Professional Documents
Culture Documents
مطبوعة البلاغة والاتصال
مطبوعة البلاغة والاتصال
مطبوعة البلاغة والاتصال
1
املتحتويات
2
.2نشأة البالغة وتطورها عند الغرب 20.......................................................................................
البالغة الكالسيكيـ ــة 20..........................................................................................................
البالغة عند الرومان 12..........................................................................................................
.IVالمفاهيم المشابــهة للبالغة 11...............................................................................................
- 1البالغة والفصاحة 11........................................................................................................
- 2البالغة والخطابة 10...........................................................................................................
- 3البالغة والحجاج 10............................................................................................................
– 4البالغة ،اإلقناع والتأثير 12...............................................................................................
.Vأقسام البــالغ ــة الع ــربية 10....................................................................................................
ُ
علم البيان 10............................................................................................................................
أقسام علم البيان 10................................................................................................................
علم المعاني01............................................................................................................................
أقسام علم المعاني.01................................................................................................................
علم البديع 01...........................................................................................................................
أقسام علم البديع 00...............................................................................................................
أقسام الكالم من المنظور البالغي واستخداماتها التواصلية 00 ............................................
.VIاتجاهات البــالغ ــة الجديدة 01...........................................................................................
امتـ ــدادات البالغة أو إمبراطورية البالغة .01................................................................................
مفهوم البالغ ــة الجدي ـ ــدة وأهم اتجاهاتها .00................................................................................
االتجــاه الحجاجي 00......................................................................................................................
االتجــاه اللسان ــي 01................................................................... .....................................................
النموذج التواصلي اللساني لرومان جاكبسون 02........................................................................
االتجاه األسلوبي 00.......................................................................................................................
االتجــاه السيميائي 00................................................................. ...................................................
االتجــاه التداولــي 02............................................................... ........................................................
بالغة التواصل المرئي 01................................................................................................................
.VIIاالتصال وعالقته بالدرس البالغي 00...............................................................................
اللغة كقاسم مشترك 00................................................................................................................
مقتض ى الحال والمقام في البالغة :تصور شامل للتواصل اإلنساني 00.........................................................
3
المقام في الثقافة الغربية 00............................................................................................................................
مركزية المتلقي في البالغة الجديدة 00............................................................................................................
عناصر العملية التواصلية من المنظور البالغي 00........................................................................................
المهارات البالغية والتواصل الفعال :بعض األمثلة 00....................................................................................
.VIIIاالستراتيجيات الخطابية-التواصلية 151......................................................................................
مفهوم االستراتيجية 151............................................................................... ....................................................
االستراتيجيات التواصلية .150.........................................................................................................................
االستراتيجيات الخطابية-التواصلية عند الباحثين الغربيين .150...................................................................
خالصة 150........................................................................................................................................................
قائمة المراجع والمصادر 115..............................................................................................................................
فهرس األشكال
4
االتصال لغة
يعود أص ـ ـ ـ ــل كلمــة اتص ـ ـ ـ ــال communicationإلى اللغــة الالتينيــة فشي مش ـ ـ ـ ــتقــة من الفعــل
Communicateبمعنى يش ـ ـ ــيع عن طري ،المش ـ ـ ــاركة ،ويرا البعض اآلخر أن هذا اللف يرجع إلى
1. الكلمة الالتينية communisبمعنى عام و مشترك commun
أما في اللغة العربية ،فقد ورد تحديدها في قاموس املحيط ولس ـ ــان العرب على أن لف
االتصــال مشــت ،من الفعل الثالثي "وص ــل" والذي يعني الصــلة وبلوغ الغاية ،فوصــل الش ـ ي إلى
الش ـ ـ ي وصـ ــوال وتوصـ ــل إليه أي انتشى إليه وبلغه ،وعليه فاالتصـ ــال في اللغة العربية هو الصـ ــلة
والعالقة والبلوغ إلى هدف معين.
االتصال اصطالحا
بالرغم من االختالف بين الباحثين والمهتمين باالتص ـ ـ ــال حول داللة الكلمة ،إال أ هم يتفقون على
أن االتص ـ ـ ـ ـ ــال كلم ــة متع ــددة المع ــاني بتع ــدد وتنوع المهن واملج ــاالت البحثي ــة ال ي عني ــ .ب ــه .له ــذا
س ـ ـ ـ ــنح ــاول إيراد مجموع ــة من التع ــاريف ال ي أعطي ــ .لمفهوم االتص ـ ـ ـ ـ ــال مح ــاولين في ذات الوق ــ.
تصـ ـ ـ ــنيفها حسـ ـ ـ ــب االتجاه الذي وردت فيه .وقد ميبنا بين اتجاهين أس ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــيين بخص ـ ـ ـ ــو تعريف
االتصال وهما :االتجاه التقني واالتجاه االجتماعي.
.1االتجاه التقني (االتصال أحادي االتجاه)
تركز التعاريف ال ي تصـ ـ ـ ــب في السـ ـ ـ ــياق التقني على االتصـ ـ ـ ــال كصـ ـ ـ ــيرورة تقنية آلية ،وتتخذ جل
تعـاريف هـذا االتجـاه التـأثير كهـدف من العملية وليش المش ـ ـ ـ ــاركة ،وهو ما دفعنا إلى إدراجها ـ ـ ـ ــمن
مسمى االتجاه التقني-التأثيري لالتصال.
-1محمد صبري فؤاد النمر ،أساليب االتصال االجتماعي ،المكتب العلمي للكمبيوتر والنشر والتوزيع ،اإلسكندرية ،6991 ،ص .9
5
في هـذا الص ـ ـ ـ ــدد ،يعرف نبيـل عــارف االتص ـ ـ ـ ــال على أنــه عمليــة نقـل المعلومــات والرغبــات
والمشـ ـ ـ ـ ــاعر والمعرفــة والتجــارب ،إمــا ش ـ ـ ـ ــفويــا أو بــاس ـ ـ ـ ــتعمــال الرموز والكلمــات والص ـ ـ ـ ــور
واإلحص ــا ات ،بقص ــد اإلقناع والتأثير على الغير ،1فاالتصـ ــال هو العملية ال ي من خاللها يتم نقل
الرس ــائل بأية لغة بين طرفين أو أكثر (ش ــخص ــين أو جماعتين أو ح ى مجتمعين ،)...عبر قناة أو عدة
قنوات ،من أجـل التـأثير على س ـ ـ ـ ــلوك األفراد والجمـاعـات كمتلقين وتغييره .وفي هـذا الس ـ ـ ـ ـيـاق ،نجد
المقاربات التالية:2
الشكل رقم :10االتصال الرأسي أحادي االتجاه أ .النظرة اآللية (الميكانيكية) :تعود النمـ ــاذج األولى
لالتص ـ ـ ـ ــال إلى أعمال العالم الس ـ ـ ـ ــيبرنطيقي Nobert
-1بدوي أحمد زكي ،معجم مصطلحات العلوم االجتماعية ،مكتبة لبنان ،بيروت ،6991 ،ص .611
2
- Thierry Libaert, Marie-Hélène weestphalen, Communicator, 6°Ed, Dunod, Paris, 2012, p 6-8.
6
الشكل رقم :10مساراالتصال
القناة
التشويش
ولم يخرج هـارولـد الس ـ ـ ـ ــويـل Harold Lasswellعن هـذه النظرة بـاقتراحـه لخطاطته :5W
? ، Who ? What ? Whom ? What channel ? Whenمن؟ يقول ماذا؟ لمن؟ م ى؟ وكيف؟
وال ي تضـع المرسـل في موقف إيجابي والمسـتقبل في و ع سليي .يكون التركيب في هذه المقاربة
على المرسل
ب .المقاربة الكمية :تقوم المقاربة الكمية لالتصال على تعريف هذا االتصال باعتباره
ت ــدفق ــا ،وعي تركز على ةجم وكمي ــة االتص ـ ـ ـ ـ ــال وترا أن الت ــأثير يح ــد من خالل عملي ــات
التكرار المس ــتمرة للرس ــائل ،بمعنى التركيب على الرس ــالة ،مع ــرورة التقليل من التش ــويش
الـذي يمكن أن يعرقـل كميـة ونوعيـة المعلومات المرس ـ ـ ـ ــلة إلى أدنم المس ـ ـ ـ ــتويات .فاألهم في
هــذه المق ــاربــة هو إبقــا قنوات بــث االتصـ ـ ـ ـ ــال مفتوح ــة ،والمض ـ ـ ـ ــمون ليش ذو أهميــة ألن
االتصال في هذه المقاربة هو الحل.
ج .مقاربة القذيفة :ترتبط هـذه المقـاربـة كثيرا بس ـ ـ ـ ــابقتهـا ،وتنظر إلى االتص ـ ـ ـ ــال بنظرة
ش ـ ـ ـ ــموليــة تقع خــارج كــل س ـ ـ ـ ـيــاق .أي أن التركيب يكون على عنــاص ـ ـ ـ ــر :المرسـ ـ ـ ـ ــل والرس ـ ـ ـ ــالــة
والمســتقبل والقناة في معزل عن الظروف ال ي تحيط بالعملية االتصــالية .فاالتصــال ينطل،
7
كالقذيفة من المرس ــل نحو المس ــتقبل محدثا بذل األثر بعيدا عن أي عنص ــر من عناص ــر
السياق أو الموقف االتصالي ال ي يمكنها أن تؤثر على هذه الصيرورة.
د .المقاربة التقنية :تقوم هذه المقاربة –وعي مش ـ ـ ــتقة عن س ـ ـ ــابقاتها-على أن االتص ـ ـ ــال
عبارة عن أدوات ،وأن اس ـ ـ ــتخدام األداة االتص ـ ـ ــالية المالئمة كفيل بحل مش ـ ـ ــاكل االتص ـ ـ ــال
بعيدا عن العناص ـ ــر األخرا .كالنظر إلى تقنيات اإلعالم الجديد (الموقع االلكتروني وش ـ ــبكات
التواصل االجتماعي على سبيل المثال) على أ ها الحل لمشاكل االتصال.
.2االتجاه االجتماعي-التفاعلي (االتصال ثنائي االتجاه)
على صـعيد آخر ،وعلى النقيض من االتجاه السـابُ ،،ي فعرف االتصـال حسب العديد من الباحثين
–وبعيدا عن التص ــور التقني واآللي-على أنه عملية اش ــتراك في المعنى من خالل التفاعل الرمزي،
أي أنه عملية تفاعل اجتماعي يس ــتخدمها الناس لبنا معان تش ــكل في عقولهم ص ــورا ذهنية
للعالم ويتبادلون هذه الص ــور الذهنية عن طري ،الرموز ،وهو ما يعرف بالمش ــاركة في فكرة
أو اتجاه أو موقف .1وال يشـ ــترط أن تكون المشـ ــاركة باالتفاق والتطاب ،،بل المشـ ــاركة هنا
تعني األفكار والمشـ ـ ــاعر واالتجاهات والمواقف ،في حاالت االتفاق كما في حال االختالف
الجزئي أو الكلي.
االتصــال هو عملية اجتماعية تفاعلية متبادلة بين األطراف المشــتركة ها (المرســل والمســتقبل)
ومـن خـاللـه ـ ــا يـتـم الـتـعبير عن ال ـ ــذات واألفك ـ ــار والمش ـ ـ ـ ـ ـ ــاعر ونق ـ ــل وتب ـ ــادل األفك ـ ــار والمعلوم ـ ــات
واالنطبــاع ــات والخبرات وتؤدي إلى إشـ ـ ـ ـ ــاع ــة الفهم والتع ــاطف وتطوير العالق ــات وتحقي ،األه ــداف
المنش ـ ـ ـ ــودة ،وهنـا تبرز نظرة علمـا االجتمـاع إلى االتص ـ ـ ـ ــال على أنـه ظـاهرة اجتمـاعيـة وقوة رابطة لها
دورهـا في تمـاس ـ ـ ـ ـ املجتمع وبـا العالقـات االجتمـاعيـة ،وهو ما يؤكده ولبر ش ـ ـ ـ ـرام بقوله بأن املجتمع
اإلنس ـ ـ ـ ــاني يقوم على مجموعــة من العالقــات قوامهــا االتص ـ ـ ـ ــال وأن مــا يجمع مــا بين النــاس ليش قوة
رورات الحياة2. غيبية أو سحرا أو قوا مطلقة وإنما عي عالقات االتصال .ال ي عي رورة من
-1مفتاح مرسلي ،معجم مصطلحات نظم وتكنولوجيا المعلومات واالتصاالت ،الدار الدولية للنشر والتوزيع ،مصر ، 1995،ص. 35
-2محمد صبري فؤاد النمر ،أساليب االتصال االجتماعي ،مرجع سابق ،ص .61
8
نالح من التعاريف السـ ــابقة التركيب على الجوانب التفاعلية ،وأن مفهوم االتصـ ــال يرتبط كثيرا
بمفاهيم المش ـ ــاركة والتبادل والتفاعل ،وأن الغاية األس ـ ــاس ـ ــية عي خل ،الروابط والعالقات وتحقي،
الفهم المشـترك بين أطراف العملية االتصـالية .وحسب هذا االتجاه التعريفي الذي يمكن أن نسميه
باالتجاه االجتماعي-التفاعلي ،ينظر لالتص ــال على أنه أس ــاس قيام وتطور العالقات اإلنس ــانية ،فهو
يش ـ ـ ـ ـمـل الرموز من الكلمـات والص ـ ـ ـ ــور واألش ـ ـ ـ ـكـال وغيرهـا ،ويش ـ ـ ـ ــتمـل المعلومـات واألفكار والتجارب
اإلنسانية.
خصائص عملية االتصال حسب االتجاه التفاعلي
ديناميكية االتص ـ ــال :أي انتش ـ ــار االتص ـ ــال في الزمان والمكان ،فالعالم الذي نعيش .6
On ne peut pas ne pas فيه اتصـ ــالي بامتياز ،وهنا نذكر شـ ــعار مدرسـ ــة بالو ألتو الشـ ــهيرة
،communiquer
.2اس ــتمرارية االتص ــال :فهو يمتد من المابـ ـ ي مارا بالحا ــر ومتجها نحو المس ــتقبل
وليش لالتصال بداية أو هاية واضحة وفاصلة،
.3المش ـ ـ ـ ــاركــة في المعنى :على الرغم من ان البــاحثين في االتص ـ ـ ـ ــال قــد اتفقوا على انــه
مرتبط باس ــتخدام الرمز ،إال أ هم لم يتفقوا على أهداف االتص ــال (كما س ــبق .اإلش ــارة إليه
في اتجاهات التعريف) ،فبينما يذهب فري ،منهم إلى أن االتصال يستهدف توصيل المعلومات
ونقل األفكار ،يعتقد فري ،آخر أن االتصال يستهدف خل ،المعنى ومشاركته.
مفهوم التواصل
التواصــل لغة :بالرجوع إلى مادة وصــل ،ف ن الواو والصــاد والالم :أصــل واحد يدل على ــم ـ ي
إلى ـ ي ح ى يعلقه ،1والوصــل ــد ال جران ،2ويقال وصــل فالن رحمه يصــلها صــلة ،ووصــل الش ـ ي
بالش ي يصله وصال .3والتواصل د التصارم ،والوصل الرسالة ترسلها إلى صاحب .4
-1أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي ،معجم مقاييس اللغة ،تحقيق عبد السالم محمد هارون ،ج ،1دار الفكر ،6999 ،ص .661
-2ابن منظور ،لسان العرب ،ط ،6ج ،66دار صادر ،بيروت 6969 ،هـ ،ص .911
-3محمـد بن أحمـد بن اهزهري ،تيـ يب اللغة ،تحقيق محمد عور مرعب ،ط ،6ج ،61دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،1116 ،ص
.611
-4الزبيدي ،تاج العروس من جواهر القاموس ،ج ،16دار اليداية ،ص .91
9
اس ـ ــتنادا إلى هذه المعاني اللغوية ،يتض ـ ــل أن المراد بالتواص ـ ــل لغة االقتران واالتص ـ ــال والص ـ ــلة
وااللتئام والجمع واإلبالغ واإلعالم .فالتواص ـ ــل ـ ــد التقاطع و ـ ــد التدابر و ـ ــد التخاص ـ ــم و ـ ــد
ال جر وهو يعني لغة جميع أشكال التفاعل والتكامل.1
أما التواصل اصطالحا فله تعريفان:
مفهوم يعني استمرار العالقة المتينة بين طرفي العالقة المشاركين فيها.2 -
انفتاح الذات على اآلخر في عالقة حية ال تنقطع ح ى تعود من جديد.3 -
وعرف ــه ال ــدكتور عمر نص ـ ـ ـ ــر الل ــه ب ــأن ــه عالق ــة بين فردين على األق ــل ،ك ــل منهم ــا ذات نش ـ ـ ـ ــيط،4
ف ــالتواص ـ ـ ـ ـ ــل يعني التف ــاعـ ــل وبنـ ــا عالقـ ــة بين فردين أو دولتين أو مجتمعين ممـ ــا يحق ،المنفعـ ــة
المتبــادلــة بين الطرفين ،فهو نقــل األفكــار والتجــارب وتبــادل الخبرات والمعــارف بين الــذوات واألفراد
والجماعات بتفاعل إيجابي وبواسـطة رسائل تتم بين مرسل ومتلقي ،وهو جوهر العالقات اإلنسانية
ومحق ،تطورها.5
الفرق بين االتصال والتواصل
يسـتخدم بعض الباحثين العرب المفهومين كمترادفين ،في حين يفرق بعضـهم اآلخر بين االتصال
والتواصل على اعتبار أن االتصال يستخدم لإلشارة إلى عملية نقل المعلومات في اإلنسان أو الجماد
على حـد س ـ ـ ـ ــوا ،ونظرا لالختالف الكيفي بين اإلنس ـ ـ ـ ــان من جـانب والكائنات األخرا من جانب آخر،
كان من األحرا تخصيص اصطالح ليصف هذه العملية في اإلنسان وهو التواصل.6
-1ماجد رجب العبد س ــكر ،التواص ــم االجتماعي أنواع -ضـ ـوا ط -آثاره ومعوقات ،د ارس ــة قرآنية موض ــوعية ،م كرة ماجس ــتير في التفس ــير
وعلوم القرآن ،الجامعة اإلسالمية ،غزة ،1166 ،ص .9
-2عصام سليمان الموسى ،المدخم في االتصال الجماهيري ،مكتبة الكتاني ،إربد ،6999 ،ص .11
-3المرجع نفس ،ص .11
-4محمود حسن إسماعيم ،مبادئ علم االتصال ونظريات التأثير ،الدار العالمية للنشر والتوزيع ،1111 ،ص .11
-5ماجد رجب العبد سكر ،مرجع سابق ،ص .9
-6محمود حسن إسماعيم ،مبادئ علم االتصال ونظريات التأثير ،مرجع سابق ،ص .19
10
االتصـ ـ ـ ــال في داللته إشـ ـ ـ ــارة إلى عملية اإلرسـ ـ ـ ــال أو التبادل للمعلومات واإلش ـ ـ ـ ــارات وغيرها ،وال ي
تحد بين مرس ـ ــل ومس ـ ــتقبل عبر قناة هدف إحدا التأثير ،أما التواص ـ ــل فهو يدل على عملية تتم
بين طرفين لكل منهما وعي ومشاعر وأحاسيش والهدف هنا هو بنا عالقة.
االتصال = عملية (مرسل/رسالة/قناة/متلقي)...../
التواصل = عملية (مرسل/رسالة/قناة/متلقي + )...../عالقة
وهذا ما يعود بنا إلى االتجاهين اآللي والتفاعلي-االجتماعي لالتصال
ومن هنـا جـا تمييب بعض البـاحثين بين مفهومي االتص ـ ـ ـ ــال والتواص ـ ـ ـ ــل على اعتبار أن األول يركز
على الجوانب اآللية للعملية ويحص ـ ــر اإليجابية على المرس ـ ــل كطرف أس ـ ــاسـ ـ ـ ي ومهيمن (التأثير) ،في
حين أن مدلول التواص ــل :يعني المشـ ــاركة أو االتص ـ ـال ذهابا وإيابا والتفاعل أي إيجابية الطرفين في
ذات الوق ..لهذا يفضـل الكثير من الباحثين لف التواصل على االتصال في إشارة إلى تغليب الجاني
االجتماعي التفاعلي على الجوانب التقنية المرافقة للعملية كاإلرسال واالستقبال.
11
الخالصة
االتص ـ ـ ـ ــال بمعنــاه التفــاعلي-االجتمــاعي هو :عمليــة معقــدة وهــادفــة ،تتض ـ ـ ـ ــمن نقــل وتبــادل
المعلومات والتأثيرات بين طرفين فأكثر باســتخدام شـ ى الوســائل وبلغة مناســبة ،ــمن نســ،
أو وسـ ـ ــط اجتماعي معين ،هدف تحقي ،أغراض مادية ومعنوية للفرد والجماعة ،فالعملية
االتص ـ ــالية حينما تتم بين طرفين ال تحد في فراغ ،بل تتض ـ ــمن عناص ـ ــر متعددة تتكامل
وتتفاعل مع بعض ـ ــها ،بحيث يكون لكل عنص ـ ــر وظيفته في حدو االتص ـ ــال ونجاحه وهذه
العناصر على سبيل المثال:
أطراف االتصال-المرسل والمستقبل،
مو وع أو محتوا االتصال،
وسيلة االتصال شفوية أو كتابية أو مصورة،
الفهم ويتضمن المعرفة والوعي ألبعاد وأهداف وآثار العملية االتصالية،
الهدف من االتصـ ـ ـ ــال المتمثل أس ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــا في تحقي ،التفاعل اإليجابي بين أطراف
االتصال،
االس ـ ــتجابة أورد الفعل ال ي تظهر من خالل عمل كل طرف في العملية االتص ـ ــالية
بغض النظر عن طبيعة التنظيم االجتماعي أو االقتصــادي أو الســياس ـ ي الذي يمثل بيئة
العمل أو التفاعل.
12
قــال أبو بكر عبــد القهــار بن عبــد الرحمــان الجرجــاني النحوي في مقــدمــة كتــابــه أس ـ ـ ـ ـرار البالغــة في
علم البيان:1
"اعلم أن الكالم هو ال ــذي يعطي العلوم منــازلهــا ،ويبين مراتفهــا ،ويكش ـ ـ ـ ــف عن ص ـ ـ ـ ــورهــا ،ويجني
ف
ص ــنوف ثمرهاـ ـ ـ ـ ـ ـ ويدل على س ـرائرها ،ويبرز مكنون ــمائرها ،وبه أبان الله تعالى اإلنس ــان من س ــائر
الحيوانَّ ،
ونبه فيه على عظم االمتنان فقال عز من قائل في سورة الرحمن ،اآلية :4-1
يؤدي إلى فهمه بســهولة .من مما ل وقد سـ لـمي .البالغة هذا االســمّ أل ل ها تنشي المعنى إلى قلب المســتمع ل
وحس فن بيانه2. مصادر اشتقاق الكلمة أيضا الفعل الثالثي فب ُل ف بالغة فهو بلي ،أي فصل لسانه ُ
-1عبـد القيــار عبـد الرحمــان الجرجـاني ،أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرار البالغـة في علم البيـان ،تحقيق عبــد الحميـد هنــداوي ،ط ،6دار الكتــب العلميـة ،بيروت،
.1116
-2قاموس ومعجم المعاني ،على ال ار ط االلكتروني/ https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar :
13
ف فف ف ُ
وتعرف البالغة لغة أيضــا بأ ل ها الوصــول واالنتها إلى الشـ ي ،مثل قوله تعالى :ف"ول َّما فبل أش ـ َّد ُه" ،أي
بمعنى وصل ،وبل التاجر السوق أي وصل التاجر السوق ،ومبل الش ي منتهاه.
فالبالغة ل
تدل في اللغة على إيصـ ــال معنى الخطاب كامال إلى المتلقي ،سـ ــوا أكان سـ ــامعا أم قارئا،
كما لأن اإلنسـ ـ ــان يوصـ ـ ــف بأنه بلي حين يكون قادرا على إيصـ ـ ــال المعنى إلى المسـ ـ ــتمع ب يجاز ولديه
القدرة على اإلقناع بواسطة كالمه وأسلوبه.
أمــا في اللغــة األجنبي ــة فنجــد لهــا مقــابال كلمــة rhétoriqueوعي علم وفن الفعــل الخطــابي على
العقول La rhétorique est à la fois la science et l’art de l’action du discours
sur les esprits.
وعي كلمة مشــتقة من الالتينية Rhétoriqueالمســتعارة من اإلغريقية القديمة (rhêtorikê
) tekhnêوال ي تعني التقنية والفن الخطابي ) ،(technique/ art oratoireلهذا ترتبط البالغة
كثيرا بالخطابة واالتصـ ـ ـ ــال اللفظي المواجشي (االتصـ ـ ـ ــال اللفظي المباشـ ـ ـ ــر) .لهذا تعرف البالغة من
االشتقاق اللغوي على أ ها نظرية الكالم المرتبط بممارسة خطابية.
البالغة اصطالحا:
ُ
تعرف البالغة بأ ها "مطابقة الكالم الفصـ ـ ـ ــيح لمقتض ـ ـ ـ ـ ى الحال ،أو فس ـ ـ ـ ـوق الكالم الفصـ ـ ـ ــيح على
ل
مقتض ـ ـ ـ ـ ى الحـال بحس ـ ـ ـ ــب المقـامـات ،كمـا لأن البالغـة ال تكون وص ـ ـ ـ ـفـا للكلمـة أو المتكلم ،إ لنما تكون
وصفا للكالم".1
ل
وتحمل البالغة معاني كثيرة في ألفاظ قليلة ،فالبالغة كلمة تسـ ـ ـ ــتخدم لتكشـ ـ ـ ــف عن بقية الكالم
ب يجاز وإيص ـ ــال للمعنى ،والبالغة أيض ـ ــا تكون ـ ــد ال لي ،وال لي هنا معناه ال جز عن البيان .وعليه،
تقوم البالغــة اص ـ ـ ـ ــطالحــا على تــأديــة المعنى الجليــل بعبــارة ص ـ ـ ـ ــحيحــة (اللف والمعنى) ،يكون لهــا في
النفش أثر خالب ،مع مالئمة للكالم في كل موقع يقال فيه.2
-1الخطيب القزويني ،اإليضاح في علوم البالغة المعاني والبيان والبديع ، ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،د-ت ،ص .66
-2علي الجارم ،مصفى أمين ،البالغة الواضحة ،ط ،6مؤسسة الكتب الثقافية للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت ،1119 ،ص .9
14
أورد ابن رش ـ ـ ـ ــي ،القيرواني (ت 911ه) في كتـابـه العمـدة طـائفـة من أقوال البلغا في تحديد داللة
لف البالغة ،فقال :س ـ ــئل بعض البلغا ما البالغة؟ فقال "قليل ُيفهم وكثير ال ُيس ـ ــأم" ،وس ـ ـئل آخر
فقال "معان كثيرة في ألفاظ قليلة" ،وقال الخليل بن أحمد "البالغة كلمة تكش ــف عن البقية" ،وقال
المفض ـ ـ ـ ــل الض ـ ـ ـ ــيي "قلـ .ألعرابي ما البالغة؟ فقال اإليجاز من غير جز ،واإلطناب من غير خطل"،
وقال آخر "البالغة معرفة الفصل من الوصل" وقيل "البالغة حسن العبارة مع صحة الداللة".1
من جهتـه ،أورد الجاح في كتابه البيان والتبيين جملة من التعاريف لمن س ـ ـ ـ ــبقه من البالغيين،
وقد عرف البالغة بأ ها اسـ ـ ــم جامع لمعان تجري في وجوه كثيرة ،فمنها ما يكون في السـ ـ ــكوت ،ومنها ما
يكون في االسـ ــتماع ،ومنها ما يكون في اإلشـ ــارة ،ومنها ما يكون في االحتجاج ،ومنها ما يكون جوابا ،ومنها
ما يكون ابتدا ،ومنها ما يكون ش ـ ــعرا ،ومنها ما يكون س ـ ــجعا وخطبا ،ومنها ما يكون رس ـ ــائل .ل
فعامة ما
يكون من هذه األبواب الوحي فيها ،واإلشـارة إلى المعنى ،واإليجاز ،هو البالغة .2وأ اف بأن الكالم ال
يســتح ،اســم البالغة ح ى يســاب ،معناه لفظه ،ولفظه معناه ،فال يكون لفظه إلى ســمع أســب ،من
ُ
معناه إلى قلب .3واختصــا القلب هنا مقصــود أريد به إبراز حالوة الكالم واســتباق اللف والمعنى
ووص ـ ــولهما س ـ ــويا -مع حر كل منهما على الوص ـ ــول قبل اآلخر-إيما ة ذكية للموازنة الدقيقة بينهما
في الجودة والنفاذ والسـ ــرعة ،فاألسـ ــماع واألفئدة ال تسـ ــتقبل بسـ ــرعة إال ما جاد وراق وحسـ ــن .4وهو
ُ
المعنى الـذي ذهـب إليـه أبو الهالل العس ـ ـ ـ ــكري بـأن البالغـة س ـ ـ ـ ــميـ .بالغـة أل ها تنشي المعنى إلى قلب
السامع فيفهمه.5
-1ابن رش ــيق القيرواني ،العمدة في محاس ــن الش ــعر وآدا ونقده ،تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ،ط ،1دار الجيم ،بيروت،6996 ،
الجزء ،6ص ص .191-191
-2عمرو بن حر الجاحظ ،البيان والتبيين ،تحقيق محمد عبد السالم هارون ،ط ،6919 ،1ج ،6ص ص .661-661
-3المرجع نفس ،ص .661
-4محمد جابر فيار ،البالغة والفصاحة لغة واصطالحا ،ط ،6دار المنارة للنشر والتوزيع ،جدة ،6999 ،ص .11
-5الحس ــن بن عبد الل بن س ــيم أبو هالل العسـ ــكري ،الص ــناعتين ،تحقيق علي محمد البجاوي إمحمد أبو الفضـ ــم إب ار يم ،ط ،6مطبعة
عيسى البابي الحلبي وشركاه ،القاهرة.6911 ،
15
ويرا ابن المقفع أن البالغة عي اإلجادة المتمثلة بمراعاة ما يقتض ــيه الحال ويتطلبه في الس ــكوت
واالســتماع ،واالبتدا والجواب ،واإليجاز واإلطالة ،وغير ذل .وقد نص صـراحة على إعطا كل مقام
حقه ومراعاة ما يجب من سياسة ذل المقام.1
ف
البالغة إذن عي مطابقة الكالم لمقتض ـ ى حال من ُيخاطب به مع فص ــاحة مفرداته وجمله ،فكلما
ـكـان الكالم مع فص ـ ـ ـ ــاحــة مفرداتــه وجملــه أكثر مطــابقــة لحــال املخــاطــب وتــأثيرا في نفس ـ ـ ـ ــه ،ـكـان اعلى
حسنا وأرفع منبلة من مراتب البالغة ودرجاتها .وعليه ،يشترط في الكالم البلي شرطان:
-الشرط األول :أن يكون فصيح المفردات والجمل،
ف ف
-الشرط الثاني أن يكون مطابقا لمقتض ى حال من ُيخاط ُب به.2
واستخدم مصطلل البالغة عند العرب بمفاهيم معان ستة:3
-6استعمال عام مفاده مجرد الحديث اللغوي،
-1استعمال فيبيولوجي فكري يتمثل في االنسجام الزمني بين الدوال والمدلوالت،
-1استعمال منطقي لساني يهدف إلى اإلقناع،
-9استعمال لغوي نفس ي هدفه التأثير،
-1اسـ ـ ــتعمال أسـ ـ ــلوبي يدور حول تضـ ـ ــمن الكالم لخصـ ـ ــائص تمييبية يتحول ها من مجرد
رسالة لسانية إلى مادة من الخل ،الفني،
-1استعمال اللساني يتمثل في تنويع األدا كالسكوت واإلشارة وغيرهما
امتد استخدام كلمة بالغة من املجال التعبيري الخطابي (نثرا وشعرا في اللغة العربية) إلى مجاالت
أخرا كبالغة الصورة وبالغة النص النصو
الرقمية.
محمد العمري فقد أجمل دالالت مصطلل البالغة عند الجاح في ثالثة محاور أساسية: أما ل
ل
التعليميّ أي إظهار األمر على وجه اإلخبار قصد اإلفهام. ل
المعرفي -املحور اإلخبار لي
-1محمد جابر فيار ،البالغة والفصاحة لغة واصطالحا ،مرجع سابق ،ص .11
-2عبد الرحمان حسن حنبكة الميداني ،البالغة العربية أسسيا علوميا وفنونيا ،ص .619
-3مس ـ ـ ــعود بودوخة ،اهس ـ ـ ــس التواص ـ ـ ــلية في البالغة العربية ،مجلة العلوم االجتماعية ،العدد ،11جوان ،1161ص ص ،19-99ص
.99
16
-واملحور التأثيريّ بتقديم األمر على وجه االستمالة وجلب القلوب.
ل
الحجاجيّ وعي إظهار األمر على وجه االحتجاج واال طرار. -واملحور
أمــا في الثقــافــة الغربيــة ،فتتــأرالل البالغــة بين ثالثــة دالالت كبرا لم تبتعــد كثيرا عن مثيالتهــا في
اللغة العربية وعي:
وآلياته. سطي الذي ل
يخصصها ملجال اإلقناع ل -المفهوم األر ل
ل
األدبي الذي يجعلها بحثا في صور األسلوب. -والمفهوم
ل
النسقي الذي يس ى لجعل البالغة علما أعلى يشمل التخييل والحجاج معا -والمفهوم
17
نشأة البالغة وتطورها عند العرب
نشـ ـ ـ ــأت الثقافة العربية في تربة البيان من نص وشـ ـ ـ ــعر ،وكان .األحكام النقدية للبالغيين األوائل
عبارة عن مالحظات نابعة من غريزة وتذوق اهتم .بحسن الصياغة وسالمة العبارة وإصابة المعنى،
وقـد زادهـا نزول القرآن نض ـ ـ ـ ـجـا ونبـاغـة .ثم بــدأت مرحلـة جـديـدة من مراحـل تطور الـدرس البالغي في
القرن الثالث ال جري مع الجاح تحديدا تبلور فيها علم البالغة كعلم مستقل له أصوله وقواعده،
ليصــل في مرحلة متقدمة إلى مرحلة التعليل والتفســير والقياس والبرهان واالســتدالل متأثرا بثقافات
األمم األخرا خاصة اليونانية (العقل البرهاني أكثر من العقل البياني).
وقد حدد البختاوي ثالثة مراحل مرت ها البالغة العربية:1
مرحلة النش ـ ـ ــأة :في بداية أمرها عكف .البالغيون على المالحظات النقدية والبالغية اليس ـ ـ ــيرة
ال ي كان .تدور في فل حس ـ ــن التركيب اللفظي أي ما يتعل ،بتركيب األلفاظ بقص ـ ــد تحس ـ ــين
المعاني.
مرحلة التطور :عني في هذه المرحلة بدراسة العلوم األخرا (لغوية ودينية وفلسفية ونقدية).
مرحله التخصص والتصنيف والمن جية في البحث البالغي العربي.
البالغة في العصرالجاهلي
عرف العرب بالفص ـ ـ ــاحة والبالغة وحس ـ ـ ــن البيان وقد بلغوا في الجاهلية درجة رفيعة من البالغة
والبيـان وقـد ص ـ ـ ـ ـ لـور القرآن ذلـ في آيـات عـديـدة وقولـه تعـالى (ومن النـاس من ي جب قوله في الحياة
الدنيا) كما وضل القرآن شدة قوتهم في الجدال والحجاج.
-1عماد محمد محمود البختاوي ،مناهج البحث البالغي عند العرب ،د ارسـ ـ ــة في اهس ـ ـ ــس المعرفية ،ط ،6دار الكتب العلمية ،بيروت ،ص
.11
18
ولم يكن مفهوم البالغة في العصـ ـ ـ ــر الجاهلي منصـ ـ ـ ــرفا إلى مجرد الوصـ ـ ـ ــول واالنتها بل انصـ ـ ـ ــرف
معنـاهـا إلى الحـذق والمهـارة واإلص ـ ـ ـ ــابـة واإلجـادة والتمكن .1وقـد كـان الجـاهليون بطبيعتهم الش ـ ـ ـ ــعريـة
األص ـ ــيلة يس ـ ــتحس ـ ــنون بعض األس ـ ــاليب البالغية ويس ـ ــتخدمو ها في كالمهم (ش ـ ــعرا أو نثرا) دون علم
بمص ـ ــطلحاتها ،وأبرز ش ـ ــاهد على ذل ما كان يدور في أس ـ ــواق العرب وأنديتهم من حوار أدبي ،وكيف
كان الش ــعرا يفدون على زهير بن أبي س ــلمى في س ــوق عكاظ وينش ــدون أمامه أش ــعارهم ليحكم بينهم
متفاخرين بما في شــعرهم من أســاليب التشــبيه واملجاز بأنواعه ،وكيف كان زهير يقض ـ ي لهذا أو ذاك
على غيره من الشعرا ألنه أجاد التشبيه أو االستعارة أو الكناية.2
ومن أكبر الدالئل على أ هم بلغوا في البالغة درجة عالية رفيعة أن كان .م جزة الرســول صــلى الله
عليــه وس ـ ـ ـ ــلم وةجتــه الــدالــة على نبوتــه القرآن ،حيــث دعــاهم إلى معــار ـ ـ ـ ـتــه وتحــداهم بــأن يــأتوا في
بالغته الباهرة ،وعي بال شـ ـ دعوة تدل بو ـ ــوح على تمكنهم ورسـ ــوغ قدمهم في البالغة والبيان .وقد
وصـ ـ ـ ــف الجاح العرب بالبالغة والفصـ ـ ـ ــاحة وقدرتهم على القول في كل عرض حيث يقول "والكالم
كالمهم وهو سـ ــيد عملهم قد فاض به بيا هم وجاد به صـ ــدورهم" ،فالعرب في جاهليتهم كان .لديهم
ملكة فنية اس ـ ـ ــتطاعوا من خاللها معرفة الكالم وتمييب جيده من رديئه ،فقاموا –حس ـ ـ ــب ابن األثير
فيما أورده في كتابه المثل الســائر ب ص ــالح ألفاظهم وتحس ــينها وترقي ،حواش ــيها وص ــقل أطرافها ليش
عناية باللف فقط بل خدمة منهم للمعاني.3
عصر صدراإلسالم وارتباط البالغة العربية بالنص القرآني
ظل .معاني الحذق واإلص ـ ــابة واإلجادة والتمكن لص ـ ــيقة بالبالغة ،إال أن هذه األخيرة قد ازدهرت
بش ــكل كبير بعد نزول القرآن الكريم ،حيث وجد فيه العرب أس ــلوبا مغايرا ألس ــاليفهم ،وفص ــاحة لم
تحدا بالغة العرب ال ي كان .مو ـ ـ ـ ــع فخرهم يرق إلى مثلها بشـ ـ ـ ــر ،وبالغة لم يوصـ ـ ـ ــف بمثلها كالم .ل
-1محمد جابر فيار ،البالغة والفصاحة لغة واصطالحا ،ط ،6دار المنارة للنشر والتوزيع ،جدة ،6999 ،ص .11
-2عبد العزيز عتيق ،في البالغة العربية :علم البديع ،دار النيضة العربية ،بيروت ،ب .ت ،ص .9
-3ضياء الدين بن اهثير ،المثم السائر في أدب الكاتب والشاعر ،ج ،6دار النيضة ،القاهرة ،ب ت ،ص .11
19
ُ ف ف ف ُ وزهوهم بقولــه تعــالى ْ ُق ـل فل ْجن اج فت فم فع ـ ْ .اإلن ُ
ش فوال ْج َن فعلى أن في ـأتوا ْب ْمث ـ ْل هــذا ال ُقر ْآن ال في ـأتون ْب ْمث ْل ـ ْه ْ ْ
ف فف ف ف ُُ ف
ض ظ ْهيرا] (سورة اإلسرا ،اآلية .)88 ولو كان بعضهم ْلبع ٍ
لهذا تمحورت حوله الدراس ـ ــات نحوا وص ـ ــرفا وبالغة ونقدا ،ورأا الدارس ـ ــون أن فيه إ جازا يجب
التطرق إلى حقيقته ،وإيجازا يجب الوقوف على أسـ ـرارهّ فكان هذا ل ل
التعرف إلى أص ــوله ،ومجازا يجب
البي ــان السـ ـ ـ ـ ــاطع ح ــافزا لل ــدراسـ ـ ـ ـ ــات البالغي ــة ال ي ك ــان القرآن مو ـ ـ ـ ــوعه ــا الوحي ــد .ولم تكن ه ــذه
الدراسات مطلبا تعليميا بقدر ما كان .مطلبا دينيا للذود عن الدين وفضل أ اليل خصومه.
ولم تخرج بالغة الرسـ ــول –عليه الصـ ــالة والسـ ــالم-عن دائرة القرآن الكريم ،فكان .معاني بالغته
مس ـ ــتمدة من إلهام من الله تعالى ،وكان –عليه الص ـ ــالة والس ـ ــالم -قد أكد أهمية البيان والتبلي وهو
القائل "إن من البيان لسحرا ،وإن من الشعر لحكما".1
ولم يرد لف البالغــة في القرآن الكريم وال في الحــديــث النبوي الش ـ ـ ـ ــريف ،مع ورود غير قليــل من
مش ـ ـ ـ ــتقــات المــادة اللغويــة البــا والالم والغين فيهمــا .فقــد نعــ .القول بــالبلي في قولــه تعــالى ُْأ فولئ ـ ف
ْ
ف ف ُ َّ ف ف ُُ َّ ف ف َّ
ين فيعل ُم الل ـ ـ ُه فم ـ ـا ْفي قلو ْ ْهم ف ـ ـأع ْرض فعن ُهم فو ْعظ ُهم فوق ـ ـل ل ُهم ْفي أ ُنف ْس ـ ـ ـ ـ ْهم قوال فب ْليغ ـ ـا] (س ـ ـ ـ ــورة ال ـ ـ ْذ
النسـا .)33وقد جا بمعنى قوال بليغا في أنفسـهم مؤثرا في قلو هم يغتمون به اغتماما ويستشعرون
منه الخوف اســتشــعارا .2فالقول البلي هو القول المتميب بنضــجه واكتماله ونفاذه المؤثر في سـامعه
وقارئه.
وعليه أخذ علما اللغة بعد اإلسـ ــالم يهتمون غاية االهتمام بعلم البالغة ليسـ ــتعينوا به في المقام
األول على معرفة أسـرار اإل جاز في القرآن الكريم ،يقول في ذل أبو هالل العســكري أن أح ،العلوم
بـالتعلم وأوالهـا بـالتحف –بعـد المعرفـة بـاللـه جـل ثنـا ه-علم البالغـة ،ومعرفـة الفص ـ ـ ـ ــاحـة الـذي به
20
يعرف إ ج ــاز كت ــاب الل ــه تع ــالى ...وق ــد علمن ــا أن اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان إذا أغف ــل علم البالغ ــة وأخ ــل بمعرف ــة
الفصاحة لم يقع علمه ب جاز القرآن.1
والشـ ـ ـ أن للقرآن تأثير عظيم في نش ـ ــأة البالغة وتطويرها فقد عكف العلما على دراس ـ ــته وبيان
أس ـ ـ ـ ـرار إ جازه ،واتخذوه مدارا للدرس البالغي فاتخذوا آياته ش ـ ـ ـ ــواهد على أبواب البالغة واعتبروها
مثاال يحتذا في جمال النظم ودقة التركيب .وفضـ ـ ــال عن كونه نموذج البالغة واإل جاز ،ف ن القرآن
الكريم مبني في أساسه على الحجة والبرهان وقد نحا بذل بالبالغة نحو التعليل واعتماد الحجة.
وقـ ــد ظلـ ــ .وفود العرب تختلف في عهـ ــد الخلفـ ــا الراشـ ـ ـ ـ ـ ــدين إلى المـ ــدينـ ــة وتجمعهم أنـ ــديتهـ ــا
فيخو ـ ـ ـ ــون في شـ ـ ـ ــعرا الجاهلية والشـ ـ ـ ــعرا واملخضـ ـ ـ ــرمين وينظرون في الشـ ـ ـ ــعر والخطب ويجرون
المفا الت بين الشعرا والخطبا وقد كان الخلفا يخو ون في ذل ولهم مشاركات في النقد.
عصر بني أمية
بعد اتس ـ ــاع رقعة الدولة اإلس ـ ــالمية ودخول الناس في دين الله أفواجا اختلط .األجناس العربية
بغيرهـا من فرس واختلطـ .بأجناس من الهند وغيرهم من الوافدين على الدولة اإلس ـ ـ ـ ــالمية من تجار
ودارسين ،وتنوع .روافد الفكر من اتجاهات أدبية أو فلسفية أو عقدية.
وقد كثرت المالحظات النقدية في عصـ ـ ــر بني أمية كثرة عظيمة عمل .فيها بواعث وأسـ ـ ــباب كثيرة
منهــا تحض ـ ـ ـ ــر العرب واس ـ ـ ـ ــتقرارهم في المــدن واألمص ـ ـ ـ ــار ،واالحتكــاك بــالثقــافــات األخرا (الترجمــات)
وازدهــار العلوم ورقيهــا ممــا أدا إلى ريي الحيــاة العقليــة لةمــة اإلس ـ ـ ـ ــالميــة ،حيــث أخــذوا يتجــادلون في
جميع ش ـ ـ ـ ــؤو هم الس ـ ـ ـ ـي ــاس ـ ـ ـ ـي ــة والعق ــدي ــة ،و ـك ــان طبيعي ــا أن ينمو النظر في بالغ ــة الكالم وأن تكثر
المالحظات البيانية المتص ــلة بالكالم ال في مجال الخطابة والخطبا فحس ــب ،بل وفي مجال الش ــعر
والشعرا .
-1عبد العزيز عتيق ،في البالغة العربية :علم البديع ،دار النيضة العربية ،بيروت ،ب .ت ،ص .61
21
كمـا نش ـ ـ ـ ـطـ .في هـذا العص ـ ـ ـ ــر حركة النقد س ـ ـ ـ ــوا في مجال مجالش الخلفا والوالة أو في األندية
األدبية ،كس ــوق المربد في البص ــرة وس ــوق الكناس ــة في الكوفة ،حيث كان الش ــعرا يجتمعون في هذه
األسواق لينشدوا الناس خير ماصاغوه من الشعر.
وقد نم .خالل العصـ ــر األموي مؤهالت البالغة العربية وتوسـ ــع .طاقات اللغة العربية جرا ما
سـب ،من أســباب ،إلى جانب ســبب آخر وهو الصـراعات الســياســية ال ي كان .الســبب الرئيش في بروز
الخطابة كفن للتوجيه واإلقناع جمع .بين الوع والسياسة.1
البالغة في العصرالعباس ي
اهتمــ .الــدولــة العبــاس ـ ـ ـ ـيــة بتــأس ـ ـ ـ ــيش الــدولــة على الوجــه الــديني ،ومن مس ـ ـ ـ ــوغــات قيــام دولــة بني
العباس أن تقدم شـيئا جديدا للناس على غير ما كان في العصر األموي ،فكان .الدراسات ال ي تخدم
القرآن الكريم في لغته وتفس ــيره ومجازه ،إلى غير ذل من دراس ــات اإل جاز القرآني .وفي ــو مجمل
هــذه الظروف ،2ظهرت أبرز اتجــاهــات البالغــة العربيــة منــذ القرن الثــالــث لل جرة وح ى هــايــة القرن
الخامش ال جري وكان .تتمثل في:
.1اتجـاه األدبـاو والنقـاد :وهو اتجاه يدور حول النص األدبي ،س ـ ـ ـ ــوا من ناحية تقويمه وتحليل
ظواهره الفنية كالنقد ،أو من ناحية التأريخ له كتاريخ األدب ،أو من ناحية شـ ـ ــرحه وتفسـ ـ ــيره
كعلم األدب .ولعــل أبرز مظــاهر تــأثير هــذا االتجــاه من مراحــل حيــاة البالغــة العربيــة يتمثــل في
موسـ ـ ــوعة الجاح "البيان والتبيين" الذي كان مشـ ـ ــحونا بكثير من مو ـ ـ ــوعات البالغة ال ي
وزعهـا بين س ـ ـ ـ ــطوره ،فكـان بذل خيرة المص ـ ـ ـ ــادر في بحث البالغة في تل المرحلة ،إلى جانب
مجموعــة من المؤلفــات أهمهــا :كتــاب قــدامــة بن جعفر "نقــد الش ـ ـ ـ ــعر" الــذي يعتبر من أهم
الكتـب في تــاريخ النقــد العربي والبالغــة العربيــة ،حيــث أبرز فيــه نمــاذج تــأثير الثقــافــة اليونــانيــة
-1بوعافية محمد عبد الرزاق ،البالغة العربية في ضـ ـ ـ ـ ـ ــوء البالغة الجديدة من خالل مشـ ـ ـ ـ ـ ــروس محمد العمري ،م كرة ماجسـ ـ ـ ـ ـ ــتير في النقد
المعاصر وقضايا تحليم الخطاب ،كلية اآلداب واللغات ،جامعة محمد لمين د اغين ،سطيف ،1161 ،ص .16
-2سـ ـ ـ ـ ـ ــالمة جمعة العجالين ،اتجاهات البالغة في القرنين السـ ـ ـ ـ ـ ــادس والسـ ـ ـ ـ ـ ــا ع اليجريين ،أةروحة دكتوراه في اللغة العربية ،جامعة مؤتة،
اهردن ،1119 ،ص .9
22
على النقـد والبالغـة العربيين ،1وكتـاب " الموازنـة" لآلمــدي ،وكتـاب "الوس ـ ـ ـ ــاطـة" لعلي بن عبــد
العزيز الجرجاني وكتاب " الصناعتين" ألبي هالل العسكري.
.2اتجــاه النيويين واللغويين :قــام اللغويون والنحويون بــدور هــام في طرح القض ـ ـ ـ ــايــا البالغيــة
األدبي ــة ،و ـك ــان األولى من خالل اس ـ ـ ـ ــتنب ــاطهم لقواع ــدهم ومب ــادبهم اللغوي ــة من النص ـ ـ ـ ــو
اهتمامهم األس ـ ــاسـ ـ ـ ي رواية النص ـ ــو الش ـ ــعرية والنثرية واس ـ ــتنباط القواعد اللغوية منها إلى
جانب اسـ ـ ـ ــتعرا ـ ـ ـ ــهم لبعض الجوانب األسـ ـ ـ ــلوبية والتعبير في هذه النصـ ـ ـ ــو .ومن ثم فقد
تنــاثرت هنــا وهنــاك عبر مؤلفــات هؤال اللغويين بعض األفكــار والمالحظــات البالغيــة العــامــة
من أمثال األصم ي وثعلب والمبرد والفرا وغيرهم.2
.3اتجـاه دراس ـ ـ ـ ــات اإل جـا القرآني :ويقص ـ ـ ـ ــد به مجموعة العلوم ال ي اهتم .بالنص القرآني
الكريم ،سـ ـ ــوا من ناحية شـ ـ ــرحه وتفسـ ـ ــيره كعلم التفسـ ـ ــير ،أو من ناحية بيان وجوه إ جازه
كعلم الكالم ،والصـ ــلة بين علم التفسـ ــير والبالغة واضـ ــحة ومنطقية ،بل أن قضـ ــية اإل جاز
القرآني في األساس قضية بالغية.3
.4اتج ــاه ا ده ــار ال ــدراس ـ ـ ـ ـ ــات البالغي ــة :في ه ــذا االتج ــاه من مراح ــل تطور الت ــأليف البالغي،
اســتقرت البالغة العربية على صــورتها األخيرة ال ي ال تزال إلى اليوم ،فتبلورت علما مسـتقال له
أص ـ ــوله وقواعده العلمية الخاص ـ ــة ،وله مباحثه وقض ـ ــاياه المتميبة ،وله في الوق .ذاته كتبه
ومؤلفاته المستقلة.
وأخذت المالحظات البالغية تزدهر ازدهارا عظيما في هذا العص ـ ــر وتص ـ ــطب بص ـ ــبغة علمية وقد
كان لذل أسـ ــباب عديدة منها ما يعود إلى تطور النثر والشـ ــعر مع تطور الحياة العقلية والحضـ ــارية،
ومنها ما يعود إلى نشـ ـ ـ ــو طائفتين من المعلمين عني .إحداهما باللغة والشـ ـ ـ ــعر وعي طائفة اللغويين
والنحويين ،وعنيــ .األخرا بــالخطــابــة والمنــاظرة وإحكــام األدلــة وعي طــائفــة علمــا الكالم (المعتبلــة
-1زايد علي عشري ،البالغة العربية ،تاريخيا ،مصادرها ومناهجيا ،مكتبة الشباب ،6999 ،ص .69
-2المرجع نفس ،ص ص .16-11
-3زايد علي عشري ،مرجع سابق ،ص ص .69-61
23
واألشــاعرة على ســبيل المثال) ،خاصــة مع ظهور الفرق الدينية واألحزاب الســياســية ،فظهرت مســائل
عدة ثار حولها الخالف وكثر الجدال (اآليات المتشا هات ،املجاز وتأويل المتشابه.)...
وقد أفرزت النهضة الفكرية والعلمية في هذه الفترة لونين خطابيين هما:
.1خطـابـة الجـدل والمنـاظرة فيمـا بين زعمـا الملـل والنحـل ،وفيمـا بين النحـاة والمنـاطقـة ،وفيما
بين الفالسفة والمتكلمين،
.2الخطابة التعليمية متمثلة في الدروس ال ي كان يلقيها العلما في مختلف العلوم آنذاك.
ويؤكـد الـدكتور طـه حس ـ ـ ـ ــين ذلـ بقولـه أن مس ـ ـ ـ ــاجد الكوفة والبص ـ ـ ـ ــرة لم تكن في تل األثنا مجرد
أمكنة يتعبد فيها المسـ ـ ـ ــلمون ويفصـ ـ ـ ــل في قضـ ـ ـ ــاياهم ،بل كان .فوق ذل مدارس يغشـ ـ ـ ــاها العلما
لت ــدريش اللغ ــة والنحو والح ــدي ــث والفق ــه ...وزعم ــا األحزاب الس ـ ـ ـ ـي ــاس ـ ـ ـ ـي ــة والفرق ال ــديني ــة للج ــدل
والمناظرة .وكان يجلش إلى هؤال جميعا أفنا من الناس من بين مس ــلم ويهودي ونص ـراني ومجوس ـ ي،
ومن ببين عربي وأ جمي ...وال ش ـ ـ ـ أن من يتص ـ ـ ــدا للكالم امام هؤال ينبني أن يكون موفور الح
من و وح العبارة وظهور الحجة وخفة الروح والقدرة على اإلفهام.1
لقد كان .الخطابة فاعلة في حياة املجتمع العربي اإلسـ ـ ـ ــالمي على المسـ ـ ـ ــتويات االجتماعي والديني
والس ـ ـ ـ ـيــاس ـ ـ ـ ـ ي والعس ـ ـ ـ ــكري والعلمي ،و ـك ـانــ .ذات وظيفــة نفعيــة وغــايــة علميــة من تغيير في المعتقــد
وانتص ـ ـ ـ ــار لمـذهـب وحقن للـدمـا والتعليم واإلفهـام والتهـذيـب واإلص ـ ـ ـ ــالح ّ2وقـد أدت هذه األس ـ ـ ـ ــباب
مجتمعــة إلى نمو البحــث البالغي وإزهــاره وتطوره فكثرت المالحظــات البالغيــة بــد ا بس ـ ـ ـ ــيبويــه وانتهــا
ب مام البالغيين عبد القاهر الجرجاني الذي اكتمل ص ـ ــرح البالغة على يديه فو ـ ــع أص ـ ــولها وأرسـ ـ ـ ى
قواعده ح ى غدت البالغة علما مستقال.
مراحل تطورالبيث البالغي عند العرب
-1ابن وهب ،البرهان في وجوه البيان ،تحقيق عبد الحميد العبادي ،المكتبة العلمية ،بيروت ،6991 ،ص .1
-2جميم عبد المجيد ،البالغة واالتصال ،مرجع سابق ،ص .619
24
بـدأ التـأليف في علوم البالغـة مع بـدايـة مرحلـة التـأليف في العلوم اإلس ـ ـ ـ ــالمية في منتص ـ ـ ـ ــف القرن
الثاني لل جرة ،وقد مرت البالغة عبر رحلتها الطويلة بثال مراحل:
25
اكتمل ص ـ ـ ــرح البالغة وبلغ .قمة نض ـ ـ ــجها في القرن الخامش جري على يدي اإلمام أبي بكر عبد
القاهر بن عبد الرحمان الجرجاني ،اإلمام النحوي وأحد علما الكالم ،وهو الذي و ـ ــع نظري ي علم
المعاني وعلم البيان في كتابيه "دالئل اإل جاز" و"أسرار البالغة".1
ثم جا محمود بن عمر الزمخشــري في القرن الســادس ال جري –وهو أحد علما االعتبال الكبار-
الذي قام بدراس ــة ما كتبه س ــلفه واس ــتطاع أن يهض ــم ما في الكتابين ويتمثلهما خير تمثيل وأن يطب،
ذلـ كلـه في كتـابـه "الكش ـ ـ ـ ــاف عن حقـائ ،التنبيـل وعيون األقـاويـل في وجوه التـأويل" ،الذي اهتم فيه
بيان األس ـ ـ ـ ـرار البالغية في القرآن ،وب ظهار إ جازه عن طري ،بيان وفا داللته على المراد مع مراعاته
مقتضيات األحوال ،ويكشف ما فيه من خصائص التصوير ولطائف التعبير في البيان القرآني.
وقد اسـ ـ ــتطاع الرجالن أن يضـ ـ ــعا ويكمال قواعد علم المعاني وعلم البيان ،ولم يتركا لمن بعدهما
إال فضل استقصا هذه القواعد عندهما وتنظيمها في كتاب يجمع كتفرقها ويضم منثورها.2
المرحلة الثالثة :مرحلة التقنين والتعقي ــد
تبــدأ هــذه المرحلــة بظهور س ـ ـ ـ ـراج الــدين أبو يعقوب يوس ـ ـ ـ ــف بن محمــد الس ـ ـ ـ ـكــاكي الــذي اهتم
بالفلسـ ـ ـ ــفة والمنط ،،فقام بتقنين قواعد البالغة مسـ ـ ـ ــتعينا في ذل بقدراته المنطقية على التعليل
والتعريف والتفريع والتقسـ ــيم في كتابه "مفتاح العلوم" الذي قسـ ــمه إلى ثالثة أقسـ ــام :علم الص ـ ـرف
وما يتص ـ ـ ـ ــل به من االش ـ ـ ـ ــتقاق بأنواعه ،علم النحو ،وأخيرا علم المعاني وعلم البيان وملحقاتهما من
البالغـة والفص ـ ـ ـ ــاحـة واملحس ـ ـ ـ ـنـات البـديعيـة اللفظيـة والمعنويـة .كما خص علوم المنط ،والعروض
لما لعلوم البالغة من عالقة ها. والقافية بمبحث خا
وبـذلـ تحولـ .البالغـة على يـديـه إلى مجموعـة قواعـد وقوانين ص ـ ـ ـ ــيغـ .في قوالـب منطقيـة جـافة
باعدت بينها وبين وظيفتها من إرهاف الحش وإمتاع النفش وتربية الذوق وتنمية الملكات.
-1عبد العزيز عتيق ،في البالغة العربية :علم البديع ،دار النيضة العربية ،بيروت ،ب .ت ،ص .11
-2عبد العزيز عتيق ،في البالغة العربية :علم البديع ،دار النيضة العربية ،بيروت ،ب .ت ،ص .11
26
وقد سـ ـ ــار السـ ـ ــكاكي على خطم فخر الدين الرازي وقد كان من أوائل الذين اتجهوا إلى االختصـ ـ ــار
والتخليص حيث اهتم ب دخال المنط ،والفلسـ ـ ـ ــفة في علوم البالغة ،وقام بتلخيص كتابي الجرجاني
في كتابه هاية اإليجاز في دراية اإل جاز.
وإذا أردنا أن نقارن ما كان .عليه البالغة العربية في عصــورها الزاهية وخاصــة في عصــر الجرجاني
وبين مــا ص ـ ـ ـ ــارت إليــه في العص ـ ـ ـ ــور المتــأخرة نرا أن البالغــة قــد ازدهرت واكتمــل ص ـ ـ ـ ــرحهــا وتو جــ.
ش ـ ـ ـ ــعلتهــا على أيــدي علمــابهــا األوائــل الــذين قــاموا بـ حيــابهــا وإرس ـ ـ ـ ــا معــالمهــا ،ثم جفــ .وذبلــ .وخبــ.
شعلتها على أيدي علما البالغة المتأخرين على يد السكاكي ومن سار على ن جه واحتذا حذوه.
نش ـ ـ ـ ــأت البالغــة الغرب،ــة إقنــاع،ــة محض ـ ـ ـ ــة ،وال عرف فيمــا قبــل الفترة الكوراكس ـ ـ ـ ـ،ــة (نس ـ ـ ـ ـبــة إلى
كوراكش) إال ش ـ ـ ـ ــذرات حول األص ـ ـ ـ ــل اللغوي ال،ونــاني لكلمــة ر طور . (Rhétoriké( ،یقول في ھــذا
الص ـ ــدد أول،فلي روبول Reboule Olivierأن البالغة -كما یؤكد ذل روالن بارت-نش ـ ــأت من قض ـ ــایا
الملك ،ــة ،ف ــالص ـ ـ ـ ـراع ــات ال ي نشـ ـ ـ ـ ــأت حول الملك ،ــة ال ي خلف ــا الغزو في ص ـ ـ ـ ــقل ،ــة لي ال ي دفع ــ.
كوراكش )(Coraxوتیس ـ ـ ـ ــ،اس ) (Tisiasإلى إیجاد طر قة تعل،م،ة في أس ـ ـ ـ ــال،ب المرافعة الس ـ ـ ـ ــترجاع
الحقوق .1
يمكن تمييب البالغة العربية عن الغربية من الزوايا التالية:
.6أن البالغــة العربيــة منــذ بــدايتهــا تتــأص ـ ـ ـ ــل في فرعين وهمــا الش ـ ـ ـ ــعر والنثر ،في حين أن البالغــة
الغربية نشأت خطابة فقط،
.1أن البالغــة العربيــة نش ـ ـ ـ ــأت بــاعتبــارهــا ملكــة للتواص ـ ـ ـ ــل إمتــاعــا وإقنــاعــا ،في حين أن البالغــة
الغربية كان .إقناعية وتعليمية بامتياز،
1
- Olivier Reboule ,La rhétorique, 1ere Edition ,Puf, Paris, 1986, p 9.
27
.1أن البالغـة العربيـة كـانـ .متواجـدة في الحيـاة العـامـة والخـاص ـ ـ ـ ــة ،بعكش البالغة الغربية ال ي
كان .مقتصرة لدا بداياتها على الحياة العامة فقط،
.9أن األس ـ ـ ــش اإلقناعية والش ـ ـ ــعرية في البالغة العربية كان .فطرية و ـ ـ ــمنية في مرحلتها األولى
(الجاهلية خاصــة) ،في حين ان البالغة الغربية قد حظي .بالتأســيش والتأســيش منذ مرحلتها
األولى.
وليش المقصـ ــود من المقارنة هنا تبيان فضـ ــل ما هو عربي على غربي أو العكش ،بل الغاية عي تبيان
أن ظروف النشأة تحمل جذور االختالف بين البالغتين.1
-1بوعافية محمد عبد الرزاق ،البالغة العربية في ضـ ـ ـ ـ ـ ــوء البالغة الجديدة من خالل مشـ ـ ـ ـ ـ ــروس محمد العمري ،م كرة ماجسـ ـ ـ ـ ـ ــتير في النقد
المعاصر وقضايا تحليم الخطاب ،كلية اآلداب واللغات ،جامعة محمد لمين د اغين ،سطيف ،1161 ،ص .19
-2ار ح محمد حس ـ ــاين ،س ـ ــعاد بن س ـ ــنوس ـ ــي ،البالغة الجديدة ،قراءة في المفيوم واالتجاهات ،مجلة العلوم اإلنس ـ ــانية ،المجلد ،11عدد،6
جوان ،1111ص ص ،911-996ص .991
28
ومقــابلــة ،وتوريــة ،وتض ـ ـ ـ ــمين ،وتكرار ،وغيرهــا ...ويعني هــذا أن البالغــة الكالس ـ ـ ـ ــيكيــة كــانــ .تعليميــة
بـامتيــاز ،مــادامــ .وظيفتهــا تلقين الكــاتــب أو الخطيــب فنون الكالم الجميــل لكي يكون كالمــه س ـ ـ ـ ــاميــا،
ويصبح آية في الفصاحة والبيان والبالغة.
وقــد ميب أرس ـ ـ ـ ــطو بين طري ،الش ـ ـ ـ ــعر وطري ،الخطــابــة ،إذ األول طريقــه التخييــل والثــاني طريقــه
اإلقن ــاع والعق ــل ،وعلي ــه توج ــد بالغت ــان :بالغ ــة الحج ــاج والج ــدل واإلقن ــاع والعق ــل ،الق ــائم ــة على
التص ـ ـ ــدي ،والقياس المنطقي ومجالها الخطابة ،وبالغة التخييل الش ـ ـ ــعري المتجهة نحو األس ـ ـ ــلوب
واللغـة املجـازية والتأثير العاطفي ومجالها الش ـ ـ ـ ــعرية ،فلةخيرة أس ـ ـ ـ ــلوب يتجه نحو مخاطبة العاطفة
حيث يلعب على الجوانب النفس ــية والمش ــاعر الحس ــاس ــة وهو تغييب ش ــبه كلي للعقالنية .أما طري،
الحجاج فهو أس ـ ـ ـ ــلوب يتجه نحو مخاطبة العقل وآلياته العقلية ويبدو ان هذا التفري ،قد انتقل إلى
العرب من البالغة اليونانية وبالتحديد األرسطية.
هذا ،ولقد كان .البالغة عند السوفسطائيين اليونانيين فنا للجدل والسفسطة وتضليل
الخصوم ،فاعتمدوا على الش منهاجا للبلوغ إلى أهدافهم ،فاتخذوا البالغة وسيلة لالكتساب
واالرتزاق مقابل تعليم الناس فنون الخطابة والجدل السياس ي و فن الحوار والسخرية والتهكم.1
وقــد وقف س ـ ـ ـ ــقراط موقفــا انتقــاديــا الذعــا من هؤال الش ـ ـ ـ ـكــاكين الــذين تمثلوا المن ج المغــالطي
الذي كان ينطل ،من مقدمات خاطئة ليص ـ ـ ــل إلى نتائك خاطئة .فكرس س ـ ـ ــقراط فلس ـ ـ ــفته األخالقية
لفضل أالعيفهم اللعينة ،وتبيان مكائدهم الخطيرة ،والتعريض بجدلهم التضليلي.
من جهـة أخرا ،رفض أفالطون تص ـ ـ ـ ــورات الس ـ ـ ـ ــوفس ـ ـ ـ ـطـائيين الجــدليـةّ أل هـا مبنيـة على الخــداع
والتش ـ ــكي وتضـ ـ ــليل الناس .وفي مواجهة البالغة السـ ـ ــيئة ،و ـ ـ ــع أفالطون معايير ما يجب أن تكون
عليـه البالغـة الجيـدة ال ي تبحـث عن الحقيقـة في الش ـ ـ ـ ــؤون اإلنس ـ ـ ـ ــانيـة بعيـدا عن التالعـب والخداع
لخدمة مصـ ـ ــالل معينة ،وبذل ،ميب بين بالغتين :بالغة سـ ـ ــفسـ ـ ــطائية واهمة ونسـ ـ ــبية وخادعة وغير
1
- Meyer, Michel. « Chapitre I. Qu’est-ce que la rhétorique ? », Michel Meyer éd., La rhétorique. Presses
Universitaires de France, 2020, pp. 3-19.
29
حقيقية .وبالغة فلسـفية حقيقية مو ـوعها إثبات الح ،،وتفنيد الخطأ .أي :إن مو ـوع البالغة هو
الح ،،وهدفها إظهار الحقيقة المطلقة المثالية عن طري ،العقل والحجاج والحوار.1
وفي الوق .نفسـ ـ ــه ،كان .البالغة عند بعض المنظرين اليونانيين كأرسـ ـ ــطو خطابا ةجاجيا يقوم
على وظيف ي التأثير واإلقناع ،ويتوجه إلى الجمهور السامع قصد توجيهه أو إقناعه إيجابا أو سلبا.
وتأســيســا على ما ســب ،،يعد أرســطو المؤســش الحقيقي للبالغة ومنط ،القيم .وقد ســب ،عصــره
بـررائـه البالغيـة الرائـدة في مجـال الحجاج واإلقناع .وقد ألف ثالثة كتب في البالغة عي( :فن الش ـ ـ ـ ــعر
،)Poétiqueو(فن الخطابة ،)Rhétoriqueوالحجج المشتركة (.)Topiques
يعتبر أرس ـ ـ ــطو البالغة فنا خطابيا بامتياز ،إذ يس ـ ـ ــتخدم أدوات ةجاجية واس ـ ـ ــتداللية ومنطقية
للتـأثير في اآلخر ،وإقنـاعـه ذهنيـا ووجـدانيـا .و يتم ذلـ الحجـاج عبر مجموعـة من الوس ـ ـ ـ ــائل األدائية،
ف ما أن يتحق ،عبر:
-اللوغوس LOGOSالذي يعني الكالم والحجج واألدلة ،ويظهر ذل جليا في نسـ ـ ــ ،الرسـ ـ ــالة
التواصلية.
-وإما يتحق ،عبر اإليتوس ETHOSالذي يتمثل في مجموعة من القيم األخالقية والفض ـ ــائل
العليا ال ي ينبني أن يتحلى ها الخطيب أو البالغي المرسل.
-وإم ــا يتجس ـ ـ ـ ـ ــد في الب ــاتوس PATHOSال ــذي يتعل ،ب ــاملخ ــاط ــب ،ويكون في ش ـ ـ ـ ـك ــل أهوا
وانفعاالت أو ما يسمى في الثقافة العربية بثنائية الترغيب والترهيب.
و هذا الص ـ ــنيع ،خرج أرس ـ ــطو عن ُسـ ـ ـ َّنة التأليف في ص ـ ــناعة الخطابة فأخذ عمن س ـ ــبقوه أهم ما
ذكروه في أقســام الخطبة ومرتي التأثير بالقول ،وأدرجه في مش ــروع اش ــمل ومختلف .وبمش ــروعه َّ
حول
مركز الثقــل في هــذه الص ـ ـ ـ ـنــاعــة من التــأثير إلى اإلقنــاع .وأراد أن يقيم بين هــذين الطرفين توازنــا يكون
التـأثير بمقتض ـ ـ ـ ــاه خـادمـا لإلقنـاع وتـابعـا لـه ،و هـذا التحويـل لمركز الثقـل في ص ـ ـ ـ ـنـاعـة الخطابة جعل
1
- Barbara CASSIN, « Bonnes et mauvaises rhétoriques : de Platon à Perelman », dans M. Meyer et A.
Lempereur (éds.), Figures et conflits rhétoriques, Bruxelles, Éditions de l’Université de Bruxelles, 1990,
pp. 17-37.
30
أرسـ ــطو الصـ ــناعة هذه خادمة للقول الواقع في مجال المعقول Le raisonnableباألسـ ــاس ،بعد أن
كان .صانعة للقول المقصود به تحري االنفعاالت Les passionsباألساس.1
وقد ميب أرسطو كذل بين ثالثة خطابات بالغية:
-أوال ،خطــاب قض ـ ـ ـ ــائي يهــدف القض ـ ـ ـ ــاة من ورائــه إلى معرفــة الحقيقــة بغيــة تحقي ،العــدالــة،
ويستخدم زمن الماب ي على العموم،
-ثانيا ،الخطاب االســتش ــاري الذي يتخذ طابعا س ــياس ــيا ،وهدفه تحقي ،الخير للصــالل العام،
ويستخدم زمن الحا ر ،ويستعين ةجاجيا باألمثلة.
-ثـالثـا ،الخطاب البرهاني القائم على مدح اآلخر أو ذمه ،والهدف منه تثبي .الجمال أو الدفاع
عن فضــيلة أو قيمة أخالقية عليا ما .ويســتعمل هذا الخطاب جميع األزمنة بما فيها الحا ــر
والماب ي والمستقبل ،وكذل أسلوب المبالغة والتضخيم.
ومن ثم ،فنش ــأة البالغة – إذا -يونانية المنب .بامتياز ،سـ ــوا أكان ذل على مسـ ــتوا النظرية أم
على مس ـ ـ ـ ــتوا التطبي ،أم على مس ـ ـ ـ ــتوا الفلس ـ ـ ـ ـفـة .ثم اقتفم الرومـان آثار اليونانيين في التعامل مع
البالغة اهتماما وممارسة وأدا .
وعلي ــه ،فق ــد ـك ــان ــ .البالغ ــة التقلي ــدي ــة بمث ــاب ــة ع ــدة من جي ــة يتبود ه ــا الخطي ــب أو الك ــات ــب في
الحوارات الجدلية والسياسية والقضائية والمناظرات الفلسفية واألدبية والنحوية.
وتتش ـ ـ ــكل البالغة القديمة -الكالس ـ ـ ــيكية من 1أجزا أس ـ ـ ــاس ـ ـ ــية ارتبط .ارتباطا وثيقا بالخطابة
والتواصل اللفظي المباشر قبل أن تنتقل إلى االتصال الكتابي:
INVENTIO -6أي الجانب اإلبداعي واالبتكاري في إيجاد الحجج وطرق اإلقناع املختلفة
DISPOSITIO -1بمعنى الترتيب والتنظيم والهيئة ،أي في تقديم الحجج بطريقة منظمة وفعالة،
ELOCUTIO -1اإللقا والتعبير والنط ،أي فن إيجاد الكلمات ال ي تعزز الحجج والبراهين،
-1جميم عبد المجيد ،البالغة واالتصال ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة ، 1111 ،ص.619
31
ACTIO -9الحركة واألدا ،أي الحركات المرافقة للعملية اإللقائية للخطاب،
-الس ـ ـ ـ ـيـاق الخـار ي :فــالقول المنطوق إنمـا يص ـ ـ ـ ــدر عن ش ـ ـ ـ ــخص حقيقي حي إلى ش ـ ـ ـ ــخص أو
آخرين حقيقيين أحيا في لحظه زمنيه بعينها في موقف حقيقي ،وهو ما يعرف عند أشـ ــخا
البالغيين العرب بمقتض ى الحال أو السياق التواصلي أو المقام الخطيي.
-األداو الصــوتي :فالكلمة المنطوقة لها حتما ادا صــوتي من علو وانخفاض ونبر وتنغيم وغير
ذل .وعي ما يضــفي داللة على معاني األلفاظ والكلمات لهذا أفرد له أرســطو قســما خاصــا في
علم الخطابة.
-العالمــات غيراللغويــة او مــا يعرف بــاالتص ـ ـ ـ ــال غير اللفظي ،حيــث توجــد عالمــات غير لغويــه
تسـ ـ ــتخدم في االتصـ ـ ــال الشـ ـ ــفشي وتتمثل فيما يصـ ـ ــاحب الصـ ـ ــوت من هز األس وتحري اليد
والتأرالل وغير ذل .واسـ ـ ــتخدام العالمات الجسـ ـ ــدية إ ـ ـ ــافة إلى العالمات الصـ ـ ــوتية يجعل
الرس ــالة مخاطبة حس ــي ي الس ــمع والبص ــر ومن ثم يكون التلقي مركبا س ــمع-بص ــر وهذا يتيح
لالتصال الشفشي إمكانيه أكبر أو أفضل إلحدا تفاعل اشد وتأثير أعم.
البالغة عند الرومان
عملية اإلقناع على عقلنة الخطاب دون احتمالية ل
وتعد لدية ،تبني ل ل كان .البالغة األر ل
سطية ،إذن،
إلغــا مبــدأ إحــدا التــأثير بوسـ ـ ـ ـ ــاطــة األهوا ،لــذل ـ ش ـ ـ ـ ــملــ .مجمــل أنمــاط الخطــابــات البرهــاني،
ل
األولوية ل
الخطابية ،وأعط. الثالثية المعروفة لةنواعل واالســتشــاري ،والقانوني ،املحيلة على القســمة
ل تطور البالغــة الغربيــة ل
نتتبع ل للغــة أو اللوغوس ،1ونجــد مثــل هــذا أيضـ ـ ـ ـ ـا حين ل
وتحولهــا لــدا المنظر
-1أمينة الدهري ،الحجاج وبناء الخطاب في ض ـ ــوء البالغة الجديدة ،ط ،6ش ـ ــركة النش ـ ــر والتوزيع المدارس ،الدار البيض ـ ــاء ،1166
ص.1
32
الروماني (ش ـ ـ ـ ــيش ـ ـ ـ ــيرون 91 – 611ق.م ).ولدا خلفه (كوينتليان 611 – 11ب .م ).إلى الخطيب
بدال من اللغة.
تم االنتق ــال من ع ــالم بالغي متمركز حول اللغ ــة عن ــد اإلغري ،إلى ع ــالم متمحور حول هك ــذا ،ل
الخطيب مع الرومان .ولعل الفرق واض ـ ــل بين التص ـ ـ لـورين ،ف ذا كان .البالغة عند أرس ـ ــطو نتاج فكر
بتلقي خطـابـات وقبولهـا ،إال بقـدر تال مهـا واعتقاداته وأفكاره ،اس ـ ـ ـ ــتنادا إلى بنية حر ال ُيلزم الجمهور ل ل
ل ل
ل
الخطابية) الرومانية ظل .رهينة (المؤ لس ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــة مزدوجة تقبل الطرح والطرح المضـ ـ ـ ــادّ ف لن البالغة
موجهة تحكم عالقة اإلرس ـ ـ ــال اجتماعية وس ـ ـ ــياس ـ ـ ـ لـية ،مس ـ ـ ــتجيبة لموا ـ ـ ــعات ل
ل الخا ـ ـ ــعة لتراتبات
بالتلقي ،في مقابل س ــابقتها ال ي أش ــكل عليها أمر اللوغوس .ال ش ـ ل ،إذن ،لأن البالغتين ص ــادرتان عن ل
مفهومين مختلفين لإلنسان والفكر والتاريخ لميبا ك لل مرحلة بمنطقها الخا .1
متفرقة ،وال شـ ـ ـ ـ ل لأن مفهومها س ـ ـ ــوا في الفترتين التأس ـ ـ ــيس ـ ـ ـ لـيتين
لقد جرا هر البالغة مجاري ل
والرومانية ،أو لإبان عص ـ ـ ــر النهض ـ ـ ــة ،وص ـ ـ ــوال إلى انبعاطها في القرن العش ـ ـ ــرين ،بقي مرتبطا
ل ل
اإلغريقية
ل
تفرق .به مس ـ ــال ومفارق، يخية ال ي ص ـ ــدر عنها وبتص ـ ـ لـوراتها للمعرفة والعالم .لذل
بالمرحلة التار ل
ل
واالحتمالية ل
األدبية، ل
والجمالية ل
النسبية ،والبرهنة الصارمة، ل
العقالنية وتلبش حلال شـ ل ى تراوح .بين
ل
وذاتية القيم (شـ ــيشـ ــيرون وكينتليان) ،ل
وفن القول التعد لدية ،وسـ ــمته بسـ ــمات الضـ ــالل (أفالطون) ،لل
(بالغة دومارس ـ ي – فونتانلي وجماعة مو) ،والمنط ،شــبه الصــوري (تولمين) ،واالســتدالل المعقول
ل
المتعدد عند أرس ــطو ،واإلنس ــان (بيرلمان) ،أفرزت ل
كل س ــمة أش ــكاال من املخاطبين :الكائن اإلش ــكالي
النموذجي ذو القيم العليا لدا الرومان ،و"المسـتمع الكوني" بالنسـبة لتيار البالغة الجديدة ال ل
سيما
بيرلمان.2.
33
تتداخل مفاهيم الفصـاحة والخطابة والحجاج واإلقناع كثيرا مع مفهوم البالغة ،وقد اسـتخدمها
الكثير من الباحثين بمعاني مترادفة ،ويعود هذا التداخل بشـ ــكل أس ـ ــاس ـ ـ ي إلى ارتباط البالغة بالكالم
من جهة ،ومن جهة ثانية حضور كل من الحجة واإلقناع في البالغة منذ القدم.
البالغة والفصاحة
الفصـ ــاحة عند أهل اللغة البيان واإلفصـ ــاح اإلبانة يقال لغة فف ُ
ص ـ ـ فل الرجل فصـ ــاحة فهو فصـ ــيح
إذا ـكـان في كالمــه قــادرا على أن يبين مراده بو ـ ـ ـ ــوح دون جز وال ٍ
تلكؤ أو تعثر في نط ،االلفــاظ أو في
اختيــار الكلمــات الــداالت على مــا يريــد إيض ـ ـ ـ ــاحــه من المعــاني للمتلقين .ويقــال كالم فص ـ ـ ـ ــيح إذا ـكـان
34
المراد منـه بينـا واض ـ ـ ـ ــحا ،ويقال لس ـ ـ ـ ــان فص ـ ـ ـ ــيح إذا كان طلقا في نط ،الكالم مبينا ال يتعثر ،والرجل
الفصيح هو المنطل ،اللسان في القول ،الذي يعرف جيد الكالم من رديئه.1
ذهـب ابن فارس إلى أن "فص ـ ـ ـ ــل" أص ـ ـ ـ ــل يدل على خلو في ـ ـ ـ ـ ي ونقا من الش ـ ـ ـ ــوب ،من ذل
اللس ـ ـ ــان الفص ـ ـ ــيح الطلي ،لخلوص ـ ـ ــه من كل ما يحول بينه وبين الطالقة .2وقد ذهب إلى المعنى ذاته
الراغب االصـ ـ ــفهاني حيث قال ان "الفصـ ـ ــل هو خلو الش ـ ـ ـ ي مما يشـ ـ ــوبه وأصـ ـ ــله من اللبن ،يقال
فص ــل اللبن وأفص ــل فهو مفص ــل إذا تعرا من الرغوة وقد روا ووتح .الرغوة اللبن الفص ــيحو ومنه
اس ـ ــتعير فص ـ ــل الرجل أي جادت لغته ،وأفص ـ ــل :تكلم بالعربية ،3قال تعالى فْو فأخي فه ُارون ُه فو فأف ف
ص ـ ـ ُل ْ
ْم ْ لني ْل فسانا] (سورة القصصْ .)19 ،
وعليه ،فالفص ــاحة في اللغة ال تخلو من معنى الظهور ،فيكون فعلها الزما كقولهم فص ــل اللبن إذا
ظهر من رغوتـه ،أو عن اإلبـانـة فيكون فعلهـا في المعنى متعـديا كأفص ـ ـ ـ ــل األ جمي :أبان مراده .ونقل.
–عرفا-إلى وصف الكلمة والكالم والمتكلم.4
وعليه ،تتفرع الفصاحة إلى:5
فصاحة الكلمة
أما الكلمة الفصيحة فشي الكلمة العربية ال ي تخلو من أربعة عيوب وعي:
.6التنافر ،أي تنافر حروف الكلمة مما يجعلها ثقيلة على اللسان يصعب النط ،ها،
.1الغرابة ،وهو كون الكلمة غير ظاهرة المعنى وال مألوفة االستعمال،
35
.1مخالفة الكلمة للقياس ،أي س ـ ــوق الكلمة مخالفة للقياس النحوي أو الص ـ ــرفي كف الحرف
ف ف
المض ـ ــعف في الكلمة ال ي يقتض ـ ـ ي القياس إدغامها بحرف مش ـ ــدد مثل كلمة األجل ْل والقياس
األج لل ،أو استعمال همزة القطع بدل همزة الوصل، أن يقال فيها ف
.9كون الكلمة مكروهة في السـ ـ ـ ــمع أي كو ها ممجوجة في األس ـ ـ ـ ــماع ،تأنف منها الطباع ،خش ـ ـ ـ ــنة
وحشية.
فصاحة الكالم
أما الكالم الفصـ ـ ـ ــيح فهو ما كان سـ ـ ـ ــهل اللف ،واضـ ـ ـ ــل المعنى ،جيد السـ ـ ـ ــب ،متالئم الكلمات،
فص ـ ـ ـ ــيح المفردات ،غير مس ـ ـ ـ ــتكره وال ممجوج وال متكلف ،وال مخــالف لقواعــد العرب في نحوهــا
وص ـ ـ ـ ــرفها ،وغير خارج عن الو ـ ـ ـ ــع العربي في مفرداته وتراكيبه ،وليش في كلماته تنافر وليش فيه
تعقيد لفظي وال تعقيد معنوي .بعبارة أخرا خلوه من العيوب األربعة التالية1:
36
المتكلم الفص ـ ـ ــيح هو من كان كالمه فص ـ ـ ــيحا وكان ذا ملكة يقتدر ها على التعبير عن مقص ـ ـ ــوده
بكالم فص ـ ــيح دون تلعثم وال تلكؤ ،فما ش ـ ــا من معنى اس ـ ــتطاع التعبير عنه بيس ـ ــر وس ـ ــهولة ،وبكالم
فصيح المفردات وفصيح الجمل والتراكيب.1
ومنه ارتبط .البالغة بالفصـ ـ ــاحة إلى الحد الذي اس ـ ـ ـتخدم .فيه الكلمتان عند الكثير من علما
البالغة دون تمييب ،فالبالغة عند أهل اللغة -كما ســبق .اإلشــارة إليه-عي حســن الكالم مع فصــاحته
وأدائ ــه المعنى المراد ،وبالغ ــة المتكلم ق ــدرت ــه على اإلج ــادة وتميبه على غيره بص ـ ـ ـ ــنع الكالم الجي ــد
المتميب .لهذا فس ــرت البالغة بالحس ــن والفصـ ـاحة بطالقة اللس ــان ،والبلي بحس ــن الكالم فص ــيحه
الذي يبل بعبارة لس ـ ـ ـ ــانه كنه ما في قلبه أو ـ ـ ـ ــميره ،فجا ت البالغة نعتا حميدا خاص ـ ـ ـ ــا بكالم دون
سواه.2
وقد أش ـ ـ ــار أبو هالل العس ـ ـ ــكري إلى اختالف الفص ـ ـ ــاحة عن البالغة ذل أن الفص ـ ـ ــاحة تمام آلة
البيان ،فشي مقصـ ـ ــورة على اللف ألن اآللة تتعل ،باللف دون المعنى ،والبالغة إنما عي إ ها المعنى
إلى القلب فكأ ها مقصورة على المعنى ،ومع ذل يجوز أن يسمى الكالم الواحد فصيحا بليغا .3وعليه
فالبالغة شــاملة لةلفاظ والمعاني وعي بذل أخص من الفصــاحة ،فكل كالم بلي فص ــيح وليش كل
كالم فصيح بليغا.
الفص ــاحة إذن عي خلو الكالم من ــعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد والغرابة وعي من
أجزا البالغة وأحد شـ ـ ــروطها ،وهو ما ذهب إليه جمع من البالغيين من أمثال شـ ـ ــهاب الدين محمود
الحليي والرازي وابن الجوزيــة ،وعي تختص اللف دون المعنى ،فــالفص ـ ـ ـ ــاحــة في األلفــاظ والبالغــة في
المعاني فيقال معنى بلي ولف فصيح.
يقول أبو هالل العس ــكري "أن الكالم الفص ــيح هو الظاهر البين ،بمعنى أن تكون ألفاظه مفهومة
ال يحتــاج في فهمهــا إلى اس ـ ـ ـ ــتخراج من كتــاب اللغــة ،وأن تكون مــألوفــة االس ـ ـ ـ ــتعمــال بين أربــاب النظم
37
والنثر ،دائرة في كالمهم" 1بمعنى أن تكون الكلمة ظاهرة المعنى شـ ـ ـ ــائعة االسـ ـ ـ ــتعمال فيه على وجه ال
يحتاج فهمها إلى جهد أو تنقير في كتب اللغة.
إلى جانب صفات الكالم ال ي و عها البالغيون ح ى ينع .الكالم بالفصيح ،أ اف عدد منهم من
الكالم والمتكلم مم ــا يش ـ ـ ـ ــينهم ــا من عيوب الكالم أمث ــال العس ـ ـ ـ ــكري والرازي وغيرهم وجوب خلو
والنط ،ومن هنا كان .الفصاحة نعتا حميدا موقوفا على أناس دون أناس وكالم دون كالم.
وتتمثــل عيوب النط ،ال ي تحول دون فص ـ ـ ـ ــاحــة الكالم والمتكلم مــا أورده أبو العبــاس محمــد بن
يزيد النحوي 2فيما يلي:
-1ضياء الدين بن اهثير ،المثم السائر في أدب الكاتب والشاعر ،ج ،6دار النيضة ،القاهرة ،ب ت ،ص .96
-2أحمد بن محمد ابن عبد رب ،العقد الفريد ،ج ،1مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ،القاهرة ،6991 ،ص .991
38
-الكش ـ ـ ــكش ـ ـ ــة :تنس ـ ـ ــب إلى بني عمرو بن تميم فيقال كش ـ ـ ــكش ـ ـ ــة تميم إذا ذكرت كاف المؤنث
فوقف .عليها ،أبدل .منها شينا لقرب الشين من الكاف في املخرج.
البالغة والخطابة
ف ُ
الخطابة لغة من الفعل خطب ،يقال خطب الخاطب أو الخطيب خطبة أو خطابة وعي كالم بلي
ف
في النظم يش ـ ـ ـ ــافه به الجمهور بقص ـ ـ ـ ــد اإليض ـ ـ ـ ــاح واإلقناع والتأثير في اآلخرين .والخطب هو األمر
العظيم.1
ويرا أرس ـ ـ ـ ــطو أ لن البالغـة عي الخطـابـة ،أو الخطـابة عي البالغة وأطل ،عليهما معا كلمة الريتوريكا
،Rhetoricوهمـا كـذلـ جز من الحجـاج ،أو الحجـاج جز منهمـا ،وقـد عرف الريتوريكا قائال :إ ل ها
ـتقر مفهومه ــا في الثق ــاف ــة اإلغريق لي ـة-نظري ــة في القول الن ــاجع ،وعي ك ــذل ـ ذات عالق ــة
-كم ــا اس ـ ـ ـ ـ ل
ل ل
الشفوية"(،)2 متوطدة بالممارسة
وعليه ،فالبالغة في مفهومها العام من مشـر ها االغريقي تدلنا على الخطابة ،من حيث أ ها تكشف
ف
لمفاهيم تحوم حولها من زاوية عن خبايا التواصـ ـ ـ ــل الجيد ،وقد يأتي النسـ ـ ـ ــ ،الحواري مجسـ ـ ـ ــدا
المعنى والمبنىّ كـالفن والص ـ ـ ـ ـنـاعـة وال َـدربة واإلجادة… وغيرها ،ال ي تدور في فل معرفي يتص ـ ـ ـ ــيد
حسن الخطابة واإللقا .3
ومن يراجع كتــاب " البيــان والتبيين" يجــد الجــاح غير مفرق بين البالغــة والخطــابــة ،فلقـد ذهــب
إلى أن أول البالغة اجتماع آلة البالغة .وذل أن يكون الخطيب رابط الجأد ،وقد جمع ش ـ ـ ـ ــروط
ل
المفوه متطرقــا إلى مقولــة :لكــل مقــام مق ــال ،والبع ــد عن التكلف الخطــاب ــة الن ــاالحــة والخطي ــب
والغرابــة .واإليجــاز في نظره من مقومــات الخطبــة البليغــة .وتحــد الجــاح عن عيوب الخطيــب
الخلقيـة ،كمــا تحــد عن عيوب النط ،وعـ لـدهــا آفــة في الخطيــب تبعــده عن بالغــة القول وحس ـ ـ ـ ــن
39
الت ــأثير في املخ ــاطبين .ثم عق ــد ب ــاب ــا ذكر في ــه أس ـ ـ ـ ـم ــا الخطب ــا والبلغ ــا واألبين ــا وذكر قب ــائلهم
وأنسا هم.1
الخطــابــة من أهم الفنون ال ي تبنى على اإلقنــاع ،و ـكـان لكتــب اليونــان المترجمــة إلى اللغــة العربيــة
فض ــل كبير في ازدهار الخطابة العتنا اليونان ها وبالجانب الجدلي-االس ــتداللي .وقد تنبه أرس ــطو
إلى تميب النص الخطابي عن النص الشعري فألف في كل منهما كتابا مستقال.
عناصر بنا الخطابة عند أرسطو ثالثة:
-9عنص ــر اإللقا وهو عنص ــر أ ــيف للخطابة بعد أرس ــطو باعتباره عنصـ ـرا مس ــتقال يتض ــمن
الحركة والصوت.
تنس ـ ـ ــحب هذه العناص ـ ـ ــر على الخطابة عند العرب إال أن العنص ـ ـ ــر الثاني مقدم عند العرب على
بقية العناصر ألن ثقافتهم تقوم على مبدأ البيان واللغة.
وق ــد احتل ــ .الخط ــاب ــة حيبا من اهتم ــام المتكلمين فق ــد ـك ــان ــ .وس ـ ـ ـ ــيلتهم في المن ــاظرة واإلقن ــاع
وسالحهم.
البالغة والحجاج
ُ ف
الحجاج هو العملية ال ي من خاللها يس ى المتكلم إلى تغيير نظام معتقدات وتصورات املخاطب
بواسطة الوسائل اللغوية .2وهو كل منطوق به موجه إلى الغير إلفهامه دعوا مخصوصة يح ،له
-1محمد أحمد قاس ـ ـ ــم ومحي الدين ديب ،علوم البالغة :البديع والبيان والمعاني ،المؤسـ ـ ـ ـس ـ ـ ــة الحديثة للكتاب ،ةرابلس لبنان ،1111 ،ص
.11
2
- Christian Plantin : Essais sur l’argumentation, introduction linguistique à l’étude de la parole
argumentative. Edition kime, 1990, p 146.
40
االعتراض عليها .والحجة عي ما ُد َّل به على صحة الدعوا وقيل الحجة والدليل واحد 1.ويشير
استخدام كلمه Argueفي اإلنجليبية الحديثة إلى وجود اختالف بين طرفين ومحاوله كل منهما إقناع
اآلخر بوجهه نظره وذل بتقديم األسباب أو العلل ال ي تكون ةجة مدعمة أو داحضة لفكرة او رأي
أو سلوك ما .وتقترب هذه الداللة اللغوية من الداللة االصطالحية للحجاج في الدراسات الفلسفية
الحديثة حيث نجد في جمله المفاهيم الحديثة للحجاج ال ي عر ها "ريتشارد" و"مالكولم" اتفاقا
فيما بينهما على كون الحجاج عملية اتصالية تعتمد الحجة المنطقية وسيلة إلقناع اآلخرين والتأثير
فيهم.2
وعليه ،ف الحجاج هو تقديم الحجج واألدلة المؤدية إلى نتيجة معينة ،وهو يتمثل في إنجاز
سلسالت استنتاجية داخل الخطاب .وبعبارة أخرا يتمثل الحجاج في إنجاز متواليات من األقوال
ي تستنتك منها. بعضها هو بمثابة الحجج اللغوية وبعضها النتائك ال
وبالعودة إلى المفهوم األرسطي للريتوريكا Rhetoricفالخطابة أو البالغة هو ل
فن الحمل على
اإلقناع الذي يكون وف ،القواعد األربع اآلتية:
ل -ال خطاب خارج مقام ل
التلف ،فأن نتكلم أو أن نكتب هو أن نتحاور.
فعالية ل
لفظية ،فالقول هو ذاته فعل. -الخطاب يرمي إلى التأثير في العقول ،فهو ل
-الفعــال ليـة الخطــاب ليـة تس ـ ـ ـ ــتنــد إلى العقــل ،فــاللوغوس يعني العقــل والكالم في اآلن نفس ـ ـ ـ ــه (أي
اللغة)
ويرا "بيرلمان" –صاحب نظرية البالغة الجديدة-أن مو وع الحجاج هو دراسة تقنيات الخطاب
ال ي من شأ ها أن تؤدي باألذهان إلى التسليم يما يعرض عليها من أطروحات ،أو أن تزيد في درجة ذل
التسليم .فالغاية من الحجاج عي إذعان العقول بالتصدي ،لما يطرحه المرسل أو العمل على زيادة
-1علي بن محمد الجرجاني ،التعريفات ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،6991 ،ص .9-1
-2جميم عبد المجيد ،البالغة واالتصال ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة ،1111 ،ص .611
41
اإلذع ان ،وهو ما يؤكده خالد بن صفوان بقوله بأن البالغة ليس .بخفة اللسان وال بكثرة الهذيان،
ولكنها إصابة المعنى والقرع بالحجة1.
وعليه ،نس ـ ــتنتك بأن البالغة ذات ص ـ ــلة وطيدة بالحجاج ،وهو-أي الحجاج-ليش علما أو ف ًّنا يوازي
البالغة ،بل هو ترس ـ ـ ـ ــانة من األس ـ ـ ـ ــاليب واألدوات ل
يتم اقترا ـ ـ ـ ــها من البالغة (ومن غيرها ،كالمنط،،
واللغ ــة الع ــاد لي ـة ،)...،ول ــذل ـ فمن اليس ـ ـ ـ ــير الح ــدي ــث عن ان ــدم ــاج الحج ــاج مع البالغ ــة في كثير من
األساليب.
ل ل ل
ولما كان مجال الحجاج هو املحتمل وغير المؤكد والمتوقع ،فقد كان من مصلحة الخطاب
ُ ل ل الحجاجي أن ل
ل
والبيانية ال ي تظهر المعنى بطريقة أجلى البالغية يقوي طرحه باالعتماد على األساليب
وأوقع في النفش ،خاصة باالعتماد على االستعارة واملجاز والكناية والتورية والتقديم والتأخير والخبر
واإلنشا والذكر والحذف والفصل والوصل واإلطناب واإليجاز وكل الوسائل اللغوية ال ي من خاللها
يستطيع الخطاب أن يوجد معاني جديدة ومواقع أخرا يستثمر فيها البعد الحجاجي من خالل عملية
مجازي . االستبدال بوصفها حركة يتم من خاللها بيان قضية بتشبيهها ونقلها إلى فضا
وال بد من التأكيد هنا على فكرة أساسية وعي أن الحجاج ليش علما أو فنا يوازي البالغة ،بل هو
مجموعة هائلة من األساليب واألدوات ال ي يقتر ها من المنط ،والفلسفة والبالغة واللغة العادية،
وعليه يمكن الحديث عن أساليب بالغية قد تم عزلها عن سياقها البالغي لتؤدي وظيفة ال جمالية
إنشائية كما هو متعارف عليه في سياق البالغة بل وظيفة ةجاجية استداللية .من هنا يتبين أن
معظم األساليب البالغية تتوفر على خاصية التحول آلدا أغراض تواصلية ،وإلنجاز مقاصد
ةجاجية وإلفادة أبعاد تداولية.
ومن هنــا تبــدو عالقــة الحجــاج بــالبالغــة (وكــذا الخطــابــة) عالقــة ظــاهرة لبينــة الش ـ ـ ـ ــتراكهمــا في جـ ل
ـانيي
وقوة العبارة ونجاعة الكالم2. التأثير ل
-1أبو اليس ــر إب ار يم بن محمد الش ــيباني ،الرس ــالة الع راء في موازين البالغة وأدوات الكتا ة ،تحقيق يوس ــع محمد فتحي عبد الوهاب ،دار
الطالئع ،ةبرق ،ليبيا ،1169 ،ص .91
-2علي الش ـ ــبعان ،الحجاج بين المنوال والمثال :نظرات في أدب الجاحظ وتفسـ ـ ــيرات الطبري ،مسـ ـ ــكلياني للنش ـ ــر والتوزيع ،ط ،6تونس،
،1119ص .61
42
البالغة ،اإلقناع والتأثير
ارتبط مفهوم البالغة أيضا بالتأثير على اآلخر وحمله على التأييد ،ومن أصحاب هذا االتجاه نجد
ل
ابن األثير الذي يرا بأن مدار البالغة كلها استدراج الخصم إلى اإلذعان والتسليمّ ألنه ال انتفاع
ب يراد األفكار الرائقة ،وال المعاني اللطيفة دون أن تكون مستجلبة لبلوغ غرض املخاطب ها .1وذات
الفكرة تحد عنها ميشال ماير Michel Meyerحيث ينظر إلى البالغة على أ ها "علم الغموض"،
« science du فمجالها غير واضل وفيه الكثير من االرتباك كما أ ها غامضة مشكوك فيها ومتناقضة
» .2 confusلهذا ،نجد فريقا من الباحثين من ينظر للبالغة على أ ها عملة تحمل وجهين متناقضين
بمعنيين متعاكسين تماما ،فشي من جهة فن الخداع والتالعب ومن الجهة الثانية فن اإلثبات القائم
على الدليل وشرائع البرهان .3وقد تم توار هذان المدلوالن عبر العصور.
فالغاية ال ي ترمي إليها البالغة عي تحقي ،االستمالة ،Adherenceاستماله المتلقي لما يعرض
عليه من رأي أو دعوه والتأثير العملي في سلوكه ،وبالجملة اإلقناع ،وتل غاية قديمة استهدفتها
الخطابة الغربية منذ اليونان ،فقد قال ارسطو في كتابه فن الخطابه "الريتوريكا قوة تتكلف اإلقناع
الممكن" .وإذا كان معلمو مهارة أو صناعة الخطابة -فيما قبل أرسطو اهملوا الجانب العقلي في
الخطابة من ةجج منطقية وركزوا في المقابل على الجانب االنفعالي والمتمثل في وسائل التأثير في
عواطف المتلقي وخياالته بشكل يجعله في كثير من األحيان يتلقم الخطبة في غيبة من العقل ،ومن
ثم كان .الخطابة عندهم خطابة التأثير بل تظليل في كثير من األحيان ،وخطابة متسمة باالعتباطية
والالمعقولية .وإذ كان هؤال المعلمون صنعوا ذل ،فان أرسطو في درسه للخطابة اعطم اهتماما
كبيرا للجانبين العقلي والنفس ي معا ،محاوال تحقي ،توازن بين وسائل اإلقناع ووسائل التأثير وجعل
الثانية معينة لةولى.4
-1زينب داودي ،اهسـ ــس والمرتكزات البالعية عند ضـ ــياء الدين بن اهثير (إضـ ــاءات في مضـ ــامين المثم السـ ــائر) ،حوليات جامعة قالمة
للغات واآلداب ،العدد ،61ديسمبر ،1161ص ص .191 -166
2
- Meyer, Michel. « Chapitre I. Qu’est-ce que la rhétorique ? », Michel Meyer éd., La rhétorique. Presses
Universitaires de France, 2020, pp. 3-19.
3
- Emmanuelle Danblon, « La Rhétorique : Art De La Preuve Ou Art De La Persuasion ? », Revue de
métaphysique et de morale, N°66, 2010, pp 213-231, p214.
-4جميم عبد المجيد ،مرجع سابق ،ص ص .619-619
43
مظاهر اإلقناع في البالغة العربية:
من جهتها ،اتسم .البالغة العربية بكثير من صور اإلقناع ،ومن مظاهره:
-6القياس :للقياس الخطابي أنواع منها:
-التعارض والتضاد،
-القياس المضمر،
-قياس الخلف ،إثبات األمر ببطالن نقيضه
-1المثل :وهو أوس ـ ـ ــع طرق االس ـ ـ ــتدالل لما يحققه من إقناع وتأثير وهو إثبات حكم واحد جزئي
لثبوته في جزئي آخر بمعنى مشترك بينهما .والمثل مقرون بالحجة.
-1االس ـ ــتعارة :عي ـ ــرب من التش ـ ــبيه ونمط من التمثيل والتش ـ ــبيه قياس والقياس يجري فيما
تعيـه القلوب وتـدركـه العقول ال األس ـ ـ ـ ـمـاع واآلذان .االس ـ ـ ـ ــتعارة أداة قوية في اإلقناع الرتباطها
بفكرة المقام ،وعي تقرب المعنى للمتلقي بجعل المعنوي ملموس واملجرد محسوس.
-9الش ــاهد :وهو عبارة لها من القدس ــية والتاريخية ما يجعلها محل قبول الس ــامع وقد تكون من
قرآن أو حديث أو من ش ـ ــعر أو حكمة ويس ـ ــميها أرس ـ ــطو الحجة الجاهزة وتكتس ـ ــب قوتها من
مصدرها ومن مصداقية الناس عليها.
-1بالغة األس ـ ــلوب وجمال العبارة( :تتخذ األس ـ ــبقية على وس ـ ــائل اإلقناع والبراهين عند أرس ـ ــطو
كما رأيناه أعاله) إن عملية التأثير واإلقناع ال تتم على مس ـ ـ ــتوا العقل فقط وإنما تتم أيض ـ ـ ــا
على مس ـ ــتوا القلب والش ـ ــعور ،وعنص ـ ــر األس ـ ــلوب يحتل الص ـ ــدارة في البالغة العربية ،وربما
يعود ذلـ إلى هيمنــة الش ـ ـ ـ ــعر على قلوب العرب وكــذا قيــام الثقــافـة العربيـة على مبــدأ البيــان.
وقد اعتمد القرآن على هذه الوسيلة للتأثير على القلوب.
وتعود أهمية األس ـ ــلوب إلى أن عامة الناس يتأثرون بمش ـ ــاعرهم أكثر مما يتأثرون بعقولهم فهم في
حـاجـة إلى وس ـ ـ ـ ــائـل األس ـ ـ ـ ــلوب أكثر من حـاجتهم إلى الحجة ،فال يكفي المر أن يعرف ما ينبني أن
44
يقال ،بل يجب أن يقول كما ينبني .يض ــاف إلى جمال األس ــلوب هيئة المتحد وس ــمته وحركاته،
كما أن للنبرة أثر واضل في التأثير على المتلقي.
-1المقابلة والطباق :وهما من أش ــهر أش ــكال التض ــاد الداللي ومن الظواهر البديعية الخص ــبة،
وتبرز قيمتهما فيما يثيرانه من مش ـ ـ ــاعر ودالالت داخل الس ـ ـ ــياق األس ـ ـ ــلوبي .كما ا هما وس ـ ـ ــيلة
فنية تكشف الصراع والتناقض الفكري والنفس ي الداخلي والخارجي.
45
في حين أن النحو لي يبحــث في الكالم العربي من جهــة إعراب مفرداتــه وجملــه ومــا يجــب في تراكيــب
الجمل البســيطة والمركبة وما يجوز فيها من تقديم أو تأخير وما يجوز في الكالم من ذكر أو حذف أو
نيابة مع تحديد أص ــول المعاني ال ي تدل عليها ص ــي األس ــما واألفعال ومش ــتقاتها ،ومعالقات الفعل
وأص ـ ـ ـ ــول المعــاني ال ي تــدل عليهــا حروف المعــاني ،يبحــث الص ـ ـ ـ ـ ل
ـرفي في الكلمــة العربيــة من جهــة بنــابهــا
و وابط اللسان العربي ،وفي المعاني األصول ال ي و ع .صي الكلمات للداللة عليها.
وبين هـذا وذاك يوجـه عـالم البالغـة اهتمـامه حول الكلمة والجملة العربية للمعاني ال ي تدل عليها
ص ـ ـ ـ ــي الكلمــات وأص ـ ـ ـ ــول التراكيــب وفروعهــا وللمعــاني ال ي يــدل عليهــا التقــديم والتــأخير في موا ـ ـ ـ ــع
الكلمات عما هو األص ــل في التراكيب ،وللمعاني ال ي يدل عليها الذكر والحذف واالقتص ــار وو ــع نوع
من الكالم بدل نوع آخر كظاهر بدل مض ـ ــمر ومض ـ ــمر بدل ظاهر وغير ذل مما فيه داللة على معنى
فف
يمكن بحسب االستعمال العربي أن يدل به عليه ،مما قصد به ُبلغا أهل اللسان الداللة به عليه.1
وعليــه ،ينقس ـ ـ ـ ــم علم البالغــة على العموم إلى ثالثــة أقس ـ ـ ـ ــام :علم البيــان والمعــاني والبـديع ،وقــد
ل
النص القرآني الم جز الذي كان ـ ـ ـ ـ ـ ـ وال يزال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش ــغل الدارس ــين نش ــأت هذه العلوم أس ــاس ــا لخدمة
تحدا بالغة القوم فاحتاج إلى دراس ـ ـ ـ ــات تش ـ ـ ـ ــرح إ جازه ،ل
وتبين مجازه، النص الذي ل ل الش ـ ـ ـ ــاغل ،فهو
ل
النص الكم من الكتـب البالغيـة ال ي تنـاول. وتجلي حقيقتـه وكنـايـاتـه ولطيف إش ـ ـ ـ ــاراتـه .من هنـا هـذا ل
الش ـ ـ ـ ــريف ككتــاب " مجــاز القرآن" ألبي عبيــدة ،و" معــاني القرآن" ل
للفرا ،وكتــاب " تــأويــل مش ـ ـ ـ ـكــل
القرآن" البن قتيب ــة ،وكت ــاب " النك ــ .في إ جـ ــاز القرآن" للر لمـ ـاني ،وكت ــاب "بي ــان إ جـ ــاز القرآن"
للباقالني ،وآخر بالعنوان نفسه للقاب ي عبد ل ل ل
الجبار ،وصوال إلى للخطابي ،وكتاب " إ جاز القرآن"
كتاب" دالئل اإل جاز" للجرجاني.
ل
هكذا ش ـ ــغل القرآن الكريم الدارس ـ ــين ،ولهذا جعل أبو هالل العس ـ ــكري تعلم البالغة فر ـ ــا على
من يري ــد ل
التعرف إلى بالغ ــة القرآن وإ ج ــازه ،وذه ــب إلى القول« :إن أح ،العلوم ب ــالتعلم ،وأواله ــا
-1عبد الرحمان حسن حبنكة الميداني ،البالغة العربية أسسيا ،علوميا وفنونيا ،دار القلم ،دمشق ،6991 ،ص .619-619
46
بالتحف ـ ـ ـ ـ ـ ـ بعد المعرفة بالله جل ثنا ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ علم البالغة ،ومعرفة الفص ــاحة ،الذي به يعرف إ جاز
كتاب الله».1
ُ -0
علم البيان
علمي البديع والمعاني ،وهو علم البيـان هو أحـد العلوم ال ي تندرج تح .علوم البالغة ،إلى جانب ل
ُ ف
ـوح ال ــدالل ـ ْـة علي ـ ْـه ،كم ــا أن ــه يبح ــث في وجوب
ْ ـ ـ ـ ـ و ي ٍف
ْ ـة ـ ف مختل قبط ٍُ
ر المعنى الواح ـ ْـد يعرف ب ــه إير ُاد
ف
مطابقة الكالم لمقتض ـ ى حال املخاطب وأحوال الســامعين ويبحث في المعاني المس ــتفاده من تأليف
الكالم ونظمه وسياقه.
يختص علم البيان بعن ف
صـري الصــور الشــعرية والعاطفة معا ،وقد سـ لـمي هذا االســم ألنه يســاعدنا
في معرفة المعنى ،من خالل زيادة تبيينه وتو ـ ــيحه ،إ ـ ــافة إلى زيادة تعبيره عن العاطفة وما يقع في
الوجدان ،وذل من خالل اسـ ـ ـ ــتخدام بعض أنواع التشـ ـ ـ ــبيه وأنواع من االسـ ـ ـ ــتعارة واملجاز .2ويمكن
ل
أيض ـ ـ ـ ـا تعريف علم البيان بأنه بعض األص ـ ـ ـ ــول والقواعد ال ي يعرف ها إيراد المعنى الواحد بعبارات
مختلفــة من حيــث و ـ ـ ـ ــوح الــداللــة العقليــة على المعنى المراد ،وال ي تكون بواحــد فــأكثر من الطرق
التالية ال ي تظهر كيفية أدا المعنى الواحد بأساليب مختلفة:
-1محمد أحمد قاسم وم حي الدين ديب ،علوم البالغة :البديع والبيان والمعاني ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،ةرابلس لبنان ،1111 ،ص .1
-2جعفر السيد اقر الحسيني ( ،)1119أساليب البيان في القرآن الكريم (الطبعة اهولى) ،ايران :مؤسسة بوستان كتاب ،صفحة .691
47
وقد فتح .هذه الحيل التعبيرية آفاقا واسـ ـ ـ ــعة النتقا صـ ـ ـ ــور جمالية ال تح ـ ـ ـ ـ ى يتحق ،ها
الغر ان المهمان من أغراض الكالم وعي:
-إفهام المتلقي ما يريد المتكلم التعبير عنه،
-إمتـاعـه بص ـ ـ ـ ــور جمــاليـة يش ـ ـ ـ ــتمـل عليهــا الكالم ،ولهـذا اإلمتـاع تـأثير في النفوس وقـد يكون
وسيلة لقبول المضمون الفكري الذي دل عليه الكالم والعتقاده وللعمل بمقتضاه.1
أقسام علم البيان
.6التشبيه والتمثيل
هو الـداللـة على مش ـ ـ ـ ــاركـة ـ ـ ـ ـ ي لش ـ ـ ـ ـ ي في معنى أو أكثر من المعاني لغرض ،ويختص لف
التمثيل بالتش ـ ــبيه المركب الذي يكون وجه الش ـ ــبه فيه منتبعا من متعدد .2لغة التش ـ ــبيه هو
التمثيل ،أما اص ـ ــطالحا فهو إلحاق األمر(المش ـ ــبه) بأمر (المش ـ ــبه به) في معنى مش ـ ــترك (وجه
الشــبه) بأداة (الكاف وكأن وما في معناها) لغرض (فائدة) .3وهو الداللة على مشــاركة أمر ألمر
في وجه أو أكثر من الوجوه أو في معنى أو أكثر من المعاني.
يقسـم التشبيه إلى عدة أنواع منها تشبيه مظهر وتشبيه مضمر ،والتشبيه المفصل والتشبيه
املجمل ،والتشــبيه البلي والتشــبيه التمثيلي وغيرها ،وهو آلية إقناعية إبالغية تجمل الصــورة
أو تنفر منها .والقصد من تشبيه أو تمثيل الش ي بالش ي هو "إثبات الخيال في النفش بصورة
المشبه به أو بمعناه ،وذل أوكد بين طرفي الترغيب فيه أو التنفير منه".4
48
ل ُ الحقيقـة لغـة عي الش ـ ـ لـ ـ ي الثـابـ .يقينـا ،وحقيقـة الش ـ ـ ـ ـ ي خـال ُ
الذ ل
اتية ص ـ ـ ـ ـ ُه وكن ُهـ ُه وعناص ـ ـ ـ ــره
وحقيقة األمر ما كان من ش ـ ـ ــأنه يقينا .1وعي تعرف في علم البالغة على ا ها اللف المس ـ ـ ــتعمل
فيما و ع له في اصطالح التخاطب.
َّ
أما املجاز فهو اللف المســتعمل في غير فما ُو ْ ـع له في اصــطالح التخاطب ،على وج ٍه في ْص ـ َل مع
ُ ل
قرينة ص ـ ــارفة عن إرادة ما ُو ْ ـ ـع له اللف ،فالقرينة عي الص ـ ــارفة عن الحقيقة إلى املجازْ ،إذ
ل
اللف ال في ُد َل على المعنى املجاز لي بنفسه دون قرينة.2
ُ ف ُ
المش ـ ـا ف فهة بين ما اسـ ــتعمل اللف للداللة عليه ف ذا كان .العالقة المصـ ــححة لهذا االسـ ــتعمال
ص هذا املجاز بعنوان االس ــتعارة ،مثل لف "األس ــد" وبين ما ُو ْ ـ فع له في اص ــطالح التخاطبُ ،خ َّ
إذا اس ـ ـ ـ ــتعمــل للــداللــة على الرجــل الش ـ ـ ـ ـجــاع ،مع قرينــة دالــة على ذل ـ .فــالعالقــة بيم المعنى
المو ـ ــوع لع في اص ـ ــطالح التخاطب وبين المعنى المس ـ ــتعمل للداللة عليه مجازا عي التش ـ ــابه،
ووجه الشبه بينهما الشجاعة في كل منهما ،فهو من االستعارة.
وإذا كان .العالقة شــيئا آخر غير المشــا هة حيث ينقل اللف من معناه األصــلي ليدل على معنى
غير مناس ـ ــب للس ـ ــياقُ ،خ َّ
ص هذا املجاز بعنوان "املجاز المرس ـ ــل" كأن تقول أمس ـ ــكنا بعين من
عيون األعدا ،فالمعنى األول القريب س ــيكون العين الحقيقية لإلنس ــان ،أما المعنى الثاني وهو
البعيد سيكون الجاسوس.
إذن ،فـالحقيقـة عي الكلمـة المس ـ ـ ـ ــتعملـة فيمـا تـدل عليـه بنفس ـ ـ ـ ـهـا داللـة ظـاهرة ،أما املجاز فهو
اس ـ ــتعمال اللف بمعنى غير المعنى األص ـ ــلي الذي و ـ ــع له لعالقة قائمة بينهما مع قرينة مانعة
من اس ــتخدام المعنى األص ــلي .وقد تنبه البالغيون ألهمية املجاز فهو في كثير من الكالم أبل من
الحقيقة وأحسن موقعا في القلوب واألسماع.3
.3االستعارة
49
وعي مجــاز لغوي عالقتــه المش ـ ـ ـ ــا هــة بين المعنى الحقيقي والمعنى املجــازي مع قرينــة مــانعــة عن
إرادة المعنى األص ــلي .واالس ــتعارة عي تش ــبيه مختص ــر ال يذكر فيه غير أحد الطرفين المش ــبه أو
المش ـ ـ ـ ـبـ ــه بـ ــه فقط ،وعي مركز الحجـ ــاج واهم آليـ ــاتـ ــه البالغيـ ــة .نجـ ــد من البالغيين من أدرج
االستعارة في باب املجاز.
.4الكناية
عي اللف المس ـ ــتعمل فيما و ـ ــع له في اص ـ ــطالح التخاطب للداللة به على معنى آخر الزم له
أو مصاحب له أو يشار به عادة إليه لما بينهما من المالبسة بوجه من الوجوه.1
والكناية لغة عي أن تتكلم بشـ ـ ـ ي وتريد غيره ،فأص ـ ــل الكناية ترك التص ـ ــريح بالشـ ـ ـ ي وس ـ ــتره
بحجاب ما ،مع إرادة التعريف به بص ــورة فيها إخفا ما بحجاب غير س ــاتر س ــترا كامال .أي أ ها
ترك التص ـ ـ ـ ــريح بــذكر الش ـ ـ ـ ـ ي إلى ذكر مــا يلزمــه لينتقــل من المــذكور إلى المتروك .وس ـ ـ ـ ــميــ.
الكناية كذل لما فيها من إخفا وجه التصـ ـ ــريح ،وقد عرفها الزركش ـ ـ ـ ي بأ ها "عند أهل البيان
أن يريــد ال متكلم إثبــات معنى من المعــاني فال يــذكره بــاللف المو ـ ـ ـ ــوع لــه من اللغــة ،ولكن
يجي إلى معنى هو ت ــالي ــه ورديف ــه في الوجود فيومج ب ــه إلي ــه ويجعل ــه دليال علي ــه ،في ــدل على
المراد من طري ،أولى" 2.بعبارة أخرا ،تدل الكناية على تكلم الشخص بش ي وهو يريد غيره.
والـتـعـريض هو طريق ـ ــة كالم أخفم من الكن ـ ــاي ـ ــة ،فال يش ـ ـ ـ ــترط في التعريض لزوم ذهني وال
مص ـ ـ ـ ــاحبــة وال مالبس ـ ـ ـ ــة بين معنى الكالم ومــا يراد الــداللــة بــه عليــه ،إنمــا قـد تكفي فيــه قرائن
الحـال ،ومـا يفهم ذهنـا هـا من توجيـه الكالم .كـأن يقول الراغـب بخطبة امرأة معينة ،كل رجل
راغب في الزواج يحب أن تكون هذه المرأة زوجة له ،تعريضا بأنه يرغب في الزواج منها.3
50
وقد أجمع البالغيون على أن الكناية أســلوب ذكي من أســاليب التعبير عن المراد بطريقة غير
مباشــرة ،وعي من أبدع فنون األدب وأجملها ،فال يســتطيع تصــيد الجميل النادر منها وو ــعه
في المو ع المالئم لمقتض ى الحال إال األذكيا من ممارس ي التعبير.
-1حسن ةبم ،أسلوب االلتفات في البالغة القرآنية ،دار الفكر العربي ،6999 ،ص .9
-2المرجع نفس ،ص .9
51
ُ -0
علم المعاني
وهو علم يبحــث في كيفيــة اختيــار من الكالم العربي مــا يطــاب ،منــه مقتض ـ ـ ـ ـ ى أحوال املخــاطبين.
ويـدور هـذا العلم حول تحليـل الجملة المفيدة إلى عناص ـ ـ ـ ــرها ،والبحث في أحوال كل عنص ـ ـ ـ ــر منها في
اللســان العربي ومواقع ذكره وحذفه ،وتقديمه وتأخيره ،ومواقع التعريف والتنكير واإلطالق والتقييد
والتأكد من عدمه ،ومواقع القصـ ـ ــر وعدمه ،وحول اقتران الجمل المفيدة ببعضـ ـ ــها ،بعطف أو بغير
عطف ،ومواقع كـل منهمـا ومقتض ـ ـ ـ ـيـاتـه ،وحول الجملـة مس ـ ـ ـ ــاويـة في ألفـاظهـا لمعنـاهـا ،أو أقل منه أو
زائدا عليه ونحو ذل .1
ويختص هذا العلم بعنصـ ــر المعاني واألفكار ،فهو يرشـ ــدنا إلى اختيار التركيب اللغوي المناسـ ــب
للموقف ،كمــا يرش ـ ـ ـ ــدنــا إلي جعــل الص ـ ـ ـ ــورة اللفظيــة أقرب مــا تكون داللــة على الفكرة ال ي تخطر في
أذهـاننا ،وهو ال يقتص ـ ـ ـ ــر على البحث في كل جملة مفردة على حدة ،ولكنه يمد نطاق بحثه إلى عالقة
كل جملة باألخرا ،وإلى النص كله بوصفه تعبيرا متصال عن موقف واحد.
وتجـدر اإلش ـ ـ ـ ــارة هنـا إلى أن نظر علمــا النحو يقوم على مجموعــة قواعــد اللغـة العربيــة المعروفــة
حول ترتيــب عنــاص ـ ـ ـ ــر الجملــة ،غير أن نظر البلي ال يكتفي بــالتقيــد بمــا يجوز في التراكيــب العربيــة
فيس ـ ـ ـ ــتخـدمهـا كيفما اتف ،،بل ينظر في داللتها وإلى المعاني ال ي تؤديها ُمخ فت ْلفات التراتيب والتركيبات
فيس ـ ـ ـ ــتخــدم مــا يــدل على مــا يريــد التعبير عنــه في كالمــه بــأخص ـ ـ ـ ــر عبــارة ،ويحــاول دومــا أن يطــاب ،بين
اختياره منها وما يريد التعبير عنه.
أقسام علم المعاني
يتألف علم المعاني من األقسام التالية:
.6اإلنش ـ ــاو والخ ر :ينحصـ ـ ــر الكالم حس ـ ــب علما اللغة إلى خبر وإنش ـ ــا ،فالجملة الخبرية عي
الجملة ال ي اش ــتمل .على خبر ما فمض ــمو ها إخبار عن أمر ما إيجابا أو س ــلبا ،والقص ــد منها
اإلعالم بأن الحكم الذي اشتمل .عليه له واقع خارج العبارة الكالمية مطاب ،له.
52
أما الجملة اإلنش ـ ـ ــائية فشي الجملة ال ي لم تش ـ ـ ــتمل على خبر وإنما أنش ـ ـ ــأ النط ،ها حدثا ما،
ك نشـ ـ ــا طلب الفعل إذا قل .البن اسـ ـ ــقني أو قل .له اجتهد ،وك نشـ ـ ــا طلب الفهم إذا قل.
للفقيــه هــل يجوز أن أفعــل كــذا؟ أو مــا حكم كــذا ش ـ ـ ـ ــرعــا؟ ونحو ذل ـ ،فليش القصـ ـ ـ ـ ــد من
الجملة اإلنشائية اإلعالم.1
.1اإلسـ ــناد في الجملة :وهو ـ ــم كلمة أو ما يجري مجراها إلى أخرا ليفيد بأن مفهوم إحداهما
يس ـ ـ ــتند إلى مفهوم األخرا سـ ـ ـ ــوا أكان اإلسـ ـ ـ ــناد حقيقي أو مجازي .ويمكن تلخيص عناصـ ـ ـ ــر
اإلسناد وأشكاله األساسية في الشكل الموالي (الشكل رقم .)1
الشكل رقم :3اإلسناد في الجملة الكالمية.
53
.1اإليجا واإلطناب او المساواة
إن كل المعاني ال ي يعبر عنها لفظا يعبر عنها ب حدا هذه الطرق الثال :
-اإليجــا :هو تــأديــة المعنى المراد بــأقــل عــدد ممكن من األلفــاظ ،وهو الكالم المتص ـ ـ ـ ـف
بـاإليجـاز غير املخل مع مطابقته لمقتض ـ ـ ـ ـ ى الحال ،فاإليجاز يطل ،على الكالم الدال على
معان كثيرة بعبارات قليلة وجيبة دون إخالل بالمراد.1
-المس ـ ـ ـ ـ ــاواة :عي أن يكون اللف مس ـ ـ ـ ـ ــاوي ــا للمعنى دون زي ــادة أو نقص ـ ـ ـ ـ ــان ،وهو الكالم
المتص ـ ــف بالمس ـ ــاواة بين ألفاظه ومعانيه مع مطابقته لمقتضـ ـ ـ ى الحال .فالمس ـ ــاواة عي
التطاب ،التام بين المنطوق من الكالم وبين المراد منه دون زيادة وال نقصان.2
-اإلطنــاب :هو الكالم المش ـ ـ ـ ــتمــل على زيــادة ذات فــائــدة ،مع مطــابقتــه لمقتض ـ ـ ـ ـ ى الحــال.3
واإلطنــاب آليــة بالغيــة تفيــد تــأكيــد الكالم وتقويــة الحجــة والزيــادة في حض ـ ـ ـ ــور المعــاني في
ذهن المتلقي ،وهو تأدية المعنى بعبارة زائدة عن متعارف أوصـ ـ ـ ــاف البلغا لفائدة تقوية
وتوكيد المعنى .4يصـ ـ ــنفه بعض البالغيين ـ ــمن األدوات البيانية في حين يصـ ـ ــنفه فري،
آخر من علم المعاني.
ويتميب اإلطنـاب عن التطويـل والتكرار فـاإلطنـاب هو زيـادة اللف على المعنى لفـائـدة ،أما
التطوي ــل فهو زي ــادة اللف عن المعنى لغير ف ــائ ــدة .أم ــا التكرار ف ـ ن ــه دالل ــة على المعنى
مرددا باستعمال ذات اللف والعبارة.5
ويكون الكالم بليغا إذ و ــع كل قســم من هذه األقســام في مو ــعه المالئم له وروعي فيه
مقتض ى حال المتلقي.
54
.9الفصل والوصل:
يراد بـالوص ـ ـ ـ ــل الربط بين أجزا الكالم بحرف عطف ،ويراد بـالفص ـ ـ ـ ــل عـدم الربط بين أجزا
الكالم بحرف عطف .1الوص ــل هو أن يقص ــد التش ــري بين جملتين في الحكم مع وجود جهة
جامعة بينهما ،أما الفص ــل فهو عكش ذل .وقد اهتم البالغيون بالبحث الس ــتخراج األسـ ــش
الفكرية العامة للفصـ ـ ــل والوصـ ـ ــل بين الجمل ،واعتبروا إدراك ذل من األمور ال ي تحتاج إلى
ذ ـكـا إلدراك مــدا التاليي واالفتراق ،والتقــارب والتبــاعــد بين المض ـ ـ ـ ــامين الفكريــة للجمــل ال ي
يتلو بعض ــها بعض ــا في الكالم .وهو ما قد يص ــعب على الكثيرين إدراكه ،فال يس ــتطيعون دوما
تحديد ما يجب أو يحســن فصــله ،وما يجب أو يحســن وصــله .وال تكتســب ملكة و ــع كل من
الفص ـ ـ ـ ــل والوص ـ ـ ـ ــل في مو ـ ـ ـ ــعه المالئم بالتلقائية إال بالممارس ـ ـ ـ ــة الطويلة ،مع حش فطري
مرهف وموهبة بالغية ممتازة.
ُ -3
علم البديع
البديع لغة من فعل ف"ب فد فع" ،يقال بدع فالن الش ـ ـ ـ ي يبدعه بدعا إذا أنش ـ ـ ــأه على غير مثال س ـ ـ ــب،،
فالفاعل للشـ ـ ي بديع ،والشـ ـ ي المفعول بديع .وقد أطلق .كلمة "البديع" على العلم أو الفن الجامع
والش ـ ـ ــارح للبدائع البالغية المش ـ ـ ــتملة على املحس ـ ـ ــنات المعنوية واملحس ـ ـ ــنات اللفظية من منثورات
جمالية في الكالم ،مما لم يلح ،بعلم المعاني وال بعلم البيان2.
55
أقسام علم البديع:
.6البديع اللفظي (املحس ـ ــنات الجمالية اللفظية) :عي ما يش ـ ــتمل عليه الكالم من زينات جمالية
لفظية قد يكون ها تحسـ ــين وتزيين في المعنى أيضـ ــا ولكن تبعا ال أصـ ــالة ،كالجناس والسـ ــجع
والتصريع واالقتباس والتضمين.
أ .الجناس :التجنيش أن تأتي الكلمة تجانش أخرا في بي .شــعر أو كالم ،ومجانســتها لها أن
تش ـ ـ ـ ــفههــا في تــأليف حروفهــا ،أي أن يكون اللف واحــدا والمعنى مختلفــا .وعليــه فــالجنــاس
هو تشـ ـ ـ ــابه اللفظين في النط ،واختالفهما في المعنى .وهذان اللفظان المتشـ ـ ـ ــا هان نطقا
املختلفان معنى يسـ ــميان "ركني الجناس" وال يشـ ــترط في الجناس تشـ ــابه جميع الحروف،
بل يكفي في التشابه ما نعرف به املجانسة.1
ب .السـجع :هو تواف ،الفاصـلتين من النثر على حرف واحد ،يقول السـكاكي "السجع في النثر
كالقافية في الشعر" .وأحسن السجع ما لم يتعدا منبلة االعتدال.
.1البــديع المعنوي (املحس ـ ـ ـ ـنــات الجمــالي ــة المعنويــة) :عي مــا يش ـ ـ ـ ــتم ــل عليــه الكالم من زين ــات
جمـاليـة معنويـة قــد يكون هـا أحيـانــا تحس ـ ـ ـ ــين وتزيين في اللف أيض ـ ـ ـ ــا ولكن تبعـا ال أص ـ ـ ـ ــالــة،
كالطباق والمقابلة والتورية وحسن التعليل والتبديل وغيرها...
أ .الطباق ويسـمى أيضـا المطابقة والتضـاد :هو الجمع بين ـدين أو بين الش ي و ده في كالم
أو بي .شـ ـ ــعر ،كالجمع بين اسـ ـ ــمين متض ـ ـ ــادين (الليل والنهار البياض والسـ ـ ــواد الحس ـ ـ ــن
والقبح )...أو الجمع بين فعلين متضادين (يظهر ويبطن يعز ويذل يحلي ويمي )....وكذل
الجمع بين حرفين متض ـ ــادين نحو قوله تعالى ْلها ما كس ـ ــب .وعليها ما اكتس ـ ــب .].وقد تكون
المط ــابق ــة ب ــالجمع بين نوعين مختلفين كقول ــه تع ــالى ْأومن ـك ــان ميت ــا ف ــأحيين ــاه] ف ــأح ــد
المتضادين اسم واآلخر فعل.
-1عبد العزيز عتيق ،في البالغة العربية :علم البديع ،دار النيضة العربية ،بيروت ،د.ت ،ص .691
56
ب .المق ـ ــابل ـ ــة :عي إيراد الكالم ثم مق ـ ــابلت ـ ــه بمثل ـ ــه في المعنى واللف على وج ـ ــه الموافق ـ ــة أو
املخـالفـة .1وقد عرفها ابن رش ـ ـ ـ ــي ،القيرواني على أ ها ترتيب الكالم على ما يجب ،فيعطم أول
الكالم مـا يلي ،به أوال وآخره ما يلي ،به آخرا ،ويؤتم في المواف ،بما يوافقه ،وفي املخالف بما
يخالفه ،وأكثر ما تجي المقابلة في األ داد ف ذا جاوز الطباق دين كان مقابلة.2
ومنـه فـالمقـابلـة عي أن يؤتم بمعنيين متوافقين أو معـان متوافقـة ،ثم بمــا يقـابلهمـا أو يقـابلهــا
على الترتيــب ،ومن أمثل ـة ذل ـ قولــه تعــالى ْيخرج اليي من الميــ .ويخرج الميــ .من اليي]،
وقولــه ص ـ ـ ـ ــلى اللــه عليــه وس ـ ـ ـ ــلم ْإن للــه عبــادا جعلهم مفــاتيح الخير مغــالي ،الش ـ ـ ـ ــر] .وتزيــد
المقــابلــة عن مقــابلــة اثنين اثنين إلى ثالثــة ثالثــة وهكــذا كقولــه تعــالى ْفــأمــا من أعطم واتقم
وص ــدق بالحس ــنى فس ــنيس ــره لليس ــرا ،وأما من بخل واس ــتغنى وكذب بالحس ــنى فس ــنيس ــره
للعسرا].
ج .التورية :ويقال لها أيض ــا اإليهام ،وعي في اص ــطالح رجال البديع أن يذكر المتكلم لفظا مفردا
لــه معنيــان ،قريــب ظــاهر غير مراد ،وبعيــد خفي وهو المراد ،3ألجــل هــذا س ـ ـ ـ ــمي هــذا النوع
إيهــامــا .من أمثلــة التوريــة قولــه تعــالى ْالرحمن على العرد اس ـ ـ ـ ــتوا] فكلمــة التوريــة هنــا عي
"اس ـ ــتوا" واالس ـ ــتوا كما يقول الزمخش ـ ــري على معنيين أحدهما االس ـ ــتقرار في المكان وهو
الم فو َّرا بــه غير المقص ـ ـ ـ ــود ،والثــاني االس ـ ـ ـ ــتيال والملـ ،وهو المعنى البعيــد
المعنى القريــب ُ
الم فو َّرا عنه وهو المراد.4
ُ
د .حس ــن التعليل :يكون حس ــن التعليل في الكالم بأن يسـ ــتبعد المتكلم صـ ـراحة أو ـ ــمنا علة
الش ي المعروفة ،ويأتي بعلة أدبية طريفة تناسب الغرض الذي يقصد إليه.
-1أبو هالل الحســن بن عبد الل بن ســيم العســكري ،كتاب الصــناعتين :الكتا ة والشــعر ،تحقيق علي محمد البجاوي إمحمد أبو الفضــيم
إب ار يم ،ط ،1دار الفكر العربي ،6996 ،ص .119
-2أبي الحسن ابن رشيق القيرواني ،العمدة ،تحقيق عبد الحميد هندوي ،ج ،1مرجع سابق ،ص .69
-3عبد العزيز عتيق ،مرجع سابق ،ص .611
-4المرجع نفس ،ص .611
57
أقسام الكالم من المنظورالبالغي واستخداماتها التواصلية
ترتبط البالغـة كمـا س ـ ـ ـ ــبقـ .اإلش ـ ـ ـ ــارة إليـه بـالكالم ،وقـد حـدد عبـد الرحمان الميداني ثالثة أركان
للكالم البلي تكس ـ ـ ـ ـبــه ارتقــا أدبيــا وتعطيــه جمــاال وإبــداعــا ورونقــا وحيــاة وقــدرة على التــأثير والهيمنــة
على النفوس واألفكار والقلوب ،وعي:1
-1عبد الرحمان حسن حبنكة الميداني ،البالغة العربية أسسيا ،علوميا وفنونيا ،دار القلم ،دمشق ،6991 ،ص .19
-2أبو ةاهر محمد بن حيدر البغدادي ،قانون البالغة في نقد النثر والش ـ ـ ــعر ،تحقيق محس ـ ـ ــن عيار عجيم ،ط ،6مؤسـ ـ ـ ـس ـ ـ ــة الرس ـ ـ ــالة،
بيروت ،6996 ،ص ( 19-11بتصرف).
58
.6اللفظ المفرد :وهو بدوره ينقسم إلى أربعة أقسام:
-اللين السهل
-القوي الجزل
-الحو ي الغريب ،أي ما قل استعماله لثقله على األلسنة
-الصعب الجموح
وفي االتص ــال ،يس ــتحب اس ــتعمال األلفاظ اللينة الس ــهلة والقوية الجزلة مع مراعاة حال المتلقي
وما يس ــره من المفردات ويالئم ذوقه ولغة قومه .ويحس ــن به أن يختار لبعض المو ــوعات مفردات
ذات جرس موسيقي وإيقاع رشي ،،ويختار أيضا من الكلمات ما يالئم المعنى ومن لين أو قوة وجزالة
ويختار أيض ــا من الكلمات أيضـ ــا ما هو ألي ،بالمناسـ ــبة وبالمو ـ ــوع العام للكالم وأكثر مالئمة لهما،
ويبتعد عن الحو ي والغريب إال في مجال التعليم أو لنك .أدبية خاصة.
.1اللفظ المركب وله تقسـيمات من ثال جهات :جهة السـب وجهة الكثافة وجهة تواصل
الجمل بأدوات الربط أو تفاصلها.
أ -ينقسم اللف المركب من جهة السب إلى أربعة أقسام:
-المتالئم المتناس ،،المتوائم السهل حسن السب ،
-المتنافر الصعب ف
الع ْسر النط،،
عيف اإلنشا ، -س ل ْي السب
-معقد الترابط صعب الفهم.
وعلى المتصـل أن يتحرا أن يكون كالمه سـليما من أن يكون سـلا السب ،عيف اإلنشا ،ومن
أن يكون معقد الترابط صــعب الفهم .وح ى يتمكن من ذل عليه بصــياغة جمل فنية ســهلة الفهم ال
توقع املخاطب بارتباك في ربط مفردات الجملة ،ورصـ ــف الجمل رصـ ــفا يثير االسـ ــتحسـ ــان واإل جاب
لــدا املخــاطــب ،وأن يجعــل بعض الس ـ ـ ـ ــجع غير المتكلف وال المتص ـ ـ ـ ــنع مع محس ـ ـ ـ ـنــات بــديعيــة تــأتي
مناسبة محببة غير متكلفة وال متصنعة.
59
ب -من جهة الكثافة ،ينقسم الكالم إلى ثالثة مراتب تعرف عند علما البالغة بــ:
-اإليجاز أو الكالم الموجز املختصـر ،ولهذه المرتبة عدة درجات ما بين شــديد الكثافة أي
ش ــديد اإليجاز واالختص ــار ح ى مس ــتوا الرمزية ،وما بين كثافة يتحمل اإلنس ــان العادي
فهمها ولكن بش ي من الممارسة والتدرب.
-المساواة وعي الكالم المتوسط البسط ،حيث يكون لكل فكرة يراد الداللة عليها لف أو
صيغة تدل عليها ،وعي المرتبة ال ي يستحب استخدامها في معظم األحوال.
-اإلطناب أو الكالم المبس ـ ـ ــوط وهو ما لو حذف منه ـ ـ ـ ي بالنس ـ ـ ــبة إلى حال املخاطب به
لفهم المراد من الكالم فهما تاما دون كد ذهني وال تأمل طويل ولما حد لديه أي ارتباك
فكري أو غموض.
ج -ويبقم التقسيم من جهة تواصل الجمل بأدوات الربط وتفاصلها فيما يعرف ب ــ:
-الوصل
-الفصل
ثانيا :المعنى وهو ينقسم بدوره إلى مداخل ثالثة
-0من جهة أن يكون للمعنى لف لغوي مو ــوع أو مســتعمل في ُعرف الناس أو في مصــطلحاتهم
للداللة عليه أو ليش له لف يدل عليه.
-0من جهة الداللة على المعنى إما عن طري ،األس ــلوب الكالمي المباش ــر أو عن طري ،األس ــلوب
الكالمي غير المبـاش ـ ـ ـ ــر .ويفرق في هــذا المقـام علمـا البالغــة بين ثالثـة أس ـ ـ ـ ــاليـب للـداللـة على
المعنى:
أ -األس ـ ـ ــلوب المباش ـ ـ ــر الس ـ ـ ــافر :وهو األس ـ ـ ــلوب الذي تكون فيه الداللة على المعنى المراد
ب ــاللف المو ـ ـ ـ ــوع ل ــه لغ ــة ،وهو مــا يس ـ ـ ـ ــمى حقيق ــة لغوي ــة ،أو ب ــاللف الــدال عليــه في
االسـ ـ ـ ــتعمال العام الدارج وهو ما يسـ ـ ـ ــمى حقيقة في العرف العام ،أو باللف الدال عليه
عند أهل علم من العلوم أو فن من الفنون ويسمى حقيقة في االصطالح الخا .
60
ب -األسـ ــلوب المالمش بسـ ــاتر وهو األسـ ــلوب الذي يسـ ــتخدم فيه للداللة على المعنى المراد
عن طري ،التشبيه والتمثيل أو االستعارة أو املجاز المرسل.
ت -األس ــلوب غير المباش ــر والذي يكون بالتعبير عن فكرة لتفهم معها فكرة أخرا عن طري،
اللوازم العقليــة القريبــة أو متوس ـ ـ ـ ـطــة القرب أو البعيــدة .وهــذه الفكرة األخرا إنمــا يريــد
المتكلم اإلشـارة إليها من طرف خفي وال يريد التعبير عنها بأسـلوب مباشــر لغرض بياني أو
تربوي أو أي غرض آخر يقصده.
كثيرا ما يلجأ المتكلم (المتصل) إلى استخدام هذا األسلوب من أجل:
-ع ــدم مواجه ــة املخ ــاطبين بم ــا يري ــد إعالمهم ب ــه ل ــدواع تربوي ــة او ل ــدواع نفس ـ ـ ـ ـي ــة كع ــدم
المواجهة بالتكليف وعدم المواجهة بالنقد والعتاب واللوم،
-إر ــا نفي من يخاطب به إذ يشـ ــعره بأنه محترم مقدر من ْقبل من يخاطبه دون الحاجة
إلى صريح القول،
-إخفا المراد على جمهور المس ــتمعين وإش ــعار املخاطب وحده بالرمز ألغراض س ــياس ــية
أو عسكرية او تربوية أو غيرها،
-تزيين الكالم ليكون أكثر تــأثيرا في نفوس املخــاطبين ،التوص ـ ـ ـ ــل عن طري ،اللوازم العقليـة
إلى معان قد ال يكون لها ألفاظ تدل عليها داللة مباشرة،
-إمكـان التهرب من إرادة المعنى عنـد اإلحراج وذل إذا كان .إرادته تس ـ ـ ـ ــو املخاطب به أو
تسو غيره من أنداده أو حساده أو غيرهم.
وال يص ــل أن يكون كل الكالم جاريا وف ،أسـ ــلوب غير مباشـ ــر بل يجب أن يكون في غضـ ــون الكالم
الجاري على األسلوب المباشر وبمقدار األغراض البالغية.
61
-منها ما هو باطل بال ريب
-منها ما يترالل في الظن أنه ح ،،وتختلف نسبة الرالحان
-منها ما يترالل في الظن أنه باطل وتختلف نسبة الرالحان
-منه ــا م ــا هو واقف في المنطق ــة المتوس ـ ـ ـ ـط ــة تم ــام ــا ،وعي األمور ال ي تك ــاف ــأت قوت ــا النفي
واإلثبات بالنسبة إليها فال عي راالحة إلى جانب الح ،وال إلى جانب الباطل.
ب -اما القيم الجمالية ،فشي ترتبط باألقسام التالية:
-تناس ،األفكار وترابطها
-االنتقال من الجذور واألصول في األفكار إلى الفروع الكبرا
-محاكاة الواقع بتصوير فني يبرز الحركة والحياة والمشاعر
-الصدق في التعبير عن الحقيقة أو عن المشاعر واألحاسيش واآلمال والرغبات
-ما تشتمل عليه المعاني مما يحرك في الناس المشاعر الوجدانية أو النفسية والعواطف
-ما ي جب األذهان من إشراقات ذكا وأفكار جديدة مبتكرة
-ما يسر الخيال وي جبه ُويمتعه مما يرب ي الرغبات النفسية ال ي يتمناها اإلنسان
وقد حاولنا من خالل الشـ ـ ــكل رقم 16كل أقسـ ـ ــام الكالم حسـ ـ ــب ما أورده عبد الرحمان الميداني في
كتابه البالغة العربية أسسها ،علومها وفنو ها.1
62
62
خالصة
للبالغـة منبلـة رفيعـة بين العلوم العربيـة ،فشي تعنى بمالئمـة الكالم للمقـام الذي قيل فيه ووفائه بالمعنى
ف ُ
الجميل واضـ ـ ـ ــحا بعبار ٍة
ْ المراد ،وو ـ ـ ــوح المعنى وجمال األسـ ـ ـ ــلوب .بالتالي تسـ ـ ـ ـ ى البالغة إلى ت ْأد فية المعنى
كل كالم للموطن الذي ُي ُ ف ُ فف ل َّ ف ف
فيه ،واألش ـ ـ ــخا ْ
قال ْ ْ فش أثر س ـ ـ ــاحر ،مع مال م ْة ْ ٍ يحة فص ـ ـ ــيحة ،لها ْفي الن ْ
ص ـ ـ ـ ْح ٍ
ف ف َّال ف
ذين ُيخاط ُبون .وعليه فلدراسة البالغة أهمية كبيرة في حياتنا من أهم تل الفوائد:
-تس ــاعد المتكلم على ص ــياغة كالمه وفقا للمناس ــبة ،وتعين القارج على إدراك جمال أو قبح ما يقرأ،
وتعطي الناقد آالت النقد وأحكامه.
63
امتـ ــدادات البالغة أو إم راطورية البالغة:
لقد أص ــبح .البالغة -حس ــب الفيلس ــوف األلماني والتر جينب ( -)Walter Jensملكة العلوم اإلنس ــانية
قديما وحديثا ،إمبراطورية منفتحة على مجموعة من المعارف والتخص ـ ـ ـصـ ـ ــات .فبينما كان .تهتم بوصـ ـ ــف
الخطابات األدبية ،وتكتفي بتصـ ــنيف صـ ــور البيان والبديع ،أصـ ــبح .تهتم بتبيان دورها اإلقناعي والجمالي
وإإلمتاعي في و منا ج معاصرة لسانية وأسلوبية وسيميائية.
أص ــبح .البالغة منذ منتص ــف القرن العش ــرين مدخال أس ــاس ــيا إلى جميع املجاالت العلمية والمعرفية
والثقافية واألدبية والفنية ،بعد أن تعددت المعارف اإلنس ـ ــانية ،وكثرت التخصـ ـ ـص ـ ــات العلمية ،وتداخل.
العلوم فيم ــا بينه ــا .بي ــد أ ه ــا جميع ــا تنطل ،من منبع واح ــد هو البالغ ــة .ومن ثم ،فق ــد حظي ــ .ه ــذه األخيرة
بمكانة كبرا بين أخواتها من المعارف والتخص ـصــات والعلوم ،وصــارت من جية إجرائية ال يمكن االســتغنا
عنها في تحليل مختلف الخطابات كالخطاب الديني ،والخطاب الس ـ ــياسـ ـ ـ ي ،والخطاب الفلس ـ ــفي ،والخطاب
اللغوي ،والخطـاب األدبي ،والخطـاب الفني ،والخطـاب االجتمـاعي ،والخطـاب العلمي...ممـا دفع بـالعـديـد من
الباحثين إلى الحديث عن البالغة بصــيغة الجمع (بالغات 1)Des rhétoriquesإذ أ ها ماثلة في كل النصــو
وفي كـل أش ـ ـ ـ ـكـال التواص ـ ـ ـ ــل ذات األبعاد الحجاجية ،األس ـ ـ ـ ــلوبية واألدبية .واعتبار البالغة الجدیدة بالغات
متعــددة ال عني تنــازع ــا ،أو تن ــافر أقط ــاب ــا ،ب ــل على العكش من ذل ـ ،ثم ــة ت ــداخ ــل وتعــا ـ ـ ـ ـ ــد بين ھــذه
البالغات لتأس ـ ـ ــیش ص ـ ـ ــرح بالغة عامة مؤھلة لتش ـ ـ ــكل الخلف،ة النظر ة والعدة التطب،ق،ة لتبود الدراس ـ ـ ــة
النق ــدی ــة بم ــا تحت ــاج إل ،ـه لمق ــارب ــة الخط ــاب الت ــداولي والتخ،،لي ،و ــذكر محم ــد مش ـ ـ ـ ـب ــال ب ــأن المنجزات
الش ـ ـ ـ ــكالن،ــة والــدراس ـ ـ ـ ــات األس ـ ـ ـ ــلوب،ــة ال یمكن أن تحــل محــل البالغــة بــل تعتبر 1داخلــة في دائرة البالغــات
المتشـكلة على مدا تاريخ االنسان،ة .فالبالغة –كما یرا معظم المفكر ن البالغ،ين المعاصر ن – ماثلة في
-عبد الل صـ ـ ــولة ،البالغة العربية في ضـ ـ ــوء البالغة الجديدة ،في الحجاج مفيوم ومجاالت ،ج ،6ط ،6عالم الكتب الحديث ،اهردن،1161 ، 1
ص .19
64
كل النصـ ــو ،بل إن ا مكون طب ،ي في أشـ ــكال التواصـ ــل اإلنسـ ــاني ...ھذا ھو مو ـ ــوع البالغة ،الذي قد
یتجس ـ ـ ـ ــد أح،ـانـا في مجموعـة من البن،ـات اإلقناع،ة (البالغة الحجاج،ة) ،وأح،انا في مجموعة من الص ـ ـ ـ ــور
والوجوه األس ـ ــلوب،ة ذات الوظ،فة التحس ـ ــ،ن،ة (بالغة املحس ـ ــنات) ،وأح،انا أخرا قد یتجس ـ ــد في مجموعة
من الص ،التعبيرية والتصو ر ة ال ي تفرزھا مختلف األجناس واألنواع واألشكال والنصو األدب،ة.1...
مفهوم البالغ ــة الجدي ـ ــدة وأهم اتجاهاتها
يمكن الحديث – اليوم -عن بالغتين أس ـ ـ ــاس ـ ـ ــيتين :بالغة كالس ـ ـ ــيكية تقليدية تتس ـ ـ ــم بطابعها المعياري
التعليمي ،وبالغــة جــديــدة علميــة لس ـ ـ ـ ــانيــة وةجــاجيــة تعنى بوص ـ ـ ـ ــف الخطــاب البالغي ،مع تبيــان قواعــده
بنياته ودالالته ووظائفه التداولية والحجاجية. المضمرة ،واستخال
وتعني البالغة في العص ــر الحديث فن أو علم االس ــتعماالت األدبية للغة ،كما أص ــبح .مادة دراسـ ـتها عي
فاعليه التواصـ ــل وتأثيره العام ،إ ـ ــافة إلى طرائ ،تحقي ،الصـ ــفة الفنية الرفيعة .وقد ظهرت هذه البالغة
نتيجة التحوالت ال ي المس ـ ــ .مفهومها العام ومن ثم أدواتها ومن جها في التحليل ،وقد اس ـ ــتندت في هذا كله
إلى الصــحوة المفاجئة والنوعية واالنبعا البالغي الواضــل في القرن العش ــرين ،ولم تعد كما كان .من قبل
تقتص ـ ـ ــر البحث في عملية االقناع وتحليل الخص ـ ـ ــائص الجمالية لةس ـ ـ ــلوب ،إذ ا ها تجاوزت البعد الجمالي
الذي انحص ــرت فيه بش ــكل ص ــارم من قبله واخذت طابع العلمية ونزع .تحاول ان تص ــبح علما قائما وفقا
نظريه متخصصة.2
ويمكن القول لأن البالغة في المرحلة الحديثة أخذت ل
توجهين بارزين:
ل ل
-نحـا لأولهمــا بمفهومهــا منيى جـدل ًّيـا ،س ـ ـ ـ ـ ى إلى امتالك معرفــة دقيقــة .ولعلـه الهــدف الــذي توخـاه
كتاب "خطاب المن ج" ،فص ـ ـ ــاحبه (ديكارت) ص ـ ـ ــاغ على غرار أجزا النس ـ ـ ــ ،البالغي الخمس ـ ـ ــة
ل
األدلة ،وترتيب أقس ـ ــام القول ،واألس ـ ــلوب ،ل
ثم الذاكرة، (المص ـ ــطلل عليها تباعا ب يجاد مص ـ ــادر
ل
فـاإللقـا ) قواعـد من ج ليـة ذات خطوات تحليل ليـة ممـاثلـة ،مبتـد ها المس ـ ـ ـ ــلمة ومنتهاها التركيب،
-محمد مشبال ،البالغة واهصول ،أفريقيا الشرق ،المغرب ،1119 ،ص .9 1
-ار ح محمد حس ـ ـ ــاين ،س ـ ـ ــعاد بن س ـ ـ ــنوس ـ ـ ــي ،البالغة الجديدة ،قراءة في المفيوم واالتجاهات ،مجلة العلوم اإلنس ـ ـ ــانية ،المجلد ،11عدد ،6جوان 2
65
مرورا بــالتفكي ـ والبرهنــة .غير أ ل هــا ،على عكش األولى – منجــذبــة ص ـ ـ ـ ــوب التحليــل الريــاب ـ ـ ـ ـ ي،
يحركهــا ه ــاجش بح ــث جوانــب التض ـ ـ ـ ــليــل والحــدس والحقيق ــة في اإلقنــاع ،تح ــدوهــا الرغبــة في ل
ل ل
التوصل إلى نتائك تتسم بالضبط والصرامة العلميين.1
ُ
-أ لم ـا التو لج ـه اآلخر فجعــل البالغــة مرادفــة لةس ـ ـ ـ ــلوب ح ل ى بــاتــ .تعرف بــه" ،فــأض ـ ـ ـ ـحــ .اللغــة
كل من "مجازات" (ديمارسـ ــيه 6911م) و"صـ ــور الخطاب" املجازلية ،على إثره ،مو ــوع دراسـ ــة ل
لدا (فونتانلي 6911م) ،اسـ ــتقصـ ــا منهما ألدواتها وصـ ــورها ،ل
مما سـ ــيكون له األثر الواضـ ــل في
ل
"األسلوبية.2 قرا ات ل
بالغية عديدة ،وعلى رأسها
وعليه نجد البالغة الجديدة تتأس ـ ــش بش ـ ــكل كبير على تعا ـ ــد فكرتين أس ـ ــاس ـ ــيتين :الفكرة الظاهراتية
وعمـادهـا مقولـة "هـايـدغر" ور يتـه للغة علال أ ها تمثل الوجود بكل أبعاده ،والمنطل ،التأويلي وعمادهما أن
اللغة المرســلة لمتكلم معين ثم تفكيكها والغو فيها للوصــول إلى مكوناتها األســاســية وعالقتها بالمتكلمين
واملخاطبين.3
وقد تفرع .عن البالغة الجديدة مجموعة من االتجاهات اهتم .بالبعد البالغي بش ـ ـ ـ ــكل من األش ـ ـ ـ ــكال،
وسنحاول استعراض أهم تل االتجاهات فيما يلي:
-1أمينة الدهري ،الحجاج وبناء الخطاب في ضوء البالغة الجديدة ،ط ،6شركة النشر والتوزيع المدارس ،الدار البيضاء ،،1166ص.1
-2
لمتنوعة ـلوبية والبالغة أل ،وكتا ات ش ــكري ّ
عياد ا ّ طلب في كتا أل اهس ـ ّ قدم العرب المحدثون د ارس ــات عديدة في ه ا الباب ،من مثم ّ
محمد عبد الم ّ ّ
ـلوبية ،اختيار وترجمة
في ل ،وعلى أرس ـ ـ ــيا مقالت ألالبالغة العر ّبية وعلم اهس ـ ـ ــلوبأل التي ختم بيا كتا ألاتّجاهات البحث اهس ـ ـ ــلوبي :د ارس ـ ـ ــات أس ـ ـ ـ ّ
أحدد المعالم الرئيسـ ّـية لد ارســة اهســلوب اهدبيعياد :ألأحاول في ه ا المقال أن ّ وإضــافةأل ،دار العلوم ،ط ،6الريار ،6991ص .111 -166يقول ّ
العامة لعلم اهس ـ ــلوب ،التي تس ـ ـ ّـوي لنا أن نقرن بين وبين
كم ما يجب تمييده بين يدي ه ه الد ارس ـ ــة هو بيان الس ـ ــمات ّ
ولعم ّ
في البالغة العربيةّ ،...،
علم البالغة ،أو أن ننسب علم البالغة إلي أل ص.166
-ار ح محمد حسـ ـ ــاين ،سـ ـ ــعاد بن سـ ـ ــنوسـ ـ ــي ،البالغة الجديدة ،قراءة في المفيوم واالتجاهات ،مجلة العلوم اإلنس ـ ـ ــانية ،المجلد ،11العدد ،6جوان 3
،1111ص ص .911-996
التداولية والحجاج :مداخم ونصوص ،ط ،6دار صفحات للدراسات والنشر ،دمشق ،1119ص.61
ّ -.4صابر الحباشة،
66
ويض ـ ـ ــرب الحجاج بجذور قوية في الخطاب العربي حيث لعب دورا كبيرا في الحياة الدينية والس ـ ـ ــياس ـ ـ ــية
واللغوية .وال ش ـ ـ ـ ـ أن اهتمام علما اللغة والدين باإل جاز القرآني لم ينف من اإلش ـ ـ ـ ــارة إلى هذا المطلب
األس ــاس ـ ي من مطالب البالغة العربية وعي المطلب الحجاجي .والمتأمل في كتاب الجاح " البيان والتبيين"
يجد موا ـ ـ ــع كثيرة تضـ ـ ــمن .كالما يدل على فهم عمي ،للحجاج اللغوي وآلياته .والمالحظة ذاتها تنسـ ـ ــحب
على شــيخ البالغة العربية عبد القاهر الجرجاني الذي س ــجل .كتاباته وقفات متعددة مع الحجاج في كالمه
عن املجاز واالستعارة.
غير أن الحــديــث المعــاص ـ ـ ـ ــر عن الحجــاج ونظريــاتــه تحيــل مبــاش ـ ـ ـ ــرة إلى رائــد البالغــة الجــديــدة والحجــاج
الباحث البلجيكي "شــايم بيرلمان" وال يمكن الحديث عن البالغة الجديدة بعيدا عن اســمه إذ يعود الفضــل
إليـه إلطالق مس ـ ـ ـ ــمى البالغـة الجـديـدة ،وقـد ربطهـا بـالحجـاج واإلقناع ،متأثرا في ذل بالفيلس ـ ـ ـ ــوف اليوناني
أرس ــطو الذي أعطم اهتماما كبيرا للجانبين العقلي والنفس ـ ي معا إلحدا االس ــتمالة عبر الخطابة .ومن ثم،
ال يرا بيرلمان أي فرق بين البالغة والحجاج مادام هدفهما واحد وهو اإلقناع والتأثير على حد س ـ ــوا حيث
حدد مو ـ ـ ــوع نظرية الحجاج في دراس ـ ـ ــة تقنيات الخطاب في التأثير على العقول من أجل اس ـ ـ ــتمالتها .وأكثر
من ذل ،يذهب بيرلمان إلى القول بأن البالغة ةجاجية بامتياز .ويعني هذا أن الصــور البالغية واملحســنات
البديعية ذات وظيفة ةجاجية ليش إال .ومن ثم ،يقترن اسم بيرلمان بالبالغة الحجاجية.
لق ــد ش ـ ـ ـ ـه ــدت الثق ــاف ــة الغربي ــة المعــاص ـ ـ ـ ــرة م ــا دع ــا برلمــان إلى مث ــل ه ــذا االهتم ــام ،وهو واقع التع ــدد
واالختالف في مختلف مجاالت حياة االنسـ ــان السـ ــياسـ ــية واالقتصـ ــادية واالجتماعية والفكرية .هذا الواقع
الذي أدا إلى َ
تكون تيارات وأحزاب ومدارس متباينة ومتضـ ـ ــادة تسـ ـ ـ ى كل واحدة منها إلى نشـ ـ ــر ما لديها من
فكر أو معتقد أو بضـ ـ ـ ــاعة في سـ ـ ـ ــياق من الحرية ،فلم يعد أمام هذه التيارات إال اسـ ـ ـ ــتخدام حد الخطاب،
خطــاب التــأثير واالس ـ ـ ـ ــتمــالــة فش ـ ـ ـ ـاع هــذا الخطــاب إلى حــد يس ـ ـ ـ ــمح كمــا يقول برلمــان بــأن نطل ،على القرن
العشرين قرن الترويك والدعاية.
يعتبر ظهور كت ــاب بيرلم ــان "جمهوري ــة البالغ ــة"" ،"L’empire Rhétoriqueومص ـ ـ ـ ــنف ــه ب ــاالش ـ ـ ـ ــتراك مع
" Traité de ألـبـريـخ ـ ــ .تـيـتـيـك ـ ــا Olbrechts Tytecaبعنوان مص ـ ـ ـ ــنف في الحج ـ ــاج ،الخط ـ ــاب ـ ــة الج ـ ــدي ـ ــدة
،"l’argumentation La nouvelle rhétoriqueمنعرج ـا في البالغ ــة الج ــدي ــدة حي ــث أع ــاد لل ــدرس البالغي
مكانته ورونقه ،وربطه بخطاب اإلنسان وسلطته.
67
هذا ،وقد اهتم بيرلمان بالخصـ ــو بالخطاب أو ما يسـ ــمى عند أرسـ ــطو باللوغوس .وفي الوق .نفسـ ــه،
كان يعنى باإليتوس (القيم الفض ـ ــلى) والباتوس (األهوا واالنفعاالت) على حد س ـ ــوا .ويعني هذا أنه قد ركز
على ثالثة مرتكزات أسـ ـ ــاسـ ـ ــية في الخطاب البالغي ،عي :اللغة (اللوغوس) ،والمرسـ ـ ــل(اإليتوس) ،والمرسـ ـ ــل
إليه (الباتوس).
فقـد اهتم بيرلمـان بـالمرس ـ ـ ـ ــل أو الخطيب الذي يس ـ ـ ـ ــتعمل اللوغوس للتأثير على املخاطب ،لكن بيرلمان
يرا أنه ليش من الضــروري أن يخضــع المتكلم املخاطب لرغباته وأهوائه وقناعاته ،فيجعله يقتنع بخالصــة
أفكاره ،بل البد أن يعلم بأنه إنس ــان حر ،عليه أن يس ــتخدم عقله وةججه لتقويم األفكار المقدمة له ،ولو
كان .تعارض بشـكل من األشكال أفكار المتكلم جملة وتفصيال .ويعني هذا أن بيرلمان يؤمن بحرية اإلقتناع
والحجاج .فليش هناك إكراه أو جبر في عملية اإلقناع والتأثير.
وهذا ما يبرز األس ـ ـ ــاس األرس ـ ـ ــطي الذي انطل ،منه بيرلمان في نظريته البالغية-الحجاجية ،فقد ركز هذا
األخير على مجال المعقول فيما يتعل ،بالخطاب الحجاجي بحيث تتحق ،االس ـ ــتمالة في األس ـ ــاس اس ـ ــتدالل
منطقي قـابـل لالختبـار من قبل المتلقي ليأتي اختياره واعيا عاقال ،وقد قارب بيرلمان بين الحجاج والخطابة
لسببين أساسيين:1
.6المقامية :فالخطابة مقامية إذ تتبنى خص ـ ــوصـ ـ ــية المتلقي بمختلف جوانبه العقلية والنفسـ ـ ــية وما
يحيـا فيـه من مقـام اجتمـاعي وثقـافي ،لذا فالخطيب في حاجة ماس ـ ـ ـ ــة إلى معرفة اإلنس ـ ـ ـ ــان وش ـ ـ ـ ــؤون
االجتمـاع والس ـ ـ ـ ـيـاس ـ ـ ـ ــة .ويرا بيرلمـان أن ربط الحجـاج بـالخطابة لهذه المقامية يؤكد الحقيقة ال ي
تقول يتغير الحجاج بحس ـ ـ ــب المتلقي ،فالمتلقي هو محور الحجاج لذا يعد البعض نظرية الحجاج
نظرية مركزية المتلقي.
.1التســليم عن اقتناع :بحكم انطالق الخطابة من محتمالت ،فشي تنأا بالمتلقي من و ــعه في مو ــع
خضوع وا طرار إذ أنه حين يسلم بالنتائك ف نما يسلم ها بعد مناقشة المنطلقات واالقتناع ها.
إن تأكيد برلمان على ـ ــرورة قيام الحجاج على مبدأي المعقولية واالقتناع مرتبط لديه بغاية إنسـ ــانية
أسـ ـ ــمى ،وعي تحقي ،الحرية اإلنسـ ـ ــانية من حيث عي اختيار عاقل ،يقول بيرلمان" :إن الحجاج غير ملزم
-جميم عبد المجيد ،البالغة واالتصال ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة ،1111 ،ص ص .661-619 1
68
non contraignantوغير اعتبـاطي ،وهو مـا من ش ـ ـ ـ ــأنه أن يحق ،الحرية اإلنس ـ ـ ـ ــانية من حيث ممارس ـ ـ ـ ــة
االختيار العاقل.1
ويمكن إجمال تصور بيرلمان للحجاج في العناصر التالية:
.6االبتعــاد عن التص ـ ـ ـ ــور التقليــدي للخط ــابــة الــذي حص ـ ـ ـ ــر هــذه األخيرة في الخطــاب المنطوق أم ــام
الحشـ ــد أو جمهور العامة (مرحلة إنتاج الخطابة ال ي تطرب اآلذان وتسـ ــتميل القلوب) أو ما يعرف
بخطابة اإلمتاع .فقد انتقل بيرلمان إلى تصـ ـ ـ ــور جديد يدور حول تحليل خطابة معللة مبرهنة تميل
إليها العقول فيسـ ــتجيب لها السـ ــلوك ومثل هذه الخطابة ال تنحصـ ــر في مسـ ــتوا الجمع أو الحشـ ــد
وإنما تكون أيضا في مناقشة بين فردين وح ى بين المر ونفسه.2
.1االبتعاد عن فكرة اسـ ـ ـ ــتمالة العامة باالعتماد على دغدغة المشـ ـ ـ ــاعر ،فالخطابة الجديدة تشـ ـ ـ ــترط
المعقولية ال ي تحفظها من اللبش والس ـ ـ ــفس ـ ـ ــطة والمغالطة والمناورة .كما تجعل دور المتلقي إيجابيا
-عبد الل صـ ـ ــولة ،الحجاج أةره ومنطلقات من خالل مصـ ـ ــنع في الحجاج :الخطا ة الجديدة لبيرلمان وتيتيكا ،في حمادي ص ـ ـ ــمود وآخرون ،أهم 1
نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم ،كلية اآلداب منوبة ،تونس ،ص .116
2
- Perelman, Chaïm, and Lucie Olbrechts-Tyteca. New Rhetoric, University of Notre Dame Press, 1973.
https://www.perlego.com/book/1103341/new-rhetoric-the-a-treatise-on-argumentation-pdf 14 Oct. 2022.
69
يتلقم ويفكر ويرد وين ــاقش ،وفي ه ــذا القول إش ـ ـ ـ ـ ــارة واض ـ ـ ـ ـح ــة إلى مركزي ــة المتلقي في نظري ــة البالغ ــة
الجديدة.
بنا على ما سـ ــب ،،تقوم نظرية بيرلمان الحجاجية على اعتماد مقدمات Des Prémissesال يتم الحجاج إال
بــاعتمــادهــا وعي نقطــة انطالق االس ـ ـ ـ ـتــدالل لــدا الجمهور .تعتمــد هــذه المقــدمــات الحش المش ـ ـ ـ ــترك لــدا
املجموعة اللسانية ،وتتمثل فيما يلي:1
.6الوقائع ،Les faitsوعي المقدمات المشـ ـ ــتركة بين املجموعة اللسـ ـ ــانية أو بين جميع الناس وال ي ال
تقبل الش ،
.1الحقائ ،Les réalités ،وعي القدرة على الربط بين الوقائع وف ،نظريات علمية أو مفاهيم فلسفية
أو دينية (تفسير الوقائع)،
.1االفترا ـ ـ ـ ــات ،Les présomptionsوعي مقــدمــات مش ـ ـ ـ ــتركــة أيض ـ ـ ـ ــا بين النــاس ولكن اإلذعــان لهــا
والتسليم ها ال يتم إال بدخول عناصر تقويها ،إذ تحدد بالقياس إلى العادي أو املحتمل،
.9القيم ،Les valeursوعي مهمــة في املجــاالت غير العلميــة كــالقــانون والس ـ ـ ـ ـيــاس ـ ـ ـ ــة وتجعــل المتلقي
يذعن،
.1الهرميات ،Les Hiérarchiesوتتمثل في هرمية القيم وترتيفها ،وعي أهم من القيم نفسها،
.1المعــاني أو الموا ـ ـ ـ ــع ، Les Lieuxعي عبــارة عن مخــازن للحجج ،وعي أنواع ،منهــا موا ـ ـ ـ ــع الكم
حيث تحدد األفض ـ ــلية بمقياس الكم ،ومنها موا ـ ــع الكيف حيث تحدد األفض ـ ــلية بالجودة ،ومنها
أيض ــا موا ــع الترتيب كاعتبار الس ــاب ،أفض ــل من الالح ،،وموا ــع الموجود كأفضـ ــلية الموجود
والراهن على املحتمل والممكن.
ل
هكـذا تبقم البالغـة عي المس ـ ـ ـ ــيطرة على هـذا العلم الجديد أي الحجاج ،ألنه من رحمها خرج يوما ،وإليها
ـطية كان .حاملة -منذ اليوم ل
األول لميالدها- يعود ليحييها وليحلى هو ها من جديد .ح ل ى ل
لكأن البالغة األرس ـ ل
ل
فاعليته. بذور اكتمالها ،بوصفها خطابة ال تموت ،وةجاجا ال تنقض ي
-الطيـب رزقي ،البنيـة الحجـاجيـة في كتـاب الؤلؤ والمرجان فيما اتفق في الش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخان ،أةروحة دكتوراه في اللغويات ،كلية اآلداب واللغات ،جامعة 1
70
-0االتجــاه اللسان ــي (بالغة الصوروالخطابات):
تقوم اللغة في البالغة القديمة والجديدة بدور جوهري وفاعل في تحقي ،التأثير واالســتمالة ،فالمفردات
والتراكيب ال ي يختارها المتكلم أو المرس ـ ـ ــل عموما لوص ـ ـ ــف حد ما تعكش موقفه تجاه ذل الحد من
جهة ،وتض ـع ذل الحد في نســ ،تصــوري بعينه يؤثر في تحديد موقف المتلقي من الحد من جهة ثانية.
وال يتوقف دور اللغــة على إثــارة المش ـ ـ ـ ــاعر واالنفعــاالت (إيجــابيــة ـك ـانــ .أو س ـ ـ ـ ــلبيــة) من خالل التــأليف بين
المفردات والعبارات ،بل تقدم كذل ةججا منطقية تسـ ـ ـ ــتميل عقل المتلقيّ وعليه شـ ـ ـ ــكل .اللغة محورا
أساسا في البالغة الجديدة.
في هذا الس ــياق ،تش ــكل اللس ــانيات مجاال تقاطعيا بامتياز بين البالغة واالتص ــال ،خاص ــة مع إس ــهامات
فردنان دي سـ ــوسـ ــير الذي و ـ ــع الركائز األسـ ــاسـ ــية لعلم اللسـ ــانيات في القرن العشـ ــرين خاصـ ــة من خالل
التضاد الثنائي والثنائيات المشهورة كاللسان والكالم والدال والمدلول والتبامنية والتعاقبية.
إسهامات جماعة لييج البلجيكية
تأس ـســ .البالغة الجديدة ذات الطابع اللســاني ما بين ســنوات الخمســين والســتين من القرن العشــرين،
ُ
وتعنى بنظرية األدب ،ودراس ــة الص ــور البالغية ،ومن أبرز اإلس ــهامات ال ي طال .تجديد البالغة القديمة ما
قـامـ .بـه مجموعـة لييك البلجيكيـة أو جمـاعـة مو Groupe Uتح .مفهوم البالغة العامة وبالغة الش ـ ـ ـ ــعر،
من خالل اهتمامها بالتنظير للبالغة في ـ ــو المنا ج اإلنسـ ــانية عامة واللغوية خاصـ ــة فعمل .على الدمك
بين النظرية والتطبي ،وبين و ـ ـ ــع األسـ ـ ــش اللسـ ـ ــانية لالنزياح وتفسـ ـ ــير مختلف االنزياحات للغة الشـ ـ ــعرية
والخطاب السردي ومحسنات التجاور خالل التواصل.1
تنظر جماعة لييك إلى ان البالغة الجديدة تسـ ـ ــتمد مشـ ـ ــروعية وجودها من البحو اللسـ ـ ــانية سـ ـ ــوا ما
يتعل ،بـاملجـال الـدالئلي العـام أو مـا يتعل ،بمبـاحـث المعنى ،وأن البالغــة الجـديـدة تلتقي مع البحـث الــدالئلي
على مســتوا المن ج والمادة (المو ــوع) محل الدراســة مع اختالف طفيف وهو أن الدالئلية تدرس الدليل
في إطــار وظيفتــه االجتمــاعيــة في حين أن البالغــة تقــارب الــدليــل اللغوي في إطــار اس ـ ـ ـ ــتعمــالــه األدبي ووظيفتــه
71
الفنيـة والبالغـة هـذا المفهوم عي دراس ـ ـ ـ ــة اس ـ ـ ـ ــتيتيقيـة جمـاليـة للـدليـل اللغوي داخـل الس ـ ـ ـ ــياق األدبي .على
العموم ،تقوم البالغة الجديدة في تصور جماعة البالغيين الجدد على أسش نظرية تتضمن:
اهتم جابسـ ـ ـ ــون بالوظيفة الشـ ـ ـ ــعرية للغة في املجاالت اللسـ ـ ـ ــانية املختلفة خاصـ ـ ـ ــة الشـ ـ ـ ــعر ،فالوظيفة
الشــعرية –وعي ال تعد الوظيفة الوحيدة للغة -عي الوظيفة المهيمنة في النص الشــعري على وجه التحديد،
أل ها محكومة بدالة جمالية هدفها إبراز قيمة النص بحد ذاته وذل بمنحه (أي النص) اسـ ــتقاللية نسـ ــبية
عن العالم الواق ي.
ولم ينشــغل جاكبســون بالشــعرية عن العناصــر األخرا املحيطة بالخطاب ،بحيث ال يمكن لدارس الفن
اللفظي إهمال خاص ـ ـ ــيته التواص ـ ـ ــلية إذ أن كل س ـ ـ ــلوك لفظي ال بد له من رس ـ ـ ــالة وكل رس ـ ـ ــالة ال بد لها من
وظيفـة وتبقم العالقـة قـائمة بين هذه الس ـ ـ ـ ــلوكيات اللفظية ألنه من الص ـ ـ ـ ــعب إيجاد رس ـ ـ ـ ــائل تؤدي وظيفة
واحدة ال غير ،2فكان .بالتالي الوظيفة الشعرية والنموذج التقليدي ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ"دي سوسير" ( مير المتكلم أي
المرس ـ ــل ،و ـ ــمير املخاطب أي المتلقي و ـ ــمير الغائب) واهتمامه بمس ـ ــألة التواص ـ ــل المنطل ،األس ـ ــاس ـ ـ ي
لنظريته التواصــلية والنموذج االتصــالي الذي اقترحه في منتصــف القرن العشــرين ،مســتفيدا من الخطاطة
التالية (أنظر الش ـ ـ ــكل رقم ) ال ي و ـ ـ ــعها المش ـ ـ ــتغلون بالريا ـ ـ ــيات والهندس ـ ـ ــة ممن عاص ـ ـ ــروه من أمثال
شانون وويفر ونوبرت وينر:
-رومان جاكبسون ،قضايا الشعرية ،ترجمة محمد الوالي ومبارك حنون ،دار توبقال ،المغرب ،6999 ،ص .91 2
72
الشكل رقم :15عناصراالتصال حسب النموذج التقني
المص ـ ــدر :الحس ـ ــين س ـ ــونة ،تلقي البالغة الجديدة في النقد المغاربي ،مذكرة ماجس ـ ــتير في تخص ـ ــص البالغة واألدب العربي ،كلية اآلداب
واللغات ،جامعة مولود معمري ،تيبي وزو ،الجزائر.69 ،1161 ،
ركز رومان جاكبس ـ ـ ــون في مقاربته التواص ـ ـ ــلية اللس ـ ـ ــانية على س ـ ـ ــتة عوامل أس ـ ـ ــاس ـ ـ ــية ،وعي :المرس ـ ـ ــل،
والمرس ــل إليه ،والرس ــالة ،والقناة ،والمرجع ،واللغة ،ويلل جاكبس ــون على أن لكل من هذه العوامل دور في
توجيه الخطاب من حيث التركيب على هذا العامل أو ذاك .وتتمثل هذه العوامل في:
ل
.6المرسل ( Destinateurأو البا l'émetteurأو املخاطب او الناقل أو المتحد ):
يعد مصـ ــدر الخطاب المقدم إلى المرسـ ــل اليه في شـ ــكل رسـ ــالة ،وهو عامل أسـ ــاس ـ ـ ي ال غنى عنه ويتمتع
عادة بقدرتي الترميب (اإلرسال) codageمنطوقة أو مكتوبة ،والتلقي .décodage
73
.1الرس ـ ـ ـ ــالــة ) :( le messageتمثــل الجــانــب الملموس في العمليــة التخــاطبيــة حيــث تتج لسـ ـ ـ ـ ـد أفكــار
المرسـ ــل في صـ ــور سـ ــمعية في الخطاب الشـ ــفوي ،أو عالمات خطية في الرسـ ــالة المكتوبة ،وربما في
إشـ ــارات عديدة (إش ـ ــارات الص ـ ــم والبكم وإشـ ــارات الس ـ ــير .)...وعي تمثل محتوا اإلرس ـ ــال وتتمحور
ل
حول إطار مرج ي معين وتنسج أبنية نظامها في و نظام لغوي مقنن( سنن ).)code
َف
لسنن )( codeأو اللغة ) (languageأو النظام ) (systèmeأو الكفاية(compétence) : .9ا
وهو نظ ــام ترميب) ، (un codeمش ـ ـ ـ ــترك كليـ ـا أز جزئيـ ـا بين المرس ـ ـ ـ ـ ــل والمتلقي ،ينطل ،من ــه المرس ـ ـ ـ ـ ــل في
الترميب ) (codageويعود المرس ـ ـ ـ ــل إليــه حين يفك ـ رموز إحــدا الرس ـ ـ ـ ــائــل ) (décodageبحثــا عن القيمــة
اإلخبارية ال ي شحن .ها .لذا فنجاح العملية اإلخبارية يعتمد على مدا تمكن ل
طرفي الحوار من هذا النظام
الذي ل
يتفرع بدوره إلى أنظمة ص ـ ـ ـ ــغرا فيقس ـ ـ ـ ــم الس ـ ـ ـ ــنن الش ـ ـ ـ ــمولي أربعة فروع ،عي :المس ـ ـ ـ ــننات الص ـ ـ ـ ــوتية
والمسننات الصرفية والمسننات التركيبية والمسننات الداللية.
.1الس ـ ـ ـ ـيـاق) (le contexteأو المرجع ) :(le réfèrentلك لـل رس ـ ـ ـ ــالة مرجع تحيل عليه وس ـ ـ ـ ــياق معين
ل
مض ـ ـ ـ ــبوط قيل ــ .في ــه ،وال تفهم مكون ــاته ــا الجزئي ــة أو تفك ـ رموزه ــا الس ـ ـ ـ ــنني ــة إال ب ــاإلح ــال ــة على
المالبسات ال ي أنجزت فيها هذه الرسالة.
ل
وقـد يكون لفظيـا أو غير لفظي ،وهو يمثـل املحيط الـذي ولـدت فيـه هذه الرس ـ ـ ـ ــالة وتش ـ ـ ـ ــكل .أبنية
أو اإلطار الزمكاني والهدف ) (l'objectifوالمشـ ـ ــاركين في ها اللفظي فيتضـ ـ ــمن الموقع Site خطا
من حيث عددهم ومميباتهم وعالقاتهم. العملية التواصلية ) (les participants
.6القناة) : (le canalعي الممر الفيبيولوجي بين المرس ــل والمرس ــل اليه الذي يس ــمح بانتقال الرس ــالة
). (سوا عبر النط ،أو الكتابة أو سوا ذل
وفي مقابل كل عامل من هذه العوامل أدرج رومان جاكبســون وظيفة من وظائف اللغة وعي تشــكل بذل
نظريته اللسانية التواصلية كأحد اتجاهات البالغة الجديدة.
74
الوظائف اللغوية عند رومان جاكبسون1
تعبر بصـ ـ ـ ــفة مباشـ ـ ـ ــرة عن موقف المتكلم حيال ما يتحد عنه ،وتنبع إلى تقديم تركز على المرسـ ـ ـ ــل إذ ل
انطبـاع عن انفعـال ل
معين ص ـ ـ ـ ــادق أو كـاذب .يتجلى باعتماد آليتين :األولى داللية ص ـ ـ ـ ــرفة كص ـ ـ ـ ــيغة الت جب
واالس ـ ـ ـ ــتغـاثـة والنـدبـة الخ ...حين يكون الخطـاب مكتوبـا .أمـا في الخطـاب المنطوق فـ لى هـذه اآللية ثمة آلية
ثانية فيبيولوجية تعتمد النبر والتفخيم والترقي ،والجهر والهمش وارتفاع الصوت وانحداره.
ل
النص تهيمن هـذه الوظيفـة من النـاحيـة األس ـ ـ ـ ــلوبيـة عنـدمـا يحت لـل الكـاتـب أو النـاظم المكـانة المركزية في
ويس ـ ـ ى إلى التعبير عن أفكاره ومش ـ ــاعره كما في أدب الس ـ ــيرة أو في الش ـ ــعر الغزلي فيس ـ ــيطر ـ ــمير المتكلم
وأدوات تركيبية خاصة يتصدرها الت جب.
-المفــاجــأة :تولــد غير المنتظر من المنتظر أي إخراج المفــاجم من األمور المعقولــة العــاديــة ال ي ال
تلف .نظر القارج أو السـ ــامع إال بدخولها ـ ــمن هذا النس ـ ــ ،األس ـ ــلوبي المفاجم المميب وال تتش ـ ــكل
المفاجأة إال إذا توافرت العناصــر المتض ــادة فتتناغم وتتكامل :أي مبدأ تكامل األ ــداد .والمفاجأة
نبضات انفعالية عالية في عم ،الخطاب الساكن.
1
-الطاهر بن حسين بومزبر ،التواصم اللساني والشعرية :مقاربة تحليلية لنظرية رومان جاكبسون ،الدار العربية للعلوم ،بيروت.1119 ،
75
ل
-التش ـ ـ ـ ــبع :عمليـة تكراريــة كلمــا كثرت تنــازلـ .حــدة التــأثير .تهتب النفش للمفــاجــأة بفض ـ ـ ـ ـل ش ـ ـ ـ ـحنتهــا
التأثيرية العالية لكو ها غير منتظرة بينما الش ـ ــحنات المتكررة بش ـ ــكل متواتر تحد تش ـ ــبعا في نفش
المستقبل فتضعف استجابته الرتداداتها.
ُ
ب /اإلقناع :ويتم بتوظيف الحجج المنطقية ال ي ال تكتسـ ـ ـ ي ص ـ ــيغة اإلكراه وال تدرج على من ج القمع،
ف
وإنما تسل سبال استداللية ل
تجر الغير جرا إلى اإلقناع.
ج /اإلمتاع :تهدف الرسـ ــالة اإلمتاعية إلى إدخال النشـ ــوة في نفش المسـ ــتقبل فينطفج المنط ،العقالني
ل
وتحل محله نفثات االرتياح الوجداني في محاوالت الستر ا وجدان المتلقي وعاطفته. ل
ل
المتلقي نوازع ردود فعــل .ال تجتمع جميع المميبات في خطــاب د /اإلثــارة :وعي عــامــل اس ـ ـ ـ ــتفزاز ل
يحرك في
ي غير التجاري ،الخ... واحد ،فالخطاب الشعري غير العلمي والسياس
76
.6الوظيفة الشعرية ( ) la fonction poétique
ل
تركز على الرس ـ ـ ـ ــالـة .وتفرض هيمنتهـا على ل
فن الش ـ ـ ـ ــعر بـاعتبـاره رس ـ ـ ـ ــالة لفظية وعمال وعي الوظيفـة ال ي
إبـداعيـا تتــدخـل فيــه ذاتيـة المبــدع لتنس ـ ـ ـ ــج أبنيتهـا داخــل نظـام لس ـ ـ ـ ــاني معين ،وتظهر في الرس ـ ـ ـ ــائـل اللغويــة
األخرا وغير اللغوية كما في الفنون (الرسم ،الموسيقم ،المسرح .)...وتتفرع الشعرية إلى:
ل
-الش ـ ــعريات العامة :تتولى الدراس ـ ــة اآللية للخطاب تزامنيا بين األجناس األدبية لمعرفة ميباته بغية معرفة
وظائفه.
ل تهتم ل
-الشعريات التاريخية :ل
بتحول المقوالت األدبية وقوانينها من خالل التركيب على األجناس األدبية كلها
على العموم ،يعتبر رومان جاكبسون من الباحثين الذين أقاموا الجسور بين البالغة الجديدة متمثلة في
اتجاهها اللسـ ــاني واالتصـ ــال من خالل أعماله المتعددة ،وقد خلص إلى نموذجه اللسـ ــاني التواصـ ــلي (أنظر
الش ــكل رقم ) الذي زاوج فيه ما بين عوامل العملية االتص ــالية والوظائف اللغوية ،فالمرس ــل يرس ــل رس ــالة
إلى المرس ــل إليه ،حيث تتض ــمن هذه الرس ــالة مو ــوعا أو مرجعا معينا ،وتكتب هذه الرس ــالة بلغة يفهمها
كـل من المرس ـ ـ ـ ــل والمتلقي .ولكـل رس ـ ـ ـ ــالـة قنـاة حـافظـة ،كالظرف بالنس ـ ـ ـ ــبة للرس ـ ـ ـ ــالة الورقية ،واألس ـ ـ ـ ــالك
الموصـ ـ ــلة بالنسـ ـ ــبة للهاتف والكهربا ،واألنابيب بالنسـ ـ ــبة للما ،واللغة بالنسـ ـ ــبة لمعاني النص اإلبداعي...
ويعني هذا أن اللغة ذات بعد لسـ ـ ـ ــاني وظيفي ،وأن لها سـ ـ ـ ــتة عناصـ ـ ـ ــر ،وسـ ـ ـ ــ .وظائف :المرسـ ـ ـ ــل ووظيفته
انفعالية ،والمرسـ ــل إليه ووظيفته تأثيرية ،والرسـ ــالة ووظيفتها جمالية ،والمرجع ووظيفته مرجعية ،والقناة
ووظيفتها حفاظية ،واللغة ووظيفتها وصفية وتفسيرية.1
-رومان جاكبسون ،قضايا الشعرية ،ترجمة محمد الوالي ومبارك حنون ،دار توبقال ،المغرب ،6999 ،ص .11-11 1
77
الشكل رقم :16عوامل االتصال ووظائفها عند رومان جاكبسون
السياق
الوظيفة المرجعية
المستقبل الرسالة
الوظيفة الجمالية المرسل
الوظيفة التأثيرية الوظيفة التعبيرية
السنن/اللغة
الوظيفة التفسيرية
القناة
الوظيفة االنتباهية
-عبد السالم المسدي ،اهسلوبية واهسلوب ،الدار العربية للكتاب ،ليبيا ،6999 ،ص .99 1
-فكتور إيرليخ ،الشكالنية الروسية ،ترجمة محمد الولي ،المركز الثقافي ،الدار البيضاء ،1111 ،ص .1 2
78
تس ــمية الش ــكالنيين (أعض ــا مجموعة موس ــكو وس ــان بيترس ــبرغ) نظرا لمنحهم األولوية للمعطيات اللغوية
وطريقة تشكلها.1
وتهتم بوصـ ـ ــف األسـ ـ ــلوب بنية وداللة ومقصـ ـ ــدية .ويعني هذا أ ها تختلف عن البالغة الكالسـ ـ ــيكية ذات
الطابع المعياري التعليمي ال ي كان .تهتم بالكتابة والخل ،واإلبداع ،وتجويد األس ـ ــلوب بيانا وداللة وس ـ ــياقا
وزخرفة ،وتقدم للكاتب النا ـ ـ ا مجموعة من الوص ــفات الجاهزة في عملية الكتابة ،وتنمي ،األس ــلوب بالغة
وفص ـ ــاحة وتأثيرا .ومن هنا ،ف ن األس ـ ــلوبية عي دراسـ ـ ـة األس ـ ــلوب في مختلف تجلياته الص ـ ــوتية والمقطعية
والداللية والتركيبية والتداولية.
اشتق .األسلوبية ( )Stylistiqueفي الثقافة الغربية من الكلمة الالتينية ( ،)Stilusومن الكلمة اإلغريقية
( ،)Stylosومن الكلمــة الفرنس ـ ـ ـ ـيــة أو اإلنجليبيــة ( .)Styleوتعني هــذه المش ـ ـ ـ ــتقــات في دالالتهــا األص ـ ـ ـ ــليــة أداة
الكتــابــة .وبعــد ذل ـ ،اس ـ ـ ـ ــتخــدمــ .الكلمــة للــداللــة على طريقــة الكتــابــة أو فن الكتــابــة .ويعرف األس ـ ـ ـ ــلوب
اص ــطالحا بأنه" اختيار لغوي من بين بدائل متعددة ،إذ إن االختيار س ــرعان ما يحمل طابع ص ــاحبه ،ويش ـ ي
بشخصيته ،ويشير إلى خواصه" .كما تهتم األسلوبية باللغة األدبية ،وتعنى بعطابها التعبيري.
وعليه ،فاألس ـ ــلوبية عي مقاربة من جية نظرية وتطبيقية ،يمكن تمثلها في الحقل األدبي والنقدي لمقاربة
الظواهر األس ـ ـ ـ ــلوبيــة البــارزة ال ي تميب المبــدع ،وتفرده عن الكت ــاب والمبــدعين اآلخرين .ومن جهــة أخرا،
تنكـب األس ـ ـ ـ ــلوبيـة ،بص ـ ـ ـ ـفـة خاص ـ ـ ـ ــة ،على دراس ـ ـ ـ ـة األجناس األدبية ،وس ـ ـ ـ ــبر أدبية النص ـ ـ ـ ــو والخطابات
والمؤلفات ،ودراســة الوظيفة الشــعرية ،والتمييب بين األســاليب حقيقة ومجازا ،وتعيينا وتضــمينا ،مع رصــد
األشـكال والبنى األدبية والسـيميائية ،واستكشاف بالغة النص ،وتحديد المستويات اللسانية للخطاب من:
ص ـ ـ ــوت ،ومقطع ،وكلمة ،وداللة ،وتركيب ،وس ـ ـ ــياق ،ومقص ـ ـ ــدية ،وربط كل ذل بموهبة الفرد المبدع ،أو
العمل على دراسة األسلوب في و المعطيات النفسية أو االجتماعية.
-1جان ميشال غوفار ،تحليم الشعر ،ترجمة محمد حمود ،ط ،6المؤسسة الجامعير للدراسات والنشر ،1119 ،ص .91
79
بيرس ( )6969 -6919الذي أطل ،مس ــمى الس ــيميوطيقا على علم العالمات .1ويعد االتجاه الس ــيميولوجي
وليــد البنيويــة ،ومجــال البحــث فيــه ال يزال بين أخــذ ورد بس ـ ـ ـ ـبــب اختالف البــاحثين فيمــا بينهم حول حــدود
دراس ــته ،فمنهم من يراه عبارة عن دراس ــة ألنظمة العالمات ال ي تؤدي مهمة اإلبالغ عن طري ،مؤشـ ـرات غير
لسـ ـ ـ ــانية ،ويوسـ ـ ـ ــع آخرون مجال مدلول العالمة والسـ ـ ـ ــنن فيجعلو ها تنتشي إلى كل شـ ـ ـ ــكل بالغي ذي وظيفة
اجتمــاعيــة كمــا هو الش ـ ـ ـ ــأن في الش ـ ـ ـ ـعــائر والحفالت وعبــارات املجــاملــة والترحيــب .على أن قس ـ ـ ـ ـمــا ثــالثــا من
الـدارس ـ ـ ـ ــين يعتبرون الفنون واآلداب نماذج إبالغية تقوم على اس ـ ـ ـ ــتعمال العالمات ،فهما جز ال يتجزأ من
نظريتها العامة(2أنظر الشكل رقم الموضل التجاهات السيميولوجيا).
بشــكل عام ،الســيميولوجيا علم من العلوم ال ي تطورت بصــورة ســريعة في القرن العشــرين ،وقد تعددت
واختلفــ .التعــاريفــال ي تــدور حول معنى الس ـ ـ ـ ــيميولوجيــا ،ولكنهــا دارت في فلـ العالمــة واألنظمــة اللغويــة،3
فنجد التعريف الذي ورد في موس ـ ــوعة علم اإلنس ـ ــان بأ ها علم العالمات أو الس ـ ــلوك المس ـ ــتخدم للعالمة،
وينطوي على دراسـ ــة كل من االتصـ ــال اللغوي وغير اللغوي ،كما يدرس كيف تخل ،عملية تنميط السـ ــلوك
الثقافي البشري صور الداللة ال ي يتم تفسيرها وفقا لمبادج عامة مشتركة.4
-عصام خلع كامم ،االتجاه السيميولوجي ونقد الشعر ،دار فرحة للنشر والتوزيع ،مصر ،1111 ،ص .61 1
خرجت مت جعبة البنيوية مجموعة من النظريات التي شـ ـ ــكلت فيما بينيا ما سـ ـ ــمي ما عد البنيوية و هي /6 :النظرية الخاصـ ـ ــة القراءة والمتلقي،
-شــارلوت ســيمور ســميث ،موســوعة علم اإلنســان ،ترجمة مجموعة من أســات ة علم االجتماس ،إش ـراف محمد الجوهري ،المشــروس القومي للترجمة، 4
80
الشكل رقم :10اتجاهات السيميولوجيا
المصدر :ميمد السرغيني ،مياضرات في السيميولوجيا ،ط ،0دارالثقافة للنشروالتو يع ،الدارالبيضاو ،0890 ،ص .69
يعتبر روالن ب ــارت R.Barthesمن أهم الب ــاحثين في ه ــذا االتج ــاه ،ألن البح ــث الس ـ ـ ـ ــيميولوجي ل ــدي ــه هو
دراسـ ـ ـ ــة األنظمة الدالة ،فجميع األنسـ ـ ـ ــاق والوقائع تدل ،فهناك من يدل بواسـ ـ ـ ــطة اللغة ،وهناك من يدل
بدون اللغة الس ــننية ،بيد أن لها لغة داللية خاص ــة ها .ومادام .األنس ــاق والوقائع كلها دالة ،فال عيب من
تطبي ،المقاييش اللسـ ـ ـ ــانية والبالغية على الوقائع غير اللفظية ،أي :أنظمة السـ ـ ـ ــيميوطيقا غير اللس ـ ـ ـ ــانية
81
لبنا الطرح الداللي ،فالبالغة حسـب بارت "لم تعد علما خاصـا بالخطاب وإنما صــارت علما عاما للخطابات
كافة.1
أما عناصـ ـ ــر س ـ ـ ــيميا الداللة لدا بارت ،فقد حص ـ ـ ــرها في كتابه(عناص ـ ـ ــر الس ـ ـ ــيميولوجيا) في الثنائيات
البنيويــة التــاليــة :ثنــائيــة الــدال والمــدلول ،وثنــائيــة التعيين والتض ـ ـ ـ ــمين ،وثنــائيــة اللس ـ ـ ـ ــان والكالم ،وثنــائيــة
املحور االس ـ ـ ـ ــتبـدالي واملحور التركييي .وقـد حاول بارت بواس ـ ـ ـ ــطة هذه الثنائيات اللس ـ ـ ـ ــانية مقاربة الظواهر
الســيميولوجية ،كأنظمة المو ــة ،واألســاطير ،والطبخ ،واألزيا ،والصــور ،واإلشــهار ،والنصــو األدبية ،
والعمارة ،إلخ...
-روالن ارت ،قراءة جديدة للبالغة القديمة ،ت ترجمة عمر أوكان ،رؤية للنشر والتوزيع ،القاهرة ،1166 ،ص .1 1
-مسعود بودوخة ،اهسس التواصلية في البالغة العربية ،مجلة العلوم االجتماعية ،العدد ،11جوان ،1161ص ص ،19-99ص .16 2
-صالح فضم ،بالغة الخطاب وعلم النص ،عالم المعرفة ،الكويت ،6991 ،ص .16 3
-جميم عبد المجيد ،البالغة واالتصال ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة ،1111 ،ص ( 69بتصرف). 4
-مسعود بودوخة ،اهسس التواصلية في البالغة العربية ،مجلة العلوم االجتماعية ،العدد ،11جوان ،1161ص ص ،19-99ص .16 5
82
لقــد ربط االتج ــاه التــداولي البالغ ــة الجــدي ــدة بــأفع ــال الكالم تقريرا وإنج ــازا ،فــالنص األدبي ليش مجرد
خطــاب لتبــادل األخبــار واألقوال واألحــاديــث ،بــل يهــدف إلى تغيير و ـ ـ ـ ــع المتلقي عبر مجموعــة من األقوال
واألفعــال اإلنجــازيــة ،وتغيير نظــام معتقــداتــه ،أو تغيير موقفــه الس ـ ـ ـ ــلوكي من خالل ثنــائيــة :افعــل وال تفعــل.
في مفهوم الت ــداولي ــات التحليلي ــة ال ي ظهرت في س ـ ـ ـ ــنوات ويعني ه ــذا أن الخط ــاب أو النص األدبي ،وذل ـ
الخمس ـ ـ ـ ــين من القرن العش ـ ـ ـ ــرين مع أوس ـ ـ ـ ــتين ،وس ـ ـ ـ ــورل وعي عب ــارة عن أفع ــال كالمي ــة تتج ــاوز األقوال
والملفوظـات إلى الفعـل اإلنجازي والتأثير الذي يتركه ذل اإلنجاز .ومن هنا ،فنظرية األفعال الكالمية تنبني
على ثالثة عناص ـ ـ ــر رئيس ـ ـ ــة ،وعي :أوال ،فعل القول ويراد به إطالق ألفاظ في جمل مفيدة س ـ ـ ــليمة التركيب،
وذات داللة ،تحمل في طياتها حموالت قضـ ـ ـ ــوية وإخبارية .وبالتالي ،تش ـ ـ ـ ــتمل على مسـ ـ ـ ــتوا ص ـ ـ ـ ــوتي وتركييي
وداللي ،مثل" :أش ــكرك ياعلي" .وثانيا ،الفعل المتض ــمن في القول ،وهو الفعل اإلنجازي الذي يحدد الغرض
المقصــود بالقول ،كصــيغة األمر في هذه الجملة ":انتظري اللحن الجديد" .وثالثا ،الفعل الناتك عن القول،
وهو ما ينتك عن القول من آثار لدا املخاطب إثر فعل القول ،ك قناع املخاطب ،وحثه ،وإرشــاده ،وتوجيهه،
أو تضـ ـ ــليله ...وتحض ـ ـ ــر هذه المس ـ ـ ــتويات الثالثة للفعل الكالمي جميعها في الوق .ذاته ،و بدرجة متفاوتة،
وعي ال ي تجعل هذا الفعل الكالمي كامال.
بالغة التواصل المرئي.
مجموعة مو تؤ لسـ ـ ـ ـش لبالغة جديدة أوس ـ ـ ــع من الحجاج الذي بدأت به ،بل تؤ لسـ ـ ـ ـش لما أس ـ ـ ــمته بالغة
الصورة.
فتعـ لـد (مجموعــة "مو" :فرانس ـ ـ ـ ــيش إدلين وجــان مــاري كلينكنبرغ وفيليــب مــانغيــه) ،من أبرز دعــاة إحيــا
البالغـة القـديمـة وتجـديـدها ،وتوس ـ ـ ـ ــيع إطارها لتش ـ ـ ـ ــمل كل الحقول اإلنس ـ ـ ـ ــانية ،انطالقا من اللغة إلى علم
ل
والبالغية ،ومن أبرز كتاباتهم في العالمـات والفنون جميعهـا ،فبق ليـة مجـاالت التواص ـ ـ ـ ــل والفـاعل ليـة اإلبالغ ليـة
ل
المرئية :من أجل بالغة الصورة". هذا املجال كتاب "بحث في العالمة
عرف .بالغة التواصــل المرئي في الثب .التعريفي في هاية الكتاب بالقول اآلتي" :تأســيش نظري يرمي وقد ل
إلى ْبي ــان] كيف لي ـة اش ـ ـ ـ ــتغ ــال المنظوم ــات البالغ لي ـة داخ ــل الس ـ ـ ـ ــيمي ــائ لي ـة ،وإلى أي م ــدا يمكن تطبيقه ــا على
ـانية ،تدرساأليقوني والتش ـ ـ ــكيلي .وقد لبين المؤلفون لأن بالغة التواص ـ ـ ــل المرئي ،إذ تفيد من البالغة اللس ـ ـ ـ ل
83
االنزيــاح المكــاني الــذي ل
يتحق ،في الملفوظين األيقوني والتش ـ ـ ـ ــكيلي اعتمــادا على الــدرجــة ال ُمـ ف
دركــة والــدرجــة
ل
المتصورة".1
تدل عليها من قبل ،فبعد أنوأخيرا فـ لن البالغـة تعود إلى المش ـ ـ ـ ـهـد لتكون دا للـة على أنمـاط لم تحلم بأن ل
تر لس ـ ـ ـ ـخ .مفاهيم بالغة الخطاب وبالغة الحجاج ،تو لس ـ ـ ـ ـع .لتطال بالغة األسـ ـ ـ ــلوب اللغوي وغير اللغوي،
ل
فصـار لدينا بالغة المو ـة ،وبالغة الصـورة ،وبالغة الدولة 2وبالغة المترو ،3وبالغة كل ي يمكن أن يؤثر
دالة على لل
القوة ،أو في المتلقي باإلقناع أو اإلمتاع مهما كان .الوسـ ــيلة أو األداة ،وعي في هاية المطاف بالغة
ف ل ل
المتلقي املخـاطب باللغة أو بغيرها في ممثلـة للس ـ ـ ـ ــلطـة ال ي من ش ـ ـ ـ ــأ هـا أن تلقي بظاللهـا على المس ـ ـ ـ ــتق ْبـل أو
نظرية التلقي.4 ل
الخالصة
ل ل ل
االتجــاهــات البالغيــة على ل
مر الزمن تمحورت حول الجــانبين اإلمتــاعي وهكــذا يمكن أن نخلص إلى أن كــل
اتيجيات اس ـ ـ ـ ـ ل
ـتهوائية تخاطب واإلقنـاعي وهمـا ح لـدا البالغـة ،فاإلمتاعي يقوم على إجرا ات أس ـ ـ ـ ـ ل
ـلوبية واس ـ ـ ـ ــتر ل
ـاعي يقوم علىموقف مؤ لي ـ ـد للخطـ ــاب المو لج ـ ـه إليـ ــه .واإلقنـ ـ ل وتحرك عواطفـ ــه ل ل
تبني أحـ ــاس ـ ـ ـ ــيش الجمهور ل
ٍ
ل
األطروحة واألطروحة المض ـ ـ لـادة ،واالس ـ ــتدالل المنظم ،وبحث المعقول والمقبول من الرأي املخالف .وهذا
الحدين ،وجعلها تجمد وتص ــاغ في قوالب ثابتة ،فكان ال لبد من هو ما لأدا إلى تض ــيي ،أف ،البالغة في هذين ل
نفخ الروح فيها من جديد بتطوير مقوالت الحجاج ،وفتح آفاق األسـ ــلوبيات ،ل
وتبني مفاهيم البالغة الجديدة
ال ي لاتسم .بشمولية النظر ،ح ل ى طمح .في هاية المطاف إلى تعميم مقارباتها على ل
كل أنواع الخطاب.5
.1حث في العالمة المر ّئية :من أجم بالغة الصــورة ،مجموعة مو ،ترجمة د .ســمر محمد ســعد ،المنظمة العربية للترجمة ،بيروت
( .1161الطبعة الفرنسية اهولى سنة ،)6991ص.111
.2يرد مفيوم بالغة الدولة في كتاب ألحلم رام الل :رحلة في قلب الس ـ ـ ـراب الفلسـ ـ ــطينيأل ،انجمين ارت ،ترجمة سـ ـ ــنا خوري ،ط،6
أن بناء مدينة رام الل لتكون عاص ـ ــمة دون دولة حقيقة هو
اههلية وجروس برس ناش ـ ــرون .1161 ،ويش ـ ــير في المؤّلع إلى ّ
ّ الدار
شكم من أشكال استعمال فكرة (بالغة الدولة) لخلق وهم وجود دولة بتحّقق وجود عاصمة حسب.
صباحا على صفحت على الييسبوك ،مع ترجمتيا إلى اللغة اإلسبانية. ً ،1161 /66 /الساعة التاسعة
جدة ،6999 ،ص .99
-روبرت هولب ،نظرّية التلّقي ،ترجمة عز الدين إسماعيم ،ط ،6كتاب النادي اهدبي الثقافيّ ،
4
-.5أمينة الدهري ،الحجاج وبناء الخطاب في ضوء البالغة الجديدة ،مرجع سابق ،ص .61 – 9
84
إن أحد المعاني اللغوية للف البالغة هو اإلبالغ والذي هو مو ـ ــوع من مو ـ ــوعات علم االتصـ ـ ــال،
وعليه يعد كل من أرس ـ ــطو ومعلمه أفالطون مؤس ـ ـس ـ ـ ي الدراس ـ ــات القديمة لفن االتص ـ ــال .وقد توص ـ ــل كل
واحــد منهمــا إلى ان االتص ـ ـ ـ ــال فن أو ص ـ ـ ـ ـنــاعــة يمكن تعليمهــا بــالتمرين ،وأنــه علم قــائم بــذاتــه كمــا ذكر ذلـ
أرسـ ـ ـ ــطو ،وقد وصـ ـ ـ ــف االتصـ ـ ـ ــال بأنه عملية تجري بين الخطيب أو المتحد الذي يبتكر ةجة يقدمها في
ش ــكل قول للس ــامعين والجمهور ،وهدف المتحد أن يعكش ص ــورة إيجابية عن نفس ــه ،وأن يش ــجع أفراد
الجمهور على اسـتقبال الرسالة ،بأن يضع مستمعيه في اإلطار العقلي الصحيح .فاالتصال بالنسبة ألرسطو
هو نش ــاط ش ــفشي يحاول فيه المتحد أن يقنع غيره وأن يحق ،هدفه مع مس ــتمع عن طري ،ص ــياغة قوية
مــاهرة للحجج ال ي يعرفهــا .وخالل الفترة نفس ـ ـ ـ ـهــا جمع أفالطون مــا اعتقــد أنــه ـ ـ ـ ــروري لــدراس ـ ـ ـ ــة البالغــة
ليسـاهم بشــرح أوســع للســلوك البشـري ،ومجال هذه الدراســة يشــمل دراســة طبيعة الكلمات وطبيعة الناس
وطرق مجا هتهم للحياة ،ودراسة طبيعة التنظيم والطرق ال ي تؤثر على الناس.1
مميب ومثمر بين ويـدخــل الجـانــب البالغي ـكـرل ليـة رئيس ـ ـ ـ ـ ليـة في تش ـ ـ ـ ــكيـل خطــاب جمــالي لتحقي ،تواص ـ ـ ـ ــل ل
متميبا في مشــهد علوم التواصــل.2 قوية للبالغة ،ال ي تعرف حضــورا ل الناس ،ونحن نعيش اليوم نعيش عودة ل
أال ننس ـ ـ ـ ى أ ل ها عبر تاريخها الطويل كانًّ . ل وعلى الرغم من عودة البالغة ل
فنا بقوة في العصـ ـ ــر الحديث ،فعلينا
ل
لإلقنــاع أو ف ًّنـا للتعبير ،فحين يتس ـ ـ ـ ــع املجــال الــديموقراطي تهيمن البالغــة بوص ـ ـ ـ ــفهــا ف ًّنـا لإلقنــاع ،كمــا لــدا
تتحدد في مجاالت أخرا ًّ الحريات ل يتقلص مجال ل ل
فنا للتعبير أرس ــطو ومحاكم أثينا ومجالش الش ــعب ،وحين
ـيكية في عهد س ـ ـ ـ ــلطة الدين الكاثوليكي. العربية والبالغة الغربية الكالس ـ ـ ـ ـ ل
ل والتبيين ،كما كان األمر في البالغة
ل
غير لأن هدفها في النهاية يبقم هو االتجاه نحو اآلخر من أجل إشـ ـ ـراكه والعمل على انخراطه في قض ـ ـ لـية ما أو
طرح ل
معين ،3بمعنى تحقي ،التواصل معه.
-1محمد صبري فؤاد النمر ،أساليب االتصال االجتماعي ،المكتب العلمي للكمبيوتر والنشر والتوزيع ،اإلسكندرية ،6991 ،ص .91
معرفية آلليات التواصم والحجاج ،عبد السالم عشير ،1111 ،ص.69
ّ تداولية
ّ نغير :مقاربة
-عندما نتواصم ّ
2
85
لقد ارتبط .البالغة بمف وم الوصـ ــول واإلیصـ ــال" ،ففي أسـ ــاس كل بالغة توجد رغبة االتصـ ــال" ،1وهو
المعنى الذي يرتبط باالش ـ ــتقاق اللغوي لكلمة بالغة في اللغة العربية ،فبل الش ـ ـ ي یبل بلوغا وبالغا بمعنى
وصـ ـ ـ ـ ــل وانتشى ،وأبلغ ـه ھو إبالغــا وبلغ ـه تبل،غــا ،فــالبالغــة والبالغ والج ـذر اللغوي ل ــذه الكلمــة تجتمع ف ،ـه
خص ـ ـ ـ ــائص اإلیص ـ ـ ـ ــال وبلوغ الن ـایـة والكفـایـة في الكالم وغيره ،ومن ھنـا نـدرك حق،قة العالقة بين مف وم
البالغة وبين بق،ة العلوم اللس ـ ـ ــان،ة ولي حق،قة التواص ـ ـ ــل إذ نجد عنص ـ ـ ــر التركيب على اإلیص ـ ـ ــال وتحق،،
الكفایة ف،ه ،ولیســ .أمرا یأتي بعد إنشــا الرســالة اللغو ة ،إنما لي أصــل ھذه الرســالة إنشــا ومقصــدا وال
تم فقط بالوظ،فة التبی،ن،ة أو الجمال،ة كما ھو شائع عند الكثير.2 ت
اللغة كقاسم مشترك
االتص ـ ـ ــال كما س ـ ـ ــبق .اإلش ـ ـ ــارة إلى تعريفه هو عملية انتقال المعاني بين األفراد ،ومن جهتها البالغة عي
ُحس ـن إيص ــال المعلومة أو الخبر باللف الواض ــل ل
الدال ُ
المالئم لواقع الحال ،وبالتالي تش ــكل اللغة قاس ــما
مشـ ــتركا أسـ ــاسـ ــيا بين االتصـ ــال والبالغة ،فتأليف الكالم يقتض ـ ـ ي اسـ ــتخدام اللغة لكو ها المادة الخام ألي
تـأليف .فللكلمـة خص ـ ـ ـ ــائص في ذاتهـا تس ـ ـ ـ ــتمـدهـا من اللغـة ومن التـداول تجعلها مؤهلة بطبيعتها لتكون ذات
صــبغة ةجاجية وترشــحها ألن تكون من م جم الخطاب الحجاجي ،وهو ما يتيح لها حركة تق ـ ي فيها غيرها
ه وتحل محله ليكون الخطاب أوغل في الحجاج وأذهب في اإلقناع3. وتعو
هـذا إذا تحـدثنـا عن األلفاظ والمفردات المس ـ ـ ـ ــتخدمة في العملية االتص ـ ـ ـ ــالية وأهمية البالغة من حيث
اختيـار اللف المؤدي للمعنى المرغوب ،من جهـة ثـانية ال يختار القائم باالتص ـ ـ ـ ــال الكلمات فقط بل يعمد
إلى تركيفهـا والتوليف بينهـا إلبالغ المعنى ،فتفـاوت التفا ـ ـ ـ ــل في المعاني يقع في تركيب األلفاظ أكثر مما يقع
في مفرداتهــا ألن التركيــب أعس ـ ـ ـ ــر وأش ـ ـ ـ ــ ،،فــاأللفــاظ إذا ص ـ ـ ـ ــارت مركبــة ،فـ ن لتركيفهــا حكمــا آخر بمــا يخيــل
للسامع أن هذه األلفاظ ليس .تل ال ي كان .منفردة وما النص القرآني إال أكبر دليل على ذل .4
1
- Kibedi Varga, Rhétorique et Littérature, Diddier Editions, Paris ,1970, p 20.
-2بوعافية محمد عبد الرزاق ،البالغة العربية في ضـ ـ ـ ــوء البالغة الجديدة من خالل مشـ ـ ـ ــروس محمد العمري ،م كرة ماجسـ ـ ـ ــتير في النقد المعاصـ ـ ـ ــر
وقضايا تحليم الخطاب ،كلية اآلداب واللغات ،جامعة محمد لمين د اغين ،سطيف ،1161 ،ص .11
-3عبد الل صولة ،الحجاج في القرآن من خالل خصائص اهسلوبية ،ج ،6جامعة منوبة ،تونس ،1116 ،ص .91
-4زينب داودي ،اهسـ ـ ــس والمرتكزات البالعية عند ضـ ـ ــياء الدين بن اهثير (إضـ ـ ــاءات في مضـ ـ ــامين المثم السـ ـ ــائر) ،حوليات جامعة قالمة للغات
واهداب ،العدد ،61ديسمبر ،1161ص ( 169-169بتصرف).
86
يرتبط االتصـ ـ ــال بالبالغة عبر اللغة أيضـ ـ ــا فيما يتعل ،بمقتض ـ ـ ـ ى الحال أو السـ ـ ــياق التواصـ ـ ــلي ،فاللغة
تتنوع في االســتعمال (ســوا من منظور اللف أو التركيب) حســب عناصــر العملية االتصــالية املختلفة وكذا
الس ـ ـ ــياق التواص ـ ـ ــلي والهدف منه ،وكلما كان المتص ـ ـ ــل بليغا أص ـ ـ ــاب في اختياره لةلفاظ والتوليف بينها بما
يحق ،له مقاصده.
ومن جهتـه ،يطـاب ،جميل عبد املجيد بين عناص ـ ـ ـ ــر العملية االتص ـ ـ ـ ــالية والعملية البالغية اس ـ ـ ـ ــتنادا إلى
نموذج رومان جاكبس ــون ،فيقول في كتابه االتص ــال والبالغة أنه لو رجعنا إلى النموذج الذي و ــعه رومان
جاكبسون ألركان عملية االتصال ،فلربما كان ذل عونا على فهم المقصود بالبالغة.
فجعل الس ــياق هو المقام ،والرس ــالة عي النص أو العبارة ،وقناه االتص ــال عي المش ــافهة ،والش ــفرة عي
المعنى المقص ـ ــود ،و هذا عرف البالغة من المنظور التواص ـ ــلي بأ ها عمل المتكلم على إيص ـ ــال الش ـ ــفرة إلى
الس ــامع بواس ــطة رس ــالة منطوقة عبر قناة اتص ــال مس ــموعة في مقام معين ،وأ ــاف جهد السـ ــامع في حل
الشفرة.1
-1جميم عبد المجيد ،البالغة واالتصال ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة ،1111 ،ص ص .61-61
87
مقتض ى التحال والمقام في البالغة :تصورشامل للتواصل اإلنساني
يشــير المقام إلى كل ما يحيط بالموقف الكالمي من ظروف ومالبســات وهو ما يعرف بســياق الحال لدا
"مالينوفس ــكي" .1Context of situationويعتبر المقام أبرز مفهوم عولج .ــمنه مبادج التواص ــل اللغوي
وشــروطه عند البالغيين العرب .وقد أشــار الجاح إلى أهمية المقام حيث توجه بالنصــل للمتكلم بضــرورة
أن يعرف أقدار الحاالت فيجعل لكل طبقة كالما ،ولكل حالة من ذل مقاما ،ح ى يقســم أقدار الكالم على
أقدار المعاني ،ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات وأقدار المستمعين على أقدار تل الحاالت.
وقد عبر البالغيون كذل على حالة االتصــال (المقام) ال ي تســتدعي كالما معينا بعبارة مقتض ـ ى التحال
الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بزمان ومكان التواص ــل ،وكال المعنيين المقام ومقتض ـ ى الحال يص ــبان في مفهوم
السـياق التواصلي حسب علما االتصال ،وهو عنصر أساس ي في الصيرورة التواصلية .فمن شروط البالغة
ل
توخي ل
الدقة في انتقا الكلمات واألسـ ــاليب على حسـ ــب مواطن الكالم ومواقعه ومو ـ ــوعات من يكتب لهم "
أو يلقم إليهم".2
ف
وعليه اهتم البالغيون بالمقام والحال ،وقد ربطوا مقتضـ ـ ـ ى الحال باملخاطب وأحواله ،حيث س ـ ــيطرت
قــاعــدة التقس ـ ـ ـ ــيم الطبقي للمخــاطبين (العــامــة والخــاص ـ ـ ـ ــة) على التفكير البالغي عنــد العرب وهم يعــالجون
فكرة مقتض ـ ـ ـ ـ ى الحــال ،فجعلوا كالم النــاس في طبقــات كمــا أن النــاس أنفس ـ ـ ـ ــهم في طبقــات عبر عنهــا جــل
البالغيين بالخاص ـ ــة والعامة إذ ينص ـ ــرف هذا التمييب في غالب األمر إلى الزاويتين الس ـ ــياس ـ ــية واالجتماعية.3
يقول أبو هالل العس ـ ـ ــكري "وإذا كان مو ـ ـ ــوع الكالم على اإلفهام ،فالواجب أن تقس ـ ـ ــم طبقات الكالم على
طبقـات الناس ،فيخاطب الس ـ ـ ـ ــويي بكالم الس ـ ـ ـ ــوقة ،والبدوي بكالم البدو وال يتجاوز به عما يعرفه إلى ما ال
يعرفه ،فتذهب فائدة الكالم وتعدم منفعة الخطاب".4
وكمــا تحــدد طبقــة املخــاطبين (الس ـ ـ ـ ـيــاس ـ ـ ـ ـيــة االجتمــاعيــة) المعــاني واأللفــاظ ال ي يس ـ ـ ـ ــتخــدمهــا الخطيــب أو
المتكلم ،فـ هــا تحــدد أيض ـ ـ ـ ــا لــه اس ـ ـ ـ ــتخــدام اإليجــاز أو اإلطنــاب ،فــاإليجــاز ينبني أن يس ـ ـ ـ ــتعمــل في مخــاطبــة
-1مس ـ ـ ـ ـ ـ ــعود بودوخـة ،اهس ـ ـ ـ ـ ـ ــس التواص ـ ـ ـ ـ ـ ــليـة في البالغة العربية ،مجلة العلوم االجتماعية ،العدد ،11جوان ،1161ص ص ،19-99ص 11
(بتصرف).
-2محمد أحمد قاسم ومحي الدين ديب ،علوم البالغة :البديع والبيان والمعاني ،ص 1
-3جميم عبد المجيد ،مرجع سابق ،ص .11
-4المرجع نفس ،ص 11
88
الخـاص ـ ـ ـ ــة وذوي األفهام الثاقبة ،وأما اإلطالة ففي مخاطبة العوام ومن ليش من ذوي األفهام ومن ال يكتفي
بيسيره وال يتفت ،ذهنه إال بتكريره وإيضاح تفسيره.1
وإذا كـانـ .حـال املخاطب الطبقية ثابتة من جهة وس ـ ـ ـ ــابقة على الحدو الفعلي لالتص ـ ـ ـ ــال اللغوي من جهة
ثانية ،ف ن ثمة حاال أخرا للمخاطب متغيرة من جهة ،ومص ـ ــاحبة أو متبامنة مع الحدو الفعلي لالتصـ ـ ــال
من جهة ثانية وعي الحال النفس ــية إقباال وإعرا ــا على الخطبة والخطيب أو إعرا ــا عنهما .وقد التف .إلى
هذه الحال ابن وهب حيث قال "وإذا رأا الخطيب من القوم إقباال عليه وإنص ـ ــاتا لقوله فأحبوا أن يزيدهم
زادهم على مقدار احتمالهم ونشاطهم ،وإذا تبين منهم إعرا ا عنه وتثاقال عن استماع قوله خفف عنهم.2
ف
وقد ش ــمل .فكرة مقتضـ ـ ى الحال بمفهوم حال املخاطب بالغة الكتابة أيض ــا إلى جانب بالغة الكالم ،فنجد
أبو هالل العس ــكري يؤكد على ــرورة مكاتبة كل فري ،على مقدار طبقته وقوته في المنط ،،وكذا مو ــوع
الرس ـ ـ ـ ــالــة والعالقــة بين الكــاتــب والمكتوب لــه ،ونالح هنــا مجــددا تقــاطع عنــاص ـ ـ ـ ــر العمليــة البالغيــة مع
عناصــر التواصــلية ،وتوســيع معنى مقتض ـ ى الحال من عنصــر واحد وهو املخاطب إلى ثالثة عناصــر حســب
أبو هالل العسكري وعي:3
.0موض ـ ــوع الرس ـ ــالة وكات ها معا :فمو ـ ــوع الرس ـ ــالة (األمر والنشي) وص ـ ــاحفها (الس ـ ــلطان) حال
تقتض ـ ـ ـ ي اختص ـ ـ ــار اللف وتأكيد المعنى (اإليجاز) ،أنا إذا كان األمر والنشي في أعمال إدارية أو
تنظيمية فشي تحتاج إلى تفصيل وتحديد ،فالمقتض ى اإلطالة والتكرير (اإلطناب).
ثم يض ــيف أبو هالل العس ــكري مقتضـ ـ ى آخر جديدا لم ُيل فتف .إليه من قبل في بالغة الخطابة
وهو ترتيب أجزا القول ،إذ يجب أن يقدم ذكر ما رآه السلطان ثم يعقب بذكر األمر بامتثاله،
وال يقتصر على ذل ح ى يؤكد ويكرر لتأكد الحجة على المأمور.
.0موضوع الرسالة والمكتوب إليه معا
أما إذا كان المو ـ ـ ـ ــوع خالف األمر والنشي من مدح وذم ...إلخ ،فالمقتض ـ ـ ـ ـ ى اإلطناب بدرجات
متفاوتة بتفاوت ما قدم المكتوب إليه من إحسان أو إسا ة.
-1ابن وهب ،البرهان في وجوه البيان ،تحقيق عبد الحميد العبادي ،المكتبة العلمية ،بيروت ،6991 ،ص .19
-2جميم عبد المجيد ،مرجع سابق ،ص .19
-3المرجع نفس ،ص ص 11-19
89
.3الكاتب والمكتوب إليه وموضوع الرسالة معا
تراعى العالقة الوظيفية مر وس-رئيش بين الكاتب والمكتوب إليه من جهة ،ومو وع المكاتبة
من جهة ثانية .ففي حال مر وس يكتب إلى رئيسـه رسـاله مو وعها إ ها األخبار وتقرير إداري،
يكون المقتضـ ـ ى اإلطناب واس ــتخدام األلفاظ الس ــهلة الواض ــحة ،وقد يقتضـ ـ ي خبر بعينه من
األخبار ال ي تحملها الرســالة اللجو إلى التكنية دون التصــريح ،وذل إذا كان هذا الخبر تنخرق
معه هيبه الرئيش .وهكذا يتراوح المقتض ـ ـ ى بين التصـ ــريح والتكنية أو الكشـ ــف والتورية داخل
الرسالة الواحدة تبعا ملحتوا أخبارها.
أما إذا كان مو ــوع الرس ــالة االس ــتعطاف ،ف ن المقتضـ ـ ى عدم اإلكثار من ش ــكاية الحال ،بل
مزج الشكاية بالشكر.
أما إذا كان مو ــوع الرســالة االعتذار ،ف ن المقتض ـ ى عدم المبالغة في التنصــل من التقصــير،
بل االعتراف به.
وبعيدا عن مو ـوع الرسالة وفي و العالقة بين الكاتب والمكتوب إليه ،فان ثمة مقتضيات
تقتض ـ ــيها هذه العالقة .من هذه المقتض ـ ــيات ما يتص ـ ــل باملحتوا ومنها ما يتص ـ ــل باس ـ ــتخدام
الض ـ ــمائر .يقول أبو الهالل العس ـ ــكري :وأن تعرف مقدار المكتوب إليه من الر س ـ ــا والنظرا
والغلمـان والوكال ،فتفرق بين من تكتـب إليـه بص ـ ـ ـ ـفـه الحـال وذكر الس ـ ـ ـ ــالمـة ،وبين من تكتب
إليـه أنا أفعل كذا ،وبين من تكتب إليه نحن نفعل كذا ،فأنا من كالم اإلخوان واألش ـ ـ ـ ــباه ونحن
من كالم الملوك.1
وعلى درب أبي هالل العســكري ،تنبه الســكاكي لةحوال والمقامات كمحددات أســاســية لشــكل التواصــل
حيث قال :ال يخفم علي أن مقامات الكالم متفاوتة ،فمقام التش ـ ـ ـ ــكر يباين مقام الش ـ ـ ـ ــكاية ومقام التهنئة
يبـاين مقــام التعزيــة ،ومقــام المــدح يبـاين مقــام الــذم ،ومقــام الترغيــب يبـاين مقــام الترهيــب ،ومقــام الجـد في
جميع ذلـ يبــاين مقــام الهزل .وكــذا مقــام الكالم ابتــدا يغير مقــام الكالم بنــا على االس ـ ـ ـ ــتخبــار أو اإلنكــار،
ومقام البنا على السـ ــؤال يغاير مقام البنا على اإلنكار ،جميع ذل معلوم لكل لبيب .وكذا مقام الكالم مع
90
الذكي يغاير مقام الكالم مع الغيي .ولكل من ذل مقتضـ ـ ـ ـ ى غير مقتض ـ ـ ـ ى اآلخر" .وبذل ص ـ ـ ــنف الس ـ ـ ــكاكي
المقامات بحسب:
-1السكاكي ،مفتاح العلوم ،ط ،1مطبعة مصطفى البابي الحلبي ،القاهرة ،6691 ،ص ص .91-91
-2السيوةي ،التحبير في علم التفسير ،تحقيق فتحي عبد القادر فريد ،ط ،6الريار ،دار العلوم 6911 ،هــ ،ص .19
91
تصورالمقام في البالغة العربية بين مرحلتي النشأة والتأصيل ومرحلة الضبط والتقعيد
كثيرا مـا ارتبط الكالم عن مقتض ـ ـ ـ ـ ى الحـال بـالمقـام ،فيقـال "لكـل مقـام مقتض ـ ـ ـ ـ ى" ،و"لكل مقام مقال"
وقد اتخذ المقام داللة في مرحلة نشأة البالغة تختلف عنها في مرحلة الضبط التقعيد على النحو التالي:
الشكل رقم :18تصورالمقام في البالغة العربية
المصدر :جميل عبد املجيد ،البالغة واالتصال ،مرجع ساب ،،ص .030
نالح أوال أن المقــام مرتبط ارتبــاطــا وثيقــا بــالمتلقي (مقــام المتلقي) ،وقــد تم التركيب في مرحلــة النش ـ ـ ـ ــأة
والتأص ــيل للبالغة عند العرب ،على المقام من الزاوية الخارجية أي حس ــب طبقته الس ــياس ــية واالجتماعية
ويعود ذلـ حس ـ ـ ـ ــب تقـدير جميـل عبـد املجيـد إلى مـا اعتبره انعكـاس ـ ـ ـ ــا وتوطيدا للفارق الطبقي بين الس ـ ـ ـ ــيد
والحــاكم والعب ــد واملحكوم في املجتمع العربي الق ــديم .1وهن ــا نج ــد دالل ــة ـ ـ ـ ــمني ــة لمفهوم الجمهور الع ــام
السليي باللغة التواصلية إذ كان ينظر إلى المتلقي في هذه المرحلة كونه مصدقا للكالم.
أمـا فكرة المقـام عنـد بالغلي المرحلـة الثانية ،فشي على الرغم من اتس ـ ـ ـ ــاعها إال أ ها أخرج .المتلقي من
الدائرة الس ــلبية إلى الدائرة اإليجابية من خالل افتراض المتلقي المش ــك والمنكر مما يجعل غاية البالغة
92
ليش فقط اإلمتــاع بــل إيقــاع التص ـ ـ ـ ــدي ،أي اإلقنــاع ،وعي غــايــة تس ـ ـ ـ ــتوجــب الحس ـ ـ ـ ــم والمص ـ ـ ـ ــادرة من قبــل
المرسل.
واعتمادا على ما س ـ ــب ،،قدم محمد العمري في كتابه "في بالغة الخطاب اإلقناعي" تص ـ ــنيفا للمقامات في
البالغة العربية حيث رصد مقامات أساسية وأخرا فرعية على النحو المبين في الجدول الموالي:1
الجدول رقم :0مقامات الخطابة العربية في القرن األول الهجري
المصدر :ميمد العمري ،في بالغة الخطاب اإلقناعي ،إفريقيا الشرق ،المغرب ،0110 ،ص 65
-1محمد العمري ،في بالغة الخطاب اإلقناعي ،إفريقيا الشرق ،المغرب ،1111 ،ص .19-11
93
ومن جهته ،أورد جميل عبد املجيد في كتاب البالغة واالتصـ ــال تصـ ــورا جديدا للمقام في الثقافة العربية
المعاصــرة زاوج فيه بين التصــور البالغي القديم والدرس المعاصــر في اللغة والنقد ،وقد لخص عناص ـره في
الشكل الموالي:
المصدر :جميل عبد املجيد ،البالغة واالتصال ،مرجع ساب ،،ص .030
وقد قسم الباحث المقام في نموذجه إلى مقام داخلي وآخر خارجي.1
أوال /المقــام الخــار ي :أي مــا هو خــارج الــذات المرس ـ ـ ـ ـل ـة وكــل مــا ال يختص هــا ،وهو مقــام تتنوع
عناصره وتتعدد:
.6المتلقي من حيث:
94
أ -طبقته العلمية والفكرية واالجتماعية والمهنية والعمرية والنوعية،
ب -ردود أفعـالـه ،فـ ذا كـانـ .الطبقـات الس ـ ـ ـ ــابقـة للمتلقي ثـابتـة نس ـ ـ ـ ــبيـا من جهـة وس ـ ـ ـ ــابقـة على
عمليـة االتص ـ ـ ـ ــال من جهـة ثـانيـة ،فـأن ثمـة زاويـة أخرا متغيرة من جهـة ومص ـ ـ ـ ــاحبـة لعملية
االتص ـ ـ ــال والحقة ها من جهة ثانية وعي :حالته النفس ـ ـ ــية وما يص ـ ـ ــدر عنها من إقبال وإدبار
وتأييد أو اعتراض واستفسار أو جواب ...إلخ.
.1نوع االتصال وقناته :إن النوعين األساسيين لالتصال (المشافهة والمكاتبة) يتنوعان اآلن بتنوع
وسـ ـ ــائل االتصـ ـ ــال وتطورها تنوعا يؤثر بقوة في صـ ـ ــياغة الخطاب وتقنياته .فالمشـ ـ ــافهة لم تعد
مقيـدة بوحــدة المكــان الجــامع بين طرفي أو أطراف االتص ـ ـ ـ ــال بــل أص ـ ـ ـ ــبحــ .متــاحــة مع اختالف
المكان (كاالتصــال عبر الراديو والتلفزيون والوســائط الرقمية الجديدة) .وكذل األمر بالنســبة
للمك ــاتب ــة ال ي تنوع ــ .قنواته ــا واختلف ــ .أةج ــامه ــا وتقني ــاته ــا فشي تتم عبر الكت ــب والجرائ ــد
واملجالت وش ـ ـ ـ ــبكـة األنترنـ .وأغلفـة البض ـ ـ ـ ــائع والس ـ ـ ـ ــلع والملص ـ ـ ـ ــقات ،إلى جانب التقنيات ال ي
أصبح .تراف ،هذه المكاتبة من ألوان وصور مرافقة وغيرها.
.1السياق العام :السياس ي واالجتماعي واالقتصادي والعقائدي والتاريخي ...إلخ.
.9طبيعة المو وع :سياس ي أو قانوني أو ديني ذاو فلسفي...إلخ.
ثانيا /المقام الداخلي
وهو مقاص ــد المرس ــل هل عي أس ــاس ــية س ــابقة عن العملية االتص ــالية أم أ ها فرعية طارئة أم ا ها مزيك
بين االثنين.
بنا على ما س ـ ــب ،نس ـ ــتنتك أن الوقوف على داللة الخطاب ال يتم فحس ـ ــب بالطرق التحليلية للس ـ ـانيات
على المســتويات الصــوتية والصــرفية والنحوية والم جمية .وإنما باالعتماد بدرجة كبيرة على عنصــر المقام
وهو ما تؤكده الدراسات اللسانية المعاصرة.
المقام في الثقافة الغربية
بالرغم من عدم اسـ ــتخدامهم لمصـ ــطلل أو مفهوم خالص لإلشـ ــارة إلى المقام كما كان الشـ ــأن بالنسـ ــبة
لعلما البالغة العرب ،إال أن مدلول المقام كان حا را في كتب البالغة اليونانية القديمة .وغياب مصطلل
95
المقام في الفكر اللغوي الغربي وفي كتاباتهم ليش دليال على غياب فكرة المقام باعتباره عنصـرا جوهريا من
عناصـ ـ ــر الخطاب والبالغة ال ي ال يمكن االس ـ ـ ـتغنا عنها .فنجد إشـ ـ ــارة للمقام في كتاب الخطابة ألرسـ ـ ــطو،
ويتجلى في حديثه عن التصـ ــديقات واألدلة والحجج والبراهين الخطابية ،فاألدلة ال ي تقدم بواسـ ــطة القول
الخطـابي ثالثـة أنواع :أولها يقوم في طباع الخطيب ومزاجه ،ويوم ثانيها في االس ـ ـ ـ ــتعدادات ال ي يو ـ ـ ـ ــع عليها
المس ـ ـ ــتمع ،وتتعل ،ثالثتها بالخطاب ذاته ،ألن الخطاب إما يبرهن أو يبدو عليه أنه يبرهن .فالبراهين الذاتية
النفس ــية ال ي ذكرها أرس ــطو والمتعلقة بأخالق الخطيب وش ــخص ــيته وبأحوال المس ــتمعين حس ــب األعمار
والطبقات هو ما يسميه الدرس البالغي العربي بمراعاة المقام.1
مركزية المتلقي في البالغة الجديدة
يقع المتلقي في قلب الخطابة القديمة والخطابة الجديدة على حد ســوا ،إذ ينشــأ الخطاب على قدره أو
مقــامــه ،وهو المراد إقنــاعــه .غير أن المتلقي في الخطــابــة القــديمــة -وبحكم تقيــدهــا بــالخطــاب المنطوق-
حـددت المتلقي في الس ـ ـ ـ ــامع بينما المتلقي في الخطابة الجديدة بحكم عدم تقيدها بالخطاب المنطوق قد
يكون سـ ــامعا وقد يكون قارئا ،فالدور الحديث للطباعة قد جعل العديد من الباحثين يولون عناية خاص ـ ـة
بالنص ـ ـ ــو المطبوعة ،وعلى قدر هذا المتلقي القارج -الذي بقي مهمش ـ ـ ــا خالل النص ـ ـ ــف األول من القرن
العشــرين-يص ــب الكاتب خطابه .ويؤكد بيرلمان في هذا الس ــياق أن ما يجب اس ــتبقا ه من الخطابة القديمة
هو فكرة المتلقي ال ي ترد إلى الذهن مباشــرة عندما نفكر في الخطاب .فكل خطاب موجه إلى متل ،وغالبا ما
ننس ـ ـ ـ ـ ى أن األمر كـذلـ في كـل خطـاب مكتوب ،فـالخطاب ُي فع َد بلغة المتلقي ،لكن الغياب المادي للقرا قد
يجعل الكاتب يعتقد أنه وحيد في العالم بينما نصــه في واقع األمر -وعي الكاتب ذل أم لم يع -مشــروط دائما
الذين يقصد مخاطبتهم.2 باألشخا
والمتلقي في هذه الخطابة الجديدة لم يعد كما كان .الحال في الخطابة القديمة سلبيا يقتصر دوره على
التلقي وإنمـا أص ـ ـ ـ ــبح متلقيـا ايجـابيـا يتلقم مـا يتلقم ويفكر فيـه ثم يرد وينـاقش ويفنـده ويـدعم لينتقـل بـذل
من موقع التلقي إلى موقع االرس ـ ـ ــال وينتقل المرس ـ ـ ــل بالتالي من موقع االرس ـ ـ ــال الى موقع التلقي ،فالطرفان
يتبـادالن فيمـا بينهم المواقع .ومن جهة ثانيه ف ن المتلقي في الخطابة القديمة بحكم س ـ ـ ـ ــلبيته كان في درجة
96
أدنم من درج ـة الخطي ــب ،ومن ثم ك ــان يتلقم الخطب ــة من أعلى ف ــالعالق ــة بينهم ــا رأس ـ ـ ـ ـي ــة ،أم ــا المتلقي في
الخطـابـة الجـديـدة فهو بحكم إيجـابيتـه يقف في درجـه موازية لدرجة المرس ـ ـ ـ ــل في عالقة أفقية تجمع بينهما
وهو مات يعرف بالنموذج التبادلي في االتصال.1
عناصرالعملية التواصلية من المنظورالبالغي
-6المتكلم :لقد اول .البالغة العربية (على غرار البالغة الكالس ـ ــيكية األرس ـ ــطية) عناية فائقة للمتكلم
بــاعتبــاره فــاعــل الكالم فهو من يس ـ ـ ـ ــتطيع تحــديــد المــدلوالت والمقــاص ـ ـ ـ ــد الرتبــاط المعنى بمــا ينوي
إبالغه ش ـ ـ ــرط إلمامه بمقتضـ ـ ـ ــيات الخطاب املختلفة بحيث يخاطب كل سـ ـ ـ ــامع بما يناسـ ـ ـ ــبه .يقول
الجـاح " :ينبني للمتكلم أن يعرف أقـدار المعـاني ويوازن بينهـا وبين أقـدار المس ـ ـ ـ ــتمعين وبين اقدار
الحــاالت فيجعــل لكــل طبقــة من ذل ـ مقــامــا ،ح ى تس ـ ـ ـ ــتقيم اقــدار المعــاني على أقــدار المقــامــات
وأقدار المستمعين على أقدار تل الحاالت".
-1املخـاطب :يطل ،عليه أس ـ ـ ـ ــما عديدة منها الس ـ ـ ـ ــامع والمتلقي والمرس ـ ـ ـ ــل إليه ،وهو يعد ثالث أركان
العملية التواصلية إلى جانب المتكلم والخطاب ،ومهمته ف رموز الرسالة ال ي يرسلها إليه المتكلم
فيفهمهــا وي ي داللتهــا ،يعتبر اهم حلقــة من حلقــات العمليــة التواص ـ ـ ـ ــليــة ألنــه مقيــاس نجــاحهــا من
خالل فهمه لقصد المتكلم أو جزه عن فهمه عن طري ،ارتكاب خطأ من طرف المتكلم.
-1الخطاب أو الرس ـ ـ ـ ــالة :عي أهم جانب في العملية الخطابية حيث تجس ـ ـ ـ ــد عندها أفكار المرس ـ ـ ـ ــل في
صـ ـ ـ ــورة سـ ـ ـ ــمعية عندما يكون التخاطب شـ ـ ـ ــفهيا ،أي أ ها بمثابة رابط بين المتكلم والسـ ـ ـ ــامع يتمثل
هدفه في داللة الس ـ ـ ــامع وإفهامه مراد المتكلم من كالمه ،وأن يبين له ما في نفس ـ ـ ــه من معنى .ينطل،
الخطاب من بيان المتكلم لقصده وغايته من إنشا الكالم بطريقة خاصة.
-9الســياق (المرجع المقام) :لكل رســالة مرجع تحيل إليه وســياق معين مضــبوط قيل .فيه ،وال تفهم
مكوناتها الجزئية أو تف رموزها إال باإلحالة على المالبس ـ ـ ــات ال ي أنجزت فيها هذه الرس ـ ـ ــالة قص ـ ـ ــد
غدراك القيمة اإلخبارية للخطاب.
1
- Douglas N Walton, Informal logic : A handbook for critical argumentation, Cambridge University Press, New
York, 1989, p 256.
97
القص ـ ـ ـ ــد أو القص ـ ـ ـ ــديـة :إن مفهوم القص ـ ـ ـ ــد او القص ـ ـ ـ ــدية من المفاهيم ال ي نجدها عند علما النفش
والتـداوليين وفالس ـ ـ ـ ـفـة اللغـة وعلمـا البالغـة لتص ـ ـ ـ ــل إلى مجـال االتص ـ ـ ـ ــال والتواص ـ ـ ـ ــل مؤخرا .ويرتبط هذا
يحفز المتكلم على تحري ـ العمليــة التبليغيــة ،س ـ ـ ـ ــوا ارتبط ذل ـ بمــا تم المفهوم بكــل مــا من شـ ـ ـ ـ ــأنــه أن ل
التص ــريح به من ملفوظات أو لم يرتبط ،وتكتنفه عالقة ،أيض ــا ،بوظيفة المتلقي األس ــاس ــية ،كمس ــاعد في
ت ــأوي ــل الملفوظ ــات أو في التبلي عموم ــاّ فمن الن ــاحي ــة المن جي ــة ،يلع ــب القص ـ ـ ـ ـ ــد دورا محوري ــا في ت ــأوي ــل
الملفوظات والنصو ،باعتبارها صادرة عن شخص قد ال يصرح عن مقاصده إال قليال.1
إذن فـدور المقـاص ـ ـ ـ ــد يرتكز بوجـه عام على بلورة المعنى كما هو عند المرس ـ ـ ـ ــل إذ يس ـ ـ ـ ــتلزم منه مراعاة
كيفية التعبير عن قص ــده وانتخاب االس ــتراتيجية ال ي تتكفل بنقله مع مراعاة العناص ــر الس ــياقية األخرا،
انطالقـا من أن المقـاص ـ ـ ـ ــد عي لـب العملية التواص ـ ـ ـ ــلية ألنه ال وجود ألي تواص ـ ـ ـ ــل عن طري ،العالمات دون
وجود قصدية ورا فعل التواصل ،ودون وجود إبداع أو على األقل توليف العالمات .من هنا ف ن الغاية من
قصــد المرســل عي إفهام المرســل إليه ويشــترط أن يمتل اللغة في مســتوياتها المعروفة الصــوتية والصــوتية
والصرفية والنحوية والداللي ،وعليه يتم التمييب ببين نوعين من المقاصد:
-القصد اإلخباري ،الذي يكمن في رغبة المتكلم في إظهار مجموع ما يضطلع عليه للمخاطب.
-القصد التبليني ،وهو أن يعلن المتكلم صدقه بحقيقة قصده اإلخباري
ومنه نس ـ ــتنتك التداخل الكبير بين االتص ـ ــال والبالغة ،حيث تتدخل البالغة في العملية التواص ـ ــلية عند
صياغة الرسالة من عدة زوايا ،أهمها:2
1
- A.Reboul, J.Moeschler , La pragmatique de discours, Armand Colin, Paris, 1998, P 156.
-2عبد الرحمان حسن الميداني ،مرجع سابق ،ص ( 11-11بتصرف).
98
ف
-1حال املخاطبين أو المتلقين (حالتهم النفسية والفكرية واالجتماعية)
-1الظرف الزماني والمكاني اللذين يتم فيهما االتصال.
المهارات البالغية والتواصل الفعال :بعض األمثلة
يرتبط الكالم والفعل التواص ـ ــلي بالبالغة بش ـ ــكل كبير كما س ـ ــبق .اإلش ـ ــارة إليه ،ولكي يتمكن المتكلم
المتصل من التحكم في األدوات البيانية عليه التدرب عليها وكما قال خالد بن صفوان "إنما اللسان عضو،
إذا مرنتـه مرن ،وإذا تركتـه كـان كـاليـد تخش ـ ـ ـ ــنهـا بـالممـارس ـ ـ ـ ــة ،والبـدن الـذي تقويه برفع الحجر وما أش ـ ـ ـ ــفهه،
والرجل إذا تعودت المش ي مش.1".
وعليه ،على المتكلم المتصل التدرب على ما يلي:
أوال /األساليب البيانية واستخداماتها االتصالية
من الص ــعب حصـ ــر األس ــاليب البيانية غير أننا نسـ ــتطيع تبيان المراد منها بذكر طائفة من النماذج ال ي
إذا تم اس ـ ـ ـ ــتخـدامهـا بش ـ ـ ـ ـكـل جيـد من مالئمـة للغرض العـام من االتص ـ ـ ـ ــال والو ـ ـ ـ ــع العام للمتلقي والحال
الخا له والمناغ النفسـ ي العام (الســياق أو المقام الخطابي) كان .أســلوبا بيانيا ُمرتقيا إلى معارج البالغة
الراقية ،من بين تل األساليب نجد:2
.6أسلوب العرض المباشر الصريح للفكرة المراد اإلعالم ها ،أو العرض المالمش بساتر،
.1أسـ ــلوب العرض غير المباشـ ــر الذي ُيع فتمد فيه على مقدار ذكا المتلقي ويدخل في أسـ ــلوب العرض
غير المب ــاش ـ ـ ـ ــر التعريض والتلميح ومعـ ــاريض األقوال واإلش ـ ـ ـ ـ ــارات الخفي ــة وفحوا الكالم ولهـ ــذا
األسلوب صور كثيرة جدا.
.1أس ـ ــلوب اإلطناب وعرض الفكرة مبس ـ ــطة موض ـ ــحة من كل جوانفها ،ولهذا األس ـ ــلوب مراتب وص ـ ــور
كثيرة وهذا األسلوب يناسب أصنافا من الناس وأغرا ا من الكالم وأحواال خاصة للمخاطبين.
.9أس ـ ــلوب اإليجاز واالختص ـ ــار ،ولهذا األس ـ ــلوب أيض ـ ــا مراتب وص ـ ــور كثيرة وهو يناس ـ ــب أص ـ ــنافا من
الناس كاألذكيا وذوي السلطة ،وأهدافا معينة من االتصال وأحواال خاصة للمتلقين.
-1أحمد بن محمد ابن عبد رب ،العقد الفريد ،مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ،القاهرة ،6991 ،ص .191-119
-2عبد الرحمان الميداني ،مرجع سابق ،ص ( 19-11بتصرف).
99
.1أس ـ ــلوب الترغيب ،وله مراتب وص ـ ــور كثيرة وهو في الغالب يالئم معظم النفوس اإلنس ـ ــانية لما أودع
الله فيها من مطامع.
.1أس ـ ـ ــلوب الترهيب وله أيض ـ ـ ــا مراتب وص ـ ـ ــور وهو كأس ـ ـ ــلوب الترغيب يالئم في الغالب معظم النفوس
اإلنسانية ،لما أودع الله فيها من حذر وخوف.
.9أسلوب العنف والقسوة ،وهو يالئم بعض الناس وفي بعض األحوال.
.9أسلوب الرقة واللين.
.9أس ـ ـ ـ ــلوب اإلثـارة للعواطف واالنفعـاالت ،وكثيرا مـا يكون هـذا األس ـ ـ ـ ــلوب نـافعا ومجديا في الحماس ـ ـ ـ ــة
والخطابة.
.61أسلوب اإلقناع الفكري الهادج.
.66أسلوب الجدل.
بعيــدة عن .61أس ـ ـ ـ ــلوب الكتــابــة َّ
التقنينيــة ،والكتـابــة العلميــة املحررة واملحــددة للمقــاص ـ ـ ـ ــد بنص ـ ـ ـ ــو
االحتماالت األخرا.
وهكذا تختلف أسـ ــاليب االتصـ ــال وكل منها يناسـ ــب أهداف معينة ،وأصـ ــنافا معينة من الناس ،وأحواال
خاصة من المتلقين وسياقات محددة .وقد يجتمع عدد من األساليب االتصالية في صيرورة واحدة.
ثانيا /التنويع والتنقل والتلوين
فالمتص ــل الجيد ال بد له من التنويع والتنقل والتلوين بين الص ــور واألش ــكال الجمالية في الكالم وهو ما من
شأنه تجديد إثارة االنتباه ومنع تسلش السأم والملل إلى نفوس المستمعين أو القرا .
يكون التنقل مثال من المتوازنات القص ـ ـ ــيرة إلى المتوازنات الطويلة إلى المتوازنات الرش ـ ـ ــيقة ـ ـ ــمن نس ـ ـ ــ،
م ج ــب جمي ــل وهو أح ــب من الثب ــات على وتيرة واح ــدة منه ــا .وك ــذل ـ التنق ــل من الخبر إلى التسـ ـ ـ ـ ــا ل ،إلى
الجواب إلى التمني ف لى الخبر ،ف لى الحوار والمناقش ـ ــة ،ف لى الجدل والحماس ـ ــة ومنه إلى المنطقية العقلية
فــالع ــاطف ــة فــالح ــديــث اله ــادج ،إلى غير ذل ـ من ألوان وفنون بي ــاني ــة ،مع ش ـ ـ ـ ــرط المالئم ــة وع ــدم التن ــافر
الجمالي ،والتنقل البارع بينها من غير تكلف وال قفزات منفرات.
100
ثالثا /تزيين األفكارالمقصودة بالذات بأفكارأخرى
من المظاهر التواص ـ ـ ــلية ال ي تتجلى فيها البالغة كذل تزيين الفكرة المقص ـ ـ ــودة بالذات بأفكار أخرا عن
طري ،التمهيد أو المقارنة او التذييل.
فــالتمهيــد يكون بعرض أفكــار تمهــد لةفكــار المقص ـ ـ ـ ــودة بــالــذات وتزينهــا وتجعلهــا مقبولــة ،ـكـالتمهيــد بمقولــة
إقنـاعيـة ،أو عنـاص ـ ـ ـ ــر إيمـانيـة أو التمهيـد بعبارات تش ـ ـ ـ ــعر بتكريم املخاطب والتلطف معه بحس ـ ـ ـ ــب مكانته
االجتماعية.
أمـا المقـارنـة فتكون بـ لبـاس الفكرة المقص ـ ـ ـ ــودة ثوبـا من فكرة أخرا يتقبلهـا المتلقي أكثر من تقبلـه الفكرة
المقصودة عارية مجردة ،وتطبي ،ذل يكون باستخدام األساليب غير المباشرة ال ي سب ،شرحها سابقا.
وأما التذييل فيكون بعرض األفكار المقصودة بالذات أوال واتباعها بما يزينها ويجعلها مقبولة.
رابعا /ضرب األمثال
يسـ ـ ــتخدم المثل باعتباره أسـ ـ ــلوبا بالغيا كثيرا في االتصـ ـ ــال ويعد من عناصـ ـ ــر الجمال في الكالم بشـ ـ ــرط ان
تتوافر فيه الشــروط الفنية لةمثال .ويشــترط في ــرب المثل أن يكون له غرض بياني وأال يكون مجرد عبث
في القول .وعموما توظف األمثال في الكالم واالتصال ألحد األغراض التالية:1
101
-المدح أو الذم والتعظيم أو التحقير.
-شــحذ ذهن املخاطب وتحري طاقاته الفكرية أو اســتر ــا ذكائه لتوجيه عنايته ح ى يتأمل ويتفكر
ويصل إلى إدراك المراد عن طري ،التفكر.
خامسا /السطح والعم،
ومن عنـاص ـ ـ ـ ــر الجمـال البالغي في الكالم والتواص ـ ـ ـ ــل أن يكون لـه س ـ ـ ـ ــطح تفهمـه العـامـة دون غموض وال
ارتباك ذهني ،وأن يكون له مع ذل عم ،تفهمه الخاصة بالتأمل والتعم ،وإعمال الذكا .
سادسا /الجمع بين األضداد
الجمع بين األشـيا المتضـادة في صـورة كالمية متناسـقة من عناصـر الجمال األدبي في الكالم أيضا ،ذل
ألن األ داد سريعة التخاطر في األذهان ،ف يرادها قد يحد ارتياحا جماليا في النفش.
ثامنا /نقل األسماو أو الصفات من مواضعها الطبيعية وإضفاؤها على غيرها
قد يكون من عناص ــر الجمال البالغي في الكالم نقل األس ــما او الص ــفات من موا ــعها االص ــطالحية أو
الطبيعية وإ فا ها على غيرها لوجود ما يستدعي في التخيل هذا النقل وإن لم يكن في الواقع كذل .
102
مفهوم االستراتيجية:
االسـ ــتراتيجية مصـ ــطلل ينتمي إلى املجال العسـ ــكري وعي علم وفن ينصـ ــرف إلى الخطط والوسـ ــائل ال ي
تعالج الو ـع الكلي للصـراع ...من أجل تحقي ،هدف الســياســة .فاالســتراتيجية تتعل ،ب عداد الخطط ذات
الخطط الجزئية.1 األهمية ،وعي تسـ ـ ــتعمل في العادة مع قسـ ـ ــيمه المكمل "تكتي " وعي تعني تفاصـ ـ ــيل تل
وعليه نس ـ ـ ـ ــتنتك مبدئيا بأي االس ـ ـ ـ ــتراتيجية تقع في لب الفعل الميدانيLa stratégie est au cœur de la 2
.praxéologie
واإلنس ـ ـ ـ ــان في حيـاتـه يمـارس أفعـاال كثيرة يبني من ورابهـا تحقي ،أهداف بعينها ،وال يس ـ ـ ـ ــتطيع أن يمارس
هذه األعمال في و ـ ــع مس ـ ــتقل عن س ـ ــياق املجتمع الذي ينتمي إليه ،لذل ف نه يتخذ طريقة معينة يتمكن
هـا من مراعـاة األطر ال ي تحف هـذه االعمـال .ويص ـ ـ ـ ــطلل على هـذه الطرق باالس ـ ـ ـ ــتراتيجية وعي طرق محددة
لتنـاول مش ـ ـ ـ ــكلـة مـا أو القيـام بمهمـة من المهـام أو عي مجموعـة عمليـات تهدف إلى بلوغ غايات معينة ،أو عي
تدابير مرسومة من أجل بط معلومات محددة والتحكم ها.
االستراتيجية إذن خطة للوصول إلى الغاية المنشودة ،وعي بذل ذات بعدين:
-1البعد التنفيذي الذي يجس ـ ـ ـ ــد االس ـ ـ ـ ــتراتيجية ويراعى في كال المس ـ ـ ـ ــتويين الفاعل ،الفعل والس ـ ـ ـ ــياق
بعناصره املختلفة.
وقد دخل مص ـ ــطلل "االس ـ ــتراتيجية" على الدراس ـ ــات اللس ـ ــانية الحديثة ،وهو ال يزال يحمل غمو ـ ــا في
داللتها .وقد يعود هذا الغموض من جهة لكثرة اس ـ ـ ــتعماله في ميادين معرفية مختلفة ،أو قد يعود لش ـ ـ ــيوع
-1الييثم اهيوبي وآخرون ،الموسوعة العسكرية ،الجزء اهول ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ،6996 ، ،ص .16
2
-De Montebrial T. et J. Klein, Dictionnaire de Strategie, Paris, Presse Universitaire de France, 2000, p 527.
103
اســتعماله بلفظه الدخيل من جهة أخرا .1ففي اللســانيات التداولية قد تعرف بوص ــفها محص ــلة لس ــلس ــلة
من عمليــات االختيــار واتخــاذ القرار – الجــاريــة في العــادة عن وعي – ال ي تعلم بواس ـ ـ ـ ــطتهــا خطوات الحــل
ووس ـ ـ ـ ــائلــه لتنفيــذ أهــداف اتص ـ ـ ـ ــاليــة .المالح أن هــذا التعريف يركز على العمليــة التواص ـ ـ ـ ــليــة في اللغـة،
فاالس ـ ـ ـ ــتراتيجية وف ،هذا التص ـ ـ ـ ــور تجمع بين المهمات االتص ـ ـ ـ ــالية المس ـ ـ ـ ــتنبطة من التفاعل والش ـ ـ ـ ــروط
االجتماعية وأهداف شركا االتصال وبين الوسائل اللغوية.2
وعليه ،يحيل مفهوم االس ـ ـ ــتراتيجية الخطابية إلى الخيارات المتاحة أمام الخطيب في و ـ ـ ــعية اتص ـ ـ ــال،
فالمرس ــل ال ينتك خطابه غفال من اعتبار الس ــياق ،فال خطاب بدون انخراطه في س ــياق معين .كما ال يتجلى
الخطاب دون اســتعمال العالمات المناســبة ،فيختار المرســل أو الخطيب اســتراتيجية خطابه وفقا لدواعي
المقام ومقتض ـ ـ ـ ى الحال ال ي تص ـ ـ ــبح معايير لتص ـ ـ ــنيف اسـ ـ ــتراتيجيات التواص ـ ـ ــل الخطابية ،فاالتص ـ ـ ــال أو
التواصل يجري بين ذاتين يعبر به المرسل عن قصده.
وقد قس ـ ــم عبد الهادي بن ظافر الش ـ ــهري اس ـ ــتراتيجيات الخطاب وف ،ثالثة معايير عامة :المعيار األول
وهو المعيـار االجتمـاعي أو العالقـة التخـاطبيــة بين أطراف الخطـاب وتمثلـه اس ـ ـ ـ ــتراتيجيتـان ،االس ـ ـ ـ ــتراتيجيــة
التضـ ـ ـ ـ ــامنيــة واالس ـ ـ ـ ــتراتيجيــة التوجيهيــة .وأمــا المعيــار الثــاني فهو المعي ــار اللغوي وتمثلــه االس ـ ـ ـ ــتراتيجي ــة
التلميحيــة .وأمــا المعيــار الثــالــث هو معيــار الهــدف من الخطــاب ،وتمثلــه االس ـ ـ ـ ــتراتيجيــة اإلقنــاعيــة ،إذ يعــد
الهدف اإلقناعي من أهم تل األهداف ،وتعد آلية الحجاج ال ي تعتمد اللغة الطبيعية من أهم طرقه.3
-6المعيـار االجتمـاعي أو معيـار العالقـة التخـاطبية بين طرفي الخطاب .وتتص ـ ـ ـ ــف العالقة بأس ـ ـ ـ ــبقيتها
على إنتــاج الخط ــاب ذات ــه ل ــذل ـ ،فشي من عنــاص ـ ـ ـ ــر الس ـ ـ ـ ـي ــاق المؤثرة .وإن لم تكن العالق ــة بينه ــا
موجودة سـ ـ ــلفا ،ف ن المرسـ ـ ــل يس ـ ـ ـ ى إلى إيجادها بخطابه .وتسـ ـ ــتقر العالقة المسـ ـ ــبقة بين طرفي
الخطاب على محورين هما:
-1الطيب رزقي ،البنية الحجاجية في كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق علي الشـ ـ ـ ـ ـ ــيخان ،أةروحة دكتوراه في اللغويات ،كلية اآلداب واللغات ،جامعة
اهخوة منتوري ،قسنطينة ،1169 ،ص .1
-2فولفجالج هاني و ديتر فنيييجر ،مدخم إلى علم اللغة النص ،ترجمة فالح بن ش ـ ــبيب العجمي ،جامعة المل س ـ ــعود ،المملكة العربية الس ـ ــعودية،
،6999ص .169
-3عبد اليادي بن ظافر الشيري ،استراتيجيات الخطاب ،مقاربة لغوية تداولية ،دار الكتاب الجديد المتحدة ،بيروت1119 ،ـ ،ص .199
104
-محور العالقة األفقية كخص ـ ـ ــائص الدين (مس ـ ـ ــلم ،مس ـ ـ ــييي) وخص ـ ـ ــائص الجنش (ذكورة وأنوثة)
وخصــائص الســن (صــغار ،كبار ،شــيوغ) وخصــائص المهنة (أســاتذة ،طالب ،ــباط) وخص ــائص
عرقية (عرب ،غرب) وخصيصة الجنسية والحالة االجتماعية وغيرها.
-محور العالقــة العموديــة وعي تلـ ال ي تتبلور في مراتــب تص ـ ـ ـ ــاعــديــة للنــاس داخــل بنى املجتمع ممــا
يجعلهم ينتمون إلى س ـ ـ ـ ــلم تراتيي يقع كـل طرف من أطراف الخطاب في إحدا درجاته .بمعنى عالقة
السلطة.
وهن ــاك من الب ــاحثين من يفضـ ـ ـ ـ ــل تس ـ ـ ـ ــمي ــة معي ــار العالق ــة التخ ــاطبي ــة مرات ــب المتكلمين ،أو عالق ــات
التمو ُ ـ ـع .rapports de placeفأثنا العملية التفاعلية ،يتمو ـ ــع أحد المتخاطبين في مرتبة المهيمن على
العملية الخطابية ،بفض ـ ــل مجموعة من المعطيات االجتماعية أو المؤسـ ـ ـس ـ ــاتية أو الدينية…الخ وبالتالي،
يتعامل مع اآلخر المهيمن عليه بمنط ،اإللزام والرغبة في الخضـ ـ ــوع ،وينجر عن ذل مفاو ـ ـ ــات مسـ ـ ــتمرة
بين المتفــا علين ،تجعــل أحــدهم يتبنى منط ،المقــاومــة وال جوم المعتــاد الــذي قــد ينجل فيس ـ ـ ـ ــتعيــد مكــانــة
المهيمن ،وقد تفشل فيلبث في مرتبة المهيمن عليه.1
-1المعيار اللغوي وهو معيار شـ ـ ـ ــكل الخطاب من حيث داللته على قصـ ـ ـ ــد المرسـ ـ ـ ــل سـ ـ ـ ــوا بالداللة
المباشرة أو التلميحية.
-1معيــار القص ـ ـ ـ ــديــة أو الهــدف من الخطــاب ،ال يمكن تص ـ ـ ـ ــور فعال تبليغيــا أينمــا ـك ـان ،ومهمــا ـك ـانــ.
طبيعته ،يخرج عن الغاية ال ي س ى إليها المتخاطبون.
االستراتيجيات التواصلية
عرف مو ــوع االس ــتراتيجيات الخطابية اختالفا بين الباحثين العرب والغربيين ،وبين الباحثين الغربيين
فيمــا بينهم بــالرغم من انطالقهم من نفش المنطل ،الــذي يحــدد اختيــار االس ـ ـ ـ ــتراتيجيــة بحس ـ ـ ـ ــب المعــايير
المذكورة أعاله.
وتشير أغلب تصنيفات الباحثين العرب لالستراتيجيات الخطابية-التواصلية التالية:
1
- D. Maingueneau, P. Charaudeau, Dictionnaire d’analyse du discours, Seuil, Paris, 2002, P549.
105
-6االستراتيجية التضامنية:
عي تل االسـتراتيجية ال ي تعنى بالتعامل األخاليي أوال ،وعي "االستراتيجية ال ي يحاول المرسل أن يجسد
ه ـا درجــة عالقتــه بــالمرسـ ـ ـ ـ ــل إليــه ونوعهــا ،وأن يعبر عن مــدا احترامــه لهــا ورغبتــه في املحــافظــة عليهــا ،أو
تصويرها ب زالة معالم الفروق بينها ،وإجماال عي محاولة التقرب من المرسل إليه وتقريبه.1
لــذلـ نجــد المتكلم في هــذه الحــالــة حريص على حف التواص ـ ـ ـ ــل فيجتهــد في التوس ـ ـ ـ ــل بمــا يجلــب إقبــال
املخاطب على س ـ ــماعه وفهم مراده وتلقيه له بالقبول طمعا في أن يبادله نفش الحر على التواص ـ ــل وعلى
الوص ــول إلى المنفعة المش ــتركة .ومن ش ــأن الخطاب هذه االس ــتراتيجية أن يس ــاوي بين درجات أطرافه وأن
يقلص المسـ ـ ـ ــافات ويقلل الدرجات مما يضـ ـ ـ ــي ،معه إطار الفرقة وتنتفي به عوامل التشـ ـ ـ ــت .ح ى تصـ ـ ـ ــبح
العالقة في هاية العملية االتصالية أفضل منها في بدايتها.
-1االستراتيجية التوجيهية:
على نقيض سـابقتها ،تعد االسـتراتيجية التوجيهية ـاغطة ومتداخلة ولو بدرجات متفاوتة على المرسل
إليه وتوجيهه لفعل مستقبلي معين ،وهذه االستراتيجيات ال تناسفها الخطابات المرنة كما هو األمر بالنسبة
لالستراتيجيات التضامنية( .استخدام األمر والنشي).
عي اســتراتيجية نابعة من عالقة ســلطوية ما ،واســتعمالها ال يرجع إلى مميبات فردية وإنما يعود إلى مرتبة
المتكلم االجتماعية ،وطبيعة عالقته بالمتلقي .ومن أهم مســوغات اســتعمالهاّ مناســبة الســياق التفاعلي،
ف
وعدم التشابه في عدد من السمات ،وحصول تحد للمخاطب.
-1االستراتيجية التلمييية:
عي تل االس ــتراتيجية ال ي يعبر ها المرس ــل عن القص ــد بما يغاير معنى الخطاب الحرفي ،لينجز ها أكثر
مما يقوله .إذ يتجاوز قصـ ـ ــده مجرد المعنى الحرفي لخطابه فيعبر عنه بغير ما يقف عنده اللف مسـ ـ ــتثمرا
في ذل عناصر السياق (اعتماد التلميح بدل التصريح).
-1عبد اليادي بن ظافر الشيري ،استراتيجيات الخطاب ،مرجع سابق ،ص .119
106
يلجأ الخطيب لمثل هذه االس ـ ــتراتيجية اس ـ ــتجابة لدواعي س ـ ــياقية تجعله يعدل عن اس ـ ــتعمال الخطاب
المباش ـ ـ ــر بدافع من عوامل معينة كالس ـ ـ ــلطة أو مراعاة التأدب (اس ـ ـ ــتعمال االس ـ ـ ــتعارة والكناية والتش ـ ـ ــبيه
واملجاز .)...
-9استراتيجية اإلقناع:
وعي تل االس ـ ــتراتيجية ال ي يلجأ إليها الخطيب رغبة منه في إحدا تغيير في الموقف الفكري والعاطفي
للمتلقي وحمله على إنجاز فعل .وعي اس ـ ــتراتيجية مس ـ ــوغاتها كثيرة منها قوة تأثيرها بس ـ ــبب ديمومتها ،وثبات
نتـائجهــا العتمــادهــا االقتنـاع الـداخلي دون فرض أو إكراه ،واش ـ ـ ـ ــتراك طرفي الخطــاب في ص ـ ـ ـ ـنــاعــة الحجــاج،
وش ـ ـ ـ ــموليتــه كــل الفئــات االجتمــاعي ــة وك ــل األعم ــار ،وك ــذا نت ــائج ــه التربوي ــة األكي ــدة في الم ــدرسـ ـ ـ ـ ــة والبي ــ.
والمسجد .فاستراتيجية اإلقناع سلطة جديدة ولكنها مقبولة.1
االستراتيجيات الخطابية-التواصلية عند الباحثين الغربيين نموذج "جوم ر " و"شارودو"
John J. .0االسـ ـ ـ ــتراتيجيات الخطابية في المقاربة التأويلية السـ ـ ـ ــوسـ ـ ـ ــيولسـ ـ ـ ــانية لجون جوم ر
Gumperz
بالنس ـ ـ ــبة إلى هذا الباحث ،ترتبط مس ـ ـ ــألة االس ـ ـ ــتراتيجيات الخطابية بالعالقة بين الموقف أو الس ـ ـ ــياق
والنشـ ـ ــاط اللفظي (الكالمي) ،وال ي تتحدد حسـ ـ ــب المفهوم الكالسـ ـ ــيكي بعالقة تأثير ،أي تأثر السـ ـ ــلوكيات
اللفظية بالسياق .إال أن Gumperzيرا بأن السياق ليش مسندا ماديا ،ولكنه من إنتاج الفاعلين أنفسهم،
وهو بنا تأويلي يس ـ ــمح لهم بتحديد الو ـ ــع (أو الحال حس ـ ــب البالغيين العرب) في ـ ــو تحقي ،األهداف
العملية .ففكرة أن األنشـ ـ ــطة الكالمية والسـ ـ ــياق يرتبطان ببعضـ ـ ــهما البعض بشـ ـ ــكل متبادل يشـ ـ ــكل نقطة
البداية لتفكيره النظري.2
ووفقا للمقاربة التأويلية السوسيولسانية ،لالستراتيجية الخطابية الفعالة ثالثة عناصر:
-1عبد اليادي بن ظافر الشيري ،استراتيجيات الخطاب ،مرجع سابق ،ص .991
2
- John J. Gumperz, Discourse strategies, Cambridge University Press, Cambridge, 1982, p 4.
107
.1مبدأ االتساق االستراتيجي ()a principle of strategic consistency
.1عملية التأويل القائمة على االستدالالت التخاطبية (.)conversational inference
بحيـث تض ـ ـ ـ ــمن الكفا ة التواص ـ ـ ـ ــلية اختيار االس ـ ـ ـ ــتراتيجية الص ـ ـ ـ ــحيحة (اس ـ ـ ـ ــتراتيجية ذات مغزا) ،أي
االستراتيجية "المناسبة" في حالة تفاعل محددة.1
وتجدر اإلشـ ــارة إلى أن االسـ ــتراتيجيات الخطابية ال ي ذكرها Gumperzمتنوعة للغاية وتتواف ،مع جميع
المس ـ ـ ــتويات الهرمية المذكورة في س ـ ـ ــياق تحليله .يرتبط بعض ـ ـ ــها باألنش ـ ـ ــطة ال ي تم توظيفها أثنا التفاعل
وبأهدافه (اسـ ـ ــتراتيجيات املحادثة ،واالسـ ـ ــتراتيجيات التواصـ ـ ــلية ،واالسـ ـ ــتراتيجيات اإلقناعية) ،والبعض
اآلخر بالهوية االجتماعية والثقافية للمتحد (اللغة اإلنجليبية القياســية واألمريكية واألفرو-أمريكية )...إلى
تل ـ الخــاصـ ـ ـ ـ ــة بــالمتلقي (مث ــل االس ـ ـ ـ ــتراتيجيــة داخــل املجموعــة) ،إلى الوسـ ـ ـ ـ ــائــل اللغويــة المس ـ ـ ـ ـتخــدمــة
(االس ــتراتيجيات البالغية ،اس ــتراتيجيات التبديل ،االس ــتراتيجيات التنغيمية) ،أو ح ى لعملية التأويل (مثل
االس ــتراتيجيات الس ــياقية واالس ــتراتيجيات المعنوية واالس ــتراتيجيات غير المالئمة) .يمثل هذا التنوع فقط
تو يحا إ افيا لتعقيد مفهوم االستراتيجية الخطابية وطابعها الديناميكي وطبيعتها التفاعلية.
االستراتيجية الخطابية في المقاربة السيميولوجية-الخطابية لباتريك شارودو
اهتم باتري شــارودو باالتصــاالت اإلعالمية والخطاب اإلعالمي ،وقد سـ ى في نظريته إلى دمك ثالثة أنواع
ي يســميها ســيميو-خطابية ، sémiodiscursiveوســوســيو-تواصــلية socio-communicative من القضــايا ال
،وتأويلية .d’interprétationوهو يهدف من هذا الدمك إلى اكتشــاف آليات بنا المعنى االجتماعي ،وال ســيما
"آلة اإلعالم" ،من خالل مالحظة الظواهر اللغوية.2
ويرا ش ـ ـ ــارودو بأن االس ـ ـ ــتراتيجيات التواص ـ ـ ــلية تس ـ ـ ــمح للفاعل النفس ـ ـ ـ ي االجتماعي المتص ـ ـ ــل بمواجهة
المشاكل ال ي تعتر ه أثنا تغلغله ودخوله إلى مساحات الكالم والتعبير ،فشي تسمح له ب ـ:3
1
- Zrinka Simunic, Une approche modulaire des strategies discursives du journalisme politique, These de doctorat,
Université de Geneve, Juin 2004, p 17.
2
- Patrick Charaudeau, Le discours d’information médiatique, Nathan, Paris, 1997.
3
-Patrick Charaudeau, « Le dialogue dans un modèle de discours », Cahiers de linguistique française N°17, 1995,
pp 141-178, p 165.
108
.1معرفة السبيل إلى التأثير على معتقدات اآلخر في عالقتهما التواصلية،
.1معرفة كيفية إ فا المصداقية المعرفية على موقفه.
وعليه ،يتشــكل فضــا التخاطب التواصــلي حســب "باتري شــارودو" Patrick Charaudeauمن 1أنواع
َّ
من االستراتيجيات :استراتيجية الشر فع فنة ،استراتيجية المصداقية ،واستراتيجية اإلغرا .1
استراتيجيات الشرعنة :Stratégies de légitimationتهدف هذه االستراتيجيات إلى بنا مو ع -1
سـلطة يتحرك من خالله الخطاب سـوا كان .السـلطة مؤسـسـية أو شخصية في س ي المتكلم
(الخطيب) لالحتفاظ بالح ،في الكالم وطرح الخطاب.
اس ـ ـ ـ ــتراتيجيـات المص ـ ـ ـ ــداقيـة :Stratégies de crédibilitéتهـدف هـذه االس ـ ـ ـ ــتراتيجيات إلى بنا -2
ـ ـ ـ ــع صـ ـ ـ ـ ــدق يمنح الخط ــاب طــابع المصـ ـ ـ ـ ــداقي ـة (في الحقيق ــة ،بــالت ــأكي ــدen vérité , .... مو
)certainement
اسـ ـ ــتراتيجيات اإلغرا :Stratégies de captationتتمثل هذه االسـ ـ ــتراتيجيات في عمليات إغوا -3
معتمــدة على المشـ ـ ـ ـ ــاعر واألحــاس ـ ـ ـ ــيش ،الهــدف منهــا حمــل المس ـ ـ ـ ــتمع على االنخراط في أفكــار
الخطيب بجعله يعتقد بأنه جز من قض ــية أو مجموعة معينة .من أهم الطرق المس ــتعملة في
هذا النمط من االستراتيجيات:
وقد أكد جل الباحثين مهما كان .مش ــار هم على عدم اكتفا المتكلم او المتص ــل باتباع اس ــتراتيجية واحدة
فقط ،بل يمكنه المزج والمزاوجة بين استراتيجيتين خطابيتين أو أكثر حسب ما يقتضيه الو ع والسياق،
أو المقام ومقتض ى الحال.
1
- Patrick Charaudeau, « Le dialogue dans un modèle de discours », Cahiers de linguistique française N°17, 1995,
p p 141-178. p 167.
109
المصادروالمراجع
-ابن عبد ربه أحمد بن محمد ،العقد الفريد ،ج ،1مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ،القاهرة.6991 ،
-ابن منظور ،لسان العرب ،ط ،6ج ،66دار صادر ،بيروت 6969 ،هـ.
-ابن وهب ،ال رهان في وجوه البيان ،تحقي ،عبد الحميد العبادي ،المكتبة العلمية ،بيروت.6991 ،
-األصفهاني الحسين بن محمد الراغب ،المفردات في غريــب القرآن ،تحقي ،محمــد سـ ـ ـ ـيــد كيالني ،مطبعــة مص ـ ـ ــطفم
الحليي ،القاهرة.6916 ،
-إيرليخ فكتور ،الشكالنية الروسية ،ترجمة محمد الولي ،المركز الثقافي ،الدار البيضا .1111 ،
-األيوبي الهيثم وآخرون ،الموس ـ ـ ــوعة العس ـ ـ ــكرية ،الجز األول ،المؤسـ ـ ـ ـس ـ ـ ــة العربية للدراس ـ ـ ــات والنش ـ ـ ــر ،بيروت،
.6996
-بارت بانجمين ،حلم رام الله :رحلة في قلب السـ ـ ـراب الفلسـ ـ ــطيني ،ترجمة سـ ـ ــنا خوري ،ط ،6الدار ل
األهلية وجروس
برس ناشرون.1161 ،
-بارت روالن ،قراوة جديدة للبالغة القديمة ،ترجمة عمر أوكان ،ر ية للنشر والتوزيع ،القاهرة.1166 ،
-البختاوي عماد محمد محمود ،مناهج البيث البالغي عند العرب ،دراسـ ـ ــة في األسـ ـ ـ المعرفية ،ط ،6دار الكتب
العلمية ،بيروت.
-بدوي أحمد زكي ،معجم مصطلتحات العلوم االجتماعية ،مكتبة لبنان ،بيروت.6991 ،
-البغــدادي أبو طــاهر محمــد بن حيــدر ،قــانون البالغــة في نقــد النثر والش ـ ـ ــعر ،تحقي ،محس ـ ـ ــن غيــاض جيــل ،ط ،6
مؤسسة الرسالة ،بيروت.6996 ،
-بن األثير ـ ــيا الدين ابن األثير ،المثل الس ـ ــائرفي أدب الكاتب والش ـ ــاعر ،تحقي ،كامل محمد عويض ـ ــة ،ط ،6دار
الكتب العالمية ،بيروت ،لبنان.6999 ،
-بن األزهري محم ــد بن أحم ــد ،ته ــذي ــب اللغ ــة ،تحقي ،محم ــد عوض مرع ــب ،ط ،6ج ،61دار إحي ــا الترا العربي،
بيروت.1116 ،
-بن حنبل أحمد ،مسند اإلمام أحمد بن حنبل ،ط ،1ج ،6دار الكتب العلمية ،بيروت.6999 ،
-بن ف ــارس أحم ــد ،مق ــايل اللغ ــة ،تحقي ،عب ــد الس ـ ـ ــالم محم ــد ه ــارون ،ط ،6مطبع ــة عيسـ ـ ـ ـ ى الحليي ،الق ــاهرة،
6111هـ.
-بودوخة مس ـ ــعود ،األس ـ ـ التواص ـ ــلية في البالغة العربية ،مجلة العلوم االجتماعية ،العدد ،11جوان ،1161
.19-99
110
-بوعافية محمد عبد الرزاق ،البالغة العربية في ض ـ ـ ــوو البالغة الجديدة من خالل مش ـ ـ ــروع ميمد العمري ،مذكرة
ماجس ـ ــتير في النقد المعاص ـ ــر وقض ـ ــايا تحليل الخطاب ،كلية اآلداب واللغات ،جامعة محمد لمين دباغين ،س ـ ــطيف،
.1161
-بومزبر الطاهر بن حس ــين ،التواص ــل اللس ــاني والش ــعرية :مقاربة تيليلية لنظرية رومان جاكبس ــون ،الدار العربية
للعلوم ،بيروت.1119 ،
-الجاح عمرو بن بحر ،البيان والتبيين ،ج ،6تحقي ،محمد عبد السالم هارون ،ط.6919 ،1
-الجارم علي ،مص ـ ــفم أمين ،البالغة الواض ـ ــتحة ،ط ،6مؤسـ ـ ـس ـ ــة الكتب الثقافية للطباعة والنش ـ ــر والتوزيع ،بيروت،
.1119
-جاكبسون رومان ،قضايا الشعرية ،ترجمة محمد الوالي ومبارك حنون ،دار توبقال ،المغرب.6999 ،
-الجرجـاني عبـد القهـار عبـد الرحمـان ،أسـ ـ ـ ـرارالبالغـة في علم البيـان ،تحقي ،عبـد الحميـد هنداوي ،ط ،6دار الكتب
العلمية ،بيروت.1116 ،
-الجرجاني علي بن محمد ،التعريفات ،دار الكتب العلمية ،بيروت.6991 ،
-جماعة مو ،في العالمة المر ّئية :من أجل بالغة الصـ ـ ــورة ،ترجمة د .سـ ـ ــمر محمد سـ ـ ــعد ،المنظمة العربية للترجمة،
بيروت .1161
ّ
التداولية والحجاج :مداخل ونصوص ،ط ،6دار صفحات للدراسات والنشر ،دمش.1119 ، -الحباشة صابر،
-حس ــاين رابح محمد ،بن س ــنوس ـ ي س ــعاد ،البالغة الجديدة ،قراوة في المفهوم واالتجاهات ،مجلة العلوم اإلنس ــانية،
.911-996 املجلد ،11عدد ،6جوان ،1111
-الحسيني جعفر السيد باقر ،أساليب البيان في القرآن الكريم ،ط ،6مؤسسة بوستان كتاب ،إيران.1119 ،
-داودي زينب ،األس ـ ـ ـ والمرتكزات البالغية عند ض ـ ـ ــياو الدين بن األثير(إض ـ ـ ــاوات في مض ـ ـ ــامين المثل الس ـ ـ ــائر)،
.191 -166 حوليات جامعة قالمة للغات واآلداب ،العدد ،61ديسمبر ،1161
الدليمي أحمد ييي علي ،قانون البالغة في نقد النثروالشـ ـ ــعرألبي طاهرالبغدادي المتوفى (500ه ـ ـ ـ ـ ـ ــ) ،دراسـ ـ ــة في -
.91-11 المن ج والمضمون ،مجلة آداب الرافدين ،العدد ،1161 ،11
الـدهري أمينـة ،الحجـاج وبناو الخطاب في ض ـ ـ ــوو البالغة الجديدة ،ط ،6ش ـ ـ ــركة النش ـ ـ ــر والتوزيع المدارس ،الدار -
البيضا .1166
الرازي أحم ــد بن ف ــارس بن زكري ــا ،معجم مق ــايل اللغ ــة ،تحقي ،عب ــد الس ـ ـ ــالم محم ــد ه ــارون ،ج ،1دار الفكر، -
.6999
رزيي الطيب ،البنية الحجاجية في كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتف ،فيه الشـ ـ ــيخان ،أطروحة دكتوراه في اللغويات، -
كلية اآلداب واللغات ،جامعة اإلخوة منتوري ،قسنطينة.1169 ،
111
-الزبيدي ،تاج العروس من جواهرالقاموس ،ج ،16دار الهداية..
-الزركشـ ـ ـ ـ ي بـدر الـدين محمـد بن عبد الله ،ال رهان في علوم القرآن ،تحقي ،أبو الفض ـ ـ ــل إبراهيم ،ط ،1دار المعرفة
للطباعة والنشر ،بيروت ،د.ت.
-الزمخشري ،الكشاف ،ج ،6المطبعة األميرية ببوالق ،القاهرة 6169 ،ه.
-السرغيني محمد ،محا رات في السيميولوجيا ،ط ،6دار الثقافة للنشر والتوزيع ،الدار البيضا .6999 ،
-السكاكي ،مفتاح العلوم ،ط ،1مطبعة مصطفم البابي الحليي ،القاهرة6691 ،ه.
-س ــكر ماجد رجب العبد ،التواص ــل االجتماعي أنواعه-ض ــوابطه-آثاره ومعوقاته ،دراس ــة قرآنية مو ــوعية ،مذكرة
ماجستير في التفسير وعلوم القرآن ،الجامعة اإلسالمية ،غزة.1166 ،
-سـ ـ ــيمور سـ ـ ــميث شـ ـ ــارلوت ،موسـ ـ ــوعة علم اإلنسـ ـ ــان ،ترجمة مجموعة من أسـ ـ ــاتذة علم االجتماع ،إش ـ ـ ـراف محمد
الجوهري ،المشروع القومي للترجمة ،املجلش األعلى للثقافة.
-السيوطي ،التيبيرفي علم التفسير ،تحقي ،فتيي عبد القادر فريد ،ط ،6الرياض ،دار العلوم 6911 ،ه ـ.
-الشــبعان علي ،الحجاج بين المنوال والمثال :نظرات في أدب الجاحظ وتفســيرات الط ري ،ط ،6مســكلياني للنشــر
والتوزيع ،تونش.1119 ،
-الش ـ ـ ــهري عبــد الهــادي بن ظــافر ،اس ـ ـ ــتراتيجيــات الخطــاب ،مقــاربــة لغويــة تــداوليــة ،دار الكتــاب الجــديــد المتحــدة،
بيروت.1119 ،
-الش ــيباني أبو اليس ــر إبراهيم بن محمد ،الرس ــالة العذراو في موا ين البالغة وأدوات الكتابة ،تحقي ،يوس ــف محمد
فتيي عبد الوهاب ،دار الطالئع ،طبرق ،ليبيا.1169 ،
-ص ـ ـ ــمود حم ــادي ،أهم نظري ــات الحج ــاج في التق ــالي ــد الغربي ــة ،من أرس ـ ـ ــطو إلى اليوم ،فري ،البح ــث في البالغ ــة
والحجاج ،كلية اآلداب منوبة ،جامعة اآلداب والفنون والعلوم اإلنسانية ،تونش .6
-ص ـ ـ ــولــة عبــد اللــه ،البالغــة العربيــة في ض ـ ـ ــوو البالغــة الجــديــدة ،في الحجــاج مفهومــه ومجــاالتــه ،ج ،6ط ،6عــالم
الكتب الحديث ،األردن.1161 ،
-صولة عبد الله ،الحجاج في القرآن من خالل خصائصه األسلوبية ،جامعة منوبة ،تونش.1116 ،
-طبل حسن ،أسلوب االلتفات في البالغة القرآنية ،دار الفكر العربي.6999 ،
-عبـد الس ـ ـ ــالم عش ـ ـ ــير ،عنـدمــا نتواص ـ ـ ــل ل
نغير :مقـاربــة تــداول ليـة معرف ليـة آلليــات التواصـ ـ ـ ــل والحجــاج ،أفريقيــا الش ـ ـ ــرق،
المغرب.1111 ،
-عبد املجيد جميل ،البالغة واالتصال ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة1111 ،
-عتي ،عبد العزيز ،في البالغة العربية :علم البديع ،دار النهضة العربية ،بيروت ،ب .ت.
112
-ال جــالين س ـ ـ ــالمــة جمعــة ،اتجــاهــات البالغــة في القرنين السـ ـ ـ ــادس والسـ ـ ـ ــابع الهجريين ،أطروحــة دكتوراه في اللغــة
العربية ،جامعة مؤتة ،األردن.1119 ،
-العسـ ـ ــكري الحسـ ـ ــن بن عبد الله بن سـ ـ ــهل أبو هالل ،الصـ ـ ــناعتين ،تحقي ،علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضـ ـ ــل
إبراهيم ،ط ،6مطبعة عيس ى البابي الحليي وشركاه ،القاهرة.6911 ،
-عشري زايد علي ،البالغة العربية ،تاريخها ،مصادرها ومناهجها ،مكتبة الشباب.6999 ،
-العمري محمد ،البالغة الجديدة بين التخييل والتداول ،منشورات أفريقيا الشرق ،ط1111 ،6
-العمري محمد ،في بالغة الخطاب اإلقناعي ،إفريقيا الشرق ،المغرب.1111 ،
-غوفار جان ميشال ،تيليل الشعر ،ترجمة محمد حمود ،ط ،6المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر.1119 ،
-فضل صالح ،بالغة الخطاب وعلم النص ،عالم المعرفة ،الكوي.6991 ،.
-فياض محمد جابر ،البالغة والفصاحة لغة واصطالحا ،ط ،6دار المنارة للنشر والتوزيع ،جدة.6999 ،
-قــاس ـ ـ ــم محمــد أحمــد ،ديــب ميي الــدين ،علوم البالغــة :البــديع والبيــان والمعــاني ،المؤسـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــة الحــديثــة للكتــاب،
طرابلش لبنان1111 ،
-القاموس املحيط.
-القزويني الخطيب ،اإليضاح في علوم البالغة المعاني والبيان والبديع ، ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،د-ت.
-القيرواني ابن رشـ ــي ،،العمدة في مياسـ ــن الشـ ــعروآدابه ونقده ،تحقي ،محمد ميي الدين عبد الحميد ،ط ،1ج ،6
دار الجيل ،بيروت.6996 ،
-كامل عصام خلف ،االتجاه السيميولو ي ونقد الشعر ،دار فرحة للنشر والتوزيع ،مصر.1111 ،
-كامل عصام خلف ،االتجاه السيميولو ي ونقد الشعر ،دار فرحة للنشر والتوزيع ،مصر.1111 ،
-محمود حسن إسماعيل ،مبادئ علم االتصال ونظريات التأثير ،الدار العالمية للنشر والتوزيع.1111 ،
-المراغي أحمد مصطفم ،علوم البالغة :البيان والعاني والبديع ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ب.ت.
-مرس ـ ـ ــلي مفتـاح ،معجم مص ـ ـ ــطلتحـات نظم وتكنولوجيـا المعلومـات واالتص ـ ـ ــاالت ،الدار الدولية للنش ـ ـ ــر والتوزيع،
مصر.6991 ،
-المسدي عبد السالم ،األسلوبية واألسلوب ،الدار العربية للكتاب ،ليبيا.6999 ،
-مشبال محمد ،البالغة واألصول ،أفريقيا الشرق ،المغرب.1119 ،
-مشبال محمد ،بالغة الخطاب السياس ي ،منشورات فاف ،بيروت.1161 ،
-الموس ى عصام سليمان ،المدخل في االتصال الجماهيري ،مكتبة الكتاني ،إربد.6999 ،
-الميداني عبد الرحمان حسن حنبكة ،البالغة العربية أسسها علومها وفنونها ،دار القلم ،دمش.6991 ،،
113
م ــذكرة، البالغــة واألثر النف ـ ـ ـ ـ ي دراسـ ـ ـ ــة في ترا عبــد القــاهر الجرجــاني، النقيــب عب ــد الل ــه عب ــد الرحمن أحم ــد-
.1111 ، المملكة العربية السعودية، جامعة أم القرا، كلية اللغة العربية،ماجستير في البالغة والنقد األدبي
، اإلس ـ ـكندرية، المكتب العلمي للكمبيوتر والنشـ ــر والتوزيع، أسـ ــاليب االتصـ ــال االجتماعي، النمر محمد صـ ــبري فؤاد-
.6991
،1 ط، جواهرالبالغة في المعاني والبيان والبديع، الهاشمي السيد أحمد-
ج ــامع ــة المل ـ، ترجم ــة ف ــالل بن ش ـ ـ ــبي ــب ال جمي، م ــدخ ــل إلى علم اللغ ــة النص، ه ــاني ــه فولفج ــالج وفنهفيجر ديتر-
.6999 ، المملكة العربية السعودية،سعود
ل، كتاب النادي األدبي الثقافي،6 ط، ترجمة عز الدين إسماعيل،التلقي ّ
.6999 ،جدة نظ ّرية، هولب روبرت-
- Cassin Barbara, « Bonnes et mauvaises rhétoriques : de Platon à Perelman », dans M. Meyer et A.
Lempereur (éds.), Figures et conflits rhétoriques, Bruxelles, Éditions de l’Université de Bruxelles,
1990, pp. 17-37.
- Chaïm Perelman, and Olbrechts-Tyteca Lucie, New Rhetoric, University of Notre Dame Press,
1973. https://www.perlego.com/book/1103341/new-rhetoric-the-a-treatise-on-argumentation-pdf
14 Oct. 2022.
- Charaudeau Patrick, « Le dialogue dans un modèle de discours », Cahiers de linguistique française
N°17, 1995, pp 141-178.
- Charaudeau Patrick, « Le dialogue dans un modèle de discours », Cahiers de linguistique française
N°17, 1995, p p 141-178.
- Charaudeau Patrick, Le discours d’information médiatique, Nathan, Paris, 1997.
- Danblon Emmanuelle, « La Rhétorique : Art De La Preuve Ou Art De La Persuasion ? », Revue de
métaphysique et de morale, N°66, 2010, pp 213-231.
- De Montebrial T. et J. Klein, Dictionnaire de Strategie, Paris, Presse Universitaire de France, 2000.
- Douglas N Walton, Informal logic : A handbook for critical argumentation, Cambridge University
Press, New York, 1989.
- Gumperz John J., Discourse strategies, Cambridge University Press, Cambridge, 1982.
- Libaert Thierry, Weestphalen Marie-Hélène, Communicator, 6°Ed, Dunod, Paris, 2012
- Maingueneau D., Charaudeau P., Dictionnaire d’analyse du discours, Seuil, Paris, 2002.
- Meyer, Michel. « Chapitre I. Qu’est-ce que la rhétorique ? », Michel Meyer éd., La
rhétorique. Presses Universitaires d²e France, 2020, pp. 3-19.
- Plantin Christian : Essais sur l’argumentation, introduction linguistique à l’étude de la parole
argumentative. Edition kime, 1990.
- Reboul, J.Moeschler , La pragmatique de discours, Armand Colin, Paris, 1998.
- Reboule Olivier ,La rhétorique, 1ere Edition ,Puf, Paris, 1986
- Varga Kibedi, Rhétorique et Littérature, Diddier Editions, Paris ,1970.
- Zrinka Simunic, Une approche modulaire des strategies discursives du journalisme politique, These
de doctorat, Université de Geneve, Juin 2004.
114