجيل مولود بسجل الحالة المدنية ال يعتبر
إقرارا بالبنوة ممن قام به" (.)1
فالشهادة في حقيقتها إخبار اإلنسان بحق لغيره على غيره ،وقد اعتبرها
المشرع المغربي في مدونة األسرة حجة كافية إلثبات النسب ،إال أنه لم ينظمها
بمقتضات خاصة ،ومن هنا فالمعول عليه هو أحكام الفقه المالكي والذي تحيل
عليه المادة 400من مدونة األسرة.
والقاعدة العامة أن شهادة الشهود التي يثبت بها النسب في الفقه اإلسالمي
عموما ً والفقه المالكي على وجه الخصوص هي شهادة رجلين أو شهادة رجل
( )1قرار اجمللس األعلى 74صادر بغرفتني يف 18فرباير 2004يف امللف املدين عدد ،2000/1/2/352منشور
بكتاب البنوة والنسب ،م.س ،ص 228وما يليها.
35
وامرأتين ،على أنه متى تعلق األمر بإثبات الوالدة فيمكن مبدئيا أن يقع اإلثبات عن
طريق شهادة امرأتين فقط على أساس أن الوالدة من األمور التي ال يطلع عليها إال
النساء عادة دون الرجال (.)1
أما بينة السماع فهي نقل خبر مشاع بين الناس( ،)2وهي اللفيف التي يشهد
فيها 12شاهدا ً بأنهم سمعوا سماعا ً شافيا َ بين الناس بالواقعة موضوع الشهادة أي
أنهم ال يشهدون بعلمهم المباشر بالواقعة كما أنهم ال يرونها أو ينقلونها عن شخص
أو أشخاص معينين ،وإنما يعتمدون فيما يشهدون به على السماع الفاشي والمنتشر
بين الناس( .)3فبينة السماع كافية إلثبات النسب حسب الفقه المالكي بشروط وهي:
االستفاضة والسالمة من الريبة .وأداء اليمين تزكية لها ،وطول المدة(. )4
لقد ذهب القضاء إلى اعتبار شهادة عدلين وبينة السماع وسيلتان إلثبات
النسب من أجل تحقيق الغاية السامية للشارع وهي حماية األنساب ،ففي قرار
للمجلس األعلى جاء فيه "يثبت النسب بالفراش أو بإقرار األب أو بشهادة عدلين أو
بينة السماع بأنه ابنه ولد على فراشه" ( .)5وجاء في قرار أخر له " وإذ هي
36
التي تعتبر بينة استندت في ثبوت نسب المطلوب للهالك على اإلراثة عدد8
شرعية ...فقد بنت قضاءها على أساس"(.)1
و جاء في قرار آخر له " :والبين من وثائق الملف وخصوصا ً الموجب
عدد ...والذي يشهد شهوده بأن الطالب والمطلوبة كان يتعاشران معاشرة األزواج
إلى أن ازداد ابنهما ...وأن سندهم في ذلك المخالطة والمجاورة وبعضهم السماع
الفاشي المستفيض ،والكل بشدة االطالع على األحوال ولما قامت بإلحاق االبن
المذكور بنسب الطالب استنادا إلى ما ذكر .. .فإن قرارها جاء مبنيا ً على
أساس(.)2
وهكذا يتضح من خالل الحيثيات أعاله أن النسب يثبت بشهادة عدلين أو
ما يقوم مقامها من بينة السماع شريطة ،أن تكون صالحة وذلك باكتمال نصابها.
وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن المجلس األعلى " ولما قضت
(أي المحكمة) بنفي نسبه تبعا ً لذلك تكون قد استبعدت ضمنيا ً بينة النسب عدد 135
التي لم تعد حجة صالحة في إثباته بعد رجوع سبعة من شهودها عن شهادتهم وبقي
( )1قرار اجمللس األعلى عدد 498بتاريخ 2008/10/29يف امللف عدد 06/1/2/589منشور بكتاب أهم قرارات
اجمللس األعلى ،م.س ،ص .98
( )2قرار اجمللس األعلى عدد 6صادر بتاريخ 08/1/2يف امللف 2006/1/2/591منشور أبهم قرارات اجمللس األعلى
م.س ،ص .96
( )3قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 3590والصادر بتاريخ 2007/11/27يف امللف عدد ،8/07/754غري
منشور
37
منهم خمسة شهود .وهو نصاب ال يستقل الحكم به في دعوى النسب التي ال تثبت
إال بشهادة عدلين أو ما يقوم مقامها كما جرى به العمل فقها وقضاء وباعتبار
رجوع من تراجع عن رجوعه غير معتبر لما هو مقرر فقها من أن الرجوع في
الرجوع غير مقبول و يؤدي إلى إبطال الشهادة"(.)1
وجدير بالذكر في آخر هذا المحور إلى أن الخبرة القضائية تعتبر وسيلة
من وسائل إثبات النسب حسب مدونة األسرة إال أنني سأرجئ الحديث عنها إلى
المحور الموالي المتعلق بنفي النسب مخافة التكرار.
( )1قرار اجمللس األعلى صادر بتاريخ 2006/6/28يف امللف عدد 2003/1/2/687منشور بكتاب املنتقى ،م.س،
ص 232
( )2قرار اجمللس األعلى عدد 354بتاريخ 1983/6/23م.ج.ع 88871أشار إليه حممد الكشبور ،م.س ،ص
137
38
المحور الثاني :وسائل نفي النسب
لقد ذهب الفقه المالكي وكذا مدونة األسرة إلى أن هناك وسيلتين شرعيتين
لنفي النسب وهما :اختالل شرط من شروط الفراش ،واللعان ،وقد أضافت هذه
األخيرة وسيلة علمية حديثة نصت عليها في المادة 153منها " يثبت الفراش بما
تثبت به الزوجية.
يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب ال يمكن الطعن فيه
إال من الزوج عن طريق اللعان ،أو بواسطة خبرة تفيد القطع بشرطين:
-وهكذا بعدما سأتناول نفي النسب عن طريق إثبات اختالل أحد شروط
الفراش أو باللعان (المبحث األول) سأنتقل للحديث عن نفي النسب بواسطة الخبرة
الطبية (المبحث الثاني).
39
أوال :عدم وجود عقد زواج صحيح
إن عقد الزواج هو مناط الفراش يدور معه وجودا ً وعدما ً حتى صار عقد
الزواج لدى جانب من الفقه مرادفا ً للفراش .ومن هنا يمكن للشخص أن ينفي النسب
عنه كل ما استطاع إثبات عدم وجود الرابطة الزوجية أثناء الحمل أو الوالدة .وهذا
اإلثبات ليس في حقيقته حكرا ً على الرجل والمرأة المعنيين بأمر الحمل أو الولد
مباشرة وإنما هو حق ثابت لكل ذي مصلحة في نفي الحمل أو الولد .ومن ذلك
الورثة مثال بعد وفاة الرجل أو المرأة الستبعاد ذلك الحمل أو الولد من نطاق
اإلرث حيث تكون الدعوى في هذه الحالة األخيرة مالية ال دعوى نسب"()1.
وعليه يمكن لكل شخص له مصلحة أن ينفي النسب عنه أو عن غيره كلما
استطاع إثبات عدم وجود رابطة الزوجية أثناء الحمل أو الوالدة .وفي هذا اإلطار
جاء في حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس "وحيث إن
من شروط ثبوت النسب للفراش وجود عقد سواء أكان صحيحا ً أو فاسدا ً حسبما
يستفاد من المادة 154من مدونة األسرة وحيث إن اللفيف المدلى بنسخة منه
إلثبات قيام العالقة الزوجية والمنجز سنة 1993ال يقوم حجة على وجود عقد بين
الطرفين أي زواج بمفهومه الشرعي وما يشترط فيه من إيجاب وقبول كشرطي
انعقاد .ذلك انه منجز من طرف المدعية فقط وال تتوفر فيه شروط المادة 16من
مدونة األسرة...
وحيث إنه اعتبارا ً للعلل أعاله مجتمعة فإن طلب المدعية الرامي إلى إثبات
النسب للفراش غير مؤسس قانوناً"(.)2
وقد ذهب المجلس األعلى في العديد من قراراته إلى تأكيد هذه القاعدة
بحيث ذهب إلى القول في إحدى حيثياته " ...لما ثبت أن الزواج كان بعد الوضع
فإن المولود ال يلحق بنسب المدعى عليه ،ولو أقر ببنوته" (.)1
40
فمن خالل حيثيات العمل القضائي أعاله يتضح أن االتصال الجنسي الذي
يحصل بين رجل وامرأة خارج نطاق عقد الزواج الصحيح أو ما يدخل في حكمه
ال يرتب عليه القانون لحوق النسب في حالة نشوء حمل أو والدة عن هذه العالقة
مع األخذ بعين االعتبار المستجد الجديد الذي جاءت به المادة 156من مدونة
األسرة باإلضافة إلى القواعد الخاصة باالستلحاق.
إن المدة المعتبرة شرعا للحمل ترتبط بأقل مدة الحمل وأقصاها ،وعليه فإذا
أتت الزوجية بالولد ألقل من ستة أشهر من تاريخ إبرام عقد الزواج ،أو أكثر من
سنة من تاريخ انتهاء عقد الزواج ،فإن النسب ال يلحق بالزوج كقاعدة ،بل أكثر من
ذلك فإن نفي نسب الولد هنا ال يحتاج إلى لعان.
وفي هذا الصدد جاء في قرار لمحكمة االستئناف بمكناس "وحيث إن
المستأنفة اعترفت بوضع الحمل لمدة دون مدة أقل الحمل التي هي ستة أشهر ..فال
يلحق النسب ألن الولد وضع بتاريخ 89/12/4وتاريخ عقد النكاح هو 10غشت
مدة حمله أقل من المدة الشرعية المنصوص عليها للحوق ،1989فتكون
النسب"( .)2وجاء في قرار آخر لنفس المحكمة "وحيث إنه وفق الشهادة الطبية
المرفقة بالمقال االفتتاحي فإن البنت المذكورة مزدادة في 2001/9/5وهذا ما تأكد
بعقد ازديادها عدد ...بمعنى أن البنت المذكورة قد ازدادت بعد حوالي أكثر من
شهرين بعد سنة من يوم العلم بالطالق.
( )1قرار اجمللس األعلى عدد 446الصادر يف 30مارس .1983منشور مبجلة قضاء اجمللس األعلى ،العدد 39ص
.109
( )2قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 3357صادر بتاريخ 2004/12/13يف امللف الشرعي عدد 8/04/48
غري منشور.
41
وحيث لذلك وما دام قد مر أكثر من سنة على االزدياد المذكور فإن نسب
البنت ال يلحق المستأنف شرعاً)1(...
وفي نفس االتجاه نجد المجلس األعلى يؤكد من خالل العديد من قراراته
على نفي النسب في حالة عدم تحقق مدة الحمل المعتبرة شرعاً ،حيث جاء في
إحدى قراراته " حيث إنه لما كانت مقتضيات الفصل 154من مدونة األسرة تنص
على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر من تاريخ العقد ،وكان البين من أورق الملف أن
الطالبة وضعت حملها بتاريخ 200/12/16واألقل من ستة أشهر من تاريخ العقد
المبرم بتاريخ ،2000/10/20فإن المحكمة لما اعتبرت أن الولد ...غير الحق
بنسب المطلوب في النقض الذي ينفيه عنه تكون قد طبقت الفصل المحتج به تطبيقا
صحيحا ً ولم تكن في حاجة إلى إجراء خبرة طبية في هذا الشأن )2(....وجاء في
قرار آخر له " ...والثابت من وثائق الملف أن الطالبة طلقت من المطلوب في
98/10/13ولم يراجعها من هذا الطالق إال في 2002/7/18أي بعد انتهاء
عدتها ...واالبن المذكور لم يولد إال في 2000/10/19أي بعد انتهاء أجل السنة
من تاريخ الطالق المذكور وقبل مراجعتها بسنة ونصف تقريباً .والمحكمة لما
اعتبرت أن نسب االبن المذكور ال يلحق بالمطلوب استنادا إلى ما ذكر فإن قرارها
جاء مبنيا على أساس .ولم تكن في حاجة إلى إجراء الخبرة الجينية أو مسطرة
اللعان طالما أن المحكمة كانت تتوفر على العناصر الكافية للحسم في
الموضوع.)3("...
( )1قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 1716صادر بتاريخ 2009/05/12يف امللف الشرعي عدد 8/04/2782
غري منشور.
( )2قرار اجمللس األعلى عدد 213والصادر بتاريخ 2005/4/13يف امللف الشرعي عدد ،2004/1/2/356أشار
إليه ذ .مصطفى زرويف يف ميزان الذهب يف قواعد اللعان والنسب من خالل قرارات اجمللس األعلى ط ،2007 ،1/مطبعة
سريينور فاس ،ص 175وما بعدها.
( )3قرار اجمللس األعلى عدد 152والصادر بتاريخ 2009/4/8يف امللف رقم ،2008 /1/2/293أهم قرارات اجمللس
األعلى م.س ،ص .81 :
42
فمن خالل الحيثيات أعاله فالقضاء تعامل بنوع من الصرامة فقد تبث له
أن الزوجة التي ولدت ألقل مدة الحمل المعتبرة شراعا ً قد عقد عليها زوجها وهي
حامل من غيره وبالتالي ال ينبغي أن ينسب له الولد طالما أنه ينكره وال يقر به
وينفي أن يكون الحمل منه وعقد عليها وهو عالم بذلك ،وهو األمر الذي يغني
المحكمة من إجراء خبرة جينية ويعفي الزوج من اللجوء إلى مسطرة اللعان وهو
نفس األمر بالنسبة للمطلقة والتي ولدت بعد مرور أكثر من سنة على طالقها حيث
يدل ذلك على أن الولد ليس ماء المطلق بل من ماء غيره.
إن قرينة الفراش يمكن هدمها وذلك بإثبات عدم إمكانية حمل الزوجة من
زوجها كما لو كان مخصيا ً أو مجبوبا ً أو لم يكن كذلك إال أنه لم تكن له مناسبة
االتصال بزوجته كأن عقد شخص يقطن بدولة أخرى على امرأة تسكن بدولة
أخرى عبر توكيل ولم يحضر إلى بيت الزوجية إال بعد مرور مدة معينة وعند
حضوره يجدها حامل أو وضعت حملها.
والقضاء يؤكد على شرط إمكان االتصال كشرط أساسي لثبوت النسب.
مما يعني بمفهوم المخالفة انتفاء النسب باختالل هذا الشرط بالتبعية .وهكذا جاء في
قرار للمجلس األعلى "حيث صح ما عابه السبب ،ذلك أن الفراش يكون حجة
قاطعة على ثبوت النسب شرط تحقق اإلمكانين العادي والشرعي .والتا بث من
أوراق الملف أن الطاعن نازع في نسب االبن إليه .وادعى أنه لم يتصل بالمطلوبة
منذ ازدياد االبن األول ،أي أنه استبرأها بعد هذا الوضع .وأدى يمين اللعان على
ذلك ..ورفضت الزوجة أداءها رغم توصلها والمحكمة لما عللت قضاءها بأن
الخبرة ليست من وسائل نفي النسب شرعا ً تكون قد أقامت قضاءها على غير
أساس" ( )1وجاء في قرار آخر له "حيث صح ما عابه الطاعن على القرار ذلك
أن الفراش يكون حجة قاطعة على ثبوت النسب .شرط تحقق االتصال الشرعي
( )1قرار اجمللس األعلى عدد 37صادر بتاريخ 2006/01/18يف امللف رقم ،2005/1/2/108أهم قرارات اجمللس
األعلى ،م.س ،ص .51
43
والثابت من أوراق الملف ...أن الطاعن ادعى على أنه لم يتصل بالمطلوبة خالل
الفترة التي قضاها بعيدا عن زوجته بدولة ايطاليا واستدل على ذلك بموجب لفيف
...الشيء الذي يؤكده أيضا جواز سفره ولم تنكره المطلوبة والتمس إجراء
خبرة ...والمحكمة لما قضت برفض طلبه ...تكون قد أقامت قضاءها على غير
أساس"(.)1
فمن خالل حيثيات هذين القرارين للمجلس األعلى يتضح أنه نقض قرار
محكمة االستئناف التي لم تستجب لطلب إجراء خبرة لنفي النسب عن الزوج والذي
أدى يمين اللعان ورفضت الزوجة أدائها بدون مبرر أو التي لم تستجب لها بعدما لم
تتحقق من االتصال الشرعي وذلك بغياب الزوج عن زوجته خارج البلد الذي تقيم
فيه.
والمالحظ أن القضاء المغربي ال يأخذ بإدعاء الزوج العقم إال إذا عززه
بأدلة قوية ،وفي هذا اإلطار جاء في حكم لقسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية
بفاس " وحيث أقرت أي المدعى عليها بأن المدعي كان عاقرا ً ولم تنجب معه أبناء
خالل فترة زواجهما...
( )1قرار اجمللس األعلى عدد 554صادر بتاريخ 2006/09/27يف امللف رقم ،2006/09/27أهم قرارات اجمللس
األعلى ،م.س ،ص .53
( )2قرار اجمللس األعلى عدد 578صادر بتاريخ 2000/5/30يف امللف رقم ،1995/5/2/458أورده ذ .إبراهيم
حبماين ،م.س ،ص .278-277 :
44
وحيث وجدت المحكمة في هذه اإلفادة دالئل قوية ارتأت على ضوءها
إجراء خبرة جنينية.)1(...
وفي قرار للمجلس األعلى "...والطاعن ادعى العقم واستدل على ذلك
بشواهد طبية وتحليالت مخبرية تؤيد ادعاءه والمحكمة لما اعتبرت هذه الحجج
قوية وأمرت بإجراء خبرتين ...واللتين أثبتا بصفة قطعية بأن البنت ...ليست من
صلب المطلوب وقضت تبعا ً لذلك بنفي نسبها عنه...جاء قرارها معلال تعليال
كافيا.)2( ".
كما ذهب المجلس األعلى إلى أن العيب الجنسي بالزوج ال يمنع زوجته
من الحمل منه ،وأن الزوجة يمكن أن تحمل دون افتضاض بكارتها(.)3
( )1حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية بفاس عدد 1205صادر بتاريخ 2009/3/2يف امللف رقم
،07/1/3704غري منشور
( )2قرار اجمللس األعلى عدد 46صادر بتاريخ 09/01/28يف امللف رقم ،2008/1/2/232أهم قرارات اجمللس
األعلى ،م.س ،ص .64
( )3قرار اجمللس األعلى عدد 44صادر بتاريخ 06/1/25يف امللف رقم ،2004/1/2/65الكشبور :م.س ،ص
.275وما بعدها
( )4حممد الكشبور ،م.س ،ص .153
45
واللعان لغة :يفيد البعد :يقال عادة لعنه هللا أي أبعده عنه فهو لعين وملعون
(.)1
وفي االصطالح عرفه الفقه المالكي بأنه :حلف الزوج على زنا زوجته أو
نفي حملها الالزم له وحلفها على تكذيبه إن أوجب نكولها حدها بحكم قاض(.)2
وهكذا بعد ما سأقف عند إجراءات وشروط اللعان (أوال) سأنتقل لدراسة
اللعان على ضوء العمل القضائي (ثانيا).
بداية فاللعان يجب أن ال يتم إال بحكم يصدر عن محكمة مختصة بذلك بناء
على طلب من الزوج صاحب المصلحة في حالتين اثنتين:
46
والمحكمة المختصة وفقا لما استقر عليه الفقه المالكي ال يمكنها مطلقا ً أن
تقضي باللعان إال بعد تحققها من الشروط الفقهية اآلتي بيانها:
في حالة اللعان بسبب الزنا يشترط أن تكون الزوجة في العصمة ()1
إما حقيقة أو حكماً ،أما في حالة نفي الحمل فيشترط أن يكون هذا الحمل الحقا
بالمالعن كما هو الحال في االتصال في حالة الشبهة والزوج الباطل والفاسد.
أال يتصل الزوج مطلقا ً بزوجته بعد استقراره على مالعنتها، ()2
وأن يقوم باستبراءها بحيضة واحدة في قول لإلمام مالك أو بثالث حيضات في
قول آخر له()1
يجب أال يكون الولد غير الحق شرعا ً بالزوج كما لو أتت به ()3
الزوجة ألقل مدة من أدنى مدة الحمل بعد العقد عليها أو ألكثر من مدة من أقصى
أمد الحمل ،أو لم يكن هنالك اتصال أصال بين الزوجين المتنازعين أو كان الزوج
مما ال يولد لمثله.
أن يسارع الزوج إلى رفع دعوى اللعان مباشرة بعد تأكده من ()4
الواقعة التي تستوجب شرعا ً اللجوء إلى تحريك مسطرة اللعان.
يجب أال يكون الزوج قد اعترف صراحة أو ضمنا ً بالنسب الذي ()5
يالعن بسببه.
وإذا تمت وانتهت إجراءات اللعان فرق القاضي بين الزوج وزوجته
وحرمت عليه حرمة مؤبدة وسقط الحد ،وكذا النسب عن الزوج وعدم اعتبار
الحمل أو الولد أنه قد تخلف عن واقعة زنا.
-1ابن جزي " :القوانني الفقهية" ،دار الكتب العلمية ،بريوت لبنان (بدون اتريخ) ،ص .161
47
وإذا نكل الزوج عن اللعان فإن جمهور الفقهاء يرون حسبه حتى يالعن أو
حده بسبب القذف وتبقى الزوجة في عصمته ويلحق به الحمل أو الولد .أما إذا
نكلت الزوجة فإنها تحد للزنا وينتفي الولد عن الزوج المالعن وتبقى الزوجة في
عصمته(.)1
فمن خالل هذه الحيثيات يتضح جليا ً أن الزوج الذي يعلم بحمل زوجته وال
يعجل بطلب نفي النسب ال تقبل منه دعوى اللعان إال إذا أثبت أن له عذر في تأخير
48
ذلك .هذا العذر الذي يترك للقاضي تقديره مع األخذ بعين االعتبار الظروف
الزمانية والمكانية وشخص المتالعن من الناحية االجتماعية والثقافية واالقتصادية،
فسلوك مسطرة اللعان لنفي النسب يستلزم الفورية و الزوج في حالة تأخره في رفع
دعوى اللعان عليه أن يثبت عدم علمه بحمل الزوجة ،وهذه األخيرة ال تلزم
بإعالمه.
وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن محكمة االستئناف بمكناس "...
وأن تذرعه باللعان ونفي النسب في مدة الحقة للوضع أي 05/3/9أي بعد تسعة
أشهر ونيف من الوالدة ،كان طلبه ال يسمع لعدم تقديمه مدعم بما يثبت استحالة
العشرة ولعدم دعمه أيضا بما يثبت العلم بالمحل .)1("...وجاء في قرار للمجلس
األعلى "ال تلزم المدعية بإعالم المدعى عليه بالحمل فطرق هذا العلم جد
متعددة"(.)2
هذا وقد ذهبت محكمة االستئناف بمكناس إلى أن الزوج الذي يتصل
بزوجته بعد علمه بالحمل أو الولد ال تسمع منه بعد ذلك دعوى نفي النسب باللعان،
وهكذا جاء في أحد قراراتها ما يلي " :وحيث إنه من الثابت فقها في المذهب
المالكي أن اللعان حجة ضرورية لنفي النسب وال عذر لزوج تأكد من أن الحمل
ليس منه .ثم استمر في معاشرة زوجته رغم ذلك وال يسمع منه بعد ذلك دعوى نفي
النسب أو غيرها ولكون النسب نسبه ال ينتفي عنه بأقوال صادرة عن الزوجة بنفيه
عنه (.)3
( )1قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 3262واتريخ 07/10/30يف امللف الشرعي عدد ،8/07/628غري
منشور
( )2قرار شرعي صادر عن اجمللس األعلى يف ،1968/01/8منشور مبجلة القضاء والقانون العددان -89/88ص :
.400
( )3قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 2902بتاريخ 2007/9/25يف امللف الشرعي عدد 8/06/2675ن غري
منشور.
49
وفي نفس اإلطار جاء في قرار صادر عن المجلس األعلى " ...لكن حيث
إنه بخالف ما أثاره الطالب فإن المحكمة لما اعتبرت أن شروط اللعان غير
متوفرة ،وهو التحقق من عدم معاشرة الطالب المطلوبة بعد طهرها باعتبار أنهما
كانا معا ً ببيت الزوجية ،وأن إمكانية المعاشرة مستمرة بينهما وبذلك فالمحكمة لما
قضت برفض الطلب استنادا ً إلى ما ذكر تكون قد عللت قرارها تعليال كافيا ً (.)1
وهكذا فمحكمة االستئناف بمكناس لما ثبت لها إمكانية المسيس في النازلة
أعاله قضت بعدم قبول دعوى اللعان من الزوج لما هو مقرر فقها من شرط عدم
المسيس بعد رؤية الزنا أو العلم بالحمل لممارسة دعوى اللعان وأيضا ً ادعاء
االستبراء الذي يقوم مقام العدة بالنسبة لمن تم االتصال بها جنسيا ً خارج إطار
العالقة الزوجية ،وفي هذا الصدد جاء في قرار للمجلس األعلى " ...لكن حيث إن
المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما عللته بان الطاعن يؤكد في مقاله المرفوع
من طرفه في دعوى سابقة بأنه حاز زوجته بعد العقد عليها في بيت الزوجية مدة
14يوما تقريبا ً وغادرته بتاريخ 2002/1/30وطالب الحكم عليها بالرجوع ،بينما
لم يرفع هذه الدعوى التي ترمي إلى اللعان إال في 2006/6/14الشيء الذي
يكذب إدعاءه عدم الخلوة .وانه ما دام لم يدع االستبراء طبقا ً لما هو مقرر فقها ولم
يدع عدم المسيس والخلوة معتبرة شروط اللعان غير متوافرة في النازلة ...تكون قد
عللت قرارها بما فيه الكفاية"(.)2
وهكذا فالمجلس األعلى أيد قرار محكمة االستئناف فيما قضت به لما ثبت
لها عدم توفر شرط ادعاء االستبراء وهو ما يؤكد أن المجلس األعلى يتعامل بدقة
مع مسطرة اللعان ويتشدد في إعمال الشروط الواردة في الفقه المالكي لصحة
اللعان ويثيرها ت لقائيا لتعلق قواعد النسب بالنظام العام .وهذا ما يندرج كمبدأ عام
( )1قرار اجمللس األعلى عدد 46الصادر بتاريخ 2007/01/17يف امللف الشرعي عدد ، 2006/1/2/244أهم
قرارات اجمللس األعلى ،م.س ،ص .55
( )2قرار اجمللس األعلى عدد 96والصادر بتاريخ 2008/02/27يف امللف الشرعي عدد ،2005/1/2/161املرجع
نفسه ص .60 :
50
في إطار مبادئ الفقه اإلسالمي التي تجعل الشارع دائما ً متشوف للحوق النسب
وهو نفس ما يمكن قوله بالنسبة لمحكمة االستئناف بمكناس من خالل القرارات
الصادرة عنها أعاله.
وفي إطار مدونة األسرة تطرق المشرع المغربي إلى الخبرة القضائية
كوسيلة من وسائل إثبات ونفي النسب ،والمقصود بها الخبرة الطبية ،التي لم تبق
مقتصرة على الفحوصات األولية فحسب وإنما تطورت إلى فحص دم الفصيلة التي
ينتسب إليها دم الزوجين والولد ،حيث أفادت الحقائق العلمية المسلم بها في الطب
الشرعي مؤخرا أن تحليل فصائل الدم قد تفيد في التحقق من انتفاء النسب عند
المنازعة فيه ،أما بشأن ثبوته فاألمر مجرد احتماالت ،واليوم تقدمت العلوم
البيولوجية فأصبح ممكنا عن طريق اختبارات علم الوراثة التحقق من ثبوت النسب
ال انتفائه فقط(.)2
لهذا ارتأيت تناول هذا المبحث من خالل ثالثة مطالب أخص األول ألنواع
الخبرة الطبية في مجال النسب ،والثاني لشروط اللجوء إلى الخبرة الطبية ،والثالث
لإلشكاالت العملية المثارة بشأن اعتماد الخبرة الطبية لنفي النسب.
( – )1املنتدى مدونة األسرة تقييم ومعاجلة ،جملة دورية يصدرها منتدى البحث القانوين ،مراكش العدد ،2005 -5ص
.185
( – )2حممد حممد أبو زيد :دور التقدم البيولوجي يف إثبات النسب ،منشور مبجلة احلقوق الكويتية السنة العشرون ،العدد
األول ،مارس ،1996ص .272
51
إلى زم ن قريب كانت الخبرة الطبية في مجال النسب تعتمد على تحليل
الفصائل الدموية للزوجين والولد ،إال أنها كانت ال تفيد إال التحقق من نفي النسب،
وب تطور العلم تم اكتشاف ما يسمى بالبصمة الوراثية بحيث أصبحت الخبرة الطبية
تفيد القطع في إثبات النسب ونفيه.
لقد أظهرت األبحاث العلمية منذ مدة ليست بالقصيرة أن دم اإلنسان يتنوع
إلى فصائل عدة( .)1وأن لكل فصيلة خصائصها المحددة ،وعن طريق هذا الفحص
أمكن التوصل إل أحد الفرضين:
( – )1تتنوع فصائل الدم إىل أربعة أنواع وهي A-B-AB-O :غري أن هذه الفصائل يف الغالب ما تكون مضافة إليها مادة
RHفإذا كانت هذه املادة موجودة يف الدم يرمز إليها بعالمة +وتكتب هكذا ARH+وإذا كان الدم خاليا منها يرمز إىل
الفصيلة بعالمة – وتكتب حينئذ هكذا ،ARH-وابعتبار املادة املذكورة تكون جمموع فصائل الدم مثانية .عبد السالم بوزيدي:
إشكالية اخلربة الطبية يف إثبات النسب أو نفيه مدونة األسرة بعد ثالث سنوات من التطبيق :احلصيلة واآلفاق ،أشغال الندوة
الدولية املنظمة من طرف جمموعة البحث يف القانون واألسرة يومي 16/15مارس 2007بكلية احلقوق وجدة ،الطبعة
األوىل ،مطبعة اجلسور ،وجدة ،2008سلسلة الندوات ،2ص .191
52
الفصيلة الواحدة قد يشترك فيها أناس كثيرون يحتمل أن يكون الزوج المدعى عليه
واحدا منهم.
وكنتيجة لهذه المعطيات العلمية المتاحة في ذلك الوقت تبين أن فصائل الدم
تفيد في نفي قاطع ولكنها ال تفيد في الحصول على إثبات مؤكد(.)1
وهكذا على إثر اكتشاف حمض معين يسكن في نواة الخلية في جسم
اإلنسان ،أمكن في ذات الوقت اكتشاف جزء معين في تركيب هذا الحمض ،الذي
يتكون من خيطان يحمالن الصفات الوراثية الخاصة بكل إنسان والتي تظل مالزمة
له مدى حياته .فمعرفة البصمة الوراثية لشخص ما يتم عن طريق فحص الحمض
النووي ( )ADNألحد المواد السائلة في جسمه (كالدم ،والمني واللعاب) ،أو ألحد
أنسجة الجسم (اللحم أو الجلد) أو مواد أخرى (كالشعر أو العظام)(.)3
وعليه فاالبن يحمل خيطان واحد من األب واآلخر من األم ،وعند تحليل
الحمض النووي له وألبيه ينبغي أن يكون هناك تطابق في نصف ADNعند
الرجل مع النصف الموجود عند االبن.
وهكذا أمكن االستفادة من هذا الكشف العلمي الرائد في التوصل إلى ما إذا
كان األثر اآلدمي الخاضع للفحص يخص شخصا معينا أم ال ،فحسب المتخصصين
53
تعتبر البصمة الوراثية هي أدق وسيلة عرفت حتى اآلن في تحديد هوية اإلنسان
وذلك ألن نتائجها قطعية ال تقبل الشك والظن وذلك بنسبة .)1(%100
يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب ،ال يمكن الطعن
فيه إال من الزوج عن طريق اللعان ،أو بواسطة خبرة تفيد القطع بشرطين:
وهكذا حسب مقتضيات هذه المادة ،فإن اللجوء إلى الخبرة الطبية لنفي
النسب ال يتم إال بشرطين:
وهكذا فقد ذهبت محكمة االستئناف بمكناس إلى رفض طلب إجراء خبرة
طبية لنفي النسب بعلة عدم إدالء الزوج بدالئل قوية على ادعائه ،حيث جاء في
إحدى قراراتها "وحيث إن الفراش بتوافر شروطه يعتبر حجة قاطعة على ثبوت
( – )1خليفة علي الكعيب :البصمة الوراثية وأثرها على األحكام الفقهية ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر اإلسكندرية ،2004
ص 28وما بعدها.
( – )2ذ .سعد أصبان :النسب بني قواعد الشريعة ونتائج اخلربة ،عرض قدم لطلبة املعهد العايل للقضاء ،الفوج ،34ص.5
54
النسب وال يطعن فيه إال من الزوج عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة بشرط إدالء
الزوج بدالئل قوية على ادعاءه.
وحيث إن المستأنف عليه لم يدل بأي دليل يدعم ادعاءه حتى يستجاب
لطلبه"( .)1وذلك ردا على ادعاء الزوج بكونه يعاني من العقم دون تعزيز ذلك
بشواهد طبية ،وأيضا كون زوجته تتعاطى للفساد.
وجاء في قرار آخر صادر عنها "وحيث التمس المستأنف إجراء خبرة
للتأكد من صحة النسب إال أن المادة 153من قانون األسرة تشترط لذلك شرطين:
إدالء الزوج بدالئل قوية على ادعائه ،وصدور أمر قضائي بهذه الخبرة ،فهذا
الفصل ينص على أنه ليستجاب لعرض االبن على خبرة يجب أن يدلي األب بدالئل
قوية لصدق ادعائه وهو لم يدل بشيء فيتعين التأييد"( .)2وذلك ردا على ادعاء
األب بكونه مريض جنسيا وال يستطيع اإلنجاب ودون تعزيز ذلك بشواهد طبية،
كما جاء ف ي حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بمكناس "وحيث
إن المدعي لم يلجأ لمسطرة اللعان المنصوص عليها فقها وقانونا ،كما أنه لم يدل
بدالئل قوية تفيد بأن البنت ...ليست من صلبه.
وحيث إنه في غياب الدالئل القوية يمتنع اللجوء إلى الخبرة لنفي النسب
المستند إلى الفراش صحيح"( .)3وجاء في حكم آخر صادر عنه "ومن جهة أخرى
لم يدل بدالئل قوية على ادعائه بنفي النسب حتى تستجيب المحكمة لطلب الخبرة
القضائية استنادا للمادة 153من المدونة وأن ما أثاره المدعي كون المدعى عليها
( – )1قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 1286والصادر بتاريخ 2006/04/25يف امللف الشرعي 8/05/3398
غري منشور.
( – )2قرار حمكمة االستئناف مبكناس عدد 737والصادر بتاريخ 2005/03/14يف امللف الشرعي عدد
8/04/2884غري منشور.
( – )3حكم صادر عن قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد 1524بتاريخ 2006/05/09منشور مبجلة
قضاء األسرة العدد -3دجنرب ،2006ص 143وما بعدها.
55
تغادر مرارا بيت الزوجية دون علمه ال يمكن اعتباره بأي حال من األحوال سببا
قويا لنفي النسب"(.)1
فمن خالل حيثيات العمل القضائي أعاله ،فإن الدالئل المقدمة من الزوج
تبقى خاضعة للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ،فإذا لم ترقى إلى مستوى الدليل
القوي ،كشهادة الشهود بنفي النسب أو إثبات أن الزوج مصاب بعقم أو مجبوب أو
عنين أو أسير وكل الحجج التي تفيد عدم إمكانية اتصال الزوج بزوجته امتنع
االستجابة لطلب اللجوء إلى الخبرة لنفي النسب المستند إلى فراش صحيح.
وهذا المعطى أكده المجلس األعلى في عدة قرارات صادرة عنه ،حيث
جاء في أحد قراراته "حيت صح ما عابه الطاعن على القرار ذلك أنه لئن كانت
المادة 153من مدونة األسرة تعتبر الفراش حجة قاطعة على ثبوت النسب فإنها
أجازت دحضه عن طريق اللعان أو بواسطة طلب إجراء خبرة طبية المعززة
بدالئل قوية"( .)2وجاء في قرار آخر صادر عنه "والبين من أوراق الملف أن
البنت المطلوب نفي نسبها ازدادت أثناء قيام العالقة الزوجية بين الطرفين،
والزوجة في عصمته ،وكانت مقيمة معه والمحكمة لما لم تستجب لطلب الخبرة
أمام عجز الطاعن عن اإلدالء بدالئل قوية على ادعائه تكون قد طبقت مقتضيات
المادة 153من مدونة األسرة التطبيق السليم ،وعللت قرارها تعليال كافيا"(.)3
( – )1حكم صادر عن قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد 2183والصادر بتاريخ 2010/06/08يف
امللف رقم 5/2078ج 2008/غري منشور.
( – )2قرار اجمللس األعلى عدد 504صادر بتاريخ 2006/09/06يف امللف الشرعي عدد 4/1/2/393نشره ذ.
إبراهيم حبماين :م.س ،ص .467
( – )3قرار اجمللس األعلى عدد 144والصادر بتاريخ 2009/04/01يف امللف رقم 2008/1/2/546أهم قرارات
اجمللس األعلى :م.سن ص .66
56
إليه وادعى أنه عقيم ،واستدل بتحليل طبي على ذلك ،والمحكمة لما لم ترد على
طلبه سلبا أو إيجابا في هذا الخصوص تكون قد أساءت تطبيق القانون"( .)1كما
اعتبر إدانة الزوجة بالخيانة الزوجية دليل قويا أيضا وفي هذا اإلطار جاء في
إحدى قراراته "حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه ،لما اعتمدت في
قضائها على الدليل المكتمل في الحكم الجنحي الذي أدان أخ الزوج المطلوب في
النقض من أجل جنحة المشاركة في الخيانة الزوجية مع الطاعنة ،واعتبرت أن هذه
الحجة دليل على ادعائه وقررت بناء على ذلك إجراء خبرة جينية أثبتت أن الولد
المتنازع في نسبه ليس من صلب الزوج لعدم وجود أي عالقة بيولوجية بين
الطرفين وقضت تبعا لذلك بنفي نسب الولد عنه تكون قد طبقت المادة المحتج بها
تطبيقا صحيحا ولم تخرق القانون"(.)2
فمن خالل حيثيات هذا الحكم أرى أن المحكمة لم تكن في حاجة إلجراء
خبرة طبية مادام قد ثبت لها أن البنت مزدادة من عالقة غير شرعية باعتراف
المدعية .كما أن الزوج ال يحتاج في مثل هذه الحالة إلى اللجوء إلى اللعان أو
( – )1قرار اجمللس األعلى عدد 504صادر بتاريخ 2006/09/06ملف شرعي عدد 4/1/2/393نشره ذ .إبراهيم
حبماين :م.س ،ص .467
( – )2قرار اجمللس األعلى عدد 586والصادر بتاريخ 2007/11/21يف امللف الشرعي عدد 2007/1/2/315نشره
ذ .إبراهيم حبماين :م.س ،ص 531وما بعدها.
( – )3حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد 1134واتريخ 2011/03/22يف امللف عدد
5/1037ج 2010/غري منشور.
57
الخبرة الطبية لنفي النسب عنه مادام الولد غير الحق شرعا بالزوج ،ذلك أن
الخبرة يكون لها محل في ما إذا ازداد الولد على فراش صحيح أو الحاالت الملحقة
به مثل حالة االتصال بشبهة وحالة الزواج غير الصحيح ،وهو ما يفيد أن الخبرة
ليست وسيلة مستقلة يثبت بها النسب ألن من شأن ذلك إلحاق أبناء الزنا بآبائهم.
وأختم هذه النقطة بكالم نفيس لألستاذ إبراهيم بحماني رئيس الغرفة
الشرعية لدى المجلس األعلى أنه يتعين اللجوء إلى الفحوص الطبية لمعرفة من
ينسب إليه الولد عند االقتضاء ،ولكن ذلك ال يكون إال في الحالة التي يقع فيها نزاع
حو ل نسبه وال يوجد حل قانوني لذلك النزاع ،أما إذا وجد الحل القانوني بفراش
صحيح فإنه ال يبقى مبرر للجوء للفحص الطبي ألن الولد للفراش وألن البنوة
الشرعية مقدمة على البنوة الطبيعية ،كما يرى أنه في حالة عدم ثبوت البنوة
الشرعية بالنسبة لألب معالجة الموضوع بإجراء تحليل طبي على المولود ،فإذا
ثبت أنه من ماء المتهم في حالة االغتصاب يمكن إلزامه باإلنفاق عليه إلى أن يبلغ
قادرا على الكسب استنادا لقواعد المسؤولية التقصيرية (الفصل 77من ق.ل.ع.م)
(.)1
عند اقتناع المحكمة بالدالئل القوية المدلى بها من طرف الزوج تصدر
حكما تمهيديا بإجراء خبرة جينية يخضع لها كل من الزوج والزوجة والولد المراد
نفي نسبه ،وفي هذا اإلطار جاء في حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة
االبتدائية بميسور" وحيث أن المدعي ينفي نسب االبن على اعتبار أن المدعي
عليها حملت به وهي خارج بيت الزوجية وأنجبته ألكثر من سنة من تاريخ
مغادرتها لهذا البيت في وقت لم يتصل بها خاللها.
( – )1إبراهيم حبماين :مقال نسب األبناء يف الزواج الفاسد ،...م.س ،ص 39و.58
58
وحيث إن المحكمة حكمت تمهيديا بإجراء خبرة طبية جينية إلثبات ما إذا
كان الطفل ...يتنسل من صلب المدعي ...أم ال.
وجدير بالذكر إلى أنه في حالة غياب الزوج أو امتناعه عن إجراء خبرة
طبية عليه في دعوى نفي النسب فإن ذلك يعد قرينة على عدم صحة ادعائه إذا كان
مدعيا وقرينة على صحة ما جاء في مقال المدعية إذا كان مدعى عليه( .)2أما في
حالة وفاته فيمكن اللجوء إلى وسائل اإلثبات المقررة شرعا لما هو مقرر من أنه
ال تعجيز في النسب ،كما يمكن إجراء الخبرة على بقايا عظام الهالك ،علما أن عدم
أداء أتعاب الخبرة يعد سببا موجبا لصرف النظر عن الخبرة التي يمكن للمحكمة
أن تأمر بها تلقائيا(.)3
وتجدر اإلشارة إلى أن الخبرة الطبية يجب أن تفيد القطع لألخذ بنتائجها
خصوصا وأن األمر يتعلق بمجال خطير وهو نفي النسب والشرع متشوف
للحوقه ،علما أنه يمكن اللجوء إلى خبرة تكميلية أو مضادة ،وفي هذا اإلطار جاء
في حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية بميسور "وحيث إن
تقرير الخبرة الطبية جاء مستوفيا لكافة الشروط الشكلية المتطلبة قانونا ولم يكن
محل طعن من طرف المدعى عليها ،مما يتعين معه األخذ بنتائجه.
( – )1حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبيسور عدد 75والصادر بتاريخ 2007/03/12يف امللف الشرعي
عدد 2006/71غري منشور.
( – )2ويف هذا اإلطار جاء يف حكم صادر عن قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية بفاس "وحيث إن ختلف املدعى عليهم
عن إجراء اخلربة رغم توصلهما بصفة قانونية وبدون عذر مقبول تعتربه احملكمة قرينة قوية على صحة ادعاءات املدعني" ،حكم
عدد 769والصادر بتاريخ 2009/02/09يف امللف الشرعي عدد 06/01/2766غري منشور.
( – )3عمر ملني :م.س ،ص 14وما بعدها.
59
وحيث إنه ال يسع المحكمة تبعا لذلك سوى الحكم بنفي نسب االبن...عن
المدعي"(.)1
وأشير في آخر هذه النقطة إلى أن المجلس األعلى ذهب إلى عدم اشتراط
مدة معينة لنفي النسب بواسطة الخبرة الطبية ،وهكذا جاء في أحد قراراته
"والمحكمة لما قضت برفض طلبه بعلة أنه عاد إلى المغرب وزوجته حامل في
شهرها الثامن وسكت عن ذلك ولم يمارس دعوى اللعان ونفي النسب داخل األجل
المقرر شرعا والحال أن المادة 153من مدونة األسرة لم تشترط مدة معينة
لممارسة دعوى نفي النسب بواسطة خبرة قضائية تفيد القطع فإنها تكون بدلك قد
تعلل قرارها تعليال سليما ما يعرضه أقامت قضائها على غير أساس ولم
للنقض"(.)3
( – )1حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبيسور عدد 75والصادر بتاريخ 2007/03/12يف امللف الشرعي
عدد 2006/71غري منشور.
( – )2حكم قسم قضاء األسرة ابحملكمة االبتدائية مبكناس عدد 806والصادر بتاريخ 10/03/08يف امللف الشرعي عدد
5/373ج 2010/غري منشور.
( – )3قرار اجمللس األعلى عدد 554والصادر بتاريخ 2006/09/27يف امللف الشرعي عدد 2005/1/2/391أهم
قرارات اجمللس األعلى ،م.س ،ص .54
60
المطلب الثالث :اإلشكاالت العملية المثارة بشنن اعتماد الخبرة
الطبية لنفي النسب
لقد أدى إيجاد مؤسسة الخبرة الطبية كوسيلة علمية جديدة في مدونة
األسرة إل ثبات ونفي النسب إلى طرح مجموعة من اإلشكاالت العملية لم يتعرض
لها المشرع المغربي بنص صريح وهو ما سأحاول إبرازه من خالل النقط التالية:
إذا كان النسب ثابتا بالفراش والخبرة الطبية أكدت عكس ذلك فمن يرجح
على اآلخر؟
لم يتطرق المشرع لهاته المسالة إال أن المجلس األعلى قد حسم في هذه
النقطة من خالل قضية بلخديم التي عرضت عليه ،حيث جاء في إحدى حيثيات
القرار "لكن حيث إن المحكمة المطعون في قرارها قد بنت قضاءها على أنه إذا
ولدت الزوجة بعد فراق يثبت نسب الولد إذا جاءت به خالل سنة من تاريخ الفراق
مع مراعاة ما ورد في الفصل 76من مدونة األحوال الشخصية ...مؤيدة الحكم
االبتدائي فيما قضى به معلال بأن الحكم األجنبي المحتج به والذي حكم بأن المدعي
عليه ليس أبا للطفلة اعتمادا على دراسة الدم وتحليله إال أن ذلك مخالف لمقتضيات
الفصل 76المذكور"(.)1
فهذه النازلة طرحت مسألة التعارض بين قاعدة شرعية واكتشاف علمي
حديث ورجح المجلس األعلى قرينة الفراش إال أن المجلس كان عليه أن يبرز أن
القضاء الفرنسي لم يتأكد من شرط إدالء الزوج بدالئل قوية للجوء إلى الخبرة
الطبية لنفي النسب وهو مسألة جوهرية في القانون المغربي.
ونعتقد أن االتجاه الذي سار عليه المجلس األعلى هو عين الصواب ،إذ ال
يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة األنساب الثابتة شرعا وذلك
( – )1قرار اجمللس األعلى عدد 658صادر جبميع غرفه يف 2004/12/30يف امللف الشرعي عدد 2003/1/2/556
نشره حممد الكشبور :البنوة والنسب :م.س ،ص .243
61
حماية ألعراض الناس ،فمن المقاصد األصولية والفقهية أن درء المفاسد يقدم على
جلب المصالح ،وقاعدة "احكم بالظاهر وهللا يتولى السرائر" ،وكل ذلك يقتضي منع
اعتماد الخبرة أو البصمة الوراثية لنفي نسب ثابت شرعا ...فالنسب الثابت بالفراش
ال يقبل االنتفاء إذا توفرت سائر شروطه وال ينتفي الولد عن الزوج مادامت شروط
الفراش متوفرة من مدة حمل وإمكان االتصال بنوعيه المادي والمعنوي(.)1
يثار اإلشكال في هذه النقطة في حالة ما إذا أقر شخص بولد مجهول
النسب مع توفر باقي الشروط األخرى ثم عاد وطلب نفي النسب اعتمادا على
البصمة الوراثية.
( – )1قضااي األسرة من خالل اجتهادات اجمللس األعلى :الندوة اجلهوية الثانية املنظمة ابلقصر البلدي ،مكناس أايم 9-8
مارس ،2007مطبعة األمنية الرابط ،ص 278وما يليها.
62
وحده ملزما للطالب وحاسما للنزاع ،فإنها تكون قد استبعدت ضمنيا طلب إجراء
خبرة لعدم جدواها في مثل هذه النازلة ...وعللت قراراها تعليال قانونيا"(.)1
فالمجلس األعلى من خالل حيثيات هذا القرار قدم اإلقرار بالنسب على
النفي بالبصمة الوراثية تغليبا لحق الطفل المجهول النسب ،والذي تدعمه قاعدة أن
الشرع متشوف للحوق األنساب.
وأرى أن اإلقرار بالنسب إذا توفرت سائر شروطه القانونية والشرعية ال
يقبل االنتفاء بعد ذلك إال إذا أدلى المستلحق بدالئل قوية على ادعاءه.
كل طفل يولد أثناء فترة العالقة الزوجية المحددة في المادة 154من مدونة
األسرة يثبت نسبه إلى الزوج بقرينة قانونية قاطعة غير قابلة إلثبات العكس من أي
كان ماعدا الزوج نفسه الذي يمكنه أن يطعن في نسب الطفل إليه عن طريق
المطالبة باللعان أو بخبرة طبية تفيد القطع بوجود أو عدم وجود العالقة البيولوجية
بينه وبين الطفل المعني ،وذلك مثل تحليل الحامض النووي الذي يعبر عنه
بالبصمة الوراثية.
وفي حالة اقتصار الزوج على المطالبة باللعان يمكن للزوجة أن تطالب
بالخبرة السالفة الذكر إلثبات كذبه في إنكار نسب الحمل أو الطفل(.)2
ففي هذه الحالة هل يمكن اعتماد الوسيلتين معا لنفي النسب؟ وما الحل
الواجب األخذ به في حالة تعارض نتائجهما؟
بداية أشير إلى أنه على الزوج أن يختار إحدى الوسيلتين لنفي النسب،
ومن اخت ار ال يرجع ،فإن اختار اللعان أمكن للزوجة اللجوء إلى الخبرة الطبية ،إال
( – )1قرار اجمللس األعلى عدد 492والصادر بتاريخ 2005/10/26يف امللف الشرعي عدد 2005/1/2/293أورده
حممد الكشبور :البنوة والنسب ،م.س ،ص 237وما بعدها.
( – )2الدليل العملي ملدونة األسرة ،منشورات مجعية نشر املعلومة القانونية والقضائية ،سلسلة الشروح والدالئل ،العدد -1
،2004الطبعة الثالثة فرباير ،2007ص .99-98
63
أن المجلس األعلى لم يعترض على جمع اللعان والخبرة الطبية ،بل أقر ذلك على
ما يتضح من القرار اآلتي" :والثابت من أوراق الملف أن الطاعن نازع في نسب
االبن وادعى أنه لم يتصل بالمطلوبة ،وأدى يمين اللعان على ذلك في حين رفضت
المطلوبة أدائها رغم توصلها كما رفضت الحضور أثناء أدائه اليمين ،ورفضت
كذلك الخبرة ،والتمس إجراء خبرة قضائية إلثبات عدم نسبة المولود إليه وتمسك
بها ،والمحكمة لما عللت قرارها بأن الخبرة ليست من وسائل نفي النسب شرعا،
في حين أن المادة 153من مدونة األسرة النافذة المفعول بتاريخ القرار المطعون
فيه والواجبة التطبيق تنص على أن الخبرة القضائية من وسائل الطعن في النسب
إثباتا أو نفيا تكون قد أقامت قضاء على غير أساس"(.)1
فالمجلس األعلى من خالل حيثيات هذا القرار سمح بالجمع بين اللعان
والخبرة الطبية ،إال أنه في حالة تعارض نتائجهما ومادامت الخبرة الطبية وسيلة
احتياطية وال يمكن اللجوء إليها إال بعد توفر شروطها وتخضع للسلطة التقديرية
للمحكمة ،في حين أن اللعان وسيلة شرعية وال يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة
عند توفر شروطه وإعمال مسطرته فهو مقدم على الخبرة.
( – )1قرار اجمللس األعلى عدد 39والصادر بتاريخ ،2006/01/18كتاب املنتقى :م.س ،ص .225
64
خاتمة:
هكذا أصل إلى نهاية هذا البحث بعد أن قضيت على امتداد صفحاته
السابقة وقتا غير يسير والذي وقفت من خالله على قضية من أهم القضايا
المعروضة على المحاكم المغربية (ابتدائية واستئنافية مكناس وابتدائية ميسور) في
المجال األسري وهي مسألة إثبات النسب ونفيه ،هذه اللحمة البشرية التي خصها
الشرع اإلسالمي والقانون الوضعي بأهمية بالغة سدا لذريعة اختالط األنساب ،ولقد
خلصت من خالل ذلك إلى النتائج التالية:
* أن محاكم التدريب أعاله ومعها المجلس األعلى وإن كانا يتساهالن في
إلحاق النسب ،فإنهما يتشددان في نفيه ويلحقانه ليس في الزواج الصحيح فحسب بل
حتى في الزواج الفاسد ،وكذا الباطل أو للشبهة إذا توفرت شروطهما.
65
* أن محاكم التدريب أعاله ومعها المجلس األعلى لعبا دورا في تكريس
حق الطفل في النسب من خالل إيجاد الحلول المناسبة لإلشكاليات التي أفرزها
التطبيق القضائي في قضايا النسب.
* يعاب على التشريع األسري كونه لم يحدد ضوابط وأحكام الترجيح بين
الخبرة الجينية وحجيتها عند تعارضها مع وسائل اإلثبات أو النفي المقررة شرعا
وكل ذلك من أجل توحيد االجتهاد القضائي في هذا الشأن.
* من خالل محاكم التدريب لم أقف على تنفيذ عملي لمسطرة اللعان ،بل
فقط بعض األحكام والقرارات التي لم تتم االستجابة فيها لطلب نفي النسب باللعان
لتخلف شرط من شروطه ،علما أن المشرع فتح باب اللجوء إلى الخبرة الطبية.
تلكم كانت أهم النتائج التي توصلت إليها من خالل هذا البحث الميداني
بمحاكم التدريب ،وأشيرا إلى أن كل سهو أو إغفال أو تقصير فمن نفسي ،فإني
حاولت االجتهاد ما استطعت وهللا المستعان ،وإني أستحضر مقولة العماد
66
األصفهاني الذي يقول فيها "إني رأيت أنه ال يكتب إنسان كتابا في يومه إال قال في
غذه لو غير هذا لكان أحسن ،ولو زيد كذا لكان يستحسن ،ولو قدم ذاك لكان
أفضل ،ولو ترك ذلك لكان أجمل ،وهذا من أعظم العبر ،وهو دليل على استيالء
النقص على جملة البشر".
نسأل هللا أن ينفعنا بهذا العمل وينفع به وأن يوفقنا لما فيه الخير آمين.
67
قائمة املصادر واملراجع
-الكتب القانونية:
أحمد الخمليشي :التعليق على قانون األحوال الشخصية ،ج 2ط1/
،1994المعارف الجديدة الرباط.
68
خليفة علي الكعبي :البصمة الوراثية وأثرها على األحكام الفقهية ،دار
الجامعة الجديدة للنشر االسكندرية .2004
إشكالية الخبرة الطبية في إثبات النسب أو نفيه ،مدونة األسرة بعد ثالث
سنوات من التطبيق الحصيلة واآلفاق ،أشغال الندوة الدولية المنظمة من طرف
مجموعة البحث في القانون واألسرة ،يومي 16-15مارس 2007بكلية الحقوق
بوجدة ط ،1/مطبعة الجسور وجدة ،2008سلسلة الندوات .2
-المجالت:
مجلة القضاء والقانون العدد .89-88-149
69
المنتدى مدونة األسرة تقييم ومعالجة مجلة دورية يصدرها منتدى
البحث القانوني مراكش العدد .2005-5
-المحاضرات والرسائل:
سعد أصبان :النسب بين قواعد الشريعة ونتائج الخبرة ،عرض قدم
لطلبة المعهد العالي للقضاء ،الفوج .34
70
مقدمة 1 -----------------------------------------------------------------
ثانيا :ثبوت النسب للشبهة (المادة 156من م.األسرة نموذجا) 20 --------------
71
أوال :ماهية شهادة عدلين وبينة السماع 34 -----------------------------------
ثانيا :نفي النسب باللعان على ضوء العمل القضائي 47 -----------------------
المطلب الثاني :شروط اللجوء إلى الخبرة الطبية في مدونة األسرة 53 ---------
أوال :تعارض نتائج الخبرة الطبية مع قاعدة الولد للفراش 61 ------------------
73