Professional Documents
Culture Documents
الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان
الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان
الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان
املنطلقات واألفق
ْ ْ َّ ْ
﴿ إِ َّن الل َه َيأمُ ُر بِال َع ْد ِل و ِ
َاإْلحْ َس ِ
ان ﴾
املحور السيايس:
حرية وعدل وحكم املؤسسات
66 .1.5.2األحزاب
67 .2.5.2النقابات
69 .3.5.2الجمعيات
89 .3.2ربط املغرب بسالسل اإْلنتاج العاملية دون التفريط يف استقالله االقتصادي
123 .4.3الزكاة
املحور املجتمعي:
كرامة وتضامن وتربية متوازنة
تقديم
اع ُتبِرت قضيتا العدل واإلحسان قضيتين محوريتين يف فكر جماعة العدل واإلحسان
ومشروعها وبرامجها .وإذا كان اإلحسان هو سلوك الفرد إلى اهلل تعالى برتبية إيمانية
غايتها رضا اهلل وطلب وجهه الكريم ،فإن العدل هو هتمم بأمور الناس وبشأهنم العام
ومواجهة الظلم ونصرة المستضعفين ،إحقاقا للحق وللكرامة اإلنسانية وللحرية المدنية.
وقد أكد األستاذ المرشد عبد السالم ياسين رحمه اهلل على أهمية الجمع بين القضيتين يف
مشروع الجماعة قائال« :نحمل إخويت شعار العدل واإلحسان ليكون لواؤنا بين الدعوات
ثائرا خفاقا بخفقان حب اهلل يف قلوبنا ،وخفقان الحب يف اهلل ،والذلة على المؤمنين،
وحب المساكين ،والجهاد يف سبيل اهلل والمستضعفين ،وليكون عنواننا يف السياسة
منشورا مشهورا ،له أصالته من القرآن ،وله واقعيته من غضبنا لما تنتهكه الطبقة المرتفة
المستكربة من حقوق اهلل وحقوق العباد» (رسالة األستاذ عبد السالم ياسين رحمه اهلل إلى
عموم أعضاء الجماعة.)1987 ،
لقد كان لهذا التصور صدى على مستوى الهيكلة التنظيمية للجماعة منذ بدايتها،
ويف مختلف محطات تجديد وتعديل تلك الهيكلة ،كان أبرزها تأسيس الدائرة السياسية
لجماعة العدل واإلحسان عام ،1998وهي المؤسسة المتخصصة يف قضايا الشأن العام.
ورغم القمع والتضييق والشيطنة التي مارستها السلطة على الجماعة على مدى عشرات
السنين ،فقد ساهمت الدائرة السياسية يف مقاومة االستبداد والفساد إلى جانب فضالء
غيورين من أبناء الوطن ،عرب مشاركتها يف العديد من المبادرات السياسية ،وحضورها
المتواصل يف المشهد السياسي ،وكلمتها الصريحة يف النقاش العمومي .كما اشتغل
أطرها على إعداد عدة أوراق ووثائق اقرتاحية إلخراج بالدنا الحبيبة مما تعيشه من
أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية ،بعضها عرف طريقه إلى النشر الخارجي مثل وثيقة
الوثيقة السياسية 10
حلف اإلخاء الصادرة عام ،2006ووثيقة جميعا من أجل الخالص الصادرة عام 2007
وغيرهما ،والبعض اآلخر ظل رهن التداول الداخلي متتبعا لمستجدات كل مرحلة
وتحدياهتا ،وعيا بأن التغيير ال يكون ضربة الزب ،بل هو فعل جماعي عميق ومستدام،
يتطلب إعدادا مبكرا ومتواصال يف كل المجاالت ،ويتأسس على الرتبية ،ويحتاج إلى
إبداع مسارات تنزيلية تربط العلم بالعمل ،والفكرة بالواقع ،والتصور بالممارسة .ومع
ذلك وقبله وبعده لجوء مستمر إلى اهلل عز وجل طلبا لعونه وتوفيقه.
بناء عليه ،فإن الوثيقة التي بين أيدينا نسخة متطورة من مثيالهتا ،وحلقة ضمن سلسلة
الوثائق التي ضمنتها الجماعة مقرتحاهتا السياسية ،مواصلة اجتهادها وتطوير مشروعها
وإسهامها اإليجابي :تفصيال وتوضيحا وتدقيقا وتحيينا يف اتجاه رص الصف وتوحيد
الجهود وبناء القوة المجتمعية لصناعة التحول المنشود والتغيير المراد ،راسمة بذلك
حرص الجماعة الدائم على التواصل وتوضيح جوانب عديدة من تصوراهتا يف مختلف
مجاالت الشأن العام.
إن هذه الوثيقة وهي تروم التفاعل مع الواقع بتحدياته وفرصه لبناء المستقبل ،فإهنا
أيضا تدرك ما تتسم به المرحلة الحالية من صراع وتقاطب دوليين ،وتصاعد للغطرسة
الصهيونية وتمددها يف بالد المسلمين عموما ويف بالدنا على وجه الخصوص ،كما
تعي جيدا تغول السلطوية يف مغربنا ،وتمادي الحاكمين يف إهدار كرامة اإلنسان،
ومصادرة الحقوق السياسية والمدنية واالقتصادية واالجتماعية ،وما يرتبط بذلك كله
من تردي األوضاع المعيشية ،وتفشي الفساد ،وانحالل األخالق ،وإفالس السياسات
المتبعة وغيرها من المظاهر التي تعكس وصول بلدنا إلى حالة غير مسبوقة من الجمود
واالنحباس ،مما يهددنا باهنيار عام -ال قدر اهلل -وتصدع شامل للنظام االجتماعي.
ويفرض هذا األمر على كل الغيورين تحمل المسؤولية التاريخية يف الحضور والفعل
والمبادرة وتكثيف وتوحيد الجهود ،والسعي لفتح مسارات قابلة للتحقق يف المرحلة من
أجل إيقاف النزيف والتأسيس لمستقبل الحرية والكرامة والعدالة.
يف إطار هذه المسؤولية أمام اهلل تعالى أوال وقياما بالواجب تجاه وطننا ثانيا وحرصا
على الوضوح ثالثا ،قررنا أن ننشر هذه الوثيقة ،ونتقاسم مضامينها مع كل المواطنين
11 تقديم
والمهتمين والسياسيين والباحثين والنخب؛ راجين من اهلل عز وجل أن تكون بما تضمنته
من تنبيهات وتوجهات ومقرتحات خطوة على طريق اإلنقاذ وتجنيب بالدنا األخطار
المحدقة .إن تعويلنا على اهلل الكريم الوهاب توفيقا وسدادا ،ثم على ذكاء ومروءة وغيرة
الصادقين تعاونا وتناصرا ،وكذا على الفطرة والسالمة القلبية لهذا الشعب سندا شعبيا،
لهو السبيل للنهوض الجماعي لصنع ما يستحقه المغاربة ،كل المغاربة ،من عدل وكرامة
وحرية .ولعل مما يدعو إلى التفاؤل ما نراه من إنجازات هنا وهناك على يد أطر وكفاءات
مغربية غيورة على وطنها يف مجاالت مختلفة ،رغم معيقات االستبداد وفساده واستغالله
البشع لتلك الكفاءات التي وهبها اهلل تعالى ألبناء وطننا الحبيب.
على مستوى المضمون فقد حرصت الوثيقة على تناول جل قضايا الشأن العام
مركزة أساسا على ما يهم المغرب ،ومعتمدة على لغة مشرتكة من حيث المصطلحات
حرصا على التواصل والتفاهم .وقد تميزت باشتمالها على المبادئ االسرتاتيجية
الراسخة الممتدة زمنيا والتي تشكل أسس تصور الجماعة لقضايا الشأن العام يف عالقة
بمشروعها الشامل .كما تضمنت فقرات تشخيصية آثرنا عدم التفصيل فيها إال بما يلزم
الموضوع من تأسيس وتقعيد لألسئلة الملحة والقضايا المعروضة يف مجال تدبير الشأن
العام .كما شملت يف جزء هام منها َن َفسًا استشرافيا قريبا يمتد لبضع سنوات ،أطرنا من
خاللها حدود التغيير الممكن يف ظل التحوالت اإلقليمية والدولية واألزمات المحلية
التي تعيشها بالدنا .وتجلى هذا النّ َفس يف مبادرة اقرتاحية تروم عرض توجهات عملية
وواقعية .وبقدر ما هي مختلفة عن أي نزعة تنظيرية مجردة ،فإهنا بعيدة أيضا عن أي
نزعة تجريبية أو برنامج انتخابي مباشر .فقد أردناها أن تكون وسطا شارحا يقع بين
مستوى الخطاب االسرتاتيجي العام والمستوى التنفيذي التفصيلي .لذلك اخرتنا لهذه
الوثيقة اسم «الوثيقة السياسية» ،تمييزا لها عن الورقة المذهبية وعن الربنامج اإلجرائي
يف الوقت نفسه.
الشرط األول لتفعيل هذه المداخل واالقرتاحات ،التي قد تلتقي يف بعض خطوطها العامة
مع ما يطرحه بعض الفضالء والغيورين.
لقد تم تقسيم مضامينها إلى أربعة محاور :يتعلق األول بمحور تمهيدي يتضمن
منطلقات وأفق الوثيقة ،ويربز الخلفية التي تستند إليها حتى ال ينظر إلى ما بسطته بشكل
مفصول عن مشروعها العام الذي ال يشكل المجال السياسي إال جزءا منه .وهكذا فقد تم
التعريف بالمشروع السياسي لجماعة العدل واإلحسان ،أساسه وأفقه وأهدافه وخصائصه.
أما المحور الثاين الذي هو المحور السياسي ،فقدتم تأطيره بشعار« :حرية وعدل
وحكم المؤسسات» ،وتم التطرق فيه للعديد من القضايا ،من أهمها :الدولة والدستور
والسلطات الثالث ،والعالقات الخارجية ،واألحزاب ،والنقابات ،والجمعيات،
وغيرها .وتم تخصيص المحور الثالث للسياسات االقتصادية واالجتماعية تحت شعار:
«عدالة وتكافل وتنمية مستدامة» ،وشمل العديد من القضايا من قبيل النسيج االقتصادي،
والتحول الرقمي ،والسياسة الطاقية ،والتجارة الداخلية والخارجية ،والفالحة والثروات
المعدنية ،ومنظومة التمويل ،والصحة العامة ،والحماية االجتماعية ،والتنمية الجهوية.
أما المحور الرابع فهو المحور المجتمعي تحت شعار« :كرامة وتضامن وتربية متوازنة»،
وتم فيه طرق مجموعة من القضايا المجتمعية ،كتدبير الشأن الديني واألسرة والطفولة
والمرأة والشباب والتعليم واإلعالم والثقافة والفن والرياضة.
وتم العمل على إعداد هذه الوثيقة خالل األربع سنوات األخيرة ،بمشاركة فاعلة
ألطر الجماعة يف مختلف التخصصات وواجهات العمل الدعوية والرتبوية والسياسية،
فضال عن اإلسهام الكبير لمكاتب الدراسات واألبحاث التي تضم نخبة من خرباء
الجماعة يف ميادين متنوعة .كما حظيت بتشاور موسع شمل مختلف مؤسسات الجماعة
بتنوع اختصاصاهتا ومسؤولياهتا محليا ووطنيا.
وبإصدارنا لهذه الوثيقة فإننا ال ندعي لها الكمال ،ولكنها تعكس إرادة صادقة لبناء
مغرب جديد على هدى من اهلل وبمعية كل من له غيرة على هذا البلد .فقد كانت يد
الجماعة منذ تأسيسها ممدودة لكل الصادقين ،وستظل كذلك ،وهو ما نعتربه واجبا
وليس منة على أحد .ومما يجعل ذلك أكثر إلحاحا هو حجم مشاكل المغرب التي
13 الوثيقة السياسية
تعقدت وتضخمت لدرجة أصبحت أكرب من أن يواجهها طرف واحد مهما بلغت قوته
وحسنت نيته ،مما يتطلب حال جماعيا يتم قبله وخالله وبعده حوار مسؤول وواضح.
وهو أمر ممكن إن صفت النيات ،وكانت مصلحة المغرب والمغاربة أسبق يف االعتبار،
وأبعد عن الحسابات الضيقة والدروب المعتمة.
املنطلقات واألفق
ْ ْ َّ ْ
﴿ إِ َّن الل َه َيأمُ ُر بِال َع ْد ِل و ِ
َاإْلحْ َس ِ
ان ﴾
(سورة النحل)90 ،
16
17 املنطلقات واألفق
يهدف المشروع التغييري لجماعة العدل واإلحسان إلى تحقيق العدل الذي هو
قرين اإلحسان .يقول اإلمام عبد السالم ياسين رحمه اهلل« :وليس التغيير الذي نقول به
ونعمل عليه مشروع تنمية يقف عند التنمية ،أو مشروع عدالة اجتماعية ين َْحدُّ يف إدماج
دة تدافع عن اجتماعي يقارب بين طبقات الناس يف المعاش ،أو مشروع حضارة مهدَّ ٍ
ُ ُ
الـمبين ،وال مشروع ُه َو ّية
النصر ُ
َ وازدهارها
ُ الـمنى وجودها وبقائها ،يكون بقاؤها غاي َة ُ
ِ
االندثار الغالبة .ويكون ِ
الح ُ
فاظ عليها من ِ اله َو َّيات ّ ُي ْخشى عليها أن تذوب
وتضمحل يف ُ
أقصى ما تص ُبو إليه األمة .التنمي ُة وشروطها ،والتم ّيز الحضاري ولوازمه ،والعدالة
مجاالت للتغيير
ٌ الخاص ُة وما تحافظ ،كل هذه
َّ االجتماعية وما ُتقرب وما تدمجُ ،
واله َو ّية
المحركة التي هبا تحيا التنمية ،وتتأ ّتى العدالة ،وتتألق
ِّ ومظه ٌر .الروح
َ جسم
ٌ الذي ُ
ننشدُ ه،
الحضارة ،وتتميز الهوية ،إن لم تكن روح اإليمان باهلل ورسوله ،وشريع َة اإلسالم فإنما
نحن ناس من الناس .ال نكون خير أمة أخرجت للناس كما يريد اهلل تعالى لنا» (الشورى
والديمقراطية ،1996 ،ص 271و .)272فالتغيير السياسي يف مشروع الجماعة يرتبط
إذا على مستوى مبادئه وقيمه ارتباطا وثيقا بالمشروع الدعوي العام وبالتغيير الرتبوي
واألخالقي .وحتى ال يتم الوقوع يف إسقاطات قد تضر بالعملين الدعوي والسياسي معا،
وجب التأكيد على ضرورة التمايز الوظيفي والموضوعي بالقوة نفسها التي يتم هبا إقرار
هذا الرتابط المبدئي والقيمي .ويف هذا السياق ،يعترب تأسيس الدائرة السياسية لجماعة
العدل واإلحسان منذ أكثر من ربع قرن تجربة أولى للتأسيس لهذا التمايز .ومن هذا
المنطلق ،نعرض المنطلقات التي تؤسس للمشروع السياسي لجماعة العدل واإلحسان
يف عالقته بالمشروع الدعوي العام.
جماعة العدل واإلحسان حركة إسالمية مغربية األصل والمنشإ ،وجماعة دعوية
تربوية تتوب إلى اهلل وتدعو أعضاءها والناس إلى معرفة اهلل عز وجل والتوبة إليه ،ثم
هي أيضا حركة مجتمعية سياسية مكاهنا األساسي والطبيعي هو المجتمع بما هو حاضنة
الوثيقة السياسية 18
شعبية ،فهي على هذا النحو ليست توجها منزويا مستقال عما يدور حوله ،وليست مجرد
حركة ثقافية فكرية ،كما أهنا ليست حزبا سياسيا بالمعنى المتداول للحزب السياسي.
وإذا كانت جماعة العدل واإلحسان -كما تقدم -حركة إسالمية دعوية تربوية،
وظيفتها الدعوة إلى اهلل بمعناها الشامل خدمة لإلنسان ونشرا لقيم الخير والفضيلة يف
المجتمع ،فإنه من البديهي انسجاما مع هذه الطبيعة الدعوية الشاملة أن يشمل نشاطها
الفعلي إضافة لألساس الرتبوي مختلف مجاالت العمران الرتبوية والسياسية واالقتصادية
واالجتماعية والثقافية والبيئية ،الفردية منها والجماعية.
تسعى جماعة العدل واإلحسان لإلسهام إلى جانب غيرها يف تحقيق المعنى الكلي
للعبادة فرديا وجماعيا ومجتمعيا ،من دون احتكار لإلسالم ،وال فرض لفهمها له على
الغير ،وال ادعاء على قدرهتا وحدها على حل معضالت المجتمع والعالم من دون
إسهامات باقي التصورات على قاعدة الحوار البناء والتعاون المثمر الهادف .وتنطلق
الجماعة من اإلسالم مرجعية ،لكن من منظور منهاج تجديدي ال يرهتن لالجتهادات
المظروفة بزماهنا ومكاهنا ،وبإرادة جهادية تسعى إلقامة الدين يف نفسها ويف المجتمع ،عرب
الدعوة السلمية الرفيقة ،والحراك المجتمعي المدين على جميع أصعدة الفعل اإلنساين،
تربية وتفكيرا وتثقيفا وتنويرا وتعليما وتنظيرا وتدافعا.
تنطلق المرجعية التنظيرية لجماعة العدل واإلحسان من المنهاج النبوي بما هو آلة
للعلم ومرشد للعمل ،بقراءة متجددة لكتاب اهلل وسنة رسوله ﷺ ،وكتاب العالم والحكمة
البشرية .فهو يف مستوى التصور يحدد المنطلقات والمبادئ ،ويرسم األهداف والغايات،
ويضبط الوسائل ،ويرتب المراحل ،وينظم الفعل الدعوي والمجتمعي لجماعة العدل
واإلحسان يف إطار مشروع مجتمعي تغييري مطلبه اآلين العدل ،وغايته اإلحسان ،وأداته
العملية األساسية :الرتبية ثم الرتبية ثم الرتبية .يقول اإلمام عبد السالم ياسين رحمه اهلل:
«المستقبل لتغيير عميق شامل ،تغيير من داخل اإلنسان ،من تربية اإلنسان ،من تعليم
اإلنسان .التغيير أجيال ،التغيير أمهات صالحات ،التغيير مدرسة صالحة ،التغيير َمنَع ٌة
ضد االمتداد السرطاين للثقافة الدوابية ،التغيير إعادة بناء األمة على أصولها ،التغيير تعبئة
أمة ،قومة أمة» (العدل ،اإلسالميون والحكم ،2000 ،ص .)691
19 املنطلقات واألفق
برزت الجماعة ،منذ أكثر من ثالثة عقود ،للرأي العام الوطني والدولي وللساحة
الدعوية والسياسية بشعار العدل واإلحسان ،وهو ليس مجرد شعار ورمز يريد التميز
عن العناوين السائدة يف الساحة الدعوية اإلسالمية ،بل إنه شعار يلخص رؤيتها الفكرية
والرتبوية والسياسية .فهو من جهة يحدد الغايات واألهداف النهائية المتجسدة يف
الغاية اإلحسانية والغاية االستخالفية ،ويروم من جهة أخرى التنبيه على أن الغايتين
غير منفصلتين ،بل إهنما موصولتان ببعضهما البعض يف نسق بنائي منهاجي تكاملي ال
يفصل بين متطلبات الخالص الفردي ومقتضيات الخالص الجماعي .فهما منتظمتان
معا يف مرجعية العدل واإلحسان لتشكال كالّ ال يتجزأ من بنية المشروع المجتمعي العام
للجماعة .يقول اإلمام عبد السالم ياسين رحمه اهلل« :ال ترضى جماعة العدل واإلحسان
هبدف اجتماعي سياسي دون العدل على شريعة اهلل ،وال ترضى بغاية تتطلع إليها همم
المؤمنين والمؤمنات دون اإلحسان .اإلحسان أن تعبد اهلل كأنك تراه ،اإلحسان أن تحسن
يحسن عملك ،اإلحسان أن ُتجيدَ وتفيد» (رسالة تذكير،1995 ،إلى الناس ،اإلحسان أن ُ
ص 8و.)9
الوثيقة السياسية 20
ال يروم المشروع السياسي لجماعة العدل واإلحسان تحقيق تغيير سياسي مرحلي
فحسب ،بل إنه مشروع يمتد أفقه إلى إحداث تغيير تاريخي يتأسس على بناء اإلنسان،
وتشييد مجتمع العمران األخوي ،وترسيخ القيم اإلسالمية والقيم اإلنسانية المثلى.
...بناء اإلنسان
اإلنسان محور الكون ،وقد أنيطت به وظيفة االستخالف ،لذا فهو يسعى يف الكون
بموجب أخالق التسخير والصالح .وقد قامت كل الشرائع السماوية مستندة إلى هذا
األصل ،وجعلت كل إجراء عملي اجتهادي ُيصادم يف أفق تطبيقه محورية اإلنسان يف
الكون محل مراجعة وتصحيح .لذلك يركز المشروع العام لجماعة العدل واإلحسان
على أولوية بناء اإلنسان بناء أخالقيا فطريا شامال ،انطالقا من بناء إرادة التغيير وترسيخها
لديه والعمل على تجددها المستمر ،على اعتبار أن اإلنسان هو الفاعل يف التاريخ ،وهو
ب السياسات هي تزكية نفس اإلنسان من يصنع السياسة وليست هي من تصنعه .بل إن ُل َّ
وتعليمه ،وتربيته تربية إيمانية متوازنة ،تؤهله لتحصيل قيم الخير وأخالق الصالح؛ ليكون
فردا صالحا لنفسه ومجتمعه ووطنه وأمته.
وتقتضي مركزية اإلنسان ضمن المشروع السياسي لجماعة العدل واإلحسان تقديم
مصلحة اإلنسان وما يجلب له النفع عرب تمكينه من كل حقوقه ،والوعي بأهمية العمل
الرتبوي ومتطلباته األساسية يف البناء الشامل لإلنسان تعليما وتكريما وتمكينا ،إذ إنه ال
يستقيم إصالح سياسي أو تغيير مجتمعي ال يستهدف النهوض باإلنسان وتمكينه من كافة
الحقوق والحاجيات المادية والمعنوية.
تقوم أولوية بناء اإلنسان يف المشروع السياسي لجماعة العدل واإلحسان أساسا
على وصل اإلنسان بخالقه ،وعلى هتذيب عالقته بالكون ،يف نسيج منسجم من الوشائج
والعالقات :عالقة عبودية هلل عز وجل تتحقق هبا التزكية اإليمانية والثراء الروحي والتحرر
المطلق من عبادة العباد وعبادة األشياء ،وتتحد الوجهة نحو عبادة اإلله الواحد األحد،
وعالقة تسخير تنتفي بموجبها كل مطامع ونزوعات االستنزاف واإلفساد للبيئة الكونية،
21 املنطلقات واألفق
وعالقة عمران تنطلق بموجبها الهمم والعقول والسواعد نحو فعل الخير والتنمية والبذل
والعطاء تحقيقا لمجتمع العمران األخوي بدل مجتمع الفتنة( )1والتباغض والصراع.
إن فاعلية توزين العامل الذايت من حيث هو تغيير ما باإلنسان حامل المشروع ليتغير
ما حوله ،يفرض االشتغال على اإلنسان فاعال للتغيير وموضوعا له .وال يتحقق ذلك
إال عرب أداة الرتبية التي تعني مجموع العمليات المختلفة التي تتناول الذات اإلنسانية
يف قواها المختلفة تنمية وتدريبا وتطويرا إلمكاناهتا وتوظيفا لقدراهتا .فالرتبية هي جوهر
محرك عملية التغيير يف الفرد والجماعة واألمة ،وهي على هذا األساس عملية ديناميكية
متكاملة األركان ،تشتغل على إعادة صياغة اإلنسان إيمانا ورحمة يف قلبه ،وفهما وحكمة
يف عقله ،وتوفيقا وسدادا يف حركته .يقول اإلمام عبد السالم ياسين رحمه اهلل« :الرتبية
قدح زناد يف القلب والعقل ،إشعال فتيل ،تعبئة طاقات فردية لتندمج يف حركة اجتماعية
يعمل فيها العاملون بجهد متكامل ينفع اهلل به األمة» (حوار الماضي والمستقبل ،ص
.)84
إن جوهر العملية الرتبوية عندنا ،يجب أن ينصب على صياغة الفرد اإلنساين صياغة
متوازنة تتناول مختلف جوانب شخصيته الوجدانية والفكرية والحركية؛ لينمو هذا
الفرد سليما معاىف ،قادرا على توظيف إمكاناته وكفاياته الوجهة المطلوبة ،وليقدر على
االندماج يف الحياة االجتماعية الجماعية ،على أن تكون خصائص هذه الرتبية جامعة
لألصالة القرآنية اإليمانية النبوية ،ولخصائص الشمولية المتكاملة والجهادية المتدرجة،
وللتوازن والوسطية ،وللعلمية والعملية ،وللنفسية والجمالية.
إن بناء نموذج تنموي فعال وناجح يقتضي تحديد طبيعة المجتمع الذي نرغب يف
بنائه وتشييد أركانه .وقد أطلقنا عليه توصيف «مجتمع العمران األخوي» ،وهو توصيف
نجمع فيه إلى جانب كل الوسائل المادية للحياة اإلنسانية الالزمة لعمارة األرض وإنمائها
( )1يف «المنهاج النبوي» استعمال لوصف الفتنة ،ورفض لوصف المجتمع بالجاهلي ،لما ينتج عن هذا
الوصف األخير من تكفير للمجتمع وعنف وانعزال.
الوثيقة السياسية 22
والحياة فيها وتجنب اإلفساد فيها معاين الوالية العامة محبة وتعاضدا وتعاونا وتكافال،
على قواعد األخوة اإليمانية واألخوة اإلنسانية ،فنؤسس يف معنى العمران لتوليفة جامعة
لمعاين االزدهار والتقدم والتنمية والحضارة مع دالالت التضامن والتكافل ،لتنجمع
عمارة القلوب باإليمان بعمارة المساجد بالصالة ،وعمارة المجتمع بقيم المحبة
والرحمة واألخوة اإلنسانية بعمارة الكون واألرض بالخير العميم والنفع المجدي .يقول
اإلمام عبد السالم ياسين رحمه اهلل« :يف مجتمع العمران األخوي المنشود ،المسبوق
برتبية وتزكية وتعليم ،يستنبط المسلمون دستور سلوكهم فيما بينهم وعهود تعاملهم مع
الخلق الدولي ،والخلق الطبيعي ،والبيئة المشرتكة ،من القرآن كل القرآن ،ومن السنة كل
السنة» (محنة العقل المسلم ،ص .)60
إن بناء الوطن المشرتك يقتضي إلى جانب توفير سبل الرغد يف العيش تتويجه
بجوهر من الروابط المجتمعية الجامعة ذات البعد القيمي واألخالقي المحصنة للحمة
المجتمع ،والذي تتالزم فيه قيم العمل والسعي واإلنتاج واإلبداع بقيم التقوى والخير
والفيض الروحي والتماسك االجتماعي والتعاون والتكافل .فمجتمع العمران األخوي
مجتمع يحرص على تحقيق التأهيل الذايت لألفراد بما يجعلهم يجمعون بين القوة واألمانة
والكفاءة واألخالق.
وإذا كان الموجه األساسي للمنظورات التنموية يف العالم هو الرتكيز على متطلبات
النمو االقتصادي والتقدم التكنولوجي واالجتماعي والتنظيمي ،الذي به يتم تطويع
الموارد لتلبية الحاجات الحضارية والمعيشية والدفاعية ،دون اكرتاث لألبعاد الروحية
والمعنوية لإلنسان ،فيكون اإلنسان وفق هذه المنظورات المادية مجرد رقم يف دورة
اإلنتاج واالستهالك ،وكائنا غاية طموحه الرفاهية المادية وإشباع الشهوات والغرائز بال
حدود ،إذا كان األمر كذلك يف عالمنا المعاصر ،فإننا يف العدل واإلحسان نؤكد على
أهمية األبعاد المادية للتنمية ،لكن ال نتصور تحقيق أي نمو اقتصادي أو تقدم تكنولوجي
َ َ َ
ال ُيغ ِّ ُ َما أو تطور سياسي وتنظيمي دون استحضار األبعاد الرتبوية واألخالقيةِ ﴿ ،إن
َ ُ َ َ
ِبق ْو ٍم َح ٰ ُيغ ِّ ُوا َما ِنف ِ ِ ْم ﴾ (الرعد.)12 ،
23 املنطلقات واألفق
ينطلق المشروع السياسي لجماعة العدل واإلحسان من رؤية مرجعية تقوم على
االتصال بين القيم اإلسالمية والحكمة البشرية يف تفاعلها مع الواقع اإلنساين واالجتماع
البشري ،ولذلك فإن مطلب ترسيخ القيم اإلسالمية ليس إجراء زجريا يتم فرضه على
األفراد والمجتمعات ،بقدر ما هو فعل تربوي وعمل دؤوب يتغيى التدرج يف تنزيل مبادئ
اإلسالم وقيمه ومقاصده يف حياة األفراد والمجتمع ،وتحقيق مطالبه األساسية يف حفظ
الحرية واألمن والعدل والسلم األهلي والرتاحم اإلنساين.
ويقتضي العمل على ترسيخ القيم اإلسالمية واإلنسانية ضرورة تجديد الرؤى
وإحكام التصورات التي تراعي متغيرات الواقع وتحوالت المجتمع دون إهدار المقاصد
الكربى ،ودون تردد يف القبول بفضائل الحكمة اإلنسانية وما أثلته من قيم مثلى .كما
يقتضي ذلك بناء رؤية متحررة من الكثير من قيود التجربة التاريخية ،وقراءة فاحصة
وناقدة الجتهادات من سبقونا يف ضوء القيم والمقاصد الكلية لإلسالم.
ويقتضي مطلب ترسيخ القيم اإلسالمية تمكين اإلنسان من حقه الفطري والطبيعي يف
معرفة خالقه واإليمان به والسعي نحو التطلع إلى الفضيلة ،مع تمكينه من حرية المعتقد
وحرية التدين بما ال يخل باألمن الروحي والسلم األهلي للمجتمع ،كما يتطلب الحفاظ
على الكيانات الجمعية يف ظل تموجات العولمة وتحدياهتا الجسيمة المهددة باختفاء
كل الحدود والحواجز وهتاوي كل المنتظمات التي يقوم عليها االجتماع اإلنساين .من
أجل ذلك ،يتطلب األمر العمل على ترسيخ قيم المواطنة مع التوفيق بين مختلف دوائر
االنتماء التي تنتظم األفراد والمجتمع ،وذلك بجعل هذه الدوائر المتعددة ،ومنها االنتماء
للدولة الوطنية واالنتماء لألمة العربية واإلسالمية ولإلنسانية عامة ،تتكامل فيما بينها
وال تتناقض.
الوثيقة السياسية 24
تنهض اسرتاتيجية التغيير السياسي عند جماعة العدل واإلحسان على معنى وخط
وأهداف .فالمعنى يحدد فهما للسياسة يجعلها اهتماما بالشأن العام ،وإسهاما يف التدافع
المجتمعي لنصرة المستضعفين عرب تضافر الجهود الجماعية لتأسيس األرضية العدلية
لبناء الجو العام الذي يسمح بتحقق العبودية هلل ،تحريرا لإلنسان من عبودية غير اهلل،
وتكريما له ليحيا إنسانيته الكاملة من منطلق اختياري ال إكراهي.
أما الخط السياسي للجماعة ،فجوهره قائم على مبدإ األمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ،والمعارضة الشرعية القائمة على الشهادة بالقسط والكينونة مع المستضعفين
قبل أن تكون معارضة تدبير المعاش واالقتصاد .يقول اإلمام عبد السالم ياسين رحمه
اهلل« :لن نكون إال معارضة من المعارضات تنتقد الحكم وتطعن يف كفاءته إن لم نتعرض
ألصول الحكم الجائر ،باعتباره خرقا يف الدين وانتحاال تزويريا لقداسة الدين قبل كل
شيء» (العدل ،اإلسالميون والحكم ،2000 ،ص .)104ومن نافلة القول التأكيد
على سلمية هذه المعارضة ،سواء يف بعدها الشرعي أو المعاشي ،والتأكيد على رفض
االستقواء بالخارج واالنزواء يف غلس السرية ،وهذه ميزات ترتجم الالءات الثالثة التي
ما فتئت الجماعة تعلنها بوضوح :ال للسرية ،ال للعنف ،ال للتبعية للخارج.
بناء نظام شورى ،ذلك أن ما عرفته األمة منذ االنكسار التاريخي( ،)1وما تعيشه
أغلب المجتمعات العربية واإلسالمية المعاصرة من ترد وانحطاط ،يعود يف جزء كبير منه
إلى تغييب الشورى باعتبارها جوهر الحكم وركيزته األساس .وكوننا نؤمن بأن الشورى
هي روح الحكم وفلسفته يف اإلسالم ،فإننا نؤمن يف اآلن نفسه بنجاعة الكثير من اآلليات
الديمقراطية وفاعليتها يف تحصين الدولة والمجتمع من نوازع االستبداد ،وتحقيق
التداول السلمي على السلطة ،وما يرتبط بذلك من فصل بين السلط ،ومنع تغول سلطة
على أخرى ،وربط المسؤولية بالمحاسبة ،وإرساء التعددية السياسية ،وكفالة الحقوق
والحريات ،واحرتام الدستور والقانون.
( )1يقصد باالنكسار التاريخي انقضاض عروة الحكم ،واالنقالب الغاشم من خالفة راشدة إلى ملك عاض
وراثي .يقول اإلمام عبد السالم ياسين رحمه اهلل« :االنكسار التاريخي حدث محوري يف تاريخ اإلسالم،
وسيبقى فهمنا لحاضر األمة ومستقبلها مضببا ،بل مشوشا غاية التشويش ،إن لم ندرك أبعاد تلك األحداث
وآثارها على مسار تاريخنا» (نظرات يف الفقه والتاريخ ،ص.)27
الوثيقة السياسية 26
من حق يف الصحة والتعليم والشغل الكريم والسكن الالئق والقضاء العادل واألمن
الروحي والمادي.
صون الكرامة بوصفها تشريفا من اهلل عز وجل لإلنسان .يقول اهلل جل جالله:
َ َْ َ ََ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ ََْ ُ ْ َْ ّ َ َْ ْ َ َ َ ْ َ ُ ّ َ ّ َ َ َ َْ ُ ْ َ َ
ا َع ٰ ك ِث ٍ ِّ ْن خلق َنا ﴿ ولقد كرمنا ب ِ آدم ولنا ِ ال ِ والبح ِر ورزقنا ِمن الط ِيب ِ
ات وفضلن
َْ ً
تف ِضي¡ ﴾ (اإلسراء .)70ففي دوس كرامة اإلنسان عصيان هلل عز وجل ،وفيه سلب
آلدميته وأفضليته ،لذلك فإن من صميم المشروع السياسي لجماعة العدل واإلحسان
معارضة كل ما يمس بكرامة اإلنسان ويحط من إنسانية اإلنسان ،كل إنسان ،والدفاع عن
هذه الكرامة ،والعمل على إحقاقها كاملة غير ناقصة.
تحقيق الحرية ،بوصفها قيمة شرعية وإنسانية مثلى يتوقف عليها تقدم الشعوب
والمجتمعات وازدهارها ،بل تتوقف عليها حياة اإلنسان ،إذ ال معنى لحياة بال حرية.
ترسيخ الوحدة والتعاون ،إذ ال يمكن تحقيق تغيير حقيقي لألوضاع السياسية
واالقتصادية واالجتماعية بدون توحيد الجهود بين ذوي المروءات بغض النظر عن
مرجعياهتم .ومن الوحدة الوقوف ضد كل مشاريع التفتيت والتجزئة المحلية واإلقليمية،
والدفاع عن الوحدة الرتابية للدول العربية واإلسالمية ،وتقوية الشعور باالنتماء للوطن
وللمجال المغاربي واإلفريقي ولألمة العربية واإلسالمية.
وتشكل الوحدة اإلسالمية الجامعة مطلبا ملحا وأفقا اسرتاتيجيا يف عالم التكتالت
الكربى ،كما يشكل التعاون بين الدول والمنظمات وشعوب العالم موقفا مبدئيا نتشبث
27 املنطلقات واألفق
به وندعو إليه لمواجهة ما ُيهدد اإلنسانية من تحديات على أساس من االحرتام التام
لقواعد التعايش المشرتك.
والوضوح يف الرؤية والخطاب يعد اختيارا مركزيا ثابتا لدى الجماعة ال يخفى على
كل متتبع لمسيرهتا أو دارس ألفكارها .وقد اختارت الجماعة منذ تأسيسها أال تعمل
يف إطار مغلق على الذات مهما كانت الدواعي ،بل إهنا آثرت أن يظل خطاهبا وصوهتا
موصولين بالشعب وهبمومه وقضاياه.
الوسطية واالعتدال :إن إقامة التوازن بين األساس الرتبوي والعمل السياسي
مطلب من مطالب المشروع السياسي للجماعة ،بما يحقق تالزم األخالق والسياسة
على مستوى الخطاب والممارسة ،وتالزم السلوك اإليماين والمسعى االستخاليف،
الذي يعدّ عنوانا لتحقيق مطالب العدل والعمران األخوي واستعادة فاعلية الشهود
ٱل ٱل ِذ ََ ¥ء َام ُن ْوا ِم ُ ْ
ن£ ﴿و َع َد ُ
الحضاري اإلسالمي ألمتنا اإلسالمية .يقول اهلل عز وجلَ :
َ ْ ْ َ َ ُ َ ّ َ َ ُ ْ َ ُ ََ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ ٰ َٰ َ
ي© ُم ٱل ِذى ات ل َي ْس َت ْخ ِلف ُ© ْم ِ ٱ ْر ِض َµا ْٱس َت ْخلف ٱل ِذ َِ ¥من قب ِل ِهم ،وليم ِك« ªم ِد
و ِ»لوا ٱلص ِاِ ¹
ْ َ َ ٰ َ ُ ْ َ َ ُ َ ّ َ ُ ّ َ ْ َ ْ ْ َ ْ ً َ ْ ُ ُ َ َ ُ َ َٰ ْ ُ َ َ َٰ َ ْ َ َ َ َ َ Á ْ َ َ ُ ْ Å
Æكون ِ Äشيـا ،ومن كفر بعد ذ ِلك فأول ِئك ª Êم ،وليب ِدل©م ِمن بع ِد خو ِ ِÉم أمنا ،يعبدون ِ ي ِ ٱرت
ُ ُ ْ َٰ ُ َ
ٱلف ِسقون﴾ (النور .)53
29 املنطلقات واألفق
املحور السيايس:
حرية وعدل وحكم املؤسسات
32
33 املحور السيايس
تسعى جماعة العدل واإلحسان إلى اإلسهام يف بناء دولة العدل والكرامة والحرية،
إذ تروم بناء نظام حكم عادل ومنضبط للتعاقد الدستوري المنبثق عن اإلرادة الشعبية؛
نظام يقوم على سلط حقيقية ومستقلة ومتوازنة ومتعاونة ،وعلى مؤسسات مدنية فاعلة
ومبادرة.
إن بناء دولة العدل والكرامة والحرية يتوقف على إحداث قطيعة فعلية مع االستبداد،
وتوفير شروط وآليات جديدة تضمن حق االختالف ،وتمكن الجميع من العيش تحت
سقف دولة واحدة تكفل الحكم بدستور ديمقراطي ،وترعى على أساس من الالمركزية
والعدالة االجتماعية حريات وحقوق كل المواطنين.
تسعى جماعة العدل واإلحسان إلى اإلسهام يف بناء دولة عصرية عادلة منضبطة
للتعاقد الدستوري المنبثق عن اإلرادة الشعبية ،دولة مدنية بكل ما يعنيه ذلك من بعد
عن طبيعة الدول التيوقراطية والعسكرية والبوليسية ،دولة القانون والمؤسسات القائمة
على الفصل والتوازن والتعاون بين السلطات ،وعلى التداول السلمي للسلطة من خالل
انتخابات حرة ونزيهة ومنتظمة وفعالة ،دولة تسعى عرب مؤسساهتا وبرامجها إلى مشاركة
المواطنين يف الحياة العامة ،مع خضوع مسؤوليها للمحاسبة والمساءلة بغض النظر عن
مكانتهم السياسية ومواقعهم االجتماعية.
ننشد دولة المجتمع ،أي الدولة التي تجعل أولى أولوياهتا خدمة المجتمع وضمان
أمنه واستقراره ،والسعي الدؤوب للرقي به بعيدا عن أي تمييز بين أبنائه .وال تتأتى دولة
المجتمع هبذه الخصائص يف ظل مجتمع ضعيف تنخره عوامل التفكيك والتهميش،
وترتسخ فيه آليات التجهيل ،مع ما يصاحب ذلك من استقالة من الشأن العام وضعف
لرقابة الشعب على مؤسسات الدولة التي تمثله .كل هذا يؤكد أهمية بناء المجتمع
قيميا ومعرفيا وتنمويا من خالل تنمية حس االنخراط واإليجابية وتكافؤ فرص الولوج
الوثيقة السياسية 34
إلى الرتبية والتعليم واإلنتاج والرفاه .كما نؤكد ضرورة توسيع الشراكة المجتمعية بين
مؤسسات المجتمع وقواه الحية ،انطالقا من العمل المجتمعي وسط الشعب ،والتواصل
المباشر مع المواطنين سعيا لرفع الوعي ،ودفعا للسلبية ،وتأسيسا لعالقة جديدة بين
المواطن والشأن العام ،مع إعادة االعتبار للعمل الجماعي التطوعي التشاركي.
ويقتضي ذلك أن ترفع الدولة يدها عن األحزاب السياسية لتقوم هذه األخيرة بما
يفرتض فيها من تنافس على الحكم وتمثيل للمواطنين وتأطير سياسي لهم ،وفسح
المجال للجمعيات الثقافية والحركات الدعوية والتنظيمات المدنية ومؤسسة العلماء
لإلسهام يف نشر القيم األصيلة التي تبني اإلنسان وترسخ فيه البواعث السامية ،وتفتل
يف حبل المجتمع المشارك والمبادر .ويجب أن تكون القاعدة الصلبة لكل ذلك تحرير
الطاقات ،خاصة الشبابية والنسائية ،وفتح مجاالت اإلبداع والعمل واإلسهام أمامها .هبذا
المجتمع ،ستكون دولة ،ال شك ،متماسكة ومتقدمة رغم الصعاب الداخلية والخارجية.
مساواة الجميع أمام القانون ،حكاما ومحكومين ،وحماية حقوق وحريات كل
المواطنين بواسطة نص الدستور والمؤسسات واآلليات القانونية والقضائية ،التي تسمح
بمواجهة كل شطط من شأنه المس بالحقوق والحريات.
جعل كرامة اإلنسان يف المقام األول ،فال معنى لوجود حرية وديمقراطية سياسية
يف ظل استعباد اقتصادي واجتماعي للمواطن بدعاوى مختلفة .وال يمكن أن تصان كرامة
اإلنسان بدون هنج الدولة لسياسات واضحة إلقرار العدالة االجتماعية ،وكذا بدون وجود
حد أدنى ُيم ّكن المواطن من العيش الكريم من خالل توفير ضروريات الحياة ،التي يمكن
أن تتسع كلما استقر االقتصاد الوطني ونما وتقدم.
جعل التعددية السياسية أساس العمل السياسي ،مع ما يتطلب ذلك من ترسيخ
لثقافة القبول باآلخر مهما كانت االختالفات والتباينات .فالوطن يسع جميع أبنائه ،وثقل
تركة االستبداد يفرض على كل الغيورين أن يمدوا أيديهم إلنقاذ هذا الوطن والنهوض
به من جديد ،والمشرتك يتسع نطاقه بإرادة مختلف القوى الحية ،والبناء المشرتك يكون
35 املحور السيايس
بنيانه أقوى وعمره أطول ومناعته أصلب أمام استكبار عالمي ال مكان فيه للدول الضعيفة
المنقسم شعبها.
ال تخرج مختلف التجارب الدستورية التي عرفها المغرب عن مسار تكريس
السلطوية من خالل وثائق دستورية ممنوحة ُتكرس الحكم الفردي .لذلك ،نرى أن هناك
عالقة وطيدة بين طريقة وضع الدستور وبين مضمونه وتفعيله ،فال يمكن لدستور تم
وضعه بطريقة غير ديمقراطية أن يحقق فعال ما يقتضيه الدستور الديمقراطي على مستوى
مضمونه وتفعيله من سيادة شعبية وفصل للسلط وضمان للحقوق والحريات.
.1.2.1خلل يف املنطلق
ُيشكل احتكار «السلطة التأسيسية األصلية» من قبل الملك ،واعتباره فوق كل السلط،
أحد األعطاب البنيوية األساسية التي أسهمت وتسهم يف انغالق النسق السياسي المغربي،
وتحكم على مساره باالختالل ،وعلى نظام الحكم فيه بالمركزة والسلطوية .لقد أخطأ
المغرب منذ االستقالل مسار بناء الدولة الحديثة الديمقراطية ،فرغم نضاالت الوطنيين
الغيورين ،الذين نعتز هبم وبما قدموا من تضحيات جسام ،سرعان ما رجحت كفة ميزان
القوى لصالح ملكية مطلقة ،وذلك ما تجلى بوضوح يف مضمون دستور ،1962ويف
واضعيه الذين استُبعد منهم ممثلو الشعب ونخبه الحية ،رغم مناداة بعض القوى بمطلب
الجمعية التأسيسية المنتخبة لوضع الوثيقة الدستورية باعتبارها المدخل الطبيعي لتحقيق
الوثيقة السياسية 36
تنبع حساسية وأهمية السلطة التأسيسية األصلية من أهنا السلطة المنشئة للدستور ،أي
أهنا السلطة المخولة إلنشاء الوثيقة الدستورية ،وهي بذلك سابقة على كل السلط وفوقها،
فمصدرها يف ذاهتا وليس يف سلطة أخرى تعلوها .وألن جماعة العدل واإلحسان تنتصر
لخيار السيادة الشعبية ،وتسعى لبناء نظام ديمقراطي ،وترفض رفضا مطلقا خيار إرادة
الحاكم المنفردة ،فإهنا تنطلق من التمييز المتعارف عليه يف الفقه الدستوري بين األساليب
غير الديمقراطية لوضع الدستور ومنها أسلوب المنحة ،واألساليب الديمقراطية ومنها
أسلوب الجمعية التأسيسية المنتخبة واالستفتاء ،وتعلن تمسكها باألساليب الديمقراطية
يف وضع الدستور ،بعيدا عن المبادرات السلطوية االنفرادية.
ويف هذا السياق نلح على إعادة تأسيس دستور بشكل من األشكال الديمقراطية،
ونضع يف المقام األول ما يسمى يف الفقه الدستوري ب «الجمعية التأسيسية غير السيادية»،
وهو ما يعني انتخاب الشعب لهيأة تضع مشروع الدستور ،ثم يطرح هذا المشروع على
الشعب يف استفتاء عام حر ونزيه من أجل قبوله أو رفضه .فهذا الشكل يجعل الشعب من
جهة أولى هو مصدر «المبادرة الدستورية» عرب انتخاب جمعية تأسيسية (أو مجلس أو
ؤسسة) ،كما تجعله من جهة
مؤتمر ،إذ ال هتم التسمية مادام الجامع أهنا سلطة تأسيسية ُم ّ
ثانية صاحب الكلمة النهائية يف اإلقرار عرب االستفتاء الدستوري حين ُيعرض «مشروع
الدستور» على الناخبين ليكتسب مشروعية القوة القانونية بالتصديق الشعبي.
37 املحور السيايس
إذا كان من شأن هذه اآللية المزدوجة أن تضفي الطابع الديمقراطي على عملية
اإلعداد وعملية اإلقرار ،وذلك ما يحقق السيادة الشعبية يف أجلى صورها ،فإننا يف المقابل
نستحث الفاعلين والتيارات واألحزاب على توسيع مساحات التوافق بحثا عن تالقي
إرادة الشعب بإرادة نخبه الحية .إننا نروم هنا استبعاد وتجاوز منطق الغلبة واالكتساح الذي
تتيحه اآللية االنتخابية حين يختار الشعب الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور،
ونطمح أن تبحث القوى عن أفضل السبل وأنجعها للوصول إلى «هيئة منتخبة» تحظى
بأوسع قدر من التوافق ،يجد الجميع فيها ذاته وتشكل اختيارا ينتصر لكل المغاربة .ولعل
من الصيغ الممكن التوافق عليها تقديم مرشحين مشرتكين للجمعية التأسيسية.
من أجل صياغة دستور ديمقراطي ،وربطا لألفكار والمقرتحات أعاله بما سبقها من
مبادئ ُم َؤ ِّسسة ،نقترح ما يلي:
.2عرض لوائح المرشحين والمرشحات على االنتخاب العام ،مع ضمان كافة
تدابير النزاهة والشفافية.
.4فسح المجال لالقرتاح الشعبي ومنح مهلة كافية للهيئة التأسيسية إلعداد مشروع
الدستور.
إن العمل هبذه المقرتحات وتفعيلها على أرض الواقع ،من شأنه أن يؤسس لدستور
ديمقراطي يشكل النواة الصلبة والمدخل الحقيقي لدولة العدل والكرامة والحرية التي
تنشدها كل القوى الحية.
الوثيقة السياسية 38
ال معنى لوجود دستور إن كان الحاكم يجمع بين يديه كل السلط :التشريعية والتنفيذية
والقضائية ،ويجعلها يف خدمته وعلى الهامش من وجوده .ففكرة الدستور ارتبطت يف
نشأهتا وتطورها بمبدإ فصل السلط ،كما ارتبطت بحفظ حقوق المواطنين وحرياهتم،
لذلك البد أن تحقق الوثيقة الدستورية نوعا من التوازن بين مختلف السلط الدستورية.
فالربلمان المنتخب من طرف األمة يملك السلطة التشريعية ،إذ ال قانون يصدر خارج
سلطته ،مع حقه األصيل يف تقييم السياسات العمومية والرقابة على العمل الحكومي.
والحكومة هي السلطة التنفيذية التي تتحمل كامل مسؤوليتها يف وضع السياسات
العمومية وتنفيذها ،وتقدم حساب ذلك بشكل دوري أمام الربلمان ومؤسسات الرأي
العام وعند المحطات االنتخابية .وتكتسي السلطة القضائية أهمية خاصة إذ إهنا هي
الحامية للمجتمع أفرادا وجماعات من االستبداد والشطط يف استعمال السلطة ،كما
تسهم باقي المؤسسات الدستورية يف الحفاظ على التوازن بين السلط ،يف إطار يجعل
للسيادة الشعبية سموا واضح المعالم يف مواجهة كل منحى للتسلط سواء كان مصدره
تنفيذيا أو تشريعيا أو قضائيا.
ويقوم القضاء الدستوري يف هذا السياق بدور محوري ،حيث يسهر على ضمان سمو
أحكام الدستور ،وحماية التوازن بين المؤسسات ،وحماية الحقوق والحريات ،ومراقبة
دستورية القوانين.
سارع مهندسو ما سمي «بالعهد الجديد» إلى التبشير بطي صفحة االنتهاكات
الجسيمة لحقوق اإلنسان التي مست جميع المكونات ،لكن سرعان ما تم االنقالب
على ذلك لتعود السلطة من جديد إلى سابق عهدها وممارساهتا القمعية ،إلى أن سنحت
فرصة الربيع العربي الذي أطاح برؤساء دول عرفوا باالستبداد والفساد ،بانطالق الحراك
الشعبي مع حركة 20فرباير ،التي رفعت شعار ًا مركزيًا يوحد مطالبها ومطالب داعميها،
عنوانه «الشعب يريد إسقاط الفساد واالستبداد» ،لتمتد رقعة االحتجاج السلمي إلى كافة
مدن وبوادي المغرب ،وليصدح الجميع بنداء الحرية والكرامة والعدالة االجتماعية .وتم
االلتفاف مرة أخرى على ذلك من خالل دستور 2011الذي استنفذ «بريقه» .وبدا أن ما
شكل بصيص أمل لدى مناصري حقوق اإلنسان لم يصمد أمام رجوع السلطوية بوجهها
المكشوف من جديد ،وتغول األجهزة األمنية يف التعامل مع االحتجاجات االجتماعية
التي اتسع مداها بسبب تراجع الدولة عن تنفيذ التزاماهتا.
لقد فشل العرض الدستوري والسياسي فشال ذريعا ،ويف وقت وجيز؛ ألنه لم يتمخض
عن إرادة سياسية حقيقية ،لتكون النتيجة انحسارا حقوقيا ،وتقهقرا يف منسوب الحرية لدى
الناشطين ،وتدنيا يف مؤشرات التنمية البشرية ،وترديا يف خدمات المرافق العمومية ذات
الطبيعة االجتماعية ،وتغوال مخزنيا يحمي لوبيات الفساد ،ويمنع المواطنين من أبسط
حقوقهم يف االحتجاج السلمي ،وتفاقم كل ذلك مع جائحة كورونا ،التي تم استغاللها
من قبل األجهزة األمنية لتكريس السلطوية.
إن المدخل األساسي لحماية حقوق المواطنين وحرياهتم يتمثل يف التأسيس لنظام
سياسي ديمقراطي ،يلتزم بالحقوق والحريات ،ويكرم اإلنسان تكريما متناسبا مع التكريم
اإللهي ،ويجعل منه منطلقًا للتنمية وهدفا لها.
المادي والمعنوي ،يف كل الملفات التي وقعت فيها انتهاكات ،مع وضع ضمانات
دستورية تجرم هذه الممارسات يف حق المخالفين.
.11تحصين العملية السياسية ،وتيسير ممارسة الهيآت السياسية لمهامها يف تمثيل
المواطنين مع العمل على ترشيد الحقل السياسي.
.12جعل االنتخاب المباشر ،الحر والنزيه ،الشكل الوحيد المعرب عن إرادة األمة،
وتفعيل مبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
.13ضمان حرية التعبير والصحافة وحمايتها دستوريا ،وتنظيم مجال اشتغالها،
بما يقطع مع العقوبات السالبة للحرية ،ويف إطار المسؤولية واحرتام القانون،
وإشراك اإلعالم بكل أنواعه يف تخليق الحياة السياسية ورفع وعي المجتمع
بحقوقه وواجباته.
.14ترسيخ الحكامة القضائية والعدالة الناجزة ،وتقوية هيآت التقصي عن انتهاكات
حقوق اإلنسان واإلبالغ عنها بشراكة مع المجتمع المدين.
.15تشجيع اإلعالم العمومي والخاص على التعريف بالحقوق والحريات المؤطرة
دستوريًا ،وتشكيل وعي مجتمعي ضد انتهاكات الماضي الجسيمة ،وضمان
حق الجميع يف الحصول على المعلومة.
.16حماية حقوق السجناء ،وربطهم بالنسيج االقتصادي والمهني تسهيالً إلدماجهم
يف الحياة العامة بعد انتهاء مدة العقوبة السجنية ،واالرتقاء بالمؤسسة السجنية
وجعلها فضا ًء للرتبية والتعليم والتأهيل النفسي والمجتمعي والمهني.
.17تفعيل مبدإ سيادة القانون وتيسير الدفع بعدم دستورية القوانين أمام مختلف
المحاكم ،إذا تعلق األمر بالحقوق والحريات األساسية.
.18ضمان الحق يف المحاكمة العادلة لكل المتهمين بغض النظر على التهم
الموجهة لهم.
.19ضمان الحق يف التنظيم لكل المواطنين.
41 املحور السيايس
.20ضمان الحق يف التعليم العمومي الجيد والمنصف لكل فئات المجتمع وبكل
المناطق بشكل مستدام ومتاح بأفضل السبل ،والرفع من اإلنفاق العام لتجويد
مخرجاته ،وإشراك المجتمع المدين يف النهوض بالعملية التعليمية.
.21تأمين الحق يف الصحة والتطبيب لكل المواطنين وإعادة االعتبار للقطاع العام،
مع ضرورة تعزيز الموارد البشرية بالقطاع ،والعمل على تعميم االستفادة من
التغطية الصحية.
.22ضمان الحق يف الشغل ،وتدريب الموارد البشرية للتخفيف من ضعف كفاءة
اليد العاملة ،ودعم الباحثين عن العمل ،وتعويض الفاقدين للشغل لفرتة معقولة،
والعمل على انخراط جميع األجراء يف منظومة الضمان االجتماعي ،مع دعم
التشغيل الذايت.
.23حماية مؤسسة األسرة باعتبارها محضنا أساسيا للرتبية والتنشئة االجتماعية،
ودعم األسر الفقيرة والشباب الراغب يف الزواج ماديا ،وبتوفير مساكن باإليجار،
وفق صيغ تعاقدية منخفضة التكلفة.
.24العناية بالنساء عموما وخاصة اللوايت يعانين وضعية هشاشة ،وإزالة كافة أشكال
التمييز ضدهن ،ليساهمن يف النهوض بدورهن داخل المجتمع باعتبارهن
حافظات لألجيال.
.25حماية حق الطفولة -خاصة األطفال يف وضعية صعبة -يف العيش الكريم
والتنشئة االجتماعية يف كنف األسرة ،وضمان حقها يف التعليم والرتبية والرتفيه،
ويف الرعاية الصحية واالجتماعية ،واالهتمام بفئة الشباب وتأهيلها عرب برامج
مندمجة تجمع بين بناء الجسد والعناية بالروح ،وتحصينها من االستالب الثقايف.
الوثيقة السياسية 42
.30الحق يف التنمية المستدامة التي تضمن الحياة الكريمة للفرد والمجتمع ،والتزام
الدولة بمحاربة الفوارق االجتماعية والمجالية ،والقضاء على الفقر والجوع.
.31التزام الدولة بتوفير التعليم الجيد ،وضمان حق الوصول إلى المعرفة ،والولوج
إلى األنرتنيت يف جميع المناطق.
.32الحق يف العيش يف بيئة صحية سليمة ،وتحمل الدولة المسؤولية يف توفير الحد
األدنى الالزم من شروط األمن الصحي للمواطنين.
43 املحور السيايس
.33ضمان الحفاظ على البيئة عن طريق التضامن ما بين األجيال ،وحماية السكان
والمناطق من مخاطر التدهور البيئي المنجمي والصناعي ،وتكريس التعبئة
الوطنية لتنمية الوعي البيئي.
.34ضمان الحق يف العيش يف بيئة يطبعها السلم والطمأنينة ،وذلك من خالل توفير
األمن بكل أبعاده بما فيها االقتصادية واالجتماعية.
....دولة الالمركزية
رغم المحاوالت القانونية والتنظيمية المحتشمة التي قامت هبا السلطات العمومية
منذ االستقالل بخصوص الالمركزية بالمغرب ،إال أهنا فشلت يف التأسيس لنظام المركزي
قوي يعد شريكا تنمويا للسلطات المركزية ،وذلك بالنظر إلى طبيعة النظام السياسي
الموغل يف التمركز والمهووس بالهاجس األمني .وقد نتج عن هذا الوضع اختالالت
كربى ظلت قائمة رغم ما أقره دستور 2011والقوانين التنظيمية للجماعات الرتابية من
مبادئ ومقتضيات هامة ،وذلك لغياب إرادة سياسية حقيقية .ومن أبرز االختالالت على
هذا المستوى ،نذكر ما يلي:
-التحكم يف التدبير المحلي والجهوي من قبل وزارة الداخلية ،التي تقوم بضبطه
حسب أجندة ال عالقة لها بالتنمية وال بإشراك الساكنة ،عرب تغليب الخيارات
المركزية والهواجس األمنية على كل مشاريع وخطط التنمية.
-الضبط القانوين القبلي والبعدي ،الذي يكون يف كثير من األحيان مبالغا فيه،
ويحد من المبادرة المحلية.
-تولي الوالة والعمال ،عوض المنتخبين ،تدبير القضايا الكربى داخل الجماعات
الرتابية على اختالف أشكالها ،يف ظل بيروقراطية إدارية بإمكاهنا عرقلة كل قرار
ال ترضى عنه وزارة الداخلية.
الوثيقة السياسية 44
-محدودية تكوين األطر اإلدارية والتقنية وسوء توزيعها ،وضعف الموارد المالية،
وانتشار الفساد اإلداري والمالي وهتميش الكفاءات المحلية.
لتجاوز هذه االختالالت ،ومن أجل التأسيس لنظام المركزي قوي يعد شريكا تنمويا
للسلطات المركزية ،نقترح ما يلي:
.35الفصل التام بين التنمية المحلية وبين االعتبارات األمنية الضبطية ،وإحداث
وزارة مستقلة عن وزارة الداخلية مكلفة بالجهات والجماعات الرتابية؛ من
أجل التسريع بتنزيل التنمية الرتابية وتوسيع الالمركزية وتفعيل الموارد البشرية
المحلية ،مع تفعيل صندوق التنمية القروية إلحداث الثروة وتقوية جاذبية
المجاالت القروية.
.41اعتماد سجل اجتماعي يوفر قاعدة بيانات إحصائية لتحديد الخريطة الحقيقية
للفقر والهشاشة لكل الفئات واألسر ،على مستوى األقاليم والجماعات
والمناطق الجغرافية ،وذلك لتسهيل عملية تدخل الدولة واألجهزة المنتخبة
لمعالجة الظواهر االجتماعية ،وحاالت القصور يف مجال التنمية المحلية.
45 املحور السيايس
.42تطوير ميثاق المرافق العمومية وتفعيله ،والنهوض بالمرافق العامة المحلية ،خاصة
المتعلقة بالصحة والتعليم والرتفيه والرياضة ،وتجويدها وتقريبها من الساكنة.
.44اعتماد مبدإ التعاقد مع الساكنة على أساس برامج جماعية وجهوية واضحة،
وذلك لتوضيح المسؤوليات وتحديد األهداف ،يف إطار أغلبية تتحالف على
برامج تنموية محددة.
.46دعم وتشجيع العمل التطوعي ،والعمل على إبداع مرافق إدارية وخدماتية يف
إطار شراكة مع الساكنة المحلية.
.47تقوية الموارد الذاتية للجماعات الرتابية ،مع تحديد نسب من الضرائب الكربى
المستقطعة على مستوى المجاالت الرتابية لصالح الجماعات نفسها ،والرفع
منها تدريجيا.
.48ترشيد الموارد المالية والبشرية للجماعات الرتابية بشكل يسمح بانسيابية تقديم
الخدمة المرفقية بشكل جيد.
.49إخراج نظام أساسي لموظفي الجماعات الرتابية ،يكرس حفظ حقوقهم ويضع
آليات للتحفيز من أجل الرفع من مردوديتهم.
.50وضع آليات لتحقيق المحاسبة والمساءلة على الصعيد المحلي ،وتفعيل تمكين
الرأي العام المحلي من متابعة أشغال المجالس الرتابية.
الوثيقة السياسية 46
يعترب تحقيق نجاعة اإلدارة العمومية وتحسين أدائها ،مع ما يقتضي ذلك من مراجعة
ألساليب عملها وطرق تدبير مواردها من المطالب الملحة ،وذلك اعتبارا للدور الحاسم
المنوط هبا يف الدفع بالتطور السياسي واالقتصادي والتنموي.
.1.5.1إصالح اإْلدارة
رغم تعدد محاوالت اإلصالح اإلداري بالمغرب منذ االستقالل ،ما زال نظامنا
اإلداري يعاين الكثير من األعطاب واالختالالت ،نذكر منها ما يلي:
-ضعف المحاسبة والمساءلة ،وعدم اعتماد منظومة واضحة لتقييم األداء اإلداري.
.51القيام بإصالح إداري ،على نحو يجعل اإلدارة ،باإلضافة إلى تقديمها للخدمات،
قاطرة للتنمية وتوليد الثروة وتحريك دواليب االقتصاد الوطني واإلسهام يف
إنعاش االستثمار ،والمساهمة يف حل إشكاليات التشغيل ،وتعميم الخدمات
االجتماعية (التعليم ،الصحة.)...
47 املحور السيايس
.52توسيع دائرة اإلصالح ليشمل ،إضافة إلى اإلدارة ،المجاالت السياسية والقانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،ذلك أن النظام الفاسد يقتات من سياسة اإلفساد
السياسي واإلداري واالقتصادي واالجتماعي واألخالقي.
.53تجويد الخدمات عرب ترسيخ الوازع األخالقي بالمرفق العمومي ،ومقاومة كل
أشكال االنحراف التي تعرفها اإلدارة العمومية والشطط والتعسف يف استعمال
السلطة ،والنهوض بمبادئ الشفافية وترشيد المال العام ،وحسن اإلنصات
للمواطنين وحسن استقبالهم.
.55تعزيز آليات الحكامة اإلدارية من خالل ترشيد النفقات العمومية ،وهنج تدبير
أمثل للشأن العام عرب إقرار مبادئ التدبير الراشد ،وتبني مقاربة تشاركية مع جميع
الفاعلين (قطاع خاص ومجتمع مدين وجماعات ترابية) يف بلورة السياسات
العمومية.
.58هنج سياسة فعالة للتواصل اإلداري مع المواطنين ،وتعزيز العالقة وإعادة الثقة
بين اإلدارة والمرتفقين ،ودعم اإلدارة اإللكرتونية بتعزيز الموارد التكنولوجية
العصرية.
الوثيقة السياسية 48
.2.5.1محاربة الفساد
يشكل الفساد خطرا كبيرا على استقرار المجتمعات وأمنها ورقيها ،إذ مهما كانت
الجهود المبذولة ال يمكن لدولة ينخرها الفساد أن تحقق تنمية شاملة .ويعرف المغرب
تفشيا عميقا وبنيويا للفساد يف سائر مؤسسات وإدارات الدولة ،كما تدرجه التقارير
الوطنية والدولية يف خانات الدول األكثر فسادا .ونرى أنه من غير الممكن محاربة الفساد
اإلداري يف غياب اسرتاتيجية واضحة وفعالة لمحاربة الفساد بشكل عام ،يف جوانبه
السياسية واالقتصادية واالجتماعية وغيرها.
.72إحداث هيئة مستقلة ذات صالحيات واسعة لمحاربة الفساد ،وتمكينها من
الموارد المادية والموظفين المتخصصين ،وإخضاعهم للتداريب الضرورية،
إضافة إلى توفير الحماية القانونية لهم أثناء االضطالع بوظائفهم.
.74اتخاذ تدابير لتدعيم النـزاهة ودرء الفساد عن جهاز القضاء ،وسن قواعد
ضابطة بشأن سلوك أعضائه ،وذلك ألهمية استقاللية القضاء ودوره الحاسم يف
مكافحـة الفسـاد.
الوثيقة السياسية 50
.75اتخاذ تدابير لمنع ضلـوع القطـاع الخاص يف الفسـاد ،وتعزيز معايير المحاسبة
ومراجعـة الحسابات ،وفرض عقوبات فعالـة ومتناسـبة ورادعـة لمنع عدم
االمتثال لتلك التدابير.
يتوقف نجاح الدول يف العالم المعاصر ،إلى حد بعيد ،على قدرهتا التفاعلية مع
محيطها اإلقليمي والدولي من خالل نسج عالقات مع الفاعلين الدوليين واإلقليميين،
سواء كانوا دوال أو اتحادات دولية أو منظمات ،وذلك من خالل توافقات واتفاقات
للتعاون تتأسس على احرتام سيادة الدول وعدم التدخل يف شؤوهنا الداخلية.
يحظى المغرب بموقع جيوسياسي مهم ،يجعل منه منطقة جذب للعديد من مشاريع
الشراكة والتعاون الدوليين ،ويمكنه من تأثير إقليمي وعالمي .وإذا كان العمل الدبلوماسي
بمختلف أنواعه يشكل وسيلة أساسية لتطوير العالقات والدفاع عن مصالح الوطن يف
مختلف المجاالت ،فإن المغرب ال يزال يعرف على مستوى العالقات الخارجية والعمل
الدبلوماسي العديد من االختالالت ،نذكر أبرزها يف اآليت:
لتجاوز هذه االختالالت ،نرى ضرورة إعادة تنظيم وتشكيل العالقات الخارجية
للمغرب مع مراكز القوى اإلقليمية والعالمية ،وانضباطها للتوجهات والمبادئ التالية:
تعزيز مقومات التكامل المغاربي ،لبناء وحدة مغاربية ديمقراطية يف أفق تمتين
المصير المشرتك ،وبذل المزيد من الجهود من أجل إقامة األمن واالستقرار يف
المحيط القريب واستمرار العالقات الطيبة القائمة على الحوار وحسن الجوار.
الحفاظ على العالقات مع أوربا ،التي تجمعنا هبا صالت جغرافية وتاريخية،
بناء على المصالح المشروعة والمتبادلة.
الحفاظ على استقالل الدولة ،وصون سيادهتا يف التنظيم والقرار بمختلف أشكاله
السياسية واالقتصادية والمالية والثقافية ،واحرتام خصوصيات المجموعات
والجماعات والتكتالت والدول.
استناد عالقاتنا الخارجية إلى قاعدة المصالح ،وعدم االنخراط يف أي نوع من
أنواع االتفاقيات أو التحالفات التي ال تخدم المصالح العليا للوطن والشعب.
.79توفير مزيد من الحماية لحقوق المواطنين المغاربة الذين يعيشون خارج الوطن،
وحمل األجهزة الدبلوماسية الموجودة من سفارات وقنصليات على العمل
بشكل أكثر فعالية من أجل معالجة مشاكلهم.
.82اعتماد اللغة العربية يف كل المحافل الدولية ،من قبل أطر وزارة الخارجية
والدبلوماسيين المغاربة ومختلف ممثلي المغرب ،وخاصة يف المناسبات
الرسمية.
.84نشر وعي ثقايف إنساين عادل يرقى باإلنسانية ويدعم كرامتها ويحرتم الحضارات
والثقافات المختلفة ،مع العمل على تشجيع التبادل الثقايف والمعريف بين الهيئات
والحضارات والشعوب.
لقد عمل المغرب منذ االستقالل على إحداث العديد من المؤسسات والهيئات،
وبعد عقود من الزمن تأكدت محدودية جدوى تلك المؤسسات والهيئات ،ليبقى الحكم
الفردي واحتكار السلط هو السمة الغالبة .ومن أجل التحرر والنهوض ،ال بد من القطع
مع الحكم الفردي ومؤسساته الصورية والهامشية ،وذلك من خالل التأسيس لحكم
مؤسسايت فعلي ،يقوم على سلط حقيقية متعددة ومتوازنة ومتعاونة ،وعلى مؤسسات
فعلية مستقلة ومبادرة.
...السلطة التشريعية
يعترب الربلمان المؤسسة المركزية التي تعرب عن إرادة الشعوب ،ومؤشرا مهما لقياس
منسوب الديمقراطية يف أي بلد .وتشوب الربلمان المغربي العديد من االختالالت التي
ال تجعل منه سلطة فعلية تمكنه من القيام بوظائفه يف تمثيل المواطنين والتشريع والرقابة
وتقييم السياسات العمومية على أحسن وجه كما يقتضي ذلك النظام الديمقراطي.
على مستوى تمثيل الناخبين ،يشوب االنتخابات الربلمانية يف المغرب العديد من
االختالالت التي تمس بمبادئ حرية االنتخابات ونزاهتها وشفافيتها ،والتي تشمل كل
مراحل العملية االنتخابية ،من التقطيع االنتخابي إلى التالعب يف نسب المشاركة ،مما
يطرح الكثير من عالمات االستفهام على الدور التمثيلي للربلمان ،بل يجعل من المشروع
التساؤل عن شرعية هذه المؤسسة ،فالربلمان ،يف أحسن األحوال ،ال يشكل إال ممثال
أدنى لألمة ،يف مقابل الملك الذي هو الممثل «األعلى» ،بل يف بعض األحيان يتحول
الربلمان إلى ممثل للملك ،الذي له سلطة افتتاحه وحله وتوجيه سياسته التشريعية.
رغم أن التمثيلية ترتبط يف مرحلة أولى ،وقبل أن تتخذ طابعها المؤسسي يف الربلمان،
بالتعددية السياسية وفتح المجال أمام جميع مكونات المجتمع للتنافس االنتخابي الحر
والنزيه ،فإنه يتم إقصاء جزء مهم من المجتمع ،بمنعه من حق التنظيم والتعبير بحرية،
55 املحور السيايس
وبوضع شروط يعترب قبولها قبوال بالرأي الواحد ،وإقرارا بإفراغ مؤسسة الربلمان من
وظائفها الحقيقية ،وجعلها مؤسسة صورية.
أما على مستوى وظائف التشريع ،فيمكن أن نسجل أن بعض التشريعات ال تتوافق
مع نص الدستور ،كما أن بعضها ال يحقق العدالة بأبعادها االقتصادية واالجتماعية
والقضائية ،ومنها ما يضر باالستقرار االجتماعي للمواطنين ،ويكرس الميز الضريبي،
ويخدم مصالح فئات بعينها ،ويجعل من الربلمان مؤسسة للريع.
ومن االختالالت التي تكبل عمل الربلمان أيضا ،ضعف التشريعات كميا ونوعيا،
خاصة تلك التي يتم اقرتاحها من قبل الربلمانيين ،وقصر مدة دورات الربلمان ،مما يحد
من قدرته على التشريع ،ويعطي للحكومة إمكانيات إضافية للعمل بين دوراته.
.86انبثاق الربلمان عن انتخابات حرة ونزيهة ،تضمن مشاركة الجميع بشكل حر
ودون تمييز بسبب الرأي أو الدين أو الجنس أو االنتماء الجغرايف ،وإقرار نسبة
من المقاعد للمغاربة المقيمين بالخارج.
.87وضع نظام انتخابي بشكل تشاركي ،يضمن النزاهة يف العملية برمتها منذ التقطيع
إلى إعالن النتائج ،ويتيح تجاوز البلقنة الربلمانية ،ويحقق فرز أغلبية قوية
ومنسجمة.
الوثيقة السياسية 56
.88اعتبار اإلسالم مصدرا أساسيا للتشريع ،مع ضمان احرتام التشريعات الخاصة
باألحوال الشخصية ألصحاب الرساالت السماوية.
.89اعتبار التشريع مجاال حصريا للربلمان.
.90تقييد الحكومة بآجال محددة فيما يتعلق بوضع وتنقيح مشاريع القوانين.
.91تمديد عمل دورات الربلمان.
.92التأهيل القانوين المستمر للربلمانيين عرب تنظيم دورات تكوينية فيما يتعلق بتقديم
مقرتحات وتعديالت القوانين.
.93اإللزام بدراسة األثر التشريعي ،خاصة فيما يتعلق بالمجال االجتماعي وببعض
القطاعات االسرتاتيجية والحيوية.
.94إلزامية النشر القبلي لكل مقرتحات ومشاريع القوانين ،وتيسير استقبال
مالحظات ومقرتحات المعنيين وعموم المواطنين بخصوص تلك المقرتحات
والتشريعات.
.95تخويل الربلمان السلطة والصالحيات للقيام بتقييم السياسات العمومية وبدوره
الرقابي الحقيقي ،مع ما يتطلب ذلك من ضمان لحصانة الربلمانيين.
.96توسيع الرقابة الربلمانية لتشمل كل المؤسسات والمجاالت المتعلقة بتنفيذ
السياسات العمومية ،بما فيها قطاعا األمن والدفاع ،خاصة على المستوى المالي.
.97تفعيل لجان تقصي الحقائق وتوسيع اختصاصاهتا ،ودعم دور المعارضة يف
هذه اللجان.
.98التشجيع على ترشيح النساء والشباب مع مراعاة الكفاءة والفاعلية.
.99جعل الغرفة الثانية ممثال فعليا للجهات وللفاعلين االقتصاديين واالجتماعيين،
وليس عبئا مضافا على الغرفة األولى أو غرفة مضادة لها.
.100إلغاء المجالس واللجان التي من شأهنا أن تنتقص من األدوار التمثيلية للمؤسسة
الربلمانية.
57 املحور السيايس
. .السلطة التنفيذية
عرف المغرب منذ االستقالل ،تشكيل أكثر من ثالثين حكومة تميزت مبدئيا بالضعف
وعدم الفعالية والخضوع للوصاية .ونتيجة لضعف الحكومات المتعاقبة وتفككها وعدم
انسجامها وغياب الرؤية الموحدة ،لم يستطع المغرب الخروج من نفق االستفراد بالحكم،
مما كلفه تأخرا ملحوظا عن ركب الدول المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا .وتشوب
العمل الحكومي بالمغرب اختالالت كربى على مستوى البنية وطريقة التشكيل ،وكذا
على مستوى االختصاصات واالستقاللية يف العمل.
على مستوى البنية وطريقة التشكيل ،تخضع الحكومة يف المغرب للملك ومستشاريه،
حيث ال تكون مستقلة ،خاصة فيما يتعلق باالختيارات والقرارات االسرتاتيجية ،كما
عرفت أغلب التجارب الحكومية بالمغرب غياب انسجام مكوناهتا ،إذ نشهد يف كل
مرة تشكيلة هجينة ال هوية سياسية لها ،وال رؤية مشرتكة بين مكوناهتا ،بل أحيانا تضم
مرجعيات ووالءات سياسية تصل حد التناقض ،وذلك نتيجة طبيعية لمنظومة االنتخابات
التي تسهم يف بلقنة المشهد السياسي ،وتجعل من شبه المستحيل إفراز حزب قادر على
تشكيل حكومة أغلبية قادرة على تطبيق برنامجها ،والوفاء بالتزاماهتا أمام الشعب ،بل
وعلى العكس من ذلك ،يكون الهاجس األول يف كثير من األحيان ترضية بعض األحزاب
السياسية بإشراكها يف الحكومة ،ينضاف إلى ذلك استمرار ظاهرة «وزارات السيادة»
الوثيقة السياسية 58
والوزراء الذين ُيصبغون بألوان حزبية معينة من أجل استوزارهم .كما عرفت الكثير من
التجارب الحكومية تضخما يف عدد الوزارات والوزراء المنتدبين ،يف القطاع نفسه أحيانا،
لرتضية األحزاب المشكلة لها.
.106ربط السلطة التنفيذية بالحكومة دون غيرها ،ووضع آليات دستورية وقانونية
ضامنة لذلك.
.108العمل على وضع هيكلة حكومية مستقرة ما أمكن لتفادي التغييرات الهيكلية
التي تكون مع التعديالت الحكومية ،والتي تؤدي إلى هدر الزمن الحكومي
وتؤثر سلبا يف استمرار التوجهات والمشاريع الحكومية االسرتاتيجية.
.110ضرورة تزكية الربلمان للحكومة من خالل منحها الثقة والتصويت على برنامجها.
.112حل المؤسسات واللجان التي تعمل يف نفس مجال اختصاص الحكومة ،ويف
حالة الضرورة يتم إخضاع ما يسمح بإحداثه من مؤسسات ولجان للحكومة
للتدقيق يف االختصاصات حتى ال تكون يف مرتبة توازي اختصاصات الحكومة
أو تفوقها.
.113جعل اإلدارة بكل مستوياهتا وكل إمكانات الدولة تحت تصرف الحكومة
لتيسير عملها.
.114توفير الضمانات القانونية الكافية للحكومة للعمل بحرية ،وفق ما سطرته من
سياسات وأهداف ،وتفعيل القوانين على أرض الواقع ،وممارسة اختصاصاهتا
بحرية وجرأة ،دون رقابة ذاتية زائدة.
.115للوزراء كامل الحرية إلبداء آرائهم ،والتدخل يف كل القضايا التي هتم مجاالت
اختصاصهم.
.116تضع الحكومة كشف الحساب أمام الربلمان بشكل دوري ،مع محاسبة كل وزير
غير كفء ،ومتابعة كل من يثبت يف حقه فساد أمام القضاء.
.117إقرار مسؤولية الحكومة عن جميع القطاعات بما فيها المجال األمني والعسكري.
الوثيقة السياسية 60
...السلطة القضائية
رغم الوعود المتكررة والشعارات المرفوعة ،ال تزال العدالة ببالدنا تعرف العديد
من االختالالت البنيوية العميقة ،كشفت عنها تقارير وخطابات رسمية ،ومالحظات
فعاليات المجتمع المدين المعنية ،وتصنيفات المنظمات الدولية يف مجال العدالة ،حيث
يحتل فيها المغرب مراتب غير مشرفة .وقد أثبتت المقاربة التقنية التي جسدها ما سمي
ب«الحوار الوطني إلصالح منظومة العدالة» محدودية هذا التوجه وعدم قدرته على منح
المواطن المغربي والمستثمر األجنبي عدالة مستقلة ونزيهة ،وفعالة ومحايدة ،تحقق حدا
مقبوال من العدل واإلنصاف.
ويعود اإلشكال الحقيقي لمعضلة العدالة ببالدنا إلى عامل محوري ،تم تغييبه يف
جميع المقاربات اإلصالحية لموضوع القضاء ،وهو حضور البعد السياسي والطابع
األمني لنظام الحكم وما يتسم به من نزوع نحو الهيمنة والتحكم يف كل السلط والمجاالت،
بما فيها السلطة القضائية ،التي يفرتض فيها أن تكون سلطة مستقلة ومحايدة .ويمكن
رصد أهم اختالالت السلطة القضائية بالمغرب وما يرتبط هبا من منظومة العدالة يف اآليت:
-تبعية القضاء لمراكز النفوذ والتأثير داخل الدولة ،وضعف الرقابة والمساءلة،
ونقص الشفافية والنزاهة ،وانتشار واسع لممارسات منحرفة وشائنة من رشوة
ومحسوبية واستغالل للنفوذ وغيرها ،وما يرتتب عن ذلك من ضياع الحقوق
وفقدان الثقة يف منظومة العدالة.
-ضعف ثقافة الحق والواجب ،فاالستبداد السياسي جعل جميع الحقوق
امتيازات تمنحها وترعاها وتنزعها السلطة ،مما يجعل التقاضي يف كثير من
األحيان حرب امتيازات واستغالل نفوذ ،األمر الذي ينتج عنه هضم الحقوق
وكثرة الخصومات وتشعبها.
-ضعف التنسيق والمالءمة بين السياسات العامة وغياب اسرتاتيجية واضحة
للنهوض بمنظومة العدالة.
61 املحور السيايس
-صعوبة الولوج إلى العدالة وربط الحقوق وإجراءات التقاضي بآجال صارمة
وإجراءات شكلية يرتتب عن عدم التقيد هبا سقوط الحقوق وإهدارها ،مهما
كانت مشروعة وواضحة.
-غياب شروط وضمانات المحاكمة العادلة ،وضعف سلطات الدفاع والصالحيات
الممنوحة للمحامي يف المحاكمة الجنائية ،خالفا لما هو عليه الوضع يف بعض
األنظمة التي تعترب الدفاع عنصرا حاسما يف الوصول إلى الحقيقة.
-بطء المساطر واإلجراءات وتفرعها يف الكثير من األحيان نتيجة االرهتان
لشكليات مغرقة يف التعقيد ،وما ينتج عنه من تأخر يف الفصل يف النزاعات
وإجراءات تنفيذ األحكام.
-محدودية آليات البحث الجنائي رغم تضخم النصوص القانونية ،واستئثار
الشرطة القضائية بتوجيه التحقيق الجنائي ،وضعف الرقابة القضائية عليه،
وغياب إرادة معالجة االختالالت التي تعرتيه.
-اللجوء المكثف للحرمان من الحرية ،خصوصا عرب االعتقال االحتياطي
مقابل الحق يف المثول حرا أمام القضاء المتعارف عليه يف األنظمة القانونية
األنجلوساكسونية.
-فشل سياسة اإلدماج االجتماعي للسجناء السابقين وتزايد حالة العود.
-عدم كفاية المعايير والشروط الالزمة للتوظيف يف سلك القضاء ومختلف المهن
القانونية والقضائية ،ومحدودية المؤهالت المهنية ونقص الكفاءات التخصصية
لبعض العاملين يف منظومة العدالة وغياب الحوافز.
-محدودية اعتماد الوسائل البديلة لتسوية المنازعات ،مثل الوساطة ،والصلح،
والتحكيم...
وللنهوض بمنظومة العدالة ببالدنا ،يلزم التكريس الدستوري والقانوين لمبادئ
االستقاللية واالستقامة والنزاهة ،والنجاعة والفعالية.
الوثيقة السياسية 62
.119اعتماد االنتخاب آلية وحيدة الختيار أعضاء المجلس األعلى للسلطة القضائية،
ووضع معايير شفافة لذلك وتحديد مدة االنتداب وحاالت التنايف.
.120إسناد التدبير المهني للقضاة حصرا للمجلس األعلى للسلطة القضائية ،ووضع
معايير واضحة وموضوعية لتقييم أداء القضاة وترقيتهم وإسنادهم المسؤوليات،
بما يضمن الفعالية والمساواة وتكافؤ الفرص ،والتشاور مع المجلس يف كل ما
يتعلق بقضايا العدالة من تشريعات وقوانين.
.123تخويل الطعن باالستئناف يف القرارات المهنية للمعنيين هبا دون غيرهم ،سواء
كانوا مشتكين أو مهنيين (إداري/تأديبي) ،ونفس األمر بالنسبة للطعن بالنقض
أمام الغرفة اإلدارية أو المدنية بمحكمة النقض.
.124إحياء القيم السليمة والفطرية ،بما فيها حب العدل ورفض الظلم ،وتشجيع
الرتبية عليها.
.126تحديد المهام والمسؤوليات بشكل دقيق وتعزيز آليات الجزاء عند المخالفة.
63 املحور السيايس
.127مراقبة وتتبع الذمة المالية والتصريح بالممتلكات وتشديد العقوبات عند بروز
مظاهر االغتناء غير المشروع.
.128تشجيع قيم النزاهة والسلوك اإليجابي ،واعتبارها معيارا حاسما يف الرتقية
وتحمل المسؤوليات.
.129تعزيز آليات قانونية لحماية المبلغين والشهود والضحايا يف جرائم الفساد المالي،
ونشر األحكام الصادرة بشأن هذه األخيرة ،لتعزيز ثقة المواطنين بالعدالة.
.130مأسسة وتقوية الرقابة الشعبية العامة على القضاء ومؤسساته ،وفتح إمكانية
االنتقال من القضاء الوظيفي إلى القضاء المنتخب.
.131التأسيس للمساءلة السياسية للهيئات المكلفة بتدبير القضاء ،سواء عن الفعل
اإليجابي بالتدخل يف أعمال القضاء أو عن الفعل السلبي باالمتناع عن تفعيل
آليات المراقبة والتفتيش والمتابعة.
على مستوى النجاعة والفعالية ،نقترح ما يلي:
.132تقوية القدرات المؤسساتية لمنظومة العدالة ،من خالل التحسين والرفع من
شروط ولوج سلك القضاء وباقي مهن منظومة العدالة ،وضمان جودة التكوين
األساسي والمستمر والتخصصي ،واعتماد مبدأي اإللزامية والتحفيز.
.133توحيد األطراف المتدخلة يف مرفق العدل (قضاة ،محامون ،موثقون ،عدول،
ضباط الشرطة القضائية بمرفق العدل) ضمن منظومة واحدة تسمى منظومة
المهن القانونية والقضائية ،وإقرار شروط ومعايير موحدة ما أمكن لولوج
هذه المهن.
.134إبرام شراكات مع المؤسسات الجامعية لفتح مسالك وتكوينات يف مختلف مهن
منظومة العدالة.
.135توفير الضمانات القانونية واالجتماعية الكفيلة بجعل مهنيي منظومة العدالة
يؤدون مهامهم بتجرد واستقاللية.
الوثيقة السياسية 64
...هيآت الحكامة
رغم أن الدستور المغربي لسنة 2011خصص بابا كامال (الباب الثاين عشر) لهيئات
الحكامة التي أسندت لها بعض الصالحيات ،إال أن التجربة أكدت استمرار العديد من
العوائق التي حالت دون تحقيق األهداف المعلنة .فعلى مستوى النص نالحظ تعددا
مبالغا فيه لتلك الهيئات ،وتقاطعا الختصاصاهتا مع اختصاصات مؤسسات أخرى،
سواء التشريعية أو التنفيذية ،مع غياب ألي تنسيق بينها .أما على مستوى الواقع ،فقد
ظل أثرها محدودا ،حيث تنتهي مهماهتا غالبا بوضع تقاريرها .كما تشكو هذه الهيآت من
ضعف استقالليتها ،إذ تنجر يف كثير من األحيان إلى تربير بعض السياسات والممارسات
الرسمية ،أو إلى تقمص دور معارضة الحكومة .كما أن الفاعل السياسي كثيرا ما يعلق
فشله عليها ،إذ يفضل االختباء وراءها معربا عن عجزه عن تحمل مسؤولياته ،باالدعاء
المتكرر أن ملفات معينة هي يف عهدة مؤسسة من مؤسسات الحكامة .وتأكد أيضا أن
حصيلة هذه الهيئات لم تتعد ،يف أحسن األحوال ،إحداث تغييرات شكلية يف بعض
القوانين ،أو إصدار تقارير شاهدة على تفشي الفساد ،دون ترتيب المسؤوليات وتفعيل
مبدإ المساءلة والمحاسبة.
.153تيسير عمل مؤسسات وهيئات الحكامة وضمان وصولها إلى المعلومة ،واعتماد
آليات واضحة لتفعيل مقرراهتا وتوصياهتا ،مع احرتام شرط التخصص وتجنب
كل صور التعارض والتنايف.
.155منح هيئات الحكامة حق إحالة ملفاهتا إلى المؤسسات التنفيذية أو التشريعية أو
إلى السلطات القضائية.
يعد وجود األحزاب والنقابات والمجتمع المدين ضرورة الستقرار النظام السياسي
وبناء الديمقراطية ،إذ تقوم بدور مهم يف التعبير عن مصالح المجتمع وآرائه يف تدبير الشأن
العام ،لذلك وجب تقوية مركزها القانوين ودورها السياسي والمجتمعي .فال ديمقراطية
بدون أحزاب قوية ومسؤولة ،ونقابات فاعلة وفعالة ،وجمعيات نشيطة ومستقلة .ورغم
اختالف هذه المؤسسات من حيث الطبيعة القانونية وكذا األهداف ،إال أهنا تعاين
االختالالت نفسها وتواجهها العقبات ذاهتا.
.1.5.2األحزاب
رغم تبني المغرب لنظام التعددية الحزبية منذ االستقالل ،إال أن التجربة أثبتت إفشال
هذا المسعى ،فمنذ السنوات األولى انخرط نظام الحكم بالمغرب يف مواجهة األحزاب
السياسية الوطنية ،محاوال تدجينها وإضعافها عرب اللجوء إلى أساليب االخرتاق أو تشجيع
االنشقاقات وافتعالها ،أو تأسيس أحزاب موالية؛ بغية التحكم يف الخريطة السياسية
وإخضاعها للضبط المخزين ،وذلك للحفاظ على نظام الحكم واستقراره واستمراريته.
ومن جهة أخرى ،تعاين بعض األحزاب السياسية يف المغرب غياب الديمقراطية الداخلية،
وانتشار ظاهرة الرتحال السياسي ،وتأثير البلقنة الناجمة عن القوانين االنتخابية.
67 املحور السيايس
ومن نتائج هذا الواقع السياسي تراجع األداء الحزبي ،حيث أضحت بعض األحزاب
أداة لتكريس واقع االستبداد ،برضوخها لسلوكيات سياسوية هجينة ولمنطق التشرذم،
فأصبحت الساحة الوطنية تعج بالعديد من األحزاب السياسية التي تتشابه برامجها رغم
اختالف مرجعياهتا ،مما أدى إلى تراجع دورها يف التأطير والتوعية السياسية.
من أجل تحديث العمل الحزبي وتطويره وإعادة االعتبار له ،نقترح ما يلي:
.156ضمان حرية تأسيس األحزاب السياسية من خالل اعتماد فعلي لمبدإ التصريح
وطبقا للقانون ،مع توفير ضمانات االستقاللية والحياد للقضاء عند فصله يف كل
ما يتعلق بتأسيس األحزاب السياسية ونشاطها وحلها.
.157اعتبار الحزب السياسي أداة لممارسة السلطة والحكم عرب انتخابات حرة ونزيهة.
.160ضمان استقاللية القرار الحزبي وعدم منع تنظيم األحزاب السياسية ألنشطتها،
وجعل احرتام الدستور والقانون هو المعيار الوحيد لذلك.
.2.5.2النقابات
يعترب العمل النقابي واجهة أساسية للدفاع عن حقوق الشغيلة ضد الجور والظلم
واالستغالل واإلقصاء االجتماعي ،واإلسهام يف تحقيق السلم االجتماعي والتعبئة
االقتصادية ،والحفاظ على التوازن بين قوة العمل والقوة الضاغطة للمشغل ،وبين
الوثيقة السياسية 68
مؤسسات الدولة (برلمان وحكومة) المسؤولة عن إرساء وتطبيق القوانين التي تخدم
الصالح العام .لكن يف ظل نظام سياسي استبدادي يقمع ويضعف ويفسد العمل النقابي،
يتعذر على النقابات القيام هبذه األدوار .فقد عمدت السلطة على مر عقود من الزمن
إلى قمع المناضلين النقابيين والتضييق عليهم ،وخنق حرية العمل النقابي ،واستقطاب
النقابات وإضعافها ،واالستعانة ببعضها يف تمرير سياساهتا ضد العمال .كما تشكو بعض
النقابات من غياب الديمقراطية الداخلية ،حيث تفرض القرارات بشكل فوقي ،ويعمد
إلى إسكات األصوات المعارضة واستبعادها ،وإلى التعامل بانتهازية مع المطالب
العمالية .وقد أسهم هذا الواقع يف تشتت النقابات ،وتراجع ثقة األجراء يف إطاراهتا،
وضعف مصداقية العمل النقابي واالنخراط فيه.
يف هذا السياق ،نؤكد على مبادئ تجديد روح الحركة النقابية عرب وسائل الضغط
والتفاوض وتجنيب الفعل النقابي وسائل التخريب أو شراء الذمم ،وندعو لتجاوز
منطق الصراع المنتصر للمصلحة الخاصة إلى منطق التعاون لتحقيق المصلحة العامة
لكل األطراف ،األمر الذي يفرض ضرورة تنسيق الجهود بين النقابات والدولة والقطاع
الخاص يف إطار حوار اجتماعي حقيقي وعادل وممأسس ومنتج .ونرى من الضروري
تنويع وتطوير مجاالت االشتغال النقابي لتشمل إلى جانب المجال المطلبي دفاعا عن
المصالح المادية والمعنوية للطبقة العاملة المجال التكويني تنمية للوعي السياسي
والقانوين ،والمجال المهني تحسينا لألداء وتأهيال للذات ،والمجال االجتماعي
والتواصلي ،دون نسيان المجال األخالقي القيمي.
انطالقا من هذه التوجهات والمبادئ ،ومن أجل النهوض بالمؤسسات النقابية للقيام
باألدوار المنوطة هبا يف أفق إعادة االعتبار والجدية للعمل النقابي وتقويته ،نقترح ما يلي:
.163تكريس مبدإ حرية العمل النقابي ،وذلك عرب اإلعمال الفعلي لمبدإ التصريح يف
التأسيس.
.164حماية ممثلي العمال والمأجورين من التضييق والتسريح والطرد ،واعتبارهم
جزءا ال يتجزأ من مؤسسة العمل ،والسماح للعمال والموظفين بحقهم
الدستوري يف ممارسة اإلضراب ،وحرية فعلهم النقابي دون منع وال تضييق.
69 املحور السيايس
.3.5.2الجمعيات
أضحى العمل الجمعوي شريكا للدولة والمؤسسات المنتخبة يف تدبير الشأن العام،
ومساهما رئيسيا يف معالجة المشاكل االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية .وقد عرف
الوثيقة السياسية 70
المغرب تطورا كميا للجمعيات يف السنوات األخيرة ،إذ تجاوز عددها 200.000جمعية.
يقابل هذا الحضور الكمي خفوت على مستوى الفعل والتأثير ،وذلك بسبب تبعية العديد
من الجمعيات للسلطة ،وارهتاهنا بخدمة أهدافها السياسية ،أو خدمة مصالح خاصة،
وهو ما جعل الكثير من الجمعيات جزءا من المنظومة القائمة ،تنهل بدورها من الريع
والفساد ،عوض أن تكون رافعة للتثقيف والتوعية ،أما الجمعيات التي تحاول الحفاظ
على استقالليتها فإهنا تتعرض باستمرار لتضييقات إدارية ولشطط يف استعمال السلطة.
من أجل تجاوز هذه االختالالت ،ودعم الدور التثقيفي والتنموي للجمعيات للرتافع
حول قضايا التنمية والسياسات العمومية ،نقترح ما يلي:
.174الحرص على تكافؤ الفرص بين الجمعيات فيما يتعلق باالستفادة من إمكانيات
التمويل العمومي واألماكن العمومية الخاصة بممارسة األنشطة الجمعوية.
.177توسيع آليات مساهمة هيآت المجتمع المدين يف إعداد وتنفيذ وتقييم السياسات
العمومية ،وتقديم اقرتاحات حلول للدولة ومؤسساهتا.
...السياسة األمنية
رغم بعض محاوالت تحديثها يف السنوات األخيرة ،ما تزال السياسة األمنية تعرف
العديد من االختالالت الكربى ،يتمثل أبرزها يف اآليت:
-قيام «العقيدة األمنية» لجهاز األمن على خدمة نظام الحكم أكثر من خدمة
الوطن ،وعلى أولوية األمن بمفهومه الضيق وليس الواسع الذي يعني األمن
المجتمعي بما يقتضي ذلك من صون لكرامة اإلنسان وحريته.
-خرق خصوصيات بعض المواطنين واللجوء بشكل متنام للتجسس غير القانوين.
من أجل بناء ثقة المجتمع يف الجهاز األمني ،ال بد من تجديد هذا األخير على
أسس احرتافية ،ووضع سياسات تشاركية حقيقية مع المجتمع المدين هبدف االنفتاح
على المجتمع ،وإشراكه يف الوقاية من األخطار األمنية ،وتحقيق التكامل األمني مع
المؤسسات االجتماعية والدينية.
ولتجاوز االختالالت السالفة ،ومن أجل إعادة بناء جهاز أمني حديث ،يستجيب
الحتياجات المواطنين ،ويحمي األمن المجتمعي ،نقترح ما يلي:
.178إعادة النظر يف النصوص القانونية المنظمة للمرفق األمني بشكل يسمح له بالقيام
بدوره بشكل سلس ،وذلك بإعداد قانون أساسي جديد لموظفي األمن يستجيب
لمعالم السياسة األمنية الجديدة.
.179إعداد قواعد ومعايير حكامة أمنية وطنية ،واإلعالن عن مقياس وطني لتوفير
خدمة األمن بالمدن والحواضر.
.181ترشيد تدبير الموارد البشرية من خالل إعادة تحديد أدوار جديدة للقوات األمنية
المعروفة بقوات التدخل السريع.
.182إعادة االعتبار للموارد البشرية األمنية من خالل الحد من الشطط الذي يمارس
عليها ،واحرتام حقوق العاملين ،وتحسين ظروف اشتغالهم ،والسماح لهم
بممارسة العمل النقابي.
.183جعل األمن بمفهومه العام ضرورة من ضروريات الحياة األساسية وحقا من
حقوق اإلنسان.
.184تطوير استعمال الوسائل الحديثة والرقمية يف تدبير المرفق األمني ،بما يحقق
شفافية أكثر يف الفعل األمني ،ويضمن تقديم خدمة أمنية سريعة وأكثر جودة.
.187حماية األمن العام بشكل احرتايف واالبتعاد عن توظيف األمن والمخابرات يف
الصراع السياسي.
...السياسة الدفاعية
لرتشيد أداء المؤسسة العسكرية وتجويد خدماهتا ،ينبغي العمل على بناء جيش
احرتايف مهمته األولى الدفاع عن حوزة الوطن وحماية أمنه من خالل حماية حدوده
من مختلف األخطار التي هتدده ،ونقل الخربات التقنية للمجتمع ،والقيام بدور إنقاذي
واجتماعي خاصة يف الحاالت االستثنائية.
.189قيام «عقيدة» الجيش على حماية الوطن وخدمته أوال وأساسا ،وعدم التدخل يف
المجال السياسي ،والتزام الحياد يف العالقة بمختلف الفاعلين السياسيين.
.190إحداث منصب وزير الدفاع وإعادة االعتبار للخدمة العسكرية وفق مقاربة وطنية
واضحة ،مع تشجيع الشباب على االنخراط يف الخدمة العسكرية عرب برامج
محددة ويف فرتات زمنية متباعدة.
.191محاربة الفساد ومنع الريع داخل المؤسسة العسكرية ،ووضع آليات صارمة
لمتابعة المتورطين يف ذلك.
.192حماية حقوق الجنود وتوفير الرعاية االجتماعية لهم.
.193وضع معايير واضحة للصفقات العسكرية ،وإخضاعها لمراقبة صارمة.
.194تطوير الصناعات العسكرية الدفاعية من أجل التخفيف من االعتماد على
الخارج.
.195تحديث العتاد العسكري كلما دعت الضرورة لذلك من أجل إدماج الجيش يف
المنظومة العسكرية الحديثة.
.196تطوير البحث العلمي المتعلق باالسرتاتيجيات العسكرية والصناعات الدفاعية.
.197إحداث فرق عسكرية خاصة للتدخل يف حالة الكوارث الطبيعية ومقاومة
الحرائق.
.198اإلسهام يف جهود التنمية االجتماعية وتشييد البنيات التحتية الكربى.
75 املحور السيايس
.199اإلسهام يف مراقبة الحالة الوبائية المرتبطة باألمن العام ،وتقييم المخاطر ذات
البعد الوبائي.
.200اإلسهام يف جهود االنتقال التقني والرقمي واالسرتاتيجي عرب شراكات وتعاون
مع مؤسسات مدنية حكومية.
.201الدفاع عن األمن المعلومايت والسيربياين ،وتحصين المنظومة المعلوماتية
الوطنية من كل أشكال االخرتاق.
.202اإلسهام يف جهود حفظ السالم العالمي بموافقة من الربلمان.
...الوقاية املدنية
تعترب الوقاية المدنية مرفقا هاما يتولى القيام بالعديد من الخدمات الالزمة لحماية
السكان والممتلكات العامة والخاصة من األخطار المختلفة الناجمة عن الحرائق
والكوارث والحروب ،وإغاثة المنكوبين ،وتأمين سالمة المواصالت واالتصاالت وسير
العمل يف المرافق العامة وحماية مصادر الثروة الوطنية يف زمن السلم والحرب والطوارئ.
غير أن هذه األدوار الهامة يستعصي القيام هبا على الوجه المطلوب ،يف ظل الكثير
من االختالالت التي تعيق سير هذا المرفق العمومي بالمغرب .وتتلخص أهم هذه
االختالالت يف اآليت:
-غياب قانون إطار متعلق بالوقاية وتدبير المخاطر يحدد بدقة السلطات المختصة
يف هذا المجال.
-تعدد التشريعات المتعلقة بتنظيم مجاالت الوقاية وتدبير المخاطر ومحدودية
التناغم بينها.
-تعدد األطراف المتدخلة يف مجاالت مكافحة الكوارث الطبيعية وما يصاحب
ذلك من تنازع االختصاص على مستوى الممارسة.
-تقزيم دور الوقاية المدنية يف التدخالت بالمجال الحضري والقروي أحيانا،
وإلحاقها بوزارة الداخلية.
الوثيقة السياسية 76
لتجاوز اختالالت جهاز الوقاية المدنية ،ومن أجل منظومة ناجعة تمنح المواطن
العناية الكافية برتسيخ خدمات الوقاية يف المجتمع لتحقيق مرامي األمن المجتمعي العام
يف الحاالت العادية وإبان الطوارئ ،نقترح ما يلي:
.203تسطير رؤية واضحة وذات مقاربة شمولية تؤطر مختلف مجاالت الوقاية وتدبير
المخاطر ،وتحصر الهيئات المتدخلة فيها ،وتحدد اختصاصاهتا بشكل دقيق،
وتبين كيفية التنسيق بينها.
.204إحداث وكالة وطنية للكوارث وإدارة األزمات تتبع لرئاسة الحكومة وتتولى
التنسيق بين مؤسسات الدولة والمجتمع.
.205الرفع من جهوزية التدخل عرب تحديث منظومة الوقاية المدنية عن طريق تأمين
التكنولوجيا والتقنية الكفيلة بتسهيل مجهودات الوقاية المدنية ،والزيادة يف عدد
األطر لتوفير البنية البشرية والموارد الالزمة ،وتجديد العتاد واألجهزة ،وتطوير
القدرات والخربات التقنية والبدنية.
77 املحور السيايس
.206تعزيز القدرات البحثية والتنبؤية حول إدارة الكوارث ،وتطوير آليات الرصد
والتشخيص ،وتوفير المعلومات الخاصة بمجال المخاطر والكوارث.
.207إنشاء مراكز لألبحاث والدراسات البتكار طرق جديدة لمواجهة تحديات
المخاطر التي تواجه المجتمع ،وإبداع مسلكيات وبروتوكوالت التدخل يف
المجتمع يف حاالت الطوارئ الناجمة عن الكوارث الطبيعية وما شاهبها.
.208تطوير التشريعات الخاصة بتدبير الكوارث ،وتنظيم التدخالت االستعجالية
والمستعجالت الطبية ،مع الحرص على ضبط التنسيق بين مختلف مؤسسات
االستشفاء العمومي والخصوصي وبين كافة الهيئات المتدخلة يف مجاالت
الوقاية االستعجالية ما قبل مرحلة ولوج المستشفيات ،وعلى توحيد وتسريع
أنظمة اإلخطار عرب إنشاء شبكة تواصل بينية لربط مراكز االتصال الطبية العاملة
بالمستشفيات بمراكز االتصال العاملة يف حاالت الطوارئ الطبية التابعة لمرافق
الوقاية المدنية والشرطة والدرك والجيش.
.209إعادة بناء جهاز الوقاية المدنية عن طريق إشراك المجتمع يف مجهود العمل
الجماعي لتقديم الخدمة العمومية ،مع تكوين قوة احتياطية تطوعية محرتفة
يمكن تعبئتها يف حاالت الطوارئ.
.210توفير مراكز القرب لالستجابة للحاجيات.
.211تحسين الوضعية العامة لألطر وللعاملين يف القطاع تحفيزا وتثمينا.
.212تطوير أنظمة التدريب والتكوين يف مختلف مجاالت التدخل خاصة على مستوى
مكافحة المخاطر واألوبئة ،وتعزيز برامج التكوين األساسي والمستمر ،وتبادل
الخربات مع المؤسسات النظيرة يف العالم.
.213نشر ثقافة اإلسعاف وخدمة مجهود الدعم االجتماعي للفئات المحتاجة ،وذلك
عرب االهتمام بالتكوين المستمر للمسعفين وتلقين مهارات اإلسعاف العمومي
لمختلف فئات المجتمع.
الوثيقة السياسية 78
يزخر المغرب بطاقات بشرية وموارد طبيعية هامة ،إذ رغم تراجع معدل الخصوبة،
فإن الهرم السكاين ال يزال يتسم باتساع قاعدته من الشباب ،كما يتوفر المغرب على
ساكنة نشيطة هامة ،تمثل فيها النساء نسبة مهمة ترسخ مكانتهن يف المجتمع يوما بعد
آخر ،يؤكدها تفوقهن الدراسي وتحملهن للعديد من المسؤوليات والوظائف األساسية.
ويمتلك المغرب حوالي 70%من االحتياطي العالمي من الفوسفاط ،وثروة معدنية ال
يستهان هبا.
ورغم هتديدات التغيرات المناخية ،يتوفر البلد على مخزون مائي جيد ،وتمتد
جغرافيته على واجهتين بحريتين تجعل منه بلدا اسرتاتيجيا من حيث الموقع ،كما تزخر
مسطحاته المائية من بحر ومحيط بثروة سمكية استثنائية.
رغم اإلمكانيات المهمة التي يتوفر عليها المغرب ،إال أن اقتصاده ما زال يعاين
اختالالت هيكلية كربى ،نتيجة قصور االختيارات والسياسات العمومية المتبعة
منذ االستقالل ،وذلك بشهادة االعرتافات الرسمية والتقارير المتوالية لمؤسسات
وطنية ودولية.
ويمكن إجمال أبرز تلك االختالالت يف الرتكيز الشديد لرؤوس األموال ووسائل
اإلنتاج واألراضي يف يد العائلة الملكية والعائالت النافذة وبعض الشركات األجنبية التي
استفادت من اقتصاد الريع والتوزيع غير العادل لألراضي والثروات واالمتيازات ،يف
مقابل انحسار كبير للفرص المتاحة لباقي الفاعلين والمستثمرين الصغار والمتوسطين،
يزيد ذلك تفاقما التضييق الممنهج وآفة البيروقراطية والفساد والرشوة.
من جهة أخرى ،يعاين النسيج االقتصادي الوطني تغول االقتصاد غير المهيكل ،إذ
تشير تقديرات «بنك المغرب» إلى أنه يمثل 30%من الناتج الداخلي اإلجمالي إلى حدود
سنة ،2018كما تشير تقديرات أخرى لمؤسسات وطنية ودولية ،إلى أن ما بين 60%
و 80%من الساكنة النشيطة المشتغلة تمارس نشاطا غير مهيكل .وإذا كان الجزء الظاهر
الوثيقة السياسية 82
من االقتصاد غير المهيكل يتمثل أساسا يف الوحدات الصغيرة التي تشغل عماال دون
التصريح هبم وتنتج سلعا وخدمات ،وتتهرب عمدا من التزاماهتا الضريبية والقانونية ،فإن
الجزء اآلخر الذي هو نتاج منظومة الفساد والريع والبحث عن اإلثراء غير المشروع،
يشمل التهريب واألنشطة الخفية للمقاوالت الرسمية ،مثل عدم التصريح برقم المعامالت
الكلي وعدد العمال الحقيقي ،إضافة إلى «المنافسة غير الرسمية» ،حيث تتهرب بعض
الشركات عمدً ا من التزاماهتا على الرغم من امتالكها الموارد والهياكل الالزمة للوفاء هبا.
أدت هذه الوضعية إلى استمرار اغتناء العائالت النافذة وتفقير شرائح عريضة من
المجتمع ،مع استمرار تراجع المؤشرات الماكرو اقتصادية من قبيل التزايد البنيوي
والم ّطرد لمستوى العجز التجاري وعجز الميزانية ،وتفاقم المديونية ،وارتفاع معدل ّ
البطالة ،وتنامي ظواهر الفقر والهشاشة ،واستمرار اعتماد االقتصاد على التساقطات
المطرية ،واتساع رقعة االقتصاد غير المهيكل ،وتركيز مجالي كبير للنشاط االقتصادي،
مع استمرار وضعية العزلة التي تعيشها معظم المناطق ،وضعف البنيات التحتية يف جل
المجاالت الرتابية غير الساحلية ،وخاصة منها العالم القروي .يعزز ذلك ضعف التكوين
التقني والمهني ،وعدم تشجيع االبتكار والبحث العلمي ،ومحدودية االنفتاح على
التكنولوجيا الحديثة ،وعدم كفاية التأطير العمليايت واإلداري لدى الشركات الصغرى
والمتوسطة ،ولدى الحرفيين والفالحين وأصحاب المهن الحرة ،وتلكؤ القطاع المالي
يف دعم المبادرة الحرة يف القطاعات المنتجة واقتصاد المعرفة واالبتكار ،وضعف مستوى
نجاعة االستثمار ،وتآكل الطبقة المتوسطة وتراجع أدوارها التنموية ،وضعف دور الدولة
يف مراقبة معايير الجودة والصحة والسالمة والتتبع والتقييم ،وغياب الحماية االجتماعية
لدى شرائح واسعة من المواطنين.
ولبلوغ المقاصد التنموية من النشاط االقتصادي ،ال بد من توفر إرادة حقيقية ،وتضافر
جهود كل الفاعلين ،واستثمار الفرص المتاحة ،وحسن استعمال المقدرات المتوفرة من
رأسمال بشري وموارد وثروات والعمل على بناء اقتصاد تكافلي قوي ومنتج .يشارك يف
هذا البناء الدولة ،لما لها من دور محدد يف عالج األزمات والدورات االقتصادية السيئة
التي تحدث من حين آلخر ،كالبطالة والتضخم واالنكماش االقتصادي ،ويف محاربة
83 املحور االقتصادي واالجتماعي
بعض المعضالت مثل االحتكار والغش ،إذ يجب أال ينحصر دور الدولة يف عمليات
التوجيه والحفز والمواكبة ،بل من واجبها إنتاج السلع والخدمات االجتماعية ،خاصة ما
يتعلق بالمرافق األساسية من أمن وعدالة وصحة وتعليم وبنيات تحتية وغيرها.
يعضد القطاع الخاص جهود الدولة يف هذا البناء ،إذ من الضروري حفزه ،باعتباره
منتجا للثروات ومشغال للكفاءات ومساهما يف بلورة وتنزيل االسرتاتيجيات المعتمدة
يف إطار التنمية االقتصادية واالجتماعية الشاملة والمتكاملة .وباإلضافة إلى الفاعلين
االقتصاديين األساسيين ،وبالنظر للدور المتنامي عرب العالم لمؤسسات االقتصاد
االجتماعي والتضامني ،فإن االهتمام هبذه المؤسسات أصبح ضرورة ملحة.
وإذا كانت الجمعيات والتعاضديات تقوم بدور رئيسي يف تدبير الظواهر االجتماعية
من خالل إدماجها يف تدبير التضامن االجتماعي ،فإن التعاونيات يمكن أن تشكل نموذجا
تنظيميا مهما يف توليد الثروة ،ويف الحد من الريع وثقافة االسرتزاق غير المشروع.
-اقتصاد العدل ،الذي يمنح للجميع فرصا متكافئة للمساهمة يف إنتاج الثروة
واالستفادة منها عرب آليات التوزيع المنصفة والمتاحة أو الممكن ابتكارها،
وتوزيع مجالي متوازن ،ورعاية اجتماعية كافية.
-اقتصاد منفتح على العالم ،يستفيد من الفرص المتاحة يف األسواق الدولية،
لكن يضمن استقاللية البلد والمجتمع ،عرب االعتماد على المنتوج المحلي
بدعم الطلب الداخلي ،والتقليص من نفقات االستيراد ،مع تشجيع المنتوج
التصديري.
-اقتصاد تنافسيُ ،يقوي االستثمار و ُيحفز على الجودة واالبتكار ،بعيدا عن
كل أشكال االحتكار واستغالل النفوذ والتفضيالت غير المشروعة ،انطالقا
من إطار قانوين واضح وجهاز مؤسسايت فعال يف مراقبته لمدى احرتام شروط
التنافسية ومعاييرها.
-اقتصاد أخالقي ،تتسم عملياته بالتيسير والسهولة والمرونة ،ويتصف العاملون
فيه بالصدق واإلخالص واإلتقان واإلنصاف والعفو والسماحة واإليفاء بالعهد.
إذ تعترب هذه الفضائل األخالقية أساسية يف زرع الثقة وتجذرها يف العمليات
االقتصادية ،مما يؤدي إلى ارتفاع أداء االقتصاد وفعاليته يف الحد من الفقر
والهشاشة والتعاسة وما إلى ذلك من األمراض االجتماعية والنفسية.
-اقتصاد المعرفة ،عرب هنج اسرتاتيجية تروم تأهيل رأس المال المعريف ،وذلك
باالستثمار الجيد يف البحث والتطوير والتعليم والتدريب ونماذج اإلدارة
الجيدة ،إذ أصبحت االتصاالت وتقنية المعلومات واألنشطة الرقمية واألنشطة
المبنية على المعرفة تؤدي دورا أساسيا يف عمليات إنتاج السلع والخدمات
يف مختلف المجاالت من مال وأعمال وسياحة وتأمين ونقل ومواصالت،
وأضحت أهميتها تزداد بوتيرة سريعة يف تنافسية االقتصادات.
لتنزيل هذه المرتكزات ،نقترح جملة من اإلجراءات تندرج يف ثالثة أقطاب:
85 املحور االقتصادي واالجتماعي
القطب األول :يهدف إلى اقرتاح معالم كربى لسياسة اقتصادية تروم دعم
وتقوية نقاط قوة النسيج االقتصادي القائم ،والتصدي للمعيقات التي تحول
دون تطوره ،وذلك من خالل تعزيز المؤشرات الماكرواقتصادية ،وبلورة برامج
اسرتاتيجية تشاركية ومندمجة من شأهنا أن تشكل رافعات جديدة للنهوض
باالقتصاد الوطني ،والتأسيس لنماذج جديدة من المشاريع المهيكلة ،هتدف إلى
إحداث دينامية استثمارية جديدة تقطع مع الريع وتدعم روح المقاولة.
القطب الثالث :يهدف إلى رسم بوصلة النمو االقتصادي يف اتجاه تكريس الدولة
االجتماعية ،التي تضمن الخدمات االجتماعية األساسية والحاجيات الضرورية
لجميع المواطنين دون استثناء .فال جدوى من انتعاش اقتصادي ال يساهم يف
خفض معدالت البطالة ،وتوفير التنمية المجالية ،وإعداد التجهيزات والبنيات
التحتية المستحقة ،وتوفير وتنويع عروض ومسالك االرتقاء االجتماعي.
الوثيقة السياسية 86
ولتطوير هذه المقاوالت وجعلها رافعة للتنمية وتوليد الثروة ،نقترح ما يلي:
.221تفكيك بنية الريع االقتصادي ومحاربة االمتيازات االقتصادية الفئوية غير المربرة
وجميع أشكال الميز االقتصادي ،وتذليل العقبات التي تحول دون المنافسة
الشفافة والحرة والعادلة.
.222دعم ومواكبة الوحدات اإلنتاجية الصغيرة والمتوسطة ،عرب المواكبة الضريبية
والتقنية والعملياتية ويف مجال التدبير ،والعمل على تيسير ظروف تمويلها.
.223دعم القطاعات الموجهة للطلب الداخلي.
.224إعادة هيكلة القطاع المالي بما يشجع على المبادرة الحرة ويدعم القطاعات
اإلنتاجية واقتصاد المعرفة.
.225محاربة الرتكيز المجالي عرب تأهيل المناطق المعزولة وهنج التمييز اإليجابي.
.226إعادة هيكلة عرض التكوين المهني وتطوير الكفاءات بإشراك الفاعلين
االقتصاديين يف تصميم وإنجاز برامج التكوين مع مراعاة متطلبات سوق الشغل.
.227دعم التكوين المستمر وتشجيع االنفتاح على التقنيات الجديدة ،وتطوير مراكز
التكوين المشرتكة.
.228تطوير دور القضاء التجاري يف تشجيع االستثمار وحماية المستثمرين.
87 املحور االقتصادي واالجتماعي
يعيش العالم تسارعا كبيرا على مستوى التطور التكنولوجي والتكنولوجيا الرقمية،
بينما تتوالى على المغرب الفرص الضائعة لتقليص الفجوة التكنولوجية والرقمية التي
تؤثر سلبا يف كل القطاعات االقتصادية .وال يمكن االستمرار يف تطوير هذه األخيرة ،دون
اعتماد سياسة رقمية حديثة وناجعة ومتكاملة ،من شأهنا تعزيز القدرات التقنية والرقمية
وتطوير التكنولوجيا واالتصاالت ،ودفع عجلة التنمية االقتصادية ،وتوفير فرص عمل
جديدة وتعزيز التنافسية يف السوق العالمية.
لتدارك هذا التأخر ،ولضمان انخراط المغرب يف مسار الرقمنة العالمي ،نقترح
ما يلي:
.229وضع اسرتاتيجيات رقمية طويلة األمد (من 10إلى 30سنة) خصوصا يف
القطاعات التي ما زالت يف مرحلة التطوير ،كقطاع السيارات ذاتية القيادة
والطباعة ثالثية األبعاد والحواسيب الكمية.
.230تشجيع روح ريادة األعمال الرقمية من خالل توفير بيئة مالئمة لالبتكار
ودعم المشاريع التكنولوجية الناشئة ،وذلك عرب تقديم التسهيالت والدعم
المالي للشركات الناشئة ،وتعزيز التعاون بين القطاع الخاص والدولة
والمؤسسات التعليمية.
.231تشجيع االستثمار يف قطاع التكنولوجيا من خالل دعم الشركات التقنية
والمبتكرة ،وذلك عن طريق برامج التمويل والمنح واإلعفاءات الضريبية
وتبسيط اإلجراءات اإلدارية.
.232ضمان تكامل االسرتاتيجيات الرقمية بين القطاعات والمؤسسات الحكومية
والقطاع الخاص والمجتمع المدين ،وتتبع التنزيل وتقييم وتقويم برامج التحول
الرقمي ،وتعزيز الحكامة ،وترشيد النفقات العمومية ،وفعالية االمتيازات
الضريبية واستعماالت الدعم الحكومي ،وحماية مبادرات االبتكار من
الريع واالنتهازية.
الوثيقة السياسية 88
.233تعزيز البنية التحتية لالتصاالت لتشمل تحسين شبكات االتصال ،وتوفير اتصال
سريع يف المناطق الحضرية والقروية.
.234توفير البنية التحتية الالزمة والتكنولوجيا المالئمة يف المدارس والجامعات،
وتطوير مناهج تعليمية تركز على المهارات الرقمية وتعليم تكنولوجيا المعلومات
واالتصاالت الحديثة.
.235تعزيز األمن الرقمي لحماية المعطيات والبيانات الحساسة للمؤسسات
واألفراد ،وتطوير اإلطار القانوين لحماية الخصوصية واألمان الرقمي ،وتعزيز
التوعية والتدريب يف المجال داخل المؤسسات والمجتمع.
.236تطوير قدرات العاملين يف قطاع التكنولوجيا واالتصاالت يف المجال التقني
والرقمي عن طريق التدريب والتكوين المستمر ،وتشجيع الشباب على اكتساب
المهارات الرقمية والتقنية من خالل الربامج التدريبية والدورات التعليمية،
وتعزيز التعاون مع الجامعات والمؤسسات التعليمية لتوفير برامج تعليمية
تتناسب مع احتياجات سوق العمل يف المجال الرقمي.
.237تعزيز السيادة الرقمية للبالد وتفادي االخرتاقات الرقمية وسرقة البيانات ،وعدم
استعمال برامج ونظم طورهتا شركات صهيونية أو مؤسسات مرتبطة هبا.
.238إنشاء منصات لتبادل المعرفة والخربات ،وتعزيز التعاون يف مجال التكنولوجيا
واالتصاالت ،وتشجيع إقامة شراكات اسرتاتيجية مع الشركات العالمية
والجهات الدولية لنقل التكنولوجيا وتعزيز االبتكار.
.239تخصيص موارد مالية كافية للتحول الرقمي موجهة أساسا للتطوير وليس فقط
القتناء برمجيات طورهتا شركات أجنبية ،مع الحرص على التوازن بين القطاع
العام والقطاع الخاص وميزانيات البحث العلمي.
.240إدماج العالم القروي والفئات الهشة والمسنين والسجناء يف برامج التحول
الرقمي ،وذلك عرب توفير البنيات التحتية واألنرتنيت يف المدارس والمؤسسات
السجنية ومؤسسات القرب والتأهيل والتكوين؛ تشجيعا على االبتكار يف المجال.
89 املحور االقتصادي واالجتماعي
توجه المغرب يف السنوات األخيرة نحو تعزيز ربط االقتصاد الوطني بسالسل
اإلنتاج العالمية يف كل من قطاع صناعة السيارات والطائرات والمناولة الخدماتية ،ويف
وقت سابق يف قطاع النسيج ،مما جعله يستقطب وحدات إنتاجية مهمة مكنت من توفير
فرص عمل جديدة.
إذا كانت التعاونيات من أهم مكونات االقتصاد االجتماعي والتضامني ،فإن الحركة
التعاونية المؤسساتية لم تنطلق فعليا بالمغرب إال بعد االستقالل ،بإيعاز من الدولة التي
سخرت لذلك ذراعا تقنيا لتدبير القطاع ممثال يف «مكتب تنمية التعاون» .ويمكن اعتبار
الغالبية العظمى من التعاونيات مقاوالت تضامنية صغيرة جدا( ،يف المتوسط أقل من
10منخرطين وبرسملة ضعيفة) ،تنشط أساسا يف قطاعات الفالحة والسكن والصناعة
التقليدية ،إال أن هذا القطاع يعاين مشاكل مزمنة تتمثل يف اآليت:
هنج المغرب سياسة طاقية جديدة تركزت حول إعادة بلورة المنظومة المشرفة
على تسيير القطاع عرب تأسيس وكالة «مازن» وتمتيعها بالصالحيات التي كانت موكلة
للمكتب الوطني للكهرباء والوزارة الوصية .وهكذا تم إطالق عدة مشاريع للطاقة البديلة
وخصوصا الطاقة الشمسية ،رغم ضعف مردوديتها ،وارتفاع تكلفة الكيلواط ساعة مقارنة
مع تكلفة الطاقة الحرارية ،وكثرة استهالك الماء من قبل المنشآت الطاقية ،خاصة وأهنا
أنشئت يف مناطق تعاين شح الموارد المائية .ورغم هذا الجهد االستثماري الكبير ،ما زال
المغرب يعتمد بشكل شبه كلي على استيراد حاجياته الطاقية من الخارج ،مما يشكل عبئا
كبيرا على الميزان التجاري ،ويجعله يف مهب التقلبات الجيوسياسية الدولية.
الوثيقة السياسية 92
.257العمل على ضمان األمن الطاقي للبالد عرب االستثمار المباشر أو بتعاون مع
القطاع الخاص يف دعم قدرات التخزين والتكرير وتوسيع مراكز تسييل الغاز
وموانئ االستقبال.
.259مراجعة عقود استغالل االكتشافات الغازية بما يحقق مصالح المغرب مع ضمان
آجال قصوى لبدء االستغالل.
.260تقييم ومراجعة عقود استكشاف الغاز الطبيعي واستثماره من أجل تثمينها داخليا
عوض التصدير وما يقتضيه ذلك من تأهيل المحطات الحرارية الحالية.
.262ترشيد االستثمار يف مشاريع الطاقات المتجددة بما يضمن عدم المجازفة يف
الخيارات التقنية غير مضمونة المردودية أو ذات الفعالية المحدودة ،واالستفادة
من األخطاء التي واكبت مشاريع الطاقة الشمسية.
93 املحور االقتصادي واالجتماعي
.264تطوير مناطق صناعية جديدة بمحاذاة حقول الغاز الطبيعي ،مع مراعاة التأثير
البيئي واالجتماعي.
.265دعم وتطوير البحث العلمي يف مجال الطاقة ،وإطالق برامج بحثية مندمجة بين
الفاعلين والجامعات ومدارس تكوين المهندسين ومعاهد التكوين المهني.
.266تطوير شبكة توزيع الغاز داخل المدن ،وتحسين العرض السكني ،وتسريع برامج
النجاعة الطاقية يف قطاعات الصناعة والنقل واالستعمال المنزلي.
.267تطوير شبكة نقل وتوزيع الكهرباء من أجل استيعاب اإلنتاج الناجم عن مختلف
المصادر.
أدى توالي األزمات جراء التوترات الجيوسياسية والتغيرات المناخية إلى زيادة وعي
الدول بأهمية األمن الغذائي لشعوهبا .ولما كان الفوسفاط الذي يزخر المغرب بأكرب
االحتياطات العالمية منه ( 70%من االحتياط العالمي) ،يوفر مشتقات أساسية تعتمد
عليها الزراعات لضمان المردودية ،فقد اعتنى المغرب بتنمية قطاع الفوسفاط من خالل
«المكتب الشريف للفوسفاط» ،الذي يتولى مختلف العمليات المرتبطة بإدارة سلسة
إنتاج الفوسفاط استخراجا وإنتاجا وبيعا واستثمارا .وكان ُيفرتض أن يكون لعائدات هذه
الثروة الوطنية القيمة انعكاس أقوى على جوانب متعددة من واقع التنمية العامة بالبالد،
لكن واقع الحال يكشف غير ذلك على مستويات عدة:
على مستوى المساهمة يف ضمان األمن الغذائي :يبقى معدل استخدام األسمدة
بالمغرب نسبة إلى الهكتار الواحد ضعيفا جدا ( 75كلغ للهكتار) إذا ما قورن
بدول مثل إسبانيا وفرنسا خصوصا يف الزراعات البورية .وهو ما يؤثر سلبا يف
مردودية اإلنتاج الزراعي خاصة أمام عدم انتظام التساقطات المطرية وضعف
الوثيقة السياسية 94
التأطير والتكوين لدى الفالحين ومحدودية اللجوء إلى تحاليل الماء والرتبة
لمعرفة حاجيات النباتات من األسمدة ،هذا إلى جانب ارتفاع أسعار هذه
األسمدة يف السوق الداخلية مقارنة بالقدرة الشرائية للفالحين الصغار.
على مستوى الحفاظ على البيئة :تؤثر العمليات المنجمية وما يرافقها بشكل كبير
يف البيئة ،حيث تؤدي إلى تدمير الثروة النباتية والحيوانية ،إضافة إلى التلوث
الناجم عن الغبار المتطاير من عمليات تحريك األتربة .كما يؤدي االستعمال
المفرط للماء يف عمليات غسل الفوسفاط والنقل السائل إلى استنزاف مخزون
السدود والفرشة المائية يف مناطق تعاين أصال شح الموارد المائية وتعتمد
الساكنة فيها أساسا على النشاط الفالحي .وبشكل مماثل ،تضررت المناطق
المحيطة بمحطات معالجة الفوسفاط يف كل من الجرف األصفر وآسفي جراء
انبعاث الغازات والفضالت السائلة الملقاة يف السواحل ،مما أثر بشكل كبير يف
الثروة البحرية يف مناطق كانت تعتمد بشكل أساسي على الصيد البحري .كما
تؤثر العمليات المنجمية أيضا يف صحة السكان ،فحتى وإن غابت اإلحصائيات
الرسمية الموثوقة ،فقد أشارت بعض التقارير إلى إصابة العديد من عمال مناجم
الفوسفاط والساكنة المجاورة بأمراض يف الجهاز التنفسي وأمراض السرطان
وأمراض األسنان.
على مستوى الحكامة ودعم المالية العمومية وتوزيع األرباح :انخرط «المكتب
الشريف للفوسفاط» يف سياسة تجارية واستثمارية «إرادوية» مكنت من رفع
رقم معامالته وربح حصص جديدة يف األسواق الدولية ،إال أن هذه السياسة
أدت إلى ارتفاع كبير يف مستوى مديونية المكتب ،وهو ما قد يؤدي إلى رهن
استقالليته لدى المؤسسات المانحة .كما أن مساهمة المكتب يف المالية
العمومية ،باستثناء سنتي 2021و ،2022تظل ضعيفة جدا .وعلى مستوى
الحكامة ،ظهرت اختالالت على مستوى تدبير تلك المؤسسة كما أشارت
إلى ذلك خالصات لتقارير افتحاصية لم تبلغ مداها ولم تنشر مضامينها كاملة
بدعوى الخصوصية والحساسية.
95 املحور االقتصادي واالجتماعي
من أجل تجاوز هذه االختالالت ،وضمان مساهمة أكرب للفوسفاط يف مجاالت
التنمية الشاملة ببالدنا ،نقترح ما يلي:
.268تأطير وتدقيق السياسة العمومية لتدبير القطاع على مستوى مسلسل التخطيط
االسرتاتيجي ،والدراسات المنجمية ،وتدبير األوعية العقارية المنجمية ،على
نحو يحقق الفعالية والنجاعة واستدامة التنمية.
.269مراجعة سياسة االستثمار بما يحافظ على سيادة المغرب على المخزون.
.270دعم التكامل وااللتقاء القطاعي بين كافة المتدخلين ،خاصة بين برامج وزارة
الفالحة والمكتب ،لتوسيع المواكبة التقنية واعتماد سياسة أثمنة تفضيلية لصالح
السوق الداخلية.
.271تطوير صناعات موازية وتحقيق تنمية مجالية يف المناطق المنجمية.
.272تقوية وتنمية الجانب التحويلي والصناعي للفوسفاط على نحو يسهم يف تقوية
الجانب التنافسي يف السوق الدولية.
.273صيانة وتجديد العتاد واآلليات ،وتطوير توظيف التقنيات الرقمية يف مختلف
مجاالت القطاع ،بما يمكن من تخفيض كلفة اإلنتاج ،والرفع من جودة المنتوج.
.274تعزيز الشفافية والحكامة ،وإعمال آليات الرقابة القانونية على مستوى التدبير
وعلى نفقات ومداخيل المكتب ،والرفع من مساهمته يف الميزانية العامة للدولة.
.275تعزيز السياسة التجارية ،وتطوير العرض الداخلي ،وربط شراكات جديدة.
.276تركيز اسرتاتيجية المكتب على المهن المتعلقة بشكل مباشر بالفوسفاط وتفادي
االستثمار يف مهن ال ترتبط بتخصصه.
.277تعزيز برامج التنمية البيئية والمحافظة على الصحة العامة ،وكذا الحفاظ على
األنظمة اإليكولوجية بما يحد من التأثيرات السلبية للعمليات المنجمية يف
الصحة والمجال.
الوثيقة السياسية 96
يتوفر المغرب على موارد منجمية أخرى غير الفوسفاط ،مثل الذهب والحديد
والرصاص والفضة والزنك والنحاس والكوبالت وغيرها ،تتوزع غالبا يف المناطق
المهمشة من المغرب المنسي ،وتغيب بشأهنا المعطيات حول مستغليها والكميات
97 املحور االقتصادي واالجتماعي
المنتجة والتي توجه بصفة أساسية للتصدير .ولتثمين هذه الثروات الوطنية ،وتسخيرها
لخدمة التنمية الشاملة ببالدنا ،نقترح ما يلي:
رغم التطور الملحوظ الذي عرفته التجارة الداخلية بالمغرب خالل السنوات
األخيرة ،ال يزال هذا القطاع يعاين اختالالت متعددة ويواجه تحديات صعبة .واألمر نفسه
على مستوى التجارة الخارجية ،إذ رغم سياسة االنفتاح التي هنجها المغرب منذ سبعينيات
القرن الماضي واإلصالحات المالية والمؤسساتية التي قام هبا لتعزيز هذا المسار ،ظل
الميزان التجاري يعرف عجزا بنيويا بسبب قصور الخيارات العمومية يف المجال.
...التجارة الداخلية
يعاين قطاع التجارة الداخلية اختالالت كربى تتمثل أساسا يف تغول المساحات
التجارية الكربى وشبكات استغالل األسماء التجارية ( )Franchiseمقابل إضعاف
المحالت التجارية الصغرى والمتوسطة ،والطبقية يف األسواق (أسواق كبيرة وأسواق
متوسطة وأسواق تقليدية وأخرى حديثة) يف غياب مواكبة متكافئة بين كل منها .كما
يعرف القطاع ضعفا يف الهيكلة ،وفوضى يف نقل البضائع ،وغياب االنسجام يف التوزيع
الوثيقة السياسية 98
الجغرايف لألنشطة التجارية ،الشيء الذي يؤثر سلبا يف جودة السلع وأسعارها ،ويجعل
القطاع عرضة للجشع وكثرة الوسطاء والمحتكرين ،يف غياب دور فعال للدولة على
مستوى تكوين وتأطير الفاعلين وحمايتهم ،وخاصة التجار الصغار.
....التجارة الخارجية
هنج المغرب منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي سياسة تجارية تروم تشجيع
الصادرات لتحقيق التنمية ،غير أن نتائج هذه السياسة كانت معاكسة لما كان منتظرا ،ذلك
أن الميزان التجاري ظل يف عجز هيكلي منذ سنة 1974بسبب االرتفاع الم ّطرد للواردات
البرتولية ومواد التجهيز والمواد األولية وسلع االستهالك النهائي .أما الصادرات فلم
تعرف تطورا مهما يف السوق الدولية ،سواء على مستوى تنويع المواد المصدرة أو تنويع
األسواق الخارجية ،بحيث بقيت الصادرات المغربية مرتبطة جغرافيا إلى أبعد الحدود
بالسوق األوروبية ،ومحدودة من حيث التنوع ،وذات قيمة مضافة ضعيفة إذا ما استثنينا
منتجات قطاع السيارات والطائرات وبعض األنشطة اإللكرتونية والكيميائية وشبه
الكيمائية التي اعتمدت يف السنوات األخيرة .ويرجع سبب بنية التجارة الخارجية هذه
99 املحور االقتصادي واالجتماعي
إلى أن نسبة مهمة من المواد األولية ونصف المصنعة التي تدخل يف إنتاج المنتجات
الصناعية النهائية تستورد من الخارج بدل السوق المحلية.
من أجل تحسين عالقاتنا التجارية الخارجية وتقوية موقعنا يف السوق الدولية ،نقترح
أن تروم السياسة المتعلقة بالتجارة الخارجية تحقيق األهداف اآلتية:
.295العمل على تصحيح العجز الهيكلي الذي يعرفه الميزان التجاري عن طريق
بلورة اسرتاتيجيات صناعية (سلع صناعية عالية التقنية) وفالحية تستجيب
للطلب الداخلي أوال وتتجه نحو التصدير تدريجيا ،وتحسين جودة المنتوج
باالعتماد على الخربة والوحدات اإلنتاجية المحلية.
.296تقليل االعتماد على الخارج خاصة فيما يتعلق بسلع االستهالك النهائي ،وبلورة
سياسة هتدف إلى االستقالل االقتصادي ،وذلك بالعمل على تقليص الواردات
التي تدخل خاصة يف السلع الكمالية ،وتشجيع إنتاج محلي بديل ،وتوجيه
االستهالك نحوه باالعتماد على أنشطة المجتمع المدين (جمعيات هتتم بثقافة
االستهالك) يف تأطير المواطن.
.297إعادة النظر يف منظومة دعم الصادرات ،وتبني مبدإ االستحقاق يف توزيع
االمتيازات ،مع تنويع الصادرات وتجويدها وتوجيهها نحو أسواق صاعدة.
.298تجاوز المقاربة التي تعترب التصدير عامال لجلب العملة الصعبة فقط ،إلى التي
تعتربه عنصرا لتعزيز الموقع االقتصادي للبلد يف السوق الدولية.
.299إعادة تقييم اتفاقيات التبادل الحر لجعلها متوازنة بين األطراف ،ومحققة
لمصالح البلد على مستوى التشغيل وتشجيع اإلنتاج الوطني ،خاصة بالنسبة
للوحدات اإلنتاجية حديثة النشأة.
.300تقوية القدرات التفاوضية للجانب المغربي عند اإلعداد التفاقيات التبادل الحر.
.301االنخراط يف تكتالت اقتصادية متكاملة تقوي القدرة على التفاوض مع التكتالت
االقتصادية األخرى واالستفادة من انفتاح األسواق األجنبية.
الوثيقة السياسية 100
رغم التطور الذي عرفه قطاع النقل واللوجستيك يف العشرين سنة األخيرة والمتمثل
يف تعزيز البنيات التحتية ،من إنشاء موانئ جديدة وتوسيع أخرى ،وإعادة هيكلة المكتب
الوطني للموانئ ،وتوسيع شبكة الطرق السيارة ،وتعزيز عرض المناطق اللوجستيكية
بشراكة مع القطاع الخاص ،وتعزيز قدرات المكتب الوطني للمطارات ،إال أن هذا القطاع
ما زال يعاين اختالالت هتم أساسا استمرار ضعف جودة الطرق الجهوية واإلقليمية،
وضعف مستوى الصيانة الطرقية ،وضعف جودة نقل المسافرين بين المدن وداخلها
بسبب استمرار نظام المأذونيات ،وعدم انفتاح السوق على االستثمار الحر ،وعدم اعتماد
دفاتر تحمالت للرفع من جودة الخدمات ،ومحدودية تغطية شبكة السكك الحديدية
للرتاب الوطني ،وارتفاع أسعار النقل الجوي بحكم شبه احتكار الخطوط الجوية الملكية
للسوق الداخلية.
من أجل تطوير قطاع النقل واللوجستيك ،وتعزيز المكتسبات وتحجيم المخاطر،
نقترح ما يلي:
.303توسيع خطوط السكك الحديدية لتشمل مدنا جديدة وتعزيز وتجويد عرض نقل
المسافرين والبضائع.
.304ربط االستثمار بالمقدرات المحلية من أجل تطوير صناعات محلية خصوصا يف
مجال النقل السككي.
.306الدفع يف اتجاه إنشاء شركات وطنية وإقليمية للنقل البحري ،ودعمها لتعزيز
قدرهتا على المنافسة الدولية وتعزيز السيادة فيما يتعلق بالنقل البحري.
.307توطين صناعة بحرية مغربية قادرة على المنافسة يف السوق الدولية من خالل تعزيز
البنيات التحتية وتكوين التقنيين والمهندسين وكذا المواكبة التقنية والمالية.
.308تعزيز شبكة الطرق الجهوية واإلقليمية ،وتحسين مستوى الصيانة لفك العزلة
عن القرى والبوادي وضمان حد أدنى من العدالة المجالية.
.310حذف نظام المأذونيات وتعويضه بنظام دفاتر التحمالت ،فيما يخص نقل
المسافرين داخل وبين المدن من أجل فتح السوق أمام المنافسة وتجويد العرض.
.312تعميم استعمال المحطات الرقمية للدفع نحو تجويد عرض اللوجستيك والنقل،
وتشجيع التطبيقات الوطنية ودعمها من أجل المنافسة الدولية ،باإلضافة إلى
مراجعة الرتسانة القانونية للسماح باستعمال أمثل لهذه التطبيقات.
الوثيقة السياسية 102
يعترب القطاع الفالحي قاطرة أساسية للتنمية االقتصادية يف المغرب ،إذ يساهم
بحوالي 12إلى 14%من الناتج الداخلي الخام ويشغل أكثر من 40%من السكان
النشيطين ويمثل حوالي 20%من الصادرات (بما يف ذلك الصيد البحري) .كما يساهم
يف إمداد السوق الوطني بأهم المواد االستهالكية ويف الحد من عجز الميزان التجاري.
لكن ،مازال القطاع الفالحي يف المغرب يعاين اختالالت كربى تحد من إنتاجيته وتنميته،
وتتلخص يف اآليت:
.313إنشاء وحدات صناعية للمساهمة يف تشغيل اليد العاملة وتخفيف العبء على
الفالحة ،مع مراعاة المؤهالت البشرية والطبيعية لكل مجال.
.314تأهيل العالم القروي ،وذلك بتقوية البنيات التحتية والمرافق االجتماعية،
تشجيعا للساكنة على االستقرار وتنمية محيطها القريب.
.315إعادة النظر يف السياسات العمرانية التوسعية على حساب األراضي الفالحية.
إصالح الوعاء العقاري ،وذلك بواسطة:
.316هنج سياسة عقارية تجمع بين تحفيز االستثمار وتراكم رأس المال الثابت ،وذلك
عن طريق سن قوانين عقارية تساهم يف انتقال الملكية أو حق االستغالل بشكل
يضمن مشروعية المعامالت العقارية ويشجع االستثمار.
.317تشجيع الملكية العقارية يف أراضي الجموع ،والتي تمثل لوحدها ما يناهز 15
مليون هكتار.
.318وضع حد للتفتت العقاري لألراضي ،مع إحداث آلية سهلة لتمكين تجميع
األراضي لتشجيع االستثمار.
.319إحداث آلية لتسهيل عملية كراء أراضي المالكين الصغار ،مقابل تشجيعهم على
مزاولة أنشطة موازية لتحسين الدخل.
.320ضم األراضي الفالحية كلما توفرت الظروف المناسبة.
تعزيز البنيات التحتية والتجهيزات الفالحية ،وذلك عن طريق:
.323ترشيد دعم الدولة وإعادة النظر يف اإلجراءات التي تستلزم الدعم المباشر.
تطوير اإلنتاج الفالحي ،وذلك عن طريق:
.334قيام الدولة بتسهيل فتح األسواق الخارجية أمام المنتوج الوطني ،مع مراعاة
الشروط الموضوعية وهيكلة عملية التصدير بعيدا عن الريع والمحسوبية،
وتشجيع دور القطاع الخاص يف هذا السياق.
105 املحور االقتصادي واالجتماعي
.335إعادة هيكلة البنية التحتية للتسويق ،وتنظيم عملية العرض والطلب بشكل يضمن
عدم تدهور األسعار ،وتوزيع القيمة المضافة مع تشجيع دور القطاع الخاص
والتعاونيات ،وضبط دور الوسطاء ،ومحاربة االحتكار.
.336تطوير الصناعات الغذائية بما يتناسب مع المعايير الدولية ،وتشجيع القطاع
الخاص الوطني ،والشركات التشاركية والتعاونيات.
.337مواجهة التحدي الناتج عن تحرير األسواق واالتفاقيات الدولية.
.342تخفيف الكثافة الرعوية هبذه المناطق وضبطها حتى ال تشكل أي خطر على
الغطاء النبايت وتدهور الثروات الطبيعية المنتجة (الماء ،الرتبة ،المنتوجات
الغابوية).
.343تقليص األنشطة الفالحية التقليدية المعيشية غير المنتجة وتعويضها بأنشطة
محافظة على البيئة (السياحة البيئية ،استغالل النباتات العطرية والطبية ،إنتاج
العسل ،)...مع سن قوانين استثمارية تحفيزية لهذه األنشطة.
.344االهتمام بالمراعي والمحميات والتشجير ومحاربة التصحر.
الوثيقة السياسية 106
.355ضبط الطلب على الماء الموجه للقطاع الفالحي وخصوصا المرتبط بالزراعات
المستهلكة للماء أو الزراعات يف المناطق األكثر حرارة.
.356تطوير البنية التحتية المعبئة للمياه السطحية من قبيل السدود المتوسطة أو السدود
التلية.
.357تحويل الموارد المائية من مناطق الفائض إلى مناطق الخصاص.
107 املحور االقتصادي واالجتماعي
.358برمجة موارد استعجالية لمياه الشرب لتزويد الحواضر الكربى يف حالة الخطر،
وذلك عن طريق محطات تحلية مياه البحر ،وإعادة استعمال المياه العادمة.
.359إنتاج طاقة أقل تكلفة من قبيل الطاقة النووية لتخفيض تكلفة تحلية مياه البحر.
.360تحويل مركز الثقل يف االقتصاد المغربي من االعتماد على القطاع الفالحي إلى
قطاعات أخرى أكثر تنافسية وأقل خطرا على الموارد المائية.
.361وقف نزيف اإلفراط يف استغالل المياه الجوفية ألغراض فالحية ،وزجر
التجاوزات.
.362تشجيع االبتكار يف مجال التقنيات الجديدة الخاصة بالفالحة للحفاظ على
الرتبة والماء.
.363توعية السكان بضرورة االقتصاد والرتشيد يف استعمال الماء.
تطوير قطاع الصيد البحري من أجل توفير فرص الشغل والحفاظ على البيئة
والتنوع البيئي البحري وإنماء المخزون السمكي .ويف هذا اإلطار ،نقترح ما يلي:
تعترب السياحة مصدرا مهما للعملة الصعبة وعامال أساسيا يف تنشيط قطاعات
اقتصادية ،خاصة النقل والصناعة التقليدية .كما لألنشطة السياحية أيضا أدوار مهمة يف
تطوير العالقات االجتماعية داخليا وخارجيا.
على الرغم من اعتماد المغرب لعدة اسرتاتيجيات سياحية منذ سنين ،إال أن هذا
القطاع ما زال يعاين اختالالت بنيوية تتمثل أساسا يف محدودية العرض الموجه للسياحة
الداخلية وعدم تالؤمه مع القدرة الشرائية لألسر المغربية ،ويف الطابع الموسمي للنشاط
السياحي ،وتمركز مؤسسات اإليواء المصنفة يف بعض الوجهات السياحية خاصة
البحرية ،وضعف استقرار اليد العاملة وعدم تالؤم األجور مع طبيعة الوظائف ،وضعف
تثمين المؤهالت الالمادية.
من أجل تنويع العرض السياحي ،وتثمين الرأسمال الالمادي ،وتفادي التداعيات
السلبية لألنشطة السياحية ،نقترح ما يلي:
تقوم الصناعة التقليدية بأدوار مهمة يف التنمية االقتصادية واالجتماعية ،إذ تسهم
يف التنمية المستدامة وتعزيز االقتصاد المحلي وتوفير فرص العمل للسكان المحليين
وتحسين مستوى دخلهم .كما تحقق الصناعة التقليدية ترويجا للسياحة الثقافية ،وذلك
بجذب السياح وتعزيز السياحة الثقافية والحرفية ،مما يضفي قيمة مضافة على الوجهات
السياحية .وتعترب الصناعة التقليدية أيضا حاملة للمعرفة والمهارات التقليدية التي تنتقل من
جيل إلى جيل ،وتساهم يف الحفاظ على الهوية والموروث الثقايف للمجتمعات والشعوب.
للمغرب مقومات أساسية تمثل قاعدة قوية لتطوير الصناعة التقليدية ،إذ يتوفر على
تاريخ عريق يف مجاالت الحرف والمهارات اليدوية ،ويزخر برتاث ثقايف غني ومتنوع،
يتضمن العديد من الفنون خاصة يف قطاعات النسيج والخزف واألثاث التقليدي ،كما
يتمتع بوفرة المواد الطبيعية الخام المستخدمة يف الصناعة التقليدية ،كالصوف والجلود
والخشب والطين واأللياف النباتية؛ مما يوفر فرصا ابتكارية للحرفيين والصناعيين
المغاربة الذين يشهد لهم بمهارات عالية ،لكن بالرغم من هذه المقومات ،ال يزال قطاع
الصناعة التقليدية يف المغرب يعاين عدة اختالالت ،نذكر منها ما يلي:
-مواجهة القطاع لتحديات بيئية مثل التلوث واستخدام المواد الضارة ،مما يؤثر
يف سمعة المنتجات التقليدية.
-ضعف مسالك التسويق والتوزيع بسبب نقص يف القدرات التسويقية لولوج
األسواق الدولية.
لتجاوز هذه االختالالت ،ومن أجل قطاع للصناعة التقليدية يكون رافعة للتنمية
ومحافظا على الموروث الثقايف المغربي ،نقترح ما يلي:
.390وضع اسرتاتيجية وطنية مندمجة تستحضر تنمية األبعاد الثقافية والقيمية
والسياحية للصناعة التقليدية من دون ارهتان للطابع الفلكلوري وال الموسمي.
.391تشجيع مقاوالت الصناعة التقليدية على استخدام التكنولوجيا الحديثة يف
عمليات اإلنتاج والتصنيع ،وتوفير المواكبة التقنية ،والتدريب لزيادة كفاءهتا
وتحسين جودة منتجاهتا.
.392تعزيز االبتكار والتنوع وتشجيع مقاوالت القطاع على تطوير منتجات جديدة
وتنويع نطاق إنتاجها ،عرب توفير الدعم وتمويل أبحاث التطوير واالبتكار،
وتنظيم ورشات العمل والفعاليات التي تشجع على التبادل المعريف وتعزيز
التفاعل والتعاون بينها.
.393تعزيز قدرات المقاوالت على ولوج أسواق جديدة عرب توفير الدعم يف تطوير
اسرتاتيجيات التسويق وتوسيع قنوات التوزيع ،والمساعدة يف تجاوز العقبات
التجارية واللوجستية.
.394تطوير المنصات الرقمية الخاصة بالتعريف بمنتوج الصناعة التقليدية.
.395تعزيز التعاون بين الفاعلين يف القطاع من خالل إنشاء شبكات ومنصات لتبادل
الخربات والمعارف ،والشراكة مع مراكز التدريب والبحث لتعزيز التعلم
واالبتكار.
.396توفير بيئة مالئمة لمقاوالت الصناعة التقليدية عن طريق تسهيل ولوجها التمويل
المناسب ودعم الدولة للقطاع عرب المنح والتسهيالت الضريبية ،وتقديم
االستشارات والمساعدة يف إجراءات الرتاخيص والتنظيم.
الوثيقة السياسية 112
.397تطوير الموارد البشرية عرب برامج التدريب والتأهيل المهني للحرفيين ،وتعزيز
قدراهتم ومهاراهتم يف مجاالت التصميم والتصنيع وإدارة الجودة.
.398تفعيل وتطوير التعاونيات المتدخلة يف القطاع وتنظيمها على أسس تراعي
الجودة والتنافسية.
.399إنشاء مراكز ومدن لتنمية الكفاءات يف الصناعة التقليدية.
.400إدماج العاملين يف القطاع يف أنظمة الرعاية الصحية والحماية االجتماعية.
يعترب امتالك آليات ضبط العقار شرطا أساسيا للتمكن من إنجاح مخططات التنمية
االقتصادية واالجتماعية ،ذلك ألن الشروع يف إعداد التجهيزات والبنى التحتية المعدة
الستقبال أنشطة مختلف القطاعات االقتصادية ،تستلزم ابتداء التوفر على العقار الخالي
والمؤ َّمن قانونيا؛ فال يمكن تصور إقالع حقيقي لقطاعات الفالحة والصناعة
َ من الموانع
والسياحة والسكن والتجارة واللوجستيك ،إذا لم ُيتَحكم يف العقار تحفيظا وضبطا
ألسعار تداوله ،ومنعا للمضاربة به على مستوى كمية العرض وقيمته وتوقيته إسراعا أو
تأجيال بحسب تقديرات المضاربين وحساباهتم ال بحسب حاجيات التنمية االقتصادية
واالجتماعية ومتطلباهتا.
يف سبعينيات القرن الماضي ،ومع تناسل تجزئات السكن االقتصادي ،شهدت
أسعار العقار بالمغرب تصاعدا مهوال ،صار معه عدم التمكن من ضبط كلفته وتسهيل
تعبئته آفة تستدعي التعجيل والمسارعة إلى معالجتها واتخاذ اإلجراءات الضرورية للحد
من انعكاساهتا السلبية على كافة القطاعات االقتصادية واالجتماعية .وقد أدت سرعة
وتيرة التمدن وتضخم الطلب على العقارات إلى استهالك جل المخزون من العقار
سهل التعبئة (الملك الخاص للدولة أو للجماعات الرتابية ،أراضي الجموع أو األراضي
الساللية ،أراضي المياه والغابات يف إطار االستبدال ،أراضي األحباس ،األراضي
العسكرية لفائدة سكن الضباط والجنود .)...واستجابة للحاجة إلى السكن (مرخصا
كان أو عشوائيا عن طريق الرتامي على ملك الغير) ،أصبحت ندرة العقار القابل للتعبئة
113 املحور االقتصادي واالجتماعي
وبأسعار معقولة هاجس كل المخططات يف مختلف القطاعات التنموية .وقد تفاقم األمر
إلى حد أصبحت معه المضاربة يف العقار غير المبني واالستثمار فيه تحقق من األرباح
ما ال يمكن تحقيقه يف أي أنشطة اقتصادية أخرى .وتفيد بعض التقديرات أن كلفة العقار
المعد للسكن بالمغرب ،بما يف ذلك المدن المتوسطة ،يمثل نسبة 50%من الكلفة
اإلجمالية للمباين ،وهي النسبة ذاهتا التي نجدها يف القلب النابض للعاصمة الفرنسية.
من أجل التمكن من االستجابة للحاجيات من العقار بأسعار معقولة ،وتعبئته وتيسير
تجهيزه واستعماله بالمدن والحواضر ،وبغرض جعله رافعة لالستثمار والتنمية ،نقترح
ما يلي:
.401إخضاع الرتسانة القانونية لمراجعة شاملة بناء على حوار وطني موسع وشفاف
يتم فيه إشراك كل المتدخلين ،وذلك لتسهيل تعبئة العقار وتيسير تجهيزه.
.402سن قوانين تروم تدبير الجوانب المرتبطة بالعقار ،تتعلق بالتحفيظ العقاري،
وبالضم العقاري الحضري (على غرار ما يقع يف المجاالت الفالحية السقوية)،
وبتقاسم أعباء وفوائد التخصيصات التعميرية بما يحقق العدالة العقارية.
الوثيقة السياسية 114
.405إنشاء وكاالت عقارية جهوية متخصصة تكون مهمتها األساس العمل على حل
المشاكل المرتبطة بالعقار.
.406توسيع العرض من العقار ،سواء منه المعد الحتضان مناطق األنشطة الصناعية
والتجارية والتجهيزات الكربى ،ومن ضمنها المركبات اإلدارية لتجميع اإلدارات
تسهيال على المرتفقين واقتصادا يف كلفتي المباين والعقار ،أو المخصص لتوسيع
العرض السكني وخاصة منه الموجه لذوي الدخل المحدود والمتوسط.
.407إنشاء مدن جديدة من شأهنا توفير العرض لبناء آالف المساكن ،مع تخصيص
ما يكفي من المساحات الحتضان األنشطة الصناعية والتجارية والخدماتية
المحددة بعد دراسات الجدوى.
.410هتيئة مناطق التوسع العمراين التي فتحتها وثائق التعمير المصدّ ق عليها ،عن
طريق إقامة شراكات بين الدولة والجماعات الرتابية والمالكين والممولين،
تتولى الجماعات الرتابية المعنية اإلشراف عليها والقيام بتجهيزات البنية التحتية
خارج الموقع.
115 املحور االقتصادي واالجتماعي
تضطر الدول النامية اليوم إلى االنخراط يف األجندات الدولية للبيئة والتنمية
المستدامة ،الرامية إلى توحيد السياسات المتبعة عالميا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة،
وذلك بسبب الضغوطات واإلغراءات التي تعتمدها المنظمات الدولية ذات الصلة
والدول الكربى والتكتالت اإلقليمية .إذ توفر الربامج المقرتحة ،يف هذا اإلطار ،جملة
من الفرص التنموية ،تتعلق أساسا باالقتصاد الدائري وتعزيز البنيات التحتية ،غير أن هذه
االلتزامات يمكن أن تطرح عدة تحديات بسبب إمكانية عدم توافق بعض هذه األجندات
مع األولويات التنموية واالقتصادية والبيئية للبلدان النامية.
ويعاين المغرب ،كباقي الدول األخرى ،تنامي المخاطر الناجمة عن تدهور المجال
الحيوي وزيادة الضغط على الموارد الطبيعية ،مما يحتم عليه التصدي لها إما بصفة
استباقية وإما تفاعال مع الكوارث البيئية المتزايدة كالجفاف والفيضانات والحرائق،
أو الظواهر الجوية القصوى وتلوث الهواء والمياه.
ومن أجل تحجيم اآلثار السلبية لهذه الظواهر وتثمين الفرص المتاحة ،نقترح
ما يلي:
.411وضع سياسة بيئية وطنية توازن بين األهداف البيئية واألهداف االقتصادية
واالحتياجات االجتماعية ،على أن تشمل هذه السياسة الجوانب المتعلقة
بالتنمية االقتصادية واالجتماعية والبيئية ،وكذا مجاالت التعليم والتحسيس
والبحث العلمي.
.414تطوير نموذج طاقي مالئم وفعال ،ضمن تحقيق اكتفاء ذايت يدعم التطور الصناعي
على المدى البعيد والمتوسط ويعزز األمن والسيادة الطاقيين للمغرب ،ويأخذ
بعين االعتبار خطر المديونية والنتائج المحتملة لالنخراط يف بعض التعاقدات
والمشاريع غير المستدامة اقتصاديا واجتماعيا.
.419العمل على بناء تحالف عربي-إفريقي موحد لتعزيز قدرات الرتافع والتفاوض
الدولي حول ملف البيئة مع االنفتاح على تحالفات جديدة وتكوين لوبيات
ضغط بما يضمن مصالح هذه الدول.
.422اعتماد نموذج وطني لتقييم السياسات البيئية مبني على النتائج عوض الموارد
المالية المعبأة يف كل مشروع.
.423اعتماد مقاربة محلية وجهوية فيما يتعلق بربمجة المشاريع والمبادرات البيئية.
.426تعزيز دور الفاعلين يف مجاالت تدبير مياه الصرف الصحي وتدوير النفايات،
وذلك عرب الدعم والمواكبة والتأطير.
.428تعزيز القدرة على رصد جودة الماء والهواء عرب تكثيف محطات القياس
واستعمال تكنولوجيا األقمار الصناعية لرصد التطورات البيئية والمناخية بشكل
آين ودقيق ،مع إعطاء مزيد من االستقاللية لمراصد قياس نسبة التلوث وجودة
القياس وتعزيز الشفافية حول هذه المعطيات وضمان حق الولوج إليها.
.429ترشيد تدبير الموارد المائية ،مع اعتماد تسلسل لألولويات يف توزيع واستغالل
الماء ،ومراجعة السياسة الفالحية ومالءمتها مع واقع اإلجهاد المائي وتلوث الماء
واألرض ،وتعميم وتطوير مشاريع التطهير السائل وإعادة تدوير المياه العادمة.
.430تعزيز وتطوير قدرات إدارة الوقاية المدنية والجيش قصد التدخل لمواجهة
األزمات والحد من آثار الكوارث.
الوثيقة السياسية 118
.431مراجعة القوانين المتعلقة بالعمليات المنجمية ،على نحو يضمن التقليل من
اآلثار البيئية وإعادة تأهيل األراضي المستغلة من طرف الشركات المعدنية
والمقالع.
.434تطوير سالسل القيمة المتعلقة باالقتصاد الدائري ،بجمع النفايات ونقلها وفرزها
وإصالح المنتوجات المستعملة وإنتاج الطاقة من المطارح وتعميم محطات
معالجة المياه العادمة ومأسسة القدرات التدويرية وتحفيز المصنعين الوطنيين
على استعمال مواد مدورة ،وكذا تطوير ميثاق االقتصاد الدائري وإنشاء مشاريع
نموذجية لتشكل قاطرات يف مجال االقتصاد الدائري.
.436تطوير جودة وفعالية دراسات األثر القبلية والبعدية لمشاريع البنية التحتية
والمشاريع الصناعية والطاقية والفالحية والسياحية والتعميرية.
.438تعزيز دور الفاعل الجمعوي والفضاء الجامعي إشراكا وتكوينا وتأطيرا وتمويال،
وإقرار مبدإ جرب الضرر للسكان المتضررين من مطارح النفايات واألنشطة
الصناعية والمنجمية الملوثة.
.439توعية المجتمع المدين بااللتزامات والقوانين البيئية وما يرتتب عنها واألدوار
التي يمكن القيام هبا.
يعترب تمويل اقتصاديات الدول اليوم من أكثر التحديات وأعقدها ،فأمام تعاظم
أدوار الدولة ومسؤوليتها يف مواجهة التحديات االقتصادية والتنموية ،وتحقيق أهداف
التنمية الشاملة للمجتمع ،يبقى القيام باإلصالحات الضرورية واالستثمارات الممكنة
مقيد ًا بقدرة الحكومات على إيجاد البيئة السياسية المواتية لذلك ،وتعبئة الموارد المالية
المتاحة ،وإخضاع تدبيرها لحكامة جيدة تفضي إلى النجاعة والفعالية.
إذا كانت المالية العمومية ُتستخدم يف حفز النمو ،يالحظ أن ذلك ال يتحقق بالشكل
المطلوب يف المغرب بسبب التدبير السيء لها من قبل السلطات العمومية ،لتكون النتيجة
هي التفاقم المتواصل لعجز الميزانية ،وضعف النمو االقتصادي ،وارتفاع وتيرة الدين
العمومي ،وانحسار الموارد التقليدية بسبب شروط اللجوء إلى الدين وضعف مردودية
النظام الجبائي.
ولكي تصبح المالية العمومية آلية لحفز النمو وتوليد الثروة وتوزيعها بشكل أكثر
عدالة ،ينبغي إعادة النظر يف بنيتها وآليات تدبيرها .يف هذا السياق ،نقرتح مصادر جديدة
وآليات مبتكرة لتمويل أنشطة الدولة وبرامج التنمية الشاملة.
....الضرائب
تشكل الضريبة مساهمة المجتمع مع الدولة ،عند الضرورة ،بجزء من القيمة التي
ينتجها .لهذا فإن الضرائب هبيكلياهتا وخصائصها تؤثر يف اتجاه وشكل قرارات اإلنفاق
واالستثمار للوحدات االقتصادية .ومن َثم تعترب السياسات الضريبية المتزامنة مع النمو
االقتصادي المستمر والمستديم أمرا بالغ األهمية.
يعترب النظام الضريبي المغربي نظاما تصريحيا يف عمومه ،لكنه نظام معقد وغير عادل
وذو مردودية ضعيفة .ومن أجل التأسيس لنظام ضريبي ناجع ،نقترح ما يلي:
.443فرض ضرائب على األنشطة االقتصادية غير المقيدة (القطاع غير المهيكل
والسوق السوداء).
.446اعتماد دخل األسرة بدل دخل الفرد أساسا الحتساب الضرائب على الدخل.
.450اعتماد سياسة ضريبية تجعل للضرائب المباشرة والتصاعدية اإلسهام األكرب يف
الوعاء الضريبي ،ومواءمة الضرائب غير المباشرة وتوحيد أسعارها وتحديدها
يف مستويات مقبولة.
.452اعتماد سياسة العفو الضريبي عند الضرورة القصوى بناء على إقرار من الربلمان.
الوثيقة السياسية 122
.454إعادة تموقع عمل اإلدارة الجبائية يف توسيع الوعاء الضريبي ،وتعزيز نسبة
المراقبة والعدالة يف برمجتها بين أنواع الضرائب وفئات الملزمين ،وتيسير
ولوجها للمعلومات وزيادة عدد موظفيها.
يشكل احتكار الدولة لبعض األنشطة والخدمات مصدرا من مصادر تمويل ميزانية
الدولة .كما يشكل استغالل الملك العمومي من ثروات بحرية كالصيد يف أعالي البحار،
وباطنية من مناجم كالفوسفاط ،ومعادن كالذهب وغيرها رافعة مهمة لتمويل ميزانية الدولة.
ومن أجل تثمين استغالل الملك العمومي وتطوير هذه األنشطة والخدمات ،نقترح
ما يلي:
....نفقات الدولة
....الزكاة
.468توسيع نطاق الزكاة إنفاقا .فإلى جانب وظيفة الزكاة التضامنية التوزيعية بحيث
يصيب منها الفقير والمسكين وسائر األصناف الثمانية المذكورة المفصلة يف
القرآن ،ينبغي أن تقوم الزكاة بوظيفة التوفير والتجميع واالستثمار والتنمية؛
فيساهم صندوق الزكاة يف مصاريف المقاصة المتعلقة بالفقراء والمساكين ،وأداء
جزء من ديون الغارمين ،وخاصة ما يرتبط بالسلفات الصغرى التي تكون لفائدة
األسر المعوزة ،ويف دعم الطلبة والتالميذ المتفوقين لمتابعة الدراسة عرب منح
التميز واالستحقاق ،ومواكبة الشباب من ذوي الشهادات إلنشاء المشاريع ،ويف
محاربة الفقر والمساهمة يف االستثمار المنتج ،وذلك عن طريق تدريب الفقراء
على العمل والحرف ومواكبتهم إلنشاء مقاوالت صغيرة ومتوسطة للحد من
البطالة وتحقيق التنمية ،ويف تجهيز أصحاب الحرف واإلسهام يف تمويل نظام
الحماية االجتماعية.
.469مأسسة الزكاة وضبط قانوهنا جمعا واستثمارا وتوزيعا ،وذلك بإحداث وكالة
خاصة ومستقلة بمواردها ومصارفها عن الدولة لتدبير أموال الزكاة ،بناء
على عقد تتحدد بموجبه التزامات الوكالة بمكافحة الفقر والتهميش وإنعاش
التشغيل والتنمية يف مناطق وجهات محددة ،وذلك وفق مؤشرات تحدد سلفا.
تسير هذه الوكالة إدارة عامة ،ومجلس إداري يضم ممثلين عن الدولة وعن
مانحي الزكاة والعلماء ،إضافة إلى بعض الشخصيات االعتبارية من األوساط
االقتصادية والمالية.
125 املحور االقتصادي واالجتماعي
....األوقاف العامة
تقوم أموال الوقف بدور مهم يف عملية التنمية االقتصادية واالجتماعية ،ومن أجل
ضمان ذلك ،نقترح ما يلي:
.470وضع أنظمة وقوانين تحمي أموال الوقف ،وتجعل عملية وقف أموال وممتلكات
المحسنين سهلة وبسيطة ومضمونة ،وإسناد هذه المهمة للخرباء من الفقهاء
واالقتصاديين.
.473دمج القطاعين الربحي والوقفي عن طريق الوقف النقدي وذلك لضمان مزيد
من النجاعة والكفاءة.
.474توسيع وعاء الوقف باللجوء إلى اقرتاح مشاريع على منصات إلكرتونية ،وذلك
لتشجيع الناس على البذل والعطاء.
.476دمج مؤسستي الوقف والزكاة عرب شبكات معلوماتية ،وذلك للقيام بمشاريع
اجتماعية واقتصادية مندمجة لإلسهام يف التنمية ،وإنشاء شبكة أمان
اجتماعي وطني.
....املنظومة املصرفية
يطبع المنظومة المصرفية المغربية تمركز كبير لرأس المال وغياب المنافسة واالعتماد
المفرط على القروض العمومية وقروض االستهالك يف جلب األرباح .وعلى مستوى
توظيف أموالهاُ ،يالحظ ضعف المجازفة يف تمويل االستثمارات والقطاعات المنتجة
ذات العائد طويل األمد ومشاريع استثمار المقاوالت الصغرى والمتوسطة .وتنحصر
التمويالت البنكية أساسا يف تلبية حاجيات قطاعات محدودة كالعقارات والسياحة.
ويبقى دور «بنك المغرب» منحصرا بشكل كبير يف مراقبة المستوى العام لألسعار
ومستوى سعر صرف العملة الوطنية ،وال يولي اهتماما كبيرا لتحفيز وتوجيه التمويالت
نحو القطاعات واألنشطة االقتصادية األساسية ،كما أن قراراته وتوجيهاته غالبا ما ال تجد
طريقها نحو التطبيق على أرض الواقع من طرف القطاع المصريف.
127 املحور االقتصادي واالجتماعي
لكي تقوم المنظومة المصرفية بدورها كامال يف خدمة التنمية االقتصادية واالجتماعية،
نقترح أن تعتمد السياسة النقدية التوجهات التالية:
.478تطوير وسائل الرقابة والتحفيز للبنك المركزي والتشجيع على تنزيل مقرتحاته
يف تمويل األنشطة االقتصادية.
.479توسيع دور البنك المركزي وتطوير آليات تعامله لتتالءم مع آليات المصارف
التشاركية والتزاماهتا.
.480فتح باب المنافسة الحقيقية ودعم وتقوية الممولين الجدد ،مثل المصارف
التشاركية العتمادها على تقنيات مبنية على المشاركة ،وتحملها لجزء من
مخاطر االستثمار واستجابتها لحاجيات المجتمع الضرورية من المنتجات
المتنوعة والمالئمة.
....التمويل الخارجي
من أبرز ما يطبع سياسة تمويل االقتصاد الوطني هو االعتماد بشكل مستمر على
الدين الخارجي من طرف السلطات المغربية ،إذ بلغ الدين العام نسبا مقلقة ،مما فرض
وحدَّ من
على السلطات العمومية الرتكيز على معالجة االختالالت الماكرواقتصاديةَ ،
الحرية يف هنج سياسة اقتصادية ومالية تخدم األهداف التنموية للبلد من صحة وتعليم
وتشغيل.
إذا كان اللجوء لالستدانة يعترب من بين الحلول لتمويل ميزانيات الدول ،فإن نجاعة
هذا الخيار تبقى رهينة بتخصيصه لتمويل مشاريع يكون عائدها أكثر من خدمة الدين
نفسه ،وليس لتمويل النفقات االعتيادية للدولة ،كما أن اللجوء لهذا الخيار ينبغي أن يبقى
يف معظمه مرتبطا بعجز االدخار الوطني وضعفه.
الوثيقة السياسية 128
.481تعبئة االدخار الوطني وتوجيهه لتمويل مشاريع تشارك فيها القوى المنتجة
وأصحاب رؤوس األموال الوطنية بواسطة اكتتابات واسعة تضمن الدولة فيها
الحد األدنى من العائد عن طريق الرقابة الصارمة.
.482اعتماد دراسات الجدوى ونجاعة التمويل األجنبي ،بدءا باختيار المشاريع
واختيار الممولين والشروط التي يجب احرتامها.
.483إعطاء األولوية للتخفيف من عبء اسرتداد الدين على ميزانية الدولة ،وذلك عن
طريق سن سياسة وطنية تضامنية لبلوغ هذا الهدف.
....الرأسمال األجنبي
هنج المغرب سياسة تروم جذب االستثمارات األجنبية لتوفير مناصب الشغل ،وبعث
دينامية يف الجهاز اإلنتاجي الوطني وجلب التكنولوجيا .ومن أجل ذلك ،تم العمل على
تحسين مناخ االستثمار ،والقيام باإلصالحات الضرورية عن طريق سن القوانين ،وتوفير
التحفيزات لهذه االستثمارات.
ورغم الجهود التي بذلتها السلطات العمومية ،ما زالت االستثمارات األجنبية
بالمغرب تعرف اختالالت كربى ،تتمثل أساسا ،يف مركزهتا قطاعيا (السيارات
والطائرات) وترابيا (طنجة-القنيطرة-البيضاء) ،كما أهنا مقتصرة على الرتكيب أساسا
وموجهة للتصدير .ويطبع هذه االستثمارات أيضا غياب عالقات التعاون أو الشراكة
مع النسيج اإلنتاجي الوطني ،وضعف تحويل التكنولوجيا لصالح المقاوالت الوطنية،
ومنافسة الشركات األجنبية للمقاوالت الوطنية يف االستفادة من العملة الصعبة؛ مما يحد
من إمكانية االستثمار المحلي.
من أجل ضمان استفادة المغرب من االستثمارات األجنبية ،وضمان جدوى اللجوء
إليها ،نقترح ما يلي:
.484بلورة سياسة إرادية لتشجيع االستثمارات وتوجيهها قطاعيا وترابيا.
129 املحور االقتصادي واالجتماعي
.485هتييئ بيئة فعلية لالبتكار واالستثمار خاصة فيما يتعلق بإعداد الكفاءات المؤهلة
والمقاوالت القادرة على استيعاب التكنولوجيا.
يطغى التوصيف أعاله على وضعية المغرب تخطيطا وممارسة منذ فجر االستقالل ،إذ
تخلت الدولة المغربية تدريجيا عن دورها االجتماعي ،وأصبحت السياسات االجتماعية
الرسمية يف كثير من األحيان عبارة عن صدقات وتدابير موسمية وغير ذات أثر بنيوي،
األمر الذي أدى إلى اختالل عميق يف ميزان توزيع الثروة ،وتزايد الهوة بين الطبقات
االجتماعية المغربية ،نتيجة االستمرار يف دعم الفئات الغنية والعائالت النافذة (إعفاءات
ضريبية ،دعم مالي ،ريع ،)...يف مقابل هتميش وإقصاء فئات اجتماعية عريضة ،وقصور
التدخالت العمومية التي ال تؤثر يف مستويات عيش هذه الفئات ،مع غياب اسرتاتيجية
واضحة لتعزيز وتوسيع الطبقة الوسطى.
إن الفوارق الحالية هي نتاج تراكمات تاريخية ،وموازين قوى رجحت لصالح فئات
حاكمة ومن يدور يف فلكها ،من رأسماليين خواص محليين وأجانب .فطبيعة الفوارق هي
من طبيعة وضعية موازين القوى.
ومما يكرس هذه الفوارق أيضا ،اعتماد تقسيم ترابي غير عادل ،يركز الخدمات
والمقومات االجتماعية يف المركز الذي يقتصر على أقطاب عمرانية محدودة ،مقابل
131 املحور االقتصادي واالجتماعي
خصاص مهول يف المجاالت الهامشية .يساعد على ذلك أيضا السياسات المالية للدولة
التي تنضبط لتوصيات الحد من اإلنفاق االجتماعي.
.490إصدار ميثاق اجتماعي يف إطار توافق وطني حقيقي ،يحمي المسألة االجتماعية
من المزايدات السياسية ،ويمنح األمان االجتماعي للمغاربة ،ويتيح الحد األدنى
الضروري للحياة الكريمة للمواطنين ،ويحدد األهداف االجتماعية ووسائل
تحقيق ذلك .ومن المبادئ الضابطة لهذا الميثاق نذكر ما يلي:
.491وضع برامج إدماج اجتماعية واسعة هتدف تقوية تكافؤ الفرص بين مختلف
الفئات يف المجتمع سواء يف الصحة أو التعليم أو التكوين أو العمل أو السكن أو
محاربة األمية.
.492اعتماد اسرتاتيجية تنموية قائمة على تنمية متوازنة بين الجهات واألقاليم على
أسس تشاركية واضحة لمواجهة التفاوتات يف المؤشرات االجتماعية التنموية.
الوثيقة السياسية 132
.493منح التمييز اإليجابي االجتماعي لفائدة الجهات واألقاليم التي تعرف مؤشرات
هتميش كبيرة ،عرب برامج وخطط وطنية واضحة.
.494تمكين السكان من موارد مجالهم ،وإحداث آلية للتضامن والتبادل بين الوحدات
الرتابية المتنوعة ،ودعم سكان المجاالت ذات الموارد الضعيفة البتكار مصادر
جديدة للثروة.
.495إقرار نظام ضريبي عادل وفعال ومحفز يساعد على تمويل متطلبات العدالة
االجتماعية من خالل مساهمة الجميع كل على حسب قدرته.
.497تشجيع ودعم مختلف أشكال التطوع التي تصب يف ترسيخ الحماية االجتماعية.
ينصب الرتكيز أساسا بالمغرب على مستوى إعداد الرتاب الوطني ،على سياسة
المدينة وعلى المجاالت المنتجة ،وعلى االستثمارات الكربى ،يف مقابل قصور
التدخالت العمومية يف المجاالت الهامشية .فالمحور الرتابي القنيطرة -الدار البيضاء ال
يزال يتمتع باألولوية يف السياسات العمومية ،كما ال تزال المجاالت «النافعة» (الساحالن
األطلسي والمتوسطي ،األراضي الخصبة والمسقية ،األقطاب الصناعية ،المركبات
السياحية) تستأثر بالحصة الكربى من االستثمار .بالمقابل ،تعيش العديد من القطاعات
133 املحور االقتصادي واالجتماعي
إن واقع الفوارق المجالية يف المغرب يعكس الفوارق يف االهتمام ،ويف توفير
التجهيزات والخدمات والتدخالت العمومية الالزمة .ويمكن التمييز بين نوعين من
الفوارق المجالية ،إحداها ميكرو مجالية داخل الجماعات الرتابية ،وأخرى ماكرو مجالية
يؤكدها تباين الوحدات الرتابية الكربى فيما بينها .ومن أهم هذه الفوارق نذكر ما يلي:
-الفوارق بين القرى والمدن ،التي تسهم بشكل مباشر يف الهجرة القروية ،التي
ينتج عنها تزايد السكن العشوائي ،وتزايد نسبة العاطلين عن العمل ،وغياب
األمن ،والتنافر االجتماعي ما بين المقيمين والوافدين وغيرها.
-الفوارق الحضرية ،وهي فوارق ناتجة عن اختالل تصاميم التهيئة الحضرية،
فنجد فوارق بين األحياء (أحياء األغنياء/أحياء الفقراء) ،وفوارق يف توزيع
الخدمات (الطرق ،خدمات النظافة ،اإلنارة ،جودة شبكات الصرف الصحي،
تجهيزات أسواق القرب ،المؤسسات التعليمية ،المجاالت الخضراء والمرافق
الرتفيهية).
-الفوارق القروية :يف الوقت الذي كان ينتظر من ضواحي المدن ،وهي مصنفة
يف المجال القروي ،القيام بدور الوسيط الرتابي ،تحولت إلى مجاالت الغتناء
بعض الفئات ،خاصة عن طريق العقار ،فأصبحت بعض األراضي الفالحية
وأراضي الجموع وبعض أراضي األحباس عبارة عن ملكيات خاصة تستثمرها
فئات نافذة.
-الفوارق بين المجاالت المسقية والمجاالت البورية يف األرياف ،وهي نتيجة
لسياسة االستثمار الكبير (سياسة السدود) ،حيث االهتمام بالمشاريع الكربى
وفالحة التصدير واالستثمار الخاص المغربي واألجنبي ،يف مقابل استثمارات
ضعيفة يف المجاالت الهامشية والبورية.
-الفوارق من حيث توطين األقطاب الصناعية ومناطق التسريع الصناعي ،حيث
أثبتت التجربة أن هذه األقطاب تحدث تحوالت سوسيو اقتصادية بنيوية ،لكون
الوثيقة السياسية 134
المستثمرين يفرضون شروطا تدفع الدولة إلى تدخالت غير محسوبة أحيانا
(خطوط السكك الحديدية المستحدثة ،نوع الطرق الرابطة بين القطب الصناعي
والحواضر القريبة لتسهيل حركة المستثمرين والعمال ،الربط بالماء والكهرباء،
شبكات اإلنرتنيت) ،وتكون هذه التجهيزات أحيانا على حساب االستثمار يف
مجاالت أخرى ذات أولوية.
-تباين التوزيع الديمغرايف ،حيث توجد مجاالت مكتظة للغاية (الحواضر
الرئيسية ،ومجاالت الشمال الغربي للبالد) ،وأخرى شبه فارغة (الشرق،
الجنوب الشرقي) .ويرجع السبب إلى التباين على مستوى فرص الشغل
والخدمات األساسية ومتطلبات العيش الكريم.
-تطابق خريطة الفقر وخريطة الثروات الطبيعية ،وهذا ال يحتمل إال استغالل
الموارد والثروات الوطنية جميعها من قبل فئات نافذة تؤول على مقاسها شعار
«الوطن ملك للجميع».
من أجل التخفيف من حدة الفوارق المجالية ،نقرتح إعادة صياغة مشروع إعداد
الرتاب الوطني والتنمية الجهوية وفق األولويات التالية:
.500إضفاء مضمون اجتماعي على قضية إعداد الرتاب ،وجعل االندماج والتضامن
والتآزر مبادئ أساسية للتدبير الرتابي ،وذلك بالعمل على توحيد الخدمات
األساسية ،خاصة الصحة والتعليم والسكن ،والتقليص إلى أبعد الحدود من
الفوارق يف الجودة بين القطاعين العام والخاص ،والعمل على تحقيق مشروع
المنظومات الرتابية المنسجمة (جهات وأقطاب ومراكز التنمية) ،عوض التقطيع
الرتابي الحالي المبني على أهداف غير تنموية.
.501إعداد مواثيق التنمية الجهوية والرتابية من قبل الهيئات المنتخبة ،بشراكة مع منتدبين
عن الهيئات المركزية يف الوحدة الرتابية .وينبغي أن تتضمن هذه المواثيق مبادئ
أساسية وأولويات تنموية وتوجهات يف الشأن االقتصادي واالجتماعي والبيئي.
135 املحور االقتصادي واالجتماعي
.502اعتماد مقاربة جديدة للتنمية االقتصادية ،وذلك عرب األخذ بعين االعتبار
خصوصيات الوحدات الرتابية ،بحيث يجب اعتماد مبدإ المشاريع المتكاملة
والمنسجمة على مستوى الوحدة الرتابية ،والتي تدور حول نوع معين من
الموارد ،كجعل المشاريع الرتابية يف الوحدات الساحلية تتمركز حول اقتصاد
البحر ،والوحدات الجبلية تتمركز حول اقتصاد تثمين الموارد الثقافية مثال.
.504وضع حد للتبعية الحاصلة للقرى إلى المدن والحواضر الكبيرة ،وتشكيل مناخ
تنافسي جديد بين الوحدات الرتابية باعتبارها وحدات حرة ومستقلة.
.506إعادة هيكلة مصادر تمويل التنمية ،تفعيال لمبدإ العدالة الضريبية واستحضارا
للبعد الرتابي وحسن تأطير التضامن الرتابي واالجتماعي ،بما فيها إدماج الجالية
المغربية المقيمة بالخارج يف تمويل العملية التنموية.
.509إعادة النظر يف سياسات المدينة وخاصة تصاميم التهيئة ،يف اتجاه تحقيق المحافظة
على الرتاث والمعالم التاريخية ،ومحاربة عزل األحياء الشعبية ومنعها من أن
تكون أوكارا للرذيلة واالنحراف.
إذا كان مفهوم الدولة االجتماعية لدى الغرب يحيل على توفير الحماية االجتماعية،
وعلى الحق يف الشغل والخدمات العمومية ،وعلى انتهاج السياسات االقتصادية
الداعمة لإلنتاج والتشغيل ،فإن الحديث عن هذه األدوار للدولة بالمغرب لم يبدأ إال
بعدما أظهرت جائحة كوفيد 19وما تالها من أزمات حجم الهشاشة التي تعانيها فئات
137 املحور االقتصادي واالجتماعي
عريضة من المغاربة .وتجدر اإلشارة إلى أن هذا الوضع االجتماعي المتأزم هو نتيجة
قصور االختيارات والسياسات العمومية المتبعة .ولم تفلح برامج األولويات االجتماعية
والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،يف توفير العيش الكريم والحماية االجتماعية لفئات
واسعة من المجتمع.
على أهمية مبادرات الدولة التي شرعت يف تفعيلها بدءا بسن النصوص القانونية،
خاصة تلك المرتبطة بالسجل االجتماعي الموحد أو تعميم التغطية الصحية ،مرورا
بمشاريع تعميم التعويضات العائلية وتقوية المساواة ودعم الربامج المخصصة للمسنين
وذوي االحتياجات الخاصة ،إال أن ذلك لم يقلص من نسب الفقر والتهميش والتفاوتات
االجتماعية والمجالية.
إن ما يسم أنظمة الحماية االجتماعية بالمغرب ،خاصة منها أنظمة التغطية الصحية
والمعاشات والحسابات الخصوصية للخزينة الموجهة لدعم بعض الفئات ،هو
البلقنة وضعف التغطية ومشكل االستدامة المالية ،وغياب الحكامة الجيدة يف التدبير
وضعف آليات المراقبة والتتبع ،مما يجعلها عاجزة عن تحقيق التكافل واالدماج
والتماسك االجتماعي.
لتجاوز هذه االختالالت ،ومن أجل منظومة ناجعة للحماية االجتماعية ،نقترح
ما يلي:
.516توحيد أنظمة التقاعد وإدماجها يف صندوق واحد ،وذلك بسن إصالح منظومي
يتجاوز اإلصالحات المقياسية الجزئية وتوظيف المدخرات المؤسسية عرب
استثمارها لصالح مستحقيها وفق اسرتاتيجية مضبوطة ،وتحت إشراف هيئة
استثمارية تابعة للصندوق المذكور.
الوثيقة السياسية 138
تعترب الصحة العامة أساس تنمية المجتمعات وأمنها وتطورها ،وقد تأكد هذا مع
جائحة كورونا ،إذ أصبحت الصحة العامة من مكونات األمن القومي للدول .لكن
المتأمل يف الخطاب الرسمي المغربي ،ويف السياسات العمومية المتبعة ،يدرك أن قضية
الصحة ال تندرج فعليا يف صلب اهتمامات السلطات العمومية ،حيث يغلب الطابع التقني
يف تناولها ،وهو ما يفسر الوضعية المزرية التي تعيشها المنظومة الصحية.
-غياب اإلرادة السياسية ،وعدم اعتماد رؤى اسرتاتيجية وسياسات وطنية من قبل
السلطات العمومية لجعل حفظ الصحة من بين أولويات الدولة األساسية.
-استمرار اعتبار الصحة العامة قطاعا استهالكيا ،مما يتسبب يف استدامة هزالة
الميزانيات المرصودة له؛ فاإلنفاق العام على الصحة لم يتجاوز معدل 6%من
الميزانية العامة للتسيير خالل الفرتة الممتدة ما بين 2014و ،2019بعيدا عن
المعيار الدولي الذي تتحدد نسبته يف ،13%وقد تأكد هذا المنحى حتى يف ظل
جائحة كورونا من خالل قانون المالية التعديلي.
139 املحور االقتصادي واالجتماعي
-نقص الموارد البشرية ،حيث يوجد المغرب ضمن البلدان األكثر خصاصا من
حيث الموارد البشرية الصحية بمعدل يتحدد يف 0٫74طبيب لكل 1000نسمة،
أي أقل من العتبة التي أوصت هبا منظمة الصحة العالمية والمحددة يف 4٫45
لكل 1000نسمة ،مما يجعل نسبة التأطير الطبي دون المعايير المعتمدة من
لدن منظمة الصحة العالمية .يضاف إلى ذلك التفاوت يف توزيع الموارد البشرية
بين الجماعات الرتابية من جهة ،وبين المجال الحضري والمجال القروي من
جهة أخرى.
-إثقال كاهل األسر بالنفقات الصحية ،بحيث إن 38%من الساكنة ال تتوفر على
تغطية صحية ،وتتحمل األسر يف المتوسط ما نسبته 50%من نفقات الصحة.
-ضعف االلتقائية وغياب التنسيق بين المتدخلين يف المجال الصحي ،مما يتسبب
يف تكرار وتضارب بعض األنشطة الصحية.
-ضعف الحكامة وسوء التدبير ،ففي سنة ،2023تكون قد مرت عشر سنوات
على انعقاد المناظرة الوطنية الثانية للصحة التي كان من أهدافها بلورة ميثاق
وطني للصحة ،إال أن هذا الميثاق لم يخرج بعد للوجود ،وتم االكتفاء بإصدار
توصيات المناظرة.
-عدم توفر الوزارة الوصية على خريطة صحية ،خالفا لما نص عليه القانون
المتعلق بالمنظومة الصحية وعرض العالجات .ومن أبرز االنعكاسات السلبية
لهذه الوضعية يف سنة 2019وجود ما يقارب 151مؤسسة للعالجات الصحية
األساسية جاهزة وغير مشغلة يف المجالين الحضري والقروي.
-عدم تقييم الوزارة لمخططاهتا االسرتاتيجية ،وغياب نظرة شمولية ومندمجة
لعمليات هتيئة المؤسسات الصحية ،واالكتفاء بتدخالت ظرفية هتدف إلى
معالجة مشاكل التدهور يف البنايات ،وكذا إعادة تأهيل بعض المستشفيات على
الرغم من كلفتها المرتفعة.
الوثيقة السياسية 140
-صعوبة ظروف عمل مهنيي الصحة ،من أطباء وممرضين وأطباء أسنان وصيادلة
ومساعدي الصيادلة وإداريين وغيرهم ،سواء يف القطاع العام أو القطاع الخاص،
ويزيد من ذلك تنامي ظاهرة العنف ضد مهنيي الصحة.
-ضعف المؤسسات االستشفائية :رغم الزيادة يف عدد هذه المؤسسات الذي
بلغ 165سنة ،2021إال أن معظمها ينتمي لما يسمى «مستشفيات القرب»،
حيث ال يتعدى عدد ِ
األس ّرة هبا 45سريرا ،كما أهنا ال تحرتم الشروط العلمية
للممارسة الطبية ،وال تتوفر على المستلزمات الطبية األساسية والمصالح
الحيوية كاإلنعاش والعناية المركزة ،وتعاين ضعفا على مستوى استمرارية
العالج ،مما يجعلها أقرب إلى مراكز صحية كبيرة مختصة يف إحالة المرضى إلى
المستشفيات العليا ،مع ما يرتتب على ذلك من مشاكل تتعلق بالنقل الصحي
وتفويت فرص العالج.
-ضعف الحكامة الدوائية ،وغالء األدوية بالمقارنة مع القدرة الشرائية ألغلب
المواطنين ،وتعرض بعض األدوية األساسية لالنقطاع المتكرر ،مما يعرض
صحة بعض المواطنين للخطر.
-جشع بعض منتجي العالجات وعدم احرتامهم لألخالقيات ،وقد أسهمت
جائحة كورونا يف كشف ذلك بشكل أكثر وضوحا.
لتجاوز هذه االختالالت ،ومن أجل بناء منظومة صحية ناجعة ،نقترح ما يلي:
.521إعادة النظر يف السياسة الصحية ،على نحو يجعلها تقوم على اعتبار النهوض
بالمستوى الصحي للمواطنين من أولويات الدولة الملحة ،وذلك بإشراك كل
الفاعلين من أجل إعداد اسرتاتيجية وطنية ينخرط فيها الجميع.
.522إعادة بناء منظومة متكاملة للتمويل الصحي من خالل تبني اسرتاتيجية متكاملة
لدعم قطاع الصحة ،بالرفع من الميزانية المخصصة له والبحث عن تمويالت
مبتكرة وبديلة.
.523العمل على الزيادة يف عدد المستشفيات والمراكز الصحية وصيانتها وتزويدها
بالمستلزمات الصحية ،والرفع من المناصب المالية المخصصة للقطاع الصحي
141 املحور االقتصادي واالجتماعي
من أجل إدماج خريجي كليات الطب ومؤسسات تكوين الممرضين لسد النقص
الحاد يف الموارد البشرية.
.524مراجعة السياسة الدوائية عرب تسهيل ولوجية المواطنين لألدوية خاصة المزمنة
والمكلفة.
.525إحداث وتطوير أنظمة االستشفاء المنزلي ،والطب األسري والطب الوقائي
واالستعجالي واإلسعايف.
.526ضمان الولوج العادل للعالج وتوسيع التغطية الصحية للمواطنين وتخليصها من
التعقيدات اإلدارية.
.527إعادة النظر يف سياسة تدبير الموارد البشرية يف القطاع تكوينا وتحسينا لمناخ
التعلم والتدريب الصحي ،وتوظيفا وتحفيزا واحتضانا للكفاءات ،وتحسينا
لظروف العمل ،واسرتجاعا للطاقات المهاجرة.
.528اعتماد الالتمركز يف تدبير الموارد البشرية ،وتخويل الجماعات الرتابية دورا
أساسيا يف إدماج األطر الصحية من أجل تقليص الخصاص يف المناطق النائية.
.529مراجعة الخريطة الصحية لتحقيق العدالة المجالية بين مختلف الجهات
والمناطق ،وتطوير المنظومة الصحية الجهوية وضمان خدمة القرب الصحي
المتكاملة (بنيات ،أطر ،تجهيزات ،تخصصات).
.530دمج البعد الصحي يف مختلف أنظمة التنشئة االجتماعية ،ويف كل مناحي المجتمع،
وضمن مختلف القطاعات االقتصادية والصناعية والفالحية والخدماتية.
.531الرتبية على التنشئة الصحية بمختلف أبعادها الوقائية والنفسية والبيئية والعالجية
بنشر الثقافة والمفاهيم الصحية يف منظومة الرتبية والتعليم والتكوين والتشغيل،
ودعم اإلعالم الصحي.
.532التأسيس لمنظومة التعاقد األخالقي للمهن الطبية وشبه الطبية.
.533تقنين وتنظيم المهن والممارسات غير المنظمة يف مجال الصحة.
.534تشجيع البحث العلمي يف المجال الصحي ،ويف مجال الصناعات الطبية والدوائية
ونطاق األجهزة الطبية.
142
143
املحور املجتمعي:
كرامة وتضامن وتربية متوازنة
144
145 املحور املجتمعي
يحتاج التغيير السياسي واالقتصادي واالجتماعي الذي ننشده إلى تعبئة مجتمعية
عامة تجمع يف نسق متكامل بين األبعاد األخالقية القيمية والوظائف المعيشية اليومية،
يكون مدخلها الرئيس الرتبية التي تروم صياغة الشخصية الفردية وتنمية الذات الجماعية،
من أجل بناء مجتمع يكون المالذ األخالقي والسياسي الذي يجد فيه اإلنسان أوال فرصة
التعرف على معنى وجوده بتمكينه من أقدس حق من حقوقه ،أي حقه يف معرفة اهلل عز
وجل ،ويجد فيه ثانيا مجاال للعيش الكريم.
إننا ننشد تنمي ًة تحقق العدالة االجتماعية ،وتضمن الكرامة اإلنسانية ،وتصبو للحرية
يف إطار نموذج حضاري يصون الهوية المجتمعية ويحافظ عليها.
ونرى أن جوهر التنمية يجب أن يؤسس لمجتمع عمران أخوي ،يوائم ويالئم يف
معانيه بين دالالت االزدهار والتقدم والتنمية والتحضر ،وبين معاين األخوة والتكافل
والتعاون على الرب والتقوى .فنكون بذلك ،إزاء عالقات مجتمعية مبنية على الروح
الجماعية األخوية تصوهنا األخالق ويضبطها القانون العادل .ويعول يف ذلك على التعبئة
المتواصلة والمشاركة العامة ،التي يسهم فيها المسجد بروحانيته ،والمدرسة برتبيتها
وتعليمها ،واألسرة بتماسكها ،واإلعالم بوظائفه التوعوية والتثقيفية ،بما يبعث أجواء
الثقة العالية والشعور السامي باألخوة واإلحساس الغامر بالتكافل والتضامن.
إذا كان الفرد والمجتمع معنيين بحفظ الدين وتحقق اإليمان وصالح السلوك ،فإن
مسؤولية تمكين الناس من ممارسة تدينهم تقع على الدولة ومؤسساهتا من خالل سياساهتا
وتدبيرها للحقل الديني ومرافقه العمومية وشعائره الروحية ،مع ما يفرضه ذلك من فسح
المجال للدعوة وتشجيعها لتمارس وظائفها يف الرتبية اإليمانية المتكاملة والتوجيه
األخالقي للمجتمع ،ولتجدد فهم المسلمين لدينهم بما يحقق االنتقال من إسالم فردي إلى
إسالم جماعي ،ومن إسالم مشتت إلى إسالم جامع ،ومن إسالم سكوين إلى إسالم فاعل.
إن المتأمل يف واقع السياسة الدينية بالمغرب ليقف على نزوع نحو احتكار السلطة
للحقل الديني ،واستغالله يف إضفاء الشرعية على وجودها وقراراهتا مقابل إقصاء
الوثيقة السياسية 146
المجتمع وقواه الحية ،فضال عن محاولة لتحنيط الدين باختزاله يف بعض األحكام
الضيقة ،وممارسة التعتيم على الكثير من مقتضياته يف السياسة واالقتصاد وغيرها من
مجاالت الحياة ،وإشاعة تصورات تخدم توجهات السلطوية واتجاهاهتا ،وتربر أخطاءها
وتقيد من مساحة الرأي والتعبير .كما يتم التحكم يف مختلف مجاالت الشؤون الدينية
خاصة على مستوى تدبير شؤون الحج وإدارة األوقاف ،مع ما يواكب ذلك من التضييق
المباشر وغير المباشر على الفقهاء والعلماء والدعاة والعاملين غير الخاضعين لدائرة
َت َح ّكمها ،ومحاصرهتم وتغييبهم وحرماهنم من وسائل التواصل العمومية وفضاءاته.
ويمتد األمر إلى أبعد من ذلك حين تمنع السلطة بعض الشعائر اإلسالمية كاالعتكاف
يف المساجد ،وتغلق المساجد مباشرة بعد أداء الصلوات الخمس بدل جعلها مكانا متعدد
المهام والوظائف خدمة للمجتمع ،وتشجع مظاهر االنحطاط األخالقي والتغريب
والميوعة ،وتسمح بمهاجمة الدين والتهكم على مقتضياته والمس بمقدساته يف فضاءات
عمومية ومناهج تعليمية.
إن إعطاء الدين مكانته الالئقة يف المجتمع يتطلب من منظورنا سن سياسات تيسر
وتسهل حق األفراد يف التدين ،كما يتطلب تجديد الفقه اجتهادا مجددا جامعا بدل أن
يظل منحبسا دون تفصيل القول يف الفقه السياسي نتيجة ضغط االستبداد وتغول السلطة،
أو جامدا غير متفاعل مع واقع الناس وحاجياهتم المستجدة.
ال بد من فهم قضية التدين يف اتجاه االنتقال من تدين منعزل عن الشأن العام ،إلى
تدين سلوكي عملي قائم على معاين الرتبية المتوازنة الجامعة بين حركة الفرد وحركة
المجتمع ،وعلى دعوة عامة إلى التوبة إلى اهلل يف إطار الحرية المسؤولة ودون إكراه،
بما يحقق لإلنسان طلب السمو والرتقي يف عالم تسيطر فيه أمراض الكراهية والعنف
والحقد والحروب .وتكتمل الرسالة لما نتذكر المشرتك العام الذي لن يعني يف األخير
إال تقاسم اإلنسانية لوحدة األصل اإلنساين ،ووحدة المصير الوجودي ،والحاجة إلى
التعاون لعمارة األرض وبناء اإلنسان.
ألجل ذلك كله ،ومن منطلقي التحرير والحرية ،نؤكد على مبدأين أساسيين:
147 املحور املجتمعي
تحرير إرادة اإلنسان وتمكينه من حقه يف معرفة خالقه معرفة واضحة :نعترب أن
أساس حقوق اإلنسان هو توفير كل الشروط الضرورية التي تمكن اإلنسان
من قرار إخالص عبوديته هلل ،فيبدأ تكريم اإلنسان وإنصافه وكشف الظلم عنه،
وتحريره من العبودية للعباد واألهواء .وإن ذلك كله ال يكون باإلكراه أو اإلجبار،
إنما عرب مدخل الحق يف االطالع والمعرفة دون قيود أو تشويش.
حرية االختيارات العقدية والدينية باعتبارها مبدأ أصيال يف ديننا :إنما ُيعبد اهلل عز
الد ِ ( ﴾¥البقرة،َ ْ ّ
وجل بالحرية ال باإلكراه ،حيث جاء يف قوله سبحانهِ ﴿:إك َر َاه ِ ِ
.)255وإن حرية اإلنسان وقدرته على البحث يف العقائد هي المنطلق األول
﴿و ُقل ْ َ
اÒ Ôق ِمن للتكليف الذي يصدر عن إرادة حرة بعيدة عن القهر واإلجبارِ ،
َ
َ َْ ْ ُ ّ ُ ْ َ َ َْ
×َ ۖ £ن ش َاء فل ُي ْؤ ِمن َو َمن ش َاء فل َيكف ْر﴾ (الكهف .)29 ،تلك الحرية المسؤولة ر ِب
التي ينظمها ويحميها القانون يف الفضاء العام بمنطق التعايش المجتمعي
الفاضل .فمثلما ال يحق ألي كان أن يتسور على الناس بيوهتم ليطلع على
أسرارهم بدعوى الرقابة األخالقية ،فإنه ال يحق ألي كان بدعوى الحرية الفردية
أن ينتهك الفضاء العام المشرتك الذي يفرتض أن يحميه الدستور والقانون.
.535تحرير مؤسسات الشأن الديني ،ومنها المساجد ،من احتكار السلطة وضمان
حيادها وعدم توظيفها يف المناكفات السياسية والدعاية الحزبية واالختالفات
المذهبية.
.536إعادة االعتبار لمكانة المساجد ،وبعث الحياة فيها ،باعتبارها مؤسسة جامعة
ذات إشعاع روحي وتربوي وتثقيفي وتعليمي واجتماعي.
.537إشاعة قيم اإلسالم وأخالقه يف مختلف أدوات التنشئة االجتماعية ويف الفضاء
التواصلي العام.
.538التأكيد على حرية ممارسة الدعوة اإلسالمية بشرط التزام السلمية ،واالبتعاد عن
كل أشكال العنف المادي والرمزي.
الوثيقة السياسية 148
.539ضمان الحق يف حرية العبادة ألتباع الرساالت السماوية األخرى وفق مقتضيات
القانون.
.540إعادة النظر يف األوقاف واألحباس لجعلها مؤسسة مستقلة تساهم يف التنمية
االقتصادية واالجتماعية والرتبوية.
.541تنظيم اإلفتاء يف شكل مؤسسة لالجتهاد على أصول الرسالة اإلسالمية بفقهها
التجديدي الجامع المعتدل والمنفتح على مختلف التخصصات.
.542إنشاء إطار مؤسسايت مستقل ينظم شؤون المساجد ويحدد السياسة العامة يف
المجال الديني ،وذلك وفق مقاربة تشاركية.
.543عدم إغالق المساجد يف وجه المصلين بسبب الهواجس األمنية المتوهمة يف كثير
من األحيان ،مع مراعاة حرمة المسجد وحمايته من التسيب والفوضى.
.544تعميم بناء المساجد يف كل بقاع الوطن موازاة مع تعميم المدارس يف إطار تكامل
رسالي.
.545االعتناء بالبنية المعمارية للمسجد ليتأهل ألداء وظائفه المختلفة ،وهو ما يقتضي
أن يشمل مرافق متنوعة ومتكاملة تجعل منه فضاء روحيا جذابا.
.546توقير أئمة المساجد والعلماء ،وانتظامهم يف مؤسسة على المستوى الوطني وفق
قانون يحدد وظائفهم وشروط وطرق انتداهبم ومسؤولياهتم ،ويضمن حقوقهم
المادية والمعنوية.
.547فتح أنظمة تدريبية تعليمية لتخريج وتأهيل األئمة والدعاة والعلماء ،وجعل
المسجد المؤسسة األولى والمركزية لذلك.
149 املحور املجتمعي
يتوقف تشييد المجتمع ،الذي تنشده جماعة العدل واإلحسان ،على بناء اإلنسان منذ
طفولته من خالل محضنه األسري الضامن لتماسك النسيج المجتمعي ،وعلى االهتمام
بجميع أفراد المجتمع ،خاصة من ذوي الوضعيات الخاصة.
تتعرض األسرة المغربية ،يف سياق االستبداد والفساد وسياقات التحوالت العولمية
الكاسحة ،لهزات كربى تمس نسقها القيمي العام وأوضاعها االجتماعية واالقتصادية؛
وهو ما يجعل أسرنا تعيش مآسي التفكك األسري التي تربز تجلياهتا يف ارتفاع حاالت
الطالق وتزايد حاالت العنف ضد األصول ،وانتشار ظاهرة العنوسة واألطفال المتخلى
عنهم ،ناهيك عن بروز آفات االنتحار واالنحراف والشذوذ ،وغير ذلك من المظاهر
المؤلمة التي يخلفها الظلم السياسي والبؤس االجتماعي والفقر االقتصادي.
تحتل األسرة مكانة متميزة ومحورية يف مشروعنا ،بالنظر إلى مركزيتها يف أي عملية
تغييرية حقيقية ،إذ هي عماد البناء المجتمعي ،والنواة الحية للعمران األخوي ،والمنبت
األساس ألواصر القرابة والدم .ونرى أنه ال سبيل لحفظ األسرة من عوامل االهنيار
وتيارات االنحراف واالنجراف إال باالعتناء باالستقرار األسري ،الذي يضمن المودة
والرحمة بين الزوجين ،ويحقق التنشئة السوية لألطفال.
لتقوية مؤسسة األسرة والحفاظ على استقرارها ودوام روابطها ،نقترح ما يلي:
.548مراجعة مدونة األسرة عرب تجديد االجتهاد الفقهي الذي يجيب عما استجد من
قضايا أسرية ونسائية معاصرة متشعبة.
.550توفير الحماية الالزمة لألسرة لضمان استقرارها وأدائها لألدوار المنوطة هبا،
وذلك عرب الحماية القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،وعرب التأهيل النفسي
والمعريف والمهارايت.
.551ضمان المكانة االعتبارية للوالدين عرب حوافز تربوية ونصوص قانونية وتنظيمية.
.552تنمية الرعاية االجتماعية لكل أفراد األسرة.
.553تنمية مفاهيم العالقات األسرية وأبعاد االستقرار األسري يف المناهج الدراسية
والمقررات التعليمية ،ومركزهتا يف مختلف مؤسسات التنشئة االجتماعية.
.554تطوير اإلعالم الداعم لقضايا األسرة ولالستقرار األسري.
.555تشجيع الزواج عرب تحقيق شروط القدرة واالستطاعة المادية والمعنوية ،وذلك
بواسطة إعانات الدولة وتطوع المجتمع المدين ومؤسسة الوقف.
.556إنشاء مؤسسات تنظيمية رسمية أو أهلية مدنية لتنمية الوعي بالعالقات الزوجية
يف أبعادها المتعددة.
.557توفير شروط العمل المالئمة التي تدعم تسهيل تنفيذ المرأة والرجل لمهامهما
األسرية.
.558إعادة النظر يف تنظيم قضاء األسرة واألحوال الشخصية بما يحقق التماسك
العضوي لألسرة ،وبما يضمن حقوق الكل على قاعديت العدل واإلنصاف
وتجاوز البيروقراطية يف معالجة قضايا الخالف األسري.
.559إعادة النظر يف التشريعات القانونية المنظمة لرخص الحمل والوالدة والرضاعة،
والعناية بما يكفل راحة األم والطفل ،وكذا إسهام األب يف رعاية األبناء.
.560تنمية آليات الحوار األسري عرب إنشاء وتفعيل وتثمين مؤسسات الوساطة
والحكامة األسرية.
.561ضمان اآلليات المجتمعية والقانونية الكفيلة بالحد من اآلثار السلبية المرتتبة
عن الطالق بالنسبة لألطراف المتضررة.
151 املحور املجتمعي
إذا كانت األسرة تشكل الوحدة األولى يف المجتمع واللبنة األساس يف بنائه ،فإن
الطفل هو الثمرة التي تقدمها لهذا المجتمع ،والبذرة التي ُي ْط َلب إليه رعايتها وحمايتها
وتأهيلها للقيام بأدوارها فيه .لكن الذي يقرأ واقع الطفولة يف المغرب ،سيسجل إخفاقات
كبيرة للسياسات العمومية المتوالية الموجهة إلى هذه الفئة الحساسة من المجتمع.
فقد سجلت تقارير عديدة ،وطنية ودولية ،سوداوية الواقع الذي تعيشه فئة عريضة من
الطفولة المغربية ،وقدمت مؤشرات تبين مدى هشاشة وضعيتها؛ فإلى جانب ارتفاع
نسبة الوفيات يف صفوف الرضع واألطفال خاصة يف العالم القروي ويف أوساط األسر
الفقيرة والمتوسطة ،وعدد األطفال المتخلى عنهم والذين يولدون خارج مؤسسة الزواج
واألطفال المشردين ،تشير معطيات أخرى صادمة تتعلق بالرتبية والتعليم إلى مغـادرة
مـا يتجاوز 331.000تلميـذ ألسالك التعليـم المدرسـي العمومـي فـي سنة 2022دون
الحصـول علـى شـهادة.
يتولد عن هذا الواقع الصادم استغالل براءة الطفولة عن طريق التحرش واالغتصاب
والقتل وحتى المتاجرة يف األعضاء واالختطاف واالحتجاز ،ناهيك عن انتشار ظاهرة
استغاللهم يف الشغل والتسول والجنس من طرف مافيات منظمة ،ويف شبكات ترويج
المخدرات أو الهجرة السرية.
إن الطفولة ،يف تصورنا ،رهان حقيقي للمستقبل ،ويشكل الحفاظ على فطرهتا
النقية صلب اهتمامنا .ويف هذا الصدد ،نقترح ما يلي:
.562تفعيل دسرتة حقوق الطفل األساسية يف الحياة ويف التنشئة الصالحة يف مختلف
مراحل عمره تربية وتعليما ونموا سويا جسما ونفسا وعقال وإرادة.
.563تطوير اإلطار التشريعي والتنظيمي الخاص بحماية الطفولة من كل أشكال
العنف واإلهمال ،ومنع تشغيل األطفال ،وتفعيل مراقبة صارمة لتحقيق ذلك.
.564توفير أجواء النمو المتكامل السوي داخل األسرة واعتبار ذلك مسؤولية األسرة
يف المقام األول ،مع ما يتطلب ذلك من مساعدة عامة للقيام بتلك المسؤولية
الوثيقة السياسية 152
على أحسن وجه ،كما ُتضمن الحاجيات األساسية لكل األطفال من رضاعة
ونفقة ومسكن وتغذية وصحة جسدية ونفسية وأمان عام وتربية سوية متوازنة.
.565تطوير وتحديث مجال الصحة اإلنجابية للرفع من مستوى الولوج للرعاية
الصحية والنفسية للمرأة لتفادي المآسي التي تحدث خصوصا عند الوالدة،
وباألخص يف مدن وقرى المغرب العميق.
.566االهتمام بالبحث العلمي الخاص بعلوم الوراثة لتجنب أسباب اإلعاقة الوراثية.
.567توفير العالج النفسي للطفولة يف مختلف مراحلها وداخل مختلف المؤسسات
المجتمعية.
.568وضع برامج التأهيل ُ
الخلقي القيمي للطفولة ،وتفعيل الربامج الناجعة لمحاربة
المخدرات والعالج من آفاهتا.
.569تطوير وتحديث برامج الرعاية االجتماعية والرتبوية والثقافية والنفسية للطفولة
عموما ،وللطفولة يف وضعية االحتياجات الخاصة خصوصا.
.570ضمان الحق يف تعليم أولي منصف وجيد ،مع تنمية وتطوير المحاضن الخاصة
بالطفولة على مستوى رياض األطفال ،وتكفل الجماعات الرتابية بدور حضانة
لرعاية األطفال الذين يشتغل آباؤهم.
.571االعتناء بالربامج والمناهج التعليمية الموجهة للطفولة بما يحصن شخصيتها
ويبني قدراهتا ويقوي اندماجها.
.572تقوية بنى االستقبال للطفولة مع تطوير ومالءمة الفضاءات الرتبوية والرتفيهية
لتلبي مختلف حاجيات األطفال من كل الفئات العمرية.
.573إحداث تخصصات ومعاهد لتخريج مربي رياض األطفال واالعتناء بتكوينهم
وتدريبهم.
.574ضمان اآلليات المجتمعية والقانونية للتنشئة السليمة للطفولة يف حالة اهنيار
مؤسسة الزواج بالطالق أو بالوفاة.
153 املحور املجتمعي
.575تأسيس نظام اجتماعي لكفالة اليتيم وحماية حقوقه المالية ،ترعاه وتدعمه الدولة
وتدبره منظمات المجتمع المدين.
لقد جعل اهلل معيار التفاضل بين بني البشر معيارا واحدا ،هو معيار التقوى .وما أحوجنا
ونحن نتحدث عن ذوي االحتياجات الخاصة إلى استصحاب هذا المبدإ العظيم نعرض
عليه واقعنا ونجعله أفقا نستشرفه يف مستقبلنا .ولئن تعددت مشاكل هذه الفئات وتنوعت
بسبب غياب تصور متكامل لإلدماج االجتماعي واالقتصادي ،وضعف الدعم النفسي
والصحي ،وسيادة مظاهر الهشاشة واختالالت الحط من الكرامة اإلنسانية ،فإن ما تمثله
هذه الفئة من المجتمع تدعو إلى أن يتحمل الكل مسؤوليته للنهوض بأوضاعها وتجاوز
معوقات إدماجها يف نسق التنمية المجتمعية العامة المنشودة .وهذا يفرض بناء مقاربة
تشاركية مندمجة ،تتضافر فيها جهود كل من األسرة والدولة والمجتمع المدين والمؤسسات
التعليمية واإلعالمية ،لتوفير الحماية الحقوقية والقانونية واالقتصادية واالجتماعية.
ومن أجل اإلسهام يف رفع الحيف عن هذه الفئة من المجتمع ،نقترح ما يلي:
.576تطوير الرتسانة التشريعية والقانونية بما يضمن حقوق وواجبات هذه الفئات
ويضمن حمايتها من كل أشكال التمييز ،مع مراجعة شاملة للقوانين والتشريعات
الموجودة من أجل تجاوز ما يعرتيها من ثغرات سواء يف نص القانون أو يف تنزيله.
.577توفير آليات الرقابة لضمان تطبيق القانون وحماية هذه الفئة من أي انتهاك
لحقوقها.
.578تقديم الدعم المادي والنفسي والعالجي لألسر التي تؤوي هذه الفئات وتأهيلها
للتوعية يف مجال االعتناء هبا.
.584وضع برامج وحمالت توعوية تعزز الثقة بين ذوي االحتياجات الخاصة
ومجتمعهم.
.585فتح الفضاء اإلعالمي من أجل التعريف هبموم وقضايا هذه الفئة ،واالعتناء
باإلعالم الموجه لفئات الصم والبكم والمكفوفين.
.586ضمان التعليم الجيد المالئم لهذه الفئات مع توفير البنية التعليمية المناسبة
من جهة الفضاءات ،واألطر والكفاءات ،والتمويل واالحتضان ،واالنتقال من
مقاربة الرتبية اإلدماجية إلى منطق الرتبية الدامجة ضمن مقاربة شمولية تنسق
جهود كل المتدخلين.
ال يمكن تصور تغيير ناجع وفاعل ال تشارك فيه المرأة يف مختلف جبهاته ،وال يؤدي
فيه الشباب دورهم الريادي على نحو يجعل منهما عنصرين أساسيين يف بناء مجتمع
االستقرار والقوة.
تقوم المرأة بدور محوري يف بناء المجتمع ،أوال من موقعها المتميز والمعترب يف
المشاركة الجماعية يف مشروع التغيير المجتمعي الشامل الذي نستشرفه ،وثانيا من
اختصاصها بالجبهة األمامية الحاسمة من خالل رعايتها لألسرة يف مسؤولية مشرتكة بينها
وبين الرجل.
تشكل النساء يف المغرب أكثر من 50%من مجموع الساكنة بحسب معطيات سنة
.2022وعلى الرغم مما يكون قد ُبذل من إصالحات من أجل تحسين واقع المرأة سواء
على المستوى القانوين أو على المستوى االقتصادي واالجتماعي ،والتي تمت يف سياق
ضغوطات الهيئات المانحة من جهة ،وحركية الفاعلين السياسيين والمجتمع المدين من
جهة أخرى ،فإن واقع النساء المغربيات لم يربح بعد مكان الهشاشة والهامشية.
تشير المعطيات الرسمية إلى أن 53%من النساء أميات وخاصة يف الوسط القروي،
وأن معدل وفيات األمهات أثناء الحمل والوالدة يف سنة 2018بلغ 72٫6وفاة لكل
100.000والدة حية ،وذلك بسبب اإلهمال الطبي وتدين الخدمات الصحية ،وأن أكثر
من 7٫6( 57٫1%ماليين امرأة) من النساء تعرضن على األقل لنوع من العنف ،وأن
80%من النساء يبقين خارج سوق الشغل ،وأن معدل البطالة قد ارتفع لدى النساء ما
بين سنتي 2019و 2020بالوسطين القروي والحضري .أما على المستوى السياسي،
فتحظى المرأة المغربية بتمثيلية ضعيفة يف الهيئات المنتخبة الوطنية والمحلية ويف
المناصب السامية والوظائف اإلدارية العليا ،رغم كل اآلليات والمخططات التي يبقى
الكثير منها حبيس األوراق والخطابات التسويقية دون أثر يف الواقع.
157 املحور املجتمعي
إن أي محاولة لمعالجة هذا الواقع القاتم والمتشعب بعيدا عن حل تشاركي شامل
تعترب ضربا من الخيال .فالمرأة تعاين ،كالرجل ،الظلم البين ،وهي تزيد عنه بمعاناة
مضاعفة متأرجحة بين رمضاء مخلفات االنحطاط القرونية ونيران الدعوات التغريبية.
إن إنصاف المرأة ،يف نظرنا ،ال يتحقق إال من خالل كسب رهانات عديدة ،على
رأسها:
الرهان السياسي ،الذي يطرح تحدي هنوض المرأة القتحام عقبات النفس
والخوف والعادات لالنتفاض ضد الظلم والقهر والقمع ،وإعداد القوة
للمشاركة الفاعلة يف إطار التدافع السلمي المشروع رفضا للطغيان وفضحا
للفساد والمفسدين وإسهاما يف إقامة دولة العدل.
الرهان التجديدي ،من خالل بناء رؤية على مستوى العملية االجتهادية تتجاوز
آفة التجزيء التي ال تقرأ تردي وضع المرأة باعتباره جزءا من الرتدي العام
للواقع االجتماعي والسياسي واالقتصادي والتعليمي ،وآفة المقاربة الصراعية
ضد الرجل الذي يفرتض أن يكون الصنو الشقيق يف األحكام ،وآفة الفقه الضيق
المنحبس الذرائعي الذي يحبس المرأة ويحد من إنسانيتها وفاعليتها ،ثم آفة
التغريب التي تعكس االنبهار بحضارة الغرب الغالب ،وما ينجم عن هذا من
ضياع الوجهة وفقدان البوصلة بين هوية أصيلة مرجوة وتحرر تغريبي هاجم.
تمكن أرضية التجديد من فتح جبهات متعددة تجعل من المرأة شريكا حقيقيا يف
عملية الرتبية والتعبئة والتغيير والبناء ،على رأسها جبهة الكمال الروحي اإليماين ،ثم
جبهة التكريم اآلدمي اإلنساين ،فجبهة التعليم المستمر بال قيود ،هذا إلى جانب جبهة
صيانة النسيج األسري والمجتمعي ،وجبهة األمومة يف تربية األجيال ،وكذا جبهة الحقوق
الوثيقة السياسية 158
.593توفير البنيات التنظيمية والقانونية الكفيلة بفسح المجال واسعا للمرأة يف اقرتاح
وتنفيذ الربامج والمشاريع المجتمعية المرتبطة بالخصوصية النسائية.
.595محو اإلساءة العامة لصورة المرأة يف المناهج الدراسية والربامج التعليمية ،وكذا
يف المجال الثقايف واإلعالمي والفني.
.597تأسيس نظام للدعم المالي والمعنوي لألمومة وللمرأة ربة البيت ،مع ضمان
التغطية االجتماعية لها عرب نظام مبتكر للحماية االجتماعية يعمل على تثمين
عمل المرأة داخل البيت.
.598اعتماد مبدإ تكافؤ الفرص معيارا للولوج للوظائف العامة وللمسؤوليات اإلدارية
مع االحتفاظ بمبدإ التمييز االيجابي لصالح المرأة مرحليا.
.600إعادة ضبط إيقاعات الحياة العملية لتحقيق التوازن بين دور المرأة يف الواجبات
األسرية ومتطلبات االشتغال خارج البيت ،والسعي ما أمكن إلحداث تمييز
إيجابي يف عدد ساعات العمل.
159 املحور املجتمعي
.602االعتناء بالوضع االجتماعي للمرأة القروية تعليما وتثقيفا وتنمية متكاملة متعددة
األبعاد ،مع إيالء اهتمام خاص لتدريس الفتاة يف العالم القروي بتوفير بنية تحتية
محفزة ،من نقل وإيواء وإطعام وصحة.
.606ضمان الحق يف اختيار الزوج ،ويف اشرتاط المطالب المعقولة أثناء الزواج،
وكذا يف ضمان الحقوق المشروعة يف وضعية ما بعد الزواج أو حالة انفراط عقد
الزوجية.
يشكل الشباب يف المغرب ثروة مهمة ( 34%من مجموع السكان) وتحد كبير
يف الوقت نفسه ،مما يعني أننا أمام فئة عريضة من المجتمع بكل حاجياهتا وانتظاراهتا
ورهاناهتا الذاتية والمجتمعية ،وهذا ما يسائل الدولة اتجاهها ،تأهيال وتوجيها وتعليما
وصحة وتشغيال وإدماجا.
لكن الواقع الذي يعيشه الشباب المغربي يعكس حجم اإلهمال والتهميش الذي
يطاله ،وما يرتتب على ذلك من انتشار لليأس وفقدان الثقة ،مما يدفع بعضهم إلى االرتماء
يف أوحال االنحراف والجريمة والمخدرات والدعارة ،أو الهجرة يف قوارب الموت بحثا
عن الحرية والعيش الكريم .هذا الوضع المريب تعكسه أرقام الهدر المدرسي والجامعي
الوثيقة السياسية 160
التي بلغت مستويات قياسية ،كما تجليه هزالة نسب ارتياد الشباب للفضاءات العمومية
واستفادهتم من فرص التنشيط الثقايف والرياضي والرتفيهي داخل مقرات دور الشباب
والثقافة والمخيمات وغيرها ،كما يربزه التهميش المدين والسياسي الذي تنطق به النسبة
المتدنية النخراط الشباب يف الجمعيات المدنية والتنظيمات السياسية التي ال تتعدى
،1%ومعها ضعف إشراكه ومشاركته يف الحياة العامة اقرتاحا وتدبيرا وتسييرا وتنفيذا.
كما أن أعلى معدالت البطالة تسجل يف صفوف الشباب عموما ،بحيث إن 4٫5مليون
شاب مغربي ممن ترتاوح سنهم بين 15و 34سنة غير نشيطين ،فهم ال يدرسون وال
يعملون وال يتدربون ،وترتفع النسبة وتزداد فداحة يف صفوف حاملي الشهادات ،حيث
إن حوالي 28%من خريجي الجامعات يعانون البطالة .ينضاف إلى هذا الواقع الصادم
ضعف حماية األمن الروحي للشباب ،بما هو مرتكز مهم يف االعتزاز بانتمائه وهويته ويف
فهم أسباب وجوده ورسالة حياته ،ويف اكتمال شخصيته ورجولته.
ينبني مشروع جماعة العدل واإلحسان على تنشئة الشباب يف بيئة تربوية إيمانية،
تودع عقله حكمة ،وقلبه رحمة ،وجوارحه رفقا .ولتحقيق ذلك ،ال بد من قواعد تبنى
عليها السياسات الشبابية نحصر أهمها يف اآليت:
القاعدة األولى :ينبغي أال نفصل هموم واحتياجات الشباب عن بعضها ،فهي كل
منسجم تفتل يف حبل واحد روحيا ونفسيا واجتماعيا وجسديا ومعرفيا .وكلما
كانت الربامج الشبابية متكاملة ومنسجمة كانت نتائجها أجود وأهدافها قابلة
للتحقق ،وكلما كان الخلل يف الرتكيز على نظرة تجزيئية أو مقاربة انتقائية يف
التعامل مع المتطلبات الشبابية كان الفشل أقرب.
القاعدة الثانية :الشباب رهان اسرتاتيجي وفئة متجددة باستمرار ،وعليه فقضاياه
الموضوعة على طاولة المعالجة والتدبير العمومي ال تقبل التأجيل أو التأخير
أو التوقف عن دعمه وتوفير الشروط المادية والموضوعية إلشباع حاجياته
والجواب على أسئلته عمليا وآنيا قبل أن يتجاوز جيل ما سن الشباب ،فيحمل
معه تراكما من ضعف أو نقص يف مجال أو مجاالت تطبع بقية حياته ،ومعها
مختلف األدوار االجتماعية التي يفرتض أن يحتلها ويؤديها على الوجه األكمل.
161 املحور املجتمعي
القاعدة الثالثة :إن تأهيل الشباب يتطلب اإلشراك والمشاركة ،واإلدماج يف
االهتمامات الوطنية ومشاريعها ،وتحميله المسؤولية بثقة تامة فيه ،وذلك
بالحرص على توفير كل شروط انخراطه السياسي واالجتماعي والمدين ،مع
تنمية روح التطوع والشعور باالنتماء .فال معنى لربامج وسياسات ال يساهم
الشباب يف اقرتاحها وصياغتها واالقتناع بجدواها واالنخراط فيها والعمل على
التعبئة لها يف أوساط الشباب .فإبعاد الشباب وإقصاؤهم بحجة عدم أهليتهم
وافتقارهم للتجربة والحنكة مدخل غير سليم للتعاطي مع الشباب وقضاياهم.
انطالقا من هذه القواعد ،ومن أهم مجاالت السياسات الشبابية التي نؤكد على
التصدي لها ،نقترح ما يلي:
التأهيل المهني :تنمية للمهارات المهنية من خالل تدابير تتيح للشاب التجريب
واكتساب الخربات الميدانية.
العمل السياسي والمدين :إذ يعد النشاط السياسي والجمعوي من أهم أساليب
تربية وتأهيل الشباب وإدماجهم يف الحياة العامة وإشراكهم يف قضاياها.
المجال الرياضي والثقايف والفني والتنشيطي :عرب توفير الفضاءات الشبابية من
دور الشباب ودور الثقافة والمحرتفات الفنية والمكتبات ،والمالعب والنوادي
الرياضية ،والمخيمات والرحالت والمسابقات والمنافسات.
.4الرتبية والتعليم
يعترب التعليم من أهم األولويات يف المشروع التغييري الذي تقرتحه جماعة العدل
واإلحسان .يقول اإلمام عبد السالم ياسين رحمه اهلل« :نظام الرتبية والتعليم هو ال َعمود
الف َقري للدولة .وإعادة ترتيب هذا الجهاز ضرورة الضرورات يف حياة األمة» (العدل ِ
اإلسالميون والحكم ،ص .)520ولن يتحقق هذا ،يف نظرنا ،إال بإصالح السياسة
واالقتصاد والمجتمع ،على نحو يربط التعليم بمنظومة التحول العميق لمختلف
المؤسسات الرتبوية واالجتماعية والثقافية واإلعالمية يف نسق منسجم.
ظل قطاع الرتبية والتعليم بالمغرب حبيس الضبط التحكمي ،ورهين المؤسسات
الدولية المالية المانحة ،واستمر افتقاد المنظومة الرتبوية لتصور مجتمعي أصيل وواضح
ونابع من خصوصية المجتمع المغربي ومن حاجياته الملحة .وتم اللجوء إلى استيراد
واستنبات النماذج البيداغوجية الغربية ،وغاب التقويم الناجع الذي يقدم تشخيصا
علميا لواقع المنظومة ،و ُغ ِّيب اإلشراك الحقيقي للقوى الوطنية وللفاعلين المجتمعيين
والرتبويين ذوي الصلة ،وافتقدت آليات التدبير والتسيير الناجعين تخطيطا وتنفيذا ومتابعة
وتقييما وتقويما وتطويرا وتحديثا .كل هذا من دون تفعيل آليات المحاسبة للمسؤولين
عن اإلخفاقات العديدة لإلصالحات المزعومة.
لم تكن النتيجة بعد سنوات «اإلصالح» التجريبية المتناسلة هذه إال حصادا واسعا
للفشل ،ابتدأ ذلك منذ شعارات ما بعد االستقالل ليشمل الميثاق الوطني للرتبية والتكوين،
واالختالالت الصارخة للربنامج االستعجالي ،وتعثرات الرؤية االسرتاتيجية وما تالها
من تنزيل مرتجل ومستعجل لوثيقة حافظات مشاريع قانون اإلطار رقم ،51.17ومن
اضطرابات رؤية مشروع إصالح النظام البيداغوجي الجامعي .وكانت الحصيلة فقدان
الثقة يف المدرسة العمومية ،وغياب المردودية الداخلية والخارجية للمنظومة ،وضياع
الوظائف الرتبوية والتعليمية والتثقيفية للمدرسة ،وتحقير الوضعية االعتبارية لرجال
ونساء الرتبية والتعليم ،وارتفاع نسب األمية المختلفة ونسب الهدر والتسرب والتكرار
165 املحور املجتمعي
واالنقطاع ،وتدن عام يف سلم جودة المكتسبات ومؤشرات المعرفة ،وضعف االستجابة
لمعايير ومؤشرات جودة التعليم العالي ،وغياب رؤية اسرتاتيجية واضحة لبحث علمي
ذي جودة ونجاعة ومردودية ،وتفاقم بطالة الخريجين ،لتجد المنظومة نفسها يف وضع
التقهقر الدائم يف مختلف التصنيفات الدولية للتنمية .وقد أكدت جائحة كورونا هذا
الوضع الكارثي ،وكشفت أزمته المركبة بما َع َّرته من تنام فظيع لمظاهر التفاوتات،
وانعدام التكافؤ وهشاشة ملحوظة يف البنيات الرقمية كما وكيفا ،وضعف كبير يف القدرات
االستباقية لضمان االستمرارية البيداغوجية ،ونقص شديد يف جودة التعلمات.
إذا كان المت ََح َّصل من تاريخ اإلصالحات التعليمية بالمغرب يكشف وجود آفتين
أساسيتين اثنتين ،هما االستبداد والتغريب ،فإنه ال مناص من إنجاز تغيير حقيقي جدي
لمجال التعليم من خالل مدخلين رئيسيين هما:
.626تأسيس جبهة مجتمعية وطنية للنهوض بالمدرسة المغربية بناء على تعبئة وطنية
حقيقية عامة وشاملة ،تجعل من التعليم شأنا مجتمعيا ال قضية السلطة بمفردها.
.627إنجاز تشخيص علمي دقيق وشامل يحدد الوضعية الحقيقية لواقع الرتبية
والتعليم من خالل بيان نقاط الضعف ،واستثمار نقاط القوة والفرص المتاحة،
واالستفادة المثلى من اإلمكانات المتوفرة بحسب األولويات المستعجلة.
الوثيقة السياسية 166
.628اعتماد حوار مجتمعي مسؤول محلي ووطني بكل الوسائل الممكنة للتداول
والنقاش واالقرتاح وإبداء الرأي ،يتوج بمناظرة وطنية حول التعليم بإشراك
حقيقي لكل المعنيين والفاعلين والمفكرين .ويؤمل أن تنجم عن هذا النقاش
المجتمعي العام ،توصيات تستقى منها مبادئ كربى تؤسس لتعاقد مجتمعي
رصين يضمن استقرار المنظومة ويبتعد هبا عن االستقطابات السياسية
واالحرتابات اإليديولوجية واالرتجاالت التدبيرية واإلمالءات الخارجية.
ويمكن صياغة هذه المبادئ يف وثيقة مرجعية ،أو تضمينها يف الوثيقة الدستورية
تثمينا للوضع االعتباري للتعليم ومكانته يف التغيير الحقيقي المنشود.
غاية الرتبية والتعليم يف تصورنا ،هي تربية اإلنسان الحر المتشبث بدينه وهويته،
والممتلك للمعرفة والخربة بما يستجيب الحتياجات الفرد والمجتمع .وهذا يقتضي
أربعة مبادئ كربى ناظمة تؤسس لمدرسة عمومية ذات رسالة ومعنى ،نحددها يف اآليت:
-مدرسة األخالق والقيم ،ليست الرتبية والتعليم عملية صناعية صرفة ،وليست
جراء ،وال المتعلمون المدرسة مقاولة إنتاجية مادية ،وليس المعلمون مجرد ُأ َ
زبناء ،لذا ال بد أن نقطع مع المعنى التسليعي للتعليم لصالح اإلعالء من العائد
األخالقي القيمي والمعريف للتعليم والتعلم .ويف ظل العولمة المادية الهاجمة
بقيمها االستهالكية المفرغة لإلنسان من السمات الروحية ،علينا أن نربح سؤال
المعنى بأن نمركز الوظيفة الرتبوية للمدرسة ،من حيث جانبها األخالقي القيمي،
يف الرتبية على اإليمان وحفظ مقومات الهوية واللغة واالنتماء لألمة وللوطن،
ويف أداء وظائفها التحريرية والتخليقية والتهذيبية والتثقفية والتنويرية.
-مدرسة العدالة واإلنصاف ،التي تجعل الحق يف الرتبية ويف التعليم واجبا وشأنا
تقوم به الدولة ويرعاه المجتمع ،مع ما يعنيه ذلك األمر من فرض وتقنين
إلزامية التعليم واستدامة محو األميات بمختلف أنواعها .فالعدالة يف مجال
الرتبية والتعليم تشمل عدالة الولوج إلى تعليم عمومي معمم جيد ومنصف
ومستدام ومفتوح ومتعدد المسارات بتوفير جودة ظروف التمدرس وجودة
167 املحور املجتمعي
....أولويات وتدابري
لكي نكون يف مستوى مجاهبة التحديات واألولويات الملحة ،نقرتح جملة من
التدابير التي تشمل مختلف واجهات وجوانب إدارة وتدبير العملية الرتبوية التعليمية.
.629وضع سياسة تعليمية تنبني على أسس االستجابة للحاجيات الحقيقية ذات
األولوية للمجتمع المغربي وفق منظور يراعي تحقيق مقومات التطوير
والتحديث وفقا للتقدم العلمي ومقتضيات الخطط التنموية.
الوثيقة السياسية 168
.630وضع إطار قانوين يضبط التعاون والشراكة الدوليين لخدمة جودة التعليم،
ويحقق استقالل تدبير الرتبية والتعليم عن المشاريع الخارجية الممالة.
.631إعادة النظر يف دور المجلس األعلى للرتبية والتعليم ليكون هيكال مؤسساتيا
استشاريا ،وفضاء تنظيميا حرا للتخطيط والتنظير والبحث يف قضايا الرتبية
والتعليمُ .يمثل فيه الفاعلون على قاعديت الكفاءة واألمانة ،على أن تبنى اقرتاحاته
وتوصياته على أساس المخرجات الرصينة للبحث الرتبوي النظري والميداين.
.632التخطيط وفق برامج عمل متوسطة المدى تخضع للتنفيذ والمتابعة والتقويم
والتدخل العالجي اآلين والدوري وفق منطق يحدد األولويات ضمن أجندة
زمنية واقعية ،مع تنمية األبعاد االستباقية للنظام الرتبوي ليتمكن من التكيف مع
الوضعيات الطارئة ،وبناء بدائل مالئمة لضمان االستمرارية التعليمية.
.634ترشيد نظام تولي مهام المسؤولية بإسناد التدبير والتسيير والتنفيذ اإلداري لجهاز
جامع بين الكفاءة الخبيرة بآليات التسيير والتدبير وبين المواصفات الشخصية
المبنية على قيم األمانة والصدق والنزاهة ،يف مراعاة تامة آلليات التدبير
التشاركي.
.635اعتماد منظور تربوي ناجع يعتمد المقاربة المتوازنة بين األبعاد الكيفية والعناصر
الكمية بمراعاة القدرات المعرفية للمتعلم وإمكاناته مع الرتكيز على مبادئ تعلم
التعلم ،واستدامة التعلم ،وتنويع التعلم مدى الحياة ،مع استنبات البيداغوجيات
169 املحور املجتمعي
.636توفير اإلمكانيات المادية والمالية إلنشاء بنيات استقبال مكتملة الشروط تكون
عبارة عن مركبات للتعليم والتثقيف والتنشيط والتدريب والرتفيه ،تجعل من
المدرسة فضاء جذابا آمنا مالئما للطبيعة المناخية والمجالية ،متطورا متجددا
من الناحية المعمارية والجمالية.
.639ترشيد اإلنفاق على مجال التعليم من خالل بناء منظومة شفافة للتدبير المادي
والمالي والمحاسبايت.
.645وضع مخطط اسرتاتيجي وطني لمحو األمية ضمن مشروع مجتمعي متكامل
قوامه العدل والتنمية الشاملة يقوم على تشخيص دقيق لظاهرة األمية وألنواعها
المتعددة ،ويأخذ بعين االعتبار حاجيات المستفيدين وكفاءة ونزاهة مختلف
المتدخلين ،وخصوصية المناطق والمجال.
.646إحداث مرصد وطني لمراقبة وتقويم وتتبع أعمال مراكز محو األمية ،وإجراء
التعديالت الالزمة من أجل إنجاح المخطط االسرتاتيجي لمحو األمية.
.648إجبارية تأسيس وتطوير وتنمية منظومة محو األمية والتكوين المستمر يف كل
مؤسسات التعليم والتدريب واإلنتاج الصناعي والمهني ،وكذا يف المؤسسات
السجنية ،ويف الخدمة العسكرية ،مقابل تحفيزات مالئمة.
.649تطوير وترشيد جهود مختلف بنيات االستقبال الحالية العاملة يف مجال محو
األمية خاصة على مستوى الكتاتيب القرآنية ،ومؤسسات المجتمع المدين
والجمعيات الشريكة بما يضمن إسهامها القوي يف تعميم التعليم ومحو األمية.
.650تنويع مدارس وفرص التعليم واستدامة التعلم عرب تفعيل مؤسسات الدولة
والمؤسسات المجتمعية وكل الطاقات والمقاوالت التنموية والشركاء
الصناعيين ،والتعاون مع المنظمات الدولية المعتربة على أرضية التشارك.
171 املحور املجتمعي
.657إحداث مجلس وطني لسياسات البحث العلمي تعهد إليه مهمة وضع السياسة
الوطنية يف مجال البحث العلمي والتكنولوجيا ،وتقويم الربامج والمشاريع يف
هذا المجال ،وتوجيه الربامج الوطنية يف المجال نحو البحوث ذات األولوية.
.659توجيه البحث العلمي نحو خدمة الغايات القيمية ،واألهداف التنموية العمرانية،
إعدادا للقوة الالزمة لتحقيق استقاللنا علما وخربة ،ولخدمة التكافل البشري
والرتاحم اإلنساين.
.661تحقيق التدبير الجيد للبحث العلمي على مستوى القرار السياسي والتسيير
اإلداري واإلنفاق المالي على قاعدة التوازن التي تراعي األهداف الوطنية
الكربى للدولة والمجتمع وكذا متطلبات المقاولة المنتجة.
.664االنفتاح التدريجي على اللغات األقوى انتشارا يف مجال البحث العلمي ،على
أن يكون األفق االسرتاتيجي تأهيل وتطوير اللغة العربية لتصبح أداة اكتساب
العلوم وإنتاجها.
.670اعتماد شراكات مع مراكز البحث العربية واإلسالمية والدولية وفق برنامج وطني
لتبادل الخربات.
لقد عانت منظومتنا الرتبوية طوال عقود «إصالحاهتا» المتتالية افتقاد سياسة لغوية
وطنية ،والتمكين لخيارات لغوية بعينها يف التعليم واإلدارة واإلعالم ومختلف مرافق
الدولة ،ومحاصرة التعريب والمس بالوضع االعتباري للغة العربية ،والتنقيص منها يف
اإلعالم ومرافق الفضاء العام ،والتمكين لدعاة العامية الدارجة والتغريب.
ومن أجل التأسيس لسياسة لغوية وطنية تحقق فيها اللغة الوحدة والقوة ،نقترح
ما يلي:
الوثيقة السياسية 174
يحتل رجل الرتبية مكانة هامة يتم الحفاظ عليها بضمان ثالثة شروط أساسية :الشرط
االجتماعي المبني على ضمان مقومات العيش الكريم ماديا ومعنويا ،والشرط األخالقي
القيمي الذي يعني تحميل مسؤولية التعليم لنخبة المجتمع من ذوي االستعدادات
الفطرية ،ومن ذوي المروءات واألخالق العالية ليكونوا معلمي األجيال ،ثم الشرط
العلمي والمعريف والتدريبي الظاهر يف االمتالك الجيد للكفايات المختلفة لتلقين المادة
المعرفية المدرسة.
ينبغي إعادة بناء األسس الناظمة لقيم العالقات الرتبوية داخل المنظومة الرتبوية
التعلمية عرب سد الفجوة العاطفية الوجدانية بين المعلم والمتعلم من خالل إعادة تأسيس
العالقات الرتبوية بين المعلم والمتعلم على قواعد المحبة والحوار والجدية ،وإعادة
175 املحور املجتمعي
روح النظام ،واالستقرار ،والمسؤولية ،وتوفير بيئة للتلقي السليم على قواعد الثقة بين
المعلم والمتعلم ،وبناء على قيم التعارف والتآلف والنصح والتوجيه الحكيم ،والمتابعة
ومراعاة النمو العقلي والجسمي ،والرتبية على االستقاللية والحرية.
تعاين إدارتنا التعليمية اختالالت بنيوية عميقة مرتبطة بالتدبير اإلداري السيء
والحكامة العائقة ،وآفات التمركز اإلداري ،والبيروقراطية المكتبية ،وتدبيج المساطر
القانونية يف غياب تام عن الواقع ،والمقاربة الرقمية التي ترى يف المتعلمين أرقاما كمية
للحساب .ولتجاوز هذه االختالالت ،نقترح ما يلي:
.702إعادة بناء الهيكل التعليمي على قواعد جديدة تعمل على استعادة نسق االنسجام
العام والتكامل الوظيفي لمختلف آليات وأجهزة التعليم وآليات التنشئة
االجتماعية وفضاءات التعليم والتعلم.
.703تطوير شكل المدرسة لتكون مجاال جذابا مع تجديد إيقاعات الحياة المدرسية
وتطوير اإلدارة لتجمع إلى الخربة التخصصية االستقامة.
.704اعتماد المركزية وال تمركز حقيقين يف التدبير والتسيير للمرفق العمومي
التعليمي ،يف إطار التنوع العام وخصوصية المجال وآليات اإليقاعات المدرسية
المحلية ،مع مراعاة المشرتك الوطني العام.
.705وضع منظام أمثل لتدبير القطاع والمنظومة ،يحدد االختصاصات ويصف المهام
ويضبط الهيكلة التي تسهم يف تحقيق الفاعلية والنجاعة تسييرا وتدبيرا.
.706تقوية أجهزة الرقابة والمتابعة والتقويم والمحاسبة واالفتحاص الداخلي.
الوثيقة السياسية 180
.5اإلعالم واالتصال
يكتسي اإلعالم واالتصال أهمية كربى يف العالم المعاصر ،حيث يعترب دعامة أساسية
لتحقيق التقدم السياسي واالقتصادي واالجتماعي ،كما يقوم بأدوار يف توعية المجتمع
وتعليمه وتحصينه ضد كل أشكال االستالب الحضاري .لكن يالحظ ،بشكل عام،
قصور اإلعالم واالتصال يف المغرب على القيام بتلك األدوار بسبب التحكم السلطوي،
الذي أفرز العديد من االختالالت الخطيرة على مستوى الممارسة اإلعالمية.
شهد قطاع اإلعالم واالتصال بالمغرب تحوالت عرب سياسات هدفت إلى إعادة
هيكلة وسائل اإلعالم وتقنينها ،وضبط الممارسة اإلعالمية يف ضوء التحوالت والتطورات
المتسارعة يف عصر التدفق السريع للمعلومة ،وما رافقه من تحوالت رقمية كربى .ورغم
ما تضمنته بعض النصوص التشريعية من إشارات إلى تحول يف الممارسة اإلعالمية نحو
االنفتاح على المبادرات الخاصة ،وضمان للتعدد َّية اإلعالمية ،وإهناء احتكار الدولة
لإلعالم ،فإن جل ذلك بقي حبيس النصوص ،لتستمر العديد من االختالالت ،وفيما
يلي أبرزها:
من أجل النهوض بمجال االعالم واالتصال وتجاوز اختالالته ،نحتاج إلى إنشاء
منظومة تقوم على مبادئ مؤطرة تبني اإلعالم النظيف التعددي المسؤول والفاعل،
وذلك عرب:
انطالقا من هذه المبادئ ،ومن أجل بناء إعالم تعددي ومسؤول وفاعل ،نقترح ما
يلي:
.6الثقافة والفن
يعد الحقل الثقايف من المعالم المهمة التي يربز فيها رقي المجتمع من خالل ما يبدعه
من قيم جمالية وآداب وفنون ،إذ يسهم جليا يف أداء وظائف التنشئة االجتماعية تثقيفا
وهتذيبا وتربية وتأديبا ،ويف احتضان الطاقات اإلبداعية ،وتطوير المهن الفنية والحفاظ
على الرتاث الثقايف والتعريف به وتثمينه .لذا يعترب االشتغال على االنخراط الجدي
والمنتظم لتأهيل الفاعل السياسي والمثقف والفنان لتوفير بنية متكاملة تحقق إقالعا
ثقافيا وفنيا ،يسهم يف النهوض المجتمعي العام خاصة يف مستويات تنمية قيم اإلبداع
والجمال ،من التحديات القائمة.
يأيت هذا االهتمام اعتبارا للوضع الذي تعرفه وضعية الثقافة والفنون بالمغرب منذ
االستقالل ،بسبب ارهتاهنا للمشروع االستعماري التبخيسي إن على مستوى الرؤية
التصورية والقيمية ،أو على مستوى السياسة الثقافية والفنية وخياراهتا الكربى عموما،
أو على مستوى التشريعات والبنيات ومحاضن الفعل الثقايف والفني ،وكذا على مستوى
وضعية الفاعلين التي طالها اإلهمال والتهميش يف برامج الحكومات المختلفة ،دون أن
نغفل جانب الميزانيات المرصودة وحجم اإلنفاق العمومي يف المجال.
الم َّطلع على المشهد الثقايف والفني المغربي ،ومخرجاته وإفرازاته ،والمراقب
إن ُ
لما تعانيه الساحة من أعطاب وما تكابده من عوائق ،ما يلبث أن يخرج بخالصة أساسية،
تتج ّلى يف غياب رؤية اسرتاتيجية عميقة للشأن الثقايف والفني ،تحدد أبعاده القيمية
والحضارية الكربى ،يف مقابل توظيفه سياسيا لشرعنة االستبداد ونشر الرداءة والميوعة،
واالرهتان لنظرة دونية تعتربه مجاال جزئيا وهامشيا يف عملية التنمية الشاملة المطلوبة.
وهو ما ينعكس يف سيادة الطابع التربيري التزييني لواقع الفساد واالستبداد الذي ُيناط
بإنتاجاته وتظاهراته ،ويف تردي الوضع االعتباري للمثقف والفنان لتبقى أدوارهما
وفاعليتهما محصورة ومحاصرة يف مراتب ال ترقى إلى المكانة والتأثير المنتظر.
ويحظى المجال الثقايف والفني بمكانة هامة يف مشروعنا التغييري ،وبعنوان معترب
يف أفقنا الحضاري ،وبواجهة أساسية من واجهات برنامجنا السياسي ،باعتبار وظيفته
185 املحور املجتمعي
التنويرية والتوجيهية والتثقيفية ودوره الحاسم يف بناء وتربية الشخصية المتوازنة المتشبعة
بروح األخالق وجوهر القيم.
ينبغي أن تكون ثقافتنا مرآة هو ّيتنا ،وجسرنا لإلسهام يف بناء المشرتك الحضاري
اإلنساين ،وعليه نرى أن تتجه الثقافة ،بالنظر إلى وظائفها الحاسمة يف الرتبية والتنشئة،
إلى االرتكاز على المبادئ التالية:
-اعتبار الثقافة مرآة الهوية ودعامة حمايتها وتطويرها وصقلها ،وإيالؤها أهمية
قصوى ضمن أولويات المشروع الوطني.
-ترسيخ الهوية اإلسالمية بأبعادها الوجودية والرسالية ،ودعم العمق اإلسالمي
لهويتنا الوطنية بأبعاده األصيلة والوسطية المستوعبة لمختلف المكونات
الثقافية الوطنية.
-حفظ الهوية الوطنية المغربية بتنوعها الثقايف واللغوي ،وبث الشعور الوطني
البنّاء واالعتزاز بالروافد والمقومات المحلية دون تعصب أو انغالق.
-اعتماد مقاربة ثقافية تعزز التماسك االجتماعي وتقوي منعة المجتمع ضد
دعاوى التفتيت والعصبية والعنصرية والصهيونية.
التنوع الثقايف
-ترسيخ مبدإ الحق يف االختالف واالعرتاف المتبادل واحرتام ّ
موازاة مع ترسيخ مبدإ التكامل والتعاون وثقافة التعايش السلمي ونبذ الكراهية
والعنف ،وتعزيز قيم الحوار والتسامح.
-دعم االنفتاح اإليجابي الواعي على الثقافة اإلنسانية يف بعدها الكوين ،واإلسهام
الفعال يف بلورة المشرتك الحضاري اإلنساين مع مقاومة االستالب واالستتباع
الثقايف.
-جعل الثقافة قاطرة للتنمية االجتماعية واالقتصادية المجالية والوطنية ،باعتبارها
ثروة المادية.
الوثيقة السياسية 186
-توفير الحق يف الرتفيه والرتويح باعتبار ذلك من حقوق اإلنسان ،مع العمل على
ترسيخ قيم الحس بالمسؤولية والواجب ودعم ثقافة التطوع ،والرتبية على تقدير
الجمال والذوق السليم وتنمية ملكة النقد واإلبداع.
نستند يف هذه المبادئ إلى المحددات التالية:
ال يمكن الفصل بين المسألة الثقافية وشقيقتها الرتبوية ،وعليه تكون الثقافة يف
منظورنا آلية بنائية ال أداة إلهاء وتمييع وتطويع وتدجين ،وهي هبذا تروم التأسيس لثقافة
مواطنة متشبعة بقيم الهوية األخالقية المغربية األصيلة معززة للتماسك االجتماعي،
ومنفتحة على كل فئات الشعب وحيثياته ،ومرسخة للتعايش السلمي الذي يغديه التنوع
العام ،مع االنفتاح على األبعاد اإلنسانية يف المكونات الثقافية العالمية ونبذ ثقافة العنف
والتمييز والكراهية والتعصب والعنصرية والصهيونية ،مع بلورة وعي ثقايف جماعي
يجابه كل أشكال اخرتاقات االستالب للمجتمع الثقايف والفني ويواجه كل أنماط التمييع
واإلسفاف.
هبذا ستكون الثقافة أيضا رافعة للتنمية ،تنمية اإلنسان وتنمية المجتمع ،وتنمية
االقتصاد أيضا ،إذ إن الثقافة ومكوناهتا هي عناصر مهمة ينبغي أن تصير مدخال أساسيا
لتطوير العمل التشاركي بين القطاع العام والمجتمع المدين ،للنهوض بقضية التنمية
المستدامة واالنفتاح على التجارب اإلنسانية الرائدة يف المجال.
ندعم استقاللية الفعل الثقايف كما ندعم حرية المثقف الضامنة إلبداع األجيال .فالثقافة
المواطنة بالنسبة لنا تستحضر التنوع والتكامل واالنسجام والتعايش السلمي على أساس
المواطنة الكاملة المحفوظة لكل أبناء الوطن .لهذا ندعم مختلف التشريعات والقوانين
التي تساهم يف النهوض بالمسألة الثقافية ،كما ندعم الحرية المسؤولة للمثقف ،وندعو
لجعل المثقف يف صلب اهتمامات وطنه ،من خالل إشراكه يف وضع تصورات السياسات
187 املحور املجتمعي
العمومية يف شقها الثقايف ،وذلك عرب المشاركة الفاعلة يف المجالس والمؤسسات الرئيسة
ذات الصلة ومالءمتها لتستجيب للحاجات الملحة للوطن.
إن القول بالثقافة المواطنة األصيلة يقتضي إعمال مبدإ االستثناء الثقايف الذي
ال استهالكه ،كما ال نرى أنمعطى جاهزا وما علينا إ ّ
ً يعني أننا ال نعتمد المعطى ال ّثقايف
تكرس منطق المنْت َُج يف البلدان المتقدّ مة فقط ،وال نطمئ ّن إلى تلك النّزعة التي ّ
ذلك هو ُ
«الثقافة الغالبة» تحت غطاء البعد الكوين العولمي ،فنسقط ،تحت تأثير عقدة النقص
أهمية ال ّثقافة الوطنية وروافدها من ال ّثقافات
ونفسية الهزيمة ،يف خطإ نقص التقدير إزاء ّ
فنكف عن تطويرها أو إغنائها .إن االستثناء الثقايف هنا الذي يدعم يف العمق ّ المح ّلية؛
مسألة الخصوصية ،ينبغي أال يؤدي إلى الجمود والتحجر واالنغالق على الذات من دون
ممارسة واعية ومسؤولة لحرية النقد.
ومن جهة أخرى ،ينبغي أن تكون الثقافة منتجة ،بمعنى أن تساهم المشاريع الثقافية
يف رفاه المجتمع شرطا للحصول على التمويل الالزم .وال يتسنى ذلك إال بقياس األثر
المادي والالمادي ،وتيسير ولوج الفنان والمثقف للمؤسسات المركزية ،وتمكينه
من االستشارات الالزمة لبناء المشاريع الثقافية والفنية ،ودعمه ومواكبته لالنتقال من
المشاريع الثقافية االستهالكية إلى مشاريع منتجة وتنافسية ،مع إخضاع الربامج الثقافية
والفنية للتقييم وإثبات الجدوى.
إلى جانب اعتماد العصرنة والتحديث مدخال أساسيا ألفق ثقايف محلي منفتح على
كل شيء جميل وراق ورافض لكل أنواع االستالب الثقايف ،نؤسس لدمقرطة المؤسسات
الثقافية واندماجها واتساقها مع مختلف مؤسسات التنشئة المجتمعية ،مع ضرورة تجاوز
المقاربة الربغماتية الضيقة .كما ينبغي منع الريع الثقايف ومحاربته ،ودعم اإلنتاج على
أساس تكافؤ الفرص وتنوعها وتراكم التجربة وتشجيع المبادرات ،وأخذا بعين االعتبار
التوازن المطلوب مجاليا وقطاعيا وفئويا ونوعيا ،يف ظل سياسة شفافة ومقاربة تعتمد
الوثيقة السياسية 188
على الحكامة الجيدة ،وتطوير اإلطارات القانونية والتشريعية بما يخدم تنظيم المجال
وتعميم الفائدة.
ينبغي دعم وتثمين المنتوج الثقايف والفني الوطني ،والنهوض بالتظاهرات الثقافية
والفنية المنتجة والمنفتحة يف إطار التصالح مع الذات الوطنية ،كما يجب تثمين اإلرث
الثقايف المادي والالمادي ،وجعلهما يف طليعة الفعل الثقايف ،من خالل تأهيل المواقع
التاريخية واألثرية لتكون قادرة على التنافسية مع نظيراهتا على المستوى العالمي؛ وذلك
من خالل إعداد خرائط مفصلة لهذه المواقع بعد تطويرها وإعادة هيكلتها وتسهيل الولوج
إليها وإكساهبا نعت الذكية باستفادهتا من الثورة الرقمية .ويعترب هذا اإلجراء السبيل األمثل
إلى تحقيق الطفرة النوعية يف سياق تثمين الرأسمال المادي والالمادي الثقايف للمغرب.
-إعادة االعتبار للثقافة والفنون وجعلها من بين أولويات مشروعنا الوطني ،إذ
ال بد من إعادة النظر يف وضعية الثقافة والفنون ضمن سلم أولويات المشروع
الوطني بشكل يوليها اهتماما معتربا ،ربطا للثقافة والفنون بالتنمية ،وجعلها
قاعدة صلبة لها ،لتشكل حلقة أساسية يف البناء ولبنة متينة من لبنات العمران
األخوي المتماسك.
-تبني سياسة ثقافية وفنية واضحة ،وذلك بدعم اإلنتاج الثقايف والفني وجعل
الثقافة والفنون قاطرة للتعريف بالمؤهالت الوطنية وخدمة لقضايا الوطن ،عرب
دعم السياحة الثقافية وبناء جسور التواصل الثقايف والفني الف ّعال مع مختلف
األمم والشعوب ،وهذا يفرض دعم وتثمين المنتوج الثقايف والفني الوطني،
عرب اسرتاتيجية تجويدية تكوينا وتأهيال ،واسرتاتيجية تحفيزية إنتاجا وتسويقا،
واسرتاتيجية تقويمية قياسا للجدوى ومالمسة لألثر.
189 املحور املجتمعي
-اعتبار الفاعل الثقايف مرتكز النهضة الثقافية ،إذ يشكل الفنان والمثقف محور
ٍّ
وتخل عن الحركية الفنية والثقافية ودعامة نجاحها األساسية ،وأي تغييب إلرادته
إشراكه واإلنصات إلى آرائه واقرتاحاته هو تحليق بغير جناح ،ومحاولة إقالع من
فراغ ،ولذلك يجب تجاوز منطق اإلشراك الشكلي االستعراضي ،والعمل على
جعل المشاريع الفنية واآلراء والمقرتحات واالحتياجات ،مرتكزا أساسيا يف
بناء االسرتاتيجيات والمخططات ،إضافة إلى إيجاد صيغ يف اإلشراك التدبيري
الفعلي للفعل الثقايف المؤسسايت ،تفعيال للتواصل مع الفعاليات ،وتأسيسا
للشراكات مع الجمعيات والمؤسسات والهيئات ،فضال عن االعتناء بالوضع
القانوين والمادي وبمجال الحماية االجتماعية والصحية للمثقف والفنان.
-تطوير البنية المؤسساتية للفعل الثقايف ،وذلك نظرا لتسجيل عدة إشكاالت
بخصوص المؤسسات الثقافية العمومية على مستوى االستقاللية والتدبير
المالي ،والتغطية المجالية ،ومستوى الفعالية .لذا ينبغي العمل على اتخاذ التدابير
العمومية الكفيلة بالنهوض هبذه المؤسسات وذلك من خالل العمل على إخراج
القوانين والنصوص التنظيمية التي تتيح إمكانيات أكرب ومساحة أوسع للفعل
الثقايف والفني ،وتولي اهتماما حقيقيا بالمجال وذلك بالتأسيس لوضعية نظامية
مؤسساتية قانونية تحمي الفنان وحقوقه وتضمن الحرية النقابية والمهنية ،مع
العمل على تأهيل بنية االستقبال المؤسسايت ،عرب اإلنشاء واإلصالح والتطوير
العمراين والتجهيزي والتأطيري ،مع مراعاة التوزيع العادل جغرافيا ومجاليا.
من أجل توفير بنية تحقق إقالعا ثقافيا وفنيا ،واستنادا إلى المرتكزات والمحددات
وواجهات العمل اآلنفة الذكر ،نقترح ما يلي:
.728وضع سياسة ثقافية فنية مندمجة على أرضية تشاركية يكون لمؤسسات الرتبية
والتعليم واإلعالم النصيب الوافر واألساسي فيها.
.729إحداث مجلس أعلى للثقافة والفنون يضع السياسات واالسرتاتيجيات العامة،
ويكون هيئة استشارية مستقلة ،يستعين بمجالس جهوية للثقافة تعمل على وضع
السياسات الثقافية المحلية.
الوثيقة السياسية 190
.730مراجعة التشريعات المتعلقة بتنظيم الثقافة والفن لجعلها أكثر انفتاحا وحرية،
وأكثر عدالة وإنصافا ،وأكثر إجرائية وبعدا من الروتين والبيروقراطية ،مع
ضرورة الرقمنة ،وتحديد االختصاصات والقضاء على تضارب الصالحيات
بين المؤسسات ،وحل إشكال تعدد المتدخلين يف الشأن الثقايف والفني.
.731تعزيز الالمركزية الثقافية وتأسيس وتطوير المديريات الجهوية للثقافة والفن مع
تحديد االختصاصات وحصر حاالت ومجاالت التداخل.
.732هنج سياسة إعالمية من أولوياهتا خدمة البعد الثقايف والفني واالرتقاء به ،تشجيعا
تشجع على اإلبداع
ّ وإبرازا وترويجا ،ضمن مقاربة شفافة متوازنة وتنافسية
وتجويد اإلنتاج.
.733تكريس الشفافية والحكامة الجيدة يف السياسة الثقافية والفنية عرب القطع مع
منطق الريع والمحسوبية ودمقرطة الفعل الثقايف ومؤسساته.
.734تبني اسرتاتيجية وطنية فاعلة وطموحة لتشجيع القراءة ودعم التوزيع والنشر
والكتاب.
.735وضع اسرتاتيجية مستقبلية شاملة لقطاع الرتجمة والمهن المرتبطة هبا.
.736النهوض بالمهرجانات والتظاهرات المنتجة والمنفتحة يف إطار التصالح مع
الهوية الثقافية بأبعادها المتنوعة.
.737تشجيع المعارض الخاصة بالكتاب ،والرسم والتشكيل ،وتشجيع المهرجانات
السينمائية ،وتثمين وتنويع المنتوج الوطني المسرحي ،وتطوير الجوائز الوطنية.
.738مراجعة القوانين المتعلقة بالملكية الفكرية لتكون مواكبة للتحوالت الرقمية
والعولمة الثقافية.
.739تطوير تقنيات وآليات االحتضان الثقايف والفني ومأسسته ،وإنشاء مؤسسة للدعم
االجتماعي لصالح المثقفين والفنانين.
.740تقوية الوضع االعتباري واألدائي لنقابة المثقفين والفنانين من خالل هيئة منتخبة
تحدد االنتماء للمهنة ،وتمارس أدوارا رقابية وتأديبية ذاتية مسؤولة تضمن
الحقوق وتحفظ الواجبات وتصون المشهد الثقايف والفني.
191 املحور املجتمعي
.741تطوير مختلف فضاءات الفعل الثقايف وبنيات االستقبال واالحتضان ،مع تعزيز
البنيات الثقافية على مستوى األحياء وإنشاء المركبات الثقافية الجامعة.
.742تأهيل المواقع األثرية واألماكن التاريخية والعمرانية ،إصالحا وحماية وتنقيبا
وتأهيال ،وجعلها مركز استقطاب حقيقي للرفع من نسبة السياحة الثقافية ،من
خالل العمل على توسيع قدرهتا االستقطابية ،وتأهيلها إلى مستوى التنافسية
المفصلة والمنظومات والتطبيقات الرقمية المسهلة لعملية
ّ عرب إعداد الخرائط
التعريف والتحفيز على الزيارة.
.743تطوير مناهج معاهد الهندسة والفنون الجميلة للتأكيد على ثقافة االبتكار وغرس
قيم الجمال يف المجال المعماري.
.744تطوير المجاالت الثقافية والفنية المرتبطة بالمجال الرقمي ،واالهتمام
بتكنولوجيا المعلومات والتأكيد على دورها يف االرتقاء بالصناعات الثقافية
والفنية ،ودعم مقاوالت وشركات اإلنتاج ومختلف اإلصدارات والمجالت
الورقية والرقمية والمواقع اإللكرتونية ذات المحتوى الثقايف والفني.
.745التشجيع على حفظ األرشيف الثقايف والفني صونا للذاكرة الوطنية ،والعمل على
رقمنة المخزون السمعي البصري ،ووضعه رهن إشارة الباحثين والمنتجين.
.746توفير منظومة للدعم المالي لإلنتاجات الثقافية والفنية الخاصة والعامة
وللمقاوالت المشتغلة يف مختلف مجاالت الفعل الثقايف والفني ،على أرضية
دفاتر تحمالت واضحة ،وبناء على ميثاق شفاف لمساطر الدعم المالي.
.747تشجيع اإلنفاق األسري يف مجال الثقافة والفن والرتفيه العائلي.
.748توفير الدعم للجمعيات والنوادي الثقافية والفرق المسرحية والغنائية.
.749االنفتاح على التمويل التطوعي للمؤسسات والفاعلين االقتصاديين وإسقاطه
من الوعاء الضريبي المفروض عليهم.
.750إخضاع عملية دعم المشاريع الثقافية والفنية لنظام إثبات الجدوى قبل الدعم،
واعتماد تكافؤ الفرص ،ومراعاة التنوع والتوازن مجاليا وقطاعيا وفئويا ونوعيا
يف عملية الدعم.
الوثيقة السياسية 192
أصبحت الرياضة اليوم أكثر من مجرد وسيلة للرتفيه أو الرتبية البدنية ،إذ أصبح
لها دور فعال يف تحقيق الوقاية من األمراض وحفظ الصحة العامة ،بل أصبحت صناعة
ترتبط دوليا بمجاالت التنمية االجتماعية واالقتصادية .لذا ينبغي أن ينظر لهذا القطاع
بمنظور إعداد األجيال ،واعتباره رافعة لتدعيم األخالق الفاضلة والمنافسة النزيهة ،مع ما
يتطلب ذلك من بعد استثماري ،هبدف حفظ الصحة لعموم المواطنين وتحقيق اإلشعاع
الحضاري عرب مواهب الشباب يف مختلف األنواع الرياضية.
وبالنظر إلى واقع الرياضة المغربية ،ويف بلد يزخر بالمواهب والطاقات ،تبقى
الرياضة بعيدة كل البعد عن االندماج يف نسق التنمية الذاتية والمجتمعية ،ورغم بعض
اإلنجازات المهمة يالحظ استمرار االختالالت البنيوية العامة التي يعرفها المجال.
وتتجلى أبرز هذه االختالالت يف استشراء المحسوبية والزبونية ،وسيادة منطق الريع،
وغياب التصور االحرتايف للمجال ،واالرتجال وتسلط االنتهازيين ،وهشاشة البنيات
التحتية ،وسوء أنظمة الحكامة والتسيير ،وغياب الشفافية ،وعدم تطور اإلعالم الرياضي،
وضعف االعتناء بالمواهب الصاعدة ،وعدم كفاية التمويل ،وضعف المراقبة والتقييم...
.759بلورة سياسة رياضية تجمع بين الجوانب الرتبوية األخالقية واألبعاد الرتفيهية
والتنموية العامة مع استعمال آليات التسيير الحديثة.
.760تحيين وتجديد المنظومة القانونية للرياضة عموما ولالستثمار يف الحقل الرياضي
خصوصا ،وبلورة أنظمة مالية قانونية لالستثمار الرياضي واالحتضان الرياضي
يضع حدا لالرتجال والستغالل االنتهازيين والوصوليين.
.761محاربة الريع الرياضي والتأسيس لحكامة راشدة للعمل الرياضي وللجمعيات
العاملة يف الميدان ،خاصة على مستوى التدبير المالي واإلداري.
.762بناء منظومة للرياضة الوطنية بما يضمن سبل الولوج والتكوين والتأهيل وأداء
الوظائف الرتبوية واألخالقية والجسمية الحركية.
الوثيقة السياسية 194
.774بناء اقتصاد رياضي قوي يتمحور حول الصناعة الرياضية ،مع التحفيز المناسب
للقطاع.
.775تأسيس نظام للحماية الصحية واالجتماعية للرياضيين وتطوير وتأهيل مجال
الطب الرياضي.
.776تطوير وتأهيل وتحديث اإلعالم الرياضي ليمارس وظائفه بمهنية واحرتافية
ومسؤولية.
.777االعتناء بمراكز التكوين والتأهيل الرياضيين وإلحاقها بالجامعات.