Professional Documents
Culture Documents
Figh13514 العرف الدولي دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي العام - قاسم الفالح
Figh13514 العرف الدولي دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي العام - قاسم الفالح
العرف الدولي
دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقانون الدولي العام
إعداد الطالب
قاسم بن مساعد بن قاسم الفاحل
إشراف
فضيلة األستاذ الدكتور
حممد احلسيين مصيلحي الشعراوي
األستاذ باملعهد العايل للقضاء وعمادة البحث العلمي
العام الجامعي
1425هـ1426 -هـ
المقدمة
1
وتشتمل على ما يلي :
املقدمة
2
إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له وأشهد أن ال إله إال اهلل
وحده ال شريك له وأشهد أن حممدًا عبده ورسوله صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه
وسلم ومن سار على هنجه إىل يوم الدين .
وبعد :
فهذا موضوع بعنوان ( العرف الدويل ) ,أتقدم به إىل قسم السياسة الشرعية ,وذلك
ألن من متطلبات احلصول على درجة املاجستري من هذا القسم كتابة حبث تكميلي خيتار
فيه الطالب موضوعًا يتعلق بتخصصه فكان هذا املوضوع .
3
بالواقع العملي احلاضر فاملشاهد للقانون الدويل العام هذه األيام جيد أن الغالبية من قواعده
تقوم على العرف الذي تواتر بني الدول واستقر عليه العمل بينها ,حىت وإن كان القانون
الدويل يف أغلبه على هيئة معاهدات واتفاقيات دولية فإن كثريًا من الشراح يرى أهنا – يف
األعم األغلب منها – جمرد معاهدات كاشفة عن العرف املستقر قبلها .
إن العرف الدويل هو املصدر األقدم من ناحية التدرج التارخيي ملصادر القانون الدويل العام
من حيث أقدميتها ,وهو أيضًا أكرب املصادر من حيث القواعد املنتمية إليه وأكثرها تشعبًا
واختالفًا .
من هنا يتبني للقارئ أمهية العرف الدويل يف القانون الدويل العام ,وأنه جدير بأن يكون
واحدًا من أهم مصادره .
أما الشريعة اإلسالمية فقد اهتمت هبذه األعراف قبل القانون الدويل العام ,ويظهر أثر
ذلك جليًا للعيان يف األحالف واملواثيق اليت عقدها صلى اهلل عليه وسلم بينه وبني غريه
واليت جرت بناء على أعراف سابقة .
كما يظهر اهتمام الشريعة اإلسالمية بالعرف الدويل يف التزامه صلى اهلل عليه وسلم به
حينما التزم بالعرف الدويل اجلاري بعدم قتل الرسل .
ومن يطلع على كتب الفقهاء – خاصة أبواب اجلهاد واهلدنة وحنوها – يدرك بناء كثري
من األحكام املتعلقة باألمور الدولية على العرف الدويل .
إال أنه ينبغي التنبيه على أمر مهم وهو أن العرف الدويل يف اإلسالم ال يعترب مصدرًا
أساسيًا للتشريع الدويل اإلسالمي بل هو مصدر ثانوي يرجع إليه يف العالقات بني الدول
يف األمور اخلالية من النصوص وذلك بشرط عدم خمالفتها لإلسالم .
4
-2اإلشارة إىل اعتبار التشريع اإلسالمي للعرف الدويل ما مل خيالف ثوابته .
-3إثبات اعتماد الفقهاء على هذا العرف يف كثري من األحكام املتعلقة بالدارين ,دار
اإلسالم ودار احلرب .
5
هذا وقد وجدت كتابًا يتحدث عن العرف الدويل وهو بعنوان ( :القاعدة العرفية يف
القانون الدويل العام ) للدكتور عبد الغين حممود .
وقد تناول هذا الكتاب موضوع العرف الدويل من ناحية القانون الدويل العام دون
مقارنته بالشريعة اإلسالمية .
كذلك هناك كتاب بعنوان ( :أيدلوجية العرف الدويل ) وهو عبارة عن كتيب صغري ال
يتجاوز األربعني صفحة ,مليء بالرسوم اهلندسية واليت يعتقد صاحب الكتاب أهنا توصل
إىل فهم أكثر حلقيقة العرف الدويل ,وبناًء على ذلك فأعتقد أن االستفادة من هذا
الكتاب ستكون حمدودة .
غري هذه الكتب مل أجد كتابًا يتحدث عن العرف الدويل بشكل مستقل ال من خالل
القانون الدويل العام وال من خالل الفقه ,وذلك يف كثري من املكتبات العامة ,منها على
سبيل املثال :املكتبة املركزية باجلامعة ,ومكتبة معهد اإلدارة ,ومكتبة امللك عبد العزيز ,
ومكتبة جامعة األمري نايف .
6
أ -حترير حمل اخلالف فيها .
ب -ذكر األقوال يف املسألة ,ويكون عرض اخلالف على ضوء األقوال ,وذكر أشهر
من قال بكل قول ,وذلك على وفق الرتتيب الزمين ملولد إمام كل مذهب .
ج -ذكر األدلة لكل قول مع بيان وجه الداللة من الدليل .
د -ترجيح ما يظهر رجحانه ويكون ذلك مبنيًا على سالمة أدلة القول أو بعضها وبطالن
األقوال األخرى أو ضعفها .
هـ -ذكر نوع اخلالف :أهو لفظي أم معنوي ,وذكر ما يرتتب عليه من مثرة عملية إن
كان معنويًا .
-6العناية بضرب األمثلة واحلرص على إضافة أمثلة معاصرة غري األمثلة املشهورة وتوجيه
ذلك .
-7يكون مقدار البحث ألي مسألة حسب ما يناسب مقام ذكرها يف البحث .
-8أن يكون النقل عن املصادر باملعىن ال بالنص ما مل يكن املقام يتطلب ذكر الكالم
بنصه فأذكره على ما هو عليه .
-9مقارنة األنظمة املتعلقة باملوضوع بأحكام الشريعة اإلسالمية وإبداء وجهات النظر
حيال هذا األمر .
الثاين :منهج التعليق والتهميش ,ويكون على ضوء النقاط التالية :
-1عند االستدالل من القرآن الكرمي يتم ذكر اسم السورة ورقم اآلية .
-2عند االستدالل من السنة يتم ختريج األحاديث من مصادرها ونقل كالم أهل العلم
خمتصرًا يف احلكم عليها وبيان درجتها ما مل تكن يف الصحيحني .
-3أتبع يف عزو األشعار إىل مصادرها املنهج التايل :
أ -إن كان لصاحب الشعر ديوان وثقت شعره من ديوانه .
ب -إن مل يكن له ديوان وثقت الشعر مما تيسر من دواوين األدب واللغة .
-4توثيق نسبة األقوال إىل املذاهب من الكتب املعتمدة يف كل مذهب .
-5أتبع يف ترمجة األعالم (غري املعاصرين ) املنهج التايل :
أ -أن تتضمن الرتمجة :
7
اسم العلم ونسبه وتاريخ مولده ووفاته مع ذكر شهرته وأهم مؤلفاته ومصادر ترمجته .
ب -أن تتسم الرتمجة باالختصار ,مع وفائها مبا سبق ذكره .
-6تكون اإلحالة إىل املصادر يف حالة النقل منه بالنص بذكر امسه واجلزء والصفحة ,
ويف حالة النقل باملعىن أذكر ذلك مسبوقا بكلمة ( انظر ) .
-7املعلومات املتعلقة باملراجع ( النشر ,رقم الطبعة ,تارخيها ...اخل ) أكتفي
بذكرها يف قائمة املصادر واملراجع ,وال أذكر شيئًا من ذلك يف هامش البحث إال عند
ذكر املصدر ألول مرة .
الثالث :منهج الشكل والتنظيم ,ويكون على ضوء النقاط التالية
-1العناية بضبط األلفاظ ,وخباصة اليت يرتتب على عدم ضبطها شيء من الغموض ,أو
إحداث لبس أو احتمال بعيد .
-2االعتناء بصحة املكتوب ,وسالمته من الناحية اللغوية ,واإلمالئية ,والنحوية ,
ومراعاة حسن تناسق الكالم ,ورقي أسلوبه .
-3العناية بعالمات الرتقيم ,ووضعها يف مواضعها الصحيحة فقط ,وأقصد هبا :النقط
,والفواصل ,وعالمات التعليل ,والتعجب ,واالستفهام ,واإلعراض .....اخل .
-4أتبع يف إثبات النصوص املنهج التايل :
أ -أضع اآليات القرآنية بني قوسني مميزين على هذا الشكل . } { :
ب -أضع األحاديث واآلثار بني قوسني مميزين على هذا الشكل . ) ( :
ج -أضع نصوص العلماء بني قوسني مميزين على هذا الشكل . " " :
8
-1أمهية املوضوع
-2أهداف املوضوع
-3أسباب اختياره
-4الدراسات السابقة
-5منهج البحث .
-6تقسيمات البحث
9
الفرع األول :الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق الدولية يف القانون الدويل العام
الفرع الثاين :الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق الدولية يف الفقه اإلسالمي
املطلب الثالث :الفرق بني العرف الدويل والعادات الدولية .وفيه فروع :
الفرع األول :الفرق بني العرف الدويل والعادات الدولية يف القانون الدويل العام
الفرع الثاين :الفرق بني العرف الدويل والعادات الدولية يف الفقه اإلسالمي
الفصل األول :منشأ العرف الدويل وأركانه وشروطه .وفيه مباحث :
املبحث األول :منشأ العرف الدويل .وفيه مطالب :
املطلب األول :التصرفات احلكومية املنشئة للعرف الدويل .وفيه فروع :
الفرع األول :تصرفات السلطة التنفيذية
الفرع الثاين :تصرفات السلطة التشريعية
الفرع الثالث :تصرفات السلطة القضائية
املطلب الثاين :التصرفات الدولية املنشئة للعرف الدويل .وفيه فروع :
الفرع األول :املعاهدات الدولية
الفرع الثاين :املنظمات الدولية
الفرع الثالث :احملاكم الدولية
املطلب الثالث :دور الدول الكربى يف إنشاء العرف الدويل
املطلب الرابع :دور اإلعالنات العامة يف إنشاء العرف الدويل
املطلب اخلامس :دور الشراح يف إنشاء العرف الدويل
املطلب السادس :دور أفراد اجملتمع يف إنشاء العرف الدويل
املطلب السابع :موقف الفقه اإلسالمي من األمور املنشئة للعرف الدويل .
املبحث الثاين :أركان العرف الدويل .وفيه مطالب :
املطلب األول :أركان العرف الدويل يف القانون الدويل العام .وفيه فروع :
الفرع األول :الركن املادي
الفرع الثاين :الركن املعنوي
املطلب الثاين :أركان العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي .
10
املبحث الثالث :شروط العرف الدويل .وفيه مطالب :
املطلب األول :شروط العرف الدويل يف القانون الدويل العام
املطلب الثاين :شروط العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي
الفصل الثاين :أقسام العرف وخصائصه وتدوينه .وفيه مباحث :
املبحث األول :أقسام العرف الدويل .وفيه مطالب :
املطلب األول :أقسام العرف الدويل يف القانون الدويل العام .وفيه فروع :
الفرع األول :من حيث العموم واخلصوص :
-1العرف الدويل العام
-2العرف الدويل اخلاص
الفرع الثاين :من حيث جواز االتفاق على خالفه :
-1عرف دويل آمر
-2عرف دويل مكمل
الفرع الثالث :من حيث اإلجياب والسلب :
-1عرف دويل إجيايب
-2عرف دويل سليب
املطلب الثاين :أقسام العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي .وفيه فروع :
الفرع األول :من حيث الصحة والفساد :
-1العرف الدويل الصحيح
-2العرف الدويل الفاسد
الفرع الثاين :من حيث القول والعمل إىل :
-1عرف قويل
-2عرف عملي
الفرع الثالث :من حيث مصدره املنشئ له إىل :
-1عرف دويل مستند إىل دليل شرعي
-2عرف دويل غري مستند إىل دليل شرعي
11
املبحث الثاين :خصائص العرف الدويل
املبحث الثالث :تدوين العرف الدويل .وفيه مطالب :
املطلب األول :التدوين العلمي
املطلب الثاين :التدوين الرمسي
املطلب الثالث :دور األمم املتحدة يف تدوين العرف الدويل
املطلب الرابع :الصعاب اليت تعرتض التقنني وكيفية مواجهتها
املطلب اخلامس :أثر التقنني يف العرف الدويل
الفصل الثالث :حجية العرف الدويل واألساس اإللزامي له .وفيه مباحث :
املبحث األول :حجية العرف الدويل
املبحث الثاين :األساس اإللزامي للعرف الدويل .وفيه مطالب :
املطلب األول :األساس اإللزامي للعرف الدويل يف القانون الدويل العام
املطلب الثاين :األساس اإللزامي للعرف الدويل يف الفقه اإلسالمي
الفصل الرابع :أثر العرف الدويل .وفيه مباحث :
املبحث األول :أثر العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي .وفيه مطالب :
املطلب األول :أثر العرف الدويل يف الفقه احلنفي
املطلب الثاين :أثر العرف الدويل يف الفقه املالكي
املطلب الثالث :أثر العرف الدويل يف الفقه الشافعي
املطلب الرابع :أثر العرف الدويل يف الفقه احلنبلي
املبحث الثاين :أثر العرف الدويل يف القانون الدويل العام .وفيه مطالب :
املطلب األول :أثر العرف الدويل يف القانون الدويل العريف .وفيه فروع :
الفرع األول :أثر العرف الدويل يف القانون الدبلوماسي
الفرع الثاين :أثر العرف الدويل يف القانون البحري
الفرع الثالث :أثر العرف الدويل يف القانون الفضائي
الفرع الرابع :أثر العرف الدويل يف القانون التجاري الدويل
الفرع اخلامس :أثر العرف الدويل يف القانون الدويل حلقوق اإلنسان
12
املطلب الثاين :أثر العرف الدويل يف املعاهدات الدولية .وفيه فروع :
الفرع األول :أثر العرف الدويل يف إنشاء املعاهدات
الفرع الثاين :أثر العرف الدويل يف تفسري املعاهدات
الفرع الثالث :أثر العرف الدويل يف تعديل املعاهدات
الفرع الرابع :أثر العرف الدويل يف إهناء املعاهدات
املطلب الثالث :أثر العرف الدويل يف احملاكم .وفيه فروع :
الفرع األول :أثر العرف الدويل يف احملاكم الداخلية
الفرع الثاين :أثر العرف الدويل يف احملاكم الدولية
-1أثر العرف الدويل يف حمكمة العدل الدولية
-2أثر العرف الدويل يف حمكمة العدل اإلسالمية
-3أثر العرف الدويل يف احملكمة اجلنائية الدولية
املبحث الثالث :أثر العرف الدويل يف أنظمة اململكة العربية السعودية.
اخلامتة :وفيها يتم احلديث عن أهم نتائج البحث .
الفهارس .ويشمل ذلك فهارس اآليات واألحاديث واألعالم واملصادر واملوضوعات .
ختامًا أمحد اهلل عز وجل محدًا كثريًا على نعمه علي ,ومنها أن يسر يل االنتهاء من هذا
البحث .
وأتقدم بالشكر اجلزيل لكل من ساعدين يف إمتامه ,وأخص بالذكر قسم السياسة الشرعية
ممثًال برئيسه وأعضائه ,وذلك على ما أبدوه من صدر واسع وعلم نافع اسأل اهلل أن
جيعله يف ميزان حسناهتم .
كما ال يفوتين أن أتقدم بالشكر اجلزيل لألستاذ الدكتور حممد احلسيين مصيلحي
الشعرواي على ما قدمه يل من معونة علمية ومساعدات أكادميية ,والذي كان يل خري
عون بعد اهلل .
.
13
مث إين ألتمس منه ومن كل قارئ هلذا البحث أن يصفح عما به من زلل ,ويصحح ما به
من خلل ,ال سيما وإين كل ما ازددت عمقًا فيه ,ازددت إدراكًا بعظيم تقصريي فيه ,
واهلل املستعان .
هذا واهلل أعلم وأحكم وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني .
14
التمهيد
ويشتمل على املباحث اآلتية :
المبحث األول
تعريف العرف الدويل
15
ويشتمل على املطالب اآلتية :
المطلب األول
تعريف العرف لغة واصطالحًا
16
الفرع األول :التعريف اللغوي للعرف
الفرع الثاين :التعريف االصطالحي للعرف
الفرع األول
التعريف اللغوي للعرف
للعرف يف اللغة حبسب ضم عينه وفتحها وكسرها العديد من املعاين ,منها ما يلي :
أ -العرف ( بضم العني وسكون الراء ) :ويطلق على معاين عدة منها :
-1يطلق على املعروف الذي هوضد املنكر .يقال :أواله عرفًا أي معروفًا .واملعروف
( )1
والعارفة خالف النكر .
والعرف والعارفة واملعروف واحد :ضد النكر ,وهو كل ما تعرفه النفس من اخلري
( )2
وتطمئن إليه .
( )3
ويطلق أيضًا على ما تعارفه الناس يف عاداهتم وأعماهلم .
( )4
وقيل :مسي باملعروف ؛ ألن النفوس تسكن إليه .
17
( )5
ومنه قول الشاعر :أىب اهلل إال عدله ووفاءه فال النكر معروف وال العرف ضائع .
واملعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة اهلل والتقرب إليه واإلحسان إىل الناس ,
وكل ما ندب إليه الشرع وهنى عنه من احملسنات واملقبحات ,وهو من الصفات الغالبة
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :لسان العرب ,البن منظور , )9/155( ,تصحيح :أمني حممد عبد الوهاب و حممد الصادق العبيدي
,الناشر :دار إحياء الرتاث العريب يف بريوت ,وانظر :الصحاح للجوهري , )3/1158( ,الناشر :دار إحياء
الرتاث العريب يف بريوت ,وانظر :مجهرة اللغة ,البن دريد البصري , )2/381( ,الناشر :مؤسسة احلليب يف
القاهرة .
( )2انظر :لسان العرب ,البن منظور , )9/155( ,والقاموس احمليط ,للفريوزبادي , )3/178( ,الناشر :
املؤسسة العربية يف بريوت .
( )3انظر :املعجم الوسيط ,إلبراهيم مصطفى وآخرون . )2/601( ,
( )4انظر :معجم مقاييس اللغة ,البن فارس , )4/281( ,حتقيق :عبد السالم حممد هارون ,الناشر :دار
الفكر .
( )5الشاعر هو النابغة الذبياين انظر :ديوان النابغة ( ,ص. )56
أي أمر معروف بني الناس إذا رأوه ال ينكرونه .
( )1
-2شعر عنق الفرس )2( .ومنه قولـه تعـاىل { :واملرسـالت عرفـا } )3( .يقـال هـو مسـتعار
من عرف الفرس أي يتتابعون كعرف الفرس .
( )4
-3اللحمة املستطيلة اليت على رأس الديك .
( )6
-4املكان املرتفع )5( .ومنه قوله تعاىل { :وعلى األعراف رجال } .
( )7
-5شجر األترج .
( )8
-6موج البحر .
( )9
-7يطلق على خنلة تسمى الربشوم .
()10
-8يطلق على الصرب ,والعارف الصابر .
18
( )2انظر :معجم منت اللغة ,للشيخ أمحد رضا , )4/78( ,الناشر :دار مكتبة احلياة يف بريوت 1379 ,م ,
وانظر :املعجم الوسيط ,إلبراهيم مصطفى وآخرون , )2/601( ,ومعجم مقاييس اللغة ,البن فارس ( ,
, )4/281و الصحاح ,للجوهري , )3/1158( ,ومجهرة اللغة ,البن دريد البصري , )2/381( ,وتاج
العروس ,للزبيدي احلنفي . )6/192( ,
( )3سورة املرسالت ,اآلية رقم . )1( :
( )4انظر :املعجم الوسيط ,إلبراهيم مصطفى وآخرون , )2/601( ,القاموس احمليط ,للفريوزبادي ( ,
, )3/178ومجهرة اللغة ,البن دريد البصري . )2/381( ,
( )5انظر :املعجم الوسيط ,إلبراهيم مصطفى وآخرون )9( )2/601( ,وتاج العروس ,للزبيدي احلنفي ( ,
. )6/192
( )6سورة األعراف ,اآلية رقم . )46( :
( )7انظر :لسان العرب ,البن منظور , )9/157( ,وتاج العروس ,للزبيدي احلنفي . )6/192( ,
( )8انظر :املعجم الوسيط ,إلبراهيم مصطفى وآخرون . )2/601( ,
( )9انظر :معجم منت اللغة ,للشيخ أمحد رضا , )4/78( ,وتاج العروس ,للزبيدي احلنفي . )6/192( ,
( )10انظر :لسان العرب ,البن منظور . )9/154( ,
( )11انظر :الصحاح ,للجوهري , )3/1158( ,ولسان العرب ,البن منظور . )9/158( ,
19
( )1انظر :لسان العرب ,البن منظور )9/157( ,
( )2انظر :املعجم الوسيط ,إلبراهيم مصطفى وآخرون , )2/601( ,ومعجم مقاييس اللغة ,البن فارس ( ,
, )4/281ومجهرة اللغة ,البن دريد البصري , )2/381( ,وتاج العروس ,للزبيدي احلنفي . )6/192( ,
( )3سورة حممد آية رقم . )6( :
( )4انظر :الصحاح ,للجوهري . )3/1158( ,
( )5انظر :القاموس احمليط ,للفريوزبادي . )3/178( ,
( )6انظر :معجم منت اللغة ,للشيخ أمحد رضا , )4/77( ,والقاموس احمليط ,للفريوزبادي , )3/178( ,
والصحاح ,للجوهري . )3/1158( ,
( )7انظر :مجهرة اللغة ,البن دريد البصري . )2/381( ,
( )8انظر :الصحاح ,للجوهري , )3/1158( ,واملعجم الوسيط ,إلبراهيم مصطفى وآخرون , )2/601( ,
ومعجم منت اللغة ,للشيخ أمحد رضا , )4/77( ,وتاج العروس ,للزبيدي احلنفي , )6/192( ,ولسان العرب
,البن منظور . )9/154( ,
الفرع الثاني
التعريف االصطالحي للعرف
20
-3تعريف العرف يف اصطالح علماء االجتماع
-4تعريف العرف يف اصطالح علماء القانون
ذكر بعض علماء الشريعة تعريفات متعددة للعرف ,وإليك بعضًا منها :
( )1
" -1أنه ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول ,وتلقته الطباع السليمة بالقبول ".
" -2أنه مأخوذ من العـادة املأخوذة من املعـاودة فهي بتكرارهـا ومعاودهتا مـرة بعـد أخـرى
صــارت معروفــة مســتقرة يف النفــوس والعقــول متلقــاة بــالقبول من غــري عالقــة وال قرينــة حــىت
ص ــارت حقيق ــة عرفي ــة ,فالع ــادة والع ــرف مبع ــىن واح ــد من حيث املاص ــدق وإن اختلف ــا من
( )2
حيث املفهوم " .
-3ما نقل عن صاحب املستصفى ( )3من تعريــف للعــرف مفــاده " :أن العــادة والعــرف مــا
( )4
استقر يف النفوس وتلقته الطباع السليمة بالقبول " .
21
" -4أنه ما استقر يف النفوس من جهة العقول ,وتلقته الطباع السليمة بالقبول ,بشرط
()5
أن ال خيالف نصًا شرعيًا " .
" -5أنه ما استقر يف النفوس واستحسنته العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول واستمر
ــــــــــــــــــ
( )1التعريفات ,أليب احلسن علي اجلرجاين ( ,ص , )86الناشر :دار الشؤون الثقافية العامة يف بغداد .
( )2نشر العرف يف بناء بعض األحكام على العرف ,ال بن عابدين ,رسالة من جمموعة رسائل البن عابدين ( ,
, )2/114رسالة من جمموعة رسائل البن عابدين ,الناشر :عامل الكتب .
( )3وهو عبد اهلل بن أمحد النسفي ,وكتابه هذا خمطوط بدار الكتب املصرية كما حكاه الدكتور عوض .
( )4انظر :أثر العرف يف التشريع اإلسالمي ,للدكتور السيد صاحل عوض ( ,ص , )50الناشر :دار الكتاب
اجلامعي .
( )5العرف والعمل يف املذهب املالكي ,لعمر عبد الكرمي اجليدي ( ,ص , )34الناشر :مطبعة فضالة يف املغرب ,
1404هـ 1984 ,م .
( )1
الناس عليه مما ال ترده الشريعة وأقرهتم عليه " .
( )2
" - 6أنه ما اعتاده الناس من معامالت واستقامت عليه أمورهم " .
" -7هو ما اصطلح عليه فئة من الناس أو كلهم وألفوه يف البالد كلها أو عند جزء منها
( )3
,وعند الناس كلهم أو عند طائفة منهم " .
( )4
" -8أنه عادة مجهور قوم يف قول أو عمل "
" -9أنه ما تعارف عليه مجهور الناس ودرجوا عليه ,سواء كان ذلك يف أفعاهلم أو يف
( )5
أقواهلم " .
( )6
" – 10أنه ما اعتاده الناس ,وألفوه سواء كان قوًال أو فعًال " .
( )7
" -11أنه ما تعرفه مجهور الناس وساروا عليه ,سواء كان قوًال أو فعًال أو تركًا " .
22
" -12أنـه مـا اعتـاده النـاس وسـاروا عليـه يف أمـور حيـاهتم ومعـامالهتم من قـول أو فعـل أو
( )8
ترك " .
ـــــــــــــــــــــ
( )1أثر العرف يف التشريع اإلسالمي ,للدكتور السيد صاحل عوض ( ,ص. )52
( )2أصول الفقه ,للشيخ حممد أبو زهرة ( ,ص , )216الناشر :دار الفكر العريب يف القاهرة .
( )3املدخل إىل الفقه اإلسالمي ,للدكتور عبد العزيز خياط ( ,ص , )69الناشر :دار الفكر يف األردن ,ط, 2
1412هـ .
( )4املدخل الفقهي العام ,للشيخ مصطفى أمحد الزرقا , )1/141( ,الناشر :دار القلم يف دمشق ,ط, 1
1418هـ .
( )5مبادئ الفقه اإلسالمي ,للدكتور يوسف القاسم ( ,ص , )209الناشر :دار النهضة العربية يف مصر ,
1398هـ .
( )6مفهوم الفقه اإلسالمي ,للشيخ نظام الدين عبد احلميد ( ,ص , )141الناشر :مؤسسة الرسالة .
( )7املدخل يف الفقه اإلسالمي ,للشيخ حممد مصطفى شليب ( ,ص , )260الناشر :الدار اجلامعية يف بريوت .
( )8املدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية ,للدكتور عبد الكرمي زيدان ( ,ص , )172الناشر :مؤسسة الرسالة ,ط
1417 , 13هـ .
" – 13أنه ما اعتاده الناس وألفوه من فعل شاع بينهم أو لفظ تعــارفوا إطالقــه على معــىن
( )1
خاص إذا ذكر تبادر الذهن إليه ال إىل معىن سواه " .
" -14أنه ما اعتاده أكثر الناس ,وساروا عليه يف مجيع البلدان أو يف بعضها ,سواء
( )2
أكان ذلك يف مجيع العصور ,أم يف عصر معني " .
( )3
" -15أنه ما اعتاده الناس وساروا عليه يف شؤون حياهتم " .
" -16أنه ما اعتاده مجهور الناس وألفوه من فعل شاع بينهم أو لفظ تعارفوا إطالقه على
( )4
معىن خاص حبيث ال يتبادر عند مساعه غريه " .
( )5
" -17أنه ما يتعارفه الناس ويسريون عليه غالبًا من قول أو فعل " .
" -18أن ــه م ــا اعت ــاده مجي ــع الن ــاس أو أك ــثرهم يف مجي ــع البل ــدان أو بعض ــها من األق ــوال أو
()6
األفعال " .
23
" -19أنه ما اعتاده الناس ,وساروا عليه ,من كل فعل شاع بينهم ,أو لفظ تعارفوا
( )7
إطالقه على معىن خاص ال تألف اللغة ,وال يتبادر غريه عند مساعه " .
" -20أنه ما اعتاده مجهور الناس وألفوه من قول أو فعل ,تكرر مرة بعد أخرى حىت
ــــــــــــــــ
( )1املدخل الفقهي وتاريخ التشريع اإلسالمي ,للدكتور عبد الرمحن الصابوين وآخرون ( ,ص , )137الناشر :
مكتبة وهبة .
( )2العرف وأثره يف الشريعة والقانون ,للدكتور أمحد بن علي سري املباركي ( ,ص , )35ط1414 , 2هـ .
( )3نظرية العرف ,للدكتور عبد العزيز اخلياط ( ,ص , )24الناشر :مكتبة األقصى 1397 ,م .
( )4أصول الفقه اإلسالمي ,للدكتور زكي شعبان ( ,ص. )191
( )5مصادر التشريع اإلسالمي فيما ال نص فيه ,للشيخ عبد الوهاب خالف ( ,ص , )145الناشر :دار القلم يف
الكويت ,ط1392 , 3هـ .
( )6علم مقاصد الشرع ,للدكتور عبد العزيز بن عبد الرمحن الربيعة ( ,ص. )343
( )7أصول الفقه اإلسالمي ,للدكتور وهبة الزحيلي ( ,ص , )829الناشر :دار الفكر .
( )1
متكن أثره يف نفوسهم ,وصارت تتلقاه عقوهلم بالقبول " .
( )2
" -21أنه ما تعارفه الناس واستقامت عليه أمورهم من قول أو فعل " .
" -22أنه ما تعوده الناس أو مجع منهم وألفوه حىت استقر يف نفوسهم من فعل شاع
بينهم أو لفظ كثر استعماله يف معىن خاص حبيث يتبادر منه عند إطالقه دون معناه
( )3
األصلي " .
( )4
" -23أنه ما تعارفه الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك " .
" -24أنه عادة توضع الناس على اتباعها ,معتقدين يف قوهتا امللزمة ,إذ هم يصنعوهنا
بأنفسهم ويتبعوهنا على نسق متواتر حىت تصبح عامة على حنو يعتقدون معه أهنا ملزمة هلم
( )5
يف التعامل " .
" -25أنه جمموعة القواعد اليت تنشأ من مضي الناس عليها يتوارثوهنا خلفًا عن سلف
( )6
بشرط أن يكون هلا جزاء قانوين كالتشريع سواء بسواء " .
24
ــــــــــــــــــــ
( )1أصول الفقه اإلسالمي ,للدكتور بدران أبو العينني بدران ( ,ص , )224الناشر :مؤسسة شباب اجلامعة يف
اإلسكندرية .
( )2انظر :مصادر األحكام اإلسالمية ,للدكتور زكريا الربى ( ,ص )145و أصول الفقه اإلسالمي لنفس املؤلف
( ,ص. )150
( )3أصول الفقه اإلسالمي ,للدكتور حممد مصطفى شليب ( ,ص , )313الناشر :دار النهضة العربية يف بريوت ,
ط1402 , 3هـ .
( )4علم أصول الفقه ,للدكتور عبد الوهاب خالف ( ,ص , )89الناشر :دار القلم يف الكويت ,ط, 10
1392هـ .
( )5أصول األحكام الشرعية ومبادئ علم األنظمة ,للدكتور عبد العزيز العلي النعيم ( ,ص. )118
( )6مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها ,للشيخ عالل الفاسي ( ,ص , )156الناشر :دار الغرب اإلسالمي .
يؤخ ــذ على التع ــاريف الثالث األوىل أهنا غ ــري جامع ــة لع ــدم دخ ــول الع ــرف الفاس ــد فيه ــا ,
وغري
مانعـة لـدخول العـادة الغـري ملزمـة فيهـا .أمـا التعـريفني الرابـع واخلامس فيؤخـذ عليهمـا أهنمـا
يعرفــان العــرف الصــحيح ,ولكن العــرف الصــحيح قســم من أقســام العــرف ,حيث يقســم
إىل صحيح وفاسد ,لـذا ينبغي عـدم حصـره بأحـد أقسـامه ,حيث إنـه يف التعـاريف الثالث
األوىل نصــوا على أن العــرف مــا تلقتــه الطبــاع الســليمة بــالقبول ,والشــك أن هــذه الطبــاع
السـليمة ال تقبـل العـرف الفاسـد ,أمـا التعـريفني الرابـع واخلامس فقـد نصـا على عـدم خمالفـة
العرف للشرع ,وبذلك يتم إخراج العرف الفاسد ,وهذا هــو حمل نقــد هــذين التعــريفني .
أمـا التعريـف السـادس :فيمكن أنـه يؤخـذ عليـه أنـه غـري جـامع حلصـره العـرف يف املعـامالت
فق ــط دون غريه ــا .وأم ــا التع ــاريف من الس ــابع إىل الث ــالث والعش ــرين :فيمكن أن يؤخ ــذ
عليه ــا أهنا غ ــري مانع ــة من دخ ــول الع ــادة غ ــري امللزم ــة فيه ــا .وأم ــا التع ــريفني األخ ــريين فق ــد
25
جــاوزا مــا وقعت بــه التعــاريف املتقدمــة وذلــك باحرتازمها من دخــول العــادة الغــري ملزمــة ,
ولكن ُيفضل أن لو كان التعريف على الشكل اآليت :
" أنه ما اعتاده الناس أو طائفة منهم يف مجيع البلدان أو بعضها مع االعتقاد بإلزاميته " .
يالحــظ أن أقــرب املعــاين اللغويــة ملعــىن العــرف يف الفقــه تعريفــه بأنــه من املعــروف الــذي هــو
ضد املنكر ,أضف إىل ذلك إطالقـه على شـعر عنـق الفـرس املتتـابع ,والعـرف ال يكـون إال
بالتتابع واطراد السلوك ,ألنه نتيجة اعتياد الناس واطرادهم عليه ,ومن هنـا ميكن الوصـول
إىل صلة بني التعريفني اللغوي والفقهي .
26
تعريف العرف يف اصطالح شراح القانون
للعرف يف اصطالح شراح القانون عدة تعريفات ,ومن املالحظ وجود التشابه فيما بينها
,وإليك بعضًا منها :
" -1أنه اطراد سلوك األفراد يف مسألة معينة على حنو معني اطرادًا مصحوبًا باالعتقاد يف
( )1
إلزام هذا السلوك " .
27
" -2أنه عادات عامة ملزمة ,تنظم سلوك األشخاص يف اجملتمع ,فقد جيري سلوك
الناس على اتباع عادة معينة ,ويتكرر هذا السلوك من الناس فرتة طويلة على وترية
واحدة حىت يعتقد كل منهم أنه ملزم له وال يسوغ له أو لغريه خمالفته ,وهنا ترقى العادة
( )2
إىل مستوى القاعدة القانونية وتعترب عرفا " .
" -3أنه اطراد التقليد على اتباع سنة معينة يف العمل ,مع االعتقاد يف إلزام هذه السنة
( )3
كقاعدة قانونية " .
" -4أنه تواتر العمل على األخذ حبلول معينة إىل احلد الذي يتكون معه اعتقاد بضرورة
( )4
احرتامها واالنصياع حلكمها " .
ـــــــــــــــــ
( )1النظرية العامة للقانون ,للدكتور مصطفى حممد عرجاوي ( ,ص , )247الناشر :دار املنار ,ط, 2
1406هـ .
( )2مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة اإلسالمية ,للدكتور عبد الناصر توفيق العطار ( ,ص. )262
( )3املدخل إىل القانون ,للدكتور حسن كريه ( ,ص , )272الناشر :منشأة املعارف باإلسكندرية 1971 ,م .
( )4النظرية العامة للقانون ,للدكتور مصطفى حممد اجلمال والدكتور عبد احلميد حممد اجلمال ( ,ص, )254
الناشر :الدار اجلامعية 1987 ,م .
" -5أنه اعتياد الناس على سلوك معني يف مسألة من املسائل ,يولد شعورا عاما عند
( )1
اجلماعة باعتبارهم ملزمني به ,وإال تعرضوا للجزاء " .
" -6أنه جمموعة القواعد اليت تنشأ من اطراد سلوك الناس عليها زمنًا طويًال ,مع
( )2
اعتقادهم بإلزامها ,وبأن خمالفتها تستتبع توقيع جزاء مادي " .
" -7أنه قاعدة اتبعها الناس كحل لنوع من املشاكل ,مث اطرد اتباعها بشكل ثابت
مستمر مدة طويلة ملطابقتها للعدالة ,حىت أصبحت عادة عامة ,فتعارف الناس على
( )3
احرتامها ,وااللتزام باتباعها " .
28
" -8أنه اعتياد الناس على سلوك معني يف مسألة معينة ,مع اعتقادهم بأن هذا السلوك
( )4
ملزم ,وأن من خيالفه يتعرض جلزاء مادي يوقع عليه " .
( )5
" -9أنه اطراد السلوك على اتباع قواعد ,مع االعتقاد بإلزام هذه القواعد " .
ــــــــــــــــــــ
( )1الوسيط يف النظم السياسية والقانون الدستوري ,للدكتور نعمان أمحد اخلطيب ( ,ص , )465الناشر :جامعة
مؤتة 1999 ,م .
( )2األصول العامة للقانون ,للدكتور توفيق حسن فرج والدكتور حممد حيىي مطر ( ,ص , )104الناشر :الدار
اجلامعية .
( )3املدخل للعلوم القانونية والفقه اإلسالمي ,للمستشار علي منصور ( ,ص , )96الناشر :دار الفتح للطباعة
والنشر يف بريوت .
( )4دروس يف مبادئ القانون لطلبة كلية التجارة ,للدكتور عبد الودود حيىي ( ,ص , )93الناشر :دار النهضة
العربية 1978 ,م .
( )5مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور إبراهيم أمحد شليب ( ,ص , )345الناشر :الدار اجلامعية .
يالحــظ على التعــاريف القانونيــة للعــرف تشــاهبها فيمــا بينهــا حيث إن مجيــع هــذه التعــاريف
تنص على اطراد السلوك ألمر معني واالعتقاد بإلزاميته .
أما أغلب التعاريف الفقهية فال تكاد تنص على إلزامية العرف بناًء على أن الفقهاء يعرفون
29
العرف والقانونيون يعرفون القاعدة القانونية املبنية على العرف ,ولذا عندما مت اختيار
تعريف للعرف يف املبحث السابق روعي فيه تعريف القاعدة املبنية على العرف بناًء على
أن العادة حمكمة ,وبناء على أن هذا البحث يعىن باألحكام املبنية على األعراف ,ومتييزًا
له عن العادة الغري ملزمة .
30
األفراد منساقني إىل السري يف ركاب العرف ,ومن حياول أن يتصدى ملا يفرضه من
مظاهر السلوك أو من املعتقدات واآلراء يقابل من اجلماعة بقوة تتناسب مع قوة العقيدة
اليت خرج عليها ومبلغ تأثريها يف ضمري اجلماعة ,وال أدل على ذلك من أن أي إنسان ال
يستطيع أن يقدم دليًال مقبوًال ومعقوًال عن اآلراء واألقوال اليت يتبعها ويتصرف من خالل
( )1
ما متليه عليه سوى أن يردد املثل املتواتر ( لقد جرى العرف بذلك ) .
وبنــاًء على مــا ســبق فــإن العــرف بــاملفهوم االجتمــاعي خيتلــف عن العــرف بــاملفهوم الفقهي ,
ذل ـ ــك أن التعري ـ ــف الفقهي للع ـ ــرف يش ـ ــمل األق ـ ــوال واألعم ـ ــال خالفـ ـ ـًا للع ـ ــرف ب ـ ــاملفهوم
االجتم ــاعي حيث يك ــون قاصـ ـرًا على األق ــوال واملعتق ــدات ,ول ــذا ف ــإن علم ــاء االجتم ــاع
مييزون الع ــرف عن الع ــادة بق ــوهلم أن ه ــذه األخ ــرية " تتعل ــق باألفع ــال واألعم ــال وال تتعل ــق
( )2
باملعتقدات اليت خيتص هبا العرف " .
ويضم هؤالء العلماء التقاليد إىل األعراف والعادات ,ويعنون هبا األفعال املطردة واليت
ختتص هبا طائفة معينة أو بيئة حملية حمدودة النطاق .وهذا املعىن يصدق على األعراف
ــــــــــــــــــ
( )1انظر :علم االجتماع املعاصر ,للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ( ,ص , )446ط1977 , 1م .
( )2الضبط االجتماعي ,للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ( ,ص , )185الناشر :دار رامتان يف جدة ,ط1402 , 2هـ
.
( )1
اخلاصة حبسب مفهوم الفقهاء .
واخلروج على هذه السنن ( )2ليس باألمر اهلني ؛ ألهنا متوارثات يرثها اخللف عن السلف ,
وإن كانت قابلة للتعديل يف اجملتمع ,فإهنا تصبح يف جمتمع آخر بطيئة التعديل ,إال أهنا
( )3
ميكن أن تتغرب تبعًا لتغري اجملتمع عند بعض األفراد دون البعض اآلخر .
وهلذه السنن صفة اإللزام ملا هلا من سلطة على األفراد واجلماعات ,وجيد كل فرد من
األفراد أنه ملزم باخلضوع هلا ملا هلا من قداسة واحرتام يف نفوسهم تسربت إليهم من
( )4
األجيال السابقة .
31
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :علم االجتماع املعاصر ,للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ( ,ص , )454وعلم اجتماع السياسة ,ملوريس
دوفرجيه ,ترمجة الدكتور سليم حداد ( ,ص , . )84الناشر :املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ,ط1
1411 ,هـ .
( )2يطلق علماء االجتماع مصطلح السنن االجتماعية على كل من العادات والتقاليد واألعراف ,انظر :الضبط
االجتماعي ,للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ( ,ص. )174
( )3انظر :علم االجتماع املعاصر ,للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ( ,ص. )433
( )4انظر :الضبط االجتماعي ,للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ( ,ص. )184
32
يكتسب صفة الشيوع واالنتشار وينتقل بالتايل يف تكوينات اجلماعة املختلفة حمدثًا نوعًا
من التناسق الذي ينشأ عن التقليد واحملاكاة .
وعلى هذا فإن العادات عندهم تؤثر يف عالقة الفرد باجلماعة من حيث مدى تقبل الفرد
يف إطار اجلماعة .
فعلى سبيل املثال تناول نوع معني من أنواع األطعمة أو املشروبات مثل الشاي أو القهوة
يف مناسبات معينة يعترب عادة اجتماعية متيز بعض اجلماعات عن البعض اآلخر ,ومن
املتوقع بطبيعة احلال أن يساير الفرد مثل هذه العادات حىت يدخل يف إطار اجلماعة .
ولكن عندما تشتد هذه العادات وتقوى نتيجة تكرار املمارسة وشدة الشيوع فإهنا تتحول
إىل أعراف حبسب املعىن الفقهي ,وإن كان علماء النفس يصطلحون على تسميتها
بالتقاليد .
فالتقاليد عندهم جمموعة من األمناط السلوكية املوروثة واليت تنتقل من جيل إىل آخر ,
وبذلك فهي ذات أثر كبري يف نشاط اجلماعة وتفاعل أفرادها ,وتعترب متغريًا أساسيًا من
املتغريات اليت توجه عالقة الفرد باجلماعة .
وتعترب كذلك مصدرًا أساسيًا جبانب القيم من مصادر اإللزام والتشريع يف اجلماعة ,فهي
أساس للقاعدة والقانون واحلكم على السلوك بالصحة والسواء أو الشذوذ والتجرمي ,
ولذا قيل بتقارب معناها للمعىن الفقهي للعرف ,أضف إىل ذلك أهنا تدخل دائرة
عموميات اجلماعة ,وخاصة إذا كانت تؤازرها القيمة والدين والعقيدة ,فتصبح بذلك
ذات قوة من نوع خاص تؤثر ليس فقط يف عالقة الفرد باجلماعة أو عالقة اجلماعة بالفرد
وإمنا يف
( )1
التشكيل العام للجماعة ونظامها وبنائها .
33
ـــــــــــــــــ
( )1انظر :علم النفس االجتماعي ,للدكتور فؤاد البهى السيد ,والدكتور سعد عبد الرمحن ( ,ص , )51الناشر
:دار الفكر العريب يف القاهرة 1419 ,هـ ,وانظر :علم النفس وتطبيقاته االجتماعية والرتبوية ,للدكتور عبد
العلي اجلسماين ( ,ص , )205الناشر :الدار العربية للعلوم .
المطلب الثاني
تعريف العرف الدويل باعتباره علمًا ولقبًا
34
ال يوجد من الفقهاء من قام بذكر تعريف للعرف الدويل ,مع أهنم يبنون كثريًا من
أحكامهم عليه ,وكتبهم شاهدة على ذلك كما سيتبني يف حينه ( , )1وخباصة يف أبواب
اجلهاد واهلدنة واألمان وحنوها ,خبالف شراح القانون الدويل ,الذين استفاضوا يف ذلك
,حىت أنك ال جتد كتاب يف القانون الدويل ال يتعرض لتعريف العرف الدويل ,ومن هذه
التعاريف ما يلي :
" -1أنه قاعدة قانونية نشأت من جراء تكرار املمارسة من قبل الدولة ,ثبت هلا يف
( )2
اعتقاد غالبية الدول حتمية االلتزام بتلك املمارسة أو بذلك التصرف يف حالة بعينها ".
" -2أنه جمموعة من القواعد الناشئة عن تواتر االلتزام هبا من قبل الدول يف تصرفاهتا جتاه
( )3
بعضها بعضًا " .
" -3أنه عبارة عن جمموعة من األحكام القانونية نشأت من تكرار التزام الدول هلا يف
تصرفاهتا مع غريها يف حاالت معينة ,بوصفها قواعد ثبت هلا يف اعتقاد غالبية الدول
( )4
املتحضرة وصف اإللزام القانوين " .
" -4أنه جمموعة من قواعد السلوك الدويل غري املكتوبة تكونت من خالل اعتياد الدول
ــــــــــــــــ
( )1وذلك عند احلديث عن أثر العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي
( )2مدخل إىل القانون الدويل العام ,للدكتور مأمون مصطفى ( ,ص , )46الناشر :دار روائع جمدالوي .
( )3املدخل إىل القانون الدويل العام وقت السلم ,للدكتور حممد عزيز شكري ( ,ص , )54الناشر :دار الفكر .
( )4القانون الدويل العام ,للدكتور حامد سلطان والدكتور صالح الدين عامر والدكتورة عائشة راتب ( ,ص
, )47الناشر :دار النهضة العربية ,ط1978 , 1م .
( )1
على إتباعها بوصفها قواعد ثبت هلا لدى املخاطبني بأحكامها صفة اإللزام القانوين " .
" -5أنه جمموعة القواعد ًًًًًًًًًًًًًًا
القانونية غري املكتوبة ,الناشئة عن تواتر االستعمال من قبل
( )2
الدول بعضها جتاه بعض ,نظر القتناعها بضرورة االلتزام هبا " .
35
" -6أنه جمموعة من األعمال القانونية نشأت من تكرار التزام الدول هبا يف تصرفاهتا مع
غريها يف حاالت معينة بوصفها قواعد ثبت هلا وصف اإللزام القانوين ,يف اعتقاد غالبية
( )3
الدول املتحضرة " .
" -7أنه جمموعة من القواعد القانونية تنشأ يف اجملتمع الدويل بسبب تكرار الدول هلا مدة
طويلة ,وبسبب التزام هذه الدول هبا يف تصرفاهتا ,واعتقادها بأن هذه القواعد تتصف
( )4
باإللزام القانوين " .
" -8أنه عبارة عن جمموعة القواعد القانونية اليت نشأت يف اجملتمع الدويل بسبب اتباع
الدول هلا أمدا ًطويًال حىت استقرت ,واعتقدت الدول أن هذه القواعد ملزمة أي واجبة
( )5
االتباع " .
" -9أنه عبارة عن قواعد غري مسطورة منظمة للعالقات الدولية نشأت بسبب أخذ
( )6
الدول هبا فرتة طويلة دون اعرتاض عليها حىت استقرت وأصبحت هلا قوة اإللزام " .
ـــــــــــــــــــــــ
( )1القانون الدويل العام ,للدكتور حممد سامي عبد احلميد والدكتور مصطفى سالمة حسني ( ,ص, )103
الناشر :الدار اجلامعية 1988 ،م.
( )2مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ,للدكتور إحسان هندي ( ,ص , )91الناشر :دار اجلليل ،
ط1984 , 1م ,
( )3القانون الدويل العام يف وقت السلم واحلرب وتطبيقه يف دولة الكويت ,للدكتورة بدرية العوضي ( ,ص
. )27
( )4القانون الدويل العام ,للدكتور حممد اجملذوب ( ,ص1994 , )48م .
( )5مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد حافظ غامن ( ,ص , )91الناشر :مطبعة هنضة مصر يف القاهرة ,
ط1956 , 1م .
( )6القاموس السياسي ,ألمحد عطية اهلل ,كلمة ( العرف الدويل ) .
" -10أنه جمموعة القواعد القانونية اليت نشأت يف اجملتمع الدويل بسبب اتباع الدول هلا
أمدا طويال حىت استقرت واعتقدت الدول أن هذه القواعد ملزمة أي واجبة االتباع .
36
وبعبارة أخرى أنه جمموعة العادات والسوابق املتكررة بشكل مماثل واليت تعرتف معظم
الدول ضمنا بأهنا تؤلف قاعدة دولية إلزامية وثابتة تقتضيها مصلحة اجملتمع الدويل لتنظيم
( )1
العالقات بني أعضائه " .
" -11أنه عبارة عن سلوك ترسخ بفعل العادة العامة ,كحصيلة من األعمال اليت
( )2
متارسها الدول بتصرفاهتا االعتيادية " .
" -12أنه جمموعة القواعد القانونية اليت نشأت يف اجملتمع الدويل بسبب تكرار الدول هلا
لفرتة طويلة من الزمن حىت استقرت واعتقدت الدول أن هذه القواعد ملزمة أي واجبة
( )3
االحرتام " .
37
" أشخاص اجملتمع الدويل " :يراد به إدخال أعراف املنظمات الدولية وحنوها ,مع
أعراف الدول .
" أو بعضهم " :يراد به العرف الدويل اخلاص ,الذي يكون خاصًا باملنظمات الدولية
فقط ,أو خاصًا بعدد حمدود من الدول جتمعهم روابط دينية أو جغرافية أو سياسية اخل .
" مع االعتقاد بإلزاميته " :قيد احرتز به من دخول قواعد اجملامالت الدولية ,وحنوها .
38
المبحث الثاني
أمهية العرف الدويل
39
املطلب األول
أمهية العرف الدويل يف القانون الدويل العام
يعترب العرف الدويل من أهم مصادر القانون الدويل وأكثرها إنشاًء ألحكامه ,إذ هو
أكرب املصادر من حيث القواعد املنتمية إليه وأكثرها تشعبًا .
وإذا كان العرف الدويل يعترب املصدر الثاين إلنشاء القواعد القانونية طبقًا لنص املادة 38
من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية ( , )1إال أن الغالبية العظمى من القواعد الدولية
اليت تنظم العالقات الدولية أنشئت عن طريق هذا العرف ,حيث كانت العالقات الدولية
يف العصور القدمية والوسطى قائمة يف معظمها على قواعد عرفية وعدد قليل من
املعاهدات ,بل إن كثريًا من املعاهدات الدولية اليت أبرمت يف العصور احلديثة كانت إما
هبدف تسجيل قواعد عرفية سبق وأن استقرت يف اجملتمع الدويل لتصقلها بالوضوح
والتحديد ,وإما بغرض التعجيل يف إظهار قاعدة عرفية ضرورية يف تنظيم عالقة دولية قد
يتباطأ يف إثباهتا بسبب عدم تواتر اتباعه من جانب أعضاء اجملتمع الدويل بالوضوح
( )2
والثبات .
إن وضـع العـرف الـدويل يف املكـان الثـاين ال يتفـق مـع مكانتـه احلقيقيـة يف سـلم املصـادر فهـو
هنــاك خلــف املعاهــدات ليس ألن هــذه األخــرية أفضــل منــه أو أعلى منــه ,ولكنــه هنــاك يف
ه ــذا املوق ــع ,لكي مين ــع جتاوزات املعاه ــدات ,ويوض ــح غموض ــها ,وميد هلا ي ــد الع ــون من
خالل تفســري نصوصــها الغامضــة يف ضــوئه وإكمــال وســد النقص والثغــرات االحتماليــة الــيت
قد توجد يف نصوصها .
وهو هناك بصفة خاصة لكي يرشد القاضي عندما تعوزه القاعدة االتفاقية ويبحث عنها
ـــــــــــــــــــــــ
( )1وذلك بعد املعاهدات الدولية اليت اعتربت املصدر األول .
( )2انظر :البعد األخالقي لقانون العالقات الدولية ,للدكتور مسري عبد املنعم ( ,ص , )392الناشر :مكتبة
النهضة العربية يف مصر ,ط1988 , 1م ,وانظر :مدخل إىل القانون الدويل العام ,للدكتور مأمون مصطفى ,
(ص. )46
40
فال جيدها ,فه ـ ــو يف ح ـ ــدود معين ـ ــة التعب ـ ــري الش ـ ــامل عن الق ـ ــانون ال ـ ــدويل الض ـ ــروري أو
املوضــوعي الــذي يوجــد خــارج إرادة الــدول مجيع ـًا ؛ ألنــه يتكــون بطريقــة تلقائيــة تعــرب عن
حاجات وضرورات احلياة الدولية .
فاملعاهــدات الدوليــة مهمــا كــثرت ال تشــكل وحــدها قانون ـًا دولي ـًا عام ـًا ؛ ألهنا تضــع قواعــد
قانونيــة ملزمــة فقــط للــدول الــيت صــدقت عليهــا أو انضــمت إليهــا ,أمــا بالنســبة للــدول الغــري
فال متنحها حقوقًا وال تفرض عليها واجبات ,وهذا ما أشارت إليه املقدمة العامة التفاقية
فين ــا لق ــانون املعاه ــدات لع ــامي 1969م , 1986 ,وأضــافت ب ــأن قواع ــد الق ــانون ال ــدويل
العرفية ستستمر يف حكم املوضوعات واملسائل اليت مل تنظم وفقًا ألحكام هذه االتفاقية .
ويرتتب على ذلك من حيث املبدأ أنه ال توجد قاعدة اتفاقيــة مكتوبــة تلـزم الــدول مجيعـًا إال
إذا افرتضنا معاهدة أو معاهدات قد صدقت عليها مجيع الدول ,وهذا أمر نـادر احلدوث ,
وعن ــدما تتوص ــل اجلماع ــة الدولي ــة إىل إب ــرام معاه ــدات مجاعي ــة يف مجي ــع املي ــادين ,ومص ــدق
عليهـا من قبـل اجلميـع هنـا قـد يفقـد العـرف دوره ومكانتـه ,ولكن الـوقت مـازال بعيـدًا عن
حتقيق مثل هذا الفرض اآلن .
وعليــه ومبا أن العــرف الــدويل موجــود ويــؤدي دورًا حموري ـًا يف العالقــات الدوليــة فهــذا يعــين
بداهة وبدون برهان أن اجلماعة الدولية مل تصل بعــد إىل مرحلـة االســتغناء عن العــرف وأنــه
( )1
ال يزال يعترب مصدرًا للحقوق وااللتزامات الدولية .
وترجع األمهية اليت حظي هبا العرف الدويل إىل كون اجملتمــع الــدويل جمتمعـًا ضــعيف التنظيم
قياسًا باجملتمع الداخلي ,ولذا فــإن بعض الشــراح يــرى أن ازديــاد ظــاهرة املعاهــدات الدوليــة
,ومسـامهتها يف تنظيم العالقـات بني الـدول ,قـد يقلـل من أمهيـة العـرف الـدويل كمـا قللت
( )2
التشريعات يف األنظمة القانونية الداخلية من أمهية العرف الداخلي .
ولكن ومــع تطــور هــذه املعاهــدات الــيت ســهلت عمليــة االلتزامــات الدوليــة ,مــازال العــرف
يلعب دورًا بارزًا ,ويسد بعض النقص الذي يرتكه القانون االتفاقي املكتوب ,وقد يلعب
دورًا جديدًا يف وظائف املنظمات الدولية ,كما يتضح من بعض التطبيقات ,مثل امتناع
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,لعلي إبراهيم ( ,ص , )506الناشر :دار النهضة العربية يف القاهرة 1995 ,م .
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص , )362ط1996 , 1م .
41
األعضاء الدائمني عن التصويت يف جملس األمن أو تطور بعض وسائل وطرق التفسري مثل
( )1
نظرية االختصاصات الضمنية وكذلك التفسري يف ضوء احلاجات املتغرية للحياة الدولية .
ومهما كانت أمهية املعاهدات فإن العرف مازال وملدة طويلة حيتفظ مبكانته كوسيلة
مفضلة جلعل القانون يتالءم باستمرار مع االحتياجات املتغرية للحياة الدولية وكأداة
لتفسري
( )2
معىن املعاهدات ومداها ,وكذا تعويض ما يعرتيها من نقص .
وبعد هذا كله يبقى العرف الدويل حقيقة ماثلة وضرورة ال غــىن عنهــا ووجــوده واقــع ميكن
االســتدالل عليــه من خالل النظــر يف العمــل الــدويل ,فالــدول تــدعو إىل تطبيقــه عنــد نشــوب
املنازعـ ــات وتؤيـ ــد مطالبهـ ــا وفق ـ ـًا لـ ــه والقضـ ــاة واحملكمـ ــون الـ ــدوليون يفسـ ــرونه ويطبقونـ ــه
ويؤسسون أحكامهم عليه .
واملنظمات الدولية وعلى رأسها األمم املتحدة واملؤمترات الدولية تعمل على تقنينه منذ عــام
1899م ,وش ــروحات الق ــانون ال ــدويل تتح ــدث عن عناص ــره وعن تط ــوره وعن فوائ ــده
ومزاياه وعيوبه منذ أكثر من قرنني من الزمان .
ويف العالقـ ــات الدوليـ ــة املعاص ــرة يلعب العـ ــرف دورًا بـ ــارزًا بسـ ــبب التط ــور السـ ــريع ال ــذي
يصيب احلياة الدولية ,وكذلك التطـور السـريع الـذي يصـيب قواعـد هـذا القـانون كـل عـدة
سنوات ,كمـا تشـهد على ذلـك تطـورات قواعـد القـانون الـدويل للبحـار ,فعلى الـرغم من
أن تطور وتقدم القانون الدويل املطرد يف السنوات األخرية قد مت أو يتم بواسطة املعاهــدات
الدولية ابتداًء من ميثاق األمم املتحـدة ,وإعـادة صـياغة قـانون البحـار مـرتني خالل أقـل من
ربع قرن ومرورًا بقانون الفضاء اخلارجي .
إال أن بناء القانون الدويل ذاته مل يتغري ,والعــرف حيتفــظ بقــوة مســاوية للمعاهــدات الدوليــة
ســواء كطريقــة يف إنشــاء القواعــد أو كقاعــدة قانونيــة تعطي حقوق ـًَا وتفــرض واجبــات على
الدول واملنظمات الدولية .
فالعرف وحده هو الذي يسمح بالنظر إىل القانون الدويل كوحدة واحدة وحمورًا للقواعد
ـــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص , )510نقًال عن شارل شومان .
42
( )2انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد بوسلطان , )1/60( ,نقًال عن دي فيشر ,الناشر :
ديوان املطبوعات اجلامعية يف اجلزائر .
والتصرفات .
إن الع ــرف ال ــدويل من خالل توجه ــه الع ــام واملوح ــد يس ــمح ب ــالقول ب ــأن الق ــانون ال ــدويل
خياطب مجيع الدول أو مجيع األشـخاص باعتبـاره وحـدة مشـرتكة ,ويشـكل أسـاس القـانون
الـدويل وميده بالعناصـر اجلوهريـة يف مفرداتـه ,خاصـة حـول مفهـوم الدولـة ومفهـوم السـيادة
واالختصاص وااللتزام الدويل واملسؤولية الدولية وما إىل ذلك من مفردات أساسها العــرف
( )1
الدويل .
ـــــــــــــــــــ
43
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور علي إبراهيم ( ,ص , )509ومبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور
حممد بوسلطان . )1/60( ,
املطلب الثاين
أمهية العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي
لقد كان للعرب قبل اإلسالم أعراف حتكم يف شؤوهنم ويف شؤون عالقاهتم مع غريهم ,
وملا ظهر نور اإلسالم أصبح النص املبين على القرآن والسنة أساسًا للتشريع ,ومن مث
دخلت األعراف اليت أقرها الرسول صلى اهلل عليه وسلم أو عدهلا يف نطاق الوحي غري
املتلو ,وأصبحت جزًء من األعراف اإلسالمية املبنية على السنة النبوية .
ويف عصر الفتوحات والعصور الالحقة ,عثر املسلمون على عادات مل يعرفوها من قبل ,
كما نشأت عادات جديدة ,فاهتدى اخللفاء والصحابة والتابعني بسنة رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم ,ونظموا هذه األعراف على هدي الكتاب والسنة ,واملقاصد الغائية
للتشريع ,ودخلت يف التشريع اإلسالمي من باب إمجاع اجملتهدين ,أو من باب األدلة
التشريعية األخرى كاالستحسان واملصلحة املرسلة ,وأصبح للعرف يف الفقه اإلسالمي
اعتبارًا شرعيًا يف بناء كثري من أنواع األحكام اليت تنظم أمور الناس وعالقاهتم بغريهم .
بل أصبح يف نظر الفقهاء املسلمني دليًال شرعيًا كافيًا يف ثبوت األحكام اإللزامية
وااللتزامات التفصيلية حيثما ال دليل سواه ,وحيثما بقي منضبطًا يف نطاق املقاصد العامة
( )1
للشريعة اإلسالمية .
وكما قيل من أن القانون الدويل يعترب أن العرف أقدم املصادر وجودًا فإن هذا التصور
خاطئ ؛ ألن الدين أسبق من العرف إذ أنزل مع أيب البشر آدم عليه السالم ,فهو أول نيب
ورسول قال تعاىل { :وعلم آدم األمساء كلها } )2( .فهو يف هذه احلالة أسبق من العرف
,وقد يكون منشأ العرف الدين باإلضافة إىل جتارب اإلنسان وحياته مع اآلخرين ,
( )3
فالعرف متأخر عن الدين ولذلك اعتربته الشريعة اإلسالمية مصدرًا فرعيًا .
ــــــــــــــــــــ
44
( )1انظر :املدخل لدراسة الفقه اإلسالمي ,للدكتور خالد عبد اهلل عيد ( ,ص. )170
( )2سورة البقرة ,آية رقم . 31:
( )3انظر :املدخل إىل الفقه اإلسالمي ,للدكتور عبد العزيز اخلياط ( ,ص. )68
وهو مع ذلك دليل على مساحة الشريعة ,وتنظيمها لعالقات الدولة اإلسالمية بغريها ,
( )1
وألمهيته تناوله أغلب الفقهاء وبنوا عليه الكثري من األحكام .
45
ـــــــــــــــــــــ
( )1وسيتضح ذلك يف مبحث :أثر العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي وذلك يف (ص. )253
املطلب الثالث
املقارنة بني أمهية العرف الدويل يف الفقه
اإلسالمي وبني أمهيته يف القانون الدويل العام
يالحــظ اعتب ــار الع ــرف ال ــدويل يف الق ــانون ال ــدويل الع ــام املص ــدر الث ــاين حبس ــب رأي حمكمــة
العدل الدولية ,بل إن الكثري من الشراح يعتربه يف مرتبة سابقة على املعاهدات الدولية .
ولكن الفقه اإلسالمي يبتعد عن القانون الدويل العام ,ويعترب العرف الدويل جمرد مصدر
فرعي يؤخذ به حيثما ال دليل سواه ,ولكن اصطدامه بالكتاب والسنة كفيل بإبعاده ,
وهذا ما مل يعقله القانون الدويل العام ,فاهلل اهلادي إىل سواء السبيل .
46
المبحث الثالث
الفرق بني العرف الدويل وبني غريه مما قد
يشتبه به
المطلب األول
47
الفرق بني العرف الدويل وقواعد اجملامالت
الدولية
48
لبيان الفرق بني العرف الدويل واجملامالت الدولية ,البد أوًال من تعريف هذه اجملامالت .
وميكن تعريفها بأهنا " :عبارة عن قواعد السلوك اليت اعتادت الدول أن ترعاها يف بعض
تصرفاهتا ,توطيدًا حلسن العالئق بينها ,ودون أي التزام قانوين أو أخالقي من جانبها " .
( )1
وهبذا ختتلف اجملامالت الدولية عن العرف الدويل ,ذلك أن هذا األخري يتكون من ركن
أساسي فيه وهو الركن املعنوي ,ويتجلى هذا الركن باعتقاد الدول حني تطبق القاعدة
العرفية بأهنا تطبقها على سبيل اإللزام القانوين ,وليس األمر جمرد جماملة دولية أو سلوك
تقتضيه األخالق الدولية أو مصلحة الدولة نفسها على أمل مبادلتها باملثل .وهذا الركن
( )2
بالذات هو ما مييز العرف الدويل عن مبادئ األخالق الدولية وأساليب اجملاملة الدولية .
فاإلخالل بالعرف الدويل يرتب مسؤولية قانونية دولية ,بينما ال يعدو عدم القيام مبجاملة
دولية سوى كونه عمل غري ودي ال ترتتب عليه أية مسؤولية قانونية ,وال جزاء له إال
( )3
إمكان مقابلة املثل باملثل من جانب الدولة اليت مل تراع جماملتها .
ومن هنا يتنب للباحث أن االعتبارات اإلنسانية أو األخالقيـة أو السياسـية ال ميكنهـا بتاتـًا أن
تنشئ قاعدة دولية ما مل تعتقد الدول بأهنا ملزمة باتباع هذه القاعدة ,فمثًال لو قامت
ــــــــــــــــــــ
( )1القانون الدويل العام ,لعلي صادق أبو هيف ( ,ص , )80الناشر :منشأة املعارف باإلسكندرية ,ط.11
( )2انظر :مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ,للدكتور إحسان هندي ( ,ص. )92
( )3انظر :القانون الدويل العام ,لعلي صادق أبو هيف ( ,ص. )80
دول ــة م ــا أو ع ــدة دول بإعف ــاء املمثلني الدبلوماس ــيني األج ــانب املعتم ــدين ل ــديها من دف ــع
الضـرائب ,فـإن هـذا ال يكفي لتكـوين قاعـدة قانونيـة عرفيـة ,مـا مل تصـل الـدول املعنيـة إىل
( )1
درجة االعتقاد بأهنا ملزمة هبذا اإلعفاء .
ومن ناحية أخرى فإن إنكار دور الركن املعنوي كعنصر إنشائي يف القاعدة العرفيــة يــورث
اخلل ــط بني القواع ــد القانوني ــة العرفي ــة امللزم ــة وبني قواع ــد اجملامالت واألخالق ال ــيت ج ــرت
( )2
عليها عادة الدول دون أن تبلغ يف نظرهم مرتبة القاعدة القانونية امللزمة .
وبناًء على ذلك فـإن كثـريًا من األعـراف الدوليـة البسـيطة غـري داخلـة يف هـذا البحث لكوهنا
غري ملزمة للدول ,بل من قبيل اجملاملة الدولية ,ومثاًال على ذلك ما يلي :
49
-1ما تتضمنه بعض مراسيم االسـتقبال لرؤسـاء الـدول من أمـور عرفيـة ال تـرقى إىل درجـة
اإللزام وإمنا هي من باب اجملامالت الدولية .
-2مـ ــا تعطيـ ــه الـ ــدول للمبعـ ــوثني الدبلوماسـ ــيني مما يعـ ــرف بامتيـ ــاز احلقيبـ ــة الدبلوماسـ ــية ,
وغريه ــا من احلص ــانات ال ــيت يتمت ــع هبا ه ــؤالء ,وهي من القواع ــد املتبع ــة من ــذ زمن طوي ــل
للغاية ,ومع ذلك فإن هذه االمتيازات ال تشكل قواعــد قانونيــة ملزمــة ,وإمنا هي من قبيــل
( )3
اجملاملة الدولية فحسب .
-3ما درجت عليه السفن البحرية من حتية بعضها لبعضها اآلخر ,وهي أمور التصــل إىل
( )4
مرتبة األعراف الدولية .
-4قبـول اسـتمرار متتـع رؤسـاء الـدول األجنبيـة الـذين زالت عنهم هـذه الصـفة باالمتيـازات
( )5
اليت كانت مقررة هلم من قبل .
( )6
-5إطالق عدة طلقات نارية حتية لرؤساء وملوك الدول عند زيارهتم لدول أخرى .
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ,للدكتور إحسان هندي ( ,ص. )92
( )2القانون الدويل ,للدكتور حممد سعيد الدقاق ( ,ص , )207الناشر :الدار اجلامعية ,ط1983 , 2م .
( )3انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي , )73( ,
الناشر :اجلامعة املفتوحة .
( )4انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )370
( )5انظر :القانون الدويل العام ,لعلي صادق أبوهيف ( ,ص. )80
( )6انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )88
هذا وميكن مع مرور الزمن أن تتحول قواعد اجملامالت الدولية إىل قواعد قانونية ملزمة إذا
ما اكتسبت صفة اإللزام من تكرار الدول هلا وشعورها بأهنا تستحق عقابًا أو جــزاءًا رادعـًا
عن ـ ــد خمالفته ـ ــا ,ومث ـ ــال ذل ـ ــك القواع ـ ــد اخلاص ـ ــة حبص ـ ــانات وامتي ـ ــازات الس ـ ــفراء واملمثلني
الدبلوماسيني ,فقد بـدأت هـذه القواعـد أوًال يف صـورة جمامالت ,مث انتهى هبا املطـاف إىل
أن أصبحت قواعد قانونية عرفية ملزمة ,مث جرى أخريًا تقنينها يف معاهــدات دوليــة مجاعيــة
مثل اتفاقية فينا لعام 1961م اخلاصة حبصانات وامتيازات املمثلني الدبلوماســيني ,واتفاقيــة
( )1
فينا لعام 1963م واخلاصة حبصانات رجال السلك القنصلي .
50
وهنــاك مثــال آخــر وهــو حتول قاعــدة احلصــانة اخلاصــة مبراكب الصــيد ,والــيت مبقتضــاها ال
جيوز أسر هذه املراكب كغريها من مـراكب العـدو أثنـاء احلرب من جماملـة دوليـة إىل عـرف
( )2
دويل .
والعكس أيض ـًا صــحيح فقــد تتحــول القاعــدة القانونيــة إىل قاعــدة من قواعــد اجملاملــة عنــدما
( )3
تفقد وصف اإللزام القانوين ,كما هو احلال مثًال ملراسم استقبال السفن احلربية .
والواق ــع أن ــه يص ــعب أحيان ـًا أن حندد على وج ــه الدق ــة أين تنتهي اجملامل ــة وأين يب ــدأ الع ــرف
الدويل ,فقواعــد الــربوتوكول املتبعــة يف تقــدمي أوراق اعتمـاد الســفراء هي يف غالبيتهــا عبــارة
عن جمامالت دوليـ ـ ــة ,ويـ ـ ــدخل حضـ ـ ــور منـ ـ ــدويب الـ ـ ــدول ملراسـ ـ ــم دفن رؤسـ ـ ــاء الـ ـ ــدول
واحلكومات األجنبية يف باب اجملاملة وال يندرج ضـمن العــرف الــدويل ,ويف املقابــل كــانت
االمتيازات املالية للدبلوماسيني تعترب خالل زمن طويـل عبـارة عن جمامالت دوليـة ,ولكنهـا
غــدت اليــوم جــزًء من القــانون العــريف ,كمــا أن نظــام تقــدمي الســفراء الــذي كــان عبــارة عن
جماملة قد غدا اآلن جزًء من القانون .
ومن املعتاد يف الدول اليت تسلك مسلك معني أو متتنع عن إتيان سلوك معني وال ترغب يف
ترتيب أثر قانوين ملزم على هذا السلوك يف املستقبل ,أن تعلن بأن تصرفها ال يشكل
ـــــــــــــــــــ
( )1انظر :املصدر السابق ( ,ص. )89
( )2انظر :القانون الدويل العام ,لعلي صادق أبوهيف ( ,ص. )81
( )3انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حامد سلطان ,والدكتور صالح الدين عامر ,والــدكتورة عائشــة راتب
( ,ص. )22
سابقة بالنسبة هلا ,فقد حرصت الواليات املتحدة حني قامت بتعويض الصيادين اليابانيني
الـذين تعرضـوا لإلشـعاع نتيجـة التفجـريات النوويـة األمريكيـة يف احمليـط اهلادي على اإلعالن
بأن دافعها هلذه التعويضات إنساين حبت وليس شعورًا منها بالتزام قانوين ,وكذلك قامت
بتعــويض ضــحايا الطــائرة التابعــة للخطــوط اجلويــة اإليرانيــة يف عــام 1988م والــيت أســقطتها
ط ــائرة عســكرية أمريكيــة ,وأعلنت بــأن الــدافع هلذه التعويضــات إنســاين حبت وليس عمًال
( )1
ناجتًا عن التزام بقاعدة عرفية معينة .
51
إن الدولــة الــيت تعطي املمثلني الدبلوماســيني قــدرًا زائ ـدًا من احلقــوق يتجــاوز مــا اســتقر عليــه
القانون الدويل العام ,تكون بذلك قد قامت بعمـل من أعمـال اجملاملـة الدوليــة ال أســاس لــه
من القانون الدويل العام ,وال ميكن االحتجاج به .
ومن أمثلة ذلك ما جاء يف حكم حمكمة العدل الدولية اخلاص بقضية حق املرور يف اإلقليم
اهلنــدي ,من أن اطــراد العمـل املنتظم خبصــوص تــرك الرعايــا الربتغــاليني وبضــائعهم يف املرور
ع ــرب إقليم دول ــة اهلن ــد ,أدى إىل إنش ــاء قاع ــدة قانوني ــة دولي ــة عرفي ــة ,ولكن اط ــراد العم ــل
املنتظم أيضًا يف ترك اهلند القوات املسلحة وقوات البـوليس التابعـة للربتغـال أيضـًا كـان جمرد
تس ـ ــامح ال أك ـ ــثر ,ب ـ ــالرغم من أن نق ـ ــاط املرور ك ـ ــانت واح ـ ــدة يف احلالتني ,وق ـ ــد عللت
احملكمـة التفرقــة الســابقة بأنــه بالنســبة للفــرض األول كــان املرور مصــحوبًا باالعتقــاد بأنــه يتم
( )2
على أساس قانوين ,ومل يكن األمر كذلك يف الفرض الثاين بل جماملة دولية .
ـــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )370
( )2انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ( ,ص , )142الناشر :دار النهضة
العربية يف القاهرة 1980 ,م .
الفرع الثاين
الفرق بني العرف الدويل واجملامالت الدولية
يف الفقه اإلسالمي
52
يفــرق اإلســالم بني العــرف الــدويل واجملاملــة الدوليــة من ناحيــة أن العــرف ملــزم للــدول ,و
اجملاملة غري ملزمـة ,فالرسـول صـلوات اهلل وسـالمه عليـه الـتزم بـالعرف حينمـا قـال ( :لـوال
( )1
أن الرسل ال تقتل لضربت أعناقكما ) .
فهن ــا أراد الرس ــول ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم قت ــل الرس ــولني ,ولكن التزام ــه ب ــالعرف ال ــدويل
املتضمن عدم قتل الرسل منعه من ذلك .
وبنــاًء على هــذا احلديث يقــول السرخســي ( " : )2وإذا وجــد احلريب يف دار اإلســالم ,فقــال
أنا رسول ,فإن أخرج كتابًا عرف أنـه كتـاب ملكهم ,كـان آمنـًا حـىت يبلـغ رسـالته ,ألن
( )3
الرسل مل تزل آمنة يف اجلاهلية واإلسالم " .
وأما اجملاملة الدولية ,فقد فعلها النيب صلى اهلل عليه وسلم وهي غري الزمة عليه ,ومن
ـــــــــــــــــــــــ
( )1أخرجه أبو داود يف سننه , )3/83( ,حتقيق :حممد حميي الدين عبد احلميد ,الناشر :دار الفكر ,والبيهقي
يف السنن الكربى , )9/211( ,حتقيق :حممد عبد القادر عطا ,الناشر :مكتبة دار الباز يف مكة املكرمة ,
1414هـ ,وأمحد يف مسنده , )3/487( ,الناشر :مؤسسة قرطبة يف مصر ,والطيالسي يف مسنده , )1/34( ,
الناشر :دار املعرفة يف بريوت ,وصححه احلاكم , )3/54( ,حتقيق :مصطفى عبد القادر عطا ,الناشر :دار
الكتب العلمية يف بريوت ,ط1411 , 1هـ ,وصححه األلباين يف صحيح سنن أيب داود , )2/528( ,الناشر :
مكتب الرتبية العربية لدول اخلليج ,ط1409 , 1هـ .
( )2هــو مشس األئمــة أبــوبكر حممــد بن أمحد بن ســهل السرخســي ,نســبة إىل ســرخس من بالد خرســان ,وهــو إمــام
فقيه جمتهد ,سجن بسبب نصحه للخانقان وملا أطلق سـكن فرغانـه إىل أن تـويف ,ولـه العديـد من املؤلفـات ,منهـا :
املبسوط ,وشرح اجلامع الكبري ,وأصول السرخسـي ,وشـرح السـري الكبـري .انظـر :األعالم ,خلري الـدين الـزركلي
, )6/208( ,ط. 3
( )3املبسوط ,للسرخسي , )10/92( ,الناشر :دار املعرفة يف بريوت ,ط. 2
ذلك :قوله يف أسرى بدر ( :لو كان املطعم بن عدي ( )1حيًا مث كلمين يف هؤالء النتىن
( )2
لرتكتهم له ) .
يف هــذا احلديث خيرب النــيب صــلى اهلل عليــه وســلم أنــه لــو كــان املطعم بن عــدي حي ـًا وطلب
هــؤالء األســرى لــرتكهم لــه ,والبــاعث لــه على ذلــك جماملــة املطعم فقــط ,وهي جماملــة غــري
ملزمة ,وبذلك تفرتق عن العرف الدويل امللزم .
53
ـــــــــــــــــــــ
( )1ه ــو املطعم بن ع ــدي بن نوف ــل بن عب ــد من ــاف من ق ــريش ,رئيس ب ــين نوف ــل يف اجلاهلي ــة ,وقائ ــدهم يف ح ــرب
الفجار ,وهـو الـذي أجـار الرسـول صـلى اهلل عليـه وسـلم ملا انصـرف عن أهـل الطـائف وعـاد متوجهـًا إىل مكـة ونـزل
بقــرب حــراء ,حيث بعث صــلى اهلل عليــه وســلم إىل بعض أهــل قــريش ليجــريوه يف دخــول مكــة فــامتنعوا ,فبعث إىل
املطعم بن عـدي بـذلك ,فتسـلح املطعم بن عـدي وأهـل بيتـه وخـرج هبم حـىت أتـوا املســجد ,فأرسـل من يـدعوا النـيب
صلى اهلل عليه وسلم للدخول ,فدخل مكة وطاف يف البيت وصلى عنده ,مث انصرف إىل منزلــه آمنـًا .تــويف املطعم
قبل وقعة بدر عن عمر يناهز التسعون عامًا .انظر :األعالم ,للزركلي .
( )2أخرجه البخاري يف كتاب املغازي ,باب :حدثين خليفة , . )3/1143( ,حتقيق :مصطفى ديب البغا ,
الناشر :دار ابن كثري يف بريوت ,ط1407 , 3هـ .
الفرع الثالث
54
املقارنة بني نظرة القانون الدويل والفقه
اإلسالمي للفرق بني العرف الدويل واجملاملة
الدولية
من املالح ــظ تق ــارب النظ ــرتني ح ــول الف ــرق بني الع ــرف ال ــدويل واجملامل ــة الدولي ــة ,فنظ ــرة
القــانون الــدويل تفــرق بني األمــرين من كــون العــرف ملــزم واجملاملــة غــري ملزمــة ونفس األمــر
ينطبق على نظرة الفقه اإلسالمي ,فالتقارب والتطابق مسة هذا املطلب .
المطلب الثاني
55
الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق
الدولية
الفرع األول
56
الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق
الدولية يف القانون الدويل العام
قبل بيان الفرق بني قواعد األخالق الدولية والعرف الدويل البد أوًال من بيان تعريف هــذه
القواع ــد األخالقي ــة ,وميكن تعريفه ــا بأهنا " :جمموع ــة املب ــادئ الس ــامية النابع ــة من الض ــمري
اإلنســاين وغــري امللزمــة ,والــيت حتمــل الــدول على مراعاهتا فيمــا بينهــا ,خصوصــا يف أوقــات
احملن والشدائد .ويتم التعبـري عنهـا يف صـورة خارجيـة من خالل املسـارعة يف تقـدمي النجـدة
( )1
واإلغاثة " .
إذًا هي عبــارة عن جمموعــة من املبــادئ ميليهــا الضــمري ,ويقيــد هبا تصــرفات الــدول ,ولكن
ليس هلا إلـ ــزام قـ ــانوين ,ومثلهـ ــا وجـ ــوب اسـ ــتعمال الرأفـ ــة يف احلروب ,ووجـ ــوب مراعـ ــاة
( )2
مبادئ العدالة واملروءة .
ومن األمثلة عليها أيضًَا :
-1تقـ ــدمي املسـ ــاعدات يف صـ ــور خيـ ــام لإليـ ــواء أو مالبس أو طعـ ــام ودواء وبعثـ ــات طبيـ ــة
لل ــدول ال ــيت تتع ــرض للك ــوارث الطبيعي ــة مث ــل الفيض ــانات واألعاص ــري وال ــزالزل واجلف ــاف
والتصحر واجملاعات واألوبئة واألمراض واليت تشرد البشر وهتلك احلرث والنسل .
وق ــد ق ــدمت معظم ال ــدول مس ــاعدات جلمهوري ــة مص ــر العربي ــة عن ــدما ض ــرهبا الزل ــزال ع ــام
1992م كمســاعدة أخالقيــة وليس كــواجب قــانوين وحــدث نفس الشــيء عنــدما تعرضــت
حمافظات الصعيد للسيول واألعاصري يف نوفمرب عام 1994م .
-2تقدمي املساعدات للسفن األجنبية اليت تلم هبا كارثة بسبب األمواج العاتية أو ألي
ــــــــــــــــــ
( )1القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص)93
( )2انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد حافظ غامن ( ,ص , )33نقًال عن أوبنهيم ولوترباشت .
57
ســبب آخــر ,ســواء أكــانت هــذه الســفن داخــل البحــر اإلقليمي ,أم يف املنطقــة االقتصــادية
اخلالص ــة ,وذل ــك من أج ــل إنق ــاذ أرواح البح ــارة أو الرك ــاب ال ــذين يلفهم اخلط ــر ويق ــرتب
منهم املوت .
-3تســليم اجملرمني الــذين يرتكبــون جـرائم خـارج أرض الدولــة ,مث يــأتون لالختفــاء داخـل
أرض ــها ,ف ــإن املعاون ــة يف تس ــليمهم إلىس ــلطات ال ــدول األخ ــرى ب ــدون معاه ــدة تس ــليم ه ــو
واجب أخالقي وليس قانونيـ ـ ـ ـًا ؛ ألن ال ـ ـ ــدول جيب أن تتع ـ ـ ــاون من أج ـ ــل احلد من ظ ـ ــاهرة
اإلجرام .
-4مســاعدة الــدول الغنيــة لــدول العــامل الثــالث مســاعدة اقتصــادية يف صــورة منح وقــروض
مــازالت متثــل واجبــا أخالقي ـًا وليس قانوني ـًا على عــاتق األغنيــاء لصــاحل الفقــراء فاالعتبــارات
( )1
اإلنسانية ال تشكل قانونًا دوليًا .
وقــد كــانت اململكــة العربيــة الســعودية وال تــزال تقــدم املســاعدات االقتصــادية للشــعوب الــيت
تعـاين ضـوائق ماليـة أو تصـيبها كـوارث طبيعيـة ,مثـل مـا حصـل يف بنغالديش من فيضـانات
والسودان من جماعات ,وذلك إميانًا منها مببادئها اإلسالمية اليت تأمر مبساعدة الغين للفقري
واملستطيع للمحتاج .
ه ــذا وتتم ــيز قواع ــد األخالق يف اعتماده ــا فق ــط على الض ــمري وعلى احتق ــار من خيرج على
األخالق ,فالعمل األخالقي يفقد صفته إذا كان ال يطبــق بواســطة ضـمري حـر ,أو إذا أتــاه
ش ــخص حتت ت ــأثري اخلوف من ج ــزاء تطبق ــه س ــلطة خارجي ــة ,يف حني أن الق ــانون يعتم ــد
( )2
دائما على جزاء اجتماعي تطبقه سلطة خمتصة ضد الفرد املسؤول .
ومبعــىن آخــر فــإن القاعــدة األخالقيــة تعتمــد يف تطبيقهــا على الضــمري وهيبــة الــرأي العــام ,يف
( )3
حني ميكن االلتجاء إىل القوة لإللزام باتباع القاعدة العرفية .
وهذه القواعد األخالقية تنطوي عادة على مبادئ شائعة ال ضابط هلا يف الزمان أو املكان
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )91-90
( )2انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد حافظ غامن ( ,ص , )33نقال عن أوبنهيم ولوترباشت .
( )3انظر :املصدر السابق ( ,ص. )33
58
إمنا هي يف تطــور مســتمر ,شــأهنا يف ذلــك شــأن مصــدرها :األخالق .وقــد قيــل فيهــا أهنا
من قواعــد احليــاة االجتماعيــة ,كمــا قيــل فيهــا أيضـًا أهنا ال تعــين إال باملقاصــد ,وال ختاطب
( )1
إال الضمائر.
وهنــاك من ال يــرى وجــودًا لألخالق الدوليــة على أرض الواقــع ,حيث يــرى بــأن أي حتليــل
واقعي للعالقـات الدوليـة ال يسـعه أن يقبـل دعـاوى رجـال السياسـة املتكـررة يف كـل البلـدان
بأهنم حمكومون بالقيم األخالقية .ويزعم بأن األخالق كثـريًا مـا ُتسـتدعى إلضـفاء قـدر من
االحــرتام على املصــاحل األنانيــة للدولــة ,كمــا أن اللجــوء إىل األخالقيــة تــربير شــائع مــريح يف
( )2
يد الطرف الذي يعارض احلقوق القانونية لطرف آخر .
إن األخالق الدوليــة تفرضــها الطبيعــة اإلنســانية – حبســب رأي الشــراح -وال يــرتتب على
خرقهـ ـ ــا أي ج ـ ــزاء سـ ـ ــوى املعامل ـ ــة باملثـ ـ ــل ,أو ح ـ ــىت ال يـ ـ ــرقى اجلزاء إىل هـ ـ ــذا احلد ؛ ألن
االعتب ــارات األخالقي ــة ت ــأىب يف كث ــري من األح ــوال والظ ــروف إعم ــال مب ــدأ املعامل ــة باملث ــل
بالنسبة لدولة تعرضت لكارثة أو فيضان أو زلزال أو جفاف .
وهكذا إذا كان العرف واألخالق يشكل كل منهما قاعدة يف احلياة ,إال أن بينهما فــروق
كث ــرية وعميق ــة ,الف ــرق األول بينهم ــا يكمن يف اهلدف والغاي ــة ,حيث أن ه ــدف الع ــرف
وغــريه من القواعــد اإللزاميــة هــو تنظيم احليــاة الدوليــة وحتقيــق الصــاحل العــام الــدويل ,بينمــا
األخالق هــدفها إبــراز اإلحســاس اإلنســاين باملصــري املشــرتك والتعــاطف مــع الــذين أصــابتهم
الك ــوارث ,وه ــو إحس ــاس م ــؤقت ب ــالطبع أو مش ــاطرة مؤقت ــة ألولئ ــك البؤس ــاء يف أح ــزاهنم
بتقـ ــدمي مـ ــا تيسـ ــر من املسـ ــاعدات .والفـ ــرق الثـ ــاين يكمن يف الفاعليـ ــة واجلزاء ,حيث أن
الق ــانون ينظم أس ــلوب اجلزاء املرتتب على خ ــرق أحكام ــه وفقـ ـًا ألس ــاليب وط ــرق معين ــة ,
بينما األخالق الدولية ال جزاء على خرقها سوى املعاملـة باملثــل أو االسـتهجان واالسـتنكار
من جانب أعضاء اجلماعة الدولية .
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حامد سلطان ,والدكتور صالح الدين عامر ,والــدكتورة عائشــة راتب
( ,ص. )23
( )2انظر :العالقات الدولية ,جلوزيف فرانكل ,ترمجة غازي القصييب ( ,ص , )169الناشر :مكتبة هتامة يف
جدة ,ط1404 , 2هـ .
59
واألخالق الدولية نادرًا ما تذكر أو يشار إليها يف نصوص وضعية وما ورد يف املادة 227
من معاه ــدة فرس ــاي ع ــام 1919م بش ــأن حماكم ــة إم ــرباطور أملاني ــا (غلي ــوم الث ــاين ) بتهم ــة
خرق
األخالق الدولية وقدسية املعاهدات هو أمر استثنائي مل يرد له مثيل يف معاهدات أخرى .
ومن اجلدير بالـ ـ ــذكر أن حمكمـ ـ ــة العـ ـ ــدل الدوليـ ـ ــة ال تشـ ـ ــري إىل األخالق يف أحكامهـ ـ ــا وإن
أش ــارت إليه ــا فمن أج ــل اس ــتبعادها من التط ــبيق ألهنا ليس ــت قواع ــد قانوني ــة ويف حكمه ــا
الصــادر عــام 1966م يف قضــية ناميبيــا قــالت " :إن االعتبــارات اإلنســانية ال تشــكل مبــدأ
قانونيًا وضعيًا مبعىن الكفاية لرتتيب آثار قانونية .إن احملكمة تفضل حقوقًا وواجبات دولية
تســمح هلا بالتصــرف اســتنادًا إليهــا وهي حتكم بالقــانون ,وال يســعها االرتكــاز على مبــادئ
أخالقيــة ,إال بقــدر مــا تبــدي هــذه املبــادئ طابع ـًا قانوني ـًا كافي ـًا .إن االعتبــارات اإلنســانية
ميكنها استنهاض القاعدة القانونية ,ولكنها ال تشكل بذاهتا قواعد قانونية " .
وتتطــور هــذه القواعــد مــع مــرور الــزمن ؛ ألن أخالق البشــر والنــاس يف حالــة تطــور مســتمر
فما يعد قاعدة أخالقية اليوم قد يصبح قاعدة ملزمة فيما بعـد أو قـد يـرفض متامـًا لتنافيـه مـع
أخالق اجلماعة الدولية اليت يصيبها ويعرتيها التقدم والتطور .
وتأكيـ ـدًا على م ــا س ــبق ذك ــره ف ــإن ه ــذه القواع ــد ختتل ــف عن الع ــرف ال ــدويل يف أن خمالف ــة
قواعــد األخالق ال تعــد من وجهــة نظــر القــانون الــدويل فعًال دولي ـًا غــري مشــروع ,وبالتــايل
فال مس ــؤولية على ال ــدول ال ــيت مل هتب لنج ــدة ش ــعب أو دول ــة أخ ــرى تعرض ــت لنائب ــة من
ن ــوائب ال ــدهر ال ــيت مت ذكره ــا ,وأن ع ــدم تق ــدمي املس ــاعدة ق ــد ال ي ــرتب بالض ــرورة كم ــا
أسلفت حق املعاملة باملثــل ,ألن األخالق الكرمية تـأىب أن حتجم دولـة عن القيـام باملسـاعدة
ومد يد العون للشعوب اليت تعاين من كارثة مفاجئة حىت ولــو كــانت الشــعوب مل تبــادر يف
الس ــابق بالقي ــام بنفس العمــل طاملا أن الدول ــة بوس ــعها تق ــدمي املســاعدة فال تنظــر إىل املاضــي
وال تثريب عليها إن طبقت مبدأ املعاملة باملثل .
ومن املالحظ أن كثريًا من القواعـد األخالقيـة انـدجمت ضـمن قواعـد القـانون الـدويل العـام ,
ومث ــال ذل ــك االتفاقي ــة اخلاص ــة مبعامل ــة ج ــرحى احلرب وال ــيت ص ــدرت يف ع ــام 1864م ,
وعدلت بعد ذلك عدة تعديالت ومنها :اتفاقيات الهاي عـام 1899م واتفاقيـات الهــاي
60
عــام 1907م وآخرهــا اتفاقيــات جــنيف عــام 1949م ,وهــذه االتفاقيــات جعلت املبــادئ
( )1
اليت كانت تأمر هبا األخالق الدولية فيما يتعلق مبعاملة أسرى احلرب قانونًا ملزمًا .
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد حافظ غامن ( ,ص. )33
61
الفرع الثاين
الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق
الدولية يف الفقه اإلسالمي
حيث الدين اإلسالمي على التمسك باألخالق احلميدة ,لذا كان لزامًا على الدولة املسلمة
أن تتحلى هبذه األخالق يف عالقاهتا مع غريها من الدول .
يقول الرسول صلى اهلل عليه وسلم ( :إمنا بعثت ألمتم مكارم األخالق ) )1( .ويف رواية (
( )2
صاحل األخالق ) .
( )3
ويقول أيضًا ( :إن أحبكم يل وأقربكم مين جملسًا يوم القيامة أحسنكم أخالقًا ) .
( )4
ويف رواية أخرى يقول ( :إن من خياركم أحسنكم أخالقًا ) .
ول ــذا جند ه ــذا ال ــدين العظيم ,ي ــأمر معتنقي ــه ب ــالتحلي هبذه األخالق يف حال ــة احلرب فض ـًال
عن حالة السلم .
يقول صلى اهلل عليه وسـلم ( :انطلقـوا باسـم اهلل وباهلل وعلى ملـة رسـول اهلل وال تغلـوا وال
متثلوا وال تغدروا وال تقتلوا شيخًا فانيًا وال طفًال وال صغريًا وال امرأة وال تغلوا وضموا
ـــــــــــــــــــــــ
( )1أخرجه ابن عبد الرب يف التمهيد , , )16/254( ,حتقيق :مصطفى بن أمحد العلوي وحممد عبد الكبري
البكري ,الناشر :وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية يف املغرب 1387 ,هـ ,وابن حجر يف فتح الباري ( ,
, )6/575الناشر :دار املعرفة يف بريوت 1379 ,هـ ,وصححه األلباين يف سلسلة األحاديث الصحيحة ( ,
, )1/112رقم احلديث , )45( :الناشر :مكتبة املعارف يف الرياض 1415 ,هـ .
( )2أخرجــه الــبيهقي يف ســنن الــبيهقي الكــربى , )10/192( ,وأمحد يف مســنده , )2/381( ,وصــححه احلاكم
يف مستدركه . )2/670( ,
( )3أخرج ــه أمحد يف مس ــنده , )2/217( ,وق ــال عن ــه األلب ــاين :ه ــذا ح ــديث حس ــن .انظ ــر سلس ــلة األح ــاديث
الصحيحة , )2/418( ,رقم احلديث . )791( :
( )4أخرجه البخاري يف صحيحه . )3/1305( ,
62
غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن اهلل حيب احملسنني ) .
( )1
ولكن لضــعف هــذا احلديث ,ميكن االســتئناس باحلديث الــذي يف الصــحاح ,والــذي يــدل
داللة قطعية على حترمي قتل النساء واألطفال يف احلرب .
ففي إح ــدى الغ ــزوات رأى الن ــيب ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم ام ــرأة مقتول ــة ف ــأنكر قت ــل النس ــاء
( )2
والصبيان .
( )3
ويقول سبحانه وتعاىل { :ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسريًا } .
ومن خالل ما سبق ,ميكن التوصل إىل بعض الفروق بني األخالق الدولية والعرف الدويل
يف الفقه اإلسالمي ,وهي على النحو التايل :
-1أن األخالق الدوليــة ثابتــة ال تتغــري بتغــري الزمــان واملكــان ,ألهنا قائمــة على أســس ثابتــة
كالعدل واخلري وحنو ذلك .أمـا العـرف الـدويل فغـري ثـابت بـل يتغـري بتغـري الزمـان واملكـان ,
ولذا يقول الفقهاء " ,ال ينكر تغري األحكام بتغري األزمان " .
-2أن األخالق الدولية مصدرها اهلل عز و وجـل .أمــا العــرف الــدويل فمصــدره مــا تعتــاده
الدول فيما بينها .
ولكن بني هذين املصطلحني جامع ,وهو أن كًال منهمـا الزمني حبسـب املفهـوم اإلسـالمي
,وب ــذلك خيتلــف ه ــذا املفه ــوم عن مفه ــوم الق ــانون ال ــدويل الع ــام ,ال ــذي ال ي ــرى أي إل ــزام
لقاعدة األخالق الدولية .
ــــــــــــــــــــــــ
( )1أخرجه أبو داود يف سننه , )3/37( ,والبيهقي يف سنن البيهقي الكربى , )9/90( ,وقال عنه األلباين :
حديث ضعيف ,انظر :ضعيف سنن أيب داود ( ,ص . )255رقم احلديث , )561( :الناشر :املكتب اإلسالمي
,ط1412 , 1هـ .
( )2أخرجه مسلم يف صحيحه , )3/1364( ,حتقيق :حممد فؤاد عبد الباقي ,الناشر :دار إحياء الرتاث العريب
يف بريوت ,والرتمذي يف سننه , , )4/136( ,حتقيق :أمحد حممد شاكر وآخرون ,الناشر :دار إحياء الرتاث
العريب يف بريوت .والدارمي يف سننه , )2/293( ,حتقيق :فوزا أمحد زمريل و خالد السبع العلمي ,الناشر :دار
الكتاب العريب يف بريوت ,ط1407 , 1هـ .
( )3سورة اإلنسان ,اآلية رقم . )8( :
63
المطلب الثالث
الفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية
الفرع األول
64
الفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية يف
القانون الدويل العام
للتفريق بني العرف الدويل والعادة الدولية ,ينبغي ذكر تعريـف هلذه األخـرية ,وقـد عـرفت
بأهنا " :تلك املمارسات الدولية املتعلقة باألخالق أو حسن الســلوك والــيت تقــوم هبا الــدول
( )1
رغم عدم وجود أي التزام قانوين بذلك " .
يتضــح من هــذا التعريــف أن العــادة الدوليــة تشــمل فقــط اجملاملــة الدوليــة ,وقواعــد األخالق
الدولية ,ولكن هـل يعـين ذلـك أن العـادة الدوليـة منحصـرة يف هـذه القواعـد .الواقـع يؤكـد
خالف ذلــك ,حيث إنــه توجـد عــادات دوليــة ليســت من قبيــل اجملامالت الدوليــة ,وال من
قبيـ ـ ــل األخالق الدوليـ ـ ــة ,وذلـ ـ ــك مثـ ـ ــل " :مـ ـ ــا حيصـ ـ ــل من تصـ ـ ــنيف الـ ـ ــدول يف املؤمترات
()2
الدبلوماسية حسب األحرف األجبدية " .
وبن ــاًء على ذل ــك ف ــإن احلديث هن ــا عن الع ــادة الدولي ــة ,ال يقص ــد ب ــه الع ــادة ال ــيت من قبي ــل
قواعد األخالق واجملاملة ,بل العادة احملضة كما مت إيضــاحها باملثــال الســابق ,وإذا مت إقــرار
ذلك ميكن التفريق بني العادة الدولية والعرف الدويل على النحو التايل :
األول :أن العادة الدولية قد تكون فردية ,كما أهنا قد تكون مجاعية .أمـا العـرف الـدويل
فال يكون إال مجاعيًا .فإذا قامت دولة ما بعمل معني وتكرر منها ذلك العمل بصفة دائمة
ومنتظمة دون العدول أو الرجوع عنه أصبح عادة هلا .
فمثًال لـ ــو قـ ــامت دولـ ــة بعمـ ــل إجـ ــراءات لـ ــدخول األجـ ــانب إىل أراضـ ــيها ,وكـ ــانت هـ ــذه
اإلجراءات غري مسبوقة ,فإهنا تكون قد قامت بعادة دولية فردية .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد بوسلطان ( ,ص. )61
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )370
65
الثـ ــاين :أن العـ ــادة تقـ ــرر ومتارس سـ ــواء كـ ــانت فرديـ ــة أو مجاعيـ ــة دون أن تكتسـ ــب صـ ــفة
اخلض ــوع من ج ــانب الدول ــة ,وميكن خمالفته ــا أو الع ــدول عنه ــا من غ ــري أن ي ــرتتب عليه ــا
حقــوق وواجبــات قبــل اآلخــرين ,أو جــزاء معني حيث ينقصــها اإلحســاس بإلزاميــة الــركن
( )1
املعنوي أما العرف فال يعتد به إال إذا توافر فيه هذا الركن .
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :البعد األخالقي لقانون العالقات الدولية ,للدكتور مسري عبد املنعم ( ,ص. )398
66
الفرع الثاين
الفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية يف
الفقه اإلسالمي
ملعرف ــة الف ــرق بني الع ــرف ال ــدويل والع ــادة الدولي ــة يف الفق ــه اإلس ــالمي ,ينبغي الرج ــوع إىل
رأي الفقهاء يف الفرق بني العرف والعادة .
وعند الرجوع إىل آرائهم ,وجد أهنم اختلفوا يف الفرق بينهما على أربعة أقوال :
ــــــــــــــــــــــ
( )1نشر العرف يف بناء بعض األحكام على العرف ,ال بن عابدين ,رسالة من جمموعة رسائل البن عابدين ( ,
, )2/114واألشباه والنظائر ,البن جنيم ( ,ص , )93الناشر :دار الكتب العلمية يف بريوت 1405 ,هـ .
( )2انظر :أصول الفقه اإلسالمي ,لوهبة الزحيلي . )2/830( ,
( )3انظر :كشف األسرار على أصول البزدوي ,للبخاري , )2/95( ,الناشر :دار الكتاب العربية يف بريوت .
67
القول الثالث :
( )1
أهنما متباينان فالعرف خمتص بالقول ,والعادة خمتصة بالفعل .
القول الرابع :
أن العادة أعم من العرف ,ألن العادة تكون فردية ومجاعية ,والعرف ال يكــون إال مجاعيـًا
( )2
.
ــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :العرف والعادة يف رأي الفقهاء ,ألمحد فهمي أبوسنة ( ,ص , )13نقًال عن مشس الدين الفناري ,
الناشر :مطبعة األزهر 1947 ,م .
( )2انظر :املصدر السابق ( ,ص. )13
68
الفرع الثالث
املقارنة بني نظريت القانون الدويل والفقه
اإلسالمي حول الفرق بني العرف الدويل
والعادة الدولية
يالحظ تقارب القانون الدويل مع القول الرابع يف الفقه اإلسالمي ,حيث إن القول الرابع
يفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية بكون هذه األخرية تكون فردية ومجاعية ,أما
العرف الدويل فال يكون إال مجاعيًا ,وهو عني ما يقول به القانون الدويل ,إال أن التفريق
اآلخر بينهما من كون العادة غري ملزمة والعرف ملزم ,ال أثر له يف الفقه خالفًا ملا هو
عليه يف القانون الدويل ,ولكن ال يسع يف هذا املقام القول إال " أن قواعد الفقه احملكمة
ال تأىب اشرتاطه " ( )1أي اشرتاط اإللزام وهبذا يفرتق عن العادة الغري ملزمة ,وبناًء على
ذلك ميكن أن يتوصل إىل أن الفقه يفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية على أساس أنه
ملزم وهي غري ملزمة .
ـــــــــــــــــــــــ
( )1العرف والعادة يف رأي الفقهاء ,ألمحد فهمي أبو سنة ( ,ص. )66
69
الفصل األول
منشأ العرف الدويل وأركانه وشروطه
70
المبحث األول
منشأ العرف الدويل
متهيد
71
قبل الشروع يف هذا املبحث جتدر اإلشارة إىل انقسام الشراح حول التصرفات اليت ميكن
من خالهلا أن ينشأ العرف الدويل إىل مدرستني ,وذلك على النحو التايل :
72
( )3
" إال أن هذا الرأي ضعيف وال ميثل سوى رأي األقلية " .
73
يف تلك اجملاالت اليت تتعلق بكل من العالقات الدولية والوطنية كمعاملة األجانب ,ومنح
( )1
االمتيازات الدبلوماسية ,واللوائح والتنظيمات املتعلقة بالسفن األجنبية وحنوها .
وحــىت القضــاء الــدويل يعــزز هــذا االجتاه ,ففي قضــية اإلفريــز القــاري لبحــر الشــمال (, )2
( )3
أدرج بعض القضاة القوانني الوطنية ضمن ممارسات الدول املنشأة لألعراف الدولية .
والواقع الدويل اليوم يقر ما ذهبت إليه هذه املدرسة من أن العرف الدويل ينشأ من
()4
املؤسسات القانونية املختصة مبعاجلة الشؤون الدولية ,داخلية كانت أم دولية .
واحلاصل أن ذلك اخلالف يف هذه النزعات ليس باخلطري على النحو الذي يتصور معه
وجود تباين حقيقي يف مواقف كل من املدرستني فاملدرسة األوىل اليت تنكر االعتداد
بالتصرفات الصادرة عن األجهزة الوطنية اليت ليس هلا صفة متثيلية يف جمال العالقات
الدولية ال تنكر مع ذلك إمكانية قيام هذه األجهزة باختاذ مسلك معني ميس العالقات
الدولية ميكن االعتداد به يف إرساء السابقة إذا مل يثر االعرتاض الصريح من جانب
األجهزة
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )26
( )2النزاع يف هذه القضية كان بني هولندا والدمنرك من جهة وأملانيا الغربية من جهة أخرى ,وكان العرف
الدويل يف قلب هذا النزاع .وقد كان موقف هولندا والدامنرك منطلقًا من وجود قاعدة عرفية دولية تلزم الدول
املتجاورة بتقسيم امتداداهتا القارية وفقًا لقاعدة األبعاد املتساوية أي كل دولة تأخذ نصف املساحة من هذه
االمتدادات الطبيعية اإلقليمية ,أما موقف أملانيا الغربية فقد كان منطلقًا من فكرة أولية مؤداها أن التحديد جيب أن
حيقق لكل دولة جزًء عادًال من االمتداد القاري ,وقد حكمت حمكمة العدل الدولية بأن قاعدة األبعاد املتساوية مل
تصبح قاعدة عرفية بعد ,وذلك النعدام الركن املعنوي وهو االعتقاد بإلزامية هذه القاعدة .انظر القانون الدويل
العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )583
( )3انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )27
( )4القانون الدويل العام ,للدكتور مسوحي فوق العادة ( ,ص. )51
ذات الصفة التمثيلية ,بينمـا تشـرتط املدرسـة الثانيـة أن يلقى سـلوك األجهـزة الوطنيـة جتاوبـًا
لدى الدول األخرى .
74
على أن املدرسة املوضوعية أكثر متشيًا مع تصوير الدولة على أهنا تكوين اجتماعي يشتمل
على عدة أجهزة ميارس كل منها قدرًا معينًا من السلطات اليت تنسب مجعيًا إىل الدولة
ذاهتا يف هناية األمر ,فال حمل إذن لالعتداد ببعضها دون البعض اآلخر حبسب اجلهاز الذي
( )1
أصدرها مىت كانت التصرفات املعنية متس العالقات الدولية بصورة أو بأخرى .
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,للدكتور حممد سعيد الدقاق ( ,ص. )173
75
المطلب األول
التصرفات احلكومية املنشئة للعرف الدويل
ويشتمل على الفروع اآلتية :
76
متهيد
إن معظم السوابق اليت ينشأ عنها العرف الدويل ترجع إىل التصرفات اخلارجية اليت تعرب
عن سلوك الدولة يف اجملال الدويل ,ومن الناحية العملية جند أن هذه السوابق متعددة
املصدر ,فقد تصدر هذه السوابق عن السلطة التنفيذية وهذا هو األصل العام ,ومع ذلك
( )1
فقد تصدر هذه السوابق عن السلطة التشريعية أو القضائية .
وإليك احلديث عن كل سلطة على حدة وذلك يف الفروع اآلتية :
77
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,إلبراهيم أمحد شليب ( ,ص. )350
الفرع األول
تصرفات السلطة التنفيذية
السلطة التنفيذية يف الدولة هي اليت تشرف على العالقات اخلارجية للدولة ,ويتم ذلك
عن طريق احلكومة أو املمثلني الدبلوماسيني والقنصليني ,والتعامل احلكومي والدبلوماسي
يسمح بتحديد مواقف الدولة من خمتلف الشؤون الدولية كما يسمح بالوقوف على
التقاليد واألعراف اليت تتبعها الدولة يف عالقاهتا ببقية الدول ,ومن هنا تتجلى أمهية
املراسالت الدبلوماسية ( )1اليت تتضمن وثائق ومعلومات تساعد على حتديد العرف وإثبات
حكمه ,وأمهية التعليمات احلكومية والوزارية اليت حتدد موقف احلكومة أو وجهة نظرها
يف بعض املسائل ,وأمهية التعليمات واألوامر اليت تصدرها القيادات احلربية يف أثناء احلرب
( )2
واليت تكشف عن القواعد اليت تتبعها الدول يف احلروب الربية والبحرية واجلوية .
فهذه املراسالت الدبلوماسية والتعليمات احلكومية خري مثال على تصرفات السلطة
( )3
التنفيذية واليت ميكن من خالهلا إنشاء العرف الدويل .
وكذلك يعترب من األمثلة تلك التصرحيات والبيانات والبالغات الرمسية الصادرة من دوائر
78
تعاجل الشؤون اخلارجية كوزارة اخلارجية أو السفارات ,واليت تبني اخلطة اليت تسلكها
( )4
إحدى الدول يف عالقاهتا مع بقية أعضاء األسرة الدولية .
ــــــــــــــــــــ
( )1تب ــدي ال ــدول يف ه ــذه املراس ــالت مواقفه ــا يف ش ــأن من الش ــؤون الدولي ــة وتع ــرب عن نواياه ــا أو ردود فعله ــا على
تصرفات الدول األخرى ووجهات نظرها ,وقد تتضمن اإلعراب عن التضامن معها أو حتذيرا هلا أو تفسريا ملواقفهــا
,انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )378
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد اجملذوب ( ,ص. )51
( )3انظر :مشكلة العقيدة العقيدة القانونية للقاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,للدكتور زهري احلسيين ( ,ص
, )133حبث منشور يف اجمللة املصرية للقانون الدويل ,العدد 1989 , 45 :م .
( )4انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور مسوحي فوق العادة ( ,ص. )52
الفرع الثاين
تصرفات السلطة التشريعية
السلطة التشريعية يف الدولة هي اليت تضع القوانني الداخلية ,وبعض هذه القوانني يتعلق
بأمور ذات صفة دولية ,وهلذا فليس من الغريب أن تصبح هذه القوانني من أهم العوامل
املنشئة أو املكونة للعرف الدويل ,ويتم ذلك حني يتوافر هلا عنصر الشمول ,أي حينما
( )1
تتأثر قوانني الدول األخرى هبا فتصدر بصورة مماثلة أو مطابقة هلا .
ومن املالحظ أن القوانني الوطنية حبسب األصل هي جمرد وقائع مادية ال قيمة هلا على
املستوى الدويل ,إال إذا مست أو تعلقت مبسائل ذات صلة بالعالقات الدولية وتوفر هلا
العنصر املعنوي من جانب الدول بأهنا أصبحت قاعدة عرفية ضرورية ملتطلبات احلياة
الدولية .
فالركن املعنوي أمره ضروري حىت ميكن االعرتاف للقوانني الوطنية بصفة القاعدة العرفية
الدولية ,فالتشابه وحده بني القوانني الوطنية ال يكفي يف حد ذاته لنشأة قاعدة عرفية
دولية ؛ ألنه قد يكون جمرد صدفة .
79
والدليل على ذلك هو أن كثري من القوانني الوطنية تعرتف أو تسمح لألجانب بتملك
العقارات فوق إقليمها ,ولكن هذا التشابه مل يرق أبدًا إىل مستوى القاعدة العرفية الدولية
؛ ألنه مل حيظ بتوفر الركن املعنوي ,أو قبول الدول له كقاعدة ملزمة ,فمازالت هناك
( )2
دول كثرية ترفض بيع العقارات لألجانب .
هذا ولقد ذهبت حمكمة العدل الدولية يف قضية اجلرف القاري ( )3إىل أن التشريعات
( )4
الوطنية تصلح كسوابق يعتد هبا يف تكوين العرف الدويل .
ـــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ( ,ص)76
( )2انظر :القانون الدويل ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )528
( )3سبق التعريف هبذه القضية يف (ص ) .
( )4انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )378
ومثال على ذلك تلك القوانني املتعلقة بتحديد اجملاالت البحرية كالبحر اإلقليمي واملنطقة
( )1
االقتصادية اخلاصة أو تلك املتعلقة مبنح اجلنسية أو تأميم املصاحل األجنبية .
فالتشريعات املتناسقة لدول عديدة أمر يف غاية األمهية من أجل تكوين العرف الدويل
وإظهار عمل الدولة يف هذا اجملال أو ذاك ,فالقوانني الوطنية للدول وخاصة تلك اليت تؤثر
مباشرة يف العالقات الدولية مثل التشريعات حول اجلنسية والتشريعات املتعلقة مبركز
األجانب ,وتأميم أمواهلم ,أو القوانني اخلاصة اليت تعرف يف صياغتها بوجود بعض
القواعد الدولية يف جمال تطبيقها مثل القوانني اخلاصة باحلصانات واالمتيازات املمنوحة
للدبلوماسيني األجانب وغري ذلك ,كلها أصبحت اآلن مبثابة عرف دويل نشأ أصال من
خالل تشريعات داخلية ,مث تناقلتها الدول بعضها عن بعض حىت عمت أرجاء املعمورة .
ففي قضية سكوتيا عام 1864م أعلنت احملكمة الفدرالية األمريكية بأن كثريًا من العادات
اليت أصبحت اآلن هلا قوة القانون امللزم كانت يف األصل تعليمات تشريعية داخلية لدولة
واحدة ,مثل قانون رودوس حول املالحة البحرية الذي كان يف األصل قانونًا وطنيًا
جلزيرة رودوس وكذلك تعليمات لويس الرابع عشر يف عام 1681م واملتعلقة بتنظيم
البحرية الفرنسية واملعروف باسم قانون كولبري والذي انطوى على اختاذ موقف واضح
جتاه مبدأ حرية أعايل البحار ,ومن هنا فقد نظر إليه على أساس أنه مكرس للقاعدة
80
العرفية يف هذا اجملال أال وهي حرية املالحة لسفن مجيع الدول يف املياه الدولية اليت ال
ختضع لسيادة أي دولة ورحبت مجيع الدول هبذه القاعدة حىت اآلن .
وهناك قضايا عديدة فصلت فيها احملاكم انطالقًا من إجراء املقارنة بني قوانني دول خمتلفة
كدليل على وجود القاعدة العرفية الدولية يف مسائل متنوعة منها :احلصانات الدبلوماسية
( )2
كما سبق ذكر ذلك ,وأضواء السفن ,وحقوق سفن الصيد التابعة لألعداء .
ففي قضية اللوتس ( )3عام 1927اعتمدت تركيا على القوانني الوطنية يف إثبات العرف
الدويل الذي خيدم مصلحتها ,ومل تنازعها فرنسا يف ذلك بل ادعت أن هذه القوانني مل
ــــــــــــــــــ
( )1انظر :مشكلة العقيدة القانونية للقاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,للدكتور زهري احلسيين ( ,ص
, )133حبث منشور يف اجمللة املصرية للقانون الدويل ,العدد 1989 , 45 :م .
( )2انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )525-524
( )3وقد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص. )73
تلق قبول الدول .
ويف قضية نونتيوم اعتمدت حمكمة العدل الدولية على أن القوانني الوطنية تنص على
( )1
التجنس فقط ,عندما توجد رابطة حقيقية صحيحة .
ومن أبرز األمثلة على القوانني الوطنية اليت شكلت أساسًا للعرف الدويل يف جمال
احلصانات الدبلوماسية هو قانون امللكة آن الذي صدر عن الربملان اإلجنليزي عام 1709
( )2
مث تناقلته الدول األخرى يف تشريعاهتا فتشكل بذلك العرف الدويل يف هذا اجملال .
وجاء يف هذا القانون أن من يعتدون على حرمة السفراء وغريهم من مبعوثي األمراء
األجانب يعتربون منتهكني لقانون الشعوب ومعكرين للسالمة العامة وجيب عقاهبم عقابًا
رادعًا أمام هيئة خاصة مكونة من أكرب ثالثة قضاة يف اململكة .
وسارت برملانات الدول األخرى على هذا النهج فأصدرت قوانني مشاهبة تعرتف
باحلصانة
للسفراء من جانب وعقاب املعتدين الوطنيني من جانب آخر ,فكشفت هذه القوانني
الصادرة عن الربملانات عن قاعدة عرفية دولية أصبحت معروفة على نطاق عاملي بالرغم
من أن اجلهة اليت صدرت عنها السابقة ليست هي وزارة اخلارجية وإمنا هو الربملان
( )3
اإلجنليزي .
81
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )27
( )2حدث يف عام 1708م أن سفري روسيا القيصرية بعد أن قابل امللكة مستأذنا يف السفر لنقله إىل بلد آخر قبض
عليه يف شوارع لندن بناء على طلب من التجار الذين كانوا يدينونه بدين ما وأنتزع منه سيفه وقبعته وعصاته
وأنزل من عربته واقتيد إىل ملهى ليلي وحجز فيه ,وأنتشر اخلرب وقام بعض أصدقائه من النبالء بسداد ما عليه من
ديون وأخلي سبيله وملا علمت ملكة إجنلرتا بذلك كلفت وزيرها بتقدمي االعتذار واألسف فورا للسفري الروسي وأن
خيربه بأن األوامر قد صدرت للقبض على املعتدين وعقاهبم أشد العقاب .ولكن ذلك مل خيفف من استياء السفري
الروسي فغادر إجنلرتا دون أن يقوم باملراسم املعتادة يف مناسبات السفر ورفض قبول هدية امللكة وقبول اليخت
الذي وضع حتت تصرفه لنقله إىل اجلهة اليت يريدها وقدم التجار مدبري حادث االعتداء للمحاكمة وحكم عليهم
بعقوبات خمتلفة على الرغم من أن القانون اإلجنليزي كان جييز القبض على املدين من أجل دينه .انظر :القانون
الدويل العام ,للدكتور علي إبراهيم ( ,ص , )526نقال عن احلصانات الدبلوماسية ,للسري سيسل هريست ,
(ص. )138
( )3انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )527
الفرع الثالث
تصرفات السلطة القضائية
السلطة القضائية يف الدولة هي اليت تصدر األحكام القانونية ,وكثريًا ما تساعد هذه
األحكام على إنشاء بعض األعراف الدولية مثل حتديد مقدار التعويض للشركات املؤممة
( )1
وطريقة دفع هذا التعويض .
إن أحكــام احملاكم الداخليــة تشــكل طريق ـًا يف التعبــري عن العــرف الــدويل عنــدما يطلب منهــا
الفصــل يف قضــايا من طبيعــة قانونيــة دوليــة وتطبــق عليهــا أحكــام القــانون الــدويل .وإذا مــا
ق ــامت احملاكم الداخلي ــة ل ــدول خمتلف ــة بتط ــبيق نفس القاع ــدة وعلى حنو متت ــابع ,ف ــإن ه ــذه
القاعدة تتحول شيئًا فشيئًا إىل قاعدة دولية عرفية .
ففي قضية اللوتس عام 1927م ادعت فرنســا بــأن أحكــام احملاكم الوطنيــة يف جمال حماكمــة
الربان املسؤول عن التصادم قد أنشأت قاعدة عرفية مؤداها اختصاص دولة العلم باحملاكمة
82
,وعلى الـ ــرغم من أن حمكم ــة العـ ــدل الدوليـ ــة الدائم ــة قـ ــد امتنعت عن حبث مـ ــدى القيم ــة
القانونية ألحكام احملاكم الداخلية عندما يقتضي األمـر حبث نشـأة القاعـدة العرفيـة الدوليـة ,
إال أن احملكم ــة مل ت ــثر أي اع ــرتاض من حيث املب ــدأ ض ــد أحك ــام احملاكم الوطني ــة وإمكاني ــة
أخذها يف االعتبار كعنصر من عناصر تشكيل القاعدة العرفية احملتملة .
وبعض القضاة يف آرائهم املخالفة قد أيدوا ذلك بقـوة واعتـربوا أحكـام احملاكم الداخليـة من
السوابق اليت تساهم يف نشأة العرف الدويل .
إن القضاة الوطنيني ليس هلم حبسـب األصـل أي صـفة يف إلـزام الدولـة على املسـتوى الـدويل
وكثري من األحكام الداخلية تتسم باحلذر يف هذا املوضوع ولكن يف هناية املطاف فالقضاء
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :مشكلة العقيدة العقيدة القانونية للقاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,للدكتور زهري احلسيين ( ,ص
, )133حبث منشور يف اجمللة املصرية للقانون الدويل ,العدد 1989 , 45 :م .
الوطين حىت ولو مل يلزم الدولة ,إال أنه جيسد ويعكس النظام القانوين الداخلي كلــه ,فهــو
يطبق القوانني والدستور ,ويشكل عمًال متعددًا ومفصًال ملتطلباهتا .
إن حماكمة األجانب أمام القضاء الوطــين ووجــوب توفــري ضــمانات حمددة لتحقيــق العدالــة ,
مثل إحضار مرتجم لألجنيب يتوىل نقل دفاعه أمام احملكمة بلغة البلد ,وإحضار حمامي لــه ,
وعدم إطالة احملاكمة بدون مقتضى وتقرير التعويضات لألجانب الذين سلبت أمــواهلم أثنــاء
االضــطرابات االجتماعيــة تعــد اآلن من قبيــل القواعــد العرفيــة الــيت تعــرتف هبا الــدول وتســري
عليها احملاكم يف كل دول العامل تقريبا .
وإذا مل حترتم احملاكم الداخلية هذه الضمانات فإهنا ترتكب فعًال دوليًا غري مشروع هو
( )1
إنكار العدالة ويرتب املسؤولية الدولية على عاتق الدولة .
ومن املعلوم أن قرارات حماكم الغنائم الوطنية أسهمت إىل حد بعيد يف وضع قانون احلرب
البحرية ,على أنه جيب إحاطة هذه القرارات بكثري من التحفظ ؛ ألن احملاكم الداخلية
اليت تنظر يف قضايا القانون الدويل تتأثر إىل حد بعيد بالقانون الطبيعي أو باالعتبارات
( )2
السياسية .
83
ولقد ذهبت حمكمة العدل الدولية يف قضية اجلرف القاري ( )3إىل أن التصرفات احلكومية
تعد من بني السوابق اليت يعتد هبا يف تكوين وإنشاء العرف الدويل .كذلك فإن جلنة
القانون الدويل تعترب أن القوانني الوطنية واألحكام القضائية مبثابة األدلة األولية لسلوك
( )4
الدول .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور علي إبراهيم ( ,ص. )529-528
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور مسوحي فوق العادة ( ,ص. )52
( )3سبق التعريف هبذه القضية يف (ص. )74
( )4انظر :القانون الدويل ,للدكتور حممد سعيد الدقاق ( ,ص. )180
المطلب الثاني
التصرفات الدولية املنشئة للعرف الدويل
84
الفرع األول :املعاهدات الدولية
الفرع الثاين :املنظمات الدولية
الفرع الثالث :احملاكم الدولية
الفرع األول
املعاهدات الدولية
تعترب املعاهدات الدولية وسيلة من وسائل إنشاء العرف الدويل ,وحيدث ذلك عندما تربم
بعض الدول معاهدة ما وتتفق فيها على أحكام معينة تنال إعجاب الدول األخرى غري
األطراف يف املعاهدة فتسارع إىل اتباعها والعمل هبا يف عالقاهتا املتبادلة .ففي مؤمتر فيينا
املنعقد يف عام 1815م اتفقت الدول اجملتمعة على اتباع نظام معني يف ترتيب السفراء ,
فلم يلبث هذا النظام أن طبق يف مجيع الدول .وهذا ما حدث كذلك لقواعد احلرب
البحرية اليت نص عليها تصريح باريس للعام 1856م .
وقد تساعد املعاهدات اخلاصة كمعاهدات التحكيم ومعاهدات تسليم اجملرمني واملعاهدات
اخلاصة بالقنوات الدولية على ظهور األحكام العرفية عندما تربم بني عدد كبري من الدول
( )1
وتتضمن أحكامًا مماثلة تنم عن اقتناع الدول هبا .
85
فمثًال أول ما نشأ التحكيم كان يأخذ صور معاهدات ثنائية ,ومع الزمن أصبحت هذه
املعاهدات شائعة يف اجملتمع الدويل ,وليس هذا فقط ,بل إن عددًا ال بأس به من القواعد
اليت تضمنتها معاهدات التحكيم أصبح واحدًا يف ظل هذه املعاهدات .وأخريًا انتهى األمر
بنشوء قواعد القانون الدويل العام العرفية اخلاصة هبذا املوضوع .
وقانون احلرب البحرية يعطينا مثًال حيًا للدور الذي ميكن أن تقوم به املعاهدات الثنائية يف
تكوين قواعد القانون الدويل العام العرفية ,خاصة حقوق وواجبات الدول احملايدة ؛ ألهنا
أول ما نشأت اختذت صورة معاهدات ثنائية ,مث انتهى هبا األمر لكي تصبح قواعد عرفية
واجبة االتباع يف عالقات الدول التجارية والدول احملايدة ,حىت ولو كانت هذه الدول
األخرية ال ترتبط بالدول األوىل مبعاهدات تنص على وجوب مراعاة حقوق وواجبات
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد اجملذوب ( ,ص. )52
إذًا ال يوجد ما مينع من أن قاعدة جديدة مدرجة يف معاهدة دولية قد تصبح ملزمة لدول
أخرى على أساس حتويلها إىل قاعدة عرفية دولية .
فتصرفات الدول ،مثل إبرام املعاهدات الثنائية واملعاهدات اجلماعية ميكنها أن تشكل
السوابق العرفية امللزمة ,فقد حيدث أن معاهدات وعلى درجة من األمهية تعاجل نفس
املوضوع أو نفس املشاكل ,وحتتوي على نفس القواعد ،وينتهي املطاف هبا إىل اعتبارها
قواعد عرفية مقبولة بواسطة الدول مجيعًا وملزمة هلا ،حىت ولو كان البعض من الدول مل
يصدق عليها أصًال .
فاملعروف أن املعاهدات " ال ترتب حقوقا وال تفرض التزامًا على الدول الغري "
)2( .وهذا يعين أن كل دولة هلا حق يف رفض أي تنظيم قانوين اتفاقي مل تقبله .
ولكن املعاهدات الدولية ليست جمرد عمل قانوين هدفه إنشاء قواعد مقصورة على
األطراف فقط ،و إمنا ميكن اعتبارها أيضا كأحد الوقائع أو التصرفات أو السوابق اليت
تشكل العمل الدويل للقاعدة املعنية .ويرتتب على ذلك أن عديدًا من االتفاقيات بني
الدول املختلفة واليت تنصب على موضوع واحد أو متشابه تعرتف فيها الدول ببعض
86
االلتزامات يف جمال التوارث أو جمال التحكيم أو معاملة األجانب أو األبعاد أو التعويض
قد تكتسب الصفة العرفية وتفرض بالتايل على الدول اليت مل تشرتك يف إبرام املعاهدة .
وقد تكون املعاهدة مجاعية وذات أمهية خاصة ،وتضع قواعد جديدة سرعان ما تتحول
إىل قواعد عرفية مع مرور الزمن من خالل تطبيق الدول اليت مل تكن أطرافًا فيها .وجيب
على املفسر من أجل الوصول إىل هذه النتيجة أن يستخلص وجود العنصر املعنوي
املناسب ,ليس فقط من خالل تراكم هذه االتفاقيات ,و إمنا أيضًا من واقع التصرفات
اليت تعرب عنها ,ومن التأكيدات اليت تقدمها وتدعمها أدلة أخرى مستمدة من عناصر
( )3
متعددة مثل التطبيق الدائم هلا وعلى نطاق واسع .
ــــــــــــــــ
( )1انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ( ,ص. )134
( )1املادة 34من اتفاقية فينا لقانون املعاهدات لعام 1969م
( )3انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )618-617
هذا وقد تلعب نصوص املعاهدة دورًا يف اختاذ موقف معني من قاعدة عرفية مل يكتمل
تكوينها بعد وعندئٍذ تقوم تلك النصوص ببلورة هذه القاعدة وإعطائها شكلها النهائي .
ويف ذلك ذهبت كل من الدمنارك وهولندا إىل القول بأنه على الرغم من أنه يف الفرتة
السابقة على مؤمتر جنيف سنة 1958م كانت القواعد املتعلقة باإلفريز القاري ما زالت
يف دور التكوين وكانت السوابق املستفادة من سلوك الدول املختلفة تفتقد إىل التواتر
والتشابه إال أنه يف الفرتات التارخيية الالحقة أخذت إرهاصات القواعد العرفية املتعلقة
باإلفريز القاري تتواىل من خالل أعمال جلنة القانون الدويل ومؤمتر جنيف سنة 1958م
حـىت متت بلورهتا من خالل النص عليهـا يف معاهـدة اإلفريـز القـاري املنبثقـة عن ذلـك املؤمتر
األخري .
ولقد قبلت حمكمة العدل الدولية وجهة النظر هذه يف القدر املتعلق باملواد األوىل والثانية
والثالثة من املعاهدة املذكورة اليت تقرر تعريف اإلفريز القاري وحتدد حقوق الدول عليه
وقد قررت احملكمة أن هذه املواد تعد انعكاسًا أو بلورة لقواعد عرفية بدأت عملية
( )1
تكوينها من قبل .
87
ولكي تتم معرفة مـا إذا كـانت املعاهـدة قـد أصـبحت أو حتولت إىل عـرف دويل فإنـه ال يتم
البحث يف نصـ ــوص املعاهـ ــدة ذاهتا أو يف تـ ــاريخ إبرامهـ ــا أو األعمـ ــال التحضـ ــريية هلا ،وإمنا
جيب التأكد من ثالثة أمور :
-1إثبــات وجــود القاعــدة العرفيــة يف موضــوع البحث ســواء يف جمال املرياث الــدويل
أو املسئولية الدولية أو اإلبعاد أو اللجوء إىل التحكيم .
-2إثبات أن املعاهدة أو املعاهدات حتتوي على نفس القاعدة حمل البحث .
-3إقام ــة ال ــدليل على أن املعاه ــدة هي دلي ــل على حال ــة الع ــرف ال ــدويل املوج ــود يف وقت
معني وزمن معني ,ف ــإذا ت ــوفرت ه ــذه اإلج ــراءات ميكن الق ــول ب ــأن املعاه ــدة ق ــد م ــرت من
دائـ ــرة القـ ــانون املكتـ ــوب إىل دائـ ــرة العـ ــرف الـ ــدويل ،أو على األقـ ــل بعض نصوصـ ــها قـ ــد
( )2
أصبحت عرفًا دوليًا .
ـــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,حملمد سعيد الدقاق ( ,ص. )180
( )2انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )619
وال يش ــرتط لكي تص ــبح الدول ــة ملتزم ــة بالقاع ــدة العرفي ــة أن تك ــون هي ذاهتا ق ــد س ــامهت
باتفاقه ــا الض ــمين يف تكوينه ــا ,ول ــذلك يكفي لكي تك ــون القاع ــدة ملزم ــة عرفي ـًا أن تك ــون
معرتف ـًا هبا بص ــفة عام ــة من مجاع ــة ال ــدول .وه ــذا ال ــرأي ه ــو املقب ــول واملعم ــول ب ــه ,فاملادة
الســابعة من االتفاقيــة الثانيــة عشــرة املنعقــدة يف الهــاي ســنة 1907م تنص على أن حمكمــة
الغنائم الدولية تطبق يف حالة عدم وجود اتفاقية القواعد املعرتف هبا عمومًا .
وقد سارت احملكمة العليا يف الواليات املتحدة األمريكية على هذا املبدأ يف استخالص
( )1
القواعد العرفية الدولية حيث اكتفت بالقبول العام لألمم املتمدنة .
ولقد أشارت املادة 38من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لعام 1969م وعام 1986م
إىل أن املعاهدات تعترب مبثابة نقطة انطالق حنو نشأة قانون عريف عام جديد إذا ما سارت
( )2
على مقتضاها الدول األطراف يف عالقاهتا املتبادلة .
حيث تؤكــد املادة املذكورة على مــا يلي " :ليس يف املواد من ( )37 -34مــا حيول دون
أن تصــبح قاعــدة واردة يف معاهــدة دوليــة ملزمــة لدولــة أو ملنظمــة دوليــة ليســت طرف ـًا فيهــا
باعتبارها قاعدة عرفية من قواعد القانون الدويل ومعرتفًا هلا هبذه الصفة " .
88
هـذا وتبقي القاعـدة ملزمـة للـدول حـىت ولـو اختفت املعاهـدة بعـد ذلـك من الوجـود .تقـول
املادة ( )43من االتفاقيتني املشار إليهمـا حـول قـانون املعاهـدات حـول هـذه املسـالة " :ال
يؤثر بطالن املعاهدة أو إلغاؤها أو االنسحاب منها أو وقف العمل هبا تطبيقـًا هلذه االتفاقيــة
ألحكام املعاهدة يف واجب أية دولة يف أداء التزاماهتا املقـررة يف املعاهـدة الـيت تكـون ملتزمـة
هبا مبقتضى القانون الدويل ( )3بغض النظر عن املعاهدة " .
ووفقـ ـًا هلذه األحك ــام فعن ــد ح ــدوث التح ــول ف ــإن املعاه ــدة لن تص ــبح هي مص ــدر احلق ــوق
وااللتزامات بالنسبة للدول واملنظمات الدولية وإمنا العرف الدويل هو املصدر .
وال ــدليل على ذل ــك ه ــو أن ال ــدول الغ ــري واملنظم ــات الغ ــري لن تص ــبح ملزم ــة إال بأحك ــام
النصوص اليت حتولت إىل عرف دويل دون االعتداد ببقية النصوص اليت ما زالت حتتفظ
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ,للدكتور الشافعي حممد بشري ( ,ص , )74الناشر :دار الفكر
العريب ,ط. 4
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )374
( )3وال شك أن عبارة القانون الدويل هنا تنصرف إىل قواعد العرف الدويل امللزمة للجميع .
بطابعه ـ ــا االتف ـ ــاقي أو بطبيعته ـ ــا االتفاقي ـ ــة .وه ـ ــذا ه ـ ــو املسـ ــتفاد من نص املادة ( )38من
اتفاقييت فينا لقانون املعاهدات .
ويسري نفس احلكم على الدول اليت أوقفت العمل باالتفاقية إن انسحبت منها ألي ســبب
مش ــروع ,فهي تبقى ملزم ــة بالنص ــوص ال ــيت حتولت إىل قواع ــد عرفي ــة ,وه ــذا م ــا أكدت ــه
حمكمــة العــدل الدوليــة يف قضــية األنشــطة العســكرية وشــبه العســكرية يف نيكــاراجوا ،عنــدما
قالت " :إن حقيقة كون املبادئ قد جرى تقنينها يف معاهدات مجاعية ال يعين أبدًا أهنا قـد
اختفت من الوجود ،وإمنا جيب تطبيقها باعتبارها من مبادئ القانون الدويل العــريف ،حــىت
يف مواجهة الدول األطراف يف هذه املعاهدات كانت احملكمة تشري إىل القواعد العرفية " .
وأض ــافت يف نفس القض ــية أيض ـًا " :أن قواع ــد الق ــانون ال ــدويل العرفي ــة حتتف ــظ بوجوده ــا
وقابليتهــا للتطــبيق املســتقل جبوار قواعــد القــانون الــدويل حــىت عنــدما يكــون هلاتني الطــائفتني
( )1
من القواعد مضمون واحد ومتشابه أو متطابق " .
89
وفيمــا يتعلــق بــرأي الشــراح يف هــذه املســألة يكفي أن يشــار إىل التقريــر اخلامس للســري جــري
ال ـ ــدفيتز م ـ ــوريس املق ـ ــدم إىل جلن ـ ــة الق ـ ــانون ال ـ ــدويل ،وال ـ ــذي اع ـ ــرتف في ـ ــه بإمكانيـ ــة حتول
( )2
املعاهدات الدولية إىل قواعد عرفية .
وتقوم املعاهدات إضافة إىل ما سبق بدور مطور ومعجل لعملية تكوين القاعدة العرفية
دون أن يؤدي هبا إىل الوجود الفعلي ,فنكون هنا بصدد قانون يدور يف دائرة ما ينبغي
أن يكون وليس يف دائرة ما هو كائن بالفعل ,وطبيعي أيضًا أال خيتلط هذا الدور بالدور
الذي تقوم به املعاهدات يف تقنني العرف املوجود سلفًا وإمنا يعد دفعًا لعملية تكوين قاعدة
عرفية حمتملة واإلسراع هبا حنو االكتمال .
وصورة ذلك أن يكون النص الوارد يف إطار املعاهدة املعنية وإن كان نافذًا يف مواجهة
أطرافها ,إال أنه بالنسبة لغري هؤالء يصبح مبثابة سابقة قد تكتسب الصفة القانونية إذا ما
توافرت هلا بقية شرائط تكوين العرف .
فهذا النص عندئذ يصبح مبثابة نواة القاعدة العرفية ويصبح السلوك الالحق للدول مكونًا
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )621-620
( )2انظر :املصدر السابق ( ,ص. )619
هلذا األخري وينقلها يف عالقة الدول األخرى غري األطراف بعضهم ببعض من دائرة القانون
احملتمل إىل القانون القائم فعًال .ولقد أيدت حمكمة العدل الدولية هذا النظر يف قضية
اإلفريز القاري لبحر الشمال ( )1فلقد ادعت كل من الدمنارك وهولندا بأن قاعدة املسافة
املتساوية اليت جاء النص عليها يف املادة السادسة من معاهدة جنيف سنة 1958م كأساس
لتقسيم اإلفريز القاري بني الدول املعنية قد أصبحت سابقة أدت بالنسبة لغري الدول
املصدقة على املعاهدة إىل تكوين قاعدة عرفية منذ الفرتة الالحقة على إبرام املعاهدة حىت
سنة 1969م تاريخ الفصل يف الدعوى .
وإذا كانت حمكمة العدل الدولية قد رفضت االستجابة هلذا اإلدعاء فإن ذلك مل يكن
راجعًا إىل رفض هذا التصور من حيث هو ,وإمنا ألنه مل يثبت لديها صريورة مبدأ املسافة
املتساوية من قبيل القواعد العرفية ,ولقد انتهزت احملكمة هذه الفرصة لكي تؤكد أنه من
90
املمكن أن يكون النص الوارد يف معاهدة ما مبثابة سابقة تسهم يف تكوين القاعدة العرفية
إن حتقق هلذه األخرية شرائط تكوينها .
ولقد عادت احملكمة وأكدت موقفها يف قضية الحقة هي قضية املصائد اإليسلندية
فاعرتفت بوجودها وقامت بتطبيق قاعدة عرفية كان نواهتا نصًا واردًا يف مشروع معاهدة
طرح على مؤمتر البحار املنعقد سنة 1960م ,ولكن مل يتم اعتناقه هلزميته بصوت واحد
يف املؤمتر ,ولقد قررت احملكمة أن النص املذكور الذي كان ينتمي آنذاك إىل عامل القانون
الذي جيب أن يكون ,قد أصبح قاعدة عرفية نتيجة تواتر سلوك الدول على مقتضاه
( )2
وكان ذلك النص متعلقًا باتساع البحر اإلقليمي ومبدى حقوق الصيد فيه .
إن شيوع هذه املعاهدات ومتاثلها يف موضوعها ويف األحكام اليت وردت هبا ميثل الركن
املادي للقاعدة العرفية ,وقبوهلا من جانب الدول األخرى غري األطراف فيها ميثل الركن
املعنوي هلذه القاعدة ؛ ألن هذه املعاهدات ال تكون بنفسها قواعد قانونية وإمنا تنشئ
هذه القواعد من العادة املتمثلة يف تكرار إبرام هذه املعاهدات بشأن موضوع معني على
حنو معني ,حبيث تكشف هذه املعاهدات عن االعتقاد العام بأن األمور اليت نظمتها على
ــــــــــــــــــــ
( )1وقد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص. )74
( )2انظر :القانون الدويل ,للدكتور حممد السعيد الدقاق ( ,ص. )181
حنو معني تتفق مع القانون الدويل ,أو يتطلب هذا القانون وقوعها على هذا النحو ,
وذلــك حسـب مــا إذا كــانت القاعــدة جوازيــة أو وجوبيــة ,وتلـتزم كافــة الــدول مبا نشــأ عن
( )1
هذه املعاهدات من قواعد عدا تلك الدول اليت عارضتها .
ويصدق هذا متامًا على املعاهدات الشارعة ( , )2واليت ميكن أن تنشـئ الـركن املادي للعـرف
الـ ــدويل ,إال أهنا ال تنشـ ــئ القاعـ ــدة القانونيـ ــة العرفيـ ــة بـ ــذاهتا إال إذا تـ ــوافرت هلذه القاعـ ــدة
ركنها املعنوي ,وميكن أن تلزم هـذه املعاهـدات الـدول غـري األطــراف إذا كـان سـلوك هـذه
الدول يربر االفـرتاض بـأهنم قبلـوا نصـوص املعاهـدة باعتبارهـا ملزمـة هلم ,ومن مث يعتـرب هـذا
مبثابــة نــوع من االنضــمام عن طريــق العــرف .والواقــع أن هــذه هــو اإلجــراء املألوف الــذي
( )3
تنشئ به املعاهدات للقواعد القانونية العرفية .
91
وميكن القول أن خمتلف التقنينات املوضوعة واملعاهدات املعقودة منذ مطلع هذا القرن قد
ضيقت نطاق العرف بعد أن تبنت معظم أحكامه ,غري أن العرف يبقى مرجعًا هامًا يف
اجملاالت اليت يتعذر تقنينها أو عقد اتفاقات بشأهنا وال سيما لتفسري املعاهدات أو إيضاح
ما غمض منها ,وهذا ما مت بالنسبة ملعاهدة فرساي إذ جلأ املسؤولون عام 1923م إىل
()4
العرف لتفسري األحكام املتعلقة بتنفيذ العقوبات على أملانيا .
وفيمــا يتعلــق بالقضــاء الــدويل وموقفــه من حتول النصــوص االتفاقيــة إىل قواعــد عرفيــة ملزمــة
للجميع ،هناك بعض األحكام اليت تؤكد هذه اإلمكانية وثبت بالفعــل أن بعض املعاهــدات
الــيت جــاءت بأحكــام جديــدة مل تكن معروفــة من قبــل قــد دخلت يف نطــاق القــانون الــدويل
العــريف ،وتطبيقهــا مل يعــد مقصــورًا على الــدول األطــراف فيهــا ,و ســيتم ذكــر بعض هــذه
التطبيقات من أحكام حمكمة العدل الدولية .
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,للدكتور عبد الغين حممود ( ,ص. )116
( )2هي معاهدات متعددة األطراف يتم إبرامها بني جمموعة كبرية من الدول ,تتضمن إنشاء قواعد عامة جمردة
لتنظيم العالقات الدولية يف األمور اليت تتعلق باملصاحل الدولية املشرتكة للجماعة الدولية ,انظر :الوجيز يف القانون
الدويل العام ,للدكتور حممد حافظ غامن ( ,ص. )21
( )3انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,للدكتور عبد الغين حممود ( ,ص. )117
( )4انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور مسوحي فوق العادة ( ,ص. )53
92
االعتب ــار املعاه ــدات اخلاص ــة بقن ــاة الس ــويس وقن ــاة بنم ــا ,وق ــالت إذا م ــا ك ــانت القواع ــد
املدرج ــة يف ه ــذه املعاه ــدات اخلاص ــة بالقن ــاتني ليس ــت متش ــاهبة متامـ ـًا ,إال أهنا تق ــدم أمهي ــة
متس ــاوية ؛ ألهنا ت ــبني بوض ــوح أن اس ــتعمال ط ــرق املالح ــة الدولي ــة الك ــربى س ــواء بواس ــطة
سفن حربية لدول متحاربة أو بواسطة سـفن جتاريـة لـدول متحاربـة أو حمايـدة حمملـة بالعتـاد
العسكري ال ميثل هذا املرور خرقًا حلياد الدول الساحلية .
وإن أي أحــد مل يقــل بــأن حيــاد تركيــا أو حيــاد الواليــات املتحــدة قــد جــرى انتهاكــه عنــدما
قــامت هاتــان الــدولتان بــاحرتام التزاماهتمــا وفق ـًا التفاقيــة " القســطنطينية " لعــام 1888م .
واتفاقيــة " هي بونســفوت " لعــام 1903م .وأن التزامــات أملانيــا العرفيــة كدولــة حمايــدة ال
تنتهك مبجرد السـماح لسـفن أجنبيـة بـاملرور يف قنـاة كيبـل كمـا هـو مطلـوب وفقـًا للمـادة (
)38من معاهـ ــدة فرسـ ــاي ,فاملعاهـ ــدات اخلاصـ ــة بـ ــالقنوات خلقت قاعـ ــدة عرفيـ ــة تقضـ ــي
بالس ــماح باملالح ــة وعب ــور القن ــوات يف وقت الس ــلم واحلرب ،ح ــىت بالنس ــبة لل ــدول ال ــيت
ليس ــت أطرافـ ـًا يف ه ــذه املعاه ــدات ،فس ــوابق قن ــاة الس ــويس وقن ــاة بنم ــا بالس ــماح للس ــفن
العس ــكرية ب ــاملرور متث ــل تعب ــريًا عن ال ــرأي الع ــام وال ــذي وفق ـًا ل ــه عن ــدما يوج ــد طري ــق م ــائي
صناعي يصل حبرين عاليني وخمصص بصورة دائمة الستعمال العامل كله ,فـإن هـذا الطريـق
يوجد يف وضع يشبه املضايق الطبيعية مبعىن أن مرور حىت السفن احلربية للمتحاربني
( )1
أنفسهم ال يضر حبياد الدولة صاحبة السيادة على القناة حمل البحث .
ويف قضية نونتنيوم عام 1955اعرتفت حمكمة العدل الدولية بدور املعاهدات الدوليـة
يف إنشاء العرف الدويل .
( )2
حيث نصـت يف هـذه القضـية على أن التطـبيق الـذي تسـري عليـه الـدول هـو أن اجلنسـية جيب
أن تعرب عن رابطة حقيقة وفعلية بني الدول وبني الشخص الذي متنحه جنسيتها .
وأن االعتقاد الثابت اآلن يف هذا اجملال مستمد من األحكام املوجــودة يف بعض املعاهــدات
الثنائية يف موضوع اجلنسـية ,واملربمـة بني الواليـات املتحـدة األمريكيـة مـع دول أخـرى منـذ
ع ــام 1868م ,مث ــل تل ــك ال ــيت يطل ــق عليه ــا اس ــم معاه ــدات " ب ــانكر وفت " نس ــبة إىل ا
ملسئول األمريكي الذي ابتدع هذا النوع من املعاهدات .
93
وكذلك تستمد هذه القاعدة من االتفاقية األمريكية حول نظام املواطنني املتجنسني الذين
حيتفظــون باإلقامــة يف بالدهم األصــلية ،واملربمــة يف ريــو دي جــانريو بتــاريخ 13أغســطس
عام 1906م .
وقالت أيضا " :إن االعتقاد بوجود هذه القاعــدة يســتمد أيضـًا من اتفاقيــات الهــاي املربمــة
بتــاريخ /12أبريــل عــام 1930م ,واملتعلقــة بتنــازع القــوانني يف جمال اجلنســية كتعبــري عن
سلوك الدول يف هذا امليدان " .
ك ــل ه ــذه املعاه ــدات يف نظ ــر احملكم ــة تق ــدم ال ــدليل والش ــاهد على ض ــرورة ت ــويل الرابط ــة
احلقيقية أو الفعلية بني الفرد وبني الدولة اليت متنحه جنسيتها .
إن هذه املعاهدات قد حتولت إىل قواعد عرفية بسبب طــول املمارســة ،واعتقــاد الــدول يف
()3
إلزامية القاعدة املدرجة هبا حول الرابطة أو العالقة احلقيقية بني الدولة ورعاياها اجلدد.
ويف قضية االمتداد القاري لبحر الشمال عام 1969م .اعرتفت حمكمة العدل الدولية
ص ــراحة بإمكاني ــة إنش ــاء املعاه ــدات للع ــرف ,حيث قض ــت بأن ــه ال ش ــك أن ه ــذه العملي ــة
ممكنة
متامـًا وحتدث من وقت آلخــر ,فهي تشــكل إحــدى الوســائل املعــرتف هبا ,والــيت ميكن عن
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )623-622
( )2انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )120
( )3انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )623
طريقها إنشاء قواعد القـانون الـدويل العـريف اجلديـدة ,إال أهنا اشـرتطت لـذلك تـوافر الـركن
املعنوي ,باإلضافة إىل الركن املادي املتمثل يف املعاهدة ذاهتا ,فقد ادعت كل من الــدمنرك
وهولنـ ــدا أن اتبـ ــاع قاعـ ــدة املسـ ــافة املتسـ ــاوية الـ ــيت أقرهتا املادة 6من معاهـ ــدة جـ ــنيف عـ ــام
1958كأس ــاس لتقس ــيم اإلفري ــز الق ــاري ق ــد أص ــبحت من ــذ ه ــذا الت ــاريخ – ت ــاريخ إب ــرام
االتفاقية – قاعـدة عرفيـة حبكم تـأثري االتفاقيـة من ناحيـة ,ومـا جـرى عليـه عمـل الـدول من
ناحية أخرى ,وأن هذه القاعدة تعترب ملزمــة لكافــة الــدول مبا فيهــا مجهوريــة أملانيــا االحتاديــة
,على الرغم أهنا مل تكن طرفًا يف معاهدة جنيف عام 1958م املتعلقة باإلفريز القاري .
94
وقـد أقـرت احملكمـة يف حكمهـا جـواز إنشـاء القاعـدة القانونيـة العرفيـة عن طريـق حكم ورد
يف معاه ــدة دولي ــة ,إال أهنا اش ــرتطت حلدوث ذل ــك أن يك ــون س ــلوك ال ــدول خالل الف ــرتة
التاليــة إلبــرام املعاهــدة – وعلى األخص الــدول املعنيــة هبذا الــنزاع – شــامًال وموحـدًا ,وأن
يكون هذا السلوك يف ذاته أو بالطريقة اليت مت هبا دليًال على االعتقاد بوجــود قاعــدة قانونيــة
تتطلب ــه ,وق ــد اس ــتندت ال ــدمنرك وهولن ــدا – من بني أم ــور أخ ــرى – إىل معاه ــدات ثنائي ــة
خمتلفــة لتحديــد اإلفريــز القــاري بوصــفها دليًال على أن قاعــدة البعــد املتســاوي – الــواردة يف
املادة 6من اتفاقي ــة 1958م – ق ــد أص ــبحت قاع ــدة من قواع ــد الق ــانون ال ــدويل الع ــريف ,
وبفحص احملكمة لسلوك الدول يف الفرتة التالية إلبرام معاهدة 1958م ,انتهت إىل أنــه ال
ميكن استخالص أن الدول اليت طبقت هذه القاعـدة كـانت تشـعر أهنا بصـدد قاعـدة قانونيـة
عرفيــة ملزمــة ,فاملعاهــدات – شــأهنا شــأن كافــة أشــكال الســلوك الــدويل – جيب أن تقــرتن
( )1
بعقيدة االلتزام القانوين بالتصرف .
ويف قض ـ ــية املص ـ ــايد بت ـ ــاريخ 25يولي ـ ــو 1974اع ـ ــرتفت حمكم ـ ــة الع ـ ــدل الدولي ـ ــة ب ـ ــأن
املعاه ــدات الدولي ــة هي وس ــيلة من الوس ــائل املع ــرتف هبا يف خل ــق القواع ــد العرفي ــة الدولي ــة
اجلديدة .
فق ــد أك ــدت احملكم ــة يف ه ــذه القض ــية وج ــود قاع ــدة عرفي ــة متنح الدول ــة الس ــاحلية حقوقـ ـًا
تفض ــيلية يف الص ــيد يف املي ــاه احلرة اجملاورة أو املتامخة لبحاره ــا اإلقليمي ــة ,بش ــرط أن توج ــد
الدولة يف وضع اعتماد خاص على هذه املصايد الساحلية .
ــــــــــــــــــ
( )1انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )120-118
واعتمدت احملكمة يف وجود هذه القاعدة العرفية على أن حقـوق األفضـلية للدولـة الشـاطئية
قــد مت االع ــرتاف هبا يف كثــري من املعاهــدات الدوليــة األمــر الــذي جيعــل منهــا قاعــدة عرفيــة
( )1
ذات أصل اتفاقي .
95
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )628
96
األوىل :هي أن املعاهدة تستطيع إبطال العرف أو تعديله كإلغاء جتارة الرقيق األسود
الثابت عرفيًا مبوجب تصريح فيينا لعام 1815م ,وميثاق بروكسل لعام 1890م .
( )1
والواقع أن املعاهدة تنشئ نظامًا قانونيًا خاصًا بني األطراف ميكن أن خيالف القانون العريف
العام ,فقاعدة حرية أعايل البحار وهي قاعدة عامة من قواعد القانون الدويل ميكن
خمالفتها عن طريق معاهدة دولية تتفق دولتان متعاقدتان فيها على منع كل منهما من
ارتياد املياه املالصقة لشواطئ األخرى ,وخالفًا للقاعدة العامة اليت حتظر على الدول
ممارسة سلطتها يف اخلارج من املتصور أن تتفق دولتان على قيام رجال الشرطة يف كل
منهما بعمليات معينة يف األخرى أو على وجود القوات املسلحة التابعة إلحدامها يف
الدولة األخرى .وخالفًا للقاعدة العرفية من املتصور وجود اتفاق بني دولتني على
السماح ملواطين كل منهما بالصيد يف املياه اإلقليمية للدولة األخرى ,غري أنه ميتنع خمالفة
( )3
القواعد العرفية إذا كانت قاعدة آمرة ( )2من القواعد العامة للقانون الدويل .
وجتدر اإلشــارة إىل أن القواعــد العرفيــة ليســت خالــدة أو مؤبــدة ,حيث إهنا تنشــأ اســتجابة
حلاج ــات ال ــدول ,ومتت ــاز باملرون ــة والق ــدرة على التالؤم م ــع ظـ ــروف وحاج ــات اجلماع ــة
الدولي ــة ,وق ــد جتد ه ــذه اجلماع ــة يف حلظ ــة معين ــة أن قاع ــدة عرفي ــة ق ــد جتاوزهتا األح ــداث
واألفكار اجلديدة ،فال مناص إذًا من تعديلها أو وضع حــد هلا والبحث عن قواعــد جديــدة
أكثر عقالنية وأكثر جتاوبًا مع الظروف والتطورات.
ــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ( ,ص. )79
( )2القاعدة اآلمرة حبسب تعريف املادة 53من اتفاقية فينا لقانون املعاهدات هي " :كل قاعدة من قواعد القــانون
الــدويل العــام والــيت تقبلهــا اجلماعــة الدوليــة يف جمموعهــا ويعــرتف هبا باعتبارهــا قاعــدة ال جيوز اإلخالل هبا أو االتفــاق
على ما خيالفها وال ميكن تعديلها إال بقاعدة الحقة من قواعد القانون الدويل العام " .
( )3انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )374
وقــد تســتخدم الــدول الطريــق املعــاكس ،أي إنشــاء قواعــد عرفيــة مضــادة للقواعــد القدمية ,
وق ــد يس ــتغرق ه ــذا بعض ال ــوقت ,ويف أحي ــان معين ــة تلج ــأ ال ــدول فج ــأة إىل إب ــرام معاه ــدة
جديدة تلغي هبا صـراحة وبشـكل فـوري القواعـد العرفيـة الـيت عفـا عليهـا الـزمن ,ومن هنـا
تلعب املعاهدات دورًا يف إلغاء القواعد العرفية .
97
إن املعاهدة الدولية ال تقتصـر على عمليـة تنظيم تطـبيق القواعـد العرفيـة ،وإمنا تـذهب بعيـدًا
حىت إعالن مبادئ وقواعد خمتلفة متاما عن تلك اليت جسدها العرف الدويل أزمانًا طويلة.
ويف هــذا الفــرض ال تنشــئ جمرد قواعــد جديــدة ملزمــة قانون ـًا ،وإمنا تعــرب أيض ـًا عن تطــور
الفكر القانوين واإلنساين ،والشعور العام الدويل يف مرحلة ما يف طرح العالقات الدولية .
وحــىت لــو كــانت بعض الــدول غــري أطــراف يف مثــل هــذه املعاهــدات الــيت تضــع ح ـدًا لبعض
القواع ــد العرفي ــة ,فإهنا ال تس ــتطيع يف بعض األحي ــان أن تق ــف يف وجــه تي ــار جــارف ي ــنزع
حنو التطور واألفكار اجلديدة ,ومن هنا جندها تلــتزم هبذه املعاهــدات ،ومن مث ينشــأ عــرف
دويل جديد أصله املعاهدات الدولية .
فكانت هذه اإلعالنات معدلة صراحة وملغيـة صـراحة لألعـراف القدمية ،ويف نفس الـوقت
وسيلة إلنشاء عرف جديد خمالف سارت عليـه الـدول من قبـل ؛ ألن األحكـام الـيت جـاءت
هبا هــذه اإلعالنــات كــانت معــربة عن اجتاهــات جديــدة وأفكــار جديــدة لــدى الــرأي العــام ,
أي كــانت متجاوبــة مــع املفــاهيم اجلديــدة للقــانون الــدويل العــام احلديث الــذي حيرتم حقــوق
اإلنسان وحرياته األساسية .
إن الع ــرف ال ــدويل يتط ــور ويتالءم م ــع فك ــرة العدال ــة واملص ــلحة ،وم ــع الظ ــروف اجلدي ــدة
للحيــاة الدوليــة ،ويســتخدم أحيان ـًا يف ســد النقص يف النظــام القــانوين الــدويل ،ولكنــه ليس
( )1
خالدًا أو أبديًا وإمنا عليه أن خيلي مكانه لقواعد أخرى أفضل عند الضرورة .
الثانيــة :هي أن العــرف يســتطيع أن يــؤدي تــدرجييًا إىل فســخ املعاهــدة أو تعــديلها دون أي
إجراء خطي كإلغاء االمتيازات األجنبية يف مصر بتأثري العرف املتواتر بشكل تدرجيي .
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )630-629
وك ــذلك ف ــإن معظم ال ــدول املتحارب ــة جتاهلت يف ح ــرب 1939م خمتل ــف أحك ــام الق ــانون
التعاقــدي املعاصــر الــيت حتظــر اعتــداء الغواصــات احملاربــة على الســفن التجاريــة دون إخطــار
( )1
مسبق .
98
وأيضًا فقد سقطت عرفًا املادة 18من عهد عصبة األمم اليت حتكم ببطالن املعاهــدات الــيت
مل يقــع تســجيلها لــدى األمانــة العامــة للعصــبة ,وأصــبح جــزاء عــدم التســجيل هــو جمرد عــدم
جواز االحتجاج أو االعتداد هبذه املعاهدات أمام فروع العصبة .
وق ـ ــد قبلت حمكم ـ ــة الع ـ ــدل الدولي ـ ــة ض ـ ــمنيًا بإمكاني ـ ــة تع ـ ــديل الع ـ ــرف للمعاه ـ ــدة يف رأيهـ ــا
االستش ــاري يف قض ــية مص ــارف األمم املتح ــدة وبش ــكل ال لبس في ــه يف رأيه ــا االستش ــاري
( )2
بشأن ناميبيا .
لكن كقاعدة عامة فإن القاعدة االتفاقية جيب أن تلغى بواسطة قاعدة اتفاقية أخرى ؛ ألن
القاعدة االتفاقية أنشئت عن طريق االتفاق الصريح بني األطراف ,لذا يستوجب إلغاءها
( )3
اتباع اإلجراء نفسه .
أما إذا تعارضت املعاهدة والعرف صراحة ,فالعربة للمعاهدة ألن هلا صفة القانون اآلمر ,
ويؤيد ذلك أسبقية املعاهدة على العرف يف ترتيب مصادر القانون الدويل املبينة يف املادة
( )4
38من نظام حمكمة العدل الدولية .
وجتدر اإلشارة إىل أن هناك عدد غري قليل من القواعد اليت تعترب عند بعض الدول قواعد
اتفاقية وعند البعض اآلخر قواعد عرفية ,مثال ذلك بروتوكول جنيف 1925م حول
حترمي استخدام األسلحة الكيماوية والبيولوجية الذي مل يوقعه يف الواقع سوى عدد قليل
من الدول ,ولكن احلقيقة تؤكد بأن قواعد هذا الربوتوكول هي قواعد اتفاقية ,وملن مل
( )5
يوقع عليها فهي قواعد ملزمة عرفية باعتبار أنه ميكن االعرتاف هبا كذلك عرفيًا .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لشارل روسو ( ,ص , )86الناشر :األهلية للنشر والتوزيع .
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )374
( )3انظر :مدخل إىل القانون الدويل العام ,للدكتور مأمون مصطفى ( ,ص. )50
( )4انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور مسوحي فوق العادة ( ,ص. )54
( )5انظر :مدخل إىل القانون الدويل العام ,للدكتور مأمون مصطفى ( ,ص. )50
هذا ولقد اختلفت االجتاهات خبصوص العالقة بني العرف واملعاهدات على النحو التايل :
99
األول :جيعل القواعد العرفية تعلو القواعد اليت تنشأ من املعاهدات عند حكم أي عالقة
دولية ,وذلك استنادًا إىل كون العرف مييل إىل الشيوع والتطور ومسايرة العالقات
الدولية يف حني أن املعاهدات جامدة وحمددة حبيث تعوق منو العالقات الدولية .
الثاين :جيعل املعاهدات تعلو العرف الدويل وذلك استنادا لنص املادة 38من النظام
األساسي حملكمة العدل الدولية ,وألهنا معرتف هبا اعرتافًا صرحيًا خبالف االعرتاف الضمين
يف العرف .
الث ــالث :يس ــاوي بني الع ــرف واملعاه ــدات على أس ــاس أهنم ــا يتمتع ــان بالطبيع ــة القانوني ــة
ويتس ـ ــاويان يف ص ـ ــفة اإلل ـ ــزام والص ـ ــالحية يف تنظيم العالق ـ ــات الدولي ـ ــة ويكتس ـ ــبان احـ ــرتام
أشخاص اجملتمع الدويل .
واألظهر أن االجتاه الثالث هو ما يتفق مع الواقع على أساس أن املصدر املوضوعي لكل
القواعد الدولية نابع عن دائرة األخالق ,وأن املصدر الشكلي هو قوالب تفرغ فيها
القواعد الدولية من أجل إظهارها لتنظيم السلوك ,وأن هذه القوالب تتساوى مجيعًا حيث
إهنا وسائل أو طرق توصل إىل وجود القواعد الدولية كما ال ميكن تفضيل مصدر شكلي
( )1
على آخر ؛ ألن مجيع املصادر الشكلية متولدة أيضًا من ضروريات احلياة اإلنسانية .
فالصلة وثيقة بني العرف الدويل واملعاهدات الدولية من جوانب عديدة فاملعاهدات الدولية
ميكن أن تكون نقطة انطالق يف نشأة القاعدة العرفية من خالل تكرار النص فيها على
أحكام متشاهبة تؤدي إىل تكوين العنصر املعنوي ،وميكن للمعاهدة أيضا أن تعدل أو
تلغي العرف الدويل املوجود منذ مدة ,والعرف من جانبه ميكن أن يعدل أو يلغي
املعاهدات الدولية أو على األقل بعض القواعد اليت يثبت عدم صالحيتها ،وعدم جماراهتا
للتطور ،وعدم مالءمتها لفكرة العدالة واملصلحة العامة للجماعة الدولية .
فالعرف واملعاهدة شقيقان ،وذوي مستوى واحد من ناحية القيمة القانونية ,ومن هنا
فالقاعدة العرفية جتد أساسها يف نص مكتوب ,والقاعدة املدرجة يف معاهدة ميكن إلغاؤها
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :البعد األخالقي يف قانون العالقات الدولية ,للدكتور مسري عبد املنعم ( ,ص. )394
100
أو تعديلها بواسطة العرف ،ونفس الشيء فالقواعد العرفية ميكن إلغاؤها وتعديلها
( )1
بواسطة معاهدة دولية .
وباختص ــار فإن ــه من الن ــادر أن ت ــذهب معاه ــدة دولي ــة عكس الع ــرف ال ــدويل الق ــائم ،أو أن
خيالف العرف املعاهدات الدولية وخيرق أحكامها .
ه ــذا التع ــارض إن ح ــدث فه ــو قلي ــل يف احلي ــاة الدولي ــة ،وي ــأيت على س ــبيل االس ــتثناء عقب
التحوالت الكربى يف اجلماعة الدولية والتقدم العلمي ،وال حيدث عادة أو كل يــوم ؛ ألنــه
ل ــو ح ــدث ك ــل ي ــوم ,فإن ــه يه ــدد اس ــتقرار العالق ــات الدولي ــة ,والس ــائد ه ــو أن املعاه ــدات
والعرف الدويل بينهما تعاون وتعاضد.
فاملعاهدات تشكل الركن املادي يف القاعدة العرفية ،وقد تقوم بتقنني القاعدة العرفية ،
وتزيد من جالئها ووضوحها ورسوخها ,ومن جانبه فالعرف يساهم ويساعد القاضي
على حسن تفسري وتطبيق املعاهدات ،خاصة عندما تكون النصوص غامضة أو هبا نقص
( )2
أو ثغرات .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل :لعلي إبراهيم ( ,ص. )616
( )2انظر :املصدر السابق ( ,ص. )638-637
101
الفرع الثاين
املنظمات الدولية
إن نشاط املنظمات الدولية يؤدي إىل زيادة هائلة يف العالقات الدولية نتيجة كثرة االتصال
بني الدول ,وبوجه عام تؤدي أنشطة املنظمات الدولية إىل نشأة ومنو سريع للممارسة
الدولية ,ويف هذا اخلصوص تظهر العديد من املناسبات واحلاجات لألعراف اجلديدة ,
( )1
ومن مث فإن ممارسة املنظمات الدولية أصبحت عنصرًا هامًا يف نشوء العرف الدويل .
إن التصرفات املنسوبة إىل املنظمات الدولية تصلح إلنشاء السابقة املؤدية إىل تكوين
العرف الدويل ,وهذه التصرفات إما أن تكون ذات طبيعة داخلية أو دولية ,ويأيت على
رأس قائمة التصرفات الداخلية للمنظمة :القانون الداخلي هلا ,كما أن تصرفات املنظمة
يف املسائل االنتخابية واإلجرائية واملالية ويف جمال تفسري امليثاق املنشئ هلا وغريها من
الشؤون ميكن أن تكون أساسًا لنشوء قواعد عرفية ملزمة للمنظمات الدولية األخرى ,
ومن األمثلة على هذا النوع من العرف ما استقر عليه عمل املنظمات الدولية من أن جمرد
امتناع عضو أو أكثر من األعضاء الدائمني يف جملس األمن عن التصويت ال حيول دون
صدور القرار عن اجمللس ,وذلك خالفًا ملا توحي به الفقرة الثالثة من املادة 27من ميثاق
األمم املتحدة اليت تشرتط لصدور قرارات اجمللس يف املسائل املوضوعية موافقة تسعة من
أعضائه يكون من بينها أصوات األعضاء الدائمني متفقة ,وقد قبلت حمكمة العدل الدولية
يف رأيها االستشاري يف قضية ناميبيا هبذه املمارسة العامة للمجلس كأساس لنشوء عرف
( )2
دويل ملزم للدول األعضاء يف املنظمة .
وقد كان هذا القبول يف معرض ردها على اعرتاضات جنوب إفريقيا على صحة القرارات
حمل النزاع وبالذات القرار ( )284لعام 1970م والذي أصدره جملس األمن منهيًا
انتداب
102
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )31
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )365
هذا وتصلح التصرفات الدولية للمنظمات الدولية بدورها كأساس لتكوين العرف ,وهذه
التصرفات قد تكون اتفاقية كاتفاقات املقر واتفاقات امتيازات وحصانات املنظمات
الدولية ,ولكنها قد تصدر عن اإلرادة املنفردة للمنظمة ,فالعمليات املتكررة حلفظ
السالم التابعة لألمم املتحدة جعلت من املمكن نشوء جمموعة من القواعد العرفية اليت
تنطبق على تلك العمليات واليت ميكن استخالصها من قرارات جملس األمن وقرارات
اجلمعية العامة اليت تنشأ مبوجبها تلك العمليات ,ومن االتفاقات املعقودة مع الدول املعنية
103
ــــــــــــــــــــ
( )1وهو جهاز جملس األمن .
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور علي إبراهيم ( ,ص. )532-531
بشأهنا واملمارسات املتبعة يف موقع العمليات بتعليمات من األمني العام لألمم املتحدة .
( )1
ولق ــد أص ــبحت ه ــذه التص ــرفات الناش ــئة بني املنظم ــة وغريه ــا من أش ــخاص الق ــانون ال ــدويل
على مستوى صنع السوابق العرفية كما تقرر سابقًا .
فمثًال إبرام املنظمة الدولية ملعاهدات دولية مع الدول حتتوي على اعرتاف هذه الدول
ملمثلي وموظفي املنظمات الدولية باحلصانات واالمتيازات الدولية أثناء ممارستهم ألعماهلم
وتكرار هذه املعاهدات أدى إىل نشأة قاعدة عرفية ملزمة للدول مبنح هذه احلصانات حىت
ولو مل تكن هناك معاهدة ثنائية بني الدول واملنظمات .
ويستنتج هذا من استقراء الوثائق الدولية اليت توحي بقيام عرف يتيح للعاملني يف املنظمات
الدولية التمتع مبثل هذه احلصانات واالمتيازات .
ففي االتفاقية املربمة بني مصر ومنظمة الصحة العاملية أشارت املادة الثالثة منها على منح
العاملني يف املنظمة حصانات وامتيازات وفقًا للعرف الدويل لتمكينها من حرية العمل
على وجه االستقالل .
وتنص املعاهدة الثالثة من معاهدة املقر املربمة بني سويسرا ومنظمة العمل الدولية على أنه
" يتمتع منتظم العمل الدويل مبجموع االمتيازات املقررة يف القانون الدويل واملعروفة باسم
( )2
احلصانات الدبلوماسية .
وتكرار العقوبات اليت تصدرها األمم املتحدة ضد هذه الدولة أو تلك مثل العقوبات ضد
جنوب إفريقيا عام 1966م وضد العراق عام 1990م وضد صربيا عام 1992م قد
أدت إىل نشوء قاعدة عرفية مؤداها التزام مجيع الدول باحرتام هذه العقوبة حىت ولو
كانت الدولة غري عضو باألمم املتحدة أو عارضت فرض هذه العقوبات .
ويف هذا الصدد يرى املستشار القانوين السويسري للحكومة الفيدرالية جان زجيلر " :أن
رفض سويسرا االشرتاك يف العقوبات االقتصادية املطبقة على روديسيا تعد خمالفة لالجتاه
العام يف القانون الدويل ,والذي مؤداه أن االجتاه الذي تسري عليه األمم املتحدة قد أدى
ـــــــــــــــــــــ
104
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )365
( . )2انظر :القانون الدويل ,حملمد سعيد الدقاق ( ,ص . ) 187
إىل نشأة قاعدة عرفية دولية واجبة التطبيق على الدول األعضاء والدول غري األعضاء يف
( )1
هذه املنظمة " .
هذا وجتدر اإلشارة إىل أن قرارات املنظمات الدولية قد تكون هي نقطة البداية يف تشكيل
الركن املادي للقاعدة العرفية وتكرار هذه القرارات والعمل على تطبيقها من جانب
املخاطبني هبا تقود يف النهاية إىل ظهور القاعدة القانونية امللزمة .
فاإلعالن الشهري الصادر عن اجلمعية العامة عام 1960م واخلاص مبنح االستقالل للدول
والشعوب اخلاضعة لالستعمار لعب دورًا مهمًا يف تشكيل القواعد القانونية اخلاصة بوضع
حد لالستعمار ,وتسريع عملية االستقالل ورحيل القوى األجنبية .
وهذا القرار جرى اتباعه بتطبيق واسع وفقًا للقواعد اليت وردت به .
إن حتول القرار إىل قواعد عرفية مل يكن ممكنًا إال بسبب التطبيق الفعلي والواضح له .
فالقرار يف حد ذاته ال يشكل عرفًا دوليًا ولكن العمل على تطبيقه هو الذي أكسبه الصفة
العرفية امللزمة ,وال ميكن ألي دولة أن تنازع أو تشكك يف إلزاميته .
هذا والسوابق الناشئة عن قرارات املنظمات الدولية قد تساهم يف نشأة العرف الدويل على
الرغم من أهنا تعترب عبارة عن جهاز إداري مكون من موظفني وليس من ممثلي األعضاء .
ودور األمانة العامة لألمم املتحدة يف موضوع التحفظ على املعاهدات الدولية اجلماعية
( )2
خري شاهد على ذلك .
هذا وللقرارات الصادرة من املنظمات الدولية عدة خصائص جيب أن تتوفر فيها ليمكن
القول بصالحيتها لتكوين القواعد العرفية ومنها :
-1أن يكون القرار حمدد املضمون عام اخلطاب :
ينبغي أن يصوغ القرارات الصادرة عن املنظمات قواعد للسلوك تصلح ألن تتحول إىل
قواعد قانونية إذا توفرت هلا العناصر املكونة للقاعدة العرفية ,وذلك مثل القرارات
الصادرة على شكل إعالنات كإعالن حقوق اإلنسان .
ومثل القرارات اليت تعرب عن اختاذ املنظم موقفًا معينًا إزاء مشكلة ما والذي ميكن أن
105
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور علي إبراهيم ( ,ص. )533
( )2انظر :املصدر السابق ( ,ص. )535-534
يتحول إىل قاعدة قانونية عرفية ,ومثال ذلك قرار االحتاد من أجل السالم ,الذي يعكس
موقف اجلمعية العامة من القواعد املتعلقة باختصاصها يف مسائل حفظ السلم واألمن
الدوليني ,فيكون مضمون القرار املذكور عبارة عن تعديل عريف لقاعدة قانونية مكتوبة .
ومن ناحية أخرى فإنه ينبغي أن يتوجه القرار خبطابه إىل جمموع أعضاء املنتظم الدويل أو
أن حيكم عددًا غري حمدود من املراكز الواقعية إذ إنه قد يفصح عندئذ عن االجتاه لتكوين
قاعدة قانونية .
ومن مث فإنه يستبعد من نطاق القرارات الصاحلة إلنشاء القاعدة العرفية تلك القرارات
الصادرة يف شأن أمور أحاطت هبا ظروف خاصة قد يصعب تكرارها ,وباختصار فإنه
يستبعد من إطار هذه الدراسة كافة القرارات اليت تتضمن خطابًا فرديًا أو تصدر بشأن
مراكز واقعية فردية .
-2أن يكون القرار انعكاسًا إلرادة عامة وحقيقية :
ويعين ذلك أن يصدر القرار بأغلبية كبرية من الناحية الكمية حتدد بالثلثني جملموع األعضاء
املشرتكني يف التصويت وأن تتضمن متثيًال ملعظم االجتاهات السياسية املوجودة يف املنظمة
من الناحية الكيفية .
-3أن يتأكد القرار من الناحية العملية :
ومعىن ذلك أن ال يبقى حربًا على ورق ,بل جيب أن جيد نصيبه من التطبيق من جانب
املخاطبني به ,أما إذا كان القرار متضمن خلطاب معني إىل الدول األعضاء ,فإن تأكيده
( )1
من الناحية العملية يتأتى عن طريق تكرار صدوره يف الظروف املتماثلة .
106
ـــــــــــــــــ
( )1انظر القانون الدويل ,حملمد سعيد الدقاق ( ,ص. )210
الفرع الثالث
احملاكم الدولية
لقد لعبت احملاكم الدولية دورًا كبريًا يف إنشاء العرف الدويل ,وكثريًا ما تبحث هذه
احملاكم خاصة حمكمة العدل الدولية عن توافر األركان املنشئة للقاعدة الدولية العرفية يف
السوابق القضائية الدولية ,وختلص إىل إثبات وجود القاعدة القانونية الدولية مستندة
ومؤسسة عقيدهتا على وجود سوابق قضائية دولية ,تؤكد وجود قاعدة قانونية دولية
( )1
عرفية يف الرأي الذي انتهت إليه يف حكمها .
إن قرارات احملكمني واحملاكم الدولية تعترب من أغىن العناصر اليت تكون العرف الدويل ,
وقد توسعت منذ عام 1919م توسعًا زائدًا وأصبحت من أهم عوامل منو القانون العريف
,ويعود الفضل إليها بعد اهلل سبحانه وتعاىل يف إيضاح كثري من املسائل القانونية
وحتديدها كمسؤولية الدول من الناحية الدولية ,واالعرتاف بالدول واحلكومات ,
وتفسري املعاهدات ,وممارسة الدول الختصاصاهتا ,وشروط فرض السيادة على املناطق
( )2
غري املأهولة .
وقد يبدأ القضاء الدويل بالعرف الدويل أوًال وتتلوه الدول بعد ذلك من خالل سلوكها
العام وعلى نطاق واسع ,ففي قضية املصائد النروجيية عام 1951م قامت حمكمة العدل
107
الدولية بوضع قاعدة اخلطوط املستقيمة يف قياس البحر اإلقليمي عند تعرج السواحل وقد
سارت مجيع الدول بعد ذلك وفقًا هلذه القاعدة ,فأصبحت قاعدة عرفية دولية .
ويف الرأي االستشاري حول مدى جواز التحفظ على املعاهدات الدولية اجلماعية عام
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر كتاب تطبيق القانون الدويل أمام احملاكم املصرية ,للدكتور سعيد اجلدار ( ,ص , )298نقال عن :
مقدمة لدراسة القانون الدويل العام املعاصر ,للدكتور صالح الدين عامر ( ,ص , )393و انظر :مبادئ القانون
الدويل العام ,للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ( ,ص. )134
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور مسوحي فوق العادة ( ,ص. )53
1951م فإن احلل الذي أخذت به احملكمة قد جرى اتباعه بعد ذلك وعلى نطاق واسع
بواسطة الدول ,مث جرى تقنينه يف اتفاقييت فينا لقانون املعاهدات لعام 1969م وعام
( )1
1986م .
إن القضاء الدويل قد يكون هو نفسه مرجعًا إلثبات العرف ,ومثال ذلك حكم حمكمة
العدل الدولية يف قضية اللوتس ( , )2والذي اعرتف للنظام القانوين الداخلي باالختصاص
اخلالص يف نطاقه اإلقليمي ,وكذلك يعترب حكم احملكمة الذي قرر أن مبدأ حرية البحار
هو إفصاح عن قاعدة قانونية دولية من قبيل األحكام اليت يرجع إليها إلثبات قيام قاعدة
( )3
عرفية يف ذلك اخلصوص .
وجتدر اإلشــارة يف هــذا الصــدد إىل أن كثــريًا من شــراح القــانون الــدويل يــذهبون إىل التأكيــد
على أن دور القضـ ــاء الـ ــدويل يف هـ ــذا اجملال ال يعـ ــدو أن يكـ ــون كاشـ ــفًا عن قواعـ ــد عرفي ــة
تســتمد عناصــرها من واقــع احليــاة الدوليــة ,وســلوك أشــخاص القــانون الــدويل ,ســواء من
ال ــدول أو املنظم ــات الدولي ــة ,بينم ــا ي ــذهب البعض اآلخ ــر إىل الق ــول بأن ــه ح ــىت يف تل ــك
األح ــوال ال ــيت يك ــون فيه ــا دور القض ــاء ال ــدويل قاصـ ـرًا على الكش ــف عن القاع ــدة الدولي ــة
العرفيــة ,فإنــه ينطــوي على بلــورة لتلــك القاعــدة ,وإثباهتا على النحــو الــذي جيعــل االســتناد
إليهــا يف املســتقبل أكــثر يس ـرًا وقبــوًال من جــانب الــدول واحملاكم الدوليــة الــيت يعــرض عليهــا
النزاع ,وهذا ما يفسر اإلشارات اليت وردت ببعض أحكــام احملكمــة الدائمــة للعــدل الــدويل
( )4
,وحمكمة العدل الدولية ,واليت كانت تنطوي على الكشف عن قواعد عرفية .
إن القضاء الدويل كان وال يزال عامًال هامًا يف إنشاء القانون العريف ,وقد أوضحت هذا
108
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )540
( )2قد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص. )73
( )3انظر :تطبيق القانون الدويل أمام احملاكم املصرية ,للدكتور سعيد اجلدار ( ,ص , )298نقًال عن مسامهة
القاضي عبد احلميد بدوي يف فقه القانون الدويل العام ,للدكتور عبد العزيز سرحان .
( )4انظر :املصدر السابق ( ,ص , )298نقًال عن مقدمة لدراسة القانون الدويل العام املعاصر ,للدكتور صالح
الدين عامر ( ,ص. )393
الدور بوضوح حمكمة التحكيم األجنلو أمريكية يف حكمها الصادر عام 1923م والذي
جاء فيه " :إن وظيفة القضاء الدويل هي الفصل يف املنازعات املتعلقة بتعارض احلقوق
واملصاحل وتطبيق القواعد العامة عند غياب النص الصريح وإجياد حل للمشكلة متام بتمام
كما يف العلوم الرياضية أو احلسابية " .
إذًا توجه احملاكم الدولية يقوم على إثبات وتطبيق العرف الدويل ,وله ميزة التقدم وهو
هبذه امليزة يقدم الدالئل واملؤشرات األكثر رسوخًا وثباتًا من حيث الزمن ,وله أيضا ميزة
الصدق ؛ ألنه يقيم الدليل على العرف القائم أو يساهم يف إنشائه وال شأن له بالتقنني
وليس هناك مربر للتفرقة بني االختصاص االستشاري واالختصاص القضائي للمحاكم
الدولية يف هذا الشأن فالذي يهم هو النقاش القانوين الذي يتم أمام احملكمة ,واحلجج اليت
يثريها األطراف واملرافعات الشفوية والكتابية أمامها والعناصر اليت تأخذ هبا احملكمة ,كل
هذه األمور تساهم يف الكشف عن أساس العرف الدويل .
واحملكمة عادة تقوم ببحث عناصر القاعدة العرفية وقد تكتشفها بنفسها ؛ ألهنا ليست
ملزمة بإتباع املزاعم واالدعاءات اليت يتبارى األطراف يف عرضها أمامها وهلذا قالت
احملكمة الدولية يف قضية األنشطة العسكرية وشبه العسكرية يف نيكاراجوا عام 1986م :
" إن احملكمة ال ميكنها قبول هذه القواعد كجزء من القانون الدويل العريف جملرد أن هذه
الدول تدعي االعرتاف هبا " .فاحملكمة تبحث وتقدر وتستنتج وجود القاعدة وتكرار
حتديد هذه القواعد يؤدي إىل تكوين العرف الدويل .
وهذا يتم بالطبع من خالل إشارة احملاكم إىل أحكامها السابقة يف نزاعات متشاهبة وعلى
هذا فإن حمكمة العدل يف قضية " مافروماتيس " حكمت بأهنا ال ترى سببًا يدعوها إىل
109
االبتعاد عن التفسري املستمد من أحكامها السابقة وترى أن احلجة تبدو بالنسبة هلا قائمة
ومربرة ومؤسسة بقوة .
ويف حبثها عن حتديد طريقة ومدى التعويض الالزم بسبب الفعل الضار ,فإن احملكمة قد
استدعت املبدأ العام النابع من فكرة الفعل الضار نفسها واملستمد من العمل الدويل خاصة
( )1
قضاء حماكم التحكيم الدولية .
وهكذا يتضح أن أحكام احملاكم الدولية املتنوعة متهد برتاكمها أو تواترها يف إنشاء العرف
الدويل ؛ ألهنا عنصر أساسي يف املمارسات الدولية الالزمة إلنشاء السوابق وإن احملاكم ال
تقتصر على استدعاء أحكامها السابقة يف حيثياهتا ,وإمنا تشري إىل األحكام واآلراء
الصادرة عن حماكم أخرى .
فالقضاء الدويل هنا ميتاز بالوحدة واالحتاد من حيث البحث عن القاعدة الواجبة التطبيق
سواء أكانت القاعدة قد طبقت بواسطة حماكم التحكيم أم حمكمة العدل الدولية .
هذا وتقدم احملاكم الدولية األدلة األكثر نضجًا على وجود القاعدة العرفية ؛ ألن اإلشارة
إليها تكون بعناية ودقة وليس جملرد االحتمال ,فالقضاء ُيطلب منه القول الفصل يف
املنازعات ,أي اختاذ موقف معني جتاه نزاع ما وتثار أمامه عالمات استفهام حمددة حول
وجود أو عدم وجود القاعدة العرفية وعليه أن يبدد عالمات االستفهام هذه يف جو األزمة
اليت حتتاج إىل حل ,وأن يلقي الضوء الكايف على العرف حمل التساؤل ووضعه يف امليزان
والسماح بالتايل بإعطاء صورة واضحة عن حالة العرف الدويل يف وقت معني أو زمن
معني .
وهكذا فإن مسامهة احملاكم الدولية يف خلق وإنشاء القواعد العرفية أو الكشف عنها أمر
ملموس وال ميكن إنكاره وحىت إذا كان يشري إىل دالئل هي من صنع الدول فإنه ميثل
( )2
الكشف املثايل عن القواعد العرفية يف صورة وحدة منهجية شديدة الدقة والتماسك .
110
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص , )537-536والقاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,
لعبد الغين حممود ( ,ص. )33
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور علي إبراهيم ( ,ص. )540-539
املطلب الثالث
دور الدول الكربى يف إنشاء العرف الدويل
الشك أن هناك دوًال متارس تأثريًا أكثر من غريها يف خلق وإنشاء القواعد العرفية ,مثال
الدور الذي لعبته إجنلرتا يف القرن التاسع عشر يف قانون البحار ،والدور الذي لعبته
الواليات املتحدة يف موضوع االمتداد القاري ،والدور الذي لعبته كل من روسيا
وأمريكا يف قانون الفضاء اخلارجي خالل النصف الثاين من القرن العشرين .
فالدول وبسبب اختالف قدراهتا وإمكانياهتا تساهم بشكل غري متكافئ يف األنشطة
املرتبطة بنشأة العرف الدويل ,فاألعراف الدولية املتعلقة بالفضاء اخلارجي كانت وال تزال
ميزة خاصة ببعض الدول ،وعلى رأسها روسيا وأمريكا .
هذه الدول جتد نفسها يف وضع أفضل من غريها يف صياغة وتشكيل القواعد العرفية يف
هذا امليدان .
واختالف الدور هنا ال يتعلق بالصراع بني دول قدمية ودول جديدة ،وإمنا يعود إىل عدة
دول متلك التكنولوجيا الالزمة لغزو الفضاء ،وبالتايل فهي قادرة على وضع القواعد ,
وال ميكن أن يتم تصور وجود قواعد عرفية يف هذا امليدان بدون رضاها وموافقتها ،وال
يتصور وجود اعرتاض من جانب الدول األخرى على أنشطتها ،فهم سادة هذا امليدان ،
ويف مركز متميز ميكنهم من فرض وجهة نظرهم على اآلخرين.
111
ولقد عرب اآلخرون عن موقفهم من خالل قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة رقم (
)1962يف الدورة الثامنة عشر عام 1963م اخلاص حبرية غزو الفضاء اخلارجي ،
وأصبح هناك عرف دويل تقبله الدول مجيعًا ،وإن كانت بدايته من قبل الدول الكربى ،
وبالذات روسيا وأمريكا ,مث جرى تقنني هذا العرف يف معاهدة 27يناير عام 1967م
حول الفضاء اخلارجي .
ولقد أشار إىل أمهية دور الدول الكربى يف إنشاء القواعد العرفية األستاذ "جول باديفان
" حيث يقول " :إن القواعد العرفية اليت تنشأ بصورة تلقائية جتاوبًا مع احلياة الدولية
تكتسب الصفة الوضعية بسبب االعرتاف هبا من أولئك الذين هم يف مركز أو وضع
يضمن هلم تطبيقها يف احلياة الدولية " .
فالدور احملوري للفاعلية يف إنشاء العرف ،والدور املميز للقوى الكربى ،وكذلك الدول
املعنية باملسألة اليت ينظمها العرف أمر ال جدل فيه ؛ ألن الدول تساهم بطريقة غري
متساوية يف إنشاء وصياغة العرف الدويل ؛ ألهنا أيضًا غري متساوية يف اهتماماهتا مبختلف
العالقات الدولية ,إذ إن دورها كما صرح بذلك " شارل دي فيشر " يف مجيع العصور
كان حامسًا يف إنشاء القانون الدويل العريف حيث منحت العادات درجة الفعالية واليت
بدوهنا فإن االعتقاد القانوين وهو شرط القبول العام لن جيد له مكانًا يف الواقع االجتماعي
.وقال" كسنك " " :يف احلقيقة ،لكي نعترب قاعدة عرفية قابلة للتطبيق يف عمل الدول
وهلا صفة قاعدة القانون الدويل العريف فإننا ننتظر تطبيقها أو االعرتاف هبا يف عدد من
( )1
احلاالت بواسطة الدول األهم بسبب كربها ودورها يف تطور القانون الدويل العام " .
وليس األمر مقصورًا على الدول الكربى ,بل إن الدول النامية تسعى إىل إنشاء األعراف
بشكل خيدم مصاحلها ,وحتاول أن تفرض على اجملتمع الدويل القواعد العرفية اليت تعكس
تربمها من دور الدول الكربى يف إنشاء هذه األعراف .
ففي جمال القانون الدويل للبحار ,استقرت قاعدة مد املنطقة االقتصادية للدول الساحلية
,إىل مائيت ميل حبري ,ولقد كان للدول النامية الدور األكرب يف إرسائها كقاعدة عرفية ,
( )2
تابعة للقانون الدويل العام .
112
وهكذا فالدول ال تساهم بشكل متساو يف عملية إنشاء القواعد العرفية ،ولكن هذا ال
يرجع فقط إىل اختالف حجمها ،وإمنا يكون ذلك بفضل حسن تنظيمها وشن مواقفها
على نطاق واسع ,فالدور الذي تعلبه الدول ذات املصاحل الكبرية أهم من الدور الذي
تلعبه الدول اليت ال مصاحل هلا يف موضوع معني .
مثًال الدول احلبيسة اليت ال سواحل هلا مثل أفغانستان ودول آسيا الوسطى ،مل تساهم
مطلقًا يف قاعدة االمتداد القاري وال املنطقة االقتصادية اخلالصة ،وال القواعد املتعلقة
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل لعلي إبراهيم ( ,ص. )562-561
( )2انظر :القانون الدويل ,حملمد سعيد الدقاق ( ,ص. )217
باملالحة يف أعايل البحار ؛ ألن مصاحلها منعدمة متامًا يف هذا املوضوع ؛ ألهنا ال تطل على
أية حبار.
هذا خبالف دول مثل السعودية وبريطانيا وفرنسا وأمريكا ومصر ودول أمريكا اجلنوبية
وإيطاليا وأسبانيا والربتغال ،اليت تقع إما وسط البحار أو ذات سواحل طويلة .هذه
الدول تساهم والشك أكثر من غريها يف إنشاء القواعد العرفية حول البحار واستغالل
ثروهتا ..وما إىل ذلك.
وكذلك فإن دور اململكة العربية السعودية ظاهر يف املسامهة يف إنشاء األعراف الدولية
املتعلقة بالقوانني الدولية املنظمة للبرتول ,خبالف الدول اليت ال متلك هذا الزيت ,حيث
إن دورها يف إنشاء األعراف الدولية املتعلقة به يكاد يكون منعدمًا .
ونفس الشيء ينطبق على العالقات الدبلوماسية ,فالدول ذات املصاحل والعالقات املتشبعة
هلا سفارات وبعثات دبلوماسية وقنصلية يف كل عاصمة وكل مدينة كربى ,وبالتايل فإن
دورها يف إنشاء القواعد العرفية اخلاصة باحلصانات الدبلوماسية كان أكرب من الدول
الصغرى اليت يقتصر متثيلها على عدد حمدود من البعثات لدى بعض الدول.
هذا عالوة على أن الدول الكربى متلك أجهزة حفظ كاملة حول السوابق الدولية يف حني
أن الدول الصغرى ال متلك مثل هذا األرشيف ،وبالتايل يصعب االستدالل على مواقفها
( )1
يف كثري من األحيان ,فوجود األرشيف املنظم مينح الدول دورًا مهمًا يف احلياة الدولية.
113
ــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل لعلي ابراهيم ( ,ص)563
املطلب الرابع
دور اإلعالنات العامة يف إنشاء العرف
الدويل
إن إعالنات املبادئ الصادرة عن الدول أو املنظمات ,واليت تتضمن املبادئ اليت يتعني أن
تسري الدول عليها يف جمال العالقات الدولية ,فهي مثلها مثل اتفاقيات التقنني قد تكون
جمرد تسجيل أو ترديد للقانون العريف الساري املفعول ,وقد تكون مبثابة نقطة انطالق
لتكوين قاعدة عرفية جديدة ,وال صعوبة يف األمر يف النوع األول من اإلعالنات اليت
يقتصر دورها ,على تكريس أو بلورة القانون القائم ,أما بالنسبة للنوع الثاين من
اإلعالنات فهي ال تصلح بذاهتا لنشوء القاعدة العرفية ,إال إذا توافرت لدى الدول عقيدة
االلتزام هبا ,وهو ما ال يتسىن إال عن طريق اطراد سلوك الدول فعًال على السري على
مقتضاها .
ومبعىن آخر ال يكفي صدور إعالن مبادئ واحد ,وال حىت صدور إعالنات مبادئ
متماثلة لنشأة القاعدة العرفية ,بل البد لكي يتحول اإلعالن إىل قاعدة عرفية ملزمة من
أن جيد نصيبه من التطبيق الفعلي من جانب الدول املخاطبة به ,وال يكفي أن نأخذ
باالعتبار القيمة الكامنة يف اإلعالن فقط بل البد من توفر القيمة املضافة له أيضًا ,وتعتمد
114
القيمة الكامنة لإلعالن على مضمونه وعلى الظروف احمليطة باعتماده ,فمضمون اإلعالن
جيب أن يكون من التحديد حبيث ال يدع جماًال لتفسريه تفسريات شىت ,كما أن اعتماده
جيب أن يعكس إرادة عامة بقبوله من خمتلف التكتالت الدولية ,فال شك أن صدور
اإلعالن بأغلبية بسيطة أو بأغلبية كبرية ال تكون الدول الصناعية مثًال من بينها حيول دون
حتوله إىل قاعدة عرفية .
ومن بني إعالنات الدول اليت لعبت دورًا كبريًا يف نشأة القواعد العرفية ,واليت استوفت
الشروط السابقة اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان الصادر من اجلمعية العامة لألمم املتحدة
يف عام 1948م ,والذي حتول إىل اتفاقية عامة 1966م ودخل دور التطبيق عام
1977م ,وإعالن منح االستقالل للبلدان والشعوب املستعمرة الصادر عن نفس اجلمعية
يف عام 1960م .فقد كان لإلعالن األول دور كبري يف نشأة القواعد العرفية اخلاصة
حبقوق اإلنسان ,أما الثاين فقد لعب دورًا حامسًا يف نشأة القواعد العرفية اخلاصة بتصفية
( )1
االستعمار .
هذا وقد أكدت حمكمة العدل الدولية يف قضية اإلفريز القاري لبحر الشمال ,إمكانية
إنشاء اإلعالنات العامة للعرف الدويل .
فقد ادعت كل من الدمنرك وهولندا أن مبدأ املسافة املتساوية قد نشأ بوصفه قاعدة من
قواعد القانون الدويل العريف ,وذلك من خالل عمل جلنة القانون الدويل وإعالنات
احلكومات واملواقف اليت اختذهتا الدول يف مؤمتر جنيف ,ومل تنكر احملكمة أن القاعدة
العرفية ميكن أن تنشأ هبذه الطريقة إذا صورت على أهنا مبثابة القانون القائم واملطبق .
وقد تأكد موقف احملكمة هذا يف قضية املصائد البحرية ,حيث استندت إىل إعالن صادر
عن مؤمتر جنيف ,وذلك بوصفه ممارسة دولية ساعدت على إنشاء قاعدة من قواعد
( )2
القانون الدويل العريف .
إن اعتب ــار اإلعالن ــات العام ــة منش ــئة للع ــرف ال ــدويل حيق ــق م ــيزة هام ــة تتلخص يف تف ــادي
املخاطر والعيوب املرتتبة على األخذ بالنظرية القائلة بأن الدول ميكنهــا تغيــري القــانون العــريف
عن طريق انتهاكه .
115
فاعتبار اإلعالنات العامة منشئة ومكونة للعرف الدويل يساعد على تفادي احلرية والورطة
بشأن تغيري القانون الدويل العريف ,فبدًال من تغيريه عن طريق انتهاكه ,ميكن للدول أن
تعلن أن القاعدة القدمية مل تعد قائمة .فهذه إحدى الطرق املرغوب فيها للغاية بشأن
( )3
تغيري القانون الدويل العريف .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )366
( )2انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )18
( )3انظر :املصدر السابق ( ,ص. )24
املطلب اخلامس
دور الشراح يف إنشاء العرف الدويل
ال تش ــكل آراء ش ــراح الق ــانون ال ــدويل ج ــزًء رمسيًا يف تك ــوين وإنش ــاء األع ــراف الدولي ــة ,
( )1
وجيمع الشراح على أن أمهية آرائهم قد تضاءلت بشكل ملحوظ يف الوقت احلاضر .
وتتضح مسامهاهتم يف جمال العرف الدويل يف حتليل الوقائع واآلراء واستخالص النتائج
بشأن القواعد العرفية امللزمة وخبصوص االجتاهات واملواقف املتعلقة بنشوئها وتطورها .
والواقع أن الشراح جبذهبم االنتباه إىل املمارسة الدولية وتقييمهم هلا يؤثرون بطريق غري
مباشر على نشوئها ومنوها ومن مث نشوء األعراف .
أما املسامهة املباشرة من جانبهم فهي غري قائمة – كما أسلفت – وال يعتد مبمارستهم ,
( )2
إال إذا قبلتها الدول أو احملاكم الدولية .
116
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )36
( )2انظر :املصدر السابق ( ,ص. )37
املطلب السادس
دور أفراد اجملتمع يف إنشاء العرف الدويل
ال يرى القانون الدويل ,أي دور ميكن أن يقوم به أفراد اجملتمع إلنشاء العرف الدويل ,
( )1
وكما يقول دي فيشر " :يعد الفرد غريبًا عن العملية اخلالقة للقاعدة العرفية " .
وعلى الرغم من االهتمام الدويل – يف اآلونة األخرية – بالفرد وممارسته للحقوق وحتمله
لاللتزامات الدولية مبا يف ذلك ممارسته املطالبة الدولية مباشرة أمام احملاكم الدولية ,إال أنه
( )2
ال يتمتع بالشخصية القانونية الدولية الالزمة إلنشاء العرف الدويل .
117
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,حملمد سعيد الدقاق ( ,ص , )173نقًال عن األستاذ دي فيشر .
( )2انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )37
املطلب السابع
موقف الفقه اإلسالمي من األمور املنشئة
للعرف الدويل
ملعرفة رأي الفقه اإلسالمي فيمـا سـبق ذكـره من تصـرفات منشـئة للعـرف الـدويل ,يتطلب
األمــر اســتقراء املســائل الــيت بــىن الفقهــاء أحكــامهم فيهــا على العــرف الــدويل ,وبــالنظر فيمــا
تيس ــر احلص ــول علي ــه من ه ــذه املس ــائل ,وج ــد أهنم يقبل ــون األع ــراف الناش ــئة من األف ــراد ,
فضًال عن قبوهلم األعراف الناشئة من الدولة أو إحدى أجهزهتا .مما يعين أهنم أكثر توســعًا
من نظـ ــرة املدرسـ ــة اإلراديـ ــة الـ ــيت تقصـ ــر التصـ ــرفات على األجهـ ــزة ذات الصـ ــفة الدوليـ ــة ,
واملدرس ــة املوض ــوعية ال ــيت تض ــم لتص ــرفات األجه ــزة ذات الص ــفة الدولي ــة ,أجه ــزة الدول ــة
الداخلية .ولكن بشكل عام يؤكـد القـانون الـدويل مبختلـف مدارسـه ,عـدم إمكانيـة إنشـاء
العرف الدويل من قبل أفراد اجملتمع ,أو ما يعرف بالشعب .
ومثال العرف الدويل الناشئ من أفراد اجملتمع ما ذكره حممد بن احلسن الشــيباين ( )1حيث
يقــول " :ولــو أن مســلما من أهــل العســكر يف منعتهم أشــار إىل مشــرك يف حصــن أو منعــة
118
هلم أن تعـ ــال ,أو أشـ ــار إىل أهـ ــل احلصـ ــن أن افتحـ ــوا البـ ــاب ,أو أشـ ــار إىل السـ ــماء فظن
املش ــركون أن ذل ــك أم ــان ففعل ــوا م ــا أم ــرهم ب ــه ,وق ــد ك ــان ه ــذا ال ــذي ص ــنع معروف ـًا بني
املسلمني وبني
ــــــــــــــــــــــ
( )1هو حممد بن احلسن بن فرقد ,فقيه العراق ,أبو عبد اهلل الشيباين الكويف ,صاحب أيب حنيفة ,وأبو القانون
الدويل ,أصله من حرستة يف غوطة دمشق ,وولد يف واسط ,ونشأ يف الكوفة ,وهو إمام بالفقه واألصول ,وكذا
يعد من أشهر تالميذ أيب حنيفة ,وروى عن أيب حنيفة ومالك واألوزاعي ,وقد ويل القضاء للرشيد بعد القاضي
أبو يوسف ,ومن مؤلفاته :اجلامع الكبري ,واجلامع الصغري ,والسري الكبري ,واحلجة ,وغري ذلك ,تويف سنة
189هـ يف الري .انظر :سري أعالم النبالء ,للذهيب , )9/134( ,حتقيق :شعيب األرناؤوط وحممد نعيم
العرقسوسي ,الناشر :مؤسسة الرسالة يف بريوت ,ط1413 , 9هـ ,واألعالم ,للزركلي . )6/309( ,
أهل احلرب من أهل تلك الدار أهنم إذا صـنعوا ذلـك كـان أمانـًا فهـو أمـان جـائز مبنزلـة قولـه
قد أمنتكم .
ألن أم ــر األم ــان مب ــين على التوس ــع والتح ــرز عم ــا يش ــبه الغ ــدر ,ف ــإذا ك ــان معروف ـًا بينهم ,
فالثابت بالعرف كالثابت بالنص ,فلو مل جيعل أمانًا كان غدرًا ,وإذا مل يكن معروفــا فقــد
اقــرتن بــه من داللــة احلال مــا يكــون مثــل العــرف أو أقــوى منــه وهــو امتثــاهلم أمــره ومــا أشــار
عليهم به فهو من أبني الداللة على املساملة .أال ترى أهنم لو قالوا هلم اخرجوا حــىت هتدموا
( )1
هذا احلصن فخرجوا كانوا آمنني " .
يف هــذه املســألة ميكن أن يفهم وجــوب احــرتام العــرف الــدويل ,ولكن مــا يهم هنــا هــو أن
هذا العرف الدويل ناشئ من أفراد ,وليس مرد نشوءه الدولة أو إحدى أجهزهتا .
ولعل اإلتيان مبثال آخر يؤكد ما يراد الوصول إليه ,وليكن االجتاه هذه املرة حنو الفقه
احلنبلي ,حيث يقول ابن قدامة ( " : )2وليس ألهل احلرب دخول دار اإلسالم بغري أمان
ألنه ال يؤمن أن يدخل جاسوسًا أو متلصصًا فيضر باملسلمني ,فإن دخل بغري أمان سئل
,فإن قال جئت تاجرًا نظرنا ,فإن كان معه متاع يبيعه قبل قوله وحقن دمه ؛ ألن العادة
( )3
جارية بدخول جتارهم إلينا وجتارنا إليهم " .
يف هذا املثال ,يظهر عرف دويل ناشئ من اعتياد التجار ألمر معني ,وهو بال شك ناشــئ
ومتك ــون ع ــرب أم ــر ال م ــدخل للس ــلطة في ــه ,ب ــل من طائف ــة من أف ــراد اجملتم ــع وهم التج ــار ,
119
وبن ــاًء على ذل ــك ميكن الق ــول أن ــه ال م ــانع ل ــدى الفق ــه اإلس ــالمي أن ينش ــئ الع ــرف ال ــدويل
أشخاص ال عالقة هلم باألجهزة الدولية أو حىت الداخلية للدولة .
ـــــــــــــــــــــــ
( )1السري الكبري ,حملمد بن احلسن الشيباين ,وشرحه ,حملمد بن أمحد السرخسي , )2/281( ,حتقيق :صالح
الدين املنجد ,وعبد العزيز أمحد ,الناشر :مطبعة شركة اإلعالنات الشرقية .
( )2هو أبو حممد عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة بن مقدام بن نصر اجلماعيلي املقدسي ,يتصل نسبة بعمر بن
اخلطاب ,ولد سنة 541هـ يف مجاعيل بقرب نابلس ,ورحل إىل بغداد يف طلب العلم سنة 561هـ ,وهو إمام
وفقيه وأصويل ,وله من املؤلفات :املغين ,والكايف ,وروضة الناظر ,تويف سنة . 620انظر :سري أعالم النبالء
,للذهيب , )22/166( ,واألعالم ,للزركلي )4/169( ,
( )3املغين ,البن قدامة , )9/281( ,الناشر :دار الفكر يف بريوت ,ط1405 , 1هـ 1984 ,م .
وقد ينشأ العرف الدويل من اعتياد اجلنود ألمر معني ,وميكن القول أنه ناشئ من السلطة
العسكرية ,فهذا الشريازي ( )1يقول " :وإن بارز مشرك مسلمًا من غري شرط جاز لكل
أحد أن يرميه ؛ ألنه حريب ال أمان له ,وإن شرط أن ال يقابله غري من برز إليه ,مل جيز
رميه وفاء بشرطه ,فإن وىل عنه خمتارًا أو مثخنًا أو وىل عنه املسلم خمتارًا أو مثخنًا ,جاز
لكل أحد رميه ؛ ألنه شرط األمان يف حال القتال وقد انقضى القتال فزال األمان .
وإن استنجد املشرك أصحابه يف حال القتال فأجندوه أو بدأ املشركون مبعاونته فلم مينعهم
جاز لكل أحد رميه ؛ ألنه نقض األمان وإن أعانوه فمنعهم فلم يقبلوا منه فهو على أمانه
؛ ألنه مل ينقض األمان وال انقضى القتال .
وإن مل يشرتط ولكن العادة يف املبارزة أن ال يقاتله غري من يربز إليه ,فقد قال بعض
أصحابنا إنه يستحب أن ال يرميه غريه ,وعندي أنه ال جيوز لغريه رميه وهو ظاهر النص
؛ ألن العادة كالشرط ,فإن شرط أن ال يقاتله غريه وال يتعرض له إذا انقضى القتال حىت
يرجع إىل موضعه ,وىف له بالشرط ,فإن وىل عنه املسلم فتبعه ليقتله ,جاز لكل أحد أن
( )2
يرميه ؛ ألنه نقض الشرط فسقط أمانه " .
يتضح يف هذه املسألة إمكانية نشأة العرف من اجلنود ,فقد ينشئ عــرف بينهم يقضــي بــأن
ال يقتــل املبــارز غــري املبــارز الــذي يقابلــه ,وحينئــذ يعمــل بــالعرف ألنــه كالشــرط ,وال جيوز
بالتايل أن يقتله اجلنـود اآلخـرون .والشـاهد هنـا كمـا سـبق ذكـره إمكانيـة نشـأة العـرف من
السلطة العسكرية أو حىت من العسكريني أنفسهم .
120
هــذا وقــد ينشــأ العــرف الــدويل يف الفقــه اإلســالمي من الســلطة التنفيذيــة ,وخــري من ميثلهــا
احلاكم ,إذ ميكن له أن يكـون سـببًا يف إنشـاء العـرف الـدويل ,ومثـال ذلـك :مـا روي عن
عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه من أنه ملا أمر العشار بأخذ ربع العشر من جتار املسلمني
ـــــــــــــــــــــ
( )1ه ــو إب ــراهيم بن علي بن يوس ــف الفريوزآب ــادي الش ــريازي الش ــافعي ,ول ــد يف فريوزب ــاد بف ــارس س ــنة 393هـ ـ ,
وانتقل إىل شرياز وتعلم هبا ,ومنها إىل بغداد سنة 415هـ فأكمل تعليمه ,وكان زاهدًا ورعـًا متواضـعًا جـوادًا كرميا
,وتـ ــويف سـ ــنة 476هـ ـ ـ ,ولـ ــه :املهـ ــذب واللمـ ــع والتبصـ ــرة وغـ ــري ذلـ ــك .انظـ ــر :سـ ــري أعالم النبالء ,للـ ــذهيب ( ,
, )18/452واألعالم ,للزركلي . )1/44( ,
( )2املهذب ,للشريازي , )5/266( ,حتقيق :حممد الزحيلي ,الناشر :دار القلم يف دمشق 1417 ,هـ ,
1996م .
ونص ــف العش ــر من جتار أه ــل الذم ــة ,ق ــال :كم يأخ ــذ أه ــل احلرب من جتارن ــا ,ق ــالوا :
( )1
العشر ,قال :فخذوا منهم العشر ,مث أصبحت بعد ذلك عرفًا دوليًا بينهم .
وقد ينشأ العرف الدويل من قضاة احملاكم الداخلية ,فهذا سحنون القاضي ( )2بعد أن تـوىل
منص ــب قاض ــي القض ــاة ,أختذ ص ــاحب املظ ــامل ,وه ــو م ــا يع ــرف – يف ال ــوقت احلاض ــر –
بالقضاء املستعجل ,وكذلك فعل يف االختصاص القيمي حيث كلف أحد القضاة ليحكم
بني الن ــاس يف األس ــواق ,وأذن ل ــه أن حيكم فيم ــا ال يتج ــاوز قيمت ــه عش ــرين دين ــارًا )3( .مث
أصبح أمرًا متعارفًا عليه بني احملاكم .
وبالت ــايل ميكن الق ــول أن الفق ــه اإلس ــالمي ,يبتع ــد كث ــريًا عن م ــا ق ــرره أص ــحاب املدرس ــة
اإلرادية من أن العرف الدويل ال ينشئ إال من السلطة املختصــة بعقــد املعاهــدات ,ويقــرتب
من املدرس ــة املوض ــوعية ,ال ــيت ت ــرى إمكاني ــة إنش ــاء الع ــرف ال ــدويل من األجه ــزة الداخلي ــة
للدولة ,بل ويزيد على هذه املدرسة قبوله األعراف الدولية الناشئة من اجملتمع وأفراده .
121
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :السري الكبري ,حملمد بن احلسن الشيباين ,وشرحه ,حملمد بن أمحد السرخسي . )5/1790( ,
( )2هو أبو سعيد عبد السالم بن سعيد بن حبيب بن حسان بن هالل بن بكار بن ربيعة التنوخي احلمصي املغريب
,ولد سنة 160هـ يف القريوان ,وويل القضاء هبا ,وهوصاحب املدونة ,اتصف بالعقل والديانة والورع واجلود
والزهد ,مسع من سفيان بن عيينه ووكيع والوليد بن مسلم وغريهم ,ومل يتوسع يف احلديث كما توسع يف
الفروع ,وأخذ عنه ابنه حممد وأصبغ بن خليل وبقي بن خملد وغريهم ,تويف سنة 240هـ عن عمر يناهز الثمانني
سنة .انظر :سري أعالم النبالء ,للذهيب , )69-12/63( ,واألعالم ,للزركلي . )4/129( ,
( )3انظر :العرف وأثره يف التشريع اإلسالمي ,ملصطفى عبد الرحيم أبو عجيله ( ,ص , )50الناشر :املنشأة
العامة للنشر والتوزيع واإلعالن يف طرابلس الغرب 1986 ,م .
المبحث الثاني
أركان العرف الدويل
122
املطلب األول :أركان العرف الدويل يف
القانون الدويل العام
املطلب الثاين أركان العرف الدويل يف الفقه
اإلسالمي
المطلب األول
أركان العرف الدويل يف القانون الدويل العام
123
الفرع األول :الركن املادي
الفرع الثاين :الركن املعنوي
الفرع األول
الركن املادي
هو العمل أو التصرف الصادر من الشخص الدويل ,أو ما يطلق عليه بعض شراح القانون
الدويل مصطلح املمارسة )1( .ولكن بعض الشراح يعرفه بأنـه :عنصـر التكـرار أو االعتيـاد
( )2وهــذا مشــكل ؛ ألن التكــرار شــرط من شــروط العــرف الــدويل ,وليس ركنـًا فيــه ,وإمنا
الــركن املادي فيــه هــو التصــرف ,أمــا شــروط هــذا التصــرف فيمكن أن يكــون التكــرار من
بينها ,ولذا سيتم احلديث عنه يف شروط العرف الدويل .
124
ومن اجلدير بال ــذكر أن ــه ال يش ــرتط أن يك ــون التص ــرف إجيابي ـًا ب ــل إن التص ــرف الس ــليب أو
االمتناع قد يكفي .وقد أيدت ذلك حمكمة العدل الدولية سـنة 1927م يف قضـية اللـوتس
,إذ قــررت احملكمــة أن العــرف قــد يــرتتب على أســاس االمتنــاع عن اختاذ تصــرف يف حالــة
()3
معينة ,مىت اقرتن هذا االمتناع بالعنصر املعنوي .
كذلك ذهبت حمكمة العدل الدولية إىل إسـناد هـذا الـدور للسـلوك السـليب يف قضـية املصـائد
بني ال ــنرويج واجنل ــرتا ,ف ــذهبت إىل الق ــول بوج ــود ع ــرف ثن ــائي جنم عن س ــلوك إجيايب من
()4
جانب النرويج تبعه سكوت استغرق زمنًا طويًال من جانب اجنلرتا .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )7
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ( ,ص. )72
( )3انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حامد سلطان ,والدكتورة عائشة راتب ,والدكتور صالح الــدين عــامر
( ,ص. )50
( )4انظر القانون الدول ,ي حملمد سعيد الدقاق ( ,ص. )189
الفرع الثاين
الركن املعنوي
ه ــو اعتق ــاد ال ــدول بوج ــوب تط ــبيق تل ــك القاع ــدة على س ــبيل اإلل ــزام ,وأن من س ــيخالفها
س ــوف ينال ــه ج ــزاء ,س ــواء ك ــان ه ــذا اجلزاء منظم ـًا ختتص ب ــه إح ــدى الس ــلطات ,أو غ ــري
منظم خيتص به كافة أفراد اجملتمع الدويل )1( .فال بد من رسوخ االعتقاد بـأن هـذه القاعـدة
العرفية أصبحت واجبة االتباع باعتبارها قاعدة هلا ما لسائر القواعـد القانونيـة من قـوة إلـزام
( )2
.
125
مبعــىن أن الــدول تقــر بكــون العــرف ملــزم قانونـًا ,وتعــرتف للقاعــدة العرفيــة الســلوكية بصــفة
القاع ــدة القانوني ــة الدولي ــة ,فه ــذا االع ــرتاف ه ــو وح ــده ال ــذي حيتم عملي ــة تك ــوين القاع ــدة
( )3
العرفية يف القانون الدويل العام ,وعند هذا فقط يتخذ العرف الدويل صفة قانونية .
إذًا هو شعور واعتقاد يرتسخ لدى الدول واملنظمات الدولية بأن السلوك الذي تسري عليه
أو السوابق اليت تكررت يف جمال معني نابعة من واجب مفروض عليها ،وأهنا ملزمة
مبراعاة ذلك باعتباره قانونًا غري مكتوب.
ويعترب الركن املعنوي عبارة عن الشعور بالواجب القانوين املصاحب لعمل مادي تواتر مرة
بعد أخرى يف حل مشكلة أو جتاه قضية معينة.
فالركن املادي وحده ال يكفي لتحول السلوك الدويل إىل قاعدة قانونية ملزمة ,وإمنا جيب
فضًال عن ذلك توفر االعتقاد من جانب أشخاص القانون الدويل بضرورة مثل هذا
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد حافظ غامن ( ,ص. )92
( )2انظــر :القــانون الــدويل اخلاص ,دراســة لقواعــد العامــة وتطبيقاتــه يف اململكــة العربيــة الســعودية ,للــدكتور حممــد
احلسيين مصيلحي ( ,ص. )61
( )3انظر :القانون الدويل العام ,للـدكتور عـدنان طــه مهـدي الـدوري والـدكتور عبـد األمـري العكيلي ( ,ص. )74
والقانون الدويل العام ,لشارل روسو ( ,ص. )84
السلوك .فالتعبري عن الرضا الذي يشاهد يف املعاهدات الدولية من خالل املفاوضات
والتوقيع والتصديق ,قد حل حمله سلوك متكرر ومتطابق مصحوب بعقيدة اإللزام ،يدعو
الدول إىل العمل على احرتام القاعدة وفرضها باعتبارها ملزمة قانونًا.
فالقانون االتفاقي (املعاهدات) أساسه الرضا ،بينما القانون الدويل العريف أساسه التوافق
أي القبول التلقائي من خالل اإلحساس أو االعتقاد بأن السلوك قد أصبح ملزمًا ؛ ألنه
ضرورة حلكم العالقات بني أشخاص القانون الدويل ،ومناسب هلذه العالقات ،وشرط
حلسن النظام الدويل فهو شعور أو إحساس أو اعتقاد فيما هو واجب قانونًا.
وكما قال جورج سل " :إن التكرار للسوابق وحده ال يكفي إلنشاء القاعدة العرفية
مهما طال الزمن ،وأن العرف ال يوجد إال إذا كان السلوك مصحوبًا بعقيدة اإللزام أو
اإلحساس بأن هناك واجبًا على الدول أن تراعيه ,وأن خمالفته تعد خرقًا للقانون " .
126
والركن املعنوي وفقًا هلذا التعريف يتضمن إشارة واضحة إىل االعتقاد الذهين من جانب
أشخاص القانون الدويل ,والرغبة يف احلفاظ على السلوك يف شكل معني ،وأن هذا
االعتقاد نابع من شعورهم بأن التصرف على حنو معني هو أمر مطلوب قانونًا .
وأن السلوك الذي تتبعه الدول ،ولكنها تشعر حياله بإمكانية التنصل منه أو اخلروج عليه
يف أي وقت ال ميكن اعتباره قاعدة قانونية عرفية ،وإمنا يعترب نوعًا من ا لصدف التحكمية
( )1
.
ولقد أشارت املادة 38من النظـام األساسـي حملكمـة العـدل الدوليـة إىل هـذا الـركن املعنـوي
وذلك عندما وصفت العرف الدويل بأنه " :تطبيق عام مقبول مبثابة القانون " .
( )2
" ومما سهل عملية االلتزام هذه هي سرياهنا بني الدول على أساس مبدأ املعاملة باملثل ".
ووجود هذا الركن هو الذي مييز احلكم املستمد من العرف عن األحكام األخرى غري
( )3
امللزمة كأحكام العادات الدولية واجملامالت الدولية وحنوها .
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )566-565
( )2الدبلوماسية املعاصرة واسرتاتيجية إدارة املفاوضات ,للدكتور ثامر كامل حممد ( ,ص , )89الناشر :دار
املسرية ,ط1421 , 1هـ .
( )3وقد سبق احلديث عن الفرق بينها وبني العرف الدويل يف (ص . )48
وهذا ما بينته حمكمة العدل الدولية يف حكمها يف قضــية حــق امللجـأ ( )1عــام 1950م حيث
بينت أمهية مراجعة السـوابق الـيت يسـتند عليهـا إلثبـات العـرف ,ملعرفـة مـا إذا كـانت الـدول
قد طبقت القاعدة العتقادها بأهنا قاعدة قانونية ملزمة ,أو أهنا أتت جمرد جماملة دولية .
وبش ــكل ع ــام ق ــالت احملكم ــة " :إن اعتب ــارات املالءم ــة أو جمرد الكياس ــة السياس ــية هي ال ــيت
حــدت بالدولــة إىل االع ــرتاف بــاللجوء دون أن يكــون هــذا القــرار قــد أملي عليهــا بواســطة
الشعور بالواجب القانوين ال جيعل القاعدة القانونية ملزمة .
وإن اللجــوء – كمــا طبقتــه دول أمريكــا اجلنوبيــة – هــو أســلوب وجــد إطــاره يف اعتبــارات
تقــع خــارج دائــرة القــانون ,فالســلوك مل يكن غــري مؤكــد ومتنــاقض فحســب ،وإمنا أيض ـًا
كان متأثرًا باعتبارات املالءمة السياسية يف كثري من األحيان لدرجة يستحيل معها اســتنتاج
( )2
سلوك مقبول مبثابة القانون " .
127
وهلذا جيب أال ُتعد سابقة صاحلة لتكوين العرف ,تصرفًا قصدت به دولة ما جماملة دولة
أخرى حتسينًا للعالقات اليت تربطهما ,وأال ُيعتد بغري السوابق اليت يستفاد منها اعتقاد
( )3
الدولة أهنا ملزمة بالتصرف على هذه الصورة .
ـــــــــــــــــــــ
( )1ويطلق على هذه القضية اسم ( هايادي ال تـوري ) وهـو قائـد الثـورة ضـد حكومـة البـريو ,حيث فـر إىل سـفارة
كولومبيا بالعاصمة ليما وحصل على حق اللجوء السياسي ,لكن البريو رفضت الرتخيص له مبغادرة إقليمهـا الشـيء
الذي دفع كولومبيا إىل رفع قضية أمام حممكة العدل الدولية ,وطلبت من احملكمة أن تقر هلا حق حتديد نوعيــة خطــأ
التــوري ومــا إذا كــان إجرامي ـًا ,وعليــه يســلم للســلطات املختصــة ببلــده أو سياســيًا وبالتــايل حيق لكولومبيــا أن متنحــه
اللجوء السياسي على أساس قواعد العرف الدويل ,ورفضـت احملكمـة تواجـد مثـل هـذا احلق بسـبب عـدم تكـون مثـل
ه ــذه القاع ــدة بقوهلا " :إن الوق ــائع املعروض ــة أم ــام احملكم ــة تعكس كث ــريًا من ع ــدم الثب ــات وع ــدم اليقني أو التن ــاقض
وكث ــريا من الس ــطحية والتع ــارض يف ممارس ــة اللج ــوء الدبلوماس ــي ويف اآلراء الرمسية املع ــرب عنه ــا يف مناس ــبات عدي ــدة
حيث يوجـد نقص يف االسـتمرار وكـذلك تتـابع النصـوص االتفاقيـة املتعلقـة بـاللجوء واملصـدق عليهـا من بعض الـدول
واملرفوضــة من قبــل دول أخــرى وأن الســلوك كــان متــأثرًا يف هــذه النقطــة باعتبــارات املالءمــة السياســية يف عديــد من
املناســبات لدرجــة أنــه يصــعب معهــا اســتنتاج عــرف دائم وموحــد ومقبــول مبثابــة قــانون فيمــا يتعلــق بالقاعــدة املزعومــة
للتكــييف الفــردي والنهــائي للفعــل أو اجلنحــة " .انظــر :مبــادئ القــانون الــدويل العــام ,للــدكتور حممــد بوســلطان ( ,
. )1/63وانظر :القانون الدويل ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )580
( )2انظر :القانون الدويل ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )571
( )3انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد حافظ غامن ( ,ص , )92نقًال عن انزلويت .
ويف صدد قواعد التحكيم نتج عن تكرار اتباع الدول هلذه القواعد ومتسكها هبا أن تولد
( )1
اإلحساس املعنوي بصريورهتا ملزمة .
ويف قضية املسطح القاري لبحر الشمال ( )2عام 1969م أشارت حمكمة العدل الدولية إىل
أن األعمال اليت تظهر هذا اإللزام جيب أن تظهر بطبيعتها أو بالشكل الذي متت به قناعة
( )3
بأن هذا التصرف أصبح ذا صفة إلزامية بوجود قاعدة قانونية .
وقد وضعت احملكمة يف حكمها نظرية شاملة حول العرف الدويل بركنيه املادي واملعنوي
فقد قالت " :إن سلوك الدول ،وخاصة تلك املعنية باملشكلة ،جيب أن يكون شائعًا ،
وموحدًا من الناحية العملية ,وأن يبدو يف شكل يدل على االعرتاف العام حبقيقة أن
قاعدة قانونية أو االلتزام قانوين قد نشأ " .وأضافت" :ليس مطلوبًا فقط أن تكون
التصرفات حمل البحث ممثلة لتطبيق دائم ،ولكن فضًال عن ذلك جيب أن تدل بطبيعتها أو
128
بطريقة تنفيذها أو تطبيقها على االعتقاد بأن هذا السلوك قد أصبح ملزمًا بوجوده كقاعدة
قانونية ,وأضافت بأن الدول املعنية جيب أن يتوافر لديها الشعور بأهنا تسلك أو تتصرف
وفقًا ملا هو قانون ,فال الشيوع وحده يكفي ،وال تكرار السوابق وحده يكفي إلنشاء
القاعدة العرفية " .
وضربت احملكمة مثًال واضحًا على تكرار السلوك الذي مل يشكل حىت اآلن قاعدة عرفية
دولية فقالت " :إن كثريًا من التصرفات يف حقل اجملامالت الدبلوماسية واالحتفاالت
الربتوكولية ،واليت تتكرر بشكل روتيين ،ويف صورة متشاهبة منذ قرون مل تشكل مع
ذلك
عرفا دوليًا ملزمًا ؛ ألن باعثها هو اجملاملة واملالئمة أو التقليد ,وليس الشعور بالتزام
( )4
قانوين ".
ويف قض ــية الل ــوتس ( )5ع ــام 1927م خلص ــت حمكم ــة الع ــدل الدولي ــة خالف ـًا لوجه ــة النظ ــر
الفرنسية إىل أن االمتناع عن إتيان سلوك معني ال يعترب سابقة ,ما مل يقرتن بالشعور
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ,للدكتور الشافعي حممد بشري ( ,ص. )73
( )2قد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص. )74
( )3انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور إبراهيم أمحد شليب ( ,ص. )347
( )4انظر :القانون الدويل ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )569-568
( )5قد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص. )73
بوج ــوب االمتن ــاع قانونـ ـًا ,وق ــالت " :ميكنن ــا احلديث فق ــط عن ع ــرف دويل إذا م ــا ك ــان
( )1
االمتناع عن حماكمة الربان مؤسسًا على الشعور بواجب االمتناع " .
ويف قضية األنشطة العسكرية وشبه العسكرية يف نيكاراجوا بتاريخ 26يونيو عام
1986م قالت حمكمة العدل الدولية " :جيب على احملكمة أن تطمئن بأن العمل والتطبيق
( )2
الصادر عن الدول يؤيده الضمري القانوين واإلحساس بوجود القاعدة الدولية ".
وملا كان هذا التطور معنويًا فليس من اليسري التحقق من وجوده إال عن طريق ذيوع
اإلحساس به ,لذلك تعمد الدول اليت متارس تصرفًا معينًا ,أو اليت يصدر يف مواجهتها
تصرف معني وال ترغب يف ترتيب حكم عريف عليه ,إىل طرق خمتلفة لإلعراب عن فقدان
االعتقاد لديها بالضرورة القانونية هلذا التصرف ,ومن بني هذه الطرق ما هو ذا طابع
129
دبلوماسي كاالحتجاج على صدور التصرف ,ومن ذلك احتجاج الواليات املتحدة
األمريكية على احلكم الذي صدر يف قضية الديون النروجيية عام , 1923ومنها ما هو ذا
طابع قانوين كاللجوء إىل أسلوب التدخل ,أو إبداء الرأي املخالف ,أو قبوله مع إبداء
( )3
التحفظات ,أو قبوله مع إبداء رأي الدولة يف أن هذا القبول ال يعد سابقة .
ولكن هل حيتج بقاعدة عرفية يف مواجهة دولة أعلنت دومًا معارضتها هلا ؟
أجابت حمكمة العدل الدولية على هذا السؤال بالنفي يف إحدى القضايا واإلجياب يف
قضية
أخرى ,ففي قضية املصائد – الدائرة بني انكلرتا والنرويج -كان على احملكمة أن تبحث
يف وجود قاعدة عرفية جتعل من اخللجان اليت ال يزيد اتساع فتحتها عن عشرة أميال جزًء
من املياه الداخلية للدولة ,والحظت احملكمة أن بعض الدول قد تبنت تلك القاعدة سواء
يف تشريعاهتا الوطنية أم يف املعاهدات واالتفاقات املعقودة فيما بينها وبني الدول األخرى ,
وأن بعض قرارات التحكيم قد طبقتها يف العالقة بني تلك الدول ,إال أهنا أضافت أن
دوًال أخرى قد تبنت يف املقابل رأيًا خمتلفًا ,األمر الذي خلصت معه احملكمة إىل أن
القاعدة ليست قاعدة من قواعد القانون الدويل ,ومل تكتف احملكمة عند هذا احلد بل
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )370
( )2انظر :القانون الدويل ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )568
( )3انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حامد سلطان ,والدكتورة عائشة راتب ,والدكتور صالح الدين عامر
( ,ص . )51و انظر :مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ,للدكتور إحسان هندي ( ,ص. )94
خلصت كذلك إىل عدم جواز االحتجاج هبذه القاعدة يف مواجهة النرويج اليت أعلنت
صراحة عن رفضها هلا وقاومت باستمرار احملاوالت الرامية لتطبيقها على الشواطئ
النروجيية .
ولكن احملكمة أخذت بوجهة نظر مغايرة يف رأيها االستشاري يف قضية ناميبيا فقد
خلصت احملكمة إىل أن امتناع األعضاء الدائمني يف جملس األمن عن التصويت ال حيول
دون صدور قرار عن اجمللس ,وذلك خالفًا لوجهة نظر جنوب إفريقيا اليت استندت إىل
املادة 27من ميثاق األمم املتحدة للطعن يف صحة قرارات اجمللس اليت تضع حدًا النتداهبا
على إقليم ناميبيا ,وأكدت احملكمة أن املمارسة العامة املتبعة من املنظمات الدولية تشكل
130
قاعدة عرفية مقبولة عمومًا من أعضاء األمم املتحدة دون ما حاجة لرضا مجيع أعضاء
اجمللس وال النقضاء مدة طويلة على املمارسة ,وأنه حيتج هبا يف مواجهة جنوب أفريقيا
حىت وإن مل تؤيدها صراحة بل وحىت إذا عربت عن اعرتاضها عليها .
ويؤيد القرار األول للمحكمة ما يذهب إليه الكتاب اإلراديون -أصحاب املدرسة
الوضعية -من أن حق الدولة أن تعفي نفسها من القاعدة العرفية ال يعفيها من االلتزام
بالقاعدة العرفية ,فقد رفضت جنوب إفريقيا قبل التحوالت الدميقراطية فيها على الدوام
االعرتاف لقاعدة عدم التمييز بوصف القاعدة العرفية ,غري أن أحدًا مل يقل بإعفاء جنوب
( )1
أفريقيا من تطبيق تلك القاعدة .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )371
املطلب الثاين
أركان العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي
يف املطلب الس ــابق ُع ِر ف أن ش ــراح الق ــانون ال ــدويل الع ــام جيعل ــون للع ــرف رك ــنني ,م ــادي
ومعنوي .ولكن هل األمر مشاهبة بالنسبة للفقهاء .
( )1
الواقع أن الفقهاء املتقدمني مل يذكروا أركانًا للعرف .
131
ولكن بناًء على تعريفاهتم للعرف ,وبناًء على ما يظن أنــه أقــرب للصــواب ,ميكن اســتنتاج
وجود ركن مادي للعرف ,وهو ما يعرف بالفعل أو التصرف .
ولكن بعض الفقه ــاء املت ــأخرين ( )2جيع ــل االعتي ــاد ركنـ ـًا ماديـ ـًا هلذا الع ــرف ,وه ــذا جمانب
للص ــواب ؛ ألن االعتي ــاد أو م ــا يع ــرف ب ــالتكرار ش ــرط من ش ــروط الع ــرف ال ــدويل ,وليس
ركنًا فيه .
وبناًء على هذا الكالم ,ال يوجد فرق بني الفقه اإلسالمي والقانون الدويل العام من حيث
أن الفعل هو املكون للركن املادي للعرف الدويل .
ولكن مثة فرق بسيط بينهما ,وهو أن هذا الفعل يف القانون الدويل ميكن أن يصدر من
األجهزة الدولية – بناًء على رأي املدرسة اإلرادية – وميكن أن يصدر كذلك من
األجهزة الداخلية ذات العالقة باألمور الدويل – حبسب رأي املدرسة املوضوعية ,ولكن
الفعل يف الفقه اإلسالمي ميكن أن يصدر من أجهزة الدولة باإلضافة إىل أفراد اجملتمع .
وأما خبصوص الركن املعنوي للعرف ,أو ما يعرف بعقيدة اإللزام ,فإن الفقهاء املتأخرين
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :قاعدة العادة حمكمة ,للشيخ يعقوب بن عبد الوهاب الباحسني ( ,ص , )57الناشر :مكتبة الرشد ,
ط1423 , 1هـ .
( )2انظر :القضاء والعرف يف اإلسالم ,لسمري عالية ( ,ص , )157الناشر :املؤسة اجلامعية للدراسات والنشر
والتوزيع ,ط1406 , 1هـ .
قد تباينت أقواهلم فيه ,فمنهم من جيعله شرطًا من شروط العرف وليس ركنًا ,ويصرح
( )1
بأن قواعده احملكمة ال تأىب اشرتاطه .
ومنهم من جيعل ــه نتيج ــة لش ــروط الع ــرف ,وأن ــه إذا اجتمعت الش ــروط فإن ــه يص ــبح ملزمـ ـًا
( )2
ومعتربًا يف التشريع .
ومنهم من يصرح بكونه ركنًا من أركان العرف ,فيقول " :على الرغم من خلو املراجع
الفقهية اإلسالمية من اإلشارة إىل الركن املعنوي بشكل بارز وواضح ,فإنه ميكن القول
أن الفقه اإلسالمي يتطلب أن يكون العرف ملزمًا وواجب االتباع شرعًا ,شأنه يف ذلك
شأن القانون الوضعي ,األمر الذي يعين جعله ركنًا معنويًا للعرف باإلضافة إىل ركنه
132
املادي ,ومتييزًا عن جمرد العادة اليت مل يتمكن أثرها يف النفوس ومل تستقر فيها لعدم
( )3
االعتقاد بلزوميتها " .
وبصرف النظر عن كون االعتقاد بإلزامية العرف شرطًا أو ركنًا فيه ,فإنه ينبغي التنبيه إىل
أن العرف مبجرده ال ميكن أن تكون له قوة ملزمة يف الشريعة اإلسالمية ,إن كان غري
متفق مع روحها ,أو كان خمالفًا لنصوصها ومبادئها العامة ,فالشريعة اإلسالمية إهلية
التعد هلا األعراف ,خبالف القوانني الوضعية اليت كانت أسسها أعرافًا فتعد هلا األعراف
.وهذا هو السبب الذي منح العرف سلطة واسعة يف القانون الدويل وجعله قادرًا على
( )4
تعديل النصوص ,ويف قوة القانون املكتوب .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :العرف والعادة يف رأي الفقهاء ,ألمحد فهمي أبوسنة ( ,ص. )66
( )2انظر :أثر العرف يف التشريع اإلسالمي ,للسيد صاحل عوض ( ,ص. )228
( )3القضاء والعرف يف اإلسالم ,لسمري عالية ( ,ص. )158
( )4انظر :قاعدة العادة حمكمة ,للشيخ يعقوب بن عبد الوهاب الباحسني ( ,ص. )59
المبحث الثالث
شروط العرف الدويل
133
ويشتمل على املطالب اآلتية :
المطلب األول
شروط العرف الدويل يف القانون الدويل العام
134
ويشتمل على الشروط اآلتية :
يشرتط تواتر املمارسة ,أو ما يعرف باطرادها أو تواتر العمل هبا فرتة معقولة من الزمن ,
فتكرار الدول للسلوك بشكل متصل وخالل مدة من الزمن ,هو الذي يضفي عليه عنصر
الثبات واالستقرار ,ويدلل على القبول النهائي بقوته اإللزامية وهلذا يشدد القضاء الدويل
135
على وجوب ثبات وتطابق أو متاثل السوابق املنشئة للعرف ,أما التصرفات املتناقضة
واملتذبذبة فال تصلح لتكوينه وإنشائه ,فيجب أن تكون السوابق واألفعال متشاهبة
ومطردة يف اجتاه واحد حبيث أن ما تقوم به هذه الدولة يف هذا املوضوع هو نفسه ذات
السلوك الذي تقوم به الدول األخرى ويكفي للتأكد من هذا التطابق والتشابه أن تتم
املقارنة بني السوابق فإن وجدت متطابقة كان هبا وإن وجدت متناقضة فال ميكن احلديث
عن وجود عرف دويل .
وقد ورد يف هذا اخلصوص قرار من حمكمة العدل الدولية يف قضية اللجوء ( )1بني البريو
وكوملبيا يف عام 1950م ,حيث أكدت احملكمة أن القاعدة العرفية جيب أن تتكون من
( )2
طريق املمارسة املستمرة واملتناسقة من طرف الدول املعنية .
وجيب أن يطرد استعمال تلك القاعدة وتطبيقها من جانب الدول نفسها أو احملاكم
( )3
الداخلية والدولية ,حبيث تصبح تلك القاعدة قدمية وثابتة .
وهناك من يرى أنه مىت ما مت التحقق من وجود سلوك متطابق فإنه لن يكون للعنصر
()4
الزمين أي دور يف نشوء العرف الدويل .
وهناك من يرى أنه تكفي سابقتان أو ثالث للقول بوجود التواتر ,ويرجع هذا التساهل
ـــــــــــــــــــ
( )1وقد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص. )126
( )2مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد بوسلطان , )1/63( ,و انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور
حممد يوسف علوان ( ,ص , )367والقانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )541
( )3انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد حافظ غامن ( ,ص. )92
( )4انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ( ,ص. )128
النسيب يف حتديد ما يعترب تواترًا وتكرارًا إىل طبيعة اجلماعة الدولية نفسها ,إذ من شأن
عدد أعضائها احملدود وقلة ما ينشأ بينهم من عالقات ,أن جتعل كثرة السوابق أمرًا
( )1
استثنائيًا غري متصور حدوثه ,إال يف النادر من األحوال .
وذلك بعكس ما حيدث عادة يف العرف الداخلي ,فوفرة عدد أشــخاص القــانون الــداخلي
,ودوام احلاج ــة إىل ممارس ــة بعض ــهم للتص ــرفات ال ــيت ميارس ــها البعض اآلخ ــر ,جيع ــل تع ــدد
الــتزام احلكم املعني يف احلالــة املعينــة ,ومن مث تكــون القاعــدة العرفيــة أم ـرًا يس ـريًَا مرتتب ـًا على
136
طبيعــة األشــياء ,غــري أن الــرأي الصــواب هــو الــذي يقــرر أن التعــدد أو التكــرار يف الســوابق
الدولية ليس هلما منفردين قوة إقامة احلكم العريف الدويل ؛ ألن العنصر األساسي يف إنشــائه
ليس التعدد أو التكرار بقدر ما هو يف ثبوت االعتقاد بني الدول بلزوم اتباعه كلما جتددت
احلالة اليت اتبع فيها من قبل ,ويدل على ذلـك مـا حـدث يف أثنـاء احلرب األهليـة األمريكيـة
من أن طــرادة حربيــة أمريكيــة أوقعت ســفينة إجنليزيــة كــانت بني مينــاءين حمايــدين ,وذلــك
لتقبض على اثنني من مندويب الواليات األمريكية اجلنوبية ,فاحتجت بريطانيا على ذلــك ,
وشاركتها يف االحتجاج كل من فرنسا وبروســيا والنمســا ,بــدعوى أن هــذا التصــرف يعــد
اعت ـ ــداًء على حق ـ ــوق ال ـ ــدول احملاي ـ ــدة ,ف ـ ــأفرجت الوالي ـ ــات املتح ـ ــدة عن املقب ـ ــوض عليهم
وق ــررت أن قائ ــد املركب احلريب ق ــد تص ــرف من غ ــري اس ــتئذان حكومت ــه ,وب ــذلك اس ــتقر
حكم عــريف يقضــي حبصــانة املسـافرين على مــركب حمايــد ينتقــل بني املوانئ احملايــدة ,وكــان
()2
السبب يف استقراره ثبوت االعتقاد لدى الدول بوجوب اخلضوع له .
إذًا الس ــلوك أو الس ــوابق الص ــادرة عن أش ــخاص الق ــانون ال ــدويل جيب أن تتك ــرر م ــرة بع ــد
أخــرى وعلى حنو متشــابه ومتنــاغم ومنســجم وغــري متنــافر فــالتكرار واالنســجام هــو الشــرط
األساسي لتأكيد العرف .
وتوافق وانسجام وتناغم السوابق ينجم عن السلوك الدويل الدائم واملوحد جتاه قضية معينة
ومواقف معينة ,ومن املمكن التأكد ببساطة شديدة من وجود هذا التناغم يف بعض
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :أصول القانون الدويل العام ,للدكتور حممد سامي عبد احلميد ( ,ص. )155
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حامد سلطان ,والدكتورة عائشة راتب ,والدكتور صالح الــدين عــامر
( ,ص. )47
اجملاالت مثل حتديد البحر اإلقليمي وحتديد االمتداد القاري وحتديد املنطقة االقتصادية
اخلالصة واملسؤولية الدولية واحلصانات الدبلوماسية وحق املرور الربيء للسفن األجنبية يف
املياه اإلقليمية للدول الساحلية .
إن ال ــدول ق ــد تبنت فيم ــا س ــبق ذك ــره من أمثل ــة تص ــرفات متطابق ــة ومنس ــجمة وموح ــدة ,
وال ــذي يهم أك ــثر إضــافة إىل ه ــذا التك ــرار والتن ــاغم ه ــو الطــابع اجلمــاعي هلا حيث ال تلمح
جمرد جمموعة من الصدف املتكررة هنا وهناك ,وإمنا انسجام وتوحـد الـردود املتشـاهبة على
137
مشاكل متشاهبة ومواقف متشاهبة ,وهذا االنسجام والتناغم هو املكــون للعــرف الــدويل أو
الكاشف عنه مـىت تـوفر لـه الـركن املعنـوي أي مـىت ثبت شـعور وإحسـاس لـدى الـدول بـأن
الرد أو االستجابة أو التجاوب املتناغم مع هذه املشاكل يعد قانونًا ملزمًا .
فالتوافق هو رد فعل مجاعي متكرر يستجيب ملصاحل مجاعية ويطبق على اجلميع باعتباره
قاعدة قانونية غري مكتوبة .
فال يكفي إقامة الدليل على جمموعة من السوابق املتشاهبة نوعًا ما ,بل يتطلب األمر أن
( )1
تكون اخلطوات فوق اخلطوات والسلوك يغطي بعضه بعضًا يف صورة تراكمية متوالية .
إن القضايا واملشاكل ميكن أن تتنوع وتتعدد ,والسوابق واإلجراءات قد ال تتشابه ,
ولكن الدوافع والبواعث احملركة للسلوك املتكرر واملتوايل جيب أن تكون هي ذاهتا تسعى
إىل نفس اهلدف االجتماعي ,وهلذا ففي جمال منح اللجوء الداخلي ال يكفي حشد
سلسلة من احلاالت اليت منح فيها هذا اللجوء من أجل إقامة الدليل على وجود العرف
احمللي مثًال ,وإمنا جيب تشابه الظروف ووحدة البواعث .
فال يوجد عرف إال عندما تكون سلسلة التكرار هلا معىن واحد أو موحد ,وال يوجد
( )2
عرف مبين على السلوك املتنافر أو الصدف اليت ال يوجد بينها رابط أو وحدة الغاية .
وشرط التكرار الدائم واملوحد مستمد من قضاء قدمي حملكمة العدل الدولية الدائمة تؤكد
فيه على وجود التطابق املستمر .
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )541
( )2انظر :املصدر السابق ( ,ص , )543نقًال عن جورج سل .
وحمكمة التحكيم الدولية يف قضية تفسري االتفاق اجلوي بني أمريكا وإيطاليا أفادت بأن
وحدة السلوك الدائم واملتبع فعًال وبدون تبادالت ميكن أن يكون منتجًا للعرف الدويل .
فال ينبغي أن يتعلق األمر حباالت منعزلة أو فردية للسابقة أو بأمثلة خاصة ,وإمنا جيب أن
يتوفر هلا قدر من االنسجام واالطراد والتناغم من جانب أشخاص القانون الدويل .
وحمكمة العدل الدولية تقول يف قضية حق امللجأ عام 1950م " إن القاعدة العرفية اليت
تدعيها دولة ما جيب أن تكون متطابقة مع سلوك دائم وموحد " .
138
ويف قضية املصايد عام 1951م تقول " :تطبيق دائم طويل بشكل كاف " .
ويف قضية حق املرور عام 1960م " :تشري إىل سلوك مستمر موحد ومتبع بواسطة
األطراف يف النزاع " .
ويف قضية االمتداد القاري لبحر الشمال عام 1969م تشري " :إىل السلوك املستمر
وشيوع التصرفات يف املسألة " .
ويف قضية األنشطة العسكرية وشبه العسكرية يف نيكاراجوا عام 1986م تشري إىل "
( )1
سلوك عام ومتطابق " .
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :املصدر السابق ( ,ص. )544
139
كما أنه من الصعب أن حتدد املدة اليت جيب أن يستمر السلوك فيها قائمًا حىت يتحول إىل
قاعدة عرفية ,وال شك أن ذلك يعتمد على الظروف احمليطة بكل حالة على حدة ,
( )2
وعلى طبيعة القاعدة اليت تنتج عن كل حالة .
فمثًال العالقات اليت تتكرر يوميًا ,كما هو احلال بالنسبة للعالقات الدبلوماسية ,يشرتط
فيها أن يتكرر احلل مرات أكثر من العالقات اليت يندر أن تثور يف احلياة الدولية اليومية ,
مثل مشكلة املرور يف القنوات البحرية ,وهذا ما ذهبت إليه حمكمة العدل الدولية يف
( )3
قضية السفينة وميبلدون .
وكل ما ميكن أن يقال هبذا الصدد أنه يكفي أن يكون السلوك الذي درجت الدول على
اتباعه بصدد تلك العالقة القانونية قد داومت على اتباعه فرتة من الزمن كافية لتوليد
الشعور بأن اتباع هذا السلوك أصبح من القواعد القانونية امللزمة يف عالقات القانون
( )4
الدويل العام .
وهناك من يرى تعني توافر حد معني من القدم يف السلوك حبيث تتوافر عناصر الداللة على
تكراره وعمومه ,ومن بني هذه العناصر عنصر ثبات السلوك الذي يتضمن اطراد العمل
()5
به بشكل واضح ودون انقطاع خمل .
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ( ,ص. )72
( )2انظر :قانون العالقات الدولية ,للدكتور جعفر عبد السالم ( ,ص. )107
( )3انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ( ,ص. )140
( )4انظر :املصدر السابق ( ,ص. )141
( )5انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور إبراهيم أمحد شليب ( ,ص. )346
هذا ولقد أكدت حمكمة العـدل الدوليـة يف جمال حـديثها عن اجلرف القـاري بـأن الـدفع بـأن
تلك القواعد اخلاصة بتحديد اجلرف القـاري مل مير على ظهورهـا إال فـرتة قصـرية من الـزمن
,ليس مانعًا مبفرده من تكوين قاعدة جديدة من قواعد القــانون الــدويل العــريف ,بشــرط أن
تكون ممارسات الدول مبا فيها الدول املعنية بشكل خاص ,متكررة وموحدة عملي ـًا خالل
( )1
هذه املدة مهما كانت قصرية .
لقد كان شراح القانون الدويل يف القدمي يعتقــدون أن مــرور فــرتة زمنيــة شــرط ال بــد منــه يف
نشأة القاعدة العرفية فالزمن هو النار اليت تنضج على حرارهتا السوابق القضائية .
140
وقــد نــادى هبذا االعتقــاد القاضــي نيكولســكو يف قضــية اللجنــة األوروبيــة للــدانوب ,ولكن
هذا الرأي أصبح مهجورًا اآلن وال ميكن األخذ به ؛ ألن العالقات الدولية سريعة التطور .
()2
ففي قضية حق املرور عام 1960م قالت حمكمة العدل الدولية " :إن العمل الذي يرجع
إىل 125عاما قد أدى إىل نشأة قاعدة عرفية دولية ولكنها مل تقل أن مرور فرتة أقل من
هذه املدة ال تكفي لنشأة العرف الدويل املذكور " .
وكانت حمكمة العدل الدائمة قد ذكرت يف رأيها االستشاري حول اشرتاك مدينة دانتزج
احلرة يف منظمة العمل الدولية عام 1930م بأن " :السلوك الراجع إىل عشر سنوات
( )3
مضت قد أعطى شهادة امليالد لقاعدة عرفية دولية جديدة " .
ويف قضية االمتداد القاري لبحر الشمال عام 1969م قالت احملكمة " :إن مرور فرتة
زمنية قصرية ال يشكل يف حد ذاته عقبة أمام نشأة القاعدة العرفية اجلديدة يف القانون
الدويل ,ويبقى ضروريًا فقط خالل هذا الوقت القصري مهما كان قصره أن يكون سلوك
( )4
الدول املعنية مباشرة باملشكلة منتشرًا وشائعًا وموحدًا " .
ويف هــذه القضــية أيضـًا أعلن القاضــي البولنــدي مانفريــد ال كس أن " :حريــة غــزو الفضــاء
ـــــــــــــــــــ
( )1انظــر :مبــادئ القــانون الــدويل العــام ,للــدكتور حممــد بوســلطان , )1/64( ,و انظــر :القــانون الــدويل العــام ,
للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )367
( )2انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )46
( )3انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )546
( )4انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )47
اخلارجي هي مثال على القاعدة العرفية اليت نشأت خالل فرتة وجيزة من الوقت " .
وكما قال باكستري " :عنصر الزمن كعامل مستقل يف تكوين العرف الدويل يبدو اآلن
غري ذي قيمة ,وأضاف بأن القاعدة العرفية اجلديدة سوف تنشأ مبجرد حصوهلا على
( )1
النسبة الالزمة من القبول " .
ويرجع التخفيف من شرط املدة إىل املتغريات اليت حدثت يف العالقات الدولية ,وإىل
السرعة املتزايدة للتفاعل بني الدول ,فعلى سبيل املثال كانت املدة الالزمة إلنشاء قاعدة
للسلوك الدويل وملعرفة موقف الدول منها بشأن حق املرور الربيء يف املياه اإلقليمية
141
كانت مدة أطول يف املاضي عما هو مطلوب يف الوقت احلاضر ,حيث كان مير خالل
املياه اإلقليمية يف املاضي قارب واحد تقريبًا كل أسبوع ,واألمر ازداد خالل ذلك يف
الوقت احلاضر حيث متر مئات أو حىت ألوف القوارب كل يوم ,فيمكن أن تنشأ القاعدة
القانونية العرفية اجلديدة املؤسسة على ممارسة الدول بسرعة شديدة إذا حدثت ظروف
( )2
جديدة تستدعي بشكل ملح وضع تنظيم قانوين هلا .
والواقع الدويل يؤكد ذلك بالفعل .فهناك قواعد عرفية عديدة ظهرت خالل سنوات قليلة
جملرد إحساس الدول بأمهيتها .فكرة االمتداد القاري مثًال ظهرت ألول مرة يف إعالن
الرئيس األمريكي " ترومان " عام 1945م .ومت قبوهلا على وجه السرعة ,وجرى
تكريسها من خالل تطبيق الدول ,وأصبحت قاعدة عرفية على نطاق عاملي ,ومت تقنينها
يف اتفاقية جنيف لعام 1958م .
ونفس الشيء ينطبق على فكرة املنطقة االقتصادية اخلاصة ,فالفكرة طرحت عام
1972م ,وجرى تطبيقها بواسطة األغلبية العظمى من الدول من خالل تشريعات وطنية
تبني حدودها واملبادئ القانونية اليت حتكمها لدرجة انه أصبح من اجلائز القول بأن سيطرة
الدول الساحلية عليها قد اكسبتها الصفة القانونية ,وفقًا لقاعدة عرفية حىت من قبل انتهاء
أعمال مؤمتر األمم املتحدة الثالث لقانون البحار عام 1982م .ومن قبل التصديق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )547
( )2انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )48
على اتفاقية األمم املتحدة لقانون البحار املوقعة يف " مونيجو باي " جبامايكا عام 1982م
,واليت دخلت دائرة النفاذ يوم 16نوفمرب عام 1994م .
وقد حكمت حمكمة استئناف " رن " بفرنسا بتاريخ 26مارس 1979م " بأن هناك
قاعدة عرفية جديدة حلت حمل اتفاقيات جنيف لعام 1958م ,فيما يتعلق مبنطقة الصيد
وأن املنطقة اجلديدة تسمى املنطقة االقتصادية اخلالصة " .
هــذا وقــانون الفضــاء يقــدم مثــاًًال آخــر على ســرعة تكــوين العــرف الــدويل دون انتظــار ملرور
فرتة زمنية طويلة .
فحرية غزو الفضاء كانت حىت عام 1957م ,جمرد تنجيمات ولكنها تعتمد اآلن على
تطبيق ثابت وقبول عاملي ,ففي عام 1959م ,أعلنت مجعية احملامني األمريكية " بأن
142
التطبيق احلديث للدول أدى إىل االعرتاف مببدأ مقبول بصفة عامة حول حرية غزو الفضاء
" ,ومل يكن قد مضى على غزو الفضاء سوى عامني عند كتابة هذا الكالم .
ومعهد القانون الدويل يف قراره الصادر عام 1963م ,أثناء دورته بربوكسل اعرتف يف
مقدمة القرار بالقيمة القانونية ملبادئ قانون الفضاء اليت يعلنها .
ومن هنا وبعد سنوات قليلة من غزو الفضاء عام 1957م ,ظهر عرف دويل ال يشكل
الزمن أو الوقت أي عنصر فيه ,فقاعدة حرية غزو الفضاء ,واستعماله يف األغراض
السلمية استقرت من أول حلظات االكتشاف اإلنساين للفضاء ,واكتسبت وضوحًا وقوة
متزايدة ,ومنذ هذه اللحظات ويف مثل هذه الظروف واملواقف اليت جرى اختاذها من
جانب الدول ,فإن القاعدة أصبحت واضحة وحمددة وال يتوقع هلا أي تغيري يف املستقبل .
ويصبح من غري املفيد أن يتطلب األمر مرور بعض الوقت هلا أكثر مما مر من هذه
السنوات اليت مضت ,ويرتتب على ذلك بأن موقفًا معارضًا أو خمالفًا هلذه القاعدة يعد
خرقًا وانتهاكًا للقانون الدويل .
وقد عربت اجلمعية العامة لألمم املتحدة عن العنصر املعنوي هلذه القاعدة ,يف قرارها
باإلمجاع بتاريخ 13/12/1963م ,حول الفضاء اخلارجي معلنة بأن غزو الفضاء جيب
أن يكرس لألغراض السليمة وللبشرية مجعاء .
هذه القاعدة القانونية وغريها أصبحت مقننة اآلن يف املادة األوىل من معاهدة الفضاء
اخلارجي اليت حتكم أنشطة الدول يف جمال ارتياد الفضاء اخلارجي ,مبا يف ذلك القمر ,
واألجرام السماوية األخرى ,واملربمة بتاريخ 17/1/1967م ,واليت تنص على أن "
ارتياد واستعمال الفضاء اخلارجي ,مبا يف ذلك القمر واألجرام السماوية األخرى جيب
القيام به من أجل فائدة ومصاحل الدول مجيعًا ,بغض النظر عن درجة تطورها االقتصادي
أو العلمي ,وأن يكون جماًال للبشرية مجيعًا " .
ويف عام 1979م أبرمت معاهدة القمر -أي االتفاق املتعلق بأنشطة الدول يف القمر
واألجرام السماوية األخرى -واليت أوضحت وراجعت األحكام الواردة يف معاهدة
الفضاء اخلارجي لعام 1967م ,وذكرت بصفة خاصة أن معاهدة القمر تشرتط أن
143
يكون استغالل املوارد الطبيعية يف القمر واألجرام السماوية األخرى مرياثًا مشرتكًا للبشرية
,وفقًا للنظام الدويل ,وقد بدأ سريان هذه املعاهدة يف 11يوليو 1984م .
وهكذا فالعربة يف وجود الركن املادي للقاعدة العرفية هي بتكرار السوابق على حنو مطرد
ومتشابه وموحد ,أما الزمن فال أمهية له .
وبناًء عليه فإن الدولة اليت تستطيع إثبات عدد أكرب من السوابق لتدعيم موقفها يف نزاع
معني ,هي يف وضع أفضل من خصمها الذي يثبت عددًا اقل ,فالدولة اليت تثبت عشر
سوابق هي يف وضع أفضل من الدولة اليت تثبت مخسًا فقط من السوابق .
والدولة اليت تدعم موقفها خبمس من السوابق هي أفضل وال شك من خصمها الذي
يثبت ثالثًا فقط ,والدولة اليت تثبت ثالثًا هي يف مركز أقوى من الدولة اليت ال تستطيع
إثبات أية سابقة ,والدولة اليت تدعم موقفها بآراء بعض الفقهاء وأحكام احملاكم كدليل
على وجود السابقة هي يف مركز أقوى من الدولة اليت تعجز عن دعم موقفها بأي رأي
( )1
ألي فقيه أو أي حكم من احملاكم ....وهكذا دواليك .
ولقد تأثر شرط عامل الزمن بإمكانيات االتصال اليت حتسنت بشكل هائل يف عامل اليوم
فبينما كان من املعتاد يف املاضي أن يأخذ تبادل املعلومات أيامًا أو حىت أسابيع ,فإنه يف
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )550-547
الوقت احلاضر ميكن أن يتم على الفور إبالغ أي عمل أو سلوك تباشره إحدى الدول إىل
( )1
أي دولة أخرى فهذا خيتصر إىل حد كبري املدة املطلوبة إلنشاء القاعدة العرفية .
وأن مسألة إقامة الدليل على وجود السوابق قد أصبحت أسهل مما كان عليه الوضع
خالل القرن الثامن عشر والتاسع عشر ,وذلك بفضل التقدم العلمي وسهولة االتصاالت
بني الدول من جانب ,ونشر السوابق من جانب آخر األمر الذي يتيح معرفة مواقف
الدول األخرى بصدد مشكلة معينة أو قضية معينة خالل ساعات أو حىت حلظات .
إن تزايد عدد املعاهدات الثنائية واجلماعية ,وكثرة عدد املؤمترات الدولية ,ووجود
املنظمات الدولية العاملية واإلقليمية جيعل من السهل على الدول حتديد موقفها ,وكذلك
اشرتاكها يف صنع السابقة ,على عكس ما كان حيدث يف املاضي من سوابق فردية خاصة
144
بكل دولة على حده ,وهذا ما كان يتطلب وقتًا ملعرفة موقف بقية الدول من هذا
التصرف أو ذاك .
من السهل مثًال أن تتم معرفة موقف الدول مجيعًا جتاه قضية معينة من خالل التصويت
على قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة أو خالل أحد املؤمترات ,مثل مؤمتر قمة األرض
لعام 1992م ,أو مؤمتر التنمية االجتماعية لعام 1995م .
جتمع الدول يف صورة منظمات دولية أو مؤمترات دولية لنقاش مشاكل العصر هو مسة
العصر احلديث ومن خالل هذه املؤمترات نستدل بسهولة على وجود السوابق العرفية .
وق ــد ع ــرب عن ه ــذه الفك ــرة القاض ــي " تاناك ــا " يف رأي ــه املخ ــالف املرف ــق م ــع حكم حمكم ــة
العــدل الدوليــة يف قضــية جنــوب غــرب أفريقيــا عــام 1966م حيث قــال " :وفق ـًا للقــانون
ال ــدويل التقلي ــدي ك ــانت الس ــوابق العام ــة تنتج من تك ــرار أفع ــال منعزل ــة لل ــدول كاش ــفة عن
قبوهلا لبعض القواع ــد ,ه ــذا التك ــرار املنع ــزل لألفع ــال ك ــان يش ــكل وينض ــج خالل مرحل ــة
تارخييــة طويلــة ,وميكننــا القــول بــأن عمليــة تكــوين العــرف كــانت تتم بطريقــة شــبه فرديــة ,
وأضــاف " :لكن هــذه الطريقــة تغــريت اآلن مبا يناســب ظــروف احليــاة الدوليــة ,إن ظهــور
املنظمات الدولية مثل عصبة األمم واألمم املتحدة والوكاالت التابعة هلا ,قد أدى إىل
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )48
حلول الدبلوماسية الربملانية حمل النظام الفـردي للمفاوضـات الدوليـة التقليديـة ,األمـر الـذي
ترك آثاره على طريقة تكوين القانون الدويل العريف " .
فبدًال من حماولة قيام الدولة بإبالغ وجهة نظرها إىل عدد حمدود من الدول املعنية بالقضية
تستطيع ويف حلظة واحدة ومن خالل األمم املتحدة أو أي مؤمتر دويل أن تبلغ الدول مجيعًا
وأن تعرف فورًا مدى ردود أفعال هذه الدول جتاه موقفها .
يف املاضي كان السلوك والتكرار يرتبط بعملية معقدة من البطء من أجل إنشاء القاعدة
العرفية ,يف أيامنا هذه وبفضل التقدم العلمي ووسائل املواصالت ونشر املعلومات ,فإن
عملية تكوين العرف الدويل هي أكثر سهولة وأكثر سرعة ,فهي ال تتطلب زمنًا وإمنا
تتطلب تطبيقًا وقبوًال ,وهذا أثر من آثار التغريات االجتماعية اليت تلقي بظالهلا على
145
القانون " ,وقد أثار قرار الرئيس الفرنسي " جاك شرياك " الذي أصدره يوم 13يونيو
1995م ,بإعادة التجارب الذرية يف احمليط اهلادي ردود فعل غاضبة ورافضة من مجيع
()1
الدول خالل عدة ساعات فقط .
ومما جتد اإلشـ ــارة إليـ ــة أن شـ ــرط املدة مالزم لشـ ــرط التكـ ــرار ,فـ ــإذا كـ ــان إنشـ ــاء القاعـ ــدة
يتطلب تص ـ ــرفات كث ـ ــرية ,فمن املؤك ـ ــد أن ش ـ ــرط املدة مطل ـ ــوب أيض ـ ـًا ,إذا مل يكن من
احملتمل حـدوث التصـرفات الكثـرية يف وقت واحـد ,وعلى العكس إذا كـان تصـرف واحـد
يكفي إلنشـاء قاعـدة عرفيـة ,فـإن شـرط املدة يصـبح ال أمهيـة لـه ,وبنـاًء عليـه فـإن كثـريًا مما
يس ــري بش ــأن تك ــرار الس ــلوك يس ــري بش ــأن مدت ــه ,وعلى األخص ف ــإن ش ــرط املدة ميكن
االستغناء عنه شأنه شأن التكرار إذا مل توجد سوابق تتعارض مع القاعدة القانونية املعنية .
وكــذلك فــإن شــرط املدة مرتبــط بقبــول القاعــدة ,فــإذا كــان قبــول القاعــدة قــد حتقــق فــور
وقوع املمارسة املنشـئة للقاعـدة فـإن شـرط املدة يصـبح ال أمهيـة لـه ويكتمـل للقاعـدة العرفيـة
عنصــراها املادي واملعنــوي بدونــه ,أمــا إذا تــراخى قبــول الــدول فإنــه يتعني مــرور مــدة معينــة
( )2
حىت يتم القبول الكايف إلنشاء القاعدة .
وإليضاح الكالم السابق ميكن تشبيه منو العرف الدويل بظهور ممر يف وسط حقل مغطى
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,لعلي ابراهيم ( ,ص. )552-551
( )2انظر :القاعدة العرفية ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )49
بالعش ــب فبع ــد ف ــرتة ابتدائي ــة -ال يتض ــح فيه ــا االجتاه املخت ــار -تب ــدأ غالبي ــة املس ــتعملني يف
إتبــاع نفس االجتاه ,ليتحــول تــدرجييًا إىل ممر يصــبح طريق ـًا يســلكه اجلميــع ,مث تــرتك أقــدام
بعضـ ــهم نظ ـ ـرًا لثقلهم آثـ ــارًا أكـ ــثر من البعض اآلخـ ــر ,حبيث أن الـ ــدول القويـ ــة أو األكـ ــثر
مصلحة يف عرف ما ترتك بصماهتا عليه أكثر من غريها ,و إجراء سباق يف هـذا احلقـل قـد
يــؤدي إىل تكــوين الطريــق يف حلظــات وهــذا يشــبه العــرف اآلين -الــذي ال حيتــاج إىل زمن
طويــل لتكوينــه -أو أن املســتعملني القــاطنني بــالقرب من احلقــل هلم فضــل على غــريهم يف
تكوينه ملرورهم مرات عديدة يف اليوم الواحد وهذا يتمثل بــدور الــدول الشــاطئية يف تكــون
األع ــراف البحري ــة أك ــثر من غريه ــا ,وجيد الن ــاس أنفس ــهم جمربين على إتب ــاع نفس الطري ــق
رغم التوائ ــه وكون ــه أط ــول من مس ــالك أخ ــرى ,وإذا ق ــررت أقلي ــة من املس ــتعملني انته ــاج
146
جمرى آخــر فــوق العشــب لقصــر طولــه مثًال ,وبــدأ يتكــاثر العــدد على اجملرى اجلديــد إىل أن
يفرغ املمر القدمي لصاحل اجلديد فإن الطريق األول ينبت فيه العشب تدرجييًا إىل أن ينــدثر ,
وهي إحدى طرق انتهاء العرف الدويل باإلضافة إىل تغيريه مبعاهدات دولية أو قواعد آمــرة
( )1
.
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظــر :مبــادئ القــانون الــدويل العــام ,للــدكتور حممــد بوســلطان , )1/64( ,و انظــر :القــانون الــدويل العــام ,
للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )367
يشرتط يف العرف الدويل أن يصادف القبول من الدولة أو الدول اليت صدر يف مواجهتها ,
وأن يستمر قبول الدول له إذا تكررت ممارسته يف اجملاالت اجلديدة املماثلة للحالــة األوىل ,
( )1
فإذا مل يستمر هذا القبول ,أو إذا عدلت الدول عنه بعد ذلك زال العرف الدويل .
ويشــرتط أن يكــون تكــرار التصــرف على وجــه معني يف أمــر مــا ال يكتســب قــوة العــرف إال
على أســاس التبــادل ,فإتيــان أعمــال مماثلــة من جــانب دولــة واحــدة يف مناســبات خمتلفــة ال
ميكن أن يكـ ــون عرف ـ ـًا ( , )2بـ ــل وال ميكن أن يقيـ ــد ذات الدولـ ــة الـ ــيت صـ ــدرت منهـ ــا هـ ــذه
األعمــال طاملا أن الــدول األخــرى مل تســلك نفس املســلك يف املناســبات املماثلــة ومل يصــدر
147
منها ما دل على اعتبارها أن التصرف على هذا النحو مبثابة إجراء قــانوين واجب االتبــاع .
( )3
هذا ويرى بعض الشـراح أن شـرط التبـادل الالزم لثبـوت القاعـدة العرفيـة يسـتتبع عـدم تقيـد
الــدول املتمدينــة يف عالقتهــا بــالبالد غــري املتمدينــة والشــعوب البدائيــة بالقواعــد العرفيــة الــيت
نشـأت بني تلـك الـدول على اعتبـار أن هـذه البالد والشـعوب ,وهي خـارج حميــط اجلماعـة
الدولية ,مل تساهم يف تكوين هذه القواعد ومل تقرها إقرارًا حقًا .
على أن هذا الـرأي على إطالقـه ال خيلـو من املغـاالة ؛ ألن الكثـري من القواعـد العرفيـة الثابتـة
مرجعهـا فكـرة العدالـة واعتبـارات إنسـانية ,وقصـر تطبيقهـا على الـدول املتمدينـة فيمـا بينهـا
قــد يكــون فيــه كثــري من التعصــب والتعس ـف ؛ ألن مبــادئ العدالــة واإلنســانية ليســت وقف ـًا
على ه ــذه ال ــدول وإمنا هي للجنس البش ــري عام ــة ,وعلى ال ــدول املتمدين ــة أن تب ــدأ مبراع ــاة
( )4
هذه القواعد وأال حتيد عنها إال إذا مل جتد هلا صدى عند تلك الشعوب واجلماعات .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حامد سلطان ,والدكتورة عائشة راتب ,والدكتور صالح الدين عامر
( ,ص. )50
( )2حيث يعترب عادة دولية فردية ,وقد سبق احلديث عنها يف (ص. )65
( )3انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور علي صادق أبو هيف ( ,ص. )24
( )4انظر :املصدر السابق ( ,ص. )26
148
ه ــذا الش ــأن س ــلوكًا عام ـًا ؛ ألن ه ــاتني ال ــدولتني مها وح ــدمها اللت ــان ميكنهم ــا مباش ــرة ه ــذا
( )2
السلوك واختاذ القرارات املتعلقة بشأنه .
والعموميــة كمــا أســلفت ال تقتضــي مشــاركة مجيــع الــدول رغم أنــه كلمــا زاد العــدد متكنت
احملكمــة من االقتنــاع بتــواتر املمارســة ,لكن ال تكفي ممارســة الــدول الغــري معنيــة باملوضــوع
مهم ــا ك ــثر ع ــددها ,ف ــدور ال ــدول احلبيس ــة عن البح ــر يف تك ــوين األع ــراف البحري ــة ض ــئيل
مقارنــة بأعمــال الــدول البحريــة الكــربى ,وقــد ركــزت على ذلــك حمكمــة العــدل الدوليــة يف
قض ـ ــية االمت ـ ــداد الق ـ ــاري لبح ـ ــر الش ـ ــمال ع ـ ــام 1969م ,حيث أك ـ ــدت على أن املهم يف
( )3
املشاركة أن حتتوي على أكثر الدول اهتمامًا باملوضوع .
هذا و لكي يكتمل العرف الدويل فالبد أن يكون التصرف املنشئ له قد سلكته دول
عديدة ,مبعىن أن التصرف الصادر عن دولة واحدة مهما تكرر ومهما طال األمد الذي
اســتغرقه ال يكفي إلنشــاء هــذا العــرف ( , )4وال يقيــد تلــك الدولــة الصــادر عنهــا الســلوك ,
ـــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لشارل روسو ( ,ص. )83
( )2انظر :القاعدة العرفية ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )51
( )3انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد بوسلطان . )1/63( ,
( )4ألن هذا التصرف يصبح عادة فردية وليس عرفًا راجع ( ,ص. )65
وإذا كانت العمومية ال تقتضي مشاركة مجيع الدول فكم عدد الدول اليت جيب أن متارس
السلوك أو السابقة حىت يقال بأن القاعدة قد اكتسبت صفة العمومية والشيوع؟
" من الصعب وضع قاعدة دقيقة حتدد عدد الدول اليت يلزم اشرتاكها يف ممارسة ما قبل
نشوء القاعدة العرفية الدولية ,وال يشمل االشرتاك أفعال الدول فحسب ,بل يشمل
أيضًا ردود أفعال الدول األخرى اليت تتأثر مصاحلها ,حىت ولو كان التصرف الصادر عن
إحدى الدول ميكن أن يؤثر فقط على مصاحل دولة واحدة أو دولتني من الدول األخرى .
وتثار يف هذا الصدد مسألة ما إذا كان من املمكن أن ُتنشئ ممارسة عدد قليل من الدول
العرف الدويل ,أم أنه يشرتط أن تكون املمارسة قد صدرت عن عدد كبري من الدول " .
( )2
149
إن الرأي الراجح يأخذ فقط بالسلوك الذي تتوافر له درجة من العمومية والشيوع تكفي
للتعبري عن االجتاه العام وليس العاملي .
إن العرف الدويل العام ينفذ ويسري يف مواجهة مجيع الدول حىت ولو أن أي سابقة أو
تصرف مل تصدر عن البعض منهم أو تثبت يف جانبهم ؛ ألن ظروف الدول خمتلفة
ومسامهتها يف العالقات الدولية خمتلفة ودورها أيضًا خمتلف .
وعلى الرغم من أن بعض الدول اجلديدة تشرتط اإلمجاع من أجل سريان القواعد العرفية
العامة ,إال أن االجتاه الغالب هو أن القاعدة العرفية العامة توجد من اللحظة اليت يتوفر
فيها قبول عام ,ويقول شارك شومون يف هذا الصدد " :إن امتداد القواعد العرفية إىل
الدول اجلديدة معترب بصفة عامة من جانب القانون الوضعي كسمة أساسية يف تعريف
العرف الدويل " .
ويقول شارل رسو " :فيما يتعلق بدرجة العمومية املطلوبة يف السلوك ،فالفقه يستبعد
عادة شرط اإلمجاع وال يتمسك إال بقبول الدول اليت توجد يف وضع قادرة منه على
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القاعدة العرفية ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )50
( )2القاعدة العرفية ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )51
150
وقد عرب عن فكرة األغلبية املعربة القاضي "مانفريد الكس" يف رأيه املخالف يف قضية
االمتداد القاري لبحر الشمال وهو بصدد حساب وإحصاء عدد الدول املشرتكة يف إنشاء
القاعدة العرفية اجلديدة ،فقال " :إن هذا احلساب واإلحصاء الرياضي مهما كان مهمًا يف
حد ذاته ،إال أنه جيب أن يستكمل بتحليل يأخذ يف االعتبار أمهية الدولة ودورها .
ففي عامل اليوم جيب أن يؤخذ يف احلسبان عامًال أساسيًا يف تكوين القاعدة العرفية الدولية
اجلديدة والعامة ،أي واقع الدول ذات األنظمة السياسية واالقتصادية واالجتماعية املتعددة
،دول من مجيع القارات تشرتك يف خلق القاعدة .إن الزمن قد تغري ،وإن القاعدة
العرفية ال تنشئ بإرادة دولة أو عدة دول ،وإمنا دول تعرب ومتثل مجيع األنظمة القانونية
".
فالقاضي هنا ال يشرتط عددًا حسابيًا معينًا من الدول تشرتك يف خلق القاعدة وإمنا يكفي
فقط عدد يعرب عن األنظمة السياسية املتعددة يف عامل اليوم ،وإن موقف الدول النامية أو
اجلديدة من اشرتاط اإلمجاع يف السوابق هو موقف غريب ؛ ألن اإلمجاع مستحيل ،
والدول النامية تتناقض مواقفها.
فالدول النامية تطالب باإلمجاع بالنسبة لألعراف القدمية اليت نشأت قبل استقالهلا
وترفضها أو ترفض البعض منها حبجة عدم اشرتاكها يف إنشائها ،ولكنها – أي الدول
النامية – تطالب باألغلبية فقط يف إنشاء قواعد عرفية جديدة من خالل قرارات اجلمعية
العامة لألمم املتحدة ،نظرًا ألن الدول متلك أغلبية يف ساحتها.
فالتوفيق بني املوقفني املتناقضني صعب إىل حد كبري ،السيما وأن الدول اجلديدة تدافع
عن بعض القواعد العرفية القدمية ,مثل تلك املتعلقة بالسيادة اإلقليمية واملساواة وعدم
التدخل ،على الرغم من مشاركتها يف إنشائها ,بينما تعارض البعض اآلخر من القواعد .
هذا واحلديث عن عمومية السابقة من خالل (األغلبية املعربة) ليست بدعة من صنع
الشراح ,وإمنا هناك نصوص وضعية يف القانون الدويل تدعم هذا االجتاه وال تتطلب يف
السلوك سوى القبول العام فقط وليس اإلمجاع على السابقة .
فاملادة ( )7من االتفاقية الثانية عشر املربمة يف الهاي عام 1907م ,وكذلك املادة (
/38/1ب) من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية تعترب قاعدة عرفية تلك القاعدة
151
املقبولة عامة وليست القاعدة املقبولة إمجاعيًا أو املقبولة عامليًا وعلى هذا جيري التفسري من
قبل شراح القانون الدويل .
فال العمل الدويل وال القضاء يتطلب يف إنشاء القاعدة العرفية أن تكون قد مورست
بواسطة مجيع الدول أو وافقت عليها مجيع الدول حىت تكتسب صفة العمومية والسريان
يف مواجهة اجلميع ,يكفي فقط الشيوع لدى أغلبية الدول ,فاملمارسة العامة تتحقق حىت
(
ولو مل تتبع بصورة عاملية ,هذا ما تسري عليه حمكمة العدل الدولية يف قضائها احلديث .
)1
ففي قضية اإلفريز القاري لبحر الشمال عام 1969م أصرت حمكمة العدل الدولية على
االش ــرتاك الواس ــع واملع ــرب ,وأن ه ــذه املمارس ــة مبا فيه ــا ممارس ــة ال ــدول ال ــيت تت ــأثر مص ــاحلها
بصفة خاصة جيب أن تكون شاملة وموحدة فعليًا ,إال أنـه قـد يتبـادر إىل الـذهن أن العبـارة
تع ــين أن املمارس ــة جيب أن تك ــون ش ــاملة لك ــل ال ــدول ,إال أن احلكم ال يس ــتوجب ه ــذه
النتيجــة فكلمــة شــاملة تعــين االنتشــار الواســع لكن ليســت مرادفــة لكلمــة إمجاعيــة ,كمــا أن
كلمــة موحــدة ليســت متســاوية مــع كلمــة إمجاعيــة ,إذ إن كلمــة موحــدة تتعلــق باملمارســة
املعنية وليس بعدد الدول املشرتكة يف املمارسة ,ولذلك رمبا يكون تفسريها هو أن ممارسة
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,لعلي ابراهيم ( ,ص. )557-554
الــدول املشــاركة جيب أن تكــون متطابقــة ومتماثلــة تقريبـًا بغض النظــر عن عــدد الــدول الــيت
()1
جيب أن تكون مشاركة يف هذه املمارسة .
ويف رأيها االستشاري حول إقليم ناميبيا عام 1971م أكدت احملكمة أن العرف الدويل
ذو أساس موضوعي ويسري يف مواجهة اجلميع حىت أولئك الذين مل يشرتكوا يف إنشائه
وكانت جنوب أفريقيا قد اعرتضت على قرار جملس األمن رقم ( )284؛ ألنه مل يصدر
مبوافقة الدول دائمة العضوية كلها ،ولكن احملكمة مل تعبأ هبذا االعرتاض ،وقالت " :إن
العرف جرى على أن غياب أو امتناع العضو الدائم عن التصويت ال يؤثر يف سالمة القرار
,وهذا عرف ملزم للجميع " .
ويف حكمها يف قضية األنشطة العسكرية وشبه العسكرية يف نيكاراجوا بتاريخ 18يونيو
1986م أشارت حمكمة العدل إىل سلوك عام ،مبعىن أن ال يشرتط أن يكون تطبيق
152
القواعد العرفية تامًا أو كامًال بني الدول ,وإمنا يكفي أن يكون التطبيق بشكل واسع
خارج دائرة األطراف املتنازعة حىت تتشكل القاعدة .
وقد أوضحت أيضًا أن األطراف متفقني على مضمون القانون الدويل العريف ,ولكن هذا
االتفاق ال يعفي احملكمة من البحث عن القانون الواجب التطبيق .
إن احملكمة اليت أوكلت إليها املادة ( )38من النظام األساسي تطبيق العرف الدويل كدليل
على السلوك العام واملقبول مبثابة القانون ،ال ميكنها أن تتجاهل الدور األساسي للسلوك
( )2
العام .
فاحملكمة هنا ،وبعد حوايل 16عامًا من حكمها يف قضية االمتداد القاري ال تشرتط
اإلمجاع يف السوابق املنشئة للعرف الدويل ،وإمنا تكتفي بالسلوك العام ،أي ال تتطلب
اإلمجاع يف السوابق املكونة للركن املادي يف القاعدة العرفية ،وهكذا فالعادات املرعية
والنافذة بني معظم الدول أعضاء األمم املتحدة تشكل قوانني اجلماعة الدولية يف جمموعها.
وأي دولة ال ميكنها التهرب من سلطان هذه األعراف ,وبناًء عليه فعندما تقوم حمكمة
دولية بالبحث عن القاعدة واجبة التطبيق من أجل حل نزاع ما معروض أمامها ،فهي ال
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القاعدة العرفية ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )53
( )2انظر :القانون الدويل ,لعلي ابراهيم ( ,ص. )559
تتطلب دليًال على السوابق بأن الدول املتنازعة قد اعرتفت بالقاعدة العرفية ،وإمنا تبحث
فيما إذا كانت القاعدة املثارة ذات صفة عامة أو مشرتكة ،إال إذا أثار أحد األطراف
قاعدة عرفية خاصة أو حملية فهو مطالب بإقامة الدليل عليها .
وهلذا ففي قضية بعض املصاحل األملانية يف "سيلبزيا العليا" البولندية ،فإن احملكمة الدائمة
للعدل أشارت مرات عديدة إىل القانون الدويل املشرتك وإىل القواعد املطبقة عامة يف جمال
معاملة األجانب ,وأدخلت احملكمة ضمن هذا القانون املشرتك مبدأ احرتام احلقوق
املكتسبة .
وهبذا تكون احملكمة قد قطعت الصلة متامًا مع املدرسة اإلرادية اليت ترى أن العرف عبارة
عن اتفاق ضمين .
153
حمكمة العدل احلالية يف القضايا السالفة الذكر حتولت إىل املدرسة املوضوعية اليت ترى أن
العرف عبارة عن ضرورة تفرضها الظروف االجتماعية يف العالقات الدولية ،وبالتايل
ليس هناك ضرورة الشرتاط اإلمجاع يف السابقة أو السلوك وإمنا يكفي سلوكًا عامًا
وشائعًا ومعربًا عن حاجة اجلماعة الدولية حىت ينشأ العرف ويصبح نافذًا يف مواجهة
( )1
اجلميع .
والواقــع أن كــل هــذه اآلراء الــيت تشــددت يف شــرط العموميــة كقاعــدة قــد جانيهــا الصــواب
ألن اآلراء القضائية اليت تتطلب ممارسة من قبـل عـدد كبـري من الـدول قـد مت التعبـري عنهـا يف
القضـايا الـيت تعارضـت فيهـا املمارسـة ,وهـذا جيعلهـا غـري صـاحلة للقضـايا الـيت ختلـو من هـذا
التع ــارض ,فاملمارس ــة ال ــيت يتبعه ــا ع ــدد قلي ــل من ال ــدول ميكن أن تنش ــئ إح ــدى القواع ــد
العرفيــة إذا كــانت ال توجــد ممارســة تتعــارض مــع القاعــدة ,مث إن األمــر يتعلــق مبدى احلاجــة
إىل س ــرعة وض ــع القاع ــدة ,وق ــد يتحق ــق ذل ــك بس ــلوك دول ــتني فق ــط كم ــا ه ــو احلال يف
األنشطة الفضائية -حسبما مت ذكره – ما دام هذا السلوك قــد قبلتــه الــدول األخـرى مث إن
عدد دول العامل اآلن أكثر بكثــري مما كــان يف القــرن التاســع عشـر والنصــف األول من القــرن
العشرين ,والكثري منها حصل على استقالله يف بداية النصف الثاين من القرن احلايل ,
ـــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,لعلي ابراهيم ( ,ص. )560
وبنــاء عليــه فــإن هــذه الــدول اجلديــدة مل تشــرتك يف إرســاء الكثــري من القواعــد العرفيــة الــيت مت
إنشــاؤها قبــل اســتقالهلا أو على األقــل ليســت ممارســتها بشــأن هــذه القواعــد منشــورة ,وإن
طلب صدور املمارسة من نسبة عالية من الدول معناه تعـذر إنشـاء القواعـد العرفيـة اجلديـدة
( )1
.
154
الشرط اخلامس :عدم خمالفة العرف الدويل
لآلداب وقواعد األخالق واالتفاقيات العامة
يشرتط عدم خمالفة العرف الدويل ألي قاعدة من قواعد اآلداب العامة أو قواعد األخالق
( )2
الدولية .
فإذا جرى عرف الدول على أمر من األمور اليت تتناىف مع اآلداب واألخالق وحنو ذلك ,
فإنه ال ينشئ عنه عرف ملزم قانونًا .
ومثال ذلك ما لو جرى العرف بني الدول على جواز تعذيب أسرى احلرب ,فإنه يعد
عرف دويل باطل ملخالفته قواعد األخالق ,وكذلك خمالفته االتفاقيات الناصة على
حقوق األسرى .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القاعدة العرفية ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )55
( )2انظر :البعد األخالقي لقانون العالقات الدولية ,للدكتور مسري عبد املنعم ( ,ص. )402
المطلب الثاني
شروط العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي
155
ويشتمل على الشروط اآلتية :
يشــرتط يف العــرف الــدويل أن يكــون مطــردًا أو غالبـًا ,قــال ابن جنيم ( " : )1إمنا تعتــرب العــادة
( )2
إذا اطردت أو غلبت " .
أي ال بد أن يكـون العـرف مطـردًا جيري عليـه األمـر يف مجيـع احلوادث ,أو أن يكـون غالبـًا
جيري علي ــه األم ــر يف أكثره ــا ,حبيث ال يتم التخل ــف إال يف القلي ــل ,ألن الع ــربة بالغ ــالب
الش ــائع ال بالقلي ــل الن ــادر )3( .ق ــال الش ــاطيب ( " : )4وإذا ك ــانت العوائ ــد معت ــربة ش ــرعًا فال
( )5
يقدح يف اعتبارها اخنرامها ما بقيت عادة يف اجلملة " .
156
أما إذا اضطرب العرف فال يؤخذ به قـال السـيوطي ( " : )6إمنا تعتـرب العـادة إذا اطــردت فـإن
( )7
اضطربت فال " .
وبنـاًء عليـه فال عـربة بـالعرف الـدويل املشـرتك ( , )8للتعـارض بني عمـل الـدول بـه وتركهـا لـه
ـــــــــــــــــــــــ
( )1هـو زين الـدين بن إبـراهيم بن حممـد املشـهور بـابن جنيم املصـري ,من الفقهـاء األحنـاف املشـتهرين بعلم القواعـد
الفقهية ,ولد سنة 926هـ وله :البحر الرائق ,واألشـباه والنظـائر ,تـويف سـنة . 970انظـر :األعالم ,للـزركلي ,
(. )3/104
( )2األشباه والنظائر البن جنيم ( ,ص. )94
( )3مادة 42من جملة االحكام العدلية .
( )4هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرنـاطي املالكي املعــروف بالشـاطيب ,فقيـه أصـويل نشـأ يف
غرناطــه ,وأخــذ العلم عن كبــار علمائهــا ,ولــه املوافقــات ,واالعتصــام واالتفــاق يف علم االشــتقاق .انظــر األعالم ,
للزركلي . )1/71( ,
( )5املوافقات ,للشاطيب , )2/288( ,الناشر :دار املعرفة يف بريوت .
( )6هو عبد الـرمحن بن أيب بكـر اخلضـريي السـيوطي الشـافعي ,ولـد عـام 849ه ـ ,نشـأ يتيمـًا ,حيث مـات والـده
وعمــره مخس ســنني ,وانعــزل عن النــاس عنــد ســن األربعني ,وانقطــع للتــأليف ,فــاخرج أكــثر من 600مصــنف .
تــويف ســنة 911هـ ـ ولــه من املؤلفــات :األشــباه والنظــائر واجلامع الصــغري وفتح القــريب وطبقــات املفســرين .انظــر :
األعالم ,للزركلي . )4/71( ,
( )7األشباه والنظائر ,للسيوطي ( ,ص , )92الناشر :دار الكتب العلمية يف بريوت .
( )8وهو الذي يكون العمل به والرتك له على حد سواء من قبل الدول مجيعها حبيث مل يطرد ومل يكن غالبًا .
وميكن أن ميثــل لــه بوجــود عــرف يقضــي بــأن الســيارت الــيت تعطيهــا الدولــة لســفراء الــدول
األخ ــرى تك ــون على س ــبيل اإلع ــارة ,ولكن ــه يع ــارض بع ــرف آخ ــر يقض ــي ب ــأن ذل ــك على
سبيل التمليك ,فإنه حينئـذ ال يعمـل بـالعرف ؛ ألنـه عـرف دويل مشـرتك ,إذ كـون العطيـة
على ســبيل اإلعــارة عبــارة عن عــرف دويل مشــرتك تســاوى فيــه الــرتك والعمــل ,وبالتــايل ال
تبىن عليه األحكام .
وإمنا مل يؤخ ــذ ب ــالعرف ال ــدويل املش ــرتك ؛ ألن ــه ملا ك ــان مش ــرتكًا ص ــار متعارض ـًا ,فالعم ــل
( )1
بأحدمها ترجيح بال مرجح .
والغلبة واالطراد إمنا تعتربان إذا وجدا عند أهل العرف الدويل ( , )2أما الشهرة يف كتب
( )3
الفقه والقانون الدويل فال عربة هبا .
157
وهنــاك من يقصــد بــاالطراد أن يكــون العــرف الــدويل شــائعًا مستفيضـًا بني مجيــع األشــخاص
الدوليني ,ويعلل ذلك بأن الفقهاء ينصون على أن مقصودهم باالطراد هو أن يكون شائعًا
مستفيض ـ ـًا يعرفـ ــه مجيـ ــع النـ ــاس أو أص ــحاب املس ــلك أو الطائفـ ــة املعينـ ــة ( , )4وال ش ــك أن
األش ــخاص ال ــدوليون ميكن اعتب ــارهم أص ــحاب طائف ــة معين ــة ,فكم ــا أن الع ــرف التج ــاري
يشرتط له اطراده بني التجار ,يشرتط هنا للعرف الدويل أن يطرد بني األشخاص الــدوليني
,وبالتايل يكون املقصـود بالغلبـة هـو أن يكـون العـرف الـدويل معروفـًا لـدى أغلبهم .وهـذا
التفس ــري ملع ــىن االطـ ــراد والغلب ــة ميكن أن يق ــرتب من وص ــف العم ــوم ل ــدى الش ــراح ال ــذي
اشرتطوه يف العرف الدويل ,بينما املعىن األول لالطراد والغلبة يقــارب شــرط التكــرار الــذي
اشرتطه هؤالء الشراح يف هذا العرف .
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :نشر العرف ,البن عابدين . )2/134( ,
( )2وهم األشخاص الدوليون .
( )3انظر :العرف والعادة يف رأي الفقهاء ,ألمحد فهمي أبوسنة ( ,ص. )56
( )4انظر :قاعدة العادة حمكمة ,للشيخ يعقوب الباحسني ( ,ص. )63
الشـ ـ ـ ـ ــرط الثـ ـ ـ ـ ــاين :أال يعـ ـ ـ ـ ــارض اتفاقيـ ـ ـ ـ ــة من
االتفاقيات
يشــرتط الفقــه اإلســالمي أال يكــون العــرف الــدويل معارضـًا التفاقيــة من االتفاقيــات املعقــودة
بني الدول ,فمثًال لو كان العرف الدويل يسمح بتفتيش سفينة أجنبية راسية يف ميناء دولة
158
مس ــلمة ,لكن وج ــدت معاه ــدة تقض ــي مبن ــع ذل ــك ومت االتف ــاق عليه ــا بني الط ــرفني فإن ــه ال
يعمل بالعرف الدويل يف هذه احلالة ,لكون داللة العرف أضعف من داللة العقــد واالتفــاق
.
يقول العز بن عبد السالم ( " : )1كل ما يثبت بالعرف إذا صرح املتعاقدان خبالفــه مبا يوافــق
( )2
مقصود العقد صح " .
( )3
والقاعدة الفقهية تقول " :ال عربة بالداللة يف مقابل التصريح " .
ـــــــــــــــــــــــ
( )1هو عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم بن أيب القاسم بن احلسن السلمي الدمشقي ,ولــد ســنة 577ه ـ ,وهــو
إم ــام فقي ــه جمته ــد ,ول ــد ونش ــأ يف دمش ــق ,وارحتل إىل بغ ــداد س ــنة 599هـ ـ ,وق ــد لقب بس ــلطان العلم ــاء ,ول ــه من
املؤلفات :قواعد األحكام يف إصالح األنام ,وترغيب أهل اإلسـالم يف السـكن بالشـام ,والتفسـري الكبـري ,وأحكـام
اجلهاد وفضائله .تويف سنة 660هـ يف القاهرة .انظر :األعالم ,للزركلي . )4/144( ,
( )2انظر :قواعد األحكام ,للعز بن عبد السالم , )2/158( ,الناشر :دار املعرفة يف بريوت .
( )3مادة , 13جملة األحكام العدلية .
159
يشرتط الفقه أن يكون العـرف الـدويل موجـودًا وقت إنشـاء التصـرف الـذي حيمـل عليـه " ,
( )1
بأن يكون حدوث العرف سابقًا على وقت التصرف ,مث يستمر إىل زمانه فيقارنه " .
فكما لو مت حتكيم العرف الدويل يف اعتبار التصديق على املعاهدة كافيًا ,مث طرأ عرف ال
يعترب التصديق كافيًا فال ينسحب العرف الطارئ على السابق لذا قالوا " ال عربة بالعرف
( )2
الطارئ " .
يقول الشاطيب ( " : )3إن العوائد ختتلف باختالف األعصار واألمصار واألحوال وغري ذلك
من األمور اليت تتغري من زمن إىل زمن وبلد إىل آخر ,ولذا فإهنا ال يقضى هبا البتة على
من تقدم حىت يقوم دليل على موافقة العرف اجلاري اليوم ملا سبقه فيكون الدليل هو الذي
جعلنا نقضي به على املاضي ال مبجرد العادة وكذلك يف املستقبل ال حيكم فيه بالعادة
املاضية أو العرف السابق ؛ ألهنا غري مستقرة يف ذاهتا وحيث كانت غري مستقرة ال يتأتى
( )4
احلكم هبا إال على التصرف احلادث وقت قيامها " .
ولذا يقول السيوطي ( " : )5والعرف الذي حتمل عليه األلفاظ إمنا هو املقارن السابق دون
( )6
املتأخر " .
ــــــــــــــــــــــ
( )1العرف والعادة يف رأي الفقهاء ألمحد فهمي أبوسنة ( ,ص. )65
( )2األشباه والنظائر ,البن جنيم ( ,ص. )101
( )3سبقت ترمجته يف (ص. )155
( )4املوافقات ,للشاطيب . )2/297( ,
( )5سبقت ترمجته يف (ص. )155
( )6األشباه والنظائر ,للسيوطي ( ,ص. )96
160
بني الدول فإنه عرف دويل باطل ملخالفته نصًا من الكتاب وهو قوله تعاىل { :يا أيها
الذين آمنوا أوفوا بالعقود } ( . )1ومثال خمالفة العرف الدويل للسنة ما لو وجد عرف
دويل يقضي بوجوب وضع اخلمر على موائد املؤمترات املنعقدة حبضور رؤساء الدول ,
فإنه عرف دويل باطل خمالف لنص من نصوص التشريع وهو هنيه صلى اهلل عليه وسلم عن
( )2
اجللوس على موائد تدار عليها اخلمور .
ومرد اشرتاط عدم خمالفة العرف الدويل لنصوص الشريعة إضافة إىل ما سبق هو أن نص
الشارع مقدم على العرف وأن الشريعة جاءت إلخضاع املكلفني ألحكامها ال أن ختضع
هي ألعرافهم ,قال تعاىل { :ولو اتبع احلق أهواءهم لفسدت السموات واألرض ومن
( )3
فيهن } .
وألنه ال يرجع إىل العرف إال بعد عدم وجود النص ؛ ألن النص أقوى من العرف ,وال
جيوز الرجوع إىل الضعيف مع وجود الدليل القوي ,وإال كان ترجيح الدليل الضعيف
على دليل قوي وهذا ال جيوز ( . )4يقول السرخسي ( " : )5كل عرف ورد النص خبالفه
ــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة املائدة ,اآلية رقم . )1( :
( )2أخرجه الدرامي يف سننه , )2/153( ,والبيهقي يف السنن الكربى . )7/266( ,وأمحد يف مسنده ( ,
, )1/20وصححه احلاكم يف مستدركه , )4/320( ,وقال عنه الرتمذي " :هذا حديث حسن غريب " ( ,
. )5/113
( )3سورة املؤمنون ,اآلية رقم . )71( :
( )4مبادئ الفقه اإلسالمي ,للدكتور يوسف قاسم ( ,ص , )209و انظر :املدخل إىل الفقه اإلسالمي ,
للدكتور عبد العزيز اخلياط ( ,ص , )70وانظر أصول الفقه اإلسالمي ,للدكتور بدران أبو العينني بدران ( ,ص
. )230
( )5سبقت ترمجته يف (ص. )53
فهو غري معترب " .
( )1
أما إذا مل خيالف العرف الدويل أدلة الشرع فهو معترب ,سواء أكانت بينهما معارضة أم ال
,فالثاين كتعارف الناس كثريًا من العادات واخلطط السياسية اليت تتطلبها حاجاهتم وتدفع
( )2
إليها ضرورة التدبري واإلصالح .
واألول أن يعـ ــارض العـ ــرف الـ ــدويل النص يف بعض أفـ ــراده ,فإنـ ــه يعمـ ــل بـ ــالعرف الـ ــدويل
والنص الشرعي معًا ,ويكون العرف الدويل خمصصًا هلذا النص الشرعي ال مبطًال له .
161
" وختصيص النص بالعرف حمل اتفاق " .
()3
أال ترى أن النيب صلى اهلل عليه وسلم خصص النص العام بالعرف الدويل حينما قال
لرسويل مسيلمة الكذاب ( ( : )4لوال أن الرسل ال تقتل لضربت أعناقكما ) ( )5مع قوله
تعاىل { :فاقتلوا املشركني حيث وجدمتوهم } )6( .وقوله تعاىل { :واقتلوهم حيث
( )7
ثقفتموهم } .
ـــــــــــــــــــــ
( )1املبسوط ,للسرخسي . )12/196( ,
( )2انظر :العرف والعادة يف رأي الفقهاء ,ألمحد فهمي أبو سنة ( ,ص. )63
( )3العرف يف الفقه اإلسالمي ,لعمر عبد العزيز ( ,ص. )10
( )4ستأيت ترمجته يف (ص. )213
( )5سبق خترجيه يف (ص. )53
( )6سورة التوبة ,اآلية رقم . )5( :
( )7سورة البقرة ,اآلية رقم . )91( :
الفصل الثاني
أقسام العرف وخصائصه وتدوينه
162
ويشتمل على املباحث اآلتية :
المبحث األول
أقسام العرف الدويل
المطلب األول
أقسام العرف الدويل يف القانون الدويل العام
164
الفرع األول :تقسيم العرف الدويل من حيث العموم
واخلصوص إىل عرف دويل عام وعرف دويل خاص
الفرع الثاين :تقسيم العرف الدويل من حيث جواز
االتفاق على خالفه إىل عرف دويل آمر و عرف دويل
مكمل
الفرع الثالث :تقسيم العرف الدويل من حيث اإلجياب
والسلب إىل عرف دويل إجيايب وعرف دويل سليب
الفرع األول
تقسيم العرف الدويل من حيث العموم
واخلصوص إىل عرف دويل عام وعرف دويل
خاص
-1العرف الدويل العام :
165
العرف الدويل العام عبارة عن العرف الساري يف مواجهة أشخاص القانون الــدويل مجيعـًا ,
( )1
وحيكم سلوكهم يف جمال معني مثل قاعدة حرية املالحة يف أعايل البحار .
هذا ومل تشر املادة 38من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية إال إىل األعراف العامــة ,
ولكن املادة ال تشـ ــرتط أن تصـ ــدر السـ ــابقة املنشـ ــئة للعـ ــرف عن مجيـ ــع الـ ــدول ,وكـ ــل مـ ــا
تشرتطه يف السابقة أن تكون عامة ,ومعىن ذلك أنه ال يشرتط لنشأة العــرف الــدويل اعتيــاد
كافة أعضــاء اجملتمـع الــدويل على ســلوك معني وإمنا يكفي أن يتم ذلــك من جـانب عــدد من
الــدول ,مــع عــدم اســتنكاره أو االعــرتاض عليــه من بــاقي الــدول ,ولــو كــان اإلمجاع شــرطًا
لنش ــوء الع ــرف ملا أمكن نش ــوء أي ع ــرف أصـ ـًال ,وملا ك ــان الع ــرف مص ــدرًا من مص ــادر
الق ــانون ال ــدويل .ويف قض ــية اجلرف الق ــاري أش ــارت حمكمــة الع ــدل الدولي ــة إىل أن ــه ُيكتفى
لنشــأة قاعــدة عامــة من قواعــد القــانون الــدويل مبســامهة واســعة وممثلــة من قبــل الــدول شــريطة
أن يكون من بينها الدول املعنية بشكل خاص .
وال يلزم حد أدىن من الدول لنشأة العرف ,وإمنا يعتمد األمر على ظروف كل حالة على
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )589
حــدة ,فقــد نشــأ العــرف العــاملي يف القــرن التاســع عشــر أساسـًا على يــد الــدول األوروبيــة ,
ونشأت قاعدة حرية أعـايل البحـار على يـد الـدول البحريـة األساسـية وبـدون أي إسـهام من
ج ــانب ال ــدول ال ــيت ال متتل ــك س ــاحًال حبري ـًا أو أس ــطوًال حبري ـًا خاص ـًا هبا ولكنه ــا أص ــبحت
مقبولة تدرجييًا من جمموع الـدول ,ولعبت قلـة من الـدول الصـناعية وعلى رأسـها الواليـات
املتحــدة وروســيا دورًا حامسًا يف ظهــور القــانون العــريف اخلاص بالفضــاء اخلارجي ,كمــا أن
فكــرة املنطقــة االقتصــادية اخلالصــة وحتديــد اتســاعها مبائيت ميــل حبري اســتقرت أوًال كعــرف
من إنشــاء دول العــامل الثــالث قبــل أن تقنن يف اتفاقيــة األمم املتحــدة لقــانون البحــار يف عــام
1982م .
والواق ــع أن اش ــرتاط مش ــاركة ال ــدول املعني ــة بش ــكل خ ــاص لنش ــأة الع ــرف الع ــام ليس هبذه
الس ــهولة ذل ــك أن التقي ــد حبرفي ــة ه ــذا الش ــرط يق ــود إىل التش ــكيك بوج ــود ع ــرف ع ــام دون
مشاركة الواليات املتحدة وروسـيا يف إنشـائه ,كمـا أنـه يقـود إىل التشـكيك بوجـود قاعـدة
166
عرفي ــة عام ــة حتظ ــر إج ــراء التج ــارب النووي ــة يف الفض ــاء اخلارجي ,وذل ــك ألن ع ــددًا من
( )1
الدول النووية مثل فرنسا والصني وغريها مل تساهم يف نشأة تلك القاعدة .
ومن اجلدير بالذكر أن اشرتاط الشراح للعمومية يف العرف الدويل ,ال يقصد بــه أن يكــون
عام ـًا بني مجيــع الــدول أو أغلبهــا فقــط – وهــو مــا يعــرف بــالعرف الــدويل العــام -وإمنا قــد
يكــون عام ـًا بني جمموعــة من الدولــة تربطهــا رابطــة معينــة -وهومــا يعــرف بــالعرف الــدويل
اخلاص -إذ إن ش ــرط العمومي ــة جيب ت ــوفره يف الع ــرف ال ــدويل الع ــام واخلاص على ح ــد
سواء .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص . )368وانظر :القاعدة العرفية يف القانون
الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )91
167
حمكمة العدل الدولية قرارًا بوجود أعراف إقليمية يقتصر تطبيقها على عدد حمدود من
( )3
الدول ,وذلك ماحصل يف قضية اللجوء ( )2وحنوها .
وهذا العرف اخلاص ال يعزى إىل أن عدد أشخاص القانون الدويل املسامهني يف إنشائه
كان حمدودًا ,بل يرجع يف الواقع إىل أن موضوع العالقات اليت حيكمها هذا العرف
الدويل هي من قبيل العالقات اخلاصة هبذا الفريق من أشخاص القانون الدويل العام .
وذلك كما لو جرت دولة على معاملة رعايا دولة أخرى معاملة خاصة والتزمت الدولة
اليت ينتمي إليها هؤالء الرعايا بنفس السلوك يف معاملة رعايا الدولة األوىل دون غريهم ,
فإننا نكون بصدد قاعدة عرفية خاصة قاصرة على حكم العالقة بني هاتني الدولتني فقط
( )4
بصدد النظام القانوين لرعايا كل منهما ,املوجودين على إقليم الدولة األخرى .
وال بــد من التفريــق بني العــرف اخلاص والعــرف اإلقليمي فــاألول هــو الــذي يطبــق يف مجاعــة
من الدول فقط دون غريها ,بصرف النظر عن املوقع اجلغرايف هلذه الدول مثل األعراف
ـــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )590
( )2قد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص. )126
( )3انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )369
( )4انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ( ,ص. )131
اليت جتري بني الدول اإلسالمية ,وأما الثاين فإمنا يكـون تطبيقـه بني مجاعـة معينـة من الـدول
ذات نطاق جغرايف واحد مثل األعراف اليت تنشأ بني دول جملس التعاون .
وبنــاًء على ذلــك فإنــه ميكن القــول أن كــل عــرف خــاص عــرف إقليمي ,وليس كــل عــريف
إقليمي عــرف خــاص ,فــالعرف اخلاص يشــمل األعــراف اإلقليميــة وكافــة األعــراف الدوليــة
األخـرى الـيت متارسـها جمموعـة حمدودة من الـدول أيـًا كـانت الصـالت اجلامعـة بينهـا ,سـواء
كــانت صـالت سياســية كــاألعراف الدوليــة اخلاصـة بــدول عــدم االحنيــاز ,أو صـالت عرقيــة
كــاألعراف الدوليــة اخلاصــة بالــدول العربيــة ,أو صــالت تارخييــة كــاألعراف الدوليــة اخلاصــة
مبجموعــة الــدول الــيت كــانت تابعــة للتــاج الربيطــاين ,أو صــالت دينيــة كــاألعراف الدوليــة
اخلاصة بالدول اإلسالمية .
168
وال يوجد ما مينع من وجود أعرف خاصة بأي عدد من الدول مهما كان قليًال ,
فمحكمة العدل الدولية قد قبلت بإمكانية وجود أعراف حملية أو خاصة قاصرة على
العالقة بني دولتني فقط ,ففي قضية حق املرور يف األراضي اهلندية بني الربتغال واهلند
ذهبت احملكمة خالفًا لوجهة النظر اهلندية إىل أنه ليس هناك ما مينع من نشأة عرف ثنائي
,وخلصت إىل وجود عرف حملي يلزم الدولتني خبصوص عبور األشخاص العاديني
( )1
واملوظفني املدنيني الربتغاليني إىل مستعمرة غاوا .
وقد كان النزاع يدور حول مدى حق الربتغال يف املرور عرب األراضي اهلندية وصوًال إىل
إحدى مستعمراهتا اليت حتيط هبا أراضي اهلند من كل جانب .
على مستوى العرف ،قالت الربتغال " :إن هناك عرفًا خاصًا قد تطور سلميًا مع الرضا
واالشرتاك النشط من قبل الدول اجملاورة املعنية سواء مع اإلمرباطورية اهلندية حىت عام
1818م وبعد ذلك مع بريطانيا حىت عام 1947م .وبعد ذلك مع اهلند منذ استقالهلا
".
أما اهلند فقد اعرتضت على فكرة العرف اخلاص ,وقالت أن العرف ال ميكن أن ينشأ من
سلوك دولتني فقط ،بل من سلوك عديد من الدول .
ــــــــــــــــــ
( )1عبارة عن جيب يف األراضي اهلندية كان خيضع لالستعمار الربتغايل لغاية عام 1960م .انظر :القانون
الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )369
ولكن احملكمة أيدت وجهة نظر الربتغال يف عبارات واضحة مقررة بأنه ليس شرطًا أن
يكون عدد الدول أكثر من اثنني حىت ينشأ العرف الدويل ,يكفي سلوك دائم ومنتظم من
دولتني إلنشاء العرف احمللي .وحسب عبارهتا " :إن احملكمة ال ترى سببًا وجيهًا يدعوها
للقول بضرورة أن يكون عدد الدول اليت ينشأ بينها عرف حملي وفقًا لسلوك دائم وطويل
أكثر من دولتني ,إن احملكمة الجتد سببًا يف عدم نشأة العرف من خالل تطبيق دائم
ومنتظم بني دولتني تطبيق مقبول بواسطتهما حلكم عالقتهما ,هذا السلوك ميكن أن حيكم
احلقوق وااللتزامات املتبادلة بني هاتني الدولتني " .
وحبثت احملكمة فعًال مدى وجود هذا العرف احمللي ,وأوضحت أن العمل الدائم واملرور
احلر لألشخاص واملوظفني املدنيني الربتغاليني ,وكذلك مرور البضائع الربتغالية بصفة
169
عامة عرب األراضي اهلندية ،والقبول باعتبار هذا السلوك قانونًا بواسطة الطرفني يؤكد
وجود حق مرور من طبيعة عرفية ،ولكن لصاحل األفراد املدنيني والبضائع املدنية فقط.
وبالعكس فإن مرور القوات العسكرية ،وكذلك األسلحة والذخائر حيتاج إىل إذن موافقة
مسبقة من السلطات اهلندية ؛ ألن العمل بني الدولتني جرى على ذلك منذ عام 1880م
.أي قبل استقالل اهلند ،وورثت اهلند هذا الوضع ,فالعرف اخلاص قاصر إذًا على مرور
( )1
األفراد املدنيني والبضائع املدنية " .
والعرف اخلاص ال يهم سوى هذا العدد احملدود ,وحمدودية العدد تعين أن القاعدة العرفية
ختاطب عددًا صغريا من الدول ،وقليًال من العالقات ,فمثًال إذا ما عاملت دولة ما رعايا
دولة أخرى معاملة خاصة ختتلف عن معاملة بقية الرعايا األجانب ،من حيث املزايا يف
اإلقامة ،والعمل ،والدخول واخلروج والتملك ,وردت الدولة األخرى بالقيام بنفس
السلوك جتاه رعايا الدولة األوىل ،فال ينتج عن هذا السلوك سوى عرف خاص حمدود
التطبيق والنطاق على العالقات بني هاتني الدولتني.
ويصدق ما مت ذكره بصدد العرف العام على العرف اخلاص أو احمللي من حيث ضرورة
تكرار السلوك وأن يكون سلوكًا موحدًا ومتطابقًا خاليًا من التناقض والتضارب
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص . )369والقانون الدويل العام ,لعلي
إبراهيم ( ,ص. )595
واالعرتاضات .
ومن املالحظ أن املادة 38من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية قد ذكرت فقط
املمارسة العامة ومل تشر إىل القواعد العرفية اخلاصة مما كان حمل انتقاد شديد لكثري من
( )1
شراح القانون الدويل .
فهذا جلو بادفيفان يذكر يف مرافعته أمام حمكمة العدل الدائمة يف قضية اختصاص اللجنة
الدولية لنهر الدانوب عام 1927م ،بأن " اختصاصات اللجنة املوجودة قبل احلرب
العاملية األوىل تنم وتكشف عن عناصر قانون عريف خاص من طبيعة ملزمة للدول اليت نشأ
بينها ،أي الدول املشرتكة يف نشاط اللجنة األوروبية للنهر املذكور" .
170
ويف دراسة أمام أكادميية القانون الدويل عام 1936م قال باديفان أيضا " :على الرغم
من الصياغة املعيبة لنص املادة ( )38من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية ،حيث إن
العرف ليس هو الدليل على السلوك ،وإمنا العكس أال وهو أن فحص السلوك والسوابق
هو الذي يثبت وجود العرف من عدمه ،فإن احملكمة جيب أن تأخذ يف االعتبار األعراف
اخلاصة أو النسبية " .
هذا وكان اإليطايل "فيدوزي" قد أعطى فتوى قانونية للحكومة الرتكية يف قضية اللوتس
( )2عام 1927م .جاء فيها " :إذا ما كانت هناك قيمة حامسة للسوابق يف هذه القضية
كما تأمل احلكومة الفرنسية فال يسعنا إال القول بوجود عرف خاص وحمدود النطاق يلزم
فقط الواليات املتحدة األمريكية وبريطانيا وفرنسا ،تلك الدول اليت امتنعت عن حماكمة
الربان املسئول عن التصادم يف أعايل البحار أمام حماكمها اجلنائية ,وهذا العرف اخلاص ال
ميكن احملاجة به يف وجه دولة أخرى مل تساهم ومل تشارك يف خلقه ،ومل تقبله بعد نشأته
بواسطة اآلخرين ,فاالمتناع عن احملاكمة ال يسري يف مواجهة تركيا ؛ ألنه سلوك خاص
( )3
يلزم أمريكا وبريطانيا وفرنسا فقط وتركيا غريبة عنه" .
وتعبري العرف اخلاص يؤخذ باملعىن الواسع هنا ,ويغطي مجيع أنواع األعراف احمللية
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )92
( )2قد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص. )73
( )3انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )592
واإلقليمية سواء وجد هذا العرف بني دولتني فقط ،كما يف قضية حق املرور ،أم بني
عدة دول ،كما يف قضية حق اللجوء ؛ ألنه يف احلالتني ميثل خروجًا على العرف العام
الذي يسري يف مواجهة مجيع الدول .
هذا وال يشرتط اإلمجاع لنشأة العرف الدويل العام ,ولكنه البد منه لنشأة األعراف
اإلقليمية واحمللية ,وهذا ما ذهبت إليه حمكمة العدل الدولية يف قضية اللجوء ,ويف قضية
()1
حقوق الرعايا األمريكيني يف املغرب .
171
ففي قضية حق اللجوء بني كولومبيا وبريو عام 1950م حبثت حمكمة العدل ما إذا كانت
احلكومة الكولومبية تستطيع تأسيس موقفها على عرف إقليمي أو عرف حملي خاص
بدول أمريكا اجلنوبية أم ال.
كانت كولومبيا قد منحت حق اللجوء يف سفارهتا يف "ليما" عاصمة بريو ،لرجل سياسي
مشهور امسه "هايادي التور" بينه وبني حكومته خالفات ,واستندت كولومبيا يف تصرفها
هذا على "القانون الدويل األمريكي" وعلى عرف إقليمي خاص بدول أمريكا اجلنوبية.
وقالت أيضا " :إن الدولة اليت متنح حق اللجوء (هي نفسها كولومبيا) هلا احلق أيضًا يف
تكييف املخالفة املنسوبة إىل الشخص املستفيد من حق اللجوء ،تكييفًا فرديًا من أجل
حتديد ما إذا كانت هناك مربرات ملنح هذا احلق " .
حبثت احملكمة هذه االدعاءات ،ولكنها وجدهتا غري كافية إلثبات وجود العرف اخلاص
املزعوم أو املدعى بوجوده من جانب كولومبيا ,وقالت يف حكمها بتاريخ 20نوفمرب
1950م " :إن الطرف الذي يثري عرفًا من هذا النوع ،جيب أن يقيم الدليل على وجوده
،وأنه تشكل هبذه الطريقة ،وأصبح ملزمًا للطرف اآلخر يف النزاع .
إن حكومة كولومبيا جيب أن تقيم الدليل على أن القاعدة اليت تدعي بوجودها مطابقة
لعمل دائم مستمر وموحد ومتناغم ،متارسه الدول املعنية هبذه القضية ,وأن هذا السلوك
يعكس تصرفًا يعود إىل الدولة املاحنة للجوء ,وأن هناك واجبًا مفروضًا على عاتق الدولة
األخرى (بريو) اليت حدثت واقعة اللجوء فوق أرضها ،يلزمها باحرتام هذه القاعدة " .
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,حملمد يوسف علوان ( ,ص. )369
فاحملكمة يف هذه القضية مل تعرتض من حيث املبدأ على وجود العرف اخلاص أو العرف
اإلقليمي بني عدة دول ,ولكنها اشرتطت على الدولة اليت تدعي بوجوده أن تثبت مثل
هذا العرف أمام احملكمة .فاحملكمة ال تبحث عن األعراف اخلاصة أو اإلقليمية من تلقاء
نفسها ,وإمنا أصحاب املصلحة جيب أن يلفتوا نظرها لذلك.
وبعد حبث الوقائع املقدمة من كولومبيا ،مل تقبل احملكمة وجود هذا العرف ؛ ألن األدلة
اليت قدمتها كولومبيا غري كافية ,وال تعكس سلوكًا دائمًا ومستمرًا ومتناسقًا ,وحسب
تعبريها " :فإن عدم اليقني أو التناقض والتضارب الذي شاب هذا السلوك من جانب دول
172
أمريكا الالتينية يف موضوع منح اللجوء الدبلوماسي لألشخاص ،مينع من استنتاج وجود
عرف دائم وموحد مقبول مبثابة قانون.
وحىت لو قيل بأن هذا العرف اإلقليمي موجود بني دول أمريكا اجلنوبية األخرى فإن هذا
العرف ال يسري يف مواجهة دولة بريو ؛ ألهنا رفضت دائمًا وجود مثل هذا العرف يف
سلوكها ومل تصدق على االتفاقيات اليت أنشأت هذا العرف أي اتفاقيات "مونتفديو" لعام
1933م وعام 1939م وهي االتفاقيات اليت احتوت على قاعدة خاصة بتكييف املخالفة
بواسطة الدولة اليت متنح حق اللجوء " .
هذا وقد استخلص بعض الشراح من موقف احملكمة أهنا تقف موقفًا معاديًا من العرف
اخلاص ،وأن القانون الدويل الذي يسعى إىل توحيد األحكام بني الدول يقف هو اآلخر
موقفًا غري ودي جتاه األعراف اخلاصة ؛ ألن احملكمة مل يسبق هلا أن طالبت طرفًا من
األطراف املتنازعة بإقامة الدليل على وجود القاعدة القانونية املدعى هبا وأن العرف اخلاص
يف تراجع مستمر.
ويف قضية حقوق الرعايا األمريكان باملغرب عام 1952م كانت إحدى املشاكل
املطروحة أمام احملكمة هي معرفة ما إذا كان القضاء القنصلي للواليات املتحدة يف املغرب
قد تأسس على عرف خاص بعيدًا عن أحكام االتفاقيات الدولية اليت ارتكز عليها هذا
القضاء خالل الفرتة السابقة على عام 1937م.
حمكمة العدل الدولية مل تعرتض من حيث املبدأ على وجود هذا العرف اخلاص ,ولكنها
كررت مالحظاهتا حول األدلة واإلثباتات املتعلقة بالقضية ,وخلصت إىل أنه يف هذه
القضية مل يقدم هلا دليل كاف يؤكد أن حق ممارسة القضاء القنصلي مؤسس على هذه
الطريقة وأنه أصبح ملزمًا للمغرب ،وقالت أيضًا :
" إن استمرار القضاء القنصلي بعد عام 1937م وهو تاريخ انتهاء املعاهدات بني أمريكا
وفرنسا املؤسس عليها هذا القضاء أصًال ,مل يكتسب الصبغة العرفية ،وأن حمتوى
املراسالت الدبلوماسية بني أمريكا وفرنسا منذ عام 1937م يؤكد أنه خالل هذه الفرتة
كان الطرفان يبحثان عن حل مؤسس على اتفاق متبادل ,وأن أي منهما مل يغري موقفه
القانوين ,ويف مثل هذه األحوال فإن استمرار القضاء القنصلي كان يبدو كما لو كان
173
حًال مؤقتًا مقبوًال ضمنيًا بواسطة سلطات املغرب يف انتظار نتيجة املفاوضات واملراسالت
( )1
,وإن فرنسا مل تقبل الوضع على أساس أنه عرف خاص" .
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )596-594
174
معارضة العرف الدويل العام للعرف الدويل اخلاص يف القانون
الدويل العام :
قد يتعارض العرف الدويل اخلاص مع العرف الدويل العام ,حبيث أنه فيما بني الدول
امللتزمة بالعرف اخلاص فإن العرف اخلاص يقدم على العرف العام ؛ ألنه مبثابة خروج
على األصل العام بني هاتني الدولتني أو العدد احملدود من الدول اليت تعرتف بالعرف
اخلاص ,وهنا تطبق القاعدة املعروفة يف املعاهدات الدولية ،وهي ( :أن اخلاص يقيد
العام) وهذا ما أكدته حمكمة العدل الدولية يف قضية حق املرور عام 1960م .
حيث جاء يف حكمها " حيثما وجدت احملكمة أن املمارسة اليت نشأت بوضوح بني
الدولتني قد قبالها باعتبارها اليت حتكم العالقات بينهما ,فإن احملكمة جيب أن تعزو لتلك
املمارسة تأثريها احلاسم بالنسبة للفصل يف حقوقهما والتزاماهتما اخلاصة ,فاملمارسة
اخلاصة جيب أن تكون هلا الغلبة والسيادة على أي قواعد عامة " .
هذا إال إذا كان العرف الدويل العام قاعدة آمرة ( )1من قواعد النظام العام الدويل فال ميكن
()2
للعرف اخلاص هنا أن يعلو عليه .
ويف العالقة بني الدول اليت تطبق العرف العام ،والدول اليت يوجد بينها عرف خاص ،
ـــــــــــــــــــــــ
( )1القاعدة اآلمرة هي كل قاعدة من قواعد القانون الدويل العام واليت تقبلها اجلماعة الدولية يف جمموعها ويعرتف
هبا باعتبارها قاعدة ال جيوز اإلخالل هبا أو االتفاق على ما خيالفها وال ميكن تعديلها إال بقاعدة الحقة من قواعد
القانون الدويل العام .انظر :املادة 53من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات .
( )2انظر :القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )96
فإن العرف العام هو الذي يسود ويطبق ،ويطرح العرف اخلاص جانبًا عند التعارض ؛
ألن العرف العام هو الذي حيكم عالقات الدول مجيعًا وهو األصل ,وليس من املعقول أن
ختضع الدول اليت تطبق العرف العام لقواعد خاصة ال عالقة هلا هبا .
وفعالية قواعد العرف الدويل العام ال حتدها حدود بالنسبة للمخاطبني هبا , .وهذا يفسر
ببساطة القيمة امللزمة للقواعد العرفية يف مواجهة مجيع الدول اليت مل تتيح هلا فرصة املسامهة
أو االشرتاك يف السلوك ،وإنشاء القواعد املذكورة .
175
مثًال قواعد القانون الدويل العرفية اخلاصة حبرية املالحة البحرية يف أعايل البحار تستفيد
منها الدول مجيعًا اليت مل تكن أصًال ذات سواحل حبرية عند نشأة القاعدة أو مل تكن متلك
أساطيل وبواخر يف حلظة إنشاء القاعدة العرفية ,ونفس الشيء ينطبق على الدول اجلديدة
اليت استقلت حديثًا بعد نشأة العرف العام.
وليس هناك ضرورة للجوء إىل االفرتاض واخليال والقول بأن الدول اجلديدة قد قبلت هذه
القواعد برضاها ,فالقواعد موجودة أصًال قبل وجود هذه الدول .
وعلى هذا األساس فإنه عند التعارض بني العرف العام والعرف اخلاص يف العالقة بني دول
ال تعرتف بالعرف اخلاص ودول تعرتف به ,فإن العرف العام هو الذي يطبق ؛ ألنه ملزم
للدول مجيعًا .
وهذا احلكم ال يسري على العرف اخلاص الذي نشأ بني دول حمدودة ,وال ميكن مد
حكمه لينظم عالقات الدول األخرى اليت مل تشارك يف إنشائه من خالل سلوكها ,وعلى
هذا األساس رفضت حماكم التحكيم الدولية تطبيق شرط "كالفو" .يف العالقات بني
الدول األوروبية ودول أمريكا اجلنوبية ؛ ألن هذا الشرط يعد عرفًا خاصًا بدول أمريكا
اجلنوبية وحدها ،وال يسري على الدول األخرى ،ويعارض قاعدة عرفية جوهرية هي
قاعدة احلماية الدبلوماسية للدول حفظًا ملصاحل رعاياها الذين يرغمون على قبول مثل هذا
الشرط يف عقود التنمية الدولية.
ولو مت افرتاض نشوء عرف حملي بني عدة دول يف منطقة ما حمتواه مد سيادة هذه الدول
على مساحات من البحر أكرب بكثري مما تقضي به القواعد العرفية العامة ،فإن هذا العرف
احمللي ال يؤخذ به ؛ ألنه يضر مببدأ حرية أعايل البحار ،ويضر مبصاحل الدول األخرى
ويتعارض مع العرف العام الذي يسري على مجيع الدول .وال ميكن قبول عرف حملي
كهذا ،خاصة وأن احملاكم الدولية سوف تطرحه جانبًا يف حالة املنازعات وتطبق العرف
العام الذي جيعل لكل دولة حبر إقليمي ومنطقة اقتصادية ال تزيد عن (200ميل حبري)
ابتداء من النقطة اليت يقاس منها البحر اإلقليمي.
وعلى أية حال فإن العرف اخلاص أو احمللي أو اإلقليمي ذو تطبيق حمدود يف العالقات
الدولية ،وغالبًا ما حتاول حمكمة العدل الدولية التقليل من شأنه ؛ ألن احملكمة تسعى إىل
176
توحيد القواعد القانونية وجعلها ذات صبغة عاملية وال متيل إىل جتزئة القواعد وإضعاف
( )1
القانون الدويل.
ـــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,لعلي ابراهيم ( ,ص. )602-600
177
مثال ذلك :ما لو كان العرف الدويل العام يقضي جبواز تفتيش الطائرة األجنبية ,ووجد
عرف دويل خاص مينع من ذلك بني الدول اخلليجية فإنه يعمل بالعرف الدويل اخلاص
ويطرح العام .
وهناك من يقول بأن العرف اخلاص إذا كان حمصورًا مل يعتد به ،بل يؤخذ بالعرف العام
( )2
,وإن كان غري حمصور فإنه يعتد به وينزل منزلة العرف العام .
ومثال احملصور :ما لو كان السلوك متكرر من قبل دولة واحدة فإنه ال يعتد به ,وأما
غري احملصور فهو ما تكرر من قبل جمموعة من الدول .
ولكن ميكن أن يقال هنا أن العرف احملصور عبارة عن عادة دولية فردية وليس عرفًا دوليًا.
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :العرف وأثره يف الشريعة والقانون ,للدكتور أمحد بن علي سري املباركي . )177( ,
( )2انظر :األشباه والنظائر ,للسيوطي ( ,ص . )105
الفرع الثاين
من حيث جواز االتفاق على خالفه إىل
عرف دويل آمر و عرف دويل مكمل
178
يالحظ أن هذا التقسيم من األمور غري املتصورة عند شراح املدرسة اإلرادية التقليدية .
فالعرف عندهم اتفاق ضمين بني الدول ,ومن مث فاالتفاق على خالفه من األمور اجلائزة
يف مجيع األحوال ,إذ ال يوجد يف الواقع من االتفاقيات ما ال جيوز ألطرافها تعديلها أو
إلغاؤها باتفاق الحق .
ولكن مثل هذا التقسيم من األمور املتصورة عند من ينظرون إىل العرف باعتباره تعبريًا عن
إرادة اجلماعة ,فمن املعروف أن اجلماعات املختلفة – داخلية كانت أو دولية – تعرب عن
إرادهتا يف جمال إنشاء القانون بنوعني من القواعد ,قواعد تتعلق باملصلحة العليا للجماعة
,وأخرى ال تتعلق هبذه املصلحة العليا ,وإمنا هتدف إىل حتقيق ما تفرتض اجلماعة أن من
شأنه حتقيق املصلحة اخلاصة لكل من أعضائها .ويرتتب على اختالف الغاية اليت تتغياها
اجلماعة من وراء إنشاء كل من هذين النوعني من القواعد القانونية ,اختالف جوهري
يف مدى إلزام كل منهما ألعضاء اجلماعة ,فالقواعد املستهدفة املصلحة العليا للجماعة
قواعد ملزمة ألعضائها أرادوا االنصياع حلكمها أم ال ,ومن مث ال جيوز االتفاق بينهم
على ما يتعارض ومضموهنا ,أما القواعد املستهدفة حتقيق املصلحة اخلاصة لكل من
أعضاء اجلماعة فملزمة ,ما مل يتوصل املعنيون إىل ما يرونه أجدر منها بتحقيق هذه
املصاحل اخلاصة ,ومن مث فاالتفاق على خالفها جائز .
قواعد القانون إذًا أيًا كان مصدرها الشكلي ,نوعان :قواعد آمرة ال جيوز االتفاق على
خالفها لتعلقها باملصلحة العليا للجماعة ,وأخرى مقررة ال تتعلق باملصلحة العليا
للجماعة ,ومن مث فاالتفاق على خالفها جائز .وكما يصدق هذا التقسيم على قواعد
القانون الداخلي يصدق أيضًا على قواعد القانون الدويل العام فمنها ما يتعلق باملصلحة
العليا للجماعة الدولية ومن مث يتمتع بالصفة اآلمرة وال جيوز االتفاق على خالفه ,ومنها
ما ال يتعلق هبذه املصلحة العليا ومن مث جيوز للدول إبرام ما يتعارض ومضمونه من
اتفاقات صرحية أو ضمنية .
والواقع أن هذه الفكرة مل تكن إىل عهد قريب لتجد يف القانون الدويل العام من جيسر
على املناداة هبا لتعارضها واملفهوم اإلرادي للقانون الدويل العام ,وهو املفهوم الذي كان
سائدًا نتيجة النتماء األغلبية الساحقة من كتاب القانون الدويل إىل املدرسة اإلرادية
179
التقليدية .وقد حظيت هذه الفكرة أخريًا وبعد طول إعمال بتأييد فقهي ال يستهان به
عند ما تبنتها جلنة القانون الدويل بنصها يف املادة اخلمسني من مشروعها لتقنني القواعد
العرفية املنظمة للمعاهدات على أن " تقع باطلة كل معاهدة تتعارض مع قاعدة آمرة من
قواعد القانون الدويل العام اليت ال جيوز االتفاق على خالفها " وقد تأكد هذا االجتاه بنص
املادة 53من اتفاقية فيينا املقننة للقواعد املتعلقة باملعاهدات واملوقع عليها يف عام 1969م
على أنه " تقع باطلة بطالنًا مطلقًا كل معاهدة تتعارض ,يف حلظة إبرامها ,مع إحدى
قواعد القانون الدويل العام اآلمرة وتعترب – يف مفهوم هذه االتفاقية – قاعدة آمرة من
قواعد القانون الدويل العام كل قاعدة تقبلها اجلماعة الدولية من جمموعها وتعرتف هبا
باعتبارها قاعدة ال جيوز اإلخالل هبا وال ميكن تعديلها إال بقاعدة جديدة من قواعد
القانون الدويل العام هلا نفس الصفة " و أضافت املادة 64من نفس االتفاقية بأنه " :إذا
ظهرت قاعدة آمرة جديدة من قواعد القانون الدويل العام ,فإن أي معاهدة قائمة
تتعارض مع هذه القاعدة تصبح باطلة وينتهي العمل هبا " .
هذا ومن أوضح األمثلة لقواعد القانون الدويل العام اآلمرة القواعد العرفية اليت حتظر جتارة
الرقيق ,وتلك احملرمة إلبادة اجلنس البشري ,والستخدام الغازات السامة وامليكروبات يف
حالة احلرب ,ومن أمثلة القواعد العرفية اآلمرة كذلك املبادئ العامة الين نص عليها ميثاق
األمم املتحدة واليت تستمد قوهتا من العرف الدويل ال من جمرد النص عليها يف امليثاق ,
( )1
ومبدأ حرية أعايل البحار عبارة عن قاعدة عرفية آمرة ال جيوز االتفاق على خالفها .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :أصول القانون الدويل العام ,للدكتور حممد سامي عبد احلميد ( ,ص. )160
180
الفرع الثالث
تقسيم العرف الدويل من حيث اإلجياب
والسلب إىل عرف دويل إجيايب وعرف دويل
سليب
قـد يكـون العـرف الـدويل إجيابيـًا مثـل املالحـة يف أعـايل البحـار أو الصـيد يف أعـايل البحـار أو
ممارســة الســيطرة على املنطقــة االقتصــادية اخلالصــة أو إرســال ســفن إىل الفضــاء اخلارجي أو
الس ــيطرة على االمت ــداد الق ــاري أو غ ــري ذل ــك من القواع ــد العرفي ــة ال ــيت نش ــأت يف جماالت
عديدة ومازالت سارية على الرغم من تقنينها يف معاهدات دولية يف وقت الحق .
قد يكون العرف الـدويل ناشـئًا عن تصـرف سـليب ,وقـد أيـدت ذلـك حمكمـة العـدل الدوليـة
سنة 1927م يف قضـية اللـوتس ,إذ قـررت أن العـرف قـد يـرتتب على أسـاس االمتنـاع عن
( )1
اختاذ تصرف يف حالة معينة ,مىت اقرتن هذا االمتناع بالعنصر املعنوي .
كذلك ذهبت حمكمة العدل الدولية إىل إسـناد هـذا الـدور للسـلوك السـليب يف قضـية املصـائد
ــــــــــــــــــــ
181
( )1انظــر :القــانون الــدويل العــام ,للــدكتور حامــد ســلطان ,والــدكتورة عائشــة راتب ,والــدكتور صــالح الــدين
عامر ( ,ص. )50
بني ال ــنرويج واجنل ــرتا ,ف ــذهبت إىل الق ــول بوج ــود ع ــرف ثن ــائي جنم عن س ــلوك إجيايب من
( )1
جانب النرويج تبعه سكوت استغرق زمنًا طويًال من جانب اجنلرتا .
وقد يكون السـلوك سـلبيًا يتمثـل يف االمتنـاع عن القيـام بعمـل مـا ,فاحلصـانات الدبلوماسـية
والدوليـ ــة الـ ــيت يتمتـ ــع هبا أعضـ ــاء السـ ــلك الدبلوماسـ ــي أو احلصـ ــانة الدوليـ ــة الـ ــيت يتمتـ ــع هبا
املوظفون الدوليون كانت والزالت عبارة عن سلوك سليب من جـانب الــدول املعتمـد لــديها
حيث إن ــه متتن ــع عن تط ــبيق أحك ــام قوانينه ــا الوطني ــة على ه ــذه الفئ ــة من الن ــاس وال جتربهم
على املث ــول أم ــام حماكمه ــا الداخلي ــة ح ــىت ول ــو ك ــانت اجلرائم ال ــيت يرتكبوهنا ذات خط ــورة
شديدة وهذا يعد وال شك تقييدًا لسلطتها واختصاصها على كل فرد موجود فوق أرضــها
وأساس
هذا التقييد هو العرف قبل تقنينه يف اتفاقيـة فينـا حـول العالقـات الدبلوماسـية لعـام 1961م
.
والع ــرف ال ــدويل يف ش ــكله الس ــليب اع ــرتفت ب ــه حمكم ــة الع ــدل الدولي ــة ففي قض ــية املص ــائد
النروجييـ ــة عـ ــام 1951م قـ ــالت " :إن وضـ ــوح التصـ ــرفات من جـ ــانب الـ ــنرويج وتسـ ــامح
اجلماعة الدولية ووضع بريطانيــا يف حبر الشــمال ومصــاحلها اخلاصـة وامتناعهــا الطويــل املمتــد
يسمح للنرويج يف كل األحوال بإشهار نظامها اخلاص يف قياس البحر اإلقليمي يف مواجهــة
بريطانيــا " .بريطانيــا هنــا امتنعت وملدة طويلــة عن معارضــة الــنرويج يف طريقــة قيــاس حبرهــا
بواســطة اخلطــوط املســتقيمة ,وهنــا يف هــذا املثــال يوجــد ســلوك إجيايب من جــانب الــنرويج
وس ــلوك س ــليب من ج ــانب بريطاني ــا واجلماع ــة الدولي ــة ,وق ــد أدت ه ــذه القض ــية إىل نش ــوء
عرف جديدة بني األطراف فيما يتعلق بتحديد البحار اإلقليمية عند تعرج السواحل .
ومن األدلـة على العـرف السـليب امتنـاع الـدول دائمـة العضـوية عن التصـويت على القـرارات
املوضوعية األمر الذي أدى إىل نشأة قاعدة عرفية يف األمم املتحدة مؤداها أن هذا االمتناع
ال يؤثر يف صحة القرارات وال يعد استعماًال حلق النقض الفيتو .
182
فاملادة ( )27من امليثــاق تتطلب لصــدور قــرار من جملس األمن يف املســائل املوضــوعية تــوفر
أغلبيــة تســعة أعضــاء ,منهــا أصــوات الــدول اخلمســة دائمي العضــوية ,ولكن العمــل جــرى
( )2
على أن غياب عضو أو امتناعه عن التصويت ال يؤثر يف سالمة القرار .
ــــــــــــــــــ
( )1انظر القانون الدول ,ي حملمد سعيد الدقاق ( ,ص. )189
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور علي إبراهيم ( ,ص. )520
المطلب الثاني
أقسام العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي
ويشتمل على الفروع اآلتية :
183
الفرع الثالث :تقسيم العرف الدويل من حيث مصدره
املنشئ له إىل عرف دويل مستند إىل دليل شرعي وعرف
دويل غري مستند إىل دليل شرعي
الفرع األول
تقسيم العرف الدويل من حيث الصحة والفساد إىل عرف
دويل صحيح وعرف دويل فاسد
184
مث احلاصل أنه من فارق املنعة عند االستئمان فإنه يكون آمنًا عــادة والعــادة جتعــل حكمـًا إذا
مل يوجد التصريح خبالفه فأما عند وجود التصريح خبالفه يسقط اعتباره كمقدم املائــدة بني
( )3
يدي إنسان إذا قال ال تأكل .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :قاعدة العادة حمكمة ,للشيخ يعقوب الباحسني ( ,ص. )44
( )2سورة ق ,اآلية رقم . )28( :
( )3انظر :السري الكبري ,حملمد بن احلسن الشيباين ,وشرحه ,حملمد بن أمحد السرخسي . )1/295( ,
ومثال ذلك :ما لو وجد عرف يقضي بوجوب وضـع اخلمـر على موائـد املؤمترات املنعقـدة
بني رؤساء الدول .فهذا عرف دويل فاسد ملخالفته نصـوص الشـرعية ,وذلـك لنهيـه صـلى
( )2
اهلل عليه وسلم عن اجللوس على موائد يدار فيها اخلمر .
185
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :املدخل إىل الفقه اإلسالمي ,للدكتور عبد العزيز اخلياط ( ,ص. )70
( )2سبق خترجيه يف (ص. )159
الفرع الثاين
تقسيم العرف الدويل من حيث القول
والعمل إىل عرف دويل قويل وعرف دويل
عملي
-1العرف الدويل القويل :
" هو ما صار اللفظ داًال فيه على املعىن بالعرف ال باللغة " .
( )1
وقيل " :هو اللفظ املتفـق على أن يـراد منـه غـري متام مدلولـه ,حبيث إذا أطلـق انصـرف إليـه
( )2
من غري قرينة " .
ومث ـ ــال الع ـ ــرف ال ـ ــدول الق ـ ــويل " :م ـ ــا إذا وادع املس ـ ــلمون املش ـ ــركني على أن ي ـ ــؤدوا إىل
املسلمني مائة رأس يف كل سنة على أن يكونوا آمنني يف دارهم ال جيري املسلمون عليهم
أحكامهم وال يغريون ,فليس ينبغي للمسلمني املوادعة على هذا إال اخلوف من املشركني
وعند ذلك فاملائة رأس تكون عليهم من أوساط الرءوس يف كل سنة ,والــرءوس األوســاط
من رقيق أولئك احلربيني ,ولذا ليس عليهم أن يعطوا الرءوس من غري رقيقهم .
186
ألن مطلق التسمية ينصـرف إىل مـا هـو املعـروف بـالعرف والعـرف الظـاهر أهنم إمنا يلـتزمون
تسليم الرءوس من رقيقهم إال أن يسمى املسلمون شيئًا آخر معروفًا فإن العرف يسقط
ــــــــــــــــــــــ
( )1جمموع الفتاوى ,البن تيمية , )7/96( ,مجع وترتيب :عبد الرمحن بن حممد بن قاسم ,الناشر :جممع
امللك فهد لطباعة املصحف الشريف يف املدينة املنورة 1416 ,هـ .
( )2العرف والعادة يف رأي الفقهاء ,ألمحد فهمي أبوسنة ( ,ص. )18
اعتباره عند وجود التسمية خبالفه " .
()1
وقد يقيد العرف الدويل مطلق اللفظ ومثال ذلك " :مـا لـو كـان األمـري أمـر املنـادي فنـادى
أيهــا النــاس إنــا قــد أقلنــا املشــرتين العقــد فيمــا اشــرتوا منــا فمن كــان اشــرتى شــيئًا فليطرحــه
ففعلوا ذلك مل يكن عليهم من الثمن شيء .
ولــو قــال بنفســه قــد أقلتكم الــبيع فــاطرحوا مــا اشــرتيتم مــين وليبلــغ شــاهدكم غــائبكم فهــذا
واألول سواء .
ألنه نص على األمر بالتبليغ فعبارة كل مبلغ تكون مبنزلة عبارته .
ولو كان األمري مل يذكر هذه الزيادة ففي القياس ال يــربأ من الثمن إال من مسع مقالــة األمــري
كما يف حـق البـائع لنفسـه ولكنـه استحسـن فقـال هم بـراء من الثمن إذا طرحـوا حني بلغهم
مقالة األمري .
ألن مب ــىن كالم األم ــري على االنتش ــار والظه ــور ع ــادة والع ــادة تعت ــرب يف تقيي ــد مطل ــق الكالم
( )2
فكان هذا والتصريح خبالفه فليبلغ شاهدكم غائبكم سواء .
( )4
وقيل " :هو ما جرى عليه الناس وتعارفوه يف تعامالهتم وتصرفاهتم " .
ومثال ذلك قول ابن قدامة ( " :)5وأما الفعل ( )6فإذا دخل احلريب دار اإلسالم رسوًال أو
ــــــــــــــــــــــ
187
( )1السري الكبري ,حملمد بن احلسن الشيباين ,وشرحه ,حملمد بن أمحد السرخسي . )5/1725( ,
( )2املصدر السابق . )3/1077( ,
( )3العرف والعادة يف رأي الفقهاء ,ألمحد فهمي أبوسنة ( ,ص. )19
( )4أثر العرف يف التشريع اإلسالمي ,للسيد صاحل عوض ( ,ص. )126
( )5سبقت ترمجته يف (ص. )118
( )6يقصــد بالفعــل هنــا األمــان الفعلي ,ذلــك أنــه ســبق وأن ذكــر األمــان القــويل ,وهــذا األمــان الفعلي يصــدق على
العرف الدويل العملي .
ت ــاجرًا ,وق ــد ج ــرت الع ــادة ب ــدخول جتارهم إلين ــا ك ــان أمان ـًا ل ــه ومل جيز التع ــرض ل ــه ؛ ألن
الرسول صلى اهلل عليه وسلم قـال لرسـويل مسـيلمة ( ( : )1لـوال أن الرسـل ال تقتـل لضـربت
أعناقكما ) ( )2؛ وألهنم دخلوا يعتقدون األمان فأشبه ما لو دخلوا بإشارة املسلم .
وإن دخـل مسـلم دار احلرب رسـوًال أو تـاجرًا وقـد جـرت العـادة بـدخول جتارنـا إليهم صـار
يف أمــاهنم وصــاروا يف أمــان منــه ؛ ألن األمــان إذا انعقــد من أحــد الطــرفني انعقــد من اآلخــر
فال حتل له خيانتهم يف أمواهلم وال معاملتهم بالربا ؛ ألن من حـرم مالــه عليــك ومالــك عليــه
( )3
حرمت معاملته بالربا كاملسلم يف دار اإلسالم " .
188
ــــــــــــــــــــ
( )1ستأيت ترمجته يف (ص. )213
( )2سبق خترجيه يف ( :ص . )53
( )3الكايف ,ملوفق الدين ابن قدامة , )5/566( ,حتقيق :عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي ,الناشر :هجر للطباعة
والنشر 1418 ,هـ 1997 ,م .
الفرع الثالث
تقسيم العرف الدويل من حيث مصدره
املنشئ له إىل عرف دويل مستند إىل دليل
شرعي وعرف دويل غري مستند إىل دليل
شرعي ( )1
هو العرف الدويل املعترب حكمًا من األحكام الشرعية ,حبيث يتبعه املســلمون على أنــه نص
تشريعي ال عرف دويل .
ومثــال ذلــك االمتنــاع عن قتــل الرســل ,لقولــه صــلى اهلل عليــه وســلم لرســويل مســيلمة (: )2
( ل ــوال أن الرس ــل ال تقت ــل لض ــربت أعناقكم ــا ) ( . )3فهن ــا ُيتب ــع ه ــذا الع ــرف على أن ــه نص
تشــريعي من الســنة املطهــرة ,وبنــاًء عليــه لــو أن العــرف تغــري بتغــري الزمــان ,وأصــبح العــرف
جييز قتل الرسل ,فإنه ال جيوز العمل به ,ألنه بذلك يكون ناسخًا للنص الشرعي .
189
-2العرف الدويل الغري مستند إىل دليل شرعي :
وه ــو الع ــرف ال ــدويل املتغ ــري حبس ــب تغ ــري الزم ــان واملك ــان ,فيب ــىن علي ــه احلكم حبس ــب تغ ــري
ـــــــــــــــــــــــ
( )1استنبط هذا التقسيم من تقسيم ذكره الشاطيب يف كتابه املوافقات . )2/282( ,
( )2ستأيت ترمجته يف (ص. )213
( )3سبق خترجيه يف (ص. )53
190
ــــــــــــــــــــــ
( )1سبقت ترمجته يف (ص. )118
( )2املغين ,البن قدامة . )9/281( ,
( )3مادة 39من جملة األحكام العدلية .
املبحث الثاين
خصائص العرف الدويل
من خصائص العرف الدويل مرونته وقابليته للتطور وذلك أن قواعده غري مكتوبة
( )1
ومستخلصة .
أي أن يكون شائعًا مييل إىل التطور الدائم ,وأن يعوزه اجلمود والثبات اللذان تتميز هبما
األحكام االتفاقية ,والشيوع والتطور يف احلكم العريف ال خيلوان من نفع ,إذ جيعالن
القاعدة القانونية مسايرة لعالقات الدول يف تطورها ,متمشية مع تغري الظروف
واملالبسات ,يف حني أن أحكام املعاهدات -مبا هلا من ثبات وحتديد ومجود -كثريًا ما
تعوق منو العالقات بني الدول ,وتقضي على استمرار قيام التفاهم بينها يف بعض األحيان
( )2
.
وميكن تلخيص خصائص العرف الدويل يف األمور الثالثة اآلتية :
-1أنه دليل التعامل املشرتك الناشئ عن سوابق معينة أي عن تكرر تصرفات حامسة .
-2أنه مبثابة تعامل إلزامي ,أي يقتضي قبوله باعتباره القانون الذي يتالئم مع الضرورة
القانونية .
-3أن ــه تعام ــل تط ــوري ألن ــه ي ــتيح مبرونت ــه تق ــدم القواع ــد القانوني ــة متمش ــيًا يف ذل ــك م ــع
مقتض ــيات العالق ــات املس ــتحدثة واحلاج ــات اجلدي ــدة ,وه ــذا م ــا مييز القاع ــدة العرفي ــة عن
القاعدة التعاقدية اليت تعترب أكثر استقرارًا وبالتـايل ذات صـفة آمـرة .وهلذه املرونـة حسـنات
191
إذ ت ــتيح متش ــي الع ــرف م ــع األوض ــاع الواقعي ــة ول ــو بش ــكل بطيء يتع ــذر مع ــه أحيان ـًا جماراة
سرعة األحداث وهلا حماذير ؛ ألهنا تيسر حتويل القاعدة القانونية أو إلغائها بوسائل خفية
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ( ,ص)77
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حامد سلطان ,والدكتورة عائشة راتب ,والدكتور صالح الــدين عــامر
( ,ص. )49
غري ملموسة فتؤدي بذلك إىل إثارة الشك يف مضمون القانون .
( )1
ومن اجلدير بال ــذكر أن ظ ــروف احلي ــاة يف مجاع ــة م ــا تقتض ــي وج ــود قواع ــد قانوني ــة حتكم
شؤون هذه اجلماعة ,وإذا متيزت هذه اجلماعة بعدم وجـود ســلطة عليــا واحـدة ,أصـبحت
مســألة وجــود هــذه القواعــد مســألة ال بــديل هلا حيث تــوفر حــد أدىن بشــأن تنظيم العالقــات
يف هذه اجلماعـة ,وحيث إن اجلماعـة الدوليـة تتمـيز بعـدم وجـود سـلطة عليـا واحـدة فيهـا ,
لذلك كان ظهور العرف أمرًا متطابقًا مع مقتضيات حال هذه اجلماعة .
ولعل دور العرف يف ظهور قواعد قانونية دولية من أظهر مزاياه ,حيث ساعد تارخييًا
على ظهور بعض القواعد القانونية الدولية يضاف إىل ذلك أن ارتباط العرف بالواقع
وبالعمل الدويل جيعله أكثر مالءمة لظروف اجلماعة الدولية ودرجة تطورها وييسر العمل
( )2
الدويل .
ومن الصفات العامة للقاعدة العرفية أهنا مشرتكة وموحدة ومستقرة وملزمة ,حبيث
تشرتك يف تطبيقها جمموعة الدول بشكل عام ,وجتري بشكل موحد ومتشابه ,وال
تتعرض النقطاع يف التطبيق ,وأخريًا فإن الدول ليست حرة يف تطبيقها أو عدم تطبيقها
ألهنا يف حالة عدم التطبيق ستتعرض لتطبيق أحكام املسؤولية الدولية حبقها جزاء خلرقها
( )3
القاعدة القانونية .
وإذا كان العرف الدويل يتميز بتغريه دون معارضة ,وحبسب مشيئة املتطلبات االجتماعية
للحياة الدولية ,فإنه باملقابل يعاين من غموض نسيب ,وحدوده غري مثبته ,وال سيما يف
الصعوبات الكبرية واليت يثريها على سبيل املثال حق اللجوء الذي كان موضوعًا للعديد
192
من املشاريع اليت طرحت هبذا اخلصوص بغية تقنينها يف نص قانوين دويل ,إذ إنه يف عام
1925م قامت عصبة األمم بإنشاء جلنة فرعية مكلفة بدراسة مسألة االمتيازات واحلصانة
ــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لشارل روسو ( ,ص . )82والقانون الدويل العام ,للـدكتور مسوحي فـوق العـادة
( ,ص. )49
( )2مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور إبراهيم أمحد شليب ( ,ص. )348
( )3انظر :مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ,للدكتور إحسان هندي ( ,ص. )93
الدبلوماسية ,إال أن هذه اجلهود مل تؤد إىل تقنني ما طرحته اللجنة .
( )1
إن العرف الدويل ميكن أن يتعرض للتساؤل حول وجـوده من عدمـه ,وبالتـايل يصـعب يف
الكثــري من األحـوال إثبــات وجـوده وحتديــد مضــمونه ,وهــذه مســائل يســهل ملن يريــد جتنب
تطبيق العرف أن يثري الشك فيها ,ومع ذلك فالعيب األخـري ميثـل أمهيـة خاصـة وهـو انعـدام
أو على األق ــل احنص ــار ال ــدور ال ــذي تق ــوم ب ــه ال ــدول احلديث ــة االس ــتقالل يف نش ــوء القواع ــد
العرفي ــة ,حيث إن ال ــدور ق ــد ال يوج ــد حالي ـًا كم ــا ال يوج ــد احتم ــال وج ــوده يف األج ــل
املنظ ــور على األق ــل بالنس ــبة لبعض املوض ــوعات ومن مث كي ــف ميكن الق ــول بوج ــود ع ــرف
دويل مل تشرتك يف تأسيسه األغلبية من أشخاص اجلماعة الدولية ,الواقـع أن هـذا املوضـوع
يتعني عدم جتاهله حىت ال يظهر أمام هذه الدول بأنه قـانون مفـروض وهـو مـا قـد يـؤدي إىل
احتمال ظهور ظـاهرة القـانون املفـروض الـذي من شـأنه على األقـل عـدم اسـتقرار األوضـاع
( )2
الدولية وبالذات القانونية .
وكذلك فإن العرف الدويل ال ميكن أن يتطور إال يف وسط اجتماعي متجانس متامًا ,
ولكن اجملتمع الدويل فقد جتانسه يف الوقت احلاضر بسبب اقتسام مناطق النفوذ بني الدول
الكربى يف أعقاب احلرب العاملية الثانية ,ودخول الدول حديثة العهد باالستقالل إىل
دائرة اجملتمع الدويل ,وهي دول ال ترى نفسها ملزمة باألعراف السابقة على وجودها ,
ونتيجة لذلك أصبح من الصعوبة مبكان الوصول إىل توافق اجتماعي واسع بضرورة اتباع
( )3
هذه القاعدة أو تلك من قواعد السلوك .
193
إن األعراف السارية اآلن من صنع قلة من الدول وليس أغلبها ,وذلك عيب ال جيعل
( )4
الركون لألعراف أمرًا مستحبًا يف تنظيم الشؤون الدولية .
ـــــــــــــــــــ
( )1انظر :أسس وقواعد العالقات الدبلوماسية والقنصلية ,للدكتور ناظم عبد الواحد اجلاسور ( ,ص, )35
الناشر :دار جمدالوي يف األردن ,ط1422 , 1هـ .
( )2مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور إبراهيم أمحد شليب ( ,ص. )349
( )3انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )362
( )4انظر :مدخل إىل القانون الدويل العام ,للدكتور مأمون مصطفى ( ,ص. )48
ومن عيوب العرف صعوبة حتديد القواعد العرفية الدولية والرجوع إليها عند احلاجة ألهنا
مبعثرة ,فقد توجد القواعد العرفية يف املراسالت الدبلوماسية املنشورة ,أو تعليمات
للدبلوماسيني والقناصل والضباط العسكريني والبحريني وذوي اخلربة وقرارات احملاكم
( )1
احمللية وحنوها .
194
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام يف وقت السلم واحلرب وتطبيقه يف دولة الكويت ,للدكتورة بدرية العوضي ,
(ص. )29
المبحث الثالث
تدوين وتقنني العرف الدويل
195
املطلب الرابـ ــع :الصـ ــعاب الـ ــيت تعـ ــرتض التـ ــدوين وكيفيـ ــة
مواجهتها
املطلب اخلامس :أثر التقنني يف العرف الدويل
املطلب األول
التدوين العلمي
التق ــنني أو م ــا يع ــرف بالت ــدوين ه ــو حتوي ــل القواع ــد العرفي ــة غ ــري املكتوب ــة إىل جمموع ــة من
القواعد املكتوبة وتنظيمها بصورة منهجية يف جمال ما من جماالت القانون الدويل العام .
وهدفــه ليس جمرد عالج الغمــوض وعــدم الوضــوح الــذي يكتنــف بعض القواعــد العرفيــة من
حيث وجودها وحمتواها ،وإمنا أيضًا عالج التشتت والتوزيع هلذه القواعد وجعلها مرتابطة
لسهولة التطبيق على موضوع معني ,والتوصل من خالل هذه العملية إىل تطوير القــانون
الدويل العام من خالل احللول القادرة على إعطاء إجابـة شـافية أو مرضـية لضـرورات احليـاة
الدولية املعاصرة .
وهلذه األســباب فــإن التقــنني ال ميكن فصــله أب ـدًا عن التقــدم املطــرد للقــانون الــدويل العــام ،
كم ــا تش ــري إىل ذل ــك املادة ()13/1من ميث ــاق األمم املتح ــدة وه ــذا م ــا اع ــرتفت ب ــه اجلن ــة
القانون الدويل منذ األيام األوىل إلنشائها .
والتق ــنني ه ــو إح ــدى الظ ــواهر املم ــيزة للمرحل ــة الراهن ــة للعالق ــات الدولي ــة ،حيث هتدف
اجلماعــة الدوليــة من ورائــه إىل صــياغة القواعــد القانونيــة يف شــكل معاهــدات دوليــة ملزمــة
للدول مجيعًا بعد التصديق عليها .
196
والتق ــنني فرص ــة يف ال ــوقت نفس ــه لل ــدول اجلدي ــدة أو النامي ــة لكي تع ــرب عن رأيه ــا يف قواع ــد
القــانون الــدويل التقليديــة أو بقايــا تلــك القواعــد الــيت وضــعت يف األزمنــة الســابقة وكــانت
تستجيب ملصاحل ومتطلبات الدول األرستقراطية يف اجلماعة الدوليــة ,وينصــب هــذا التقــنني
أصًال على القواعد األساسية املوروثة تقليديًا .
وهلذا فــإن الــدول القدمية واجلديــدة هتتم بــالتقنني ،وان كــان كــل منهــا يســعى إىل هــدف قــد
يك ــون متعارض ـًا م ــع ه ــدف اجلانب اآلخ ــر ,فال ــدول القدمية تس ــعى إىل تث ــبيت القواع ــد يف
صورة مكتوبة بينما الدول اجلديـدة حتاول تعـديل وحتسـني هـذه القواعـد بالقـدر الـذي حيقـق
مصاحلها وطموحاهتا املشروعة .
وهلذا ف ــإن علمي ــة التق ــنني ليس ــت س ــهلة ,وإمنا حتت ــاج إىل اتف ــاق وحل ــول وس ــط وهتذيب
لبعض القواع ــد القدمية ،أو عالج التش ــوهات املوج ــودة هبا وجعله ــا مقبول ــة من قب ــل مجي ــع
األطــراف ،وإال فــإن املعاهــدات اجلماعيــة النامجة عن التقــنني لن جتد من يصــدق عليهــا ولن
تدخل دائرة النفاذ .
وهلذا فإن التقنني يتجاوز دائمًا ما هو موجود بالفعــل من قواعــد عرفيــة وحيتــاج إىل تشــاور
( )1
بني الدول .
ونظرًا لصعوبات إثبات وحتديد مضمون القاعدة العرفية فقد نادى شراح القانون الدويل
منذ زمن بعيد إىل ضرورة العمل على تدوين العرف باعتباره الوسيلة الفعالة للقضاء على
هذه الصعوبات ,وقد حصلت حماوالت فردية لتدوين العرف يف كتب شراح القانون
الدويل ,منها جمهودات العامل السويسري بلنتشلي الذي أخرج تقنينًا للقانون الدويل العام
سنة 1868م ,ويقع يف 692مادة ,وجمهودات األمريكي فيلد الذي أظهر تقنينا آخر
سنة 1872م ,وجمهودات اإليطايل فيوري الذي نشر جمموعة أخرى سنة 1889م ,
(
ويقع يف 895مادة ,وجمهودات الروماين بيال الذي وضع تقنينًا للقانون الدويل اجلنائي .
)2
كما قامت بعض اجلمعيات العلمية مبحاوالت يف هذا الصدد ,منها جممع القانون الدويل
الذي أنشئ سنة 1873م ,واملعهد األمريكي للقانون الدويل الذي أنشئ سنة 1912م ,
وجمهودات جامعة هارفارد األمريكية اليت خصصت جمموعة كبرية من الباحثني لتجميع
القواعد اخلاصة باملواضيع الدولية املختلفة ,ولقد أدت جمهودات اهليئات العلمية األوربية
197
واألمريكية إىل صياغة عدد كبري من القواعد العرفية ,وصدورها على هيئة معاهدات أو
( )3
اتفاقيات أو تصرحيات يف الفرتة ما بني سنة 1899م واحلرب العاملية األوىل .
وق ــد ك ــان اهلدف من ه ــذه التقنين ــات أن اجلماع ــة الدولي ــة ال متل ــك حكوم ــة عاملي ــة مركزي ــة
واحدة تقوم بعمليـة التقـنني وفـرض املعاهـدات اجلماعيـة الناجتة عن هـذه العمليـة على الـدول
األعضاء ,وهلذا فإن جهود التقنني بدأت يف صورة فردية يقوم هبا الشراح حسب
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص . )639-638
( )2انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد حافظ غامن ( ,ص. )93
( )3انظر :املصدر السابق ( ,ص. )93
( )1
اجتهادهم واختيارهم ,أو تقوم هبا هيئات علمية مجاعية غري حكومية ،مثل ما سبق .
إال أن بعض الشراح يرى أن هذه احملاوالت مل تتعد يف أمهيتها اجلانب النظري ,وليس هلا
(
قيمة قانونية ملزمة للدول وهي ال تعدو أن تكون جمرد آراء ال حتظى سوى بقيمة أدبية .
)2
198
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل لعلي إبراهيم ( ,ص. )640
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للـدكتور عـدنان طــه مهـدي الـدوري والـدكتور عبـد األمـري العكيلي ( ,ص, )78
وانظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )375
املطلب الثاين
التدوين الرمسي
" هو ما أسهمت فيه الدول يف نطاق املؤمترات واملنظمات الدولية " .
( )1
ولقد شعرت هذه الدول حباجة إىل تدوين بعض األحكام العرفية ,وكــانت النتــائج العمليــة
لغاية اليوم متفاوتة جدًا .
ففي خالل القرن التاسع عشر ويف مطلع القرن العشرين ,باشرت الدول األوربية بتجربة
تدوين جزئي خال من أي منهج تنظيمي ومقتصر على موضوعات حمددة ,اختذ شكل
معاهدات مجاعية ,وهذا املسعى التنظيمي الذي باشرته اتفاقيات الهاي عامي 1899م و
1907م ظل متواصًال يف موضوع القانون اإلداري الدويل بسبب االحتادات الدولية
املختلفة ,ومن سنة 1919م إىل 1939م بفضل عصبة األمم ,وبنوع خاص يف قضايا
املواصالت واملرور والعمل .
مث أعقبه ظهور نشاط متواز يف القارة األمريكية منذ مطلع القرن العشرين ,وهذا العمل
التشريعي كان من صنع خمتلف مؤمترات االحتاد األمريكي اليت تعاقبت منذ سنة 1889م
199
,وجاءت نتائج هذه املؤمترات خميبة لآلمال بسبب عدم تصديق االتفاقيات إىل من قبل
عدد ضئيل من الدول .
غري أن انفراد أمريكا بالعمل ,كانفراد أوربا ,ال ميكنه تلبية احلاجة العاملية للتدوين ,وإمنا
التدوين العام واملنظم واملتقدم ,أي التدوين التدرجيي واحلريص يف آن معًا ,على إصالح
القانون الساري املفعول ,قادر وحده على إعطاء النتائج املتوخاة ,وقد جرت حماولة
مزدوجة يف هذا الصدد غداة كل من احلربني العامليتني ,وكان حمركها يف كل مرة أهم
ــــــــــــــــــــــــ
( )1القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ,لعبد الغين حممود ( ,ص. )147
ففي عام 1906م عهد املؤمتر األمريكي الذي عقد يف ريودي جانريو إىل جلنة من الشراح
مبهم ـ ــة التق ـ ــنني ,ولكن احلرب العاملي ـ ــة األوىل عطلت أعماهلا .باإلض ـ ــافة إىل قي ـ ــام احلرب
املكسيكية األهلية .
ويف أثن ـ ــاء املؤمتر األم ـ ــريكي ال ـ ــذي عق ـ ــد يف هافان ـ ــا ع ـ ــام 1928م ,وض ـ ــعت مشـ ــروعات
التفاقي ــات خاص ــة ببعض املس ــائل ,أق ــرت املؤمترات األمريكي ــة التالي ــة بعض ــها ,وعرض ــتها
على الدول األمريكية للتصديق ,فأمهل البعض ,ونفذ البعض اآلخر .
وآخــر جمهــود بذلتــه اجلمهوريــات األمريكيــة يف هــذا الصــدد مــا نص عليــه ميثــاق بوجوتــا يف
عــام 1950م من إنشــاء هيئــة من الشــراح األمريكــيني مهمتهــا تقــنني القــانون الــدويل العــام
( )2
واخلاص .
200
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لشارل روسو ( ,ص . )87والقاعدة العرفية يف القانون الدويل العــام ,لعبــد الغــين
حممود ( ,ص. )147
( )2انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد حافظ غامن ( ,ص. )95
املطلب الثالث
دور األمم املتحدة يف تدوين العرف الدويل
لقد تنبهت اجلماعة الدولية يف السنوات األخرية إىل فائدة تدوين العرف الدويل يف
معاهدات مجاعية تنضم إليها كافة الدول ,حيث دعت عصبة األمم مبوجب قرار مجعيتها
املتخذ بتاريخ 1924م ,مببادرة من السويد إىل مؤمتر للتقنني عقد يف الهاي سنة
1930م وضم 47دولة ,ومع أن أعمال هذا املؤمتر أعدت بعناية من قبل جلنتني فنيتني
,إال أهنا مل حتقق أية نتائج هبذا اخلصوص ,يف كل من القضايا الثالث (اجلنسية واملياه
()1
اإلقليمية ومسؤولية الدول ) املطروحة عليها .
201
ومما ساهم يف ذلك سيطرة املفهوم األوريب يف تلك التجربة ,فالنظـام القــانوين اإلســالمي مل
يكن ممثًال يف جلن ــة اخلرباء التابع ــة للعص ــبة إال بعض ــو واح ــد من اهلن ــد ,ومل يش ــرتك االحتاد
الس ــوفييت ,ال ــذي مل يكن بع ــد عض ــوًا يف العص ــبة يف أعم ــال اللجن ــة ومل ميث ــل يف م ــؤمتر ع ــام
( )2
1930إال عن طريق مراقب واحد .
يف حني أن هيئة األمم املتحدة كانت أكثر فاعلية يف هذا اجملال فقد تضمنت املادة 13
من ميثاق األمم املتحدة النص على اعتبار تقنني القانون الدويل أحد األهداف األساسية
( )3
للمنظمة .
ولقد كونت اجلمعية العامة يف دورة انعقادها سنة 1945م جلنة خاصة لبحث هذه املسألة
,واجتمعت اللجنة وحبثت طرق العمل اليت اتبعتها اهليئات السابقة واختارت لألمم
املتحدة طريقة جديدة تشبه الطريقة اليت اتبعتها اجلمهوريات األمريكية ,وتتلخص هذه
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لشارل روسو ( ,ص. )87
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )376
( )3انظر :القانون الدويل العام ,للـدكتور عـدنان طــه مهـدي الـدوري والـدكتور عبـد األمـري العكيلي ( ,ص, )78
وانظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور إبراهيم أمحد شليب ( ,ص. )353
الطريقة يف تكليف طائفة من الشراح املختصني بعمل جمرد عرض غري رمسي للقانون
الدويل الساري دون حاجة إىل تقنني ذلك القانون وإصداره على هيئة اتفاقات ,وذلك
ألن اللجنة رأت أن يف اتباع الطريقة األخرية دون غريها ما سوف يؤدي إىل إثارة
اخلالف
بني الدول أعضاء هيئة األمم املتحدة مما قد يضطر املقننني إىل اختيار اآلراء املوافقة أو
املتوسطة خشية الفشل يف مهمتهم ,ومل توافق بعض الدول على ما ارتأته اللجنة ,وأصر
الوفد السوفييت على ضرورة عقد معاهدات حتوي املبادئ املقننة حىت يصبح من املقرر
( )1
التزام الدول هبا ,إذا أنه ال يكفي بتاتًا االعتماد على جمرد تقديرات الشراح .
ويف عام 1947م عهدت اجلمعية العامة لألمم املتحدة إىل جلنة القانون الدويل مبهمة
تدوين القواعد العرفية الدولية ووضعها يف صيغة اتفاقات دولية إلزامية ,وبعد أن كانت
اللجنة تتكون من مخسة عشر عضوًا يف بادئ األمر ,وواحد وعشرين عضوًا يف عام
202
1956م ,ومخسة وعشرين عضوًا يف عام 1961م ,أصبح عدد أعضائها يف عام
1981م أربعة وثالثني عضوًا من املشهود هلم باالختصاص يف القانون الدويل ,ويقوم
أعضاء اللجنة مبهمتهم بصفتهم الفردية وليس كمندوبني عن حكوماهتم ,وجيري
ترشيحهم من أعضاء األمم املتحدة وانتخاهبم من قبل اجلمعية العامة بشكل يراعي التوزيع
اجلغرايف العادل ومتثيل النظم القانونية األساسية يف العامل وملدة مخس سنوات قابلة للتجديد
,فأجنزت هذه اللجنة حىت اآلن عددًا وافرًا من االتفاقيات تناولت عدة قضايا دولية ,مثل
املشروع الذي أعدته اللجنة واملتعلق بتدوين القواعد املتعلقة بالبحار ,حيث مت إقراره
بالفعل مبقتضى اتفاقيات جنيف املربمة يف عامي 1958م 1961 ,م ,ومشروع لتدوين
القواعد املتعلقة باملعاهدات مت إقراره هو اآلخر مبقتضى اتفاقية وقع عليها يف مدينة فيينا يف
الرابع والعشرين من شهر مايو عام 1969م ,واتفاقية فيينا للعالقات القنصلية لعام
1963م ,وغري ذلك من االتفاقيات الدولية اهلامة اليت أعدت مشاريعها هذه اللجنة ,
واضعة بعني االعتبار تطور اجملتمع الدويل يف العصر احلديث .وما زالت اللجنة مستمرة يف
مهمتها حىت اآلن ,على الرغم من الصعوبات اليت تواجهها حيث إن النزاعات الضيقة
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد حافظ غامن ( ,ص. )95
( )1
للدول وتضارب املصاحل جتعل من إجناح هذه املهمة أمرًا صعبًا حيتاج إىل جهد كبري .
وجلنة القانون الدويل ليست الوحيدة يف هذا املضمار فهنــاك جهــات أخــرى دوليــة تقــوم من
وقت آلخر بإعداد مشروعات املعاهدات.
فاجلمعي ــة العام ــة لألمم املتح ــدة من حقه ــا تكلي ــف أي جلن ــة من جلاهنا الرئيس ــية أو الفرعي ــة
للقي ــام هبذا العم ــل حتت إش ــرافها وتوجيهه ــا ,وه ــذه اللج ــان مكون ــة من ممثلني عن ال ــدول
وليس أعضاء مستقلني كما هو احلال بالنسبة للجنة القانون الدويل .
وتكلــف اجلمعيــة هــذه اللجــان بأعــداد مشــروعات املعاهــدات حســب اختصــاص ووظ ــائف
ك ــل جلن ــة ,فق ــد تكل ــف جلن ــة حق ــوق اإلنس ــان ,أو جلن ــة اس ــتخدامات الفض ــاء اخلارجي
لألغــراض الســلمية ,أو جلنــة االســتخدامات الســلمية لقــاع البحــار واحمليطــات ،وقــد تنشــئ
203
جلن ــة خاص ــة للقي ــام هبذا العم ــل مث ــل جلن ــة تعري ــف الع ــدوان ال ــيت ف ــرغت من مهمته ــا ع ــام
1974م .
ومن األمثلة البارزة على إعداد مشروعات املعاهدة بواسطة هيئات أخرى غري جلنة القانون
الدويل ،ما مت بالنسبة التفاقية األمم املتحدة العامة لقانون البحار لعام 1982م .
فقــد بــدا جليـًا منــذ عــام 1967م أن قــانون البحــار الــذي أعــد يف جــنيف عــام 1958م قــد
جتاوزتــه األحــداث ,وأن إعــداد اتفاقيــات جديــدة أمــر ال مفــر منــه ,وقــد شــكلت اجلمعيــة
العامة هلذا الغرض جلنة خاصة لالستعماالت السليمة لقاع البحار واحمليطـات خـارج حـدود
الوالية اإلقليمية للدول .
وبنــاًء على دراســات هــذه اللجنــة ،أصــدرت اجلمعيــة العامــة إعالنــات عــام 1970م حــول
املبــادئ الــيت حتكم قــاع البحــار واحمليطــات ,وكلفت اللجنــة بإعــداد مشــروع معاهــدة دوليــة
مجاعية حول هذا املوضوع ,مث حتولت هذه اللجنة إىل هيئة أوسع هي مؤمتر األمم املتحــدة
الثالث لقانون البحار والذي بدأ يف حترير مشروع االتفاقيــة خالل دورات متواليــة منــذ عــام
1982م ,ودخلت اآلن حيز النفاذ منذ يوم 16نوفمرب 1994م .
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والـدكتور عبـد األمـري العكيلي ( ,ص, )78
وانظــر :مبــادئ القــانون الــدويل العــام ,للــدكتور إبــراهيم أمحد شــليب ( ,ص , )353وانظــر :القــانون الــدويل العــام ,
للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )377
ه ــذا والب ــد من اإلش ــارة إىل أن املنظم ــات الدولي ــة األخ ــرى املتخصص ــة تلعب دورًا يف جمال
التق ــنني ك ــل حس ــب اختصاص ــها ,فاليونس ــكو تع ــد مش ــروعات املعاه ــدات يف جمال العل ــوم
والثقافة ومحاية اآلثار ,واملنظمات احلكوميــة االستشــارية للمالحـة البحريــة تعــد مشــروعات
االتفاقيــات حــول مــا يهم ســالمة الســفن ومكافحــة اإلرهــاب الــذي يقــع ضــدها ,ومنظمــة
الطريان املدين تعد مشروعات املعاهدات حول سالمة الطريان ومحايته ,وهكذا كل وكالة
متخصص ــة من حقه ــا إع ــداد مش ــروع االتفاقي ــة وعرض ــها على ال ــدول للتص ــديق عليه ــا أو
()1
االنضمام إليها ,فاألمر ليس حكرًا على األمم املتحدة أو جلنة القانون الدويل .
204
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )646-645
املطلب الرابع
الصعاب اليت تعرتض التقنني وكيفية
مواجهتها
205
لعل السبب يف تعثر احملاوالت املتقدمة يرجع إىل أن فكـرة عمـل قـانون شـامل جلميـع الـدول
ومنظم لكاف ــة عالقاهتا الدولي ــة مل تنض ــج بع ــد نض ــوجًا كافيـ ـًا ,وال زالت تع ــرتض تنفي ــذها
ص ــعوبات عمليـ ــة حيتـ ــاج تـ ــذليلها إىل كثـ ــري من األنـ ــاة والصـ ــرب فال زالت النزعـ ــات القومي ــة
واملص ـ ـ ــاحل السياس ـ ـ ــية هي رائ ـ ـ ــدة ال ـ ـ ــدول يف تص ـ ـ ــرفاهتا ,وال ش ـ ـ ــك أن اختالف النزع ـ ــات
وتضـارب املصـاحل بني الـدول ليس من شـأهنما أن جيعال االتفـاق على مضـمون القواعـد الـيت
تعرض على اللجان املختصة للتقنني أمرًا ميسورًا يف مجيع األحوال .والــواجب فبــل اإلقــدام
جــديًا على مثــل هــذا التقــنني البــدء بالتهميــد لــه ,ليس عن طريــق البحث والدراســة ووضــع
املش ــروعات فحس ــب ,وإمنا أيضـ ـًا بالعم ــل على تق ــريب وجه ــات نظ ــر ال ــدول يف املس ــائل
املختل ــف عليه ــا أو ال ــيت تش ــتبك فيه ــا مص ــاحلها ,وهلذا التق ــريب أمهي ــة قص ــوى خاص ــة وأن
التقنني ال تثبت له قيمته اإللزامية إال إذا أمجعت الدول على قبوله ,وأن الدولة املعارضة لــه
ال ميكن أن ختضع له جملرد أنه مت إقراره باألغلبية ,حكمـه يف ذلـك حكم أي اتفـاق دويل ,
فهو ال يكون ملزمًا يف مواجهة الدول اليت مل ترتبط به .
على أن التقــنني مــع مــا فيــه من مزايــا ومــا لــه من أثــر يف تثــبيت القــانون الــدويل العــام وتــدعيم
قواعده ,مل يسلم من النقـد من جـانب بعض الفقهـاء ,إذ إنـه يف نفس الـوقت الـذي حيصـر
في ــه ه ــذه القواع ــد وحيددها ,يص ــيبها ب ــاجلمود ويفق ــدها صــفة املرون ــة وس ــهولة التطــور ال ــيت
ك ــانت متت ــاز هبا قب ــل التق ــنني ,ويتب ــع ذل ــك أن ــه إذا اقتض ــى األم ــر تع ــديًال أو حتويرًا يف بعض
ه ــذه القواع ــد ل ــزم الرج ــوع إىل مجي ــع ال ــدول ال ــيت أق ــرت التق ــنني واحلص ــول على موافقته ــا
باإلمجاع ,
فــإذا اعرتضــت إحــدى هــذه الــدول أو بعضــها على إجــراء التعــديل أصــبح مســتحيًال ,وقــد
تس ــتدعي الظ ــروف س ــرعة البت يف األم ــر فتض ــطر الدول ــة أو ال ــدول ص ــاحبة املص ــلحة يف
التعديل إىل اخلروج على النصوص فتخرق بذلك القانون .
ولكي يتمشى التقنني مع تطـورات احليـاة الدوليـة وضـروراهتا املسـتجدة ,البـد من االهتمـام
بأمرين مها :
206
-1أن يراعى أن ال يقتصر التقنني على جمرد تدوين مجيـع القواعـد القائمـة كمـا هي ,وإمنا
يعـاد النظـر فيهـا ويعـدل منهـا وفـق مـا تقتضـيه الظـروف اجلديـدة وتنسـق تنسـيقًا يتفـق مـع مـا
وصلت إليه احلياة الدولية من تطور .
-2أن يتضــمن التقــنني ذاتــه نص ـًا يســمح بــإجراء التعــديالت الــيت تقتضــيها الظــروف باتبــاع
إجراءات مبسطة وباالكتفـاء يف ذلـك بأغلبيـة معينـة يكـون قراراهـا ملزمـًا جلميـع الـدول الـيت
أقرت التقنني .
وعلى أي حــال ,فــإن مــا حققتــه األمم املتحــدة ,مبعاونــة جلنــة القــانون الــدويل وغريهــا من
اجلهـات املعنيـة بتثـبيت القواعـد القانونيـة الدوليـة ,خالل السـنوات املاضـية يفيـد انعقـاد عـزم
مجاعــة الــدول على املضــي جــديًا يف ســبيل التــدوين التــدرجيي لقواعــد القــانون الــدويل .وال
شــك أنــه ســوف يــأيت يــوم يكتمــل فيــه هــذا العمــل ويصــبح بــذلك للمجتمــع الــدويل جمموعــة
كامل ــة من القواع ــد القانوني ــة الدولي ــة ال ــيت حتكم العالق ــات بني أعض ــائه يف خمتل ــف املي ــادين
( )1
واجملاالت .
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور علي صادق أبو هيف ( ,ص. )71
املطلب اخلامس
أثر التقنني يف العرف الدويل
207
إذا ما جنحت عملية التقـنني وتوصـلت الـدول إىل إبـرام معاهـدة دوليـة مجاعيـة وحـازت على
العــدد املطلـوب من التصــديقات ،فــإن القواعــد الــيت جـرى تقنينهــا تــدخل دائــرة النفــاذ وتعــد
ملزمــة فقــط للــدول الــيت صــدقت أو انضــمت إىل املعاهــدة ,أمــا الــدول األخــرى الــيت ظلت
بعي ــدة عن معاه ــدة التق ــنني فإهنا ال تل ــتزم بأحكامه ــا ,إال يف ح ــدود القواع ــد العرفي ــة ال ــيت
ك ــانت ملزم ــة للجمي ــع من قب ــل مث ج ــرى أدراجه ــا يف ه ــذه املعاه ــدة ,ه ــذه القواع ــد تل ــزم
األطراف وغري األطراف ؛ ألهنا تظل حمتفظة بطابعها العريف وال تضر هبا عملية التقنني .
وحتتــوي اتفاقيــة األمم املتحــدة العامــة لقــانون البحــار لعــام 1982م على كثــري من القواعــد
العرفيــة امللزمــة جلميــع الــدول حــىت أولئــك الــذين مل يصــدقوا عليهــا بعــد ،مثــل قاعــدة حــق
املرور الربي للسفن األجنبية يف البحار اإلقليمية للدول الســاحلية ,وحــق الطــريان والتحليــق
فــوق أعــايل البحــار ,ووضــع الكــابالت واألنــابيب يف قــاع أعــايل البحــار ,وقاعــدة االمتــداد
القــاري ،واملنطقــة االقتصــادية اخلالصــة الــيت اكتســبت الصــفة العرفيــة أثنــاء مناقشــات املؤمتر
الثالث لقانون البحر .
وقبـ ــل إبـ ــرام االتفاقيـ ــة ذاهتا قـ ــالت حمكمـ ــة العـ ــدل الدوليـ ــة يف حكمهـ ــا بتارخيه 24فـ ــرباير
1982م يف النزاع بني ليبيا وتونس :بأن " مفهوم املنطقة االقتصادية اخلالصة ميكن اعتبــاره
جزًء من القانون الدويل ا لعام املعاصر" .
ومن املمكن ج ـدًا م ــع م ــرور ال ــزمن أن تتح ــول ه ــذه املعاه ــدات اجلماعي ــة إىل قواع ــد عرفي ــة
ملزمــة إذا مــا ســارت وفق ـًا ألحكامهــا مجيــع الــدول أو األغلبيــة املعــربة من اجلماعــة الدوليــة.
ويف هــذه احلالــة فــإن القواعــد ســوف تفــرض على األطــراف باعتبارهــا اتفاقيــة وعرفيــة يف آن
واحد ,وسوف تفرض على اآلخرين باعتبارهـا قواعـد عرفيـة فقـط ,وحكم حمكمـة العـدل
الدولي ــة يف قض ــية االمت ــداد الق ــاري يف حبر الش ــمال ع ــام 1969م ,وك ــذلك حكمه ــا يف
قضية األنشطة العسكرية وشـبه العسـكرية يف نيكـاراجوا عـام 1986م ,قـد أوضـح العالقـة
بني القواعد العرفية وبني القواعد املدرجة يف معاهدات التقنني بصورة واضحة .
ففي احلالــة الــيت تكــون فيهــا القواعــد كلهــا أو بعض منهــا عرفيــة أص ـًال مث جــرى وضــعها يف
ص ــورة معاه ــدة ،ف ــإن القواع ــد العرفي ــة ه ــذه هي ال ــيت تظ ــل حتكم عالق ــات ال ــدول ،وجيب
208
بالطبع إثبات وجود متاثل بني القواعد العرفية وبني القواعد اليت مت تقنينها من خالل التأكد
من وجود العنصر املادي واملعنوي يف القاعدة العرفية .
ويف احلالــة الــيت تكــون فيهــا معاهــدات التقــنني كلهــا ذات قواعــد جديــدة متام ـًا ،فهي تلــزم
أطرافه ــا فق ــط ،ولكن ليس من املس ــتبعد نش ــأة ع ــرف دويل من خالل حتول ه ــذه القواع ــد
اجلدي ــدة إىل قواع ــد عرفي ــة إذا م ــا س ــارت ال ــدول وفق ـًا ألحكامه ــا ،هن ــا تك ــون معاه ــدات
التق ــنني مبثاب ــة نقط ــة االنطالق يف تك ــوين ال ــركن املادي للع ــرف ال ــدويل ،أي انطالقـ ـًا من
قاعــدة مكتوبــة يف األصــل ،ومــع مــرور الــزمن وســلوك الــدول وفقـًا هلا ،فإهنا تصــبح قاعــدة
عرفي ــة ,فتط ــبيق ه ــذه املعاه ــدة بش ــكل مس ــتمر واالعتق ــاد بإلزاميته ــا من األطـ ــراف وغ ــري
األطراف هو الذي سكبها الطابع العريف .
وهكذا فالتقنني هو عملية تقوم بإحالل قانون من طبيعة عرفية شكل بطريقــة تلقائيــة خالل
الق ــرون املاض ــية ع ــرب االعتق ــاد والش ــعور ب ــاإللزام بواس ــطة أعض ــاء اجلماع ــة الدولي ــة بق ــانون
مشــكل إرادي ـًا ومــدرج يف نصــوص مكتوبــة متبنــاة بواســطة األعضــاء أو على األقــل بواســطة
البعض منهم .
وهذه العملية جيب أن تنصب أصـًال على املوضـوعات الكـربى واملهمـة يف القـانون الـدويل ,
أي املســائل ذات األمهيــة الــيت حتكمهــا جمموعــة من القواعــد غــري املكتوبــة واملوروثــة تقليــديًا
رمبا منذ قرون .
ولكن التقنني ال ينفصل أبدًا عن التقدم املطرد للقانون الدويل ,ويصــعب الفصــل دائمـًا بني
التق ــنني والقواع ــد العرفي ــة ,ذل ــك أن ه ــذه القواع ــد يعرتيه ــا بعض التع ــديل ويزي ــدها التق ــنني
رســوخًا ووضــوحًا ,وال تفقــد صــفتها كقواعــد عرفيــة ,وال يــرد عليهــا التحفــظ من جــانب
( )1
الدول األطراف .
ــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,لعلي ابراهيم ( ,ص. )648-647
الفصل الثالث
209
حجية العرف الدويل واألساس اإللزامي له
املبحث األول
حجية العرف الدويل
210
إن الش ــريعة اإلس ــالمية ال ــيت ج ــاءت لتنظيم اجملتم ــع وإس ــعاد الن ــاس جبلب املن ــافع هلم ودف ــع
املضار عنهم ومل تفصل أحكـام الوقـائع كلهـا ,ال يتصـور فيهـا أن حتول بني النـاس وبني مـا
تعارفوه مما جيلب هلم نفعًا أو يدفع عنهم ضررًا أو يرفع عنهم حرجًا ومشقة .
وال أدل على ذلك من أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو املبلغ عن اهلل ,مل يهدم كل
ما تعوده العرب يف جاهليتهم بل أقر منه الصاحل وأبطل الفاسد وعدل ما احتاج إىل تعديل
.
وهو هبذا اإلقرار ملبدأ اعتبار العرف يف التشريع مل يقره جملرد كونه عرفًا عمل الناس به من
زمن بعيد وإال ألقر كل ما تعودوه ,وإمنا أقره ملا فيه من مصلحة راجحة ال غىن للناس
عنها ,ولو مل يكن ذلك موجودًا ألتى هلم به تشريعًا ابتداًء .
فيكون صلى اهلل عليه وسلم قد حدد نوع العرف الذي يعترب أساسًا للتشريع فيما بعد
وهو أن ما تعوده الناس مما ليس فيه حكم مقرر يوزن مبيزان املصلحة بعيدًا عن األهواء
والشهوات فبمقدار ما فيه من نفع أو ضرر يباح أو مينع ,فإذا كانت فيه مصلحة راجحة
أو يدفع عنهم مفسدة كبرية وال خيل باجملتمع ,يقر ويعمل به ,فيصري شريعة واجبة
االتباع ما دام حيقق ذلك ,وإذا كان غري هذا ,ألغي وأهدر ,وال فرق يف ذلك بني
عرف عام شامل لكل البلدان أو عرف خاص ببلد معني ؛ ألن رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم أقر بعض األعراف خاصة وإن صارت بعد إقراره تشريعًا عامًا تبعًا لعموم الرسالة .
( )1
وال خالف بني الفقهاء يف أن العرف الفاسد الذي خيالف األدلة الشرعية ال قيمة له وال
يبىن عليه أي حكم من األحكام الشرعية .
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :أصول الفقه اإلسالمي ,حملمد مصطفى شليب ( ,ص. )317
( أما العرف الصحيح فتجب مراعاته يف التشريع والقضاء واملعامالت ,يقول السرخسي
" : )1إن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي ؛ ألن يف النزع عن العادة الظاهرة حرجا بينا
( )2
".
211
ويقول الكاساين ( " : )3وعرف املسلمني وعادهتم حجة " .
ويقول ابن جنيم ( " : )4إن اعتبار العادة والعرف يرجع إليه يف الفقه يف مسائل كثرية حىت
جعلوا ذلك أصًال " .
" ف ــالعرف هبذا املع ــىن يعت ــرب دليًال كاش ــفًا عن حكم اهلل تع ــاىل ,وه ــو قرين ــة مرجح ــة عن ــد
( )5
التنازع يف احلقوق ,فإذا اختلف اثنان يف شيء مثًال وال بينة ألحدمها حكم العرف " .
وإذا كان العرف دليًال تبىن عليه األحكام الشرعية فمعىن هذا أن األحكام الشرعية تتغري
تبعًا لتغري العرف .يقول القرايف ( " : )6كل ما هو يف الشريعة يتبع العوائد بتغري احلكم فيه
عند تغري العادة إىل ما تقتضيه العادة املتجددة ,وليس جتديدًا لالجتهاد من املقلدين حىت
يشرتط فيه أهلية االجتهاد ,بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأمجعوا عليها فنحن نتبعهم
( )7
فيها من غري استئناف اجتهاد " .
إذًا جيب اعتب ــار الع ــرف م ــادام ال خيالف دليًال من األدل ــة الش ــرعية وال قاع ــدة من قواع ــده
األساس ــية ,كتع ــارف أص ــحاب العق ــول الرش ــيدة والطب ــاع الس ــليمة بعض الع ــادات التجاري ــة
ـــــــــــــــــــــ
( )1سبقت ترمجته يف (ص. )53
( )2املبسوط ,للسرخسي . )13/14( ,
( )3هو عالء الدين أبو بكر بن مسعود بن أمحد الكاساين احلنفي من أهل حلب ,تفقه على السمرقندي ,تويف
يف حلب سنة 587هـ ,وله من املؤلفات :بدائع الصنائع و السلطان املبني يف أصول الدين .انظر :األعالم ,
للزركلي . ) 2/70( ,
( )4سبقت ترمجته يف (ص. )155
( )5التشريع اإلسالمي والقانون الوضعي ,للدكتور شوكت عليان ( ,ص , )119الناشر :دار الشواف .
( )6هو أبو العباس أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن الصنهاجي املصري املالكي ,ولد سنة 626هـ ,وهو من قبيلة
صنهاجة من برابرة املغرب ,وهو مصري املولد واملنشأ والوفاة ,وتويف سنة 684هـ ,وله :الذخرية والفروق
وغريمها .انظر :األعالم ,للزركلي . )1/94( ,
( )7انظر :اإلحكام يف متييز الفتاوى عن األحكام ,للقرايف (,ص , )231الناشر :مكتبة املطبوعات اإلسالمية يف
حلب 1387 ,هـ .
واخلطـ ــط السياسـ ــية واألنظمـ ــة القضـ ــائية واالجتماعيـ ــة الـ ــيت تتطلبهـ ــا حاجـ ــاهتم وتسـ ــتدعيها
مص ــاحلهم ,وذل ــك ألن املقص ــود من التش ــريع إص ــالح ح ــال الن ــاس ,وإقام ــة الع ــدل بينهم
ورفــع احلرج والضــيق عنهم ,فــإذا مل يــراع يف تشــريع األحكــام مــا اعتــاده النــاس ومــا عرفــه
212
أهــل العقــول الرشــيدة والطبــاع الســليمة وقــع النــاس يف الضــيق واحلرج ,وصــارت الشــريعة
جمافية للغرض الذي بنيت عليه .
وقد اعترب الفقهاء على اختالف مذاهبهم العرف الصــاحل ,وجعلــوه أصـًال من األصــول الــيت
تب ــىن عليه ــا الفت ــاوى واألحك ــام ,ووردت عنهم في ــه كلم ــات ج ــرت جمرى املب ــادئ العام ــة
والقواعــد الكليــة كقــوهلم ,العــادة حمكمــة و الثــابت بــالعرف كالثــابت بــالنص و العــرف يف
( )1
الشرع له اعتبار و العرف شريعة حمكمة .
" والعرف املعترب هو ما خيصص العام ويقيد املطلق وأمــا عــرف يبطـل الــواجب ويــبيح احلرام
فال يق ــول ب ــه أحــد من أه ــل اإلس ــالم ,فــإذا أف ــىت بعض الفقه ــاء بص ــحة عق ــد خمالف ألص ــل
شرعي وظهر من عبارته أنه استند يف إفتائــه إىل جريــان العــرف هبذا العقــد فــاعلم أن العبــارة
( )2
مل تفرغ يف قالب التحقيق أو أنه مل يزن الفتوى بالقسطاس املستقيم " .
" وبالنظر يف العرف وأمثلته وما قاله األصوليون والفقهاء فيــه ,يتــبني أن العــرف ليس دليًال
مس ــتقًال يش ــرع احلكم يف الواقع ــة بن ــاء علي ــه ,وإمنا ه ــو دلي ــل يتوص ــل ب ــه إىل فهم املراد من
( )3
عبارات النصوص ومن ألفاظ املتعاملني وإىل ختصيص العام منها وتقييد املطلق " .
وكم ــا س ــبق وأن قلت فق ــد اتف ــق الفقه ــاء على أن الع ــرف عب ــارة عن دلي ــل أو مص ــدر من
مص ــادر التش ــريع اإلس ــالمي ,وتوس ــع احلنفي ــة واملالكي ــة يف العم ــل ب ــه أك ــثر من غ ــريهم ,
واعتمدوه مستندًا يف كثري من األحكام العملية ويف فهم النصـوص الشـرعية بتقييـد اطالقاهتا
ويف تبيـ ــان أحكـ ــام الفقـ ــه املختلفـ ــة يف دائـ ــرة العبـ ــادات واملعـ ــامالت واألحـ ــوال الشخصـ ــية
( )4
والتعزيرات اجلزائية والسري أو العالقات اخلارجية وهي ما يهمنا هنا .
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :أصول الفقه اإلسالمي ,لزكي الدين شعبان ( ,ص. )192
( )2انظر :مصادر التشريع اإلسالمي فيما ال نص فيه ,للشيخ عبد الوهاب خالف ( ,ص , )148نقًال عن
الشيخ إبراهيم الرياحي التونسي .
( )3انظر :املصدر السابق ( ,ص. )149
( )4انظر :أصول الفقه اإلسالمي ,للدكتور وهبة الزحيلي . )2/835( ,
213
أوًال :من الكتاب :
-1قال تعاىل { :خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن اجلاهلني } .
( )1
يقول القرايف ( " : )2فكل ما شهدت به العادة قضي به لظاهر هذه اآليـة " )3( .ومن ذلـك
ما اعتادته الدول يف عالقاهتا .
" واهلل تعاىل يف هذه اآلية أمر الناس باتبـاع العـرف ,والواقـع أن املراد بـالعرف يف اآليـة هـو
املعىن اللغوي ال االصـطالحي ولكن يسـتأنس بـه لكـون املعـىن اللغـوي أعم من االصـطالحي
( )4
".
يقول ابن العريب ( )5يف تفسريه للعرف يف هذه اآليـة أنـه " :مـا ال ينكـره النـاس من احملاسـن
( )6
اليت اتفقت عليها الشرائع " .
( )7
وقيل أنه " :كل خصلة ترتضيها العقول ,وتطمئن هلا النفوس " .
وأن ــه من املع ــروف ال ــذي ه ــو ض ــد املنك ــر )8( .وال ش ــك أن ه ــذه املع ــاين س ــبق ذكره ــا يف
( )9
التعريف اللغوي للعرف .
ـــــــــــــــــــ
( )1سورة األعراف ,اآلية رقم . )199( :
( )2سبقت ترمجته يف (ص. )209
( )3الفروق ,للقرايف , )3/149 ( ,الناشر :دار املعرفة يف بريوت .
( )4انظر :أصول الفقه اإلسالمي ,للدكتور وهبة الزحيلي . )2/836( ,
( )5هو أبوبكر حممد بن عبد اهلل بن حممد بن عبد اهلل ابن العريب األندلسي ,ولد سنة 468يف أشبيلية ,وويل
القضاء هبا ,رحل مع أبيه إىل بغداد واحلجاز ومصر وأخذ العلم من الغزايل والشاشي والتربيزي ,ومات بقرب
فاس ودفن هبا ,وله من املؤلفات :أحكام القرآن والعواصم من القواصم ونزهة الناظر وغريها .انظر :سري أعالم
النبالء ,للذهيب , )2/197( ,واألعالم ,للزركلي . )7/106( ,
( )6أحكام القرآن ,البن العريب , )2/823( ,الناشر :دار املعرفة يف بريوت .
( )7انظر :اجلامع ألحكام القرآن ,للقرطيب , )7/346( ,الناشر :دار الكاتب العريب يف القاهرة 1387 ,هـ .
( )8انظر :تفسري املنار ,حملمد رشيد رضا , )9/534( ,الناشر :دار املنار .
( )9راجع ( :ص. )12
( )1
-2قال تعاىل { :وعلى املولود له رزقهن وكسوهتن باملعروف } .
214
يف هذه اآلية بىن اهلل سبحانه وتعاىل احلكم الذي حيدد مقــدار الــرزق والكسـوة على العــرف
السائد ( , )2مما يدل على اعتبار العرف وحجيته بشكل عـام ,والعـرف الـدويل أحـد فروعـه
فيحتج به كما مت االحتجاج بالعرف .
( )3
-3قال تعاىل { :وهلن مثل الذي عليهن باملعروف } .
ويف هــذه اآليــة أيضـًا جعــل اهلل ســبحانه وتعــاىل حتديــد حســن الصــحبة والعشــرة على العــرف
الســائد ( , )4مما يؤكــد اهتمـام التشــريع اإلســالمي بــالعرف وعــده دليًال فرعيـًا حيثمـا ال دليــل
سواه ,وبالتايل يكون العرف الدويل دليًال تبىن عليه األحكام عنـد افتقـار القضـية أو املسـألة
لدليل آخر .
-4ق ــال تع ــاىل { :ومتع ــوهن على املوس ــع ق ــدره وعلى املق ــرت ق ــدره متاع ـًا ب ــاملعروف حق ـًا
( )5
على احملسنني } .
ه ــذه اآلي ــة تؤك ــد أيض ـًا حجي ــة الع ــرف ,حيث ت ــرك اهلل س ــبحانه وتع ــاىل تق ــدير املت ــاع على
الع ــرف ( , )6وإذا ثبتت حجي ــة الع ــرف تثبت حجي ــة الع ــرف ال ــدويل تباع ـًا لكون ــه فرع ـًا من
فروعه .
ففي هــذه اآليــة واآليــات الســابقة تأكيــد على أمهيــة العــرف ,وبنــاء األحكــام عليــه حيثمــا ال
دلي ــل س ــواه ,واالعتمــاد علي ــه يف كث ــري من الف ــروع الفقهي ــة ,وال ش ــك أن الف ــروع املعتني ــة
بالفقــه الــدويل من بينهــا ,وســيظهر أثــر ذلــك عنــد احلديث عن أثــر العــرف الــدويل يف الفقــه
( )7
اإلسالمي .
ـــــــــــــــــــــ
( )1سورة البقرة ,اآلية رقم . )233( :
( )2انظر :أحكام القرآن ,للجصاص , )1/489( ,الناشر :دار الكتب العلمية يف بريوت ,ط1415 , 1هـ .
( )3سورة البقرة ,اآلية رقم . )228( :
( )4انظر :تفسري املاوردي , )1/292( ,الناشر :مؤسسة الكتب الثقافية ,تعليق ومراجعة :السيد بن عبد
املقصود بن عبد الرحيم .
( )5سورة البقرة ,اآلية رقم . )236( :
( )6انظر :التفسري الكبري ,للرازي , )2/477( ,الناشر :دار إحياء الرتاث العريب يف بريوت ,ط1417 , 2هـ
( )7وذلك يف (ص. )191
ثانيًا :من السنة :
215
( :ل ــوال أن الرس ــل ال تقت ــل لض ــربت
-1قول ــه ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم لرس ــويل مس ــيلمة
( )1
( )2
أعناقكما ) .
يف هذا احلديث التزام من النـيب صـلى اهلل عليـه وسـلم بـالعرف الـدويل ,ولـو مل يكن العـرف
الــدويل حجــة لقــام النــيب صــلى اهلل عليــه وســلم بقتــل الرســولني ,ولكن لوجــود هــذا العــرف
امتنع عن ذلك ,مما يدل على حجيته .
-2قوله صلى اهلل عليه وسلم ( :ما رآه املسلمون حسن فهو عند اهلل حسن ) .
( )3
فإنه يدل على أن األمر الذي جيري عليه عرف املسلمني مع غــريهم ويــرون حســنه ,يكــون
عند اهلل أمرا حسنًا ومعموًال به .
( )5
وقد استدل الكاساين ( )4على حجية العرف بذكر هذا احلديث .
( )6
ولكن يؤخذ على هذا احلديث أنه ضعيف ال أصل له .
-3قول النيب صلى اهلل عليه وسلم هلند بنت عتبة ( )7حينما اشتكت إليه خبل زوجها أبا
ـــــــــــــــــــــ
( )1هو مسيلمة بن مثامة بن كبري بن حبيب احلنفي الوائلي املعروف بالكذاب الدعائه النبوة ,كان روجيًال ,أصيغر
,أخينس ,وقد عظم أمره يف اليمامة وادعى النبوة كما أسلفت ,حىت قيض اهلل لـه أبـابكر رضـي اهلل عنـه فأرسـل لـه
خالد بن الوليد رضي اهلل عنه ,فقضى عليه سنة 12هـ .انظر :األعالم ,للزركلي . )8/125( ,
( )2سبق خترجيه يف (ص. )53
( )3أخرجه أمحد يف مسنده عن ابن مسعود , )1/379( ,وكذا الطرباين يف املعجم األوسط , )4/58( ,حتقيق
:طارق بن عوض اهلل بن حممد و عبد احملسن بن إبراهيم احلسيين ,الناشر :دار احلرمني يف القاهرة 1415 ,هـ ,
واحلاكم يف مستدركه . )3/83( ,
( )4سبقت ترمجته يف ( :ص. )209
( )5انظر :بدائع الصنائع ,للكاساين , )5/223( ,الناشر :دار الكتاب العريب يف بريوت ,ط1394 , 2هـ .
( )6قال عنه األلباين " :هذا حديث ضعيف ال أصل له مرفوعًا ,وإمنا ورد موقوفًا على ابن مسعود " .انظر :
سلسلة األحاديث الضعيفة واملوضوعة , )2/17( ,رقم احلديث , )533( :الناشر :مكتبة املعارف بالرياض ,
ط1412 , 5هـ .
( )7هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد مشس بن عبد مناف ,والدة معاوية ,قتل أبوها ببدر ,وشهدت مع
زوجها أيب سفيان أحدًا ,وحرضت على قتل محزة رضي اهلل عنه لقتله عمها شيبة ,أسلمت عام الفتح ,وقد أهدر
( )2
سفيان ( ( : )1خذي ما يكفيك وولدك باملعروف ) .
216
يف هــذا احلديث أمــر النــيب صــلى اهلل عليــه وســلم هنــد بنت عتبــة أن تأخــذ من مــال زوجهــا
حبسب العرف اجلاري ,مما يدل على حجية العرف واهتمام التشريع به .
وإن خمالفــة األعــراف الدوليــة الســائدة الــيت ال ختالف النص تســبب احلرج واملشــقة للــدول يف
عالقاهتا " ,ألنه على أساس هذا العرف تتجه غالبًا إرادة العاقــدين يف عقــودهم وتصــرفاهتم
( )4
".
217
أصل التشـريع سـبب املصـاحل ,فـوجب اعتبـار مـا حيقـق هـذه املصـاحل ,واألعـراف والعـادات
حتقق املصاحل ,لذا وجب اعتبارها .
وألن عدم اعتبار أعــراف النــاس وعــاداهتم فيــه تكليــف مبا ال يطـاق ,والتكليــف مبا ال يطـاق
( )1
غري جائز .
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :املوافقات ,للشاطيب . )288-2/287( ,
( )2سبق خترجيه يف (ص. )53
( )3انظر :املوافقات ,للشاطيب . )2/280( ,
218
المبحث الثاني
األساس اإللزامي للعرف الدويل
املطلب األول
219
األساس اإللزامي للعرف الدويل يف القانون
الدويل العام
اختلـف شـراح القـانون الـدويل العـام يف األسـاس اإللـزامي للعـرف الـدويل على رأيني متثلهمـا
املدرستني التاليتني :
220
الضمين أو املفروض ,وليس هذا الفارق بذي أثر ؛ ألن الرضا الضمين يتســاوى مــع الرضــا
الصريح من حيث قوة اإللزام .
وهنــاك فــارق أخــر وهــو أن املعاهــدات ترتضــيها الدولــة لتنظيم عالقاهتا املســتقبلية ,يف حني
( )1
أن العرف الدويل ينظم عالقة الدول يف احلاضر واملستقبل .
وبناًء على ما سبق فإن القاعدة العرفية أساسها اإلرادة ،ولذلك فهي ال تطبق إال على
الدول اليت اشرتكت يف إنشائها ،أو الدول اليت اعرتفت هبا يف وقت الحق بعد تكوهنا.
فهي ليست ملزمة للدول الغري إال برضاها ,فهناك متاثل كامل بني القاعدة االتفاقية
الناشئة عن املعاهدات والقاعدة العرفية الناشئة عن السلوك من حيث آثارمها جتاه
املخاطبني هبا ,فال توجد إذًا إال قواعد عرفية خاصة ملزمة فقط للدول اليت وافقت عليها
( )2
أثناء أو بعد تكوينها .
وهتدف هذه املدرسة إىل الدفاع عن سيادة الدول ،ولذلك فإن الدول ال ميكنها أن تلتزم
بشيء على املستوى الدويل ،إال إذا وافقت عليه صراحة أو ضمنًا ,وهلذا ليس غريبًا أن
يكون املدافعني عنها هم أنصار السيادة ،وهم موجودون منذ قرون ومازال البعض منهم
حييا حىت اآلن .
فقد دافع عنها جروسيوس الذي كان منظرًا للسيادة املطلقة ،ودافع عنها الشراح اإلجنليز
الذي يريدون احملافظة على السيادة اإلجنليزية خالل القرن التاسع عشر ،ودافع عنها أيضًا
شراح املدرسة الوضعية اإليطالية واألملانية خالل القرن العشرين ,ودافع عنها الشراح
السوفييت احلريصني على سيادة االحتاد السوفييت والدول الشيوعية ,وقدكان نوثكني منذ
عصر ستالني وحىت لفظ النظام الشيوعي أنفاسه األخرية ،من أشد الشراح دفاعًا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حامد سلطان ,والدكتورة عائشة راتب ,والدكتور صالح الــدين عــامر
( ,ص. )47
( )2انظر :القانون الدويل العام ,لعلي ابراهيم ( ,ص. )604
عن هذه املدرسة يف مؤلفاته العديدة اليت نشرها يف الغرب منذ عام 1985م ,فهو يرى
أن الدول اجلديدة ليست ملزمة إال برضاها ،وأن فكرة العرف تنطوي على عرض ضمين
موجه للدول األخرى ،بدون مؤمترات وبدون مباحثات ،وإذا ما مت قبول هذا العرض
221
الضمين بواسطة دول أخرى ،قبول ناجم عن تصرفاهتا ،فينتج عن ذلك العرف بني
الدول اليت قبلته ,فالتطبيق أو السلوك العام ال يصبح قاعدة قانونية إال إذا مت االعرتاف به
أو قبوله من جانب الدول اليت وجه عليها العرض ،وال يلزم سوى من وافقوا عليه ,هذا
القبول هو تعبري عن إرادة الدولة اجلديدة ,وأن القول بسريان العرف يف مواجهة الدول
اليت تقبله أو مل توافق عليه ،هو يف رأي تونكني قول مغرض هدفه فرض سيطرة وهيمنة
أجنبية .
هذا وقد أخذت هبا حمكمة العدل الدولية يف حكم وحيد ومنعزل يف قضية اللوتس عام
1927م حيث صدر احلكم يف ذلك الوقت برتجيح صوت الرئيس انزيلويت وهو من
أنصار املدرسة اإلرادية خالل النصف األول من القرن العشرين ,وقد قالت احملكمة يف
هذا احلكم " :إن القانون الدويل حيكم العالقات بني الدول ذات السيادة ،والقواعد اليت
تلزم الدول تنبع إذًا من إرادة هذه الدول وتكون يف صورة اتفاقيات أو يف صورة عادات
مقبولة عامة مكرسة لقواعد القانون ،ومنشأة بقصد تنظيم التعايش بني هذه التجمعات
املستقلة " .
ولكن هذا احلكم منتقد ومل يصدر إال برتجيح صوت الرئيس انزيلويت ،األمر الذي يؤكد
أن نصف عدد القضاة غري مقتنعني به يف حينه ,وهو مازال منعزال ًمل تدعمه أي أحكام
أخرى ؛ ألنه ال يعرب عن حقائق العالقات الدولية ،ويعوق تطور القانون الدويل ,وإذا
( )1
كان العرف يرتكز علي االتفاق ,فإن التكرار يصبح ال معىن له .
إن قوة نفاذ العرف تستمد من التأييد العملي ألعضاء اجلماعة الدولية األكثر اتساعًا
وانتشارًا ,وهو أمر يقتضي فرتة من الزمن أطول ما تكون ,حىت يصعب العدول عنه بعد
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )605
ويف ظل املدرسة اإلرادية يتناقص دور الركن املادي وقد تكفي مرة واحدة أو حىت
السكوت ,املهم أن الدول عند إعماهلا لقاعدة ما تكون مقتنعة بأهنا ملزمة بذلك السلوك
222
,وهو ما أوضحته حمكمة العدل الدولية يف قضية اللوتس عام 1927م من أن السكوت
قد يسهم يف تكوين القاعدة العرفية ,إذا كانت الدول تؤمن بأن سكوهتا وامتناعها ناتج
عن واجب قانوين حيث تقول احملكمة " :حىت ولو كانت قلة األحكام القضائية املعروفة
كافية من حيث الواقع إلثبات الظروف اليت يستند عليها ممثل احلكومة الفرنسية فهي تبني
فقط أن الدول كثريًا ما امتنعت يف ممارساهتا عن إقامة هذه اإلجراءات ؛ ألنه ال ميكن
الكالم على العرف الدويل إال إذا كان مثل ذلك االمتناع مؤسس على أن تلك الدول
كانت مقتنعة بوجوب امتناعها " .
وإذا مت قبول فكرة اإلرادية والرتاضي عن طريق املمارسة أو الرتاضي الضمين عن طريق
االمتناع أو السكوت امللزم فيجب أن يتم قبول النتائج املنطقية التالية :
-1الدولة اليت ترفض ممارسة عامة مقبولة كعرف وتتمسك برفضها ,ال ميكن إلزامها إال
إذا كانت تلك القاعدة ذات طبيعة خاصة ملزمة للجميع مثل القواعد اآلمرة .
-2انتهاج جمموعة قليلة من الدول ممارسة دون غريها مع قبوهلا كقانون خيلق عرفًا إقليميًا
وخاصة فيما بينها .
-3إذا اتبعت قاعدة جديدة من طرف عدد أكرب من الدول على حساب قاعدة قدمية
تكون قد أنشئت عرفًا جديدًا ويضعف القدمي ويتناقص أطرافه حىت ينتهي بالتخلي عنه
( )2
متامًا .
-4لكي يوجد العرف يكفي أن يكون هناك سلوكًا متبادًال بني الدول من طبيعة تكشف
عن تكوين االتفاق ,وليس هلذه الغاية أن تكون الدول قد قطعت شوطًا طويًال أم قصريًا
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :العالقات الدولية ,للدكتور بلقاسم كرمين ( ,ص. )219
( )2انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد بوسلطان . )1/68( ,
من الوقت خالل سلوكها ,فالعربة بالعنصر املعنوي ,وهو الكشف عن الرضا واملوافقة ,
أما السلوك فهو ذو دور ثانوي .
-5أن العرف الدويل باعتباره اتفاقًا ضمنيًا ,فإنه ال يلزم سوي الدول اليت اشرتكت
بنفسها يف إنشائه وتكوينه من خالل السلوك الدائم واملتطابق ,أي الدول اليت اتبعت خطأ
223
معينًا يف السلوك ,فهو ال ينشئ قواعد قانونية بالنسبة للدول الغري اليت مل تسري على نفس
النهج أو على نفس اخلط ,إال إذا قبلت هذه الدول يف وقت الحق أن تسري على هدي
هذا السلوك .
-6أن الدول اجلديدة اليت حصلت على االستقالل بعد نشأة العرف الدويل هي غري
ملزمة به ؛ ألهنا مل تشارك يف صنع أو إنشاء هذا العرف ,فالقيمة القانونية للقاعدة العرفية
( )1
بالنسبة للدول اجلديدة هي قيمة منعدمة ؛ ألن هذه الدول غريبة عن االتفاق .
وهناك من يرى أن واقع احلال يف العالقات الدولية املعاصرة يستلزم هذا االجتاه ؛ ألن
القانون الدويل املعاصر ما زال إىل حد كبري مبين على رضا اجملموعة الدولية ,ولذا فالدولة
احلديثة الوالدة وإن كانت ال تعلن تنكرها لعرف قدمي بشكل تلقائي وصريح ,خاصة
وأن عليها إذا ما أرادت االنضمام إىل أسرة األمم املتحدة أن تؤكد احرتامها لاللتزامات
الدولية بنوعيها العريف والعقدي ,إال أهنا ال ترتدد يف املسارعة إىل إعالن حتفظها إزاء
( )2
عرف قدمي .
إىل أن العمل الدويل استقر على عدم احلاجة لقبول كل دولة على حدة بالقاعدة العرفية ,
يستوي يف ذلك أن تكون الدولة موجودة وقت نشوء العرف ,أو أن تكون قد نشأت يف
أعقاب تكوينه ,وال عجب يف أن القضاء الدويل مل يأخذ صراحة هبذا األساس إللزام
( )3
العرف إال يف قضية السفينة لوتس .
وهناك من جينح إىل أن هذا الرأي ال جيد أنصار كثريون له يف القانون الدويل بل ميكن
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )606
( )2انظر :املدخل إىل القانون الدويل العام ,للدكتور حممد عزيز شكري ( ,ص. )55
( )3انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ( ,ص. )372
( )1
القول أنه ال يوجد اآلن من يدافع عن هذا االجتاه أو على األقل من يعتقد بأمهيته .
إن سريان العرف الدويل على اجلميع هو املبدأ املستقر ,ولكن الدول اجلديدة تقاوم هذا
االجتاه ,كما أوضح شاوفيك يف دراسته " تأثري الدول اجلديدة على مفهوم القانون
224
الدويل " حيث يقول " :هذه الدول – ودون أن تضع موضع الشك واالهتام كل قواعد
القانون الدويل -ترفض فقط القيمة اإللزامية لقواعد ومبادئ عرفية تعرب عن عدم املساواة
القانونية الواقعية اليت كانت سائدة إبان احلقبة االستعمارية والسيطرة األجنبية ,وهي
عندما تأخذ هذا املوقف فهي تعتمد على حقيقة أن أساس هذه القواعد واملبادئ الغربية
يتوقف على التعبري واملوافقة والقبول الصريح أو الضمين هلذه القواعد ,وأن الدول القدمية
ذاهتا كثريًا ما نفت القيمة القانونية لبعض القواعد العرفية ,ويف النهاية فإن هذا املوقف
ينبع من طبيعة القانون الدويل العام الذي ال يعرتف إال بااللتزامات اليت تقبل حبرية وبدون
ضغوط أو إكراه ,ومن هنا فان االمتداد التلقائي للعرف الدويل على الدول اجلديدة
حديثة االستقالل هو نقل ملفهوم القانون الداخلي على منط من العالقات الدولية املختلفة
كليًا بسبب غياب السلطة املركزية والتكامل القانوين .
هذه الدول اجلديدة ,وطاملا أهنا ذات سيادة ,فهي إذًا ومن خالل تصرفها وسلوكها
أظهرت موقفها جتاه هذه القاعدة أو تلك من القواعد العرفية ,وطبقًا ملبدأ املساواة
القانونية فإن الدول اجلديدة ,وشأهنا يف ذلك شأن الدول القدمية ,هلا احلق يف االشرتاك
يف تكوين وإنشاء القواعد اليت ستطبق عليها ,أو على األقل القواعد اليت ستنضم إليها ,
جيب أن يكون االنضمام حبرية ,وبناًء عليه فإن كل مفهوم أو تصور يزعم إمكانية فرض
بعض قواعد القانون بواسطة عدة دول على دول أخرى ,أو خلط القانون الدويل
بالداخلي ,أو التغطية القانونية لوضع هيمنة أو سيطرة ,هو وضع مرفوض "
ومن هنا ال يوجد عرف عام ملزم للدول مجيعًا ,وإمنا فقط توجد أعراف خاصة مقصورة
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ( ,ص. )128
يف آثارها على الدول اليت قبلتها أو وافقت عليها ضمنًا ,ولكي يكون العرف ذا صفة
عاملية جيب أن توافق عليه الدول مجيعًا دون أن تتخلف واحدة منها يف اجلماعة الدولية .
( )1
ولقد انتقدت هذه املدرسة لتجاهلها ميزة التطور اليت تتمتع هبا القاعدة العرفية .
225
كما أن هذا املدرسة ال تذهب إىل القول بالتزام الدول اجلديدة بالقواعد العرفية اليت
( )2
وجدت قبل وجودها .
وأيضًا فرأيها معيب وضعيف ويكذبه الواقع وال يعمل به القضاء الدويل يف الوقت الراهن
ألن نتائجه غري معقولة .
فهذا املفهوم اإلرادي للعرف ال يأخذ يف االعتبار حقائق احلياة الدولية ؛ ألنه سيتم
الوصول من خالله إىل نتيجة حتمية هي عدم وجود أي قاعدة عرفية ملزمة ألي دولة
بدون دليل وبدون إظهار إلرادهتا ورضاها على األقل الرضا الضمين .
وهذا يعين نفي وجود األعراف العامة ؛ ألنه ُيتطلب يف العرف العام رضا وموافقة مجيع
الدول ,وهذا مستحيل ,والواقع يسري يف عكس هذا االجتاه ؛ ألنه توجد استحالة مادية
حقيقية يف إثبات وجود القواعد يف مثل هذه احلاالت .
وفوق ذلك ينجم عن هذه النظرية اضطراب وعدم ثبات يف العالقات القانونية الدولية ,
حيث إن بعض الدول قد ترفض وتدعي أهنا خارج نطاق هذا العرف ألهنا ببساطة شديدة
مل تشرتك يف إنشائه أو أهنا مل تكن موجودة أصًال عند نشأته ومل تتح هلا الفرصة
للمشاركة يف السوابق .
وعليه فإن دولة مثل سويسرا اليت أصبحت متلك أسطوال جتاريًا حديثًا جيوب البحار هي
غري ملزمة بقواعد املالحة البحرية ألن القواعد نشأت قبل استقالهلا ,هذا أمر خمالف
للعقل واملنطق وال ينادي به عاقل يف الوقت الراهن .
ومثال كهذا أوقع املدرسة اإلرادية يف مأزق حاد جعلها تتخبط حماولة اخلروج منه
بالتحايل واالفرتاض والقول بأن هناك قواعد جوهرية جيب أن تفرض على اجلميع أو
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ( ,ص. )75
( )2انظر :قانون العالقات الدولية ,للدكتور جعفر عبد السالم ( ,ص. )107
تفرض أهنا سارية أو نافذة يف مواجهة مجيع الدول حىت تلك اليت مل تشارك يف إنشائها ,
واالفرتاض دليل على ضعف بناء النظرية ويقود يف النهاية إىل تساويها مع النظرية
226
املوضوعية اليت ترى أن العرف يتكون بطريقة تلقائية العتبارات خارج إرادة الدول ,
وضرورات احلياة الدولية تفرضه كقانون .
ومن وجهة النظر القانونية السليمة ,فهذا النظرية ال ختدم مصاحل الدول اجلديدة على
عكس ما يبدو من مظهرها ألول وهلة ,فاملسألة يف غاية األمهية بالنسبة للدول اجلديدة ,
ومن مصاحلها سريان القواعد العرفية العامة عليها فور احلصول على االستقالل ؛ ألن هذه
القواعد حتمي سيادهتا وكياهنا اإلقليمي وتساويها فورًا مع الدول القدمية .
والقول بأن هدف القواعد العرفية العامة هو فرض هيمنة وسيطرة على الدول اجلديدة من
جانب الدول القدمية كما يرى الفقه االشرتاكي هو قول غري صحيح ,والدول اجلديدة
نفسها تستفيد فورًا من قواعد العرف الدويل املوجودة قبل استقالهلا ,حيث إن هذه
القواعد متنحها حقوقًا ومزايا فورية ,وتفرض على عاتق الدول القدمية التزامات بعدم
التعرض لسيادة الدول اجلديدة ,ووجوب احرتام كياهنا السياسي واإلقليمي واختصاصاهتا
,وعدم التدخل يف شئوهنا الداخلية واخلارجية .
وقبول النظرية الشخصية القائلة بعدم التزام الدول اجلديدة بالقواعد العرفية اليت مل تشارك
يف صنعها يقود حتمًا إىل نتائج خطرية يف صاحل الدول اجلديدة ,منها مثًال :أن من حق
الدول القدمية أن تعلن عند نشأة دولة جديدة بأهنا لن حترتم القواعد العرفية القدمية اخلاصة
باملساواة يف السيادة وعدم التدخل جتاه الدول اجلديدة ,وأهنا سوف تستبيح حرمة أراضي
الدول اجلديدة وتعيد استعمارها من جديد .
فهل هذه النتيجة ترضي الدول اجلديدة إذا كانت ترضي أنصار املدرسة اإلرادية .
إن من يقبل ذلك يكون قد فقد العقل واملنطق معًا .
مثل هذه النتيجة ال ترضي بالقطع الدول اجلديدة ,وتوضح ضعف وهزال املدرسة
اإلرادية والفقه االشرتاكي الذي دافع عنه تونكني عقودًا طويلة من الزمن ,مث انتهي إىل
ال شيء وزال مع زوال الشيوعية .
هذا واملشاهد أن الدول اجلديدة هي من أشد املدافعني عن القواعد العرفية القدمية اخلاصة
بالسيادة واالستقالل واملساواة ,وحصانة أموال الدولة واختصاصاهتا وعدم التدخل يف
شئوهنا .....اخل .
227
وهذا ما تكشف عنه مواقفها أمام أجهزة املنظمات الدولية ,وما كشفت عنه بالفعل
املرافعات الشفوية واملكتوبة يف قضية األنشطة العسكرية وشبه العسكرية يف نيكاراجوا
بتاريخ 28يونيو 1986م .وكذلك يف قضية السيادة على " قطاع أوزو " بني ليبيا
وتشاد ,واليت أصدرت حمكمة العدل فيها حكمًا لصاحل تشاد بتاريخ 3فرباير عام
1994م .
وعليه فالنظرية اإلرادية فاسدة ومهجورة يف العمل حىت ولو دافع عنها بعض الشراح ,
( )1
حىت هذا اليوم .
ـــــــــــــــ
( )1انظر القانون الدويل لعلي ابراهيم (ص )611-608
228
تأخذ هذه املدرسة بنظريــة الــوعي القــانوين اجلمـاعي ,أي أهنا تــرى أن العــرف الــدويل يعتــرب
تعبريًا عن قاعدة موضوعية خارجة عن إرادة الدول بل وأمسى من هـذه اإلرادات ,وبـذلك
يظهــر العــرف الــدويل كتعبــري عن إميان واقتنــاع قــانوين قــائم ال صــلة لــه بــأي عمــل إرادي ,
( )1
صريح أو ضمين ,يصدر عن الدولة .
فالعرف الدويل ما هو إال مثرة لضرورات احلياة الدولية ,يستجيب لضرورات احلياة
الدولية ،ويرتجم توازن القوى الدولية القائمة يف حلظة معينة ،وزمن معني ,فهو ال
يتشكل من خالل االعرتاف به من مجيع أعضاء اجلماعة الدولية ،وإمنا يتشكل بطريقة
تلقائية من خالل األغلبية املعربة ألعضاء اجلماعة الدولية ويتحقق من خالل التعبري عن
الضمري القانوين العام هلذه اجلماعة .
ومن هنا فهو يسري على اجلميع سواء أولئك الذين اشرتكوا يف صنعه من خالل السلوك
املتكرر مرة بعد أخرى ،وأولئك الذين يعيشون يف اجملتمع الدويل ,وكذلك أولئك الذي
سوف يأتون من بعدهم ,وحدة هذا الشرح هو الذي يسمح بصالحية سريان العرف
على اجلميع ؛ ألنه ضرورة ال مفر منها حلكم العالقات الدولية ،طاملا أن املعاهدات غري
( )2
كافية لسد مجيع الثغرات يف حياة اجلماعة الدولية .
ب ــل أن ــه ت ــرتب من خالل حكم ــة األجي ــال ,حبيث جيب على اجلماع ــة الدولي ــة اإلذع ــان ل ــه
والتص ــرف وفق ـًا حلكم ــه ,وذل ــك ألن تنظيم حي ــاة العائل ــة الدولي ــة ,واحملافظ ــة على بقائه ــا
يتطلبان ذلك اإلذعان واخلضوع ؛ ألنه حيقق املساواة يف احلقوق والواجبــات ,ويطبــق على
صور العدل من خالل ما تقوم به قواعـده يف تنظيم العالقـات الدوليـة ,كمـا يعـرب عن الثقـة
املتولدة من الطبيعة اإلنسانية اليت تدعمه باحرتام ممزوج بالرهبة حنو املنفعة من قيمة قواعده
ـــــــــــــــــــــــ
* وأول من نادى هبذه املدرسة سافيين وكذلك دوجي وجورج سل وشارل فيشر ,انظر :أصول القانون الدويل
العام ,للدكتور حممد سامي عبد احلميد ( ,ص , )157وانظر :الوجيز يف القانون الدويل العام ,للدكتور حممود
مرشحه , )309( ,منشورات جامعة حلب .
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ( ,ص. )75
( )2انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )611
229
ال ــيت نتجت من تع ــود أجي ــال س ــبقت وخيشــى تغيريه ــا ,حيث ميث ــل أحســن ضــمان للت ــوازن
واالستقرار يف تنظيم السلوك العام ألعضـاء األسـرة الدوليـة يف ظـل الظـروف احلاليـة وخالل
الفرتات املقبلـة ,وقـد ذكـر أحـد قضـاة حمكمـة العـدل الدوليـة ,يف الـرأي الـذي أحلقـه حبكم
احملكمة يف قضية حق اللجـوء السياســي يف ســنة 1950م من أنــه " مــا من دولــة تســتطيع أن
( )1
تتمرد على حكم عريف ثبت استقراره " .
وهذا ما ميكن استخالصه من نص الفقرة ب من املادة 38من نظام حمكمــة العــدل الدوليــة
,الــيت تصــف العــرف الــدويل بأنــه دليــل على تعامــل معــرتف بــه عامــة بأنــه حكم من أحكــام
الق ــانون ,ومل تس ــتخدم عب ــارة مع ــرتف ب ــه صــراحة من قب ــل أط ــراف ال ــنزاع كمــا ه ــو احلال
بالنسبة للفقرة (أ) اخلاصة باملعاهدات .وكلمة عامــة الــواردة خبصــوص العــرف ال تعــين أبـدًا
وج ــوب إمجاع ال ــدول على االع ــرتاف بقاع ــدة عرفي ــة معين ــة لكي تعت ــرب ملزم ــة هلا ,أي أن
تعبري الرضا اجلماعي الـذي كـان شـرطًا أساسـيًا لالعـرتاف بإلزاميـة العـرف فيمـا مضـى ,قـد
أصبح يعين الرضا العام يف املفهـوم املعاصـر وليس الرضـا اجلمـاعي ,وبقـول آخـر مل يعـد من
الضروري اليوم إثبات أن دول العامل كافـة وبال اسـتثناء قـد طبقت قاعـدة عرفيـة معينـة ,أو
قبلت هبا ص ــراحة إلثب ــات وج ــود ه ــذه القاع ــدة وإلزاميته ــا ,حيث إن القاع ــدة العرفي ــة يف
القــانون الــدويل تصــبح مبجــرد اســتقرارها ,ملزمــة جلميــع أشــخاص اجملتمــع الــدويل حبيث ال
حيق لدولــة مــا أن حتتج بعــدم اشــرتاكها يف تكوينهــا ,وقــد تبنت حمكمــة العــدل الدوليــة هــذا
االجتاه حيث قـ ــررت يف حكمهـ ــا الصـ ــادر عـ ــام 1969م خبصـ ــوص اجلرف القـ ــاري لبحـ ــر
الش ــمال " :أن الق ــانون الع ــريف يتم ــيز عن الق ــانون االتف ــاقي بطبيعت ــه ,حيث ه ــو قاب ــل ألن
( )2
يشمل مجيع أعضاء اجملتمع الدويل بعيدًا عن مفعول التحفظات " .
وأكرب حجة يعتمد عليها هذا االجتاه هي خضوع الدول الناشئة ألحكام العرف امللزمة
السائدة ,على الرغم من عدم وجودها عند استقرار هذه األحكام ومن عدم موافقتها
على
ـــــــــــــــــــ
( )1انظــر :القــانون الــدويل العــام ,للــدكتور حامــد ســلطان ,والــدكتورة عائشــة راتب ,والــدكتور صــالح الــدين
عامر ( ,ص , )47و انظر :البعد األخالقي لقانون العالقات الدولية ,للــدكتور مسري عبــد املنعم ( ,ص. )401نقًال
عن محدي عبد الرمحن ,فكرة القانون ( ,ص. )197
( )2انظر :مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ,للدكتور إحسان هندي ( ,ص. )93
230
العرف عند نشوئه ,والتزام الدول الناشئة باحرتام األحكام العرفية مبجرد قبوهلا أعضاء يف
اجملتمع الدويل ال ميكن أن يفسر إال بفكرة الوعي اجلماعي ,أو ضرورة احلياة الدولية ,أو
( )1
التضامن الدويل الذي يقضي باخلضوع هلذه األحكام العرفية اليت ثبت استقرارها .
فمن ذل ـ ــك ال ـ ــتزام تركي ـ ــا عن ـ ــد انض ـ ــمامها إىل املؤمتر األورويب يف منتص ـ ــف الق ـ ــرن املاض ـ ــي
بالقواعــد املتعــارف عليهــا بني دول أوروبــا ,وانضــمام الــدول الشــرقية إىل اهليئــات الدوليــة
العامــة الــيت تكــونت بعــد احلرب العامليــة الثانيــة حيمــل يف ذاتــه التزامهــا بالقواعــد الدوليــة الــيت
( )2
نشأت من قبل بني الدول الغربية .
إن العرف الدويل ليس اتفاقًا إراديًا ،وإمنا هو عمل قانوين يتكون بشكل تلقائي من خالل
السلوك واملصحوب بعقيدة اإللزام من جانب األغلبية املعربة أو املمثلة للجماعة الدولية .
فالسلوك املنشئ للقاعدة العرفية مأخوذ يف االعتبار حبد ذاته كفعل منتج للقاعدة القانونية
وليس جمرد وسيلة إلظهار اإلرادة يف االتفاق .
وعليه ،فلكي يكون السلوك الدويل منتجًا لقواعد القانون ،جيب أن يتميز خبصائص
ومسات حمددة ،هي مسات القاعدة العرفية ,فالسلوك جيب أن ينتج عن وقائع وتصرفات
متكررة مع التناسق والتطابق والدوام خالل فرتة قد تطول وقد تقصر وأن يعكس هذا
السلوك الرغبات اجلماعية ،ويستجيب للضرورات اليت تفرضها احلياة الدولية املعاصرة .
تلك احلياة اليت تتسم اآلن بالسرعة والتعقيد ،وتعدد األشخاص العاملني على الساحة
الدولية من دول ومنظمات ومؤسسات دولية عامة وخاصة تزاحم الدول مثل الشركات
( )3
املتعددة اجلنسيات ،ومجاعات الضغط ....اخل .
إن األساس اإللزامي يف العرف الدويل يأيت من خالل حصول القناعة بقاعدة دولية معينة
تكرر األخذ هبا مرات عديدة ونالت يف التطبيق العملي تأييد دول العامل مما جيعلها مقبولة
لدى أكثرية الدول ,وهبذا تتحول إىل قاعدة قانونية عامة يلتزم هبا اجلميع مبعزل عن
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ( ,ص. )75
( )2انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور علي صادق أبو هيف ( ,ص. )25
( )3انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )612
231
مسامهة أو رضا هذا الطرف أو ذاك يف إنشاء هذه القاعدة العرفية ؛ ألن األعراف الدولية
ما هي إال تطبيقات أو حلول حلاالت حتصل بني أطراف معينة ,وجرى تكرارها ملرات
عديدة يف حاالت مشاهبة حبيث تولدت القناعة لدى اجملموعة الدولية بعدالتها يف جمال
( )1
العالقات الدولية .
ويبدي بعض الشراح حتفظًا حول هذه املدرسة مفاده أنه ال ميكن إلزام الدول اجلديدة
باألعراف اليت تكونت يف العصر االستعماري خلدمة الدول االستعمارية ولتمكينها من
السيطرة واالستعالء على الدول األخرى ,وعلى سبيل املثال ال ميكن أن تلزم الدول
اجلديدة بقواعد التوارث الدويل التقليدي واليت تكبلها بالتزامات ثقيلة ملصلحة القوى
االستعمارية ,كما أن القواعد اخلاصة باكتساب أقاليم الدول باالستيالء أو بالتقادم أو
بالفتح أو الضم ال ميكن بدورها أن تعد قواعد دولية ملزمة ,ولعل هذا ما يفسر اهتمام
( )2
اجملتمع الدويل بتقنني العرف .
وكــذلك فــإن شــراح دول العــامل الثــالث ال يزالــون يــرون أنــه ال ميكن قبــول هــذا االجتاه على
إطالقه وأنه جيب التمييز بني نوعني من األعراف :
األعراف العامة :اليت ليس هلا مساس مباشر بالسيادة ( كاألعراف الدبلوماسية مثًال )
وهذه تعترب ملزمة للجميع .
األعراف اليت تتعلق بالسيادة :أو متس هذه السيادة ,وترتك فيها احلرية للدولة بالقبول أو
( )3
التحفظ أو الرفض .
وهذه احلياة الدولية الزاخرة باألشخاص والعالقات املتعددة ،جعلت هناك ضرورة مفادها
أن العرف يسري ويلزم مجيع الدول ،حىت ولو كان السلوك مستمدًا من عمل دول
أخرى أو منظمات دولية غري الدول املراد تطبيق القاعدة يف مواجهتها .
فهو مظهر العتقاد قانوين سابق خارج أية إرادة حقيقية أو مفرتضة .
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ( ,ص. )75
( )2انظر :قانون العالقات الدولية ,للدكتور جعفر عبد السالم ( ,ص , ) . )107و القانون الدويل العام ,
للدكتور حممد سامي عبد احلميد ,والدكتور مصطفى سالمة حسني ( ,ص)107
( )3انظر :مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ,للدكتور إحسان هندي ( ,ص. )94
232
وليس ضروريًا أن يشرتك اجلميع يف إنشائه ,والدليل على ذلك هو أن احملاكم الدولية
وباألخص حمكمة العدل الدولية ،عندما يعرض أمامها نزاع وتريد تطبيق قاعدة عرفية من
أجل الفصل فيه ،فإهنا ال تبحث عما إذا كان الطرف الذي ستطبق عليه هذه القاعدة قد
وافق علها أم ال ؟ وهل ساهم بسلوكه يف نشأهتا أم ال ؟ وهل كان حاضرًا أم غائبًا وقت
تكوينها ؟
إن احملكمة تطبق القاعدة بشكل موضوعي باعتبارها قاعدة ضرورية للفصل يف املنازعات
الدولية ,وتقوم بالتأكد من وجود القاعدة وتوافر أركاهنا املادية واملعنوية وال تبحث عن
رضا هذا أو ذاك من األطراف املتنازعة .
وهذا ما أكدته حمكمة العدل مقرة بإمكانية النشوء التلقائي لألعراف من عمليات
وإجراءات موضوعية يف إطار املنظمات الدولية ،يف رأيها االستشاري حول " ناميبيا "
عام 1971م .
فقد اعرتضت جنوب أفريقيا على قرار جملس األمن رقم( )284لعام1970م ,والقاضي
بإهناء انتداب جنوب أفريقيا على ناميبيا ،وقالت " :إنه قرار باطل ؛ ألنه صدر بدون
التصويت اإلجيايب لكل األعضاء الدائمني ،حيث امتنعت دولتان عن التصويت عليه ،
وهذا خمالف حلكم املادة ( )27/3اليت تتطلب أن تكون مجيع أصوات األعضاء الدائمني
جمتمعة يف قرار موضوعي كهذا " .
رفضت احملكمة هذا االعرتاض واعتربت أن " العرف الذي جرى يف جملس األمن ال يعد
االمتناع عن التصويت موازيًا أو مساويًا لالعرتاض -الفيتو -وأن هذا العرف الناشئ
عن سلوك دائم يعد ساريًا يف مواجهة جنوب إفريقيا ،على الرغم من اعرتاضها عليه ,
وأنه عرف ملزم جلميع الدول " .
وهكذا فالنظرية املوضوعية اليت ترى العرف تكوين تلقائي نابع من ضرورات احلياة
الدولية ،وترمجة وتعبري عن الضمري القانوين العام ألعضاء اجلماعة الدولية يف زمن معني ،
هي النظرية الصائبة ،وهي الراجحة اآلن .
وحتظى ليس فقط بدعم الشراح ،وإمنا تأخذ هبا حماكم التحكيم .
233
وبناًء عليه فالدول اجلديدة تعترب ملزمة بالقواعد العرفية العاملية اليت نشأت يف وقت سابق
على استقالل هذه الدول .
وهذا ما جرى عليه العمل فعًال خالل الفرتة اليت تلت احلرب العاملية األوىل ,حيث
اعتربت الدول اجلديدة ملزمة بالقواعد العرفية ،وجيب تطبيق هذا املبدأ على الدول اليت
استقلت بعد احلرب العاملية الثانية ؛ ألن سريان هذه القواعد فيه مصلحة للدول اجلديدة
على عكس ما قد يتوهم البعض ؛ واملعروف أن الدول النامية اآلن هي من أشد املدافعني
( )1
عن القواعد العرفية اآلمرة ،وتلك اخلاصة بالسيادة واالستقالل وعدم التدخل .
ـــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل ,لعلي ابراهيم ( ,ص. )614-613
234
املطلب الثاين :األساس اإللزامي للعرف الدويل يف الفقه اإلسالمي :
يقرتب الفقه كثريًا من املدرسة املوضوعية يف األساس اإللزامي للعـرف الـدويل والـدليل على
ذل ــك أن الرس ــول ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم ك ــان قائ ــد الدول ــة اإلس ــالمية اجلدي ــدة ,وه ــو هبذا
املركز اعترب أعراف دوليـة سـابقة على وجـود هـذه الدولـة ومن هـذه األعـراف ذلـك العـرف
الذي يقضي بأمان الرسول وعدم قتله فالنيب صلى اهلل عليه وسلم قال لرســويل مســيلمة ( :
لــوال أن الرســل ال تقتــل لضــربت أعناقكمــا ) ( . )1فهــو هنــا اعتــرب عــرف ســابق لنشــأة هــذه
الدولة املسلمة ولكن بشرط عدم تعارض هذا العرف مع الشرع احلنيف أو مصاحل وســيادة
الدولة املسلمة .
فالدول اإلسالمية اليت استقلت بعد احلرب العاملية الثانية ال ميكن إلزامها باألعراف اليت
تكونت يف العصر االستعماري خلدمة الدول االستعمارية ولتمكينها من السيطرة
واالستعالء على الدول األخرى ,وعلى سبيل املثال ال ميكن أن تلزم الدول اجلديدة
بقواعد عرفية هتدف إىل إباحة التوارث الدويل التقليدي واليت تكبلها بالتزامات ثقيلة
ملصلحة القوى االستعمارية ,كما أن القواعد اخلاصة باكتساب أقاليم الدول باالستيالء
وحنو ذلك ال ميكن بدورها أن تعد قواعد دولية ملزمة .
" إن الفقه اإلسالمي يتجه إىل إقامة القوة امللزمة للعرف الدويل على أساس ضرورته
االجتماعية ,وحاجة الناس إليه لتحقيق مصاحلهم العملية بداللة جرياهنم عليه ملا فيه من
مصلحة راجحة هلم ال غىن عنها ,فجريان الناس على العرف الدويل يف أمورهم يعد
أقوى دليل على حاجتهم إليه ,وأنه حيقق مصاحلهم احلياتية ,وأنه ضرورة ال غىن عنها
لتنظيم احلقوق والواجبات بينهم على أساس وفائه باحلاجة واملصلحة والتوجيه إىل أفضل
احللول ,فالشرائع اإلهلية إمنا تبغي بأحكامها تنظيم مصاحل البشر وحقوقهم ,فتقر من
أعراف الناس ما تراه حمققًا لغايتها مالئمًا ألسسها وأساليبها ,ومىت ثبتت ضرورة العرف
االجتماعية فقد وجب أن يكون ملزمًا .
ويظهر من ذلك أن الفقه اإلسالمي يؤسس القوة امللزمة للعرف الدويل على أساس
ـــــــــــــــــــــــ
( )1سبق خترجيه يف (ص. )53
235
ضرورته االجتماعية وحاجة الناس إليه ,ملا فيه من مصلحة حتقق هلم النفع وتدفع عنهم
الضرر ,فلوا منعوا عما تعارفوا عليه لوقعوا يف احلرج وحلقتهم املشقة ,فإقرار القوة امللزمة
للعرف ختفيف على الناس ورفع احلرج عنهم ,وهو يتوافق مع أصل من أصول الشريعة
اإلسالمية املقررة يف القرآن والسنة وهو رفع احلرج عن الناس " )1( .
ــــــــــــــــــــــ
( )1القضاء والعرف يف اإلسالم ,لسمري عاليه ( ,ص. )170
236
الفصل الرابع
أثر العرف الدويل
المبحث األول
237
أثر العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي
املطلب األول
أثر العرف الدويل يف الفقه احلنفي
238
يب ــين األحن ــاف كث ــريًا من األحك ــام املتعلق ــة ب ــاألمور الدولي ــة ,وال ــيت تنظم العالق ــة بني دار
اإلس ــالم ودار احلرب ,على األع ــراف الدولي ــة ,وسيتض ــح أث ــر ذل ــك يف الف ــروع واملس ــائل
التالية :
فأما غري املمتنعني لو كانوا مستأمنني مل جيز نبذ األمان بيننا وبينهم حىت نلحقهم مبأمنهم .
فكذلك إذا جاءوا طالبني األمان حىت صـاروا غـري ممتنعني منـا ,إال أن يكـون أمـري املسـلمني
تقدم على أهل تلك الـدار من أهـل احلرب أنـه ال أمـان لكم عنـدنا ,فال خيرجن أحـد منكم
239
إلينا ,فإذا علموا بذلك فال أمان هلم ,ومن جاء يطلب األمان فهو يفء ؛ ألنــه أعــذر إليهم
( )1
مبا صنع وقد قال تعاىل { :وقد قدمت إليكم بالوعيد } .
مث احلاص ــل أن ــه من ف ــارق املنع ــة عن ــد االس ــتئمان فإن ــه يك ــون آمن ـًا ع ــادة ,والع ــادة جتع ــل
حكم ـًا إذا مل يوج ــد التص ــريح خبالف ــه ,فأم ــا عن ــد وج ــود التص ــريح خبالف ــه يس ــقط اعتب ــاره
( )2
كمقدم املائدة بني يدي إنسان إذا قال ال تأكل .
املسألة الثالثة :
" وإن شرطوا – أي أهل دار احلرب -أن ال نأسر منهم أحدًا فليس ينبغي لنا أن نأســرهم
ونقتلهم .
ألن القتل أشد من األسر ,ومقصودهم هبذا الشرط يفوت بالقتل كما يفوت باألسر .
إال أن تظهر اخليانة منهم بأن كانوا التزموا أن ال يقتلوا وال يأسروا منا أحـدًا مث فعلـوا ذلــك
فحينئذ يكون هذا منهم نقضًا للعهـد ,فال بـأس بـأن نقتـل أسـراهم وأن نأسـرهم كمـا كـان
لنا ذلك قبل العهد .
أال ترى أن أهل مكة ملا صاروا ناقضني للعهد ملساعدة بين بكر على بين خزاعة وكانوا
حلفاء الرسول صلى اهلل عليه وسلم كيف قصــدهم الرســول من غــري نبــذ إليهم ,فإنــه ســأل
اهلل تعاىل أن يعمي عليهم األبصار حىت يأتيهم بغتة .
فإن فعل ذلك منهم رجل واحد مل يكن ذلك بنقض منهم للعهد .
ألن فع ــل الواح ــد ال يش ــتهر يف مجاعتهم ع ــادة وليس هلذا الواح ــد والي ــة نقض العه ــد على
مجاعتهم أال ترى أن مسلمًا لو ارتكب ما ال حيل يف دينه مل يكن ذلك نقضًا منه إلميانه
ـــــــــــــــــــــــ
( )1سورة ق ,اآلية رقم . )28( :
( )2الس ــري الكب ــري ,حملم ــد بن احلس ــن الش ــيباين ,وش ــرحه ,حملم ــد بن أمحد السرخس ــي , )1/295( ,وحاش ــية ابن
عابدين . )6/220( ,
( )1
ولو أن ذميًا فعل ذلك مل يكن نقضًا منه ألمانه " .
240
" إذا اســتأمن احلريب إىل أهــل اإلســالم فــأمنوه ,فخــرج معــه بــامرأة وبأطفــال صــغار فقــال :
هذه امرأيت وهؤالء أوالدي ,ومل يكن ذكرهم يف األمان ,فالقياس يف هذا أهنم يفء .
ألنه طلب األمان لنفسه دون غريه وحكم األمان ال يتعدى إىل من كان منفصًال عنه وألنه
مل يوجد منه استئمان هلؤالء إشارة وال داللة .
ولكن هذا قبيح فيجعلون آمنني بأمانه استحسانًا .
ألنــه إمنا يســتأمن إلينــا فــرارًا منهم ملعــىن هــو أعلم بــه ,أو ليقيم يف دارنــا زمان ـًا ويتجــر مبا ال
يتم له هذا املقصود إذا خرج بزوجته وأوالده الصغار .
فإن قلت :املرء مع عياله فهذا دليل استئمانه هلم مث هم تبع لـه من حيث إنـه يعـوهلم وينفـق
عليهم والتبــع يصــري مــذكورًا بــذكر األصــل ,إال إذا كــان هنــاك عـرف مينــع منــه والعـرف
هنا مؤيد هلذا املنع أال ترى أن الــذمي يف دارنــا يــؤدي اجلزيــة وال جزيــة على أتباعــه وذراريــه
( )2
من النساء وأوالده الصغار " .
241
املسألة السابعة :
" وأهله وامرأته وولده الذين كانوا يف عياله من الصغار والكبار من النساء والرجال .
ويف القياس أهلــه زوجتــه فقــط ألنــه يف العرف يقــال ملن لــه زوجــة متأهــل وملن ال زوجــة لــه
( )2
غري متأهل وإن كان يقوله مجاعة " .
242
" ولــو قــال أمنــوين على رقيقي على أن أنــزل فهــو آمن ورقيقــه ولــو قــال على نصــف رقيقي
كان هذا فداء .
وباعتب ــار حقيق ــة املع ــىن ال يتض ــح الف ــرق بينهم ــا ولكن باعتب ــار عــرف الن ــاس ف ــإن اإلنس ــان
يفدي نفسه ببعض ما يأيت به معه ليتعيش آمنًا مبا بقي وال يفدي جبميع ما ينزل به .
فــإذا ذكــر نصــف املال أو نصــف جنس من املال فالغــالب أن مــراده الفــداء وإذا ذكــر مجيــع
املال أو مجي ــع جنس من املال ك ــالرقيق فالغ ــالب أن م ــراده طلب األم ــان ل ــذلك اجلنس م ــع
نفسه .
فــإذا ذكــر مــا ليس مبال كالزوجــة والولــد فالغــالب أن مــراده االســتئمان هلم ال الفــداء ســواء
ذكر عددًا منهم أو ذكر مجاعتهم ,وهو مبنزلة ما لو ذكر إنســانًا آخــر بقولــه :أمنــوين على
( )1
فالن فإنه يكون ذلك طلب األمان لفالن ال جعله فداء لنفسه " .
املسألة احلادية عشرة :
" ولو أن صاحب القلعة قــال أمنــوين على قلعــيت أو على مــدينيت على أن أفتحهــا لكم ,فـإن
جــرى كالم يــدل على أن املراد عني القلعــة واملدينــة بــأن قــال إين أخــاف إن فتحت لكم أن
هتدموا قلعيت أو ختربوا مدينيت فقـالوا لـه أنت آمن على قلعتـك ومـدينتك فهـذا عليهـا خاصـة
دون ما فيها من األموال والنفوس .
ألن مطل ــق الكالم يتقي ــد مبا س ــبق من دالل ــة احلال وإمنا جعل ــوا ل ــه األم ــان ج ــزاء على فتح
الباب ومقصودنا من ذلك االستغنام فعرفنا أن األمان خيتص مبا مسي لــه ,إال أنــه يــأمن مبالــه
وولــده وعيالــه ؛ ألنــه اســتأمن على قلعتــه ليتمكن من القــرار فيهــا ومتكنــه هبذه األشــياء ففي
هذا احلكم يشبه حاله حال املستأمن إىل دارنا للتجارة .
فأما إذا مل يبق كالم يكون دليًال على التخصيص ففي القياس اجلواب كذلك أيضًا .
ملا بينا أن املقصود من فتح الباب هو االستغنام واالسرتقاق مث ليس يف لفظة القلعة واملدينة
ــــــــــــــــــــــ
( )1املصدر السابق . )2/444( ,
م ــا ين ــبئ عن أهله ــا أو عمــا فيه ــا ولعلــه إمنا اس ــتأمن هلذه الص ــفة خلوف ــه على القلع ــة أن تقلــع
وعلى املدينة أن حترق أو خترب وقد كان ذلك مسقط رأسه ومسكن آبائه فقصد باألمان
243
إبقاؤها دون إبقاء من فيها .
( )1
ويف االستحسان هذا أمان على القلعة واملدينة وعلى مجيع ما فيها لداللة العرف " .
244
املسألة الرابعة عشرة :
" ولو كان األمري أمر املنادي فنادى :أيها الناس إنا قد أقلنا املشرتين العقد فيما اشرتوا منا
فمن كان اشرتى شيئًا فليطرحه ,ففعلوا ذلك ,مل يكن عليهم من الثمن شيء .
ولـو قـال بنفسـه قـد أقلتكم الـبيع فـاطرحوا مـا اشـرتيتم مـين وليبلـغ شـاهدكم غـائبكم ,فهـذا
واألول سواء ؛ ألنه نص على األمر بالتبليغ فعبارة كل مبلغ تكون مبنزلة عبارته .
ولو كان األمري مل يذكر هذه الزيادة ففي القياس ال يــربأ من الثمن إال من مسع مقالــة األمــري
كما يف حـق البـائع لنفسـه ولكنـه استحسـن فقـال هم بـراء من الثمن إذا طرحـوا حني بلغهم
مقالة األمري .
والعــادة تعتــرب يف تقييــد مطلــق ملا بينــا أن مبــىن كالم األمــري على االنتشــار والظهــور عــادة
( )2
الكالم فكان هذا والتصريح خبالفه فليبلغ شاهدكم غائبكم سواء .
املسألة اخلامسة عشرة :
" وإذا ذبح اجلنود غنمًا أو بقرًا لألكل فلريدوا جلودها يف الغنيمة .
ألن هذا مما ال يدخل حتت مصلحة األكل خصوصًا بعدما جف ويستوي إباحة التنــاول مــا
يؤكل على سبيل الغذاء عادة ,سـواء كـان مما يكـون يف ذلـك املوضـع أو مما ينقـل إليـه من
موضــع آخــر ,ومــا يكــون من التوابــل للقــدور ,فهــو مبنزلــة مــا يتغــذى بــه ؛ ألنــه مــأكول يف
( )3
". الناس عادة
245
املسألة السابعة عشرة :
" وال ب ـ ــأس ب ـ ــأن يقل ـ ــد اخلي ـ ــل يف أعناقه ـ ــا يف احلرب وغ ـ ــري احلرب ؛ ألن ذل ـ ــك من ص ـ ــنع
( )3
املبارزين وغريهم وممن يركب اخليل وما رآه املسلمون حسنًا فهو عند اهلل حسن (." )2
246
" وإذا وادع املسلمون املشركني على أن يؤدوا إىل املســلمني مائــة رأس يف كــل ســنة ,على
أن يكون ــوا آم ــنني يف دارهم ,ال جيري املس ــلمون عليهم أحك ــامهم ,وال يغ ــريون ,فليس
ينبغي للمسلمني املوادعة على هذا ,إال اخلوف من املشركني .
وعن ــد ذل ــك املائ ــة ال ــرأس عليهم من أوس ــاط ال ــرؤوس يف ك ــل س ــنة وال ــرؤوس األوس ــاط من
رقيق أولئك احلربيني ليس عليهم أن يعطوا الرؤوس من غري رقيقهم .
والعــرف الظ ــاهر أهنم إمنا ألن مطل ــق التس ــمية ينص ــرف إىل م ــا ه ــو املعــروف بــالعرف
يل ــتزمون تس ــليم ال ــرؤوس من رقيقهم ,إال أن يس ــمى املس ــلمون ش ــيئا آخ ــر معروف ـًا ف ــإن
( )2
العرف يسقط اعتباره عند وجود التسمية خبالفه " .
247
لقد كثر السؤال عن هــذا األمــر يف زماننــا وهــو أنــه جــرت العادة أن التجــار إذا اســتأجروا
مركبًا من حريب يـدفعون لـه أجرتـه ويـدفعون أيضـًا مـاًال معلومـًا لرجـل حـريب مقيم يف بالده
يسمى ذلك املال سوكرة على أنه مهمـا هلـك من املال الـذي يف املركب حبرق أو غـرق أو
هنب أو غــريه فــذلك الرجــل ضــامن لــه مبقابلــة مــا يأخــذه منهم ولــه وكيــل عنــه مســتأمن يف
دارنــا يقيم يف بالد الســواحل اإلســالمية بــإذن الســلطان يقبض من التجــار مــال الســوكرة ,
وإذا هلك من ماهلم يف البحر شيء يؤدي ذلك املستأمن للتجار بدله متامـًا والــذي يظهــر يل
( )1
أنه ال حيل للتاجر أخذ بدل اهلالك من ماله ؛ ألن هذا التزام ما ال يلزم " .
املسألة الثانية والعشرون :
" وإذا وج ــد احلريب يف دار اإلس ــالم فق ــال أن ــا رس ــول ف ــإن أخ ــرج كتاب ـًا ع ــرف أن ــه كت ــاب
ملكهم كان آمنًا حىت يبلـغ رسـالته ويرجـع ؛ ألن الرسـل مل تـزل آمنـة يف اجلاهليـة واإلسـالم
( )2
".
املسألة الثالثة والعشرون :
" ولو أن املسلمني أسروا مركبًا يف البحر وقـال نفـر من ركاهبا حنن رسـل بعثنـا امللـك ,فال
يتعــرض هلم ,وإن قــال أنــا رســول امللــك بعثــين إىل ملــك العــرب وهــذا كتابــه معي ومــا معي
من الدواب واملتاع والرقيق فهذه إليه ,فإنه يصدق ويقبــل قولــه إن كــان معروفًا فــإن مثــل
مــا معــه ال يكــون إال على مثــل مــا ذكــر من قولــه أهنا هديــة من امللــك إىل ملــك العــرب وال
( )3
سبيل عليه وال يتعرض له ".
ـــــــــــــــــــــ
( )1املصدر السابق . )6/281( ,
( )2املبسوط ,للسرخسي . )10/92( ,
( )3اخلراج ,أليب يوسف يعقوب بن إبراهيم ( ,ص , )188الناشر :دار املعرفة يف بريوت 1399 ,هـ .
248
املطلب الثاين
أثر العرف الدويل يف الفقه املالكي
هنا أيضًا ذكر لبعض الفروع الفقهية واملسائل املتعلقة باألمور الدولية ,واليت استند فيها
املالكية على العرف الدويل ,وهي كما يلي :
249
املسألة الثالثة :
" وإن مات عندنا احلريب فماله يفء ,إن مل يكن معه وارث ومل يدخل على التجهيز .
مبعىن أن احلريب املستأمن إذا مات عندنا يف غري معركة ومل يؤسر قبل موته ,فإن ماله
وديته إن قتل يكونان فيئًا لبيت املال إن مل يوجد يف بلدنا وارث ودخل إلينا على اإلقامة
أو كانت عادهتم ذلك أو جهل ما دخل عليه وال عادة أو دخل التجهيز أو كانت
عادهتم ذلك وطالت إقامته فيهما بالعرف تنزيًال لطول اإلقامة منزلة الدخول عليها وال
ميكن يف هذا الوجه من الرجوع لو أراده ,فإن وجد له وارث يف بلدنا سواء جاء معه أم
ال فماله لوارثه سواء دخل على التجهيز أم ال ,واملراد بوارثه وارثه يف دينهم ومفهوم ومل
يدخل على التجهيز :أنه لو دخل على التجهيز أو كانت عادهتم التجهيز ومل تطل إقامته
( )1
فيهما فريسل لوارثه .
250
املطلب الثالث
أثر العرف الدويل يف الفقه الشافعي
يعتمــد الشــافعية على العــرف يف بنــاء كثــري من األحكــام املتعلقــة بــاألمور الدوليــة الواقعــة بني
دار اإلسـالم ودار احلرب ,وإليـك بعض املسـائل الـيت بنـوا فيهـا أحكـامهم على هـذا العـرف
:
ــــــــــــــــــــــ
( )1املهذب ,للشريازي . )5/266( ,
251
ويف موضع آخر قيل " :لو تبارز مسلم وكافر بشرط أن ال يعني املسلمون املسلم وال
الكافرون الكافر إىل انقضاء القتال أو كان عدم اإلعانة عادة فقتل الكافر املسلم أو ويل
أحدمها منهزمًا أو أثخن الكافر جاز لنا قتله ؛ ألن األمان كان إىل انقضاء احلرب وقد
انقضى ,وإن شرط أن ال نتعرض للمثخن وجب الوفاء بالشرط ,وإن شرط األمان إىل
دخوله الصف وجب له الوفاء به ,وإن فر املسلم عنه فتبعه ليقتله أو أثخنه الكافر منعناه
من قتله وقتلنا الكافر وإن خالفنا شرط متكينه من إثخانه ,لنقضه األمان يف األوىل
وانقضاء القتال يف الثانية ,فإن شرط له التمكني من قتله فهو شرط باطل ملا فيه من
الضرر ,وهل يفسد أصل األمان أو ال وجهان :أوجههما األول فإن أعانه أصحابه
قتلناهم وقتلناه أيضًا إن مل مينعهم ,أما إذا مل يشرط عدم اإلعانة ومل جتر به عادة فيجوز
( )1
قتله مطلقًا " .
وهذه مسألة مشاهبة ملا قبلها وفيها " :وإذا بارز مسلم مشركًا إما داعيًا أو جميبًا فهذا
على ضربني :األول هو ما يهم هنا :أن ال يكون للمشرك املبارز شرط فيجوز للمسلمني
أن يقاتلوه مع املبارز منهم ويقتلوه ؛ ألنه على أصل اإلباحة ,وإن اختص باملبارزة الواحد
قال أغلب الشافعية اللهم إال أن العادة جارية أن من بارز ال يعرض له حىت يعود إىل
( )2
كالشرط " . صفة فيحمل على ما جرت به العادة وتصري العادة
252
آالف فيهم ألفا درع ودخل هبم مكة وعلى رأسه مغفر وراياته منشوره وسيوفه مشهورة
فدل على فتحها عنوة .
وأجاب املاوردي ( )1عن ذلك بأن نشر الرايات وسل السيوف من عادات اجليوش يف
( )2
الصلح والعنوة وإمنا يقع الفرق بني احلالتني بالقتال واحملاربة " .
253
( )4روضة الطالبني ,للنووي , )7/486( ,حتقيق :عادل أمحد عبد املوجود ,وعلي حممد معوض ,الناشر :
دار الكتب العلمية يف بريوت ,ط1412 , 1هـ 1992 ,م .
254
( )4هو حممد بن عمر بن احلسني الرازي الشافعي ,كنيته :أبو عبد اهلل ,ويلقب بفخر الدين ,ولد بالري ,ويعد
من أكابر املتكلمني واألصوليني ,وله عدة مؤلفات منها :احملصول واملنتخب والتفسري الكبري وغريها .انظر :
األعالم ,للزركلي . )6/312( ,
أن ال ميهل هذا الكافر ,بل يقال له إما أن تؤمن وإما أن نقتلك ,فلما مل يقل له ذلك بل
أمهلناه وأزلنا اخلوف عنه ووجب علينا أن نبلغه مأمنه ,علمنا أن ذلك إمنا كان ألجل أن
التقليد يف الدين غري كاف بل البد من احلجة والدليل فأمهلناه وأخرناه ليحصل له مهلة
النظر واالستدالل ,إذا ثبت هذا فنقول :ليس يف اآلية ما يدل على مقدار هذه املهلة ,
()5
ولعله ال يعرف مقدارها إال بالعرف " .
255
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املطلب الرابع
أثر العرف الدويل يف الفقه احلنبلي
ال خيتل ــف احلنابل ــة عن نظ ــرائهم يف املذاهب األخ ــرى يف اعتب ــارهم للع ــرف ال ــدويل وبن ــائهم
كثــريًا من األحكــام املتعلقــة بــاألمور الدوليــة عليــه ,وإليــك بعضـًا من املســائل الــيت بنــوا فيهــا
أحكامهم عليه :
256
املسألة الثانية :
" ومن دخــل دار اإلســالم بغــري أمــان وادعى أنــه رســول أو تــاجر ومعــه متــاع يبيعــه قبــل منــه
.وه ــذا مقي ــد ب ــأن تص ــدقه ع ــادة ,وه ــذا املذهب نص علي ــه وج ــزم ب ــه يف الوج ــيز واملغ ــين
والشــرح وغــريهم ,أمــا إذا مل يعــرف بتجــارة ومل يشــبههم أو كــان معــه آلــة حــرب مل يقبــل
منه وحيبس حىت يتبني أمره ,قلت وهو الصواب ويعمــل يف ذلــك بــالقرائن .وعلى املذهب
إن مل تصدقه عادة أو مل يكن معه جتارة وادعى أنه جاء مســتأمنًا فهــو كاألســري خيري اإلمــام
( )1
فيه على ما تقدم .
املسألة الثالثة :
" وال يدخل أحد منهم إلينا إال بإذن على الصحيح من املذهب .
وقال يف الرتغيب :دخوله لسفارة أو لســماع قــرآن بال عقــد ال لتجــارة على األصــح فيهمــا
( )2
بال عادة .
املسألة الرابعة :
" وال يقطــع شــجرهم وال حيرق زرعهم إال أن يكونــوا يفعلــون ذلــك يف بالدنــا فيفعــل ذلــك
هبم لينتهوا .
ومجلته أن الشجر والزرع ينقسم ثالثة أقسام :
أح ــدها :م ــا ت ــدعوا احلاج ــة إىل إتالف ــه كال ــذي يق ــرب من حص ــوهنم ومين ــع من قت ــاهلم أو
يسرتون بـه من املسـلمني أو حيتــاج إىل قطعـة لتوسـعة طريـق أو متكن من قتـل أو سـد بثـق أو
إصالح طريق أو ستارة منجنيق أو غريه .
فإن كانوا يفعلون ذلك بنا فيفعل هبم لك لينتهوا فهذا جيوز بغري خالف نعلمه .
الثاين :ما يتضرر املسلمون بقطعه لكوهنم ينتفعون ببقائه لعلوفتهم أو يستظلون به أو
ــــــــــــــــــــــ
( )1اإلنصاف ,للمرداوي . )4/194( ,
( )2املصدر السابق . )4/195( ,
257
يــأكلون من مثره أو تكــون العــادة مل جتر بــذلك بيننــا وبني عــدونا فــإذا فعلنــاه هبم فعلــوه بنــا
فهذا حيرم ملا فيه من اإلضرار باملسلمني .
الث ــالث :ماع ــدا ه ــذين القس ــمني مما ال ض ــرر في ــه باملس ــلمني وال نف ــع س ــوى غي ــظ الكف ــار
واإلضرار هبم ففيه روايتان :
أحدمها :ال جيوز ألن فيه إتالفًا حمضًا فلم جيز كعقر احليوان .
الثاين :جائز لقوله تعاىل { :ما قطعتم من لينـة أو تركتموهـا قائمـة على أصـوهلا فبـإذن اهلل
( )2
وليخزي الفاسقني } (." )1
258
وقال يف موضع آخر " :إذا دخل حـريب دار اإلسـالم بغـري أمـان نظـرت فـإن كـان معـه متـاع
( )1
يبيعه يف دار اإلسالم وقد جرت العادة بدخوهلم إلينا جتارًا بغري أمان مل يعرض هلم " .
وقال صـاحب الشـرح الكبـري " :إذا دخـل حـريب دار اإلسـالم بغـري أمـان وادعى أنـه رسـول
قبــل منــه ومل جيز التعــرض لــه لقــول النــيب صــلى اهلل عليــه وســلم ( :لــوال أن الرســل ال تقتــل
لضربت أعناقكما ) ؛ وألن العادة جارية بذلك وإن ادعى أنه تاجر وقد جرت العادة ( )2
بدخول جتارهم إلينا مل يعرض لــه إذا كــان معــه مــا يبيعــه ألهنم دخلـوا يعتقــدون األمــان أشــبه
( )3
ما لوا دخلوا بإشارة مسلم " .
وقــال أيضـًا صـاحب الكــايف " :وأمــا الفعــل فــإذا دخـل احلريب دار اإلســالم رســوال أو تــاجرا
وقــد جــرت العــادة بــدخول جتارهم إلينــا كــان أمانــا لــه ومل جيز التعــرض لــه لقولــه صــلى اهلل
؛ وألهنم دخلــوا يعتقــدون ( )3
عليــه وســلم ( :لــوال أن الرســل ال تقتــل لضــربت أعناقكمــا )
األمان فأشبه ما لو دخلوا بإشارة املسلم .
وإن دخل مسلم دار احلرب رسوًال أو تاجرًا وقد جــرت العادة بــدخول جتارنــا إليهم صــار
يف أمــاهنم وصــاروا يف أمــان منــه ؛ ألن األمــان إذا انعقــد من أحــد الطــرفني انعقــد من اآلخــر
فال حتل له خيانتهم يف أمواهلم وال معاملتهم بالربا ؛ ألن من حـرم مالــه عليــك ومالــك عليــه
()4
حرمت معاملته بالربا كاملسلم يف دار اإلسالم .
وقال صاحب احملرر " :وإذا دخل حريب دار اإلسالم بغـري عقـد أمـان فـادعى أنـه رسـول أو
( )5
تاجر ومعه متاع يبيعه والعادة دخول جتارهم إلينا قبل منه وأومن " .
ــــــــــــــــــــــ
( )1املصدر السابق . )9/199( ,
( )2سبق ختريج هذا احلديث يف (ص. )53
( )3الشرح الكبري ,لشمس الدين ابن قدامة . )5/594( ,
( )4الكايف ,ملوفق الدين ابن قدامة . )5/566( ,
( )5احملرر ,جملد الدين أيب الربكات . )2/181( ,
259
وق ــال ص ــاحب ش ــرح منتهى اإلرادات " :ومن ج ــاء بال أم ــان وادعى أن ــه رس ــول أو ت ــاجر
( )1
ومعه ما يبيعه وصدقته عادة قبل منه ما ادعاه نصًا وإال تصدقه عادة فكأسري " .
وقال يف كتاب آخر " :ومن دخل منهم دار اإلسالم بغري أمان وادعى أنه رسول أو تاجر
ومع ــه مت ــاع يبيع ــه قب ــل من ــه إن ص ــدقته عــادة ك ــدخول جتارهم إلين ــا وحنوه ,ألن م ــا ادع ــاه
ممكن فيكون شبهة يف درء القتل وألنه يتعذر إقامة البينة على ذلـك فال يتعـرض لـه وجلريـان
الع ــادة جمرى الش ــرط وإال ف ــإن انتفت الع ــادة وجب بق ــاؤه على م ــا ك ــان علي ــه من ع ــدم
العصمة وكذا إن مل يكن معه جتارة مل يقبل منـه إذا قـال جئت متسأنسـًا ؛ ألنــه غـري صـادق
وحينئذ فيكون كأسري " )2( .ولكن العرف اليـوم اختلـف ,فـإذا كـان يف السـابق ال يصـدق
من ي ــدعي أن ــه قص ــد الس ــفر جملرد االس ــتئناس ,فإن ــه يف ع ــامل الي ــوم ,وم ــع س ــرعة وس ــهولة
املواصالت ال يستغرب ويصدق يف دعواه ,ولـذا قيـل ال ينكـر تغـري األحكـام بتغـري األزمـان
وذلك لتغري األعراف من زمن لزمن ومن مكان ملكان .
ـــــــــــــــــــــ
( )1شرح منتهى اإلرادات ,للبهويت . )3/81( ,
( )2كشاف القناع ,للبهويت . )2/427( ,
260
المبحث الثاني
أثر العرف الدويل يف القانون الدويل العام
261
المطلب األول
أثر العرف الدويل يف القانون الدويل العام
العريف
ويشتمل على الفروع اآلتية :
الفرع األول
262
أثر العرف الدويل يف القانون الدبلوماسي
يلعب الع ــرف ال ــدويل دورًا مهمـ ـًا يف حتدي ــد مص ــادر الق ــانون الدبلوماس ــي ,حيث ب ــرزت
مالحمه يف الئح ــة فيين ــا من خالل تق ــنني بعض القواع ــد املتعلق ــة بتص ــنيف وت ــرتيب درج ــات
املمثلني الدبلوماسـ ــيني ,وكـ ــذلك بعض األمـ ــور املتعلقـ ــة بوصـ ــول ومغـ ــادرة أعضـ ــاء البعثـ ــة
( )1
الدبلوماسية .
ولقد أصبح للدبلوماسية قانون مكتوب وملزم وهو عبارة عن اتفاقية العالقات الدبلوماسية
الدائمــة لعــام 1961م واتفاقيــة العالقــات القنصــلية لعــام 1963م وغريهــا من االتفاقيــات .
وهــذا القــانون املكتــوب ال يلغي أو يهمــل قواعــد العــرف الــدويل الــذي ينظم املســائل الــيت مل
()2
تنظمها صراحة أحكام هذه االتفاقيات .
وقـ ــد أكـ ــدت مقدمـ ــة اتفاقيـ ــة فيينـ ــا لعـ ــام 1961م على ترابـ ــط القواعـ ــد القانونيـ ــة املكتوبـ ــة
والعرفيــة ,حيث اعتــربت أن القواعــد املكتوبــة والعرفيــة تشــكالن مصــدرين إلنشــاء قواعــد
القــانون الدبلوماســي ميلكــان ذات القــوة اإللزاميــة ,باإلضــافة إىل أن هــذه االتفاقيــة أبــرزت
أولوية وأمهية القواعد املكتوبة يف تطوير وتقدم القانون الدبلوماسي دون أن تستبعد العــرف
واستمراره يف تنظيم املسائل اليت مل تنظمها صراحة أحكام هذه االتفاقية ,ويربز هنا الدور
( )3
األول للقواعد املكتوبة ودور العرف الثاين كمصدرين لقواعد القانون الدبلوماسي .
ويظهــر أثــر العــرف الــدويل يف حصــانات وامتيــازات رئيس الدولــة ,حيث يتمتــع بنظــام من
احلصــانات واالمتيــازات الدوليــة والدبلوماســية ال تشــمل فقــط شخصــه بــل أســرته وحاشــيته
أيضًا ,وتستمد أصوهلا وقواعدها من احلصانة اليت يقرها القانون الدويل للدول ,
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :الدبلوماسية ,للدكتور علي حسني الشامي (ص , )93الناشر :دار العلم للماليني .
( )2انظر :املصدر السابق (ص . )114
( )3انظر :املصدر السابق (ص . )180
وعلى الرغم من أن هذه احلصانات واالمتيازات هي أقل من احلصانة اليت تتمتع هبا الدول
263
فهـ ــو يتمتـ ــع هبا حبكم العـ ــرف والتقاليـ ــد بوصـ ــفه ممثًال للدولـ ــة ,حيث يقـ ــوم بتـ ــأمني بعض
وظائفهـ ــا على الصـ ــعيد الـ ــدويل ,ومن ذلـ ــك يتمتـ ــع الـ ــرئيس على أرض أجنبيـ ــة بعـ ــدد من
احلصــانات ,منهــا :اإلعفــاء من كــل ضــريبة ورســم مجركي أو رســم دخــول وكــذلك من
إعف ــاء الش ــرطة احمللي ــة والقض ــاء اإلقليمي وه ــذه احلص ــانات هي نتيج ــة الس ــتقالل الدول ــة ,
وك ــذا ال جيوز إلق ــاء القبض علي ــه وال اعتقال ــه ومين ــع أي اعت ــداء على شخص ــه أو حريت ــه أو
( )1
كرامته .
إن رئيس الدول ــة ال يتمت ــع باحلص ــانات واالمتي ــازات املق ــررة يف اتفاقي ــة 1969م ب ــل يتمت ــع
( )2
باحلصانات واالمتيازات املقررة فقط يف القانون الدويل العريف .
أم ــا بالنس ــبة لألش ــخاص ذوي ال ــرتب العالي ــة ك ــرئيس ال ــوزراء ووزي ــر اخلارجي ــة فيمنح ــون
تسهيالت وحصـانات حبسـب االتفاقيـة املقـررة عـام 1969م وال مينـع من معـاملتهم بشـكل
()3
أفضل مما تتطلبه أحكام هذه االتفاقية إذا جرى العرف بذلك .
ه ــذا ويقض ــي الع ــرف ال ــدويل ب ــأن رئيس الدول ــة مهم ــا يكن وص ــفه ولقب ــه ه ــو العض ــو الع ــام
للدولة يف مجيع عالقاهتا الدولية مع سـائر أشـخاص القـانون الـدويل العـام ,والقاعـدة العرفيـة
الدوليــة الــيت تقــرر هــذا املبــدأ العــام قاعــدة ثابتــة جممــع عليهــا يف الفقــه والقضــاء الــدوليني وقــد
ظهرت هذه القاعدة واستقرت منذ نشأة الدولة واستقرارها وقيام الـرئيس فيهـا بتشخيصـها
تشخيصـًا كــامًال يف الــدائرتني الداخليــة والدوليــة معـًا ,وتســتتبع هــذه القاعــدة أن تقــوم كــل
دولة بإبالغ سائر الدول األخرى رمسيًا باسم الشخص الــذي يتــوىل رئاســتها وألقابــه وكافــة
التغ ــريات ال ــيت تط ــرأ عليه ــا أو على رئاس ــة الدول ــة ,وذل ــك توطئ ــة الع ــرتاف س ــائر ال ــدول
األخرى بكل ذلك ,واإلبالغ واالعرتاف يف هذه احلالة يهـدفان إىل غـرض ظــاهر هـو إنبـاء
الدول وإعالمها بشخص العضو األعلى للدولة ,أي اإلرادة اليت وقع عليها اختيار الدولة
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :املصدر السابق (ص , )117وانظر :القانون الدويل العام ,لعلي صادق أبوهيف ( ,ص. )482
( )2انظر :الدبلوماسية ,للشامي ( ,ص )134وانظر :الدبلوماسية ,خلالد الشيخ 1999 , )1/160( ,م .
( )3انظر :الدبلوماسية للشامي ( ,ص , )143وانظر :الدبلوماسية ,خلالد الشيخ . )1/166( ,
264
للتعبري عن إرادهتا يف عالقاهتا مع سائر أشخاص القانون الدويل وما قد يقع عليها من تغيــري
( )1
وتبديل .
وملا كــان وزيــر اخلارجيــة هــو العضــو العــادي للدولــة يف الشــؤون الدوليــة فقــد جــرى العــرف
( )2
الدويل على أن تقوم كل دولة بإبالغ الدول األخرى باسم من عينته وزيرًا خلارجيتها .
ويظهر أثر العرف الدويل أيضـًا يف التبـادل الدبلوماسـي واالعـرتاف بالدولـة اجلديـدة ,حيث
ج ــرى الع ــرف ال ــدويل على أن الدول ــة الكامل ــة الس ــيادة واالس ــتقالل ال ميكن هلا أن متارس
التب ــادل الدبلوماس ــي إذا مل تع ــرتف ال ــدول األخ ــرى هبا ,وذل ــك على ال ــرغم من متتعه ــا حبق
التمثيل الدبلوماسي الذي يعترب حقًا من حقوق الدولة السيدة املستقلة .إن جمرد اســتكمال
الدولـة لعناصـرها ال يكفي إلقامـة العالقـات الدبلوماسـية ,بـل البــد من هـذا االعــرتاف حـىت
تتمت ـ ــع ب ـ ــاحلقوق والواجب ـ ــات والص ـ ــالحيات الداخلي ـ ــة والدولي ـ ــة وال ـ ــيت هي نتيج ـ ــة حتمي ـ ــة
( )3
الكتساهبا الشخصية القانونية الدولية .
ويظهــر أثــر العــرف الــدويل كــذلك يف التبــادل الدبلوماســي والــنزاع املســلح الــداخلي ,فقــد
يــدفع تطــور األحــداث إىل تفجــر نــزاع مســلح يهــدف إىل قلب نظــام احلكم واالنفصــال عن
الدولة القائمة فإذا مل تستطع الدولة قمع هذا التمرد فتربز حينئذ حالتني :
األوىل :حالــة توقــف الــنزاع املســلح بانتصــار املتمــردين أو الثــوار وقيــام حكــومتهم كبــديل
للحكوم ــة القدمية ,فــالعرف ال ــدويل يأخــذ يف ه ــذه احلال ــة مبعي ــار الس ــلطة الفعلي ــة لالع ــرتاف
باحلكوم ــة اجلدي ــدة ال ــيت تظه ــر نتيج ــة انقالب أو ث ــورة على اعتب ــار أن ال ــنزاع املس ــلح بني
احلكومــة القدمية واحلكومــة اجلديــدة توقــف لصــاحل هــذه األخــرية الــيت أصــبحت اهليئــة الفعليــة
اليت متارس سلطة الدولة على كامل إقليمها .
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر أحكام القانون الدويل يف الشريعة اإلسالمية ,لألستاذ الدكتورحامد سلطان ( ,ص , )187الناشر :دار
النهضة العربية يف القاهرة 1970 ,م .
( )2انظر :املصدر السابق ( ,ص. )196
( )3انظر :الدبلوماسية للشامي . )186( ,
265
الثاني ــة :حال ــة اس ــتمرار احلرب األهلي ــة وقي ــام حكوم ــيت ,ن ف ــإن الع ــرف ال ــدويل ينظ ــر إىل
مسألة االعرتاف حبالة التحارب أو بالثوار من أنه ال يشكل قاعدة ملزمة حــىت وإن اعــرتفت
( )1
احلكومة القانونية هبم كمحاربني .
ويظهــر أثــر العــرف الــدويل أيض ـًا يف أنــه حيق للموظــف القنصــلي بعــد إعالن الدولــة املعتمــد
لـ ــديها التمتـ ــع باالمتيـ ــازات واحلصـ ــانات العائـ ــدة ملثـ ــل هـ ــذا التمثيـ ــل وفق ـ ـًا للعـ ــرف الـ ــدويل
واالتفاق ـ ــات الدولي ـ ــة ,وذل ـ ــك م ـ ــع اس ـ ــتمراره ب ـ ــالتمتع فق ـ ــط مبا يتعل ـ ــق بأعمال ـ ــه القنص ـ ــلية
( )2
باالمتيازات واحلصانات املقررة للموظفني القنصليني وفقا هلذه االتفاقية .
ولعـل النظـام القـانوين للمبعـوثني الدبلوماسـيني هـو أول النظم الدوليـة القانونيـة الـيت تـدعمت
عن طري ــق الع ــرف وظلت تس ــتند إلي ــه مباش ــرة ح ــىت ال ــوقت احلاض ــر وق ــد ثبت ه ــذا الع ــرف
واس ــتقر من زمن بعي ــد وأص ــبح مس ــلما ب ــه من كاف ــة ال ــدول تتبع ــه وحترتم ــه دون حاج ــة إىل
تدوين ــه يف اتف ــاق أو معاه ــدة وتأخ ــذ ب ــه الق ــوانني الداخلي ــة وأحك ــام احملاكم باعتب ــاره ق ــانون
ثابت ال نزاع فيه )3( .
ويظهــر أثــر العــرف الــدويل يف حتديــد مقــر البعثــة حيث جــرى العــرف على أن يكــون مركــز
( )4
البعثة يف عاصمة الدولة املعتمد لديها .
ومن الوســائل الــيت أقرهــا العــرف الــدويل الــيت تقــوم هبا الدولــة عنــد وجــود خمالفــة من البعثــة
الدبلوماسية االستدعاء أو اعتبار املوظــف غـري مرغـوب فيـه واالبتعـاد عن التفـتيش أو احلجـز
( )5
أو االستيالء وحنو ذلك .
ويظهر أثر العرف الدويل يف حتديد كتاب االعتماد ,فعلى اعتبار أن منصب رئيس البعثة
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :املصدر السابق ( ,ص. )192
( )2انظر :املصدر السابق ( ,ص. )202
( )3انظر :القانون الدويل العام ,لعلي صادق أبوهيف ( ,ص. )485
( )4انظر :الدبلوماسية ,للشامي ( ,ص , )217وانظر :الدبلوماسية ,خلالد الشيخ . )1/232( ,
( )5انظر :الدبلوماسية ,للشامي ( ,ص. )453
266
يشـكل أمهيـة بالغـة يف التمثيـل الدبلوماسـي ,وعلى اعتبـار أن رئيس البعثـة معتمـد من رئيس
دولتــه لــدى رئيس الدولــة ,وعلى اعتبــار أن رئيس البعثــة ال يســتطيع مباشــرة وظائفــه إذا مل
يكن م ــزود بكت ــاب اعتم ــاد يقدم ــه أو يق ــدم ص ــورة طب ــق األص ــل عن ــه ل ــدى وزارة خارجي ــة
الدولــة املعتمــد لــديها تــبني صــفته ورتبتــه وتتضــمن حســن وفادتــه ,ومبا أن كتــاب االعتمــاد
يعــرب عن التقــاء إرادة الــدول يف إقامــة العالقــة الدبلوماســية الدائمـة ,فقــد جـرى العــرف على
أن يبقى كتاب االعتماد صاحلا طاملا مل يطرأ أي تعديل ميس بنية وشخصـية الدولـة أو تغيـري
( )1
يف دستورها ونظامها أو قيام حكومة جديدة بفعل ثورة أو انقالب .
إن العــرف املتبــع اآلن وحرص ـًا على وقت الدولــة الثمني أن يتم تســليم اخلطــاب دون قــراءة
وأن يتسلم الرد بنفس الطريقة على أن يتناول وجبمل قصرية وسريعة قبيل تقدمي خطاب
االعتماد مضمون خطابه مع الرتكيز على قرار تعيينـه ,وعلى رفـع عبـارات التحيـة واجملاملـة
باس ــم رأس دولت ــه ,وتأكي ــد حرصــه على إجناح مهمت ــه وبن ــاء عالق ــات متين ــة وقوي ــة ومنهي ـًا
ذلك بتقدمي متنياته لرئيس الدولة وحكومته وشـعب بالده بـدوام الصـحة والتقـدم واالزدهـار
وتتم هذه املراسم عادة حبضور طاقم من رئاسة الدولة وحبضور وزير اخلارجيــة أو غــريه من
مسئويل الوزارة الكبار إضافة ملدير املراسم والشخصــيات األخــرى املهمــة يف ديــوان الرئاســة
( )2
ومسئويل القسم اجلغرايف .
وق ــد ج ــرى الع ــرف ال ــدويل أن مينح رئيس الدول ــة فرص ــة قص ــرية للمبع ــوث للتح ــدث مع ــه
وتنــاول الشــاي مثًال ,حيث يتم أثناءهــا تنــاول حــديث عــام ال يتطــرق أليــة قضــايا ثنائيــة أو
سياســية ,إال إذا أشــار رئيس الدولــة لــذلك بقصــد الســؤال واالستفســار ,ويصــبح املبعــوث
( )3
حلظتها معتمد بشكل رمسي حيث حتسب أسبقيته على هذا األساس .
وق ـ ــد ج ـ ــرى الع ـ ــرف ال ـ ــدويل أن تنظم وزارة اخلارجي ـ ــة يف الدول ـ ــة املستض ـ ــيفة حف ـ ــل وداع
( )4
للمبعوث على شكل غداء أو عشاء رمسي حيث تقدم له هدية تذكارية باسم الوزارة .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :الدبلوماسية للشامي ( ,ص , )240وانظر :الدبلوماسية ,خلالد الشيخ . )1/236( ,
( )2انظر :الدبلوماسية ,خلالد الشيخ . )1/236( ,
( )3انظر :املصدر السابق . )1/242( ,
( )4انظر :املصدر السابق . )1/247( ,
267
أم ــا إذا ك ــان املبع ــوث الدبلوماس ــي جاسوس ـًا فق ــد ج ــرى الع ــرف ال ــدويل بإبع ــاده ,وذل ــك
( )5
بدوافع صيانة الكرامة الوطنية واحلفاظ على أمنها وسيادهتا .
ويشـ ـ ــكل جممـ ـ ــوع رؤسـ ـ ــاء البعثـ ـ ــات الدبلوماسـ ـ ــية املعتمـ ـ ــدة يف دولـ ـ ــة مـ ـ ــا وكافـ ـ ــة املوظفني
الدبلوماس ــيني الع ــاملني يف بعث ــات الدول ــة األجنبي ــة إط ــارًا يس ــمى الس ــلك الدبلوماس ــي وه ــو
إطــار مســتقل عن الســلك القنصــلي الــذي قــد يكــون متواج ـدًا يف عاصــمة الدولــة املستضــيفة
وال عالقــة لــه بــه ,ويقــف على رأس هــذا اإلطــار أقــدم رئيس بعثــة مقيم يف عاصــمة الدولــة
املستضــيفة والــذي يطلــق عليــه لقب عميــد الســلك الدبلوماســي ومنصــب عميــد الســلك هــو
منص ـ ــب اعتب ـ ــاري ال وظيفي ول ـ ــذا ال يوج ـ ــد م ـ ــا يقنن مه ـ ــام عمل ـ ــه ووظيفت ـ ــه وإن ك ـ ــانت
األعـ ــراف والتقاليـ ــد جتعلـ ــه خياطب قضـ ــايا عامـ ــة تتعلـ ــق باملراسـ ــم واالحتفـ ــاالت فقـ ــط دون
اســتغالل املنصــب سياســيًا ,فالعميــد هــو النــاطق باســم زمالئــه يف املناســبات العامــة يتقــدمهم
يف االحتف ــاالت الرمسية ويق ــدمهم ل ــرئيس الدول ــة املستض ــيفة ,إال أن ــه ال يس ــتطيع التح ــدث
باس ــم أي ــة دول ــة أو توض ــيح سياس ــاهتا م ــا ع ــدا دولت ــه باعتب ــاره ممثله ــا الرمسي ,إال إذا طلب
رئيس البعث ــة من ــه ذل ــك ,والعمي ــد أيض ـًا عب ــارة عن حلق ــة الوص ــل بني البعث ــات الدبلوماس ــية
( )1
واملراسم يف األمور املتعلقة بالتشريفات ومالحقة تظلمات البعثات .
ومن آثار العرف الدويل استقراره على ضرورة توافر شروط ثالثة الكتساب امللكية بطريق
االستيالء وهي :
-1أن يكون اإلقليم غري مملوك لدولة ما .
-2أن تضع الدولة املستولية يدها فعال على اإلقليم .
( )2
-3أن تقوم الدولة املستولية بإبالغ الدول األخرى رمسيًا باالستيالء .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :املصدر السابق . )1/255( ,
( )2انظر :املصدر السابق . )1/256( ,
( )3انظر :القانون الدويل العام ,لعلي صادق أبوهيف ( ,ص. )349
268
ومن آثــار العــرف الــدويل كــذلك أن اتفاقيــة فيينــا لقــانون املعاهــدات عــام 1961م مل تــذكر
بالتفصيل حاالت وأسباب انتهاء املهمة الدبلوماسية ,ومت الرجـوع هلذا العـرف ملعرفـة هـذه
األسباب وهي :
-1األس ــباب املتعلق ــة بش ــخص املبع ــوث الدبلوماس ــي وذل ــك كالوف ــاة واملرض واالس ــتقالة
الطوعية وحنوها .
-2األسباب املتعلقة بالدولة املعتمـدة وذلـك كاسـتدعاء الدولـة مبعوثهـا تعبـريا عن اسـتيائها
من سياسة الدولة املعتمد لديها .
-3األس ــباب املتعلق ــة بالدول ــة املعتم ــد ل ــديها وذل ــك مث ــل كون ــه غ ــري مرغ ــوب في ــه أو غ ــري
( )1
مقبول وحنو ذلك .
ه ــذا ويق ــر الع ــرف ال ــدويل أن تباش ــر ال ــدول ممارس ــة حقه ــا وص ــالحياهتا يف إقام ــة العالق ــات
الدبلوماسية وإبرام املعاهدات واالتفاقيات وتعـيني السـفراء وإصـدار اإلجـازات القنصـلية مـع
إجناز االعرتاف القانوين وال حيتاج الكيان اجلديد ممارسة أية إجراءات تنظيمية لتحقيق هذا
النوع من االعرتاف وتقدمي طلب للدول من أجـل ذلـك على نفس النمـط الـذي يتطلبـه أمـر
( )2
إقامة عالقات دبلوماسية بني الدول .
ـــــــــــــــــــ
( )1انظر :الدبلوماسية ,للشامي ( ,ص. )314
( )2انظر :الدبلوماسية ,خلالد الشيخ . )1/150( ,
269
الفرع الثاين
أثر العرف الدويل يف القانون البحري العريف
إن التطــورات واملتغــريات قــد آلت بثقلهــا يف اجتاه واحــد مــؤداه أن القواعــد العرفيــة التقليديــة
فيمـ ــا يتعلـ ــق باسـ ــتخدامات البحـ ــار مل تعـ ــد – يف البعض منهـ ــا – تتفـ ــق واحلقـ ــائق اجلديـ ــدة
احلاصــلة يف نطــاق العالقــات الدوليــة ,وأنــه يتعني واحلال كــذلك وضــع تنظيم دويل جديــد
للبحار يبقى على القواعد العرفية القائمة فيما يظـل منهـا صـاحلًا ومالئمـًا للتطـور املشـار إليـه
ويع ــدل أو يلغى م ــا يتع ــارض منه ــا م ــع اجتاه ــات ه ــذا التط ــور ويض ــع القواع ــد اجلدي ــدة ال ــيت
( )1
تستجيب ملصاحل الدول فرادى من ناحية وملصاحل اجملتمع الدويل قاطبة من ناحية ثانية .
وال ي ــزال للع ــرف ال ــدويل دور ه ــام يف الق ــانون البح ــري ,وذل ــك راج ــع إىل قل ــة النص ــوص
التشريعية يف نطاق هذا القـانون وعجزهـا عن مالحقـة حاجيـات املالحـة والتجـارة املتجـددة
( )2
.
ويعترب العرف الدويل األهم تارخييًًُا بني مصادر القانون الــدويل للبحــار ,فقــد كــان ألعــراف
الــدول البحريــة أثــر رئيســي يف تطــور هــذا القــانون ,كمــا كــان ألعــراف األســاطيل التجاريــة
والعس ــكرية يف العص ــور املاض ــية أث ــر يف التط ــور الطوي ــل واملعق ــد هلذا الق ــانون ,وذل ــك عن
طريق النشوء التدرجيي لعدد كبري من القواعد العرفية ,إال أن التطورات احلديثــة يف اجملتمــع
الدويل والدخول الواسع للدول النامية يف هذا اجملتمع دفع بتــدوين تلــك القواعــد العرفيــة إىل
األم ــام ,إذ مل يع ــد بإمك ــان ه ــذه ال ــدول النامي ــة القب ــول بالقواع ــد العرفي ــة للق ــانون ال ــدويل
للبحار اليت نشـأت يف أحضـان الـدول البحريـة الكـربى الـيت أصـبحت مصـاحلها تتعـارض مـع
مصــاحل الــدول الناميــة ,إال أنــه ورغم هــذا التطــور ال يــزال العــرف حيتــل مرك ـزًا مرموق ـًا بني
مصادر
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر:القانون الدويل للبحار وتطبيقاته يف اململكة ,حملمد عمر مدين , )1/43( ,ط1417 , 2هـ 1996 ,م
( )2انظر :القانون البحري ,ملصطفى كمال طه ( ,ص , )16الناشر :الدار اجلامعية 1993 ,م .
270
القــانون الــدويل للبحــار فوجــود املعاهــدات حــول قــانون البحــار مل مينــع من اســتمرار العمــل
بعــدد من القواعــد العرفيــة كمــا أن التطــورات احلديثــة أدت إىل نشــوء قواعــد عرفيــة جديــدة
وهلذا الس ــبب جند أن حمكم ــة الع ــدل الدولي ــة مل تغف ــل الع ــرف ال ــدويل يف قراراهتا يف مي ــدان
قــانون البحــار فقــد أشــارت إىل العــرف الــدويل يف قضــية اجلرف القــاري لبحــر الشــمال ويف
قضية املصائد النروجيية ويف قضية حبر أجيه ويف قضية اجلرف القاري بني ليبيا وتونس .
لقد أخذت األعراف الدولية املتعلقة بالقانون الدويل للبحار بالنمو التدرجيي متأثرة إىل حد
بعيــد بــالقوانني الــيت كــانت تشــرعها املدن والــدول البحريــة لتنظيم شــؤوهنا البحريــة ,ورغم
أن هذه القوانني هي أعمال قانونية انفرادية ال قيمة هلا على النطاق الــدويل ,إال أن تأثريهــا
على نشوء القواعد العرفية كان واضحًا جدًا ,فالعمل االنفــرادي املتكــرر واملتطــابق والــذي
ال يالقي أية معارضة رمسية من دول معينة ينتهي بإنشاء العنصر اخلارجي أو املادي للعــرف
ال ــدويل ,وأح ــدث مث ــل ميكن إي ــراده يف ه ــذا اخلص ــوص ه ــو التص ــرحيان الل ــذان أص ــدرمها
الرئيس األمريكي ترومان عـام 1945م حـول الـثروات احليـة للبحـار وحـول املوارد املعدنيـة
لقاع وباطن قاع البحار فقد شجع هذان التصرحيان دول أمريكا الالتينية على إصدار عدد
من الق ـ ــوانني الوطني ـ ــة ملد س ـ ــيادهتا بش ـ ــكل انف ـ ــرادي على مس ـ ــاحات من البحـ ـ ــار اجملاورة
لس ــواحلها مث انتقلت ه ــذه احلرك ــة إىل إفريقي ــا وآس ــيا مما أنش ــأ قواع ــد عرفي ــة ح ــول اجلرف
( )1
القاري وحول الثروات احلية يف تلك البحار .
هــذا ولقــد أكــدت حمكمــة العــدل الدوليــة العالقــة بني اتفاقيــات قــانون البحــار وبني العــرف
ال ــدويل يف مناس ــبات ع ــدة ففي قراره ــا ح ــول قض ــية اجلرف الق ــاري لبح ــر الش ــمال ق ــالت
احملكمة أن أي حكم يف اتفاقيـة 1958م يلـزم كافـة أعضـاء اجلماعـة الدوليـة من حيث أنـه
يتض ــمن أو جيس ــد قاع ــدة من قواع ــد الق ــانون الع ــريف املوج ــودة س ــابقا أو ال ــيت هي يف طري ــق
النشوء .
ويف قراره ــا يف قض ــية املص ــائد النروجيي ــة ق ــالت أن منطق ــة الص ــيد ق ــد جتس ــدت يف الس ــنوات
األخ ــرية يف الق ــانون الع ــريف عن طري ــق الش ــعور الع ــام ال ــذي ظه ــر يف املؤمتر وورد يف ق ــرار
احملكمة العاملية حول اجلرف القاري بني تونس وليبيا بصدد اتفاقية قانون البحار لعام
ــــــــــــــــــــــ
271
( )1انظر :القـانون الـدويل للبحـار ,حملمـد احلاج حممـود ( ,ص , )23الناشـر ,مطبعـة األديب البغداديـة 1990 ,م
.
1982م أنـ ــه " ال ميكن إمهال أي حكم يف مشـ ــروع اتفاقيـ ــة إذا كـ ــان يسـ ــتخلص منـ ــه أن
جوهرهــا يلــزم أعضــاء اجلماعــة الدوليــة ,من حيث كونــه جيســد قاعــدة من قواعــد القــانون
( )1
العريف املوجودة سابقًا أو اليت يف طريقها إىل الوجود " .
ومن آثــار العــرف الــدويل حــق الدولــة الســاحلية يف منــع الســفن التجاريــة للدولــة املعاديــة من
دخول موانئها ,ذلك أن النظام القانوين للمياه الداخلية من حيث خضوعها لسيادة الدولــة
الســاحلية ينعكس على وضــع الســفن األجنبيــة يف هــذه امليــاه إذ ال جيوز للســفن األجنبيــة أن
تــدعي حبق دخــول املينــاء يف حالــة عــدم وجــود اتفاقيــة هبذا اخلصــوص ,ويتعني على الســفن
األجنبية عند دخوهلا إىل املياه الداخلية أو أثناء وجودها فيها مراعــاة واحــرتام كافــة األنظمــة
والل ــوائح ال ــيت تض ــعها الدول ــة الس ــاحلية يف ه ــذا الش ــأن ,وإن ك ــان ال جيوز أن تص ــل ه ــذه
األنظمة وتلك اللوائح إىل حـد منـع مجيـع السـفن األجنبيـة التجاريـة دون سـبب مشـروع من
دخ ــول املي ــاه الداخلي ــة للدول ــة ملناف ــاة ذل ــك للغ ــرض ال ــذي أع ــدت ل ــه املوانئ وملقتض ــيات
التواص ــل ال ــدويل بني األمم والش ــعوب ,على أن يك ــون من ح ــق الدول ــة الس ــاحلية أن متن ــع
ســفن الدولــة التجاريــة املعاديــة هلا من دخــول موانئهــا باعتبــار ذلــك من األمــور املســتقرة الــيت
( )2
تواترت عليها األعراف الدولية يف نطاق القانون الدويل للبحار .
هـ ــذا ولقـ ــد اسـ ــتقر العـ ــرف الـ ــدويل على إعطـ ــاء الدولـ ــة السـ ــاحلية احلق يف إخضـ ــاع حبرهـ ــا
اإلقليمي لتش ــريعاهتا الداخلي ــة دون تفرق ــة يف ذل ــك بني مي ــاه البح ــر اإلقليمي الواق ــع داخ ــل
املضيق وبني مياه ذلك البحـر الواقـع خـارج املضـيق ,كمـا تـواتر العـرف الـدويل البحـري يف
ذلــك أيض ـًا على حــق الدولــة الســاحلية يف اشــرتاط طلب احلصــول منهــا على إذن مســبق أو
إخطاره ــا بالنس ــبة ملرور الس ــفن العس ــكرية لل ــدول األخ ــرى يف البح ــر اإلقليمي هلذه الدول ــة
حيث يوجد من يقول بالتفرقــة بني الــداخل واخلارج على أســاس أن الــداخل خيضــع للمـرور
( )3
احلر واخلارج خيضع للمرور الربيء .
ــــــــــــــــــــــ
( )1القانون الدويل للبحار ,حملمد احلاج حممود ( ,ص. )29
( )2انظر :القانون الدويل للبحار وتطبيقاته يف اململكة العربية السعودية ,حملمد عمر مدين . )1/66( ,
( )3انظر :املصدر السابق . )1/276( ,
272
ومن آثار العرف الدويل متتـع الدولـة السـاحلية حبقـوق سـيادة وواليـة على مـا يسـمى بـالبحر
اإلقليمي أو املنطقة املتامخة أو املنطقة االقتصادية اخلالصة أو االمتداد القاري هو أمر حمكــوم
يف طبيعته ونطاقه باتفاق أعضاء اجلماعة الدولية وانعقاد إرادهتم عليـه حبيث يعتـرب أي جتاوز
من قبــل الدولــة هلذه األحكــام املســتقرة خمالفــة صــرحية ملقتضــى القــانون مبا يــرتب املســؤولية
( )1
الدولية يف حق الدولة مرتكبة املخالفة .
ه ــذا ولق ــد ج ــرى الع ــرف ال ــدويل على الس ــماح مبنح الس ــفن العس ــكرية ح ــق زي ــارة الس ــفن
التجاريـة يف أعـايل البحـار للتأكـد من جنسـيتها وذلـك للتأكـد من وجـود الصـلة بني السـفينة
( )2
والعلم الذي ترفعه .
وجيوز للس ــفينة العس ــكرية أن تش ــرع يف اختاذ املزي ــد من إج ــراءات الفحص والتف ــتيش على
ظهــر الســفينة يف حالــة وجــود شــكوك تفيــد بــأن الســفينة املعنيــة تقــوم بأعمــال قرصــنة أو أيــة
نشاطات أخرى تتعارض مع العرف الدويل )3( .
ولقد استقر العرف الدويل على جعل منطقة مـا وراء البحـر اإلقليمي منطقـة حـرة ومفتوحـة
( )4
لكافة الدول متارس عليها بعض احلريات مثل حرية الصيد وحنوها .
وخبصــوص مبــىن احملكمــة الدوليــة لقــانون البحــار فإنــه يعفى من كافــة الضــرائب العقاريــة الــيت
قــد تفرضــها بلديــة املدينــة أو الواليــة على أن تكــون حــدود األعفــاء يف ضــوء مــا اســتقر عليــه
( )5
العرف الدويل يف هذا اخلصوص .
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :املصدر السابق . )1/322( ,
( )2انظر :املصدر السابق . )1/332( ,
( )3انظر :املصدر السابق . )1/332( ,
( )4انظر :املصدر السابق . )1/341( ,
( )5انظر :املصدر السابق . )1/509( ,
الفرع الثالث
273
أثر العرف الدويل يف القانون الفضائي
يتكون العرف الدويل يف قانون الفضاء بتكرار املواقف واألعمال املماثلة من أطراف خمتلفــة
يف أمر من األمور ,وال بد من حتقق تبادل بني الدول يف املواقف واألفعــال ,وهــذا ال يعــين
حتقق اإلمجاع ال لكونه منحصر يف دولـتني بـل إلمكانيـة تكـون العـرف الـدويل الفضـائي بني
عدد حمدود من الدول مث تتواتر هذه الدول على اتباعها دون اعرتاض فتثبت بذلك القاعدة
العرفية وتصبح ملزمة لكل أعضاء اجلماعة الدولية ولكل دولة جديدة تنضم إليها فيمــا بعــد
( )1
.
هــذا وعلى حداثــة القــانون الفضــائي ,إال أن للعــرف الــدويل تــأثري بــالغ فيــه ,ومن ذلــك :
اســتقرار هــذا العــرف على حــق كــل دولــة يف إطالق مركبــة فضــاء أو قمــر صــناعي يتخــذ لــه
مدارًا حول األرض لتحقيق أغراض سلمية يف الفضــاء اخلارجي ,وال ختضــع هــذه األجســام
الفضــائية الصــناعية لالختصــاص القــانوين للدولــة الــيت تعلــو هــذه املركبــات فضــاءها اجلوي ,
( )2
وال يعترب ذلك انتهاكًا للسيادة اإلقليمية هلذه الدول .
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :قانون الفضاء الكوين ,لفاروق سعد ( ,ص , )112الناشر :الدار اجلامعية ,ط1993 , 2م .
( )2انظـ ــر :النظـ ــام القـ ــانوين للفضـ ــاء اخلارجي واألجـ ــرام السـ ــماوية ,لعلي أجمد علي ( ,ص , )200الناشـ ــر :دار
النهضة العربية يف القاهرة 1979 ,م ,وانظر :القانون الدويل العام ,لعلي صادق أبوهيف ( ,ص. )464
الفرع الرابع
274
أثر العرف الدويل يف القانون التجاري الدويل
يرجع تأثري العرف الدويل يف التجارة الدولية من الناحية الزمنية إىل العصور الوســطى حيث
كان املولد احلقيقي للقــانون التجـاري الــدويل كمجموعــة من القواعــد تعــارف على تطبيقهــا
التجار الذين كانوا ينتقلون من سوق إىل سوق ومن مرفأ آلخر أو جيتمعـون بشـكل دوري
يف األســواق الكــربى للقيــام بصــفقاهتم التجاريــة مث أتت مرحلــة التقنينــات الوطنيــة مث مرحلــة
( )1
التدوين الدويل .
وإليك بعض املسائل اليت تبني أثر العرف الدويل يف القانون التجاري الدويل :
-1يلتزم البائع بتسليم الكمية املتفق عليها يف العقد فإذا قام بتسليم كمية أقل أو أكــثر من
ذلــك فــإن املبيع يعتــرب معيب ـًا وتطبــق بالتــايل اجلزاءات القانونيــة املرتتبــة على هــذا األمــر إال إذا
كان الفرق يف الكمية ليست له أمهية بالنســبة للمشــرتي أو كــان مما جتيزه العــادات التجاريــة
( )2
املرعية .
-2قــانون الــبيع املوحـد يقضــي بوجـوب التســليم يف امليعــاد الــذي حيدده اتفــاق األطــراف أو
( )3
العرف .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :قانون التجارة الدويل ,حلمزة حداد ( ,ص. )34
( )2انظر :املصدر السابق ( ,ص. )210
( )3انظر :املصدر السابق ( ,ص. )290
-3إن على املشرتي حىت حيفظ حقه يف مواجهـة البـائع أن يقـوم وفقـا هلذا القـانون بفحص
املبيع خالل وقت قصري من الوقت الذي يتمكن فيه من ذلك وخيضع الفحص عندئذ ما مل
يتفق على خالفه لقانون املكان الذي جيري فيه فحص املبيع أو عاداته التجارية والسبب يف
275
إخضــاع الفحص هلذا القــانون يرجــع إىل أن كيفيــة إجــراء الفحص تتوقــف على جنس املبيع
( )1
وعلى ما جيري عليه العرف أو يقضي به القانون احمللي .
ــــــــــــــــــــ
( )1انظ ــر :املوجز يف ق ــانون التج ــارة الدولي ــة ,لط ــالب حس ــن موس ــى ( ,ص , )47الناش ــر :مكتب ــة دار الثقاف ــة ,
وانظر :املصدر السابق ( ,ص. )329
الفرع اخلامس
276
أثر العرف الدويل يف القانون الدويل حلقوق
اإلنسان
للعرف الدويل تأثري بالغ يف القانون الدويل حلقوق اإلنسان ,فقد أسهم بشكل ملحوظ يف
تشكيل العديد من قواعده خاصة يف جمال القواعد اليت حتكم سلوك احملاربني ومحاية
ضحايا احلرب ,فكلها قواعد وجدت يف تعاليم األديان وعادات الفرسان ودخلت إىل
العرف الدويل لتنتقل بعد ذلك إىل املعاهدات الدولية .
إن تكوين هذه القواعد راجع إىل إسهام كبري للبشرية كلها ,فمنها ُتستلهم أحكام
املعاهدات ,ومن تكرار اتباعها يف العمل الدويل وشيوع نصوصها يف املعاهدات تشكل
عرفًا عامًا ال يلبث أن يسود بني خمتلف الدول .
وهذا ما يفسر تشابه نصوص االتفاقيات املتعلقة حبقوق اإلنسان ,فاملطلع على اإلعالن
العاملي حلقوق اإلنسان ,وعلى اتفاقييت احلقوق املدنية والسياسية واحلقوق االقتصادية
واالجتماعية ,وعلى اتفاقية حقوق اإلنسان األمريكية ,وكذا اتفاقية حقوق اإلنسان
( )1
األوروبية يدرك وجود أعراف وعادات دولية تلتزم هبا الدول يف جمال حقوق اإلنسان .
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل حلقوق اإلنسان ,دراسات يف القانون الدويل والشريعة اإلسالمية ,جلعفر عبد السالم
علي ,الناشر :دار الكتاب املصري ,ط1419 , 1هـ .
المطلب الثاني
277
أثر العرف الدويل يف املعاهدات الدولية
الفرع األول
أثر العرف الدويل يف إنشاء املعاهدات
للعرف الـدويل تـأثريه البـالغ والظـاهر يف إنشـاء املعاهـدات واالتفاقيـات الدوليـة ,وذلـك ألن
كثريًا من هذه املعاهدات احلالية كاتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لعـام 1961وحنوهـا ,قـد
278
كــانت يف األصــل عبــارة عن أعــراف دوليــة ,مث جــرى االتفــاق عليهــا بني الــدول يف صــورة
ق ــانون مكت ــوب ,وإلي ــك بعضـ ـًا من ه ــذه االتفاقي ــات وال ــيت ك ــانت يف األص ــل عب ــارة عن
أعراف دولية :
-1تعــيني رئيس البعثــة :يعني رئيس البعثــة مبوافقــة الدولــة املعتمــد لــديها وهــذا مــا جــرى بــه
العــرف الــدويل حــىت قنن يف اتفاقيــة فينــا لعــام 1961م مــادة 4فقــرة 1وفيهــا :جيب على
الدولة أن تتأكد من قبول الدولة املعتمد لديها للشخص املزمع اعتماده رئيسا للبعثة املنشأة
( )1
فيها.
-2يعفى مقر البعثة من الضريبة العقارية وقد كان ذلك على أســاس اجملاملــة الدوليــة مث أقــر
كمبــدأ يلــتزم بــه اجلميــع ال كمجاملــة على أســاس املعاملــة باملثــل مث قنن يف اتفاقيــة فينــا لعــام
1961م يف الفقرة 1من املادة 23حيث نصت على أنه " :تعفى الدولة املعتمدة ويعفى
رئيس البعثــة بالنســبة إىل مرافــق البعثــة اململوكــة أو املســتأجرة من مجيــع الرســوم والضــرائب
( )2
القومية واإلقليمية والبلدية ما مل تكن مقابل خدمات معينة .
-3لق ــد ج ــرى الع ــرف ال ــدويل على إعف ــاء املبع ــوثني الدبلوماس ــيني من الض ــرائب والرس ــوم
( )3
اجلمركية وحنو ذلك مث قنن يف اتفاقية فينا 1961م يف املادة . 34
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :الدبلوماسية ,للشامي ( ,ص. )232
( )2انظر :املصدر السابق ( ,ص. )435
( )3انظر :املصدر السابق ( ,ص. )534
-4من املســائل املســتقرة يف العــرف الــدويل مســألة املطــاردة احلثيثــة للســفن يف البحــر العــايل
وذلك عندما ترتكب السفينة اخلاصة خمالفة األنظمة للدولة الساحلية داخـل حبرهــا اإلقليمي
أو مياههـا الداخليـة أو منطقتهـا املتامخة سـواء فيمـا يتعلـق بالشـؤون اجلمركيـة أو الصـحية أو
الصـ ـ ــيد أو أي نظـ ـ ــام آخـ ـ ــر مث حتاول السـ ـ ــفينة اهلروب من هـ ـ ــذه املنـ ـ ــاطق جتنب ـ ـ ـًا خلضـ ـ ــوعها
الختصـ ــاص الدولـ ــة السـ ــاحلية وقـ ــد قننت املادة( )111من اتفاقيـ ــة األمم املتحـ ــدة لقـ ــانون
( )1
البحار األحكام املتعلقة بتنظيم عملية املطاردة احلثيثة من جانب الدولة الساحلية .
279
ـــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل للبحار وتطبيقاته يف اململكة العربية السعودية ,حملمد عمــر مــدين , )1/335( ,وانظــر :
القانون الدويل العام ,لعلي صادق أبوهيف ( ,ص. )407
الفرع الثاين
أثر العرف الدويل يف تفسري املعاهدات
للعرف تأثري بارز يف تفسري املعاهدات الدولية ,وكشف ما غمض منها ,فإذا اختلف
أطراف املعاهدة يف تفسريها ,فإهنم يستندون إىل العرف الدويل لكشف مضموهنا ,
خاصة وأن االختالف يف تفسري املعاهدات الدولية قد يهدد السلم الدويل ,لذا كان من
الضروري معاجلة هذا اخلالف قبل أن يتسع ويشتد خطره ,وهذا ما مت بالنسبة ملعاهدة
280
فرساي إذ جلأ املسؤولون عام 1923م إىل العرف لتفسري األحكام املتعلقة بتنفيذ
()1
العقوبات على أملانيا وتربير احتالل املناطق اليت كانت تابعة ألملانيا .
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور مسوحي فوق العادة ( ,ص , )53وانظر :أحكام املعاهدات يف
الشريعة اإلسالمية ,حملمد طلعت الغنيمي ( ,ص , )142الناشر :منشأة املعارف باإلسكندرية .
الفرع الثالث
أثر العرف الدويل يف تعديل املعاهدات
الدولية
إمكانية تعديل املعاهدات الدولية بواسـطة العـرف الـدويل أمـر جـائز يف القـانون الـدويل العـام
,فاألمر يتعلق بظاهرة شائعة ومنتشرة ،وبالــذات خالل النصــف الثــاين من القــرن العشــرين
،خاصة بعد احلرب العاملية الثانية والتغريات اليت ظهرت يف شكل اجملتمع الدويل .
281
فالعرف بإمكانه تعديل معاهدة دولية مكتوبة ،إذا ما كانت بعض قواعدها مل تعــد مناســبة
حلكم العالقات الدولية .
حمكم ــة الع ــدل الدولي ــة اع ــرتفت هبذه اإلمكاني ــة يف رأيه ــا االستش ــاري ح ــول بعض نفق ــات
األمم املتح ــدة ع ــام 1962م ,حيث قبلت احملكم ــة وبص ــورة ض ــمنية إمكاني ــة قي ــام الع ــرف
بتعديل املعاهدة الشكلية ،وبالذات يف هذه القضية حيث ميكنه تعديل ميثاق األمم املتحدة
ذاته .
ويف رأيه ــا االستش ــاري ح ــول ناميبي ــا ع ــام 1971م ق ــالت ب ــأن " :التط ــبيق الع ــام واملتب ــع
بواسطة جملس األمن ،قد أدخل تعديالت عرفية على نصوص ميثاق األمم " .
لق ــد اعت ــربت احملكم ــة يف ه ــذا ال ــرأي أن غي ــاب عض ــو دائم من أعض ــاء اجمللس وامتناع ــه عن
التصـ ــويت اإلجيايب ال يشـ ــكل عقبـ ــة أمـ ــام صـ ــدور قـ ــرار صـ ــحيح من اجمللس ,وقـ ــد ق ــدرت
احملكمــة أن قاعــدة عرفيــة قــد نشــأت يف هــذا الصــدد من خالل العمــل الطويــل يف اجمللس ,
وأن التطبيق العام بواسطة املنظمة قد عدل ،وبصورة خاصة هذا النص من نصوص امليثــاق
()1
.
ــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,لعلي إبراهيم ( ,ص. )631
الفرع الرابع
أثر العرف الدويل يف إهناء املعاهدات
يق ــوم الع ــرف ال ــدويل بإهناء املعاه ــدات ,خباص ــة إن ك ــان قاع ــدة آم ــرة من قواع ــد الق ــانون
الدويل العام ,وقد جـرى تعريـف القاعـدة اآلمـرة يف نص املادة 53من اتفاقيـة فيينـا لقـانون
املعاه ــدات لع ــام 1961م ,حيث ع ــرفت بأهنا " :ك ــل قاع ــدة من قواع ــد الق ــانون ال ــدويل
العـام تقبلهـا اجلماعـة الدوليـة يف جمموعهـا ويعـرتف هبا باعتبارهـا قاعـدة ال جيوز اإلخالل هبا
282
أو االتفــاق على مــا خيالفهــا وال ميكن تعــديلها إال بقاعــدة الحقــة من قواعــد القــانون الــدويل
العام " .
فــإذا كــان العــرف الــدويل قاعــدة آمــرة من قواعــد القــانون الــدويل العــام ,فإنــه يســتطيع إهناء
املعاه ـ ــدة ,وال ـ ــدليل على ذل ـ ــك نص املادة 64من اتفاقي ـ ــة فيين ـ ــا لق ـ ــانون املعاه ـ ــدات لعـ ــام
1961م وفيه " :إذا ظهـرت قاعـدة آمـرة جديـدة من قواعـد القـانون الـدويل العـام فـإن أي
معاهدة قائمة تتعارض مع هذه القاعدة تصبح باطلة وينتهي العمل هبا " .
المطلب الثاني
أثر العرف الدويل يف احملاكم
283
الف ــرع األول :أث ــر الع ــرف ال ــدويل يف احملاكم
الداخلية
الفـ ــرع الثـ ــاين أثـ ــر العـ ــرف الـ ــدويل يف احملاكم
الدولية
الفرع األول
أثر العرف الدويل يف احملاكم الداخلية
يعترب العرف الدويل جزًء من القانون الذي تلتزم به احملاكم الداخلية ,ويظهر أثره يف هــذه
احملاكم يف كثري من األمور ,منها :حماكمة األجانب أمام القضاء الوطين ,ووجوب توفــري
ض ــمانات حمددة لتحقي ــق العدال ــة هلم مث ــل إحض ــار م ــرتجم لألجن ــيب يت ــوىل نق ــل دفاع ــه أم ــام
احملكم ــة بلغ ــة البل ــد ,وإحض ــار حمامي ل ــه ,وع ــدم إطال ــة احملاكم ــة ب ــدون مقتض ــى ,وتقري ــر
( )1
التعويضات لألجانب الذين سلبت أمواهلم أثناء االضطرابات االجتماعية .
ويف مســألة تســليم اجملرمني اشــرتط العــرف الــدويل أن تكــون اجلرمية معاقب ـًا عليهــا يف الدولــة
( )2
املطاَلبة بتسليم اجملرم ,وأن يثبت بصفة قاطعة أن املتهم تابع للدولة اليت تطلبه .
284
كذلك جـرى العـرف الـدويل بـأن احملكمـة املختصـة بـاجلرائم املرتكبـة يف السـفن املوجـودة يف
( )3
عرض البحر هي احملكمة اليت ترفع السفينة علم الدولة التابعة هلا .
كما أن احملاكم الداخليـة تعطي الدبلوماسـيني امتيـازات خاصـة هبم وهـذا أمـر متعـارف عليـه
( )4
بني الدول .
وأيض ـًا جيوز للمحكمــة الداخليــة أبعــاد األجنــيب إذا أخــل بــاألمن العــام أو كــان ســيئ الســرية
( )5
والسلوك وذلك طبقًا لقواعد العرف الدويل .
وإذا مل حترتم احملاكم الداخلية هذه الضمانات فإهنا ترتكب فعًال دوليًا غري مشروع هو
( )6
إنكار العدالة ويرتب املسؤولية الدولية على عاتق الدولة .
ــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور علي إبراهيم ( ,ص. )528
( )2انظر :تطبيق القانون الدويل أمام احملاكم املصرية ,لسعيد اجلدار . )235( ,
( )3انظر :املصدر السابق ( ,ص. )237
( )4انظر :املصدر السابق ( ,ص. )240
( )5انظر :املصدر السابق ( ,ص. )247
( )6انظر :القانون الدويل العام ,للدكتور علي إبراهيم ( ,ص. )528
الفرع الثاني
أثر العرف الدويل يف احملاكم الدولية
285
-1أثـ ـ ــر العـ ـ ــرف الـ ـ ــدويل يف حمكمـ ـ ــة العـ ـ ــدل
الدولية
-2أثـ ـ ــر العـ ـ ــرف الـ ـ ــدويل يف حمكمـ ـ ــة العـ ـ ــدل
اإلسالمية الدولية
-3أثـ ــر العـ ــرف الـ ــدويل يف احملكمـ ــة اجلنائيـ ــة
الدولية
تعترب حمكمة العدل الدوليـة العـرف الـدويل مصـدرًا أساسـيًا من مصـادر القـانون الـدويل العـام
,حيث تعتربه املصدر الثاين من مصادر القانون الدويل العام ,كما نصــت على ذلــك املادة
38من النظام األساسي هلذه احملكمة ,كما تشري املادة 38إىل أنه عبارة عن العادة املتبعة
من جانب الدول واملعتربة مبثابة القانون .
وقــد اســتندت احملكمــة على العــرف الــدويل يف كثــري من أحكامهــا ,وقــد متت اإلشــارة إىل
بعض ه ــذه األحك ــام يف ثناي ــا ه ــذا البحث ,يف العدي ــد من املب ــاحث ,كقض ــية الل ــوتس ,
وقضية املصائد ,وقضية األنشطة العسكرية وحنوها .
286
أثر العرف الدويل يف حمكمة العدل اإلسالمية
الدولية
قبل احلديث عن أثر العرف الدويل يف هذه احملكمة ,البد من احلديث -ولو بإجياز –
عن هذه احملكمة ومقرها وغري ذلك .
حمكمة العــدل اإلســالمية الدوليــة مقرهــا :الكــويت ( . )1وهي عبــارة عن جهــاز قضــائي تــابع
ملنظمــة املؤمتر اإلســالمي ,وهي قائمــة -حبمــد اهلل – على أســس ومبــادئ الــدين اإلســالمي
( )2
العظيم ,ومصادر وقواعد الشريعة اإلسالمية .
287
ومن ش ــروط القاض ــي يف ه ــذه احملكم ــة أن يك ــون مس ــلمًا ع ــدًال من ذوي الص ــفات اخللقي ــة
العالية ,ومن رعايا الدول األعضاء يف املنظمة ,وأن يكون من فقهاء الشريعة اإلســالمية ,
( )3
ومؤهًال للتعيني يف أرفع مناصب اإلفتاء أو القضاء يف بالده .
هذا وحيلف كل عضو من أعضاء احملكمة يف أو جلسة علنية اليمني التالية :
" أقســم باهلل العظيم أن أتقي اهلل وحــده يف أدائي واجبــايت ,وأن أعمــل مبا تقتضــيه الشــريعة
( )4
اإلسالمية وقواعد الدين اإلسالمي احلنيف دون حماباة " .
وبع ــد ه ــذا كل ــه ه ــل للع ــرف ال ــدويل أث ــر يف ه ــذه احملكم ــة ,وه ــل تسرتش ــد ب ــه وتب ــين علي ــه
أحكامها ؟
أشــارت املادة الســابعة والعشــرون إىل ذلــك ,حيث نصــت على أن " :الشــريعة اإلســالمية
هي املصدر األساسي الذي تستند إليه احملكمة يف أحكامها .
ـــــــــــــــــــــ
( )1انظر :املادة الثانية من النظام األساسي حملكمة العدل اإلسالمية الدولية .
( )2انظر :املادة األوىل من نفس النظام .
( )3انظر :املادة الرابعة من نفس النظام .
( )4املادة التاسعة من نفس النظام .
وإضــافة إىل ذلــك تسرتشــد احملكمــة بالقــانون الــدويل واالتفاقــات الدوليــة الثنائيــة أو متعــددة
األطــراف أو العــرف الــدويل املعمــول بــه أو املبــادئ العامــة للقــانون أو األحكــام الصــادرة من
احملاكم الدولية " .
إذًا تعترب هذه احملكمة العرف الدويل مصدرًا ثانويًا يرجع إليه يف القضايا الــيت ال دليــل عليهــا
من الكتاب والسنة وحنو ذلك .
وهي هبذا االعتبار ختالف حمكمة العدل الدولية اليت تعترب العرف الـدويل مصـدرًا رئيسـيًا من
املصادر اليت ترجع إليها يف تطبيق األحكام .
وقد سبق وأن مت بيان الكثري من القضايا املعروضة على حمكمة العدل الدولية واليت بنيت
األحكام فيها على العرف الدويل .
وكم كنت أمتىن لو أن حمكمة العدل اإلسالمية الدولية باشرت يف استقبال القضايا ,ألرى
مدى تأثري العرف الدويل عليها وعلى األحكام الصادرة منها ,ولتتم املقارنــة بني أحكامهــا
وأحكام حمكمة العدل الدولية .
288
أثر العرف الدويل يف احملكمة اجلنائية الدولية
للعرف الدويل تأثريه الظاهر يف احملكمة اجلنائية الدولية ( )1فاألسلوب الذي تتبعه احملكمة يف
القضايا اليت تعرض عليها أسلوب متعارف عليه بني الدول قبل إنشائه هذه احملكمة .
وقد أخذت هذه احملكمة باألعراف الدولية الناشئة من حماكم جنائية دولية سابقة ,وذلك
مثل حمكمة نورمربج ( )2اليت قامت مبحاكمة اجلنود األملان يف أعقاب احلرب العاملية الثانية
,ومثل احملكمة اجلنائية يف طوكيو ( )3واليت قامت مبحاكمة اجلنود اليابانيني .
ولذا يوجد تطابق يف بعض اإلجراءات اليت متر هبا القضايا يف كٍل من هذه احملاكم ,وذلك
نتيجًة لوجود عرف دويل يقضي باتباع مثل هذه اإلجراءات .
ومن هذه اإلجراءات ,طريقة تشكيل احملكمة ,واحلصانات واالمتيازات ألعضائها ,
وأيضًا كيفية إدارة اجللسات ,وكيفية إصدار األحكام ,وكيفية إعادة النظر يف احلكم ,
289
أضف إىل ذلك حتديد حقوق املتهمني ,وحتديد اجلرائم اليت تعد من جرائم احلرب ,وحنو
( )4
ذلك .
ــــــــــــــــــــــ
( )1احملكمة اجلنائية الدولية هي عبارة عن حمكمة تابعة لألمم املتحدة ,ومقرها يف مدينة الهاي يف هولندا ,وتعىن
بتطبيق القانون اجلنائي الدويل ,ومن القضايا اليت ترفع هلا اجلرائم اليت تقع يف احلروب ,لذا فهي حتاكم ما يطلق
عليهم جمرمي احلرب ,وكذلك ترفع هلا القضايا املتعلقة باالستخدام الغري مشروع لألسلحة ,حيث إنه توجد
أسلحة غري مشروعة دوليًا ومن ذلك األسلحة النووية والذرية وحنوها .انظر ,املواد 3-1من النظام األساسي
للمحكمة اجلنائية الدولية ,وانظر مبادئ القانون اجلنائي الدويل ,ألشرف توفيق مشس الدين ( ,ص , )63الناشر :
دار النهضة العربية يف القاهرة 1998 ,م .
( )2أنشئت حمكمة نورمربج يف أعقاب احلرب العاملية الثانية يف أملانيا ,وذلك حملاكمة األملان الذين هزموا على يد
احللفاء ,وجتدر اإلشارة إىل أن هذه احملكمة اعتربت العرف الدويل أسلوب عملي متبع بوجه عام وله قوة القانون .
انظر :القانون الدويل اجلنائي ,لعبد الرحيم صدقي ( ,ص1981 , )30م .
( )3أنشئت حمكمة طوكيو اجلنائية يف أعقاب احلرب العاملية الثانية ,وذلك حملاكمة اجلنود اليابانيني ,وقد رفعت
احملكمة عليهم قضايا عديدة اعتربت جرائم حرب ,وانتهت أغلب القضايا فيها إىل اإلعدام .انظر :مبادئ القانون
اجلنائي الدويل ,ألشرف توفيق مشس الدين ( ,ص , )45والقانون الدويل اجلنائي ,لعبد الرحيم صدقي ( ,ص)32
( )4انظر :مبادئ القانون اجلنائي الدويل ,ألشرف توفيق مشس الدين (ص , )31و القانون الدويل اجلنائي ,لعبد
الرحيم صدقي ( ,ص , )30والنظام األساسي للمحكمة اجلنائية الدولية .
املبحث الثالث
أثر العرف الدويل يف أنظمة اململكة العربية
السعودية
تلــتزم اململكــة العربيــة الســعودية بــالعرف الــدويل ,وذلــك انطالق ـًا من مبادئهــا القائمــة على
الشريعة اإلسالمية ,اليت تأمر بااللتزام هبذا النوع من األعراف .
ويظهر التزامها فيما نصت عليه من أنظمة تؤكد وجوب االلــتزام بــاألعراف الدوليــة ,ومن
ذلك :
290
ما جاء يف الفقرة ب من املادة الثالثـة من نظـام العلم للملكـة العربيـة السـعودية ,حيث جـاء
فيها " :مع مراعـاة مـا تقتضـيه اجملاملـة والعـرف الـدويل ,يرفـع العلم الوطـين خـارج اململكـة
يومي ــا ,م ــا بني ش ــروق الش ــمس وغروهبا ,مبا يف ذل ــك أي ــام اجلم ــع واألعي ــاد ,وعلى دور
املمثليات السعودية يف اخلارج " .
هنا تبني هذه الفقرة حقيقة التزام اململكة العربية السعودية بالعرف الدويل ,ومراعاهتا له .
وتؤكـ ــد ذلـ ــك املادة السادسـ ــة من نفس النظـ ــام ,حيث تقـ ــول " :تـ ــراعى قواعـ ــد القـ ــانون
والعــرف الــدويل ,فيمــا يتعلــق برفــع العلم األجنــيب على املبــاين اخلاصــة باملمثليــات السياســية
والقنصلية للدول األجنبية يف اململكة ,وكذلك األمم املتحدة واهليئات الدولية واإلقليمية ,
أو رفعــه على الســيارات اخلاصــة مبوظفيهــا ,وفيمــا عــدا ذلــك ال جيوز رفــع العلم األجنــيب يف
اململكة إال يف األعياد واملناسبات الرمسية ,وبشرط احلصول على إذن من وزارة الداخلية ,
وأن يكـون العلم األجنـيب مصـحوبا بـالعلم الوطـين ومتناسـبا معـه يف املقـاس ,على أن يكـون
للعلم الوطين مكان الشرف " .
ويف نظـ ــام البحث العلمي البحـ ــري يف املنـ ــاطق البحريـ ــة التابعـ ــة للمملكـ ــة أكـ ــدت اململكـ ــة
مراعاهتا للعرف الدويل يف املادة السابعة من النظام حيث نصت على أنه جيب لعرض طلب
الرتخيص على اجلهة املختصة ,أن يقرتن بالعديــد من التعهــدات ومن أمههــا االلــتزام بقواعــد
القانون الدويل من اتفاقيات وأعراف .
ويف املادة 13من نفس النظام نصت على أنه " :ليس يف هذا النظام ما يؤثر على احلقــوق
املقــررة للملكــة كدولــة ســاحلية وفق ـًا لألعــراف الدوليــة وغريهــا من قواعــد القــانون الــدويل
األخرى وما تقضي به األنظمة الداخلية السارية يف اململكة .
ويف املادة 15من نفس النظام أكدت على أن العقوبة املقررة على من خيالف هذا النظام
ال ختل بأية عقوبة أشد مقررة مبوجب االتفاقيات أو األعراف الدولية .
ه ــذا وإن نظ ــام املوانئ واملرافئ واملن ــائر البحري ــة الص ــادر باملرس ــوم امللكي رقم م27/بت ــاريخ
24/6/1394هـ ـ يش ــتمل على بي ــان القواع ــد اخلاص ــة ب ــاملوانئ الس ــعودية من حيث دخ ــول
الس ـ ــفن وخروجه ـ ــا من وإىل املوانئ والرقاب ـ ــة والتف ـ ــتيش على الس ـ ــفن الس ـ ــعودية واألجنبيـ ــة
291
وتف ــتيش الس ــفن والوح ــدات البحري ــة وحنو ذل ــك ,ك ــل ذل ــك ينس ــجم يف جممل ــه م ــع م ــا
( )1
استقرت عليه األعراف الدولية يف جمال قانون البحار .
ومما يثبت الــتزام اململكــة بــالعرف الــدويل أهنا قــامت بنقــل مقــرات البعثــات الدبلوماســية من
( )2
جدة إىل الرياض ,وذلك التزامًا منها هبذا العرف .
ولعلي أختم هذا املبحث بذكر خرب قرأته يف إحدى اجلرائد السعودية يؤكد اهتمام اململكــة
بالعرف الدويل ,ونص هذا اخلرب كالتايل :
" أبلغت اإلدارة العام ــة للم ــرور اجله ــات الرقابي ــة على وك ــاالت ومك ــاتب الس ــفر باململك ــة
بق ــرار من ــع كاف ــة املك ــاتب والوك ــاالت الس ــياحية من منح النس ــاء الس ــعوديات واملقيم ــات
بالسعودية رخص قيادة دولية ,وقد شدد على هــذا النــادي الســعودي للســيارات والســياحة
يف اجتم ــاع س ــابق م ــع ممثلي املك ــاتب والوك ــاالت ,وذل ــك لع ــدم انطب ــاق ش ــروط إص ــدار
الــرخص الدوليــة عليهن ,وذكــر املصــدر أن شــروط إصــدار شــهادة القيــادة الدوليــة مقرتن ــة
بشهادة القيادة السعودية وذكر املصدر أن هذا االقرتان نتيجة لوجود عرف دويل
ــــــــــــــــــــ
( )1انظر :القانون الدويل للبحار وتطبيقاته يف اململكة العربية السعودية ,حملمد عمر مدين . )1/87( ,
( )2انظر :الدبلوماسية ,خلالد الشيخ . )1/232( ,
حيكم ب ــذلك .ونظـ ـرًا لع ــدم انطب ــاق ه ــذا الش ــرط على النس ــاء يف الس ــعودية فال جيوز هلن
( )1
احلصول على الرخصة الدولية " .
292
ــــــــــــــــــــــ
( )1جريدة الوطن السعودية ,السنة الرابعة ,العدد , )1439( :يوم الثالثاء 22/7/1425 ,هـ .
اخلامتة
احلمد هلل رب العاملني ,والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني ,نبينا حممد وعلى
آله وصحبه أمجعني ,ومن سار على النهج املستقيم إىل يوم الدين .
وبعد :
فأمحد اهلل العلي القدير أن يسر يل االنتهاء من هذا البحث ,ولقد توصلت فيه إىل النتائج
التالية ,وهي كما يلي :
-1أن العرف الدويل هو " :ما اعتاده أشخاص اجملتمع الدويل أو بعضهم مع االعتقاد
بإلزاميته " .
293
-2أن العرف الدويل حيتل املركز الثاين بني مصادر القانون الدويل العام ,بينما ال يعدو
كونه مصدرًا فرعيًا يف الفقه اإلسالمي .
-3أن العرف الدويل خيتلف عن قواعد اجملامالت الدولية من حيث كونه ملزمًا وهي غري
ملزمة ,وهذا األمر متفق عليه بني القانون الدويل العام والفقه اإلسالمي .
-4أن القانون الدويل العام يفرق بني العرف الدويل واألخالق الدولية من كونه ملزمًا
وهي غري ملزمة للدول ,بينما يعترب الفقه اإلسالمي كال األمرين ملزمني للدولة اإلسالمية
.
-5أن العرف الدويل يفرتق عن العادة الدولية يف أمرين :
أ -كونه ملزمًا وهي غري ملزمة .
ب -أن العرف ال يكون سوى مجاعيًا ,أما العادة الدولية فتكون مجاعية وفردية .
وهذا ما يقول به القانون الدويل وبعض الفقهاء .
-6أن العرف الدويل يف القانون الدويل العام قد ينشأ من تصرفات حكومية ,كتصرفات
السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية .
كما قد ينشأ من تصرفات دولية ,وذلك مثل املعاهدات الدولية واملنظمات الدولية
واحملاكم الدولية .
ويضاف إىل ذلك دور الدول الكربى ودور الشراح وحنو ذلك .
-7أن الفقه اإلسالمي يرى أن العرف الدويل قد ينشأ إضافة إىل ما سبق من تصرفات
األفراد .
-8أن للعرف الدويل ركنان :ركن مادي وآخر معنوي .
األول يقتضي تكرار السلوك واآلخر يقتضي االعتقاد بإلزاميته .
-9شروط العرف الدويل يف القانون الدويل العام :
أ -تكرار السلوك أو السابقة .
ب -عامل الزمن .
ج -القبول والتبادل .
د -أن يكون عاما وشائعا .
294
هـ -عدم خمالفته للقانون الدويل أو اآلداب العامة .
-10شروط العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي :
أ -االطراد والغلبة .
ب -أن يكون موجودًا وقت إنشاء التصرف .
ج -أن ال يعارض اتفاقية من االتفاقيات املوقعة من قبل الدولة اإلسالمية .
د -أن ال خيالف الشريعة اإلسالمية .
-11ينقسم العرف الدويل يف القانون الدويل العام إىل عرف دويل عام وعرف دويل
خاص .
وإىل عرف دويل آمر وعرف دويل مكمل .
وإىل عرف دويل إجيايب وعرف دويل سليب .
-12ينقسم العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي إىل عرف دويل صحيح وعرف دويل فاسد
.
وإىل عرف دويل قويل وعرف دويل عملي .
وإىل عرف دويل مستند إىل دليل شرعي وعرف دويل غري مستند إىل دليل شرعي .
-13أنه مت تدوين جزء من األعراف الدولية عرب الشراح يف البداية وانتهاًء باألمم املتحدة
.
-14أن العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي يعترب دليًال حيثما ال دليل سواه وتبىن عليه
األحكام .
-15اختلف شراح القانون الدويل العام يف األساس اإللزامي للعرف الدويل إىل نظرة
إرادية ونظرة مجاعية ,األول تفسر العرف بأنه اتفاق ضمين بني الدول ,والثانية تفسره
بأنه أمر تفرضه الضرورة االجتماعية .
-16أن األساس اإللزامي للعرف الدويل يف الفقه اإلسالمي هو أنه أمر ديين يأمر به
الشرع املطهر عند خلو املسألة من دليل آخر .
-17أن للعرف الدويل يف كتب الفقهاء أثر بالغ وواضح حيث أهنم قد بنوا كثريًا من
األحكام املتعلقة باألمور الدولية عليه .
295
-18أن للعرف الدويل أثر بالغ كذلك يف القانون الدويل الدبلوماسي والقانون الدويل
للبحار والقانون الدويل التجاري وحنو ذلك .
وكذا له تأثري بالغ يف إنشاء املعاهدات وتفسريها وتعديلها وإهنائها .
وأيضا فاحملاكم الدولية والداخلية تعمل به وتؤسس أحكامها عليه .
-19أن اململكة العربية السعودية تعمل بالعرف الدويل الغري خمالف للشرع املطهر ,وله
أثر ظاهر يف أنظمتها .
ولعلي يف اخلتام أوصي طلبة العلم باالهتمام بعلم القانون الدويل اإلسالمي ,أو ما يعرف
بعلم السري ,خاصة وأنه توجد كثري من املواضيع اليت مل تدرس دراسة فقهية تأصيلية ,ال
سيما وأن املسلمني يف عامل اليوم بأمس احلاجة ملعرفة مثل هذه املواضيع املتعلقة بدينهم
ودنياهم .
هذا واهلل أعلم وأحكم وصلى اهلل وسلم على النيب األمي اخلامت وعلى آله وصحبه أمجعني
ومن سار على هنجه إىل يوم الدين
الفهارس
وتشتمل على ما يلي :
-1فهرس اآليات
-2فهرس األحاديث
296
-3فهرس األعالم
-4فهرس املصادر
-5فهرس املوضوعات
فهرس اآليات
رقم اآلية السورة اآلية
الصفحة
297
214 78 احلج { -وما جعل عليكم يف الدين من حرج }
املؤمنون 71 { -ولو اتبع احلق أهواءهم }
159
28 ق { -وقد قدمت إليكم بالوعيد }
182
255 5 احلشر { -ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة }
8 { -ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسريا } اإلنسان
63
فهرس األحاديث
احلديث
الصفحة
( -إن أحبكم يل وأقربكم مين جملسًا يوم القيامة أحسنكم أخالقا ).................
62
( -انطلقوا باسم اهلل وباهلل وعلى ملة رسول اهلل وال تغلوا وال متثلوا وال تغدروا وال
تقتلوا شيخا فانيا وال طفًال وال صغريًا وال امرأة وال تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا
وأحسنوا إن اهلل حيب احملسنني
)62...........................................................
( -إمنا بعثت ألمتم مكارم األخالق )62............................................
( -إن من خياركم أحسنكم أخالقا )62...........................................
( -خذي ما يكفيك وولدك باملعروف )214.......................................
-رأى النيب صلى اهلل عليه وسلم امرأة مقتولة فأنكر قتل النساء والصبيان............
63
298
( -لو كان املطعم بن عدي حيًا مث كلمين يف هؤالء النتىن لرتكتهم له )54 ............
( -لـ ــوال أن الرسـ ــل ال تقتـ ــل لضـ ــربت أعناقكمـ ــا )...................................
53
( -ما رآه املسلمون حسن فهو عند اهلل حسن )213................................
-هنيه صلى اهلل عليه وسلم عن اجللوس على موائد تدار عليها اخلمور159.............
299
القرايف :أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن209 .......................................
الكاساين :أبو بكر بن مسعود بن أمحد 209 .......................................
املاوردي :علي بن حممد بن حبيب 250............................................
مسيلمة الكذاب :مسيلمة بن مثامة بن كبري213 ....................................
املطعم بن عدي 54 ...............................................................
ابن جنيم :زين الدين بن إبراهيم 155 ..............................................
هند بنت عتبة 213 ...............................................................
300
-أسس وقواعد العالقات الدبلوماسية والقنصلية ,للدكتور ناظم عبد الواحد اجلاسور ,
الناشر :دار جمدالوي يف األردن ,ط1422 , 1هـ .
-األشباه والنظائر على مذهب أيب حنيفة النعمان ,لزين العابدين بن إبراهيم بن جنيم ,
الناشر :دار الكتب العلمية يف بريوت 1405 ,هـ .
-اإلصابة يف متييز الصحابة ,ألمحد بن علي بن حممد الكناين العسقالين ,الناشر :مطبعة
حممد مصطفى يف مصر 1358 ,هـ .
-أصول األحكام الشرعية ومبادئ علم األنظمة ,للدكتور عبد العزيز العلي النعيم .
-أصول العالقات الدولية يف فقه اإلمام حممد بن احلسن الشيباين ,للدكتور عثمان مجعة
ضمريية ,الناشر :دار املعايل .
-أصول العالقات السياسية الدولية ,للدكتور أمحد سويلم العمري ,الناشر :مكتبة
االجنلو مصرية يف القاهرة .
-أصول الفقه ,لإلمام أبو زهرة ,الناشر :دار الفكر العريب يف القاهرة .
-أصول الفقه اإلسالمي ,للدكتور بدران أبو العينني بدران ,الناشر :مؤسسة شباب
اجلامعة يف اإلسكندرية .
-أصول الفقه اإلسالمي ,للدكتور زكريا الربى 1406 ,هـ .
-أصول الفقه اإلسالمي ,للدكتور زكي الدين شعبان .
-أصول الفقه اإلسالمي ,للدكتور حممد مصطفى شليب ,الناشر :دار النهضة العربية يف
بريوت ,ط1402 , 3هـ .
-أصول الفقه اإلسالمي ,للدكتور وهبة الزحيلي ,الناشر :دار الفكر .
-األصول العامة للقانون ,للدكتور توفيق حسن فرج و الدكتور حممد حيىي مطر ,
الناشر :الدار اجلامعية .
-أصول القانون الدويل العام ,للدكتور حممد سامي عبد احلميد ,الناشر :مؤسسة الثقافة
اجلامعية ,ط1980 , 5م .
-األعراف البشرية يف ميزان الشريعة اإلسالمية ,للدكتور عمر سليمان األشقر ,الناشر
:دار النفائس يف األردن ,ط1413 , 1هـ .
301
-األعالم ,خلري الدين الزركلي ,ط. 3
-اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل ,لإلمام
عالء الدين أيب احلسن علي بن سليمان بن أمحد املرداوي السعدي احلنبلي ,حتقيق :أيب
عبد اهلل حممد حسن حممد إمساعيل الشافعي ,الناشر :منشورات حممد علي بيضون ,دار
الكتب العلمية يف بريوت ,ط1418 , 1هـ 1997 ,م .
-بدائع الصنائع ,لعالء الدين أيب بكر بن مسعود بن أمحد الكاساين ,الناشر :دار
الكتاب العريب يف بريوت ,ط1394 , 2هـ .
-البعد األخالقي لقانون العالقات الدولية ,للدكتور مسري عبد املنعم ,الناشر :مكتبة
النهضة العربية يف مصر ,ط1988 , 1م .
-بعض االجتاهات احلديثة يف القانون الدويل العام ( قانون األمم ) ,للدكتور حممد
طلعت الغنيمي ,الناشر :منشأة املعارف باإلسكندرية .
-البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل يف مسائل املستخرجة أليب الوليد بن رشد
القرطيب ,حتقيق :حممد حجي ,الناشر :دار الغرب اإلسالمي ,يف بريوت 1404 ,هـ ,
1984م .
-تاج العروس ,حملب الدين أيب الفيض السيد حممد مرتضى احلسيين الواسطي الزبيدي
احلنفي .
-تاريخ القانون ,لزهدي يكن ,الناشر :دار النهضة العربية للطباعة والنشر ببريوت ,ط
1969 , 2م .
-تاريخ النظم والشرائع ,للدكتور عبد السالم الرتمانيين ,الناشر :جامعة الكويت .
-التشريع اإلسالمي والقانون الوضعي ,للدكتور شوكت حممد عليار ,الناشر :دار
الشواف .
-تطبيق القانون الدويل أمام احملاكم املصرية ,للدكتور سعيد اجلدار ,الناشر :دار
املطبوعات اجلامعية يف اإلسكندرية 1999 ,م .
-التعريفات ,أليب احلسن علي بن حممد بن علي اجلرجاين ,الناشر :دار الشؤون الثقافية
العامة يف بغداد .
302
-التفسري الكبري ,لإلمام فخر الرازي ,الناشر :دار إحياء الرتاث العريب يف بريوت ,ط
1417 , 2هـ .
-تفسري املاوردي ,الناشر :مؤسسة الكتب الثقافية ,تعليق ومراجعة :السيد بن عبد
املقصود بن عبد الرحيم .
-تفسري املنار ,حملمد رشيد رضا ,الناشر :دار املنار .
-التمهيد ,ليوسف بن عبد اهلل بن عبد الرب النمري ,حتقيق :مصطفى بن أمحد العلوي
وحممد عبد الكبري البكري ,الناشر :وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية يف املغرب ,
1387هـ .
-مجهرة اللغة ,البن دريد أيب بكر حممد بن احلسن األزدي البصري ,الناشر :مؤسسة
احلليب يف القاهرة .
-جواهر اإلكليل شرح خمتصر خليل على مذهب مالك إمام دار اهلجرة والتنزيل ,لصاحل
عبد السميع اآليب األزهري ,الناشر :املكتبة الثقافية يف بريوت .
-حاشية الروض املربع شرح زاد املستقنع ,لعبد الرمحن بن حممد بن قاسم العاصمي
النجدي احلنبلي ,ط1398 , 1هـ .
-احلاوي الكبري يف فقه مذهب اإلمام الشافعي ,أليب احلسن علي بن حممد بن حبيب
املاوردي البصري ,حتقيق :علي حممد معوض ,وعادل أمحد عبد املوجود ,الناشر :دار
الكتب العلمية يف بريوت ,ط1414 , 1هـ 1994 ,م .
-اخلراج ,للقاضي أيب يوسف يعقوب بن إبراهيم ,الناشر :دار املعرفة يف بريوت ,
1399هـ .
-اخلرشي على خمتصر سيدي خليل ,دار صادر بريوت .
-الدبلوماسية املعاصرة واسرتاتيجية إدارة املفاوضات ,للدكتور ثامر كامل حممد ,الناشر
:دار املسرية ,ط1421 , 1هـ .
-الدبلوماسية ,للدكتور علي حسني الشامي ,الناشر :دار العلم للماليني .
-الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي ,للدكتور خالد حسن الشيخ 1999 ,م .
-دراسة يف القانون الدويل اإلسالمي ,لصالح عبد الرازق .
303
-دروس يف مبادئ القانون ,للدكتور عبد الودود حيىي ,الناشر :دار النهضة العربية ,
1978م .
-رد احملتار على الدر املختار ,حاشية ابن عابدين ,حملمد أمني بن عمر عابدين ,الناشر
:دار عامل الكتب يف الرياض ,حتقيق :عادل أمحد عبد املوجود ,وعلي حممد عوض ,
طبعة خاصة 1423 ,هـ 2003 ,م .
-روضة الطالبني ,أليب زكريا حيىي بن شرف النووي الدمشقي ,حتقيق :عادل أمحد
عبد املوجود ,وعلي حممد معوض ,الناشر :دار الكتب العلمية يف بريوت ,ط, 1
1412هـ 1992 ,م .
-زاد احملتاج بشرح املنهاج ,للشيخ عبد اهلل بن حسن احلسن الكوهجي ,ط. 1
-سلسلة األحاديث الصحيحة ,حملمد ناصر الدين األلباين ,الناشر :مكتبة املعارف يف
الرياض 1415 ,هـ .
-سلسلة األحاديث الضعيفة واملوضوعة ,حملمد ناصر الدين األلباين ,الناشر :مكتبة
املعارف بالرياض ,ط1412 , 5هـ .
-سنن أيب داود ,لسليمان بن األشعث أبو داود السجستاين األزدي ,حتقيق :حممد
حميي الدين عبد احلميد ,الناشر :دار الفكر .
-سنن البيهقي الكربى ,ألمحد بن احلسني بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي ,حتقيق :
حممد عبد القادر عطا ,الناشر :مكتبة دار الباز يف مكة املكرمة 1414 ,هـ .
-سنن الرتمذي ,حملمد بن عيسى أبو عيسى الرتمذي السلمي ,حتقيق :أمحد حممد
شاكر وآخرون ,الناشر :دار إحياء الرتاث العريب يف بريوت .
-سنن الدارمي ,لعبد اهلل بن عبد الرمحن أبو حممد الدارمي ,حتقيق :فوزا أمحد زمريل
و خالد السبع العلمي ,الناشر :دار الكتاب العريب يف بريوت ,ط1407 , 1هـ .
-السنن الكربى ,ألمحد بن شعيب أبو عبد الرمحن النسائي ,حتقيق :عبد الغفار
سليمان البنداري و سيد كسروي حسن ,الناشر :دار الكتب العلمية يف بريوت ,ط11
1411 ,هـ .
304
-سري أعالم النبالء ,أليب عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قامياز الذهيب ,حتقيق :
شعيب األرناؤوط وحممد نعيم العرقسوسي ,الناشر :مؤسسة الرسالة يف بريوت ,ط, 9
1413هـ .
-السري الكبري ,حملمد بن احلسن الشيباين ,وشرحه حملمد بن أمحد السرخسي ,حتقيق :
صالح الدين املنجد ,وعبد العزيز أمحد ,الناشر :مطبعة شركة اإلعالنات الشرقية .
-شرح منتهى اإلرادات دقائق أويل النهى لشرح املنتهى ,للشيخ منصور بن يونس بن
إدريس البهويت ,حتقيق :عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي ,الناشر :مؤسسة الرسالة ,ط
1421 ,1هـ 2000 ,م .
-الشريعة اإلسالمية والقانون الدويل العام ,للمستشار علي علي منصور 1390 ,هـ .
-الصحاح ,أليب نصر إمساعيل بن محاد اجلوهري الفارايب ,الناشر :دار إحياء الرتاث
العريب يف بريوت .
-صحيح البخاري ,حملمد بن إمساعيل البخاري اجلعفي ,حتقيق :مصطفى ديب البغا ,
الناشر :دار ابن كثري يف بريوت ,ط1407 , 3هـ .
-صحيح سنن أيب داود ,حملمد ناصر الدين األلباين ,الناشر :مكتب الرتبية العربية
لدول اخلليج ,ط1409 , 1هـ .
-صحيح مسلم ,ملسلم بن احلجاج أبو احلسني القشريي النيسابوري ,حتقيق :حممد
فؤاد عبد الباقي ,الناشر :دار إحياء الرتاث العريب يف بريوت .
-الضبط االجتماعي ,للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ,الناشر :دار رامتان يف جدة ,ط, 2
1402هـ .
_ ضعيف سنن أيب داود ,حملمد ناصر الدين األلباين ,الناشر :املكتب اإلسالمي ,ط
1412 , 1هـ .
-طبقات الشافعية ,أليب بكر بن أمحد بن حممد بن عمر بن قاضي شهبة ,حتقيق :
احلافظ عبد العليم خان ,الناشر :عامل الكتب يف بريوت ,ط1407 , 1هـ .
-العرف يف الفقه اإلسالمي ,لعمر عبد العزيز .
305
-العرف وأثره يف التشريع اإلسالمي ,ملصطفى عبد الرحيم أبو عجيلة ,الناشر :املنشأة
العامة للنشر والتوزيع واإلعالن يف طرابلس الغرب 1986 ,م .
-العرف وأثره يف الشريعة والقانون ,للدكتور أمحد سري املباركي ,ط1414 , 2هـ .
-العرف والعادة يف رأي الفقهاء ,ألمحد فهمي أبو سنة ,الناشر :مطبعة األزهر ,
1947م .
-العرف والعمل يف املذهب املالكي ومفهومهما لدى علماء املغرب ,لعمر بن عبد
الكرمي اجليدي ,الناشر :مطبعة فضالة يف املغرب 1404 ,هـ 1984 ,م .
-العالقات اخلارجية يف العصر اإلسالمي ,خلالد حممد القامسي ,الناشر :دار الثقافة
العربية ,ط1996 , 1م .
-العالقات الدبلوماسية السعودية ,حملمد عمر مدين ,الناشر :معهد الدراسات
الدبلوماسية ,ط1418 , 5هـ ,
-العالقات الدولية ,جلوزيف فرانكل ,ترمجة :غازي عبد الرمحن القصييب ,الناشر :
مكتبة هتامة يف جدة ,ط1404 , 2هـ .
-العالقات الدولية ,للدكتور بلقاسم كرمين ,ط. 1
-علم اجتماع السياسة ,ملوريس دوفرجيه ,ترمجة :الدكتور سليم حداد ,الناشر :
املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ,ط1411 , 1هـ .
-علم االجتماع املعاصر ,للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ,ط1977 , 1م .
-علم أصول الفقه ,للشيخ عبد الوهاب خالف ,الناشر :دار القلم يف الكويت ,ط
1392 , 10هـ .
-علم مقاصد الشرع ,للدكتور عبد العزيز بن عبد الرمحن بن علي الربيعة .
-علم النفس وتطبيقاته االجتماعية والرتبوية ,للدكتور عبد العلي اجلسماين ,الناشر :
الدار العربية للعلوم -.علم النفس االجتماعي ,للدكتور فؤاد البهى السيد والدكتور
سعد عبد الرمحن ,الناشر :دار الفكر العريب يف القاهرة 1419 ,هـ .
-فتح الباري ,ألمحد بن علي بن حجر العسقالين الشافعي ,الناشر :دار املعرفة يف
بريوت 1379 ,هـ .
306
-الفروق ,أليب العباس أمحد بن ادريس القرايف ,الناشر :دار املعرفة يف بريوت .
-الفقه اإلسالمي بني املثالية والواقعية ,لألستاذ الدكتور حممد مصطفى شليب ,الناشر
الدار اجلامعية يف بريوت 1982 ,م .
-قاعدة العادة حمكمة ,للدكتور يعقوب بن عبد الوهاب الباحسني ,الناشر :مكتبة
الرشد ,ط1423 , 1هـ .
-القاعدة العرفية يف القانون الدويل ,لعبد الغين حممود ,ط1990, 1م ,دار النهضة
العربية .
-القاموس السياسي ,ألمحد عطية اهلل .
-القاموس احمليط ,ملمجد الدين حممد بن يعقوب الفريوزآبادي ,الناشر :املؤسسة
العربية يف بريوت .
-القانون البحري ,ملصطفى كمال طه ,الناشر :الدار اجلامعية 1993 ,م .
-القانون الدويل ,لرينيه جان دوبوي ,ترمجة :الدكتور مسوحي فوق العادة ,الناشر :
منشورات عويدات ببريوت .
-القانون الدويل اخلاص ,دراسة لقواعده العامة وتطبيقاته يف اململكة العربية السعودية ,
للدكتور حممد احلسيين مصيلحي ,ط. 8
-القانون الدويل اجلنائي ,لعبد الرحيم صدقي ,الناشر :دار النهضة العربية 1980 ,م
.
-القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ,للدكتور الشافعي حممد بشري ,الناشر :دار
الفكر العريب ,ط4
-القانون الدويل العام يف السلم واحلرب وتطبيقه يف دولة الكويت ,للدكتورة بدرية
العوضي .
-القانون الدويل العام ,للدكتور حامد سلطان والدكتورة عائشة راتب والدكتور صالح
عامر ,الناشر :دار النهضة العربية ,ط1978 , 1م .
-القانون الدويل العام ,للدكتور مسوحي فوق العادة .
307
-القانون الدويل العام ,للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي
,الناشر :اجلامعة املفتوحة .
-القانون الدويل العام ,للدكتور علي إبراهيم ,الناشر :دار النهضة العربية يف القاهرة ,
1995م .
-القانون الدويل العام ,للدكتور علي صادق أبوهيف ,الناشر :منشأة املعارف
باإلسكندرية ,ط.11
-القانون الدويل العام ,للدكتور حممد سامي عبد احلميد والدكتور مصطفى حسني ,
الناشر :الدار اجلامعية 1988 ،م.
-القانون الدويل العام ,للدكتور حممد جمذوب 1994 ,م .
-القانون الدويل العام ,للدكتور حممد يوسف علوان ,ط1996 , 1م .
-القانون الدويل العام ,لشارل روسو ,الناشر :األهلية للنشر والتوزيع .
-القانون الدويل العام ,مذكرة لطالب دورة العلوم اجلنائية لعام 1422هـ يف املعهد
العايل للقضاء ,للدكتور حممد احلسيين مصيلحي .
-القانون الدويل حلقوق اإلنسان ,للدكتور جعفر عبد السالم ,الناشر :دار الكتاب
املصري ,ط1419 , 1هـ .
-القـ ــانون الـ ــدويل للبحـ ــار ,حملمـ ــد احلاج حممـ ــود ,الناشـ ــر ,مطبعـ ــة األديب البغداديـ ــة ,
1990م .
-القانون الدويل للبحار وتطبيقاته يف اململكة العربية السعودية ,حملمد عمر مدين ,ط, 2
1417هـ 1996 ,م .
-القانون الدويل املصادر واألشخاص ,للدكتور حممد سعيد الدقاق ,الناشر :الدار
اجلامعية ,ط1983 , 2م .
-قانون العالقات الدولية ,للدكتور جعفر عبد السالم ,الناشر :دار الكتاب اجلامعي
للطبع والنشر 1982 ,م .
-قانون الفضاء الكوين ,لفاروق سعد ,الناشر :الدار اجلامعية ,ط1993 , 2م .
308
-القضاء والعرف يف اإلسالم ,للدكتور مسري عالية ,الناشر :املؤسة اجلامعية للدراسات
والنشر والتوزيع ,ط1406 , 1هـ .
-قواعد األحكام يف مصاحل األنام ,أليب حممد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم
السلمي ,الناشر :دار املعرفة يف بريوت .
-الكايف ملوفق الدين أيب حممد عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة املقدسي ,حتقيق :
عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي ,الناشر :هجر للطباعة والنشر 1418 ,هـ 1997 ,م .
-كشاف القناع على منت اإلقناع ,ملنصور بن يونس بن إدريس البهويت ,حتقيق :حممد
أمني الضناوي ,الناشر :عامل الكتب يف بريوت ,ط1417 , 1هـ 1997م .
-كشف األسرار على أصول فخر اإلسالم البزدوي ,لعالء الدين عبد العزيز بن أمحد
البخاري ,الناشر :دار الكتاب العربية يف بريوت .
-لسان العرب ,أليب الفضل مجال الدين حممد بن منظر األفريقي املصري ,تصحيح :
أمني حممد عبد الوهاب و حممد الصادق العبيدي ,الناشر :دار إحياء الرتاث العريب يف
بريوت .
-مبادئ الفقه اإلسالمي ,للدكتور يوسف قاسم ,الناشر :دار النهضة العربية يف مصر
1398 ,هـ .
-مبادئ القانون اجلنائي الدويل ,ألشرف توفيق مشس الدين ,الناشر :دار النهضة
العربية يف القاهرة 1998 ,م .
-مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ,إلحسان هندي ,الناشر :دار اجلليل
،ط1984 , 1م ,
-مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور إبراهيم أمحد شليب ,الناشر :الدار اجلامعية .
-مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ,الناشر :دار النهضة
العربية يف القاهرة 1980 ,م .
-مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد بوسلطان ,الناشر :ديوان املطبوعات
اجلامعية يف اجلزائر .
309
-مبادئ القانون الدويل العام ,للدكتور حممد حافظ غامن ,الناشر :مطبعة هنضة مصر
يف القاهرة ,ط1956 , 1م .
-مبادئ القانون املقارن ,لعبد الرمحن البزاز 1385 ,هـ .
-املبسوط ,لشمس الدين السرخسي ,الناشر :دار املعرفة يف بريوت ,ط. 2
-جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ,مجع وترتيب :عبد الرمحن بن حممد بن قاسم
,الناشر :جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف يف املدينة املنورة 1416 ,هـ .
-اجمللة املصرية للقانون الدويل ,مشكلة العقيدة القانونية للقاعدة العرفية يف القانون
الدويل العام ,للدكتور زهري احلسيين 1989 ,م .
-احملرر يف الفقه على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل ,للشيخ اإلمام جمد الدين أيب الربكات
,الناشر :مكتبة املعارف بالرياض ,ط1404 , 2هـ 1984 ,م .
-حمكمة العدل اإلسالمية الدولية ,للدكتور أمحد حممد رأفت ,الناشر :دار النهضة
العربية يف القاهرة .
-خمتار الصحاح ,حملمد بن أيب بكر بن عبد القادر الرازي ,الناشر :دار الكتاب العريب
يف بريوت ,ط1967 , 1م .
-املدخل إىل الفقه اإلسالمي ,للدكتور عبد العزيز خياط ,الناشر :دار الفكر يف
األردن ,ط1412 , 2هـ .
-املدخل إىل القانون ,للدكتور حسن كريه ,الناشر :منشأة املعارف باإلسكندرية ,
1971م .
-مدخل إىل القانون الدويل العام ,للدكتور مأمون مصطفى ,الناشر :دار روائع
جمدالوي .
-املدخل إىل القانون الدويل العام ,حملمد عزيز شكري ,الناشر :دار الفكر .
-املدخل الفقهي وتاريخ التشريع اإلسالمي ,للدكتور عبد الرمحن الصابوين وآخرون ,
الناشر :مكتبة وهبة .
-املدخل يف الفقه اإلسالمي ,لألستاذ الدكتور حممد مصطفى شليب ,الناشر :الدار
اجلامعية يف بريوت .
310
-املدخل يف الفقه اإلسالمي ,لألستاذ الدكتور مصطفى أمحد الزرقا ,الناشر :دار القلم
يف دمشق ,ط1418 , 1هـ .
-املدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية ,للدكتور عبد الكرمي زيدان ,الناشر :مؤسسة
الرسالة ,ط1417 , 13هـ .
-املدخل لدراسة الفقه اإلسالمي ,للدكتور خالد عبد اهلل عيد .
-مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة اإلسالمية ,للدكتور عبد الناصر توفيق العطار
.
-املدخل للعلوم القانونية والفقه اإلسالمي ,للمستشار علي علي منصور ,الناشر :دار
الفتح للطباعة والنشر يف بريوت .
-املستدرك على الصحيحني ,حملمد بن عبد اهلل أبو عبد اهلل احلاكم النيسابوري ,حتقيق
:مصطفى عبد القادر عطا ,الناشر :دار الكتب العلمية يف بريوت ,ط1411 , 1هـ .
-مسند أمحد ,ألمحد بن حنبل أبو عبد اهلل الشيباين ,الناشر :مؤسسة قرطبة يف مصر .
-مسند الطيالسي ,لسليمان بن داود أبو داود الفارسي البصري الطيالسي ,الناشر :
دار املعرفة يف بريوت .
-مصادر األحكام اإلسالمية ,للدكتور زكريا الربى 1395 ,هـ .
-مصادر التشريع اإلسالمي فيما ال نص فيه ,للشيخ عبد الوهاب خالف ,الناشر :دار
القلم يف الكويت ,ط1392 , 3هـ .
-مصادر التشريع اإلسالمي ,للدكتور حسنني حممود حسنني ,الناشر :دار القلم يف
الكويت ,ط1407 , 1هـ .
-املعجم األوسط ,لسليمان بن أمحد الطرباين ,حتقيق :طارق بن عوض اهلل بن حممد و
عبد احملسن بن إبراهيم احلسيين ,الناشر :دار احلرمني يف القاهرة 1415 ,هـ .
-معجم منت اللغة ,للشيخ أمحد رضا ,الناشر :دار مكتبة احلياة يف بريوت 1379 ,م
.
-معجم مقاييس اللغة ,أليب احلسني أمحد بن فارس بن زكريا ,حتقيق :عبد السالم
حممد هارون ,الناشر :دار الفكر .
311
-املعجم الوسيط ,إخراج :إبراهيم مصطفى وآخرون .
-املعيار املعرب واجلامع املغرب عن فتاوي علماء إفريقية واألندلس واملغرب ,ألمحد بن
حيىي الونشريسي ,الناشر :دار الغرب اإلسالمي يف بريوت 1401 ,هـ 19811 ,م .
-املغين يف فقه اإلمام أمحد بن حنبل ,لإلمام موفق الدين أيب حممد عبد اهلل بن أمحد بن
قدامة ,الناشر :دار الفكر يف بريوت ,ط1405 , 1هـ 1984 ,م .
-مغين احملتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج ,حملمد الشربيين اخلطيب ,على منت املنهاج
,أليب زكريا حيىي بن شرف النووي ,الناشر :مطبعة مصطفى البايب احلليب وأوالده مبصر
1377 ,هـ 1958 ,م .
-مفهوم الفقه اإلسالمي ,لنظام الدين عبد احلميد ,الناشر :مؤسسة الرسالة .
-مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها ,لعالل الفاسي ,الناشر :دار الغرب اإلسالمي
.
-مقدمة يف علم االجتماع ,للدكتور حسني شبكه وآخرون ,الناشر :دار القلم يف ديب
,ط1986 , 1م .
-املهذب يف فقه الشافعي ,أليب إسحاق الشريازي ,حتقيق :حممد الزحيلي ,الناشر :
دار القلم يف دمشق 1417 ,هـ 1996 ,م .
-املوافقات يف أصول الشريعة ,إلبراهيم بن موسى الشاطيب ,الناشر :دار املعرفة يف
بريوت .
-املوجز يف قانون التجارة الدولية ,لطالب حسن موسى ,الناشر :مكتبة دار الثقافة يف
األردن .
-ندوة العرف العشائري بني الشريعة والقانون ,حترير :حممد عدنان البخيت وآخرون ,
1990م .
-نشر العرف يف بناء بعض األحكام على العرف ,رسالة من جمموعة رسائل البن
عابدين ,الناشر :عامل الكتب .
-النظام القانوين للفضاء اخلارجي واألجرام السماوية ,لعلي أجمد علي ,الناشر :دار
النهضة العربية يف القاهرة 1979 ,م .
312
-النظرية العامة للقانون ,للدكتور مصطفى حممد اجلمال و الدكتور عبد احلميد حممد
اجلمال ,الناشر :الدار اجلامعية 1987 ,م .
-النظرية العامة للقانون ,للدكتور مصطفى حممد عرجاوي ,الناشر :دار املنار ,ط, 2
1406هـ .
-نظرية العرف ,للدكتور عبد العزيز اخلياط ,الناشر :مكتبة األقصى 1397 ,م .
-هناية احملتاج إىل شرح املنهاج يف الفقه على مذهب اإلمام الشافعي ,لشمس الدين
حممد بن أيب العباس أمحد بن محزة بن شهاب الدين الرملي املنويف املصري األنصاري
الشهري بالشافعي الصغري ,الناشر :شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البايب احلليب وأوالده
مبصر ,الطبعة األخرية 1386 ,هـ 1967 ,م .
-نيل املآرب يف هتذيب شرح عمدة الطالب ,لعبد اهلل بن عبد الرمحن آل بسام ,الناشر
:النهضة احلديثة مبكة ,ط. 2
-الوجيز يف القانون الدويل العام ,للدكتور حممود مرشحه ,منشورات جامعة حلب .
-الوسيط يف تاريخ القانون والنظم القانونية ,للدكتور عبد السالم الرتمانيين ,ط, 3
1402هـ .
-الوسيط يف النظم السياسية والقانون الدستوري ,للدكتور نعمان أمحد اخلطيب ,
الناشر :جامعة مؤتة 1999 ,م .
313
فهرس
الموضوعات
املوضوع
الصفحة
املقدمة 3..........................................................................
أمهية املوضوع 3..................................................................
أهداف املوضوع 5.................................................................
أسباب اختياره ..................................................................
5
الدراسات السابقة 5...............................................................
منهج البحث 6...................................................................
تقسيمات البحث 9...............................................................
314
التمهيد
التعريف اللغوي للعرف 18.........................................................
تعريف العرف يف اصطالح علماء الشريعة ........................................
22
املقارن ـ ــة بني التعري ـ ــف اللغ ـ ــوي والتعري ـ ــف الفقهي.....................................
27
تعريف العرف يف اصطالح شراح القانون 28........................................
املقارنة بني التعريف الفقهي والتعريف القانوين للعرف30 .............................
تعريف العرف يف اصطالح علماء االجتماع31 ......................................
تعريف العرف يف اصطالح علماء النفس33 .........................................
تعريف العرف الدويل باعتباره علمًا ولقباً35.........................................
أمهية العرف الدويل يف القانون الدويل العام40 .......................................
أمهية العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي44 ...........................................
املقارنة بني أمهية العريف الدويل يف الفقه اإلسالمي وبني أمهيته يف القانون الدويل
العام46 ..........................................................................
الفرق بني العرف الدويل وقواعد اجملامالت الدولية يف القانون الدويل العام............
49
الفرق بني العرف الدويل وقواعد اجملامالت الدولية يف الفقه اإلسالمي................
53
املقارن ــة بني نظ ــرة الق ــانون ال ــدويل والفق ــه اإلس ــالمي للف ــرق بني الع ــرف ال ــدويل واجملامل ــة
الدولية55 ........................................................................
الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق الدولية يف القانون الدويل العام57 ...........
الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق الدولية يف الفقه اإلسالمي................
62
الفرق بني العرف الدويل والعادات الدولية يف القانون الدويل العام65 ..................
315
الفرق بني العرف الدويل والعادات الدولية يف الفقه اإلسالمي67 ......................
املقارنة بني نظريت القانون الدويل والفقه اإلسالمي حول الفرق بني العرف الدويل والعادة
الدولية69 ........................................................................
الفصل األول
منشأ العرف الدويل.............................................................
72
التصرفات احلكومية املنشئة للعرف الدويل77 ........................................
تصرفات السلطة التنفيذية78 .......................................................
تصرفات السلطة التشريعية79 ......................................................
تصرفات السلطة القضائية82 .......................................................
التصرفات الدولية املنشئة للعرف الدويل84...........................................
املعاهدات الدولية85...............................................................
موقف حمكمة العدل الدولية من إنشاء املعاهدات للعرف الدويل92.....................
طبيعة العالقة بني العرف واملعاهدة96 ...............................................
املنظمات الدولية101..............................................................
احملاكم الدولية................................................................
106
دور الدول الكربى يف إنشاء العرف الدويل110......................................
دور اإلعالنات العامة يف إنشاء العرف الدويل 113...................................
دور الشراح يف إنشاء العرف الدويل ............................................
116
دور أفراد اجملتمع يف إنشاء العرف الدويل115........................................
موقف الفقه اإلسالمي من األمور املنشئة للعرف الدويل117 ..........................
أركان العرف الدويل يف القانون الدويل العام122 ....................................
الركن املادي 123.................................................................
316
الركن املعنوي................................................................
124
أركان العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي130 ........................................
شروط العرف الدويل يف القانون الدويل العام....................................
133
الشرط األول :تكرار السلوك أو السابقة134 .......................................
الشرط الثاين :عامل الزمن 138 ...................................................
الشرط الثالث :القبول والتبادل146................................................
الشرط الرابع :أن يكون عامًا وشائعًا147 ..........................................
الشـ ـ ــرط اخلامس :عـ ـ ــدم خمالفـ ـ ــة العـ ـ ــرف الـ ـ ــدويل لآلداب وقواعـ ـ ــد األخالق واالتفاقيـ ـ ــات
العامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة.........................................................................
153
شروط العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي........................................
154
الشـ ـ ـ ــرط األول :أن يكـ ـ ـ ــون مطـ ـ ـ ــردًا أو غالب ـ ـ ـ ـًا........................................
155
الشـ ـ ــرط الثـ ـ ــاين :أال يعـ ـ ــارض اتفاقيـ ـ ــة من االتفاقيـ ـ ــات.................................
157
الشرط الثالث :أن يكون موجودًا وقت إنشاء التصرف158 .........................
الشرط الرابع :أال خيالف الشريعة اإلسالمية159 ....................................
الفصل الثاين
أقسام العرف الدويل يف القانون الدويل العام163.....................................
تقسيم العرف الدويل من حيث العموم واخلصوص...............................
164
العرف الدويل العام164...........................................................
317
العرف الدويل اخلاص166 .........................................................
معارضة العرف الدويل العام للعرف الدويل اخلاص يف القانون الدويل العام173 .........
معارضة العرف الدويل العام للعرف الدويل اخلاص يف الفقه اإلسالمي176 .............
تقسيم العرف الدويل من حيث جواز االتفاق على خالفه إىل عرف دويل آمر وعرف
دويل مكمل..................................................................
177
تقسيم العرف الدويل من حيث اإلجياب والسلب................................
179
العرف الدويل اإلجيايب.........................................................
179
العرف الدويل السليب..........................................................
179
أقسام العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي.........................................
181
تقسيم العرف الدويل من حيث الصحة والفساد182 .................................
العرف الدويل الصحيح182........................................................
العرف الدويل الفاسد183 .........................................................
تقسيم العرف الدويل من حيث القول والعمل....................................
184
العرف الدويل القويل ..........................................................
184
العرف الدويل العملي 185.........................................................
تقسيم العرف الدويل من حيث مصدره املنشئ له 187...............................
عرف دويل مستند إىل دليل شرعي .............................................
187
318
عرف دويل غري مستند إىل دليل شرعي .........................................
187
خصائص العرف الدويل 189.......................................................
تدوين العرف الدويل..........................................................
193
التدوين العلمي 194...............................................................
التدوين الرمسي 197...............................................................
دور األمم املتحدة يف تدوين العرف الدويل ......................................
199
الص ـ ــعاب ال ـ ــيت تع ـ ــرتض التق ـ ــنني وكيفي ـ ــة مواجهته ـ ــا...................................
203
أثر التقنني يف العرف الدويل 205...................................................
الفصل الثالث
حجية العرف الدويل ..........................................................
208
أدلة العرف الدويل.............................................................
211
من الكتاب211...................................................................
من السنة213 ....................................................................
استناد العرف الدويل على رفع احلرج214...........................................
استناد العرف الدويل على املصلحة املرسلة.......................................
214
استناد العرف الدويل على االستقراء............................................
215
األساس اإللزامي للعرف الدويل216 ................................................
319
األساس اإللزامي للعرف الدويل يف القانون الدويل العام ..........................
217
املدرسة اإلرادية217 ..............................................................
املدرسة املوضوعية226 ............................................................
األساس اإللزامي للعرف الدويل يف الفقه اإلسالمي...............................
232
الفصل الرابع
أثر العرف الدويل.............................................................
234
أثر العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي235 ...........................................
أثر العرف الدويل يف الفقه احلنفي 236..............................................
أثر العرف الدويل يف الفقه املالكي ..............................................
246
أثر العرف الدويل يف الفقه الشافعي.............................................
248
أثر العرف الدويل يف الفقه احلنبلي...............................................
253
أثر العرف الدويل يف القانون الدويل العام 258.......................................
أثر العرف الدويل يف القانون الدويل العريف.......................................
259
أثر العرف الدويل يف القانون الدبلوماسي260........................................
أثر العرف الدويل يف القانون البحري............................................
267
أثر العرف الدويل يف القانون الفضائي271...........................................
320
أثر العرف الدويل يف القانون التجاري الدويل ....................................
272
أثر العرف الدويل يف القانون الدويل حلقوق اإلنسان274..............................
أثر العرف الدويل يف املعاهدات الدولية275 .........................................
أثر العرف الدويل يف إنشاء املعاهدات 276..........................................
أثر العرف الدويل يف تفسري املعاهدات278 ..........................................
أث ـ ــر الع ـ ــرف ال ـ ــدويل يف تع ـ ــديل املعاه ـ ــدات...........................................
279
أثـ ـ ــر العـ ـ ــرف الـ ـ ــدويل يف إهناء املعاهـ ـ ــدات ............................................
280
أثر العرف الدويل يف احملاكم281 ...................................................
أثر العرف الدويل يف احملاكم الداخلية282 ...........................................
أثر العرف الدويل يف احملاكم الدولية283.............................................
أثر العرف الدويل يف حمكمة العدل الدولية284 ......................................
أث ـ ــر الع ـ ــرف ال ـ ــدويل يف حمكم ـ ــة الع ـ ــدل اإلس ـ ــالمية....................................
285
أث ـ ــر الع ـ ــرف ال ـ ــدويل يف احملكم ـ ــة اجلنائي ـ ــة الدولي ـ ــة.....................................
287
أثر العرف الدويل يف أنظمة اململكة العربية السعودية288..............................
اخلامتة 291.......................................................................
الفهارس294 .....................................................................
فهرس اآليات295 ...............................................................
فهرس األحاديث296..............................................................
فهرس األعالم.................................................................
297
321
فهرس املصادر................................................................
298
322