De Purs Hommes Mohamed Mbougar Sarr

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 390

‫من نفس المؤلف‬

‫صمت الجوقة‪ ،‬الحضور‬


‫األفريقي‪2017 ،‬‬
‫األرض الحزامية ‪ ،‬الحضور‬
‫األفريقي‪2015 ،‬‬
‫(جائزة أحمدو كوروما؛ الجائزة‬
‫الكبرى للرواية المختلطة األعراق)‬
‫© ‪ ،2018‬إيديشنز جيمسان‬
‫داكار‪ ،‬السنغال‬
‫ردمك‪5-664-84876-2-978 :‬‬
‫تم إنتاج هذه الوثيقة الرقمية‬
‫بواسطة شركة ‪.Nord Compo‬‬
‫‪1‬‬
‫– هل شاهدت الفيديو الذي تم‬
‫تداوله منذ يومين؟‬
‫أردت أن أنام في حالة سكر بكل‬
‫سرور‪ .‬لقد كان فشال‪ .‬هناك دائًم ا‬
‫حاجة على هذه األرض لصوت محبب‬
‫يتمنى لك أعظم األذى‪ :‬ليعيدك إلى‬
‫الرصانة‪ .‬وأصرت‪“ :‬إنه موجود في‬
‫كل هاتف في البالد تقريًبا‪ .‬حتى أنه‬
‫يبدو أن إحدى القنوات التلفزيونية بثته‬
‫قبل أن تنقطع‪"...‬‬
‫ال خيار آخر‪ :‬عدت إلى فضاء‬
‫غرفتي‪ ،‬حيث كانت رائحة اإلبطين‬
‫المتعرقين والسجائر تطفو‪ ،‬ولكن حيث‬
‫سادت قبل كل شيء‪ ،‬تخنق الروائح‬
‫األخرى‪ ،‬البصمة القوية للجنس‪،‬‬
‫لجنسه‪.‬‬
‫بصمة شمية فريدة من نوعها‪،‬‬
‫كنت سأتعرف عليها من بين ألف‬
‫غيرها‪ ،‬هذه‪ ،‬رائحة جنسها بعد الحب‪،‬‬
‫رائحة أعالي البحار التي بدت وكأنها‬
‫تهرب من مجمرة الجنة‪ ...‬كان الظالم‬
‫يزداد‪ .‬لقد مر الوقت الذي ال يزال‬
‫بإمكاننا فيه المطالبة بمنحه‪ .‬ليلة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬أبت تفجرات األصوات‬
‫في الخارج أن تتالشى‪ :‬هنا كانت‬
‫الجوقة المنتشرة لشعب متعب‪ ،‬لكنه‬
‫فقد الرغبة في النوم منذ فترة طويلة‪.‬‬
‫لقد تحدثوا‪ ،‬إذا أمكننا أن نسمي هذه‬
‫الجمل بال أصل أو غرض‪ ،‬هذه‬
‫المونولوجات غير المكتملة‪ ،‬هذه‬
‫الحوارات التي ال نهاية لها‪ ،‬هذه‬
‫الهمسات غير المسموعة‪ ،‬هذه‬
‫التعجبات الرنانة‪ ،‬هذه المداخالت غير‬
‫المحتملة‪ ،‬هذه المحاكاة الصوتية‬
‫الرائعة‪ ،‬هذه المواعظ الليلية المزعجة‪،‬‬
‫هذه إعالنات الحب المثيرة للشفقة‪ .‬هذه‬
‫الكلمات البذيئة‪ .‬يتحدث‪.‬‬
‫ال‪ ،‬بالتأكيد ال‪ ،‬لقد سال لعابهم‬
‫على الجمل مثل الصلصات الدهنية‬
‫جًد ا؛ وتدفقوا‪ ،‬بغض النظر عن الباقي‪،‬‬
‫بأي حال من األحوال‪ ،‬منشغلين فقط‬
‫بالخروج ودرء ما كان سيحل محل‬
‫الموت بالنسبة لهم‪ :‬الصمت‪ ،‬الصمت‬
‫الرهيب الذي كان سيجبر كل واحد‬
‫منهم على النظر‪ .‬على بعضهما‬
‫البعض كما كان حقا‪ .‬لقد شربوا‬
‫الشاي‪ ،‬ولعبوا الورق‪ ،‬وانغمسوا في‬
‫الملل والبطالة‪ ،‬ولكن بمظهر من‬
‫الطبقة‪،‬‬
‫بهذه األناقة المنافقة التي جعلت‬
‫العجز يبدو كخيار يسميه البعض‪ ،‬بكل‬
‫نبل‪ ،‬كرامة‪ .‬مؤخرتي‪ .‬في كل جملة‪،‬‬
‫وفي كل إيماءة‪ ،‬ارتكبوا ثقل وجودهم‬
‫كله‪ ،‬الذي لم يكن له أي وزن‪ .‬ولم‬
‫تتزعزع موازين مصيرهم ‪ .‬كانت‬
‫إبرته تشير دائًم ا إلى الصفر والعدم‪.‬‬
‫كان األمر األكثر فظاعة هو أن هذه‬
‫المعركة حتى الموت لم تتم على‬
‫مسرح عظيم يستحق المخاطرة؛ ال‪:‬‬
‫لقد حدث ذلك في المجهول الهائل‬
‫للشوارع الرملية القذرة‪ ،‬الغارقة في‬
‫الظالم‪ .‬كان من األفضل أن ينتحروا‬
‫جميًعا إذا رأوا بعضهم البعض‪ .‬كان‬
‫حزينا بما فيه الكفاية كما كان‪ .‬كانوا‬
‫هللا وحده يعلم ما‪ .‬جودو‪.‬‬
‫ينتظرون ‪.‬‬
‫البرابرة‪ .‬التتار‪ .‬سرت‪ .‬تصويت‬
‫هللا وحده يعلم من‪.‬‬
‫الوحوش البرية ‪.‬‬
‫كان لدي انطباع بأنه في كل مرة‬
‫يضحك أحدهم كانوا يرسلون شيًئا ما‬
‫في الهواء‪ ،‬بمثابة منارة استغاثة تنفجر‬
‫هناك‪ .‬يجد البعض األمر رائًعا‪:‬‬
‫انظروا إليهم‪ ،‬هؤالء الناس الشجعان!‬
‫يضحكون رغم كل شيء! يتحدون‬
‫الموت بإيمانهم بالحياة!‬
‫الشرف في الفقر ونحو ذلك‪! .‬‬
‫ونحن متأثرون‪ .‬نرفع إلى رتبة‪ .‬لقد تم‬
‫منحهم تماثيل نصفية مهيبة ونبيلة‪.‬‬
‫أقول إننا ال نقيم تماثيل إال لألموات‪،‬‬
‫لألبطال أو الطغاة‪ .‬كان هؤالء السكان‬
‫في الليل بائسين بكل بساطة‪ .‬هل كان‬
‫لدي القلب لكشف شجاعتهم الوهمية؟‬
‫‪ -‬هل سمعتني؟‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬كنت تتحدث عن الفيديو‪.‬‬
‫‪ -‬أوه! هل رأيتها بعد ذلك؟‬
‫‪-‬ال ‪.‬ال أعرف عن أي فيديو‬
‫تتحدث‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا تقول "الفيديو" إذن؟‬
‫‪-‬ال أعلم‪ .‬عن طريق المنعكس‪.‬‬
‫‪ -‬لم تكن تستمع لي‪.‬‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬ليس حقا‪ ،‬عفوا‪ .‬لكني مازلت‬
‫أسمع "الفيديو"‪ .‬أّي ؟‬
‫‪ -‬يتمسك‪ .‬حصلت عليه‪.‬‬
‫تركت ثنية كتفي وبحثت لثواني‬
‫معدودة عن هاتفها الذي ضاع بين‬
‫الوسائد‪ ،‬والشراشف‪ ،‬والبطانية‪،‬‬
‫والمالبس الملقاة على السرير‪ ،‬في‬
‫وقت سابق‪ ،‬على عجل العناق‪.‬‬
‫عادت إلى صدري‪ .‬أحرق الضوء‬
‫الساطع المنبعث من الشاشة عيني‬
‫لبضع ثوان بينما كانت تتالعب‬
‫بالهاتف على بعد بوصات من وجوهنا‪.‬‬
‫وسرعان ما لم يكن هناك شيء مرئي‬
‫باستثناء الشاشة‪.‬‬
‫– نحن ندور استعارة عصرنا ‪.‬‬
‫عصر العمى المعمم‪ ،‬حيث ينيرنا‬
‫الضوء التكنولوجي أقل مما ينيرنا‬
‫ينفجر التالميذ‪ ،‬ويغرق العالم في‬
‫ليل متواصل و‪...‬‬
‫‪ -‬أنت مثقف‪ ،‬قاطعت كالمها بال‬
‫رحمة‪ .‬كل ما قلته للتو قد يكون مثيًرا‬
‫لالهتمام‪ .‬لكنني ال أفهم شيئا عن ذلك‪.‬‬
‫يا للعار‪.‬‬
‫كانت تكذب‪ :‬لقد فهمت كل ما‬
‫قلته ‪ .‬األفضل‪ :‬لقد تمكنت دائًم ا تقريًبا‬
‫من التخمين‪ ،‬ال‪ ،‬بل واألكثر من ذلك‪،‬‬
‫أن تستنتج‪ ،‬نعم‪ ،‬هذا كل شيء‪ ،‬أن‬
‫تستنتج كل ما كنت سأقوله من الجملة‬
‫األولى التي نطقت بها‪ .‬راما‪ .‬كان هذا‬
‫اسمه‪ .‬الذكاء المفعم بالحيوية‬
‫والوحشية‪ ،‬الذي أحرجها تألقه كثيًرا‪،‬‬
‫لدرجة أنها أمضت حياتها في قمعه في‬
‫المجتمع‪ ،‬بسبب نوع من الخجل أو‬
‫التواضع‪ .‬لكنني لم أمشي لفترة طويلة‪.‬‬
‫لقد مزقت قناعه في الغضب‪.‬‬
‫‪ -‬أنت تكذب‪ .‬أنت تكذب وكأنك‬
‫تتنفس‪ .‬أعرفه‪.‬‬
‫– من يهتم بما تقوله عن عمى‬
‫العالم‪ .‬إذا كنت قادًر ا على رؤية أن‬
‫الجميع أعمى‪ ،‬فذلك ألنك تعتقد أنك‬
‫لست كذلك‪ .‬ترى هل أنت متأكد؟ انظر‬
‫إلى هذا بدال من ذلك‪.‬‬
‫أطلقت الفيديو‪ ،‬الذي بدأ في هذه‬
‫الزوبعة المربكة من األصوات‬
‫والصور المميزة للقطات الهواة‪ :‬لم‬
‫يكن هناك أي عنصر في السياق‪ ،‬ال‬
‫شيء سوى األصوات‪ ،‬والصور‬
‫الظلية‪ ،‬واألنفس؛ لذلك‪ ،‬لم يكن مؤلف‬
‫الفيديو وحيًد ا‪ ،‬بل بدا وكأنه في قلب‬
‫غابة من الرجال؛ وكانت يده ترتجف‪،‬‬
‫ولم تكن الصورة واضحة‪ ،‬لكنها‬
‫استقرت بعد بضع ثوان؛ بدأ المصور‬
‫يتكلم – كان رجًال – وسأل لنفسه ولنا‬
‫نحن الذين كنا نشاهد الفيديو عما‬
‫يحدث‪ ،‬لكن لم يجبه أحد‪ .‬رفع ذراعه‬
‫قليًال حتى نتمكن من رؤية ما كان‬
‫يحدث حوله بشكل أفضل‪ ،‬ورأينا‬
‫حشًد ا يتحرك‪ ،‬كثيًرا وكثيًفا‪ .‬ارتفعت‬
‫أصوات بعيدة‪" :‬إلى المقبرة!"‬
‫دعنا نذهب إلى المقبرة! ‪ -‬في‬
‫المقبرة ؟ لماذا ؟ » سأل الرجل‪ .‬كان‬
‫الفيديو ال يزال ضبابًيا‪ .‬شعرنا بتغير‬
‫في اإليقاع‪ ،‬وبحركة أسرع‪ ،‬كما لو أن‬
‫الرجل الذي يحمل الهاتف قد بدأ في‬
‫الجري لمواكبة الحشد؛ "لماذا المقبرة؟‬
‫ردد كالعذاب لماذا المقبرة؟ » مرة‬
‫أخرى لم يتلق أي رد ولكنه استمر في‬
‫المضي قدًم ا بسرعة‪ ،‬وسرعان ما‬
‫صرخت أصوات الذكور القاسية‪:‬‬
‫" إنه هنا ! انها تلك واحدة! »‬
‫تباطأ الرجل الذي كان يصور‪ ،‬وقال‪،‬‬
‫كما لو كان لنفسه‪" :‬نحن في المقبرة‪،‬‬
‫سأقترب ألرى"‪ ،‬بنبرة صوتية‬
‫احترافية سخيفة‪ ،‬ثم شق طريقه عبر‬
‫تجمع الحشد‪ ،‬وتدافع (سمعنا شكاوى‪،‬‬
‫واحتجاجات قوية)‪ ،‬واعتذر‪ ،‬لكنه‬
‫استمر في التقدم‪ ،‬والدفع‪ ،‬وتمرير‬
‫األكتاف‪ .‬وفجأة‪ ،‬كانت هناك حركة‬
‫مفاجئة على الشاشة‪ ،‬وظلت سوداء‬
‫اللون لبضع ثوان‪" .‬لقد كان هاتفه هو‬
‫الذي سقط‬
‫في تلك اللحظة‪ ،‬قال لي راما‪:‬‬
‫«لكن األمر سيبدأ من جديد»‪،‬‬
‫وسرعان ما حصلنا على «مرئي»‬
‫مرة أخرى‪ ،‬كما يقولون قبيًح ا؛ يبدو أن‬
‫مؤلف الفيديو قد وصل إلى مكان لم‬
‫يعد يستطيع فيه المضي قدًم ا‪ ،‬وكان‬
‫الحشد ضيًقا للغاية‪.‬‬
‫سمعناه ينطق بكلمة خوف‪ ،‬رفع‬
‫هاتفه فوق رؤوسهم‪ :‬ثم ظهر على‬
‫الشاشة‪ ،‬على بعد أمتار قليلة ‪ ،‬محاًطا‬
‫بسور من الرجال‪ ،‬قبر كان يحفره‬
‫رجالن مسلحان بالمجارف‪ ،‬قبر‬
‫بالفعل‪ .‬عميق جًد ا‪ ،‬مفتوح في لحم‬
‫األرض مثل جرح كبير‪ ،‬لم يتحرك‬
‫حوله أحد‪ ،‬باستثناء الرفيقين‪ :‬بدا الناس‬
‫متجمدين حول الحفرة‪ ،‬صامتين‪،‬‬
‫جديين كما لو كان أحد والديهم أو أحد‬
‫والديهم‪ .‬أجسادهم‪ ،‬أرواحهم التي‬
‫ُد فنت‪ .‬بدت يد مؤلف الفيديو نفسها‬
‫متحجرة‪ ،‬ولم تعد ترتعش‪ ،‬وكانت‬
‫الصورة دقيقة‪ ،‬دون زخارف‪ .‬كان‬
‫الرجالن ينقبان بجنون الباحثين عن‬
‫كنز في متناول اليد‪ ،‬أحدهما عاري‬
‫الصدر‪ ،‬واآلخر قميصه مفتوح‪ ،‬مبّلل‬
‫بالعرق حتى التصق بجلده‪ ،‬وكالهما‬
‫يلهث‪ .‬لقد حفروا بقوة كبيرة‪ .‬وتناوبت‬
‫المجارف‪ ،‬وهي مليئة بالطين‬
‫والغضب؛ واتسعت الحفرة وتعمقت‪،‬‬
‫حتى قال أحد الرفاق‪« :‬هذا جيد!» «‬
‫وكما لو كانت هذه الجملة هي اإلشارة‬
‫التي توقعها الجميع‪ ،‬فقد استولى على‬
‫الجماهير مرة أخرى هياج أكثر كثافة‬
‫وحيوية‪ :‬بدا أن شيًئا وحشًيا يكمن في‬
‫أعماق الحفرة والحشد‪ .‬ثم تعالت‬
‫صيحات‪« :‬أخرجوه!» لقد بدأ بالتعفن‪،‬‬
‫يا لها من رائحة! رائحة الخطيئة!‬
‫رائحة جنس أمه التي ال ينبغي أن تأتي‬
‫منها أبًد ا! »‬
‫وقبل أن أفهم رأيت أحد الرفاق‬
‫راكًعا بجوار الحفرة‪ ،‬وصدره العاري‬
‫غارق في القبر‪ ،‬وعضالته منتفخة‪.‬‬
‫وبعد ثواٍن قليلة‪ ،‬ظهر‪ :‬أوًال كتفيه‬
‫ورأسه‪ ،‬ثم ذراعيه‪ ،‬قبل أن يخرج‪ ،‬نعم‬
‫هذا صحيح‪ ،‬بداية الشكل؛ وحاولت‬
‫يدي الحفار إخراجه من القبر؛ جاء‬
‫الرجل اآلخر لمساعدته‪ ،‬أطلقوا النار‪،‬‬
‫الهثين‪ ،‬سبوا‪ .‬وخرج الشكل تدريجيًا‬
‫من األرض مثل صندوق ثقيل مدفون‬
‫منذ ألف عام؛ شهق الجمهور بمزيج‬
‫من الرعب والسرور‪ ،‬سمعت هللا‬
‫هللا أكبر ! صرخ بها الرجل‬‫أكبر !‬
‫الذي يصور نفسه عدة مرات‪ .‬كان‬
‫الرجالن ال يزاالن يطلقان النار‪ ،‬وكان‬
‫الشيء في الخارج تقريًبا‪ ،‬وكان يشبه‬
‫قطعة كبيرة من الخشب الميت ملفوفة‬
‫بقطعة قماش بيضاء؛ سحبوا‪ ،‬محاولة‬
‫أخيرة‪ ،‬مثل الفأس األخير للحطاب قبل‬
‫أن تنهار شجرة الباوباب‪ ،‬وتقفز الجثة‬
‫من الحفرة في ضجيج عميق وغير‬
‫إنساني‪ ،‬حيث تتعالى صيحات‬
‫التعجب‪.‬‬
‫نساء خائفات اختلطن باآليات‬
‫القرآنية واإلهانات‪ .‬وسقطت الجثة‬
‫المستخرجة على األرض‪ ،‬وتصاعد‬
‫الغبار؛ أغمضت عيني‪ ،‬وسيطر علّي‬
‫الرعب واالنزعاج‪ ،‬لكن الفيديو‬
‫استمر‪ ،‬فأثار فضولي المرضي‪،‬‬
‫وفتحتهما مرة أخرى‪.‬‬
‫أصبحت الصورة مشوشة أكثر‬
‫فأكثر‪ ،‬مكونة من نبضات ودوامات‪.‬‬
‫بدأ الحشد في التحرك مرة أخرى‪،‬‬
‫ولكن بحركة أقل اتحاًد ا‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫بقيت بقعة بيضاء مرئية على الشاشة‪،‬‬
‫مثل عالمة‪ :‬كان الكفن هو الذي انفتح‬
‫أثناء سحب الجثة من المقبرة ؛ الرجل‬
‫الذي كان يصور يتتبع الجثة‪ ،‬يلحق‬
‫بمن كانوا يشدونها بعنف وبصورة‬
‫غير رسمية‪ُ ،‬سحب المتوفى في‬
‫التراب‪ ،‬وترك الكفن‪ ،‬ورأينا أنه لم يبق‬
‫إال طبقة رقيقة تحمي الميت من جديد‪.‬‬
‫بعد بضع ثواٍن ‪ ،‬وسط أنفاس الرجال‬
‫المطمئنة‪ ،‬رأيت الجسد العاري للرجل‬
‫الميت‪ ،‬قضيًبا منتفًخ ا؛ أغمضت عيني‬
‫هرًبا منه‪ ،‬فلم أره إال بشكل أفضل‪،‬‬
‫ميًتا وعارًيا تحت جفني المغمضين‪،‬‬
‫صورة ذهنية نقية عالقة في خالياي‬
‫العصبية‪ ،‬والتي بالغ فيها مخيلتي‬
‫ومنحها وضوًحا رهيًبا؛ فتحت عيني‪،‬‬
‫لفترة كافية ألرى الجثة ملقاة من‬
‫المقبرة تحت الشتائم والبصاق الدهني‪،‬‬
‫ثم فجأة انتهى الفيديو‪ ،‬أو أوقفه راما‪،‬‬
‫لم أعد أعرف‪.‬‬
‫ومرت لحظات قليلة دون كالم‪.‬‬
‫حتى األصوات في الخارج بدت‬
‫وكأنها صمتت‪ .‬لقد كان أحد تلك‬
‫الصمتات التي يخشى المرء إطالة‬
‫أمدها وكسرها‪ ،‬ويبدو أن كًال من هذين‬
‫الخيارين يؤدي إلى الكارثة‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫كان ال بد من قول شيء ما‪ .‬وكان راما‬
‫هو الذي بدأ‪:‬‬
‫‪ -‬ثم ؟ مثير لإلعجاب‪ ،‬هاه؟‬
‫‪ -‬أين حدث هذا؟‬
‫– هنا في داكار ‪.‬ال أعرف‬
‫بالضبط أين بعد ‪ .‬ولكن ما حدث‪ ،‬هذا‬
‫كل شيء‪.‬‬
‫لقد هززت كتفي‪ .‬لم يكن لدي‬
‫القلب أو الرغبة في قول أي شيء‬
‫آخر‪ .‬كان حلقي جاًفا‪ ،‬ولساني ثقياًل ‪.‬‬
‫شعرت بصدري أجوف‪ .‬نهضت‬
‫وذهبت إلى النافذة وأشعلت سيجارة‪.‬‬
‫تتبع الضحك ببطء كوكبته السوداء في‬
‫السماء‪ .‬تساءلت لماذا أظهر لي راما‬
‫هذا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد عرفت أنني ال أحب‬
‫مشهد العنف‪ ،‬ليس ألنني شخص‬
‫صغير الحجم‪ ،‬ولكن لسبب بسيط هو‬
‫أنني كنت أكره االنبهار الوضيع الذي‬
‫يثيره في داخلي‪ .‬شعرت ببدايات‬
‫الغثيان‪ ،‬وازداد األمر سوًء ا بسبب‬
‫السيجارة‪ .‬تعب‬
‫أثقلتني‪ ،‬وحاولت عبًثا التخلص‬
‫منها باستغراق نفسي في تأمل المنازل‬
‫الغارقة في الظالم‪.‬‬
‫‪ -‬هيا‪ ،‬قالت لي أخيرا‪.‬‬
‫كنت أعرف جيًد ا ما تعنيه لهجة‬
‫هذه الدعوة‪.‬‬
‫شعرت باالشمئزاز (لكن الجسد‬
‫ضعيف للغاية)‪ ،‬رميت عقب السيجارة‬
‫وانضممت إليها‪ .‬بدأت تداعبني‪ .‬لم‬
‫أستطع إخفاء ذلك‪ :‬كنت ال أزال‬
‫منزعًج ا وغير مرتاح‪ .‬صورة الجثة‬
‫التي تخرج من القبر جعلتني أشعر‬
‫بالتوتر‪ .‬أصبح جسد راما غريًبا‬
‫بالنسبة لي‪ .‬شعرت بالحرج والحرج‪.‬‬
‫لبعض الوقت‪ ،‬فقدت ذاكرة اإليماءات‬
‫المثيرة‪.‬‬
‫لكنها كانت فترة فقدان ذاكرة‬
‫قصيرة‪ :‬هذه الذاكرة كانت مدفونة في‬
‫اليدين‪ ،‬والعينين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والجلد‪،‬‬
‫والشفتين‪ .‬لقد كانت واحدة من أولئك‬
‫الذين ال يمكنك أن تخسرهم إال إذا‬
‫نسيت نفسك‪ .‬عادت الرغبة بعد بضع‬
‫دقائق‪ ،‬بسرعة أكبر بكثير مما كانت‬
‫تريده األخالق (لكنني كنت أود أن‬
‫أراها هناك‪ ،‬أنا‪ ،‬األخالق‪ ،‬مقابل جسد‬
‫راما العاري والدافئ‪ ،‬وأردافها أقوى‬
‫من قبضة المالكم المنتقم‪ ،‬ثدييها‬
‫الصغيرين ناعمان ومريحان مثل‬
‫كرات الريش)‪ ...‬أنا أستمتع مثل قديس‬
‫يتجلى في نشوة صوفية‪.‬‬
‫أن تختبر رعًبا مقدًسا في مواجهة‬
‫حقيقة ما‪ ،‬وتنزعج بشدة منها‪ ،‬ثم‬
‫تستسلم للمتعة بعد ذلك بوقت قصير‪،‬‬
‫وتنسى الدراما‪ :‬هناك رجل واحد فقط‬
‫يكون على هذا النحو‪ ،‬يكون بدوره‪ ،‬أو‬
‫في مكانه‪ .‬في نفس الوقت شقيق‬
‫الوحش وأخت المالك ‪.‬ال أخالق‬
‫حقيقية تدوم‪ .‬أو ربما أنا فقط من هذا‬
‫القبيل‪.‬‬
‫أتذكر – كنت ال أزال طالبة في‬
‫فرنسا في ذلك الوقت – أنه بعد دقائق‬
‫قليلة من علمي بوفاة والدتي‪ ،‬وقد‬
‫غمرني الحزن‪ ،‬ارتميت في أحضان‬
‫صديقتي آنذاك‪ .‬كان اسمها مانون‪،‬‬
‫وكنت معها عندما اتصل بي والدي‪.‬‬
‫ومثلي‪ ،‬تعلمت هذه األخبار المشؤومة‬
‫التي ال يريد أي إنسان على وجه‬
‫األرض أن يستقبلها‪ ،‬لكنه يعرف أنه ال‬
‫يستطيع الهروب منها‪ .‬لقد عزتني‬
‫مانون‪ ،‬وهي تمسك بصدرها كالطفل‬
‫بينما أغمر بلوزتها باأللم‪ .‬لقد استمرت‬
‫لفترة طويلة‪ .‬كان الشتاء قبل أيام قليلة‬
‫من عيد الميالد‪ .‬لهب البرد الحاد على‬
‫عظامي‪ ،‬وكفن الليل األسود الذي ألقي‬
‫في وقت مبكر فوق العالم‪ ،‬والكآبة التي‬
‫ترافقني دائًم ا في هذا الوقت من العام ‪-‬‬
‫كل هذا كان ممزوًج ا بالحزن الذي‬
‫سببته لي هذه الحقيقة فظيًعا وبسيًطا‪:‬‬
‫كانت األم ميتة‪.‬‬
‫بكيت لفترة طويلة بين ذراعي‬
‫مانون‪ .‬وفجأة‪ ،‬وأنا ال أزال أبكي‪ ،‬في‬
‫حركة فاجأتني وأرعبتني في نفس‬
‫الوقت‪ ،‬ولكن في حركة ال يمكن كبتها‪،‬‬
‫بدأت أداعب ثدييها وداخل بطنها‪.‬‬
‫فخذيها‪ ،‬ثم أراد خلع مالبسها‪.‬‬
‫شعرت فجأة برغبة مجنونة وغامضة‬
‫في ممارسة الجنس معها كما لم يحدث‬
‫من قبل‪ .‬لقد رفضت في البداية‪ .‬ولكن‬
‫من يستطيع أن ينكر القليل من الراحة‬
‫لرجل علم للتو بوفاة والدته؟ لقد‬
‫استسلمت أخيًر ا ‪.‬ال أعرف إذا كان ذلك‬
‫بسبب االنحراف أو الشفقة أو المحبة‬
‫المسيحية أو الحب الحقيقي‪ .‬بالخوف؟‬
‫هل كانت تخشى أن أغتصبها‪ ،‬وقد‬
‫أعماها الغضب؟ االنتهاك؟ هل قمت‬
‫باغتصابها؟ أنا أفكر في ذلك فقط اآلن‪.‬‬
‫يا إلهي… ولم أرها مرة أخرى بعد‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬تبقى الحقيقة أن تلك‬
‫الليلة‪ ،‬الليلة التي علمت فيها بوفاة‬
‫والدتي‪ ،‬كانت بالنسبة لي أيًض ا ليلة‬
‫رائعة من الحب مع مانون‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬كانت تلك الليلة ذاتها‪،‬‬
‫حيث اختلط األلم‪ ،‬األلم الالمتناهي‪،‬‬
‫بشكل وثيق مع اللذة الجسدية لدرجة أن‬
‫روحي خرجت منها منهكة‪ ،‬شبه ميتة‬
‫ولكنها مرتاحة مما أذاب في نظري‬
‫إنسانيتي العميقة‪ :‬المأساة‪ .‬أو الوحشية‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬في هذه الوحشية ذاتها‪ ،‬لم‬
‫أكن سوى رجل‪ ،‬رجل مكسور قليًال‪،‬‬
‫بائس‪ ،‬تعيس‪ ،‬ويتيم‪ .‬لقد استحقت أن‬
‫أموت في تلك الليلة‪ .‬كان علي‪.‬‬
‫كنت سأكون سعيدا بذلك‪ .‬كنت‬
‫سأجد والدتي‪.‬‬
‫لقد كان منتصف الليل‪ .‬كان ينبض‬
‫بحركة بطيئة‪ ،‬كما لو أن العالم‬
‫سيتوقف عن التنفس في الثواني القليلة‬
‫القادمة‪ ،‬ونحن معه‪ .‬كنا على وشك‬
‫النوم‪ .‬كنت مستنًد ا إلى ظهر راما‪،‬‬
‫وكنت أتأملها مثل طائر صغير جريح‪.‬‬
‫كنا نبدو مثل ملعقتين صغيرتين‬
‫وضعتهما يد مهووسة جانبًا‪ .‬تحدثت‬
‫مرة أخرى في تلك اللحظة‪ ،‬وهي على‬
‫حافة النوم‪.‬‬
‫أعتقد أن هذا كان تخصصه‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تعتقد ؟‬
‫‪ -‬ماذا ؟ قلت‪ ،‬بعد لحظات قليلة‪،‬‬
‫حان الوقت إلعادة تشغيل ذهني‪.‬‬
‫‪ -‬من الفيديو‪.‬‬
‫‪-‬ال أعرف حًقا‪ ...‬لقد صدمني‬
‫األمر‪ ،‬لكني ال أعرف ما الذي أفكر‬
‫فيه في الوقت الحالي‪ .‬أفترض أنه كان‬
‫‪…Góor-Jigean1‬‬
‫لقد انفصلت عن حضني‪،‬‬
‫استدارت‪ ،‬حدقت في وجهي‪ ،‬حدقت‬
‫في وجهي‪ .‬ارتجفت شفتاه‪ ،‬ثم نطق‬
‫أخيًر ا بكلمات غاضبة‪:‬‬
‫‪ -‬هل تفترض أنه كان من غور‬
‫جيجيان ؟ هل تفترض؟ ماذا تريد أن‬
‫يكون؟ إنهم الوحيدون في هذا البلد‬
‫الذين تم رفض قبرهم‪ .‬الوحيدون الذين‬
‫حرموا من الموت والحياة‪ .‬وأنت ال‬
‫تعرف ماذا تفكر في ذلك؟‬
‫بقيت صامًتا لبضع ثوان‪ ،‬بحذر‪.‬‬
‫شعرت من صوته أنني تجاوزت‬
‫الحدود‪ .‬أي شيء يمكن أن أقوله سيتم‬
‫معارضته‬
‫أنا‪ .‬كل شيء يمكنني أن أبقيه‬
‫هادًئا أيًضا‪.‬‬
‫‪-‬ال ‪.‬ال أعرف‪ .‬بعد كل شيء‪،‬‬
‫كان مجرد غور جيجين ‪.‬‬
‫لقد قلت هذه الكلمات األخيرة بثقة‬
‫وقسوة فاجأتني‪ ،‬على الرغم من أنني‬
‫كنت واعًيا تماًم ا لقولها‪ .‬لكن من أين‬
‫أتاني بعد ذلك مباشرة هذا الشعور‬
‫بأنني مخبأ للوحش‪ ،‬وحش سيطردني‬
‫من نفسي‪ ،‬أو على العكس‪ ،‬وهو بال‬
‫شك نفس الشيء‪ ،‬سأسجن في‬
‫مؤسستي؟ من أين أتى الوعي بوجود‬
‫غرابة في كياني؟ كنت على يقين أنني‬
‫عندما قلت هذه الجملة لم أعد أنا‪ .‬لقد‬
‫تحدثت من خالل فم مشترك ‪ -‬مثل‬
‫الحفرة ‪ -‬حيث تم دفن اآلراء الوطنية ‪-‬‬
‫ولكن في كثير من األحيان يتم‬
‫إحياؤها‪ .‬لقد كنت فم القوى القديمة التي‬
‫كان لها حق الحياة والموت علي‪ .‬لم‬
‫أعد أعرف حقيقتي الداخلية؛ فكرة‬
‫امتالك واحدة‪ ،‬في هذه الحالة بالذات‪،‬‬
‫بدت خطيرة بالنسبة لي‪ .‬فبالغت في‬
‫برودتي‪ ،‬وكأنني أخشى أن تالحقني‬
‫عين مجتمعي في جريمة الضعف‬
‫الصارخة‪ .‬في قاعة المحكمة في‬
‫غرفتي‪ ،‬وحدي مع راما‪ ،‬أقسمت مرة‬
‫أخرى أمام ثقافتي‪ ،‬وحضورها غير‬
‫المرئي والثقيل‪ ،‬وقرونها الثقيلة‪،‬‬
‫ومليارات نظراتها‪.‬‬
‫في هذه األثناء‪ ،‬اخترقني راما‪،‬‬
‫األسود والشرير‪ ،‬بسهام مسمومة‪.‬‬
‫كدت أسمعها وهي تبحث في رأسها‬
‫عن كلمات االزدراء التي أرادت أن‬
‫ترميها في وجهي‪ ،‬بدايات الجمل‬
‫الرهيبة التي كانت تشتعل في دماغها‪،‬‬
‫مثل حرائق الغابات‪ ،‬مستعدة لتحرقني‬
‫كآثم‪" :‬أنت ‪ ...‬هل تدرك‪ ،‬أيها الوغد‬
‫الغبي‪ ،‬ماذا‪ ...‬خنزير كبير مستقيم‬
‫أصلع بدون‪ ...‬أنت ال شيء‪ ،‬ال شيء‪،‬‬
‫حًقا ال شيء سوى القليل المثير‬
‫للشفقة‪ ...‬كلماتك أكثر غباًء من‪"...‬‬
‫لكن راما لم تكن راضية عنها‪ :‬جملها ‪،‬‬
‫الذين ما زالوا أضعف من أن يتحملوا‬
‫المحرقة التي وجهتني إليها‪ ،‬ماتوا من‬
‫الغضب الذي خنقهم‪ .‬وينتهي بها‬
‫األمر‪ ،‬بسبب البحث‪ ،‬باالنزالق إلى‬
‫حالة أكثر خطورة من االنزعاج‬
‫الوحشي‪ :‬الغضب البارد‪.‬‬
‫قالت أخيًرا‪ :‬أحياًنا أتساءل عما‬
‫أفعله مع رجل مثلك ‪.‬ال أفهمك‪ .‬في‬
‫معظم األوقات‪ ،‬أنت محبوب ومنفتح‬
‫ومثقف وحتى حساس‪ .‬وفجأة‪ ،‬يا إلهي‪،‬‬
‫تسقط في أفظع وأغبى أنواع الغباء‪،‬‬
‫كما لو كنت تمر عبر فتحة هواء‪ .‬أنت‬
‫في النهاية مشابه لآلخرين‪ .‬غبي أيضا‪.‬‬
‫واآلخرون‪ ،‬على األقل ‪ ،‬لديهم في‬
‫بعض األحيان العذر بأنهم ليسوا أساتذة‬
‫جامعيين‪ ،‬أو رجال علم‪ ،‬أو مستنيرين‪.‬‬
‫لقد كان مجرد ‪ Góor-Jigean‬بعد كل‬
‫شيء‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫كررت الجملة بسخط ساخر في‬
‫صوتها‪.‬‬
‫فتحت فمي للرد‪ .‬لم تمنحني‬
‫الوقت‪ :‬في لمح البصر‪ ،‬أفقدتني صفعة‬
‫شهيتي للكالم‪ ،‬تاررر !‪ ،‬وأشعلت‬
‫جحيًم ا مؤلًم ا في الجانب األيسر من‬
‫وجهي‪ .‬كان ذلك ألنها ضربت بسرعة‬
‫وبقوة‪ .‬لقد حرصت على عدم تدليك‬
‫خدي على الرغم من أن الرغبة في‬
‫ذلك كانت تلتهمني‪ ،‬ألنني كنت ال أزال‬
‫رجًال‪ .‬كان راما قد استدار بالفعل‪.‬‬
‫ستكون غاضبة مني لبضعة أيام ولن‬
‫تتحدث مرة أخرى الليلة‪ .‬ذلك أفضل‬
‫بكثير‪ .‬لم يكن لدي القوة لمواصلة‬
‫النقاش‪ .‬كان لدي درس في اليوم‬
‫التالي‪ .‬وما زلت أفرك خدي قليًال في‬
‫الظالم‪ ،‬محمًيا من كل إهانة؛ ثم‬
‫انهارت من التعب‪ ،‬وسرعان ما‬
‫غرقت في نوم كنت أعلم أنه لن يكون‬
‫كافًيا لراحتي‪.‬‬
‫‪ .1‬مثلي الجنس‪ ،‬في الولوف‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫مما ال يثير الدهشة أن صفي كان‬
‫في حالة من الملل الشديد‪ .‬لم أنم إال‬
‫قلياًل وسيًئا‪ ،‬ولم تكن أفكاري واضحة‪،‬‬
‫وكان فمي يمضغ مثل علكة قديمة ال‬
‫طعم لها تعليًقا على قصيدة لفيرلين‪ .‬لم‬
‫أستطع االنتظار حتى أقضي ساعاتي‬
‫وأقضي أقل قدر ممكن من الطاقة‬
‫البدنية والفكرية‪ ،‬ثم أغادر؛ لذلك كنت‬
‫سعيًد ا عندما رأيت أن طالب‬
‫الماجستير لم يشعروا بأعجوبة‬
‫بالشغف تجاه تدريسي‪ .‬لقد كانوا‬
‫مملين‪ ،‬كسالى‪ ،‬ومتواضعين كالعادة‪.‬‬
‫من الواضح أن األدب الفرنسي في‬
‫القرن التاسع عشر لم يكن يعني شيًئا‬
‫بالنسبة لهم‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬أتساءل‬
‫عما إذا كانوا قد فهموا أي شيء عن‬
‫األدب على اإلطالق؛ أدى هذا السؤال‬
‫إلى سؤال آخر‪ :‬ماذا كانوا يفعلون‬
‫هناك؟ لم أعرف قط كيف أجيب‪.‬‬
‫أراهن أنهم ال يفعلون ذلك أيًضا‪.‬‬
‫لقد تساءلت كثيًر ا عما إذا كان‬
‫تدريس األدب األجنبي بشكل عام‪،‬‬
‫واألدب الفرنسي بشكل خاص‪ ،‬في‬
‫جامعاتنا فكرة جيدة‪ .‬لقد كنا نكافح‬
‫بالفعل إلثارة اهتمام الطالب بكتابنا‪،‬‬
‫الذين كان من المفترض أن يتحدثوا‬
‫عن مجتمعنا‪ ،‬وتطلعاته‪ ،‬وقلقه‪،‬‬
‫وطبيعته العميقة‪ .‬لذا أريد أن أنقل إليهم‬
‫شغف األدب من بلد آخر‪ ،‬من القرن‬
‫الماضي‪ ،‬المكتوب بلغة غير مقروءة‬
‫حتى بالنسبة لمعظم الفرنسيين اليوم‪...‬‬
‫بل علموا الموتى أن يقوموا من‬
‫جديد‪ .‬كان طالبي منغلقين تماًم ا‪ ،‬أو‬
‫األسوأ من ذلك‪ ،‬غير مبالين‪ ،‬تجاه‬
‫أدنى انحراف من جانب بلزاك‪ ،‬وإلى‬
‫أوضح أبيات شعر ماالرميه‪ ،‬وإلى‬
‫أبسط قصة قصيرة كتبها باربي دي‬
‫أوريفيلي أو فيلييه دو ليل‪-‬آدم‪ ،‬أو إلى‬
‫رواية لهويسمانز‪ ، .‬إلى جملة من‬
‫فلوبير‪ .‬لماذا تهتم بتعليمهم ما سوف‬
‫ينسوه على الفور؟‬
‫كان هناك وقت عندما كنت خريًجا‬
‫شاًبا جديًد ا من رحلة طويلة ووعرة‬
‫– على الرغم من الشرف – خلفية‬
‫جامعية‪ ،‬محاضر كامل‬
‫الديناميكية والطموح لبلدي الذي‬
‫عدت إليه للتدريس والنقل‪ ،‬طرحت كل‬
‫هذه األسئلة على زمالئي‪ .‬أردت‬
‫إصالح تدريس األدب المقارن‪ .‬عدم‬
‫حذف المقررات الدراسية‪ ،‬بل تكييف‬
‫محتواها مع الواقع الذي يعيشه‬
‫الطالب‪.‬‬
‫لقد وضعت الكثير من الشغف‬
‫والطاقة في مشاريعي‪ ،‬وفي بعض‬
‫األحيان حتى القليل من الفوعة‪ .‬أردت‬
‫أن أجعل األمور تحدث‪ .‬تظاهرت‬
‫بمهاجمة كبار أعضاء القسم واألساتذة‬
‫العجائز الصلع وبعيدي النظر‬
‫والبدينين الذين قضوا حياتهم يتجولون‬
‫في أروقة الكلية مثل األشباح في‬
‫مقبرة‪ ،‬ليس لديهم أي طموح سوى‬
‫الحفاظ على مكانتهم كمحاضر أو‬
‫محاضر ‪ .‬لقد كانوا حفريات‪،‬‬
‫ديناصورات لم تعد تكتب (هل فعلت‬
‫ذلك من قبل؟)‪ ،‬لم تعد تنشر‪ ،‬لم تعد‬
‫تبحث‪ ،‬لم تعد تفكر في ممارساتها‪،‬‬
‫وحتى أقل في األدب‪ .‬لقد كانوا راضين‬
‫بتكرار نفس الدورات‪ ،‬ولكنهم‪ ،‬في‬
‫أحسن األحوال‪ ،‬قاموا بتغيير فاصلة أو‬
‫اثنتين‪ ،‬ومرجع أو مرجعين‪ ،‬وعنوان‬
‫هنا‪ ،‬واقتباس هناك من سنة إلى‬
‫أخرى‪ .‬أما بالنسبة للبقية‪ ،‬فقد حرصوا‬
‫على جعل القسم على فراش الموت‬
‫الهائل حيث يفقد أولئك الذين ما زالوا‬
‫يزعمون أن لديهم البعض أنفاسهم‬
‫بسرعة وبشكل دائم‪.‬‬
‫عندما وصلت‪ ،‬كنت قد ضاعفت‬
‫المبادرات‪ :‬مؤتمرات‪ ،‬أيام دراسية‪،‬‬
‫مقترحات لدورات جديدة‪ ،‬ورش عمل‪،‬‬
‫وحدات دراسية‪ ،‬وندوات‪ .‬لقد شاهدني‬
‫زمالئي‪ ،‬باستثناء اثنين أو ثالثة منهم‪،‬‬
‫وأنا أعاني من االزدراء الساخر أو‬
‫التسلية الكئيبة‪ .‬قال لي الناس‪“ :‬أنت‬
‫تذكرني بما كنت عليه عندما وصلت‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬كنا جميًعا مثلك‪ ،‬شباًبا ومثاليين‪،‬‬
‫لكنك سترى‪ ،‬ستدرك قريًبا أنه ال فائدة‬
‫من ذلك‪ ،‬يا فتى‪ ،‬ال أحد يهتم باألدب‬
‫في هذا البلد‪ .‬وال حتى أنت‪ ،‬أساًسا‪"...‬‬
‫بالنسبة لبعض األشخاص األقل ثرثرة‪،‬‬
‫كنت أبذل كل هذه الجهود بالضرورة‬
‫للسبب الوحيد الذي يمكن أن يدفع‬
‫األكاديمي الشاب إلى تكريس الكثير‬
‫من الطاقة للتدريس في هذا البلد‪ :‬تسلق‬
‫السلم بسرعة و يأخذون مكان األقدم‪،‬‬
‫أي أنفسهم‪ .‬لم يقتصر األمر على عدم‬
‫دعمي‪ ،‬وهذا أمر مفهوم‪ ،‬بل خلقوا لي‬
‫أكبر عدد ممكن من الصعوبات‪ .‬وبما‬
‫أن معظمهم كانوا من ذوي النفوذ‪،‬‬
‫ذوي األفواه الكبيرة‪ ،‬وأطباء‬
‫المؤامرات في المزارع‪ ،‬الذين يضفي‬
‫عليهم الشرعية بسبب أعمارهم‪،‬‬
‫وأصدقاء قدامى لعميد الكلية أو حتى‬
‫رئيس الجامعة‪ ،‬فقد كان لديهم مخزون‬
‫غير محدود من المزالق التي "ألقوا‬
‫بها" في طريقي‪...‬‬
‫لقد استمرت ثالث سنوات‪ .‬ثم‬
‫توقفت‪ .‬لم تكن الرغبة التي أفتقرت‬
‫إليها أو شغفي هو الذي جف‪ .‬ببساطة‪،‬‬
‫رؤية النظام بأكمله‬
‫إنفاق الكثير للبقاء في مكانهم‪،‬‬
‫الكثير من الناس يستيقظون من سباتهم‬
‫ليغوصوا فيه مرة أخرى‪ ،‬كل هؤالء‬
‫الشعراء الغنائيين ذوي المعرفة‬
‫المتحجرة ينعشون أنفسهم للحفاظ على‬
‫امتيازاتهم المثيرة للشفقة كحكام‬
‫اإلمبراطورية الفرعية‪ ،‬وهو ما أثار‬
‫اشمئزازي‪ .‬قررت بعد ذلك أن ألتزم‬
‫الصمت وأقتصر على تدريسي الذي لم‬
‫يكن الطالب مهتمين به ولم يفهموا‬
‫شيًئا‪ .‬ضحكنا وأنا مررت عبر‬
‫الممرات‪ .‬قال زمالئي إنني في النهاية‬
‫رتبت نفسي بشكل أسرع منهم في‬
‫وقتهم‪ .‬لم أجب‪ .‬ما الفائدة من محاولة‬
‫شرح ذلك لهم؟ بالنسبة لهم‪ ،‬كان هناك‬
‫شيء واحد فقط يهم‪ :‬لقد خسرت‪ ،‬وهم‬
‫فازوا‪ .‬وفي هذا االستنتاج‪ ،‬كانوا على‬
‫حق‪ .‬لقد خسرت بالفعل‪.‬‬
‫منذ هذه الهزيمة ‪ -‬منذ أربع‬
‫سنوات ‪ -‬كنت مكتفيًا بالحد األدنى‪:‬‬
‫قمت بالتدريس بدون نار‪ ،‬وكتبت مقاًال‬
‫أو مقالين سنويًا (وهو ما كان كافيًا‬
‫لجعلي واحدًا من أكثر الباحثين إنتاجًا‬
‫وانتظامًا في هذا المجال)‪ ،) .‬تعاملت‬
‫مع االلتزامات اإلدارية القليلة‬
‫المرتبطة بمسؤوليتي‪ ،‬وهذا كل شيء‪.‬‬
‫دع الجثة تستمر في الرائحة الكريهة‪.‬‬
‫حتى لو انتهيت‪ ،‬لم أهتم‪ .‬عندما كنت‬
‫في السابعة والثالثين من عمري‪ ،‬كنت‬
‫قد استسلمت للمستوى العادي الذي‬
‫تتسم به جامعة بلدي‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يجب أن أقول إنه خالل‬
‫السنوات الثالث التي قضيتها في‬
‫حملتي الخيالية‪ ،‬كنت دائًم ا قادًرا على‬
‫االعتماد على حليف ال يتزعزع‪.‬‬
‫كان السيد كولي بال شك أفضل‬
‫أستاذ في كلية اآلداب‪.‬‬
‫لقد كان يقوم بالتدريس هناك منذ‬
‫العام الذي ولدت فيه‪ .‬كان متخصًصا‬
‫في الشعر الرمزي الفرنسي‪ ،‬وال سيما‬
‫شعر سان بول رو‪ ،‬الذي اعتبر شعره‬
‫أفضل بكثير من شعر ماالرميه أو‬
‫الفورج‪ ،‬وكان أستاذي المرجعي‬
‫عندما التحقت بقسم األدب المقارن‪.‬‬
‫وقد طورت بيننا‪ ،‬على مدار‬
‫المناقشات‪ ،‬عالقة ودية‪ ،‬تغذيها حب‬
‫األدب والمناقشات المحفزة التي ال‬
‫نهاية لها والتي كنا نجريها أحياًنا حول‬
‫شاعره المفضل‪ .‬كثيًر ا ما كنت أستمتع‬
‫بإخباره – لم يكن ذلك من باب‬
‫االستفزاز فقط‪ ،‬ألنني كنت أقصد ذلك‬
‫حًقا – أن سان بول رو كان شاعًرا‬
‫صغيًر ا‪ ،‬وليس له تأثير ملحوظ على‬
‫شعر القرن العشرين‪ .‬كرر لي أن هذا‬
‫الغياب لألحفاد الشعرية («وهو ليس‬
‫مثل التأثير») يثبت أنه شاعر عظيم‪،‬‬
‫أي شاعر فريد‪.‬‬
‫لقد قدم لي السيد كولي دعمه‪ ،‬في‬
‫حدود صالحياته ومسؤولياته‪ ،‬التي لم‬
‫يكن من الممكن االستهانة بها داخل‬
‫الكلية التي كان من أكثر الشخصيات‬
‫احتراًم ا وخوًفا‪ .‬إال أنه تردد في طلب‬
‫معروف أو معروف من عميد القسم‪،‬‬
‫السيد ندياي‪ ،‬الذي كان قريًبا منه‬
‫ذات يوم‪ ،‬لكنه تجول في المياه‬
‫السياسية المنعزلة لتأمين بعض‬
‫االمتيازات‪ .‬لقد سقطوا‪.‬‬
‫لم يعد السيد كولي يريد أن يمنح‬
‫السيد ندياي ما كان العميد يأمل فيه‬
‫لسنوات‪ :‬فرصة أن يكون مديًنا له‪ .‬كما‬
‫رفض السيد ندياي بشكل منهجي‬
‫منحي اعتمادات لألنشطة التي كنت‬
‫أحاول القيام بها‪ .‬عرف السيد كولي أن‬
‫كل ما كان عليه فعله هو أن يطلب‬
‫إعطائي إياها‪ .‬لكن كبرياءه وعناده‬
‫واحتقاره للوسطية والمجاملة داخل‬
‫الجامعة منعته من القيام بذلك‪ .‬انا‬
‫فهمت ذلك‪ .‬ورغم كل شيء‪ ،‬ظل‬
‫يشجعني على المثابرة في مشاريعي‬
‫دون انتظار أي شيء من الكلية‪ .‬وهذا‬
‫ما فعلته‪ ،‬إلى حد االشمئزاز‪ .‬كان السيد‬
‫كولي حزينا‪ .‬بقينا أصدقاء جيدين‪ .‬لقد‬
‫كان الوحيد من زمالئي الذي تجاوزت‬
‫عالقتي به مجرد التحيات‪.‬‬
‫أطلقت طالبي قبل ربع ساعة من‬
‫نهاية الساعة الثانية ‪.‬ال أعرف من كان‬
‫أكثر ارتياًح ا‪ ،‬أنا أم هم‪ .‬حزمت أمتعتي‬
‫ببطء وتوجهت إلى كافتيريا الجامعة‪،‬‬
‫أدعو هللا أن تكون اآللة‪ ،‬التي تعمل بين‬
‫الحين واآلخر‪ ،‬في حالة جيدة‪ .‬أنتجت‬
‫قهوة غير صالحة للشرب إلى حد ما‪،‬‬
‫لكنني شعرت بالنعاس الشديد لدرجة‬
‫أنني كنت على استعداد لتحملها‪ ،‬حتى‬
‫لو قتلتني‪.‬‬
‫مررت بزميلين كانا خارجين من‬
‫الكافتيريا‪ .‬بالكاد استقبلنا بعضنا‬
‫البعض‪ .‬كان كل منهم يحمل قدًحا‬
‫صغيًر ا أبيض اللون يدخن فيه‬
‫مشروب داكن ومريب‪ .‬كان يومي‬
‫المحظوظ‪.‬‬
‫حاولت دون متعة أن أتذوق‬
‫رشفتي األولى من القهوة‪ ،‬ونظراتي‬
‫الفارغة تتجول فوق لوحة تعلن عن‬
‫ندوات وأيام دراسية ومؤتمرات‬
‫وغيرها من األعياد الفكرية التي لم‬
‫تجذب سوى القليل من الناس عندما‬
‫جعلني صوت أقفز‪:‬‬
‫– هل تم إصالح هذا الجهاز‬
‫بالفعل؟ لم أكن ألصدق ذلك‪.‬‬
‫ربما نتيجة لتعبي لم أكن متحمًسا‬
‫جًد ا لفكرة التحدث مع السيد كولي‪،‬‬
‫الذي استمتعت بصحبته رغم ذلك ‪.‬ال‬
‫بد أنه رأى الظل المنهك الذي مر عبر‬
‫عيني‪:‬‬
‫‪ -‬يجب أن ترتاح يا سيد غاي‪.‬‬
‫يبدو أنك منهك مثل طالب الماجستير‪.‬‬
‫‪ -‬أنا خارج من الصف‪ ،‬في الواقع‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أتعاطف‪ .‬استرح ‪ ،‬ال تشرب‬
‫هذا الرعب الذي سأشرب منه كوًبا أو‬
‫كوبين‪ .‬كيف يسير تدريسك؟ هل‬
‫حاولت تعليم طالبنا األعزاء أي شيء‬
‫اليوم؟‬
‫قال لي وهو ينتظر اآللة لتخدم‬
‫طلبه‪.‬‬
‫– قدمت تعريفًا بالشعراء‬
‫الملعونين‪ .‬فيرلين…‬
‫‪ -‬أوه…‬
‫كانت لهجة السيد كولي غريبة‪،‬‬
‫كما لو كان يشعر بالقلق‪ .‬لقد تغير‬
‫تعبيره‪ .‬بدا عالًقا في ذكرى بعيدة أو‬
‫فكرة تشغله‪ .‬ثم تبدد ذلك الظل وغادرنا‬
‫الكافتيريا‪ .‬وتابع في الممر‪:‬‬
‫– أعتقد أنك لم تشاهد المذكرة‬
‫السخيفة من الوزارة حول تعليم فيرلين‬
‫وآخرين‪ .‬أم أنك تعصيه؟‬
‫‪ -‬أي درجة؟‬
‫‪ -‬هذا ما فكرت‪ .‬أنت ال تعرف ما‬
‫أتحدث عنه ‪...‬‬
‫ستجده في رسائل البريد‬
‫اإللكتروني الخاصة بك‪ .‬يعود تاريخه‬
‫إلى حوالي أسبوعين‪ ،‬كرد فعل على‬
‫األحداث‪ ...‬كما تعلم‪ ...‬يا له من غباء‪،‬‬
‫يا له من غباء ال يسبر غوره‪ ...‬حسًنا‪،‬‬
‫اذهب إلى النوم يا سيد غاي‪ .‬تبدو‬
‫فظيعا‪ .‬تعال لرؤيتي في أحد هذه األيام‬
‫عندما تشعر بتحسن‪ .‬لدي أخبار عن‬
‫سان بول رو‪ .‬أود أن أتحدث معك‬
‫حول هذا الموضوع‪.‬‬
‫صافحني وابتسم لي وغادر‬
‫بسرعة‪ .‬جررت نفسي إلى سيارتي‬
‫وأنا أشعر بالنعاس‪ ،‬ثم عدت إلى‬
‫المنزل‪ ،‬وسقطت عاريًا على السرير‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫منتصف الليل‪ .‬لم أستطع العودة‬
‫إلى النوم‪ .‬أردت أن أتصل براما‪ ،‬التي‬
‫لم تكن رائحتها تتخلل مالءاتي فحسب‪،‬‬
‫بل جدران غرفتي‪ ،‬وأصغر ذرة هواء‬
‫أتنفسها‪ ،‬ووعيي بأكمله‪ .‬وبعد بضع‬
‫دقائق من النقاش الداخلي الغامض‬
‫اتصلت برقمه‪ .‬لقد التقطت بالطبع عند‬
‫الحلقة الخامسة‪ ،‬األخيرة قبل التبديل‬
‫إلى الفراغ غير الشخصي لجهاز الرد‬
‫اآللي‪ ،‬وقدمت لي خدمة‬
‫الجليدية "مرحبا"‪ .‬لقد أغلقت‬
‫الخط على الفور‪ ،‬وكان قلبي يتسارع‪.‬‬
‫ولم تكن لدي الشجاعة لمواجهته بعد‪.‬‬
‫ولكن لم يكن هناك سبب‪ .‬لم تتصل مرة‬
‫أخرى‪ .‬لم أكن أعرف إذا كان ذلك‬
‫يريحني أم يرهقني‪.‬‬
‫بقيت مستلقًيا هناك‪ ،‬ألمس قضيبي‬
‫الضعيف‪ ،‬وعيناي تائهتان في السقف‪.‬‬
‫الرغبة في ممارسة العادة السرية‬
‫استحوذت علي‪ ،‬مكثفة وملحة‪،‬‬
‫واختفت بنفس السرعة‪ ،‬مثل شهاب‪.‬‬
‫إن العزلة العظيمة التي شعرت بها‬
‫أطفأت حماستي االستبدادية – ومع‬
‫ذلك فقد كانت دائًم ا شريان الحياة‪.‬‬
‫لم يكن لالستمناء أي غرض آخر‬
‫سوى تأخير لحظة االعتراف بذلك‬
‫لنفسي‪ :‬راما لن يأتي‪ ،‬والعالم‪ ،‬في ذلك‬
‫المساء‪ ،‬فقد معناه‪.‬‬
‫الجانب السلبي‪ :‬لم يكن من المؤكد‬
‫أنه سيحصل على المزيد في اليوم‬
‫التالي؛ الجانب اإليجابي‪ :‬لم يكن لديه‬
‫أقل من اليوم السابق‪ .‬بعد أخذ كل‬
‫األمور بعين االعتبار‪ ،‬لم تكن األمور‬
‫سيئة للغاية‪.‬‬
‫كانت الشائعات مكتومة في‬
‫البداية‪ ،‬ثم أعلى فأعلى‪ ،‬أصوات في‬
‫الميكروفون‪ ،‬وأضواء ساطعة‪،‬‬
‫واهتزاز الطبل‪ ،‬باختصار‪ ،‬ضجيج في‬
‫الليل ينتهي بإخراجي من سريري ومن‬
‫تماريني الفلسفية المتواضعة‪ .‬كل هذا‬
‫كان له تفسير واحد فقط‪ :‬كان هناك‬
‫شيء ما يحدث في الحي‪ .‬ذلك أفضل‬
‫بكثير‪ .‬كان علي أن أغير رأيي‪.‬‬
‫خرجت‪ .‬وفي الخارج‪ ،‬كان نهر بشري‬
‫يتدفق حامًال الرجال والحيوانات‬
‫والغبار والقمامة‪ .‬كان الحي في حالة‬
‫اضطراب‪ .‬أصابته حمى احتفالية‬
‫كبيرة‪ .‬لقد أحببت دائًم ا المظاهرات‬
‫الجماعية‪.‬‬
‫على عكس كثيرين آخرين‪ ،‬ليس‬
‫لدي أي احتقار لألشخاص الذين‬
‫يطلقون مًعا العنان لمشاعرهم النقية‪.‬‬
‫أنا أحب الحشود‪ ،‬والرجال في‬
‫الحشود‪ .‬أنا واحد‪ .‬أحب اإلضرابات‪،‬‬
‫أحب المسيرات‪ ،‬أحب الحفالت‬
‫الموسيقية‪ ،‬أحب الجنازات أو المواكب‬
‫السعيدة والصابر‪ ،‬والصلوات‬
‫الجماعية واالجتماعات السياسية‪،‬‬
‫والقداديس والجنازات‪ .‬يعيد الحشد‬
‫تأهيل الحالة اإلنسانية‪ ،‬المكونة من‬
‫العزلة والتضامن؛ إنه يوفر إمكانية‬
‫الجلوس جانًبا مع جميع الرجال‪ .‬في‬
‫الحشد‪ ،‬نحن شخص وأي شخص‪.‬‬
‫لقد كان صباًرا تكريًم ا لرجل‬
‫أعمال محلي ثري‪ ،‬كان قد تبرع للتو‬
‫بمبلغ كبير من المال لعدد ال يحصى‬
‫من الجمعيات الثقافية‪ .‬بصراحة‪ ،‬لم‬
‫يكن هذا هو الشيء األكثر أهمية‪ .‬في‬
‫األساس‪ ،‬لم نهتم على اإلطالق بتبرير‬
‫الصبر ‪ ،‬ولم يكن هناك سبب‬
‫ضروري‪ .‬أذكر أنه ذات مرة نظمت‬
‫عائلة شابة متوفاة صبرا في اليوم‬
‫التالي لدفنها‪ ،‬بحجة أنها تعشقهم‪.‬‬
‫لقد تم بالفعل ترسيم دائرة الرقص‬
‫من قبل الجمهور المتحمس‪.‬‬
‫وانضم إلى قارعي الطبول الذين‬
‫كانوا يقومون باإلحماء‪ ،‬وظهرت‬
‫صورة ظلية‪ ،‬في الضوء األبيض‬
‫المبهر لألضواء الكاشفة‪ ،‬تحت‬
‫نظرات اإلعجاب المتوهجة التي‬
‫منحها إياه المتفرجون‪ .‬استقبله قارعو‬
‫الطبول بوابل من الرصاص‪ .‬ارتفع‬
‫الصخب إلى السماء في دوامات في‬
‫حالة سكر‪ .‬تحركت ببطء‪ ،‬هذه‬
‫الصورة الظلية المهيبة والجميلة‪ ،‬تشبه‬
‫المسيح‪ ،‬مشعة بالنعمة‪ .‬في بعض‬
‫األحيان‪ ،‬في موقف نبيل مدروس‬
‫لدرجة أنه أصبح طبيعًيا‪ ،‬توقفت لتنظر‬
‫إلى الحشد‪ ،‬الذي صرخ‪ ،‬وصفق‪،‬‬
‫وتعهد بالوالء‪ ،‬وتوسل إلى الشخصية‬
‫أن يرميها‪ ،‬كخدمة‪ ،‬سوسة‪ ،‬كقطعة من‬
‫اللحم‪ .‬للكالب الجائعة‪ ،‬ما طلبته منه‪:‬‬
‫ابتسامتها اإللهية‪ ،‬ونظرتها الشريرة‪،‬‬
‫ومكياجها الشديد‪ ،‬المظلل برموش‬
‫طويلة‪ ،‬والمحدد بخط رفيع بقلم‬
‫رصاص‪ .‬ثم‪ ،‬في زوبعة من النار‪،‬‬
‫انطلق الشكل مرة أخرى بحركة ال‬
‫تضاهى‪ ،‬تشبه رقصة فاسقة‪ .‬كانت‬
‫ترتدي فستاًنا أسود طوياًل مزيًنا‬
‫بالترتر وضيًقا‪ ،‬بال أكمام‪ ،‬كشف عن‬
‫كتفيها‪ ،‬اللذين المستهما كرات األقراط‬
‫الفخمة‪ .‬أحاطت جال جالي وركيها‪،‬‬
‫دون أن تشدهما‪ ،‬وحركتهما بتموج‬
‫الحوض الذكي‪ ،‬مما أثار صرخات‬
‫مجنونة من المتفرجين‪ .‬كان المسرح‬
‫ملًك ا له‪ ،‬وكان الجمهور يزحف عند‬
‫قدميه العاريتين‪ ،‬بأظافر مطلية باللون‬
‫األحمر الزاهي يمكنني رؤيتها حتى‬
‫من مسافة بعيدة‪ .‬بعد ثالث أو أربع‬
‫لفات من المسار‪ ،‬فكت الشخصية‬
‫منديل رأسها وربطته عند خصرها‪،‬‬
‫فوق الحزام اللؤلؤي‪ ،‬وأطلقت شعًرا‬
‫طوياًل‬
‫تدفقت على ظهره مثل شالل‬
‫أسود‪ .‬كان سامبا أوا نيانج رائًعا‪.‬‬
‫لقد بدت وكأنها نجمة‪ ،‬مغنية‪ ،‬إلهة‬
‫وثنية‪ .‬أخذ الميكروفون‪ ،‬وبعد سيطرة‬
‫‪ ،ragaju3‬انطلق في ‪ taasu4‬الفاجر‬
‫والمشاغب‪ .‬لم يستغرق األمر الكثير‬
‫حتى ترتفع الحماس‪ .‬كانت الجثث‬
‫تسخن‪ .‬وقفت بعض نساء الحي‬
‫المحترمات‪ ،‬الالتي حافظن حتى ذلك‬
‫الحين على التحفظ المتواضع المتوقع‬
‫من أي سيدة شريفة في األماكن العامة‪،‬‬
‫وبدأن في ربط أوشحتهن أو مناديلهن‬
‫حول خصورهن‪ ،‬تمهيًد ا لمشاهد‬
‫ساخنة‪ .‬استمر سامبا أوا نيانغ في إثارة‬
‫غرائزهم؛ لقد أزعجهم واستفزهم‬
‫ودعاهم إلى وسط الساحة لحضور‬
‫كرة الشيطان‪ .‬تقدمت النساء األوائل‪،‬‬
‫وانضمت إليهن على الفور أخريات لم‬
‫يرغبن في أن يتخلفن عن الركب‪.‬‬
‫وسرعان ما أصبح األمر مجرد مشهد‬
‫لألرداف تتدحرج تحت مئزر ناعم‪،‬‬
‫وتكتشف في أكثر الراقصين تواضًعا‪،‬‬
‫أفخاًذ ا لذيذة تجمع بأعجوبة بين‬
‫الصالبة والدهون‪ ،‬والعضالت مع‬
‫السيلوليت‪ ،‬ونعومة االنتفاخ الرشيق‬
‫مع إمساك الردف الفخور‪ .‬أحاطت‬
‫النساء بسامبا آوا وأحاطوه بجنون‬
‫ديونيسي‪ .‬هو‪ ،‬دون لمس أي من‬
‫النقوش المقدمة له كقرابين‪ ،‬استمر في‬
‫تالوة التاسو بشكل متزايد ‪ .‬قامت‬
‫النساء بتقوس ظهورهن وتمايلت‬
‫وركهن‪ .‬الآللئ التي أحاطت بحقويهم‬
‫ملونة وعزفت سيمفونية مسكرة‬
‫وحسية‪ .‬تنافس بعض الراقصين في‬
‫المهارة‪ .‬والبعض اآلخر‪ ،‬من هذه‬
‫الفحش التام والمعترف به والذي هو‬
‫أساس جزء من اإلثارة الجنسية‬
‫السنغالية‪ .‬في البداية خجول‪ ،‬ثم أكثر‬
‫فأكثر جرأة‪ ،‬بدأ ظهور الـ ‪،beco5‬‬
‫أحمر‪ ،‬أسود‪ ،‬داكن‪ ،‬من كل ظالل‬
‫الرغبة‪ ،‬منقطة بثقوب هائلة وعميقة‪،‬‬
‫وهاويات ال متناهية حيث الذكور‪ ،‬في‬
‫الليل‪ ،‬في البخور الحلزوني‪ ،‬كانت‬
‫تستدعيها مداعبات حميمة‪ ،‬وتذمرات‬
‫مدمرة‪ ،‬وتغرق وتضيع طوال ملحمة‬
‫لم يكن بوسع هوميروس أن يغنيها‪،‬‬
‫وال كان بوسع كوبريك أن يصورها‪.‬‬
‫بالنسبة للنساء األكثر انجراًفا‬
‫بجنون الصبر ‪ ،‬جنون األداة الشيطانية‬
‫التي قيل إن طنينها يمكن أن يمنعك من‬
‫سماع صوت هللا ذاته لو كان قبلك ‪،‬‬
‫بالنسبة لهؤالء النساء‪ ،‬أصبحت‬
‫‪ becos‬متواضعة للغاية؛ قاموا‬
‫بتربيتهم بحركة عصبية‪ .‬وبعد ذلك‪،‬‬
‫لفترة وجيزة‪ ،‬ألقينا نظرة خاطفة على‬
‫الجنسين‪ ،‬الجنسين األسود الكبير‬
‫بقلوب حمراء‪ ،‬سري ومهيب في عدم‬
‫إمكانية الوصول إليهما‪ ،‬لحميان مثل‬
‫الفواكه االستوائية‪ ،‬تعلوهما تيجان من‬
‫الصوف تتألأل بلمعان داكن‪ ...‬لقد‬
‫فغروا‪ ،‬هؤالء جنسان مستديران‪ ،‬فغرا‬
‫مثل أفواه مندهشة ؛ والنساء‪ ،‬في‬
‫الثانية عرضوهن‪ ،‬في‬
‫بالغوا في االنفتاح والعمق‪ ،‬وكأنهم‬
‫يكشفون عن روحهم‪.‬‬
‫دامت نبضة قلب وأغلقت ستائر‬
‫الفخذين والمآزر ‪ ،‬لتعيد زهور العالم‬
‫إلى السرية‪.‬‬
‫ارتفع اإليقاع‪ ،‬وأصيب قارعو‬
‫الطبول بالجنون‪ ،‬كما لو كانوا‬
‫ممسوسين بعد أن لمحوا طريق‬
‫الخالص؛ وبعضهم‪ ،‬الذي لم يعد قادًرا‬
‫على التحمل‪ ،‬ترك موقعه لينضم إلى‬
‫النساء في وسط المسار الرملي‪ .‬يتشكل‬
‫األزواج وينخرطون في قتال حسي‬
‫من الجسد إلى الجسد‪ .‬وحدث أن‬
‫جسدين‪ ،‬أثناء الرقص‪ ،‬كانا قريبين‬
‫جًد ا‪ ،‬ومتعانقين جًد ا لدرجة أنه يمكن‬
‫للمرء أن يقول‪ ،‬خلف حجاب الغبار‬
‫الشفاف الذي أثاراه‪ ،‬إنهما ليسا أكثر‬
‫من مخلوق واحد معذب‪ ،‬أو اثنين من‬
‫البواء يختنقان في قتل األخوة‪ .‬كفاح‪.‬‬
‫خرج سامبا آوا من سجنه‬
‫الجسدي‪ ،‬وتحرك حول الدائرة بمشيته‬
‫الهوائية‪ .‬لقد فقد شعره المستعار وكان‬
‫يخطب الجمهور‪ ،‬ويشجع على‬
‫التصفيق‪ ،‬ويطلب الجوقات‪ .‬لقد أعطوه‬
‫مجموعات من المالحظات‪ ،‬فوضعها‬
‫بيد غير مبالية في الحقيبة الصغيرة‬
‫المطرزة التي كان يحملها على كتفه‪،‬‬
‫وألقى المتفرجون الذين استحوذوا على‬
‫فنه أنفسهم حول رقبته في صرخة حب‬
‫خالصة؛ لقد رحبوا به‪ ،‬وعشقوه‪،‬‬
‫وأرادوه ‪ -‬خذني بعيًد ا‪ ،‬يا سامبا آوا‪ ،‬ال‬
‫تشفق! الى‬
‫وكان بجانبي رجالن يعلقان‪:‬‬
‫– سامبا عوا‪ ،‬جور جيجيان بي‪،‬‬
‫جيجيان نعم كان مجنونا إذا موم ! هذا‬
‫المثلي يحقق نجاحًا جنونيًا مع النساء!‬
‫– المتوسط قهوة صابر يو ريو‬
‫مي! دا فا آي‪ ،‬دومرام جي ! فهو الذي‬
‫يطيب صبار البالد ! أي موهبة هذا‬
‫اللقيط!‬
‫عاد سامبا آوا إلى وسط الدائرة‪،‬‬
‫حيث كانت األجساد الساخنة ال تزال‬
‫متموجة‪ .‬كان يحمل كرسًيا وضعه‬
‫بجانب مجموعة الراقصين‪ .‬بعد ذلك‪،‬‬
‫بصفته رئيس التشريفات‪ ،‬طلب من‬
‫قارعي الطبول االنضمام إلى آالتهم‬
‫وأشار إلى إعادة تشكيل الفرقة إلبطاء‬
‫اإليقاع‪ .‬كان الجمهور‪ ،‬الذي خمن ما‬
‫سيأتي‪ ،‬مبتهًج ا‪ ،‬وردد بالفعل الفكرة‬
‫السائدة بأن سامبا أوا نيانج سيغني‬
‫قريًبا على إيقاع بطيء ومهيب وفخم‪.‬‬
‫استنفد عازف الطبلة الشهير‬
‫‪ Magaye Mbaye Gewël‬قوته في‬
‫إيماءات مؤكدة وعصبية لتوجيه قواته‪،‬‬
‫حيث ألقى نظرات عارفة على سامبا‬
‫آوا الذي كان سيفتتح العرض‪ .‬في هذه‬
‫األثناء‪ ،‬بقي عدد قليل من الراقصين‪،‬‬
‫األكثر خبرة (حسبت ‪ :‬لم يتبق سوى‬
‫خمسة)‪ ،‬في منتصف الدائرة‪ ،‬في‬
‫الطابور أمام الكرسي‪ ،‬يرسمون‬
‫خطوات رقص خفيفة‪ ،‬جاهزين‬
‫لالنطالق في المعركة النهائية‪ .‬كان‬
‫الحشد هذيان‪ .‬سامبا آوا‪ ،‬مشع‪ ،‬دع هذا‬
‫الجو المحموم يستمر‪ .‬اإلنتظار‬
‫سرعان ما وصل إلى ذروته في‬
‫التوتر الساحق‪ .‬بدا أن ماجاي مباي‬
‫جيويل نفسه يجد صعوبة متزايدة في‬
‫عدم السماح للنار التي كانت تحرق‬
‫راحتي يديه بأن تنفجر على جلد طبلته‬
‫المتوتر‪ .‬الى‬
‫بجواري‪ ،‬كان الناس يخبطون‬
‫أقدامهم بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬عائشة واي سامبا عوا‪ ،‬دوي نا!‬
‫هيا يا سامبا آوا‪ ،‬هذا يكفي! صاح‬
‫شخص ما‪.‬‬
‫انطلق صوت سامبا آوا‪ ،‬الرقيق‬
‫بشكل مدهش‪ ،‬من خالل الميكروفون‪:‬‬
‫‪ -‬جيليل سيس ثنائية! خذ الكرسي!‬
‫ردد الجمهور صدى صوته‪،‬‬
‫وأطلق قارعو الطبول موجة من‬
‫القرع‪.‬‬
‫ثم سارت الراقصة األولى في‬
‫الصف نحو الكرسي واستندت على‬
‫مساند الذراعين‪ ،‬وكشفت ردفها‬
‫الممتلئ للسماء وتقدير الجميع‪.‬‬
‫جاء سامبا آوا ليقف بجانبه‪ ،‬ثم بدأ‬
‫بترتيل فاحش‪ ،‬برفقة قارعي الطبول‪.‬‬
‫بدأت المرأة‪ ،‬في نفس الوضع‪ ،‬عزًفا‬
‫رهيًبا‪ ،‬حيث كان ردفها يتحرك‬
‫بسرعة كبيرة لدرجة أن قارعي‬
‫الطبول كانوا يكافحون من أجل مواكبة‬
‫إيقاعها‪ .‬وتابع سامبا آوا‪ ،‬وعندما‬
‫انتهت التالوة‪ ،‬طلب من المرشح الذي‬
‫تم التهليل له أن يقف بجانبه وهو‬
‫يصرخ للمرة الثانية‪ " :‬جيليل" ‪ .‬سيس‬
‫ثنائية! »‬
‫جاءت المرشحة التالية لتقف‬
‫بدورها‪ ،‬متكئة على الكرسي‪ ،‬وتؤدي‬
‫رقصتها‪ .‬تبع الراقصون بعضهم‬
‫البعض بهذه الطريقة‪ ،‬وهم متشبثون‬
‫بالكرسي ‪ -‬واحد على الظهر‪ ،‬واآلخر‬
‫على المقعد‪ ،‬واآلخر على قدم واحدة‪،‬‬
‫وقام األخير بقلب الكرسي ليمسك‬
‫باثنين من قدميه‪ ،‬وكلهم يقدمون مشهًد ا‬
‫مشابًها لحركات غاضبة حقويه حسب‬
‫وحي كل واحد‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬سألت‬
‫سامبا آوا‪ ،‬ببراعة استعراضية‪،‬‬
‫الجمهور عن أي من السيدات فازت‬
‫بمسابقة الكرسي‪ .‬بدا لي أن التصفيق‬
‫المدوي كان متكافًئا؛ لكن سامبا آوا‪،‬‬
‫بعد عدة جوالت من االقتراع المتنازع‬
‫عليه‪ ،‬انتهى به األمر إلى تتويج‬
‫المرشح الذي أعاد الكرسي‪ .‬يبدو أن‬
‫جارتي وافقت‪ .‬من جهتي‪ ،‬كنت أفضل‬
‫أن أمنح النصر لمن أمسك الكرسي من‬
‫الخلف‪ ،‬من الخلف‪..‬‬
‫قام سامبا عوا بتنسيق األمسية‬
‫حتى وقت متأخر من الليل‪ .‬كانت‬
‫الساعة قد اقتربت من الثالثة صباًحا‬
‫عندما تفرقنا على مضض‪.‬‬
‫‪ .1‬مصطلح الولوف يشير إلى‬
‫نوع من أنواع الطبل والرقص التقليدي‬
‫واالحتفال‪.‬‬
‫‪ .2‬أحزمة من اللؤلؤ الكبير بقصد‬
‫اإلغواء‪.‬‬
‫‪ .3‬حركة نموذجية تماًم ا للعينين‪:‬‬
‫من خالل إعادتهما إلى الوراء بشكل‬
‫مبالغ فيه‪ ،‬يتعلق األمر بالتعبير عن‬
‫التحدي أو االستفزاز أو التأكيد أو‬
‫التصميم أو التهديد ‪ -‬أو كل ذلك في‬
‫نفس الوقت‪.‬‬
‫غالبا ما تؤديها النساء‪.‬‬
‫‪ .4‬تاسو هي أنواع من القصائد أو‬
‫القصص السنغالية الشعبية‪ ،‬والتي‬
‫يمكن أن تكون بدورها ساخرة أو مدح‬
‫أو فاجرة أو مرحة أو أخالقية‪.‬‬
‫‪ .5‬البيكو عبارة عن مئزر صغير‬
‫قصير‪ ،‬منّقط في نسيجه فتحات‬
‫متفاوتة الحجم‪ .‬في السنغال‪ ،‬عنصر‬
‫أساسي في المالبس الداخلية النسائية‪.‬‬
‫‪ .6‬رقص تقليدي من السنغال‬
‫يتميز بحسه الشهواني‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫أيقظني رنين هاتفي ‪ .‬أجبت‬
‫بغضب‪ ،‬دون أن أنظر حتى إلى شاشة‬
‫الجهاز‪ .‬كنت على استعداد لمضايقة‬
‫الشخص المزعج الذي اتصل بي في‬
‫وقت مبكر جًد ا‪ ،‬في الساعة الواحدة‬
‫ظهًرا‪.‬‬
‫– سالمو عليكم ‪ ،‬نديني ‪ ...‬لقد تم‬
‫اتخاذ القرار‪ .‬وها هو‪ :‬أنا الذي أم‬
‫الصالة يوم الجمعة في المسجد‪.‬‬
‫هذا الصوت القدوس‪ ،‬وهذه النغمة‬
‫المزعجة والمثيرة لإلعجاب‪ ...‬سيدي‬
‫والدي‪.‬‬
‫رجل تقّي يا والدي‪ .‬الروح‬
‫المستقيمة والصلبة‪ ،‬المؤمن المثالي‪،‬‬
‫المسلم الصارم‪ .‬األرثوذكسية‬
‫المتجسدة‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬كان من‬
‫المتوقع أن يحل محل منصب إمام‬
‫منطقة الحاج األسطوري أبو مصطفى‬
‫بن خللولة " القيوم "‪ ،‬الذي كان يتقدم‬
‫في السن والذي قيل إن وفاته لم تتأخر‪:‬‬
‫مرضه‪ .‬والدي بالطبع‪ ،‬بتواضعه‬
‫المرير‪ ،‬ولكن أيًض ا من منطلق‬
‫الصداقة والوفاء للحاج أبو مصطفى‬
‫بن خليلولة ‪ ،‬لم يكن يريد أن يسمع عن‬
‫هذه الشائعات‪ ،‬التي تجاهلها‪.‬‬
‫إال أنه لم يستطع أن يرفض إمامة‬
‫الجمعة ألن "القيوم " ظل في‬
‫المستشفى لعدة أيام‪ .‬وكان قد أعطى‬
‫من سريره في المستشفى‪ ،‬بصوت‬
‫ضعيف‪ ،‬تعليمات واضحة‪ :‬على الشيخ‬
‫مجموت غي‪ ،‬والدي الكريم ‪ ،‬أن يحل‬
‫محله‪ .‬وكانت هذه التسمية‪ ،‬في نظر‬
‫الكثيرين‪ ،‬الدليل األخير والقاطع على‬
‫تفضيل اإلمام القديم لوالدي‪ ،‬الذي كان‬
‫بالتالي يضمن والية مسجد الحي‪ .‬وقيل‬
‫إن هذا اإلزاحة عن وصيته " القيوم "‬
‫أراد من خالل هذه االنتخابات تجنب‬
‫الخالفات حول خالفته‪ .‬أضفنا أنه كان‬
‫في حالة جيدة‪ .‬ألنه كان يقف بجوار‬
‫والدي‪ ،‬في مواجهته‪ ،‬متظاهًر ا بأنه‬
‫خلف اإلمام العجوز‪ ،‬الرهيب محمدو‬
‫عبد هللا‪ .‬صورة شديدة للنسر الجائع‪.‬‬
‫أكثر‬
‫غير مرن‪ ،‬أكثر صرامة‪ ،‬وأكثر‬
‫تشدًد ا من والدي‪ .‬لقد كان مرشحًا جادًا‬
‫وحازمًا‪ ،‬ويدعمه عدد كبير من‬
‫الوجهاء المحليين‪ .‬ويجب القول أن‬
‫محمدو عبد هللا لم يخفي شيئا من‬
‫طموحاته‪ ،‬على عكس والدي الذي لم‬
‫يكن لديه أي طموحات‪ .‬وبما أن الحاج‬
‫أبو مصطفى بن خليل هللا قد أظهر‬
‫أولى عالمات الضعف‪ ،‬قام محمدو‬
‫عبد هللا بحملة مع وجهاء الحي ذوي‬
‫النفوذ‪ .‬لقد قدم نفسه‪ ،‬في مواجهة‬
‫االنهيار األخالقي للمجتمع‪ ،‬على أنه‬
‫الرجل المناسب‪ ،‬الرجل الذي سيصحح‬
‫أخالقنا المنجرفة بقبضة من حديد‪ .‬لم‬
‫يكن والدي يريد أن يكون له أي عالقة‬
‫بمناورات منافسه‪ .‬حتى أنه اعتبره‬
‫صديًقا‪ .‬وما زال األعيان الذين دعموه‬
‫يريدون تحذيره‪ .‬لكن والدي أعلن ردًا‬
‫على ذلك أنه غير مهتم بكل هذه‬
‫المبيرو أدينا ‪ ،‬هذه األشياء األرضية‪،‬‬
‫هذه الحسابات المنخفضة؛ ولم يحاول‬
‫أي شيء للحد من النفوذ والشعبية‬
‫المتزايدة لخصمه الهائل‪ .‬كان والدي‬
‫النبيل ال يزال يؤمن باللعب النظيف‬
‫والصداقة في مواجهة السلطة‪ .‬لقد كان‬
‫معتوًها‪ ،‬ومعتوًها مستقيًم ا ومنصًفا‪،‬‬
‫نعم‪ ،‬ولكنه معتوه مع ذلك‪.‬‬
‫ومن المفارقات أن هذا الموقف‬
‫الرائع زاد من شعبيته‪ « .‬القيوم »‬
‫الذي لم يغب عن شيء مما كان يحدث‬
‫(لم يبق إماما منذ اثنين وأربعين عاما‪،‬‬
‫ولقب بـ «القيوم » أي «الثابت»‬
‫صدفة) ‪ ،‬بدا « القيوم » أكثر وأكثر‬
‫اقتناعا من والدي‪ .‬وهذا مع أن محمدو‬
‫عبد هللا‪ ،‬بصرامته اإلسالمية وعناده‪،‬‬
‫لم يتركه غير مبال‪ .‬لقد حافظ الحاج‬
‫أبو مصطفى لفترة طويلة على الحياد‬
‫المهيب‪ ،‬يليق بقائد عظيم وقديم‪ ،‬وصل‬
‫في أواخر حياته إلى مكانة عالية فيما‬
‫يتعلق بنضال المتقدمين لخالفته ‪ .‬لكن‬
‫لمدة ثالثة أشهر‪ ،‬كان يظهر المزيد‬
‫والمزيد من العالمات لصالح والدي‬
‫العزيز‪ .‬كان يظهر معه في الحي‬
‫ويهمس له بكلمات غامضة ويتقاسم‬
‫االثنان ابتسامات معرفة‪ .‬دعاه " القيوم‬
‫" إلى منزله‪ ،‬واستشهد به في خطبه‪،‬‬
‫وكثيًر ا ما كان يستدعيه‪ ،‬بعد صالة‬
‫الجمعة‪ ،‬ليتحدث معه على انفراد في‬
‫مسائل اجتماعية ينبغي للدين أن يجيب‬
‫عليها‪ .‬اعتبر والدي هذه االهتمامات‬
‫الصغيرة بمثابة شهادات على صداقة‬
‫عظيمة‪ ،‬دون أن يعتبرها بدايات‬
‫تعارف‪.‬‬
‫أما محمدو عبد هللا فقد غضب‬
‫عندما رأى هذا المشهد‪ .‬وعلى الرغم‬
‫من أنه استمر في إظهار الود واللطف‬
‫علًنا‬
‫مبالًغ ا فيه مع والدي‪ ،‬كان الجميع‬
‫يعلمون أنه كان يكره ذلك في أعماقه‪.‬‬
‫وكان يطلق عليه في مجموعات‬
‫صغيرة لقب "المسلم الناعم"‪.‬‬
‫عندما‪ ،‬يوم االثنين السابق‪ ،‬الحاج‬
‫أبو مصطفى بن خليلولة‬
‫دخل " القيوم " إلى المستشفى‪،‬‬
‫وكان الحي بأكمله يعلم أنه ربما لن‬
‫يتمكن من إمامة صالة الجمعة‪ .‬في‬
‫اليوم السابق‪ ،‬في المساء‪ ،‬ذهبت سفارة‬
‫صغيرة مكونة من المتحدث باسم‬
‫المسجد‪ ،‬وهو مالزم مخلص لمحمدو‬
‫عبد هللا وقريب لوالدي‪ ،‬لزيارة اإلمام‬
‫العجوز‪ .‬فأشار إلى أبي‪ .‬ولهذا السبب‬
‫اتصل بي األخير‪.‬‬
‫‪ -‬أتمنى أن تأتي يا نديني ‪ .‬لم أعد‬
‫أراك كثيًر ا في المسجد وأنا نادم على‬
‫ذلك‪ .‬أنا تقريبا أشعر بالخجل من ذلك‪.‬‬
‫ابدل مجهودا‪.‬‬
‫لقد وعدت على مضض‪ .‬والدي‬
‫علق‪ .‬فهمتك‪ .‬ذهب نومي‪ .‬دش‪،‬‬
‫راديو‪ ،‬قهوة‪ ،‬مرحاض‪ ،‬سيجارة ‪-‬‬
‫في هذا الترتيب غير القابل‬
‫للتغيير‪ .‬ثم بدأت بالرد على عشرات‬
‫الرسائل اإللكترونية التي أرسلتها لي‬
‫إدارة الجامعة والزمالء والمختبرات‬
‫والطالب خالل األيام القليلة الماضية‪.‬‬
‫وكما في كل مرة حاولت فيها مواجهة‬
‫هذه المهمة‪ ،‬تذكرت سبب هروبي منها‬
‫وتأجيلها إلى أجل غير مسمى في بادرة‬
‫خوف‪ :‬لقد كانت سيزيفية‪ ،‬مميتة‪ .‬من‬
‫المستحيل التصنيف‪ ،‬والرد على جميع‬
‫الطلبات‪ ،‬وإعطاء التوجيهات لطالب‬
‫معين لم يأبه ولم يكتب لي إال من باب‬
‫االنتهازية‪ ،‬لكي يظهر نفسه ويكسب‬
‫رضاي‪ .‬على الرغم من القهوة وقلة‬
‫إرادتي‪ ،‬لم تتضاءل رسائل البريد‬
‫اإللكتروني‪.‬‬
‫لقد استسلمت بعد ساعتين من‬
‫النضال العقيم‪ ،‬لم أتعامل خاللهما إال‬
‫مع ثالث أو أربع مسائل عاجلة‪ .‬أما‬
‫الباقون فسينتظرون أو يموتون في هذه‬
‫المقبرة الرقمية العظيمة التي أصبح‬
‫عليها صندوق البريد الخاص بي‪.‬‬
‫كنت خارًج ا لتناول الطعام في‬
‫المدينة عندما فكرت في مناقشتي‬
‫األخيرة مع السيد كولي‪ .‬لم أفهم شيًئا‬
‫مما قاله لي‪ ،‬لكني تذكرت قصة من‬
‫رسالة بالبريد اإللكتروني أرسلتها‬
‫الوزارة عن فيرلين‪ .‬لقد كان من غير‬
‫المناسب بالنسبة لي أن أذهب وأرى ما‬
‫يدور حوله بالضبط‪ .‬وبطبيعة الحال‪،‬‬
‫لم أكن أعرف متى تم إرسال هذا‬
‫البريد اإللكتروني‪ .‬لم أتذكر إذا كان‬
‫السيد كولي قد أخبرني بذلك أم ال‪.‬‬
‫قضيت نصف ساعة أتصفح صفحات‬
‫رسائل البريد اإللكتروني بصبر‪،‬‬
‫وأفتحها كلها‪ ،‬حتى تلك التي كان من‬
‫المقدر لها أال تفتح أبًد ا‪ .‬وأخيرا‪ ،‬في‬
‫الصفحة ‪ ،4‬ظهرت المالحظة المعنية‪.‬‬
‫وقالت‪ ،‬باختصار‪ ،‬إن مواجهة‬
‫“العودة”‬
‫(لقد كانت الوزارة بالفعل!)‬
‫أحداث العنف المرتبطة بالمثليين‬
‫جنسيًا في األشهر األخيرة‪ ،‬وبناء على‬
‫طلب العديد من المنظمات الدينية التي‬
‫نددت باالنحراف البطيء ألخالق‬
‫البالد ‪ -‬وهو األمر الذي أصبح‬
‫وكر جور جيجين ‪ -‬تم نصح جميع‬
‫أساتذة األدب بشدة‪ ،‬من أجل سالمتهم‬
‫وباسم الحفاظ على ثقافتنا‪ ،‬بتجنب‬
‫"دراسة الكتاب الذين ثبت أو حتى‬
‫االشتباه في مثليتهم الجنسية" (كانت‬
‫هناك قائمة طويلة من أكثر أو مؤلفين‬
‫أقل غرابة‪ ،‬بما في ذلك فيرلين) –‬
‫وذلك حتى االسترضاء االجتماعي‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫لم يكن ذلك انفجاًر ا مفاجًئا للتقوى‬
‫المعاد اكتشافها‪ ،‬بل كان تجديًد ا جميًال‬
‫لمحبة األبناء هو الذي أعطاني القوة‬
‫للذهاب إلى المسجد‪ .‬لقد مضى وقت‬
‫طويل منذ أن صليت‪ .‬لكن بالنسبة‬
‫لوالدي‪ ،‬كنت على استعداد للقيام‬
‫ببعض الكوميديا‪ .‬لم أعد أمارس هذه‬
‫الممارسة‪ ،‬على الرغم من أنني مازلت‬
‫أؤمن باهلل‪ ،‬على افتراض أنه موجود‪.‬‬
‫في العلن‪ ،‬بالطبع‪ ،‬ال أقول أشياء من‬
‫هذا القبيل‪.‬‬
‫انا لست الوحيد‪ .‬هناك الكثير منا‬
‫في هذا البلد ممثلون رائعون على‬
‫المسرح الديني‪ ،‬متنكرون‪ ،‬ومقنعون‪،‬‬
‫ومصطنعون‪ ،‬ومبدعون في المظهر‪،‬‬
‫ويتصرفون بشكل جيد لدرجة أننا ال‬
‫ننجح في خداع اآلخرين فحسب‪ ،‬بل‬
‫أيًض ا في إقناع أنفسنا ‪ - .‬الوهم الذي‬
‫نخلقه‪ .‬نعم المسلمون الطيبون‬
‫بأبصارهم الحارقة‪ ،‬وقلوبهم المنسحقة‬
‫بالطهارة‪ ،‬ومنطقتهم جباههم بأكليل‬
‫االصطفاء اإللهي‪ ،‬هل نحن جنود‬
‫الخير‪ ،‬أهل البيض الممتلئون بأنفسهم‪،‬‬
‫والمفتخرون بكونهم بيضة‪ ،‬البيضة؟‬
‫أريوباغوس من الصالحين يغتسلون‬
‫بالصالح الطاهر‪ .‬نحن هناك‪ ،‬دائًم ا‬
‫هناك‪ ،‬نردد كلماتنا الخيرية‪،‬‬
‫وتوصياتنا النارية‪ ،‬وتبشيرنا العاطفي‪،‬‬
‫ونتقيأ عند الطلب جميع اآليات القرآنية‬
‫التي حفظناها دون أن نفهمها‪ ،‬ونسارع‬
‫إلى مالحظة وانتقاد أي عالمة على‬
‫المعصية في اآلخرين‪ ،‬وننظر إلى‬
‫العفة‪ .‬بعيدًا عن النساء اللواتي ال نحلم‬
‫إال بمضاجعتهن (البعض منا ينجح)؛‬
‫إنهم نحن‪ ،‬القديسون الذين ال يمكن‬
‫لومهم في وضح النهار‪ ،‬آكلي الثدي‪،‬‬
‫الممارسين المهرة‪ ،‬متشممي المؤخرة‪،‬‬
‫المولعون بأصابع القدم الكبيرة‪،‬‬
‫شاربي العصير الجنسي بعد حلول‬
‫الظالم‪.‬‬
‫الكوميديين‪ .‬المشعوذون‪ .‬باركرز‪.‬‬
‫المخادعون‪ .‬قد ال نكون األكثر عدًد ا‬
‫في هذا البلد‪ ،‬ولكن لدينا ما يكفي من‬
‫المواهب لتقديم مسرحية رائعة‪ .‬لذلك‬
‫دعونا نلعب!‬
‫لقد لعبت دوري بموهبة أكيدة‪،‬‬
‫أهتم بمواقفي‪ ،‬ونظري‪ ،‬ونبل وضع‬
‫رأسي‪ ،‬وأراقب حفيف تقياتي‪.‬‬
‫بوبو ُأحضر لهذه المناسبة‪،‬‬
‫معطر‪ ،‬مكوي‪ ،‬غني بالصمغ العربي‪.‬‬
‫لقد صدقوني‪ .‬موهبتي كادت أن‬
‫تجعلني أبكي‪ .‬ظن البعض أن األناشيد‬
‫القرآنية التي تبث في المسجد عبر‬
‫مكبرات الصوت الكبيرة أثرت فيني‪...‬‬
‫األبرياء ‪...‬‬
‫ومن مكان جلوسي‪ ،‬كنت أرى‬
‫محمدو عبد هللا في الصف األمامي‪،‬‬
‫بوجه متجهم وعين شريرة‪ .‬كان والدي‬
‫مطلوبا‪ .‬وأخيرًا خرج من صندوقه‪،‬‬
‫وسلم على الجمهور‪ ،‬ثم جلس ببطء‬
‫على المنبر ليلقي الوعظ‪ .‬لقد كان‬
‫وسيًم ا‪ ،‬في بوبو الكبير‪ .‬شعرت أنه‬
‫كان محرًج ا لوجوده هناك‪ ،‬لكنه كان‬
‫مدرًك ا للمسؤولية الملقاة على عاتقه‪.‬‬
‫بدأت الخطبة ‪ .‬نظرت مرة أخرى إلى‬
‫محمدو عبد هللا‪ .‬قلت في نفسي‪ :‬لم أرى‬
‫أحًد ا يخفي مرارته بهذه الطريقة خلف‬
‫ابتسامة‪.‬‬
‫“إخواني األعزاء‪ ،‬ال أريد أن‬
‫أطيل عليكم‪ ،‬خاصة أنني لست معتادًا‬
‫على شغل هذا المكان‪ .‬فلنصلي مًعا من‬
‫أجل صديقنا ومرشدنا الحاج أبو‬
‫مصطفى بن خلليلة “ القيوم ”‬
‫استرد صحتك بسرعة بفضل هللا‪،‬‬
‫وارجع لترشدنا‪ .‬وأود أن أطلب من‬
‫الجميع هنا أن يصلوا له اليوم من أجل‬
‫الشفاء العاجل‪.‬‬
‫"أود اآلن أن أصل إلى النقطة‬
‫التي أقصدها اليوم‪ .‬ويرتبط باألحداث‬
‫الجارية في بالدنا‪ .‬ربما شاهد الكثير‬
‫منكم هذا الفيديو الذي تم تداوله منذ‬
‫بضعة أيام‪"...‬‬
‫خصص والدي خطبته لفيديو‬
‫الشخص المكتشف؛ بمعنى آخر‪،‬‬
‫كّر سها للمثلية الجنسية‪ .‬أدانت كلماته‬
‫التي ال لبس فيها بشدة هذا الفساد‬
‫الدنيء الذي كان الغضب اإللهي‬
‫يعاقب عليه‪ .‬وأيد حقيقة أن الرجل قد‬
‫تم نبشه‪ ،‬وأشار إلى الطبيعة المقدسة‬
‫للمقبرة الدينية وأكد أن مكان المثليين‬
‫جنسيًا هو السجن ألن الغور جيجين‪،‬‬
‫باإلضافة إلى كونهم خطاة‪ ،‬كانوا أيًضا‬
‫مجرمون‪ ،‬بما في ذلك مجرد وكان‬
‫الوجود داخل المجتمع يهدد تماسكه‬
‫وأخالقه؛ كائنات يشكل وجودها بحد‬
‫ذاته جريمة ضد اإلنسانية‪.‬‬
‫بينما كان يتحدث‪ ،‬ويومئ برأسه‬
‫بقوة موافًقا على كل اتهاماته ضد‬
‫المثليين‪ ،‬فكرت مرة أخرى في‬
‫الفيديو‪ ،‬في الجنس العاري‪ ،‬في بياض‬
‫الكفن‪ .‬وفجأة خطرت ببالي أسئلة‬
‫مبتذلة تماًم ا‪ :‬من كان هذا الرجل؟ كيف‬
‫كانت حياته؟‬
‫كيف عرفنا أنه جور جيجيان ؟‬
‫ومن الذي اتهمه؟ هل لدينا دليل على‬
‫حياته الجنسية المنحرفة؟ أين كانت‬
‫عائلته؟ ماذا أصبح‬
‫جسمه ؟ وتخيلت أفراد عائلته‪،‬‬
‫الذين كانوا حاضرين في الحشد عند‬
‫استخراج الجثة‪ ،‬خائفين للغاية من أن‬
‫يجرؤوا على الرد‪ ،‬ما لم يكونوا قد‬
‫شاركوا في عملية اإلعدام خارج نطاق‬
‫القانون بعد الوفاة‪ .‬لم أكن ألتفاجأ‪ .‬إذا‬
‫تم التعرف على رجل مثلي الجنس‪ ،‬أو‬
‫تم اعتباره صواًبا أو خطًأ‪ ،‬فإن األمر‬
‫متروك لعائلته لتبرئة أنفسهم‪ :‬كان‬
‫عليهم أن يشهدوا بأنهم يكرهون هذا‬
‫الشر‪ ،‬إما عن طريق قطع جميع‬
‫العالقات مع المتهم‪ ،‬أو عن طريق‬
‫إظهار قدر أكبر من العنف ضده‪ .‬له‪.‬‬
‫لقد كان العار الذي غطى بسحابة سيئة‬
‫بالنسبة لهذه العائلة هو الطريقة‬
‫الوحيدة إلنقاذ سمعتها‪ .‬لقد كانت هذه‬
‫هي الطريقة الوحيدة بالنسبة لها‬
‫للتنفيس عن هذا الشك المخيف الذي‬
‫يرقى إلى الموت االجتماعي‪ :‬كونها‬
‫أرًض ا خصبة للمثليين‪ ،‬وإيواء جين‬
‫خطر المثليين القابل لالنتقال‪ .‬إن العار‬
‫الذي ال يوصف الذي تعرض له الغور‬
‫جيجيان كان يهدد دائًم ا ببسط ظله على‬
‫كل المقربين منه‪ .‬وفي كثير من‬
‫األحيان‪ ،‬كان من أجل حماية أنفسهم‬
‫من اللعنات الشعبية التي كانت‬
‫تنتظرهم‪ ،‬سارعوا‪ ،‬عندما لم يعد‬
‫بإمكانهم إخفاءها‪ ،‬إلى فضح الفرد‬
‫الذي كانوا يحرمونه كنسًيا علًنا‪ .‬مثلي‬
‫الجنس‪ :‬هذا هو الغسيل القذر الوحيد‬
‫الذي شعرت األسرة بالسعادة‬
‫واالرتياح لغسله في األماكن العامة‪،‬‬
‫بمساعدة كل األيدي التي جاءت لفرك‪،‬‬
‫وفرك‪ ،‬وفرك حتى نزفت البقعة الدنيئة‬
‫التي صنعت على الشرف وحفظ ما هو‬
‫أكثر أهمية بالنسبة لنا‪ .‬لهم‪ :‬الصورة‬
‫التي أرسلوها مرة أخرى في الباليه‬
‫الصغير لظالل وجودنا التافه ‪.‬ال أحد‬
‫يستطيع أن يتحمل العار‪.‬‬
‫ربما كان الرجالن اللذان فتحا‬
‫القبر لنبش الرجل شقيقيه‪ .‬إن الطاقة‬
‫التي بذلوها في الحفر كانت أيًض ا طاقة‬
‫كفاحهم ضد العار األعظم‪ :‬الخوف من‬
‫عدم االنتماء إلى اإلنسانية‪ ،‬والخوف‬
‫اإلنساني ذاته من عدم االعتراف بهم‬
‫كرجل بين البشر‪ .‬أستطيع أن أفهمهم‪،‬‬
‫وكيف ! يجب على الجميع أن يفهموا‬
‫هذا‪ .‬كثيرًا ما نكون قساة تجاه اإلنسانية‬
‫وغبائها وأخطائها وقبحها‪ ،‬ولكننا ال‬
‫نملك سوى ذلك‪ .‬إنها عائلتنا الحقيقية‬
‫الوحيدة‪ ،‬وملجأنا الوحيد من وحدتنا‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬نحن في األساس وحيدون‪ ،‬وبدون‬
‫مجتمع العزلة الذي تشكله اإلنسانية‬
‫وتقدمه لنا‪ ،‬لن يقوم أحد منا بجولة ضد‬
‫نفسه‪.‬‬
‫لقد نجحنا في االستمرار في‬
‫العيش ألننا نعلم أن الجميع‪ ،‬األغنياء‬
‫والفقراء واليهود وملكة جمال الكون‬
‫والفائزين بجائزة نوبل‪ ،‬وحتى‬
‫األميركيين‪ ،‬جميعهم وحيدون مثلنا‪.‬‬
‫هذه الفكرة ضعيفة‪ ،‬أنانية‪ ،‬مؤسفة‪،‬‬
‫أعترف بذلك‪ .‬إنها يائسة وليس لديها‬
‫أي اهتمام بالحب‪ .‬ولكن لديه أيًضا‬
‫شيء مريح للغاية بالنسبة لي‪.‬‬
‫كان والدي يقترب من نهاية‬
‫خطبته‪ .‬ويخلص إلى أنه يجب علينا أن‬
‫نبذل جهدا لنكون أكثر صرامة‬
‫أخالقيا‪ ،‬وهي الطريقة الوحيدة للقتال‬
‫ضد المثليين جنسيًا‪ ،‬الذين تسببت‬
‫شؤونهم في الكثير من الفضائح في‬
‫البالد‪ .‬واختتم كالمه بتذكير الرجل‬
‫الذي تم اكتشافه للمرة األخيرة‪:‬‬
‫“الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به‬
‫من أجل مخلوق هللا هذا هو أن نصلي‬
‫من أجل أن يرحم هللا روحه‪» .‬‬
‫‪6‬‬
‫الجملة األخيرة من خطبته جلبت‬
‫لوالدي بعض االنتقادات‪ .‬على األقل‬
‫هذا ما أوضحه لي بعد العشاء الذي‬
‫دعاني إليه في منزله في نفس المساء‪.‬‬
‫– بعد الصالة محمدو عبد هللا…‬
‫‪ -‬منافسك؟ لقد قطعت‪.‬‬
‫‪ -‬إنه ليس منافسي‪ ...‬حسًنا‪ ،‬ال‬
‫يمكننا أن نطلق عليه هذا االسم‪...‬‬
‫لكن نعم هو‪ ...‬لقد جاء لرؤيتي مع‬
‫بعض أعيان الحي‪ .‬قالوا لي أن نهاية‬
‫خطبتي دمرت كل شيء‪ .‬أنه كان جيدا‬
‫حتى ذلك الحين‪ .‬حتى أن محمدو عبد‬
‫هللا تحدث عن التخريب‪ .‬لقد كان‬
‫غاضبا جدا‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا ؟‬
‫‪ -‬ألنني قلت في النهاية أنه علينا‬
‫أن نصلي من أجل‪ ...‬لهذا الرجل‪.‬‬
‫ووفقًا لمحمدو عبد هللا‪ ،‬كان هذا‬
‫تصريحًا غير مسؤول وال معنى له‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا ؟‬
‫‪ -‬لماذا ؟ لكن هيا يا نديني ‪ ،‬األمر‬
‫واضح‪ :‬ألننا ال نطلب من المسلمين‬
‫الصالة من أجل مثلي الجنس!‬
‫ظللنا صامتين لبعض الوقت‪ ،‬ثم‬
‫تابع والدي بتوتر أقل‪:‬‬
‫‪ -‬انه علي حق‪ .‬لم يكن علي أن‬
‫أقول ذلك‪ ...‬يمكنك أن تصدق أنني‬
‫شعرت بالشفقة عليه‪.‬‬
‫‪ -‬ليست هذه هي القضية ؟‬
‫–ال يمكننا أن نسمح ألنفسنا أن‬
‫نشعر باألسف على الغور جيجين ‪.‬‬
‫علينا فقط أن نصلي من أجل أن يكونوا‬
‫بعيدين عنا وعن عائالتنا قدر اإلمكان‪.‬‬
‫دخل ‪ Adja Mbène‬في تلك‬
‫اللحظة‪ .‬لقد كانت زوجة والدي الثانية‪،‬‬
‫وزوجة والدتي الراحلة‪ .‬بشكل ال‬
‫يصدق‪ ،‬والدتي و‬
‫لقد أحبوا بعضهم البعض دائًم ا‬
‫كثيًر ا‪ ،‬مثل األخوات تقريًبا‪ .‬أقول إنه‬
‫أمر ال يصدق‪ ،‬ألنني لم أتخيل أبًد ا‬
‫أسرة متعددة الزوجات سعيدة؛ على‬
‫األكثر يمكن أن تكون متناغمة‪ .‬وهو ما‬
‫يكفي في كثير من األحيان‪ .‬على الرغم‬
‫من أن والدتي وأجا مبين أثبتا خطأي‪،‬‬
‫إال أنني لم أفكر أبًد ا‪ ،‬وما زلت ال‬
‫أعتقد‪ ،‬أن امرأتين تشتركان في نفس‬
‫الرجل يمكنهما حًقا تقدير بعضهما‬
‫البعض‪ ،‬ناهيك عن حب بعضهما‬
‫البعض‪ .‬وبقيت حالة أمي وزوجة أبي‬
‫بالنسبة لي االستثناء الذي يؤكد‬
‫القاعدة‪.‬‬
‫بعد وفاة والدتي‪ ،‬التي كنت طفلتها‬
‫الوحيدة‪ ،‬من الطبيعي أن تعاملني آجا‬
‫مبين ‪ ،‬التي أعطت والدي طفلين (كانا‬
‫يدرسان خارج البالد)‪ ،‬كطفلها الثالث‪،‬‬
‫تخليًد ا لذكرى صداقتها مع والدتي‪.‬‬
‫والتي أحزنتها وفاتها بشدة‪ .‬حتى أنني‬
‫كنت أعتقد أحياًنا أنها أظهرت لي حًبا‬
‫لم تظهره ألطفالها‪ ،‬بسبب هذا الشعور‬
‫الغريب الذي يجمع أولئك الذين فقدوا‬
‫شخًصا فريًد ا‪ ،‬والذين يحاولون‪ ،‬من‬
‫خالل الحب المضاعف الذي يقدمونه‬
‫لبعضهم البعض‪ ،‬أن ينقل كل منهما‬
‫إلى اآلخر المودة التي كانت لديه تجاه‬
‫الكائن الغائب‪ .‬لقد أحببت أدجا مبيني ‪.‬‬
‫لم أحبها كأم ثانية‪ ،‬ألن ذلك غير‬
‫موجود‪ ،‬ولكن كامرأة أحبتها أمي‬
‫بصدق‪.‬‬
‫قالت وهي تجلس‪" :‬كنت تتحدث‬
‫عن المثليين جنسيًا"‪ .‬سمعت…‬
‫أخبرني والدك بما حدث في‬
‫المسجد‪ .‬لكنني طلبت منه أن يتجنب‬
‫هذا الموضوع من أجل وعظه‪.‬‬
‫الحديث عن المثليين دائمًا يسبب‬
‫مشاكل‪..‬‬
‫‪ -‬ومع ذلك‪ ،‬أنت الذي أرسلت لي‬
‫الفيديو‪ ،‬الحظ والدي‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬اعترفت أجا‬
‫مبين ‪ ،‬وهي تنظر إلي بنظرة محرجة‬
‫قليًال‪ .‬أختك غير الشقيقة أرسلتها لي‪.‬‬
‫حتى أنها وصلت إلى كندا! لقد أظهرت‬
‫ذلك لوالدك‪ .‬نديسان … هذا الرجل‬
‫المسكين … ارتعد لحمي عندما رأيت‬
‫جسده يخرج من القبر …‬
‫ال إله ‪ ..‬جثة‪ ..‬لقد رأى ملك‬
‫الموت بال شك‪ ،‬ونقل من مثواه‬
‫األخير‪ .‬لم أنم طوال الليل‪ ،‬اسأل‬
‫والدك‪...‬‬
‫‪ -‬يدعي أننا ال ينبغي أن نشعر‬
‫باألسف عليه‪.‬‬
‫‪ -‬آه جيدة ؟ هل قلت ذلك يا‬
‫مجموت ؟ ( التفتت إلى والدي‪ ).‬هذا‬
‫يفاجئني‪ .‬إذا لم نتمكن من الشعور‬
‫باألسف عليه‪ ،‬فماذا بقي؟‬
‫إلى جانب الشفقة‪ ،‬ماذا؟ هؤالء‬
‫الناس‪( ...‬نظرت إلي مرة أخرى‪ ).‬لقد‬
‫تحدثت مع والدك عن ذلك‪ ...‬أعتقد‬
‫أنهم مرضى‪ .‬علينا أن نعالجهم‪ ...‬لدي‬
‫صديقة لديها أخت ابنها هكذا‪ ،‬لكنها‬
‫أخذته لرؤية معالج حسن السمعة‪،‬‬
‫ومنذ ذلك الحين عاد إلى طبيعته‪ .‬هو‬
‫عنده‬
‫تزوج زوجة ولديه أطفال‪ .‬حتى‬
‫أنه يبدو أنه يستعد ألخذ ‪ .ñareel1‬لقد‬
‫ابتعد تماًم ا عن الطريق الخطأ‪ ،‬وتركته‬
‫شياطينه وشأنه‪ .‬ولهذا أقول أنهم‬
‫مرضى‪..‬‬
‫الفقراء ما اختاروا‪ ...‬مش كلهم‬
‫طبعا‪ .‬هناك من يفعل هذه األشياء‪..‬‬
‫‪ -‬اي واحدة؟‬
‫– أنت تعرف جيًد ا يا نديني ‪ ،‬أنت‬
‫تعرف جيًد ا ما هي األشياء‪ .‬وهناك من‬
‫يفعلها من أجل المتعة أو االستفزاز أو‬
‫ألنه يحبها حًقا سبحان هللا ‪ .‬يفعلون‬
‫ذلك لتقليد األشخاص البيض‪ .‬إنهم ال‬
‫يعرفون أن ما يصلح لألشخاص‬
‫البيض هناك‪ ،‬ال يمكن أن ينجح هنا‬
‫بالنسبة لنا‪ .‬لدينا تقاليدنا وثقافتنا‪...‬‬
‫ويجب أال نقلد‪ .‬أعتقد حقًا أن أغلبهم‬
‫مرض‪ ...‬يجب إرسالهم إلى‬
‫المستشفى‪ ،‬أو إلى المرابطين‪...‬‬
‫– إنهم ليسوا مرضى‪ ،‬تدخل‬
‫والدي ببطء وبصوت أجش‪.‬‬
‫فكيف ضربهم هللا بمرض يكون‬
‫معصية؟ فهل سيجعلهم مذنبين بذنب‬
‫ليسوا مسؤولين عنه؟‬
‫خطأ من أصل إلهي‪ ،‬استفيروال ‪،‬‬
‫ال يمكن تصوره‪ .‬هذا كله اختيار‬
‫واعي‪ .‬هؤالء الرجال ليسوا مرضى‪.‬‬
‫إن القول بأنهم مريضون ‪ ،‬يا مبيني ‪،‬‬
‫سيكون بمثابة القول بأن هللا هو أصل‬
‫المثلية الجنسية‪...‬‬
‫– استفار هللا ‪ ،‬ال تجعلني أكفر‪ ،‬لم‬
‫أقل ذلك أبًد ا يا مجموت !‬
‫‪ -‬آه‪ ،‬كما ترى! يجب أن نعطيهم‬
‫المسؤولية واالختيار‪ .‬ما أؤمن به هو‬
‫أن هؤالء هم األشخاص الذين ضلوا‬
‫طريقهم‪ ،‬وفقدوا إيمانهم وثقافتهم‪ .‬إنهم‬
‫يقلدون أشياء سيئة‪ ،‬وهي ليست من‬
‫هنا‪.‬‬
‫حقًا‪ ،‬إنهم ليسوا من هنا‪ .‬وهذه‬
‫واحدة من الخطايا الكثيرة التي جلبها‬
‫الرجل األبيض‪.‬‬
‫‪ -‬هذا صحيح‪ ،‬قال أجا مبين ‪ ،‬هذا‬
‫ما قلته‪.‬‬
‫ساد صمت جديد‪ ،‬تبلورت خالله‬
‫أفكاري حول كل ما ذكرناه للتو في‬
‫سؤال أردت تجنب طرحه على والدي‬
‫وأجا مبين بهذه الطريقة الخام‪ .‬بكل‬
‫بساطة‪ ،‬كنت أعلم أن هذا السؤال‬
‫سيجعل والدي وأجا مبين غير‬
‫مرتاحين‪ .‬سيجبرهم ذلك على ترك‬
‫مجال العموميات المبتذلة واالنخراط‬
‫بشكل كامل في تفكير حقيقي وغير‬
‫مريح ومؤلم ودقيق‪ .‬ومن شأن ذلك أن‬
‫يجبرهم على االنتقال من الرأي‬
‫العالمي إلى االلتزام الشخصي الذي‬
‫من شأنه أن يهز راحة البال‪ .‬لم‬
‫ألومهم‪ :‬لقد كانوا أبعد ما يكونون عن‬
‫كونهم الوحيدين‪ ،‬في هذا المجتمع‪،‬‬
‫المقتنعين بالتفكير في ذلك الوقت‬
‫أنهم أعلنوا فقط آراء غامضة دون‬
‫خطر على عقولهم‪.‬‬
‫معظم الناس عبروا عن آراء‬
‫خارجة عن أنفسهم‪ ،‬في أمور لم‬
‫تلزمهم بأي شيء أو أي شيء‪ .‬لقد‬
‫تحدثوا دون نتيجة‪ .‬وهذا ما سمح لهم‬
‫أن يقولوا كل الغباء المحتمل مع‬
‫اإلفالت من العقاب‪ ،‬حتى دون أن‬
‫يدركوا ذلك ‪.‬ال شيء أسهل‪ .‬إن أدنى‬
‫األحمق قادر على إعطاء رأي سطحي‬
‫في موضوع غريب عنه‪ .‬اآلن علينا أن‬
‫نتحدث عن األشياء‪ ،‬أعني عن باطن‬
‫األشياء‪ ،‬عن هذا الباطن الخطير‬
‫المجهول‪ ،‬الذي ال يغفر أي حماقة‪ ،‬أو‬
‫أي غباء‪ ،‬مثل حقل ألغام‪...‬‬
‫– لو كان لديك طفل من الغور‬
‫جيجيان ‪ ،‬ماذا كنت ستفعل؟‬
‫تفضل‪ ،‬لم أتمكن من تذكر‬
‫السؤال‪ .‬لقد انزلقت من ذهني ومن‬
‫شفتي‪ .‬نظر إلّي أجا مبين بعينين‬
‫خائفتين‪ ،‬وأنزلهما على الفور‪.‬‬
‫أحسست أنها ال تريد الرد أمام زوجها‪.‬‬
‫كان األمر متروًك ا له للتحدث علًنا عن‬
‫مثل هذه القضية الخطيرة‪.‬‬
‫لم يتحرك والدي في كرسيه‬
‫الكبير‪ ،‬لكنني أحسست بالرعشة‬
‫العميقة التي سيطرت عليه‪ ،‬وهي‬
‫رعشة ظهر فجأة على صدغه األيمن‪،‬‬
‫على شكل حرف ‪ ،T‬وقد كشفت عن‬
‫ذلك‪.‬‬
‫الصمت األبدي‪ .‬اشتعلت عيناه‬
‫بغضب لم أره منذ فترة طويلة‪ .‬سقط‬
‫صوته مثل عاصفة معدنية‪.‬‬
‫‪ -‬سؤالك يبدو وكأنه إهانة‪ .‬ليس‬
‫لدي طفل من ‪. Góor-Jigean‬‬
‫وحتى لو كان لدي واحدة ‪...‬‬
‫فصمت وكأنه ال يعرف ماذا يقول‬
‫بعد ذلك‪ .‬بعض الثواني‪ .‬وينتهي‬
‫بمواصلة‪:‬‬
‫‪ -‬لو كان لدي واحد‪ ،‬لكان ذلك‬
‫خطأي‪ :‬لفشلت في تعليمه‪ ،‬وفي جعله‬
‫رجًال حقيقيًا ومسلمًا صالحًا‪.‬‬
‫– نعم‪ ،‬ولكنك لم تخبرني بعد بما‬
‫كنت ستفعله يا أبي‪ .‬وهذا ما أريد أن‬
‫أعرفه‪ :‬ما الذي كنت ستفعله‪ .‬ماذا كنت‬
‫ستفعل معه‪.‬‬
‫كيف كان رد فعلك‪.‬‬
‫كنت أعرف أنني قد ذهبت بعيدا‬
‫جدا‪ ،‬ولكن تم طرح السؤال‪ .‬أردت‬
‫إجابة‪ .‬لم أستطع تحمل ذلك إذا لم‬
‫يعطوني إياه‪.‬‬
‫‪ -‬نديني ‪ ،‬أنت وقحة ‪.‬ال يمكنك‬
‫استجواب والدك من هذا القبيل‪ .‬ليس‬
‫لدي أي سبب‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬للنظر في‬
‫مثل هذه الفرضية البعيدة المنال‪ .‬لكن‬
‫إذا أصررت‪ ،‬بفضولك في غير محله‪،‬‬
‫سأقول لك‪ :‬لو كان لدي طفل من الغور‬
‫جيجيان ‪ ،‬فلن يكون طفلي بعد اآلن‪.‬‬
‫‪ -‬كيف هذا ؟‬
‫‪ -‬لكن األمر واضح‪ :‬سأنكره‪.‬‬
‫بهذه الكلمات‪ ،‬بصوت أكثر قسوة‪،‬‬
‫نهض والدي وذهب إلى غرفته‪.‬‬
‫نظرت إلّي أجا مبين بدورها‪ ،‬كما لو‬
‫أنها شعرت اآلن بأنه يحق لها التحدث‪.‬‬
‫– نحن ال نسأل هذا النوع من‬
‫األسئلة‪ .‬أنت تعرف والدك‪ .‬في‬
‫مواضيع معينة‪...‬‬
‫‪ -‬و أنت ؟‬
‫‪ -‬ماذا أنا ؟‬
‫‪ -‬لو كان لديك طفل مثلي الجنس‪..‬‬
‫– ماذا تريد مني أن أقول لك‪،‬‬
‫نديني ؟ خفضت صوتها قليًال‪ ،‬كما لو‬
‫كانت خائفة من أن يسمعها والدي‪.‬‬
‫الطفل هبة من هللا‪.‬‬
‫بالنسبة لي‪ ،‬الطفل هو طفل‪ .‬ما‬
‫الذي يمكنني فعله سوى أن أحبه‪ ،‬حتى‬
‫لو كان مختلًفا أو مريًض ا؟ كنت سأدعو‬
‫هللا ليل نهار أن يشفي طفلي‪ ،‬لكني‬
‫كنت سأحبه‪ .‬لو لم أكن أنا أمه أحبه‪،‬‬
‫فمن كان سيحبه؟ نديني ‪ ،‬والدك على‬
‫حق‪ .‬يجب أن ال تسأل هذه األسئلة‪.‬‬
‫اعتذر قبل أن تغادر‪ ،‬وإال فسوف‬
‫يقع علّي ‪.‬‬
‫خرج والدي من غرفته بعد ساعة‪.‬‬
‫أستطيع أن أرى أنه كان يكافح من أجل‬
‫استعادة بعض الهدوء‪ .‬لقد خسر‪ .‬ظلت‬
‫آثار غضبه القريب واضحة على‬
‫وجهه‪ ،‬في انقباض طفيف في فكه‪ .‬لم‬
‫أكن قد فتحت فمي بعد عندما بدأ‪:‬‬
‫‪ -‬أنا أعرف ما كنت أفكر‪ .‬قد‬
‫تعتبرونني كارًها للمثليين‪ ،‬كما يقول‬
‫المثقفون‪ ،‬أنتم مثاًل ‪ ،‬األشخاص الذين‬
‫يؤيدون أن يتمتع كل شخص بحقوقه‪.‬‬
‫ال تنكر ذلك‪ ،‬أعلم أنك أصبحت واحًد ا‬
‫منهم منذ عودتك من فرنسا‪ .‬لهذا‬
‫السبب‪ ،‬على عكس والدتك‪ ،‬لم أرغب‬
‫في رحيلك‪ .‬لكنني لست معادًيا‬
‫للمثليين‪ .‬أو ربما أنا كذلك‪ .‬كل هذا‬
‫يتوقف على ما تضعه خلف هذه‬
‫الكلمة‪ .‬أنا ال أكره هؤالء األشخاص‪،‬‬
‫وال أريدهم أن يموتوا‪ ،‬لكنني ال أريد‬
‫أن يعتبر ما يفعلونه وما هم عليه أمًرا‬
‫طبيعًيا في هذا البلد‪ .‬إذا كان هذا هو‬
‫معنى رهاب المثلية الجنسية‪ ،‬فأنا‬
‫أفترض أنني كذلك‪ .‬ولكل دولة القيم‬
‫التي بنيت عليها‪ .‬قيمنا ليست تلك‪ .‬بكل‬
‫بساطة ‪.‬ال يمكننا أن نقبلها كشيء تافه‪،‬‬
‫سيكون ذلك بداية موتنا‪ ،‬وخيانة‬
‫ألسالفنا وآباءنا الروحيين‪ .‬واألسوأ‬
‫من ذلك‪ :‬خيانة هللا‪ .‬بالنسبة لي‪ ،‬األمر‬
‫واضح‪ :‬إذا كانت أقلية تهدد تماسك‬
‫مجتمعنا ونظامه األخالقي‪ ،‬فيجب أن‬
‫تختفي‪ .‬على األقل يجب إسكاتها بكل‬
‫الوسائل‪ .‬قد يبدو األمر قاسًيا وغير‬
‫إنساني بالنسبة لك‪ ،‬لكن ال يوجد شيء‬
‫أكثر إنسانية يا نديني ‪ .‬قم بإزالة من‬
‫يعترض طريقك‪ ،‬باستخدام العنف إذا‬
‫لزم األمر‪ ،‬لحماية أكبر عدد ممكن من‬
‫األشخاص والحفاظ على حقوقهم‬
‫التماسك‪ ،‬ال يوجد شيء أكثر‬
‫إنسانية‪ .‬إنها تقريًبا غريزة الحفاظ على‬
‫الذات‪ ،‬من أجل البقاء‪ .‬وأكرر‪ :‬كان‬
‫إخراج هذا الرجل من المقبرة هو‬
‫الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله ‪.‬ال‬
‫يمكن للمرء أن يكون غور جيجيان‬
‫هنا‪ ،‬في هذه األرض التي عاش فيها‬
‫العديد من القديسين‪ ،‬ويدعي أنه دفن‬
‫في مقبرة إسالمية‪ .‬إنه أمر ال يمكن‬
‫تصوره ‪.‬ال يمكن تصوره‪ .‬كنت سأفعل‬
‫نفس الشيء في مكان هؤالء الرجال‬
‫الذين نراهم في الفيديو‪ :‬كنت سأشّم ر‬
‫عن سواعدي‪ ،‬وكنت سأحفره‪ .‬حتى لو‬
‫كان ابني‪ .‬بعبارة أخرى…‬
‫نظر في عيني بثبات‪ ،‬كما لو أنه‬
‫يريد أن يقدم لي دليًال قاطًعا على‬
‫إدانته‪ .‬لم يكن هناك شك اآلن‪ :‬كان‬
‫والدي بصدد الكشف عن حقيقته‬
‫الداخلية‪ .‬لقد ترك مجال العموميات‬
‫ليدخل في نفسه‪ ،‬ويواجه نفسه‪،‬‬
‫ويفحص نفسه‪ ،‬ويكتشف ويقول ما‬
‫يعتقده حًقا‪ .‬لقد كلفه هذا العمل الكثير‪،‬‬
‫وكنت أحترم شجاعته‪ ،‬ألن التعبير عن‬
‫رأيك يتطلب شجاعة‪ ،‬حتى البنك‪ .‬لقد‬
‫تصلب فكه‪ .‬تبدد نبلها‪ .‬وفي معبده‪،‬‬
‫تحول حرف ‪ T‬إلى حرف غير موجود‬
‫في األبجدية الالتينية‪ ،‬وهو نوع من‬
‫األيديوجرام الصيني المعقد‪ .‬لقد وضع‬
‫عالمة على وجهه مثل الختم الشرير‪.‬‬
‫وتابع والدي بصوت مخنوق‪ ،‬ولكن‬
‫دون ضعف‪:‬‬
‫– بمعنى آخر‪ ،‬نديني ‪ ،‬لو كنت‬
‫أنت الذي كنت تحت األرض‪ ،‬وُد فنت‬
‫في هذه المقبرة‪ ،‬وكنت على يقين من‬
‫مثليتك الجنسية‪ ،‬لكنت قد نبشتك‪ .‬كنت‬
‫سأحفرك دون تردد‪ ،‬بدون مجرفة أو‬
‫معول‪ ...‬بيدي‪.‬‬
‫أظهر لي كلتا يديه‪ .‬رأيت أنهم‬
‫كانوا يرتجفون قليال‪.‬‬
‫عاد والدي إلى غرفته دون أن‬
‫يقول أي شيء آخر‪ .‬قلت وداعا ألجا‬
‫مبيني وغادرت‪.‬‬
‫‪ .1‬الزوجة الثانية‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫وفي األيام التالية‪ ،‬بحثت عن كل‬
‫عذر ممكن لرؤية راما مرة أخرى‪.‬‬
‫كنت أعلم أنها لن تقبل بهذه السهولة‪،‬‬
‫وكان علّي أن أمتلك حجًج ا قوية‪ .‬كان‬
‫غضبها فظيًعا وعنيًد ا وطوياًل ‪ ،‬وهو‬
‫غضب امرأة مستقلة وحرة ال تدين‬
‫بشيء لرجل‪ ،‬وال حتى لجنسها‪ .‬لقد‬
‫كانت مزيًج ا من التجرد والعاطفة التي‬
‫كانت تقتضي اإلعجاب‪ ،‬ثم الرغبة‬
‫حتمًا‪ .‬استغرق األمر بضع دقائق فقط‬
‫لتفهم أنها لن تتعلق بك أبًد ا‪ ،‬لكنها يمكن‬
‫أن تحبك أكثر مما كنت تحلم به خالل‬
‫الوقت الذي كنت فيه معها‪ .‬قديسة‬
‫عظيمة ومتحررة عظيمة‪ ...‬برية‬
‫وأم‪ ...‬ظهرت عندما أرادت‪ ،‬وغادرت‬
‫عندما أرادت‪ .‬لقد وجدتها بعيدة المنال‬
‫ومع ذلك مهووسة جًد ا‪ ،‬في التقليد‬
‫العظيم للعشيقات الحقيقيات‪.‬‬
‫من وجهه‪ ،‬من بين كل التفاصيل‬
‫التي كانت ستستنفد ألف معطف من‬
‫األسلحة دون أن تستعيد بهاءها‪ ،‬هذا‬
‫الوجه الذي يمكن للمرء أن يسمح‬
‫لنفسه بالنظر إليه لفترة طويلة دون‬
‫خوف من إرهاقه‪ ،‬لذلك‪ ،‬من وجهه‪،‬‬
‫فضلت الفم‪ ،‬الفم الكبير الكبير‪ ،‬ذو‬
‫الشفتين غير المشبعتين إلى األبد‪،‬‬
‫والذي كان يكفيني أن أفصل شفتي‬
‫عنه‪ ،‬ليسيطر علي على الفور شعور‬
‫عنيف بالنقص‪ ،‬كما لو أنهم نقلوا إلي‬
‫عطشهم للتقبيل‪ .‬أو التقبيل دائما ‪ .‬لقد‬
‫سمحت لي بتقبيلها بحماس‪ .‬أعتقد أنه‬
‫كان يسليه قليًال‪ .‬في كل مرة ألقيت‬
‫نفسي على شفتيه بالطموح‪ ،‬أو حتى‬
‫في أيام الكبرياء المجنون‪ ،‬باليقين‬
‫بإطفاء النار‪ ،‬رسم راما‪ ،‬وأنا أمد‬
‫وجهي نحوه‪ ،‬ابتسامة رقيقة وساخرة‪.‬‬
‫كان من الممكن أن يرسلها أحد‬
‫التخمين إلى مرشحة ال تزال تحاول‪،‬‬
‫بعد ساعات من الفشل‪ ،‬حل أحد‬
‫ألغازها‪.‬‬
‫ولكن كان هناك ما هو أكثر‬
‫غموضا من فمه‪ .‬كان هناك شعرها‪ ،‬أو‬
‫باألحرى شعرها‪ :‬كتلة سوداء ثقيلة من‬
‫المجدل الطويل الذي كانت أطرافه‬
‫تسطح المنحنى عند قاعدة أردافها‪ .‬كان‬
‫هذا الشعر لغزا عميقا بالنسبة لي‪ .‬لقد‬
‫كان مهووًسا بي أكثر من الفم غير‬
‫المشبع لسبب بسيط جًد ا‪ :‬لقد منعني‬
‫راما من لمسه‪ .‬ألي سبب بالضبط؟ لم‬
‫أكن أعرف ذلك‪ .‬لقد رفضت لي أي‬
‫تفسير‪ .‬كانت تغضب في كل مرة‬
‫أردت فيها أن آخذ ذلك الشعر‪ ،‬وأأخذ‬
‫ضفيرة منه ألتحسسه‪ ،‬وأزنه‪،‬‬
‫وأعضه‪ .‬يبدو أن سًر ا يكمن في قلب‬
‫هذا الشعر الكثيف والثقيل‪ .‬كنت‬
‫مقتنًعا‪ ،‬مثل بعض ملوكنا القدماء‪ ،‬أو‬
‫مثل شمشون‪ ،‬مقر قوة راما‪ ،‬أن مفتاح‬
‫سرها مخفي في هذه الغابة‪ ،‬وأنني‬
‫يجب أن أضع يدي هناك‪ ،‬وأنني‬
‫سأغمر كياني بالكامل في هذه الغابة‪.‬‬
‫إذا أردت امتالكها بالكامل‪ .‬حاولت‪،‬‬
‫لكنها أوقفتني‪.‬‬
‫قبلت أنني داعبتها خلسة‪ ،‬وأنني‬
‫لمست سطحها‪ ،‬لكن كان يكفي أنني‬
‫أردت أن أبقي يدي هناك‪ ،‬وأنني أردت‬
‫أن أمسكها وأشعر بملمسها الكامل‪،‬‬
‫حتى توقفني فجأة‪.‬‬
‫حتى عندما نمنا مًعا‪ ،‬رفضت‬
‫السماح لي بلمس شعرها بإصرار‬
‫شديد‪ .‬أستطيع أن أشمهم‪ .‬أستطيع أن‬
‫أضع شفتي هناك‪ .‬لكن أمسكهم بقوة‪،‬‬
‫أبًد ا‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬كنت قد حاولت‬
‫بالفعل استغالل نومه الكتشاف سره‬
‫وربما سرقته‪.‬‬
‫لكن كما لو كان هذا الجزء هو‬
‫األكثر عصبية وحساسية في جسده‪،‬‬
‫كان راما يستيقظ مذعوًر ا بمجرد أن‬
‫ألمس شعره أو أقرب يدي منه‪ .‬المرة‬
‫الوحيدة التي سمحت لي فيها بإمساك‬
‫شعرها كانت عندما كنا نمارس الحب‪.‬‬
‫لكن هذا لم يكن مهما‪ :‬أثناء‬
‫ممارسة الحب‪ ،‬كنت أفتقر إلى‬
‫الوضوح‪ .‬لقد أعمتني المتعة التي‬
‫منحتها لي راما كثيًر ا لدرجة أنني لم‬
‫أتمكن من رؤية سر هذه الضفائر‬
‫السوداء الكبيرة بوضوح‪ .‬لكن هذا تم‬
‫اكتشافه وكشفه‪ ،‬لكن متعتي غطته‬
‫بنوع من الحجاب الذي أبعدني عنه‪.‬‬
‫ومن هنا كان العطش الذي اضطررت‬
‫إلى ممارسة الحب معه‪ ،‬مراًرا‬
‫وتكراًر ا‪ ،‬واعًد ا نفسي في كل مرة‬
‫بالحفاظ على حضور ذهني كاٍف أثناء‬
‫احتضاننا ألرى أخيًر ا ما كان هناك‪.‬‬
‫لكن المتعة كانت تغمرني دائًم ا في‬
‫اللحظة الحاسمة ولم أر شيًئا أبًد ا‪ .‬ظل‬
‫شعر راما ثمرة محرمة‪ ،‬وال شك أن‬
‫هذه الفكرة قد أسعدتني سًر ا‪ .‬أعجبتني‬
‫فكرة أن شيًئا ما عنها كان يراوغني‬
‫دائًم ا‪ .‬فمها‪ ...‬شعرها‪ ...‬أعجبتني فكرة‬
‫أنها كانت أكثر من مجرد لغز بالنسبة‬
‫لي‪ :‬إدمان قوي‪ ،‬مخدر قوي‪ ،‬سم‬
‫ثعبان‪ .‬مرضي وعالجي‪.‬‬
‫لم أعرف أحدًا يعرف كيف يجعلك‬
‫تشعر بأنك مفهوم ومستمع مثلها‪ .‬لقد‬
‫غادرنا اجتماعنا دون أوهام بشأن‬
‫البشر‪ ،‬ولكن‪ ،‬على نحو متناقض‪،‬‬
‫بإيمان متجدد‪ ،‬ولو مؤقًتا‪ ،‬باإلنسانية‪.‬‬
‫بعض القصص التي روتها لي عن‬
‫تجربتها أو رؤيتها لم تترك مجااًل‬
‫كبيًر ا لألمل أو اللطف‪ .‬لكن البساطة‬
‫الهادئة التي بذلت بها قصارى جهدها‬
‫حتى ال تسوء كل يوم كانت مثيرة‬
‫لإلعجاب‪ .‬لم تكن ساذجة‪ .‬على العكس‬
‫من ذلك‪ ،‬أعطتني انطباًع ا بأنها وصلت‬
‫إلى درجة عالية من الوضوح‪ :‬كانت‬
‫تعرف تماًم ا نقاط قوتها وحدودها‪،‬‬
‫وجزءها من الضوء وجزءها من‬
‫الظل‪ .‬هذا االفتراض الكامل لروحها‬
‫قدم لها رفاهية إنسانية نادرة‪ :‬القدرة‬
‫على إلقاء اللوم على نفسها فقط مهما‬
‫حدث‪ .‬لقد كانت قانونها الخاص‬
‫وتعديها‪.‬‬
‫كانت تعمل في منتصف الليل‪ .‬لم‬
‫أكن أعرف أبًد ا بأي صفة‪ ،‬وقد مضى‬
‫وقت طويل منذ أن أردت أن أعرف‪،‬‬
‫ألن هذا الجهل كان حجر األساس‬
‫للعديد من األوهام‪ .‬حلمت بها تتألق في‬
‫العالم السفلي والعالم الدنيء والمخيف‬
‫والمغري لفاسقي برجوازية داكار‬
‫المنغمسين‪ ،‬وسط فيضانات الكحول‬
‫والمال والبول والقذارة‪ ،‬في ممارسات‬
‫ال يمكن تصورها‪ .‬الذي كان بالنسبة‬
‫لي جاذبية الغرابة الوحشية والقوية‪.‬‬
‫لقد كنا نتواعد لمدة أربع سنوات‪.‬‬
‫التقيت بها في الوقت الذي‪ ،‬بعد أن‬
‫تخليت عن أحالمي البطولية في‬
‫إصالح الجامعة‪ ،‬أمضيت ليالي في‬
‫التجول في الحانات وبيوت الدعارة‪،‬‬
‫لتجربة الشعر بدال من قراءته والتعليق‬
‫عليه‪ .‬التقيت به في ملهى ليلي‪ .‬كانت‬
‫هي التي اقتربت مني ودعتني للرقص‪.‬‬
‫بينما كنا نرقص‪ ،‬بينما كانت تخبرني‬
‫أنها معجبة بي‪ ،‬أمسكت بخصيتي‬
‫بمزيج من الحزم والحنان مما جعلني‬
‫أضحك بمزيج من المتعة واأللم‪ .‬شعر‬
‫أخيرًا‪..‬‬
‫منذ ذلك اليوم‪ ،‬رأينا بعضنا‬
‫البعض بانتظام‪ .‬ولم تكن مجرد معرفة‬
‫جسدية‪ .‬ومن خالل االتصال به‬
‫استعدت النبرة الفكرية‪ ،‬وحتى‬
‫الروحية‪ ،‬التي لم تعد الجامعة تقدمها‬
‫لي‪ .‬لم تكن حاصلة على البكالوريا‪،‬‬
‫ومع ذلك شعرت بغباء يبعث على‬
‫السخرية من حولها‪.‬‬
‫لم أفكر قط في الدخول في عالقة‬
‫مع راما‪ .‬فقط في السرير‪ .‬عالوة على‬
‫ذلك‪ ،‬فهي لم تكن تريد أبًد ا أن نكون‬
‫سوى عشاق عابرين‪ ،‬وكان ذلك‬
‫أفضل بكثير‪ .‬ثنائية الميول الجنسية‪ ،‬لم‬
‫تكن ترغب في التخلي عن الرجال أو‬
‫النساء‪ ،‬الذين كانت تعتز بهم أيًضا‬
‫بحب قوي‪ .‬لم أكن أشعر بالغيرة من‬
‫فكرة أنني لست حبيبته الوحيدة‪.‬‬
‫على العكس من ذلك‪ ،‬كنت أعتبر‬
‫نفسي تجربة في حد ذاتها‪ ،‬بصفاتي‪،‬‬
‫وما أملكه فريًد ا مقارنة باآلخرين‪،‬‬
‫والذي جلبته إليه‪ .‬كنت أعلم أنها تحب‬
‫في داخلي أشياء كثيرة لم تجدها في أي‬
‫مكان آخر‪ ،‬وأن هذه الشخصية الفريدة‬
‫لكل من عشاقها‪ ،‬ولكل من عشيقاتها‪،‬‬
‫هي على وجه التحديد ما سحرها‪.‬‬
‫رفض راما التخلي عن أنواع‬
‫المتعة التي ال حصر لها‪ ،‬وكان مثل‬
‫طفل يتعجب من الفروق الدقيقة العديدة‬
‫فيها‪ .‬لم يكن أي شيء في سعيه للمتعة‬
‫والسعادة مبتذًال‪ .‬لقد شاركته مع‬
‫اآلخرين عن طيب خاطر‪ ،‬ألنه‬
‫كّر سني بخصوصية ثروتي‪ .‬مذهب‬
‫المتعة‪ .‬نعم‪ ،‬هذا كل شيء‪ :‬لقد كانت‬
‫من محبي المتعة‪ .‬لم تكن في سعي‬
‫محموم وأناني من أجل المتعة‪ ،‬بل‬
‫عاشت في عالقة مع العالم حيث سيتم‬
‫تقاسم المتعة‪ ،‬بحرية كاملة‪.‬‬
‫انتهى بي األمر باالتصال به‪ ،‬وأنا‬
‫مصمم على التحدث معه‪ .‬ولم يكن‬
‫صوته أقل برودة‪ .‬تلعثمت للحظات‪،‬‬
‫مرتبًك ا‪ ،‬خائًفا‪ ،‬وسيطر علّي التنفس‬
‫تماًم ا على الطرف اآلخر من الخط‪ .‬ثم‬
‫اعترفت لها بأنني أفتقدها‪.‬‬
‫أخبرتني أنه إذا كان هذا هو كل ما‬
‫يجب أن أقوله‪ ،‬فيجب عليها العودة إلى‬
‫العمل‪ .‬سألتها إذا كان يمكنها أن ترسل‬
‫لي الفيديو‪.‬‬
‫‪ -‬الشخص الذي ال تعرف ماذا‬
‫تفكر فيه؟‬
‫‪ -‬الشخص الذي لم أكن أعرف‬
‫ماذا أفكر فيه‪.‬‬
‫‪ -‬ألنك تعلم اآلن؟‬
‫‪-‬ال‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا تتصل بي إذن؟‬
‫‪ -‬ألنني أريد أن أعرف‪ .‬يجب أن‬
‫أراها مرة أخرى ‪.‬ال أستطيع العثور‬
‫عليه على شبكة اإلنترنت‪.‬‬
‫‪ -‬طبيعي‪ .‬وتضمن الحكومة عدم‬
‫ظهوره هناك‪ .‬موجود فقط في الهواتف‬
‫سوف أرسله لك‪.‬‬
‫أغلقت الخط‪ ،‬وبعد دقائق قليلة‪،‬‬
‫تلقيت الفيديو عبر تطبيق‬
‫‪ . Whatsapp‬لم أكذب عندما قلت‬
‫أنها شغلت أفكاري في األيام القليلة‬
‫الماضية‪ .‬لقد أعادتني وعظات والدي‬
‫إليها ‪ ،‬والحديث الذي دار بيننا عنها‬
‫فرضها في ذهني‪.‬‬
‫وجدت نفسي‪ ،‬في منتصف‬
‫التحضير للفصل الدراسي‪ ،‬أفكر في‬
‫الجمهور‪ ،‬والتنفس‪ ،‬واللهاث‪،‬‬
‫والرجلين العضليين اللذين يمارسان‬
‫تمريًنا كامًال‪ ،‬وجسديهما يتألألان‬
‫بالعرق‪ .‬فكرت في القبر المفتوح في‬
‫األرض كجنس‪ ،‬جنس ال يخرج منه‪،‬‬
‫بالمعنى الحرفي والمجازي‪ ،‬إال الموت‬
‫‪.‬‬
‫لم أر الصور منذ أن عرضها علي‬
‫راما في المساء‪ ،‬لكنها عادت إلّي في‬
‫لحظات معينة‪ ،‬بوضوح لدرجة أنها‬
‫بدت وكأنها تم إسقاطها مباشرة على‬
‫جدران ذهني‪ .‬لقد حدث ذلك‬
‫أسمع صوت سقوط الجسد على‬
‫األرض وسط الغبار‪ .‬كان بياض‬
‫البيركال يعميني أحياًنا في ومضة‬
‫مؤلمة أثناء القراءة‪ .‬التفاصيل التي لم‬
‫أالحظها في المرة األولى ظهرت لي‪.‬‬
‫لقد شككت في حقيقتها‪ ،‬وانتهى بي‬
‫األمر بالتساؤل عما إذا كانت ذاكرتي‬
‫هي التي كانت تخدعني‪ ،‬وتلقي ضوًء ا‬
‫قاسًيا على أشياء معينة كان من‬
‫المفترض‪ ،‬عادًة‪ ،‬أن تبدأ في الغرق في‬
‫ضباب ذاكرتي‪.‬‬
‫خالل اليومين الماضيين‪ ،‬على‬
‫سبيل المثال‪ ،‬طاردتني تفصيلتان‪.‬‬
‫األول كان وجه الرجل المحفور‪ ،‬الذي‬
‫يبدو أنني لم أره في الفيديو‪ ،‬لكن‬
‫مالمحه‪ ،‬دون أن أتمكن من تفسيرها‪،‬‬
‫تبلورت تدريجيًا في رأسي‪ ،‬ببطء‬
‫ولكن أكثر فأكثر دقة‪ ،‬كما في هذه‬
‫األلغاز‪ ،‬خالل بعض األلعاب‬
‫التلفزيونية‪ ،‬حيث يتم الكشف عن وجه‬
‫غامض‪ ،‬تدريجًيا‪ ،‬عن طريق طرح‬
‫األشرطة السوداء التي أخفته في‬
‫البداية‪ ،‬للمرشحين الذين يجب عليهم‬
‫التعرف عليه‪ .‬أحسست وكأن وجه‬
‫الرجل المكشوف قد خرج من ظلمة‬
‫وعيي مثل وجه الغريق من أعماق‬
‫المستنقع‪ .‬كان ذا مالمح خشنة‪ ،‬قبيحة‪،‬‬
‫ثقيلة‪ ،‬من تلك الوجوه الجاحدة والبشعة‬
‫التي ال ينسبها المرء إال إلى الشيطان‬
‫ويتمنى ذلك‪ .‬لكنه في الوقت نفسه‪ ،‬مثل‬
‫الشيطان نفسه‪ ،‬كان واحدًا من تلك‬
‫الكائنات المغرية والمغرية‪ ،‬الجميلة‬
‫بقبحها الشديد‪ ،‬إذا قبلنا فكرة أن‬
‫الجمال‪ ،‬فوق كل المعايير الجمالية‪ ،‬هو‬
‫ما يبهر اإلنسان‪ ،‬حتى العين‪ ،‬وحتى‬
‫العين‪ .‬روح ‪.‬ال شيء أكثر جاذبية من‬
‫القبيح ‪ ،‬وال شيء أجمل من الشر‪.‬‬
‫النمط القديم‪ .‬فرأيت هذا الوجه المقيت‬
‫القبيح حين كف الكفن عن حمايته؛ لم‬
‫يتم رؤيته فحسب‪ ،‬بل تم النظر إليه‬
‫أيًض ا‪ ،‬كما لو كان يتوقع أن يأتي إلى‬
‫الحياة ويعبر عن شيء ما‪ ،‬أو شعور‪.‬‬
‫التفاصيل الثانية أزعجتني أكثر‪.‬‬
‫لقد كان قضيب الرجل‪ .‬لقد رأيته‪،‬‬
‫ولكن قلياًل لدرجة أنه لم يترك أي أثر‬
‫في نفسي‪ .‬اآلن‪ ،‬صورته لم تفارقني‬
‫أبًد ا‪ ،‬وكأنني التهمته بعيني لثواني‬
‫طويلة بالحركة البطيئة‪ :‬قضيب ضخم‬
‫مختون‪ ،‬برأس أملس‪ ،‬وجسم داكن‪ ،‬بل‬
‫مظلم‪ ،‬مظلم بشكل ال يصدق‪ ،‬مما‬
‫يعطي االنطباع بأنه قد ألقى ضوء‬
‫أسود عليه‪ ،‬قضيب معرق‪ ،‬منحني‬
‫قليًال إلى اليسار‪ ،‬يتدلى من صوف‬
‫سميك ومتشابك‪ .‬أكثر ما أزعجني ليس‬
‫حجم هذا القضيب‪ ،‬وال حتى أنه ظهر‬
‫لي بهذه القوة‪ .‬أكثر ما أزعجني‪،‬‬
‫وأقنعني أن هذه الصور مجرد هلوسة‪،‬‬
‫هو أن هذا الديك كان في غاية القوة‪.‬‬
‫كانت صعبة‪ .‬لكن الموتى ال يصبحون‬
‫قاسيين‪ ،‬على حد علمي‪ .‬ولتفسير هذا‬
‫االنتصاب‪ ،‬اخترعت فرضيات بعيدة‬
‫المنال أو تجديفية –‬
‫تخيلت أنه بمجرد دفنهم‪ ،‬يتم إحياء‬
‫الموتى‪ ،‬ممتلئين بالرغبة المشتعلة‪،‬‬
‫وعلى استعداد لتحمل أي شيء يأتي‬
‫في طريقهم‪ :‬الموتى اآلخرين‪،‬‬
‫والمالئكة‪ ،‬والرسل‪ ،‬والكاروبيم‪،‬‬
‫والعذارى الذين لن يعودوا عذارى‬
‫قريًبا‪ .‬أيها القديسون المرسلون أيها‬
‫الشيطان‪ ...‬كل هذا مما جعلني أضحك‬
‫كثيرًا وأرتجف من لذة غامضة‪ .‬هل‬
‫كان السبب في ذلك هو شعور المراهق‬
‫باالستسالم ألفكار ال توصف‪ ،‬أم‬
‫بسبب الجنون الذي كان ينتظرني؟‬
‫جنون‪ .‬أو الهلوسة‪ .‬لم أشاهد‬
‫الفيديو إال مرة واحدة‪ ،‬قبل أكثر من‬
‫عشرة أيام‪ ،‬في منتصف الليل‪ ،‬وأنا في‬
‫حالة سكر من المتعة الجنسية ورائحة‬
‫التبغ‪ .‬لم أفهم‪ ،‬حتى لو كان الفيديو قد‬
‫ظهر عدة مرات في مناقشاتي‬
‫وأفكاري‪ ،‬حتى لو كانت هذه الجثة‬
‫المستخرجة تالحقني‪ ،‬تكاد تطاردني‪،‬‬
‫لم أفهم كيف تمكنت من رؤية الوجه‬
‫واألعضاء التناسلية بهذا الوضوح من‬
‫هذا الرجل‪ .‬هل كان لدي مثل هذه‬
‫القدرة العظيمة على الخيال؟ هل كنت‬
‫منزعًج ا أكثر مما كنت أعتقد بهذا‬
‫الفيديو؟ وإذا كانت هذه الصور مجرد‬
‫أوهام‪ ،‬فلماذا كانت تلك الصور‬
‫بالتحديد‪ :‬الجنس والوجه؟ لماذا ال يده؟‬
‫لماذا ال يكون معدته‪ ،‬ركبتيه‪،‬‬
‫رقبته؟ لماذا وجهه وقضيبه؟‬
‫عندما فتحت الفيديو الذي أرسله‬
‫لي راما للتو‪ ،‬لم أكن أعرف ما الذي‬
‫يمكن أن يخيفني أكثر‪ :‬هل التمثيالت‬
‫التي رسمتها لوجه الرجل وقضيبه‬
‫كانت حقيقية‪ ،‬أم أنها "ليست كذلك"‪.‬‬
‫في الحالة األولى‪ ،‬كان ذلك يعني أنني‬
‫غير قادر على نسيانهم‪ ،‬أنهم ميزوني‪،‬‬
‫أنهم يطاردونني‪ ،‬أنهم مهووسون بي‪.‬‬
‫في السيناريو الثاني‪ ،‬كان ذلك يعني‬
‫أنني أردتهم أن يشبهوا خياالتي‪ .‬على‬
‫أية حال‪ ،‬لم يكن هذا الغور جيجين‬
‫يشغل تفكيري فحسب ‪ ،‬بل بدأت أشعر‬
‫تجاهه بشيء كنت أكره أن أسميه‬
‫شعوًر ا‪ ،‬ولكنه بالتأكيد من هذا النظام‪.‬‬
‫اي شعور ؟ بدا لي السؤال غبًيا‪ ،‬وفجأة‬
‫اكتسبت كلمات أجا مبين معناها‬
‫الكامل‪" :‬هل يمكن أن يكون لدينا‬
‫شعور تجاه هؤالء األشخاص غير‬
‫الشفقة؟ »ال يمكن إال أن يكون ذلك‬
‫مجرد شفقة‪ ،‬ويجب أن يكون كذلك‪.‬‬
‫شاهدت الفيديو عشرات المرات‪،‬‬
‫حتى الغثيان‪ .‬وفي كل مرة‪ ،‬كنت أشعر‬
‫بالغثيان نفسه عندما يتم إخراج الجثة‬
‫من القبر‪ .‬لم يتم حل مسألة الوجه‬
‫والجنس بأي حال من األحوال‪ .‬لقد‬
‫أزعجني األمر أكثر من ذلك‪ ،‬وذلك‬
‫لسبب وجيه‪ :‬لم يكن وجه الفرد مرئًيا‬
‫في أي وقت من األوقات‪ ،‬وبالتالي لم‬
‫أتمكن من تفصيله (وبالتالي جاء اليقين‬
‫الغامض بأن الرجل كان له هذا‬
‫الوجه)‪ .‬أما بالنسبة للجنس‪ ،‬فقد رأيناه‬
‫لثانية واحدة فقط‪ ،‬لكن ذلك كان كافًيا‪:‬‬
‫إنه‬
‫لم يكن بالتأكيد مثيًر ا لإلعجاب‬
‫كما هو الحال في تمثيالتي‪ ،‬ولكن ليس‬
‫بعيًد ا‪ .‬أوقفت الصورة مؤقًتا وقمت‬
‫بتكبيرها‪ :‬لم يكن هناك شك في أنه كان‬
‫منتصًبا‪ .‬الحظت أيًض ا تفصياًل آخر‬
‫غاب عني أثناء مشاهدتي األولى ‪:‬ال‬
‫نرى وال نسمع أي امرأة‪.‬‬
‫وفي وقت الحق‪ ،‬اتصلت راما‬
‫مرة أخرى‪ .‬كنت أعلم أنها ستجيب‪،‬‬
‫فهي لم تنام أبًد ا في الليل‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تريد االن ؟‬
‫– أسألك شيًئا ‪ :‬هل تعرف أين‬
‫وقع المشهد الذي تم تصويره في‬
‫الفيديو؟‬
‫‪ -‬لقد سألتني بالفعل هذا السؤال‪.‬‬
‫سأعطيك نفس اإلجابة‪ :‬ال‪ ،‬ال أعرف‪.‬‬
‫‪ -‬أال تعرف من هو؟ أعني من هو‬
‫الرجل المحفور؟‬
‫‪-‬ال ‪.‬ال أعرف‪ .‬هل هذا مهم‬
‫بالنسبة لك اآلن؟‬
‫صمتت للحظة‪ ،‬ال أعرف ماذا‬
‫أقول‪ .‬من ناحية‪ ،‬ال‪ ،‬ال يهم‪ .‬لم أكن‬
‫أعرفه وكان ميتا‪ .‬لكن من ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬جعلني الفيديو أشعر بعدم‬
‫االرتياح لدرجة أنني شعرت بالحاجة‬
‫إلى معرفة المزيد عن هذا الرجل الذي‬
‫يطاردني قضيبه ووجهه‪ .‬كان علي أن‬
‫أعرف اسمه‪ ،‬وكيف يبدو‪ .‬عالوة على‬
‫ذلك‪ ،‬كنت بحاجة أيًض ا إلى معرفة ما‬
‫أصبح عليه جسده‪ .‬هل تم إعادته إلى‬
‫األرض؟ و او ؟‬
‫وأي مقبرة قبلتها؟ مقبرة المسلمين‬
‫؟ لم يكن له الحق في ذلك‪ ،‬أوضح لي‬
‫والدي ذلك‪ .‬مقبرة مسيحية؟‬
‫فهل يكون التسامح هناك أفضل‬
‫من مقابر المسلمين؟ مقبرة جور‬
‫جيجيان ؟ ال يمكن تصوره‪ ...‬ربما كان‬
‫جسده قد احترق‪ .‬أو دفنه في منتصف‬
‫الليل في مكان مجهول‪ .‬أو تركها في‬
‫بئر‪ .‬أو غرق في البحر أو رمي‬
‫إلطعام الكالب الجائعة‪ .‬أو ُيلقى في‬
‫الصحراء ليتعفن ويأكله الزبالون‪...‬‬
‫والحقيقة أنني لم أكن أعلم شيًئا عن هذا‬
‫الرجل الذي كان يشغل تفكيري‬
‫مؤخًرا‪.‬‬
‫لقد طال صمتي‪ .‬راما لم يغلق‬
‫الخط‪ .‬أكملت حديثها بصوٍت بدا لي‬
‫مخفًفا‪:‬‬
‫‪ -‬أعرف شخًص ا يمكنه مساعدتك‪.‬‬
‫أعدك بشيء‪ .‬لكنها قد تكون قادرة على‬
‫إعطائك فكرة‪.‬‬
‫‪ -‬أنا…‬
‫‪-‬ال تشكرني‪.‬‬
‫‪ -‬حسًنا‪ .‬متى نرى بعضنا البعض؟‬
‫‪ -‬ومن قال أننا سنرى بعضنا‬
‫البعض؟‬
‫انا لم اقل شيئا‪ .‬لقد اختبرت‬
‫تواضعي‪ ،‬وأكدت حريتها‪ .‬مرت ثواني‬
‫قليلة‪ ،‬تأكدت خاللها من أنني عند‬
‫قدميها‪.‬‬
‫وأخيرًا جاء الخالص‪:‬‬
‫‪ -‬في أيام قليلة‪ .‬سأتواصل معك‪.‬‬
‫اآلن اتركني يا نديني ‪ ،‬إنهم يسألونني‪.‬‬
‫قريبا جدا‪ .‬يسعدني أن أرى أنك نفسك‬
‫مرة أخرى‪ ،‬حتى االكتئاب التالي في‬
‫الغباء‪.‬‬
‫أقفلت الخط‪ .‬غفوت بعد فترة‬
‫وجيزة وحلمت بوالدي‪ :‬كنت المصلي‬
‫الوحيد في مسجد كبير‪ ،‬وكان هو‪ ،‬بدًال‬
‫من اإلمام‪ ،‬يقرأ لي ليس آية من‬
‫القرآن‪ ،‬بل قصيدة لفيرلين‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫كان فصلي التالي‪ ،‬الذي قررت أن‬
‫أخصصه لبعض القصائد من ‪Les‬‬
‫‪ ،Fleurs du mal‬على وشك االنتهاء‬
‫عندما تفاعل الطالب‪ .‬ارتفعت يد في‬
‫الجزء الخلفي من المدرج‪.‬‬
‫– نعم‪ ،‬ندياي؟‬
‫– أم… سيد غاي‪ ،‬عفوًا‪ ،‬نود‬
‫التحدث إليك قبل نهاية الدورة‪.‬‬
‫‪ -‬تحدث معي ؟ ماذا عن ؟‬
‫ال بد أن نبرة كالمي الجافة قد‬
‫أرهبت طالب ندياي‪ ،‬ألنه توقف ونظر‬
‫حوله‪ ،‬ومن الواضح أنه كان يسعى‬
‫للحصول على دعم رفاقه الذين ‪ -‬ليس‬
‫كلهم بل العديد منهم ‪ -‬نظروا إليه‬
‫بنظرات تشجيع‪ ،‬ولم يبدوا سوى القليل‬
‫من عالمات التشجيع‪ .‬إبهام الدعم‬
‫تجاهه‪.‬‬
‫– إًذ ا‪ ،‬ندياي؟‬
‫– …حسًنا… نود أن نخبرك عن‬
‫درسنا األخير‪ .‬واحد من األسبوع‬
‫الماضي‪ .‬تذكرون ؟ تلك المتعلقة‬
‫بفيرلين‪ .‬انت تتذكر ؟‬
‫‪-‬ال تكن غبيا‪ .‬من الواضح أنني‬
‫أتذكر هذه الدورة‪ .‬فماذا يحدث؟ إذا‬
‫كان لديك أي أسئلة‪ ،‬هناك جميع‬
‫المراجع في ‪...‬‬
‫– لقول الحقيقة يا سيدي… في‬
‫الحقيقة… يتعلق األمر بعمل فيرلين…‬
‫حياته أيضًا‪..‬‬
‫– كن أكثر وضوحا‪ ،‬ندياي !ال‬
‫أرى إلى أين أنت ذاهب بهذا‪.‬‬
‫‪ -‬آسف يا سيد غاي‪ .‬أحد رفاقنا‬
‫أخبرنا بشيء غريب في سيرته‬
‫الذاتية‪ ..‬أوال‪ ،‬هل تعلمون أن الوزارة‬
‫منعتنا من دراستها؟‬
‫‪ -‬لست على علم بذلك‪ .‬اين‬
‫المشكلة ؟‬
‫– في سيرته…‬
‫رفع رافائيل ندياي كتابه المدرسي‬
‫عاليًا‪ ،‬مشيرًا إلى صفحة السيرة الذاتية‬
‫لفيرلين‪ .‬لم تكن هناك حاجة لي للنظر‬
‫إليها‪ .‬كنت أعرف ذلك عن ظهر قلب‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬وماذا بعد ؟ كررت‪ .‬ماذا‬
‫لديها‪ ،‬سيرتها الذاتية؟‬
‫– حسًنا‪ ،‬في منتصف النص…‬
‫توقف ونظر حوله مرة أخرى‪.‬‬
‫هذه المرة لم يؤيده أحد من رفاقه؛‬
‫الجميع كان رؤوسهم إلى أسفل‪ .‬لقد‬
‫كان وحيًد ا‪ ،‬وحيًد ا جًد ا ومسؤواًل جًد ا‪.‬‬
‫لقد استفدت منه‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا يا ندياي؟ ليس لدي وقت‬
‫للدردشة‪ .‬قولوا لي‪.‬‬
‫– تعرف لماذا تم منع فيرلين من‬
‫قبل الوزارة… هو… هو أحد الـ ‪góor-‬‬
‫‪ . jigéen‬إنه أمر مؤكد ومؤكد‪ .‬لقد‬
‫كان رجًال مثلًيا معروًفا‪ .‬تقول سيرته‬
‫الذاتية إنه “في ‪ 10‬يوليو ‪ ،1873‬بعد‬
‫مشاجرة مع رامبو‪ ،‬سحب فيرلين‬
‫مسدًسا‪ ،‬وأطلق النار‪ ،‬و‪...‬‬
‫– … يلمس معصم حبيبته‬
‫الصغيرة‪ ”،‬أنهيت كالمي‪.‬‬
‫تبع الصمت المطلق كلماتي‪،‬‬
‫وركز الطالب أعينهم علي بتحٍد‬
‫صريح ‪ .‬بالنسبة للبعض‪ ،‬كان حتى‬
‫الغضب‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا في ذلك ؟ انا قلت‪.‬‬
‫لم يكن رافاييل‪ ،‬بل جاره الحسن‪،‬‬
‫هو من أجابني‪.‬‬
‫‪ -‬لقد قلت ذلك بنفسك يا سيدي‪...‬‬
‫كان فيرلين من غور جيجين ‪ ...‬عاشق‬
‫رامبو‪...‬‬
‫‪ -‬نعم‪ .‬كان‪ .‬لكنني ال أرى إلى أين‬
‫أنت ذاهب بهذا‪ .‬اين المشكلة ؟‬
‫‪ -‬كان يحب الرجال‪ .‬هنا هي‬
‫المشكلة‪.‬‬
‫‪ -‬كما أحب النساء‪ .‬لكنه ال يغير‬
‫شيئا‪ .‬كان فيرلين من عائلة ‪Góor-‬‬
‫‪ . jigéan‬يمكن أن يكون ألف شيء‬
‫آخر أيًض ا‪ .‬يمكنه أن يحب الحيوانات‪.‬‬
‫ولكن الشيء الرئيسي هو أن بول‬
‫فيرلين كان شاعرا عظيما‪.‬‬
‫ما الفرق الذي يحدثه في شعره أنه‬
‫كان من غور جيجي ؟‬
‫أجاب الحسن‪" :‬هذا يغير شيًئا يا‬
‫سيدي"‪ .‬لقد نام مع الرجال‪ ،‬وهذا يغير‬
‫كل شيء‪ .‬يغير كل شيء ألنه‪...‬‬
‫تردد الحسن لبضع ثوان في‬
‫االستمرار‪ ،‬مدركا أن كلماته التالية‬
‫ستشمله شخصيا‪ ،‬حتى لو كان يتحدث‪،‬‬
‫كما أرى‪ ،‬نيابة عن المجموعة‪.‬‬
‫‪ -‬ألن ؟‬
‫‪ -‬ألنك تعلمنا شعر مثلي الجنس‪...‬‬
‫يمكن أن يكون له تأثير علينا‪ .‬ولهذا‬
‫السبب منعت الوزارة دراسة فيرلين‪.‬‬
‫إنها جزء من الدعاية األوروبية‬
‫العظيمة التي يجب تقديمها‬
‫المثلية الجنسية بيننا‪ .‬ولن نقبل‬
‫ذلك بعد اآلن‪ .‬وسوف يتغير البرنامج‬
‫إن شاء هللا‪.‬‬
‫صمت غريب‪ ،‬ثقيل كاللوم‪ ،‬أعقب‬
‫إعالن الطالب‪ .‬أردت أن أرد على‬
‫الطالب‪ ،‬كما فعل بروست في سانت‬
‫بوف‪ ،‬أن هناك رجلين في الكاتب‪:‬‬
‫الرجل العادي‪ ،‬الذي يصل متأخرا‪،‬‬
‫الذي يغسل المالبس‪ ،‬يتفحص البريد‪،‬‬
‫يفتقد أطباقه‪ ،‬يعد بأنه سيفعل ذلك‪ .‬لن‬
‫يشرب إال مشروًبا واحًد ا أو أنه سيكون‬
‫في الموعد‪ ،‬الذات االجتماعية‪ ،‬لذلك‪،‬‬
‫والفنان‪ ،‬الذات العميقة‪ ،‬الذي يبدع‪،‬‬
‫يعمل على التعبير عن العالم‪ ،‬يبحث‬
‫في داخل نفسه عن الجمال‪ ،‬حتى لو‬
‫كان ذلك يعني الخوض في القبح‪ . .‬في‬
‫فيرلين أحببت الشاعر‪ ،‬ولم يكن‬
‫الشذوذ الجنسي يهمني‪ .‬لكنني كنت‬
‫أعلم أن إجابتي قد تبدو سخيفة‬
‫للطالب‪ .‬لن يتمكنوا أبًد ا من االعتراف‬
‫بأن فيرلين كان مثلًيا جنسًيا‪ .‬سوف‬
‫يلومونه دائما‪ .‬لقد فهمتهم‪ :‬الثقافة‬
‫والتعليم والقيم التي غرست فيهم‬
‫دفعتهم إلى رفض غض الطرف عن‬
‫المثليين جنسيًا أو فيرلين أو غيرهم‪.‬‬
‫كان لفيرلين عالقات جنسية مثلية‪ .‬ولم‬
‫يتمكن الطالب من قبول ذلك‪ .‬لن‬
‫يذهبوا أبًد ا إلى ما هو أبعد من هذه‬
‫الحقيقة‪ ،‬الخطيرة جًد ا في أعينهم‪ .‬لن‬
‫يروا أبًد ا جمال شعر فيرلين‪ ،‬ألن‬
‫شخصه كان نجًسا‪ .‬في هذا البلد‪،‬‬
‫بروست مخطئ‪ ،‬مخطئ إلى األبد‪،‬‬
‫وسانت بوف على حق‪ .‬لم يكن هناك‬
‫أي جدوى من محاولة إقناع طالبي‬
‫باالعتراف بأن فيرلين‪ ،‬الرجل الذي‬
‫انغمس في المثلية الجنسية‪ ،‬كان مختلًفا‬
‫عن فيرلين‪ ،‬الشاعر العظيم‪ .‬بالنسبة‬
‫لهم‪ ،‬وآلبائهم‪ ،‬وللكثير من الناس في‬
‫هذا البلد‪ ،‬كان هذا التمييز سخيًفا‪:‬‬
‫الرجل هو فقط ما يفعله‪ .‬لقد كان جزء‬
‫كبير من ثقافتنا يقوم على مبدأ عدم‬
‫التمييز‪ .‬كنت أعلم أنني لن أتمكن من‬
‫التمييز بين عائلة فيرلين‪ .‬لم يراه‬
‫الطالب إال في وحدته‪ ،‬وطالبوا‬
‫بوحدته‪ :‬وحدة مثلي الجنس الذي كتب‬
‫قصائد حيث كانت المثلية الجنسية‬
‫حاضرة‪ .‬قصائد خطيرة إذن‪ .‬أسوأ ما‬
‫في األمر هو أنهم ربما كانوا على حق‬
‫في عدم رغبتهم في تقسيمها ‪.‬ال‬
‫أستطيع أن أتصور عدم تقسيم الفنان‪،‬‬
‫بل أن نأخذه بالكامل كما كان‪ .‬لكننا لم‬
‫نستخلص نفس االستنتاجات من طريقة‬
‫الرؤية هذه‪.‬‬
‫‪ -‬أعتقد أنه من العار عدم تدريسه‬
‫لهذا السبب‪ ،‬قلت‪.‬‬
‫هذا غبي‪ .‬الوزارة غبية‪ .‬أنت‬
‫غبية‪ .‬الجميع غبي‪ .‬لو كان األمر‬
‫بيدي‪...‬‬
‫‪ -‬هذا ليس من شأنك !ال شيء‬
‫يهمك! ظننت أنني سمعت الناس‬
‫يقولون في الغرفة‪ ،‬لكنني واصلت‬
‫دون قلق‪ ،‬وأرعد بصوت أعلى‬
‫وأعلى‪:‬‬
‫‪ -‬لو كان األمر بيدي لعلمنا فيرلين‬
‫وكل الكتاب والشعراء العظماء! سواء‬
‫كانوا يمارسون الجنس مع الحيوانات‬
‫أو النساء أو الرجال أو ثقوب‬
‫الجدران! السماح لهم يمارس الجنس‬
‫مع الزبابة! صرخت ‪.‬ال يهمني إذا‬
‫كانوا فنانين عظماء‪.‬‬
‫صمتت وأنا ألهث‪ .‬وما هي إال‬
‫لحظات قليلة‪ ،‬ثم تبددت النشوة‬
‫المتمردة لهذه القطعة من الشجاعة‪.‬‬
‫شعرت على الفور بالسخرية والخجل‪.‬‬
‫رن الجرس الذي أعلن نهاية‬
‫الفصل ‪ .‬خرج الطالب وهم ينظرون‬
‫إلي‪ .‬ربما كانوا يتوقعون مني أن أقوم‬
‫بالتعويض‪ .‬أعتذر عن اقتراحي‬
‫لفيرلين عليهم في المرة األخيرة‪ .‬أنني‬
‫أنتقد المثلية الجنسية‪ .‬اسمحوا لي أن‬
‫أعزز رأيهم بأن قراءة فيرلين حرام ‪.1‬‬
‫وهذا ما كنت سأفعله في حالتي‬
‫الطبيعية‪ .‬لكن جبني خذلني لمرة‬
‫واحدة‪ .‬لم أكن أعرف لماذا‪ .‬وجدت‬
‫نفسي وحدي في الفصل‪ .‬وسرعان ما‬
‫انفجرت في الضحك‪" .‬دعوهم يمارس‬
‫الجنس مع الزبابة!" » من أين حصلت‬
‫على ذلك؟‬
‫*‬
‫لقد طلب مني السيد كولي‬
‫الحضور لرؤيته في مكتبه بعد انتهاء‬
‫الدرس‪ .‬كان ينتظرني بينما كان يدخن‬
‫غليونه بهدوء‪ .‬استقبلني بنظرة ودية‪.‬‬
‫‪ -‬ربما تعرف ما أريد أن أتحدث‬
‫معك عنه ‪...‬‬
‫– لقد جاءوا للشكوى‪ ،‬أليس‬
‫كذلك؟‬
‫– ولكم أن تتخيلوا أنهم لم يخاطبوا‬
‫أنفسهم هنا‪ .‬لقد قاموا بإبالغك إلى‬
‫ندياي‪ ،‬عميد الكلية‪ .‬اتصل بي على‬
‫الفور‪ .‬لقد كان ينتظر ذلك فقط‪ .‬فرصة‬
‫لممارسة سلطته علي‪ .‬وبما أنه يعلم‬
‫أنني قريب منك‪ ،‬وأنني مرجعك‪ ،‬فإنه‬
‫يستغل ذلك‪...‬‬
‫– أنا آسف لوضعك في هذا‬
‫الموقف‪ .‬لم أكن قد قرأت بعد مذكرة‬
‫الوزارة بشأن فيرلين عندما قمت‬
‫بإعداد الدورة التدريبية الخاصة بي‪...‬‬
‫‪ -‬أفهم يا صديقي الشاب‪ .‬ولكن هذا‬
‫ليس الشيء األكثر خطورة‪ .‬واألدهى‬
‫من ذلك أن العميد مثل الطالب يكره‬
‫الفكرة التي وجدتها‪ ،‬ما هي الكلمة مرة‬
‫أخرى‪...‬؟ سخيف ؟‬
‫‪ -‬غبي‪.‬‬
‫‪ -‬نعم غبي‪ .‬لم يعجبهم أنك اعتقدت‬
‫أنه من الغباء منع فيرلين من البرامج‬
‫على أساس أنه مثلي الجنس‪.‬‬
‫‪-‬ال يزال غبيا‪.‬‬
‫‪ -‬نعم إنه كذلك‪ .‬ولكن عندما تقول‬
‫ذلك علنا‪ ،‬فإنك تعرض نفسك للخطر‪.‬‬
‫ليس لعدم التزامك بتعليمات الوزارة‪،‬‬
‫بل ألن أخالقك موضع شك‪ .‬ليس‬
‫فيرلين هو ما يحكم عليه طالبك بشكل‬
‫أساسي‪ .‬إنه أنت‪ ،‬رأيك في المثلية‬
‫الجنسية‪.‬‬
‫بقيت صامتا‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬قام السيد‬
‫كولي بإشارة غامضة إلى حد ما‪ ،‬كما‬
‫لو كان يمرر ذبابة فوق رأسه‪ ،‬أو فكرة‬
‫من ذهنه‪ ،‬قبل أن يواصل بصوت‬
‫أعمق وأكثر قتامة‪:‬‬
‫‪ -‬لقد أرادوا رأيك‪ .‬لقد حصلوا‬
‫عليه‪ .‬كن حذرا‪ ،‬نديني ‪ .‬في هذا األمر‪،‬‬
‫تشتعل المشاعر‪ ،‬وتتفاقم الحساسيات‬
‫بسرعة‪ .‬هذه أسئلة تمس قلوب البشر‪،‬‬
‫وعمق كيانهم‪ ،‬وهويتهم‪ ،‬وتاريخهم‪،‬‬
‫وتراثهم‪ .‬ويجب عدم تجاهله أو‬
‫احتقاره‪ .‬على العكس تماما…‬
‫‪ -‬ماذا أخاطر اآلن؟‬
‫‪-‬ال أعرف‪ .‬سوف نرى‪ .‬لكن لنبدأ‬
‫بالتوقف عن اإلشارة إلى فيرلين أو أي‬
‫كاتب أو شاعر مثلي الجنس‪ .‬سيكون‬
‫جيًد ا بالفعل‪.‬‬
‫غادرت مكتب السيد كولي وفي‬
‫قلبي شعور غريب‪.‬‬
‫‪ .1‬يحرمه اإلسالم‪ ،‬غير مشروع‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫راما ابتسمت بخبث في عينيها‬
‫الخبيثتين ‪ ،‬قرأت االنتصار غير‬
‫المحتشم للمرأة التي أرهقت حبيبها‪ .‬لقد‬
‫افتقدنا بعضنا البعض وقلنا ذلك‬
‫لبعضنا البعض بطريقتنا الخاصة‪ ،‬مع‬
‫العاطفة الجسدية في المرة األولى أو‬
‫األخيرة‪ .‬ما زلت متمسًك ا بشدة بشعره‪،‬‬
‫دون جدوى‪ .‬وبعد ساعتين‪ ،‬وبعد أن‬
‫استنفدنا المتعة‪ ،‬تمكنا من بدء الحديث‬
‫مرة أخرى‪ .‬كانت بين ذراعي‪ .‬كنت‬
‫سعيدا‪ .‬تحدثنا بطبيعة الحال عن‬
‫الفيديو‪ .‬أخبرتني راما أنها فوجئت‬
‫بأنني ال أزال مهتًم ا بها‪ ،‬على الرغم‬
‫من أن رد فعلي األول كان يستحق‬
‫البلهاء التام‪.‬‬
‫– الشخص الذي يمكنه مساعدتك‬
‫في معرفة من هو متاح هذا المساء‪.‬‬
‫يجب أن أراها الحقا‪ .‬انت تعال ؟‬
‫‪ -‬أال تريد أن نبقى هنا‪ ،‬أنا وأنت؟‬
‫‪-‬ال‪.‬‬
‫‪ -‬أفترض أن هذا هو الشخص‬
‫الذي تنام معه؟‬
‫– أنت تتخيل فقط‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أرفض‪ .‬ليس لدي رغبة في‬
‫رؤية أحد عشاقك‪ .‬أستطيع أن أتحمل‬
‫فكرة وجودهم جيًد ا‪ ،‬لكني ال أعرف ما‬
‫هي الحالة التي ستضعني فيها رؤيتهم‪.‬‬
‫‪ -‬لذا ابق هناك‪ ،‬إنها مشكلتك‪ .‬ثم‬
‫من يقول لك أنه رجل؟ أنت ال تعرف‬
‫ما الذي تفتقده‪ .‬جمال مختلف ونادر‪.‬‬
‫أنت ترغب بها‪ ،‬أنا متأكد‪.‬‬
‫مبتسمة‪ ،‬أطلقت راما نفسها بلطف‬
‫من حضني وبقفزة صغيرة غادرت‬
‫السرير‪ .‬في ظالم الغرفة‪ ،‬بدا جسده‬
‫العاري هناك‪ ،‬كما رأيته‪ ،‬ظهره‪،‬‬
‫وكتفيه‪ ،‬وأردافه الممتلئة مثل القمر‪،‬‬
‫وساقيه‪ ،‬وجسده الضعيف الذي يقهر‬
‫جسدي دائًم ا‪ ،‬وكأنه‬
‫الحلم الرائع الذي كان على وشك‬
‫االنتهاء‪ .‬الذي كان يتبدد‪ .‬فكرة ال‬
‫تطاق‪ .‬وقفت لمنعه من الهرب‪.‬‬
‫*‬
‫لم يبالغ راما‪ :‬فقد كانت أنجيال‬
‫جرين ديوب ذات جمال فريد‪ .‬كان‬
‫شعرها قصيًرا جًد ا ومقصوًص ا وكان‬
‫لها ثقب صغير في األنف‪ .‬أعطته هذه‬
‫التفاصيل مظهًرا غامًض ا‪ ،‬ترددنا في‬
‫وصفه بأنه مالئكي أو منحرف (بعد‬
‫ذلك بكثير‪ ،‬عندما فكرت في هذا‬
‫التعبير‪ ،‬قلت لنفسي إنه ال شيء يمنع‬
‫وجود المالئكة المنحرفين)‪.‬‬
‫بقع بنية صغيرة‪ ،‬والتي أغرنا‬
‫بغباء في البداية بإحصائها‪ ،‬غطت‬
‫وجهه بالكامل‪ ،‬وجه يشبه المجرة‪ ،‬مع‬
‫وفرة من النجوم وعينان زرقاوان‬
‫كبيرتان للشمس‪ .‬وفوق صدرها‬
‫األيسر‪ ،‬وشم زهرة متعددة األلوان من‬
‫نبات آكلة اللحوم‪ .‬اختفى ساق النبات‬
‫في ظل الطريق الذي انفتح بين‬
‫القوسين البارزين لثدييها؛ وتحت‬
‫بلوزتها السوداء‪ ،‬حيث ال يمكن رؤية‬
‫حمالة صدر‪ ،‬هناك شكل ثقبين آخرين‬
‫على حلمتيها‪ .‬كانت أنجيال مختلطة‬
‫األعراق‪ ،‬ألب سنغالي ودبلوماسي‬
‫سابق في عهد سنغور‪ ،‬وأم أمريكية‬
‫تعمل كمحللة نفسية‪ .‬لقد دافعت عن‬
‫أطروحتها في القانون في جامعة ييل‪،‬‬
‫ثم اختارت العودة‪ .‬وهي تعمل اآلن في‬
‫داكار لصالح منظمة هيومن رايتس‬
‫ووتش‪.‬‬
‫لقد كانت مرحة يا أنجيال‪ ،‬مرحة‪،‬‬
‫مشرقة‪ ،‬مشمسة‪ ،‬وفوق كل ذلك‪ ،‬كانت‬
‫مضحكة‪ .‬لقد ألقت نكاًتا تافهة ال تقاوم‪،‬‬
‫وأخبرتني عن أمريكا‪ ،‬وطرحت علّي‬
‫أسئلة‪ ،‬وأجابت على أسئلتي‪ .‬كنا‬
‫نتعايش بسهولة‪ ،‬دون إحراج‪ ،‬دون‬
‫شك‪ ،‬دون ذلك النوع من التحفظ‬
‫والتواضع المبالغ فيه الذي جعل من‬
‫الصعب الوصول إلى العديد من النساء‬
‫هنا‪ .‬لقد سخرت من لهجتي عندما كنت‬
‫أتحدث اإلنجليزية‪ ،‬وأخبرتني أنها‬
‫تعتقد أنني لطيفة‪ ،‬وأجابت "أعرف"‬
‫عندما أخبرتها أنها جميلة جًد ا‪.‬‬
‫هناك شكلنا ثالثًيا غريًبا من‬
‫العشاق وكان راما عقدة بينهم‪.‬‬
‫أنجيال‪ ،‬بالطبع‪ ،‬عرفت من أنا‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬لم تنشأ أي منافسة‪ ،‬ولم نكره‬
‫بعضنا البعض بأي شكل من األشكال‪.‬‬
‫على العكس من ذلك‪ ،‬بدا أننا نستمتع‬
‫بلقاء بعضنا البعض‪ ،‬وبااللتقاء حول‬
‫ما هو ثمين ومشترك‪ .‬كان لدي انطباع‬
‫بأنني أفهم أدجا مبيني وأمي‪.‬‬
‫أرادت راما أن ترقص‪ ،‬ودعتنا‪.‬‬
‫ردت أنجيال بأنها كانت في حالة سكر‪.‬‬
‫أما بالنسبة لي‪ ،‬فقد رقصت بشكل‬
‫سيء للغاية ولم أتمكن من الدخول إلى‬
‫حلبة الرقص‪ .‬ال‬
‫ابقي‪ ،‬أردت التحدث قليًال مع‬
‫أنجيال‪ .‬لقد كانت تشرب الخمر‪ ،‬لكنها‬
‫ما زالت تبدو قادرة تماًم ا على إجراء‬
‫مناقشة‪ .‬نادانا راما كعجائز واختفى‬
‫وسط كتلة من األجساد المتحركة‪.‬‬
‫‪ -‬هل أنت ثنائي الجنس؟ سألت‬
‫أنجيال على الفور‪.‬‬
‫‪ -‬بالطبع‪ .‬عليك أن تكون مجنوًنا‬
‫حتى ال تستغل كل المتعة التي يمكن أن‬
‫يقدمها ويجربها اإلنسان‪ ،‬رجًال كان أو‬
‫امرأة‪ .‬أال تريدين المحاولة مع رجل؟‬
‫كنت سأشعر بالدهشة‪.‬‬
‫‪-‬ال شكرا‪ .‬أجد كل سعادتي مع‬
‫النساء‪.‬‬
‫‪ -‬هذا ما تظنه‪ .‬أنتم الرجال‬
‫تجعلوننا مثاليين أكثر من الالزم‪ .‬أنا ال‬
‫أصر‪ ،‬لكنك تفتقد الكثير ‪.‬‬
‫‪ -‬أفّض ل أال أعرف ‪.‬ال أريد أن‪.‬‬
‫‪ -‬هذا هو تعريف األصولية‪،‬‬
‫االنسحاب من الذات‪ ،‬كما قالت‪ ،‬قبل‬
‫تناول رشفة من البيرة واالستمرار‪.‬‬
‫هل تعترف حتى بالمثلية الجنسية؟‬
‫‪ -‬أعترف بذلك‪ ،‬ال أعرف‪ .‬لكنني‬
‫متأكد من أنني ال أستطيع تخيل ذلك‪.‬‬
‫–ال أعترف به‪ ،‬وال أتصوره …ال‬
‫أرى فرقًا ‪ .‬هذه هي الدقيقة‪ .‬قل بدًال‬
‫من ذلك أنك كاره للمثليين‪ ،‬سيكون‬
‫ذلك أسهل‪.‬‬
‫‪ -‬ليس كليا‪ .‬أنا ببساطة ال أعرف‬
‫كيف‪ ،‬عندما تكون رجًال‪ ،‬يمكنك أن‬
‫تحب أي شيء آخر غير جسد المرأة‪.‬‬
‫أنا ال أكره المثليين الذكور‪ ،‬فهم غرباء‬
‫عني‪ ،‬ليس ألنهم يزعجونني من‬
‫الناحية األخالقية أو الدينية‪ ،‬بل ألنهم‬
‫يربكونني من الناحية الجمالية ‪.‬ال أفهم‪،‬‬
‫لن أتمكن أبًد ا من فهم انجذابهم إلى‬
‫جفاف الجسد الذكري‪ ،‬وتسطيحه‬
‫العنيد‪ ،‬وتضاريسه دون تالل‪ ،‬وسجله‬
‫األرضي دون دوار‪ ،‬ونحته المترامي‬
‫األطراف‪...‬‬
‫– أي شاعر…‬
‫– لقد شعرت دائًم ا بمزيد من‬
‫التعاطف والتساهل مع المثليات‪،‬‬
‫واصلت متجاهلة مالحظته الساخرة‪.‬‬
‫تبدو شذوذهم الجنسي أقل فضيحة‬
‫بالنسبة لي‪ .‬أكثر احتماال ‪.‬ال أشعر‬
‫باالشمئزاز من فكرة أن أجساد النساء‬
‫تبحث عن المتعة واالنسجام مًعا‪ .‬لقد‬
‫شاهدت مقاطع فيديو إباحية مثلية‪ ،‬إنه‬
‫أمر مثير للغاية‪ ...‬ولكن عندما يتعلق‬
‫األمر بالرجال‪ ،‬أغمض عيني‪ .‬قد‬
‫أكون كارًها للمثليين‪ ،‬لكن كارًها‬
‫للمثليين بسبب العاطفة الجمالية‪ ،‬كارًها‬
‫للمثليين بسبب حب النساء وجمالهن‪...‬‬
‫ليست فكرة الحب بين رجلين هي ما‬
‫يزعجني‪ ،‬بل هو الحب الجسدي‪ .‬انت‬
‫تفهم ؟‬
‫نظرت إلي لبضع ثوان دون أن‬
‫تقول أي شيء‪ ،‬وتحرك رأسها ببطء‪،‬‬
‫وعلى شفتيها عبوس من المواساة‬
‫العميقة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬اختفى هذا بسرعة‪،‬‬
‫وأضاء بريق قتالي في عينيها‪،‬‬
‫وأطلقت ضحكة قصيرة وجافة مثل‬
‫ضربة عود ثقاب قبل الرد‪:‬‬
‫‪ -‬قطعًا غبي ! قطعًا ! إن ما تسميه‬
‫رهاب المثلية الجمالية ليس سوى‬
‫سجن لثقافتك السنغالية التقليدية‬
‫والدينية‪ ،‬وهو سجن يظل فيه الجسد‬
‫األنثوي‪ ،‬المثالي‪ ،‬المختزل إلى شكله‬
‫النقي‪ ،‬هو الجسد الوحيد المرغوب فيه‬
‫جنسًيا والذي يستحق األوهام ‪.‬ال يزال‬
‫األمر أخالقًيا جًد ا‪ ،‬ودينًيا جًد ا‪ ،‬وثقافًيا‬
‫جًد ا‪ ،‬بغض النظر عما تقوله‪ .‬انا لست‬
‫متاكد لكن استغربت من كالمك _ _‬
‫رأيك هو أحد تلك اآلراء التي تتخلل‬
‫بشكل متكرر الخطاب المعادي‬
‫للمثليين‪ .‬أنت تقول ذلك بمزيد من‬
‫البحث‪ ،‬هذا هو هو ‪ -‬هي ‪ .‬على األقل‪،‬‬
‫تقتصر على إظهار نفورك من إثارة‬
‫جسد الذكر من قبل رجل آخر‪ ،‬ال تقتل‬
‫أو تضرب‪ ...‬على األقل‪ ،‬آمل! لكن ال‬
‫تعتقد أن رأيك ليس عنيًفا‪ .‬هي تكون‪.‬‬
‫‪ -‬ربما‪ .‬إنها ثقافتي التي تريد ذلك‪.‬‬
‫عاداتي وديني‪.‬‬
‫‪ -‬أعتقد أن المثلية الجنسية في‬
‫عقلك ليست جزًء ا من ثقافتك‪.‬‬
‫‪ -‬على أية حال‪ ،‬لم أقرأ في أي‬
‫مكان أنها كانت أو كانت جزًء ا منها‪.‬‬
‫– هراء! (لقد أصبحت حسية‬
‫بشكل ال يقاوم عندما سكبت االبتذال‬
‫على اللغة اإلنجليزية بصوتها العميق‪).‬‬
‫لمجرد أنك لم تقرأها في أي مكان ال‬
‫يعني أنها غير مكتوبة أو حقيقية‪.‬‬
‫األدلة موجودة‪ .‬ويكفي أن نهتم قليًال‬
‫باألبحاث األنثروبولوجية حول مسألة‬
‫المثلية الجنسية في أفريقيا لندرك‬
‫وجودها في القارة قبل االستعمار‪ .‬قبل‬
‫قرون‪ ...‬إلى األبد! السنغاليون والعديد‬
‫من األفارقة ال يعرفون شيًئا عن ذلك‪.‬‬
‫هم منها اريد ان اعرف‪ .‬إنهم‬
‫محصورون في فكرة أن بالدهم هي‬
‫مساحة نقية ومغايرة جنسيًا تاريخيًا‪.‬‬
‫ويطمئنهم‪ .‬إنهم يؤمنون بهذه‬
‫األسطورة‪ ،‬وال يسعون إلى معرفتها‪.‬‬
‫هذا هو معنى األصولية‪ ،‬كما قلت لك‪.‬‬
‫لقد تم منذ فترة طويلة تفكيك حجة‬
‫الغياب التاريخي للمثلية الجنسية في‬
‫أفريقيا من خالل األبحاث‪ .‬المشكلة هي‬
‫أن هذه الحقائق ال يعرفها إال أقلية من‬
‫الباحثين‪ ،‬الذين يتحدثون عنها في‬
‫مجالت ذات جمهور محدود‪ ،‬ألنهم ال‬
‫يجرؤون على الحديث عنها في‬
‫المنتديات المخصصة لعامة الناس‪.‬‬
‫انهم خائفون‪ .‬لكن األدلة موجودة‪..‬‬
‫"انتظر لحظة‪ "،‬قاطعتني‪ .‬هل…‬
‫في تلك اللحظة‪ ،‬ارتفعت ضجة‬
‫هائلة‪ ،‬أغرقت صوتي في موجتها‪.‬‬
‫كانت النغمات األولى لألغنية الشعبية‬
‫هي التي ترددت‪.‬‬
‫على حلبة الرقص‪ ،‬أثارت راما‬
‫رغبة الجميع‪ .‬رقصت بحرية‪ ،‬وعينيها‬
‫مغمضتين‪ ،‬دون ضبط النفس‪ ،‬ممتزجة‬
‫القوة بالرشاقة‪ ،‬وشعرها منثور‪ ،‬ينسدل‬
‫على كتفيها‪ ،‬يغطي وجهها‪ ،‬يجلد‬
‫الراقصات المجاورات‪ ،‬اللواتي‪ ،‬بعيدًا‬
‫عن االستياء منها‪ ،‬لم يرغبن بها‬
‫أكثر‪. .‬‬
‫‪ -‬ماذا ؟ قالت لي أنجيال عندما‬
‫سمعنا بعضنا البعض يتحدثون مرة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫– كنت أقول لك‪ :‬هل يمكنك أن‬
‫تعطيني أمثلة وتفاصيل محددة؟ أمثلة‬
‫على المثلية الجنسية في السنغال أو في‬
‫أفريقيا بشكل عام‪ ،‬قبل الفترة‬
‫االستعمارية؟‬
‫–ال يصدق هذا المنطق‪ .‬وكأن‬
‫أفريقيا ليست ملكا لإلنسانية‪ .‬وال يوجد‬
‫أي سبب يدعو إلى وجود نظام استثناء‬
‫هنا فيما يتعلق بالممارسات واألخالق‬
‫اإلنسانية‪ ،‬مهما كانت‪.‬‬
‫عن المثلية الجنسية‪ ..‬هناك‬
‫مؤلفات ومؤلفات كثيرة‪ ،‬كما‬
‫تعلمون ‪..‬‬
‫اكتشف‪ .‬وسوف بنيانك‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫حتى لو كان أحيانا ضروري ‪ ،‬أجد أنه‬
‫من السخافة أكثر فأكثر أن نضطر إلى‬
‫اللجوء إلى تاريخ المثلية الجنسية في‬
‫أفريقيا لمكافحة رهاب المثلية‪ .‬إنها‬
‫معركة زائفة‪ ،‬ألن الشخص الذي يكره‬
‫المثليين جنسيًا ال يهتم بوجود المثلية‬
‫الجنسية منذ ألف عام ‪.‬ال يفعل ذلك‬
‫إعطاء اللعنة واحدة! أولئك الذين‬
‫يكرهون المثليين جنسيًا في هذا البلد‬
‫يتحدثون عن النقاء التاريخي ألنه أمر‬
‫مناسب؛ إنه يسمح لهم باتهام الرجل‬
‫األبيض مرة أخرى بالمسؤولية عما‬
‫يعتبرونه شًر ا مستورًد ا‪ .‬النظام ال‬
‫يخص السنغال فقط ‪ :‬فكل شعب في كل‬
‫بلد في العالم يتهم األجنبي‪ ،‬البربري‪،‬‬
‫بأنه سبب انحطاطه‪ .‬مما يعتقد أنه‬
‫انحطاط‪ .‬أثبت بصبر‪ ،‬وبأقصى قدر‬
‫من الدقة العلمية التي ال يمكن دحضها‪،‬‬
‫للسنغاليين الذين يعانون من رهاب‬
‫المثلية أن الممارسات الجنسية المثلية‬
‫كانت موجودة دائًم ا هنا‪ ،‬فماذا في‬
‫ذلك؟ و حينئذ ماذا ؟ هل تعتقد أنه‬
‫سيتوقف عن رهاب المثلية؟ ال يا‬
‫سيدي‪ .‬هناك احتمال أن يصبح أكثر‬
‫من ذي قبل‪ ،‬وأن يغلق أكثر‪ .‬رهاب‬
‫المثلية ال يحتاج إلى ذريعة تاريخية ‪.‬ال‬
‫أعرف حتى إذا كانت بحاجة إلى عذر‪:‬‬
‫فهي تكره كل شيء‪ .‬وينتهي كاره‬
‫المثلية الجنسية بنسيان األسباب التي‬
‫دفعته إلى الكراهية‪ .‬قم بإجراء تجربة‬
‫صغيرة‪ ،‬وامش في الشارع واسأل‬
‫الناس عن سبب كرههم للمثليين‬
‫جنسًيا‪ :‬فأجابوا بـ "الدين!" » دون أن‬
‫تكون قادرة على قول المزيد‪ .‬يقولون‬
‫ال نعرف ذلك" دون أن يتمكنوا‬ ‫لك "‬
‫من إعطائك أمثلة محددة‪ .‬اليوم‪ ،‬في‬
‫السنغال‪ ،‬هذا هو المبدأ النفسي العميق‬
‫لرهاب المثلية‬
‫يجب تفكيكها‪ .‬إنها ليست مجرد‬
‫مسألة حضور تاريخي‪ .‬األمر أعمق‬
‫من ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬رغم ذلك‪ ،‬ليس الجميع معاديين‬
‫للمثليين بشكل أعمى‪ .‬أعتقد أن بعض‬
‫الناس سيكونون على استعداد لتغيير‬
‫حكمهم إذا كانوا على علم أفضل‬
‫بتاريخ المثلية الجنسية هنا‪.‬‬
‫– أوه ال‪ ،‬يا يسوع‪ ،‬من فضلك‪،‬‬
‫استيقظ يا رجل!‬
‫– عالوة على ذلك‪ ،‬واصلت رغم‬
‫تعبيراتها عن أميركية حرة وغاضبة‪،‬‬
‫لست متأكدة من أن الناس‪ ،‬كما يبدو‬
‫أنك تعتقدين‪ ،‬قد غابوا عن سبب‬
‫رفضهم للمثلية الجنسية‪ .‬إنهم يعرفون‬
‫أنها مسألة دينية‪ ،‬وحتى لو لم يتمكنوا‬
‫من االستشهاد باآليات القرآنية أو‬
‫مقاطع الكتاب المقدس المتعلقة باإلدانة‬
‫األخالقية للمثلية الجنسية‪ ،‬فإنهم‬
‫يعلمون أن هللا يحرمها‪ .‬هذا يكفي‬
‫بالنسبة لهم‪ .‬رفضهم هو مسألة‬
‫اإليمان‪ .‬واإليمان‪ ،‬لست متأكًد ا من‬
‫قدرتك على "تفكيكه" كما تقول‪ ...‬هذا‬
‫الهوس الغربي بالرغبة في تفكيك كل‬
‫شيء‪ ...‬باختصار‪ .‬تذكر‪ :‬سنرفض‬
‫دائًم ا السماح للمثلية الجنسية بتأكيد‬
‫نفسها هنا‪.‬‬
‫– لكن الشذوذ الجنسي موجود‬
‫بالفعل هنا!‬
‫– في هذه الحالة سنرفض السماح‬
‫لها باالنتشار هناك‪ .‬دعوه ينتشر في‬
‫مكان آخر‪ ،‬طالما لم يتجذر هنا‪ ،‬هذا ما‬
‫يقوله ويريده العديد من مواطني بلدي‪.‬‬
‫ويمكنني أن أفهم ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬انا ال‪ .‬انا الاستطيع افهموا أن‬
‫الرجل يموت أو ُيضرب أو ُيرسل إلى‬
‫السجن ألنه يعيش‪ ،‬على انفراد‪ ،‬دون‬
‫أن يفرض عليه‪ ،‬حياة جنسية لم‬
‫يخترها‪.‬‬
‫‪ -‬أنه لم يختر‪ ...‬عليك أن تثبت‬
‫ذلك للكثير من الناس‪ .‬عالوة على‬
‫ذلك‪ ،‬سيكون ذلك مجهوًد ا ضائًعا‪ .‬أنت‬
‫على حق‪ :‬إنها ليست مسألة منطق هنا‪،‬‬
‫بل هي مسألة الالعقالنية‪ .‬نحن ال نريد‬
‫المثليين جنسيا‪ ،‬هذا كل شيء‪.‬‬
‫ال نحتاج بالضرورة إلى معرفة‬
‫السبب‪ .‬اإلنسانية ال فائدة منها هنا‪.‬‬
‫وأكرر أننا نفضل اقتناًع ا أقوى‪:‬‬
‫اإليمان ‪.‬ال نقلل من قوتها‪.‬‬
‫‪ -‬التقليل من شأنها؟ إنها مزحة‪،‬‬
‫أليس كذلك؟ كيف يمكنني التقليل من‬
‫شأنها عندما أرى ما هي قادرة على‬
‫فعله باألوالد الذين حبسوا أنفسهم في‬
‫منازلهم؟ وهذا اإليمان نفسه هو الذي‬
‫يبرر محاكم التفتيش والتدخل في‬
‫الحياة الخاصة‪ .‬وقريبا سيأتي الناس‬
‫ليتفقدوا البيوت من هو المؤمن ومن‬
‫غير المؤمن‪ ،‬من يصلي ومن ال‬
‫يصلي‪ ،‬من يكون سخيف من ‪ ،‬فيه‬
‫حفرة ‪ ،‬في أي موقف وإلى متى اللعينة‬
‫‪ ...‬إيمان يتجاوز العالقة الحميمة من‬
‫أجل ‪ ...‬كيف يمكنني أن أقول هو ‪ -‬هي‬
‫؟ التظاهر بالسيطرة على الفضاء‬
‫العام‪ ،‬يصبح هذا اإليمان شمولًيا‪.‬‬
‫عكس اإليمان تمامًا‪..‬‬
‫– عندما يتعلق األمر بالمثلية‬
‫الجنسية‪ ،‬فإن اإلدراك االجتماعي‬
‫يرتبط دائًم ا بالمساحات والثقافات‬
‫والتقاليد‪ .‬هذه النسبية أمر ال مفر منه‪.‬‬
‫‪ -‬وهو أيضا خطير‪ .‬يبدو أن‬
‫الجميع يقولون‪ ،‬بإجماع غبي ‪ ،‬إن كل‬
‫دولة لها حقائقها‪ ،‬وكل هذه الحقائق‬
‫غزر حقيقي المواد ‪ .‬لكن هذا ليس‬
‫مبرًر ا للتوقف عن إنقاذ حياة المثليين‪.‬‬
‫يجب أن نقاتل حتى يتمكنوا من العيش‪،‬‬
‫ويعيشوا مثل اآلخرين في المجتمع‪.‬‬
‫هذه النسبية الكاملة فظيعة‪ :‬إًذ ا ليس‬
‫هناك مطلقات؟ ال شيء فوق‬
‫الخصوصيات والخصوصيات؟ أال‬
‫يوجد شيء أكثر قدسية هنا؟ وال حتى‬
‫حياة اإلنسان ؟‬
‫‪-‬ال اصدق ذلك‪ .‬بالنسبة للمؤمن‪،‬‬
‫ستكون فكرة هللا دائًم ا أعظم من حياة‬
‫أخيه البشري‪ .‬واألكثر من ذلك إذا كان‬
‫هذا األخ مثلًيا‪ .‬إذا طلب هللا أال يشفق‬
‫عليه‪ ،‬فلن يشعر المؤمن بأي شفقة‪،‬‬
‫وذلك ببساطة ألنه يؤمن باهلل قبل كل‬
‫شيء‪ .‬وهذا هو ما يؤسس إيمان كثير‬
‫من الناس‪ :‬طاعة هللا‪ ،‬حتى لو‪...‬‬
‫‪ -‬يا إلهي‪ .‬اخرس من فضلك‪.‬‬
‫عادت راما في تلك المرحلة‬
‫وقطعت المحادثة‪.‬‬
‫‪ -‬إذن هي أخبرتك؟ سألتني‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا ؟‬
‫– هل أعطتك أي معلومات عن‬
‫الفيديو؟ أردت أن تعرف من هو‬
‫الرجل المكتشف‪ ،‬أليس كذلك؟ هل هذا‬
‫سبب رغبتك في رؤية أنجيال؟ ال‪ ،‬أنت‬
‫لم تسأله! لكن ما الذي كنت تتحدث‬
‫عنه طوال هذا الوقت؟‬
‫لقد نسينا‪ ،‬بعد أن انجرفنا في‬
‫نقاشنا‪ ،‬أن نتحدث عن السبب الرئيسي‬
‫لمجيئي‪ .‬لقد طرحت السؤال دون‬
‫تأخير‪ .‬أخبرتني أنجيال أنها تعرف‬
‫بالفعل من هو الرجل وأين يعيش‪ .‬لقد‬
‫وعدتني باالتصال بي في األيام القليلة‬
‫القادمة حتى نتمكن من رؤية عائلتها‪.‬‬
‫أعطيته بطاقتي‪.‬‬
‫– لكن حتى ذلك الحين‪ ،‬قالت لي‪،‬‬
‫بعد أن وضعتها جانًبا‪ ،‬اذهب إلى هذا‬
‫العنوان وتحدث معه هذا رجل ‪ .‬إنه‬
‫هناك تقريًبا كل مساء أحد‪ .‬هذا قد يغير‬
‫آرائكم‪ ،‬والتي أعتقد‪ ،‬آسف لي عزيزي‬
‫‪ ،‬رجعي قليال‪.‬‬
‫أعطتني قطعة من الورق عليها‬
‫عنوان‪ ،‬باإلضافة إلى صورة لرجل‬
‫في منتصف العمر‪.‬‬
‫‪ -‬أنت تعرفه‪ ،‬على ما أعتقد‪.‬‬
‫والسنغاليون يعرفون ذلك على أية‬
‫حال‪.‬‬
‫نحن نعمل معه كثيرا‪ .‬تجربته‬
‫قّيمة‪ ،‬وهو يعرف الكثير عن حالة‬
‫المثليين هنا‪ .‬وهذه حالة خاصة في هذا‬
‫البلد‪.‬‬
‫ورغم اختالف مظهره وتجريده‬
‫من باروكته ومكياجه‪ ،‬تعرفت على‬
‫سامبا أوا نيانغ‪ ،‬مقدم برنامج صبار ‪.‬‬
‫*‬
‫واستمر المساء حتى وقت مبكر‪.‬‬
‫عندما غادرنا الحانة‪ ،‬أضاء ضوء‬
‫أبيض في السماء على استحياء‪ .‬أنجيال‬
‫لم تعيش بعيدا‪ .‬اقترحت أن نذهب إلى‬
‫شقتها إلنهاء الليل أو بدء اليوم‪ .‬لقد‬
‫رفضت‪.‬‬
‫‪ -‬أنت بالتأكيد أغبى مما تخيلت‪،‬‬
‫أجابت أنجيال‪ ،‬وأعطتني صفعة‬
‫صغيرة على مؤخرتي‪ .‬هل لديك‬
‫آلهتان معك وتتخلى عنهما؟ هل‬
‫ستكون مثلًيا بعد كل شيء؟ هيا يا فتى!‬
‫كانت في حالة سكر قليًال وتم‬
‫تعزيز جمالها عشرة أضعاف‪ .‬لقد عبر‬
‫جسده كله عن الحرية والهمم التي كنت‬
‫أعلم أنني ال أستطيع امتالكها أبًد ا‪.‬‬
‫فكرت في هؤالء الموسيقيين في نهاية‬
‫المساء‪ ،‬الذين‪ ،‬أمام القلة من الهواة‬
‫الذين رافقوهم في نهاية الليل واثنين أو‬
‫ثالثة من السكارى النائمين‪ ،‬ارتجلوا‪،‬‬
‫في استرخاء ال يمكن تحقيقه إال من‬
‫خالل اإلرهاق الشديد‪ ،‬ألحاًنا فخمة‬
‫أنهم لن يتكاثروا أبًد ا‪ ،‬وهو ما كانوا‬
‫يعلمون أنهم لن يتمكنوا من إعادة‬
‫إنتاجه أبًد ا‪ ،‬ولهذا السبب بالذات‪ ،‬لعبوا‬
‫كما لو أن الموت ينتظرهم بعد النغمة‬
‫األخيرة‪ .‬كانت أنجيال تطفو‪ .‬على‬
‫ذراعه رقص راما‪ ،‬وهو أيًضا في‬
‫حالة سكر‪ ،‬أثيري‪ ،‬جميل وال يمكن‬
‫المساس به‪ .‬رأيتهما يسيران أمامي‪،‬‬
‫ملتصقين ببعضهما البعض مثل حلقتين‬
‫ذهبيتين‪ ،‬مترنحتين‪ ،‬مع كل خطوة‬
‫تعطيان االنطباع بالسقوط‪ ،‬وفي نفس‬
‫الوقت‪ ،‬االنطباع بالطيران‪ .‬وفي‬
‫غضون ساعات قليلة‪ ،‬سأكون الرجل‬
‫الوحيد على وجه األرض الذي يتذكر‬
‫أنها كانت جميلة جًد ا في تلك اللحظة‪،‬‬
‫األمر الذي مألني بحزن عميق‪ .‬كان‬
‫هذا رائعا‪ .‬كان البحر قريًبا جًد ا‪ .‬وصل‬
‫إلينا صوت األمواج بوضوح لدرجة‬
‫أنني كنت أقسم أن المحيط األطلسي‬
‫كان ينتظرنا في كل زاوية‪ ،‬مستعًد ا‬
‫ألخذنا بعيًد ا‪.‬‬
‫‪ -‬لذا؟ قالت أنجيال بعد بضع دقائق‬
‫من المشي‪ .‬انت تعال ؟ أنا أعيش‬
‫هناك‪( .‬تشير إلى شارع مجاور‪).‬‬
‫توقفنا‪ .‬نظر إلّي كالهما بابتسامات‬
‫تشبه الدعوات‪ .‬لكن ما رأيته على‬
‫وجوههم يخصهم فقط‪ .‬لم أستطع‬
‫الوصول إليه‪ .‬لقد كنت قريًبا منه‪ ،‬لكني‬
‫مستبعد‪ .‬لقد كانت لوحة رائعة‪ ،‬نقية‬
‫ورصينة – امرأتان في آخر الليل –‬
‫تحفة فنية ‪ ،‬ولم أكن إال متفرًجا متأماًل ‪،‬‬
‫تبهرني روعة هذه اللوحة الحية‪.‬‬
‫كنت سأفسد سحرهم لو تبعتهم‪ ،‬لو‬
‫حاولت الدخول إلى اللوحة‪ .‬ومع ذلك‬
‫فقد كنت أرغب فيهما بجنون‪ ،‬ولكن‬
‫كان الهدف من ذلك هو جعل العالم‬
‫قبيًح ا إلزعاج انسجامهما مع رغبتي‬
‫غير اللطيفة‪ .‬قبلت كل واحد منهم لفترة‬
‫طويلة‪ ،‬راما أوًال‪ ،‬ثم أنجيال؛ ثم‬
‫واصلُت طريقي نحو المنزل في‬
‫صمت‪.‬‬
‫وبينما كنت أمشي بعيًد ا‪ ،‬سمعت‬
‫صوت أنجيال‪:‬‬
‫‪ -‬حسًنا ‪ ،‬إنه مميز ‪ ،‬صديقك‪ .‬أحبه‬
‫‪ _ .‬لكنه غادر‪ .‬نحن فقط‪ .‬يأتي !‬
‫وعندما عدت إلى منزلي عبر‬
‫الشوارع الصغيرة في العاصمة‪ ،‬حيث‬
‫اختلط الباعة الجائلون األوائل ظاللهم‬
‫بظالل العاهرات األخيرات ‪-‬اللواتي‬
‫لعنهن ورغبن بهما بطرف أعينهن من‬
‫قبل المؤمنين في صالة الفجر‪،-1‬‬
‫تبعت انفجارات الضحك التي انطلقت‬
‫منهما أثناء انغماسهما في ظالل‬
‫الشارع‪ ،‬ضحكة راما الواضحة‬
‫والبلورية‪ ،‬وضحكة أنجيال الخافتة‬
‫والحسية‪ ،‬وكالهما مرغوب فيه‪،‬‬
‫وكالهما يفيض بالرغبة النقية‪ ،‬التي‬
‫تصدعت في أذني وفي داخلي‪.‬‬
‫الصباح الباكر مثل سياط زركسيس‬
‫على بحر إيجه‪ .‬صورة جسدهما‬
‫العاري‪ ،‬منهكين بعد ممارسة الحب‪،‬‬
‫نائمين في سالم مطلق كما لو كانا‬
‫ينتظران الموت السعيد‪ ،‬رافقتني طوال‬
‫رحلتي‪.‬‬
‫‪ .1‬في الدين اإلسالمي‪ ،‬أول صالة‬
‫في النهار‪ ،‬وهي عند الفجر‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫إن زخم سوء نيتي الجديد لم‬
‫ينكسر بعد‪ .‬كنت أذهب دائًم ا إلى‬
‫المسجد يوم الجمعة‪ .‬على الرغم من‬
‫الطريقة الوحشية إلى حد ما التي‬
‫افترقنا بها في المرة األخيرة‪ ،‬فقد‬
‫أخبرني والدي في اليوم السابق أن‬
‫الحاج أبو مصطفى بن خللول " القيوم‬
‫" قد عاد وأنه طلب من أكبر عدد من‬
‫المؤمنين الحضور للصالة هذا العام‪.‬‬
‫يبدو أن يوم الجمعة يحمل رسالة ذات‬
‫أهمية قصوى يجب إيصالها‪.‬‬
‫وظل " القيوم " المرجع الديني‬
‫الكبير للحي‪ .‬الى‬
‫مكالمته‪ ،‬وجاء الجميع‪ .‬عالوة‬
‫على ذلك‪ ،‬انتشرت الشائعة‪ :‬أراد الرد‬
‫على خطبة والدي السابقة‪.‬‬
‫لقد ظهر‪.‬‬
‫لقد بدا مرهًقا‪ ،‬متعًبا في األساس‪.‬‬
‫كان هناك ظل على وجهه‪ ،‬حيث‬
‫نشرت بالفعل صورة ظلية لمالك‬
‫شرير جناحيه األسودين‪.‬‬
‫كانت عيناه‪ ،‬التي كانت مشرقة‬
‫وصلبة‪ ،‬مملة‪ .‬بدا األمر مثل طقطقة‬
‫النار األخيرة في موقد فرن قديم‪ .‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬كان ال يزال يتمتع بالقوة الكافية‬
‫للتحرك‪ ،‬على الرغم من صعوبة ذلك‪،‬‬
‫وكان مدعوًم ا بتكتم من جانب واحد‬
‫من أحد حراسه‪ .‬واعتلى المنبر حيث‬
‫حكم بشكل مهيب ومتكامل لمدة‬
‫أربعين عاًم ا‪ .‬وكانت الخطبة على‬
‫وشك أن تبدأ‪.‬‬
‫في هذه اللحظة‪ ،‬جاء رجل أصلع‬
‫(صلع قبيح للغاية)‪ ،‬طويل القامة‪،‬‬
‫طويل الوجه‪ ،‬ونظرته بقرة قليًال‪،‬‬
‫ووقف بجوار " القيوم "‪ ،‬خلفه قليًال‪.‬‬
‫فهمت على الفور من هو هذا الرجل‬
‫وما هي وظيفته‪ :‬لقد كان جوتاليكات ‪.‬‬
‫شخصيات غريبة‪ ،‬في الواقع‪،‬‬
‫الجوتاليكات ‪ ،‬التي أذهلتني دائًم ا‪.‬‬
‫حرفًيا‪ ،‬يمكنني ترجمة ‪ jotalikat‬إلى‬
‫"جهاز اإلرسال"‪ ،‬أو‬
‫"المهرب"‪ .‬ماذا يحدث؟ ماذا‬
‫ينقل؟ رسالة غير مسموعة في البداية‪،‬‬
‫ويكون مستوى صوتها منخفًض ا للغاية‬
‫بحيث ال يمكن سماعها‬
‫من بعيد‪ .‬أكثر من مجرد أجهزة‬
‫إرسال بسيطة‪ ،‬فإن جوتاليكات هي‬
‫مكبرات صوت ومكبرات صوت‬
‫بشرية ومكبرات صوت‪ .‬إنها مهمة‬
‫فريدة‪ ،‬ومع ذلك يقومون بها بأمانة‪،‬‬
‫وحتى‪ ،‬كما سنرى‪ ،‬ببعض الموهبة‪.‬‬
‫يتحدث الجوتاليكات بانتظام إلى‬
‫الشخصيات الدينية (أو السياسية)‬
‫عندما يكونون متعبين أو ضعفاء أو‬
‫كبار السن أو مرضى‪ ،‬ولكن مع ذلك‬
‫يتعين عليهم إلقاء خطاب أمام الناس‪،‬‬
‫في مكان تكون فيه جودة الصوتيات‬
‫سيئة بشكل عام‪ .‬ليس األمثل‪ .‬ولكي‬
‫يتمكن المجتمع بأكمله من سماعهم‬
‫بوضوح‪ ،‬يستخدم هؤالء الوجهاء‬
‫وسطاءهم المخلصين‪ ،‬المسؤولين عن‬
‫نقل كلمتهم وحقيقتهم‪ .‬وال يغيب الغنج‬
‫عن هذه الممارسة بين من يملكون‬
‫السلطة‪ .‬عليك أن ترى المرابط‪ ،‬وهو‬
‫يرتدي مالبس فاخرة‪ ،‬ويميل رأسه‬
‫بإهمال‪ ،‬ويبدو متغلغاًل ومحتقًرا إلى‬
‫حد ما‪ ،‬نحو أذن الجوتاليكات اليقظه‬
‫ويهمس له بال مباالة ببضع كلمات‪.‬‬
‫هناك وضعية مسلية للملك القديم‬
‫هناك‪.‬‬
‫ثم يرسل جوتاليكات ‪ .‬أنا أقول‬
‫"إرسال"‪ .‬الجوتاليكات ال تتكرر‪ :‬رغم‬
‫أنها في بعض األحيان تبدو بمظهر‬
‫واحد‪ ،‬إال أنها ليست ببغاء ؛ تكراره‬
‫ليس ‪ .psittacism‬وبعيدًا عن ذلك‪:‬‬
‫فإن الجوتاليكات هو شجاع ال يملك‬
‫الموهبة‪ ،‬ومتقن للغة غير مكتمل‪،‬‬
‫وشاعر صغير ومحبط‪ .‬كان يحلم بأن‬
‫يكون موهوًبا في اللغة‪ ،‬لكنه لألسف‬
‫مجرد جوتاليكات ؛ لقد أراد أن يختبر‬
‫مجد المؤلف‪ ،‬ولسوء الحظ ال يحق له‬
‫سوى الحصول على دور المرسل‬
‫المتواضع خلف الكواليس‪ .‬مأساة‬
‫المصير الفني المكسور‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬
‫الجوتاليكات ال تنقصه الموهبة؛ من‬
‫المؤكد أنه يمتلكها‪ ،‬ولكن ليس بما‬
‫يكفي ليصبح محاوًرا معروًفا‪ .‬لذلك‬
‫فهو يمارس قدر استطاعته ما لديه من‬
‫موهبة في فن اللغة من خالل مهنته‬
‫الجوتاليكات ‪ .‬وبدال من أن يكتفي‬
‫بترديد كالم المرابطين‪ ،‬فهو يزينهم‪،‬‬
‫ويغنيهم‪ ،‬ويزينهم‪ .‬نظًر ا لكونه خطيًبا‬
‫فاشاًل ‪ ،‬فإن الجوتاليكات يأخذ الحريات‬
‫البالغية في تفسير الخطاب األصلي‬
‫للقدير‪ ،‬أحياًنا بجرأة مدهشة‪ ،‬ولكن‬
‫دائًم ا في حدود المعقول بالطبع‪.‬‬
‫جوتاليكات يبالغ‪ ،‬سيد الغلو ؛ فهو يعني‬
‫متخصص في التقليل؛ فهو يزين‪،‬‬
‫ويكشف‪ ،‬ويطيل‪ ،‬ويجعل الجملة‬
‫تطول‪ .‬إذا حذر المرابط‪ ،‬الجوتاليكات‬
‫ترهب وتهدد؛ فإذا كان األول ينصح‬
‫ويوصي‪ ،‬فإن الثاني يجبر ويقيد‪ .‬يعد‬
‫اإلرسال فرصة للجوتاليكات للتنفيس‬
‫عن قوته ‪ :‬إنه انتقامه الشعري‪ ،‬انتقامه‬
‫من عاهرة حياته‪ .‬في نهاية المطاف‪،‬‬
‫يتمتع الجوتاليكات بأهمية كبيرة في‬
‫أنظمة االتصال التقليدية لدينا‪ :‬فمن‬
‫خالل فمه يتم التعبير عن كلمات الملك‬
‫والمرابط وصاحب المقام الرفيع‪.‬‬
‫ُيدرك تماًم ا‪ ،‬ويتم إنجازه ككلمة‬
‫في آذان الرعايا أو المؤمنين‪.‬‬
‫*‬
‫ومال « القيوم » قلياًل إلى يساره‪،‬‬
‫حيث وقفت الجوتاليكات الجاهزة ‪ .‬من‬
‫الرتبة التي كنت فيها‪ ،‬لم أستطع إال أن‬
‫أفهم كلمات الحاج أبو مصطفى بشكل‬
‫غامض‪ .‬لكن جوتاليكاته كانت مسؤولة‬
‫عن جعلها يتردد صداها‪.‬‬
‫– أحيي كل رجل حاضر هنا بـ‬
‫(غير مسموع)… أنا سعيد ألن (غير‬
‫مسموع) صلواتكم ساعدتني‪ ،‬قال‬
‫الحاج أبو مصطفى‪.‬‬
‫– قال الحاج أبو مصطفى بن‬
‫خلليلة “ القيوم ” أنه بعد شكر هللا‬
‫ورسوله محمدو يا رسول هللا ‪ ،‬يسلم‬
‫على كل واحد منكم‪ ،‬رجًال وامرأة‬
‫وطفًال وكبيرًا‪ ،‬باسمه األول واألخير‪.‬‬
‫وقال إنه غمرته السعادة لرؤية هذا‬
‫العدد الكبير منكم مرة أخرى‪،‬‬
‫ويشكركم على الرد على مكالمته‪.‬‬
‫ويعتذر بشدة عن عدم تمكنه من‬
‫الحضور ألداء الصالة يوم الجمعة‬
‫الماضي‪.‬‬
‫وقال جوتاليكات كما تعلمون أنه‬
‫كان مريضا بعض الشيء‪ ،‬لكنه ال‬
‫يزال مقتنعا بأن صلواتكم ساعدته‬
‫كثيرا ‪.‬‬
‫– ما زلت مريًض ا بعض الشيء‪،‬‬
‫لكن (…) للحديث عن شيء تحدث عنه‬
‫الحاج مجموت جاي (…) بلغني‪ ،‬قال‬
‫الحاج أبو مصطفى‪.‬‬
‫‪ -‬قال الحاج أبو مصطفى بن‬
‫خللولة " القيوم " إنه ال يزال يشعر‬
‫بمرض طفيف‪ ،‬وال يزال صدره‬
‫يؤلمه‪ ،‬لكنه يريد بشدة أن يكون معنا‬
‫اليوم‪ .‬ومن حسن الحظ أن األطباء‬
‫سمحوا له بالخروج‪ ،‬وهذا أمر جيد‪،‬‬
‫ألنه يود أن يتحدث عن موضوع ذكره‬
‫إمام الجمعة الماضية‪ ،‬الحاج مجموت‬
‫غي‪ ،‬في خطبته‪ .‬وقد تم إبالغ رسالته‬
‫إلى‬
‫« القيوم »‪ .‬يقول جوتاليكات إنه‬
‫يريد التحدث عن األمر مرة أخرى ‪.‬‬
‫– هذا الموضوع مرتبط بالمثليين‪،‬‬
‫يقول “القيوم ” ‪.‬‬
‫– هذا الموضوع الخطير الذي‬
‫يهمنا جميعا كمسلمين وسنغاليين كعبيد‬
‫للرب‪ ،‬هو الموضوع الرهيب لهذه‬
‫المخلوقات الشريرة التي يسكنها‬
‫الشيطان‪ :‬المثليون جنسيا‪ ،‬كما يقول‬
‫جوتاليكات ‪.‬‬
‫– تتذكرين كل (السعال…)‪ ،‬كل‬
‫األحداث الشنيعة التي حدثت العام‬
‫الماضي ‪ .‬األول كان زواجًا بين عدة‬
‫رجال‪ ...‬بدأه اإلمام العجوز‪.‬‬
‫‪ -‬يذكركم الحاج أبو مصطفى‪،‬‬
‫وإن كان من المؤكد أنكم جميعا‬
‫تتذكرون هذه الحقيقة‪ ،‬أنه منذ بضعة‬
‫أشهر تم القبض على مجموعة من‬
‫المثليين جنسيا وهم يتزوجون‪ .‬لقد كان‬
‫اجتماًع ا ألشخاص فاسدين دنيئين‪،‬‬
‫والذي كان أصل سلسلة طويلة جًد ا من‬
‫الفضائح‪ ،‬والتجديف‪ ،‬واألهوال‬
‫المتعلقة بالمثليين جنسًيا‪ ،‬وأبناء اللعنة‪،‬‬
‫واألوغاد‪ ،‬والعرق المنحط الذي‬
‫تستهلكه الشهوة‪ ،‬حتى يحرقهم هللا في‬
‫الجحيم‪ .‬وهذه األفعال ضد الطبيعة‪،‬‬
‫وضد الحشمة الدينية والحياء‪ ،‬وضد‬
‫الجمال وقيم اإلسالم‪ .‬يقول‬
‫الجوتاليكات ‪ :‬إنهم ممنوعون تماًم ا من‬
‫ربنا ‪.‬‬
‫‪ -‬هؤالء المثليون كانوا‬
‫محظوظين‪ ،‬لقد وضعناهم في السجن‬
‫فقط‪ .‬وكان القاضي متساهال جدا‪ .‬ولو‬
‫كنا اتبعنا الشرع الذي يجب علينا (‪)...‬‬
‫لقتلناهم‪ ،‬أكد «القيوم » ‪.‬‬
‫– الحاج أبو مصطفى يأسف ألن‬
‫هؤالء الشواذ الشيطانيين لم يدخلوا إال‬
‫السجن‪ .‬ألم يكن القاضي الذي حكم‬
‫عليهم بنفسه جزءا من اللوبي الذي‬
‫يحميهم؟ ألم يتظاهر بإرسالهم إلى‬
‫السجن إلبقائهم على قيد الحياة ؟ ألنه‬
‫لو كنا اتبعنا مبادئ الشريعة اإلسالمية‬
‫األساسية‪ ،‬لكان من الواجب قتلهم بكل‬
‫بساطة‪ .‬اليوم‪ ،‬ال يزال الموضوع ذا‬
‫صلة ألن الحكم لم يكن حازما بما فيه‬
‫الكفاية‪ ،‬نقال عن ‪. jotalikat‬‬
‫– يجب إزالة ‪ Góor-jigéen‬من‬
‫مجتمعنا‪ .‬وإذا رفضوا الرحيل‪ ،‬فإنهم‬
‫(‪ )...‬يضطرون للعودة إلى صمت‬
‫المقابر‪ .‬يجب ببساطة القضاء عليهم‬
‫من الحياة‪ .‬وهذا ما تأمر به الشريعة‪،‬‬
‫كما يقول اإلمام‪.‬‬
‫– يجب أن نقتل جميع المثليين‬
‫جنسيًا! لخص ‪ jotalikat‬له ‪.‬‬
‫– في هذه المشكلة (نوبة السعال‬
‫الرهيبة)‪ ،‬ال يمكن النقاش‪ ،‬ال يمكن‬
‫النقاش مع أي شخص ‪.‬ال رحمة‪ .‬وال‬
‫ينبغي لنا حتى أن نصلي من أجلهم!‬
‫غضب الرجل العجوز‪.‬‬
‫– إلى كل من يتصور أن النقاش‬
‫هو الحل آلفة المثلية الجنسية‪ ،‬الحاج‬
‫أبو مصطفى يرد أنه ال داعي للنقاش‪.‬‬
‫يجب علينا القضاء عليهم‪ ،‬ومطاردتهم‬
‫بعيدا! يوصينا هللا به نحن المسلمين‪.‬‬
‫السنغال والحمد هلل لم تعرف المثلية‬
‫الجنسية في تاريخها‪ .‬إنه شيء غير‬
‫قانوني‪ ،‬لكنه ال يأتي منا‪ .‬وهذا شيء ال‬
‫نعرفه! إنهم ال يستحقون حتى‬
‫صلواتنا‪.‬‬
‫– يجب أن نصلي إلى هللا لكي‬
‫يعيننا على أال نضل طريق اإليمان‪.‬‬
‫ويجب علينا أن نضاعف صلواتنا حتى‬
‫ال ينسانا هللا‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن نقتلهم جميعا! لخص‬
‫جوتاليكات ‪.‬‬
‫‪ -‬مكتوب أن من العالمات التي‬
‫تعلن نهاية العالم تكاثر الشواذ‪ .‬وفي‬
‫الغرب لهم الحق في الزواج‪.‬‬
‫ويدافع عنهم المسلمون ‪ .‬وهللا‬
‫نفسه‪ ،‬الذي رأى كل شيء‪ ،‬قال (‪)...‬‬
‫سوف يقوم كثير من المسلمين‬
‫ويدافعون عنهم‪ ،‬وينكرون إيمانهم‬
‫ونبيهم‪ )...( .‬دعونا ال نكون هؤالء‬
‫المسلمين األشرار‪ .‬فلندافع عن ديننا‬
‫وقيمنا وتقاليدنا‪.‬‬
‫– نهاية العالم لم تعد بعيدة يا‬
‫إخواني المسلمين‪ .‬المثليون جنسيا في‬
‫كل مكان‪ .‬في الغرب‪ ،‬لديهم اآلن الحق‬
‫في الزواج من بعضهم البعض‪ .‬وما‬
‫يقنع الحاج أبو مصطفى بن خاليلوله "‬
‫القيوم " بقرب نهاية العالم هو أن‬
‫المسلمين‪ ،‬األفراد الذين يدعون أنهم‬
‫مسلمون‪ ،‬يدافعون بشكل متزايد عن‬
‫الغور جيجين ‪ .‬هؤالء المسلمون‬
‫المزيفون ليسوا أفضل من المثليين‬
‫جنسيًا‪ .‬يوم القيامة ماذا سيقولون‬
‫لربهم؟ سيذهبون إلى الجحيم مع من‬
‫دافعوا عنه على األرض‪ .‬أثناء‬
‫عبورهم جسر القدر‪ ،‬سيقعون في‬
‫الهاوية العميقة والمشتعلة للجحيم‬
‫العظيم! يجب أال نكون مثل هؤالء‬
‫األشرار‪ ،‬هؤالء المرتدين‪ .‬يجب أن‬
‫ندافع عن قيمنا وديننا وإلهنا‪.‬‬
‫– شكرًا‪ ،‬قال “القيوم ” ‪.‬‬
‫– “ القيوم ” شكرا قالت‬
‫جوتاليكات ‪.‬‬
‫"" القيوم "" بدا عليه اإلرهاق ‪،‬‬
‫أدى بعض الصلوات وفجأة بدا أن‬
‫حالته تسوء‪ .‬وتم استدعاء سيارة‬
‫إسعاف‪ ،‬التي واجهت صعوبة كبيرة‬
‫في الوصول إلى المسجد بسبب‬
‫الحشود في الخارج‪ .‬كان على‬
‫الجوتاليكات الشجاعة ‪ ،‬التي استولت‬
‫على الميكروفون الذي يستخدمه‬
‫المؤذن لدعوة المؤمنين‪ ،‬أن تعطي‬
‫تعليمات سلطوية حتى يمكن فتح مدخل‬
‫المسجد‪ .‬نضع أ‬
‫" القيوم " يموت برفقة اثنين من‬
‫الحراس‪ ،‬ثم عادت سيارة اإلسعاف‬
‫إلى مستشفى عباس نداو‪ .‬وفي كل هذه‬
‫الفوضى‪ ،‬كدنا أن ننسى الصالة نفسها‪.‬‬
‫كنت أفكر في هذا عندما رأيت محمدو‬
‫عبد هللا يخرج من الصندوق‪ ،‬ووجهه‬
‫صارم ولكنه منتصر‪ .‬ووقف في مكان‬
‫اإلمام‪ .‬وكان هو هذه المرة هو الذي‬
‫اختاره الحاج أبو مصطفى بن خللولة‬
‫إلمامة المؤمنين‪.‬‬
‫بينما وقفنا جميًعا للصالة‪ ،‬رأيت‬
‫والدي‪ .‬لم يسبق لي أن رأيت هذا القدر‬
‫من الكرامة على وجه الرجل الذي‬
‫تبرأنا منه وأهينناه علًنا للتو‪.‬‬
‫*‬
‫مازلنا نتحدث لفترة طويلة عن‬
‫العار الذي تعرض له والدي‪ ،‬الذي‬
‫وجد نفسه وحيًد ا أكثر فأكثر‪ .‬كدت‬
‫أشعر باألسف عليه‪ .‬خرج ومشى‬
‫وسط السخرية واإلشاعات والكلمات‬
‫المنخفضة والنظرات المعادية‪ .‬لقد‬
‫تخلى عنه أنصاره السابقون‪ ،‬الواحد‬
‫تلو اآلخر‪ ،‬ليلتحقوا بمعسكر محمدو‬
‫عبد هللا‪ ،‬الذي أصبح الرجل القوي في‬
‫الحي‪ .‬كان والدي يتمتع بشعبية كبيرة‪،‬‬
‫ولم يعد هو الشخص الذي أوصى‬
‫بالصالة من أجل شخص مثلي الجنس‬
‫وغير محبوب‪ .‬وفي المسجد‪ ،‬لم يعد‬
‫في الصف األول‪ ،‬وال بين الذين يليهم‪،‬‬
‫بل أصبح مصلًيا بين اآلخرين‪ ،‬تائًها‬
‫في مكان ما في الصفوف‪ ،‬إذا تمكن‬
‫من العثور على مكان هناك‪ .‬محمدو‬
‫عبد هللا‪ ،‬الذي كان يؤم صالة الجمعة‪،‬‬
‫لم يعد يتحدث إليه‪ ،‬بل إنه تمكن‪ ،‬في‬
‫كل خطبة‪ ،‬من توجيه االنتقادات إليه‪.‬‬
‫لم يخفض والدي رأسه‪ ،‬ولم يقل أي‬
‫شيء؛ لم أكن أعرف حتى إذا كان‬
‫يتألم‪ .‬ألنه‪ ،‬والغريب‪ ،‬أن هذه العزلة‬
‫وهذا التهميش يبدو أنه يقوي إيمانه‪.‬‬
‫وحدث أن رأيت نوعًا من الخفة في‬
‫عينيه‪ ،‬وكأن اختيار «القيوم » قد‬
‫أراحه ثقًال‪ .‬لقد كان سامًيا تقريًبا في‬
‫عزلته‪ ،‬التي بدا أنه يستمد منها صفاًء‬
‫غامًض ا‪ .‬عندما سألته كيف اختبر كل‬
‫هذا‪ ،‬أخبرني أن الدرس الوحيد الذي‬
‫يمكن تعلمه من هذه الحادثة هو أن‬
‫اإلنسان هنا على األرض ليس شيًئا‪،‬‬
‫وأن هللا وحده هو كل شيء ‪.‬ال أعرف‬
‫حقًا ماذا كان يقصد‪.‬‬
‫كل ما أعرفه هو أنه‪ ،‬األرثوذكسي‬
‫والقاسي للغاية‪ ،‬هو الذي كان على‬
‫استعداد لحفري بيديه بدون مجرفة أو‬
‫معول‪ ،‬إذا كنت مثلًيا جنسًيا ودفنوني‬
‫في مقبرة مسلم‪ ،‬فهو صارم جًد ا ‪ ،‬تم‬
‫الحكم عليه من قبل اآلخرين بأنه‬
‫متساهل للغاية‪ ،‬ومتساهل للغاية فيما‬
‫يتعلق بمسألة المثلية الجنسية‪ .‬البلد‬
‫المقدس‪.‬‬
‫وبعد أسابيع قليلة الحاج أبو‬
‫مصطفى بن خليل هللا‬
‫توفي " القيوم "‪ .‬وكانت جنازته‬
‫عظيمة‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬أصبح محمدو‬
‫عبد هللا اإلمام الشرعي الجديد‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫تذكرت تماًم ا كل "الحقائق‬
‫البغيضة" التي تتعلق بها‬
‫وقد أشار إلى " القيوم " في‬
‫خطبته األخيرة‪ .‬لقد حدثت جميعها في‬
‫غضون بضعة أشهر‪ ،‬وشكلت سلسلة‬
‫من الفضائح المحيطة بالمثلية الجنسية‪.‬‬
‫األول حدث في ‪ 4‬مارس من العام‬
‫السابق‪ .‬في ذلك اليوم‪ ،‬فاجأ شباب من‬
‫منطقة سكنية في داكار مجموعة من‬
‫الرجال كانوا يحتفلون بحفل زفاف‪.‬‬
‫العديد منهم‪ ،‬يرتدون زي األمراء‪،‬‬
‫دخلوا الواحد تلو اآلخر إلى مبنى‬
‫جميل‪ .‬وقد أثار هذا العرض الغريب‬
‫فضول الشباب‪ ،‬خاصة وأن هؤالء‬
‫الرجال جميعهم دخلوا المبنى بمزيج‬
‫من العجلة والعصبية‪ ،‬كما لو كانوا‬
‫يخشون أن يالحظهم أحد‪ .‬ظهرت على‬
‫الفور فكرة أنهم مثليون جنسيًا في‬
‫أذهان السكان‪ .‬كان الشباب قد انتظروا‬
‫حتى حلول الظالم ليدعوا أنفسهم على‬
‫حين غرة إلى الشقة التي دخل إليها‬
‫هؤالء األشخاص الذين يرتدون‬
‫مالبس أنيقة‪ .‬وبحسب شهاداتهم وجدوا‬
‫هناك أربعة عشر رجًال يحتفلون‬
‫باالتحاد‪ .‬لم يكن لدى الشباب رد الفعل‬
‫الستدعاء الشرطة على الفور‪ .‬بسبب‬
‫السخط واالشمئزاز‪ ،‬قاموا بضرب‬
‫الجميع‪ .‬أحد العروسين المفترضين فقد‬
‫عينه في هذه العملية‪ .‬قفز شريكها من‬
‫النافذة هرًبا من اإلعدام خارج نطاق‬
‫القانون ووجد نفسه بساقين مكسورتين‬
‫‪-‬‬
‫كانت الشقة في الطابق الرابع‪.‬‬
‫لكن الرجل البائس لم يكن يعلم أن‬
‫مجموعة ثانية من الشباب كانوا يقفون‬
‫للحراسة في الطابق السفلي‪ ،‬في حالة‬
‫محاولة المثليين الفرار من المبنى‪.‬‬
‫وتعرض الرجل المصاب للضرب‬
‫المبرح‪ ،‬وباإلضافة إلى كسور ساقيه‪،‬‬
‫فقد أصيب بأربعة كسور في األضالع‬
‫وفقد سبعة أسنان‪ .‬أصيب جميع‬
‫ضيوف حفل الزفاف اآلخرين بجروح‬
‫خطيرة إلى حد ما‪ .‬وانتهى األمر‬
‫بواحد منهم في غيبوبة‪ .‬وحوكم من‬
‫بقوا وحكم عليهم بالسجن خمس‬
‫سنوات وسنة واحدة‬
‫غرامة قدرها مليون وخمسمائة‬
‫ألف فرنك لكل من "الفعل المخل‬
‫بالحياء‪ ،‬والفعل غير الطبيعي‪،‬‬
‫واالشتراك في جريمة"‪.‬‬
‫وبعد ما يزيد قليًال عن شهر‪،‬‬
‫تبعت فضيحة أخرى زواج غور‪-‬‬
‫جيجين ‪ .‬في الثالث عشر من‬
‫إبريل‪/‬نيسان‪ ،‬أبلغ أحد مستخدمي‬
‫اإلنترنت الصحافة عن وجود مقطع‬
‫فيديو على أحد المواقع اإلباحية‪ ،‬حيث‬
‫تناوبت مثليتان سنغاليتان على لعق‬
‫كسسي كل منهما‪ ،‬ومليئة حركاتهما‬
‫الغريبة بتعبيرات بذيئة بلغة الولوف‪،‬‬
‫اللغة الوطنية للبالد‪ .‬وادعى مستخدم‬
‫اإلنترنت أنه اكتشف الفيديو بالصدفة‪،‬‬
‫بطبيعة الحال‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد انتشرت‬
‫بسرعة‪ .‬وبما أن المرأتين كانت لديهما‬
‫فكرة ممتازة بإظهار وجهيهما‪ ،‬فقد‬
‫انطلقت عملية مطاردة حقيقية‪ .‬ميت او‬
‫حي‪ .‬تم وضع ثمن على رؤوسهم‪.‬‬
‫وعدت الجمعيات الدينية بمكافآت ألي‬
‫شخص يتعرف على السدين الملعونين‬
‫أو يساعد في التعرف عليهما‪ .‬وكانت‬
‫هناك استنكارات ضخمة وكاذبة في‬
‫كثير من األحيان‪ .‬وادعى الكثيرون‬
‫أنهم يعرفون شخًص ا يعرف شخًصا‬
‫كان صديًقا إلحدى األخوات األكبر‬
‫سنًا للفتيات‪ .‬وتضاعفت االعتقاالت‬
‫التعسفية‪ .‬وإذا كانت المرأة ذات ذوق‬
‫سيء تشبه أحد المتهمين‪ ،‬لتحولت‬
‫حياتها إلى جحيم‪ .‬وهكذا كانت هناك‬
‫بعض حاالت سوء الفهم المؤسفة‪ .‬وجد‬
‫حوالي عشرة شبيهين للخاطئين أنفسهم‬
‫خلف القضبان أو على أسرة‬
‫المستشفيات‪ .‬ولم يتم العثور على‬
‫الفتاتين الموجودتين في الفيديو‪.‬‬
‫وعلمنا‪ ،‬بعد أسابيع قليلة من مطاردة‬
‫المرأة‪ ،‬أنهم وجدوا طريقة للفرار من‬
‫البالد بمجرد أن علموا أن مقطع‬
‫الفيديو الخاص بهم قد شاهده مستخدم‬
‫بريء لإلنترنت "بالصدفة"‪.‬‬
‫في ‪ 29‬مايو‪ ،‬ظهرت صورة‬
‫لمطرب شاب شهير‪ ،‬نجم موسيقى‬
‫جديد‪ ،‬حريص على الموضة واألناقة‪،‬‬
‫وهو يحمل في يده حقيبة من إحدى‬
‫العالمات التجارية الكبرى‪ ،‬أنيقة‬
‫للغاية‪ ،‬ولم يكن من سوء حظها أنها‬
‫تشبه حقيبة نسائية‪ .‬لم يستغرق األمر‬
‫الكثير حتى خرجت الفضيحة من‬
‫جيوب األكسسوارات‪ .‬إلى المناقشات‬
‫العقيمة حول جنس الحقيبة (أنثوية؟‬
‫مذكر؟ حيادي ؟ متحول جنسًيا؟)‬
‫سرعان ما أعقبه شك رهيب‪ :‬ماذا لو‬
‫كان المغني‪ ،‬الوسيم جًد ا بالفعل‪،‬‬
‫والمحبوب لجميع الشابات في البالد‪،‬‬
‫مثلًيا؟ بدأنا في تشريح نصوص جميع‬
‫أغانيه لتعقب رسالة مموهة‪ ،‬أثر خفي‬
‫من شأنه أن يؤكد أطروحة ذوقه ‪ .‬تم‬
‫تحليل أوضاعه من قبل الخبراء‪.‬‬
‫أصبحت القضية سياسية‪ .‬تحدثت‬
‫الشخصيات‪ .‬أجرت زوجته (ألنه‬
‫متزوج) مقابلة على شاشة التلفزيون‪،‬‬
‫حيث أكدت أن رجلها كان يمتلك كامل‬
‫رجولته‪ ،‬وأنه ذكر‪ ،‬حقيقي‪ ،‬قوي‪ ،‬ذو‬
‫خصيتين كبيرتين وثمانية عشر‬
‫سنتيمترا من الطول‪ .‬نحاس‬
‫تتالشى بين الساقين‪ .‬لكن هذا ال‬
‫يكفي لتهدئة الشكوك‪ .‬وكانت هناك‬
‫مسيرات ومظاهرات‪ .‬لقد طالبنا‬
‫بالحقيقة بشأن قضية الحقيبة‪.‬‬
‫تم اتهام المغني بأنه مخنث للغاية‬
‫لدرجة أنه ال يستطيع أن يكون صادًقا‪.‬‬
‫واألخير‪ ،‬الذي كان في جولة عندما‬
‫اندلعت الفضيحة‪ ،‬اضطر إلى تعليقها‬
‫والعودة على عجل‪ .‬كان عليه أن‬
‫يشرح نفسه‪ .‬لقد فعل ذلك على شاشة‬
‫التلفزيون‪ ،‬في برنامج خاص حطم‬
‫جميع األرقام القياسية للجمهور‪ .‬في‬
‫ذلك المساء‪ ،‬أقسم المغني‪ ،‬على القرآن‬
‫الذي أحضره لهذه المناسبة‪ ،‬أنه ليس‬
‫مثلًيا وأنه ال يريد هذه اللعنة ألي‬
‫شخص‪ .‬ثم‪ ،‬إلغالق المناقشة‪ ،‬قام‬
‫بشكل رمزي‪ ،‬أمام ماليين المشاهدين‪،‬‬
‫بإحراق الحقيبة التي كانت أصل هذه‬
‫القضية‪ .‬كانت هذه البادرة بمثابة‬
‫تضحية تم من خاللها إخالء كل العنف‬
‫الناتج عن هذه القصة وطرده وتكفيره‪.‬‬
‫بعد ذلك‪ ،‬كان هناك هدوء طفيف‬
‫لبضعة أشهر‪ ،‬ولكن في ‪ 18‬سبتمبر‬
‫كشفت مجلة شعبية‪ ،‬مع الصور‬
‫الداعمة‪ ،‬أن كاتب العمود األكثر شعبية‬
‫في البالد قد تفاجأ في مكتبه بممارسة‬
‫الجنس مع صبي صغير‪ .‬قديم يتجول‬
‫في الشوارع‪.‬‬
‫تم إرسال الصحفي على الفور إلى‬
‫السجن‪ ،‬لكن أكثر ما صدم الرأي العام‬
‫لم يكن جريمة االستغالل الجنسي‬
‫لألطفال بقدر ما كان خطأ اللواط (كان‬
‫هناك وقت كانت فيه هاتان الكلمتان‬
‫تعنيان نفس الشيء‪ ،‬ولكن دعونا‬
‫ننتقل ‪. )...‬‬
‫إن حقيقة أنه أجبر‪ ،‬عن طريق‬
‫الفساد أو الخداع‪ ،‬قاصًر ا يعاني من‬
‫ضائقة على النوم معه كان أمًرا‬
‫خطيًر ا‪ ،‬لكنه ال يزال مقبوًال‪ :‬ففي نهاية‬
‫المطاف‪ ،‬كان من الضروري أن‬
‫تتجول جثث هؤالء الطالب الشباب في‬
‫شوارع البالد‪ ،‬دون مأوى ثابت‪ ،‬إذا‬
‫تركوا ألجهزتهم الخاصة‪ ،‬يخدمون‬
‫غرًض ا ما‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن‬
‫ممارسة الجنس مع رجل أمر ال يغتفر‪.‬‬
‫وبدا أننا رأينا أن الضحية كان رجًال‬
‫قبل أن ندرك أن الرجل كان طفًال‪.‬‬
‫تم جره عبر الوحل بعد أن تم نقله‬
‫إلى القمة‪ ،‬وتخلى عنه جميع أصدقائه‪،‬‬
‫لقد سقط عزيًز ا‪ ،‬مات الصحفي مثل‬
‫كلب في زنزانته‪ ،‬من المرض والوحدة‬
‫والعار واليأس‪ .‬وانتظر الناس حتى‬
‫وفاته ليتحسروا على فقدان عقل رفيع‬
‫ورائع ارتكب األخطاء‪ .‬لم ُيقال الكثير‬
‫عن الصبي الذي دمرت حياته ‪.‬‬
‫أخيًر ا‪ ،‬بعد أشهر طويلة دون‬
‫وقوع أي حادث‪ ،‬عندما بدأنا نعتقد أن‬
‫سلسلة الفضائح قد انتهت‪ ،‬كاتب شاب‬
‫عصري لم يعجبني (كرهت أسلوبه‪،‬‬
‫كالسيكي جًد ا‪ ،‬ثقيل الوطأة‪ ،‬وثمين‬
‫أحياًنا‪ ،‬وأنا لم تعجبه شخصيته‬
‫وغطرسته وادعاءاته المختبئة وراء‬
‫تواضع زائف وصفاء محسوب)‪ ،‬لذلك‬
‫نشر هذا الكاتب الشاب رواية تصور‬
‫رجًال تعذبه رغبة مثلية ناشئة بداخله‪.‬‬
‫انتقاد أدبي‬
‫لقد دمرت الكتاب‪ ،‬الذي اعتبرته‬
‫سيًئا (كان صحيًح ا)‪ ،‬ومبتذًال‪ ،‬وقبل كل‬
‫شيء‪ ،‬خطيًر ا من الناحية األخالقية‪.‬‬
‫وحاول الكاتب الشاب أن يوضح أنه ال‬
‫يدافع عن المثليين‪ ،‬بل يسعى إلى‬
‫تحليل ما يجري في رؤوسهم‬
‫وأجسادهم‪ .‬لقد ادعى أن الخبرة األدبية‬
‫فقط وما سمحت له بفهمه عن اإلنسانية‬
‫هو ما يهمه‪ .‬لقد أعلن في كل مكان أنها‬
‫رواية وخيال وأدب وليست حقيقة‬
‫واقعية‪ .‬لقد أصر على تكرار أن "أنا"‬
‫الراوي ليست "أنا" الراوي‪ ،‬المؤلف‪.‬‬
‫ورغم أنه فعل وقال كل ذلك‪ ،‬لم‬
‫يصدقه أحد‪ .‬لم يتم اتهامه فقط بأنه‬
‫يتقاضى رواتب جماعات الضغط‬
‫الغربية التي دفعت له بسخاء للدفاع‬
‫عن غور جيجين ‪ ،‬ولكن ُز عم أيًضا‬
‫أنه كان هو نفسه شاًذ ا سيئ السمعة‬
‫(يجب أن يقال أنه (كان لديه القليل من‬
‫المهارة) المظهر) الذي سعى إلى إفساد‬
‫الشباب بكتبه المتواضعة‪ .‬لقد أطلقوا‬
‫العنان ضده‪ .‬الكاتب الشاب مكسور‪.‬‬
‫لقد كتب كتاًبا صغيًر ا وحميمًيا للغاية‪،‬‬
‫أوضح فيه أنه كان يعلم دائًم ا أنه‬
‫سيعيش ويموت من خالل األدب؛ ثم‬
‫انتحر بعد أيام قليلة من نشر هذا‬
‫الكتاب الصغير‪ .‬وكذلك بطل الرواية‬
‫الذي أكسبه انتقادات واتهامات‪ .‬بالنسبة‬
‫للبعض‪ ،‬هذا التشابه بين مصير‬
‫المؤلف ومصير شخصيته المثلية‬
‫أعطى مصداقية لنظرية الكاتب الشاب‬
‫حول اللواط‪ .‬المأساة هي أنه حتى هذا‬
‫الكتاب الصغير األخير‪ ،‬الذي أراد‬
‫الروائي الشاب بال شك أن يكون جاًد ا‬
‫وجمياًل ‪ ،‬بدا لي ضعيًفا للغاية ومؤكًد ا‬
‫بال داع‪.‬‬
‫منذ هذه الحالة األخيرة‪ ،‬لم أسمع‬
‫أي شيء ملحوظ عن المثليين جنسيًا‪،‬‬
‫حتى ظهر فيديو الرجل الذي يتم‬
‫استخراجه‪.‬‬
‫‪ .1‬في السنغال‪ُ ،‬يعهد األطفال إلى‬
‫معلم بتعلم القرآن‪ ،‬ولكن غالبا ما يتم‬
‫استغاللهم من قبل هذا األخير‪ .‬إنهم‬
‫يتسولون في الشوارع من أجل البقاء‬
‫أو دعم أسيادهم‪ ،‬ويتعرضون النعدام‬
‫األمن والعنف في المناطق الحضرية‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫كانت أنجيال على حق‪ :‬كان سامبا‬
‫أوا نيانغ حالة خاصة في هذا البلد‪.‬‬
‫استثناء‪ .‬وفي دولة ذات أغلبية مسلمة‪،‬‬
‫حيث كان المثليون جنسيًا مستبعدين‬
‫من الحياة االجتماعية ـ وأحيانًا من‬
‫الحياة ذاتها ـ لم أكن أفهم أن سامبا آوا‬
‫نيانج قد نجا‪ ،‬أو حتى حظي بالتقدير‪،‬‬
‫حين علم الجميع أنه كان يهوديًا ‪ .‬كان‬
‫السامبا آوا هو اللقاء غير المحتمل‬
‫ولكنه حقيقي بين أقوى دوافع الكراهية‬
‫الشعبية والواقع األكثر وضوًح ا للعشق‬
‫العام‪ .‬لقد ركز في شخصه أكثر ما‬
‫يقدره السنغاليون ــ هذه الكائنات‬
‫الملونة‪ ،‬التي تمثل نماذج للفولكلور‬
‫المحلي ــ وأكثر ما يكرهونه بال شك ــ‬
‫الغور جيجين ‪ .‬لم أكن أعرف كيف‬
‫يكون هذا الخليط ممكنا‪ ،‬وقد أزعجني‬
‫ذلك‪.‬‬
‫لقد جئت بنفسي لقبول ‪Samba‬‬
‫‪ Awa‬بصفته ‪. Góor-Jigean‬‬
‫لقد انتهى بي األمر بإدراجه في‬
‫المشهد الطبيعي وفي الحياة الطبيعية‪.‬‬
‫لقد كان هناك بكل بساطة‪ :‬لقد كان‬
‫وجًها مألوًفا‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬بقدر‬
‫ما أستطيع أن أتذكر‪ ،‬كنت أعرفه دائًم ا‬
‫كما كان‪ :‬مزيًنا من ناحية بسمعته‬
‫كمثلي جنسًيا (والتي‪ ،‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫لم يفعل شيًئا ينكره)‪ ،‬ومن ناحية أخرى‬
‫بجمهور معين‪ .‬مجد‪ .‬يمكن للمرء حتى‬
‫أن يعتقد أن مثليته الجنسية هي التي‬
‫ضمنت له هذا النجاح‪.‬‬
‫لقد كنت سعيًد ا جًد ا ألن أنجيال‬
‫أعطتني الفرصة لمقابلته‪ .‬كان لدي‬
‫الكثير من األسئلة ألطرحها عليه‪.‬‬
‫كنت أعرف أن سامبا أوا نيانغ‬
‫كان مجرد إشاعة‪ :‬لم نكن نعرف شيًئا‬
‫عنه ولكن الجميع اعتقدوا أنهم يعرفون‬
‫كل شيء تقريًبا ‪.‬ال بد من القول إن‬
‫سامبا آوا نفسه بدا أنه يجد متعة‬
‫غامضة في السماح للشائعات حوله‬
‫باالنتشار‪ ،‬حتى في الحفاظ عليها‪.‬‬
‫العشاق المشهورون الذين نسبوا إليه‪،‬‬
‫النعم التي قيل إنه يتمتع بها بين‬
‫العظماء (سمعت هنا وهناك أنه كان‬
‫تحت حماية السفير‬
‫قوة غربية عظمى)‪ ،‬والمغامرات‬
‫التحررية التي كان بطلها‪ ،‬والفضائح‬
‫التي ذكرت باسمه وحده (يبدو أنه‬
‫تفاجأ ذات يوم وهو على سرير سلطة‬
‫روحية عليا في البالد)‪ ،‬كل هذا لم تثير‬
‫القيل والقال أي رد منه‪ :‬لم يؤكد شيًئا‬
‫ولم ينكر شيًئا‪ .‬وهكذا استمرت‬
‫الشائعات في االنتشار بخطوات كبيرة‪.‬‬
‫لقد استخدمها سامبا آوا كأحد‬
‫األصول‪ ،‬حيث عمل على تنمية قدر‬
‫كبير من حرية التصرف في حياته‬
‫الخاصة والحيوية في صورته العامة‪.‬‬
‫وعلى أية حال‪ ،‬فإن السنغاليين لم‬
‫يهتموا بهذه الفجوة بين الحياة الخاصة‬
‫والعامة‪ .‬ولم يتم فصل هذين المجالين‬
‫في عيونهم‪.‬‬
‫ما كانوا يعرفونه على وجه اليقين‬
‫عن سامبا آوا ‪ -‬أنه كان يؤدي التنبير‬
‫والصابر والحيل وغيرها من الفنون‬
‫الشعبية المبهجة بموهبة‪ ،‬وأنه كان‬
‫يتمتع بسمعة فاضحة باعتباره مثلًيا‬
‫جنسًيا ‪ -‬كان كافًيا بالنسبة لهم‪ .‬فإذا‬
‫تصرف مثلي الجنس أمام الجميع‪،‬‬
‫فذلك بال شك ألنه كان مثلًيا في السر‪،‬‬
‫نظًر ا ألن الرجل هنا ال يفعل إال ما هو‬
‫عليه‪.‬‬
‫أنتج هذا التأثير التالي‪ :‬بقدر ما‬
‫كان الجميع قادرين على مشاركتي‬
‫الحكايات التي سمعوها من شخص‬
‫آخر‪ ،‬لم يكن أحد يعرف حًقا من كان‬
‫سامبا آوا خارج دوائر الرقص ذات‬
‫يوم‪ .‬ما هي النقطة‪ ،‬بعد كل شيء؟ لقد‬
‫كان مجرد مثلي الجنس‪ :‬كان عليه أن‬
‫يعيش كما يعيش المثليون جنسيًا‪.‬‬
‫العنوان الذي أعطتني إياه أنجيال‬
‫كان يقع في منطقة الهضبة‪ .‬ذهبت إلى‬
‫هناك مساء أحد أيام األحد‪ ،‬كما‬
‫أوصت‪.‬‬
‫*‬
‫جو مريح‪ .‬أضواء ناعمة وخافتة‪.‬‬
‫الصور الظلية لألزواج ومجموعات‬
‫األصدقاء والعزاب‪ .‬أوتار حلوة لكورا‬
‫غير مرئية في الهواء‪ .‬همسات أنيقة‪.‬‬
‫بعد أن تجولت في الغرفة (لم أر سامبا‬
‫آوا)‪ ،‬جلست على طاولة في زاوية‬
‫بالقرب من المدخل‪ ،‬وطلبت مشروًبا‪.‬‬
‫دخل سامبا أوا نيانغ بعد ساعة‪ .‬في‬
‫البداية‪ ،‬واجهت صعوبة في التعرف‬
‫عليه‪ ،‬ألنه ال عالقة له بالرجل الذي‬
‫كان يرتدي فستاًنا قبل بضعة أسابيع‬
‫وينظم مسابقة رقص فاحشة‪ .‬لكن من‬
‫خالل التدقيق فيه لفترة طويلة –‬
‫ولحسن الحظ كان يجلس على طاولة‬
‫مجاورة وتمكنت‪ ،‬رغم اإلضاءة‬
‫الضعيفة‪ ،‬من تفصيل وجهه – انتهى‬
‫بي األمر بالتعرف على مالمحه‬
‫الحقيقية‪ ،‬وراء المكياج الذي كان‬
‫يضعه خالل عروضه‪ .‬كان لباسها‬
‫أنيًقا‪ ،‬ونبياًل تقريًبا‪ :‬كان عبارة عن‬
‫بوبو أبيض مهيب مكون من ثالث‬
‫قطع‪ ،‬مصنوع من قماش غني يصدر‬
‫حفيًفا مع كل حركة من حركاتها‪.‬‬
‫تم إحضار صينية صغيرة إليه‬
‫دون استشارته‪ :‬لقد كان زبوًنا منتظًم ا‬
‫لهذه الحانة‪ .‬لقد راقبته لفترة طويلة‪.‬‬
‫كانت تحركاته بطيئة‪ ،‬ولكنها دقيقة‪،‬‬
‫وخالية من أي مفاجئة‪ .‬أما وجهه فكان‬
‫من أتعس الوجوه التي رأيتها في‬
‫حياتي‪ .‬كانت أمامي صورة كآبة أنيقة‬
‫ومنعزلة‪ ،‬اصطدمت بشدة بذكرى‬
‫الصبر ‪.‬‬
‫– لقد كنت تنظر إلي منذ وصولي‬
‫أيها الشاب‪ .‬أيمكنني مساعدتك ؟‬
‫لم أالحظ‪ ،‬منبهًر ا بعمق مالمحه‪،‬‬
‫أنه كان يراقبني‪ .‬في حيرة من أمري‪،‬‬
‫بقيت صامتًا‪.‬‬
‫– من الواضح‪ ،‬تابع سامبا عوا‪،‬‬
‫لقد تعرفت علي‪ .‬نعم‪ ،‬أنا سامبا أوا‬
‫نيانغ‪ .‬يمكنك أن تأتي وتجلس هنا إذا‬
‫أردت‪ ،‬قال لي وهو يشير إلى الكرسي‬
‫الذي أمامه‪.‬‬
‫لقد فاجأني االقتراح في البداية‪ ،‬ثم‬
‫أخافني‪ .‬بقيت في حيرة لبضع ثوان‪ ،‬ال‬
‫أعرف هل أقبل دعوته‪ ،‬التي كانت‬
‫فرصة غير متوقعة للتحدث معه‪ ،‬أم‬
‫أرفضها وأغادر‪.‬‬
‫–ال تقلق‪ ،‬قال سامبا آوا بنبرة‬
‫جدية وجدية‪ ،‬وكأنه خمن مشكلتي‪ ،‬لن‬
‫أضعك في سريري…‬
‫يجب أن يظهر االرتياح في‬
‫تعبيري‪.‬‬
‫– … على األقل‪ ،‬ليس هذا المساء‪،‬‬
‫تابع‪.‬‬
‫يبتسم ألول مرة‪ .‬لم تكن تلك‬
‫االبتسامة الشريرة والرائعة التي طلبها‬
‫الجمهور من إلههم أثناء الصبر ‪ .‬على‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬كانت تلك ابتسامة‬
‫رجل متعب‪ ،‬لم يعد من عادته‬
‫إظهارها‪ .‬في هذا كان مؤثرا‪ .‬نهضت‬
‫وجلست على طاولته‪.‬‬
‫وبالقرب من ذلك‪ ،‬أذهلني وجه‬
‫سامبا أوا نيانغ أكثر؛ وجه عجوز‬
‫ومميز‪ ،‬حيث تكمن المعاناة بكل نبلها‪،‬‬
‫ونبلها الصامت‪.‬‬
‫‪ -‬هل أنت صحفي؟‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬أجبت‪.‬‬
‫‪ -‬ذلك أفضل بكثير‪.‬‬
‫كان صامتا‪ .‬كانت آلة الكورا ال‬
‫تزال ُتعزف أمام العمالء الستة أو‬
‫السبعة المتبقين في الحانة‪ ،‬بما فيهم‬
‫نحن‪.‬‬
‫– أنا لست صحفيا‪ .‬لكني أتيت إلى‬
‫هنا لمقابلتك وطرح بعض األسئلة‬
‫عليك‪ .‬أنا صديقة ألنجيال‪ ...‬أنجيال‬
‫جرين ديوب‪.‬‬
‫‪ -‬آه‪ ،‬هذا الصديق العزيز‪ ...‬إذن‬
‫أنت جدير بالثقة‪ ،‬على ما أعتقد‪.‬‬
‫‪ -‬لكنني سأتفهم جيًد ا إذا كنت ال‬
‫تريد التحدث معي‪.‬‬
‫حدق سامبا عوا في وجهي لفترة‬
‫طويلة‪ .‬ظهر على وجهه تعبير غريب؛‬
‫لم يكن ذلك عدم ثقة أو تسلية‪ ،‬بل كان‬
‫شكًال من أشكال الفضول الممّتن‪ ،‬كما‬
‫لو كنت أول شخص‪ ،‬منذ وقت طويل‪،‬‬
‫يأتي إليه بهذا الشكل من الصراحة‪.‬‬
‫قال ببطء بعد فترة‪" :‬أنا معجب‬
‫بك"‪ .‬ربما سأضعك في سريري الليلة‬
‫بعد كل شيء‪.‬‬
‫هذه المرة‪ ،‬أنا من ابتسم‪ .‬لقد كنت‬
‫مرتاًح ا بشكل غريب‪ .‬خرج زوجان‬
‫من الحانة‪ .‬كان سامبا عوا صامًتا‪ ،‬كما‬
‫لو كان منغمًسا في الموسيقى‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬كنت أعرف أنه كان‬
‫ينتظر مني أن أتكلم‪ ،‬وهذا التواضع‬
‫وحده منعه من أن يسألني عما أريده‬
‫بالضبط‪ .‬لقد انطلقت‪:‬‬
‫– كنت هناك قبل بضعة أسابيع‪،‬‬
‫خالل صبار ‪ .‬لقد بدأت‪ ،‬كانت هناك‬
‫مسابقة الكراسي‪ ،‬دون أن أعرف حًقا‬
‫سبب ذكر هذه الحقيقة‪ .‬لقد كنت جيدة‬
‫جدا‪ .‬تم الفوز على الجمهور‪.‬‬
‫‪ -‬شكرا لك‪ ،‬لقد قمت بعملي فقط‪.‬‬
‫– أود أن أعرف‪ ،‬تابعت‪ ،‬مترددة‬
‫قليًال‪ ،‬أود أن أعرف لماذا يحبك‬
‫الجميع كثيرًا…‬
‫‪ -‬ربما ألنني أقوم بعملي بشكل‬
‫جيد‪ ،‬على ما أعتقد‪.‬‬
‫– نعم هذا صحيح‪ ،‬ولكن…‬
‫(توقفت لحظة للبحث عن الكلمات‪).‬‬
‫صحيح أنك تقوم بعملك بشكل رائع‪،‬‬
‫لكني أردت أن أقول‪ :‬لماذا نحبك كثيرًا‬
‫بينما الجميع يعلمون أنك… حسنًا ‪،‬‬
‫الذي ‪ -‬التي…‬
‫لم أكن أعرف كيف أنهي‪ .‬لم يكن‬
‫الخوف هو ما أعاقني‪ ،‬بل االحترام‬
‫والتعاطف الذي شعرت به فجأة تجاه‬
‫هذا الرجل‪.‬‬
‫– … على الرغم من أنني مثلي‬
‫الجنس‪ ،‬فقد أنهى كالمه بهدوء‪.‬‬
‫لم أجب‪ ،‬حلقي ضيق ‪.‬ال شك أن‬
‫سامبا آوا فهم أن هذا الصمت يعني‬
‫نعم‪.‬‬
‫لقد خفض رأسه للحظة طويلة‪.‬‬
‫كنت أخشى أن أكون قد أساءت إليه‪،‬‬
‫ولكن عندما كنت على وشك االعتذار‪،‬‬
‫انتصب ونظر في عيني‪.‬‬
‫‪ -‬أنا لست مثلي الجنس‪ .‬لم أمارس‬
‫الجنس قط‪ ،‬طوال حياتي‪ ،‬مع رجل‪.‬‬
‫لقد تزوجت من امرأة‪ ،‬وأنا اآلن‬
‫مطلقة‪ ،‬ولدي طفالن‪.‬‬
‫لم أترك أًيا من دهشتي تظهر‪.‬‬
‫وتابع سامبا عوا‪:‬‬
‫‪ -‬ربما يكون من الصعب تصديق‬
‫ذلك‪ .‬سامبا أوا نيانغ‪ ،‬أشهر مثلي‬
‫جنسًيا في البالد‪ ،‬لن يكون واحًد ا‪،‬‬
‫وسيكون لديه أطفال‪ ...‬ومع ذلك‪ ،‬فهو‬
‫كذلك‬
‫الحقيقة البسيطة‪ .‬أنا لست مثلي‬
‫الجنس‪ .‬أنا متخنث‪ ...‬أعرف كل هذه‬
‫الكلمات‪ ،‬كان علي أن أقرأ األشياء‬
‫عندما أفهم ما كان يحدث لي‪ .‬لدّي‬
‫درجة الماجستير في علم االجتماع‬
‫الجنسي‪.‬‬
‫فتحت عيني واسعة‪.‬‬
‫– نعم‪ ،‬لقد درست‪ ،‬وهو ما توقفت‬
‫عنه منذ فترة طويلة‪ ،‬ألصبح السامبا‬
‫أوا نيانج الذي نعرفه اليوم‪ .‬أنا أعرف‬
‫كل الكلمات الجنسية‪ .‬لكن كل اللغات‬
‫التقنية عديمة الفائدة في هذا البلد‪.‬‬
‫بقيت صامًتا‪ ،‬وقد غلبني عدم‬
‫الفهم‪ .‬وواصل سامبا عوا توضيحاته‪.‬‬
‫كان يتحدث ببطء‪ ،‬ويفصل كل مقطع‬
‫بوضوح كبير‪ .‬شعرت أن هذا‬
‫الوضوح لم يكن انعكاًسا لهدوء‬
‫داخلي‪ ،‬بل لضيق عميق ال يستطيع‬
‫احتواؤه إال بفرض قدر كبير من ضبط‬
‫النفس‪ .‬وكان من الواضح أن الحديث‬
‫عن كل هذا كان يسبب له األلم‪.‬‬
‫‪ -‬كلمة ‪ Góor-Jigean‬إشكالية ‪.‬‬
‫يعني رجل‪-‬امرأة كما تعلم‪ .‬ولكن ما‬
‫هو الرجل والمرأة؟ ال شيء وكل شيء‬
‫في نفس الوقت‪ .‬نحن ندرج في كلمة‬
‫‪ Góor-Jigean‬أي هوية جنسية‬
‫ليست من جنسين مختلفين‪ .‬لذلك‬
‫يطلقون علي اسم ‪، góor-jigéen‬‬
‫كما ُيطلق هنا على المثليين جنسيًا‬
‫والمتحولين جنسيًا ومزدوجي التوجه‬
‫الجنسي والخنثيين وحتى الرجال الذين‬
‫هم ببساطة مخنثون قليًال أو األشخاص‬
‫ذوو المظهر المخنث‪.‬‬
‫أنا ‪ Góor-jigéan‬بسبب إساءة‬
‫استخدام اللغة وعدم دقتها‪ .‬هنا‪ ،‬عندما‬
‫ال تكون من جنسين مختلفين‪ ،‬فأنت‬
‫‪. Góor-jigéan‬ال يوجد مكان‬
‫للباقي‪ ،‬لجميع أنواع الحياة الجنسية‬
‫األخرى التي يعيشها العديد من الرجال‬
‫والنساء‪ .‬أنا أعرف الكثير منهم‪.‬‬
‫‪ -‬وهذا يقلقك؟‬
‫– يمكن أن أقتل غدًا على ما لست‬
‫عليه‪ ،‬ولكن من يعتقد أنه بسبب كلمة‬
‫أو إشاعة‪ .‬لذا نعم‪ :‬إنه يقلقني قليًال‪.‬‬
‫لكني أخشى الموت أقل فأقل‪ .‬لقد مات‬
‫العديد من األشخاص الذين أعرفهم‬
‫ألنهم اُتهموا بأنهم غور جيجيان ‪ ،‬حتى‬
‫لو كانوا ببساطة مخنثين في أخالقهم‪.‬‬
‫جنسيًا‪ ،‬أنا لست مثليًا‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن‪ ...‬لقد بدأت‪.‬‬
‫– نعم‪ ،‬أوقفني على الفور‪ .‬أعتقد‬
‫أنني ال أجيب على سؤالك‪ .‬لماذا أنا‬
‫محبوب عندما ُينظر إلّي في الرأي‬
‫العام على أنني مثلي الجنس؟‬
‫توقف مؤقًتا‪ ،‬وأخذ نفًسا عميًقا‪.‬‬
‫ال أعرف‪ ،‬في أعماقي‪ ،‬ما‬ ‫وتابع ‪" :‬‬
‫الذي يجب أن أجيبك عليه "‪.‬ال أعرف‪.‬‬
‫ألكون صادًقا‪ ،‬في كل مرة أشارك فيها‬
‫في صبار أو شيء من هذا القبيل‪ ،‬أعلم‬
‫أنني يمكن أن أموت هناك‪ .‬يكفي أن‬
‫ينسى الناس لبعض الوقت أنني‬
‫أستضيف الحفل‪ ،‬ويكفي أن أتوقف عن‬
‫أسر المتفرجين لبعض الوقت‬
‫ليهاجموني ويقتلوني‪ .‬حياتي ال تعني‬
‫شيئا‪ .‬أنا أخاطر بذلك في كل ظهور‬
‫علني‪ .‬كل نزهة يمكن أن تكون‬
‫األخيرة‪ .‬ولهذا السبب أحاول القيام‬
‫بعملي بشكل جيد‪ .‬أنا مستثمر‪ .‬أنا‬
‫أعمل على تاسو ‪ ،‬ومظهري‪ ،‬وشعري‬
‫المستعار‪ ،‬وتصميم الرقصات‪ .‬تتم‬
‫دراسة كل شيء بالتفصيل‪.‬‬
‫ربما هذا ما يبقيني على قيد الحياة‪.‬‬
‫هناك شيء آخر‪ :‬أدائي هو لعبة‪ ،‬أضع‬
‫نفسي على المسرح بطريقة معينة‪.‬‬
‫ألعب دور شخص آخر‪ ،‬شخصية‪ :‬هذا‬
‫هو مبدأ ارتداء المالبس المغايرة‪.‬‬
‫يعتقد المتفرجون أنني أمثل‪ ،‬مما‬
‫يجعلهم ينسون أنني من غور جيجيان ‪.‬‬
‫ربما يعتقدون أنني أبالغ في الشخصية‪.‬‬
‫وهذا أيًض ا ما يحميني‪ ،‬على ما‬
‫أعتقد‪ .‬أنا ال أظهر أبًد ا كشخصية‬
‫‪ ، Góor-Jigean‬ولكن كشخصية‬
‫‪ . Góor-Jigean‬ولكن في يوم من‬
‫األيام‪ ،‬ربما‪ ،‬سينتهي الوهم‪ .‬سيتم‬
‫اكتشاف الحقيقة ‪.‬ال يمكننا إخفاء أي‬
‫شيء عن محاكم التفتيش االجتماعية‪.‬‬
‫في ذلك اليوم‪ ،‬سيطالب الحشد برأسي‪،‬‬
‫وسيحصلون عليه‪.‬‬
‫كان سامبا عوا صامتا‪ .‬أنا نفسي‬
‫بقيت صامًتا‪ ،‬غير قادر على احتواء‬
‫ذهني الذي‪ ،‬بعد هذه الخطبة‪ ،‬انفجر‬
‫في ألف سؤال وسؤال‪ .‬لقد كنا اآلن‬
‫العمالء الوحيدين؛ صمتت الكورة دون‬
‫أن أالحظ ذلك؛ كانت نادلة تنظف‬
‫طاولة على مسافة أبعد قليًال‪ .‬كانت‬
‫لدي إجابتي‪ ،‬لكنها في حد ذاتها أثارت‬
‫عدة أسئلة‪.‬‬
‫– إذن الشائعات كاذبة؟‬
‫كان هذا السؤال المثير للشفقة هو‬
‫السؤال الوحيد الذي تمكنت من‬
‫صياغته من بين كل أولئك الذين‬
‫أحرقوا شفتي‪ .‬ابتسم سامبا أوا نيانغ‬
‫بحزن أقل‪.‬‬
‫قال‪" :‬كلهم"‪ .‬باستثناء ما يتعلق‬
‫بالسلطة األخالقية العالية‪ ،‬حتى لو‬
‫بالغنا فيها‪.‬‬
‫‪ -‬هل هذا حقيقي؟ سألت‪ ،‬غير‬
‫قادر على إخفاء التعطش للقيل والقال‬
‫الذي استحوذ علي‪.‬‬
‫‪ -‬لقد رأيت ذلك من قبل‪ ،‬نعم‪.‬‬
‫التقينا هنا‪ :‬كان بحاجة إلى الثقة ألنه‬
‫شعر برغبة في ارتداء مالبس مغايرة‪،‬‬
‫وكان يخشى أن يتم رفضه إذا استسلم‬
‫لها‪ ،‬خاصة في العالم الذي كان منغمًسا‬
‫فيه‪ .‬لقد جاء لرؤيتي بشكل عفوي‬
‫ونصحته‪ .‬ولسوء حظه‪ ،‬كان هناك‬
‫الكثير من الناس في ذلك اليوم وتعرف‬
‫علينا البعض‪.‬‬
‫ومن هنا بدأت هذه اإلشاعة‪ .‬كل‬
‫اآلخرين كاذبون‪ ،‬ولم أقم بعالقات مع‬
‫الرجال قط‪ .‬إنه يسليني‬
‫الحظ‪ ،‬مع اقتراب كل انتخابات‪،‬‬
‫أن السياسيين يسعون إلى تشويه سمعة‬
‫خصومهم من خالل اتهامهم بالنوم‬
‫معي‪ .‬لقد نمت مع جميع أعضاء‬
‫الحكومة وجميع أعضاء المعارضة‬
‫تقريًبا‪ .‬يجب أن أقول إن هذه اإلشاعة‬
‫ال تضفي علّي سوى القليل من‬
‫األخالق والقناعات السياسية‪.‬‬
‫– ولكنني أكملت‪ ،‬لقد قلت سابًقا‬
‫أنك متزوج ولديك أطفال…‬
‫‪ -‬نعم‪ .‬يعيشون مع والدتهم‪.‬‬
‫‪ -‬هل تراهم مرة أخرى؟‬
‫‪ -‬ليس بعد اآلن ‪.‬ال أستطيع أن‬
‫أفرض عليهم عار سمعتي‪ .‬لست‬
‫متأكًد ا حتى من أنهم يريدون أًبا مقيًد ا‪.‬‬
‫وهذا ما دفع والدتهم إلى تركي… كل‬
‫شهر أرسل المال‪ .‬إنه الرابط الوحيد‬
‫الذي أحتفظ به معهم ‪.‬ال أريد رؤيتهم‬
‫مرة أخرى‪ ،‬وال حتى في الخفاء‪.‬‬
‫سوف يدمرني‪ ،‬على الرغم من أنني‬
‫أموت من أجله‪.‬‬
‫وعلى الرغم من ارتعاش صوته‪،‬‬
‫إال أن وجهه احتفظ بوقار رواقي‬
‫وكامل‪.‬‬
‫–ال تتأثر بقدري يا صديقي‬
‫الشاب‪ .‬هناك المزيد من المأساوية‪ .‬هل‬
‫شاهدت مقطع الفيديو الخاص بهذا‬
‫الرجل الذي يفترض أنه مثلي الجنس‬
‫والذي قمنا باستخراجه؟ البعض ال‬
‫يملك حتى الفرصة التخاذ قرار‪،‬‬
‫ناهيك عن قبوله‪ .‬قررت االستمرار في‬
‫ارتداء المالبس المغايرة عندما طلبت‬
‫مني زوجتي االختيار‪ :‬ارتداء المالبس‬
‫المغايرة أو العائلة‪.‬‬
‫– ولكن في النهاية‪ ،‬لماذا اخترت‬
‫ارتداء مالبس متقاطعة؟‬
‫–ال أستطيع أن أخبرك لماذا‬
‫ارتديت مالبس متقاطعة في المرة‬
‫األولى‪.‬‬
‫إنها حاجة بداخلي‪ ،‬وهي اللحظة‬
‫الوحيدة التي أشعر فيها بالحياة‪ .‬أنها‬
‫حريتي‪ .‬يمكنها أن تقتلني‪ ،‬ستقتلني‬
‫بالتأكيد يوًم ا ما‪ ،‬لكنها حريتي‪ .‬قصتي‬
‫ليست معزولة‪ .‬هناك العديد من الرجال‬
‫والنساء الذين يعانون أكثر في الظل‪.‬‬
‫في هذه اللحظة جاءت النادلة‬
‫نحونا‪ .‬كان الشريط يغلق‪.‬‬
‫*‬
‫كان الجو بارًد ا تقريًبا في الخارج‪.‬‬
‫مشينا جنًبا إلى جنب لبضع دقائق في‬
‫صمت‪ .‬ثم مّد سامبا آوا نيانغ يده لي‬
‫شاكًرا رزيًنا‪ .‬لقد غادر دون حتى أن‬
‫يسأل عن اسمي‪ ،‬وكان وجهه ال يزال‬
‫حزيًنا للغاية‪ .‬قد ال أتحدث معه مرة‬
‫أخرى‪ .‬ببساطة‪ ،‬في الحفل التالي الذي‬
‫يستضيفه‪ ،‬سأكون هناك‪ ،‬مجهول‬
‫الهوية وسط الحشد‪ ،‬وسوف أشاهده‬
‫وهو يخاطر بحياته من خالل إلقاء‬
‫الضوء على حياة اآلخرين‪ .‬أنا ال أريد‬
‫حتى‬
‫سماع قصة طفولته‪ .‬لم تكن لدي‬
‫رغبة في العثور على سبب لتنكره؛‬
‫وال للتفكير في وحدته وحزنه‪ .‬لقد كان‬
‫يعاني بالفعل بما فيه الكفاية دون أن‬
‫أضيف إليه‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬كنت بحاجة‬
‫أيًض ا إلى سامبا آوا الخيالي‪ ،‬المجهول‪،‬‬
‫ولكنني كنت مقتنًعا بأنني أعرفه‪.‬‬
‫اخترت أن أتخيله بدون قناع وسعيدا‪.‬‬
‫‪ .1‬مظاهرة الفولكلور السنغالي‪.‬‬
‫البديل من صابر ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫وبعد بضعة أيام‪ ،‬اتصلت بي‬
‫أنجيال كما وعدت حتى نتمكن من‬
‫زيارة عائلة الرجل الذي تم التنقيب‬
‫عنه‪ .‬لقد ألغيت تقريبا في اللحظة‬
‫األخيرة‪ .‬لكنني غيرت رأيي‪ .‬لقد كنت‬
‫مهووًسا بهذا الفيديو لفترة طويلة جًد ا‪.‬‬
‫وأخيرًا أتيحت لي الفرصة‪ ،‬من خالل‬
‫اكتشاف هوية هذا الرجل‪ ،‬إليجاد‬
‫القليل من السالم الداخلي‪ .‬عالوة على‬
‫ذلك‪ ،‬بذلت أنجيال كل ما في وسعها‬
‫لجعل هذا االجتماع ممكًنا‪ .‬كان علي‬
‫أن أذهب إلى هناك‪.‬‬
‫وفي الطريق‪ ،‬وفي سيارة أنجيال‪،‬‬
‫تحدثنا مطوًال عن لقائي مع سامبا آوا‪.‬‬
‫ثم أصمت‪.‬‬
‫‪ -‬أنت ضائع في أفكارك‪..‬‬
‫‪ -‬نعم قليال‪.‬‬
‫‪-‬وفي ماذا تفكر؟‬
‫‪-‬ال يوجد شيء محدد للغاية‪...‬‬
‫دروسي‪...‬‬
‫ابتسمت أنجيال‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا ؟ انا قلت‪.‬‬
‫‪ -‬أستطيع أن أرى أنك تكذب‪ .‬أنت‬
‫ال تفكر في فصولك الدراسية‪ .‬أنت‬
‫خائف جًد ا‪ .‬أنت خائف ‪.‬‬
‫‪ -‬يخاف ؟ ماذا ؟ الذي ؟‬
‫‪ -‬آه‪ ،‬هذا لك أن تخبرني‪ .‬هذه‬
‫الزيارة تخيفك‪ .‬أنت خائف من العثور‬
‫على شيء تخشاه‪ ،‬أو عدم العثور على‬
‫شيء تأمل فيه‪.‬‬
‫‪-‬ال أفهم ماذا تقصدين يا أنجيال‪.‬‬
‫‪ -‬حسًنا‪ ،‬ال أعرف إذا كنت أفهمها‬
‫بنفسي‪ ...‬أردت أن أقول جملة‬
‫غامضة‪ ،‬على ما أعتقد ‪.‬‬
‫انتظرت لحظة قبل أن تتابع‪:‬‬
‫‪ -‬أخبرني‪ ،‬لماذا تفعل هذا؟‬
‫‪ -‬ماذا ؟‬
‫‪-‬كل هذا القرف‪ .‬كل ذلك‪ .‬لماذا‬
‫هذا الرجل المحفور يثير اهتمامك‬
‫كثيًر ا؟ لماذا تريد أن تعرف الكثير من‬
‫هو؟ أخبرتني راما أنك منذ وقت ليس‬
‫ببعيد كنت غير مباٍل به تماًم ا‪ .‬أنت لم‬
‫تفعل ذلك إعطاء اللعنة واحدة‪ .‬واآلن‬
‫أنت في طريقك إلى منزله‪ .‬يا رجل‪...‬‬
‫ماذا حدث في هذه األثناء؟ ماذا حدث ؟‬
‫بالطبع كان هذا هو السؤال‬
‫األساسي‪ ،‬السؤال الذي لم أجرؤ على‬
‫مواجهته بعد‪ .‬السؤال الوحيد الصحيح‪.‬‬
‫ما الذي حدث بداخلي ليجعلني مهتًم ا‬
‫بمصير مثلي مجهول يخرج من القبر؟‬
‫لم أكن متأكًد ا من أنني أعرف حًقا‪ .‬لم‬
‫أستطع حتى استخدام حجة العنف الذي‬
‫تعرض له المثليون جنسًيا‪ ،‬ألنني لم‬
‫أكتشفه‪ :‬لقد مارست أنا شخصًيا هذا‬
‫العنف أحياًنا‪ ،‬لفظًيا ورمزًيا‪ .‬حتى‬
‫وقت قريب‪ ،‬كنت ال أزال مثل معظم‬
‫السنغاليين‪ :‬كنت أكره المثليين جنسيًا‪،‬‬
‫وكانوا يشعرونني بالخجل قليًال‪.‬‬
‫لقد صدوني‪ ،‬ألكون صادًقا‪ .‬وربما‬
‫كان هذا ال يزال هو الحال‪ .‬ألنه في‬
‫نهاية المطاف‪ ،‬كان هذا االشمئزاز‬
‫متجذًر ا في داخلي لدرجة أن جذوره‬
‫ربما كانت متشابكة في حبلي السري‪،‬‬
‫في رحم أمي‪ .‬ولكنني كنت متأكدًا من‬
‫شيء واحد‪ :‬حتى لو كان المثليون‬
‫جنسيًا ما زالوا بغيضين بالنسبة لي‪،‬‬
‫فمن المستحيل بالنسبة لي اليوم أن‬
‫أنكر‪ ،‬كما كان بوسعي أن أفعل ــ‬
‫وفعلت ــ في الماضي‪ ،‬أنهم رجال‪.‬‬
‫كانت‪ .‬لقد كانوا ينتمون إلى اإلنسانية‬
‫بحق لسبب واحد بسيط‪ :‬لقد كانوا‬
‫جزءا من تاريخ العنف البشري‪ .‬لقد‬
‫اعتقدت دائًم ا أن إنسانية اإلنسان لم تعد‬
‫موضع شك بمجرد دخوله دائرة‬
‫العنف‪ ،‬سواء كان جالًد ا أو ضحية‪،‬‬
‫مطارًد ا أو مطارًد ا‪ ،‬قاتاًل أو فريسة‪.‬‬
‫ليس ألن لديهم عائلة‪ ،‬ومشاعر‪،‬‬
‫وأحزان‪ ،‬ومهن‪ ،‬باختصار‪ ،‬حياة‬
‫طبيعية مع نصيبها من األفراح‬
‫الصغيرة والتعاسة الصغيرة‪ ،‬فإن‬
‫المثليين جنسيًا هم رجال مثل اآلخرين‪.‬‬
‫وألنهم وحيدون‪ ،‬وهّش ون‪ ،‬وال أهمية‬
‫لهم مثل جميع البشر في مواجهة حتمية‬
‫العنف اإلنساني‪ ،‬فإنهم رجال مثل‬
‫اآلخرين‪ .‬إنهم رجال أنقياء‪ ،‬ألن الغباء‬
‫البشري يمكن أن يقتلهم في أي لحظة‪،‬‬
‫ويعرضهم للعنف من خالل االحتماء‬
‫تحت واحدة من األقنعة المشوهة‬
‫العديدة التي يستخدمها للتعبير عن‬
‫نفسه‪ :‬الثقافة‪ ،‬والدين‪ ،‬والسلطة‪،‬‬
‫والثروة‪ ،‬والمجد… المثليون جنسيًا‬
‫يتضامنون مع اإلنسانية‪ .‬ألن اإلنسانية‬
‫يمكن أن تقتلهم أو تستبعدهم‪ .‬كثيًرا ما‬
‫ننسى ذلك‪ ،‬أو ال نريد أن نتذكره‪ :‬نحن‬
‫مرتبطون بالعنف‪ ،‬مرتبطون ببعضنا‬
‫البعض‪ ،‬قادرون على ارتكابه في كل‬
‫لحظة‪ ،‬وفي كل لحظة من معاناته‪.‬‬
‫وهو بهذا أيضًا‬
‫اتفاق مع العنف الميتافيزيقي الذي‬
‫يحمله كل شخص في داخله‪ ،‬من خالل‬
‫هذا االتفاق‪ ،‬كما هو الحال مع أي‬
‫اتفاق آخر‪ ،‬فإننا قريبون‪ ،‬وأننا‬
‫متشابهون‪ ،‬وأننا بشر‪ .‬أنا أؤمن‬
‫باألخوة من خالل الحب‪ .‬أنا أؤمن‬
‫أيًض ا باألخوة من خالل العنف‪.‬‬
‫تم حفر نهر ‪Góor-Jigean‬‬
‫الموجود في الفيديو ألنه كان يدنس‬
‫األرض المقدسة ‪ .‬لقد تم نبش قبره‬
‫باسم الطهارة‪ .‬نقاء لم يكن فقط نقاء‬
‫المقبرة التي كان يجب الحفاظ عليها‪،‬‬
‫بل أيًض ا نقاء أرواح جميع الرجال‬
‫الذين حفروها أو حضروا استخراج‬
‫الجثث‪ .‬وجميع األشخاص الذين‬
‫شاهدوا الفيديو‪ ،‬والذين لم يريدوا أن‬
‫يسمعوا عن المثلية الجنسية‪ ،‬تطهروا‬
‫بالوكالة‪ .‬أنا أيًض ا شعرت بالتطهير‬
‫عندما رأيت الفيديو ألول مرة‪ .‬لكن في‬
‫هذه األثناء تغير شيء ما‪ :‬فكرة أن هذا‬
‫التطهير كان شرًطا فيه تدنيس جسد‬
‫رجل آخر‪ ،‬وتدنيسه بالعنف‪ ،‬غمرتني‬
‫بالخجل‪ .‬لقد كان هذا العار هو ما‬
‫سعيت للتكفير عنه‪ .‬ربما…‬
‫الحظت أنجيال ‪" :‬‬
‫ال تقل أي‬
‫شيء"‪ .‬أنت حقا ال تعرف؟‬
‫‪-‬ال يا أنجيال‪ .‬أريد فقط أن أعرف‬
‫اسم هذا الرجل ووجهه‪.‬‬
‫‪ -‬قريبًا‪ .‬وصلنا‪.‬‬
‫الحظت في تلك اللحظة أننا كنا‬
‫في حي مجاور للحي الذي يعيش فيه‬
‫أجا مبين وأبي‪ .‬توقفت أنجيال أمام‬
‫منزل كانت جدرانه تتهاوى ولم يعد له‬
‫باب‪ .‬الى‬
‫وفي الداخل فناء صغير نظيف‪،‬‬
‫تتوسطه شجرة كبيرة‪ ،‬ال يخطئ أحد‬
‫في فقر المكان‪ .‬لم يكن هناك سوى‬
‫مبنى واحد ال يزال قائما‪ ،‬على الرغم‬
‫من الشقوق العميقة والطالء الدائم على‬
‫الجدران‪ .‬طرقت أنجيال باب هذا‬
‫الكوخ‪ .‬جاء صوت خافت من أعماقها‪،‬‬
‫مثل صرخة استغاثة من بئر بعيدة‪.‬‬
‫*‬
‫لم أتمكن من النظر إليها ألكثر من‬
‫بضع ثوان‪ .‬في كل مرة ألتقيت‬
‫بنظرته‪ ،‬كان األلم الذي رأيته هناك ال‬
‫يطاق‪.‬‬
‫لم تضع عالمة على عينيه‬
‫فحسب‪ ،‬بل أيًض ا على كل مالمح‬
‫وجهه‪ ،‬وكل تعبير‪ ،‬وكل حركة من‬
‫جسده‪ .‬قبل أن أراها هناك‪ ،‬على‬
‫سريرها‪ ،‬في هذه الغرفة البائسة‬
‫والجرداء‪ ،‬لم أكن أصدق أن جسد‬
‫اإلنسان يمكن أن يحمل على نفسه‪،‬‬
‫مثل معطف أسود‪ ،‬كل هذا األلم‪ .‬هو‬
‫كان يكفي رؤيتها لتفهم أنها تعاني‬
‫من األلم األكثر قدسية على اإلطالق‪.‬‬
‫لقد كانت امرأة ضائعة منهكة‪ ،‬ولم‬
‫تكن حتى كبيرة في السن منذ أن مر‬
‫عليها الزمن‪ ،‬ضائعة في عالم هرب‬
‫منها المعنى‪ ،‬هرب بالتأكيد‪ .‬عندما‬
‫دخلنا الغرفة‪ ،‬كانت هكذا‪ ،‬متجمدة في‬
‫ما لم يعد يشعر باأللم‪ ،‬حافية القدمين‪.‬‬
‫طلبت منا أن نجلس على حصيرة‬
‫قبالة السرير‪ ،‬مقابل الحائط‪ ،‬ثم‬
‫اعتذرت عن عدم وجود أي شيء‬
‫لتقدمه لنا‪ .‬ثم عادت إلى الصمت الذي‬
‫لم نجرؤ على كسره‪ .‬بئر الصمت هذا‪،‬‬
‫هي وحدها تعرف قاعه الجاف‪ ،‬حيث‬
‫ال يوجد سوى الوحدة والعطش‬
‫والرغبة في الموت‪ .‬الحزن متاهة‪.‬‬
‫وفي قلب هذه المتاهة‪ ،‬يكمن الوحش‪،‬‬
‫المينوتور‪ :‬الكائن المفقود‪ .‬يبتسم لنا‪.‬‬
‫يدعونا؛ نريد أن نعانقه‪ .‬هذا مستحيل‪،‬‬
‫إال إذا مت أنت أيضًا‪ .‬فقط الرجل‬
‫الميت يعرف كيف يعانق رجًال ميتًا؛‬
‫الظل وحده يعرف كيف يحتضن‬
‫اآلخر‪ .‬في قلب المتاهة‪ ،‬يكون‬
‫المينوتور مجرد ظل‪ ،‬شبح‪ ،‬لكنه شبح‬
‫جميل جًد ا‪ ،‬حقيقي جًد ا‪ ،‬مبتسم جًد ا‬
‫لدرجة أنه يكاد يقنعنا باالنضمام إليه‪،‬‬
‫ويعدنا بوضع حد للحزن الذي يقوضنا‬
‫كثيًرا كثيرًا‪ ،‬فإننا نتبعه إذا تركنا أنفسنا‬
‫نموت‪ .‬هذا هو المكان الذي يجب أن‬
‫نقاتل فيه‪ ،‬ليس فقط ضد هذا المينوتور‬
‫الذي يمكن أن تمزقنا قرون الريح‪،‬‬
‫ولكن قبل كل شيء ضد أنفسنا‪ ،‬ضد‬
‫إغراء االنتحار‪ .‬وهذا ال يعني بأي‬
‫حال من األحوال أنه يجب علينا‪ ،‬على‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬أن نسرع إلى السطح‬
‫لنلتقي بالشمس السعيدة‪ .‬ويجب علينا‬
‫أيًض ا أن نكافح ضد األمل في السعادة‬
‫الممكنة على الفور‪ ،‬مدفوًع ا باألمر‬
‫الكبير بالعودة إلى المسار الصحيح‪،‬‬
‫ألن الحياة مستمرة‪.‬‬
‫إلى الجحيم معهم! ليس هناك‬
‫مغفرة نتمناها‪ ،‬وال حياة نحافظ عليها‪.‬‬
‫إن رفض قبول موت أولئك الذين‬
‫فقدناهم هو أجمل وأبقى نصب تذكاري‬
‫يمكن أن نرفعه لهم‪ .‬سكن في حزنك‪،‬‬
‫وحارب مرة أخرى‪ ،‬ليس ضد‬
‫المعاناة‪ ،‬ألننا ال نتوقف أبًد ا عن‬
‫المعاناة من أجل أحبائنا وفقدناهم‪،‬‬
‫ولكن لنصل‪ ،‬من خالل هذه المعاناة‪،‬‬
‫إلى الحالة التي ال يمكن أن يولدها إال‬
‫غيابهم‪ ،‬الحالة التي‪ ،‬خالل حياتهم‪ ،‬لم‬
‫نتمكن من الوصول إليهم‪ ،‬ألنهم لم‬
‫ينتموا بعد إلى زمن الظالل‪ :‬هدية‬
‫ذاكرتنا المطلقة لذكراهم‪.‬‬
‫إن زهد الذاكرة هو الطريقة‬
‫الوحيدة للنضال‪ ،‬والطريقة الوحيدة‬
‫إلعادة معرفة المفقود من خالل العيش‬
‫في صحبة الظل الخاصة به‪ .‬إن الحداد‬
‫على شخص ما ال يعني الوقوع في‬
‫حزن ذاتي عقيم؛ ال‪ :‬إن الحداد على‬
‫شخص ما يعني محاولة تحويل حزن‬
‫المرء إلى وسيلة للمعرفة‪ ،‬إلى طريقة‬
‫إلعادة بناء عالم المتوفى داخل أنفسنا‪،‬‬
‫وإعادة بنائه كمعبد أو قصر‪ ،‬وفي‬
‫ثم يتجول في الممرات المفقودة‪،‬‬
‫والممرات المخفية‪ ،‬والغرف السرية‪،‬‬
‫ليكتشف الحقائق التي كنا عميانًا عنها‬
‫عندما عاش‪ .‬إنك تفتقد كائًنا واحًد ا‪،‬‬
‫ويعاد ملء كل شيء‪ :‬يجب أن تكون‬
‫هذه هي أخالق الحداد؛ يجب أن يكون‬
‫هذا هو قلب وحدة الناجين ‪...‬‬
‫أستطيع أن أرى بوضوح أن هذه‬
‫المرأة على سريرها كانت تكافح في‬
‫قاع بئرها‪ .‬لم يكن هناك شيء يمكنني‬
‫القيام به لمساعدته‪.‬‬
‫وبعد وقت طويل جًد ا‪ ،‬خرجت‬
‫مؤقًتا من متاهتها وحدقت بي‪ .‬بالكاد‬
‫أحمل نظراته‪ .‬على وجهها‪ ،‬رأيت‬
‫أيًض ا وجه والدتي‪ ،‬وجه أجا مبين ‪،‬‬
‫وجه جميع األمهات‪ .‬لكنها فقدت ابنها‬
‫الذي ُر فض دفنه‪ .‬انطلق صوته فجأة‪،‬‬
‫ضعيًفا لكنه هائل في صمت الغرفة‪.‬‬
‫‪ -‬ما اسمك ؟‬
‫– نديني ‪ .‬نديني جوي‪ .‬سيجي لين‬
‫‪_.‬‬
‫– أحييك‪ ،‬نديني غاي‪ .‬سجل اآلن‬
‫‪ .1‬أخبرتني أنجيال أنك تريد رؤيتي‪.‬‬
‫لماذا ؟‬
‫ولم يكن بوسعي إال أن أجيب هذه‬
‫المرأة بأنني ال أعرف شيًئا عنها‪ ،‬كما‬
‫أخبرت أنجيال قبل قليل‪.‬‬
‫– ألنني أشعر بالخجل مما فعلناه‬
‫بابنك‪.‬‬
‫ولم تستجب األم على الفور‪ .‬بدت‬
‫وكأنها تقيم كل كلمة من كلماتي‬
‫بصبر‪ ،‬كما لو كانت تتحقق من‬
‫صدقها‪.‬‬
‫‪ -‬هل كنت تعرفه؟ سألتني أخيرا‪.‬‬
‫‪-‬ال‪ .‬لكني أريد أن أعرفه‪.‬‬
‫– تتحدث عنه وكأنه ال يزال في‬
‫هذه الدنيا‪.‬‬
‫‪ -‬بالنسبة لي ال يزال على قيد‬
‫الحياة قليال‪.‬‬
‫‪ -‬فكر مرة أخرى‪ ،‬نديني جاي‪ .‬لقد‬
‫مات‪ .‬نحن لسنا على قيد الحياة قليال‪.‬‬
‫لقد مات وأنا أعلم ذلك‪ .‬لو كان على قيد‬
‫الحياة‪ ،‬فلن تكون هنا‪.‬‬
‫فبقيت صامًتا‪ ،‬ال أعرف ماذا‬
‫أقول‪.‬‬
‫ال أعرف إذا كان‬ ‫‪ -‬وتابعت ‪" :‬‬
‫مثلًيا أم ال"‪ .‬في أعماقي‪ ،‬ال أتمنى ذلك‪،‬‬
‫ألنني مسلم وأؤمن باهلل‪ .‬ولكن ما الذي‬
‫يهم في النهاية؟ لقد كان ابني‪.‬‬
‫وعادت إلى بئرها‪ .‬كانت أنجيال‬
‫على وشك البكاء‪ ،‬وفي كل صمت‬
‫كنت أسمع فقط تنفسها السريع‬
‫والمتقطع‪ ،‬كما لو كانت تقاوم تنهدات‬
‫كنت أعرف أنها ستنفجر في النهاية‬
‫وتتغلب عليها‪.‬‬
‫– كان طفلي الوحيد‪ ،‬واصلت‬
‫األم‪ .‬توفي والده عندما كان عمره‬
‫ثالث سنوات‪ .‬لقد قمت بتربيته بمفرده‪.‬‬
‫لقد ناضلت من أجله‪ .‬انا‬
‫إذالل لنجاحها‪ .‬كان على وشك‬
‫إنهاء دراسته الجامعية هذا العام ‪.‬ال‬
‫أعلم إن كان يحب الرجال أم النساء‪،‬‬
‫لكني كنت فخورة به‪ .‬كان يساعدني‪.‬‬
‫كان يعطي دروسًا خصوصية لكسب‬
‫بعض المال‪ .‬لقد كان ابنا مثاليا‪ .‬وفي‬
‫أحد األيام‪ ،‬فجأة‪ ،‬ظهرت هذه‬
‫اإلشاعة‪ ...‬وهذا ما قتله‪ .‬لقد مرض‬
‫فجأة‪ ،‬فجأة‪ .‬مرض سريع غريب ‪ ،‬بعد‬
‫أيام قليلة من كشف أحد األصدقاء عن‬
‫الشائعات المتداولة عنها ‪...‬ال يوجد ما‬
‫يكفي من المال للمستشفى‪ ...‬قدم‬
‫المرابط قائمة ال نهاية لها من‬
‫الحيوانات للتضحية بها حتى يتعافى‪...‬‬
‫لقد كان حتى أغلى من المستشفى‪.‬‬
‫والشعب‪...‬‬
‫تصدع صوتها وأغلقت عينيها‪ .‬لم‬
‫تسقط الدموع بالرغم من ذلك‪ .‬وكان‬
‫عليها بالفعل أن تدفع لهم جميعا‪.‬‬
‫– بدأ الناس يتحدثون عن مرض‬
‫مخزي‪ ..‬نقص وزنه‪ ..‬وكان الناس‬
‫يتهامسون بأسماء‪ :‬اإليدز‪ ،‬األمراض‬
‫المنقولة جنسيا‪ ...‬لم أفهم‪ .‬كان هناك‬
‫حديث عن مرض مثلي الجنس‪...‬‬
‫كبرت اإلشاعة‪ .‬وقد أعطى مرضه‬
‫وزنا للشكوك‪ .‬منذ أن كان مريضا‪،‬‬
‫كان ‪ . góor-jigéan‬ومن هناك مات‪.‬‬
‫اختنقت أنجيال تنهد‪ .‬واصلت األم‬
‫كالمها بصوت أصبح أكثر رتابة‬
‫وتوترًا‪.‬‬
‫– قتلوه ثم رفضوا أن يسمحوا لي‬
‫بدفنه‪ .‬لقد انتشرت اإلشاعة‪ .‬لم يكن‬
‫لدي المال لوضعه في المشرحة‪ .‬أردت‬
‫دفنه على الفور‪ .‬رفض اإلمام‪ .‬وكان‬
‫قد سمع اإلشاعة‪ .‬لم يكن لدي اي خيار‪.‬‬
‫لم يكن لدي أحد‪ .‬لقد أعطيتها الحمام‬
‫الجنائزي لوحدها‪ .‬لقد غسلت ابني‬
‫الميت‪ .‬وفي اليوم التالي‪ ،‬بدأت رائحة‬
‫الجثة تفوح منها رائحة كريهة‪ .‬كان‬
‫الجو حار‪.‬‬
‫كان الجسم ينتفخ‪ .‬رائحة الموت‪.‬‬
‫رائحة ابني الميت‪ .‬لقد نمت معه‪ ،‬مع‬
‫جثته‪ ،‬في نفس الغرفة‪ ،‬هنا‪ .‬لقد كان‬
‫مستلقيًا على هذه السجادة‪ ،‬حيث أنت‬
‫بالضبط‪.‬‬
‫وأشارت إلى السجادة بإصبعها‬
‫الهزيل‪ .‬أنا أرتجف‪ ،‬متحجرة‪.‬‬
‫‪ -‬نعم كان هناك‪ ...‬ولم يرد أحد أن‬
‫يدفنه‪ُ .‬قتل للمرة الثانية‪ .‬لقد مر يومان‪.‬‬
‫وكانت الجثة ال تزال هناك‪ .‬هو نتن ‪...‬‬
‫ديدان‪ ...‬ذباب‪ ...‬كلهم في هذه‬
‫الغرفة‪ .‬هنا‪.‬‬
‫أشارت إلينا وكررت‪" :‬هنا‪ » .‬في‬
‫تلك اللحظة‪ ،‬اختلط شيء آخر‬
‫بالمعاناة‪ ،‬ظل مزعج‪ ،‬ظل الخرف‬
‫الهادئ‪ .‬هذا الخليط شوه مالمحه إلى‬
‫تعبير فظيع وغير إنساني‪ .‬واصلت‪:‬‬
‫– في يوم واحد بعت مجوهراتي‪،‬‬
‫ومالبسي الثمينة ‪ ،‬وأثاثي‪.‬‬
‫ثم عرضت رجلين‪ ،‬حفاري قبر‪،‬‬
‫ليساعدوني في دفن ابني‪ ،‬مقابل المال‪.‬‬
‫ولم أستطع إخفاء السبب عنهم‬
‫والتي يجب أن تكون هذه المهمة‬
‫سرية‪ .‬قبلوا‪ .‬المال يشتري كل شيء‪،‬‬
‫حتى االشمئزاز‪ .‬قبلوا‪ .‬وفي منتصف‬
‫الليل‪ ،‬جاءوا بعربة‪ .‬لقد حملوا الجثة‬
‫التي كنت قد لفتها بكفن قطني‪ ،‬ثم‬
‫غطوها بغطاء كبير داكن اللون‪.‬‬
‫غادرنا‪ .‬سلكنا طرًقا التفافية‪ ،‬متجنبين‬
‫مقابلة الناس قدر اإلمكان‪ .‬هناك الكثير‬
‫من الشباب العاطلين عن العمل في هذا‬
‫البلد‪ ،‬ال ينامون أبًد ا‪ .‬ماذا ظنوا بنا؟‬
‫عربة قديمة يجرها حمار‪ ،‬في منتصف‬
‫الليل‪ ،‬تحمل رجلين وامرأة وشكل ال‬
‫لبس فيه‪ .‬لقد بدانا وكأننا فريق من‬
‫األرواح الشريرة‪ .‬كنا إما الخروج من‬
‫الجحيم أو الذهاب إلى هناك‪ .‬وفي‬
‫المقبرة‪ ،‬رصد الحفاران زاوية بعيدة‬
‫قليال عن القبور األخرى‪ .‬وسرعان ما‬
‫حفروا حفرة ووضعوا فيها الجثة‪.‬‬
‫أعطوني بضع دقائق لجمع أفكاري‪.‬‬
‫كنت غارًقا جًد ا لدرجة أنني لم‬
‫أتمكن من قول كلمة واحدة للصالة‪.‬‬
‫نظرت إلى الجسد وبكيت‪ .‬أردت أن‬
‫ألقي بنفسي في القبر وأطلب من‬
‫الرجلين أن يدفنوني مع جثة ابني‪ .‬لقد‬
‫طلبوا مني بوحشية أن أسرع‪ :‬لقد كنت‬
‫محظوًظا جًد ا ألنهم وافقوا على دفن‬
‫شخص ما في هذه الظروف‪ .‬ابتعدت‬
‫عن الجثة‪ ،‬أغلقوا القبر‪ ،‬غادرنا مثل‬
‫اللصوص في الليل‪ .‬عدت إلى هنا‬
‫وبكيت حتى الفجر‪ ،‬قبل أن أنام من‬
‫التعب‪ .‬ما الذي أيقظني‪...‬‬
‫لم تستطع أنجيال خنق تنهداتها‪،‬‬
‫وغادرت الغرفة‪ .‬بقيت بال حراك‪.‬‬
‫‪ -‬ما أيقظني هو صرخات حشد‬
‫يقترب‪ .‬صرخات غاضبة‪...‬شتائم‪.‬‬
‫فهمت‪ .‬نهضت وخرجت من المنزل‬
‫دون عجلة من أمري‪ .‬لم أكن خائفا‪.‬‬
‫كانوا هناك‪ ...‬وجوه الحقد‪ ...‬بيني‬
‫وبينهم الجسد‪ :‬محفور‪ ،‬متسخ‪ ،‬الديدان‪،‬‬
‫الجروح‪ ،‬مرارًا وتكرارًا الذباب الكبير‬
‫األسود واألخضر‪...‬‬
‫الرائحة‪ ...‬انتظرت في صمت‬
‫حتى يقتلني الحشد‪ .‬كنت جاهزا‪ .‬لكنها‬
‫لم تقتلني‪ .‬قال لي صوت‪« :‬لقد رأيناك‬
‫الليلة الماضية‪ .‬اذهب وادفن ابنك‬
‫‪ Góor-jigéen‬في مكان آخر‪ .‬ليس‬
‫في مقبرتنا وليس بين المسلمين‪» .‬‬
‫سمعت الشتائم‪ :‬أم الكلبة‪...‬تبا‪...‬تلعثمت‬
‫الكلبة ‪...‬ثم غادروا‪ .‬لقد تركوني وحدي‬
‫مرة أخرى مع الجثة المتحللة‪.‬‬
‫لقد ظلت صامتة لفترة طويلة‬
‫لدرجة أنني اعتقدت أنها لن تتحدث‬
‫مرة أخرى‪ .‬لكنها واصلت فجأة‪:‬‬
‫‪ -‬لم يعد لدي خيار‪ .‬أخذت مجرفة‬
‫ودفنته في وضح النهار‪ .‬هنا‪ .‬عند سفح‬
‫الشجرة‪ ،‬في وسط الفناء‪ .‬فوق الجدار‪،‬‬
‫مرفوعًا‬
‫لقد رآني البعض على رؤوس‬
‫أصابعي‪ ،‬ويعرفون أن ابني مدفون‬
‫هنا‪ .‬ومنذ ذلك الحين أصبح المنزل‬
‫ملعونا ‪.‬ال أحد يجرؤ على االقتراب‪.‬‬
‫وصلت أنجيال بعد بضعة أيام‪.‬‬
‫أخبرتني أنها تعمل مع األشخاص‬
‫الذين يمكنهم مساعدتي‪ .‬لقد أرادت‬
‫استعادة الجثة ودفنها بشكل الئق‪ ،‬لكن‬
‫الوقت كان قد فات‪ .‬وكان له دفن الئق‪،‬‬
‫ألن أمه هي التي دفنته‪ .‬وأنا من دفنه‪.‬‬
‫كانت صامتة‪ .‬هذه المرة شعرت‬
‫أنه ليس لديها ما تقوله‪ .‬بقينا هكذا لفترة‬
‫طويلة‪ ،‬في صمت هذه الغرفة الفقيرة‪.‬‬
‫لقد ترك الظل المزعج وجه األم‪.‬‬
‫لم يبق هناك سوى حزن هائل ال عالج‬
‫له‪ ،‬باإلضافة إلى أثر لشيء ال نهائي‬
‫وعنيد‪ ،‬وترددت‪ ،‬ألن هذه الكلمة كانت‬
‫سهلة للغاية‪ ،‬وبسيطة للغاية‪،‬‬
‫ومستخدمة للغاية ‪ .‬امرأة‪ ،‬الستدعاء‬
‫الشجاعة‪.‬‬
‫*‬
‫أنا وأنجيال لم نتبادل كلمة واحدة‬
‫في طريقنا إلى المنزل‪ .‬وال يمكن‬
‫إضافة أي شيء بعد قصة األم‪ .‬قبل أن‬
‫أغادر‪ ،‬ذهبت إلى أسفل الشجرة‪ ،‬حيث‬
‫لم يكن القبر سوى حجارة كبيرة تحدد‬
‫مساحة مستطيلة ‪.‬ال اسم‪ .‬أخبرتني‬
‫أنجيال أن األم ال تعرف الكتابة‪ .‬سألت‬
‫األم عن اسم ابنها‪ .‬تيندر‪ .‬هل كان لديها‬
‫صورة؟ وصلت تحت وسادتها‬
‫والتقطت صورة حديثة نسبًيا‪.‬‬
‫كان الرجل بعيًد ا عن الصورة‬
‫التي خلقتها عنه اعتباًطا‪.‬‬
‫لم يكن قبيًح ا‪ ،‬بل على العكس‬
‫تماًم ا‪ ،‬وجدته وسيًم ا‪ ،‬وسيًم ا جًد ا‪،‬‬
‫بمالمحه الرقيقة التي تكاد تكون‬
‫أنثوية‪ ،‬وعيناه الكبيرتان الخبيثتان‪،‬‬
‫وشفتاه الممتلئتان تبتسمان بخجل‬
‫للكاميرا‪ ،‬وجبهته العريضة بال‬
‫تجاعيد‪ .‬وهو أيضًا‪ ،‬ولكن ألسباب‬
‫أخرى غير والدته‪ ،‬أعطى انطباعًا بأن‬
‫الزمن يمر عليه‪...‬‬
‫طلبت من أنجيال أن توصلني إلى‬
‫منزل راما‪ .‬لم أرغب في البقاء وحدي‬
‫بعد ذلك‪ ،‬وحدي مع أمادو‪ ،‬ووجهه‪،‬‬
‫وقصة والدته‪.‬‬
‫لم تصر أنجيال على مرافقتي‪.‬‬
‫كانت تعلم أنني بحاجة للعثور على‬
‫راما‪.‬‬
‫‪-‬ال أعرف إذا كنت تعرف اآلن‬
‫لماذا تفعل كل هذا‪ ،‬قالت لي أنجيال‬
‫وهي تتركني‪ ،‬لكنني أعتقد أن والدة‬
‫أمادو سبب وجيه‪.‬‬
‫دون أن أقول أي شيء‪ ،‬ذهبت‬
‫لالنضمام إلى راما‪ .‬عانقتني فور‬
‫وصولي‪ ،‬وكأن وجهي يعلن ضيقي‪.‬‬
‫أنا بكيت‬
‫طويلة في ذراعيه‪ .‬لم أكن أعرف‬
‫أي شخص يعرف كيف يعطي اليقين‬
‫مثلها بأننا نستمع إلينا ونفهم‪.‬‬
‫‪ " .1‬سيجي لين ‪Siggil sa – _ .‬‬
‫‪ :” wàal‬في الولوف‪ ،‬حوار طقسي‬
‫يقدم من خالله شخص تعازيه إلى‬
‫شخص آخر‪ ،‬ويستقبلها ويشكرها‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫وبعد بضعة أيام‪ ،‬عدت إلى منزل‬
‫والدة أمادو‪ ،‬وحدي هذه المرة‪ .‬لم‬
‫أعرف السبب بالضبط‪ .‬شعرت فقط‪،‬‬
‫بطريقة مشوشة‪ ،‬أنه ال يزال هناك‬
‫شيء يجب إنجازه‪ ،‬مهمة غامضة‬
‫يمكن تنفيذها وحده‪ ،‬ألنه ال يمكن أن‬
‫يمحوها‪ ،‬هذا الشعور بالعار الذي‬
‫شعرت به بالفعل قبل أن أسمع قصة‬
‫المرأة العجوز‪ .‬وهذا األخير‪ ،‬بعيًد ا عن‬
‫تبديده‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬أدى‬
‫إلى تفاقمه‪.‬‬
‫‪Dans la maison maudite,‬‬
‫‪rien n'avait changé : la cour‬‬
‫‪était toujours déserte et‬‬
‫‪seul le feuillage du grand‬‬
‫‪arbre en son milieu s'agitait‬‬
‫‪parfois, comme pour‬‬
‫‪rappeler que l'endroit‬‬
‫‪n'était pas pétrifié, ni oublié‬‬
‫‪ de la vie et‬الوقت‪ .‬في ظلها قبر‬
‫أمادو‪ .‬حجارة كبيرة‪.‬‬
‫المساحة المقدسة التي رسموها‬
‫والتي يبدو أن القطط البرية نفسها‬
‫تحترمها وتتجنبها بعناية‪ .‬اقتربت منها‬
‫ووقفت بجانبها بال حراك للحظة‪ .‬لم‬
‫أرى األم في أي مكان‪ .‬ذهبت ألطرق‬
‫غرفة النوم‪ .‬صوته الضعيف دعاني‬
‫للدخول‪.‬‬
‫كانت مستلقية على جانبها‪،‬‬
‫وظهرها موجه نحو الباب‪ .‬كنت على‬
‫يقين‪ ،‬عندما رأيتها بهذه الحالة‪ ،‬أنها لم‬
‫تتحرك منذ زيارتنا األولى‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫كان عليها أن تستيقظ وتأكل‪ .‬ولكن كان‬
‫هناك في موقفه‪ ،‬وصوته‪ ،‬وأجواء‬
‫الغرفة‪ ،‬ما أكد لي عكس ذلك‪ .‬كنت‬
‫متأكًد ا‪ :‬لقد تحرك جسده لالستجابة‬
‫لمتطلبات البقاء‪ ،‬لكن روحه‪ ،‬روحه‪،‬‬
‫ظلت هناك‪ ،‬بال حراك‪ ،‬لالستجابة‬
‫لمتطلبات الحياة الحقيقية‪ .‬ولم تكن قد‬
‫غادرت الغرفة‪ .‬وكانت ال تزال في‬
‫قاع البئر‪ .‬كانت ال تزال في المتاهة‪،‬‬
‫تقاتل المينوتور‪.‬‬
‫‪ -‬هذا أنا‪ ،‬نديني جاي‪ .‬لقد جئت‬
‫قبل بضعة أيام مع…‬
‫‪ -‬كنت أعلم أنك ستعود‪ .‬اجلس‪.‬‬
‫ليس لدي الكثير ألقدمه لك‪ ،‬سامحني‪.‬‬
‫لم تستدير‪ .‬لم تتحرك حتى‪ .‬كان‬
‫األمر كما لو أن صوته لم يصدر من‬
‫جسده‪ ،‬بل من الهواء‪ ،‬من نسيج الغرفة‬
‫غير المرئي‪ .‬جلست على السجادة‪ ،‬ثم‬
‫بدأنا مسيرتنا‪ .‬لم يثقلها أي شيء ‪:‬ال‬
‫الكلمات‪ ،‬وال اإليماءات‪ ،‬وال‬
‫النظرات‪ ،‬وال األصوات؛ لم يكن هناك‬
‫سوى أنفاسنا‪ ،‬وقد اخُتزلت إلى أصغر‬
‫مظاهرها األساسية‪.‬‬
‫كنت أحاول أن أمنحها شيًئا ال‬
‫يتمثل في الشعور بالندم الذي يمكن‬
‫للمرء أن يشعر به ويظهره لألم الثكلى‬
‫‪ -‬وهذا ال يكفي أبًد ا ‪ -‬وال الشعور‬
‫المتغطرس بفهم ألمها ‪ -‬الذي يكون‬
‫دائًم ا وهمًيا ‪ -‬بل باألحرى‪ ،‬هدية‬
‫أخرى‪ ،‬أثمن‪ ،‬وأكثر تواضًعا من‬
‫الرحمة أو التعاطف‪ ،‬حضوري‪،‬‬
‫حضوري البسيط ولكن الكامل‪ .‬أردت‬
‫أن أكون هناك‪ ،‬ليس فقط من أجلها‪ ،‬بل‬
‫معها‪ .‬لم أستطع الذهاب بعيًد ا معه‪،‬‬
‫كنت أعرف ذلك‪ :‬ينتهي بنا األمر دائًم ا‬
‫إلى أن نكون وحدنا في المتاهة‪ .‬ولكن‬
‫أوال‪ ،‬نحن بحاجة إلى الشركة‪ .‬وهذا ما‬
‫كنت أحاول أن أقدمه له‪ .‬التوفر‬
‫الحقيقي هو ما ندين به للموتى أو‬
‫ألولئك الذين يرافقونهم بعد القبر‪.‬‬
‫يتخيل األحياء دائًم ا أن األموات هم من‬
‫يهجرونهم ‪.‬ال شك أن هذا صحيح‬
‫جزئًيا‪ ،‬ولكن نادًر ا ما يخطر ببالنا أن‬
‫العكس صحيح أيًض ا‪ ،‬وأن األحياء‬
‫يهجرون األموات بطريقة معينة‪.‬‬
‫الموتى هم أيضا وحدهم‪ .‬حتى النهاية‪،‬‬
‫يحتاجون منا أن نرافقهم‪ ،‬لنقدم لهم‬
‫موكًبا‪ .‬أردت أن أكون في موكب‬
‫أمادو‪ .‬لم أكن أرغب في السماح‬
‫لوالدته بأن تكون هي المشاة الوحيدة‪.‬‬
‫كنت أحاول أن أقدم تواجدي‬
‫وحضوري لهذه المرأة؛ حاولت أن‬
‫أذهب خلفها قدر اإلمكان‪ ،‬إلى الحد‬
‫الذي يجب أن أتوقف فيه بالضرورة‬
‫ألتركها وحدها إلى األبد مع ابنها‪.‬‬
‫فاجأنا المساء في هذه المسيرة‬
‫الصامتة الصامتة‪ .‬أصبحت الغرفة‬
‫مظلمة للغاية لدرجة أنني لم أستطع‬
‫رؤية سوى صورة األم المتجمدة‪ ،‬التي‬
‫كانت عالمة حياتها الوحيدة هي‬
‫التنفس غير المحسوس الذي يرفع‬
‫جانبها‪ .‬االستيقاظ‪ ،‬كسرت الحوار‬
‫الصامت‪.‬‬
‫‪ -‬أنا مغادر‪.‬‬
‫‪ -‬شكرا لقدومك‪.‬‬
‫– أود أن أعود‪.‬‬
‫‪ -‬إنه منزلك‪.‬‬
‫أغادر‪ .‬بشر الغسق بليلة باردة‪.‬‬
‫كانت بعض الطيور ال تزال تمرح في‬
‫رحالت مفاجئة بين أوراق الشجرة‬
‫الكبيرة‪ .‬ال‬
‫لقد ذابت الحجارة الكبيرة في‬
‫الظل‪ ،‬ولم أعد أستطيع رؤيتها‪.‬‬
‫لقد عدت في اليوم التالي‪ .‬هذه‬
‫المرة أدارت وجهها نحو الباب‬
‫األمامي‪ ،‬كما لو كانت تنتظرني‪ .‬سلمنا‬
‫على بعضنا البعض‪ ،‬ثم جلست في‬
‫مكاني المعتاد‪ ،‬على السجادة‪ .‬نهضت‬
‫– وكانت هذه هي المرة األولى التي‬
‫أراها واقفة – وخرجت‪ .‬ترددت في‬
‫متابعتها‪ ،‬وأخيرًا قررت البقاء في‬
‫الغرفة‪ .‬عادت للظهور مرة أخرى بعد‬
‫فترة وجيزة‪ ،‬وهي تحمل وعاًء من‬
‫الالكس ‪ ،‬وعصيدة الدخن المغسولة‬
‫بالخثارة‪.‬‬
‫‪ -‬لدي شيء أقدمه لك اليوم‪.‬‬
‫شكرت وأكلت بحماسة‪ .‬عندما‬
‫انتهيت‪ ،‬أعادت الحاوية إلى المطبخ‬
‫وأعطتني قدًرا كبيًر ا من الماء‪ .‬شكرته‬
‫مرة أخرى وأخبرته أن التراخي كان‬
‫جيًد ا جًد ا‪.‬‬
‫‪ -‬لقد كان طبقه المفضل‪.‬‬
‫ثم استلقيت مرة أخرى‪ ،‬ووجهها‬
‫مواجه للحائط‪ .‬أدركت حينها أن الوقت‬
‫قد حان لبدء المشي مرة أخرى‪ .‬إلى‬
‫متى ستستمر هذه المرأة؟ كان السؤال‬
‫غبًيا‪ :‬كان من الواضح أنها لن تتوقف‬
‫أبًد ا عن المشي بجانب ابنها‪ .‬ولكن متى‬
‫ستوافق على التباطؤ‪ ،‬وتتبعه من بعيد‪،‬‬
‫والسماح له بالنمو‪ ،‬والطيران بمفرده‬
‫في الموت؟ متى ستكون مستعدة لقبول‬
‫فكرة أن المتاهة ليست النتيجة الوحيدة‬
‫الممكنة؟ لم أكن أعرف ذلك‪ .‬ليس‬
‫هناك معيار لوقت الحداد‪ ،‬لكنني كنت‬
‫على قناعة‪ ،‬دون أن أتمكن من توضيح‬
‫السبب‪ ،‬أن األم التي ترى طفلها يغادر‬
‫العالم تراقبه على األقل بقدر ما حملته‬
‫قبل أن تتركه هناك‪ . .‬كان المساء‬
‫قادًم ا‪ .‬كنت على وشك العودة عندما‬
‫استدارت نحوي‪.‬‬
‫‪-‬ال أريدك أن تظن أنني سأجعلك‬
‫ابًنا بدياًل يا نديني ‪ .‬ومن شأن ذلك أن‬
‫يكون من السهل جدا‪ .‬وأكثر إيالما‬
‫على المدى الطويل‪.‬‬
‫لكنني ممتن ألنك أتيت‪ .‬أنت‬
‫الشخص الوحيد الذي يهتم به‪ .‬أنجيال‪،‬‬
‫إنها وظيفتها‪ ...‬لكن أنت‪ ...‬شكًرا لك‪.‬‬
‫أردت أيًض ا أن أخبرك أن هذه هي‬
‫المرة األخيرة التي سنرى فيها بعضنا‬
‫البعض لفترة طويلة‪.‬‬
‫سأغادر غدا إلى توبا‪ ،‬المدينة‬
‫المقدسة‪ .‬قررت أن أكرس نفسي‬
‫بالكامل للدين والعمل‪ ،‬إذ لم يبق لي‬
‫شيء‪ .‬أحد أبناء عمومتي يعيش هناك‪.‬‬
‫هناك حقول سأعمل فيها‪ .‬وهنا‪ ،‬مع‬
‫ابني المجاور‪ ،‬لن أستعيد أبًد ا الرغبة‬
‫في العيش بشكل كامل‪ .‬لدي خدمة اريد‬
‫ان اطلبها منك‪ .‬من وقت آلخر‪ ،‬عد‬
‫إلى هنا وصلي عند القبر‪ .‬شيء أخير‬
‫يا نديني ‪ :‬ما زلت ال أعرف حًقا سبب‬
‫مجيئك وعودتك ‪.‬ال أعرف لماذا تعلقت‬
‫بابني إلى هذا الحد‪ .‬أو لي‪ .‬هل تبحث‬
‫عن شيء ما‪ .‬وأنا أيضا ال أعرف إذا‬
‫كان الجواب هنا‪.‬‬
‫ال يوجد شيء هنا‪ .‬ولكن آمل أن‬
‫تجد ما تبحث عنه‪ .‬وآمل مخلصا‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫لم أعد أدرس‪ .‬كنت أرغب في‬
‫ذلك‪ ،‬لكن ذلك كان مستحيًال‪ :‬فقد‬
‫حضر عدد قليل جًد ا من الطالب إلى‬
‫صفي‪ .‬في البداية اعتقدت أن ذلك‬
‫بسبب الكسل وأنهم ببساطة يتخطون‬
‫صفي‪ .‬لكن هذا لم يكن كذلك‪ .‬انتهى بي‬
‫األمر إلى فهم أنهم كانوا يقاطعونه‬
‫بالفعل‪ .‬لم يكن من الصعب العثور‬
‫على السبب‪ :‬تعليقاتي حول فيرلين‪.‬‬
‫ولم يستغرق ظهور عميد الكلية‬
‫وقتا طويال‪ .‬وبعد الجلسة الثالثة التي‬
‫تجاهلها طالبي‪ ،‬استدعاني إلى مكتبه‬
‫وأخبرني أن الوزارة قررت إيقافي عن‬
‫العمل ألجل غير مسمى‪ ،‬إثر عدة‬
‫شكاوى اتهمتني باالنحراف‬
‫والعصيان‪ .‬وكان بوسعه أن يتوسط‬
‫نيابة عني من أجل إلغاء طردي‪،‬‬
‫بشرط واحد فقط هو أن أعتذر عن‬
‫قولي إن منع تدريس فيرلين على‬
‫أساس أنه مثلي الجنس كان أمرًا غبيًا‪.‬‬
‫سألته لمن يجب أن توجه هذه‬
‫االعتذارات‪ .‬ولم يفهم المعتوه سخريتي‬
‫وأجاب‪ :‬أمام الطالب وأمام الوزارة‬
‫التي يمثلها‪ .‬اجتاحتني رغبة شديدة في‬
‫الضحك‪ .‬بالكاد تمكنت من احتوائه‪.‬‬
‫أخيًر ا‪ ،‬طلبت من العميد بضعة‬
‫أيام أن يكتب رسالة اعتذار مناسبة‪ .‬لقد‬
‫كان سعيًد ا‪ :‬لقد كان يعلم دائًم ا أنني‬
‫رجل ذكي‪ ،‬باإلضافة إلى كوني مدرًسا‬
‫ممتاًز ا‪ .‬لقد عزا حماسي لفيرلين إلى‬
‫شبابي في هذه المهنة‪ .‬حتى أنني‬
‫حصلت على وعد منه بأنه سيدافع‬
‫عني في الوزارة – فهو يعرف الوزير‪.‬‬
‫هؤالء السادة العظماء سيقررون‬
‫مصيري‪ ،‬األمر الذي سيعتمد كثيًرا‬
‫على موقفي وقدرتي على التوبة‪ .‬لقد‬
‫غادرت مكتبه‪ .‬من الواضح أنني لم‬
‫يكن لدي أي نية لالعتذار ألي شخص‪.‬‬
‫لم أكن أعرف بعد ما الذي سأفعله‪.‬‬
‫اتصلت بالسيد كولي إلطالعه على‬
‫الحقائق‪ .‬أخبرني أنه يخشى األسوأ‬
‫وطلب مني الحضور لرؤيته في‬
‫منزله‪ .‬أراد التحدث معي‪.‬‬
‫*‬
‫– زوجتي وأوالدي ليسوا هنا‪،‬‬
‫أعلن ذلك لي عند دخولنا المنزل‪.‬‬
‫ذهبوا لزيارة أحد أقاربهم‪.‬‬
‫دخلنا غرفة معيشة كبيرة‪ .‬قدم لي‬
‫السيد كولي مشروًبا‪.‬‬
‫‪ -‬مالذي تخطط لفعله ؟ هل ستكتب‬
‫رسالة االعتذار هذه؟‬
‫‪-‬ال‪.‬‬
‫– ربما ينبغي عليك ذلك‪ ،‬نديني ‪.‬‬
‫ربما ينبغي عليك‪ ...‬أنا أفهمك‪ ،‬لكن‬
‫حالتك ساءت بسرعة كبيرة‪ .‬التسريح‬
‫ال شيء‪ ..‬إنها الشائعات‪..‬‬
‫نظر إلى األعلى بقلق‪.‬‬
‫‪ -‬شائعات ؟‬
‫‪ -‬من الواضح أنك ال تستطيع أن‬
‫تكون على علم بهذا‪ .‬نحن دائما آخر‬
‫من يعلم عن الشائعات عنا‪ .‬لكنهم‬
‫موجودون‪ ...‬وصلوا إلي‪ .‬أروقة‬
‫الجامعة غير رصينة‪ .‬بالنسبة ألعضاء‬
‫هيئة التدريس‪ ،‬وربما للجامعة بأكملها‪،‬‬
‫أنت ناشط مؤيد للمثليين‪ ،‬ومحب‬
‫للشعر المثلي‪ ،‬وحاول فرضه في‬
‫الفصل‪ ،‬خالًفا لتوجيهات الوزارة‪ .‬هل‬
‫فهمت ماذا نعني؟ نعم‪ ،‬أنت تفهم‪ :‬هذا‬
‫يعني أنك مثلي الجنس‪.‬‬
‫بمعنى آخر خطر! أقول لك‬
‫بصراحة‪ :‬من الممكن أن تتعرض‬
‫للهجوم أو حتى القتل في أي وقت‪.‬‬
‫دلك جبهته وتمتم كأنه في نفسه‪:‬‬
‫– ما يحدث حول المثلية الجنسية‬
‫في هذا البلد اآلن أمر مخيف‪ .‬هذا‬
‫العنف وهذا التوتر‪ .‬ولم يكن هذا هو‬
‫الحال في الماضي‪..‬‬
‫‪ -‬ماذا تعني ؟‬
‫‪ -‬كان شيئا آخر‪ .‬كنت أعرف وقًتا‬
‫كان فيه المثليون جنسيًا مختلفين‪ .‬هذه‬
‫هي الكلمة‪ .‬لقد كان المثليون جنسيًا‬
‫موجودين دائًم ا في السنغال‪ ،‬وأولئك‬
‫الذين يقولون العكس إما أنهم صغار‬
‫جًد ا‪ ،‬أو بسوء نية‪ ،‬وغير ملتزمين‬
‫بثقافتهم‪ .‬لقد كان المثليون جنسيًا‬
‫موجودين بيننا دائًم ا‪ ،‬لكنهم تصرفوا‬
‫بشكل مختلف ‪.‬ال شيء في مالبسهم أو‬
‫سلوكهم يشير إلى أنهم من الغور‬
‫جيجيان ‪ .‬ومع ذلك عرفه الجميع‬
‫وقبلوه‪ .‬في ذلك الوقت‪ ،‬لم يزعجوا‬
‫أحدًا ألنهم كانوا كذلك‬
‫متحفظ ومهذب ومحترم‪ .‬لقد كان‬
‫لهم دور خاص في المجتمع‪ ،‬قاموا به‬
‫دون أن يحاولوا اإلضافة إليه‪ ،‬دون أن‬
‫يحاولوا اإلشارة دون داٍع إلى أنهم‬
‫فرديون‪ .‬الجميع يعرف ذلك‪ .‬لقد‬
‫عاشوا بشكل عام بمفردهم‪ ،‬واعتمدوا‬
‫على دعم حاميهم وعلى ما تم تقديمه‬
‫لهم خالل االحتفاالت من أجل البقاء‪.‬‬
‫هذه السلطة التقديرية وأهمية دورهم‬
‫في اللعبة االجتماعية تعني أنه حتى لو‬
‫كانت المثلية الجنسية محظورة في‬
‫اإلسالم‪ ،‬فإن المثليين جنسيًا ال ُيقتلون‬
‫أو ُيسجنون بشكل منهجي‪ .‬كانت هناك‬
‫قوانين بالطبع‪.‬‬
‫قوانين مكافحة المثلية الجنسية‪،‬‬
‫كما هي الحال اليوم‪ ،‬لكن تطبيقها كان‬
‫أكثر تعقيًد ا‪ .‬أولئك الذين يتحدثون عن‬
‫العصر الذهبي‪ ،‬حيث كان المثليون‬
‫جنسيًا ُيطاردون بقسوة أكبر وُيطردون‬
‫من المجتمع‪ ،‬ال يعرفون ما الذي‬
‫يتحدثون عنه‪ .‬هذا الماضي الذي‬
‫يحنون إليه‪ ،‬عايشته‪ .‬لقد كان عكس ما‬
‫يريدون تصديقه وجعل الناس يؤمنون‬
‫به‪.‬‬
‫‪ -‬و اليوم ؟‬
‫‪ -‬اليوم…‬
‫خاب أمله وحزنه‪ ،‬بقي صامًتا‪،‬‬
‫مستغرًقا في بعض الكآبة العميقة‪.‬‬
‫– واليوم‪ ،‬تابع أخيرا‪ ،‬لم يعد ذلك‬
‫ممكنا‪ .‬غيرت أقلية من ‪Góor-‬‬
‫‪ Jigeans‬النظرة الكاملة للمثليين‬
‫جنسيًا‪.‬‬
‫بشكل سيء بالطبع‪ .‬إنهم مبتذلون‬
‫وغير محتشمين واستفزازيين‪.‬‬
‫يتزوجون! للزواج ! يا له من جنون‪...‬‬
‫إن طيش هذه األقلية الصغيرة‪ ،‬وعدم‬
‫مسؤوليتها‪ ،‬يلحق ضررًا كبيرًا‬
‫باآلخرين‪ ،‬األغلبية الصامتة من‬
‫المثليين جنسيًا‪ .‬لقد أصبحت المثلية‬
‫الجنسية مبتذلة‪ .‬وعلى أية حال‪ ،‬فإننا‬
‫نرى هذا الجزء فقط‪ .‬وكما هو الحال‬
‫في كثير من األحيان‪ ،‬فإن حفنة من‬
‫الناس هم الذين يقدمون صورة زائفة‬
‫عن الواقع‪ ،‬على حساب األغلبية‪ .‬أما‬
‫السنغاليون اآلخرون‪ ،‬وهم األغلبية من‬
‫جنسين مختلفين‪ ،‬فيشعرون بالهجوم‪.‬‬
‫أخالقيا‪ .‬دينيا‪ .‬بصريا‪.‬‬
‫دقت الساعة الخامسة مساءا قدم‬
‫لي السيد كولي بعض البيساب ‪.1‬‬
‫‪ -‬وأكد أن هذه األقلية تهين وتسيء‬
‫إلى المثلية الجنسية‪ .‬كاريكاتير‪ .‬إنهم‬
‫يلحقون ضرًرا كبيًر ا باآلخرين‪ .‬اليوم‪،‬‬
‫ُيجبر المثليون جنسًيا على االختباء‪،‬‬
‫جسدًيا واجتماعًيا‪ ،‬قبل كل شيء‪ .‬في‬
‫االحتفاالت‪ ،‬لم نعد نرى تقريًبا ‪góor-‬‬
‫‪ . jigéen‬قليلون جًد ا ما زالوا‬
‫يحاولون أداء وظيفة اجتماعية‪.‬‬
‫لم أستطع إال أن أفكر في سامبا‬
‫آوا‪.‬‬
‫‪ -‬باألمس‪ ،‬تابع السيد كولي‪ ،‬الذي‬
‫لم أره ثرثاًر ا من قبل‪ ،‬يعيش المثليون‬
‫جنسًيا بمفردهم‪ .‬لقد اتخذهم المجتمع‬
‫على هذا النحو‪.‬‬
‫واليوم‪ ،‬لكي يتجنبوا القتل أو‬
‫اإلعدام دون محاكمة‪ ،‬يتخذون قراًرا‬
‫بذلك‬
‫الغطاء االجتماعي‪ :‬يتزوجون من‬
‫أشخاص من الجنس اآلخر‪ ،‬وينجبون‬
‫أطفااًل ‪ ،‬ويعملون في مجاالت ال يشك‬
‫فيها أحد‪.‬‬
‫بدأت هذه الظاهرة منذ زمن‬
‫طويل‪ .‬هناك العديد من المثليين جنسيًا‬
‫أكثر مما نعتقد في هذا البلد‪ .‬إنهم‬
‫ببساطة خائفون‪ .‬الخوف من الخلط‬
‫بينه وبين األقلية المبتذلة األعلى‬
‫صوًتا‪ ،‬والخوف من القتل‪.‬‬
‫لقد تحولنا من مثليين مفيدين‬
‫اجتماعًيا ومتحفظين إلى شواذ ‪-‬‬
‫سامحني على استخدام هذا‬
‫المصطلح – الذين يهتمون فقط‬
‫بصورتهم‪.‬‬
‫حل المثليون محل ‪góor-jigéen‬‬
‫‪ .‬الكلمات مهمة هنا‪ .‬أحدهما ثقافي‪،‬‬
‫ويشير إلى واقع اجتماعي معين؛‬
‫واآلخر هو مسألة استفزاز ‪.‬ال‬
‫تفهموني خطأ‪ :‬أنا ال أقول أن المثلية‬
‫الجنسية شيء جيد‪ ،‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫فهي ليست جيدة وال سيئة‪ ،‬إنها شيء‪،‬‬
‫بكل بساطة‪ ،‬ظاهرة موجودة‪ ...‬أنا‬
‫ببساطة أقول إنها كانت موجودة بشكل‬
‫مختلف وأنه تم التسامح معه في هذا‬
‫البلد ‪.‬ال ينبغي للمثليين جنسيًا المبتذلين‬
‫الذين يتعرضون لالضطهاد أن يشتكوا‬
‫من موجة رهاب المثلية التي تجتاح‬
‫البالد‪ .‬وهم المسؤول الرئيسي‪.‬‬
‫‪ -‬كيف يمكنك أن تقول ذلك‪ ،‬السيد‬
‫كولي؟ هل شاهدت فيديو الرجل الذي‬
‫تم حفره؟ كان اسمه أمادو‪ .‬نحن لسنا‬
‫متأكدين حتى أنه كان مثلي الجنس‪.‬‬
‫هذا العنف‪ ...‬دعونا نفترض أن الغور‬
‫جيجين اليوم هم سوقيون‪ ،‬كما تقول‪.‬‬
‫أيضًا‪ .‬لكن االبتذال لم يقتل أحدا أبدا‪.‬‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬األمر أسوأ‪ :‬إنها تتسبب في‬
‫مقتل أشخاص آخرين ليس لديهم ما‬
‫يوبخون أنفسهم عليه‪.‬‬
‫هذه الكلمات األخيرة فاجأتني‪.‬‬
‫كان صوته يكشف عن مرارة معينة‪.‬‬
‫وبدا أنه يكره بشدة أولئك الذين اتهمهم‬
‫بإهانة المثلية الجنسية‪ .‬لقد كان‬
‫مضطربًا‪.‬‬
‫– سوف أدخن قليًال‪ ،‬إذا كنت ال‬
‫تمانع‪ .‬زوجتي تمنعني من القيام بذلك‬
‫في الداخل منذ أن كان لدينا أطفال‪.‬‬
‫ولكن مهال‪ ...‬لمرة واحدة‪ ...‬شكرا لك‪.‬‬
‫وبحركات محمومة‪ ،‬مأل غليونه‬
‫وأشعله‪ .‬مع النفخة األولى‪ ،‬تبددت‬
‫هياجه‪ .‬استعاد السيد كولي ابتسامته‬
‫وهدوئه‪ ،‬وهذه األناقة التي كانت‬
‫مألوفة بالنسبة لي‪ .‬نظر إلي وابتسم‬
‫بلطف‪ .‬وبدا أن بضع نفثات أخرى قد‬
‫هدأته مرة واحدة وإلى األبد‪ ،‬واستمر‬
‫كما لو أنه لم يتوقف أبًد ا‪ ،‬ولكن بصوت‬
‫أكثر هدوًء ا‪.‬‬
‫– إذا كان المثليون جنسيًا اليوم‬
‫غير محتشمين إلى هذا الحد‪ ،‬فذلك‬
‫ألنهم متأثرون بالعالم األبيض‪ .‬هناك‪،‬‬
‫المثليون جنسيا يحبون بعضهم البعض‬
‫و‬
‫قبلة على مرأى ومسمع من‬
‫الجميع‪ .‬يمكنهم الزواج قانونيا‪ .‬يتم‬
‫التعرف على الواقع المثلي وإظهاره‪،‬‬
‫في المظاهرات‪ ،‬في األفالم‪ .‬والمثليون‬
‫هنا يعتقدون أنهم يستطيعون فعل‬
‫الشيء نفسه‪ ،‬وأنهم يستطيعون‬
‫المطالبة بحقوق مماثلة‪ ،‬وتبني نفس‬
‫الموقف في األماكن العامة‪ .‬إنه انتحار‪.‬‬
‫فالبيض يعطون صورة عن المثلية‬
‫الجنسية يتخيلها هؤالء هنا‪ ،‬الذين‬
‫يريدون تقليد هذه الصورة‪ .‬باستثناء أنه‬
‫ال يمكن أن يكون هو نفسه هنا‪ .‬على‬
‫األقل ليس بعد‪ .‬في بلدانهم‪ ،‬ينقذ‬
‫الغربيون المثليين جنسيًا؛ وهنا ندينهم‪.‬‬
‫إنهم ال يدركون أن الضغوط التي‬
‫يمارسونها على حكوماتنا إللغاء‬
‫تجريم المثلية الجنسية تؤدي إلى تأثير‬
‫عكسي‪ :‬ارتفاع معدالت كراهية المثلية‬
‫الجنسية‪ .‬وهم ال يفهمون ذلك‪...‬‬
‫‪ -‬هل تنتقدين الغرب لتعزيزه‬
‫حقوق المساواة؟‬
‫– ال‪ ،‬بالطبع‪ ،‬ولكني ألومه ألنه‬
‫يريد تعزيز هذه الحقوق هنا‪ .‬أعلم أنك‬
‫ستتحدث معي عن الجمهورية‬
‫والديمقراطية والمساواة‪ ...‬أعرف‪...‬‬
‫ولكني أخشى أن تكون المساواة وهًم ا‬
‫في الديمقراطية‪ .‬وحتى في الغرب‪،‬‬
‫حيث تستمر أسوأ حاالت عدم‬
‫المساواة‪ ،‬اعتماًد ا على األصل‪،‬‬
‫والطبقة االجتماعية‪ ،‬والثروة‪ ،‬والدين‪.‬‬
‫وال يمكن أن تسير المسيرة نحو‬
‫المساواة بنفس السرعة في كل مكان‪.‬‬
‫لكن أخبرني (ثم نظر إلي كما لو أن ما‬
‫قيل حتى اآلن لم يكن سوى بيان‬
‫تمهيدي لما سيأتي)‪ :‬في أي جانب أنت‬
‫فيما يتعلق بالمثلية الجنسية؟‬
‫لم أكن أعرف ماذا أجيب‪ .‬لم أكن‬
‫متأكًد ا من أنني فهمت السؤال بشكل‬
‫صحيح‪ .‬ثم‪ ،‬ومن الواضح أنه كان‬
‫ينتظر إجابتي‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫‪-‬ال أعرف ‪.‬ال توجد معسكرات‪.‬‬
‫حدق السيد كولي في وجهي لفترة‬
‫طويلة‪ ،‬مع تعبير غريب‪ .‬ثم قال‬
‫بصوته البطيء‪:‬‬
‫‪ -‬موقفك ال يمكن الدفاع عنه‪،‬‬
‫نديني ‪ .‬عليك أن تعرف‪ .‬قبل كل‬
‫شيء‪ ،‬سيكون عليك االختيار‪ .‬عاجال‬
‫أو آجال‪ .‬ما زلنا في المخيم‪ .‬اختار‪.‬‬
‫وافترض‪.‬‬
‫يرن جرس باب المدخل‪.‬‬
‫‪ -‬إنه صديق كان من المفترض أن‬
‫يأتي لرؤيتي‪ ،‬أخبرني السيد كولي‪.‬‬
‫ذهب لفتحه وظهر بعد لحظة‪،‬‬
‫وخلفه رجل استقبلني على استحياء‪.‬‬
‫وكانت يده ناعمة‪ ،‬وفي قبضته الكثير‬
‫من اللطف‪ .‬كان طويل القامة‪ ،‬وكان‬
‫قفطانه األرجواني بطياته الخالية من‬
‫العيوب يعطيه مظهًرا معيًنا‪ .‬كانت‬
‫رائحته طيبة‪ .‬كانت رائحة عطره‬
‫الخشبية قد مألت الغرفة منذ أن دخلها‪.‬‬
‫قدم السيد كولي المقدمات وأخبرني أنه‬
‫وضيفه صديقان قديمان‪ .‬ثم هو‬
‫توجهت نحو المطبخ بعد أن طلبت‬
‫منا الجلوس‪ .‬جلسنا ‪ ،‬أنا على األريكة‬
‫التي كنت أجلس فيها من قبل‪ ،‬والوافد‬
‫الجديد على كرسي بذراعين بجانبه‪.‬‬
‫شيء عنه أثار اهتمامي‪ .‬بدأ المحادثة‬
‫بصوت بعيد المنال بعض الشيء‪.‬‬
‫وسألني إذا كان الحاج مجموت غي هو‬
‫والدي‪ .‬لقد فوجئت بذلك‪ .‬أخبرني أننا‬
‫نبدو متشابهين كثيًر ا‪ .‬سألته أين يعرف‬
‫والدي‪.‬‬
‫‪ -‬في المسجد‪ ،‬أجاب‪.‬‬
‫لقد كشف لي هذا الرد ما أثار‬
‫اهتمامي في هذا الرجل‪ :‬لقد رأيته من‬
‫قبل‪ .‬وعلى الرغم من أن وجهه بدا‬
‫وكأنه قد تغير بشكل غير عادي‪ ،‬إال‬
‫أنه لم يعد لدي أي شك‪ :‬لقد كان‬
‫جوتاليكات ‪ .‬وهو نفسه الذي نقل‬
‫الخطبة األخيرة من سورة القيوم ‪.‬‬
‫ولكن أين كان المظهر البقري‪ ،‬الصلع‬
‫القبيح؟ تبخرت بأعجوبة‪ .‬بالطبع‪ ،‬كنت‬
‫أحياًنا أرى شيًئا غبًيا بعض الشيء في‬
‫أعماق عينيه‪ ،‬لكنه كان غباًء مؤثًرا‬
‫ومحرًج ا‪ .‬أما رأسه فقد تم حلقه‬
‫ولمعانه بعناية‪.‬‬
‫لم أجد في الرجل الذي أمامي شيًئا‬
‫من االتزان والطاقة والثقة في‬
‫الجوتاليكات المطلقة التي رأيتها قبل‬
‫بضعة أسابيع‪ ،‬بجوار الحاج أبو‬
‫مصطفى بن كليل هللا المحتضر ‪ .‬عاد‬
‫السيد كولي‪ ،‬وقدم كوًبا من الزنجبيل‬
‫دون أن يسأله عما إذا كان هذا هو ما‬
‫يريده‪ ،‬ثم جلس بجواري‪.‬‬
‫وجدت نفسي بين الصديقين‪ .‬ساد‬
‫صمت غريب‪ ،‬ال نكسره إال بين الحين‬
‫واآلخر للحديث عن تفاهات عميقة‪.‬‬
‫لم يتحدث السيد كولي وجوتاليكات‬
‫إال قليًال جًد ا مع بعضهما البعض‪ .‬حتى‬
‫لو اتصلوا ببعضهم البعض‪ ،‬كانوا‬
‫يتأكدون من أنني كنت دائًم ا على‬
‫اطالع بالمحادثة‪ ،‬وأنني أستطيع‬
‫التدخل‪ .‬ويبدو أنهم كانوا يخشون أن‬
‫أبقى صامًتا وأن يضطروا إلى أن‬
‫يكونوا مسؤولين عن المناقشة وحدهم‪.‬‬
‫وبعد ربع ساعة من هذا التعذيب‬
‫الغريب أعلنت أنني سأأخذ إجازتي‪.‬‬
‫حاول السيد كولي احتجازي وفًقا‬
‫ألعراف الضيافة‪ .‬تظاهرت بأن لدي‬
‫مهمة ألقوم بها‪ .‬لم أستطع منعه من‬
‫السير بي إلى البوابة‪ .‬وشكرته بحرارة‬
‫على دعوته والمناقشة التي أجريناها‪.‬‬
‫وبينما كنا نغادر‪ ،‬صافحني بقوة وقال‪:‬‬
‫‪ -‬كن حذرا جدا‪ ،‬نديني ‪.‬‬
‫اعتقدت للحظة أنه سيخبرني‬
‫بشيء آخر‪ ،‬لكنه لم يقل أي شيء‪.‬‬
‫ابتسم لي فقط‪ ،‬ثم عاد بفارغ‬
‫الصبر إلى المنزل‪ .‬وكان صديقه‬
‫ينتظره‪.‬‬
‫‪ .1‬مشروب منعش ومنشط‬
‫مصنوع من زهور الكركديه المجففة‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫شيًئا فشيًئا‪ ،‬أحسست أنها تنهض‪،‬‬
‫حفيًفا‪ ،‬تتضخم في النظرات الملحة‪،‬‬
‫في الهمسات التي سبقت مروري أو‬
‫تلته‪ ،‬وحركات ذقني تشير إلي من‬
‫بعيد‪ :‬اإلشاعة‪ ،‬فجاجة اإلشاعة التي ال‬
‫يمكن كبتها‪ .‬في الجامعة وفي الحي‬
‫الذي أعيش فيه‪ ،‬كان الناس يتحدثون‪.‬‬
‫لم أحاول معرفة ما قيل بالضبط‪.‬‬
‫عاجًال أم آجًال‪ ،‬ستضربني اإلشاعة‬
‫دون الحاجة إلى التقاطها‪.‬‬
‫ما هي اإلشاعة بالضبط؟ وهم‬
‫السر الجماعي‪ .‬إنه مرحاض عام‬
‫يستخدمه الجميع‪ ،‬ولكن يعتقد الجميع‬
‫أنهم الوحيدون الذين يعرفون الموقع‪.‬‬
‫ليس هناك سر في قلب الشائعة ؛ ال‬
‫يوجد سوى رجال لن يكونوا سعداء إذا‬
‫اعتقدوا أنهم ال يمتلكون واحدة‪ ،‬أو‬
‫يمتلكون حقيقة نادرة سيحصلون‬
‫عليها‪.‬‬
‫أنا ال أؤمن باألسرار المشتركة‪.‬‬
‫بمجرد أن يقال‪ ،‬بمجرد أن يتم اإلدالء‬
‫بجملة‪ ،‬فإن االعتراف‪ ،‬والقصة‪،‬‬
‫والسر لم يعد واحًد ا‪ .‬كل اللغات تنتهك‬
‫ذلك ‪ .‬إن أي خطاب هو بالفعل توضيح‬
‫لقلبه البدائي والمبهم‪ ،‬وهو دنس‬
‫الصمت الذي هو الشرط الحقيقي‬
‫الوحيد للوجود‪ .‬إن السر الذي يقوله‬
‫المرء لنفسه‪ ،‬والذي يقوله لنفسه بشكل‬
‫واضح‪ ،‬قد ضاع بالفعل ‪.‬ال يمكن أن‬
‫توجد إال فينا‪ ،‬في هذه الذات‬
‫المضطربة‪ ،‬في هذا الدير ضعيف‬
‫اإلضاءة حيث ال يجب أن تكون‬
‫الحقيقة محاطة دائًم ا بالظالل فحسب‪،‬‬
‫بل يجب أيًض ا أن تكون جزًء ا من هذا‬
‫الظل‪ .‬السر الحقيقي ال يكون واضًحا‬
‫أبًد ا‪ ،‬حتى لضمير المرء‪ .‬لذلك فإن‬
‫ضميرين لسر واحد كثير في عيني‪.‬‬
‫بمجرد أن نقولها‪ ،‬فإننا نخونها‪ ،‬وذلك‬
‫بشكل مزدوج‪ :‬أوًال ألننا نضع الكلمات‬
‫على شبكة غامضة من الحقائق التي‬
‫ليس لها معنى إال في صمتنا الداخلي؛‬
‫إًذ ا ألن الكلمات التي اخترناها‬
‫لالعتراف بها لن تبقى كما هي في‬
‫ذاكرة الشخص الذي يستقبلها‪ .‬كالم‬
‫السر وهو األول‬
‫وخيانة السر‪ ،‬ال بد أن تخونها‬
‫بدورها في ذهن الشخص الذي يؤتمن‬
‫عليه‪ ،‬سواء احتفظ به أو كرره‪.‬‬
‫لم يعد هناك سر وراء الذات ‪:‬ال‬
‫يوجد سوى رواسب‪ ،‬رواسب مادة خام‬
‫قام الكالم بتشويهها وتآكلها شيًئا فشيًئا‬
‫ليحتفظ فقط بذكرى غامضة لها‪ .‬نحن‬
‫إذن في مطحنة الشائعات‪ .‬نحن في‬
‫الخفاء أموات‪ ،‬مقتولون‪ ،‬مفرغون‪،‬‬
‫ولكننا نعلم أنه كان حيًا أوًال‪ .‬بأي‬
‫شكل ؟ لقد نسينا ذلك‪ .‬وهذه هي‬
‫اإلشاعة‪ :‬طمي السر في وهم كشفه‪.‬‬
‫لذلك انتشرت اإلشاعة عني‪ .‬كان‬
‫ال بد من أن يكون هناك شخص‬
‫مسؤول عن تسمية األخطاء التي‬
‫اُتهمت بها‪ .‬هذا الشخص ال يمكن أن‬
‫يكون أي شخص آخر غير والدي‪.‬‬
‫دعاني إلى منزله‪ .‬وكان أجا مبين إلى‬
‫جانبه‪ ،‬منحني الرأس‪ ،‬وهو يتلو‬
‫مسبحة بخطورة‪ .‬لقد كنت في محكمة‬
‫شعبي‪.‬‬
‫"أنت تعرف لماذا نريد التحدث‬
‫معك‪ "،‬بدأ والدي ببرود‪ .‬في األيام‬
‫األخيرة‪ ،‬وصلت إلى آذاننا بعض‬
‫األشياء غير السارة للغاية ‪.‬ال أعرف‬
‫إذا كانت هذه التصريحات صحيحة أم‬
‫ال‪ ،‬لكن حقيقة إصرارهم هو سبب‬
‫للقلق ‪.‬ال أعرف ماذا يحدث لك‪ .‬سأقول‬
‫لك مرة واحدة فقط‪ :‬لن أسمح لك‬
‫بتلطيخ شرفي أو شرف أجا مبين ‪...‬‬
‫– دون أن ننسى ذكرى والدتك‪،‬‬
‫تتدخل أجا مبين دون أن تنظر إلي‪،‬‬
‫بصوت مخنوق بسبب تنهدات قريبة‪.‬‬
‫‪ -‬إن سلوكك وأخالقك ‪ -‬على‬
‫األقل ما تسمح لهم بإظهاره ‪ -‬هم جميع‬
‫أفراد األسرة الذين يلوثونهم‪ .‬لم أقم‬
‫بتربيتك لتكون في قلب الشائعات‬
‫الفاضحة‪ .‬هل تعرف حتى ما يقوله‬
‫الناس عنك؟‬
‫ال‪ ،‬لم أكن أعرف ذلك‪ .‬هكذا‬
‫علمني والدي‪ .‬وقيل إنني قد شوهدت‬
‫في مناسبات عديدة في البيت الملعون‪،‬‬
‫حيث كنت أزور بانتظام قبر المثلي‬
‫المكتشف؛ قيل إنني قضيت أمسية‬
‫كاملة بصحبة سامبا أوا نيانغ؛ كما ورد‬
‫أنني قمت بتدريس الشعراء المثليين‬
‫في الجامعة‪ ،‬مما أدى إلى فصلي من‬
‫األكاديمية‪ .‬أخبرني والدي بهذه‬
‫الشائعات بكلماته الخاصة‪ ،‬كلمات‬
‫مشحونة بالغضب‪ ،‬ومليئة باللوم‪،‬‬
‫وقوضها العار‪ .‬لقد استمعت إليه وهو‬
‫يتحدث بهدوء‪ ،‬وال شك أن هذا الهدوء‬
‫بدا له مكروًها‪ .‬ربما كنت أشبه في‬
‫نظره هؤالء المجرمين العظماء الذين‬
‫يستمعون‪ ،‬أثناء محاكمتهم‪ ،‬إلى القائمة‬
‫الطويلة من أفعالهم الوحشية بنوع من‬
‫االنفصال والالمباالة‪ ،‬بل وحتى المتعة‬
‫السادية ‪.‬ال بد أن موقفي بدا له وكأنه‬
‫موقف وحش بارد‪ ،‬إما أنه لم يقاس‬
‫خطورة االتهامات الموجهة إليه‪،‬‬
‫أو كان على علم بها تماما ولكن لم يندم‬
‫عليها‪ ،‬وربما كان مستمتعا بها‪.‬‬
‫في النهاية‪ ،‬ألم يكن والدي على‬
‫حق عندما رأى في موقفي المباالة‬
‫غير إنسانية؟ ألم أكن في الواقع أستمع‬
‫إلى كلماته الجسيمة في الهواء الغائب‬
‫لرجل مشنوق مستقبلي‪ ،‬أعمى عن‬
‫المشنقة التي كانت واقفة أمامه؟‬
‫كان والدي يتحدث عني‪ .‬كان‬
‫يتحدث عن الشائعات عني؛ لكن ما‬
‫قالوه أعطاني االنطباع بأنني أعيش‬
‫حياة أخرى غير حياتي‪ .‬ما سمعته كان‬
‫غريًبا بالنسبة لي‪ ،‬غريًبا جًد ا لدرجة‬
‫أنني كدت أقاطع والدي عدة مرات‬
‫ألخبره أننا كنا مخطئين‪ ،‬وأنه ليس أنا‬
‫من ُيشار إليه‪ ،‬وأن كل هذا كان سوء‬
‫فهم مؤسف‪ .‬أوه ! كم كان يود أن‬
‫يسمعني أنكر كل هذا‪ ،‬أدافع عن‬
‫نفسي‪ ،‬وأغضب! كم كان يود أن أعلن‬
‫بصوت واثق أن شرفنا في أمان!‬
‫استطعت أن أرى بوضوح أنه خلف‬
‫عينيه المحمرتين وصوته المرتجف‪،‬‬
‫كان هناك دعاء مفجع ومثير للشفقة‪:‬‬
‫"أتوسل إليك‪ ،‬أخبرني أنهم مخطئون‪،‬‬
‫وأنهم يكذبون‪ ،‬وأنهم يخترعون‪ ،‬وأنهم‬
‫أخذوك ل شخص اخر‪ .‬أتوسل إليك يا‬
‫نديني ‪ ،‬أنكر! أو تكذب علي ! »‬
‫لكنني لم أستطع ‪.‬ال أستطيع أن‬
‫ على الرغم من أنه‬.‫أفعل ذلك يا أبي‬
‫كان لدي انطباع بأن حياتي ليست هي‬
‫ إال أن األفعال‬،‫التي كانت موضع شك‬
‫ كان‬.‫التي تم اإلبالغ عنها كانت ملكي‬
.‫علي أن أتحمل المسؤولية عنهم‬
Factuellement, la rumeur
avait raison : je m'étais
plusieurs fois recueilli sur la
tombe d'Amadou après ma
première rencontre avec sa
mère, j'avais passé une
soirée avec le góor-jigéen le
plus réputé du pays et
‫ في‬j'avais enseigné Verlaine
‫ ولذلك نقلت الشائعة حقائق‬.‫الجامعة‬
‫ لكن تفسيرها ومعناها والعواقب‬،‫دقيقة‬
‫واالستنتاجات التي استخلصتها منها لم‬
‫تكن صادقة‪ .‬لقد تطرقت إلى الحقيقة‬
‫الواقعية‪ ،‬لكنها غابت تماما عن البعد‬
‫الميتافيزيقي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كيف يمكنني‬
‫أن أشرح ذلك لوالدي وأجا مبين دون‬
‫إبداء سبب لهذه الشائعة؟‬
‫كيف يمكنني أن أشرح ذلك دون‬
‫أن أجعل حالتي أسوأ؟‬
‫ربما كان أدجا مبين قد فهم األمر‪.‬‬
‫لقد كانت أكثر صبًرا وتعاطًفا من‬
‫والدي‪ .‬لكن فهم ماذا؟ أنني لم أكن‬
‫‪ ، góor-jigéen‬تماًم ا كما لم أكن‬
‫عاشًقا ألمادو‪ ،‬تلميذ سامبا آوا‪ ،‬وكيل‬
‫دعاية المثليين من خالل شعر فيرلين؟‬
‫هل كان هذا كل ما يعنيه كونك بريًئا؟‬
‫هل كانت إنسانيتي على المحك هناك‪،‬‬
‫في الدليل الذي كان علّي تقديمه لعدم‬
‫كوني مثلًيا؟ عالوة على ذلك‪ ،‬كيف‬
‫يمكننا تقديم هذا الدليل؟ ربما تكون‬
‫كلمتي كافية ألبي وأجا مبين ؛ لكنها لن‬
‫تزن أي شيء‬
‫ضد اإلشاعة نحن ال نتخلى‬
‫بسهولة عن متعة نشر القيل والقال‬
‫الخبيث دون عواقب‪ .‬يتطلب األمر‬
‫حجًج ا مضادة قوية إلشاعة سيئة‬
‫إليقافها‪ .‬لم يكن لدي أي‪ .‬إذا قال لك‬
‫أحدهم‪" :‬الظاهر يا سيدي أنك لوطي‬
‫معتمد"‪ ،‬ماذا تقول؟ ربما ال شيء‪.‬‬
‫كان والدي يتحدث دائًم ا‪ .‬ببطء‬
‫جاءت الدموع إلى عينيه‪.‬‬
‫لم أستطع معرفة ما إذا كان خائًفا‬
‫علّي ‪ ،‬أو على نفسه‪ ،‬أو مما سيتعين‬
‫عليه فعله إذا كان االتهام صحيًحا‪ .‬لقد‬
‫تكلم‪ ،‬تكلم؛ وشككت في أن يكون هذا‬
‫السيل اللفظي خدعة لتأجيل اللحظة‬
‫التي سيتعين عليه فيها مواجهة‬
‫الصمت الذي سيسبق ردي‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫جاءت اللحظة التي اضطر فيها‪ ،‬في‬
‫نهاية المجادالت‪ ،‬إلى الصمت‬
‫واالستماع إلي‪ .‬وكان للدفاع الكلمة‪.‬‬
‫رفعت أجا مبيني رأسها وتوقفت عن‬
‫تالوة المسبحة‪ .‬بكت‪ .‬ابتسمت له ثم‬
‫عدت إلى والدي‪ .‬هو اذانى‪.‬‬
‫ولم يكن خلف قسوته سوى‬
‫الخوف من رجل يخشى أن ينهار‬
‫عالمه ومعه نظام القيم برمته الذي‬
‫طالما آمن به وكرس حياته له‪.‬‬
‫لقد اجتاحني حزن عميق ال‬
‫يستطيع أحد أن يشاركني إياه‪ .‬أردت‬
‫أن أكون بعيًد ا عن والدي وأجا مبين ‪،‬‬
‫ألن ما يمكنني قوله كان سيؤذينا‬
‫جميًعا‪ .‬إن شرح أن مصير أمادو قد‬
‫أثر علي دون أن أعرف حًقا السبب‬
‫كان سيصدمهم بقدر ما لو كنت أعلنت‬
‫نفسي مثلًيا‪ .‬لقد توقعوا إجابة بسيطة‬
‫وواضحة مني‪ .‬كانوا يأملون ذلك‪.‬‬
‫ولكن ما هو بسيط؟ أين الوضوح؟ هل‬
‫هناك حقيقة واحدة واضحة؟ أال تستمد‬
‫الكلمة الحق دقتها من صعوبة تحقيقها‬
‫أمام إغراء السهولة والكبر؟ فاألصل‬
‫ال يقال بالسيولة‪ ،‬بكالم سهل وواضح؛‬
‫أعتقد‪ ،‬على العكس من ذلك‪ ،‬أنه يتم‬
‫التعبير عنه من خالل التردد‪ ،‬من‬
‫خالل الصمت العميق والدقيق وغير‬
‫النقي‪ ،‬الذي يفصل أو يجمع‪ ،‬ال أعرف‬
‫حًقا‪ ،‬كل كلمة مما يليها أو يسبقها‪.‬‬
‫جيد‪ .‬كان هذا كله جمياًل جًد ا من‬
‫الناحية النظرية‪ .‬اآلن كان علي أن‬
‫أشرح ذلك ألدجا مبيني وأبي‪.‬‬
‫مستحيل‪ .‬لم نتمكن من فهم بعضنا‬
‫البعض على أي حال ‪ .‬لقد وصلنا إلى‬
‫النقطة التي أصبح فيها الكالم مطلوًبا‬
‫على الرغم من أنه مستحيل‪ :‬فهو مليء‬
‫جًد ا بالعواطف‪ ،‬والمجهول‪ ،‬واأللم‪،‬‬
‫وال يمكن إال أن يكون مؤلًم ا‪ .‬فضلت‬
‫الرحيل‪ .‬ربما كنت جباًنا‪.‬‬
‫‪-‬ال أعرف ماذا تتوقع مني يا أبي‪.‬‬
‫سأغيب لبضعة أيام‪ .‬سيكون أفضل‬
‫للجميع‪.‬‬
‫ثم نهضت وخطت بضع خطوات‬
‫نحو المخرج‪.‬‬
‫– إذا كان هذا كل ما تريد قوله‪،‬‬
‫فأنا ال أريد رؤيتك بعد اآلن‪ .‬إذا‬
‫خرجت اآلن فال تعود أبدًا‬
‫لقد جمدت‪ .‬لقد قلت ثالث جمل‬
‫مؤسفة‪ .‬لقد كانت كافية لكسر روابطنا‬
‫‪ -‬الهشة‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬مثل كل ما هو‬
‫مهم‪ .‬ومن باب الشجاعة أو الجبن‪ ،‬لم‬
‫ألتفت ألرى والدي يبكي‪ ،‬كما يوحي‬
‫صوته‪ .‬أنا لم ألومه‪ .‬لقد كان ممزقا‪.‬‬
‫يجب أن يكون ألمه أكبر مني‪.‬‬
‫حتى ذلك الحين‪ ،‬اعتقدت أن هذا‬
‫الرجل كان خائًفا من فقدان عالمه‪ .‬لقد‬
‫كنت مخطًئا‪ :‬أكثر من العالم‪ ،‬كان ذلك‬
‫أحد أسباب عيشه‪ ،‬أنا‪ ،‬ابنه‪ ،‬الذي كان‬
‫يخشى رؤيته يختفي بعد رؤية والدتي‬
‫تغادر‪ .‬كان يعتبر رحيلي خيانة‪ :‬ليس‬
‫خيانة مني تجاهه‪ ،‬بل خيانة تجاه أمي‪.‬‬
‫بموقفي‪ ،‬انتهكت القسم الضمني الذي‬
‫قطعه عند وفاته‪ :‬أن يجعلني رجًال‬
‫صالًح ا‪ .‬وإذا رحلت ماذا سيقول ألمي‬
‫الليلة عندما تزوره في المنام؟ لم يكن‬
‫لديه سوى ثالث كلمات‪" :‬لقد فشلت"‪،‬‬
‫والنظرة التي سيوجهها إليه شبح أمي‬
‫ستكون ال تطاق‪ .‬لقد كان بالفعل ال‬
‫يطاق بالنسبة له‪ .‬ولهذا السبب كان‬
‫يبكي‪ .‬لقد كنت ابًنا غير مستحق‪،‬‬
‫وناكًر ا للجميل‪ ،‬ولم يستحق الحب الذي‬
‫ُم نح له‪ .‬كدت أن أرجع عن خطاي‬
‫وأستعيد صوابي‪ ،‬وأسرعت إلى أبي‪،‬‬
‫وألقيت بنفسي عند قدميه وبكيت حتى‬
‫أقع في نوم أستيقظ منه بريًئا‪ ،‬بروح‬
‫جديدة‪ .‬لكنني كنت أعلم‪ ،‬حتى مع‬
‫نشوء هذه الرغبة في داخلي‪ ،‬أن شيًئا‬
‫من هذا لن يحدث‪ .‬لقد ذهبت بعيدًا في‬
‫الظالل والعزلة‪ .‬كان من األسهل‬
‫بالنسبة لي أن أغرق بدًال من العودة‬
‫إلى الوراء‪ .‬واألكثر أهمية أيًضا‪،‬‬
‫ألنني انتهى بي األمر إلى االعتقاد‪ ،‬من‬
‫خالل إقناع نفسي أنه في نهاية هذه‬
‫العزلة وهذا الذنب‪ ،‬ينتظرني‬
‫الخالص‪ ،‬ربما حقيقة ال يمكن ألي‬
‫شيء أو أي شخص آخر أن يمتلكها‪،‬‬
‫وإال فإنني سأقدم نفسي‪ ،‬أو على األقل‬
‫أظهر نفسي‪ .‬أما بالنسبة المتالك روح‬
‫جديدة‪ ،‬فما المغزى من ذلك‪ ،‬ألنني‬
‫سألوثها أيًض ا‪ ،‬وربما بسرعة أكبر من‬
‫الروح السابقة؟ "إذا خرجت اآلن فال‬
‫تعود‪» .‬‬
‫حتى في ظل غضبه ويأسه‬
‫وخجله‪ ،‬كان حب والدي يوفر لي‬
‫طريًقا للهروب‪" .‬إذا خرجت اآلن‪"...‬‬
‫لم يفصلني عن الباب سوى بضعة‬
‫أمتار‪ .‬وأبي؟ إلى أي مدى يفصلني‬
‫عنه وعن أدجا مبين ؟ صغيرة جًد ا‬
‫ولكنها غير قابلة للعبور‪" ...‬إذا‬
‫خرجت‪ "...‬اتخذت خطوة‪ ،‬والتي‬
‫برزت على الفور كأول خطوة في‬
‫مسيرة طويلة‪ .‬اثنان‪ ،‬ثالثة‪ ،‬أربعة‪،‬‬
‫خمسة آخرين‪ .‬انا كنت‬
‫خارج تقريبا‪ .‬بحلول الصف‬
‫السادس‪ ،‬كنت قد رحلت‪ ،‬وعلمت أنه‬
‫سيكون من المستحيل بالنسبة لي أن‬
‫أعود‪.‬‬
‫وقفت برهة على عتبة هذا المنزل‬
‫الذي قضيت فيه طفولتي والذي لم يعد‬
‫لي فيه مكان‪ ،‬وال حتى للذكريات‪ .‬كنت‬
‫ألهث‪ :‬ست خطوات قطعت أنفاسي‪.‬‬
‫شعرت وكأنني ركضت أمياًال أو‬
‫قتلت‪ .‬اندفع الدم إلى رأسي‪ ،‬كما لو‬
‫كنت معلًقا رأًسا على عقب‪ .‬هكذا كان‬
‫األمر‪ ...‬دوار الوحدة‪ ...‬دوار الحرية‬
‫النقي والمميت‪...‬‬
‫وسقطت الجملة‪ :‬مذنب‪ .‬لقد‬
‫توقعت ذلك‪ ،‬ومن وجهة النظر هذه‪ ،‬لم‬
‫أتفاجأ حًقا‪ .‬لكن هناك حقيقة جديدة‬
‫أعطت هذا الحكم مذاًقا مريًر ا‪ ،‬مما زاد‬
‫من يأسي‪ :‬لقد أدركت‪ ،‬من خالل‬
‫االستماع إلى والدي‪ ،‬أنني لم أكن مذنًبا‬
‫فحسب‪ ،‬بل كنت عالوة على ذلك ال‬
‫يمكن الدفاع عنه‪ .‬عاد تنفسي ببطء إلى‬
‫إيقاعه الطبيعي‪ .‬غادرت مرة أخرى‪.‬‬
‫صوت اتصل بي‪ .‬لقد كان أجا مبين ‪.‬‬
‫جاءت إلي‪ ،‬حجابها منحرف‪.‬‬
‫‪ -‬نديني ‪ ...‬إذا كان ال يزال لديك‬
‫أدنى اهتمام‪ ،‬أدنى حب لي‪ ...‬فال‬
‫تغادر‪ .‬العفو‪ .‬أستطيع مساعدتك‪...‬‬
‫ذهبت لرؤية أحد المرابطين‪ .‬أعرف ما‬
‫هو رأيك‪ ...‬لكن هذا ليس دجاًال‪ ،‬فهو‬
‫يعمل فقط من خالل القرآن‪ .‬هذه هي‬
‫الصلوات‪ .‬لقد كان هو الذي شفى ابن‬
‫صديقي الذي أخبرتك عنه‪ .‬وهو‬
‫معترف به‪ ،‬وخاصة في هذه الحاالت‪.‬‬
‫وهو من ذرية النبي البعيدة‪ .‬أنا متأكد‬
‫من أنه سوف يساعدنا‪ ...‬من فضلك‪.‬‬
‫والدك غير سعيد للغاية منذ هذه‬
‫اإلشاعة‪ .‬سيكون األمر أكثر خطورة‬
‫إذا غادرت‪ .‬إن لم يكن من أجل والدك‬
‫أو من أجلي‪ ،‬افعل ذلك من أجل‬
‫والدتك‪ ،‬على األقل‪ .‬تعال‪ ..‬تعال‬
‫واستغفر ألبيك‪..‬‬
‫‪ -‬لماذا ؟ على أي ذنب يجب أن‬
‫أطلب منه المغفرة؟‬
‫لم تقل أجا مبين شيًئا‪ ،‬إما ألنها لم‬
‫تكن لديها إجابة على سؤالي‪ ،‬أو ألن‬
‫حدة صوتي فاجأتها‪.‬‬
‫‪ -‬هل ترى ؟ ال تعلم ‪.‬ال أحد يعرف‬
‫الخطأ الذي ارتكبته‪.‬‬
‫أنا ال أعرف نفسي‪ .‬أو كلنا نعرفه‬
‫ونخاف أن نسميه‪ .‬إذا كان األمر‬
‫كذلك‪ ،‬فال داعي لالعتذار‪ .‬لقد انتهى‬
‫األمر بالفعل‪ .‬األخطاء الوحيدة التي ال‬
‫تغتفر هي هذه‪.‬‬
‫تلك التي ال نعرف حتى كيف‬
‫نسميها‪.‬‬
‫– ليس الذنب هو المهم… بل طلب‬
‫المغفرة مهما كان‪ .‬هو أن يعود بيننا‪.‬‬
‫في شركتك‪ .‬في عائلتك‪ .‬يمكننا أن‬
‫نغفر كل شيء‪ .‬ولكن يجب أن تكون‬
‫لديك اإلرادة‪..‬‬
‫– ربما لم يعد لدي‪ ،‬لم يعد لدي‪،‬‬
‫أدجا مبين ‪.‬ال أريد المغفرة بعد اآلن‪.‬‬
‫وفي بعض المناسبات‪ ،‬أعلم أن هذا ال‬
‫يكفي‪ .‬هذا‬
‫ليس ألنني سوف ُيغفر لي ألنني‬
‫سأعرف قيمة حياتي وما إذا كنت‬
‫أستحقها أم ال‪.‬‬
‫تمتمت بهذه الكلمات األخيرة‪،‬‬
‫متعًبا‪ .‬لكنهم حملوا في داخلهم شيًئا ال‬
‫رجعة فيه ‪.‬ال بد أن أجا مبين شعرت‬
‫بذلك‪ .‬كانت جمله األخيرة مستسلمة‪،‬‬
‫وقالها بلهجة العجز الهادئة‪.‬‬
‫– لذلك ال يسعني إال أن أصلي لك‬
‫يا نديني ‪ .‬هذا كل ما أستطيع أن أقدمه‬
‫هللا يرافقك‪.‬‬
‫لك‪ ،‬بعد محبتي وغفراني ‪.‬‬
‫نرجو أن تحميك والدتك‪.‬‬
‫عانقتها بسرعة كبيرة حتى ال‬
‫يغريني البقاء في حضنها األمومي‬
‫الدافئ‪ ،‬ثم ابتعدت ‪ ،‬أجفف على خدي‪،‬‬
‫مع ظهر يدي عالمة رطبة‪ ،‬ال أعلم إن‬
‫كانت لقد جاءت من دموع أجا مبين أو‬
‫من دموعي‪ ،‬والتي لم أكن ألشعر‬
‫بالسقوط فيها‪.‬‬
‫*‬
‫وصلت إلى المنزل في وقت‬
‫متأخر من الليل‪ ،‬بعد تجوال طويل‪.‬‬
‫على باب شقتي‪ ،‬وجدت نقًش ا مقتضًبا‪:‬‬
‫القيح ‪" ، Puup‬دافع القرف"‪ ،‬أحد‬
‫األلقاب الملونة العديدة التي تم بها‬
‫تسمية ‪ góor-jigéen‬في الولوف‪.‬‬
‫اقتربت من الرسالة؛ وأكدت لي‬
‫الرائحة الخانقة أنها كتبت بفضالت‬
‫بشرية‪ .‬لقد تكبد أحدهم عناء التبرز‪،‬‬
‫وتغليف التغوط‪ ،‬ونقله إلى هنا قبل‬
‫استخدامه كحبر إلهانتي‪ ،‬وتخويفني‪،‬‬
‫وتهديدي‪ .‬دافع القرف‪.‬‬
‫كان من الواضح أن المؤلف كان‬
‫يتمتع بروح الدعابة‪ .‬عندما دفعت‬
‫الباب للعودة إلى المنزل‪ ،‬كنت أدفع‬
‫بالفعل الفضالت‪ ،‬رائحة كريهة‬
‫ورائحة كريهة بالكاد‪ .‬نظفت ثم ذهبت‬
‫إلى النافذة‪ ،‬حيث قدم لي العالم مسرحه‬
‫الذي لم يتغير‪ :‬نفس الضحك يتصاعد‬
‫إلى السماء مثل دخان سعادة دنيوية‬
‫مشتعلة‪ ،‬نفس الفقراء الذين يتظاهرون‬
‫بالبؤس المشع‪ ،‬نفس إبرة الحياة‬
‫تعطلت و عالقة عند الصفر‪ ،‬نفس‬
‫الوحدة الهائلة التي تقضم الجميع‪...‬‬
‫اضطررت إلى المغادرة‪ ،‬مغادرة‬
‫العاصمة لبضعة أيام‪ .‬ربما تم وصفي‬
‫بالمثلي الجنسي هناك‪ ،‬وتم تعليق‬
‫وظيفتي التعليمية هناك‪ ،‬وكنت أختنق‬
‫هناك‪ .‬كان لدي كل األسباب لالبتعاد‬
‫لفترة من الوقت‪.‬‬
‫كتبت إلى راما ألعلن قراري‪.‬‬
‫أخبرتني أنها تريد مرافقتي‪ .‬هذا ما‬
‫كنت أتمناه في أعماقي‪ ،‬وربما شعرت‬
‫به‪ .‬أردت أن أجد عزلة معينة‪ ،‬ولكن‬
‫معها‪ .‬لقد استخدمت مدخراتي‬
‫الستئجار منزل صغير يقع في إحدى‬
‫القرى‬
‫الصيادين‪ ،‬على بعد حوالي مائة‬
‫كيلومتر جنوب داكار‪ ،‬على ساحل‬
‫المحيط األطلسي‪ .‬وبعد أربعة أيام‪،‬‬
‫غادرنا أنا وراما‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫عرفت منذ لحظة وصولنا أننا‬
‫سنقضي بضعة أيام سعيدة في هذه‬
‫القرية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم أكن مثاليا‪ .‬على‬
‫الرغم من أنها كانت هادئة وساحرة‪،‬‬
‫وتحمل معها التواضع الشمسي للقرى‬
‫الصغيرة التي يهدئها المحيط‪ ،‬إال أنني‬
‫كنت أعلم أنه لن أجد هناك الراحة التي‬
‫كنت أبحث عنها‪ .‬األماكن هي مسارح‬
‫مسرحية‪ ،‬مسارح مسرحية حية‪،‬‬
‫بديكوراتها وأضوائها‪ ،‬لكننا وحدنا‬
‫نلعب‪ ،‬وحدنا من يستطيع اللعب؛ ال‬
‫توجد بطانات أو منفاخ‪ .‬لم أتوقع أن‬
‫تهدئني هذه القرية؛ أردت فقط أن‬
‫يقنعني بأن االسترضاء أمر ممكن‪.‬‬
‫وصلنا أنا وراما إلى هناك في‬
‫وقت مبكر من بعد الظهر‪ ،‬وسط‬
‫حرارة شديدة‪ .‬وكانت القرية مهجورة‪.‬‬
‫كان معظم الرجال في البحر‬
‫يصطادون السمك‪ .‬أما النساء فكانن في‬
‫المنزل يأخذن قسطا من الراحة قبل أن‬
‫يعود الرجال في نهاية اليوم‪ .‬ثم يتعين‬
‫عليهم االعتناء باألسماك ومعالجتها‬
‫ونقلها طوال الليل إلى سوق كبيرة‬
‫وبيعها هناك‪.‬‬
‫كانت القرية مهجورة‪ ،‬لكنها‬
‫مأهولة باألنفاس‪ .‬تم طمأنة لجنة‬
‫الترحيب بالبحر‪ ،‬األخضر والخشن‬
‫قليًال‪ ،‬الشاطئ‪ ،‬األبيض والمثير‪،‬‬
‫شريط رقيق من الرمال اتبعنا خطه‬
‫المتعرج حتى ضاع في السماء‪ ،‬مثل‬
‫أطفال السحابة‪ ،‬الذين تتراوح أعمارهم‬
‫بين ستة واثني عشر عاًم ا ‪ .‬وكان‬
‫الفتيان والفتيات مختلطين‪ ،‬وأغلبهم بال‬
‫قمصان‪ .‬كانوا يسبحون في ذراع‬
‫صغيرة من البحر تشكلت مثل بحيرة‬
‫شاطئية على بعد أمتار قليلة من‬
‫الشاطئ‪ ،‬وهي عميقة بما يكفي‬
‫للسباحة‪.‬‬
‫منذ وصولنا‪ ،‬كانوا يحاولون دفع‬
‫زورق صغير بحجمهم إلى البركة‪.‬‬
‫كانت المناورة دقيقة‪ :‬على الرغم من‬
‫صغر حجم القارب‪ ،‬إال أنه كان ثقياًل‬
‫بالنسبة لألطفال الذين كانوا ال يزالون‪.‬‬
‫لقد شاهدناهم يفكرون ويتناقشون حول‬
‫أفضل طريقة للقيام بذلك‪.‬‬
‫حرك القارب على الماء‪ .‬سألت‬
‫راما إذا كانت تريد االستحمام‪ .‬فأجابت‬
‫أنها ستفعل ذلك الحًقا‪ .‬أرادت أوًال أن‬
‫تعرف كيف سيتعامل األطفال مع‬
‫القارب‪ .‬جلسنا على مقربة منهم‪ ،‬على‬
‫صخور ساخنة أحرقت مؤخراتنا قليال‪.‬‬
‫الحظنا األطفال ‪ ،‬حتى أن بعضهم‬
‫استقبلنا‪ .‬لكن مهمتهم استهلكتهم كثيًرا‬
‫لدرجة أنهم نسونا بسرعة‪ .‬لقد أخرجت‬
‫كاميرا بوالرويد كنت قد اشتريتها في‬
‫فرنسا ولكن لم تسنح لي الفرصة‬
‫الستخدامها منذ عودتي إلى السنغال‪.‬‬
‫لقد كان التصوير أحد هواياتي الكبيرة‬
‫خالل سنوات دراستي‪ ،‬ولكن بعد‬
‫عودتي وبسبب ضيق الوقت توقفت‬
‫تدريجيًا‪ .‬قلت لنفسي إن اإلقامة في هذه‬
‫القرية ستكون فرصة للعودة إليها‪...‬‬
‫التقطت بعض الصور للشاطئ‪،‬‬
‫والبحر‪ ،‬وراما‪ ،‬والسماء‪ ،‬واألطفال‬
‫في كامل تمرينهم‪ ،‬واألغنام والكالب‬
‫الضالة‪ .‬الذي مر‪.‬‬
‫لقد اتفق األطفال على نقطة‬
‫واحدة‪ :‬أنهم لن يحققوا أي شيء إذا لم‬
‫يفعلوا مثل آبائهم عندما أطلقوا‬
‫زوارقهم لصيد األسماك‪ .‬لذا ركضوا‬
‫للبحث على الشاطئ عن ثالثة أو‬
‫أربعة جذوع كبيرة خططوا لدحرجة‬
‫القارب عليها‪ .‬المحاوالت األولى لم‬
‫تنجح‪ .‬كان لديهم المادة‪ ،‬وليس‬
‫الطريقة‪ .‬لقد ثابروا دون أن يغضبوا أو‬
‫يفقدوا روح الدعابة‪ .‬هذا هو الفارق‬
‫الكبير بين األطفال والبالغين‪ :‬خالًفا‬
‫لالعتقاد الشائع‪ ،‬فإن األطفال يعرفون‬
‫كيف يفشلون بشكل أفضل‪ .‬وكانت‬
‫راما تتابع حركات األطفال بتركيز‪.‬‬
‫شعرت بها متوترة‪.‬‬
‫كل محاولة جديدة كانت تبعث‬
‫األمل فيها‪ ،‬وكل فشل كان يسحب منها‬
‫تنهيدة خيبة أمل سرعان ما تبعتها‬
‫"مرة أخرى‪ ،‬دعونا نحاول مرة‬
‫أخرى!" »‬
‫وفي محاولة أخرى‪ ،‬جرب‬
‫األطفال حظهم مرة أخرى‪ .‬هذه المرة‬
‫وضعوا جذوع األشجار بشكل مثالي‪.‬‬
‫انزلق الزورق فوقهم‪ .‬كان علينا أن‬
‫نضغط‪ ،‬ليس بسرعة كبيرة أو بقوة‬
‫كبيرة‪ ،‬وقبل كل شيء‪ ،‬مًعا‪ .‬ساد‬
‫صمت مليء باألمل لبضع ثوان فوق‬
‫الشاطئ‪ .‬وقفت راما وهمست‪" :‬هيا! »‬
‫اجتمع األطفال مًعا وقاموا بتماسك تام‬
‫بدفع الدفعة األخيرة‪ .‬دخل الزورق‬
‫الماء ببطء‪ .‬صرخة غير عادية من‬
‫الفرح والخالص أعقبت توتر األمل‬
‫المكبوت‪ .‬انتصار عظيم على هذا‬
‫الشاطئ المهجور‪.‬‬
‫حافي القدمين‪ ،‬في ثوب طويل‪،‬‬
‫وشعرها األسود الطويل يتطاير خلفها‬
‫مثل علم القرصان‪ ،‬ركضت راما‬
‫لتنضم إلى األطفال‪ .‬دخلت الماء بكامل‬
‫مالبسها حتى ثدييها تقريًبا‪ .‬رحب بها‬
‫األطفال كواحد منهم وأتاحوا لها مكاًنا‬
‫صغيًرا‬
‫قارب‪ .‬التفتت إلي بابتسامة مشرقة‬
‫وقالت شيًئا لم أتمكن من سماعه بسبب‬
‫صوت الريح واألمواج‪.‬‬
‫وابتسم لي األطفال أيًض ا‪ .‬لقد‬
‫التقطت صورة للمجموعة‪ .‬لقد كانت‬
‫االسترضاء ممكنة بالفعل هنا‪ .‬كانت‬
‫داكار وشائعاتها بعيدة‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫مرت األيام الخمسة األولى‬
‫بسرعة سعادة الرجل الفقير‪.‬‬
‫بقي لدينا خمسة آخرين لكننا لم‬
‫نرغب في التفكير في نهاية فترة‬
‫اإلقامة‪ .‬كرسنا أيامنا للحب والبحر‪،‬‬
‫للمشي والقراءة‪ ،‬للطبخ والتصوير‪.‬‬
‫ما فضله راما هو الذهاب لرؤية‬
‫الصيادين في وقت مبكر جًد ا‪ ،‬قبل‬
‫مغادرتهم‪ .‬كانت اللحظة سريالية‪:‬‬
‫صمت الشاطئ عند الفجر‪ ،‬ال يقطعه‬
‫سوى األمواج التي تضرب الرمال‪،‬‬
‫وأصوات الصيادين الخشنة التي ترتفع‬
‫في الظالم أثناء االستعدادات‪ ،‬وظالل‬
‫الزوارق تتحرك بعيًد ا في المحيط ‪،‬‬
‫وتحتل المحيط بأكمله‪ .‬خط األفق‪،‬‬
‫يشبه األسطول الحربي‪ :‬هذه الصور‬
‫تستحق أن ُترسم‪.‬‬
‫وفي المساء‪ ،‬عندما عادوا‪،‬‬
‫التقطت الصور‪ .‬وأظهرت اإلثارة‬
‫واإلثارة التي صاحبت رسو الزوارق‬
‫القرية وسكانها في ضوء مختلف‪ .‬تم‬
‫اكتشاف حياة جديدة في تلك اللحظة؛‬
‫حياة قصيرة بالكاد ساعة ‪ ،‬ولكن يا لها‬
‫من ساعة!‬
‫ما كثافة هذه المشاهد من الحياة‬
‫اليومية! كان البحارة يقومون بتفريغ‬
‫البضائع‪ .‬وكانت النساء يعالجن‬
‫األسماك بالفعل‪ .‬حاولت تصوير أجساد‬
‫الرجال المتوترة‪ ،‬واستعارات العمل‬
‫وقسوة الواقع‪ ،‬وأيدي النساء الالتي‬
‫يتعاملن مع األسماك‪ ،‬والزوارق‬
‫الكبيرة تتمايل‪ ،‬بال عاطفة مثل اآللهة‪.‬‬
‫حاولت أال أفكر كثيًر ا في اللقطات ‪،‬‬
‫والتأطير‪ ،‬والوضعيات‪ .‬حاولت الحفاظ‬
‫على سيولتها وعفويتها في اللقطات‪،‬‬
‫وكان االحتمال الوحيد هو اتباع‬
‫حدسي‪.‬‬
‫لقد تعرضت إلخفاقات كبيرة في‬
‫معظم األوقات‪ .‬ولكن أيضا صور‬
‫جميلة‪ .‬كان راما يفرزهم‪ .‬كان لديها‬
‫عين لذلك‪ .‬بعض الصور أثرت فيها‬
‫كثيرا‪ .‬كنت سعيدا بذلك‪ .‬كما فحصت‬
‫صوري‬
‫وفي اليوم الخامس أخبرتني أن‬
‫الرجل ما زال يظهر على إحداهن‪.‬‬
‫‪ -‬الرجل ؟ ياله من رجل ؟‬
‫‪ -‬الشخص الذي يحدد الهدف‬
‫دائًم ا‪ .‬لقد تمكن بشكل منهجي من أن‬
‫يكون في صورة جيدة منذ البداية‪ .‬في‬
‫كثير من األحيان في الخلفية‪ ،‬أو في‬
‫الزاوية‪.‬‬
‫لم يكن لدي أي فكرة عمن كانت‬
‫تتحدث‪ .‬لقد فهمت ذلك من وجهي‬
‫الحائر‪.‬‬
‫–ال تقل لي أنك لم تالحظ ذلك‬
‫قط؟‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬لم أهتم قط‪.‬‬
‫‪ -‬اعتقدت أنها كانت لعبة بينكما‪.‬‬
‫لقد بحثت في صور األيام السابقة‬
‫وأخرجت أربع صور أرفقتها اليوم‪ ،‬ثم‬
‫سلمتها لي‪ .‬ثم رأيت هذا الرجل‪ ،‬وهو‬
‫الوحيد الذي ينظر بثبات إلى العدسة‪.‬‬
‫أما اآلخرون‪ ،‬إما من خالل مواقفهم أو‬
‫ألنهم لم يهتموا بي حًقا‪ ،‬فقد كانوا‬
‫منغمسين في عملهم وتجاهلوني‪ .‬لكنه‪،‬‬
‫هذا الرجل‪ ،‬نظر في وجهي‪ .‬في‬
‫الصور الخمس التي ظهر فيها‪ ،‬ثّبت‬
‫عينيه علّي ‪ ،‬عيون كبيرة قرأت فيها‬
‫مزيجًا من الثقة واالزدراء‪ .‬لقد بدا‬
‫وكأنه مصارع يتحداني بكل فخر‪.‬‬
‫ومن الغريب أنه كان لديه نفس التعبير‬
‫في جميع الصور‪ ،‬ونفس الموقف‪:‬‬
‫صدر مستقيم‪ ،‬وجبهة عالية‪ ،‬وذقن‬
‫مرتفعة وفخورة‪ .‬لم أهتم به أبًد ا ألنه‬
‫كان يبحث بوضوح عن نظري‪ .‬بدا أنه‬
‫كان صغيًرا جًد ا‪ ،‬وكان ذو بشرة داكنة‬
‫جًد ا‪ ،‬وكان شعره األشعث الكثيف‬
‫يمنحه مظهر المتجول‪.‬‬
‫لم يكن وسيًم ا بشكل خاص‪ ،‬لكن‬
‫الغطرسة الشبابية في عينيه أزعجتني‪،‬‬
‫وأمتعتني‪ ،‬وأسعدتني‪ .‬نادرا ما تم‬
‫النظر إلي بهذه الشدة‪ .‬اعتقدت أنه لوال‬
‫العدسة التي بيننا‪ ،‬لكانت عيناه قد‬
‫أحرقتني بالتأكيد‪.‬‬
‫– حسًنا‪ ،‬أرى أنه يبهرك‪ .‬لقد كنت‬
‫تتكئ عليه لمدة نصف ساعة دون أن‬
‫تقول أي شيء‪ .‬هل أنت متأكد أنك ال‬
‫تعرف من هو؟‬
‫‪-‬ال فكرة‪ ،‬ال‪ ،‬قلت‪ ،‬وأنا أبعد‬
‫نفسي عن نظر الرجل بارتياح وندم‪.‬‬
‫في اليوم التالي‪ ،‬عندما عاد‬
‫الصيادون‪ ،‬من الواضح أنني بحثت‬
‫عنه فقط‪ .‬خلف العدسة‪ ،‬انتظرت‬
‫نظرته‪ ،‬أردت أن ألتقط وقاحة عينيه‪،‬‬
‫أن أحبسه‪ ،‬أن أرد عليه‪ .‬ولكن لم يكن‬
‫هناك أثر له‪ .‬لم أراه في أي مكان‪.‬‬
‫تجولت حول الشاطئ بأكمله‪ ،‬كل‬
‫الزوارق‪ ،‬كل الصيادين‪ .‬بدون جدوى‪.‬‬
‫أخذت معي صورة له‪ .‬سألت أحد‬
‫الصيادين إذا كان يعرفه‪.‬‬
‫‪ -‬بالطبع أعرفه‪ .‬نحن جميعا‬
‫نعرف بعضنا البعض هنا‪ .‬هذا يتما ‪،‬‬
‫يتما ندوي‪ ،‬ابن بامار ندوي‪ .‬لن يعود‬
‫زورقهم هذا المساء‪ .‬لقد أمضوا يومين‬
‫في البحر‪ ،‬وسيصلون إلى هناك غًد ا‪،‬‬
‫مع الكثير من األسماك بال شك‪ .‬إنه‬
‫أفضل زورق في القرية‬
‫لقد عدت بخيبة أمل‪ .‬كان لدي اسم‬
‫واحد فقط وهذا لم يكن كافيا بالنسبة‬
‫لي‪ .‬أردت عينيه‪ .‬كانت راما تطبخ‬
‫عندما عدت‪.‬‬
‫‪ -‬هل لديك أي صور جميلة هذا‬
‫المساء؟‬
‫‪-‬ال ليس حقا‪.‬‬
‫‪ -‬أنت تقول ذلك دائًم ا‪ ،‬ولكن هناك‬
‫اثنان أو ثالثة ناجحين جًد ا كل يوم‪.‬‬
‫دعني أنظر‪.‬‬
‫– لم آخذ أي شيء على اإلطالق‪،‬‬
‫قلت بعد صمت محرج‪ .‬لم آخذ أي‬
‫شيء اليوم‪.‬‬
‫– أنت تتحدث مثل صياد خالي‬
‫الوفاض‪.‬‬
‫لم أجب‪.‬‬
‫‪ -‬ألنه لم يكن هناك‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫‪ -‬ماذا ؟‬
‫‪ -‬الرجل في الصور‪ .‬الشخص‬
‫الذي ينظر إلى العدسة‪ .‬الشخص الذي‬
‫لم تخلع وجهه باألمس‪ .‬رأيت‬
‫بوضوح‪ .‬استيقظت في الليل ورأيتك‬
‫تنظر إلى صوره‪ .‬كان ذلك متأخرا‪.‬‬
‫ربما قضيت الليل في النظر إلى هذه‬
‫الصور؟‬
‫لقد ابتعدت دون كلمة واحدة‪ .‬لقد‬
‫أوقفتني‪.‬‬
‫‪ -‬كما تعلم‪ ،‬أنا ال أحكم عليك يا‬
‫نديني ‪ .‬لن أحكم عليك أبدًا‬
‫لجأت إلى غرفة النوم‪ ،‬وأغلقت‬
‫باب غرفة المعيشة‪ .‬بداًل من تهدئتي‬
‫وتهدئتي‪ ،‬أثارت كلمات راما األخيرة‬
‫غضبي دون أن أعرف السبب حًقا‪ .‬أن‬
‫ُيدان أو ال ُيدان‪ :‬أيهما أسوأ؟ وفي‬
‫الحالتين كنا خاضعين لنظرة اآلخر‪،‬‬
‫حتى لو كانت هذه النظرة ال تريد ذلك‪.‬‬
‫من خالل عدم الحكم علي‪ ،‬أعطاني‬
‫راما الحق في أن أكون حًرا تماًم ا‪.‬‬
‫لذلك لم أكن كذلك تماما‪ .‬إذا لم أكن‬
‫بحاجة إلى أن يتم الحكم علي لكوني‬
‫على طبيعتي‪ ،‬فإنني مازلت أعتمد على‬
‫اآلخرين‪ ،‬على حكمهم وكذلك على‬
‫عدم حكمهم‪ .‬بعيني مغلقة‪ ،‬ورأسي‬
‫يغلي‪ ،‬كرهت راما‪ .‬لقد كرهت عدم‬
‫حكمه الذي كان ال يزال واحًد ا‪ .‬كن‬
‫حذًر ا من األشخاص الذين يدعون أنهم‬
‫ال يحكمون عليك‪ :‬لقد فعلوا ذلك‬
‫بالفعل‪ ،‬وربما بقسوة أكثر من غيرهم‪،‬‬
‫حتى عندما يكونون صادقين‪ ،‬خاصة‬
‫عندما يكونون صادقين‪ .‬لقد فكروا‬
‫فيك‪ ،‬دون رغبتهم‪ ،‬وربما دون أن‬
‫يعرفوا ذلك‪ ،‬وقاموا بتشريحك حتى‬
‫العظم‪ .‬ربما كنت أفضل لو أن راما‬
‫حكمت علي‪ ،‬وأخبرتني بوضوح عن‬
‫رأيها بي‪ ،‬وما كانت تشعر به وهو‬
‫يتحرك بداخلي والذي ال أريد أن أفعل‬
‫شيًئا حياله‪.‬‬
‫لكنها لم تحكم علي‪ .‬فتركتني‬
‫وحدي مع نظرة يتما ‪ .‬لم أر الرجل‬
‫على الشاطئ مرة أخرى‪ .‬في األساس‪،‬‬
‫كل هذا الغضب‪ ،‬كل هذا االنزعاج‬
‫جاء من هناك‪ :‬لم أر عينيه مرة أخرى‪.‬‬
‫كانت بقية أمسيتنا قاتمة وصامتة‪.‬‬
‫لم تقل راما شيًئا ولم يهدأ غضبي‪ .‬لقد‬
‫كان‪ ،‬كما كنت أعلم جيًد ا‪ ،‬موجًها ضد‬
‫نفسي‪ .‬لم تكن راما هي التي كنت‬
‫غاضبة منها‪ ،‬حتى لو أشار جبني إليها‬
‫على أنها سبب مزاجي‪ .‬هي لم تفعل لي‬
‫أي شيء‪ ،‬تلك كانت المشكلة‪ .‬الشعور‬
‫باالرتباك الذي شعرت به أمام عيون‬
‫يتما لم يعنيها‪ .‬كان مصدر غضبي في‬
‫دمي‪ ،‬في العار الذي أعقب ذلك‪ ،‬دون‬
‫أن يقتله‪ ،‬االنجذاب المضطرب الذي‬
‫مارسته علّي نظرة يتما المغناطيسية‪.‬‬
‫كان هذا االنجذاب خطًأ أخجلني‪ .‬ولكن‬
‫على الفور‪ ،‬من قلب العار‪ ،‬نشأت‪،‬‬
‫مثل أغنية االزدراء‪ ،‬متعة حادة‬
‫وغامضة‪ ،‬متعة مراهقة في ارتكاب‬
‫خطأ‪ ،‬في انتهاك المحظور‪ .‬لذة العار‬
‫في تجربة المتعة‪ .‬لقد فقدت طريقي‬
‫وانتهى بي األمر بالشعور بالمرارة‬
‫العميقة‪ .‬هل كنت ضعيًفا جًد ا‪ ،‬وسريع‬
‫التأثر لدرجة أنه للمرة الثانية خالل‬
‫أسابيع قليلة‪ ،‬احتل ذهني شاًبا ال أعرفه‬
‫كثيًرا؟‬
‫ذهب راما إلى السرير‪ ،‬وهو‬
‫مصمم على السماح لي بمواصلة‬
‫معركتي مع نفسي حتى النهاية‪ .‬كنت‬
‫وحدي في غرفة المعيشة‪ ،‬على بعد‬
‫أمتار قليلة من الطاولة التي رتبت‬
‫عليها الصور‪ .‬لم يكن علي سوى اتخاذ‬
‫بضع خطوات للعثور على تلك النظرة‬
‫مرة أخرى‪ ...‬بضع خطوات‪ ،‬بضع‬
‫خطوات غير مهمة‪...‬‬
‫لقد استخدمت كل قوة إرادتي‬
‫للبقاء جالًسا على الكرسي‪ .‬بدت لي‬
‫الطاولة وكأنها إغراء شرير ‪.‬ال ينبغي‬
‫لي أن أذهب بالقرب منه‪ .‬كان علي أن‬
‫أبقى بعيًد ا عنها‪ ،‬بعيًد ا عن هذه الطاولة‬
‫اللعينة ونظرتها‪ .‬بدأت أتلو آيات من‬
‫القرآن وأدعو وأدعو حتى تتركني‬
‫الطاولة بسالم‪ .‬تمنيت أن يرسل هللا‬
‫البرق‪ ،‬وأن تشتعل الطاولة هناك أمام‬
‫عيني‪ ...‬لكن ال شيء‪.‬‬
‫حدقت في هذه الطاولة‪ ،‬مهددة‬
‫بشكل رائع وقريبة‪ .‬واصلت تالوة‬
‫آيات من القرآن‪ ،‬متشبًثا بمساند ذراعي‬
‫الكرسي كما لو أن حياتي تتوقف على‬
‫ذلك‪ .‬كان األمر سخيًفا‪ .‬لو لم أكن خائًفا‬
‫جًد ا‪ ،‬لكنت ضحكت بجنون على‬
‫المشهد المثير للشفقة الذي كنت أقدمه‪.‬‬
‫ما الذي تخشاه يا نديني ؟ هل‬
‫أصبحت شاذًا قليًال؟ هل أنت خائف‬
‫مما تفعله تلك النظرة بك؟ أنت أيها‬
‫الرجل التاريخي المستقيم العظيم‬
‫والفخور‪ ،‬أنت الذي تحب النساء فقط‬
‫ولم تحبهن أبًد ا‪ ،‬أثداء ذات هاالت‬
‫محببة كبيرة‪ ،‬وأرداف النساء‪،‬‬
‫وأعناقهن الجميلة والحسية‪ ،‬وروائح‬
‫أعضائهن التناسلية‪ ،‬وطرق حديثهن‪.‬‬
‫العالم ورؤيته يا من له مجرة المؤنث‬
‫لقد كان دائًم ا مرغوًبا للغاية ألنك‬
‫عرفت أنه لن تتمكن أبًد ا من الوصول‬
‫إليه أو فهمه‪ ،‬فهل كنت ستصبح‬
‫‪ Góor-jigéan‬؟ كيف ! أنت أيها‬
‫المسلم المثقف‪ ،‬ابن الرجل التقي الذي‬
‫كاد أن يصبح إمامًا‪ ،‬أنت الذي كنت‬
‫تتبع المدرسة القرآنية في طفولتك‪ ،‬يا‬
‫من نشأت وتثقفت وتثقفت في فضيلة‬
‫هذا الوطن‪ ،‬لصرت طرلوزًا‪ .‬؟ هل‬
‫أنت خائف من أن تتخيل نفسك على‬
‫أربع‪ ،‬استغل بقسوة من قبل عمالق‬
‫بذيل عصبي ومخدد؟ هل أنت خائف‬
‫من الشعور باالنجذاب إلى جسد الذكر‬
‫العاري؟ هل أنت خائف من الوحدة‬
‫والمعاناة والصمت الذي قد يغرقك فيه‬
‫أحدهم؟ هل أنت خائف من الحشد الذي‬
‫سيأتي ويقتلع عينيك؟ أنت يا رجل‬
‫الحشود‪ ،‬قلت! أنت شخص عادي‪،‬‬
‫أليس كذلك؟ آه أيها الجبان‪ ،‬أنت تخشى‬
‫الجمهور الذي يريدك ميتًا! هل أنت‬
‫خائف من الموت؟ ماذا يجري لك ؟‬
‫إذن اإلشاعة صحيحة؟ ماذا ستفعل بعد‬
‫ذلك؟ ماذا ستفعل ؟ ماذا ستفعل ؟ أقتلك‬
‫؟ هل أنت مستعد لدعم نفسك كمثلي‬
‫الجنس المجيد؟ أجب يا غبي!‬
‫مر الليل وشعرت وكأنني أخسر‬
‫المعركة‪ .‬جذبتني الطاولة وكومة‬
‫الصور التي كان علي أن ألقي نظرة‬
‫عليها حتى أتحرر بطريقة أو بأخرى‪.‬‬
‫لقد بدأت أشعر باالرتباك في سلسلة‬
‫اآليات القرآنية‪ .‬كان هللا يتخلى عني‪.‬‬
‫أو العكس‪ .‬انتهى بي األمر بالتوجه‬
‫نحو الطاولة‪ .‬وظهر يتما في خمس‬
‫صور‪ .‬أخذتهما‪ ،‬وأدرت رأسي بعيًد ا‪،‬‬
‫خائًفا من رؤية عينيه‪ ،‬خبأتهما في‬
‫جيبي‪ ،‬ثم خرجت واتجهت نحو‬
‫الشاطئ‪.‬‬
‫أحسست بالصور في جيبي‪ ،‬قريبة‬
‫جًد ا من قضيبي‪ ...‬النظرة‪ ...‬أسرعت‬
‫في خطوتي‪ .‬المظهر‪ ...‬انتصاب‬
‫ناشئ‪ .‬بدأت بالهرولة‪ ،‬ثم بالركض‪،‬‬
‫وأنا أبكي مثل طفل‪ .‬كنت أختنق‪ .‬كان‬
‫االنتصاب ينمو‪ .‬المنظر‪ ...‬كان الهواء‬
‫باردا‪ .‬كانت دموعي تتدفق‪ .‬أنا يلهث‪.‬‬
‫دائًم ا علّي ‪ ،‬على رقبتي‪ ،‬على‬
‫وجهي‪ ،‬في كل مكان‪ ،‬النظرة المظلمة‬
‫والمتغطرسة‪ ،‬النظرة النارية – النار‬
‫السوداء – لياتما ندوي ‪ .‬إشاعة‪ ،‬إشاعة‬
‫األمواج‪ .‬كثبان رملية أخرى للعبور‪.‬‬
‫وكان قضيبي منتفخا‪ .‬البحر أخيرًا‪.‬‬
‫توقفت لبضع ثوان‪ ،‬وضيق في‬
‫التنفس‪ .‬انتظرت أن يهدأ أنفاسي ببطء‬
‫قبل أن أخرج الصور من جيبي بيدي‬
‫المرتجفة‪ .‬لقد تجنبت دائما النظر إليهم‪.‬‬
‫ماذا كنت أتوقع؟‬
‫موجة من الشجاعة‪ .‬إشارة‪ .‬جلبت‬
‫لي موجة اصطدمت بالرصيف‪ :‬مزقت‬
‫الصور بغضب‪ ،‬وألقيت القطع في‬
‫الهواء‪ .‬لقد اختزلت النظرة إلى ألف‬
‫قطعة صغيرة ترفرف على الشاطئ ‪،‬‬
‫وتتناثر بفعل الرياح الجليدية‪ .‬سقط‬
‫البعض في الماء‪ ،‬والبعض اآلخر‬
‫تدحرج على الشاطئ مثل السرطانات‬
‫الصغيرة التي تفر في الليل‪.‬‬
‫لبضع ثوان اعتقدت أنني شعرت‬
‫ببعض الراحة‪.‬‬
‫بل على العكس من ذلك‪ ،‬كان ذلك‬
‫هو الشعور الناشئ بالقلق المضاعف‬
‫الذي أصابني‪ .‬النظرة‪ ...‬ما زالت حية‪.‬‬
‫ومن الواضح أنه كان ال يزال على قيد‬
‫الحياة‪ .‬وكيف أصدق للحظة واحدة‬
‫أنني كنت سأعميه بقلع عينيه التي كان‬
‫يخرج منهما؟ لقد كذبت على نفسي‬
‫مرة أخرى‪ .‬لقد عاش في داخلي‪.‬‬
‫وجدت نفسي أطارد قصاصات الصور‬
‫المتناثرة على الشاطئ‪ .‬في أي أمل‬
‫مجنون؟ ألرى للمرة األخيرة‪ ،‬حيث‬
‫عرفتهم‪ ،‬تلك العيون التي لم أكن‬
‫أمامها سوى العري والضعف؟ تمكنت‬
‫من التقاط بعض الشظايا‪ .‬لم يظهر أي‬
‫منهم المظهر الذي كنت أبحث عنه‪.‬‬
‫وكانت القطع األخرى متناثرة منذ فترة‬
‫طويلة مثل الرماد على الشاطئ أو في‬
‫الماء‪ .‬ولم يعد لدي أي فرصة للعثور‬
‫عليهم‪ .‬لقد انهارت على الشاطئ‪،‬‬
‫مرهقة وبائسة‪ .‬كان قضيبي يتألم من‬
‫ضيقه الشديد طوال هذا الوقت‪ .‬ثم‬
‫أطلقته‪ ،‬وفي مزيج من الدموع والخجل‬
‫والسرور‪ ،‬مارست العادة السرية حتى‬
‫الخالص‪ ،‬الذي جاء بعيًد ا وقوًيا‪ ،‬مع‬
‫حشرجة الموت الطويلة‪ ،‬وتركني كما‬
‫لو كنت ميًتا على الشاطئ المهجور‪ .‬تم‬
‫االنتهاء من ذلك‪.‬‬
‫ولم أستيقظ إال بعد وقت طويل‬
‫ألعود إلى المنزل‪ ،‬ألهًثا‪ .‬وصلت‪،‬‬
‫وأخذت حماًم ا واحتضنت راما‪ ،‬ودفن‬
‫وجهي في شعره‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫في اليوم التالي‪ ،‬أثناء اإلفطار‪،‬‬
‫أعلنت أنني أريد العودة‪.‬‬
‫‪ -‬متأكد من نفسك ؟‬
‫‪ -‬لماذا تسألني هذا السؤال؟‬
‫– ألنك ربما لم تجد بعد ما أتيت‬
‫للبحث عنه‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا تعرف عما جئت من‬
‫أجله؟ (كانت على وشك الرد‪،‬‬
‫فقاطعتها‪ ).‬وقبل كل شيء‪ ،‬من قال لك‬
‫أنني أبحث عن شيء ما؟ لقد كان العالم‬
‫كله يسألني منذ بضعة أيام عما أبحث‬
‫عنه‪ .‬أخبرني‪ ،‬لماذا يجب أن يكون من‬
‫الضروري أن يكون هناك بالضرورة‬
‫شيء ما يجب البحث عنه؟‬
‫تعتقدون جميًعا أن الحياة تكمن في‬
‫واجب العثور على سر‪ ،‬إعالن يعطي‬
‫معنى لوجودنا‪ ...‬ولكن قد ال يكون‬
‫هناك شيء في نهاية النفق‪ ،‬غير ما‬
‫اعتقدنا أنه نور الخالص فقط‪ .‬التوهج‬
‫الشاحب للدهليز البارد للمدخل اآلخر‪.‬‬
‫متخيل‪ ،‬حامل !‬
‫كم سيكون ذلك قاسيًا! ومضحك !‬
‫ربما نكون جميًعا في أنبوب‪ ،‬أشبه‬
‫باألمعاء الغليظة‪ ،‬بعضنا يسير في‬
‫اتجاه واحد‪ ،‬والبعض اآلخر في االتجاه‬
‫المعاكس‪ ،‬كلنا نؤمن بالعثور على‬
‫الضوء حيث لم يترك اآلخرون سوى‬
‫المطهر الرمادي‪ .‬ولن يتحدث أحد مع‬
‫بعضهم البعض ‪.‬ال يمكن ألحد أن يقول‬
‫ألخيه اإلنسان‪ " :‬في هذا الطريق ‪،‬‬
‫أيها الرفيق‪ ،‬ال يوجد شيء‪ ،‬أنا قادم من‬
‫هناك!" » سيكون ذلك كوميدًيا بشكل‬
‫مأساوي! (ضحكت ضحكة شريرة‪).‬‬
‫كوميدي وغير ضروري‪ .‬هل فكرت‬
‫في ذلك؟ ماذا ستفعلون‪ ،‬ماذا ستفعلون‬
‫جميًعا إذا لم يكن هناك في النهاية ما‬
‫تبحثون عنه‪ ،‬إذا كان كل هذا مجرد‬
‫سلسلة ضخمة من المصادفات دون أي‬
‫رسالة مخفية؟ ماذا ستفعل لو كانت‬
‫القناة الهضمية حقيقية؟‬
‫‪ -‬السؤال هو باألحرى‪ :‬ماذا‬
‫ستفعل؟ كيف سيكون رد فعلك إذا قيل‬
‫لك أن وجودك هنا ال فائدة منه؟ ماذا لو‬
‫قلنا لك أن ما تبحث عنه ليس موجوًد ا‬
‫فحسب‪ ،‬بل إن فكرة البحث في حد‬
‫ذاتها سخيفة؟‬
‫تحدثت راما بهدوء أزعجني‪.‬‬
‫رفعت صوتي ‪:‬‬
‫– لكنني ال أبحث عن أي شيء!‬
‫ماذا تريد مني أن أبحث عنه؟‬
‫لقد طرحت هذا السؤال بمزيج من‬
‫االنزعاج واألمل الهائل‪ ،‬وال شك أن‬
‫راما شعرت أنني لم أطلب منها أن‬
‫تشرح لي فرضياتها بقدر ما كنت‬
‫أتوسل إليها أن تأتي لمساعدتي‪ ،‬لتدلني‬
‫على الطريق الجيد‪.‬‬
‫‪-‬ال أريد أي شيء على اإلطالق‪،‬‬
‫نديني ‪ .‬ربما كنت ال تبحث عن أي‬
‫شيء‪ ،‬في الواقع‪ .‬ربما كنت تفعل‬
‫العكس‪ :‬الهروب‪.‬‬
‫للحظة وجيزة‪ ،‬خيم صمت كثيف‬
‫على الغرفة‪ ،‬خطير مثل المستنقع‪،‬‬
‫كنت أخشى أن أغرق فيه إلى األبد‪،‬‬
‫رغم أن هذا االحتمال أغراني أيًضا‪.‬‬
‫‪-‬ال تسألني ماذا أو ممن تهرب‪.‬‬
‫أنت فقط تعرف ذلك‪ .‬فقط يمكنك أن‬
‫تعرف‪ .‬لكني سأقول لك شيئًا واحدًا‪...‬‬
‫(قاطعت نفسها‪ ،‬وألول مرة منذ بداية‬
‫الحديث شعرت أنها تبحث عن كلمات‪،‬‬
‫وأن هدوءها كان يتذبذب)‪ .‬أعرف‬
‫كيف أتعرف على الرجل من يخاف أن‬
‫يذهب إلى نهاية نفسه ويواجه شياطينه‪.‬‬
‫أراهم كل مساء‪.‬‬
‫يأتون حاملين ثقل العالم على‬
‫رؤوسهم‪ ،‬مسحوقين بالندم‪ ،‬والخوف‪،‬‬
‫والشعور بالذنب‪ ،‬والرغبة في التكفير‬
‫عن خطيئتهم‪ .‬ويخبرونني عن حياتهم‪،‬‬
‫على أمل أن أساعدهم بأعجوبة في‬
‫إنقاذ ما تبقى منها‪.‬‬
‫ولكن ال أستطيع أن أفعل ذلك‪ .‬أنا‬
‫فقط أستمع إليهم‪ .‬ينتهي بهم األمر إلى‬
‫البكاء كاألطفال‪ ،‬وفي تلك اللحظات‬
‫أنظر إليهم بحنان أمومي ممزوج‬
‫بالغضب العميق‪ .‬أنا أحبهم وهم‬
‫يشعرون باالشمئزاز مني‪ .‬يبكون لفترة‬
‫طويلة‪ ،‬وأحيانا لساعات‪ .‬بما يرضي‬
‫قلوبهم‪ .‬كل البلوز‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬لن يشعروا بأي تحسن‬
‫‪-‬ال يجب أن تحلم ‪ -‬لكنهم يعلمون أنه‬
‫طالما استمروا في الكذب‪ ،‬فسوف‬
‫يستمرون في الموت ببطء‪ .‬أعرف‬
‫كيف أتعرف على هؤالء الرجال‪.‬‬
‫وأنت يا نديني ‪ ،‬مثلهم تماًم ا‪.‬‬
‫‪ -‬آه‪ ،‬هل تحكم علي اآلن؟‬
‫‪ -‬سواء حكمت عليك أم ال‪ ،‬في‬
‫النهاية‪ ،‬ال يهم‪ .‬ما يهم هو ما رأيك في‬
‫نفسك‪.‬‬
‫اتجهت نظري نحو النافذة‪،‬‬
‫وتعثرت على الكثبان الرملية التي‬
‫اضطررت إلى عبورها مرة أخرى في‬
‫تلك الليلة للوصول إلى الشاطئ‪.‬‬
‫أحسست بنظرات راما علّي ‪ ،‬صبورة‬
‫ولكن قاسية‪ .‬عدت إليها‪ ،‬منهًك ا بالفعل‪،‬‬
‫وأكاد أتوسل إليها‪.‬‬
‫– نعم‪ ،‬ربما أنا مثل أحدهم كما‬
‫تقول‪ .‬لكنني ال أستطيع مواجهة كل‬
‫شياطيني ‪.‬ال احد يستطيع‪ .‬لقد واجهت‬
‫عدد قليل‪ .‬انها بالفعل ليست بهذا‬
‫السوء‪ .‬لكن ال بد أن يكون هناك من‬
‫يخيفنا‪ ،‬وإال فهذه نهايتنا‪.‬‬
‫– لم أقل أنه كان علينا أن ننتصر‬
‫على كل الشياطين‪ .‬لقد قلت ببساطة أنه‬
‫يتعين علينا مواجهتهم‪ ،‬على األقل‪.‬‬
‫واجههم جميعا‪.‬‬
‫– أنت شجاع للغاية‪ ،‬قلت بنبرة‬
‫كنت أريد أن أكون ساخًر ا‪ ،‬لكنها كانت‬
‫سخيفة فقط‪.‬‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬ليس شجاعا‪ .‬أعلم أنني يمكن‬
‫أن أخسر ولكني ال أخشى أن أكون‬
‫خاسًرا‪.‬‬
‫– هذا بالضبط ما أقوله‪ .‬الشجاعة‬
‫المتجسدة‪ ،‬الشجاعة الرائعة‪.‬‬
‫‪ -‬الشجاعة كلمة كبيرة‪ .‬إنها كلمة‬
‫لألبطال‪ .‬وهم نادرون وأنا لست واحدا‬
‫منهم‪ .‬أتحدث إليكم عن شيء آخر‪،‬‬
‫أبسط وأصعب في نفس الوقت من‬
‫الشجاعة‪ :‬الوضوح‪.‬‬
‫‪-‬ال أرى الفرق حًقا‪ .‬ولكن دعونا‬
‫نعترف‪ .‬ماذا يعني أن تكون واضًحا‬
‫بالنسبة لي؟‬
‫نظرت إلي طويال‪ ،‬بتعبير لم أكن‬
‫أعرفه‪ ،‬تعبير جديد‪ ،‬جعل منها شخصا‬
‫آخر‪ ،‬غريبا‪.‬‬
‫‪ -‬قالت إن األمر ال يتعلق بك فقط يا‬
‫نديني ‪ .‬بالنسبة لكل واحد منا‪ ،‬كونك‬
‫واضًح ا يعني أن تكون قادًرا على‬
‫النظر في وجوهنا‪ ،‬مهما كان وجهنا‪.‬‬
‫حتى القبيح‪ ،‬حتى الندوب‪ ،‬حتى‬
‫المغطى بالقروح والقيح‪ ،‬حتى‬
‫الغرغرينا‪ ،‬عليك أن تنظر‪ .‬بسيط‪.‬‬
‫‪-‬ال ليس كذلك‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ما‬
‫الذي كنا نتحدث عنه طوال الوقت؟‬
‫كل شيء مجردة جدا‪ ،‬أليس‬
‫كذلك؟‬
‫– ربما‪ ،‬ولكن هذه حياتك‪ ،‬وهذا‬
‫ما نتحدث عنه‪ .‬أنت تعرف‪ .‬إذا كنت‬
‫تشعر أن مناقشتنا مجردة‪ ،‬فإن حياتك‬
‫كذلك‪ .‬وأنت لم تفعل أي شيء لتغييره‪.‬‬
‫‪ -‬لست متأكدا من أنني أفهم‪.‬‬
‫ثم عاد وجهه إلى الذي أعرفه‪.‬‬
‫تنهدت وأعطتني ابتسامة متعبة‪.‬‬
‫‪ -‬أنا ال أشرح جيًد ا‪ ،‬أنا لست‬
‫مدرًسا‪ ،‬كما ترى ‪...‬ال أستطيع العثور‬
‫على الكلمات‪ .‬ومن ثم القرف! من أنا‬
‫ألقول "عليك أن"؟ ال تحتاج إلى أي‬
‫شيء على اإلطالق‪ .‬لقد انجرفت‪.‬‬
‫ينسى‪ .‬دع الجميع يفعل ما في وسعه‪.‬‬
‫من األفضل ال؟ (تبتسم مرة أخرى‪،‬‬
‫لألسف هذه المرة‪ ).‬أود أن أساعدك‬
‫كثيًرا‪ ...‬كثيًر ا‪ .‬ولكن ال أحد يستطيع‬
‫مساعدتك‪.‬‬
‫ألول مرة منذ أن عرفتها‪ ،‬بكت‬
‫راما أمامي‪ .‬مشيت إليها وعانقتها‪ .‬بقينا‬
‫نتعانق لفترة طويلة‪.‬‬
‫ال‪ ،‬أنت ال تشرح بشكل سيء‪ .‬هذه‬
‫األشياء ال يمكن تفسيرها‪ .‬بالطبع يا‬
‫راما‪ ،‬بالطبع فهمتك‪ .‬أردت فقط أن‬
‫تقول لي‬
‫أنه ال يوجد ملجأ إلى الجنة إلى‬
‫األبد‪ ،‬ليس ألن الجنة تتعارض مع‬
‫الخلود‪ ،‬ولكن ألن كل شخص على‬
‫األرض يحمل في داخله قطعة من‬
‫الجحيم إلى األبد‪ .‬أردت أن تخبرني أن‬
‫الجحيم يمكن أن يكون زورًقا صغيًرا‬
‫في عاصفة هائلة من الجنة‪ ،‬وال يغرق‬
‫أبًد ا‪ .‬أن االثنين‪ ،‬الجحيم والجنة‪،‬‬
‫متوافقان‪ ،‬وأن هذا‪ ،‬في النهاية‪ ،‬هو ما‬
‫يبقينا على قيد الحياة‪ .‬الجحيم المطلق‬
‫ال يمكن العيش فيه؛ الجنة المطلقة‬
‫أيضا‪ .‬بالطبع لم تكن لتقولها بهذه‬
‫الكلمات‪ .‬كان من الممكن أن تكون‬
‫لديك جمل أبسط‪ ،‬وأكثر مباشرة‪،‬‬
‫وأصعب‪ ،‬وأكثر تأثيًر ا‪ ،‬وأكثر صدًقا‪،‬‬
‫وأقل تجريًد ا‪ .‬لكنني لم أرغب في‬
‫سماعهم بعد‪ .‬لم أكن مستعدا‪.‬‬
‫اتصلت بالمالك إلبالغه بأننا نريد‬
‫العودة خالل النهار‪ .‬قمنا بتنظيف‬
‫المنزل‪ ،‬ووضعنا أغراضنا جانًبا‪،‬‬
‫وقمنا بجولة أخيرة على الشاطئ‪ ،‬حتى‬
‫حافة البركة الصغيرة‪ .‬لم يكن هناك‬
‫أطفال في ذلك اليوم‪ ،‬واختفى الزورق‬
‫الصغير‪ .‬وكانت القرية ال تزال تبدو‬
‫مهجورة‪ .‬حوالي الساعة الخامسة‬
‫مساًء ‪ ،‬قبل وقت قصير من عودة‬
‫الصيادين‪ ،‬كنا مستعدين للمغادرة‪.‬‬
‫ياتما كان سيحدث بالتأكيد‪ .‬لن يعرف‬
‫أي شيء أبًد ا‪.‬‬
‫تلقت راما رسالة عندما ركبنا‬
‫السيارة ‪.‬‬
‫‪ -‬إنها أنجيال‪ .‬لقد أرسلت لي‬
‫الصور‪.‬‬
‫‪ -‬ما هذا ؟‬
‫‪ -‬الوجوه المنتفخة لرجلين‬
‫أعدمهما حشد من الناس أمس‪ .‬وُيزعم‬
‫أنه تم القبض عليهما مًعا وهما يقبالن‬
‫بعضهما البعض‪ .‬لقد حدث ذلك في‬
‫الجامعة‪ .‬لقد تعرضوا للضرب على‬
‫الفور‪ ،‬كما هو الحال دائًم ا‪ .‬وهم في‬
‫المستشفى الرئيسي في حالة حرجة‪.‬‬
‫أخبرتني أنجيال أن أحدهم أستاذ‬
‫مشهور في قسم األدب‪ .‬تسألني إذا‬
‫كنت تعرفه‪ .‬هل تريد ان ترى ؟‬
‫‪-‬ال‪.‬‬
‫بدأت‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫وتوفي الجوتاليكات ليًال متأثرًا‬
‫بجراحه‪ .‬السيد كولي لديه فك مكسور‪.‬‬
‫كما فقد إحدى عينيه وأصيب بصدمة‬
‫شديدة في الرأس مع فقدان جزئي‬
‫للذاكرة‪ .‬لقد وجدته واعًيا‪ ،‬مريًضا‬
‫ولكنه واعي‪ .‬إنه ال يتذكر من أنا‬
‫ويواجه صعوبة كبيرة في التحدث‪ .‬في‬
‫كل مرة يحاول فيها فتح فمه‪ ،‬تتدفق‬
‫كميات غزيرة من اللعاب وتضيع‬
‫الكلمات التي يحاول إخراجها في هذه‬
‫الصهارة من اللعاب الغزير والجمل‬
‫غير الواضحة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أشعر أنه‬
‫يريد أن يقول شيًئا أساسًيا جًد ا لدرجة‬
‫أنه على استعداد لتسليمه إلى شخص‬
‫غريب ‪ -‬ألنني غريب عنه‪ .‬وما زالت‬
‫عينه سليمة‪ ،‬ويحاول التواصل‪ .‬هذا‬
‫كل ما تبقى له‪ :‬نظرة العمالق للتحدث‪.‬‬
‫لكنني ال أفهم شيًئا عن لغة العين هذه‪.‬‬
‫كل ما أعرفه هو أنه يتألم‪ ،‬وأنه ربما‬
‫خائف‪ .‬أخبرته أنني ال أفهم ما يحاول‬
‫أن يقوله لي‪ .‬يكاد ينهيه‪ .‬يغمض عينيه‬
‫في يأس وألم‪ .‬إنه يعلم أنه محاصر في‬
‫أكبر معاناة على اإلطالق‪ ،‬والتي ال‬
‫يستطيع التحدث عنها‪ .‬تسقط دمعة من‬
‫عينه اليسرى‪ ،‬تلك التي ال تزال تعمل؛‬
‫وينتهي اآلخر بالنزول‪ ،‬بعد أن بللت‬
‫الضمادة التي تغطيه‪ ،‬وهي مادة‬
‫صفراء تميل إلى اللون األحمر القذر‪.‬‬
‫انتهى بي األمر بمغادرة الغرفة‪.‬‬
‫الطبيب ينتظرني في الردهة‪.‬‬
‫"سوف نبقيه هنا لبعض الوقت‪.‬‬
‫عشرة أيام ال أكثر‪ .‬لقد نفدت‬
‫المساحة لدينا‪ ،‬كما تفهم‪ ...‬عد قدر‬
‫اإلمكان‪ .‬إن رؤية الشخصيات المألوفة‬
‫ستساعده على التذكر بسهولة أكبر‪.‬‬
‫تحدث معه عن حياته وعن ذكرياته‪.‬‬
‫لكن تجنب ذكر أسباب وجوده فورًا‪...‬‬
‫وال ذكر لآلخر أيضًا‪...‬‬
‫صديقه‪...‬يعني‪ "...‬يقاطعني الطبيب‪،‬‬
‫يتردد‪ ،‬ينظر إلي بخبث‪ ،‬في وجهه‪ ،‬أنا‬
‫لمحة من تألق الصراع الرهيب الذي‬
‫يدور بداخله‪ ،‬صراع ضميره المهني‬
‫ترفض أحكامها األخالقية قدر‬
‫استطاعتها‪ .‬قام بتغيير الموضوع‬
‫وأخبرني أنني أول شخص يأتي لرؤية‬
‫السيد كولي منذ أن تم إحضاره إلى هنا‬
‫في اليوم السابق‪ .‬وحاول المستشفى‬
‫االتصال بزوجته‪ ،‬فرفضت زيارته‪.‬‬
‫أخبرني الطبيب أن الحالة شائعة‪ .‬يفقد‬
‫جميع المثليين جنسيًا المعترف بهم علنًا‬
‫دعم العديد من األقارب واألصدقاء‪.‬‬
‫زوجاتهم‪ ،‬إن كان لديهن‪ ،‬غالًبا ما‬
‫يدخلن في فترة من االكتئاب‪ .‬إن فكرة‬
‫تعرضهم للخداع‪ ،‬أو كونهم بمثابة‬
‫غطاء للخطيئة‪ ،‬أو كونهم مجرد‬
‫ضمانة‪ ،‬أو قناع لألخالق‪ ،‬أو إظهار‬
‫للرجولة‪ ،‬هي فكرة ال تطاق بالنسبة‬
‫لهم‪ .‬باختصار‪ ،‬إنهم يتألمون ألنهم‬
‫ربما لم يحبوا أبًد ا‪.‬‬
‫ولم يأت أحد‪ ،‬باستثناء أنجيال‬
‫وزمالئها من هيومن رايتس ووتش‪،‬‬
‫لرؤية السيد كولي‪ .‬نفس الشيء بالنسبة‬
‫لجوتاليكات ‪ .‬ولم يأت أحد بعد للمطالبة‬
‫بجثته‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يبدو أن الطبيب‬
‫قلق للغاية‪.‬‬
‫"سيأتي شخص ما في نهاية‬
‫المطاف في منتصف الليل‪ ،‬بعيًد ا عن‬
‫األنظار‪ ،‬ليأخذها بعيًد ا‪ .‬نحن عادة‪» .‬‬
‫يعدل نظارته‪ ،‬ويصافحني باحتراف‪،‬‬
‫ويبتعد بالطريقة التي ال يعرفها إال‬
‫األطباء‪.‬‬
‫أسمع ضجيج المدينة في الخارج‪.‬‬
‫أستمع إليه لبضع دقائق‪ ،‬بال حراك‬
‫وحيًد ا في الممر الذي تنطفئ أنواره‪،‬‬
‫ثم‪ ،‬ببطء‪ ،‬أشعر بموجة الكراهية‬
‫الخالصة تتصاعد في داخلي تجاه‬
‫المدينة‪ ،‬ولضجيجها‪ ،‬ولجميع سكانها‪.‬‬
‫أشعر فجأة بالرغبة في قتلهم‪ ،‬في قتلهم‬
‫جميًعا‪ ،‬دون أن أخصص الوقت للنظر‬
‫في كل حالة على حدة‪ ،‬دون أي فارق‬
‫بسيط‪ ،‬دون أن أحاول معرفة من هو‬
‫الجيد‪ ،‬ومن هو الشرير‪ ،‬ومن هو‬
‫اإلنسان‪ ،‬ومن هو اإلنسان ‪. .‬ال أريد‬
‫حتى أن أفعل ذلك‪ :‬إنهم جميًعا مذنبون‪.‬‬
‫وال يمكن أن يكون بينهم أي بريء‪.‬‬
‫إنهم المجتمع‪ ،‬المجتمع في حركته‬
‫الوحشية والقوية التي ال يمكن كبتها‬
‫مثل حركة البواء التي تخنق فريستها‪.‬‬
‫لو أتيحت لي الفرصة‪ ،‬لخرجت‬
‫وبندقيتي في يدي وأطلقت النار على‬
‫الحشود بشكل أعمى‪ ،‬مثل اإلرهابي‪،‬‬
‫ثماًل بكراهيتي واشمئزازي‬
‫وإصراري‪ .‬لكن ليس لدي أي أسلحة‪.‬‬
‫أنا عريان وضعيف مثل أي رجل أمام‬
‫إخوانه من البشر‪.‬‬
‫ال أستطيع أن أفعل أي شيء سوى‬
‫مواجهة النظرات المليئة بحسن النية‪،‬‬
‫والبراءة‪ ،‬والنقاء‪ ،‬والمثيرة لالشمئزاز‬
‫لكوني على حق‪ ،‬والرغبة دائًم ا في أن‬
‫أكون على حق‪ .‬كل واحد منهم هو‬
‫جزء من الحشد الذي حفر أمادو؛ وقد‬
‫شارك كل منهم في إعدام السيد كولي‬
‫والجوتاليكات ؛ لقد حفر الجميع بئر‬
‫الصمت حيث تنزل والدة أمادو كل‬
‫يوم‪.‬‬
‫بحر الكراهية يرتفع من جديد‪،‬‬
‫وسرعان ما سيرتفع‪ ،‬دون احتمال‬
‫انخفاضه‪ .‬سأخرج‪ .‬سأخرج وسأصبح‬
‫أسوأ كابوس لهم في نفس الوقت الذي‬
‫يحلمون برؤيته حتى يتمكنوا من قتله‬
‫بشكل أفضل‪. góor -jigéen :‬‬
‫سأخرج وأسبب لهم معاناة ال تطاق‬
‫وأقدم لهم الهدية التي ال تقدر بثمن في‬
‫لفتة واحدة‪ :‬سأحول نفسي إلى لوطي‪،‬‬
‫لوطي يمكن أن يخافوه في اشمئزاز‬
‫داخلي ويرغبوا في رغبة مظلمة في‬
‫ذلك‪ .‬القتل‪ .‬أتمنى أن يغطوني‬
‫بالبصق‪ ،‬قد يمزقوني إرًبا بأسنانهم‪ ،‬قد‬
‫يكسروا عظامي ويسحبوني عارًيا في‬
‫الشوارع‪ ،‬قد يهينوني أنا وأمي‬
‫المتوفاة‪ ،‬قد يحكمون علي بأنني ال‬
‫أستحق العيش‪ ،‬يكسرون أسناني حتى‬
‫أمتص بشكل أفضل‪ ،‬كما يقولون‪،‬‬
‫دعهم يعدمونني ويتركونني في الهواء‬
‫الطلق‪ ،‬أحشاء إلى السماء مثل الجيفة!‬
‫دعهم يتهموني بحقدهم مثل البغل‪ :‬لن‬
‫يزيدوا إال على حقدي قبل أن أنفجر في‬
‫وسطهم ونموت جميعا في أحقادنا‬
‫تنفجر مثل القرح‪ ،‬تنفجر مثل دمامل‬
‫الدم الحمضية‪ .‬إنهم ليسوا الوحيدين‬
‫الذين يعرفون كيف يكرهون‪.‬‬
‫أتوسل‪ :‬دعهم يجعلونني بطل‬
‫الفيديو! أتمنى أن يمنحوني االمتياز‬
‫الهائل للموت في الفيلم! هذا ما أريد‪.‬‬
‫أن أغادر وسط انفجار هائل‬
‫للعنف‪ ،‬آخًذ ا معي أكبر عدد ممكن من‬
‫الناس‪ ،‬ألن هذا ما نستحقه جميًعا‪ ،‬نحن‬
‫المخلوقات الصغيرة التي نشن مثل‬
‫هذه الحرب الشرسة‪ .‬أشعر بالقوة‪،‬‬
‫مستودع قوة مظلمة وهائلة تجعل‬
‫األسباب القليلة التي ال أزال أمتلكها‬
‫للعيش والحب سخيفة‪ :‬راما‪ ،‬وأجا‬
‫مبيني ‪ ،‬وبالطبع أنت يا أبي –‬
‫سامحني ! ‪ -‬يا من أتخيلك بالفعل‬
‫جاثيًا على ركبتيك عند سفح قبري‪،‬‬
‫تنبشني بيديك المرتعشتين وأنت تبكي‪،‬‬
‫ممزقًا دائمًا بين حبك وخجلك‪.‬‬
‫أبدأ بالمشي ببطء عبر الردهة‬
‫باتجاه المخرج‪ .‬تعود األضواء‪ ،‬وفي‬
‫نفس اللحظة‪ ،‬تغمرني فرحة ال تقهر‪،‬‬
‫ممزوجة ببحر كراهيتي المتصاعد‬
‫اآلن‪ .‬إنه فرح بسيط‪ ،‬نقي‪ ،‬مقدس‪،‬‬
‫وسرعان ما يوجه لي ضربات قوية‬
‫على القلب‪ ،‬والمعدة‪ ،‬والرأس‪ .‬انها‬
‫مؤلمة تقريبا‪ .‬يتردد صدى خطواتي‬
‫كصدى هائل وشرير في هذا‬
‫المستشفى الذي يشبه فراش الموت‪.‬‬
‫هذه هي خطوات رجل في الممر‬
‫األخير‪ ،‬ممر مظلم للغاية لدرجة أنه ال‬
‫يرى إال الضوء في نهايته‪ ،‬أحياًنا‬
‫مظلًم ا‪ ،‬وأحياًنا إلهًيا؛ وضيقة جًد ا‬
‫بحيث لم يعد بإمكان المحكوم عليه أن‬
‫يستدير ويستدير ‪.‬ال أستطيع إال‬
‫المضي قدما‪ .‬أريد فقط المضي قدما‪.‬‬
‫وال يوجد أي تراجع آخر ممكن أو‬
‫حتى مرغوب فيه‪ .‬المضي قدما ولكن‬
‫نحو ماذا؟ هل نتحرك نحو أي شيء؟‬
‫في وقت سابق‪ ،‬أوصلت راما إلى‬
‫منزلها‪ .‬أرادت البقاء معي‪.‬‬
‫أخبرته أنني أريد أن أكون وحدي‪،‬‬
‫وحيًد ا حًقا‪ ،‬على األقل الليلة‪.‬‬
‫أرادت أن تقول شيًئا أكثر‪ ،‬لكن‬
‫انتهى بها األمر بتقبيلي على خدي بعد‬
‫وقت طويل قبل النزول إلى الطابق‬
‫السفلي‪ .‬ظلت واقفة على الرصيف‬
‫تنظر إلي بنوع من الحزن؛ وبعد فترة‬
‫طويلة من بدايته‪ ،‬واصلت رؤية‬
‫صورته الظلية في المرآة الخلفية‪،‬‬
‫وظلت نظراته الحزينة علّي ‪ ،‬حتى‬
‫ابتلعه الليل‪ .‬في مقعد الراكب‪ ،‬تركت‬
‫إحدى ضفائرها الطويلة‪.‬‬
‫قبل مجيئي إلى المستشفى‪ ،‬ذهبت‬
‫إلى قبر أمادو‪.‬‬
‫كنت أخشى أن يكون شخص ما قد‬
‫دنسها وحفرها مرة أخرى‪ .‬لكن‬
‫الحجارة كانت هناك‪ ،‬بال حراك‪ ،‬تحّد د‬
‫مكانها المقدس‪ .‬لم يأت أحد‪ ،‬ولن يأتي‬
‫أحد مرة أخرى‪ :‬لقد مات أخيًر ا‪ .‬فجأة‬
‫أثرت فّي بساطة مقبرته ‪ ،‬وكأنني لم‬
‫أرها من قبل‪ .‬بدت لي هذه الحجارة‬
‫األربعة كأنها ضريح فخم بال أبهة‪ .‬لقد‬
‫خطرت في بالي فكرة كتابة شيء ما‪.‬‬
‫انتزعت غصًنا صغيًر ا من الشجرة‬
‫ووضعته فوق المسافة بين الحجارة‪،‬‬
‫منتظًر ا الكلمات التي أردت أن أرسمها‬
‫هناك على شكل ضريح على الرمال‪.‬‬
‫وبقيت العصا معلقة فوق القبر مدة‬
‫طويلة‪ .‬لم يأت لي شيء‪ .‬وفي النهاية‬
‫رميت الغصن بعيًد ا‪ ،‬وقلت لنفسي إنني‬
‫كنت سأكون من تدنيس القبر لو كنت‬
‫قد انتزعته عن طريق الكتابة من‬
‫جماله العذري‪.‬‬
‫الممر‪ .‬سأكون بالخارج قريًبا‪ .‬هل‬
‫أنا واحد؟ نعم ‪...‬ال ‪...‬ال يهم‪ :‬قالت‬
‫اإلشاعة‪ ،‬قررت‪ ،‬قررت نعم‪ .‬لذلك‬
‫سوف أكون واحدا‪ .‬يجب أن أكون‬
‫واحًد ا‪ .‬إذا احتاجني من هم في الخارج‬
‫أن أكون واحًد ا ألعيش بشكل أفضل‪،‬‬
‫فسأكون واحًد ا‪ ،‬وألعب دوري على‬
‫أكمل وجه‪ ،‬وهكذا سيكون الجميع‬
‫سعداء‪ .‬هم للعيش وأنا للموت‪ .‬ربما لن‬
‫يدركوا الهدية التي قدمتها لهم إال بعد‬
‫وفاتي‪ ...‬سوف يتغنون بمديحي‪.‬‬
‫سيقبلون قدمي الباردة ويقبلون نعشي‬
‫مثل نعش القديسين‪ .‬بعض معذبي‪ ،‬بعد‬
‫أن هدأ غضبهم‪ ،‬سيقولون عني أشياء‬
‫جيدة‪ ،‬دون مخاطرة‪ ،‬ألن الشاذ‬
‫الصالح هو لوطي ميت‪ .‬الهواء الدافئ‬
‫للمدينة يقبل وجهي بالفعل‪ .‬اإلشاعة‬
‫تقترب‪ .‬أفتح ذراعي له مثل األخ‪.‬‬
‫الوضوح‪ ...‬ذلك الذي تحدث عنه راما‪.‬‬
‫الوضوح…‬
‫ربما هناك هو عليه‪ .‬بضع‬
‫خطوات أخرى وسوف تعميني‪ .‬لقد‬
‫اتخذت خياري‪ .‬الجميع هنا مستعد‬
‫للقتل ليكون رسول الخير‪ .‬أنا مستعد‬
‫للموت ألكون الشخصية الوحيدة‬
‫الممكنة للشر‪.‬‬
‫مخطط الوثيقة‬
‫من نفس المؤلف‬
‫حقوق النشر‬
‫الفصل ‪1‬‬
‫الفصل ‪2‬‬
‫الفصل ‪3‬‬
‫الفصل ‪4‬‬
‫الفصل ‪5‬‬
‫الفصل ‪6‬‬
‫الفصل ‪7‬‬
‫الفصل ‪8‬‬
‫الفصل ‪9‬‬
‫الفصل ‪10‬‬
‫الفصل ‪11‬‬
‫الفصل ‪12‬‬
‫الفصل ‪13‬‬
‫الفصل ‪14‬‬
‫الفصل ‪15‬‬
‫الفصل ‪16‬‬
‫الفصل ‪17‬‬
‫الفصل ‪18‬‬
‫الفصل ‪19‬‬
‫الفصل ‪20‬‬

You might also like