Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 322

‫اململكة العربية السعودية‬

‫وزارة التعليم العايل‬


‫جامعة اإلمام محمد بن سعود‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬ ‫اإلسالمية‬
‫املعهد العايل للقضاء‬
‫قسم السياسة الشرعية‬
‫شعبة األنظمة‬

‫العرف الدولي‬
‫دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقانون الدولي العام‬

‫إعداد الطالب‬
‫قاسم بن مساعد بن قاسم الفاحل‬

‫إشراف‬
‫فضيلة األستاذ الدكتور‬
‫حممد احلسيين مصيلحي الشعراوي‬
‫األستاذ باملعهد العايل للقضاء وعمادة البحث العلمي‬

‫العام الجامعي‬
‫‪1425‬هـ‪1426 -‬هـ‬

‫المقدمة‬
‫‪1‬‬
‫وتشتمل على ما يلي ‪:‬‬

‫أمهية املوضوع‬ ‫‪-1‬‬


‫أهداف املوضوع‬ ‫‪-2‬‬
‫أسباب اختيار املوضوع‬ ‫‪-3‬‬
‫الدراسات السابقة‬ ‫‪-4‬‬
‫منهج البحث‬ ‫‪-5‬‬
‫تقسيمات البحث‬ ‫‪-6‬‬

‫املقدمة‬

‫‪2‬‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال شريك له وأشهد أن حممدًا عبده ورسوله صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه‬
‫وسلم ومن سار على هنجه إىل يوم الدين ‪.‬‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫فهذا موضوع بعنوان ( العرف الدويل ) ‪ ,‬أتقدم به إىل قسم السياسة الشرعية ‪ ,‬وذلك‬
‫ألن من متطلبات احلصول على درجة املاجستري من هذا القسم كتابة حبث تكميلي خيتار‬
‫فيه الطالب موضوعًا يتعلق بتخصصه فكان هذا املوضوع ‪.‬‬

‫أمهية املوضوع ‪:‬‬


‫مما ال شك فيه أن األعراف الدولية تعترب من املصادر األصيلة يف القانون الدويل العام ‪,‬‬
‫ذلك أن هذه األعراف تعترب معينًا ال ينضب لواضعي املعاهدات واالتفاقيات الدولية ‪,‬‬
‫كما أن املنظمات الدولية ترجع إليها يف تأسيس العالقات بينها وبني الدول ‪.‬‬
‫ومما ساعد على انتشار هذه األعراف تلك التطورات واملتغريات اهلائلة اليت أملت باجملتمع‬
‫الدويل من سياسية واجتماعية واقتصادية وتقنية وحنوها ‪ ,‬واليت كان هلا بارز األثر يف‬
‫عملية تكوينها وإنشائها‪.‬‬
‫هذا وقد اعتربت حمكمة العدل الدولية يف الهاي العرف الدويل مبثابة حجة نامجة عن‬
‫التعامل العام الذي له قوة القانون ‪.‬‬
‫ويرى كثري من شراح القانون الدويل العام أن العرف الدويل يعترب املصدر األول من‬
‫مصادر القانون الدويل العام ‪ ,‬وهو بذلك يقدم على املعاهدات الدولية ‪ ,‬وذلك لتكون‬
‫معظم قواعد القانون الدويل العام منه ‪ ,‬أضف إىل ذلك أن القواعد اليت تنص عليها‬
‫املعاهدات الدولية تكون غالبًا تعبريًا أو صياغة ملا استقر عليه العرف قبل إبرام هذه‬
‫املعاهدات ‪.‬‬
‫وكذلك فإن قواعد العرف الدويل عامة شاملة أي ملزمة جلميع الدول يف حني أن القوة‬
‫اإللزامية يف املعاهدات الدولية تقتصر على الدول املتعاقدة ‪ ,‬وهذا الكالم النظري مؤيد‬

‫‪3‬‬
‫بالواقع العملي احلاضر فاملشاهد للقانون الدويل العام هذه األيام جيد أن الغالبية من قواعده‬
‫تقوم على العرف الذي تواتر بني الدول واستقر عليه العمل بينها ‪ ,‬حىت وإن كان القانون‬
‫الدويل يف أغلبه على هيئة معاهدات واتفاقيات دولية فإن كثريًا من الشراح يرى أهنا – يف‬
‫األعم األغلب منها – جمرد معاهدات كاشفة عن العرف املستقر قبلها ‪.‬‬
‫إن العرف الدويل هو املصدر األقدم من ناحية التدرج التارخيي ملصادر القانون الدويل العام‬
‫من حيث أقدميتها ‪ ,‬وهو أيضًا أكرب املصادر من حيث القواعد املنتمية إليه وأكثرها تشعبًا‬
‫واختالفًا ‪.‬‬
‫من هنا يتبني للقارئ أمهية العرف الدويل يف القانون الدويل العام ‪ ,‬وأنه جدير بأن يكون‬
‫واحدًا من أهم مصادره ‪.‬‬

‫أما الشريعة اإلسالمية فقد اهتمت هبذه األعراف قبل القانون الدويل العام ‪ ,‬ويظهر أثر‬
‫ذلك جليًا للعيان يف األحالف واملواثيق اليت عقدها صلى اهلل عليه وسلم بينه وبني غريه‬
‫واليت جرت بناء على أعراف سابقة ‪.‬‬
‫كما يظهر اهتمام الشريعة اإلسالمية بالعرف الدويل يف التزامه صلى اهلل عليه وسلم به‬
‫حينما التزم بالعرف الدويل اجلاري بعدم قتل الرسل ‪.‬‬
‫ومن يطلع على كتب الفقهاء – خاصة أبواب اجلهاد واهلدنة وحنوها – يدرك بناء كثري‬
‫من األحكام املتعلقة باألمور الدولية على العرف الدويل ‪.‬‬
‫إال أنه ينبغي التنبيه على أمر مهم وهو أن العرف الدويل يف اإلسالم ال يعترب مصدرًا‬
‫أساسيًا للتشريع الدويل اإلسالمي بل هو مصدر ثانوي يرجع إليه يف العالقات بني الدول‬
‫يف األمور اخلالية من النصوص وذلك بشرط عدم خمالفتها لإلسالم ‪.‬‬

‫أهداف املوضوع ‪:‬‬


‫تتلخص أهداف هذا املوضوع يف النقاط اآلتية ‪:‬‬
‫‪ -1‬دراسة العرف الدويل دراسة مقارنة بني الفقه اإلسالمي والقانون الدويل العام ‪ ,‬وبيان‬
‫تفوق الفقه اإلسالمي على هذا القانون ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -2‬اإلشارة إىل اعتبار التشريع اإلسالمي للعرف الدويل ما مل خيالف ثوابته ‪.‬‬
‫‪ -3‬إثبات اعتماد الفقهاء على هذا العرف يف كثري من األحكام املتعلقة بالدارين ‪ ,‬دار‬
‫اإلسالم ودار احلرب ‪.‬‬

‫أسباب اختيار املوضوع ‪:‬‬


‫تتلخص أهم األسباب الختيار املوضوع فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أمهية املوضوع ‪ ,‬فهو كما أسلفت يعترب من مصادر الفقه والقانون الدويل العام ‪ ,‬وإن‬
‫كان هذا األخري أكثر اعتبارًا له من الفقه ‪.‬‬
‫‪ -2‬أين مل أجد – حسب اطالعي – من أفرد هلذا املوضوع حبثًا مستقًال حتدث فيه عنه‬
‫من منظوري الفقه والقانون الدويل العام ‪.‬‬
‫‪ -3‬رغبيت يف حبث موضوع من مواضيع القانون الدويل العام ‪ ,‬ولقد كان إلشراف‬
‫األستاذ الدكتور عبد اهلل الطريقي على حبث بعنوان ‪ ( :‬املعاهدات الدولية ) ‪ -‬والذي‬
‫قمت بإعداده الفصل األول – بالغ األثر يف وجود هذه الرغبة حنو هذا العلم ‪ ,‬ال سيما أن‬
‫هناك كثريًا من جوانبه مل تدرس دراسة مقارنة بالشريعة اإلسالمية ‪.‬‬

‫الدراسات السابقة ‪:‬‬


‫هناك الكثري من الدراسات اليت اهتمت مبوضوع العرف بشكل عام ‪ ,‬منها على سبيل‬
‫املثال ‪ :‬حبث للشيخ أمحد املباركي ‪ ,‬وحبث آخر للشيخ عبد الكرمي الصايغ ‪.‬‬
‫ولكن هذه البحوث مل تطرق إىل احلديث عن العرف الدويل بل اقتصرت على احلديث‬
‫عن العرف بشكل عام ‪.‬‬
‫وهناك حبث آخر بعنوان ‪ ( :‬العرف التجاري ) ‪ ,‬ولكن يتضح من عنوانه بعد العالقة بينه‬
‫وبني ما قمت باختياره لعنايته – أعين العرف التجاري – باحلديث عن أعراف التجار‬
‫وكون ما يتعارفونه ملزمًا هلم قضائيًا ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫هذا وقد وجدت كتابًا يتحدث عن العرف الدويل وهو بعنوان ‪ ( :‬القاعدة العرفية يف‬
‫القانون الدويل العام ) للدكتور عبد الغين حممود ‪.‬‬
‫وقد تناول هذا الكتاب موضوع العرف الدويل من ناحية القانون الدويل العام دون‬
‫مقارنته بالشريعة اإلسالمية ‪.‬‬
‫كذلك هناك كتاب بعنوان ‪ ( :‬أيدلوجية العرف الدويل ) وهو عبارة عن كتيب صغري ال‬
‫يتجاوز األربعني صفحة ‪ ,‬مليء بالرسوم اهلندسية واليت يعتقد صاحب الكتاب أهنا توصل‬
‫إىل فهم أكثر حلقيقة العرف الدويل ‪ ,‬وبناًء على ذلك فأعتقد أن االستفادة من هذا‬
‫الكتاب ستكون حمدودة ‪.‬‬
‫غري هذه الكتب مل أجد كتابًا يتحدث عن العرف الدويل بشكل مستقل ال من خالل‬
‫القانون الدويل العام وال من خالل الفقه ‪ ,‬وذلك يف كثري من املكتبات العامة ‪ ,‬منها على‬
‫سبيل املثال ‪ :‬املكتبة املركزية باجلامعة ‪ ,‬ومكتبة معهد اإلدارة ‪ ,‬ومكتبة امللك عبد العزيز ‪,‬‬
‫ومكتبة جامعة األمري نايف ‪.‬‬

‫منهج البحث ‪:‬‬


‫ويتضمن ثالثة أمور ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬منهج الكتابة يف املوضوع ذاته ‪ ,‬ويكون على ضوء النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬االستقراء التام ملصادر املسألة ومراجعها املتقدمة واملتأخرة ‪.‬‬
‫‪ -2‬االعتماد عند الكتابة على املصادر األصلية يف كل مسألة حبسبها ‪.‬‬
‫‪ -3‬التمهيد للمسألة مبا يوضحها إن احتاج املقام لذلك ‪.‬‬
‫‪ -4‬أتبع يف دراسة التعريفات املنهج التايل ‪:‬‬
‫أ‪ -‬عند التعاريف اللغوية أرجع إىل املعاجم والقواميس ذاكرًا اسم املرجع ورقم الصفحة‬
‫واملادة ‪.‬‬
‫ب‪ -‬عند التعاريف االصطالحية أذكر كل تعريف منسوبًا إىل صاحبه مث أختار منها‬
‫تعريفًا مبينًا أسباب اختياره ‪.‬‬
‫‪ -5‬أتبع يف حبث املسائل اخلالفية املنهج التايل ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫أ‪ -‬حترير حمل اخلالف فيها ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ذكر األقوال يف املسألة ‪ ,‬ويكون عرض اخلالف على ضوء األقوال ‪ ,‬وذكر أشهر‬
‫من قال بكل قول ‪ ,‬وذلك على وفق الرتتيب الزمين ملولد إمام كل مذهب ‪.‬‬
‫ج‪ -‬ذكر األدلة لكل قول مع بيان وجه الداللة من الدليل ‪.‬‬
‫د‪ -‬ترجيح ما يظهر رجحانه ويكون ذلك مبنيًا على سالمة أدلة القول أو بعضها وبطالن‬
‫األقوال األخرى أو ضعفها ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬ذكر نوع اخلالف ‪ :‬أهو لفظي أم معنوي ‪ ,‬وذكر ما يرتتب عليه من مثرة عملية إن‬
‫كان معنويًا ‪.‬‬
‫‪ -6‬العناية بضرب األمثلة واحلرص على إضافة أمثلة معاصرة غري األمثلة املشهورة وتوجيه‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫‪ -7‬يكون مقدار البحث ألي مسألة حسب ما يناسب مقام ذكرها يف البحث ‪.‬‬
‫‪ -8‬أن يكون النقل عن املصادر باملعىن ال بالنص ما مل يكن املقام يتطلب ذكر الكالم‬
‫بنصه فأذكره على ما هو عليه ‪.‬‬
‫‪ -9‬مقارنة األنظمة املتعلقة باملوضوع بأحكام الشريعة اإلسالمية وإبداء وجهات النظر‬
‫حيال هذا األمر ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬منهج التعليق والتهميش ‪ ,‬ويكون على ضوء النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬عند االستدالل من القرآن الكرمي يتم ذكر اسم السورة ورقم اآلية ‪.‬‬
‫‪ -2‬عند االستدالل من السنة يتم ختريج األحاديث من مصادرها ونقل كالم أهل العلم‬
‫خمتصرًا يف احلكم عليها وبيان درجتها ما مل تكن يف الصحيحني ‪.‬‬
‫‪ -3‬أتبع يف عزو األشعار إىل مصادرها املنهج التايل ‪:‬‬
‫أ‪ -‬إن كان لصاحب الشعر ديوان وثقت شعره من ديوانه ‪.‬‬
‫ب‪ -‬إن مل يكن له ديوان وثقت الشعر مما تيسر من دواوين األدب واللغة ‪.‬‬
‫‪ -4‬توثيق نسبة األقوال إىل املذاهب من الكتب املعتمدة يف كل مذهب ‪.‬‬
‫‪ -5‬أتبع يف ترمجة األعالم (غري املعاصرين ) املنهج التايل ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن تتضمن الرتمجة ‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫اسم العلم ونسبه وتاريخ مولده ووفاته مع ذكر شهرته وأهم مؤلفاته ومصادر ترمجته ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن تتسم الرتمجة باالختصار ‪ ,‬مع وفائها مبا سبق ذكره ‪.‬‬
‫‪ -6‬تكون اإلحالة إىل املصادر يف حالة النقل منه بالنص بذكر امسه واجلزء والصفحة ‪,‬‬
‫ويف حالة النقل باملعىن أذكر ذلك مسبوقا بكلمة ( انظر ) ‪.‬‬
‫‪ -7‬املعلومات املتعلقة باملراجع ( النشر ‪ ,‬رقم الطبعة ‪ ,‬تارخيها ‪ ...‬اخل ) أكتفي‬
‫بذكرها يف قائمة املصادر واملراجع ‪ ,‬وال أذكر شيئًا من ذلك يف هامش البحث إال عند‬
‫ذكر املصدر ألول مرة ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬منهج الشكل والتنظيم ‪ ,‬ويكون على ضوء النقاط التالية‬
‫‪ -1‬العناية بضبط األلفاظ ‪ ,‬وخباصة اليت يرتتب على عدم ضبطها شيء من الغموض ‪ ,‬أو‬
‫إحداث لبس أو احتمال بعيد ‪.‬‬
‫‪ -2‬االعتناء بصحة املكتوب ‪ ,‬وسالمته من الناحية اللغوية ‪ ,‬واإلمالئية ‪ ,‬والنحوية ‪,‬‬
‫ومراعاة حسن تناسق الكالم ‪ ,‬ورقي أسلوبه ‪.‬‬
‫‪ -3‬العناية بعالمات الرتقيم ‪ ,‬ووضعها يف مواضعها الصحيحة فقط ‪ ,‬وأقصد هبا ‪ :‬النقط‬
‫‪ ,‬والفواصل ‪ ,‬وعالمات التعليل ‪ ,‬والتعجب ‪ ,‬واالستفهام ‪ ,‬واإلعراض ‪ .....‬اخل ‪.‬‬
‫‪ -4‬أتبع يف إثبات النصوص املنهج التايل ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أضع اآليات القرآنية بني قوسني مميزين على هذا الشكل ‪. } { :‬‬
‫ب‪ -‬أضع األحاديث واآلثار بني قوسني مميزين على هذا الشكل ‪. ) ( :‬‬
‫ج‪ -‬أضع نصوص العلماء بني قوسني مميزين على هذا الشكل ‪. " " :‬‬

‫تقسيمات البحث ‪:‬‬


‫وتشتمل على ‪:‬‬
‫مقدمة ومتهيد وأربعة فصول وخامتة على النحو التايل ‪:‬‬

‫املقدمة ‪ .‬وتشتمل على ما يلي ‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -1‬أمهية املوضوع‬
‫‪ -2‬أهداف املوضوع‬
‫‪ -3‬أسباب اختياره‬
‫‪ -4‬الدراسات السابقة‬
‫‪ -5‬منهج البحث ‪.‬‬
‫‪ -6‬تقسيمات البحث‬

‫التمهيد ‪ .‬وفيه مباحث ‪:‬‬


‫املبحث األول ‪ :‬تعريف العرف الدويل ‪ .‬وفيه مطالب ‪:‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬تعريف العرف لغة واصطالحًا ‪ .‬وفيه فروع ‪:‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬التعريف اللغوي للعرف‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬التعريف االصطالحي ‪ .‬ويشتمل على ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف العرف يف اصطالح علماء الشريعة‬
‫‪ -2‬تعريف العرف يف اصطالح شراح القانون‬
‫‪ -3‬تعريف العرف يف اصطالح علماء االجتماع‬
‫‪ -4‬تعريف العرف يف اصطالح علماء النفس‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬تعريف العرف الدويل باعتباره علمًا ولقبًا ‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬أمهية العرف الدويل ‪ .‬وفيه مطالب ‪:‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬أمهية العرف الدويل يف القانون الدويل العام‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬أمهية العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل وبني غريه مما قد يشتبه به ‪:‬‬
‫وفيه مطالب ‪:‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل وقواعد اجملامالت الدولية ‪ .‬وفيه فروع ‪:‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل وقواعد اجملامالت الدولية يف القانون الدويل العام‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل وقواعد اجملامالت الدولية يف الفقه اإلسالمي‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق الدولية ‪ .‬وفيه فروع ‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق الدولية يف القانون الدويل العام‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق الدولية يف الفقه اإلسالمي‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل والعادات الدولية ‪ .‬وفيه فروع ‪:‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل والعادات الدولية يف القانون الدويل العام‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل والعادات الدولية يف الفقه اإلسالمي‬

‫الفصل األول ‪ :‬منشأ العرف الدويل وأركانه وشروطه ‪ .‬وفيه مباحث ‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬منشأ العرف الدويل ‪ .‬وفيه مطالب ‪:‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬التصرفات احلكومية املنشئة للعرف الدويل ‪ .‬وفيه فروع ‪:‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬تصرفات السلطة التنفيذية‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬تصرفات السلطة التشريعية‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬تصرفات السلطة القضائية‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬التصرفات الدولية املنشئة للعرف الدويل ‪ .‬وفيه فروع ‪:‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬املعاهدات الدولية‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬املنظمات الدولية‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬احملاكم الدولية‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬دور الدول الكربى يف إنشاء العرف الدويل‬
‫املطلب الرابع ‪ :‬دور اإلعالنات العامة يف إنشاء العرف الدويل‬
‫املطلب اخلامس ‪ :‬دور الشراح يف إنشاء العرف الدويل‬
‫املطلب السادس ‪ :‬دور أفراد اجملتمع يف إنشاء العرف الدويل‬
‫املطلب السابع ‪ :‬موقف الفقه اإلسالمي من األمور املنشئة للعرف الدويل ‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬أركان العرف الدويل ‪ .‬وفيه مطالب ‪:‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬أركان العرف الدويل يف القانون الدويل العام ‪ .‬وفيه فروع ‪:‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬الركن املادي‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬الركن املعنوي‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬أركان العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬شروط العرف الدويل ‪ .‬وفيه مطالب ‪:‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬شروط العرف الدويل يف القانون الدويل العام‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬شروط العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‬
‫الفصل الثاين ‪ :‬أقسام العرف وخصائصه وتدوينه ‪ .‬وفيه مباحث ‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬أقسام العرف الدويل ‪ .‬وفيه مطالب ‪:‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬أقسام العرف الدويل يف القانون الدويل العام ‪ .‬وفيه فروع ‪:‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬من حيث العموم واخلصوص ‪:‬‬
‫‪ -1‬العرف الدويل العام‬
‫‪ -2‬العرف الدويل اخلاص‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬من حيث جواز االتفاق على خالفه ‪:‬‬
‫‪ -1‬عرف دويل آمر‬
‫‪ -2‬عرف دويل مكمل‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬من حيث اإلجياب والسلب ‪:‬‬
‫‪ -1‬عرف دويل إجيايب‬
‫‪ -2‬عرف دويل سليب‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬أقسام العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي ‪ .‬وفيه فروع ‪:‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬من حيث الصحة والفساد ‪:‬‬
‫‪ -1‬العرف الدويل الصحيح‬
‫‪ -2‬العرف الدويل الفاسد‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬من حيث القول والعمل إىل ‪:‬‬
‫‪ -1‬عرف قويل‬
‫‪ -2‬عرف عملي‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬من حيث مصدره املنشئ له إىل ‪:‬‬
‫‪ -1‬عرف دويل مستند إىل دليل شرعي‬
‫‪ -2‬عرف دويل غري مستند إىل دليل شرعي‬

‫‪11‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬خصائص العرف الدويل‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬تدوين العرف الدويل ‪ .‬وفيه مطالب ‪:‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬التدوين العلمي‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬التدوين الرمسي‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬دور األمم املتحدة يف تدوين العرف الدويل‬
‫املطلب الرابع ‪ :‬الصعاب اليت تعرتض التقنني وكيفية مواجهتها‬
‫املطلب اخلامس ‪ :‬أثر التقنني يف العرف الدويل‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬حجية العرف الدويل واألساس اإللزامي له ‪ .‬وفيه مباحث ‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬حجية العرف الدويل‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬األساس اإللزامي للعرف الدويل ‪ .‬وفيه مطالب ‪:‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬األساس اإللزامي للعرف الدويل يف القانون الدويل العام‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬األساس اإللزامي للعرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬أثر العرف الدويل ‪ .‬وفيه مباحث ‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬أثر العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي ‪ .‬وفيه مطالب ‪:‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬أثر العرف الدويل يف الفقه احلنفي‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬أثر العرف الدويل يف الفقه املالكي‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬أثر العرف الدويل يف الفقه الشافعي‬
‫املطلب الرابع ‪ :‬أثر العرف الدويل يف الفقه احلنبلي‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬أثر العرف الدويل يف القانون الدويل العام ‪ .‬وفيه مطالب ‪:‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬أثر العرف الدويل يف القانون الدويل العريف ‪ .‬وفيه فروع ‪:‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬أثر العرف الدويل يف القانون الدبلوماسي‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬أثر العرف الدويل يف القانون البحري‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬أثر العرف الدويل يف القانون الفضائي‬
‫الفرع الرابع ‪ :‬أثر العرف الدويل يف القانون التجاري الدويل‬
‫الفرع اخلامس ‪ :‬أثر العرف الدويل يف القانون الدويل حلقوق اإلنسان‬

‫‪12‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬أثر العرف الدويل يف املعاهدات الدولية ‪ .‬وفيه فروع ‪:‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬أثر العرف الدويل يف إنشاء املعاهدات‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬أثر العرف الدويل يف تفسري املعاهدات‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬أثر العرف الدويل يف تعديل املعاهدات‬
‫الفرع الرابع ‪ :‬أثر العرف الدويل يف إهناء املعاهدات‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬أثر العرف الدويل يف احملاكم ‪ .‬وفيه فروع ‪:‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬أثر العرف الدويل يف احملاكم الداخلية‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬أثر العرف الدويل يف احملاكم الدولية‬
‫‪ -1‬أثر العرف الدويل يف حمكمة العدل الدولية‬
‫‪ -2‬أثر العرف الدويل يف حمكمة العدل اإلسالمية‬
‫‪ -3‬أثر العرف الدويل يف احملكمة اجلنائية الدولية‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬أثر العرف الدويل يف أنظمة اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫اخلامتة ‪ :‬وفيها يتم احلديث عن أهم نتائج البحث ‪.‬‬
‫الفهارس ‪ .‬ويشمل ذلك فهارس اآليات واألحاديث واألعالم واملصادر واملوضوعات ‪.‬‬

‫ختامًا أمحد اهلل عز وجل محدًا كثريًا على نعمه علي ‪ ,‬ومنها أن يسر يل االنتهاء من هذا‬
‫البحث ‪.‬‬
‫وأتقدم بالشكر اجلزيل لكل من ساعدين يف إمتامه ‪ ,‬وأخص بالذكر قسم السياسة الشرعية‬
‫ممثًال برئيسه وأعضائه ‪ ,‬وذلك على ما أبدوه من صدر واسع وعلم نافع اسأل اهلل أن‬
‫جيعله يف ميزان حسناهتم ‪.‬‬
‫كما ال يفوتين أن أتقدم بالشكر اجلزيل لألستاذ الدكتور حممد احلسيين مصيلحي‬
‫الشعرواي على ما قدمه يل من معونة علمية ومساعدات أكادميية ‪ ,‬والذي كان يل خري‬
‫عون بعد اهلل ‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫مث إين ألتمس منه ومن كل قارئ هلذا البحث أن يصفح عما به من زلل ‪ ,‬ويصحح ما به‬
‫من خلل ‪ ,‬ال سيما وإين كل ما ازددت عمقًا فيه ‪ ,‬ازددت إدراكًا بعظيم تقصريي فيه ‪,‬‬
‫واهلل املستعان ‪.‬‬

‫هذا واهلل أعلم وأحكم وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫التمهيد‬
‫ويشتمل على املباحث اآلتية ‪:‬‬

‫املبحث األول ‪ :‬تعريف العرف الدويل‬


‫املبحث الثاين ‪ :‬أمهية العرف الدويل‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل‬
‫وبني غريه مما قد يشتبه به‬

‫المبحث األول‬
‫تعريف العرف الدويل‬

‫‪15‬‬
‫ويشتمل على املطالب اآلتية ‪:‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬تعريف العرف لغة‬


‫واصطالحًا‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬تعريف العرف الدويل‬
‫باعتباره علمًا ولقبًا‬

‫المطلب األول‬
‫تعريف العرف لغة واصطالحًا‬

‫ويشتمل على الفروع اآلتية ‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬التعريف اللغوي للعرف‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬التعريف االصطالحي للعرف‬

‫الفرع األول‬
‫التعريف اللغوي للعرف‬
‫للعرف يف اللغة حبسب ضم عينه وفتحها وكسرها العديد من املعاين ‪ ,‬منها ما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬العرف ( بضم العني وسكون الراء ) ‪ :‬ويطلق على معاين عدة منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬يطلق على املعروف الذي هوضد املنكر ‪ .‬يقال ‪ :‬أواله عرفًا أي معروفًا ‪ .‬واملعروف‬
‫( ‪)1‬‬
‫والعارفة خالف النكر ‪.‬‬
‫والعرف والعارفة واملعروف واحد ‪ :‬ضد النكر ‪ ,‬وهو كل ما تعرفه النفس من اخلري‬
‫( ‪)2‬‬
‫وتطمئن إليه ‪.‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫ويطلق أيضًا على ما تعارفه الناس يف عاداهتم وأعماهلم ‪.‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫وقيل ‪ :‬مسي باملعروف ؛ ألن النفوس تسكن إليه ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫( ‪)5‬‬
‫ومنه قول الشاعر ‪ :‬أىب اهلل إال عدله ووفاءه فال النكر معروف وال العرف ضائع ‪.‬‬
‫واملعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة اهلل والتقرب إليه واإلحسان إىل الناس ‪,‬‬
‫وكل ما ندب إليه الشرع وهنى عنه من احملسنات واملقبحات ‪ ,‬وهو من الصفات الغالبة‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬لسان العرب ‪ ,‬البن منظور ‪ , )9/155( ,‬تصحيح ‪ :‬أمني حممد عبد الوهاب و حممد الصادق العبيدي‬
‫‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب يف بريوت ‪ ,‬وانظر‪ :‬الصحاح للجوهري ‪ , )3/1158( ,‬الناشر ‪ :‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب يف بريوت ‪ ,‬وانظر ‪ :‬مجهرة اللغة ‪ ,‬البن دريد البصري ‪ , )2/381( ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة احلليب يف‬
‫القاهرة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬لسان العرب ‪ ,‬البن منظور ‪ , )9/155( ,‬والقاموس احمليط ‪ ,‬للفريوزبادي ‪ , )3/178( ,‬الناشر ‪:‬‬
‫املؤسسة العربية يف بريوت ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املعجم الوسيط ‪ ,‬إلبراهيم مصطفى وآخرون ‪. )2/601( ,‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬معجم مقاييس اللغة ‪ ,‬البن فارس ‪ , )4/281( ,‬حتقيق ‪ :‬عبد السالم حممد هارون ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫الفكر ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الشاعر هو النابغة الذبياين انظر ‪ :‬ديوان النابغة ‪( ,‬ص‪. )56‬‬
‫أي أمر معروف بني الناس إذا رأوه ال ينكرونه ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫‪ -2‬شعر عنق الفرس ‪ )2( .‬ومنه قولـه تعـاىل ‪ { :‬واملرسـالت عرفـا } ‪ )3( .‬يقـال هـو مسـتعار‬
‫من عرف الفرس أي يتتابعون كعرف الفرس ‪.‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫‪ -3‬اللحمة املستطيلة اليت على رأس الديك ‪.‬‬
‫( ‪)6‬‬
‫‪ -4‬املكان املرتفع ‪ )5( .‬ومنه قوله تعاىل ‪ { :‬وعلى األعراف رجال } ‪.‬‬
‫( ‪)7‬‬
‫‪ -5‬شجر األترج ‪.‬‬
‫( ‪)8‬‬
‫‪ -6‬موج البحر ‪.‬‬
‫( ‪)9‬‬
‫‪ -7‬يطلق على خنلة تسمى الربشوم ‪.‬‬
‫(‪)10‬‬
‫‪ -8‬يطلق على الصرب ‪ ,‬والعارف الصابر ‪.‬‬

‫ب‪ -‬العرف ( بضم العني وضم الراء )‬


‫(‪)11‬‬
‫يطلق على الرمل املرتفع ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬لسان العرب ‪ ,‬البن منظور ‪. )9/155( ,‬‬

‫‪18‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬معجم منت اللغة ‪ ,‬للشيخ أمحد رضا ‪ , )4/78( ,‬الناشر ‪ :‬دار مكتبة احلياة يف بريوت ‪1379 ,‬م ‪,‬‬
‫وانظر ‪ :‬املعجم الوسيط ‪ ,‬إلبراهيم مصطفى وآخرون ‪ , )2/601( ,‬ومعجم مقاييس اللغة ‪ ,‬البن فارس ‪( ,‬‬
‫‪ , )4/281‬و الصحاح ‪ ,‬للجوهري ‪ , )3/1158( ,‬ومجهرة اللغة ‪ ,‬البن دريد البصري ‪ , )2/381( ,‬وتاج‬
‫العروس ‪ ,‬للزبيدي احلنفي ‪. )6/192( ,‬‬
‫(‪ )3‬سورة املرسالت ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )1( :‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬املعجم الوسيط ‪ ,‬إلبراهيم مصطفى وآخرون ‪ , )2/601( ,‬القاموس احمليط ‪ ,‬للفريوزبادي ‪( ,‬‬
‫‪ , )3/178‬ومجهرة اللغة ‪ ,‬البن دريد البصري ‪. )2/381( ,‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬املعجم الوسيط ‪ ,‬إلبراهيم مصطفى وآخرون ‪ )9( )2/601( ,‬وتاج العروس ‪ ,‬للزبيدي احلنفي ‪( ,‬‬
‫‪. )6/192‬‬
‫(‪ )6‬سورة األعراف ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )46( :‬‬
‫(‪ )7‬انظر ‪ :‬لسان العرب ‪ ,‬البن منظور ‪ , )9/157( ,‬وتاج العروس ‪ ,‬للزبيدي احلنفي ‪. )6/192( ,‬‬
‫(‪ )8‬انظر ‪ :‬املعجم الوسيط ‪ ,‬إلبراهيم مصطفى وآخرون ‪. )2/601( ,‬‬
‫(‪ )9‬انظر ‪ :‬معجم منت اللغة ‪ ,‬للشيخ أمحد رضا ‪ , )4/78( ,‬وتاج العروس ‪ ,‬للزبيدي احلنفي ‪. )6/192( ,‬‬
‫(‪ )10‬انظر ‪ :‬لسان العرب ‪ ,‬البن منظور ‪. )9/154( ,‬‬
‫(‪ )11‬انظر ‪ :‬الصحاح ‪ ,‬للجوهري ‪ , )3/1158( ,‬ولسان العرب ‪ ,‬البن منظور ‪. )9/158( ,‬‬

‫ج‪ -‬العرف ( بضم العني وفتح الراء ) ‪:‬‬


‫( ‪)1‬‬
‫يطلق على ضرب من النخل بالبحرين ‪ ,‬مجعه أعراف ‪.‬‬

‫د‪ -‬العرف ( بفتح العني وسكون الراء ) ‪:‬‬


‫‪ -1‬يطلق على الريح وخباصة الريح الطيبة (‪ )2‬ومنه قوله تعاىل ‪ { :‬ويدخلهم اجلنة عرفها‬
‫( ‪)4‬‬
‫هلم } ‪ )3( .‬أي طيبها ويف املثل قيل ‪ :‬ال يعجز مسك السوء عن عرف السوء ‪.‬‬
‫( ‪)5‬‬
‫وهناك من قال بإطالقه على الريح املنتنة ‪.‬‬
‫( ‪)6‬‬
‫‪ -2‬ويطلق على القرحة اليت خترج يف باطن الكف ‪.‬‬
‫( ‪)7‬‬
‫وقيل خترج على اطراف االصابع ‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬العرف ( بكسر العني وسكون الراء ) ‪:‬‬


‫‪ -1‬يطلق على املعرفة من قوهلم ( ما عرف عريف إال بآخره ) أي ما عرفين إال أخريا ‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪ -2‬يطلق على الصرب‪.‬‬
‫ـــــــــــــــ‬

‫‪19‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬لسان العرب ‪ ,‬البن منظور ‪)9/157( ,‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املعجم الوسيط ‪ ,‬إلبراهيم مصطفى وآخرون ‪ , )2/601( ,‬ومعجم مقاييس اللغة ‪ ,‬البن فارس ‪( ,‬‬
‫‪ , )4/281‬ومجهرة اللغة ‪ ,‬البن دريد البصري ‪ , )2/381( ,‬وتاج العروس ‪ ,‬للزبيدي احلنفي ‪. )6/192( ,‬‬
‫(‪ )3‬سورة حممد آية رقم ‪. )6( :‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬الصحاح ‪ ,‬للجوهري ‪. )3/1158( ,‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬القاموس احمليط ‪ ,‬للفريوزبادي ‪. )3/178( ,‬‬
‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬معجم منت اللغة ‪ ,‬للشيخ أمحد رضا ‪ , )4/77( ,‬والقاموس احمليط ‪ ,‬للفريوزبادي ‪, )3/178( ,‬‬
‫والصحاح ‪ ,‬للجوهري ‪. )3/1158( ,‬‬
‫(‪ )7‬انظر ‪ :‬مجهرة اللغة ‪ ,‬البن دريد البصري ‪. )2/381( ,‬‬
‫(‪ )8‬انظر ‪ :‬الصحاح ‪ ,‬للجوهري ‪ , )3/1158( ,‬واملعجم الوسيط ‪ ,‬إلبراهيم مصطفى وآخرون ‪, )2/601( ,‬‬
‫ومعجم منت اللغة ‪ ,‬للشيخ أمحد رضا ‪ , )4/77( ,‬وتاج العروس ‪ ,‬للزبيدي احلنفي ‪ , )6/192( ,‬ولسان العرب‬
‫‪ ,‬البن منظور ‪. )9/154( ,‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫التعريف االصطالحي للعرف‬

‫ويشتمل على ما يلي ‪:‬‬


‫‪ -1‬تعريف العرف يف اصطالح علماء الشريعة‬
‫‪ -2‬تعريف العرف يف اصطالح شراح القانون‬

‫‪20‬‬
‫‪ -3‬تعريف العرف يف اصطالح علماء االجتماع‬
‫‪ -4‬تعريف العرف يف اصطالح علماء القانون‬

‫تعريف العرف يف اصطالح علماء الشريعة‬

‫ذكر بعض علماء الشريعة تعريفات متعددة للعرف ‪ ,‬وإليك بعضًا منها ‪:‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫‪ " -1‬أنه ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول ‪ ,‬وتلقته الطباع السليمة بالقبول "‪.‬‬
‫‪ " -2‬أنه مأخوذ من العـادة املأخوذة من املعـاودة فهي بتكرارهـا ومعاودهتا مـرة بعـد أخـرى‬
‫صــارت معروفــة مســتقرة يف النفــوس والعقــول متلقــاة بــالقبول من غــري عالقــة وال قرينــة حــىت‬
‫ص ــارت حقيق ــة عرفي ــة ‪ ,‬فالع ــادة والع ــرف مبع ــىن واح ــد من حيث املاص ــدق وإن اختلف ــا من‬
‫( ‪)2‬‬
‫حيث املفهوم " ‪.‬‬

‫‪ -3‬ما نقل عن صاحب املستصفى (‪ )3‬من تعريــف للعــرف مفــاده ‪ " :‬أن العــادة والعــرف مــا‬
‫( ‪)4‬‬
‫استقر يف النفوس وتلقته الطباع السليمة بالقبول " ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ " -4‬أنه ما استقر يف النفوس من جهة العقول ‪ ,‬وتلقته الطباع السليمة بالقبول ‪ ,‬بشرط‬
‫(‪)5‬‬
‫أن ال خيالف نصًا شرعيًا " ‪.‬‬

‫‪ " -5‬أنه ما استقر يف النفوس واستحسنته العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول واستمر‬
‫ــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬التعريفات ‪ ,‬أليب احلسن علي اجلرجاين ‪( ,‬ص‪ , )86‬الناشر ‪ :‬دار الشؤون الثقافية العامة يف بغداد ‪.‬‬
‫(‪ )2‬نشر العرف يف بناء بعض األحكام على العرف ‪ ,‬ال بن عابدين ‪ ,‬رسالة من جمموعة رسائل البن عابدين ‪( ,‬‬
‫‪ , )2/114‬رسالة من جمموعة رسائل البن عابدين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬عامل الكتب ‪.‬‬
‫(‪ )3‬وهو عبد اهلل بن أمحد النسفي ‪ ,‬وكتابه هذا خمطوط بدار الكتب املصرية كما حكاه الدكتور عوض ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬أثر العرف يف التشريع اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور السيد صاحل عوض ‪( ,‬ص‪ , )50‬الناشر ‪ :‬دار الكتاب‬
‫اجلامعي ‪.‬‬
‫(‪ )5‬العرف والعمل يف املذهب املالكي ‪ ,‬لعمر عبد الكرمي اجليدي ‪( ,‬ص‪ , )34‬الناشر ‪ :‬مطبعة فضالة يف املغرب ‪,‬‬
‫‪1404‬هـ ‪1984 ,‬م ‪.‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫الناس عليه مما ال ترده الشريعة وأقرهتم عليه " ‪.‬‬

‫( ‪)2‬‬
‫‪ " - 6‬أنه ما اعتاده الناس من معامالت واستقامت عليه أمورهم " ‪.‬‬

‫‪ " -7‬هو ما اصطلح عليه فئة من الناس أو كلهم وألفوه يف البالد كلها أو عند جزء منها‬
‫( ‪)3‬‬
‫‪ ,‬وعند الناس كلهم أو عند طائفة منهم " ‪.‬‬

‫( ‪)4‬‬
‫‪ " -8‬أنه عادة مجهور قوم يف قول أو عمل "‬

‫‪ " -9‬أنه ما تعارف عليه مجهور الناس ودرجوا عليه ‪ ,‬سواء كان ذلك يف أفعاهلم أو يف‬
‫( ‪)5‬‬
‫أقواهلم " ‪.‬‬

‫( ‪)6‬‬
‫‪ " – 10‬أنه ما اعتاده الناس ‪ ,‬وألفوه سواء كان قوًال أو فعًال " ‪.‬‬

‫( ‪)7‬‬
‫‪ " -11‬أنه ما تعرفه مجهور الناس وساروا عليه ‪ ,‬سواء كان قوًال أو فعًال أو تركًا " ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ " -12‬أنـه مـا اعتـاده النـاس وسـاروا عليـه يف أمـور حيـاهتم ومعـامالهتم من قـول أو فعـل أو‬
‫( ‪)8‬‬
‫ترك " ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أثر العرف يف التشريع اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور السيد صاحل عوض ‪( ,‬ص‪. )52‬‬
‫(‪ )2‬أصول الفقه ‪ ,‬للشيخ حممد أبو زهرة ‪( ,‬ص‪ , )216‬الناشر ‪ :‬دار الفكر العريب يف القاهرة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬املدخل إىل الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز خياط ‪( ,‬ص‪ , )69‬الناشر ‪ :‬دار الفكر يف األردن ‪ ,‬ط‪, 2‬‬
‫‪1412‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )4‬املدخل الفقهي العام ‪ ,‬للشيخ مصطفى أمحد الزرقا ‪ , )1/141( ,‬الناشر ‪ :‬دار القلم يف دمشق ‪ ,‬ط‪, 1‬‬
‫‪1418‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )5‬مبادئ الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور يوسف القاسم ‪( ,‬ص‪ , )209‬الناشر ‪ :‬دار النهضة العربية يف مصر ‪,‬‬
‫‪1398‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )6‬مفهوم الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للشيخ نظام الدين عبد احلميد ‪( ,‬ص‪ , )141‬الناشر ‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪.‬‬
‫(‪ )7‬املدخل يف الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للشيخ حممد مصطفى شليب ‪( ,‬ص‪ , )260‬الناشر ‪ :‬الدار اجلامعية يف بريوت ‪.‬‬
‫(‪ )8‬املدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية ‪ ,‬للدكتور عبد الكرمي زيدان ‪( ,‬ص‪ , )172‬الناشر ‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪ ,‬ط‬
‫‪1417 , 13‬هـ ‪.‬‬
‫‪ " – 13‬أنه ما اعتاده الناس وألفوه من فعل شاع بينهم أو لفظ تعــارفوا إطالقــه على معــىن‬
‫( ‪)1‬‬
‫خاص إذا ذكر تبادر الذهن إليه ال إىل معىن سواه " ‪.‬‬

‫‪ " -14‬أنه ما اعتاده أكثر الناس ‪ ,‬وساروا عليه يف مجيع البلدان أو يف بعضها ‪ ,‬سواء‬
‫( ‪)2‬‬
‫أكان ذلك يف مجيع العصور ‪ ,‬أم يف عصر معني " ‪.‬‬

‫( ‪)3‬‬
‫‪ " -15‬أنه ما اعتاده الناس وساروا عليه يف شؤون حياهتم " ‪.‬‬

‫‪ " -16‬أنه ما اعتاده مجهور الناس وألفوه من فعل شاع بينهم أو لفظ تعارفوا إطالقه على‬
‫( ‪)4‬‬
‫معىن خاص حبيث ال يتبادر عند مساعه غريه " ‪.‬‬

‫( ‪)5‬‬
‫‪ " -17‬أنه ما يتعارفه الناس ويسريون عليه غالبًا من قول أو فعل " ‪.‬‬

‫‪ " -18‬أن ــه م ــا اعت ــاده مجي ــع الن ــاس أو أك ــثرهم يف مجي ــع البل ــدان أو بعض ــها من األق ــوال أو‬
‫(‪)6‬‬
‫األفعال " ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ " -19‬أنه ما اعتاده الناس ‪ ,‬وساروا عليه ‪ ,‬من كل فعل شاع بينهم ‪ ,‬أو لفظ تعارفوا‬
‫( ‪)7‬‬
‫إطالقه على معىن خاص ال تألف اللغة ‪ ,‬وال يتبادر غريه عند مساعه " ‪.‬‬

‫‪ " -20‬أنه ما اعتاده مجهور الناس وألفوه من قول أو فعل ‪ ,‬تكرر مرة بعد أخرى حىت‬
‫ــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬املدخل الفقهي وتاريخ التشريع اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور عبد الرمحن الصابوين وآخرون ‪( ,‬ص‪ , )137‬الناشر ‪:‬‬
‫مكتبة وهبة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬العرف وأثره يف الشريعة والقانون ‪ ,‬للدكتور أمحد بن علي سري املباركي ‪( ,‬ص‪ , )35‬ط‪1414 , 2‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )3‬نظرية العرف ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز اخلياط ‪( ,‬ص‪ , )24‬الناشر ‪ :‬مكتبة األقصى ‪1397 ,‬م ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور زكي شعبان ‪( ,‬ص‪. )191‬‬
‫(‪ )5‬مصادر التشريع اإلسالمي فيما ال نص فيه ‪ ,‬للشيخ عبد الوهاب خالف ‪( ,‬ص‪ , )145‬الناشر ‪ :‬دار القلم يف‬
‫الكويت ‪ ,‬ط‪1392 , 3‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )6‬علم مقاصد الشرع ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز بن عبد الرمحن الربيعة ‪( ,‬ص‪. )343‬‬
‫(‪ )7‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور وهبة الزحيلي ‪( ,‬ص‪ , )829‬الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫متكن أثره يف نفوسهم ‪ ,‬وصارت تتلقاه عقوهلم بالقبول " ‪.‬‬

‫( ‪)2‬‬
‫‪ " -21‬أنه ما تعارفه الناس واستقامت عليه أمورهم من قول أو فعل " ‪.‬‬

‫‪ " -22‬أنه ما تعوده الناس أو مجع منهم وألفوه حىت استقر يف نفوسهم من فعل شاع‬
‫بينهم أو لفظ كثر استعماله يف معىن خاص حبيث يتبادر منه عند إطالقه دون معناه‬
‫( ‪)3‬‬
‫األصلي " ‪.‬‬

‫( ‪)4‬‬
‫‪ " -23‬أنه ما تعارفه الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك " ‪.‬‬

‫‪ " -24‬أنه عادة توضع الناس على اتباعها ‪ ,‬معتقدين يف قوهتا امللزمة ‪ ,‬إذ هم يصنعوهنا‬
‫بأنفسهم ويتبعوهنا على نسق متواتر حىت تصبح عامة على حنو يعتقدون معه أهنا ملزمة هلم‬
‫( ‪)5‬‬
‫يف التعامل " ‪.‬‬

‫‪ " -25‬أنه جمموعة القواعد اليت تنشأ من مضي الناس عليها يتوارثوهنا خلفًا عن سلف‬
‫( ‪)6‬‬
‫بشرط أن يكون هلا جزاء قانوين كالتشريع سواء بسواء " ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور بدران أبو العينني بدران ‪( ,‬ص‪ , )224‬الناشر ‪ :‬مؤسسة شباب اجلامعة يف‬
‫اإلسكندرية ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬مصادر األحكام اإلسالمية ‪ ,‬للدكتور زكريا الربى ‪( ,‬ص‪ )145‬و أصول الفقه اإلسالمي لنفس املؤلف‬
‫‪( ,‬ص‪. )150‬‬
‫(‪ )3‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور حممد مصطفى شليب ‪( ,‬ص‪ , )313‬الناشر ‪ :‬دار النهضة العربية يف بريوت ‪,‬‬
‫ط‪1402 , 3‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )4‬علم أصول الفقه ‪ ,‬للدكتور عبد الوهاب خالف ‪( ,‬ص‪ , )89‬الناشر ‪ :‬دار القلم يف الكويت ‪ ,‬ط‪, 10‬‬
‫‪1392‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أصول األحكام الشرعية ومبادئ علم األنظمة ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز العلي النعيم ‪( ,‬ص‪. )118‬‬
‫(‪ )6‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها ‪ ,‬للشيخ عالل الفاسي ‪( ,‬ص‪ , )156‬الناشر ‪ :‬دار الغرب اإلسالمي ‪.‬‬

‫نقد التعاريف السابقة ‪:‬‬

‫يؤخ ــذ على التع ــاريف الثالث األوىل أهنا غ ــري جامع ــة لع ــدم دخ ــول الع ــرف الفاس ــد فيه ــا ‪,‬‬
‫وغري‬
‫مانعـة لـدخول العـادة الغـري ملزمـة فيهـا ‪ .‬أمـا التعـريفني الرابـع واخلامس فيؤخـذ عليهمـا أهنمـا‬
‫يعرفــان العــرف الصــحيح ‪ ,‬ولكن العــرف الصــحيح قســم من أقســام العــرف ‪ ,‬حيث يقســم‬
‫إىل صحيح وفاسد ‪ ,‬لـذا ينبغي عـدم حصـره بأحـد أقسـامه ‪ ,‬حيث إنـه يف التعـاريف الثالث‬
‫األوىل نصــوا على أن العــرف مــا تلقتــه الطبــاع الســليمة بــالقبول ‪ ,‬والشــك أن هــذه الطبــاع‬
‫السـليمة ال تقبـل العـرف الفاسـد ‪ ,‬أمـا التعـريفني الرابـع واخلامس فقـد نصـا على عـدم خمالفـة‬
‫العرف للشرع ‪ ,‬وبذلك يتم إخراج العرف الفاسد ‪ ,‬وهذا هــو حمل نقــد هــذين التعــريفني ‪.‬‬
‫أمـا التعريـف السـادس ‪ :‬فيمكن أنـه يؤخـذ عليـه أنـه غـري جـامع حلصـره العـرف يف املعـامالت‬
‫فق ــط دون غريه ــا ‪ .‬وأم ــا التع ــاريف من الس ــابع إىل الث ــالث والعش ــرين ‪ :‬فيمكن أن يؤخ ــذ‬
‫عليه ــا أهنا غ ــري مانع ــة من دخ ــول الع ــادة غ ــري امللزم ــة فيه ــا ‪ .‬وأم ــا التع ــريفني األخ ــريين فق ــد‬

‫‪25‬‬
‫جــاوزا مــا وقعت بــه التعــاريف املتقدمــة وذلــك باحرتازمها من دخــول العــادة الغــري ملزمــة ‪,‬‬
‫ولكن ُيفضل أن لو كان التعريف على الشكل اآليت ‪:‬‬

‫" أنه ما اعتاده الناس أو طائفة منهم يف مجيع البلدان أو بعضها مع االعتقاد بإلزاميته " ‪.‬‬

‫حمرتزات التعريف ‪:‬‬


‫" ما اعتاده الناس "‪ :‬يشمل الصحيح والفاسد والقويل والعملي ‪.‬‬
‫" أو طائف ــة منهم " ‪ :‬يقص ــد ب ــه إدخ ــال م ــا تعارف ــه التج ــار فيم ــا بينهم ‪ ,‬وه ــو م ــا يع ــرف‬
‫بالعرف التجاري ‪ .‬وكذلك ما تعارفتـه الـدول فيمـا بينهـا ‪ ,‬وهـو مـا يعـرف بـالعرف الـدويل‬
‫‪ .‬وحنو ذلك ‪.‬‬
‫" يف مجيع البلدان " ‪ :‬يقصد به العرف العام ‪.‬‬
‫" أو بعضها "‪ :‬يقصد به العرف اخلاص ‪.‬‬
‫" مع االعتقاد بإلزاميته "‪ :‬احرتازا من دخول العادة الغري ملزمة ‪.‬‬

‫املقارنة بني التعريف اللغوي والتعريف الفقهي‬

‫يالحــظ أن أقــرب املعــاين اللغويــة ملعــىن العــرف يف الفقــه تعريفــه بأنــه من املعــروف الــذي هــو‬
‫ضد املنكر ‪ ,‬أضف إىل ذلك إطالقـه على شـعر عنـق الفـرس املتتـابع ‪ ,‬والعـرف ال يكـون إال‬
‫بالتتابع واطراد السلوك ‪ ,‬ألنه نتيجة اعتياد الناس واطرادهم عليه ‪ ,‬ومن هنـا ميكن الوصـول‬
‫إىل صلة بني التعريفني اللغوي والفقهي ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫تعريف العرف يف اصطالح شراح القانون‬
‫للعرف يف اصطالح شراح القانون عدة تعريفات ‪ ,‬ومن املالحظ وجود التشابه فيما بينها‬
‫‪ ,‬وإليك بعضًا منها ‪:‬‬

‫‪ " -1‬أنه اطراد سلوك األفراد يف مسألة معينة على حنو معني اطرادًا مصحوبًا باالعتقاد يف‬
‫( ‪)1‬‬
‫إلزام هذا السلوك " ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ " -2‬أنه عادات عامة ملزمة ‪ ,‬تنظم سلوك األشخاص يف اجملتمع ‪ ,‬فقد جيري سلوك‬
‫الناس على اتباع عادة معينة ‪ ,‬ويتكرر هذا السلوك من الناس فرتة طويلة على وترية‬
‫واحدة حىت يعتقد كل منهم أنه ملزم له وال يسوغ له أو لغريه خمالفته ‪ ,‬وهنا ترقى العادة‬
‫( ‪)2‬‬
‫إىل مستوى القاعدة القانونية وتعترب عرفا " ‪.‬‬

‫‪ " -3‬أنه اطراد التقليد على اتباع سنة معينة يف العمل ‪ ,‬مع االعتقاد يف إلزام هذه السنة‬
‫( ‪)3‬‬
‫كقاعدة قانونية " ‪.‬‬

‫‪ " -4‬أنه تواتر العمل على األخذ حبلول معينة إىل احلد الذي يتكون معه اعتقاد بضرورة‬
‫( ‪)4‬‬
‫احرتامها واالنصياع حلكمها " ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬النظرية العامة للقانون ‪ ,‬للدكتور مصطفى حممد عرجاوي ‪( ,‬ص‪ , )247‬الناشر ‪ :‬دار املنار ‪ ,‬ط‪, 2‬‬
‫‪1406‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة اإلسالمية ‪ ,‬للدكتور عبد الناصر توفيق العطار ‪( ,‬ص‪. )262‬‬
‫(‪ )3‬املدخل إىل القانون ‪ ,‬للدكتور حسن كريه ‪( ,‬ص‪ , )272‬الناشر ‪ :‬منشأة املعارف باإلسكندرية ‪1971 ,‬م ‪.‬‬
‫(‪ )4‬النظرية العامة للقانون ‪ ,‬للدكتور مصطفى حممد اجلمال والدكتور عبد احلميد حممد اجلمال ‪( ,‬ص‪, )254‬‬
‫الناشر ‪ :‬الدار اجلامعية ‪1987 ,‬م ‪.‬‬

‫‪ " -5‬أنه اعتياد الناس على سلوك معني يف مسألة من املسائل ‪ ,‬يولد شعورا عاما عند‬
‫( ‪)1‬‬
‫اجلماعة باعتبارهم ملزمني به ‪ ,‬وإال تعرضوا للجزاء " ‪.‬‬

‫‪ " -6‬أنه جمموعة القواعد اليت تنشأ من اطراد سلوك الناس عليها زمنًا طويًال ‪ ,‬مع‬
‫( ‪)2‬‬
‫اعتقادهم بإلزامها ‪ ,‬وبأن خمالفتها تستتبع توقيع جزاء مادي " ‪.‬‬

‫‪ " -7‬أنه قاعدة اتبعها الناس كحل لنوع من املشاكل ‪ ,‬مث اطرد اتباعها بشكل ثابت‬
‫مستمر مدة طويلة ملطابقتها للعدالة ‪ ,‬حىت أصبحت عادة عامة ‪ ,‬فتعارف الناس على‬
‫( ‪)3‬‬
‫احرتامها ‪ ,‬وااللتزام باتباعها " ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ " -8‬أنه اعتياد الناس على سلوك معني يف مسألة معينة ‪ ,‬مع اعتقادهم بأن هذا السلوك‬
‫( ‪)4‬‬
‫ملزم ‪ ,‬وأن من خيالفه يتعرض جلزاء مادي يوقع عليه " ‪.‬‬

‫( ‪)5‬‬
‫‪ " -9‬أنه اطراد السلوك على اتباع قواعد ‪ ,‬مع االعتقاد بإلزام هذه القواعد " ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الوسيط يف النظم السياسية والقانون الدستوري ‪ ,‬للدكتور نعمان أمحد اخلطيب ‪( ,‬ص‪ , )465‬الناشر ‪ :‬جامعة‬
‫مؤتة ‪1999 ,‬م ‪.‬‬

‫(‪ )2‬األصول العامة للقانون ‪ ,‬للدكتور توفيق حسن فرج والدكتور حممد حيىي مطر ‪( ,‬ص‪ , )104‬الناشر ‪ :‬الدار‬
‫اجلامعية ‪.‬‬
‫(‪ )3‬املدخل للعلوم القانونية والفقه اإلسالمي ‪ ,‬للمستشار علي منصور ‪( ,‬ص‪ , )96‬الناشر ‪ :‬دار الفتح للطباعة‬
‫والنشر يف بريوت ‪.‬‬
‫(‪ )4‬دروس يف مبادئ القانون لطلبة كلية التجارة ‪ ,‬للدكتور عبد الودود حيىي ‪( ,‬ص‪ , )93‬الناشر ‪ :‬دار النهضة‬
‫العربية ‪1978 ,‬م ‪.‬‬
‫(‪ )5‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور إبراهيم أمحد شليب ‪( ,‬ص‪ , )345‬الناشر ‪ :‬الدار اجلامعية ‪.‬‬

‫املقارنة بني التعريف الفقهي والتعريف‬


‫القانوين للعرف‬

‫يالحــظ على التعــاريف القانونيــة للعــرف تشــاهبها فيمــا بينهــا حيث إن مجيــع هــذه التعــاريف‬
‫تنص على اطراد السلوك ألمر معني واالعتقاد بإلزاميته ‪.‬‬
‫أما أغلب التعاريف الفقهية فال تكاد تنص على إلزامية العرف بناًء على أن الفقهاء يعرفون‬

‫‪29‬‬
‫العرف والقانونيون يعرفون القاعدة القانونية املبنية على العرف ‪ ,‬ولذا عندما مت اختيار‬
‫تعريف للعرف يف املبحث السابق روعي فيه تعريف القاعدة املبنية على العرف بناًء على‬
‫أن العادة حمكمة ‪ ,‬وبناء على أن هذا البحث يعىن باألحكام املبنية على األعراف ‪ ,‬ومتييزًا‬
‫له عن العادة الغري ملزمة ‪.‬‬

‫تعريف العرف يف اصطالح علماء االجتماع‬


‫عن ــدما يتكلم علم ــاء االجتم ــاع عن الع ــرف ‪ ,‬ف ــإهنم يعن ــون ب ــه املعتق ــدات ال ــيت تتك ــون من‬
‫األفكـار واآلراء الـيت تنشـأ يف جـو اجلماعـة ‪ ,‬وتنعكس فيمـا يقـوم بـه األفـراد من أعمـال ومـا‬
‫يتبعونه يف كثري من مظاهر سلوكهم ‪.‬‬
‫ويضطر األفراد إىل اخلضوع هلذه املعتقدات اليت تستمد قوهتا من فكر اجلماعة وعقائدها ‪,‬‬
‫وال يستطيعون اخلروج عليها وعلى ما ترمسه هلم إال يف أضيق احلدود ‪ ,‬كما ال يستطيعون‬
‫أن يعزلوا أنفسهم عن األخذ هبا أو التفكري يف ضوء ما توحي به ‪ .‬هلذا يكون معظم‬

‫‪30‬‬
‫األفراد منساقني إىل السري يف ركاب العرف ‪ ,‬ومن حياول أن يتصدى ملا يفرضه من‬
‫مظاهر السلوك أو من املعتقدات واآلراء يقابل من اجلماعة بقوة تتناسب مع قوة العقيدة‬
‫اليت خرج عليها ومبلغ تأثريها يف ضمري اجلماعة ‪ ,‬وال أدل على ذلك من أن أي إنسان ال‬
‫يستطيع أن يقدم دليًال مقبوًال ومعقوًال عن اآلراء واألقوال اليت يتبعها ويتصرف من خالل‬
‫( ‪)1‬‬
‫ما متليه عليه سوى أن يردد املثل املتواتر ( لقد جرى العرف بذلك ) ‪.‬‬
‫وبنــاًء على مــا ســبق فــإن العــرف بــاملفهوم االجتمــاعي خيتلــف عن العــرف بــاملفهوم الفقهي ‪,‬‬
‫ذل ـ ــك أن التعري ـ ــف الفقهي للع ـ ــرف يش ـ ــمل األق ـ ــوال واألعم ـ ــال خالفـ ـ ـًا للع ـ ــرف ب ـ ــاملفهوم‬
‫االجتم ــاعي حيث يك ــون قاصـ ـرًا على األق ــوال واملعتق ــدات ‪ ,‬ول ــذا ف ــإن علم ــاء االجتم ــاع‬
‫مييزون الع ــرف عن الع ــادة بق ــوهلم أن ه ــذه األخ ــرية " تتعل ــق باألفع ــال واألعم ــال وال تتعل ــق‬
‫( ‪)2‬‬
‫باملعتقدات اليت خيتص هبا العرف " ‪.‬‬
‫ويضم هؤالء العلماء التقاليد إىل األعراف والعادات ‪ ,‬ويعنون هبا األفعال املطردة واليت‬
‫ختتص هبا طائفة معينة أو بيئة حملية حمدودة النطاق ‪ .‬وهذا املعىن يصدق على األعراف‬
‫ــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬علم االجتماع املعاصر ‪ ,‬للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ‪( ,‬ص‪ , )446‬ط‪1977 , 1‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الضبط االجتماعي ‪ ,‬للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ‪( ,‬ص‪ , )185‬الناشر ‪ :‬دار رامتان يف جدة ‪ ,‬ط‪1402 , 2‬هـ‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫اخلاصة حبسب مفهوم الفقهاء ‪.‬‬

‫واخلروج على هذه السنن (‪ )2‬ليس باألمر اهلني ؛ ألهنا متوارثات يرثها اخللف عن السلف ‪,‬‬
‫وإن كانت قابلة للتعديل يف اجملتمع ‪ ,‬فإهنا تصبح يف جمتمع آخر بطيئة التعديل ‪ ,‬إال أهنا‬
‫( ‪)3‬‬
‫ميكن أن تتغرب تبعًا لتغري اجملتمع عند بعض األفراد دون البعض اآلخر ‪.‬‬
‫وهلذه السنن صفة اإللزام ملا هلا من سلطة على األفراد واجلماعات ‪ ,‬وجيد كل فرد من‬
‫األفراد أنه ملزم باخلضوع هلا ملا هلا من قداسة واحرتام يف نفوسهم تسربت إليهم من‬
‫( ‪)4‬‬
‫األجيال السابقة ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬علم االجتماع املعاصر ‪ ,‬للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ‪( ,‬ص‪ , )454‬وعلم اجتماع السياسة ‪ ,‬ملوريس‬
‫دوفرجيه ‪ ,‬ترمجة الدكتور سليم حداد ‪( ,‬ص‪ , . )84‬الناشر ‪ :‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ‪ ,‬ط‪1‬‬
‫‪1411 ,‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬يطلق علماء االجتماع مصطلح السنن االجتماعية على كل من العادات والتقاليد واألعراف ‪ ,‬انظر ‪ :‬الضبط‬
‫االجتماعي ‪ ,‬للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ‪( ,‬ص‪. )174‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬علم االجتماع املعاصر ‪ ,‬للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ‪( ,‬ص‪. )433‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬الضبط االجتماعي ‪ ,‬للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ‪( ,‬ص‪. )184‬‬

‫تعريف العرف يف اصطالح علماء النفس‬


‫من يبحث عن تعريف للعرف عند علماء النفس ‪ ,‬سيبحث عن كلمة العادة وينظر إىل‬
‫مفاهيمهم حوهلا ‪ ,‬ذلك أنه يعتقد أن معناها عندهم يقارب معىن العرف عند الفقهاء ‪,‬‬
‫ولكن الواقع خالف ذلك ؛ ألهنم يقصدون هبا جمرد منط من أمناط السلوك الفردي الذي‬

‫‪32‬‬
‫يكتسب صفة الشيوع واالنتشار وينتقل بالتايل يف تكوينات اجلماعة املختلفة حمدثًا نوعًا‬
‫من التناسق الذي ينشأ عن التقليد واحملاكاة ‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن العادات عندهم تؤثر يف عالقة الفرد باجلماعة من حيث مدى تقبل الفرد‬
‫يف إطار اجلماعة ‪.‬‬
‫فعلى سبيل املثال تناول نوع معني من أنواع األطعمة أو املشروبات مثل الشاي أو القهوة‬
‫يف مناسبات معينة يعترب عادة اجتماعية متيز بعض اجلماعات عن البعض اآلخر ‪ ,‬ومن‬
‫املتوقع بطبيعة احلال أن يساير الفرد مثل هذه العادات حىت يدخل يف إطار اجلماعة ‪.‬‬
‫ولكن عندما تشتد هذه العادات وتقوى نتيجة تكرار املمارسة وشدة الشيوع فإهنا تتحول‬
‫إىل أعراف حبسب املعىن الفقهي ‪ ,‬وإن كان علماء النفس يصطلحون على تسميتها‬
‫بالتقاليد ‪.‬‬
‫فالتقاليد عندهم جمموعة من األمناط السلوكية املوروثة واليت تنتقل من جيل إىل آخر ‪,‬‬
‫وبذلك فهي ذات أثر كبري يف نشاط اجلماعة وتفاعل أفرادها ‪ ,‬وتعترب متغريًا أساسيًا من‬
‫املتغريات اليت توجه عالقة الفرد باجلماعة ‪.‬‬
‫وتعترب كذلك مصدرًا أساسيًا جبانب القيم من مصادر اإللزام والتشريع يف اجلماعة ‪ ,‬فهي‬
‫أساس للقاعدة والقانون واحلكم على السلوك بالصحة والسواء أو الشذوذ والتجرمي ‪,‬‬
‫ولذا قيل بتقارب معناها للمعىن الفقهي للعرف ‪ ,‬أضف إىل ذلك أهنا تدخل دائرة‬
‫عموميات اجلماعة ‪ ,‬وخاصة إذا كانت تؤازرها القيمة والدين والعقيدة ‪ ,‬فتصبح بذلك‬
‫ذات قوة من نوع خاص تؤثر ليس فقط يف عالقة الفرد باجلماعة أو عالقة اجلماعة بالفرد‬
‫وإمنا يف‬

‫( ‪)1‬‬
‫التشكيل العام للجماعة ونظامها وبنائها ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ـــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬علم النفس االجتماعي ‪ ,‬للدكتور فؤاد البهى السيد ‪ ,‬والدكتور سعد عبد الرمحن ‪( ,‬ص‪ , )51‬الناشر‬
‫‪ :‬دار الفكر العريب يف القاهرة ‪1419 ,‬هـ ‪ ,‬وانظر ‪ :‬علم النفس وتطبيقاته االجتماعية والرتبوية ‪ ,‬للدكتور عبد‬
‫العلي اجلسماين ‪( ,‬ص‪ , )205‬الناشر ‪ :‬الدار العربية للعلوم ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫تعريف العرف الدويل باعتباره علمًا ولقبًا‬

‫‪34‬‬
‫ال يوجد من الفقهاء من قام بذكر تعريف للعرف الدويل ‪ ,‬مع أهنم يبنون كثريًا من‬
‫أحكامهم عليه ‪ ,‬وكتبهم شاهدة على ذلك كما سيتبني يف حينه (‪ , )1‬وخباصة يف أبواب‬
‫اجلهاد واهلدنة واألمان وحنوها ‪ ,‬خبالف شراح القانون الدويل ‪ ,‬الذين استفاضوا يف ذلك‬
‫‪ ,‬حىت أنك ال جتد كتاب يف القانون الدويل ال يتعرض لتعريف العرف الدويل ‪ ,‬ومن هذه‬
‫التعاريف ما يلي ‪:‬‬

‫‪ " -1‬أنه قاعدة قانونية نشأت من جراء تكرار املمارسة من قبل الدولة ‪ ,‬ثبت هلا يف‬
‫( ‪)2‬‬
‫اعتقاد غالبية الدول حتمية االلتزام بتلك املمارسة أو بذلك التصرف يف حالة بعينها "‪.‬‬

‫‪ " -2‬أنه جمموعة من القواعد الناشئة عن تواتر االلتزام هبا من قبل الدول يف تصرفاهتا جتاه‬
‫( ‪)3‬‬
‫بعضها بعضًا " ‪.‬‬

‫‪ " -3‬أنه عبارة عن جمموعة من األحكام القانونية نشأت من تكرار التزام الدول هلا يف‬
‫تصرفاهتا مع غريها يف حاالت معينة ‪ ,‬بوصفها قواعد ثبت هلا يف اعتقاد غالبية الدول‬
‫( ‪)4‬‬
‫املتحضرة وصف اإللزام القانوين " ‪.‬‬

‫‪ " -4‬أنه جمموعة من قواعد السلوك الدويل غري املكتوبة تكونت من خالل اعتياد الدول‬
‫ــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وذلك عند احلديث عن أثر العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‬
‫(‪ )2‬مدخل إىل القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مأمون مصطفى ‪( ,‬ص‪ , )46‬الناشر ‪ :‬دار روائع جمدالوي ‪.‬‬
‫(‪ )3‬املدخل إىل القانون الدويل العام وقت السلم ‪ ,‬للدكتور حممد عزيز شكري ‪( ,‬ص‪ , )54‬الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪.‬‬
‫(‪ )4‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حامد سلطان والدكتور صالح الدين عامر والدكتورة عائشة راتب ‪( ,‬ص‬
‫‪ , )47‬الناشر ‪ :‬دار النهضة العربية ‪ ,‬ط‪1978 , 1‬م ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫على إتباعها بوصفها قواعد ثبت هلا لدى املخاطبني بأحكامها صفة اإللزام القانوين " ‪.‬‬
‫‪ " -5‬أنه جمموعة القواعد ًًًًًًًًًًًًًًا‬
‫القانونية غري املكتوبة ‪ ,‬الناشئة عن تواتر االستعمال من قبل‬
‫( ‪)2‬‬
‫الدول بعضها جتاه بعض ‪ ,‬نظر القتناعها بضرورة االلتزام هبا " ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ " -6‬أنه جمموعة من األعمال القانونية نشأت من تكرار التزام الدول هبا يف تصرفاهتا مع‬
‫غريها يف حاالت معينة بوصفها قواعد ثبت هلا وصف اإللزام القانوين ‪ ,‬يف اعتقاد غالبية‬
‫( ‪)3‬‬
‫الدول املتحضرة " ‪.‬‬

‫‪ " -7‬أنه جمموعة من القواعد القانونية تنشأ يف اجملتمع الدويل بسبب تكرار الدول هلا مدة‬
‫طويلة ‪ ,‬وبسبب التزام هذه الدول هبا يف تصرفاهتا ‪ ,‬واعتقادها بأن هذه القواعد تتصف‬
‫( ‪)4‬‬
‫باإللزام القانوين " ‪.‬‬

‫‪ " -8‬أنه عبارة عن جمموعة القواعد القانونية اليت نشأت يف اجملتمع الدويل بسبب اتباع‬
‫الدول هلا أمدا ًطويًال حىت استقرت ‪ ,‬واعتقدت الدول أن هذه القواعد ملزمة أي واجبة‬
‫( ‪)5‬‬
‫االتباع " ‪.‬‬

‫‪ " -9‬أنه عبارة عن قواعد غري مسطورة منظمة للعالقات الدولية نشأت بسبب أخذ‬
‫( ‪)6‬‬
‫الدول هبا فرتة طويلة دون اعرتاض عليها حىت استقرت وأصبحت هلا قوة اإللزام " ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد سامي عبد احلميد والدكتور مصطفى سالمة حسني ‪( ,‬ص‪, )103‬‬
‫الناشر ‪ :‬الدار اجلامعية ‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ‪ ,‬للدكتور إحسان هندي ‪( ,‬ص‪ , )91‬الناشر ‪ :‬دار اجلليل ‪،‬‬
‫ط‪1984 , 1‬م ‪,‬‬
‫(‪ )3‬القانون الدويل العام يف وقت السلم واحلرب وتطبيقه يف دولة الكويت ‪ ,‬للدكتورة بدرية العوضي ‪( ,‬ص‬
‫‪. )27‬‬
‫(‪ )4‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد اجملذوب ‪( ,‬ص‪1994 , )48‬م ‪.‬‬
‫(‪ )5‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد حافظ غامن ‪( ,‬ص‪ , )91‬الناشر ‪ :‬مطبعة هنضة مصر يف القاهرة ‪,‬‬
‫ط‪1956 , 1‬م ‪.‬‬
‫(‪ )6‬القاموس السياسي ‪ ,‬ألمحد عطية اهلل ‪ ,‬كلمة ( العرف الدويل ) ‪.‬‬
‫‪ " -10‬أنه جمموعة القواعد القانونية اليت نشأت يف اجملتمع الدويل بسبب اتباع الدول هلا‬
‫أمدا طويال حىت استقرت واعتقدت الدول أن هذه القواعد ملزمة أي واجبة االتباع ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫وبعبارة أخرى أنه جمموعة العادات والسوابق املتكررة بشكل مماثل واليت تعرتف معظم‬
‫الدول ضمنا بأهنا تؤلف قاعدة دولية إلزامية وثابتة تقتضيها مصلحة اجملتمع الدويل لتنظيم‬
‫( ‪)1‬‬
‫العالقات بني أعضائه " ‪.‬‬

‫‪ " -11‬أنه عبارة عن سلوك ترسخ بفعل العادة العامة ‪ ,‬كحصيلة من األعمال اليت‬
‫( ‪)2‬‬
‫متارسها الدول بتصرفاهتا االعتيادية " ‪.‬‬

‫‪ " -12‬أنه جمموعة القواعد القانونية اليت نشأت يف اجملتمع الدويل بسبب تكرار الدول هلا‬
‫لفرتة طويلة من الزمن حىت استقرت واعتقدت الدول أن هذه القواعد ملزمة أي واجبة‬
‫( ‪)3‬‬
‫االحرتام " ‪.‬‬

‫نقد التعاريف السابقة ‪:‬‬


‫يالحظ على هذه التعاريف ‪ ,‬حصرها العرف بني الدول فقط ‪ ,‬والواقع أن املنظمات‬
‫وغريها من أشخاص اجملتمع الدويل ‪ ,‬تشارك يف إنشاء العرف الدويل ‪ ,‬كما أن هلا‬
‫األعراف اخلاصة هبا ‪ ,‬لذا كان من األفضل لو تضمنت هذه التعاريف اإلشارة إىل تواتر‬
‫أفعال أشخاص اجملتمع الدويل بشكل عام دون ختصيصها بتواتر الدول فقط ‪.‬‬
‫وبناء على ذلك ميكن تعريف العرف الدويل بأنه ‪:‬‬
‫" ما اعتاده أشخاص اجملتمع الدويل أو بعضهم ‪ ,‬مع االعتقاد بإلزاميته "‬
‫ــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تطبيق القانون الدويل أمام احملاكم املصرية ‪ ,‬للدكتور سعيد اجلدار ‪( ,‬ص‪ , )215‬الناشر ‪ :‬دار املطبوعات‬
‫اجلامعية يف اإلسكندرية ‪1999 ,‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬العالقات الدولية ‪ ,‬للدكتور بلقاسم الكرمين ‪( ,‬ص‪ , )218‬ط‪. 1‬‬
‫(‪ )3‬مذكرة يف القانون الدويل العام لطالب دورة العلوم اجلنائية لعام ‪1422‬هـ يف املعهد العايل للقضاء ‪ ,‬للدكتور‬
‫حممد احلسيين مصيلحي ‪.‬‬

‫حمرتزات التعريف ‪:‬‬


‫" ما اعتاده " ‪ :‬يشمل العرف الدويل الصحيح ‪ ,‬والعرف الدويل الفاسد ‪ .‬ويشمل أيضًا‬
‫العرف الدويل القويل ‪ ,‬والعرف الدويل العملي ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫" أشخاص اجملتمع الدويل " ‪ :‬يراد به إدخال أعراف املنظمات الدولية وحنوها ‪ ,‬مع‬
‫أعراف الدول ‪.‬‬
‫" أو بعضهم " ‪ :‬يراد به العرف الدويل اخلاص ‪ ,‬الذي يكون خاصًا باملنظمات الدولية‬
‫فقط ‪ ,‬أو خاصًا بعدد حمدود من الدول جتمعهم روابط دينية أو جغرافية أو سياسية اخل ‪.‬‬
‫" مع االعتقاد بإلزاميته " ‪ :‬قيد احرتز به من دخول قواعد اجملامالت الدولية ‪ ,‬وحنوها ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫أمهية العرف الدويل‬

‫ويشتمل على املطالب اآلتية ‪:‬‬


‫املطلب األول ‪ :‬أمهية العرف الدويل يف‬
‫القانون الدويل العام‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬أمهية العرف الدويل يف الفقه‬
‫اإلسالمي‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬املقارنة بني أمهية العرف‬
‫الدويل يف الفقه اإلسالمي وبني أمهيته يف‬
‫القانون الدويل العام‬

‫‪39‬‬
‫املطلب األول‬
‫أمهية العرف الدويل يف القانون الدويل العام‬
‫يعترب العرف الدويل من أهم مصادر القانون الدويل وأكثرها إنشاًء ألحكامه ‪ ,‬إذ هو‬
‫أكرب املصادر من حيث القواعد املنتمية إليه وأكثرها تشعبًا ‪.‬‬
‫وإذا كان العرف الدويل يعترب املصدر الثاين إلنشاء القواعد القانونية طبقًا لنص املادة ‪38‬‬
‫من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية (‪ , )1‬إال أن الغالبية العظمى من القواعد الدولية‬
‫اليت تنظم العالقات الدولية أنشئت عن طريق هذا العرف ‪ ,‬حيث كانت العالقات الدولية‬
‫يف العصور القدمية والوسطى قائمة يف معظمها على قواعد عرفية وعدد قليل من‬
‫املعاهدات ‪ ,‬بل إن كثريًا من املعاهدات الدولية اليت أبرمت يف العصور احلديثة كانت إما‬
‫هبدف تسجيل قواعد عرفية سبق وأن استقرت يف اجملتمع الدويل لتصقلها بالوضوح‬
‫والتحديد ‪ ,‬وإما بغرض التعجيل يف إظهار قاعدة عرفية ضرورية يف تنظيم عالقة دولية قد‬
‫يتباطأ يف إثباهتا بسبب عدم تواتر اتباعه من جانب أعضاء اجملتمع الدويل بالوضوح‬
‫( ‪)2‬‬
‫والثبات ‪.‬‬
‫إن وضـع العـرف الـدويل يف املكـان الثـاين ال يتفـق مـع مكانتـه احلقيقيـة يف سـلم املصـادر فهـو‬
‫هنــاك خلــف املعاهــدات ليس ألن هــذه األخــرية أفضــل منــه أو أعلى منــه ‪ ,‬ولكنــه هنــاك يف‬
‫ه ــذا املوق ــع ‪ ,‬لكي مين ــع جتاوزات املعاه ــدات ‪ ,‬ويوض ــح غموض ــها ‪ ,‬وميد هلا ي ــد الع ــون من‬
‫خالل تفســري نصوصــها الغامضــة يف ضــوئه وإكمــال وســد النقص والثغــرات االحتماليــة الــيت‬
‫قد توجد يف نصوصها ‪.‬‬
‫وهو هناك بصفة خاصة لكي يرشد القاضي عندما تعوزه القاعدة االتفاقية ويبحث عنها‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وذلك بعد املعاهدات الدولية اليت اعتربت املصدر األول ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬البعد األخالقي لقانون العالقات الدولية ‪ ,‬للدكتور مسري عبد املنعم ‪( ,‬ص‪ , )392‬الناشر ‪ :‬مكتبة‬
‫النهضة العربية يف مصر ‪ ,‬ط‪1988 , 1‬م ‪ ,‬وانظر ‪ :‬مدخل إىل القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مأمون مصطفى ‪,‬‬
‫(ص‪. )46‬‬

‫‪40‬‬
‫فال جيدها ‪ ,‬فه ـ ــو يف ح ـ ــدود معين ـ ــة التعب ـ ــري الش ـ ــامل عن الق ـ ــانون ال ـ ــدويل الض ـ ــروري أو‬
‫املوضــوعي الــذي يوجــد خــارج إرادة الــدول مجيع ـًا ؛ ألنــه يتكــون بطريقــة تلقائيــة تعــرب عن‬
‫حاجات وضرورات احلياة الدولية ‪.‬‬
‫فاملعاهــدات الدوليــة مهمــا كــثرت ال تشــكل وحــدها قانون ـًا دولي ـًا عام ـًا ؛ ألهنا تضــع قواعــد‬
‫قانونيــة ملزمــة فقــط للــدول الــيت صــدقت عليهــا أو انضــمت إليهــا ‪ ,‬أمــا بالنســبة للــدول الغــري‬
‫فال متنحها حقوقًا وال تفرض عليها واجبات ‪ ,‬وهذا ما أشارت إليه املقدمة العامة التفاقية‬
‫فين ــا لق ــانون املعاه ــدات لع ــامي ‪1969‬م ‪ , 1986 ,‬وأضــافت ب ــأن قواع ــد الق ــانون ال ــدويل‬
‫العرفية ستستمر يف حكم املوضوعات واملسائل اليت مل تنظم وفقًا ألحكام هذه االتفاقية ‪.‬‬
‫ويرتتب على ذلك من حيث املبدأ أنه ال توجد قاعدة اتفاقيــة مكتوبــة تلـزم الــدول مجيعـًا إال‬
‫إذا افرتضنا معاهدة أو معاهدات قد صدقت عليها مجيع الدول ‪ ,‬وهذا أمر نـادر احلدوث ‪,‬‬
‫وعن ــدما تتوص ــل اجلماع ــة الدولي ــة إىل إب ــرام معاه ــدات مجاعي ــة يف مجي ــع املي ــادين ‪ ,‬ومص ــدق‬
‫عليهـا من قبـل اجلميـع هنـا قـد يفقـد العـرف دوره ومكانتـه ‪ ,‬ولكن الـوقت مـازال بعيـدًا عن‬
‫حتقيق مثل هذا الفرض اآلن ‪.‬‬
‫وعليــه ومبا أن العــرف الــدويل موجــود ويــؤدي دورًا حموري ـًا يف العالقــات الدوليــة فهــذا يعــين‬
‫بداهة وبدون برهان أن اجلماعة الدولية مل تصل بعــد إىل مرحلـة االســتغناء عن العــرف وأنــه‬
‫( ‪)1‬‬
‫ال يزال يعترب مصدرًا للحقوق وااللتزامات الدولية ‪.‬‬
‫وترجع األمهية اليت حظي هبا العرف الدويل إىل كون اجملتمــع الــدويل جمتمعـًا ضــعيف التنظيم‬
‫قياسًا باجملتمع الداخلي ‪ ,‬ولذا فــإن بعض الشــراح يــرى أن ازديــاد ظــاهرة املعاهــدات الدوليــة‬
‫‪ ,‬ومسـامهتها يف تنظيم العالقـات بني الـدول ‪ ,‬قـد يقلـل من أمهيـة العـرف الـدويل كمـا قللت‬
‫( ‪)2‬‬
‫التشريعات يف األنظمة القانونية الداخلية من أمهية العرف الداخلي ‪.‬‬
‫ولكن ومــع تطــور هــذه املعاهــدات الــيت ســهلت عمليــة االلتزامــات الدوليــة ‪ ,‬مــازال العــرف‬
‫يلعب دورًا بارزًا ‪ ,‬ويسد بعض النقص الذي يرتكه القانون االتفاقي املكتوب ‪ ,‬وقد يلعب‬
‫دورًا جديدًا يف وظائف املنظمات الدولية ‪ ,‬كما يتضح من بعض التطبيقات ‪ ,‬مثل امتناع‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪ , )506‬الناشر ‪ :‬دار النهضة العربية يف القاهرة ‪1995 ,‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪ , )362‬ط‪1996 , 1‬م ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫األعضاء الدائمني عن التصويت يف جملس األمن أو تطور بعض وسائل وطرق التفسري مثل‬
‫( ‪)1‬‬
‫نظرية االختصاصات الضمنية وكذلك التفسري يف ضوء احلاجات املتغرية للحياة الدولية ‪.‬‬
‫ومهما كانت أمهية املعاهدات فإن العرف مازال وملدة طويلة حيتفظ مبكانته كوسيلة‬
‫مفضلة جلعل القانون يتالءم باستمرار مع االحتياجات املتغرية للحياة الدولية وكأداة‬
‫لتفسري‬
‫( ‪)2‬‬
‫معىن املعاهدات ومداها ‪ ,‬وكذا تعويض ما يعرتيها من نقص ‪.‬‬
‫وبعد هذا كله يبقى العرف الدويل حقيقة ماثلة وضرورة ال غــىن عنهــا ووجــوده واقــع ميكن‬
‫االســتدالل عليــه من خالل النظــر يف العمــل الــدويل ‪ ,‬فالــدول تــدعو إىل تطبيقــه عنــد نشــوب‬
‫املنازعـ ــات وتؤيـ ــد مطالبهـ ــا وفق ـ ـًا لـ ــه والقضـ ــاة واحملكمـ ــون الـ ــدوليون يفسـ ــرونه ويطبقونـ ــه‬
‫ويؤسسون أحكامهم عليه ‪.‬‬
‫واملنظمات الدولية وعلى رأسها األمم املتحدة واملؤمترات الدولية تعمل على تقنينه منذ عــام‬
‫‪1899‬م ‪ ,‬وش ــروحات الق ــانون ال ــدويل تتح ــدث عن عناص ــره وعن تط ــوره وعن فوائ ــده‬
‫ومزاياه وعيوبه منذ أكثر من قرنني من الزمان ‪.‬‬
‫ويف العالقـ ــات الدوليـ ــة املعاص ــرة يلعب العـ ــرف دورًا بـ ــارزًا بسـ ــبب التط ــور السـ ــريع ال ــذي‬
‫يصيب احلياة الدولية ‪ ,‬وكذلك التطـور السـريع الـذي يصـيب قواعـد هـذا القـانون كـل عـدة‬
‫سنوات ‪ ,‬كمـا تشـهد على ذلـك تطـورات قواعـد القـانون الـدويل للبحـار ‪ ,‬فعلى الـرغم من‬
‫أن تطور وتقدم القانون الدويل املطرد يف السنوات األخرية قد مت أو يتم بواسطة املعاهــدات‬
‫الدولية ابتداًء من ميثاق األمم املتحـدة ‪ ,‬وإعـادة صـياغة قـانون البحـار مـرتني خالل أقـل من‬
‫ربع قرن ومرورًا بقانون الفضاء اخلارجي ‪.‬‬
‫إال أن بناء القانون الدويل ذاته مل يتغري ‪ ,‬والعــرف حيتفــظ بقــوة مســاوية للمعاهــدات الدوليــة‬
‫ســواء كطريقــة يف إنشــاء القواعــد أو كقاعــدة قانونيــة تعطي حقوق ـًَا وتفــرض واجبــات على‬
‫الدول واملنظمات الدولية ‪.‬‬
‫فالعرف وحده هو الذي يسمح بالنظر إىل القانون الدويل كوحدة واحدة وحمورًا للقواعد‬
‫ـــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪ , )510‬نقًال عن شارل شومان ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد بوسلطان ‪ , )1/60( ,‬نقًال عن دي فيشر ‪ ,‬الناشر ‪:‬‬
‫ديوان املطبوعات اجلامعية يف اجلزائر ‪.‬‬
‫والتصرفات ‪.‬‬
‫إن الع ــرف ال ــدويل من خالل توجه ــه الع ــام واملوح ــد يس ــمح ب ــالقول ب ــأن الق ــانون ال ــدويل‬
‫خياطب مجيع الدول أو مجيع األشـخاص باعتبـاره وحـدة مشـرتكة ‪ ,‬ويشـكل أسـاس القـانون‬
‫الـدويل وميده بالعناصـر اجلوهريـة يف مفرداتـه ‪ ,‬خاصـة حـول مفهـوم الدولـة ومفهـوم السـيادة‬
‫واالختصاص وااللتزام الدويل واملسؤولية الدولية وما إىل ذلك من مفردات أساسها العــرف‬
‫( ‪)1‬‬
‫الدويل ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــ‬

‫‪43‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي إبراهيم ‪( ,‬ص‪ , )509‬ومبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور‬
‫حممد بوسلطان ‪. )1/60( ,‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫أمهية العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‬

‫لقد كان للعرب قبل اإلسالم أعراف حتكم يف شؤوهنم ويف شؤون عالقاهتم مع غريهم ‪,‬‬
‫وملا ظهر نور اإلسالم أصبح النص املبين على القرآن والسنة أساسًا للتشريع ‪ ,‬ومن مث‬
‫دخلت األعراف اليت أقرها الرسول صلى اهلل عليه وسلم أو عدهلا يف نطاق الوحي غري‬
‫املتلو ‪ ,‬وأصبحت جزًء من األعراف اإلسالمية املبنية على السنة النبوية ‪.‬‬
‫ويف عصر الفتوحات والعصور الالحقة ‪ ,‬عثر املسلمون على عادات مل يعرفوها من قبل ‪,‬‬
‫كما نشأت عادات جديدة ‪ ,‬فاهتدى اخللفاء والصحابة والتابعني بسنة رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ,‬ونظموا هذه األعراف على هدي الكتاب والسنة ‪ ,‬واملقاصد الغائية‬
‫للتشريع ‪ ,‬ودخلت يف التشريع اإلسالمي من باب إمجاع اجملتهدين ‪ ,‬أو من باب األدلة‬
‫التشريعية األخرى كاالستحسان واملصلحة املرسلة ‪ ,‬وأصبح للعرف يف الفقه اإلسالمي‬
‫اعتبارًا شرعيًا يف بناء كثري من أنواع األحكام اليت تنظم أمور الناس وعالقاهتم بغريهم ‪.‬‬
‫بل أصبح يف نظر الفقهاء املسلمني دليًال شرعيًا كافيًا يف ثبوت األحكام اإللزامية‬
‫وااللتزامات التفصيلية حيثما ال دليل سواه ‪ ,‬وحيثما بقي منضبطًا يف نطاق املقاصد العامة‬
‫( ‪)1‬‬
‫للشريعة اإلسالمية ‪.‬‬
‫وكما قيل من أن القانون الدويل يعترب أن العرف أقدم املصادر وجودًا فإن هذا التصور‬
‫خاطئ ؛ ألن الدين أسبق من العرف إذ أنزل مع أيب البشر آدم عليه السالم ‪ ,‬فهو أول نيب‬
‫ورسول قال تعاىل ‪ { :‬وعلم آدم األمساء كلها } ‪ )2( .‬فهو يف هذه احلالة أسبق من العرف‬
‫‪ ,‬وقد يكون منشأ العرف الدين باإلضافة إىل جتارب اإلنسان وحياته مع اآلخرين ‪,‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫فالعرف متأخر عن الدين ولذلك اعتربته الشريعة اإلسالمية مصدرًا فرعيًا ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬

‫‪44‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬املدخل لدراسة الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور خالد عبد اهلل عيد ‪( ,‬ص‪. )170‬‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة ‪ ,‬آية رقم ‪. 31:‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املدخل إىل الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز اخلياط ‪( ,‬ص‪. )68‬‬
‫وهو مع ذلك دليل على مساحة الشريعة ‪ ,‬وتنظيمها لعالقات الدولة اإلسالمية بغريها ‪,‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫وألمهيته تناوله أغلب الفقهاء وبنوا عليه الكثري من األحكام ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وسيتضح ذلك يف مبحث ‪ :‬أثر العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي وذلك يف (ص‪. )253‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫املقارنة بني أمهية العرف الدويل يف الفقه‬
‫اإلسالمي وبني أمهيته يف القانون الدويل العام‬
‫يالحــظ اعتب ــار الع ــرف ال ــدويل يف الق ــانون ال ــدويل الع ــام املص ــدر الث ــاين حبس ــب رأي حمكمــة‬
‫العدل الدولية ‪ ,‬بل إن الكثري من الشراح يعتربه يف مرتبة سابقة على املعاهدات الدولية ‪.‬‬
‫ولكن الفقه اإلسالمي يبتعد عن القانون الدويل العام ‪ ,‬ويعترب العرف الدويل جمرد مصدر‬
‫فرعي يؤخذ به حيثما ال دليل سواه ‪ ,‬ولكن اصطدامه بالكتاب والسنة كفيل بإبعاده ‪,‬‬
‫وهذا ما مل يعقله القانون الدويل العام ‪ ,‬فاهلل اهلادي إىل سواء السبيل ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫الفرق بني العرف الدويل وبني غريه مما قد‬
‫يشتبه به‬

‫ويشتمل على املطالب اآلتية ‪:‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل وقواعد‬


‫اجملامالت الدولية‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق‬
‫الدولية‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية‬

‫المطلب األول‬
‫‪47‬‬
‫الفرق بني العرف الدويل وقواعد اجملامالت‬
‫الدولية‬

‫ويشتمل على الفروع اآلتية ‪:‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل وقواعد اجملامالت‬


‫الدولية يف القانون الدويل العام‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل وقواعد اجملامالت‬
‫الدولية يف الفقه اإلسالمي‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬املقارنة بني نظرة القانون الدويل والفقه‬
‫اإلسالمي للفرق بني العرف الدويل واجملاملة الدولية‬
‫الفرع األول‬
‫الفرق بني العرف الدويل واجملامالت الدولية‬
‫يف القانون الدويل العام‬

‫‪48‬‬
‫لبيان الفرق بني العرف الدويل واجملامالت الدولية ‪ ,‬البد أوًال من تعريف هذه اجملامالت ‪.‬‬
‫وميكن تعريفها بأهنا ‪ " :‬عبارة عن قواعد السلوك اليت اعتادت الدول أن ترعاها يف بعض‬
‫تصرفاهتا ‪ ,‬توطيدًا حلسن العالئق بينها ‪ ,‬ودون أي التزام قانوين أو أخالقي من جانبها " ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫وهبذا ختتلف اجملامالت الدولية عن العرف الدويل ‪ ,‬ذلك أن هذا األخري يتكون من ركن‬
‫أساسي فيه وهو الركن املعنوي ‪ ,‬ويتجلى هذا الركن باعتقاد الدول حني تطبق القاعدة‬
‫العرفية بأهنا تطبقها على سبيل اإللزام القانوين ‪ ,‬وليس األمر جمرد جماملة دولية أو سلوك‬
‫تقتضيه األخالق الدولية أو مصلحة الدولة نفسها على أمل مبادلتها باملثل ‪ .‬وهذا الركن‬
‫( ‪)2‬‬
‫بالذات هو ما مييز العرف الدويل عن مبادئ األخالق الدولية وأساليب اجملاملة الدولية ‪.‬‬
‫فاإلخالل بالعرف الدويل يرتب مسؤولية قانونية دولية ‪ ,‬بينما ال يعدو عدم القيام مبجاملة‬
‫دولية سوى كونه عمل غري ودي ال ترتتب عليه أية مسؤولية قانونية ‪ ,‬وال جزاء له إال‬
‫( ‪)3‬‬
‫إمكان مقابلة املثل باملثل من جانب الدولة اليت مل تراع جماملتها ‪.‬‬
‫ومن هنا يتنب للباحث أن االعتبارات اإلنسانية أو األخالقيـة أو السياسـية ال ميكنهـا بتاتـًا أن‬
‫تنشئ قاعدة دولية ما مل تعتقد الدول بأهنا ملزمة باتباع هذه القاعدة ‪ ,‬فمثًال لو قامت‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي صادق أبو هيف ‪( ,‬ص‪ , )80‬الناشر ‪ :‬منشأة املعارف باإلسكندرية ‪ ,‬ط‪.11‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ‪ ,‬للدكتور إحسان هندي ‪( ,‬ص‪. )92‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي صادق أبو هيف ‪( ,‬ص‪. )80‬‬
‫دول ــة م ــا أو ع ــدة دول بإعف ــاء املمثلني الدبلوماس ــيني األج ــانب املعتم ــدين ل ــديها من دف ــع‬
‫الضـرائب ‪ ,‬فـإن هـذا ال يكفي لتكـوين قاعـدة قانونيـة عرفيـة ‪ ,‬مـا مل تصـل الـدول املعنيـة إىل‬
‫( ‪)1‬‬
‫درجة االعتقاد بأهنا ملزمة هبذا اإلعفاء ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فإن إنكار دور الركن املعنوي كعنصر إنشائي يف القاعدة العرفيــة يــورث‬
‫اخلل ــط بني القواع ــد القانوني ــة العرفي ــة امللزم ــة وبني قواع ــد اجملامالت واألخالق ال ــيت ج ــرت‬
‫( ‪)2‬‬
‫عليها عادة الدول دون أن تبلغ يف نظرهم مرتبة القاعدة القانونية امللزمة ‪.‬‬
‫وبناًء على ذلك فـإن كثـريًا من األعـراف الدوليـة البسـيطة غـري داخلـة يف هـذا البحث لكوهنا‬
‫غري ملزمة للدول ‪ ,‬بل من قبيل اجملاملة الدولية ‪ ,‬ومثاًال على ذلك ما يلي ‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫‪ -1‬ما تتضمنه بعض مراسيم االسـتقبال لرؤسـاء الـدول من أمـور عرفيـة ال تـرقى إىل درجـة‬
‫اإللزام وإمنا هي من باب اجملامالت الدولية ‪.‬‬
‫‪ -2‬مـ ــا تعطيـ ــه الـ ــدول للمبعـ ــوثني الدبلوماسـ ــيني مما يعـ ــرف بامتيـ ــاز احلقيبـ ــة الدبلوماسـ ــية ‪,‬‬
‫وغريه ــا من احلص ــانات ال ــيت يتمت ــع هبا ه ــؤالء ‪ ,‬وهي من القواع ــد املتبع ــة من ــذ زمن طوي ــل‬
‫للغاية ‪ ,‬ومع ذلك فإن هذه االمتيازات ال تشكل قواعــد قانونيــة ملزمــة ‪ ,‬وإمنا هي من قبيــل‬
‫( ‪)3‬‬
‫اجملاملة الدولية فحسب ‪.‬‬
‫‪ -3‬ما درجت عليه السفن البحرية من حتية بعضها لبعضها اآلخر ‪ ,‬وهي أمور التصــل إىل‬
‫( ‪)4‬‬
‫مرتبة األعراف الدولية ‪.‬‬
‫‪ -4‬قبـول اسـتمرار متتـع رؤسـاء الـدول األجنبيـة الـذين زالت عنهم هـذه الصـفة باالمتيـازات‬
‫( ‪)5‬‬
‫اليت كانت مقررة هلم من قبل ‪.‬‬
‫( ‪)6‬‬
‫‪ -5‬إطالق عدة طلقات نارية حتية لرؤساء وملوك الدول عند زيارهتم لدول أخرى ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ‪ ,‬للدكتور إحسان هندي ‪( ,‬ص‪. )92‬‬
‫(‪ )2‬القانون الدويل ‪ ,‬للدكتور حممد سعيد الدقاق ‪( ,‬ص‪ , )207‬الناشر ‪ :‬الدار اجلامعية ‪ ,‬ط‪1983 , 2‬م ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ‪, )73( ,‬‬
‫الناشر ‪ :‬اجلامعة املفتوحة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )370‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي صادق أبوهيف ‪( ,‬ص‪. )80‬‬
‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )88‬‬
‫هذا وميكن مع مرور الزمن أن تتحول قواعد اجملامالت الدولية إىل قواعد قانونية ملزمة إذا‬
‫ما اكتسبت صفة اإللزام من تكرار الدول هلا وشعورها بأهنا تستحق عقابًا أو جــزاءًا رادعـًا‬
‫عن ـ ــد خمالفته ـ ــا ‪ ,‬ومث ـ ــال ذل ـ ــك القواع ـ ــد اخلاص ـ ــة حبص ـ ــانات وامتي ـ ــازات الس ـ ــفراء واملمثلني‬
‫الدبلوماسيني ‪ ,‬فقد بـدأت هـذه القواعـد أوًال يف صـورة جمامالت ‪ ,‬مث انتهى هبا املطـاف إىل‬
‫أن أصبحت قواعد قانونية عرفية ملزمة ‪ ,‬مث جرى أخريًا تقنينها يف معاهــدات دوليــة مجاعيــة‬
‫مثل اتفاقية فينا لعام ‪1961‬م اخلاصة حبصانات وامتيازات املمثلني الدبلوماســيني ‪ ,‬واتفاقيــة‬
‫( ‪)1‬‬
‫فينا لعام ‪1963‬م واخلاصة حبصانات رجال السلك القنصلي ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫وهنــاك مثــال آخــر وهــو حتول قاعــدة احلصــانة اخلاصــة مبراكب الصــيد ‪ ,‬والــيت مبقتضــاها ال‬
‫جيوز أسر هذه املراكب كغريها من مـراكب العـدو أثنـاء احلرب من جماملـة دوليـة إىل عـرف‬
‫( ‪)2‬‬
‫دويل ‪.‬‬
‫والعكس أيض ـًا صــحيح فقــد تتحــول القاعــدة القانونيــة إىل قاعــدة من قواعــد اجملاملــة عنــدما‬
‫( ‪)3‬‬
‫تفقد وصف اإللزام القانوين ‪ ,‬كما هو احلال مثًال ملراسم استقبال السفن احلربية ‪.‬‬

‫والواق ــع أن ــه يص ــعب أحيان ـًا أن حندد على وج ــه الدق ــة أين تنتهي اجملامل ــة وأين يب ــدأ الع ــرف‬
‫الدويل ‪ ,‬فقواعــد الــربوتوكول املتبعــة يف تقــدمي أوراق اعتمـاد الســفراء هي يف غالبيتهــا عبــارة‬
‫عن جمامالت دوليـ ـ ــة ‪ ,‬ويـ ـ ــدخل حضـ ـ ــور منـ ـ ــدويب الـ ـ ــدول ملراسـ ـ ــم دفن رؤسـ ـ ــاء الـ ـ ــدول‬
‫واحلكومات األجنبية يف باب اجملاملة وال يندرج ضـمن العــرف الــدويل ‪ ,‬ويف املقابــل كــانت‬
‫االمتيازات املالية للدبلوماسيني تعترب خالل زمن طويـل عبـارة عن جمامالت دوليـة ‪ ,‬ولكنهـا‬
‫غــدت اليــوم جــزًء من القــانون العــريف ‪ ,‬كمــا أن نظــام تقــدمي الســفراء الــذي كــان عبــارة عن‬
‫جماملة قد غدا اآلن جزًء من القانون ‪.‬‬
‫ومن املعتاد يف الدول اليت تسلك مسلك معني أو متتنع عن إتيان سلوك معني وال ترغب يف‬
‫ترتيب أثر قانوين ملزم على هذا السلوك يف املستقبل ‪ ,‬أن تعلن بأن تصرفها ال يشكل‬
‫ـــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )89‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي صادق أبوهيف ‪( ,‬ص‪. )81‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حامد سلطان ‪ ,‬والدكتور صالح الدين عامر ‪ ,‬والــدكتورة عائشــة راتب‬
‫‪( ,‬ص‪. )22‬‬
‫سابقة بالنسبة هلا ‪ ,‬فقد حرصت الواليات املتحدة حني قامت بتعويض الصيادين اليابانيني‬
‫الـذين تعرضـوا لإلشـعاع نتيجـة التفجـريات النوويـة األمريكيـة يف احمليـط اهلادي على اإلعالن‬
‫بأن دافعها هلذه التعويضات إنساين حبت وليس شعورًا منها بالتزام قانوين ‪ ,‬وكذلك قامت‬
‫بتعــويض ضــحايا الطــائرة التابعــة للخطــوط اجلويــة اإليرانيــة يف عــام ‪1988‬م والــيت أســقطتها‬
‫ط ــائرة عســكرية أمريكيــة ‪ ,‬وأعلنت بــأن الــدافع هلذه التعويضــات إنســاين حبت وليس عمًال‬
‫( ‪)1‬‬
‫ناجتًا عن التزام بقاعدة عرفية معينة ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫إن الدولــة الــيت تعطي املمثلني الدبلوماســيني قــدرًا زائ ـدًا من احلقــوق يتجــاوز مــا اســتقر عليــه‬
‫القانون الدويل العام ‪ ,‬تكون بذلك قد قامت بعمـل من أعمـال اجملاملـة الدوليــة ال أســاس لــه‬
‫من القانون الدويل العام ‪ ,‬وال ميكن االحتجاج به ‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما جاء يف حكم حمكمة العدل الدولية اخلاص بقضية حق املرور يف اإلقليم‬
‫اهلنــدي ‪ ,‬من أن اطــراد العمـل املنتظم خبصــوص تــرك الرعايــا الربتغــاليني وبضــائعهم يف املرور‬
‫ع ــرب إقليم دول ــة اهلن ــد ‪ ,‬أدى إىل إنش ــاء قاع ــدة قانوني ــة دولي ــة عرفي ــة ‪ ,‬ولكن اط ــراد العم ــل‬
‫املنتظم أيضًا يف ترك اهلند القوات املسلحة وقوات البـوليس التابعـة للربتغـال أيضـًا كـان جمرد‬
‫تس ـ ــامح ال أك ـ ــثر ‪ ,‬ب ـ ــالرغم من أن نق ـ ــاط املرور ك ـ ــانت واح ـ ــدة يف احلالتني ‪ ,‬وق ـ ــد عللت‬
‫احملكمـة التفرقــة الســابقة بأنــه بالنســبة للفــرض األول كــان املرور مصــحوبًا باالعتقــاد بأنــه يتم‬
‫( ‪)2‬‬
‫على أساس قانوين ‪ ,‬ومل يكن األمر كذلك يف الفرض الثاين بل جماملة دولية ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )370‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ‪( ,‬ص‪ , )142‬الناشر ‪ :‬دار النهضة‬
‫العربية يف القاهرة ‪1980 ,‬م ‪.‬‬

‫الفرع الثاين‬
‫الفرق بني العرف الدويل واجملامالت الدولية‬
‫يف الفقه اإلسالمي‬
‫‪52‬‬
‫يفــرق اإلســالم بني العــرف الــدويل واجملاملــة الدوليــة من ناحيــة أن العــرف ملــزم للــدول ‪ ,‬و‬
‫اجملاملة غري ملزمـة ‪ ,‬فالرسـول صـلوات اهلل وسـالمه عليـه الـتزم بـالعرف حينمـا قـال ‪ ( :‬لـوال‬
‫( ‪)1‬‬
‫أن الرسل ال تقتل لضربت أعناقكما ) ‪.‬‬
‫فهن ــا أراد الرس ــول ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم قت ــل الرس ــولني ‪ ,‬ولكن التزام ــه ب ــالعرف ال ــدويل‬
‫املتضمن عدم قتل الرسل منعه من ذلك ‪.‬‬
‫وبنــاًء على هــذا احلديث يقــول السرخســي (‪ " : )2‬وإذا وجــد احلريب يف دار اإلســالم ‪ ,‬فقــال‬
‫أنا رسول ‪ ,‬فإن أخرج كتابًا عرف أنـه كتـاب ملكهم ‪ ,‬كـان آمنـًا حـىت يبلـغ رسـالته ‪ ,‬ألن‬
‫( ‪)3‬‬
‫الرسل مل تزل آمنة يف اجلاهلية واإلسالم " ‪.‬‬
‫وأما اجملاملة الدولية ‪ ,‬فقد فعلها النيب صلى اهلل عليه وسلم وهي غري الزمة عليه ‪ ,‬ومن‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود يف سننه ‪ , )3/83( ,‬حتقيق ‪ :‬حممد حميي الدين عبد احلميد ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪ ,‬والبيهقي‬
‫يف السنن الكربى ‪ , )9/211( ,‬حتقيق ‪ :‬حممد عبد القادر عطا ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مكتبة دار الباز يف مكة املكرمة ‪,‬‬
‫‪1414‬هـ ‪ ,‬وأمحد يف مسنده ‪ , )3/487( ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة قرطبة يف مصر ‪ ,‬والطيالسي يف مسنده ‪, )1/34( ,‬‬
‫الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف بريوت ‪ ,‬وصححه احلاكم ‪ , )3/54( ,‬حتقيق ‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية يف بريوت ‪ ,‬ط‪1411 , 1‬هـ ‪ ,‬وصححه األلباين يف صحيح سنن أيب داود ‪ , )2/528( ,‬الناشر ‪:‬‬
‫مكتب الرتبية العربية لدول اخلليج ‪ ,‬ط‪1409 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬هــو مشس األئمــة أبــوبكر حممــد بن أمحد بن ســهل السرخســي ‪ ,‬نســبة إىل ســرخس من بالد خرســان ‪ ,‬وهــو إمــام‬
‫فقيه جمتهد ‪ ,‬سجن بسبب نصحه للخانقان وملا أطلق سـكن فرغانـه إىل أن تـويف ‪ ,‬ولـه العديـد من املؤلفـات ‪ ,‬منهـا ‪:‬‬
‫املبسوط ‪ ,‬وشرح اجلامع الكبري ‪ ,‬وأصول السرخسـي ‪ ,‬وشـرح السـري الكبـري ‪ .‬انظـر ‪ :‬األعالم ‪ ,‬خلري الـدين الـزركلي‬
‫‪ , )6/208( ,‬ط‪. 3‬‬
‫(‪ )3‬املبسوط ‪ ,‬للسرخسي ‪ , )10/92( ,‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف بريوت ‪ ,‬ط‪. 2‬‬
‫ذلك ‪ :‬قوله يف أسرى بدر ‪ ( :‬لو كان املطعم بن عدي (‪ )1‬حيًا مث كلمين يف هؤالء النتىن‬
‫( ‪)2‬‬
‫لرتكتهم له ) ‪.‬‬
‫يف هــذا احلديث خيرب النــيب صــلى اهلل عليــه وســلم أنــه لــو كــان املطعم بن عــدي حي ـًا وطلب‬
‫هــؤالء األســرى لــرتكهم لــه ‪ ,‬والبــاعث لــه على ذلــك جماملــة املطعم فقــط ‪ ,‬وهي جماملــة غــري‬
‫ملزمة ‪ ,‬وبذلك تفرتق عن العرف الدويل امللزم ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ه ــو املطعم بن ع ــدي بن نوف ــل بن عب ــد من ــاف من ق ــريش ‪ ,‬رئيس ب ــين نوف ــل يف اجلاهلي ــة ‪ ,‬وقائ ــدهم يف ح ــرب‬
‫الفجار ‪ ,‬وهـو الـذي أجـار الرسـول صـلى اهلل عليـه وسـلم ملا انصـرف عن أهـل الطـائف وعـاد متوجهـًا إىل مكـة ونـزل‬
‫بقــرب حــراء ‪ ,‬حيث بعث صــلى اهلل عليــه وســلم إىل بعض أهــل قــريش ليجــريوه يف دخــول مكــة فــامتنعوا ‪ ,‬فبعث إىل‬
‫املطعم بن عـدي بـذلك ‪ ,‬فتسـلح املطعم بن عـدي وأهـل بيتـه وخـرج هبم حـىت أتـوا املســجد ‪ ,‬فأرسـل من يـدعوا النـيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم للدخول ‪ ,‬فدخل مكة وطاف يف البيت وصلى عنده ‪ ,‬مث انصرف إىل منزلــه آمنـًا ‪ .‬تــويف املطعم‬
‫قبل وقعة بدر عن عمر يناهز التسعون عامًا ‪ .‬انظر ‪ :‬األعالم ‪ ,‬للزركلي ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري يف كتاب املغازي ‪ ,‬باب ‪ :‬حدثين خليفة ‪ , . )3/1143( ,‬حتقيق ‪ :‬مصطفى ديب البغا ‪,‬‬
‫الناشر ‪ :‬دار ابن كثري يف بريوت ‪ ,‬ط‪1407 , 3‬هـ ‪.‬‬

‫الفرع الثالث‬

‫‪54‬‬
‫املقارنة بني نظرة القانون الدويل والفقه‬
‫اإلسالمي للفرق بني العرف الدويل واجملاملة‬
‫الدولية‬
‫من املالح ــظ تق ــارب النظ ــرتني ح ــول الف ــرق بني الع ــرف ال ــدويل واجملامل ــة الدولي ــة ‪ ,‬فنظ ــرة‬
‫القــانون الــدويل تفــرق بني األمــرين من كــون العــرف ملــزم واجملاملــة غــري ملزمــة ونفس األمــر‬
‫ينطبق على نظرة الفقه اإلسالمي ‪ ,‬فالتقارب والتطابق مسة هذا املطلب ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫‪55‬‬
‫الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق‬
‫الدولية‬

‫ويشتمل على الفروع اآلتية ‪:‬‬

‫الف ـ ـ ــرع األول ‪ :‬الف ـ ـ ــرق بني الع ـ ــرف ال ـ ــدويل‬


‫وقواعد األخالق الدولية يف القانون الدويل‬
‫الفـ ـ ــرع الثـ ـ ــاين ‪ :‬الفـ ـ ــرق بني العـ ـ ــرف الـ ـ ــدويل‬
‫وقواعد األخالق الدولية يف الفقه اإلسالمي‬

‫الفرع األول‬

‫‪56‬‬
‫الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق‬
‫الدولية يف القانون الدويل العام‬

‫قبل بيان الفرق بني قواعد األخالق الدولية والعرف الدويل البد أوًال من بيان تعريف هــذه‬
‫القواع ــد األخالقي ــة ‪ ,‬وميكن تعريفه ــا بأهنا ‪ " :‬جمموع ــة املب ــادئ الس ــامية النابع ــة من الض ــمري‬
‫اإلنســاين وغــري امللزمــة ‪ ,‬والــيت حتمــل الــدول على مراعاهتا فيمــا بينهــا ‪ ,‬خصوصــا يف أوقــات‬
‫احملن والشدائد ‪ .‬ويتم التعبـري عنهـا يف صـورة خارجيـة من خالل املسـارعة يف تقـدمي النجـدة‬
‫( ‪)1‬‬
‫واإلغاثة " ‪.‬‬
‫إذًا هي عبــارة عن جمموعــة من املبــادئ ميليهــا الضــمري ‪ ,‬ويقيــد هبا تصــرفات الــدول ‪ ,‬ولكن‬
‫ليس هلا إلـ ــزام قـ ــانوين ‪ ,‬ومثلهـ ــا وجـ ــوب اسـ ــتعمال الرأفـ ــة يف احلروب ‪ ,‬ووجـ ــوب مراعـ ــاة‬
‫( ‪)2‬‬
‫مبادئ العدالة واملروءة ‪.‬‬
‫ومن األمثلة عليها أيضًَا ‪:‬‬
‫‪ -1‬تقـ ــدمي املسـ ــاعدات يف صـ ــور خيـ ــام لإليـ ــواء أو مالبس أو طعـ ــام ودواء وبعثـ ــات طبيـ ــة‬
‫لل ــدول ال ــيت تتع ــرض للك ــوارث الطبيعي ــة مث ــل الفيض ــانات واألعاص ــري وال ــزالزل واجلف ــاف‬
‫والتصحر واجملاعات واألوبئة واألمراض واليت تشرد البشر وهتلك احلرث والنسل ‪.‬‬
‫وق ــد ق ــدمت معظم ال ــدول مس ــاعدات جلمهوري ــة مص ــر العربي ــة عن ــدما ض ــرهبا الزل ــزال ع ــام‬
‫‪1992‬م كمســاعدة أخالقيــة وليس كــواجب قــانوين وحــدث نفس الشــيء عنــدما تعرضــت‬
‫حمافظات الصعيد للسيول واألعاصري يف نوفمرب عام ‪1994‬م ‪.‬‬
‫‪ -2‬تقدمي املساعدات للسفن األجنبية اليت تلم هبا كارثة بسبب األمواج العاتية أو ألي‬
‫ــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪)93‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد حافظ غامن ‪( ,‬ص‪ , )33‬نقًال عن أوبنهيم ولوترباشت ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫ســبب آخــر ‪ ,‬ســواء أكــانت هــذه الســفن داخــل البحــر اإلقليمي ‪ ,‬أم يف املنطقــة االقتصــادية‬
‫اخلالص ــة ‪ ,‬وذل ــك من أج ــل إنق ــاذ أرواح البح ــارة أو الرك ــاب ال ــذين يلفهم اخلط ــر ويق ــرتب‬
‫منهم املوت ‪.‬‬
‫‪ -3‬تســليم اجملرمني الــذين يرتكبــون جـرائم خـارج أرض الدولــة ‪ ,‬مث يــأتون لالختفــاء داخـل‬
‫أرض ــها ‪ ,‬ف ــإن املعاون ــة يف تس ــليمهم إلىس ــلطات ال ــدول األخ ــرى ب ــدون معاه ــدة تس ــليم ه ــو‬
‫واجب أخالقي وليس قانونيـ ـ ـ ـًا ؛ ألن ال ـ ـ ــدول جيب أن تتع ـ ـ ــاون من أج ـ ــل احلد من ظ ـ ــاهرة‬
‫اإلجرام ‪.‬‬
‫‪ -4‬مســاعدة الــدول الغنيــة لــدول العــامل الثــالث مســاعدة اقتصــادية يف صــورة منح وقــروض‬
‫مــازالت متثــل واجبــا أخالقي ـًا وليس قانوني ـًا على عــاتق األغنيــاء لصــاحل الفقــراء فاالعتبــارات‬
‫( ‪)1‬‬
‫اإلنسانية ال تشكل قانونًا دوليًا ‪.‬‬
‫وقــد كــانت اململكــة العربيــة الســعودية وال تــزال تقــدم املســاعدات االقتصــادية للشــعوب الــيت‬
‫تعـاين ضـوائق ماليـة أو تصـيبها كـوارث طبيعيـة ‪ ,‬مثـل مـا حصـل يف بنغالديش من فيضـانات‬
‫والسودان من جماعات ‪ ,‬وذلك إميانًا منها مببادئها اإلسالمية اليت تأمر مبساعدة الغين للفقري‬
‫واملستطيع للمحتاج ‪.‬‬

‫ه ــذا وتتم ــيز قواع ــد األخالق يف اعتماده ــا فق ــط على الض ــمري وعلى احتق ــار من خيرج على‬
‫األخالق ‪ ,‬فالعمل األخالقي يفقد صفته إذا كان ال يطبــق بواســطة ضـمري حـر ‪ ,‬أو إذا أتــاه‬
‫ش ــخص حتت ت ــأثري اخلوف من ج ــزاء تطبق ــه س ــلطة خارجي ــة ‪ ,‬يف حني أن الق ــانون يعتم ــد‬
‫( ‪)2‬‬
‫دائما على جزاء اجتماعي تطبقه سلطة خمتصة ضد الفرد املسؤول ‪.‬‬
‫ومبعــىن آخــر فــإن القاعــدة األخالقيــة تعتمــد يف تطبيقهــا على الضــمري وهيبــة الــرأي العــام ‪ ,‬يف‬
‫( ‪)3‬‬
‫حني ميكن االلتجاء إىل القوة لإللزام باتباع القاعدة العرفية ‪.‬‬
‫وهذه القواعد األخالقية تنطوي عادة على مبادئ شائعة ال ضابط هلا يف الزمان أو املكان‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )91-90‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد حافظ غامن ‪( ,‬ص‪ , )33‬نقال عن أوبنهيم ولوترباشت ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )33‬‬

‫‪58‬‬
‫إمنا هي يف تطــور مســتمر ‪ ,‬شــأهنا يف ذلــك شــأن مصــدرها ‪ :‬األخالق ‪ .‬وقــد قيــل فيهــا أهنا‬
‫من قواعــد احليــاة االجتماعيــة ‪ ,‬كمــا قيــل فيهــا أيضـًا أهنا ال تعــين إال باملقاصــد ‪ ,‬وال ختاطب‬
‫( ‪)1‬‬
‫إال الضمائر‪.‬‬
‫وهنــاك من ال يــرى وجــودًا لألخالق الدوليــة على أرض الواقــع ‪ ,‬حيث يــرى بــأن أي حتليــل‬
‫واقعي للعالقـات الدوليـة ال يسـعه أن يقبـل دعـاوى رجـال السياسـة املتكـررة يف كـل البلـدان‬
‫بأهنم حمكومون بالقيم األخالقية ‪ .‬ويزعم بأن األخالق كثـريًا مـا ُتسـتدعى إلضـفاء قـدر من‬
‫االحــرتام على املصــاحل األنانيــة للدولــة ‪ ,‬كمــا أن اللجــوء إىل األخالقيــة تــربير شــائع مــريح يف‬
‫( ‪)2‬‬
‫يد الطرف الذي يعارض احلقوق القانونية لطرف آخر ‪.‬‬
‫إن األخالق الدوليــة تفرضــها الطبيعــة اإلنســانية – حبســب رأي الشــراح ‪ -‬وال يــرتتب على‬
‫خرقهـ ـ ــا أي ج ـ ــزاء سـ ـ ــوى املعامل ـ ــة باملثـ ـ ــل ‪ ,‬أو ح ـ ــىت ال يـ ـ ــرقى اجلزاء إىل هـ ـ ــذا احلد ؛ ألن‬
‫االعتب ــارات األخالقي ــة ت ــأىب يف كث ــري من األح ــوال والظ ــروف إعم ــال مب ــدأ املعامل ــة باملث ــل‬
‫بالنسبة لدولة تعرضت لكارثة أو فيضان أو زلزال أو جفاف ‪.‬‬
‫وهكذا إذا كان العرف واألخالق يشكل كل منهما قاعدة يف احلياة ‪ ,‬إال أن بينهما فــروق‬
‫كث ــرية وعميق ــة ‪ ,‬الف ــرق األول بينهم ــا يكمن يف اهلدف والغاي ــة ‪ ,‬حيث أن ه ــدف الع ــرف‬
‫وغــريه من القواعــد اإللزاميــة هــو تنظيم احليــاة الدوليــة وحتقيــق الصــاحل العــام الــدويل ‪ ,‬بينمــا‬
‫األخالق هــدفها إبــراز اإلحســاس اإلنســاين باملصــري املشــرتك والتعــاطف مــع الــذين أصــابتهم‬
‫الك ــوارث ‪ ,‬وه ــو إحس ــاس م ــؤقت ب ــالطبع أو مش ــاطرة مؤقت ــة ألولئ ــك البؤس ــاء يف أح ــزاهنم‬
‫بتقـ ــدمي مـ ــا تيسـ ــر من املسـ ــاعدات ‪ .‬والفـ ــرق الثـ ــاين يكمن يف الفاعليـ ــة واجلزاء ‪ ,‬حيث أن‬
‫الق ــانون ينظم أس ــلوب اجلزاء املرتتب على خ ــرق أحكام ــه وفقـ ـًا ألس ــاليب وط ــرق معين ــة ‪,‬‬
‫بينما األخالق الدولية ال جزاء على خرقها سوى املعاملـة باملثــل أو االسـتهجان واالسـتنكار‬
‫من جانب أعضاء اجلماعة الدولية ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حامد سلطان ‪ ,‬والدكتور صالح الدين عامر ‪ ,‬والــدكتورة عائشــة راتب‬
‫‪( ,‬ص‪. )23‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬العالقات الدولية ‪ ,‬جلوزيف فرانكل ‪ ,‬ترمجة غازي القصييب ‪( ,‬ص‪ , )169‬الناشر ‪ :‬مكتبة هتامة يف‬
‫جدة ‪ ,‬ط‪1404 , 2‬هـ ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫واألخالق الدولية نادرًا ما تذكر أو يشار إليها يف نصوص وضعية وما ورد يف املادة ‪227‬‬
‫من معاه ــدة فرس ــاي ع ــام ‪1919‬م بش ــأن حماكم ــة إم ــرباطور أملاني ــا (غلي ــوم الث ــاين ) بتهم ــة‬
‫خرق‬
‫األخالق الدولية وقدسية املعاهدات هو أمر استثنائي مل يرد له مثيل يف معاهدات أخرى ‪.‬‬
‫ومن اجلدير بالـ ـ ــذكر أن حمكمـ ـ ــة العـ ـ ــدل الدوليـ ـ ــة ال تشـ ـ ــري إىل األخالق يف أحكامهـ ـ ــا وإن‬
‫أش ــارت إليه ــا فمن أج ــل اس ــتبعادها من التط ــبيق ألهنا ليس ــت قواع ــد قانوني ــة ويف حكمه ــا‬
‫الصــادر عــام ‪1966‬م يف قضــية ناميبيــا قــالت ‪ " :‬إن االعتبــارات اإلنســانية ال تشــكل مبــدأ‬
‫قانونيًا وضعيًا مبعىن الكفاية لرتتيب آثار قانونية ‪ .‬إن احملكمة تفضل حقوقًا وواجبات دولية‬
‫تســمح هلا بالتصــرف اســتنادًا إليهــا وهي حتكم بالقــانون ‪ ,‬وال يســعها االرتكــاز على مبــادئ‬
‫أخالقيــة ‪ ,‬إال بقــدر مــا تبــدي هــذه املبــادئ طابع ـًا قانوني ـًا كافي ـًا ‪ .‬إن االعتبــارات اإلنســانية‬
‫ميكنها استنهاض القاعدة القانونية ‪ ,‬ولكنها ال تشكل بذاهتا قواعد قانونية " ‪.‬‬
‫وتتطــور هــذه القواعــد مــع مــرور الــزمن ؛ ألن أخالق البشــر والنــاس يف حالــة تطــور مســتمر‬
‫فما يعد قاعدة أخالقية اليوم قد يصبح قاعدة ملزمة فيما بعـد أو قـد يـرفض متامـًا لتنافيـه مـع‬
‫أخالق اجلماعة الدولية اليت يصيبها ويعرتيها التقدم والتطور ‪.‬‬
‫وتأكيـ ـدًا على م ــا س ــبق ذك ــره ف ــإن ه ــذه القواع ــد ختتل ــف عن الع ــرف ال ــدويل يف أن خمالف ــة‬
‫قواعــد األخالق ال تعــد من وجهــة نظــر القــانون الــدويل فعًال دولي ـًا غــري مشــروع ‪ ,‬وبالتــايل‬
‫فال مس ــؤولية على ال ــدول ال ــيت مل هتب لنج ــدة ش ــعب أو دول ــة أخ ــرى تعرض ــت لنائب ــة من‬
‫ن ــوائب ال ــدهر ال ــيت مت ذكره ــا ‪ ,‬وأن ع ــدم تق ــدمي املس ــاعدة ق ــد ال ي ــرتب بالض ــرورة كم ــا‬
‫أسلفت حق املعاملة باملثــل ‪ ,‬ألن األخالق الكرمية تـأىب أن حتجم دولـة عن القيـام باملسـاعدة‬
‫ومد يد العون للشعوب اليت تعاين من كارثة مفاجئة حىت ولــو كــانت الشــعوب مل تبــادر يف‬
‫الس ــابق بالقي ــام بنفس العمــل طاملا أن الدول ــة بوس ــعها تق ــدمي املســاعدة فال تنظــر إىل املاضــي‬
‫وال تثريب عليها إن طبقت مبدأ املعاملة باملثل ‪.‬‬
‫ومن املالحظ أن كثريًا من القواعـد األخالقيـة انـدجمت ضـمن قواعـد القـانون الـدويل العـام ‪,‬‬
‫ومث ــال ذل ــك االتفاقي ــة اخلاص ــة مبعامل ــة ج ــرحى احلرب وال ــيت ص ــدرت يف ع ــام ‪1864‬م ‪,‬‬
‫وعدلت بعد ذلك عدة تعديالت ومنها ‪ :‬اتفاقيات الهاي عـام ‪1899‬م واتفاقيـات الهــاي‬

‫‪60‬‬
‫عــام ‪1907‬م وآخرهــا اتفاقيــات جــنيف عــام ‪1949‬م ‪ ,‬وهــذه االتفاقيــات جعلت املبــادئ‬
‫( ‪)1‬‬
‫اليت كانت تأمر هبا األخالق الدولية فيما يتعلق مبعاملة أسرى احلرب قانونًا ملزمًا ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد حافظ غامن ‪( ,‬ص‪. )33‬‬

‫‪61‬‬
‫الفرع الثاين‬
‫الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق‬
‫الدولية يف الفقه اإلسالمي‬
‫حيث الدين اإلسالمي على التمسك باألخالق احلميدة ‪ ,‬لذا كان لزامًا على الدولة املسلمة‬
‫أن تتحلى هبذه األخالق يف عالقاهتا مع غريها من الدول ‪.‬‬
‫يقول الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬إمنا بعثت ألمتم مكارم األخالق ) ‪ )1( .‬ويف رواية (‬
‫( ‪)2‬‬
‫صاحل األخالق ) ‪.‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫ويقول أيضًا ‪ ( :‬إن أحبكم يل وأقربكم مين جملسًا يوم القيامة أحسنكم أخالقًا ) ‪.‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫ويف رواية أخرى يقول ‪ ( :‬إن من خياركم أحسنكم أخالقًا ) ‪.‬‬
‫ول ــذا جند ه ــذا ال ــدين العظيم ‪ ,‬ي ــأمر معتنقي ــه ب ــالتحلي هبذه األخالق يف حال ــة احلرب فض ـًال‬
‫عن حالة السلم ‪.‬‬
‫يقول صلى اهلل عليه وسـلم ‪ ( :‬انطلقـوا باسـم اهلل وباهلل وعلى ملـة رسـول اهلل وال تغلـوا وال‬
‫متثلوا وال تغدروا وال تقتلوا شيخًا فانيًا وال طفًال وال صغريًا وال امرأة وال تغلوا وضموا‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن عبد الرب يف التمهيد ‪ , , )16/254( ,‬حتقيق ‪ :‬مصطفى بن أمحد العلوي وحممد عبد الكبري‬
‫البكري ‪ ,‬الناشر ‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية يف املغرب ‪1387 ,‬هـ ‪ ,‬وابن حجر يف فتح الباري ‪( ,‬‬
‫‪ , )6/575‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف بريوت ‪1379 ,‬هـ ‪ ,‬وصححه األلباين يف سلسلة األحاديث الصحيحة ‪( ,‬‬
‫‪ , )1/112‬رقم احلديث ‪ , )45( :‬الناشر ‪ :‬مكتبة املعارف يف الرياض ‪1415 ,‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجــه الــبيهقي يف ســنن الــبيهقي الكــربى ‪ , )10/192( ,‬وأمحد يف مســنده ‪ , )2/381( ,‬وصــححه احلاكم‬
‫يف مستدركه ‪. )2/670( ,‬‬
‫(‪ )3‬أخرج ــه أمحد يف مس ــنده ‪ , )2/217( ,‬وق ــال عن ــه األلب ــاين ‪ :‬ه ــذا ح ــديث حس ــن ‪ .‬انظ ــر سلس ــلة األح ــاديث‬
‫الصحيحة ‪ , )2/418( ,‬رقم احلديث ‪. )791( :‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري يف صحيحه ‪. )3/1305( ,‬‬

‫‪62‬‬
‫غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن اهلل حيب احملسنني ) ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫ولكن لضــعف هــذا احلديث ‪ ,‬ميكن االســتئناس باحلديث الــذي يف الصــحاح ‪ ,‬والــذي يــدل‬
‫داللة قطعية على حترمي قتل النساء واألطفال يف احلرب ‪.‬‬
‫ففي إح ــدى الغ ــزوات رأى الن ــيب ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم ام ــرأة مقتول ــة ف ــأنكر قت ــل النس ــاء‬
‫( ‪)2‬‬
‫والصبيان ‪.‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫ويقول سبحانه وتعاىل ‪ { :‬ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسريًا } ‪.‬‬

‫ومن خالل ما سبق ‪ ,‬ميكن التوصل إىل بعض الفروق بني األخالق الدولية والعرف الدويل‬
‫يف الفقه اإلسالمي ‪ ,‬وهي على النحو التايل ‪:‬‬

‫‪ -1‬أن األخالق الدوليــة ثابتــة ال تتغــري بتغــري الزمــان واملكــان ‪ ,‬ألهنا قائمــة على أســس ثابتــة‬
‫كالعدل واخلري وحنو ذلك ‪ .‬أمـا العـرف الـدويل فغـري ثـابت بـل يتغـري بتغـري الزمـان واملكـان ‪,‬‬
‫ولذا يقول الفقهاء ‪ " ,‬ال ينكر تغري األحكام بتغري األزمان " ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن األخالق الدولية مصدرها اهلل عز و وجـل ‪ .‬أمــا العــرف الــدويل فمصــدره مــا تعتــاده‬
‫الدول فيما بينها ‪.‬‬

‫ولكن بني هذين املصطلحني جامع ‪ ,‬وهو أن كًال منهمـا الزمني حبسـب املفهـوم اإلسـالمي‬
‫‪ ,‬وب ــذلك خيتلــف ه ــذا املفه ــوم عن مفه ــوم الق ــانون ال ــدويل الع ــام ‪ ,‬ال ــذي ال ي ــرى أي إل ــزام‬
‫لقاعدة األخالق الدولية ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود يف سننه ‪ , )3/37( ,‬والبيهقي يف سنن البيهقي الكربى ‪ , )9/90( ,‬وقال عنه األلباين ‪:‬‬
‫حديث ضعيف ‪ ,‬انظر ‪ :‬ضعيف سنن أيب داود ‪( ,‬ص‪ . )255‬رقم احلديث ‪ , )561( :‬الناشر ‪ :‬املكتب اإلسالمي‬
‫‪ ,‬ط‪1412 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم يف صحيحه ‪ , )3/1364( ,‬حتقيق ‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‬
‫يف بريوت ‪ ,‬والرتمذي يف سننه ‪ , , )4/136( ,‬حتقيق ‪ :‬أمحد حممد شاكر وآخرون ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب يف بريوت ‪ .‬والدارمي يف سننه ‪ , )2/293( ,‬حتقيق ‪ :‬فوزا أمحد زمريل و خالد السبع العلمي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫الكتاب العريب يف بريوت ‪ ,‬ط‪1407 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سورة اإلنسان ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )8( :‬‬

‫‪63‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫الفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية‬

‫ويشتمل على الفروع اآلتية ‪:‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية يف‬


‫القانون الدويل العام‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬الفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية يف‬
‫الفقه اإلسالمي‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬املقارنة بني نظريت القانون الدويل والفقه‬
‫اإلسالمي حول الفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية‬

‫الفرع األول‬

‫‪64‬‬
‫الفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية يف‬
‫القانون الدويل العام‬

‫للتفريق بني العرف الدويل والعادة الدولية ‪ ,‬ينبغي ذكر تعريـف هلذه األخـرية ‪ ,‬وقـد عـرفت‬
‫بأهنا ‪ " :‬تلك املمارسات الدولية املتعلقة باألخالق أو حسن الســلوك والــيت تقــوم هبا الــدول‬
‫( ‪)1‬‬
‫رغم عدم وجود أي التزام قانوين بذلك " ‪.‬‬
‫يتضــح من هــذا التعريــف أن العــادة الدوليــة تشــمل فقــط اجملاملــة الدوليــة ‪ ,‬وقواعــد األخالق‬
‫الدولية ‪ ,‬ولكن هـل يعـين ذلـك أن العـادة الدوليـة منحصـرة يف هـذه القواعـد ‪ .‬الواقـع يؤكـد‬
‫خالف ذلــك ‪ ,‬حيث إنــه توجـد عــادات دوليــة ليســت من قبيــل اجملامالت الدوليــة ‪ ,‬وال من‬
‫قبيـ ـ ــل األخالق الدوليـ ـ ــة ‪ ,‬وذلـ ـ ــك مثـ ـ ــل ‪ " :‬مـ ـ ــا حيصـ ـ ــل من تصـ ـ ــنيف الـ ـ ــدول يف املؤمترات‬
‫(‪)2‬‬
‫الدبلوماسية حسب األحرف األجبدية " ‪.‬‬
‫وبن ــاًء على ذل ــك ف ــإن احلديث هن ــا عن الع ــادة الدولي ــة ‪ ,‬ال يقص ــد ب ــه الع ــادة ال ــيت من قبي ــل‬
‫قواعد األخالق واجملاملة ‪ ,‬بل العادة احملضة كما مت إيضــاحها باملثــال الســابق ‪ ,‬وإذا مت إقــرار‬
‫ذلك ميكن التفريق بني العادة الدولية والعرف الدويل على النحو التايل ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬أن العادة الدولية قد تكون فردية ‪ ,‬كما أهنا قد تكون مجاعية ‪ .‬أمـا العـرف الـدويل‬
‫فال يكون إال مجاعيًا ‪ .‬فإذا قامت دولة ما بعمل معني وتكرر منها ذلك العمل بصفة دائمة‬
‫ومنتظمة دون العدول أو الرجوع عنه أصبح عادة هلا ‪.‬‬
‫فمثًال لـ ــو قـ ــامت دولـ ــة بعمـ ــل إجـ ــراءات لـ ــدخول األجـ ــانب إىل أراضـ ــيها ‪ ,‬وكـ ــانت هـ ــذه‬
‫اإلجراءات غري مسبوقة ‪ ,‬فإهنا تكون قد قامت بعادة دولية فردية ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد بوسلطان ‪( ,‬ص‪. )61‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )370‬‬

‫‪65‬‬
‫الثـ ــاين ‪ :‬أن العـ ــادة تقـ ــرر ومتارس سـ ــواء كـ ــانت فرديـ ــة أو مجاعيـ ــة دون أن تكتسـ ــب صـ ــفة‬
‫اخلض ــوع من ج ــانب الدول ــة ‪ ,‬وميكن خمالفته ــا أو الع ــدول عنه ــا من غ ــري أن ي ــرتتب عليه ــا‬
‫حقــوق وواجبــات قبــل اآلخــرين ‪ ,‬أو جــزاء معني حيث ينقصــها اإلحســاس بإلزاميــة الــركن‬
‫( ‪)1‬‬
‫املعنوي أما العرف فال يعتد به إال إذا توافر فيه هذا الركن ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬البعد األخالقي لقانون العالقات الدولية ‪ ,‬للدكتور مسري عبد املنعم ‪( ,‬ص‪. )398‬‬

‫‪66‬‬
‫الفرع الثاين‬
‫الفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية يف‬
‫الفقه اإلسالمي‬

‫ملعرف ــة الف ــرق بني الع ــرف ال ــدويل والع ــادة الدولي ــة يف الفق ــه اإلس ــالمي ‪ ,‬ينبغي الرج ــوع إىل‬
‫رأي الفقهاء يف الفرق بني العرف والعادة ‪.‬‬
‫وعند الرجوع إىل آرائهم ‪ ,‬وجد أهنم اختلفوا يف الفرق بينهما على أربعة أقوال ‪:‬‬

‫القول األول ‪:‬‬


‫أن العرف والعادة لفظان مرتادفـان (‪ )1‬فهمـا مبعـىن األمـر املسـتقر يف النفـوس من قـول أو فعـل‬
‫‪ ,‬والــذي تلقتــه الطبــاع الســليمة بــالقبول ‪ ,‬ال فــرق يف ذلــك بني مــا كــان للعقــل مــدخل يف‬
‫احلكم عليه كتبدل مكـان الشـيء حبركتـه وبني مـا ليس للعقـل مـدخل يف احلكم عليـه كأقـل‬
‫( ‪)2‬‬
‫احليض أو أكثره ‪.‬‬

‫القول الثاين ‪:‬‬


‫أن العرف أعم من العادة ؛ ألن العرف يكون قوليًا وعمليًا ‪ ,‬والعـادة ال تكـون إال عمليـة ‪.‬‬
‫( ‪)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نشر العرف يف بناء بعض األحكام على العرف ‪ ,‬ال بن عابدين ‪ ,‬رسالة من جمموعة رسائل البن عابدين ‪( ,‬‬
‫‪ , )2/114‬واألشباه والنظائر ‪ ,‬البن جنيم ‪( ,‬ص‪ , )93‬الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية يف بريوت ‪1405 ,‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬لوهبة الزحيلي ‪. )2/830( ,‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬كشف األسرار على أصول البزدوي ‪ ,‬للبخاري ‪ , )2/95( ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتاب العربية يف بريوت ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫القول الثالث ‪:‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫أهنما متباينان فالعرف خمتص بالقول ‪ ,‬والعادة خمتصة بالفعل ‪.‬‬
‫القول الرابع ‪:‬‬
‫أن العادة أعم من العرف ‪ ,‬ألن العادة تكون فردية ومجاعية ‪ ,‬والعرف ال يكــون إال مجاعيـًا‬
‫( ‪)2‬‬
‫‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬العرف والعادة يف رأي الفقهاء ‪ ,‬ألمحد فهمي أبوسنة ‪( ,‬ص‪ , )13‬نقًال عن مشس الدين الفناري ‪,‬‬
‫الناشر ‪ :‬مطبعة األزهر ‪1947 ,‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )13‬‬

‫‪68‬‬
‫الفرع الثالث‬
‫املقارنة بني نظريت القانون الدويل والفقه‬
‫اإلسالمي حول الفرق بني العرف الدويل‬
‫والعادة الدولية‬
‫يالحظ تقارب القانون الدويل مع القول الرابع يف الفقه اإلسالمي ‪ ,‬حيث إن القول الرابع‬
‫يفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية بكون هذه األخرية تكون فردية ومجاعية ‪ ,‬أما‬
‫العرف الدويل فال يكون إال مجاعيًا ‪ ,‬وهو عني ما يقول به القانون الدويل ‪ ,‬إال أن التفريق‬
‫اآلخر بينهما من كون العادة غري ملزمة والعرف ملزم ‪ ,‬ال أثر له يف الفقه خالفًا ملا هو‬
‫عليه يف القانون الدويل ‪ ,‬ولكن ال يسع يف هذا املقام القول إال " أن قواعد الفقه احملكمة‬
‫ال تأىب اشرتاطه " (‪ )1‬أي اشرتاط اإللزام وهبذا يفرتق عن العادة الغري ملزمة ‪ ,‬وبناًء على‬
‫ذلك ميكن أن يتوصل إىل أن الفقه يفرق بني العرف الدويل والعادة الدولية على أساس أنه‬
‫ملزم وهي غري ملزمة ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬العرف والعادة يف رأي الفقهاء ‪ ,‬ألمحد فهمي أبو سنة ‪( ,‬ص‪. )66‬‬

‫‪69‬‬
‫الفصل األول‬
‫منشأ العرف الدويل وأركانه وشروطه‬

‫ويشتمل على املباحث اآلتية ‪:‬‬

‫املبحث األول ‪ :‬منشأ العرف الدويل‬


‫املبحث الثاين ‪ :‬أركان العرف الدويل‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬شروط العرف الدويل‬

‫‪70‬‬
‫المبحث األول‬
‫منشأ العرف الدويل‬

‫ويشتمل على املطالب اآلتية ‪:‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬التصرفات احلكومية املنشئة للعرف الدويل‬


‫املطلب الثاين ‪ :‬التصرفات الدولية املنشئة للعرف الدويل‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬دور الدول الكربى يف إنشاء العرف الدويل‬
‫املطلب الرابع ‪ :‬دور اإلعالنات العامة يف إنشاء العرف الدويل‬
‫املطلب اخلامس ‪ :‬دور الشراح يف إنشاء العرف الدويل‬
‫املطلب السادس ‪ :‬دور أفراد اجملتمع يف إنشاء العرف الدويل‬
‫املطلب السابع ‪ :‬موقف الفقه اإلسالمي من األمور املنشئة‬
‫للعرف الدويل‬

‫متهيد‬
‫‪71‬‬
‫قبل الشروع يف هذا املبحث جتدر اإلشارة إىل انقسام الشراح حول التصرفات اليت ميكن‬
‫من خالهلا أن ينشأ العرف الدويل إىل مدرستني ‪ ,‬وذلك على النحو التايل ‪:‬‬

‫‪ -1‬املدرسة اإلرادية ‪:‬‬


‫ال تعترب هذه املدرسة من قبيل السوابق يف جمال إثبات العرف غري التصرفات الصادرة عن‬
‫املختص يف الدولة بإبرام املعاهدات ‪ .‬وواضح مدى ارتباط هذا االجتاه بطبيعة القاعدة‬
‫العرفية ‪ ,‬فالقاعدة العرفية عندهم اتفاق ضمين بني الدول ال ميلك إبرامه منطقًا غري من‬
‫ميلك إبرام االتفاق الصريح ‪ ,‬ومن مث ال يعتد يف إثباته بغري التصرفات الصادرة عن السلطة‬
‫املختصة بعقد املعاهدات ‪ ,‬أما التصرفات الصادرة عن غري هذه السلطة فال قيمة هلا‬
‫عندهم يف إثبات العرف ‪ ,‬وبناًء عليه فال السلطة التنفيذية وال التشريعية وال القضائية هلا‬
‫( ‪)1‬‬
‫القدرة على تكوين وإنشاء العرف الدويل ‪.‬‬
‫إذ الب ــد أن يك ــون التص ــرف ص ــادرًا من ال ــدول باعتباره ــا شخصـ ـًا من أش ــخاص الق ــانون‬
‫الدويل العـام ‪ ,‬وهـذا يقتضـي أن تصـدر هـذه التصـرفات أو األعمـال من األجهـزة الـيت تتـوىل‬
‫متثيــل الــدول يف نطـاق العالقــات الدوليــة ‪ ,‬أمــا األعمـال الــيت تأتيهــا الدولــة يف حـدود نظامهــا‬
‫الق ــانوين ال ــداخلي وذل ــك ك ــأن تص ــدر قانون ـًا داخلي ـًا ح ــىت ول ــو ك ــان متعلق ـًا بتنظيم املرك ــز‬
‫القــانوين لألجــانب يف داخــل إقليمهــا ‪ ,‬فال ميكن أن يعــد تعبــريًا عن إرادة الدولــة كشــخص‬
‫من أش ــخاص الق ــانون ال ــدويل الع ــام ‪ .‬ومن مث ال ميكن أن ت ــدخل يف ع ــداد األفع ــال املكون ــة‬
‫( ‪)2‬‬
‫للعرف الدويل ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬أصول القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد سامي عبد احلميد ‪( ,‬ص‪ , )158‬الناشر ‪ :‬مؤسسة الثقافة‬
‫اجلامعية ‪ ,‬ط‪1980 , 5‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ‪( ,‬ص‪. )127‬‬
‫وقــد ذهب أحــد قضــاة حمكمــة العــدل الدوليــة يف رأيــه املخــالف يف قضــية اللــوتس (‪ )1‬إىل أنــه‬
‫جيب إجناز س ــلوك الدول ــة يف دائ ــرة العالق ــات الدولي ــة ‪ ,‬أم ــا الق ــوانني احمللي ــة احملض ــة فليس ــت‬
‫( ‪)2‬‬
‫كافية إلنشاء القواعد العرفية الدولية ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫" إال أن هذا الرأي ضعيف وال ميثل سوى رأي األقلية " ‪.‬‬

‫‪ -2‬املدرسة املوضوعية ‪:‬‬


‫ترى هذه املدرسة يف العرف تعبريًا عن اجتاه إرادة اجلماعة أو ضمريها اجلماعي إىل إلزام‬
‫أعضائها ضمنًا بقاعدة معينة من قواعد السلوك ‪ ,‬ومن مث تعتد بكل ما من شأنه إثبات‬
‫مضمون هذا التعبري الضمين عن إرادة اجلماعة أو عن ضمريها اجلماعي بصرف النظر عن‬
‫اجلهة الصادر عنها التصرف املعترب من قبيل السوابق (‪ )4‬فاألعمال املتطابقة الصادرة من أي‬
‫جهاز من أجهزة الدولة يكون قادرًا على إنشاء العرف الدويل ‪ ,‬وذلك إذا ما تولد‬
‫الشعور لدى الدول بوجوب اتباع احلكم الذي ابتدعته تلك األعمال على أساس أنه‬
‫(‪)5‬‬
‫القانون ‪.‬‬
‫ويعترب لدى هذه املدرسة من قبيل السوابق ‪ :‬التشريعات الداخلية وأحكام القضاء الداخلي‬
‫‪ ,‬باإلضافة إىل تصرفات الدول الواقعية يف جمال احلياة الدولية وما قد تربمه من معاهدات‬
‫( ‪)6‬‬
‫فيما بينها ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قضية اللوتس هي عبارة عن نزاع بني تركيا وفرنسا عقب تصادم حدث يف أعايل البحار عام ‪1926‬م بني‬
‫السفينة الفرنسية اللوتوس والسفينة الرتكية بوزكروت ‪ ,‬وقد أدى هذا التصادم إىل غرق السفينة الرتكية وموت‬
‫مثانية من حبارهتا ‪ ,‬وعند رسو السفينة الفرنسية يف ميناء إسطنبول ألقت السلطات الرتكية القبض على رباهنا‬
‫الفرنسي وقدمته للمحاكمة باعتباره مسؤولا عن التصادم ‪ ,‬وحينها احتجت فرنسا على ذلك ورفعت األمر إىل‬
‫حمكمة العدل الدولية اخل ‪ ,‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )577‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪ , )25‬الناشر ‪ :‬دار النهضة العربية ‪,‬‬
‫ط‪1990, 1‬م ‪.‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )26‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬أصول القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد سامي عبد احلميد ‪( ,‬ص‪. )158‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ‪( ,‬ص‪ . )140‬نقًال عن األستاذ والدوك ‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬أصول القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد سامي عبد احلميد ‪( ,‬ص‪. )158‬‬
‫وعلى الرغم من أن هذه املدرسة تقر بأن التشريع الوطين ال ميكن أن يكون بذاته ملزمًا يف‬
‫العالقات الدولية ‪ ,‬إال أهنا تؤكد حقيقة أنه يشكل عنصرًا هامًا يف نشوء األعراف الدولية‬

‫‪73‬‬
‫يف تلك اجملاالت اليت تتعلق بكل من العالقات الدولية والوطنية كمعاملة األجانب ‪ ,‬ومنح‬
‫( ‪)1‬‬
‫االمتيازات الدبلوماسية ‪ ,‬واللوائح والتنظيمات املتعلقة بالسفن األجنبية وحنوها ‪.‬‬
‫وحــىت القضــاء الــدويل يعــزز هــذا االجتاه ‪ ,‬ففي قضــية اإلفريــز القــاري لبحــر الشــمال (‪, )2‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫أدرج بعض القضاة القوانني الوطنية ضمن ممارسات الدول املنشأة لألعراف الدولية ‪.‬‬
‫والواقع الدويل اليوم يقر ما ذهبت إليه هذه املدرسة من أن العرف الدويل ينشأ من‬
‫(‪)4‬‬
‫املؤسسات القانونية املختصة مبعاجلة الشؤون الدولية ‪ ,‬داخلية كانت أم دولية ‪.‬‬

‫واحلاصل أن ذلك اخلالف يف هذه النزعات ليس باخلطري على النحو الذي يتصور معه‬
‫وجود تباين حقيقي يف مواقف كل من املدرستني فاملدرسة األوىل اليت تنكر االعتداد‬
‫بالتصرفات الصادرة عن األجهزة الوطنية اليت ليس هلا صفة متثيلية يف جمال العالقات‬
‫الدولية ال تنكر مع ذلك إمكانية قيام هذه األجهزة باختاذ مسلك معني ميس العالقات‬
‫الدولية ميكن االعتداد به يف إرساء السابقة إذا مل يثر االعرتاض الصريح من جانب‬
‫األجهزة‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )26‬‬
‫(‪ )2‬النزاع يف هذه القضية كان بني هولندا والدمنرك من جهة وأملانيا الغربية من جهة أخرى ‪ ,‬وكان العرف‬
‫الدويل يف قلب هذا النزاع ‪ .‬وقد كان موقف هولندا والدامنرك منطلقًا من وجود قاعدة عرفية دولية تلزم الدول‬
‫املتجاورة بتقسيم امتداداهتا القارية وفقًا لقاعدة األبعاد املتساوية أي كل دولة تأخذ نصف املساحة من هذه‬
‫االمتدادات الطبيعية اإلقليمية ‪ ,‬أما موقف أملانيا الغربية فقد كان منطلقًا من فكرة أولية مؤداها أن التحديد جيب أن‬
‫حيقق لكل دولة جزًء عادًال من االمتداد القاري ‪ ,‬وقد حكمت حمكمة العدل الدولية بأن قاعدة األبعاد املتساوية مل‬
‫تصبح قاعدة عرفية بعد ‪ ,‬وذلك النعدام الركن املعنوي وهو االعتقاد بإلزامية هذه القاعدة ‪ .‬انظر القانون الدويل‬
‫العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )583‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )27‬‬
‫(‪ )4‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مسوحي فوق العادة ‪( ,‬ص‪. )51‬‬

‫ذات الصفة التمثيلية ‪ ,‬بينمـا تشـرتط املدرسـة الثانيـة أن يلقى سـلوك األجهـزة الوطنيـة جتاوبـًا‬
‫لدى الدول األخرى ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫على أن املدرسة املوضوعية أكثر متشيًا مع تصوير الدولة على أهنا تكوين اجتماعي يشتمل‬
‫على عدة أجهزة ميارس كل منها قدرًا معينًا من السلطات اليت تنسب مجعيًا إىل الدولة‬
‫ذاهتا يف هناية األمر ‪ ,‬فال حمل إذن لالعتداد ببعضها دون البعض اآلخر حبسب اجلهاز الذي‬
‫( ‪)1‬‬
‫أصدرها مىت كانت التصرفات املعنية متس العالقات الدولية بصورة أو بأخرى ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬للدكتور حممد سعيد الدقاق ‪( ,‬ص‪. )173‬‬

‫‪75‬‬
‫المطلب األول‬
‫التصرفات احلكومية املنشئة للعرف الدويل‬
‫ويشتمل على الفروع اآلتية ‪:‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬تصرفات السلطة التنفيذية‬


‫الفرع الثاين ‪ :‬تصرفات السلطة التشريعية‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬تصرفات السلطة القضائية‬

‫‪76‬‬
‫متهيد‬

‫إن معظم السوابق اليت ينشأ عنها العرف الدويل ترجع إىل التصرفات اخلارجية اليت تعرب‬
‫عن سلوك الدولة يف اجملال الدويل ‪ ,‬ومن الناحية العملية جند أن هذه السوابق متعددة‬
‫املصدر ‪ ,‬فقد تصدر هذه السوابق عن السلطة التنفيذية وهذا هو األصل العام ‪ ,‬ومع ذلك‬
‫( ‪)1‬‬
‫فقد تصدر هذه السوابق عن السلطة التشريعية أو القضائية ‪.‬‬
‫وإليك احلديث عن كل سلطة على حدة وذلك يف الفروع اآلتية ‪:‬‬

‫‪77‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬إلبراهيم أمحد شليب ‪( ,‬ص‪. )350‬‬

‫الفرع األول‬
‫تصرفات السلطة التنفيذية‬
‫السلطة التنفيذية يف الدولة هي اليت تشرف على العالقات اخلارجية للدولة ‪ ,‬ويتم ذلك‬
‫عن طريق احلكومة أو املمثلني الدبلوماسيني والقنصليني ‪ ,‬والتعامل احلكومي والدبلوماسي‬
‫يسمح بتحديد مواقف الدولة من خمتلف الشؤون الدولية كما يسمح بالوقوف على‬
‫التقاليد واألعراف اليت تتبعها الدولة يف عالقاهتا ببقية الدول ‪ ,‬ومن هنا تتجلى أمهية‬
‫املراسالت الدبلوماسية (‪ )1‬اليت تتضمن وثائق ومعلومات تساعد على حتديد العرف وإثبات‬
‫حكمه ‪ ,‬وأمهية التعليمات احلكومية والوزارية اليت حتدد موقف احلكومة أو وجهة نظرها‬
‫يف بعض املسائل ‪ ,‬وأمهية التعليمات واألوامر اليت تصدرها القيادات احلربية يف أثناء احلرب‬
‫( ‪)2‬‬
‫واليت تكشف عن القواعد اليت تتبعها الدول يف احلروب الربية والبحرية واجلوية ‪.‬‬
‫فهذه املراسالت الدبلوماسية والتعليمات احلكومية خري مثال على تصرفات السلطة‬
‫( ‪)3‬‬
‫التنفيذية واليت ميكن من خالهلا إنشاء العرف الدويل ‪.‬‬
‫وكذلك يعترب من األمثلة تلك التصرحيات والبيانات والبالغات الرمسية الصادرة من دوائر‬

‫‪78‬‬
‫تعاجل الشؤون اخلارجية كوزارة اخلارجية أو السفارات ‪ ,‬واليت تبني اخلطة اليت تسلكها‬
‫( ‪)4‬‬
‫إحدى الدول يف عالقاهتا مع بقية أعضاء األسرة الدولية ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تب ــدي ال ــدول يف ه ــذه املراس ــالت مواقفه ــا يف ش ــأن من الش ــؤون الدولي ــة وتع ــرب عن نواياه ــا أو ردود فعله ــا على‬
‫تصرفات الدول األخرى ووجهات نظرها ‪ ,‬وقد تتضمن اإلعراب عن التضامن معها أو حتذيرا هلا أو تفسريا ملواقفهــا‬
‫‪ ,‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )378‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد اجملذوب ‪( ,‬ص‪. )51‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬مشكلة العقيدة العقيدة القانونية للقاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور زهري احلسيين ‪( ,‬ص‬
‫‪ , )133‬حبث منشور يف اجمللة املصرية للقانون الدويل ‪ ,‬العدد ‪1989 , 45 :‬م ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مسوحي فوق العادة ‪( ,‬ص‪. )52‬‬

‫الفرع الثاين‬
‫تصرفات السلطة التشريعية‬
‫السلطة التشريعية يف الدولة هي اليت تضع القوانني الداخلية ‪ ,‬وبعض هذه القوانني يتعلق‬
‫بأمور ذات صفة دولية ‪ ,‬وهلذا فليس من الغريب أن تصبح هذه القوانني من أهم العوامل‬
‫املنشئة أو املكونة للعرف الدويل ‪ ,‬ويتم ذلك حني يتوافر هلا عنصر الشمول ‪ ,‬أي حينما‬
‫( ‪)1‬‬
‫تتأثر قوانني الدول األخرى هبا فتصدر بصورة مماثلة أو مطابقة هلا ‪.‬‬
‫ومن املالحظ أن القوانني الوطنية حبسب األصل هي جمرد وقائع مادية ال قيمة هلا على‬
‫املستوى الدويل ‪ ,‬إال إذا مست أو تعلقت مبسائل ذات صلة بالعالقات الدولية وتوفر هلا‬
‫العنصر املعنوي من جانب الدول بأهنا أصبحت قاعدة عرفية ضرورية ملتطلبات احلياة‬
‫الدولية ‪.‬‬
‫فالركن املعنوي أمره ضروري حىت ميكن االعرتاف للقوانني الوطنية بصفة القاعدة العرفية‬
‫الدولية ‪ ,‬فالتشابه وحده بني القوانني الوطنية ال يكفي يف حد ذاته لنشأة قاعدة عرفية‬
‫دولية ؛ ألنه قد يكون جمرد صدفة ‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫والدليل على ذلك هو أن كثري من القوانني الوطنية تعرتف أو تسمح لألجانب بتملك‬
‫العقارات فوق إقليمها ‪ ,‬ولكن هذا التشابه مل يرق أبدًا إىل مستوى القاعدة العرفية الدولية‬
‫؛ ألنه مل حيظ بتوفر الركن املعنوي ‪ ,‬أو قبول الدول له كقاعدة ملزمة ‪ ,‬فمازالت هناك‬
‫( ‪)2‬‬
‫دول كثرية ترفض بيع العقارات لألجانب ‪.‬‬
‫هذا ولقد ذهبت حمكمة العدل الدولية يف قضية اجلرف القاري (‪ )3‬إىل أن التشريعات‬
‫( ‪)4‬‬
‫الوطنية تصلح كسوابق يعتد هبا يف تكوين العرف الدويل ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ‪( ,‬ص‪)76‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )528‬‬
‫(‪ )3‬سبق التعريف هبذه القضية يف (ص ) ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )378‬‬
‫ومثال على ذلك تلك القوانني املتعلقة بتحديد اجملاالت البحرية كالبحر اإلقليمي واملنطقة‬
‫( ‪)1‬‬
‫االقتصادية اخلاصة أو تلك املتعلقة مبنح اجلنسية أو تأميم املصاحل األجنبية ‪.‬‬
‫فالتشريعات املتناسقة لدول عديدة أمر يف غاية األمهية من أجل تكوين العرف الدويل‬
‫وإظهار عمل الدولة يف هذا اجملال أو ذاك ‪ ,‬فالقوانني الوطنية للدول وخاصة تلك اليت تؤثر‬
‫مباشرة يف العالقات الدولية مثل التشريعات حول اجلنسية والتشريعات املتعلقة مبركز‬
‫األجانب ‪ ,‬وتأميم أمواهلم ‪ ,‬أو القوانني اخلاصة اليت تعرف يف صياغتها بوجود بعض‬
‫القواعد الدولية يف جمال تطبيقها مثل القوانني اخلاصة باحلصانات واالمتيازات املمنوحة‬
‫للدبلوماسيني األجانب وغري ذلك ‪,‬كلها أصبحت اآلن مبثابة عرف دويل نشأ أصال من‬
‫خالل تشريعات داخلية ‪ ,‬مث تناقلتها الدول بعضها عن بعض حىت عمت أرجاء املعمورة ‪.‬‬
‫ففي قضية سكوتيا عام ‪1864‬م أعلنت احملكمة الفدرالية األمريكية بأن كثريًا من العادات‬
‫اليت أصبحت اآلن هلا قوة القانون امللزم كانت يف األصل تعليمات تشريعية داخلية لدولة‬
‫واحدة ‪ ,‬مثل قانون رودوس حول املالحة البحرية الذي كان يف األصل قانونًا وطنيًا‬
‫جلزيرة رودوس وكذلك تعليمات لويس الرابع عشر يف عام ‪1681‬م واملتعلقة بتنظيم‬
‫البحرية الفرنسية واملعروف باسم قانون كولبري والذي انطوى على اختاذ موقف واضح‬
‫جتاه مبدأ حرية أعايل البحار ‪ ,‬ومن هنا فقد نظر إليه على أساس أنه مكرس للقاعدة‬

‫‪80‬‬
‫العرفية يف هذا اجملال أال وهي حرية املالحة لسفن مجيع الدول يف املياه الدولية اليت ال‬
‫ختضع لسيادة أي دولة ورحبت مجيع الدول هبذه القاعدة حىت اآلن ‪.‬‬
‫وهناك قضايا عديدة فصلت فيها احملاكم انطالقًا من إجراء املقارنة بني قوانني دول خمتلفة‬
‫كدليل على وجود القاعدة العرفية الدولية يف مسائل متنوعة منها ‪ :‬احلصانات الدبلوماسية‬
‫( ‪)2‬‬
‫كما سبق ذكر ذلك ‪ ,‬وأضواء السفن ‪ ,‬وحقوق سفن الصيد التابعة لألعداء ‪.‬‬
‫ففي قضية اللوتس (‪ )3‬عام ‪ 1927‬اعتمدت تركيا على القوانني الوطنية يف إثبات العرف‬
‫الدويل الذي خيدم مصلحتها ‪ ,‬ومل تنازعها فرنسا يف ذلك بل ادعت أن هذه القوانني مل‬
‫ــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬مشكلة العقيدة القانونية للقاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور زهري احلسيين ‪( ,‬ص‬
‫‪ , )133‬حبث منشور يف اجمللة املصرية للقانون الدويل ‪ ,‬العدد ‪1989 , 45 :‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )525-524‬‬
‫(‪ )3‬وقد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص‪. )73‬‬
‫تلق قبول الدول ‪.‬‬
‫ويف قضية نونتيوم اعتمدت حمكمة العدل الدولية على أن القوانني الوطنية تنص على‬
‫( ‪)1‬‬
‫التجنس فقط ‪ ,‬عندما توجد رابطة حقيقية صحيحة ‪.‬‬
‫ومن أبرز األمثلة على القوانني الوطنية اليت شكلت أساسًا للعرف الدويل يف جمال‬
‫احلصانات الدبلوماسية هو قانون امللكة آن الذي صدر عن الربملان اإلجنليزي عام ‪1709‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫مث تناقلته الدول األخرى يف تشريعاهتا فتشكل بذلك العرف الدويل يف هذا اجملال ‪.‬‬
‫وجاء يف هذا القانون أن من يعتدون على حرمة السفراء وغريهم من مبعوثي األمراء‬
‫األجانب يعتربون منتهكني لقانون الشعوب ومعكرين للسالمة العامة وجيب عقاهبم عقابًا‬
‫رادعًا أمام هيئة خاصة مكونة من أكرب ثالثة قضاة يف اململكة ‪.‬‬
‫وسارت برملانات الدول األخرى على هذا النهج فأصدرت قوانني مشاهبة تعرتف‬
‫باحلصانة‬
‫للسفراء من جانب وعقاب املعتدين الوطنيني من جانب آخر ‪ ,‬فكشفت هذه القوانني‬
‫الصادرة عن الربملانات عن قاعدة عرفية دولية أصبحت معروفة على نطاق عاملي بالرغم‬
‫من أن اجلهة اليت صدرت عنها السابقة ليست هي وزارة اخلارجية وإمنا هو الربملان‬
‫( ‪)3‬‬
‫اإلجنليزي ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )27‬‬
‫(‪ )2‬حدث يف عام ‪1708‬م أن سفري روسيا القيصرية بعد أن قابل امللكة مستأذنا يف السفر لنقله إىل بلد آخر قبض‬
‫عليه يف شوارع لندن بناء على طلب من التجار الذين كانوا يدينونه بدين ما وأنتزع منه سيفه وقبعته وعصاته‬
‫وأنزل من عربته واقتيد إىل ملهى ليلي وحجز فيه ‪ ,‬وأنتشر اخلرب وقام بعض أصدقائه من النبالء بسداد ما عليه من‬
‫ديون وأخلي سبيله وملا علمت ملكة إجنلرتا بذلك كلفت وزيرها بتقدمي االعتذار واألسف فورا للسفري الروسي وأن‬
‫خيربه بأن األوامر قد صدرت للقبض على املعتدين وعقاهبم أشد العقاب ‪ .‬ولكن ذلك مل خيفف من استياء السفري‬
‫الروسي فغادر إجنلرتا دون أن يقوم باملراسم املعتادة يف مناسبات السفر ورفض قبول هدية امللكة وقبول اليخت‬
‫الذي وضع حتت تصرفه لنقله إىل اجلهة اليت يريدها وقدم التجار مدبري حادث االعتداء للمحاكمة وحكم عليهم‬
‫بعقوبات خمتلفة على الرغم من أن القانون اإلجنليزي كان جييز القبض على املدين من أجل دينه ‪ .‬انظر ‪ :‬القانون‬
‫الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي إبراهيم ‪( ,‬ص‪ , )526‬نقال عن احلصانات الدبلوماسية ‪ ,‬للسري سيسل هريست ‪,‬‬
‫(ص‪. )138‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )527‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫تصرفات السلطة القضائية‬
‫السلطة القضائية يف الدولة هي اليت تصدر األحكام القانونية ‪ ,‬وكثريًا ما تساعد هذه‬
‫األحكام على إنشاء بعض األعراف الدولية مثل حتديد مقدار التعويض للشركات املؤممة‬
‫( ‪)1‬‬
‫وطريقة دفع هذا التعويض ‪.‬‬
‫إن أحكــام احملاكم الداخليــة تشــكل طريق ـًا يف التعبــري عن العــرف الــدويل عنــدما يطلب منهــا‬
‫الفصــل يف قضــايا من طبيعــة قانونيــة دوليــة وتطبــق عليهــا أحكــام القــانون الــدويل ‪ .‬وإذا مــا‬
‫ق ــامت احملاكم الداخلي ــة ل ــدول خمتلف ــة بتط ــبيق نفس القاع ــدة وعلى حنو متت ــابع ‪,‬ف ــإن ه ــذه‬
‫القاعدة تتحول شيئًا فشيئًا إىل قاعدة دولية عرفية ‪.‬‬
‫ففي قضية اللوتس عام ‪1927‬م ادعت فرنســا بــأن أحكــام احملاكم الوطنيــة يف جمال حماكمــة‬
‫الربان املسؤول عن التصادم قد أنشأت قاعدة عرفية مؤداها اختصاص دولة العلم باحملاكمة‬

‫‪82‬‬
‫‪ ,‬وعلى الـ ــرغم من أن حمكم ــة العـ ــدل الدوليـ ــة الدائم ــة قـ ــد امتنعت عن حبث مـ ــدى القيم ــة‬
‫القانونية ألحكام احملاكم الداخلية عندما يقتضي األمـر حبث نشـأة القاعـدة العرفيـة الدوليـة ‪,‬‬
‫إال أن احملكم ــة مل ت ــثر أي اع ــرتاض من حيث املب ــدأ ض ــد أحك ــام احملاكم الوطني ــة وإمكاني ــة‬
‫أخذها يف االعتبار كعنصر من عناصر تشكيل القاعدة العرفية احملتملة ‪.‬‬
‫وبعض القضاة يف آرائهم املخالفة قد أيدوا ذلك بقـوة واعتـربوا أحكـام احملاكم الداخليـة من‬
‫السوابق اليت تساهم يف نشأة العرف الدويل ‪.‬‬
‫إن القضاة الوطنيني ليس هلم حبسـب األصـل أي صـفة يف إلـزام الدولـة على املسـتوى الـدويل‬
‫وكثري من األحكام الداخلية تتسم باحلذر يف هذا املوضوع ولكن يف هناية املطاف فالقضاء‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬مشكلة العقيدة العقيدة القانونية للقاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور زهري احلسيين ‪( ,‬ص‬
‫‪ , )133‬حبث منشور يف اجمللة املصرية للقانون الدويل ‪ ,‬العدد ‪1989 , 45 :‬م ‪.‬‬
‫الوطين حىت ولو مل يلزم الدولة ‪ ,‬إال أنه جيسد ويعكس النظام القانوين الداخلي كلــه ‪ ,‬فهــو‬
‫يطبق القوانني والدستور ‪ ,‬ويشكل عمًال متعددًا ومفصًال ملتطلباهتا ‪.‬‬
‫إن حماكمة األجانب أمام القضاء الوطــين ووجــوب توفــري ضــمانات حمددة لتحقيــق العدالــة ‪,‬‬
‫مثل إحضار مرتجم لألجنيب يتوىل نقل دفاعه أمام احملكمة بلغة البلد ‪ ,‬وإحضار حمامي لــه ‪,‬‬
‫وعدم إطالة احملاكمة بدون مقتضى وتقرير التعويضات لألجانب الذين سلبت أمــواهلم أثنــاء‬
‫االضــطرابات االجتماعيــة تعــد اآلن من قبيــل القواعــد العرفيــة الــيت تعــرتف هبا الــدول وتســري‬
‫عليها احملاكم يف كل دول العامل تقريبا ‪.‬‬
‫وإذا مل حترتم احملاكم الداخلية هذه الضمانات فإهنا ترتكب فعًال دوليًا غري مشروع هو‬
‫( ‪)1‬‬
‫إنكار العدالة ويرتب املسؤولية الدولية على عاتق الدولة ‪.‬‬

‫ومن املعلوم أن قرارات حماكم الغنائم الوطنية أسهمت إىل حد بعيد يف وضع قانون احلرب‬
‫البحرية ‪ ,‬على أنه جيب إحاطة هذه القرارات بكثري من التحفظ ؛ ألن احملاكم الداخلية‬
‫اليت تنظر يف قضايا القانون الدويل تتأثر إىل حد بعيد بالقانون الطبيعي أو باالعتبارات‬
‫( ‪)2‬‬
‫السياسية ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫ولقد ذهبت حمكمة العدل الدولية يف قضية اجلرف القاري (‪ )3‬إىل أن التصرفات احلكومية‬
‫تعد من بني السوابق اليت يعتد هبا يف تكوين وإنشاء العرف الدويل ‪ .‬كذلك فإن جلنة‬
‫القانون الدويل تعترب أن القوانني الوطنية واألحكام القضائية مبثابة األدلة األولية لسلوك‬
‫( ‪)4‬‬
‫الدول ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )529-528‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مسوحي فوق العادة ‪( ,‬ص‪. )52‬‬
‫(‪ )3‬سبق التعريف هبذه القضية يف (ص‪. )74‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬للدكتور حممد سعيد الدقاق ‪( ,‬ص‪. )180‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫التصرفات الدولية املنشئة للعرف الدويل‬

‫ويشتمل على الفروع اآلتية ‪:‬‬

‫‪84‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬املعاهدات الدولية‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬املنظمات الدولية‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬احملاكم الدولية‬

‫الفرع األول‬
‫املعاهدات الدولية‬
‫تعترب املعاهدات الدولية وسيلة من وسائل إنشاء العرف الدويل ‪ ,‬وحيدث ذلك عندما تربم‬
‫بعض الدول معاهدة ما وتتفق فيها على أحكام معينة تنال إعجاب الدول األخرى غري‬
‫األطراف يف املعاهدة فتسارع إىل اتباعها والعمل هبا يف عالقاهتا املتبادلة ‪ .‬ففي مؤمتر فيينا‬
‫املنعقد يف عام ‪1815‬م اتفقت الدول اجملتمعة على اتباع نظام معني يف ترتيب السفراء ‪,‬‬
‫فلم يلبث هذا النظام أن طبق يف مجيع الدول ‪ .‬وهذا ما حدث كذلك لقواعد احلرب‬
‫البحرية اليت نص عليها تصريح باريس للعام ‪1856‬م ‪.‬‬
‫وقد تساعد املعاهدات اخلاصة كمعاهدات التحكيم ومعاهدات تسليم اجملرمني واملعاهدات‬
‫اخلاصة بالقنوات الدولية على ظهور األحكام العرفية عندما تربم بني عدد كبري من الدول‬
‫( ‪)1‬‬
‫وتتضمن أحكامًا مماثلة تنم عن اقتناع الدول هبا ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫فمثًال أول ما نشأ التحكيم كان يأخذ صور معاهدات ثنائية ‪ ,‬ومع الزمن أصبحت هذه‬
‫املعاهدات شائعة يف اجملتمع الدويل ‪ ,‬وليس هذا فقط ‪ ,‬بل إن عددًا ال بأس به من القواعد‬
‫اليت تضمنتها معاهدات التحكيم أصبح واحدًا يف ظل هذه املعاهدات ‪ .‬وأخريًا انتهى األمر‬
‫بنشوء قواعد القانون الدويل العام العرفية اخلاصة هبذا املوضوع ‪.‬‬
‫وقانون احلرب البحرية يعطينا مثًال حيًا للدور الذي ميكن أن تقوم به املعاهدات الثنائية يف‬
‫تكوين قواعد القانون الدويل العام العرفية ‪ ,‬خاصة حقوق وواجبات الدول احملايدة ؛ ألهنا‬
‫أول ما نشأت اختذت صورة معاهدات ثنائية ‪ ,‬مث انتهى هبا األمر لكي تصبح قواعد عرفية‬
‫واجبة االتباع يف عالقات الدول التجارية والدول احملايدة ‪ ,‬حىت ولو كانت هذه الدول‬
‫األخرية ال ترتبط بالدول األوىل مبعاهدات تنص على وجوب مراعاة حقوق وواجبات‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد اجملذوب ‪( ,‬ص‪. )52‬‬

‫الدول احملايدة ‪.‬‬


‫( ‪)1‬‬

‫إذًا ال يوجد ما مينع من أن قاعدة جديدة مدرجة يف معاهدة دولية قد تصبح ملزمة لدول‬
‫أخرى على أساس حتويلها إىل قاعدة عرفية دولية ‪.‬‬
‫فتصرفات الدول ‪ ،‬مثل إبرام املعاهدات الثنائية واملعاهدات اجلماعية ميكنها أن تشكل‬
‫السوابق العرفية امللزمة ‪ ,‬فقد حيدث أن معاهدات وعلى درجة من األمهية تعاجل نفس‬
‫املوضوع أو نفس املشاكل ‪ ,‬وحتتوي على نفس القواعد ‪ ،‬وينتهي املطاف هبا إىل اعتبارها‬
‫قواعد عرفية مقبولة بواسطة الدول مجيعًا وملزمة هلا ‪ ،‬حىت ولو كان البعض من الدول مل‬
‫يصدق عليها أصًال ‪.‬‬
‫فاملعروف أن املعاهدات " ال ترتب حقوقا وال تفرض التزامًا على الدول الغري "‬
‫‪ )2( .‬وهذا يعين أن كل دولة هلا حق يف رفض أي تنظيم قانوين اتفاقي مل تقبله ‪.‬‬
‫ولكن املعاهدات الدولية ليست جمرد عمل قانوين هدفه إنشاء قواعد مقصورة على‬
‫األطراف فقط ‪ ،‬و إمنا ميكن اعتبارها أيضا كأحد الوقائع أو التصرفات أو السوابق اليت‬
‫تشكل العمل الدويل للقاعدة املعنية ‪ .‬ويرتتب على ذلك أن عديدًا من االتفاقيات بني‬
‫الدول املختلفة واليت تنصب على موضوع واحد أو متشابه تعرتف فيها الدول ببعض‬

‫‪86‬‬
‫االلتزامات يف جمال التوارث أو جمال التحكيم أو معاملة األجانب أو األبعاد أو التعويض‬
‫قد تكتسب الصفة العرفية وتفرض بالتايل على الدول اليت مل تشرتك يف إبرام املعاهدة ‪.‬‬
‫وقد تكون املعاهدة مجاعية وذات أمهية خاصة ‪ ،‬وتضع قواعد جديدة سرعان ما تتحول‬
‫إىل قواعد عرفية مع مرور الزمن من خالل تطبيق الدول اليت مل تكن أطرافًا فيها ‪ .‬وجيب‬
‫على املفسر من أجل الوصول إىل هذه النتيجة أن يستخلص وجود العنصر املعنوي‬
‫املناسب ‪ ,‬ليس فقط من خالل تراكم هذه االتفاقيات ‪ ,‬و إمنا أيضًا من واقع التصرفات‬
‫اليت تعرب عنها ‪ ,‬ومن التأكيدات اليت تقدمها وتدعمها أدلة أخرى مستمدة من عناصر‬
‫( ‪)3‬‬
‫متعددة مثل التطبيق الدائم هلا وعلى نطاق واسع ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ‪( ,‬ص‪. )134‬‬
‫(‪ )1‬املادة ‪ 34‬من اتفاقية فينا لقانون املعاهدات لعام ‪1969‬م‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )618-617‬‬
‫هذا وقد تلعب نصوص املعاهدة دورًا يف اختاذ موقف معني من قاعدة عرفية مل يكتمل‬
‫تكوينها بعد وعندئٍذ تقوم تلك النصوص ببلورة هذه القاعدة وإعطائها شكلها النهائي ‪.‬‬
‫ويف ذلك ذهبت كل من الدمنارك وهولندا إىل القول بأنه على الرغم من أنه يف الفرتة‬
‫السابقة على مؤمتر جنيف سنة ‪1958‬م كانت القواعد املتعلقة باإلفريز القاري ما زالت‬
‫يف دور التكوين وكانت السوابق املستفادة من سلوك الدول املختلفة تفتقد إىل التواتر‬
‫والتشابه إال أنه يف الفرتات التارخيية الالحقة أخذت إرهاصات القواعد العرفية املتعلقة‬
‫باإلفريز القاري تتواىل من خالل أعمال جلنة القانون الدويل ومؤمتر جنيف سنة ‪1958‬م‬
‫حـىت متت بلورهتا من خالل النص عليهـا يف معاهـدة اإلفريـز القـاري املنبثقـة عن ذلـك املؤمتر‬
‫األخري ‪.‬‬
‫ولقد قبلت حمكمة العدل الدولية وجهة النظر هذه يف القدر املتعلق باملواد األوىل والثانية‬
‫والثالثة من املعاهدة املذكورة اليت تقرر تعريف اإلفريز القاري وحتدد حقوق الدول عليه‬
‫وقد قررت احملكمة أن هذه املواد تعد انعكاسًا أو بلورة لقواعد عرفية بدأت عملية‬
‫( ‪)1‬‬
‫تكوينها من قبل ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫ولكي تتم معرفة مـا إذا كـانت املعاهـدة قـد أصـبحت أو حتولت إىل عـرف دويل فإنـه ال يتم‬
‫البحث يف نصـ ــوص املعاهـ ــدة ذاهتا أو يف تـ ــاريخ إبرامهـ ــا أو األعمـ ــال التحضـ ــريية هلا ‪ ،‬وإمنا‬
‫جيب التأكد من ثالثة أمور ‪:‬‬
‫‪ -1‬إثبــات وجــود القاعــدة العرفيــة يف موضــوع البحث ســواء يف جمال املرياث الــدويل‬
‫أو املسئولية الدولية أو اإلبعاد أو اللجوء إىل التحكيم ‪.‬‬
‫‪ -2‬إثبات أن املعاهدة أو املعاهدات حتتوي على نفس القاعدة حمل البحث ‪.‬‬
‫‪ -3‬إقام ــة ال ــدليل على أن املعاه ــدة هي دلي ــل على حال ــة الع ــرف ال ــدويل املوج ــود يف وقت‬
‫معني وزمن معني ‪ ,‬ف ــإذا ت ــوفرت ه ــذه اإلج ــراءات ميكن الق ــول ب ــأن املعاه ــدة ق ــد م ــرت من‬
‫دائـ ــرة القـ ــانون املكتـ ــوب إىل دائـ ــرة العـ ــرف الـ ــدويل ‪ ،‬أو على األقـ ــل بعض نصوصـ ــها قـ ــد‬
‫( ‪)2‬‬
‫أصبحت عرفًا دوليًا ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬حملمد سعيد الدقاق ‪( ,‬ص‪. )180‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )619‬‬
‫وال يش ــرتط لكي تص ــبح الدول ــة ملتزم ــة بالقاع ــدة العرفي ــة أن تك ــون هي ذاهتا ق ــد س ــامهت‬
‫باتفاقه ــا الض ــمين يف تكوينه ــا ‪ ,‬ول ــذلك يكفي لكي تك ــون القاع ــدة ملزم ــة عرفي ـًا أن تك ــون‬
‫معرتف ـًا هبا بص ــفة عام ــة من مجاع ــة ال ــدول ‪ .‬وه ــذا ال ــرأي ه ــو املقب ــول واملعم ــول ب ــه ‪ ,‬فاملادة‬
‫الســابعة من االتفاقيــة الثانيــة عشــرة املنعقــدة يف الهــاي ســنة ‪1907‬م تنص على أن حمكمــة‬
‫الغنائم الدولية تطبق يف حالة عدم وجود اتفاقية القواعد املعرتف هبا عمومًا ‪.‬‬
‫وقد سارت احملكمة العليا يف الواليات املتحدة األمريكية على هذا املبدأ يف استخالص‬
‫( ‪)1‬‬
‫القواعد العرفية الدولية حيث اكتفت بالقبول العام لألمم املتمدنة ‪.‬‬
‫ولقد أشارت املادة ‪ 38‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لعام ‪1969‬م وعام ‪1986‬م‬
‫إىل أن املعاهدات تعترب مبثابة نقطة انطالق حنو نشأة قانون عريف عام جديد إذا ما سارت‬
‫( ‪)2‬‬
‫على مقتضاها الدول األطراف يف عالقاهتا املتبادلة ‪.‬‬
‫حيث تؤكــد املادة املذكورة على مــا يلي‪ " :‬ليس يف املواد من ( ‪ )37 -34‬مــا حيول دون‬
‫أن تصــبح قاعــدة واردة يف معاهــدة دوليــة ملزمــة لدولــة أو ملنظمــة دوليــة ليســت طرف ـًا فيهــا‬
‫باعتبارها قاعدة عرفية من قواعد القانون الدويل ومعرتفًا هلا هبذه الصفة " ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫هـذا وتبقي القاعـدة ملزمـة للـدول حـىت ولـو اختفت املعاهـدة بعـد ذلـك من الوجـود ‪ .‬تقـول‬
‫املادة ( ‪ )43‬من االتفاقيتني املشار إليهمـا حـول قـانون املعاهـدات حـول هـذه املسـالة ‪ " :‬ال‬
‫يؤثر بطالن املعاهدة أو إلغاؤها أو االنسحاب منها أو وقف العمل هبا تطبيقـًا هلذه االتفاقيــة‬
‫ألحكام املعاهدة يف واجب أية دولة يف أداء التزاماهتا املقـررة يف املعاهـدة الـيت تكـون ملتزمـة‬
‫هبا مبقتضى القانون الدويل (‪ )3‬بغض النظر عن املعاهدة " ‪.‬‬
‫ووفقـ ـًا هلذه األحك ــام فعن ــد ح ــدوث التح ــول ف ــإن املعاه ــدة لن تص ــبح هي مص ــدر احلق ــوق‬
‫وااللتزامات بالنسبة للدول واملنظمات الدولية وإمنا العرف الدويل هو املصدر ‪.‬‬
‫وال ــدليل على ذل ــك ه ــو أن ال ــدول الغ ــري واملنظم ــات الغ ــري لن تص ــبح ملزم ــة إال بأحك ــام‬
‫النصوص اليت حتولت إىل عرف دويل دون االعتداد ببقية النصوص اليت ما زالت حتتفظ‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ‪ ,‬للدكتور الشافعي حممد بشري ‪( ,‬ص‪ , )74‬الناشر ‪ :‬دار الفكر‬
‫العريب ‪ ,‬ط‪. 4‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )374‬‬
‫(‪ )3‬وال شك أن عبارة القانون الدويل هنا تنصرف إىل قواعد العرف الدويل امللزمة للجميع ‪.‬‬
‫بطابعه ـ ــا االتف ـ ــاقي أو بطبيعته ـ ــا االتفاقي ـ ــة ‪ .‬وه ـ ــذا ه ـ ــو املسـ ــتفاد من نص املادة ( ‪ )38‬من‬
‫اتفاقييت فينا لقانون املعاهدات ‪.‬‬
‫ويسري نفس احلكم على الدول اليت أوقفت العمل باالتفاقية إن انسحبت منها ألي ســبب‬
‫مش ــروع ‪ ,‬فهي تبقى ملزم ــة بالنص ــوص ال ــيت حتولت إىل قواع ــد عرفي ــة ‪ ,‬وه ــذا م ــا أكدت ــه‬
‫حمكمــة العــدل الدوليــة يف قضــية األنشــطة العســكرية وشــبه العســكرية يف نيكــاراجوا ‪ ،‬عنــدما‬
‫قالت ‪ " :‬إن حقيقة كون املبادئ قد جرى تقنينها يف معاهدات مجاعية ال يعين أبدًا أهنا قـد‬
‫اختفت من الوجود ‪ ،‬وإمنا جيب تطبيقها باعتبارها من مبادئ القانون الدويل العــريف ‪ ،‬حــىت‬
‫يف مواجهة الدول األطراف يف هذه املعاهدات كانت احملكمة تشري إىل القواعد العرفية " ‪.‬‬
‫وأض ــافت يف نفس القض ــية أيض ـًا ‪ " :‬أن قواع ــد الق ــانون ال ــدويل العرفي ــة حتتف ــظ بوجوده ــا‬
‫وقابليتهــا للتطــبيق املســتقل جبوار قواعــد القــانون الــدويل حــىت عنــدما يكــون هلاتني الطــائفتني‬
‫( ‪)1‬‬
‫من القواعد مضمون واحد ومتشابه أو متطابق " ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫وفيمــا يتعلــق بــرأي الشــراح يف هــذه املســألة يكفي أن يشــار إىل التقريــر اخلامس للســري جــري‬
‫ال ـ ــدفيتز م ـ ــوريس املق ـ ــدم إىل جلن ـ ــة الق ـ ــانون ال ـ ــدويل ‪ ،‬وال ـ ــذي اع ـ ــرتف في ـ ــه بإمكانيـ ــة حتول‬
‫( ‪)2‬‬
‫املعاهدات الدولية إىل قواعد عرفية ‪.‬‬
‫وتقوم املعاهدات إضافة إىل ما سبق بدور مطور ومعجل لعملية تكوين القاعدة العرفية‬
‫دون أن يؤدي هبا إىل الوجود الفعلي ‪ ,‬فنكون هنا بصدد قانون يدور يف دائرة ما ينبغي‬
‫أن يكون وليس يف دائرة ما هو كائن بالفعل ‪ ,‬وطبيعي أيضًا أال خيتلط هذا الدور بالدور‬
‫الذي تقوم به املعاهدات يف تقنني العرف املوجود سلفًا وإمنا يعد دفعًا لعملية تكوين قاعدة‬
‫عرفية حمتملة واإلسراع هبا حنو االكتمال ‪.‬‬
‫وصورة ذلك أن يكون النص الوارد يف إطار املعاهدة املعنية وإن كان نافذًا يف مواجهة‬
‫أطرافها ‪ ,‬إال أنه بالنسبة لغري هؤالء يصبح مبثابة سابقة قد تكتسب الصفة القانونية إذا ما‬
‫توافرت هلا بقية شرائط تكوين العرف ‪.‬‬
‫فهذا النص عندئذ يصبح مبثابة نواة القاعدة العرفية ويصبح السلوك الالحق للدول مكونًا‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )621-620‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )619‬‬
‫هلذا األخري وينقلها يف عالقة الدول األخرى غري األطراف بعضهم ببعض من دائرة القانون‬
‫احملتمل إىل القانون القائم فعًال ‪ .‬ولقد أيدت حمكمة العدل الدولية هذا النظر يف قضية‬
‫اإلفريز القاري لبحر الشمال (‪ )1‬فلقد ادعت كل من الدمنارك وهولندا بأن قاعدة املسافة‬
‫املتساوية اليت جاء النص عليها يف املادة السادسة من معاهدة جنيف سنة ‪1958‬م كأساس‬
‫لتقسيم اإلفريز القاري بني الدول املعنية قد أصبحت سابقة أدت بالنسبة لغري الدول‬
‫املصدقة على املعاهدة إىل تكوين قاعدة عرفية منذ الفرتة الالحقة على إبرام املعاهدة حىت‬
‫سنة ‪ 1969‬م تاريخ الفصل يف الدعوى ‪.‬‬
‫وإذا كانت حمكمة العدل الدولية قد رفضت االستجابة هلذا اإلدعاء فإن ذلك مل يكن‬
‫راجعًا إىل رفض هذا التصور من حيث هو ‪ ,‬وإمنا ألنه مل يثبت لديها صريورة مبدأ املسافة‬
‫املتساوية من قبيل القواعد العرفية ‪ ,‬ولقد انتهزت احملكمة هذه الفرصة لكي تؤكد أنه من‬

‫‪90‬‬
‫املمكن أن يكون النص الوارد يف معاهدة ما مبثابة سابقة تسهم يف تكوين القاعدة العرفية‬
‫إن حتقق هلذه األخرية شرائط تكوينها ‪.‬‬
‫ولقد عادت احملكمة وأكدت موقفها يف قضية الحقة هي قضية املصائد اإليسلندية‬
‫فاعرتفت بوجودها وقامت بتطبيق قاعدة عرفية كان نواهتا نصًا واردًا يف مشروع معاهدة‬
‫طرح على مؤمتر البحار املنعقد سنة ‪1960‬م ‪ ,‬ولكن مل يتم اعتناقه هلزميته بصوت واحد‬
‫يف املؤمتر ‪ ,‬ولقد قررت احملكمة أن النص املذكور الذي كان ينتمي آنذاك إىل عامل القانون‬
‫الذي جيب أن يكون ‪ ,‬قد أصبح قاعدة عرفية نتيجة تواتر سلوك الدول على مقتضاه‬
‫( ‪)2‬‬
‫وكان ذلك النص متعلقًا باتساع البحر اإلقليمي ومبدى حقوق الصيد فيه ‪.‬‬
‫إن شيوع هذه املعاهدات ومتاثلها يف موضوعها ويف األحكام اليت وردت هبا ميثل الركن‬
‫املادي للقاعدة العرفية ‪ ,‬وقبوهلا من جانب الدول األخرى غري األطراف فيها ميثل الركن‬
‫املعنوي هلذه القاعدة ؛ ألن هذه املعاهدات ال تكون بنفسها قواعد قانونية وإمنا تنشئ‬
‫هذه القواعد من العادة املتمثلة يف تكرار إبرام هذه املعاهدات بشأن موضوع معني على‬
‫حنو معني ‪ ,‬حبيث تكشف هذه املعاهدات عن االعتقاد العام بأن األمور اليت نظمتها على‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص‪. )74‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬للدكتور حممد السعيد الدقاق ‪( ,‬ص‪. )181‬‬
‫حنو معني تتفق مع القانون الدويل ‪ ,‬أو يتطلب هذا القانون وقوعها على هذا النحو ‪,‬‬
‫وذلــك حسـب مــا إذا كــانت القاعــدة جوازيــة أو وجوبيــة ‪ ,‬وتلـتزم كافــة الــدول مبا نشــأ عن‬
‫( ‪)1‬‬
‫هذه املعاهدات من قواعد عدا تلك الدول اليت عارضتها ‪.‬‬
‫ويصدق هذا متامًا على املعاهدات الشارعة (‪ , )2‬واليت ميكن أن تنشـئ الـركن املادي للعـرف‬
‫الـ ــدويل ‪ ,‬إال أهنا ال تنشـ ــئ القاعـ ــدة القانونيـ ــة العرفيـ ــة بـ ــذاهتا إال إذا تـ ــوافرت هلذه القاعـ ــدة‬
‫ركنها املعنوي ‪ ,‬وميكن أن تلزم هـذه املعاهـدات الـدول غـري األطــراف إذا كـان سـلوك هـذه‬
‫الدول يربر االفـرتاض بـأهنم قبلـوا نصـوص املعاهـدة باعتبارهـا ملزمـة هلم ‪ ,‬ومن مث يعتـرب هـذا‬
‫مبثابــة نــوع من االنضــمام عن طريــق العــرف ‪ .‬والواقــع أن هــذه هــو اإلجــراء املألوف الــذي‬
‫( ‪)3‬‬
‫تنشئ به املعاهدات للقواعد القانونية العرفية ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫وميكن القول أن خمتلف التقنينات املوضوعة واملعاهدات املعقودة منذ مطلع هذا القرن قد‬
‫ضيقت نطاق العرف بعد أن تبنت معظم أحكامه ‪ ,‬غري أن العرف يبقى مرجعًا هامًا يف‬
‫اجملاالت اليت يتعذر تقنينها أو عقد اتفاقات بشأهنا وال سيما لتفسري املعاهدات أو إيضاح‬
‫ما غمض منها ‪ ,‬وهذا ما مت بالنسبة ملعاهدة فرساي إذ جلأ املسؤولون عام ‪1923‬م إىل‬
‫(‪)4‬‬
‫العرف لتفسري األحكام املتعلقة بتنفيذ العقوبات على أملانيا ‪.‬‬
‫وفيمــا يتعلــق بالقضــاء الــدويل وموقفــه من حتول النصــوص االتفاقيــة إىل قواعــد عرفيــة ملزمــة‬
‫للجميع ‪ ،‬هناك بعض األحكام اليت تؤكد هذه اإلمكانية وثبت بالفعــل أن بعض املعاهــدات‬
‫الــيت جــاءت بأحكــام جديــدة مل تكن معروفــة من قبــل قــد دخلت يف نطــاق القــانون الــدويل‬
‫العــريف ‪ ،‬وتطبيقهــا مل يعــد مقصــورًا على الــدول األطــراف فيهــا ‪ ,‬و ســيتم ذكــر بعض هــذه‬
‫التطبيقات من أحكام حمكمة العدل الدولية ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )116‬‬
‫(‪ )2‬هي معاهدات متعددة األطراف يتم إبرامها بني جمموعة كبرية من الدول ‪ ,‬تتضمن إنشاء قواعد عامة جمردة‬
‫لتنظيم العالقات الدولية يف األمور اليت تتعلق باملصاحل الدولية املشرتكة للجماعة الدولية ‪ ,‬انظر ‪ :‬الوجيز يف القانون‬
‫الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد حافظ غامن ‪( ,‬ص‪. )21‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )117‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مسوحي فوق العادة ‪( ,‬ص‪. )53‬‬

‫موقف حمكمة العدل الدولية من إنشاء‬


‫املعاهدات للعرف الدويل‬
‫من يتتب ــع أحك ــام حمكم ــة الع ــدل الدولي ــة ‪ ,‬جيد أهنا ت ــرى إمكاني ــة إنش ــاء املعاه ــدات الدولي ــة‬
‫للعرف الدويل ‪.‬‬
‫ففي قضية السفينة وميبلدون عام ‪1923‬م ‪ .‬واخلاصة حبق املرور للســفن األجنبيــة احململــة‬
‫باألسلحة يف طريقها إىل بولندا عرب قناة " كيبل االملانية " أخذت حمكمة العدل الدولية يف‬

‫‪92‬‬
‫االعتب ــار املعاه ــدات اخلاص ــة بقن ــاة الس ــويس وقن ــاة بنم ــا ‪ ,‬وق ــالت إذا م ــا ك ــانت القواع ــد‬
‫املدرج ــة يف ه ــذه املعاه ــدات اخلاص ــة بالقن ــاتني ليس ــت متش ــاهبة متامـ ـًا ‪ ,‬إال أهنا تق ــدم أمهي ــة‬
‫متس ــاوية ؛ ألهنا ت ــبني بوض ــوح أن اس ــتعمال ط ــرق املالح ــة الدولي ــة الك ــربى س ــواء بواس ــطة‬
‫سفن حربية لدول متحاربة أو بواسطة سـفن جتاريـة لـدول متحاربـة أو حمايـدة حمملـة بالعتـاد‬
‫العسكري ال ميثل هذا املرور خرقًا حلياد الدول الساحلية ‪.‬‬
‫وإن أي أحــد مل يقــل بــأن حيــاد تركيــا أو حيــاد الواليــات املتحــدة قــد جــرى انتهاكــه عنــدما‬
‫قــامت هاتــان الــدولتان بــاحرتام التزاماهتمــا وفق ـًا التفاقيــة " القســطنطينية " لعــام ‪1888‬م ‪.‬‬
‫واتفاقيــة " هي بونســفوت " لعــام ‪1903‬م ‪ .‬وأن التزامــات أملانيــا العرفيــة كدولــة حمايــدة ال‬
‫تنتهك مبجرد السـماح لسـفن أجنبيـة بـاملرور يف قنـاة كيبـل كمـا هـو مطلـوب وفقـًا للمـادة (‬
‫‪ )38‬من معاهـ ــدة فرسـ ــاي ‪ ,‬فاملعاهـ ــدات اخلاصـ ــة بـ ــالقنوات خلقت قاعـ ــدة عرفيـ ــة تقضـ ــي‬
‫بالس ــماح باملالح ــة وعب ــور القن ــوات يف وقت الس ــلم واحلرب ‪ ،‬ح ــىت بالنس ــبة لل ــدول ال ــيت‬
‫ليس ــت أطرافـ ـًا يف ه ــذه املعاه ــدات ‪ ،‬فس ــوابق قن ــاة الس ــويس وقن ــاة بنم ــا بالس ــماح للس ــفن‬
‫العس ــكرية ب ــاملرور متث ــل تعب ــريًا عن ال ــرأي الع ــام وال ــذي وفق ـًا ل ــه عن ــدما يوج ــد طري ــق م ــائي‬
‫صناعي يصل حبرين عاليني وخمصص بصورة دائمة الستعمال العامل كله ‪ ,‬فـإن هـذا الطريـق‬
‫يوجد يف وضع يشبه املضايق الطبيعية مبعىن أن مرور حىت السفن احلربية للمتحاربني‬

‫( ‪)1‬‬
‫أنفسهم ال يضر حبياد الدولة صاحبة السيادة على القناة حمل البحث ‪.‬‬
‫ويف قضية نونتنيوم عام ‪ 1955‬اعرتفت حمكمة العدل الدولية بدور املعاهدات الدوليـة‬
‫يف إنشاء العرف الدويل ‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬

‫حيث نصـت يف هـذه القضـية على أن التطـبيق الـذي تسـري عليـه الـدول هـو أن اجلنسـية جيب‬
‫أن تعرب عن رابطة حقيقة وفعلية بني الدول وبني الشخص الذي متنحه جنسيتها ‪.‬‬
‫وأن االعتقاد الثابت اآلن يف هذا اجملال مستمد من األحكام املوجــودة يف بعض املعاهــدات‬
‫الثنائية يف موضوع اجلنسـية ‪ ,‬واملربمـة بني الواليـات املتحـدة األمريكيـة مـع دول أخـرى منـذ‬
‫ع ــام ‪1868‬م ‪ ,‬مث ــل تل ــك ال ــيت يطل ــق عليه ــا اس ــم معاه ــدات " ب ــانكر وفت " نس ــبة إىل ا‬
‫ملسئول األمريكي الذي ابتدع هذا النوع من املعاهدات ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫وكذلك تستمد هذه القاعدة من االتفاقية األمريكية حول نظام املواطنني املتجنسني الذين‬
‫حيتفظــون باإلقامــة يف بالدهم األصــلية ‪ ،‬واملربمــة يف ريــو دي جــانريو بتــاريخ ‪ 13‬أغســطس‬
‫عام ‪1906‬م ‪.‬‬
‫وقالت أيضا ‪ " :‬إن االعتقاد بوجود هذه القاعــدة يســتمد أيضـًا من اتفاقيــات الهــاي املربمــة‬
‫بتــاريخ ‪ /12‬أبريــل عــام ‪1930‬م ‪ ,‬واملتعلقــة بتنــازع القــوانني يف جمال اجلنســية كتعبــري عن‬
‫سلوك الدول يف هذا امليدان " ‪.‬‬
‫ك ــل ه ــذه املعاه ــدات يف نظ ــر احملكم ــة تق ــدم ال ــدليل والش ــاهد على ض ــرورة ت ــويل الرابط ــة‬
‫احلقيقية أو الفعلية بني الفرد وبني الدولة اليت متنحه جنسيتها ‪.‬‬
‫إن هذه املعاهدات قد حتولت إىل قواعد عرفية بسبب طــول املمارســة ‪ ،‬واعتقــاد الــدول يف‬
‫(‪)3‬‬
‫إلزامية القاعدة املدرجة هبا حول الرابطة أو العالقة احلقيقية بني الدولة ورعاياها اجلدد‪.‬‬
‫ويف قضية االمتداد القاري لبحر الشمال عام ‪1969‬م ‪ .‬اعرتفت حمكمة العدل الدولية‬
‫ص ــراحة بإمكاني ــة إنش ــاء املعاه ــدات للع ــرف ‪ ,‬حيث قض ــت بأن ــه ال ش ــك أن ه ــذه العملي ــة‬
‫ممكنة‬
‫متامـًا وحتدث من وقت آلخــر ‪ ,‬فهي تشــكل إحــدى الوســائل املعــرتف هبا ‪ ,‬والــيت ميكن عن‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )623-622‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )120‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )623‬‬
‫طريقها إنشاء قواعد القـانون الـدويل العـريف اجلديـدة ‪ ,‬إال أهنا اشـرتطت لـذلك تـوافر الـركن‬
‫املعنوي ‪ ,‬باإلضافة إىل الركن املادي املتمثل يف املعاهدة ذاهتا ‪ ,‬فقد ادعت كل من الــدمنرك‬
‫وهولنـ ــدا أن اتبـ ــاع قاعـ ــدة املسـ ــافة املتسـ ــاوية الـ ــيت أقرهتا املادة ‪ 6‬من معاهـ ــدة جـ ــنيف عـ ــام‬
‫‪ 1958‬كأس ــاس لتقس ــيم اإلفري ــز الق ــاري ق ــد أص ــبحت من ــذ ه ــذا الت ــاريخ – ت ــاريخ إب ــرام‬
‫االتفاقية – قاعـدة عرفيـة حبكم تـأثري االتفاقيـة من ناحيـة ‪ ,‬ومـا جـرى عليـه عمـل الـدول من‬
‫ناحية أخرى ‪ ,‬وأن هذه القاعدة تعترب ملزمــة لكافــة الــدول مبا فيهــا مجهوريــة أملانيــا االحتاديــة‬
‫‪ ,‬على الرغم أهنا مل تكن طرفًا يف معاهدة جنيف عام ‪1958‬م املتعلقة باإلفريز القاري ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫وقـد أقـرت احملكمـة يف حكمهـا جـواز إنشـاء القاعـدة القانونيـة العرفيـة عن طريـق حكم ورد‬
‫يف معاه ــدة دولي ــة ‪ ,‬إال أهنا اش ــرتطت حلدوث ذل ــك أن يك ــون س ــلوك ال ــدول خالل الف ــرتة‬
‫التاليــة إلبــرام املعاهــدة – وعلى األخص الــدول املعنيــة هبذا الــنزاع – شــامًال وموحـدًا ‪ ,‬وأن‬
‫يكون هذا السلوك يف ذاته أو بالطريقة اليت مت هبا دليًال على االعتقاد بوجــود قاعــدة قانونيــة‬
‫تتطلب ــه ‪ ,‬وق ــد اس ــتندت ال ــدمنرك وهولن ــدا – من بني أم ــور أخ ــرى – إىل معاه ــدات ثنائي ــة‬
‫خمتلفــة لتحديــد اإلفريــز القــاري بوصــفها دليًال على أن قاعــدة البعــد املتســاوي – الــواردة يف‬
‫املادة ‪ 6‬من اتفاقي ــة ‪1958‬م – ق ــد أص ــبحت قاع ــدة من قواع ــد الق ــانون ال ــدويل الع ــريف ‪,‬‬
‫وبفحص احملكمة لسلوك الدول يف الفرتة التالية إلبرام معاهدة ‪1958‬م ‪ ,‬انتهت إىل أنــه ال‬
‫ميكن استخالص أن الدول اليت طبقت هذه القاعـدة كـانت تشـعر أهنا بصـدد قاعـدة قانونيـة‬
‫عرفيــة ملزمــة ‪ ,‬فاملعاهــدات – شــأهنا شــأن كافــة أشــكال الســلوك الــدويل – جيب أن تقــرتن‬
‫( ‪)1‬‬
‫بعقيدة االلتزام القانوين بالتصرف ‪.‬‬
‫ويف قض ـ ــية املص ـ ــايد بت ـ ــاريخ ‪ 25‬يولي ـ ــو ‪ 1974‬اع ـ ــرتفت حمكم ـ ــة الع ـ ــدل الدولي ـ ــة ب ـ ــأن‬
‫املعاه ــدات الدولي ــة هي وس ــيلة من الوس ــائل املع ــرتف هبا يف خل ــق القواع ــد العرفي ــة الدولي ــة‬
‫اجلديدة ‪.‬‬
‫فق ــد أك ــدت احملكم ــة يف ه ــذه القض ــية وج ــود قاع ــدة عرفي ــة متنح الدول ــة الس ــاحلية حقوقـ ـًا‬
‫تفض ــيلية يف الص ــيد يف املي ــاه احلرة اجملاورة أو املتامخة لبحاره ــا اإلقليمي ــة ‪ ,‬بش ــرط أن توج ــد‬
‫الدولة يف وضع اعتماد خاص على هذه املصايد الساحلية ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )120-118‬‬

‫واعتمدت احملكمة يف وجود هذه القاعدة العرفية على أن حقـوق األفضـلية للدولـة الشـاطئية‬
‫قــد مت االع ــرتاف هبا يف كثــري من املعاهــدات الدوليــة األمــر الــذي جيعــل منهــا قاعــدة عرفيــة‬
‫( ‪)1‬‬
‫ذات أصل اتفاقي ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )628‬‬

‫طبيعة العالقة بني العرف واملعاهدة‬


‫يقر القانون الدويل بصورة عامة بأن املعاهدة والعرف يتمتعان بقوة قانونية متساوية ‪,‬‬
‫ولذلك نتيجتان ‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫األوىل ‪ :‬هي أن املعاهدة تستطيع إبطال العرف أو تعديله كإلغاء جتارة الرقيق األسود‬
‫الثابت عرفيًا مبوجب تصريح فيينا لعام ‪1815‬م ‪ ,‬وميثاق بروكسل لعام ‪1890‬م ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫والواقع أن املعاهدة تنشئ نظامًا قانونيًا خاصًا بني األطراف ميكن أن خيالف القانون العريف‬
‫العام ‪ ,‬فقاعدة حرية أعايل البحار وهي قاعدة عامة من قواعد القانون الدويل ميكن‬
‫خمالفتها عن طريق معاهدة دولية تتفق دولتان متعاقدتان فيها على منع كل منهما من‬
‫ارتياد املياه املالصقة لشواطئ األخرى ‪ ,‬وخالفًا للقاعدة العامة اليت حتظر على الدول‬
‫ممارسة سلطتها يف اخلارج من املتصور أن تتفق دولتان على قيام رجال الشرطة يف كل‬
‫منهما بعمليات معينة يف األخرى أو على وجود القوات املسلحة التابعة إلحدامها يف‬
‫الدولة األخرى ‪ .‬وخالفًا للقاعدة العرفية من املتصور وجود اتفاق بني دولتني على‬
‫السماح ملواطين كل منهما بالصيد يف املياه اإلقليمية للدولة األخرى ‪ ,‬غري أنه ميتنع خمالفة‬
‫( ‪)3‬‬
‫القواعد العرفية إذا كانت قاعدة آمرة (‪ )2‬من القواعد العامة للقانون الدويل ‪.‬‬
‫وجتدر اإلشــارة إىل أن القواعــد العرفيــة ليســت خالــدة أو مؤبــدة ‪ ,‬حيث إهنا تنشــأ اســتجابة‬
‫حلاج ــات ال ــدول ‪ ,‬ومتت ــاز باملرون ــة والق ــدرة على التالؤم م ــع ظـ ــروف وحاج ــات اجلماع ــة‬
‫الدولي ــة ‪ ,‬وق ــد جتد ه ــذه اجلماع ــة يف حلظ ــة معين ــة أن قاع ــدة عرفي ــة ق ــد جتاوزهتا األح ــداث‬
‫واألفكار اجلديدة ‪ ،‬فال مناص إذًا من تعديلها أو وضع حــد هلا والبحث عن قواعــد جديــدة‬
‫أكثر عقالنية وأكثر جتاوبًا مع الظروف والتطورات‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ‪( ,‬ص‪. )79‬‬
‫(‪ )2‬القاعدة اآلمرة حبسب تعريف املادة ‪ 53‬من اتفاقية فينا لقانون املعاهدات هي ‪ " :‬كل قاعدة من قواعد القــانون‬
‫الــدويل العــام والــيت تقبلهــا اجلماعــة الدوليــة يف جمموعهــا ويعــرتف هبا باعتبارهــا قاعــدة ال جيوز اإلخالل هبا أو االتفــاق‬
‫على ما خيالفها وال ميكن تعديلها إال بقاعدة الحقة من قواعد القانون الدويل العام " ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )374‬‬
‫وقــد تســتخدم الــدول الطريــق املعــاكس ‪ ،‬أي إنشــاء قواعــد عرفيــة مضــادة للقواعــد القدمية ‪,‬‬
‫وق ــد يس ــتغرق ه ــذا بعض ال ــوقت ‪ ,‬ويف أحي ــان معين ــة تلج ــأ ال ــدول فج ــأة إىل إب ــرام معاه ــدة‬
‫جديدة تلغي هبا صـراحة وبشـكل فـوري القواعـد العرفيـة الـيت عفـا عليهـا الـزمن ‪ ,‬ومن هنـا‬
‫تلعب املعاهدات دورًا يف إلغاء القواعد العرفية ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫إن املعاهدة الدولية ال تقتصـر على عمليـة تنظيم تطـبيق القواعـد العرفيـة ‪ ،‬وإمنا تـذهب بعيـدًا‬
‫حىت إعالن مبادئ وقواعد خمتلفة متاما عن تلك اليت جسدها العرف الدويل أزمانًا طويلة‪.‬‬
‫ويف هــذا الفــرض ال تنشــئ جمرد قواعــد جديــدة ملزمــة قانون ـًا ‪ ،‬وإمنا تعــرب أيض ـًا عن تطــور‬
‫الفكر القانوين واإلنساين ‪ ،‬والشعور العام الدويل يف مرحلة ما يف طرح العالقات الدولية ‪.‬‬
‫وحــىت لــو كــانت بعض الــدول غــري أطــراف يف مثــل هــذه املعاهــدات الــيت تضــع ح ـدًا لبعض‬
‫القواع ــد العرفي ــة ‪ ,‬فإهنا ال تس ــتطيع يف بعض األحي ــان أن تق ــف يف وجــه تي ــار جــارف ي ــنزع‬
‫حنو التطور واألفكار اجلديدة ‪ ,‬ومن هنا جندها تلــتزم هبذه املعاهــدات ‪ ،‬ومن مث ينشــأ عــرف‬
‫دويل جديد أصله املعاهدات الدولية ‪.‬‬
‫فكانت هذه اإلعالنات معدلة صراحة وملغيـة صـراحة لألعـراف القدمية ‪ ،‬ويف نفس الـوقت‬
‫وسيلة إلنشاء عرف جديد خمالف سارت عليـه الـدول من قبـل ؛ ألن األحكـام الـيت جـاءت‬
‫هبا هــذه اإلعالنــات كــانت معــربة عن اجتاهــات جديــدة وأفكــار جديــدة لــدى الــرأي العــام ‪,‬‬
‫أي كــانت متجاوبــة مــع املفــاهيم اجلديــدة للقــانون الــدويل العــام احلديث الــذي حيرتم حقــوق‬
‫اإلنسان وحرياته األساسية ‪.‬‬
‫إن الع ــرف ال ــدويل يتط ــور ويتالءم م ــع فك ــرة العدال ــة واملص ــلحة ‪ ،‬وم ــع الظ ــروف اجلدي ــدة‬
‫للحيــاة الدوليــة ‪ ،‬ويســتخدم أحيان ـًا يف ســد النقص يف النظــام القــانوين الــدويل ‪ ،‬ولكنــه ليس‬
‫( ‪)1‬‬
‫خالدًا أو أبديًا وإمنا عليه أن خيلي مكانه لقواعد أخرى أفضل عند الضرورة ‪.‬‬

‫الثانيــة ‪ :‬هي أن العــرف يســتطيع أن يــؤدي تــدرجييًا إىل فســخ املعاهــدة أو تعــديلها دون أي‬
‫إجراء خطي كإلغاء االمتيازات األجنبية يف مصر بتأثري العرف املتواتر بشكل تدرجيي ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )630-629‬‬
‫وك ــذلك ف ــإن معظم ال ــدول املتحارب ــة جتاهلت يف ح ــرب ‪1939‬م خمتل ــف أحك ــام الق ــانون‬
‫التعاقــدي املعاصــر الــيت حتظــر اعتــداء الغواصــات احملاربــة على الســفن التجاريــة دون إخطــار‬
‫( ‪)1‬‬
‫مسبق ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫وأيضًا فقد سقطت عرفًا املادة ‪ 18‬من عهد عصبة األمم اليت حتكم ببطالن املعاهــدات الــيت‬
‫مل يقــع تســجيلها لــدى األمانــة العامــة للعصــبة ‪ ,‬وأصــبح جــزاء عــدم التســجيل هــو جمرد عــدم‬
‫جواز االحتجاج أو االعتداد هبذه املعاهدات أمام فروع العصبة ‪.‬‬
‫وق ـ ــد قبلت حمكم ـ ــة الع ـ ــدل الدولي ـ ــة ض ـ ــمنيًا بإمكاني ـ ــة تع ـ ــديل الع ـ ــرف للمعاه ـ ــدة يف رأيهـ ــا‬
‫االستش ــاري يف قض ــية مص ــارف األمم املتح ــدة وبش ــكل ال لبس في ــه يف رأيه ــا االستش ــاري‬
‫( ‪)2‬‬
‫بشأن ناميبيا ‪.‬‬
‫لكن كقاعدة عامة فإن القاعدة االتفاقية جيب أن تلغى بواسطة قاعدة اتفاقية أخرى ؛ ألن‬
‫القاعدة االتفاقية أنشئت عن طريق االتفاق الصريح بني األطراف ‪ ,‬لذا يستوجب إلغاءها‬
‫( ‪)3‬‬
‫اتباع اإلجراء نفسه ‪.‬‬
‫أما إذا تعارضت املعاهدة والعرف صراحة ‪ ,‬فالعربة للمعاهدة ألن هلا صفة القانون اآلمر ‪,‬‬
‫ويؤيد ذلك أسبقية املعاهدة على العرف يف ترتيب مصادر القانون الدويل املبينة يف املادة‬
‫( ‪)4‬‬
‫‪ 38‬من نظام حمكمة العدل الدولية ‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة إىل أن هناك عدد غري قليل من القواعد اليت تعترب عند بعض الدول قواعد‬
‫اتفاقية وعند البعض اآلخر قواعد عرفية ‪ ,‬مثال ذلك بروتوكول جنيف ‪1925‬م حول‬
‫حترمي استخدام األسلحة الكيماوية والبيولوجية الذي مل يوقعه يف الواقع سوى عدد قليل‬
‫من الدول ‪ ,‬ولكن احلقيقة تؤكد بأن قواعد هذا الربوتوكول هي قواعد اتفاقية ‪ ,‬وملن مل‬
‫( ‪)5‬‬
‫يوقع عليها فهي قواعد ملزمة عرفية باعتبار أنه ميكن االعرتاف هبا كذلك عرفيًا ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لشارل روسو ‪( ,‬ص‪ , )86‬الناشر ‪ :‬األهلية للنشر والتوزيع ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )374‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬مدخل إىل القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مأمون مصطفى ‪( ,‬ص‪. )50‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مسوحي فوق العادة ‪( ,‬ص‪. )54‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬مدخل إىل القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مأمون مصطفى ‪( ,‬ص‪. )50‬‬

‫هذا ولقد اختلفت االجتاهات خبصوص العالقة بني العرف واملعاهدات على النحو التايل ‪:‬‬

‫‪99‬‬
‫األول ‪ :‬جيعل القواعد العرفية تعلو القواعد اليت تنشأ من املعاهدات عند حكم أي عالقة‬
‫دولية ‪ ,‬وذلك استنادًا إىل كون العرف مييل إىل الشيوع والتطور ومسايرة العالقات‬
‫الدولية يف حني أن املعاهدات جامدة وحمددة حبيث تعوق منو العالقات الدولية ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬جيعل املعاهدات تعلو العرف الدويل وذلك استنادا لنص املادة ‪ 38‬من النظام‬
‫األساسي حملكمة العدل الدولية ‪ ,‬وألهنا معرتف هبا اعرتافًا صرحيًا خبالف االعرتاف الضمين‬
‫يف العرف ‪.‬‬
‫الث ــالث ‪ :‬يس ــاوي بني الع ــرف واملعاه ــدات على أس ــاس أهنم ــا يتمتع ــان بالطبيع ــة القانوني ــة‬
‫ويتس ـ ــاويان يف ص ـ ــفة اإلل ـ ــزام والص ـ ــالحية يف تنظيم العالق ـ ــات الدولي ـ ــة ويكتس ـ ــبان احـ ــرتام‬
‫أشخاص اجملتمع الدويل ‪.‬‬
‫واألظهر أن االجتاه الثالث هو ما يتفق مع الواقع على أساس أن املصدر املوضوعي لكل‬
‫القواعد الدولية نابع عن دائرة األخالق ‪ ,‬وأن املصدر الشكلي هو قوالب تفرغ فيها‬
‫القواعد الدولية من أجل إظهارها لتنظيم السلوك ‪ ,‬وأن هذه القوالب تتساوى مجيعًا حيث‬
‫إهنا وسائل أو طرق توصل إىل وجود القواعد الدولية كما ال ميكن تفضيل مصدر شكلي‬
‫( ‪)1‬‬
‫على آخر ؛ ألن مجيع املصادر الشكلية متولدة أيضًا من ضروريات احلياة اإلنسانية ‪.‬‬
‫فالصلة وثيقة بني العرف الدويل واملعاهدات الدولية من جوانب عديدة فاملعاهدات الدولية‬
‫ميكن أن تكون نقطة انطالق يف نشأة القاعدة العرفية من خالل تكرار النص فيها على‬
‫أحكام متشاهبة تؤدي إىل تكوين العنصر املعنوي ‪ ،‬وميكن للمعاهدة أيضا أن تعدل أو‬
‫تلغي العرف الدويل املوجود منذ مدة ‪ ,‬والعرف من جانبه ميكن أن يعدل أو يلغي‬
‫املعاهدات الدولية أو على األقل بعض القواعد اليت يثبت عدم صالحيتها ‪ ،‬وعدم جماراهتا‬
‫للتطور ‪ ،‬وعدم مالءمتها لفكرة العدالة واملصلحة العامة للجماعة الدولية ‪.‬‬
‫فالعرف واملعاهدة شقيقان ‪ ،‬وذوي مستوى واحد من ناحية القيمة القانونية ‪ ,‬ومن هنا‬
‫فالقاعدة العرفية جتد أساسها يف نص مكتوب ‪ ,‬والقاعدة املدرجة يف معاهدة ميكن إلغاؤها‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬البعد األخالقي يف قانون العالقات الدولية ‪ ,‬للدكتور مسري عبد املنعم ‪( ,‬ص‪. )394‬‬

‫‪100‬‬
‫أو تعديلها بواسطة العرف ‪ ،‬ونفس الشيء فالقواعد العرفية ميكن إلغاؤها وتعديلها‬
‫( ‪)1‬‬
‫بواسطة معاهدة دولية ‪.‬‬
‫وباختص ــار فإن ــه من الن ــادر أن ت ــذهب معاه ــدة دولي ــة عكس الع ــرف ال ــدويل الق ــائم ‪ ،‬أو أن‬
‫خيالف العرف املعاهدات الدولية وخيرق أحكامها ‪.‬‬
‫ه ــذا التع ــارض إن ح ــدث فه ــو قلي ــل يف احلي ــاة الدولي ــة ‪ ،‬وي ــأيت على س ــبيل االس ــتثناء عقب‬
‫التحوالت الكربى يف اجلماعة الدولية والتقدم العلمي ‪ ،‬وال حيدث عادة أو كل يــوم ؛ ألنــه‬
‫ل ــو ح ــدث ك ــل ي ــوم ‪ ,‬فإن ــه يه ــدد اس ــتقرار العالق ــات الدولي ــة ‪ ,‬والس ــائد ه ــو أن املعاه ــدات‬
‫والعرف الدويل بينهما تعاون وتعاضد‪.‬‬
‫فاملعاهدات تشكل الركن املادي يف القاعدة العرفية ‪ ،‬وقد تقوم بتقنني القاعدة العرفية ‪،‬‬
‫وتزيد من جالئها ووضوحها ورسوخها ‪ ,‬ومن جانبه فالعرف يساهم ويساعد القاضي‬
‫على حسن تفسري وتطبيق املعاهدات ‪ ،‬خاصة عندما تكون النصوص غامضة أو هبا نقص‬
‫( ‪)2‬‬
‫أو ثغرات ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ :‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )616‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )638-637‬‬

‫‪101‬‬
‫الفرع الثاين‬
‫املنظمات الدولية‬
‫إن نشاط املنظمات الدولية يؤدي إىل زيادة هائلة يف العالقات الدولية نتيجة كثرة االتصال‬
‫بني الدول ‪ ,‬وبوجه عام تؤدي أنشطة املنظمات الدولية إىل نشأة ومنو سريع للممارسة‬
‫الدولية ‪ ,‬ويف هذا اخلصوص تظهر العديد من املناسبات واحلاجات لألعراف اجلديدة ‪,‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫ومن مث فإن ممارسة املنظمات الدولية أصبحت عنصرًا هامًا يف نشوء العرف الدويل ‪.‬‬
‫إن التصرفات املنسوبة إىل املنظمات الدولية تصلح إلنشاء السابقة املؤدية إىل تكوين‬
‫العرف الدويل ‪ ,‬وهذه التصرفات إما أن تكون ذات طبيعة داخلية أو دولية ‪ ,‬ويأيت على‬
‫رأس قائمة التصرفات الداخلية للمنظمة ‪ :‬القانون الداخلي هلا ‪ ,‬كما أن تصرفات املنظمة‬
‫يف املسائل االنتخابية واإلجرائية واملالية ويف جمال تفسري امليثاق املنشئ هلا وغريها من‬
‫الشؤون ميكن أن تكون أساسًا لنشوء قواعد عرفية ملزمة للمنظمات الدولية األخرى ‪,‬‬
‫ومن األمثلة على هذا النوع من العرف ما استقر عليه عمل املنظمات الدولية من أن جمرد‬
‫امتناع عضو أو أكثر من األعضاء الدائمني يف جملس األمن عن التصويت ال حيول دون‬
‫صدور القرار عن اجمللس ‪ ,‬وذلك خالفًا ملا توحي به الفقرة الثالثة من املادة ‪ 27‬من ميثاق‬
‫األمم املتحدة اليت تشرتط لصدور قرارات اجمللس يف املسائل املوضوعية موافقة تسعة من‬
‫أعضائه يكون من بينها أصوات األعضاء الدائمني متفقة ‪ ,‬وقد قبلت حمكمة العدل الدولية‬
‫يف رأيها االستشاري يف قضية ناميبيا هبذه املمارسة العامة للمجلس كأساس لنشوء عرف‬
‫( ‪)2‬‬
‫دويل ملزم للدول األعضاء يف املنظمة ‪.‬‬
‫وقد كان هذا القبول يف معرض ردها على اعرتاضات جنوب إفريقيا على صحة القرارات‬
‫حمل النزاع وبالذات القرار (‪ )284‬لعام ‪1970‬م والذي أصدره جملس األمن منهيًا‬
‫انتداب‬

‫‪102‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )31‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )365‬‬

‫جنوب إفريقيا على ناميبيا ‪.‬‬


‫قالت جنوب إفريقيا ‪ " :‬إن هذا القرار باطل ؛ ألنه صدر مع امتناع عضوين‬
‫دائمني من أعضاء اجمللس خالفًا ملا تقضي به املادة (‪ )27/3‬من امليثاق فال‬
‫يوجد تصويت إجيايب من مجيع الدول دائمة العضوية " ‪.‬‬
‫ومن أجل الرد على هذا االعرتاض فقد حبثت حمكمة العدل مناقشات جملس األمن منذ‬
‫عام ‪1946‬م وقراراته ومواقف األعضاء الدائمني وخلصت إىل اآليت بعد هذا البحث ‪" :‬‬
‫إن املناقشات اليت تدور يف ساحة جملس األمن منذ سنوات طويلة تثبت بوضوح أن سابقة‬
‫االمتناع االختياري لعضو دائم قد فسرت دائمًا وعلى حنو متطابق من جانب رئاسة‬
‫اجمللس والدول األعضاء خاصة الدائمني منهم على أهنا ال تشكل عقبة أمام صدور القرار‬
‫‪ ,‬وأن اإلجراء املتبع بواسطة اجمللس والذي مل يتغري بعد تعديل املادة (‪ )27/3‬عام‬
‫‪1965‬م قد قبل بصفة عامة بواسطة أعضاء األمم املتحدة ‪ ,‬ويشكل دليًال على تطبيق‬
‫عام للمنظمة " ‪.‬‬
‫فاحملكمة قد اعرتفت هنا بأن هذا العرف الدويل الذي هو مثرة عمل أحد األجهزة (‪ )1‬قد‬
‫كان مستمرًا خالل سنوات عديدة ‪ ,‬ولذلك فإنه يعد ساريًا ونافذًا يف مواجهة جنوب‬
‫إفريقيا على الرغم من أهنا قد اعرتضت عليه ‪ ,‬فاالعرتاض ال ينفي وجود العرف املطبق‬
‫( ‪)2‬‬
‫على نطاق واسع ‪ ,‬حىت ولو كان هذا العرف من صنع املنظمات الدولية ‪.‬‬

‫هذا وتصلح التصرفات الدولية للمنظمات الدولية بدورها كأساس لتكوين العرف ‪ ,‬وهذه‬
‫التصرفات قد تكون اتفاقية كاتفاقات املقر واتفاقات امتيازات وحصانات املنظمات‬
‫الدولية ‪ ,‬ولكنها قد تصدر عن اإلرادة املنفردة للمنظمة ‪ ,‬فالعمليات املتكررة حلفظ‬
‫السالم التابعة لألمم املتحدة جعلت من املمكن نشوء جمموعة من القواعد العرفية اليت‬
‫تنطبق على تلك العمليات واليت ميكن استخالصها من قرارات جملس األمن وقرارات‬
‫اجلمعية العامة اليت تنشأ مبوجبها تلك العمليات ‪ ,‬ومن االتفاقات املعقودة مع الدول املعنية‬

‫‪103‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وهو جهاز جملس األمن ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )532-531‬‬

‫بشأهنا واملمارسات املتبعة يف موقع العمليات بتعليمات من األمني العام لألمم املتحدة ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫ولق ــد أص ــبحت ه ــذه التص ــرفات الناش ــئة بني املنظم ــة وغريه ــا من أش ــخاص الق ــانون ال ــدويل‬
‫على مستوى صنع السوابق العرفية كما تقرر سابقًا ‪.‬‬
‫فمثًال إبرام املنظمة الدولية ملعاهدات دولية مع الدول حتتوي على اعرتاف هذه الدول‬
‫ملمثلي وموظفي املنظمات الدولية باحلصانات واالمتيازات الدولية أثناء ممارستهم ألعماهلم‬
‫وتكرار هذه املعاهدات أدى إىل نشأة قاعدة عرفية ملزمة للدول مبنح هذه احلصانات حىت‬
‫ولو مل تكن هناك معاهدة ثنائية بني الدول واملنظمات ‪.‬‬
‫ويستنتج هذا من استقراء الوثائق الدولية اليت توحي بقيام عرف يتيح للعاملني يف املنظمات‬
‫الدولية التمتع مبثل هذه احلصانات واالمتيازات ‪.‬‬
‫ففي االتفاقية املربمة بني مصر ومنظمة الصحة العاملية أشارت املادة الثالثة منها على منح‬
‫العاملني يف املنظمة حصانات وامتيازات وفقًا للعرف الدويل لتمكينها من حرية العمل‬
‫على وجه االستقالل ‪.‬‬
‫وتنص املعاهدة الثالثة من معاهدة املقر املربمة بني سويسرا ومنظمة العمل الدولية على أنه‬
‫" يتمتع منتظم العمل الدويل مبجموع االمتيازات املقررة يف القانون الدويل واملعروفة باسم‬
‫( ‪)2‬‬
‫احلصانات الدبلوماسية ‪.‬‬
‫وتكرار العقوبات اليت تصدرها األمم املتحدة ضد هذه الدولة أو تلك مثل العقوبات ضد‬
‫جنوب إفريقيا عام ‪1966‬م وضد العراق عام ‪1990‬م وضد صربيا عام ‪1992‬م قد‬
‫أدت إىل نشوء قاعدة عرفية مؤداها التزام مجيع الدول باحرتام هذه العقوبة حىت ولو‬
‫كانت الدولة غري عضو باألمم املتحدة أو عارضت فرض هذه العقوبات ‪.‬‬
‫ويف هذا الصدد يرى املستشار القانوين السويسري للحكومة الفيدرالية جان زجيلر ‪ " :‬أن‬
‫رفض سويسرا االشرتاك يف العقوبات االقتصادية املطبقة على روديسيا تعد خمالفة لالجتاه‬
‫العام يف القانون الدويل ‪ ,‬والذي مؤداه أن االجتاه الذي تسري عليه األمم املتحدة قد أدى‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬

‫‪104‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )365‬‬
‫(‪ . )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬حملمد سعيد الدقاق ‪( ,‬ص ‪. ) 187‬‬

‫إىل نشأة قاعدة عرفية دولية واجبة التطبيق على الدول األعضاء والدول غري األعضاء يف‬
‫( ‪)1‬‬
‫هذه املنظمة " ‪.‬‬
‫هذا وجتدر اإلشارة إىل أن قرارات املنظمات الدولية قد تكون هي نقطة البداية يف تشكيل‬
‫الركن املادي للقاعدة العرفية وتكرار هذه القرارات والعمل على تطبيقها من جانب‬
‫املخاطبني هبا تقود يف النهاية إىل ظهور القاعدة القانونية امللزمة ‪.‬‬
‫فاإلعالن الشهري الصادر عن اجلمعية العامة عام ‪1960‬م واخلاص مبنح االستقالل للدول‬
‫والشعوب اخلاضعة لالستعمار لعب دورًا مهمًا يف تشكيل القواعد القانونية اخلاصة بوضع‬
‫حد لالستعمار ‪ ,‬وتسريع عملية االستقالل ورحيل القوى األجنبية ‪.‬‬
‫وهذا القرار جرى اتباعه بتطبيق واسع وفقًا للقواعد اليت وردت به ‪.‬‬
‫إن حتول القرار إىل قواعد عرفية مل يكن ممكنًا إال بسبب التطبيق الفعلي والواضح له ‪.‬‬
‫فالقرار يف حد ذاته ال يشكل عرفًا دوليًا ولكن العمل على تطبيقه هو الذي أكسبه الصفة‬
‫العرفية امللزمة ‪ ,‬وال ميكن ألي دولة أن تنازع أو تشكك يف إلزاميته ‪.‬‬
‫هذا والسوابق الناشئة عن قرارات املنظمات الدولية قد تساهم يف نشأة العرف الدويل على‬
‫الرغم من أهنا تعترب عبارة عن جهاز إداري مكون من موظفني وليس من ممثلي األعضاء ‪.‬‬
‫ودور األمانة العامة لألمم املتحدة يف موضوع التحفظ على املعاهدات الدولية اجلماعية‬
‫( ‪)2‬‬
‫خري شاهد على ذلك ‪.‬‬
‫هذا وللقرارات الصادرة من املنظمات الدولية عدة خصائص جيب أن تتوفر فيها ليمكن‬
‫القول بصالحيتها لتكوين القواعد العرفية ومنها ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون القرار حمدد املضمون عام اخلطاب ‪:‬‬
‫ينبغي أن يصوغ القرارات الصادرة عن املنظمات قواعد للسلوك تصلح ألن تتحول إىل‬
‫قواعد قانونية إذا توفرت هلا العناصر املكونة للقاعدة العرفية ‪ ,‬وذلك مثل القرارات‬
‫الصادرة على شكل إعالنات كإعالن حقوق اإلنسان ‪.‬‬
‫ومثل القرارات اليت تعرب عن اختاذ املنظم موقفًا معينًا إزاء مشكلة ما والذي ميكن أن‬

‫‪105‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )533‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )535-534‬‬
‫يتحول إىل قاعدة قانونية عرفية ‪ ,‬ومثال ذلك قرار االحتاد من أجل السالم ‪ ,‬الذي يعكس‬
‫موقف اجلمعية العامة من القواعد املتعلقة باختصاصها يف مسائل حفظ السلم واألمن‬
‫الدوليني ‪ ,‬فيكون مضمون القرار املذكور عبارة عن تعديل عريف لقاعدة قانونية مكتوبة ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فإنه ينبغي أن يتوجه القرار خبطابه إىل جمموع أعضاء املنتظم الدويل أو‬
‫أن حيكم عددًا غري حمدود من املراكز الواقعية إذ إنه قد يفصح عندئذ عن االجتاه لتكوين‬
‫قاعدة قانونية ‪.‬‬
‫ومن مث فإنه يستبعد من نطاق القرارات الصاحلة إلنشاء القاعدة العرفية تلك القرارات‬
‫الصادرة يف شأن أمور أحاطت هبا ظروف خاصة قد يصعب تكرارها ‪ ,‬وباختصار فإنه‬
‫يستبعد من إطار هذه الدراسة كافة القرارات اليت تتضمن خطابًا فرديًا أو تصدر بشأن‬
‫مراكز واقعية فردية ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون القرار انعكاسًا إلرادة عامة وحقيقية ‪:‬‬
‫ويعين ذلك أن يصدر القرار بأغلبية كبرية من الناحية الكمية حتدد بالثلثني جملموع األعضاء‬
‫املشرتكني يف التصويت وأن تتضمن متثيًال ملعظم االجتاهات السياسية املوجودة يف املنظمة‬
‫من الناحية الكيفية ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يتأكد القرار من الناحية العملية ‪:‬‬
‫ومعىن ذلك أن ال يبقى حربًا على ورق ‪ ,‬بل جيب أن جيد نصيبه من التطبيق من جانب‬
‫املخاطبني به ‪ ,‬أما إذا كان القرار متضمن خلطاب معني إىل الدول األعضاء ‪ ,‬فإن تأكيده‬
‫( ‪)1‬‬
‫من الناحية العملية يتأتى عن طريق تكرار صدوره يف الظروف املتماثلة ‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫ـــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر القانون الدويل ‪ ,‬حملمد سعيد الدقاق ‪( ,‬ص‪. )210‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫احملاكم الدولية‬

‫لقد لعبت احملاكم الدولية دورًا كبريًا يف إنشاء العرف الدويل ‪ ,‬وكثريًا ما تبحث هذه‬
‫احملاكم خاصة حمكمة العدل الدولية عن توافر األركان املنشئة للقاعدة الدولية العرفية يف‬
‫السوابق القضائية الدولية ‪ ,‬وختلص إىل إثبات وجود القاعدة القانونية الدولية مستندة‬
‫ومؤسسة عقيدهتا على وجود سوابق قضائية دولية ‪ ,‬تؤكد وجود قاعدة قانونية دولية‬
‫( ‪)1‬‬
‫عرفية يف الرأي الذي انتهت إليه يف حكمها ‪.‬‬
‫إن قرارات احملكمني واحملاكم الدولية تعترب من أغىن العناصر اليت تكون العرف الدويل ‪,‬‬
‫وقد توسعت منذ عام ‪1919‬م توسعًا زائدًا وأصبحت من أهم عوامل منو القانون العريف‬
‫‪ ,‬ويعود الفضل إليها بعد اهلل سبحانه وتعاىل يف إيضاح كثري من املسائل القانونية‬
‫وحتديدها كمسؤولية الدول من الناحية الدولية ‪ ,‬واالعرتاف بالدول واحلكومات ‪,‬‬
‫وتفسري املعاهدات ‪ ,‬وممارسة الدول الختصاصاهتا ‪ ,‬وشروط فرض السيادة على املناطق‬
‫( ‪)2‬‬
‫غري املأهولة ‪.‬‬
‫وقد يبدأ القضاء الدويل بالعرف الدويل أوًال وتتلوه الدول بعد ذلك من خالل سلوكها‬
‫العام وعلى نطاق واسع ‪ ,‬ففي قضية املصائد النروجيية عام ‪1951‬م قامت حمكمة العدل‬

‫‪107‬‬
‫الدولية بوضع قاعدة اخلطوط املستقيمة يف قياس البحر اإلقليمي عند تعرج السواحل وقد‬
‫سارت مجيع الدول بعد ذلك وفقًا هلذه القاعدة ‪ ,‬فأصبحت قاعدة عرفية دولية ‪.‬‬
‫ويف الرأي االستشاري حول مدى جواز التحفظ على املعاهدات الدولية اجلماعية عام‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر كتاب تطبيق القانون الدويل أمام احملاكم املصرية ‪ ,‬للدكتور سعيد اجلدار ‪( ,‬ص‪ , )298‬نقال عن ‪:‬‬
‫مقدمة لدراسة القانون الدويل العام املعاصر ‪ ,‬للدكتور صالح الدين عامر ‪( ,‬ص‪ , )393‬و انظر ‪ :‬مبادئ القانون‬
‫الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ‪( ,‬ص‪. )134‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مسوحي فوق العادة ‪( ,‬ص‪. )53‬‬

‫‪1951‬م فإن احلل الذي أخذت به احملكمة قد جرى اتباعه بعد ذلك وعلى نطاق واسع‬
‫بواسطة الدول ‪ ,‬مث جرى تقنينه يف اتفاقييت فينا لقانون املعاهدات لعام ‪1969‬م وعام‬
‫( ‪)1‬‬
‫‪1986‬م ‪.‬‬
‫إن القضاء الدويل قد يكون هو نفسه مرجعًا إلثبات العرف ‪ ,‬ومثال ذلك حكم حمكمة‬
‫العدل الدولية يف قضية اللوتس (‪ , )2‬والذي اعرتف للنظام القانوين الداخلي باالختصاص‬
‫اخلالص يف نطاقه اإلقليمي ‪ ,‬وكذلك يعترب حكم احملكمة الذي قرر أن مبدأ حرية البحار‬
‫هو إفصاح عن قاعدة قانونية دولية من قبيل األحكام اليت يرجع إليها إلثبات قيام قاعدة‬
‫( ‪)3‬‬
‫عرفية يف ذلك اخلصوص ‪.‬‬
‫وجتدر اإلشــارة يف هــذا الصــدد إىل أن كثــريًا من شــراح القــانون الــدويل يــذهبون إىل التأكيــد‬
‫على أن دور القضـ ــاء الـ ــدويل يف هـ ــذا اجملال ال يعـ ــدو أن يكـ ــون كاشـ ــفًا عن قواعـ ــد عرفي ــة‬
‫تســتمد عناصــرها من واقــع احليــاة الدوليــة ‪ ,‬وســلوك أشــخاص القــانون الــدويل ‪ ,‬ســواء من‬
‫ال ــدول أو املنظم ــات الدولي ــة ‪ ,‬بينم ــا ي ــذهب البعض اآلخ ــر إىل الق ــول بأن ــه ح ــىت يف تل ــك‬
‫األح ــوال ال ــيت يك ــون فيه ــا دور القض ــاء ال ــدويل قاصـ ـرًا على الكش ــف عن القاع ــدة الدولي ــة‬
‫العرفيــة ‪ ,‬فإنــه ينطــوي على بلــورة لتلــك القاعــدة ‪ ,‬وإثباهتا على النحــو الــذي جيعــل االســتناد‬
‫إليهــا يف املســتقبل أكــثر يس ـرًا وقبــوًال من جــانب الــدول واحملاكم الدوليــة الــيت يعــرض عليهــا‬
‫النزاع ‪ ,‬وهذا ما يفسر اإلشارات اليت وردت ببعض أحكــام احملكمــة الدائمــة للعــدل الــدويل‬
‫( ‪)4‬‬
‫‪ ,‬وحمكمة العدل الدولية ‪ ,‬واليت كانت تنطوي على الكشف عن قواعد عرفية ‪.‬‬
‫إن القضاء الدويل كان وال يزال عامًال هامًا يف إنشاء القانون العريف ‪ ,‬وقد أوضحت هذا‬

‫‪108‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )540‬‬
‫(‪ )2‬قد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص‪. )73‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬تطبيق القانون الدويل أمام احملاكم املصرية ‪ ,‬للدكتور سعيد اجلدار ‪( ,‬ص‪ , )298‬نقًال عن مسامهة‬
‫القاضي عبد احلميد بدوي يف فقه القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز سرحان ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪ , )298‬نقًال عن مقدمة لدراسة القانون الدويل العام املعاصر ‪ ,‬للدكتور صالح‬
‫الدين عامر ‪( ,‬ص‪. )393‬‬

‫الدور بوضوح حمكمة التحكيم األجنلو أمريكية يف حكمها الصادر عام ‪1923‬م والذي‬
‫جاء فيه ‪ " :‬إن وظيفة القضاء الدويل هي الفصل يف املنازعات املتعلقة بتعارض احلقوق‬
‫واملصاحل وتطبيق القواعد العامة عند غياب النص الصريح وإجياد حل للمشكلة متام بتمام‬
‫كما يف العلوم الرياضية أو احلسابية " ‪.‬‬
‫إذًا توجه احملاكم الدولية يقوم على إثبات وتطبيق العرف الدويل ‪ ,‬وله ميزة التقدم وهو‬
‫هبذه امليزة يقدم الدالئل واملؤشرات األكثر رسوخًا وثباتًا من حيث الزمن ‪ ,‬وله أيضا ميزة‬
‫الصدق ؛ ألنه يقيم الدليل على العرف القائم أو يساهم يف إنشائه وال شأن له بالتقنني‬
‫وليس هناك مربر للتفرقة بني االختصاص االستشاري واالختصاص القضائي للمحاكم‬
‫الدولية يف هذا الشأن فالذي يهم هو النقاش القانوين الذي يتم أمام احملكمة ‪ ,‬واحلجج اليت‬
‫يثريها األطراف واملرافعات الشفوية والكتابية أمامها والعناصر اليت تأخذ هبا احملكمة ‪ ,‬كل‬
‫هذه األمور تساهم يف الكشف عن أساس العرف الدويل ‪.‬‬
‫واحملكمة عادة تقوم ببحث عناصر القاعدة العرفية وقد تكتشفها بنفسها ؛ ألهنا ليست‬
‫ملزمة بإتباع املزاعم واالدعاءات اليت يتبارى األطراف يف عرضها أمامها وهلذا قالت‬
‫احملكمة الدولية يف قضية األنشطة العسكرية وشبه العسكرية يف نيكاراجوا عام ‪1986‬م ‪:‬‬
‫" إن احملكمة ال ميكنها قبول هذه القواعد كجزء من القانون الدويل العريف جملرد أن هذه‬
‫الدول تدعي االعرتاف هبا " ‪ .‬فاحملكمة تبحث وتقدر وتستنتج وجود القاعدة وتكرار‬
‫حتديد هذه القواعد يؤدي إىل تكوين العرف الدويل ‪.‬‬
‫وهذا يتم بالطبع من خالل إشارة احملاكم إىل أحكامها السابقة يف نزاعات متشاهبة وعلى‬
‫هذا فإن حمكمة العدل يف قضية " مافروماتيس " حكمت بأهنا ال ترى سببًا يدعوها إىل‬

‫‪109‬‬
‫االبتعاد عن التفسري املستمد من أحكامها السابقة وترى أن احلجة تبدو بالنسبة هلا قائمة‬
‫ومربرة ومؤسسة بقوة ‪.‬‬
‫ويف حبثها عن حتديد طريقة ومدى التعويض الالزم بسبب الفعل الضار ‪ ,‬فإن احملكمة قد‬
‫استدعت املبدأ العام النابع من فكرة الفعل الضار نفسها واملستمد من العمل الدويل خاصة‬

‫( ‪)1‬‬
‫قضاء حماكم التحكيم الدولية ‪.‬‬
‫وهكذا يتضح أن أحكام احملاكم الدولية املتنوعة متهد برتاكمها أو تواترها يف إنشاء العرف‬
‫الدويل ؛ ألهنا عنصر أساسي يف املمارسات الدولية الالزمة إلنشاء السوابق وإن احملاكم ال‬
‫تقتصر على استدعاء أحكامها السابقة يف حيثياهتا ‪ ,‬وإمنا تشري إىل األحكام واآلراء‬
‫الصادرة عن حماكم أخرى ‪.‬‬
‫فالقضاء الدويل هنا ميتاز بالوحدة واالحتاد من حيث البحث عن القاعدة الواجبة التطبيق‬
‫سواء أكانت القاعدة قد طبقت بواسطة حماكم التحكيم أم حمكمة العدل الدولية ‪.‬‬
‫هذا وتقدم احملاكم الدولية األدلة األكثر نضجًا على وجود القاعدة العرفية ؛ ألن اإلشارة‬
‫إليها تكون بعناية ودقة وليس جملرد االحتمال ‪ ,‬فالقضاء ُيطلب منه القول الفصل يف‬
‫املنازعات ‪ ,‬أي اختاذ موقف معني جتاه نزاع ما وتثار أمامه عالمات استفهام حمددة حول‬
‫وجود أو عدم وجود القاعدة العرفية وعليه أن يبدد عالمات االستفهام هذه يف جو األزمة‬
‫اليت حتتاج إىل حل ‪ ,‬وأن يلقي الضوء الكايف على العرف حمل التساؤل ووضعه يف امليزان‬
‫والسماح بالتايل بإعطاء صورة واضحة عن حالة العرف الدويل يف وقت معني أو زمن‬
‫معني ‪.‬‬
‫وهكذا فإن مسامهة احملاكم الدولية يف خلق وإنشاء القواعد العرفية أو الكشف عنها أمر‬
‫ملموس وال ميكن إنكاره وحىت إذا كان يشري إىل دالئل هي من صنع الدول فإنه ميثل‬
‫( ‪)2‬‬
‫الكشف املثايل عن القواعد العرفية يف صورة وحدة منهجية شديدة الدقة والتماسك ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪ , )537-536‬والقاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪,‬‬
‫لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )33‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )540-539‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫دور الدول الكربى يف إنشاء العرف الدويل‬
‫الشك أن هناك دوًال متارس تأثريًا أكثر من غريها يف خلق وإنشاء القواعد العرفية ‪ ,‬مثال‬
‫الدور الذي لعبته إجنلرتا يف القرن التاسع عشر يف قانون البحار‪ ،‬والدور الذي لعبته‬
‫الواليات املتحدة يف موضوع االمتداد القاري ‪ ،‬والدور الذي لعبته كل من روسيا‬
‫وأمريكا يف قانون الفضاء اخلارجي خالل النصف الثاين من القرن العشرين ‪.‬‬
‫فالدول وبسبب اختالف قدراهتا وإمكانياهتا تساهم بشكل غري متكافئ يف األنشطة‬
‫املرتبطة بنشأة العرف الدويل ‪ ,‬فاألعراف الدولية املتعلقة بالفضاء اخلارجي كانت وال تزال‬
‫ميزة خاصة ببعض الدول ‪ ،‬وعلى رأسها روسيا وأمريكا ‪.‬‬
‫هذه الدول جتد نفسها يف وضع أفضل من غريها يف صياغة وتشكيل القواعد العرفية يف‬
‫هذا امليدان ‪.‬‬
‫واختالف الدور هنا ال يتعلق بالصراع بني دول قدمية ودول جديدة ‪ ،‬وإمنا يعود إىل عدة‬
‫دول متلك التكنولوجيا الالزمة لغزو الفضاء ‪ ،‬وبالتايل فهي قادرة على وضع القواعد ‪,‬‬
‫وال ميكن أن يتم تصور وجود قواعد عرفية يف هذا امليدان بدون رضاها وموافقتها ‪ ،‬وال‬
‫يتصور وجود اعرتاض من جانب الدول األخرى على أنشطتها ‪ ،‬فهم سادة هذا امليدان ‪،‬‬
‫ويف مركز متميز ميكنهم من فرض وجهة نظرهم على اآلخرين‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫ولقد عرب اآلخرون عن موقفهم من خالل قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة رقم (‬
‫‪ )1962‬يف الدورة الثامنة عشر عام ‪1963‬م اخلاص حبرية غزو الفضاء اخلارجي ‪،‬‬
‫وأصبح هناك عرف دويل تقبله الدول مجيعًا ‪ ،‬وإن كانت بدايته من قبل الدول الكربى ‪،‬‬
‫وبالذات روسيا وأمريكا ‪ ,‬مث جرى تقنني هذا العرف يف معاهدة ‪ 27‬يناير عام ‪1967‬م‬
‫حول الفضاء اخلارجي ‪.‬‬
‫ولقد أشار إىل أمهية دور الدول الكربى يف إنشاء القواعد العرفية األستاذ "جول باديفان‬
‫" حيث يقول‪ " :‬إن القواعد العرفية اليت تنشأ بصورة تلقائية جتاوبًا مع احلياة الدولية‬
‫تكتسب الصفة الوضعية بسبب االعرتاف هبا من أولئك الذين هم يف مركز أو وضع‬
‫يضمن هلم تطبيقها يف احلياة الدولية " ‪.‬‬
‫فالدور احملوري للفاعلية يف إنشاء العرف ‪ ،‬والدور املميز للقوى الكربى ‪ ،‬وكذلك الدول‬
‫املعنية باملسألة اليت ينظمها العرف أمر ال جدل فيه ؛ ألن الدول تساهم بطريقة غري‬
‫متساوية يف إنشاء وصياغة العرف الدويل ؛ ألهنا أيضًا غري متساوية يف اهتماماهتا مبختلف‬
‫العالقات الدولية ‪ ,‬إذ إن دورها كما صرح بذلك " شارل دي فيشر " يف مجيع العصور‬
‫كان حامسًا يف إنشاء القانون الدويل العريف حيث منحت العادات درجة الفعالية واليت‬
‫بدوهنا فإن االعتقاد القانوين وهو شرط القبول العام لن جيد له مكانًا يف الواقع االجتماعي‬
‫‪ .‬وقال" كسنك " ‪ " :‬يف احلقيقة ‪ ،‬لكي نعترب قاعدة عرفية قابلة للتطبيق يف عمل الدول‬
‫وهلا صفة قاعدة القانون الدويل العريف فإننا ننتظر تطبيقها أو االعرتاف هبا يف عدد من‬
‫( ‪)1‬‬
‫احلاالت بواسطة الدول األهم بسبب كربها ودورها يف تطور القانون الدويل العام " ‪.‬‬
‫وليس األمر مقصورًا على الدول الكربى ‪ ,‬بل إن الدول النامية تسعى إىل إنشاء األعراف‬
‫بشكل خيدم مصاحلها ‪ ,‬وحتاول أن تفرض على اجملتمع الدويل القواعد العرفية اليت تعكس‬
‫تربمها من دور الدول الكربى يف إنشاء هذه األعراف ‪.‬‬
‫ففي جمال القانون الدويل للبحار ‪ ,‬استقرت قاعدة مد املنطقة االقتصادية للدول الساحلية‬
‫‪ ,‬إىل مائيت ميل حبري ‪ ,‬ولقد كان للدول النامية الدور األكرب يف إرسائها كقاعدة عرفية ‪,‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫تابعة للقانون الدويل العام ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫وهكذا فالدول ال تساهم بشكل متساو يف عملية إنشاء القواعد العرفية ‪ ،‬ولكن هذا ال‬
‫يرجع فقط إىل اختالف حجمها ‪ ،‬وإمنا يكون ذلك بفضل حسن تنظيمها وشن مواقفها‬
‫على نطاق واسع ‪ ,‬فالدور الذي تعلبه الدول ذات املصاحل الكبرية أهم من الدور الذي‬
‫تلعبه الدول اليت ال مصاحل هلا يف موضوع معني ‪.‬‬
‫مثًال الدول احلبيسة اليت ال سواحل هلا مثل أفغانستان ودول آسيا الوسطى‪ ،‬مل تساهم‬
‫مطلقًا يف قاعدة االمتداد القاري وال املنطقة االقتصادية اخلالصة ‪ ،‬وال القواعد املتعلقة‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )562-561‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬حملمد سعيد الدقاق ‪( ,‬ص‪. )217‬‬
‫باملالحة يف أعايل البحار ؛ ألن مصاحلها منعدمة متامًا يف هذا املوضوع ؛ ألهنا ال تطل على‬
‫أية حبار‪.‬‬
‫هذا خبالف دول مثل السعودية وبريطانيا وفرنسا وأمريكا ومصر ودول أمريكا اجلنوبية‬
‫وإيطاليا وأسبانيا والربتغال ‪ ،‬اليت تقع إما وسط البحار أو ذات سواحل طويلة ‪ .‬هذه‬
‫الدول تساهم والشك أكثر من غريها يف إنشاء القواعد العرفية حول البحار واستغالل‬
‫ثروهتا‪ ..‬وما إىل ذلك‪.‬‬
‫وكذلك فإن دور اململكة العربية السعودية ظاهر يف املسامهة يف إنشاء األعراف الدولية‬
‫املتعلقة بالقوانني الدولية املنظمة للبرتول ‪ ,‬خبالف الدول اليت ال متلك هذا الزيت ‪ ,‬حيث‬
‫إن دورها يف إنشاء األعراف الدولية املتعلقة به يكاد يكون منعدمًا ‪.‬‬
‫ونفس الشيء ينطبق على العالقات الدبلوماسية ‪ ,‬فالدول ذات املصاحل والعالقات املتشبعة‬
‫هلا سفارات وبعثات دبلوماسية وقنصلية يف كل عاصمة وكل مدينة كربى ‪ ,‬وبالتايل فإن‬
‫دورها يف إنشاء القواعد العرفية اخلاصة باحلصانات الدبلوماسية كان أكرب من الدول‬
‫الصغرى اليت يقتصر متثيلها على عدد حمدود من البعثات لدى بعض الدول‪.‬‬
‫هذا عالوة على أن الدول الكربى متلك أجهزة حفظ كاملة حول السوابق الدولية يف حني‬
‫أن الدول الصغرى ال متلك مثل هذا األرشيف ‪ ،‬وبالتايل يصعب االستدالل على مواقفها‬
‫( ‪)1‬‬
‫يف كثري من األحيان ‪ ,‬فوجود األرشيف املنظم مينح الدول دورًا مهمًا يف احلياة الدولية‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل لعلي ابراهيم ‪( ,‬ص‪)563‬‬

‫املطلب الرابع‬
‫دور اإلعالنات العامة يف إنشاء العرف‬
‫الدويل‬
‫إن إعالنات املبادئ الصادرة عن الدول أو املنظمات ‪ ,‬واليت تتضمن املبادئ اليت يتعني أن‬
‫تسري الدول عليها يف جمال العالقات الدولية ‪ ,‬فهي مثلها مثل اتفاقيات التقنني قد تكون‬
‫جمرد تسجيل أو ترديد للقانون العريف الساري املفعول ‪ ,‬وقد تكون مبثابة نقطة انطالق‬
‫لتكوين قاعدة عرفية جديدة ‪ ,‬وال صعوبة يف األمر يف النوع األول من اإلعالنات اليت‬
‫يقتصر دورها ‪ ,‬على تكريس أو بلورة القانون القائم ‪ ,‬أما بالنسبة للنوع الثاين من‬
‫اإلعالنات فهي ال تصلح بذاهتا لنشوء القاعدة العرفية ‪ ,‬إال إذا توافرت لدى الدول عقيدة‬
‫االلتزام هبا ‪ ,‬وهو ما ال يتسىن إال عن طريق اطراد سلوك الدول فعًال على السري على‬
‫مقتضاها ‪.‬‬
‫ومبعىن آخر ال يكفي صدور إعالن مبادئ واحد ‪ ,‬وال حىت صدور إعالنات مبادئ‬
‫متماثلة لنشأة القاعدة العرفية ‪ ,‬بل البد لكي يتحول اإلعالن إىل قاعدة عرفية ملزمة من‬
‫أن جيد نصيبه من التطبيق الفعلي من جانب الدول املخاطبة به ‪ ,‬وال يكفي أن نأخذ‬
‫باالعتبار القيمة الكامنة يف اإلعالن فقط بل البد من توفر القيمة املضافة له أيضًا ‪ ,‬وتعتمد‬

‫‪114‬‬
‫القيمة الكامنة لإلعالن على مضمونه وعلى الظروف احمليطة باعتماده ‪ ,‬فمضمون اإلعالن‬
‫جيب أن يكون من التحديد حبيث ال يدع جماًال لتفسريه تفسريات شىت ‪ ,‬كما أن اعتماده‬
‫جيب أن يعكس إرادة عامة بقبوله من خمتلف التكتالت الدولية ‪ ,‬فال شك أن صدور‬
‫اإلعالن بأغلبية بسيطة أو بأغلبية كبرية ال تكون الدول الصناعية مثًال من بينها حيول دون‬
‫حتوله إىل قاعدة عرفية ‪.‬‬
‫ومن بني إعالنات الدول اليت لعبت دورًا كبريًا يف نشأة القواعد العرفية ‪ ,‬واليت استوفت‬
‫الشروط السابقة اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان الصادر من اجلمعية العامة لألمم املتحدة‬
‫يف عام ‪1948‬م ‪ ,‬والذي حتول إىل اتفاقية عامة ‪1966‬م ودخل دور التطبيق عام‬
‫‪1977‬م ‪ ,‬وإعالن منح االستقالل للبلدان والشعوب املستعمرة الصادر عن نفس اجلمعية‬
‫يف عام ‪1960‬م ‪ .‬فقد كان لإلعالن األول دور كبري يف نشأة القواعد العرفية اخلاصة‬
‫حبقوق اإلنسان ‪ ,‬أما الثاين فقد لعب دورًا حامسًا يف نشأة القواعد العرفية اخلاصة بتصفية‬
‫( ‪)1‬‬
‫االستعمار ‪.‬‬
‫هذا وقد أكدت حمكمة العدل الدولية يف قضية اإلفريز القاري لبحر الشمال ‪ ,‬إمكانية‬
‫إنشاء اإلعالنات العامة للعرف الدويل ‪.‬‬
‫فقد ادعت كل من الدمنرك وهولندا أن مبدأ املسافة املتساوية قد نشأ بوصفه قاعدة من‬
‫قواعد القانون الدويل العريف ‪ ,‬وذلك من خالل عمل جلنة القانون الدويل وإعالنات‬
‫احلكومات واملواقف اليت اختذهتا الدول يف مؤمتر جنيف ‪ ,‬ومل تنكر احملكمة أن القاعدة‬
‫العرفية ميكن أن تنشأ هبذه الطريقة إذا صورت على أهنا مبثابة القانون القائم واملطبق ‪.‬‬
‫وقد تأكد موقف احملكمة هذا يف قضية املصائد البحرية ‪ ,‬حيث استندت إىل إعالن صادر‬
‫عن مؤمتر جنيف ‪ ,‬وذلك بوصفه ممارسة دولية ساعدت على إنشاء قاعدة من قواعد‬
‫( ‪)2‬‬
‫القانون الدويل العريف ‪.‬‬
‫إن اعتب ــار اإلعالن ــات العام ــة منش ــئة للع ــرف ال ــدويل حيق ــق م ــيزة هام ــة تتلخص يف تف ــادي‬
‫املخاطر والعيوب املرتتبة على األخذ بالنظرية القائلة بأن الدول ميكنهــا تغيــري القــانون العــريف‬
‫عن طريق انتهاكه ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫فاعتبار اإلعالنات العامة منشئة ومكونة للعرف الدويل يساعد على تفادي احلرية والورطة‬
‫بشأن تغيري القانون الدويل العريف ‪ ,‬فبدًال من تغيريه عن طريق انتهاكه ‪ ,‬ميكن للدول أن‬
‫تعلن أن القاعدة القدمية مل تعد قائمة ‪ .‬فهذه إحدى الطرق املرغوب فيها للغاية بشأن‬
‫( ‪)3‬‬
‫تغيري القانون الدويل العريف ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )366‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )18‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )24‬‬

‫املطلب اخلامس‬
‫دور الشراح يف إنشاء العرف الدويل‬

‫ال تش ــكل آراء ش ــراح الق ــانون ال ــدويل ج ــزًء رمسيًا يف تك ــوين وإنش ــاء األع ــراف الدولي ــة ‪,‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫وجيمع الشراح على أن أمهية آرائهم قد تضاءلت بشكل ملحوظ يف الوقت احلاضر ‪.‬‬
‫وتتضح مسامهاهتم يف جمال العرف الدويل يف حتليل الوقائع واآلراء واستخالص النتائج‬
‫بشأن القواعد العرفية امللزمة وخبصوص االجتاهات واملواقف املتعلقة بنشوئها وتطورها ‪.‬‬
‫والواقع أن الشراح جبذهبم االنتباه إىل املمارسة الدولية وتقييمهم هلا يؤثرون بطريق غري‬
‫مباشر على نشوئها ومنوها ومن مث نشوء األعراف ‪.‬‬
‫أما املسامهة املباشرة من جانبهم فهي غري قائمة – كما أسلفت – وال يعتد مبمارستهم ‪,‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫إال إذا قبلتها الدول أو احملاكم الدولية ‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )36‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )37‬‬

‫املطلب السادس‬
‫دور أفراد اجملتمع يف إنشاء العرف الدويل‬

‫ال يرى القانون الدويل ‪ ,‬أي دور ميكن أن يقوم به أفراد اجملتمع إلنشاء العرف الدويل ‪,‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫وكما يقول دي فيشر ‪ " :‬يعد الفرد غريبًا عن العملية اخلالقة للقاعدة العرفية " ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من االهتمام الدويل – يف اآلونة األخرية – بالفرد وممارسته للحقوق وحتمله‬
‫لاللتزامات الدولية مبا يف ذلك ممارسته املطالبة الدولية مباشرة أمام احملاكم الدولية ‪ ,‬إال أنه‬
‫( ‪)2‬‬
‫ال يتمتع بالشخصية القانونية الدولية الالزمة إلنشاء العرف الدويل ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬حملمد سعيد الدقاق ‪( ,‬ص‪ , )173‬نقًال عن األستاذ دي فيشر ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )37‬‬

‫املطلب السابع‬
‫موقف الفقه اإلسالمي من األمور املنشئة‬
‫للعرف الدويل‬

‫ملعرفة رأي الفقه اإلسالمي فيمـا سـبق ذكـره من تصـرفات منشـئة للعـرف الـدويل ‪ ,‬يتطلب‬
‫األمــر اســتقراء املســائل الــيت بــىن الفقهــاء أحكــامهم فيهــا على العــرف الــدويل ‪ ,‬وبــالنظر فيمــا‬
‫تيس ــر احلص ــول علي ــه من ه ــذه املس ــائل ‪ ,‬وج ــد أهنم يقبل ــون األع ــراف الناش ــئة من األف ــراد ‪,‬‬
‫فضًال عن قبوهلم األعراف الناشئة من الدولة أو إحدى أجهزهتا ‪ .‬مما يعين أهنم أكثر توســعًا‬
‫من نظـ ــرة املدرسـ ــة اإلراديـ ــة الـ ــيت تقصـ ــر التصـ ــرفات على األجهـ ــزة ذات الصـ ــفة الدوليـ ــة ‪,‬‬
‫واملدرس ــة املوض ــوعية ال ــيت تض ــم لتص ــرفات األجه ــزة ذات الص ــفة الدولي ــة ‪ ,‬أجه ــزة الدول ــة‬
‫الداخلية ‪ .‬ولكن بشكل عام يؤكـد القـانون الـدويل مبختلـف مدارسـه ‪ ,‬عـدم إمكانيـة إنشـاء‬
‫العرف الدويل من قبل أفراد اجملتمع ‪ ,‬أو ما يعرف بالشعب ‪.‬‬

‫ومثال العرف الدويل الناشئ من أفراد اجملتمع ما ذكره حممد بن احلسن الشــيباين (‪ )1‬حيث‬
‫يقــول ‪ " :‬ولــو أن مســلما من أهــل العســكر يف منعتهم أشــار إىل مشــرك يف حصــن أو منعــة‬

‫‪118‬‬
‫هلم أن تعـ ــال ‪ ,‬أو أشـ ــار إىل أهـ ــل احلصـ ــن أن افتحـ ــوا البـ ــاب ‪ ,‬أو أشـ ــار إىل السـ ــماء فظن‬
‫املش ــركون أن ذل ــك أم ــان ففعل ــوا م ــا أم ــرهم ب ــه ‪ ,‬وق ــد ك ــان ه ــذا ال ــذي ص ــنع معروف ـًا بني‬
‫املسلمني وبني‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هو حممد بن احلسن بن فرقد ‪ ,‬فقيه العراق ‪ ,‬أبو عبد اهلل الشيباين الكويف ‪ ,‬صاحب أيب حنيفة‪ ,‬وأبو القانون‬
‫الدويل ‪ ,‬أصله من حرستة يف غوطة دمشق ‪ ,‬وولد يف واسط ‪ ,‬ونشأ يف الكوفة ‪ ,‬وهو إمام بالفقه واألصول ‪ ,‬وكذا‬
‫يعد من أشهر تالميذ أيب حنيفة ‪ ,‬وروى عن أيب حنيفة ومالك واألوزاعي ‪ ,‬وقد ويل القضاء للرشيد بعد القاضي‬
‫أبو يوسف ‪ ,‬ومن مؤلفاته ‪ :‬اجلامع الكبري ‪ ,‬واجلامع الصغري ‪ ,‬والسري الكبري ‪ ,‬واحلجة ‪ ,‬وغري ذلك ‪ ,‬تويف سنة‬
‫‪ 189‬هـ يف الري ‪ .‬انظر ‪ :‬سري أعالم النبالء ‪ ,‬للذهيب ‪ , )9/134( ,‬حتقيق ‪ :‬شعيب األرناؤوط وحممد نعيم‬
‫العرقسوسي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة الرسالة يف بريوت ‪ ,‬ط‪1413 , 9‬هـ ‪ ,‬واألعالم ‪ ,‬للزركلي ‪. )6/309( ,‬‬

‫أهل احلرب من أهل تلك الدار أهنم إذا صـنعوا ذلـك كـان أمانـًا فهـو أمـان جـائز مبنزلـة قولـه‬
‫قد أمنتكم ‪.‬‬
‫ألن أم ــر األم ــان مب ــين على التوس ــع والتح ــرز عم ــا يش ــبه الغ ــدر ‪ ,‬ف ــإذا ك ــان معروف ـًا بينهم ‪,‬‬
‫فالثابت بالعرف كالثابت بالنص ‪ ,‬فلو مل جيعل أمانًا كان غدرًا ‪ ,‬وإذا مل يكن معروفــا فقــد‬
‫اقــرتن بــه من داللــة احلال مــا يكــون مثــل العــرف أو أقــوى منــه وهــو امتثــاهلم أمــره ومــا أشــار‬
‫عليهم به فهو من أبني الداللة على املساملة ‪ .‬أال ترى أهنم لو قالوا هلم اخرجوا حــىت هتدموا‬
‫( ‪)1‬‬
‫هذا احلصن فخرجوا كانوا آمنني " ‪.‬‬
‫يف هــذه املســألة ميكن أن يفهم وجــوب احــرتام العــرف الــدويل ‪ ,‬ولكن مــا يهم هنــا هــو أن‬
‫هذا العرف الدويل ناشئ من أفراد ‪ ,‬وليس مرد نشوءه الدولة أو إحدى أجهزهتا ‪.‬‬
‫ولعل اإلتيان مبثال آخر يؤكد ما يراد الوصول إليه ‪ ,‬وليكن االجتاه هذه املرة حنو الفقه‬
‫احلنبلي ‪ ,‬حيث يقول ابن قدامة (‪ " : )2‬وليس ألهل احلرب دخول دار اإلسالم بغري أمان‬
‫ألنه ال يؤمن أن يدخل جاسوسًا أو متلصصًا فيضر باملسلمني ‪ ,‬فإن دخل بغري أمان سئل‬
‫‪ ,‬فإن قال جئت تاجرًا نظرنا ‪ ,‬فإن كان معه متاع يبيعه قبل قوله وحقن دمه ؛ ألن العادة‬
‫( ‪)3‬‬
‫جارية بدخول جتارهم إلينا وجتارنا إليهم " ‪.‬‬
‫يف هذا املثال ‪ ,‬يظهر عرف دويل ناشئ من اعتياد التجار ألمر معني ‪ ,‬وهو بال شك ناشــئ‬
‫ومتك ــون ع ــرب أم ــر ال م ــدخل للس ــلطة في ــه ‪ ,‬ب ــل من طائف ــة من أف ــراد اجملتم ــع وهم التج ــار ‪,‬‬

‫‪119‬‬
‫وبن ــاًء على ذل ــك ميكن الق ــول أن ــه ال م ــانع ل ــدى الفق ــه اإلس ــالمي أن ينش ــئ الع ــرف ال ــدويل‬
‫أشخاص ال عالقة هلم باألجهزة الدولية أو حىت الداخلية للدولة ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السري الكبري ‪ ,‬حملمد بن احلسن الشيباين ‪ ,‬وشرحه ‪ ,‬حملمد بن أمحد السرخسي ‪ , )2/281( ,‬حتقيق ‪ :‬صالح‬
‫الدين املنجد ‪ ,‬وعبد العزيز أمحد ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مطبعة شركة اإلعالنات الشرقية ‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو أبو حممد عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة بن مقدام بن نصر اجلماعيلي املقدسي ‪ ,‬يتصل نسبة بعمر بن‬
‫اخلطاب ‪ ,‬ولد سنة ‪541‬هـ يف مجاعيل بقرب نابلس ‪ ,‬ورحل إىل بغداد يف طلب العلم سنة ‪561‬هـ ‪ ,‬وهو إمام‬
‫وفقيه وأصويل ‪ ,‬وله من املؤلفات ‪ :‬املغين ‪ ,‬والكايف ‪ ,‬وروضة الناظر ‪ ,‬تويف سنة ‪ . 620‬انظر ‪ :‬سري أعالم النبالء‬
‫‪ ,‬للذهيب ‪ , )22/166( ,‬واألعالم ‪ ,‬للزركلي ‪)4/169( ,‬‬
‫(‪ )3‬املغين ‪ ,‬البن قدامة ‪ , )9/281( ,‬الناشر ‪ :‬دار الفكر يف بريوت ‪ ,‬ط‪1405 , 1‬هـ ‪1984 ,‬م ‪.‬‬
‫وقد ينشأ العرف الدويل من اعتياد اجلنود ألمر معني ‪ ,‬وميكن القول أنه ناشئ من السلطة‬
‫العسكرية ‪ ,‬فهذا الشريازي (‪ )1‬يقول ‪ " :‬وإن بارز مشرك مسلمًا من غري شرط جاز لكل‬
‫أحد أن يرميه ؛ ألنه حريب ال أمان له ‪ ,‬وإن شرط أن ال يقابله غري من برز إليه ‪,‬مل جيز‬
‫رميه وفاء بشرطه ‪ ,‬فإن وىل عنه خمتارًا أو مثخنًا أو وىل عنه املسلم خمتارًا أو مثخنًا ‪ ,‬جاز‬
‫لكل أحد رميه ؛ ألنه شرط األمان يف حال القتال وقد انقضى القتال فزال األمان ‪.‬‬
‫وإن استنجد املشرك أصحابه يف حال القتال فأجندوه أو بدأ املشركون مبعاونته فلم مينعهم‬
‫جاز لكل أحد رميه ؛ ألنه نقض األمان وإن أعانوه فمنعهم فلم يقبلوا منه فهو على أمانه‬
‫؛ ألنه مل ينقض األمان وال انقضى القتال ‪.‬‬
‫وإن مل يشرتط ولكن العادة يف املبارزة أن ال يقاتله غري من يربز إليه ‪ ,‬فقد قال بعض‬
‫أصحابنا إنه يستحب أن ال يرميه غريه ‪ ,‬وعندي أنه ال جيوز لغريه رميه وهو ظاهر النص‬
‫؛ ألن العادة كالشرط ‪ ,‬فإن شرط أن ال يقاتله غريه وال يتعرض له إذا انقضى القتال حىت‬
‫يرجع إىل موضعه ‪ ,‬وىف له بالشرط ‪ ,‬فإن وىل عنه املسلم فتبعه ليقتله ‪ ,‬جاز لكل أحد أن‬
‫( ‪)2‬‬
‫يرميه ؛ ألنه نقض الشرط فسقط أمانه " ‪.‬‬
‫يتضح يف هذه املسألة إمكانية نشأة العرف من اجلنود ‪ ,‬فقد ينشئ عــرف بينهم يقضــي بــأن‬
‫ال يقتــل املبــارز غــري املبــارز الــذي يقابلــه ‪ ,‬وحينئــذ يعمــل بــالعرف ألنــه كالشــرط ‪ ,‬وال جيوز‬
‫بالتايل أن يقتله اجلنـود اآلخـرون ‪ .‬والشـاهد هنـا كمـا سـبق ذكـره إمكانيـة نشـأة العـرف من‬
‫السلطة العسكرية أو حىت من العسكريني أنفسهم ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫هــذا وقــد ينشــأ العــرف الــدويل يف الفقــه اإلســالمي من الســلطة التنفيذيــة ‪ ,‬وخــري من ميثلهــا‬
‫احلاكم ‪ ,‬إذ ميكن له أن يكـون سـببًا يف إنشـاء العـرف الـدويل ‪ ,‬ومثـال ذلـك ‪ :‬مـا روي عن‬
‫عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه من أنه ملا أمر العشار بأخذ ربع العشر من جتار املسلمني‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ه ــو إب ــراهيم بن علي بن يوس ــف الفريوزآب ــادي الش ــريازي الش ــافعي ‪ ,‬ول ــد يف فريوزب ــاد بف ــارس س ــنة ‪393‬هـ ـ ‪,‬‬
‫وانتقل إىل شرياز وتعلم هبا ‪ ,‬ومنها إىل بغداد سنة ‪415‬هـ فأكمل تعليمه ‪ ,‬وكان زاهدًا ورعـًا متواضـعًا جـوادًا كرميا‬
‫‪ ,‬وتـ ــويف سـ ــنة ‪476‬هـ ـ ـ ‪ ,‬ولـ ــه ‪ :‬املهـ ــذب واللمـ ــع والتبصـ ــرة وغـ ــري ذلـ ــك ‪ .‬انظـ ــر ‪ :‬سـ ــري أعالم النبالء ‪ ,‬للـ ــذهيب ‪( ,‬‬
‫‪ , )18/452‬واألعالم ‪ ,‬للزركلي ‪. )1/44( ,‬‬
‫(‪ )2‬املهذب ‪ ,‬للشريازي ‪ , )5/266( ,‬حتقيق ‪ :‬حممد الزحيلي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار القلم يف دمشق ‪1417 ,‬هـ ‪,‬‬
‫‪1996‬م ‪.‬‬
‫ونص ــف العش ــر من جتار أه ــل الذم ــة ‪ ,‬ق ــال ‪ :‬كم يأخ ــذ أه ــل احلرب من جتارن ــا ‪ ,‬ق ــالوا ‪:‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫العشر ‪ ,‬قال ‪ :‬فخذوا منهم العشر ‪ ,‬مث أصبحت بعد ذلك عرفًا دوليًا بينهم ‪.‬‬
‫وقد ينشأ العرف الدويل من قضاة احملاكم الداخلية ‪ ,‬فهذا سحنون القاضي (‪ )2‬بعد أن تـوىل‬
‫منص ــب قاض ــي القض ــاة ‪ ,‬أختذ ص ــاحب املظ ــامل ‪ ,‬وه ــو م ــا يع ــرف – يف ال ــوقت احلاض ــر –‬
‫بالقضاء املستعجل ‪ ,‬وكذلك فعل يف االختصاص القيمي حيث كلف أحد القضاة ليحكم‬
‫بني الن ــاس يف األس ــواق ‪ ,‬وأذن ل ــه أن حيكم فيم ــا ال يتج ــاوز قيمت ــه عش ــرين دين ــارًا ‪ )3( .‬مث‬
‫أصبح أمرًا متعارفًا عليه بني احملاكم ‪.‬‬

‫وبالت ــايل ميكن الق ــول أن الفق ــه اإلس ــالمي ‪ ,‬يبتع ــد كث ــريًا عن م ــا ق ــرره أص ــحاب املدرس ــة‬
‫اإلرادية من أن العرف الدويل ال ينشئ إال من السلطة املختصــة بعقــد املعاهــدات ‪ ,‬ويقــرتب‬
‫من املدرس ــة املوض ــوعية ‪ ,‬ال ــيت ت ــرى إمكاني ــة إنش ــاء الع ــرف ال ــدويل من األجه ــزة الداخلي ــة‬
‫للدولة ‪ ,‬بل ويزيد على هذه املدرسة قبوله األعراف الدولية الناشئة من اجملتمع وأفراده ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬السري الكبري ‪ ,‬حملمد بن احلسن الشيباين ‪ ,‬وشرحه ‪ ,‬حملمد بن أمحد السرخسي ‪. )5/1790( ,‬‬
‫(‪ )2‬هو أبو سعيد عبد السالم بن سعيد بن حبيب بن حسان بن هالل بن بكار بن ربيعة التنوخي احلمصي املغريب‬
‫‪ ,‬ولد سنة ‪160‬هـ يف القريوان ‪ ,‬وويل القضاء هبا ‪ ,‬وهوصاحب املدونة ‪ ,‬اتصف بالعقل والديانة والورع واجلود‬
‫والزهد ‪ ,‬مسع من سفيان بن عيينه ووكيع والوليد بن مسلم وغريهم ‪ ,‬ومل يتوسع يف احلديث كما توسع يف‬
‫الفروع ‪ ,‬وأخذ عنه ابنه حممد وأصبغ بن خليل وبقي بن خملد وغريهم ‪ ,‬تويف سنة ‪240‬هـ عن عمر يناهز الثمانني‬
‫سنة ‪ .‬انظر ‪ :‬سري أعالم النبالء ‪ ,‬للذهيب ‪ , )69-12/63( ,‬واألعالم ‪ ,‬للزركلي ‪. )4/129( ,‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬العرف وأثره يف التشريع اإلسالمي ‪ ,‬ملصطفى عبد الرحيم أبو عجيله ‪( ,‬ص‪ , )50‬الناشر ‪ :‬املنشأة‬
‫العامة للنشر والتوزيع واإلعالن يف طرابلس الغرب ‪1986 ,‬م ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫أركان العرف الدويل‬

‫ويشتمل على املطالب اآلتية ‪:‬‬

‫‪122‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬أركان العرف الدويل يف‬
‫القانون الدويل العام‬
‫املطلب الثاين أركان العرف الدويل يف الفقه‬
‫اإلسالمي‬

‫المطلب األول‬
‫أركان العرف الدويل يف القانون الدويل العام‬

‫ويشتمل على الفروع اآلتية ‪:‬‬

‫‪123‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬الركن املادي‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬الركن املعنوي‬

‫الفرع األول‬
‫الركن املادي‬

‫هو العمل أو التصرف الصادر من الشخص الدويل ‪ ,‬أو ما يطلق عليه بعض شراح القانون‬
‫الدويل مصطلح املمارسة ‪ )1( .‬ولكن بعض الشراح يعرفه بأنـه ‪ :‬عنصـر التكـرار أو االعتيـاد‬
‫(‪ )2‬وهــذا مشــكل ؛ ألن التكــرار شــرط من شــروط العــرف الــدويل ‪ ,‬وليس ركنـًا فيــه ‪ ,‬وإمنا‬
‫الــركن املادي فيــه هــو التصــرف ‪ ,‬أمــا شــروط هــذا التصــرف فيمكن أن يكــون التكــرار من‬
‫بينها ‪ ,‬ولذا سيتم احلديث عنه يف شروط العرف الدويل ‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫ومن اجلدير بال ــذكر أن ــه ال يش ــرتط أن يك ــون التص ــرف إجيابي ـًا ب ــل إن التص ــرف الس ــليب أو‬
‫االمتناع قد يكفي ‪ .‬وقد أيدت ذلك حمكمة العدل الدولية سـنة ‪1927‬م يف قضـية اللـوتس‬
‫‪ ,‬إذ قــررت احملكمــة أن العــرف قــد يــرتتب على أســاس االمتنــاع عن اختاذ تصــرف يف حالــة‬
‫(‪)3‬‬
‫معينة ‪ ,‬مىت اقرتن هذا االمتناع بالعنصر املعنوي ‪.‬‬
‫كذلك ذهبت حمكمة العدل الدولية إىل إسـناد هـذا الـدور للسـلوك السـليب يف قضـية املصـائد‬
‫بني ال ــنرويج واجنل ــرتا ‪ ,‬ف ــذهبت إىل الق ــول بوج ــود ع ــرف ثن ــائي جنم عن س ــلوك إجيايب من‬
‫(‪)4‬‬
‫جانب النرويج تبعه سكوت استغرق زمنًا طويًال من جانب اجنلرتا ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )7‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ‪( ,‬ص‪. )72‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حامد سلطان ‪ ,‬والدكتورة عائشة راتب ‪ ,‬والدكتور صالح الــدين عــامر‬
‫‪( ,‬ص‪. )50‬‬
‫(‪ )4‬انظر القانون الدول ‪ ,‬ي حملمد سعيد الدقاق ‪( ,‬ص‪. )189‬‬

‫الفرع الثاين‬
‫الركن املعنوي‬

‫ه ــو اعتق ــاد ال ــدول بوج ــوب تط ــبيق تل ــك القاع ــدة على س ــبيل اإلل ــزام ‪ ,‬وأن من س ــيخالفها‬
‫س ــوف ينال ــه ج ــزاء ‪ ,‬س ــواء ك ــان ه ــذا اجلزاء منظم ـًا ختتص ب ــه إح ــدى الس ــلطات ‪ ,‬أو غ ــري‬
‫منظم خيتص به كافة أفراد اجملتمع الدويل ‪ )1( .‬فال بد من رسوخ االعتقاد بـأن هـذه القاعـدة‬
‫العرفية أصبحت واجبة االتباع باعتبارها قاعدة هلا ما لسائر القواعـد القانونيـة من قـوة إلـزام‬
‫( ‪)2‬‬
‫‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫مبعــىن أن الــدول تقــر بكــون العــرف ملــزم قانونـًا ‪ ,‬وتعــرتف للقاعــدة العرفيــة الســلوكية بصــفة‬
‫القاع ــدة القانوني ــة الدولي ــة ‪ ,‬فه ــذا االع ــرتاف ه ــو وح ــده ال ــذي حيتم عملي ــة تك ــوين القاع ــدة‬
‫( ‪)3‬‬
‫العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬وعند هذا فقط يتخذ العرف الدويل صفة قانونية ‪.‬‬
‫إذًا هو شعور واعتقاد يرتسخ لدى الدول واملنظمات الدولية بأن السلوك الذي تسري عليه‬
‫أو السوابق اليت تكررت يف جمال معني نابعة من واجب مفروض عليها ‪ ،‬وأهنا ملزمة‬
‫مبراعاة ذلك باعتباره قانونًا غري مكتوب‪.‬‬
‫ويعترب الركن املعنوي عبارة عن الشعور بالواجب القانوين املصاحب لعمل مادي تواتر مرة‬
‫بعد أخرى يف حل مشكلة أو جتاه قضية معينة‪.‬‬
‫فالركن املادي وحده ال يكفي لتحول السلوك الدويل إىل قاعدة قانونية ملزمة ‪ ,‬وإمنا جيب‬
‫فضًال عن ذلك توفر االعتقاد من جانب أشخاص القانون الدويل بضرورة مثل هذا‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد حافظ غامن ‪( ,‬ص‪. )92‬‬
‫(‪ )2‬انظــر ‪ :‬القــانون الــدويل اخلاص ‪ ,‬دراســة لقواعــد العامــة وتطبيقاتــه يف اململكــة العربيــة الســعودية ‪ ,‬للــدكتور حممــد‬
‫احلسيين مصيلحي ‪( ,‬ص‪. )61‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للـدكتور عـدنان طــه مهـدي الـدوري والـدكتور عبـد األمـري العكيلي ‪( ,‬ص‪. )74‬‬
‫والقانون الدويل العام ‪ ,‬لشارل روسو ‪( ,‬ص‪. )84‬‬
‫السلوك ‪ .‬فالتعبري عن الرضا الذي يشاهد يف املعاهدات الدولية من خالل املفاوضات‬
‫والتوقيع والتصديق ‪ ,‬قد حل حمله سلوك متكرر ومتطابق مصحوب بعقيدة اإللزام ‪ ،‬يدعو‬
‫الدول إىل العمل على احرتام القاعدة وفرضها باعتبارها ملزمة قانونًا‪.‬‬
‫فالقانون االتفاقي (املعاهدات) أساسه الرضا ‪ ،‬بينما القانون الدويل العريف أساسه التوافق‬
‫أي القبول التلقائي من خالل اإلحساس أو االعتقاد بأن السلوك قد أصبح ملزمًا ؛ ألنه‬
‫ضرورة حلكم العالقات بني أشخاص القانون الدويل ‪ ،‬ومناسب هلذه العالقات ‪ ،‬وشرط‬
‫حلسن النظام الدويل فهو شعور أو إحساس أو اعتقاد فيما هو واجب قانونًا‪.‬‬
‫وكما قال جورج سل‪ " :‬إن التكرار للسوابق وحده ال يكفي إلنشاء القاعدة العرفية‬
‫مهما طال الزمن ‪ ،‬وأن العرف ال يوجد إال إذا كان السلوك مصحوبًا بعقيدة اإللزام أو‬
‫اإلحساس بأن هناك واجبًا على الدول أن تراعيه ‪ ,‬وأن خمالفته تعد خرقًا للقانون " ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫والركن املعنوي وفقًا هلذا التعريف يتضمن إشارة واضحة إىل االعتقاد الذهين من جانب‬
‫أشخاص القانون الدويل ‪ ,‬والرغبة يف احلفاظ على السلوك يف شكل معني ‪ ،‬وأن هذا‬
‫االعتقاد نابع من شعورهم بأن التصرف على حنو معني هو أمر مطلوب قانونًا ‪.‬‬
‫وأن السلوك الذي تتبعه الدول ‪ ،‬ولكنها تشعر حياله بإمكانية التنصل منه أو اخلروج عليه‬
‫يف أي وقت ال ميكن اعتباره قاعدة قانونية عرفية ‪ ،‬وإمنا يعترب نوعًا من ا لصدف التحكمية‬
‫( ‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫ولقد أشارت املادة ‪ 38‬من النظـام األساسـي حملكمـة العـدل الدوليـة إىل هـذا الـركن املعنـوي‬
‫وذلك عندما وصفت العرف الدويل بأنه ‪ " :‬تطبيق عام مقبول مبثابة القانون " ‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫" ومما سهل عملية االلتزام هذه هي سرياهنا بني الدول على أساس مبدأ املعاملة باملثل "‪.‬‬
‫ووجود هذا الركن هو الذي مييز احلكم املستمد من العرف عن األحكام األخرى غري‬
‫( ‪)3‬‬
‫امللزمة كأحكام العادات الدولية واجملامالت الدولية وحنوها ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )566-565‬‬
‫(‪ )2‬الدبلوماسية املعاصرة واسرتاتيجية إدارة املفاوضات ‪ ,‬للدكتور ثامر كامل حممد ‪( ,‬ص‪ , )89‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫املسرية ‪ ,‬ط‪1421 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقد سبق احلديث عن الفرق بينها وبني العرف الدويل يف (ص ‪. )48‬‬
‫وهذا ما بينته حمكمة العدل الدولية يف حكمها يف قضــية حــق امللجـأ (‪ )1‬عــام ‪1950‬م حيث‬
‫بينت أمهية مراجعة السـوابق الـيت يسـتند عليهـا إلثبـات العـرف ‪ ,‬ملعرفـة مـا إذا كـانت الـدول‬
‫قد طبقت القاعدة العتقادها بأهنا قاعدة قانونية ملزمة ‪ ,‬أو أهنا أتت جمرد جماملة دولية ‪.‬‬
‫وبش ــكل ع ــام ق ــالت احملكم ــة‪ " :‬إن اعتب ــارات املالءم ــة أو جمرد الكياس ــة السياس ــية هي ال ــيت‬
‫حــدت بالدولــة إىل االع ــرتاف بــاللجوء دون أن يكــون هــذا القــرار قــد أملي عليهــا بواســطة‬
‫الشعور بالواجب القانوين ال جيعل القاعدة القانونية ملزمة ‪.‬‬
‫وإن اللجــوء – كمــا طبقتــه دول أمريكــا اجلنوبيــة – هــو أســلوب وجــد إطــاره يف اعتبــارات‬
‫تقــع خــارج دائــرة القــانون ‪ ,‬فالســلوك مل يكن غــري مؤكــد ومتنــاقض فحســب ‪ ،‬وإمنا أيض ـًا‬
‫كان متأثرًا باعتبارات املالءمة السياسية يف كثري من األحيان لدرجة يستحيل معها اســتنتاج‬
‫( ‪)2‬‬
‫سلوك مقبول مبثابة القانون " ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫وهلذا جيب أال ُتعد سابقة صاحلة لتكوين العرف ‪ ,‬تصرفًا قصدت به دولة ما جماملة دولة‬
‫أخرى حتسينًا للعالقات اليت تربطهما ‪ ,‬وأال ُيعتد بغري السوابق اليت يستفاد منها اعتقاد‬
‫( ‪)3‬‬
‫الدولة أهنا ملزمة بالتصرف على هذه الصورة ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ويطلق على هذه القضية اسم ( هايادي ال تـوري ) وهـو قائـد الثـورة ضـد حكومـة البـريو ‪ ,‬حيث فـر إىل سـفارة‬
‫كولومبيا بالعاصمة ليما وحصل على حق اللجوء السياسي ‪ ,‬لكن البريو رفضت الرتخيص له مبغادرة إقليمهـا الشـيء‬
‫الذي دفع كولومبيا إىل رفع قضية أمام حممكة العدل الدولية ‪ ,‬وطلبت من احملكمة أن تقر هلا حق حتديد نوعيــة خطــأ‬
‫التــوري ومــا إذا كــان إجرامي ـًا ‪ ,‬وعليــه يســلم للســلطات املختصــة ببلــده أو سياســيًا وبالتــايل حيق لكولومبيــا أن متنحــه‬
‫اللجوء السياسي على أساس قواعد العرف الدويل ‪ ,‬ورفضـت احملكمـة تواجـد مثـل هـذا احلق بسـبب عـدم تكـون مثـل‬
‫ه ــذه القاع ــدة بقوهلا ‪ " :‬إن الوق ــائع املعروض ــة أم ــام احملكم ــة تعكس كث ــريًا من ع ــدم الثب ــات وع ــدم اليقني أو التن ــاقض‬
‫وكث ــريا من الس ــطحية والتع ــارض يف ممارس ــة اللج ــوء الدبلوماس ــي ويف اآلراء الرمسية املع ــرب عنه ــا يف مناس ــبات عدي ــدة‬
‫حيث يوجـد نقص يف االسـتمرار وكـذلك تتـابع النصـوص االتفاقيـة املتعلقـة بـاللجوء واملصـدق عليهـا من بعض الـدول‬
‫واملرفوضــة من قبــل دول أخــرى وأن الســلوك كــان متــأثرًا يف هــذه النقطــة باعتبــارات املالءمــة السياســية يف عديــد من‬
‫املناســبات لدرجــة أنــه يصــعب معهــا اســتنتاج عــرف دائم وموحــد ومقبــول مبثابــة قــانون فيمــا يتعلــق بالقاعــدة املزعومــة‬
‫للتكــييف الفــردي والنهــائي للفعــل أو اجلنحــة " ‪ .‬انظــر ‪ :‬مبــادئ القــانون الــدويل العــام ‪ ,‬للــدكتور حممــد بوســلطان ‪( ,‬‬
‫‪ . )1/63‬وانظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )580‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )571‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد حافظ غامن ‪( ,‬ص‪ , )92‬نقًال عن انزلويت ‪.‬‬

‫ويف صدد قواعد التحكيم نتج عن تكرار اتباع الدول هلذه القواعد ومتسكها هبا أن تولد‬
‫( ‪)1‬‬
‫اإلحساس املعنوي بصريورهتا ملزمة ‪.‬‬
‫ويف قضية املسطح القاري لبحر الشمال (‪ )2‬عام ‪1969‬م أشارت حمكمة العدل الدولية إىل‬
‫أن األعمال اليت تظهر هذا اإللزام جيب أن تظهر بطبيعتها أو بالشكل الذي متت به قناعة‬
‫( ‪)3‬‬
‫بأن هذا التصرف أصبح ذا صفة إلزامية بوجود قاعدة قانونية ‪.‬‬
‫وقد وضعت احملكمة يف حكمها نظرية شاملة حول العرف الدويل بركنيه املادي واملعنوي‬
‫فقد قالت‪ " :‬إن سلوك الدول ‪ ،‬وخاصة تلك املعنية باملشكلة ‪ ،‬جيب أن يكون شائعًا ‪،‬‬
‫وموحدًا من الناحية العملية ‪ ,‬وأن يبدو يف شكل يدل على االعرتاف العام حبقيقة أن‬
‫قاعدة قانونية أو االلتزام قانوين قد نشأ " ‪ .‬وأضافت‪" :‬ليس مطلوبًا فقط أن تكون‬
‫التصرفات حمل البحث ممثلة لتطبيق دائم ‪ ،‬ولكن فضًال عن ذلك جيب أن تدل بطبيعتها أو‬

‫‪128‬‬
‫بطريقة تنفيذها أو تطبيقها على االعتقاد بأن هذا السلوك قد أصبح ملزمًا بوجوده كقاعدة‬
‫قانونية ‪ ,‬وأضافت بأن الدول املعنية جيب أن يتوافر لديها الشعور بأهنا تسلك أو تتصرف‬
‫وفقًا ملا هو قانون ‪ ,‬فال الشيوع وحده يكفي ‪ ،‬وال تكرار السوابق وحده يكفي إلنشاء‬
‫القاعدة العرفية " ‪.‬‬
‫وضربت احملكمة مثًال واضحًا على تكرار السلوك الذي مل يشكل حىت اآلن قاعدة عرفية‬
‫دولية فقالت‪ " :‬إن كثريًا من التصرفات يف حقل اجملامالت الدبلوماسية واالحتفاالت‬
‫الربتوكولية ‪ ،‬واليت تتكرر بشكل روتيين‪ ،‬ويف صورة متشاهبة منذ قرون مل تشكل مع‬
‫ذلك‬
‫عرفا دوليًا ملزمًا ؛ ألن باعثها هو اجملاملة واملالئمة أو التقليد ‪ ,‬وليس الشعور بالتزام‬
‫( ‪)4‬‬
‫قانوين "‪.‬‬
‫ويف قض ــية الل ــوتس (‪ )5‬ع ــام ‪1927‬م خلص ــت حمكم ــة الع ــدل الدولي ــة خالف ـًا لوجه ــة النظ ــر‬
‫الفرنسية إىل أن االمتناع عن إتيان سلوك معني ال يعترب سابقة ‪ ,‬ما مل يقرتن بالشعور‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ‪ ,‬للدكتور الشافعي حممد بشري ‪( ,‬ص‪. )73‬‬
‫(‪ )2‬قد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص‪. )74‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور إبراهيم أمحد شليب ‪( ,‬ص‪. )347‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )569-568‬‬
‫(‪ )5‬قد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص‪. )73‬‬
‫بوج ــوب االمتن ــاع قانونـ ـًا ‪ ,‬وق ــالت ‪ " :‬ميكنن ــا احلديث فق ــط عن ع ــرف دويل إذا م ــا ك ــان‬
‫( ‪)1‬‬
‫االمتناع عن حماكمة الربان مؤسسًا على الشعور بواجب االمتناع " ‪.‬‬
‫ويف قضية األنشطة العسكرية وشبه العسكرية يف نيكاراجوا بتاريخ ‪ 26‬يونيو عام‬
‫‪1986‬م قالت حمكمة العدل الدولية ‪ " :‬جيب على احملكمة أن تطمئن بأن العمل والتطبيق‬
‫( ‪)2‬‬
‫الصادر عن الدول يؤيده الضمري القانوين واإلحساس بوجود القاعدة الدولية "‪.‬‬
‫وملا كان هذا التطور معنويًا فليس من اليسري التحقق من وجوده إال عن طريق ذيوع‬
‫اإلحساس به ‪ ,‬لذلك تعمد الدول اليت متارس تصرفًا معينًا ‪ ,‬أو اليت يصدر يف مواجهتها‬
‫تصرف معني وال ترغب يف ترتيب حكم عريف عليه ‪ ,‬إىل طرق خمتلفة لإلعراب عن فقدان‬
‫االعتقاد لديها بالضرورة القانونية هلذا التصرف ‪ ,‬ومن بني هذه الطرق ما هو ذا طابع‬

‫‪129‬‬
‫دبلوماسي كاالحتجاج على صدور التصرف ‪ ,‬ومن ذلك احتجاج الواليات املتحدة‬
‫األمريكية على احلكم الذي صدر يف قضية الديون النروجيية عام ‪ , 1923‬ومنها ما هو ذا‬
‫طابع قانوين كاللجوء إىل أسلوب التدخل ‪ ,‬أو إبداء الرأي املخالف ‪ ,‬أو قبوله مع إبداء‬
‫( ‪)3‬‬
‫التحفظات ‪ ,‬أو قبوله مع إبداء رأي الدولة يف أن هذا القبول ال يعد سابقة ‪.‬‬
‫ولكن هل حيتج بقاعدة عرفية يف مواجهة دولة أعلنت دومًا معارضتها هلا ؟‬
‫أجابت حمكمة العدل الدولية على هذا السؤال بالنفي يف إحدى القضايا واإلجياب يف‬
‫قضية‬
‫أخرى ‪ ,‬ففي قضية املصائد – الدائرة بني انكلرتا والنرويج ‪-‬كان على احملكمة أن تبحث‬
‫يف وجود قاعدة عرفية جتعل من اخللجان اليت ال يزيد اتساع فتحتها عن عشرة أميال جزًء‬
‫من املياه الداخلية للدولة ‪ ,‬والحظت احملكمة أن بعض الدول قد تبنت تلك القاعدة سواء‬
‫يف تشريعاهتا الوطنية أم يف املعاهدات واالتفاقات املعقودة فيما بينها وبني الدول األخرى ‪,‬‬
‫وأن بعض قرارات التحكيم قد طبقتها يف العالقة بني تلك الدول ‪ ,‬إال أهنا أضافت أن‬
‫دوًال أخرى قد تبنت يف املقابل رأيًا خمتلفًا ‪ ,‬األمر الذي خلصت معه احملكمة إىل أن‬
‫القاعدة ليست قاعدة من قواعد القانون الدويل ‪ ,‬ومل تكتف احملكمة عند هذا احلد بل‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )370‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )568‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حامد سلطان ‪ ,‬والدكتورة عائشة راتب ‪ ,‬والدكتور صالح الدين عامر‬
‫‪( ,‬ص‪ . )51‬و انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ‪ ,‬للدكتور إحسان هندي ‪( ,‬ص‪. )94‬‬
‫خلصت كذلك إىل عدم جواز االحتجاج هبذه القاعدة يف مواجهة النرويج اليت أعلنت‬
‫صراحة عن رفضها هلا وقاومت باستمرار احملاوالت الرامية لتطبيقها على الشواطئ‬
‫النروجيية ‪.‬‬
‫ولكن احملكمة أخذت بوجهة نظر مغايرة يف رأيها االستشاري يف قضية ناميبيا فقد‬
‫خلصت احملكمة إىل أن امتناع األعضاء الدائمني يف جملس األمن عن التصويت ال حيول‬
‫دون صدور قرار عن اجمللس ‪ ,‬وذلك خالفًا لوجهة نظر جنوب إفريقيا اليت استندت إىل‬
‫املادة ‪ 27‬من ميثاق األمم املتحدة للطعن يف صحة قرارات اجمللس اليت تضع حدًا النتداهبا‬
‫على إقليم ناميبيا ‪ ,‬وأكدت احملكمة أن املمارسة العامة املتبعة من املنظمات الدولية تشكل‬

‫‪130‬‬
‫قاعدة عرفية مقبولة عمومًا من أعضاء األمم املتحدة دون ما حاجة لرضا مجيع أعضاء‬
‫اجمللس وال النقضاء مدة طويلة على املمارسة ‪ ,‬وأنه حيتج هبا يف مواجهة جنوب أفريقيا‬
‫حىت وإن مل تؤيدها صراحة بل وحىت إذا عربت عن اعرتاضها عليها ‪.‬‬
‫ويؤيد القرار األول للمحكمة ما يذهب إليه الكتاب اإلراديون ‪ -‬أصحاب املدرسة‬
‫الوضعية ‪ -‬من أن حق الدولة أن تعفي نفسها من القاعدة العرفية ال يعفيها من االلتزام‬
‫بالقاعدة العرفية ‪ ,‬فقد رفضت جنوب إفريقيا قبل التحوالت الدميقراطية فيها على الدوام‬
‫االعرتاف لقاعدة عدم التمييز بوصف القاعدة العرفية ‪ ,‬غري أن أحدًا مل يقل بإعفاء جنوب‬
‫( ‪)1‬‬
‫أفريقيا من تطبيق تلك القاعدة ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )371‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫أركان العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‬

‫يف املطلب الس ــابق ُع ِر ف أن ش ــراح الق ــانون ال ــدويل الع ــام جيعل ــون للع ــرف رك ــنني ‪ ,‬م ــادي‬
‫ومعنوي ‪ .‬ولكن هل األمر مشاهبة بالنسبة للفقهاء ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫الواقع أن الفقهاء املتقدمني مل يذكروا أركانًا للعرف ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫ولكن بناًء على تعريفاهتم للعرف ‪ ,‬وبناًء على ما يظن أنــه أقــرب للصــواب ‪ ,‬ميكن اســتنتاج‬
‫وجود ركن مادي للعرف ‪ ,‬وهو ما يعرف بالفعل أو التصرف ‪.‬‬
‫ولكن بعض الفقه ــاء املت ــأخرين (‪ )2‬جيع ــل االعتي ــاد ركنـ ـًا ماديـ ـًا هلذا الع ــرف ‪ ,‬وه ــذا جمانب‬
‫للص ــواب ؛ ألن االعتي ــاد أو م ــا يع ــرف ب ــالتكرار ش ــرط من ش ــروط الع ــرف ال ــدويل ‪ ,‬وليس‬
‫ركنًا فيه ‪.‬‬
‫وبناًء على هذا الكالم ‪ ,‬ال يوجد فرق بني الفقه اإلسالمي والقانون الدويل العام من حيث‬
‫أن الفعل هو املكون للركن املادي للعرف الدويل ‪.‬‬
‫ولكن مثة فرق بسيط بينهما ‪ ,‬وهو أن هذا الفعل يف القانون الدويل ميكن أن يصدر من‬
‫األجهزة الدولية – بناًء على رأي املدرسة اإلرادية – وميكن أن يصدر كذلك من‬
‫األجهزة الداخلية ذات العالقة باألمور الدويل – حبسب رأي املدرسة املوضوعية ‪ ,‬ولكن‬
‫الفعل يف الفقه اإلسالمي ميكن أن يصدر من أجهزة الدولة باإلضافة إىل أفراد اجملتمع ‪.‬‬

‫وأما خبصوص الركن املعنوي للعرف ‪ ,‬أو ما يعرف بعقيدة اإللزام ‪ ,‬فإن الفقهاء املتأخرين‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬قاعدة العادة حمكمة ‪ ,‬للشيخ يعقوب بن عبد الوهاب الباحسني ‪( ,‬ص‪ , )57‬الناشر ‪ :‬مكتبة الرشد ‪,‬‬
‫ط‪1423 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القضاء والعرف يف اإلسالم ‪ ,‬لسمري عالية ‪( ,‬ص‪ , )157‬الناشر ‪ :‬املؤسة اجلامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع ‪ ,‬ط‪1406 , 1‬هـ ‪.‬‬

‫قد تباينت أقواهلم فيه ‪ ,‬فمنهم من جيعله شرطًا من شروط العرف وليس ركنًا ‪ ,‬ويصرح‬
‫( ‪)1‬‬
‫بأن قواعده احملكمة ال تأىب اشرتاطه ‪.‬‬
‫ومنهم من جيعل ــه نتيج ــة لش ــروط الع ــرف ‪ ,‬وأن ــه إذا اجتمعت الش ــروط فإن ــه يص ــبح ملزمـ ـًا‬
‫( ‪)2‬‬
‫ومعتربًا يف التشريع ‪.‬‬
‫ومنهم من يصرح بكونه ركنًا من أركان العرف ‪ ,‬فيقول ‪ " :‬على الرغم من خلو املراجع‬
‫الفقهية اإلسالمية من اإلشارة إىل الركن املعنوي بشكل بارز وواضح ‪ ,‬فإنه ميكن القول‬
‫أن الفقه اإلسالمي يتطلب أن يكون العرف ملزمًا وواجب االتباع شرعًا ‪ ,‬شأنه يف ذلك‬
‫شأن القانون الوضعي ‪ ,‬األمر الذي يعين جعله ركنًا معنويًا للعرف باإلضافة إىل ركنه‬

‫‪132‬‬
‫املادي ‪ ,‬ومتييزًا عن جمرد العادة اليت مل يتمكن أثرها يف النفوس ومل تستقر فيها لعدم‬
‫( ‪)3‬‬
‫االعتقاد بلزوميتها " ‪.‬‬
‫وبصرف النظر عن كون االعتقاد بإلزامية العرف شرطًا أو ركنًا فيه ‪ ,‬فإنه ينبغي التنبيه إىل‬
‫أن العرف مبجرده ال ميكن أن تكون له قوة ملزمة يف الشريعة اإلسالمية ‪ ,‬إن كان غري‬
‫متفق مع روحها ‪ ,‬أو كان خمالفًا لنصوصها ومبادئها العامة ‪ ,‬فالشريعة اإلسالمية إهلية‬
‫التعد هلا األعراف ‪ ,‬خبالف القوانني الوضعية اليت كانت أسسها أعرافًا فتعد هلا األعراف‬
‫‪ .‬وهذا هو السبب الذي منح العرف سلطة واسعة يف القانون الدويل وجعله قادرًا على‬
‫( ‪)4‬‬
‫تعديل النصوص ‪ ,‬ويف قوة القانون املكتوب ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬العرف والعادة يف رأي الفقهاء ‪ ,‬ألمحد فهمي أبوسنة ‪( ,‬ص‪. )66‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬أثر العرف يف التشريع اإلسالمي ‪ ,‬للسيد صاحل عوض ‪( ,‬ص‪. )228‬‬
‫(‪ )3‬القضاء والعرف يف اإلسالم ‪ ,‬لسمري عالية ‪( ,‬ص‪. )158‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬قاعدة العادة حمكمة ‪ ,‬للشيخ يعقوب بن عبد الوهاب الباحسني ‪( ,‬ص‪. )59‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫شروط العرف الدويل‬

‫‪133‬‬
‫ويشتمل على املطالب اآلتية ‪:‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬شروط العرف الدويل يف‬


‫القانون الدويل العام‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬شروط العرف الدويل يف‬
‫الفقه اإلسالمي‬

‫المطلب األول‬
‫شروط العرف الدويل يف القانون الدويل العام‬

‫‪134‬‬
‫ويشتمل على الشروط اآلتية ‪:‬‬

‫الشرط األول ‪ :‬تكرار السلوك أو السابقة‬


‫الشرط الثاين ‪ :‬عامل الزمن‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬القبول والتبادل‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أن يكون عامًا وشائعًا‬
‫الشرط اخلامس ‪ :‬عدم خمالفة العرف الدويل‬
‫لآلداب وقواعد األخالق واالتفاقيات العامة‬
‫الشرط األول ‪ :‬تكرار السلوك أو السابقة‬

‫يشرتط تواتر املمارسة ‪ ,‬أو ما يعرف باطرادها أو تواتر العمل هبا فرتة معقولة من الزمن ‪,‬‬
‫فتكرار الدول للسلوك بشكل متصل وخالل مدة من الزمن ‪ ,‬هو الذي يضفي عليه عنصر‬
‫الثبات واالستقرار ‪ ,‬ويدلل على القبول النهائي بقوته اإللزامية وهلذا يشدد القضاء الدويل‬

‫‪135‬‬
‫على وجوب ثبات وتطابق أو متاثل السوابق املنشئة للعرف ‪ ,‬أما التصرفات املتناقضة‬
‫واملتذبذبة فال تصلح لتكوينه وإنشائه ‪ ,‬فيجب أن تكون السوابق واألفعال متشاهبة‬
‫ومطردة يف اجتاه واحد حبيث أن ما تقوم به هذه الدولة يف هذا املوضوع هو نفسه ذات‬
‫السلوك الذي تقوم به الدول األخرى ويكفي للتأكد من هذا التطابق والتشابه أن تتم‬
‫املقارنة بني السوابق فإن وجدت متطابقة كان هبا وإن وجدت متناقضة فال ميكن احلديث‬
‫عن وجود عرف دويل ‪.‬‬
‫وقد ورد يف هذا اخلصوص قرار من حمكمة العدل الدولية يف قضية اللجوء (‪ )1‬بني البريو‬
‫وكوملبيا يف عام ‪1950‬م ‪ ,‬حيث أكدت احملكمة أن القاعدة العرفية جيب أن تتكون من‬
‫( ‪)2‬‬
‫طريق املمارسة املستمرة واملتناسقة من طرف الدول املعنية ‪.‬‬
‫وجيب أن يطرد استعمال تلك القاعدة وتطبيقها من جانب الدول نفسها أو احملاكم‬
‫( ‪)3‬‬
‫الداخلية والدولية ‪ ,‬حبيث تصبح تلك القاعدة قدمية وثابتة ‪.‬‬
‫وهناك من يرى أنه مىت ما مت التحقق من وجود سلوك متطابق فإنه لن يكون للعنصر‬
‫(‪)4‬‬
‫الزمين أي دور يف نشوء العرف الدويل ‪.‬‬
‫وهناك من يرى أنه تكفي سابقتان أو ثالث للقول بوجود التواتر ‪ ,‬ويرجع هذا التساهل‬
‫ـــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص‪. )126‬‬
‫(‪ )2‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد بوسلطان ‪ , )1/63( ,‬و انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور‬
‫حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪ , )367‬والقانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )541‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد حافظ غامن ‪( ,‬ص‪. )92‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ‪( ,‬ص‪. )128‬‬

‫النسيب يف حتديد ما يعترب تواترًا وتكرارًا إىل طبيعة اجلماعة الدولية نفسها ‪ ,‬إذ من شأن‬
‫عدد أعضائها احملدود وقلة ما ينشأ بينهم من عالقات ‪ ,‬أن جتعل كثرة السوابق أمرًا‬
‫( ‪)1‬‬
‫استثنائيًا غري متصور حدوثه ‪ ,‬إال يف النادر من األحوال ‪.‬‬
‫وذلك بعكس ما حيدث عادة يف العرف الداخلي ‪ ,‬فوفرة عدد أشــخاص القــانون الــداخلي‬
‫‪ ,‬ودوام احلاج ــة إىل ممارس ــة بعض ــهم للتص ــرفات ال ــيت ميارس ــها البعض اآلخ ــر ‪ ,‬جيع ــل تع ــدد‬
‫الــتزام احلكم املعني يف احلالــة املعينــة ‪ ,‬ومن مث تكــون القاعــدة العرفيــة أم ـرًا يس ـريًَا مرتتب ـًا على‬

‫‪136‬‬
‫طبيعــة األشــياء ‪ ,‬غــري أن الــرأي الصــواب هــو الــذي يقــرر أن التعــدد أو التكــرار يف الســوابق‬
‫الدولية ليس هلما منفردين قوة إقامة احلكم العريف الدويل ؛ ألن العنصر األساسي يف إنشــائه‬
‫ليس التعدد أو التكرار بقدر ما هو يف ثبوت االعتقاد بني الدول بلزوم اتباعه كلما جتددت‬
‫احلالة اليت اتبع فيها من قبل ‪ ,‬ويدل على ذلـك مـا حـدث يف أثنـاء احلرب األهليـة األمريكيـة‬
‫من أن طــرادة حربيــة أمريكيــة أوقعت ســفينة إجنليزيــة كــانت بني مينــاءين حمايــدين ‪ ,‬وذلــك‬
‫لتقبض على اثنني من مندويب الواليات األمريكية اجلنوبية ‪ ,‬فاحتجت بريطانيا على ذلــك ‪,‬‬
‫وشاركتها يف االحتجاج كل من فرنسا وبروســيا والنمســا ‪ ,‬بــدعوى أن هــذا التصــرف يعــد‬
‫اعت ـ ــداًء على حق ـ ــوق ال ـ ــدول احملاي ـ ــدة ‪ ,‬ف ـ ــأفرجت الوالي ـ ــات املتح ـ ــدة عن املقب ـ ــوض عليهم‬
‫وق ــررت أن قائ ــد املركب احلريب ق ــد تص ــرف من غ ــري اس ــتئذان حكومت ــه ‪ ,‬وب ــذلك اس ــتقر‬
‫حكم عــريف يقضــي حبصــانة املسـافرين على مــركب حمايــد ينتقــل بني املوانئ احملايــدة ‪ ,‬وكــان‬
‫(‪)2‬‬
‫السبب يف استقراره ثبوت االعتقاد لدى الدول بوجوب اخلضوع له ‪.‬‬
‫إذًا الس ــلوك أو الس ــوابق الص ــادرة عن أش ــخاص الق ــانون ال ــدويل جيب أن تتك ــرر م ــرة بع ــد‬
‫أخــرى وعلى حنو متشــابه ومتنــاغم ومنســجم وغــري متنــافر فــالتكرار واالنســجام هــو الشــرط‬
‫األساسي لتأكيد العرف ‪.‬‬
‫وتوافق وانسجام وتناغم السوابق ينجم عن السلوك الدويل الدائم واملوحد جتاه قضية معينة‬
‫ومواقف معينة ‪ ,‬ومن املمكن التأكد ببساطة شديدة من وجود هذا التناغم يف بعض‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬أصول القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد سامي عبد احلميد ‪( ,‬ص‪. )155‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حامد سلطان ‪ ,‬والدكتورة عائشة راتب ‪ ,‬والدكتور صالح الــدين عــامر‬
‫‪( ,‬ص‪. )47‬‬

‫اجملاالت مثل حتديد البحر اإلقليمي وحتديد االمتداد القاري وحتديد املنطقة االقتصادية‬
‫اخلالصة واملسؤولية الدولية واحلصانات الدبلوماسية وحق املرور الربيء للسفن األجنبية يف‬
‫املياه اإلقليمية للدول الساحلية ‪.‬‬
‫إن ال ــدول ق ــد تبنت فيم ــا س ــبق ذك ــره من أمثل ــة تص ــرفات متطابق ــة ومنس ــجمة وموح ــدة ‪,‬‬
‫وال ــذي يهم أك ــثر إضــافة إىل ه ــذا التك ــرار والتن ــاغم ه ــو الطــابع اجلمــاعي هلا حيث ال تلمح‬
‫جمرد جمموعة من الصدف املتكررة هنا وهناك ‪ ,‬وإمنا انسجام وتوحـد الـردود املتشـاهبة على‬

‫‪137‬‬
‫مشاكل متشاهبة ومواقف متشاهبة ‪ ,‬وهذا االنسجام والتناغم هو املكــون للعــرف الــدويل أو‬
‫الكاشف عنه مـىت تـوفر لـه الـركن املعنـوي أي مـىت ثبت شـعور وإحسـاس لـدى الـدول بـأن‬
‫الرد أو االستجابة أو التجاوب املتناغم مع هذه املشاكل يعد قانونًا ملزمًا ‪.‬‬
‫فالتوافق هو رد فعل مجاعي متكرر يستجيب ملصاحل مجاعية ويطبق على اجلميع باعتباره‬
‫قاعدة قانونية غري مكتوبة ‪.‬‬
‫فال يكفي إقامة الدليل على جمموعة من السوابق املتشاهبة نوعًا ما ‪ ,‬بل يتطلب األمر أن‬
‫( ‪)1‬‬
‫تكون اخلطوات فوق اخلطوات والسلوك يغطي بعضه بعضًا يف صورة تراكمية متوالية ‪.‬‬

‫إن القضايا واملشاكل ميكن أن تتنوع وتتعدد ‪ ,‬والسوابق واإلجراءات قد ال تتشابه ‪,‬‬
‫ولكن الدوافع والبواعث احملركة للسلوك املتكرر واملتوايل جيب أن تكون هي ذاهتا تسعى‬
‫إىل نفس اهلدف االجتماعي ‪ ,‬وهلذا ففي جمال منح اللجوء الداخلي ال يكفي حشد‬
‫سلسلة من احلاالت اليت منح فيها هذا اللجوء من أجل إقامة الدليل على وجود العرف‬
‫احمللي مثًال ‪ ,‬وإمنا جيب تشابه الظروف ووحدة البواعث ‪.‬‬
‫فال يوجد عرف إال عندما تكون سلسلة التكرار هلا معىن واحد أو موحد ‪ ,‬وال يوجد‬
‫( ‪)2‬‬
‫عرف مبين على السلوك املتنافر أو الصدف اليت ال يوجد بينها رابط أو وحدة الغاية ‪.‬‬
‫وشرط التكرار الدائم واملوحد مستمد من قضاء قدمي حملكمة العدل الدولية الدائمة تؤكد‬
‫فيه على وجود التطابق املستمر ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )541‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪ , )543‬نقًال عن جورج سل ‪.‬‬

‫وحمكمة التحكيم الدولية يف قضية تفسري االتفاق اجلوي بني أمريكا وإيطاليا أفادت بأن‬
‫وحدة السلوك الدائم واملتبع فعًال وبدون تبادالت ميكن أن يكون منتجًا للعرف الدويل ‪.‬‬
‫فال ينبغي أن يتعلق األمر حباالت منعزلة أو فردية للسابقة أو بأمثلة خاصة ‪ ,‬وإمنا جيب أن‬
‫يتوفر هلا قدر من االنسجام واالطراد والتناغم من جانب أشخاص القانون الدويل ‪.‬‬
‫وحمكمة العدل الدولية تقول يف قضية حق امللجأ عام ‪ 1950‬م " إن القاعدة العرفية اليت‬
‫تدعيها دولة ما جيب أن تكون متطابقة مع سلوك دائم وموحد " ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫ويف قضية املصايد عام ‪1951‬م تقول ‪ " :‬تطبيق دائم طويل بشكل كاف " ‪.‬‬
‫ويف قضية حق املرور عام ‪1960‬م ‪ " :‬تشري إىل سلوك مستمر موحد ومتبع بواسطة‬
‫األطراف يف النزاع " ‪.‬‬
‫ويف قضية االمتداد القاري لبحر الشمال عام ‪1969‬م تشري ‪ " :‬إىل السلوك املستمر‬
‫وشيوع التصرفات يف املسألة " ‪.‬‬
‫ويف قضية األنشطة العسكرية وشبه العسكرية يف نيكاراجوا عام ‪1986‬م تشري إىل "‬
‫( ‪)1‬‬
‫سلوك عام ومتطابق " ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )544‬‬

‫الشرط الثاين ‪ :‬عامل الزمن‬


‫تلعب املدة أي عامل الزمن دورًا مهمًا يف عملية تكوين القاعدة العرفية الدولية ‪ ,‬ومع‬
‫ذلك فإن هذا العامل ال يقوم وحده قرينة على وجود القاعدة العرفية ‪ ,‬بل إن كثريًا من‬
‫( ‪)1‬‬
‫الشراح يؤكد تضاؤل دوره يف هذا العصر كما سيتبني الحقًا ‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫كما أنه من الصعب أن حتدد املدة اليت جيب أن يستمر السلوك فيها قائمًا حىت يتحول إىل‬
‫قاعدة عرفية ‪ ,‬وال شك أن ذلك يعتمد على الظروف احمليطة بكل حالة على حدة ‪,‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫وعلى طبيعة القاعدة اليت تنتج عن كل حالة ‪.‬‬
‫فمثًال العالقات اليت تتكرر يوميًا ‪ ,‬كما هو احلال بالنسبة للعالقات الدبلوماسية ‪ ,‬يشرتط‬
‫فيها أن يتكرر احلل مرات أكثر من العالقات اليت يندر أن تثور يف احلياة الدولية اليومية ‪,‬‬
‫مثل مشكلة املرور يف القنوات البحرية ‪ ,‬وهذا ما ذهبت إليه حمكمة العدل الدولية يف‬
‫( ‪)3‬‬
‫قضية السفينة وميبلدون ‪.‬‬
‫وكل ما ميكن أن يقال هبذا الصدد أنه يكفي أن يكون السلوك الذي درجت الدول على‬
‫اتباعه بصدد تلك العالقة القانونية قد داومت على اتباعه فرتة من الزمن كافية لتوليد‬
‫الشعور بأن اتباع هذا السلوك أصبح من القواعد القانونية امللزمة يف عالقات القانون‬
‫( ‪)4‬‬
‫الدويل العام ‪.‬‬
‫وهناك من يرى تعني توافر حد معني من القدم يف السلوك حبيث تتوافر عناصر الداللة على‬
‫تكراره وعمومه ‪ ,‬ومن بني هذه العناصر عنصر ثبات السلوك الذي يتضمن اطراد العمل‬
‫(‪)5‬‬
‫به بشكل واضح ودون انقطاع خمل ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ‪( ,‬ص‪. )72‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬قانون العالقات الدولية ‪ ,‬للدكتور جعفر عبد السالم ‪( ,‬ص‪. )107‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ‪( ,‬ص‪. )140‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )141‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور إبراهيم أمحد شليب ‪( ,‬ص‪. )346‬‬
‫هذا ولقد أكدت حمكمة العـدل الدوليـة يف جمال حـديثها عن اجلرف القـاري بـأن الـدفع بـأن‬
‫تلك القواعد اخلاصة بتحديد اجلرف القـاري مل مير على ظهورهـا إال فـرتة قصـرية من الـزمن‬
‫‪ ,‬ليس مانعًا مبفرده من تكوين قاعدة جديدة من قواعد القــانون الــدويل العــريف ‪ ,‬بشــرط أن‬
‫تكون ممارسات الدول مبا فيها الدول املعنية بشكل خاص ‪ ,‬متكررة وموحدة عملي ـًا خالل‬
‫( ‪)1‬‬
‫هذه املدة مهما كانت قصرية ‪.‬‬
‫لقد كان شراح القانون الدويل يف القدمي يعتقــدون أن مــرور فــرتة زمنيــة شــرط ال بــد منــه يف‬
‫نشأة القاعدة العرفية فالزمن هو النار اليت تنضج على حرارهتا السوابق القضائية ‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫وقــد نــادى هبذا االعتقــاد القاضــي نيكولســكو يف قضــية اللجنــة األوروبيــة للــدانوب ‪ ,‬ولكن‬
‫هذا الرأي أصبح مهجورًا اآلن وال ميكن األخذ به ؛ ألن العالقات الدولية سريعة التطور ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ففي قضية حق املرور عام ‪1960‬م قالت حمكمة العدل الدولية ‪ " :‬إن العمل الذي يرجع‬
‫إىل ‪125‬عاما قد أدى إىل نشأة قاعدة عرفية دولية ولكنها مل تقل أن مرور فرتة أقل من‬
‫هذه املدة ال تكفي لنشأة العرف الدويل املذكور " ‪.‬‬
‫وكانت حمكمة العدل الدائمة قد ذكرت يف رأيها االستشاري حول اشرتاك مدينة دانتزج‬
‫احلرة يف منظمة العمل الدولية عام ‪1930‬م بأن ‪ " :‬السلوك الراجع إىل عشر سنوات‬
‫( ‪)3‬‬
‫مضت قد أعطى شهادة امليالد لقاعدة عرفية دولية جديدة " ‪.‬‬
‫ويف قضية االمتداد القاري لبحر الشمال عام ‪1969‬م قالت احملكمة ‪ " :‬إن مرور فرتة‬
‫زمنية قصرية ال يشكل يف حد ذاته عقبة أمام نشأة القاعدة العرفية اجلديدة يف القانون‬
‫الدويل ‪ ,‬ويبقى ضروريًا فقط خالل هذا الوقت القصري مهما كان قصره أن يكون سلوك‬
‫( ‪)4‬‬
‫الدول املعنية مباشرة باملشكلة منتشرًا وشائعًا وموحدًا " ‪.‬‬
‫ويف هــذه القضــية أيضـًا أعلن القاضــي البولنــدي مانفريــد ال كس أن ‪ " :‬حريــة غــزو الفضــاء‬
‫ـــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظــر ‪ :‬مبــادئ القــانون الــدويل العــام ‪ ,‬للــدكتور حممــد بوســلطان ‪ , )1/64( ,‬و انظــر ‪ :‬القــانون الــدويل العــام ‪,‬‬
‫للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )367‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )46‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )546‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )47‬‬
‫اخلارجي هي مثال على القاعدة العرفية اليت نشأت خالل فرتة وجيزة من الوقت " ‪.‬‬
‫وكما قال باكستري ‪ " :‬عنصر الزمن كعامل مستقل يف تكوين العرف الدويل يبدو اآلن‬
‫غري ذي قيمة ‪ ,‬وأضاف بأن القاعدة العرفية اجلديدة سوف تنشأ مبجرد حصوهلا على‬
‫( ‪)1‬‬
‫النسبة الالزمة من القبول " ‪.‬‬
‫ويرجع التخفيف من شرط املدة إىل املتغريات اليت حدثت يف العالقات الدولية ‪ ,‬وإىل‬
‫السرعة املتزايدة للتفاعل بني الدول ‪ ,‬فعلى سبيل املثال كانت املدة الالزمة إلنشاء قاعدة‬
‫للسلوك الدويل وملعرفة موقف الدول منها بشأن حق املرور الربيء يف املياه اإلقليمية‬

‫‪141‬‬
‫كانت مدة أطول يف املاضي عما هو مطلوب يف الوقت احلاضر ‪ ,‬حيث كان مير خالل‬
‫املياه اإلقليمية يف املاضي قارب واحد تقريبًا كل أسبوع ‪ ,‬واألمر ازداد خالل ذلك يف‬
‫الوقت احلاضر حيث متر مئات أو حىت ألوف القوارب كل يوم ‪ ,‬فيمكن أن تنشأ القاعدة‬
‫القانونية العرفية اجلديدة املؤسسة على ممارسة الدول بسرعة شديدة إذا حدثت ظروف‬
‫( ‪)2‬‬
‫جديدة تستدعي بشكل ملح وضع تنظيم قانوين هلا ‪.‬‬
‫والواقع الدويل يؤكد ذلك بالفعل ‪ .‬فهناك قواعد عرفية عديدة ظهرت خالل سنوات قليلة‬
‫جملرد إحساس الدول بأمهيتها ‪ .‬فكرة االمتداد القاري مثًال ظهرت ألول مرة يف إعالن‬
‫الرئيس األمريكي " ترومان " عام ‪1945‬م ‪ .‬ومت قبوهلا على وجه السرعة ‪ ,‬وجرى‬
‫تكريسها من خالل تطبيق الدول ‪ ,‬وأصبحت قاعدة عرفية على نطاق عاملي ‪ ,‬ومت تقنينها‬
‫يف اتفاقية جنيف لعام ‪1958‬م ‪.‬‬
‫ونفس الشيء ينطبق على فكرة املنطقة االقتصادية اخلاصة ‪ ,‬فالفكرة طرحت عام‬
‫‪1972‬م ‪ ,‬وجرى تطبيقها بواسطة األغلبية العظمى من الدول من خالل تشريعات وطنية‬
‫تبني حدودها واملبادئ القانونية اليت حتكمها لدرجة انه أصبح من اجلائز القول بأن سيطرة‬
‫الدول الساحلية عليها قد اكسبتها الصفة القانونية ‪ ,‬وفقًا لقاعدة عرفية حىت من قبل انتهاء‬
‫أعمال مؤمتر األمم املتحدة الثالث لقانون البحار عام ‪1982‬م ‪ .‬ومن قبل التصديق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )547‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )48‬‬
‫على اتفاقية األمم املتحدة لقانون البحار املوقعة يف " مونيجو باي " جبامايكا عام ‪1982‬م‬
‫‪ ,‬واليت دخلت دائرة النفاذ يوم ‪16‬نوفمرب عام ‪1994‬م ‪.‬‬
‫وقد حكمت حمكمة استئناف " رن " بفرنسا بتاريخ ‪ 26‬مارس ‪1979‬م " بأن هناك‬
‫قاعدة عرفية جديدة حلت حمل اتفاقيات جنيف لعام ‪1958‬م ‪ ,‬فيما يتعلق مبنطقة الصيد‬
‫وأن املنطقة اجلديدة تسمى املنطقة االقتصادية اخلالصة " ‪.‬‬
‫هــذا وقــانون الفضــاء يقــدم مثــاًًال آخــر على ســرعة تكــوين العــرف الــدويل دون انتظــار ملرور‬
‫فرتة زمنية طويلة ‪.‬‬
‫فحرية غزو الفضاء كانت حىت عام ‪1957‬م ‪ ,‬جمرد تنجيمات ولكنها تعتمد اآلن على‬
‫تطبيق ثابت وقبول عاملي ‪ ,‬ففي عام ‪1959‬م ‪ ,‬أعلنت مجعية احملامني األمريكية " بأن‬

‫‪142‬‬
‫التطبيق احلديث للدول أدى إىل االعرتاف مببدأ مقبول بصفة عامة حول حرية غزو الفضاء‬
‫" ‪ ,‬ومل يكن قد مضى على غزو الفضاء سوى عامني عند كتابة هذا الكالم ‪.‬‬
‫ومعهد القانون الدويل يف قراره الصادر عام ‪1963‬م ‪ ,‬أثناء دورته بربوكسل اعرتف يف‬
‫مقدمة القرار بالقيمة القانونية ملبادئ قانون الفضاء اليت يعلنها ‪.‬‬
‫ومن هنا وبعد سنوات قليلة من غزو الفضاء عام ‪1957‬م ‪ ,‬ظهر عرف دويل ال يشكل‬
‫الزمن أو الوقت أي عنصر فيه ‪ ,‬فقاعدة حرية غزو الفضاء ‪ ,‬واستعماله يف األغراض‬
‫السلمية استقرت من أول حلظات االكتشاف اإلنساين للفضاء ‪ ,‬واكتسبت وضوحًا وقوة‬
‫متزايدة ‪ ,‬ومنذ هذه اللحظات ويف مثل هذه الظروف واملواقف اليت جرى اختاذها من‬
‫جانب الدول ‪ ,‬فإن القاعدة أصبحت واضحة وحمددة وال يتوقع هلا أي تغيري يف املستقبل ‪.‬‬
‫ويصبح من غري املفيد أن يتطلب األمر مرور بعض الوقت هلا أكثر مما مر من هذه‬
‫السنوات اليت مضت ‪ ,‬ويرتتب على ذلك بأن موقفًا معارضًا أو خمالفًا هلذه القاعدة يعد‬
‫خرقًا وانتهاكًا للقانون الدويل ‪.‬‬
‫وقد عربت اجلمعية العامة لألمم املتحدة عن العنصر املعنوي هلذه القاعدة ‪ ,‬يف قرارها‬
‫باإلمجاع بتاريخ ‪13/12/1963‬م ‪ ,‬حول الفضاء اخلارجي معلنة بأن غزو الفضاء جيب‬
‫أن يكرس لألغراض السليمة وللبشرية مجعاء ‪.‬‬
‫هذه القاعدة القانونية وغريها أصبحت مقننة اآلن يف املادة األوىل من معاهدة الفضاء‬
‫اخلارجي اليت حتكم أنشطة الدول يف جمال ارتياد الفضاء اخلارجي ‪ ,‬مبا يف ذلك القمر ‪,‬‬
‫واألجرام السماوية األخرى ‪ ,‬واملربمة بتاريخ ‪17/1/1967‬م ‪ ,‬واليت تنص على أن "‬
‫ارتياد واستعمال الفضاء اخلارجي ‪ ,‬مبا يف ذلك القمر واألجرام السماوية األخرى جيب‬
‫القيام به من أجل فائدة ومصاحل الدول مجيعًا ‪ ,‬بغض النظر عن درجة تطورها االقتصادي‬
‫أو العلمي ‪ ,‬وأن يكون جماًال للبشرية مجيعًا " ‪.‬‬
‫ويف عام ‪1979‬م أبرمت معاهدة القمر ‪ -‬أي االتفاق املتعلق بأنشطة الدول يف القمر‬
‫واألجرام السماوية األخرى ‪ -‬واليت أوضحت وراجعت األحكام الواردة يف معاهدة‬
‫الفضاء اخلارجي لعام ‪1967‬م ‪ ,‬وذكرت بصفة خاصة أن معاهدة القمر تشرتط أن‬

‫‪143‬‬
‫يكون استغالل املوارد الطبيعية يف القمر واألجرام السماوية األخرى مرياثًا مشرتكًا للبشرية‬
‫‪ ,‬وفقًا للنظام الدويل ‪ ,‬وقد بدأ سريان هذه املعاهدة يف ‪11‬يوليو ‪1984‬م ‪.‬‬
‫وهكذا فالعربة يف وجود الركن املادي للقاعدة العرفية هي بتكرار السوابق على حنو مطرد‬
‫ومتشابه وموحد ‪ ,‬أما الزمن فال أمهية له ‪.‬‬
‫وبناًء عليه فإن الدولة اليت تستطيع إثبات عدد أكرب من السوابق لتدعيم موقفها يف نزاع‬
‫معني ‪ ,‬هي يف وضع أفضل من خصمها الذي يثبت عددًا اقل ‪ ,‬فالدولة اليت تثبت عشر‬
‫سوابق هي يف وضع أفضل من الدولة اليت تثبت مخسًا فقط من السوابق ‪.‬‬
‫والدولة اليت تدعم موقفها خبمس من السوابق هي أفضل وال شك من خصمها الذي‬
‫يثبت ثالثًا فقط ‪ ,‬والدولة اليت تثبت ثالثًا هي يف مركز أقوى من الدولة اليت ال تستطيع‬
‫إثبات أية سابقة ‪ ,‬والدولة اليت تدعم موقفها بآراء بعض الفقهاء وأحكام احملاكم كدليل‬
‫على وجود السابقة هي يف مركز أقوى من الدولة اليت تعجز عن دعم موقفها بأي رأي‬
‫( ‪)1‬‬
‫ألي فقيه أو أي حكم من احملاكم ‪ ....‬وهكذا دواليك ‪.‬‬
‫ولقد تأثر شرط عامل الزمن بإمكانيات االتصال اليت حتسنت بشكل هائل يف عامل اليوم‬
‫فبينما كان من املعتاد يف املاضي أن يأخذ تبادل املعلومات أيامًا أو حىت أسابيع ‪ ,‬فإنه يف‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )550-547‬‬

‫الوقت احلاضر ميكن أن يتم على الفور إبالغ أي عمل أو سلوك تباشره إحدى الدول إىل‬
‫( ‪)1‬‬
‫أي دولة أخرى فهذا خيتصر إىل حد كبري املدة املطلوبة إلنشاء القاعدة العرفية ‪.‬‬
‫وأن مسألة إقامة الدليل على وجود السوابق قد أصبحت أسهل مما كان عليه الوضع‬
‫خالل القرن الثامن عشر والتاسع عشر ‪ ,‬وذلك بفضل التقدم العلمي وسهولة االتصاالت‬
‫بني الدول من جانب ‪ ,‬ونشر السوابق من جانب آخر األمر الذي يتيح معرفة مواقف‬
‫الدول األخرى بصدد مشكلة معينة أو قضية معينة خالل ساعات أو حىت حلظات ‪.‬‬
‫إن تزايد عدد املعاهدات الثنائية واجلماعية ‪ ,‬وكثرة عدد املؤمترات الدولية ‪ ,‬ووجود‬
‫املنظمات الدولية العاملية واإلقليمية جيعل من السهل على الدول حتديد موقفها ‪ ,‬وكذلك‬
‫اشرتاكها يف صنع السابقة ‪ ,‬على عكس ما كان حيدث يف املاضي من سوابق فردية خاصة‬

‫‪144‬‬
‫بكل دولة على حده ‪ ,‬وهذا ما كان يتطلب وقتًا ملعرفة موقف بقية الدول من هذا‬
‫التصرف أو ذاك ‪.‬‬
‫من السهل مثًال أن تتم معرفة موقف الدول مجيعًا جتاه قضية معينة من خالل التصويت‬
‫على قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة أو خالل أحد املؤمترات ‪ ,‬مثل مؤمتر قمة األرض‬
‫لعام ‪1992‬م ‪ ,‬أو مؤمتر التنمية االجتماعية لعام ‪1995‬م ‪.‬‬
‫جتمع الدول يف صورة منظمات دولية أو مؤمترات دولية لنقاش مشاكل العصر هو مسة‬
‫العصر احلديث ومن خالل هذه املؤمترات نستدل بسهولة على وجود السوابق العرفية ‪.‬‬
‫وق ــد ع ــرب عن ه ــذه الفك ــرة القاض ــي " تاناك ــا " يف رأي ــه املخ ــالف املرف ــق م ــع حكم حمكم ــة‬
‫العــدل الدوليــة يف قضــية جنــوب غــرب أفريقيــا عــام ‪1966‬م حيث قــال ‪ " :‬وفق ـًا للقــانون‬
‫ال ــدويل التقلي ــدي ك ــانت الس ــوابق العام ــة تنتج من تك ــرار أفع ــال منعزل ــة لل ــدول كاش ــفة عن‬
‫قبوهلا لبعض القواع ــد ‪ ,‬ه ــذا التك ــرار املنع ــزل لألفع ــال ك ــان يش ــكل وينض ــج خالل مرحل ــة‬
‫تارخييــة طويلــة ‪ ,‬وميكننــا القــول بــأن عمليــة تكــوين العــرف كــانت تتم بطريقــة شــبه فرديــة ‪,‬‬
‫وأضــاف ‪ " :‬لكن هــذه الطريقــة تغــريت اآلن مبا يناســب ظــروف احليــاة الدوليــة ‪ ,‬إن ظهــور‬
‫املنظمات الدولية مثل عصبة األمم واألمم املتحدة والوكاالت التابعة هلا ‪ ,‬قد أدى إىل‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )48‬‬

‫حلول الدبلوماسية الربملانية حمل النظام الفـردي للمفاوضـات الدوليـة التقليديـة ‪ ,‬األمـر الـذي‬
‫ترك آثاره على طريقة تكوين القانون الدويل العريف " ‪.‬‬
‫فبدًال من حماولة قيام الدولة بإبالغ وجهة نظرها إىل عدد حمدود من الدول املعنية بالقضية‬
‫تستطيع ويف حلظة واحدة ومن خالل األمم املتحدة أو أي مؤمتر دويل أن تبلغ الدول مجيعًا‬
‫وأن تعرف فورًا مدى ردود أفعال هذه الدول جتاه موقفها ‪.‬‬
‫يف املاضي كان السلوك والتكرار يرتبط بعملية معقدة من البطء من أجل إنشاء القاعدة‬
‫العرفية ‪ ,‬يف أيامنا هذه وبفضل التقدم العلمي ووسائل املواصالت ونشر املعلومات ‪ ,‬فإن‬
‫عملية تكوين العرف الدويل هي أكثر سهولة وأكثر سرعة ‪ ,‬فهي ال تتطلب زمنًا وإمنا‬
‫تتطلب تطبيقًا وقبوًال ‪ ,‬وهذا أثر من آثار التغريات االجتماعية اليت تلقي بظالهلا على‬

‫‪145‬‬
‫القانون " ‪ ,‬وقد أثار قرار الرئيس الفرنسي " جاك شرياك " الذي أصدره يوم ‪ 13‬يونيو‬
‫‪1995‬م ‪ ,‬بإعادة التجارب الذرية يف احمليط اهلادي ردود فعل غاضبة ورافضة من مجيع‬
‫(‪)1‬‬
‫الدول خالل عدة ساعات فقط ‪.‬‬
‫ومما جتد اإلشـ ــارة إليـ ــة أن شـ ــرط املدة مالزم لشـ ــرط التكـ ــرار ‪ ,‬فـ ــإذا كـ ــان إنشـ ــاء القاعـ ــدة‬
‫يتطلب تص ـ ــرفات كث ـ ــرية ‪ ,‬فمن املؤك ـ ــد أن ش ـ ــرط املدة مطل ـ ــوب أيض ـ ـًا ‪ ,‬إذا مل يكن من‬
‫احملتمل حـدوث التصـرفات الكثـرية يف وقت واحـد ‪ ,‬وعلى العكس إذا كـان تصـرف واحـد‬
‫يكفي إلنشـاء قاعـدة عرفيـة ‪ ,‬فـإن شـرط املدة يصـبح ال أمهيـة لـه ‪ ,‬وبنـاًء عليـه فـإن كثـريًا مما‬
‫يس ــري بش ــأن تك ــرار الس ــلوك يس ــري بش ــأن مدت ــه ‪ ,‬وعلى األخص ف ــإن ش ــرط املدة ميكن‬
‫االستغناء عنه شأنه شأن التكرار إذا مل توجد سوابق تتعارض مع القاعدة القانونية املعنية ‪.‬‬
‫وكــذلك فــإن شــرط املدة مرتبــط بقبــول القاعــدة ‪ ,‬فــإذا كــان قبــول القاعــدة قــد حتقــق فــور‬
‫وقوع املمارسة املنشـئة للقاعـدة فـإن شـرط املدة يصـبح ال أمهيـة لـه ويكتمـل للقاعـدة العرفيـة‬
‫عنصــراها املادي واملعنــوي بدونــه ‪ ,‬أمــا إذا تــراخى قبــول الــدول فإنــه يتعني مــرور مــدة معينــة‬
‫( ‪)2‬‬
‫حىت يتم القبول الكايف إلنشاء القاعدة ‪.‬‬
‫وإليضاح الكالم السابق ميكن تشبيه منو العرف الدويل بظهور ممر يف وسط حقل مغطى‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي ابراهيم ‪( ,‬ص‪. )552-551‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )49‬‬

‫بالعش ــب فبع ــد ف ــرتة ابتدائي ــة ‪ -‬ال يتض ــح فيه ــا االجتاه املخت ــار ‪ -‬تب ــدأ غالبي ــة املس ــتعملني يف‬
‫إتبــاع نفس االجتاه ‪ ,‬ليتحــول تــدرجييًا إىل ممر يصــبح طريق ـًا يســلكه اجلميــع ‪ ,‬مث تــرتك أقــدام‬
‫بعضـ ــهم نظ ـ ـرًا لثقلهم آثـ ــارًا أكـ ــثر من البعض اآلخـ ــر ‪ ,‬حبيث أن الـ ــدول القويـ ــة أو األكـ ــثر‬
‫مصلحة يف عرف ما ترتك بصماهتا عليه أكثر من غريها ‪ ,‬و إجراء سباق يف هـذا احلقـل قـد‬
‫يــؤدي إىل تكــوين الطريــق يف حلظــات وهــذا يشــبه العــرف اآلين‪ -‬الــذي ال حيتــاج إىل زمن‬
‫طويــل لتكوينــه ‪ -‬أو أن املســتعملني القــاطنني بــالقرب من احلقــل هلم فضــل على غــريهم يف‬
‫تكوينه ملرورهم مرات عديدة يف اليوم الواحد وهذا يتمثل بــدور الــدول الشــاطئية يف تكــون‬
‫األع ــراف البحري ــة أك ــثر من غريه ــا ‪ ,‬وجيد الن ــاس أنفس ــهم جمربين على إتب ــاع نفس الطري ــق‬
‫رغم التوائ ــه وكون ــه أط ــول من مس ــالك أخ ــرى ‪ ,‬وإذا ق ــررت أقلي ــة من املس ــتعملني انته ــاج‬

‫‪146‬‬
‫جمرى آخــر فــوق العشــب لقصــر طولــه مثًال ‪ ,‬وبــدأ يتكــاثر العــدد على اجملرى اجلديــد إىل أن‬
‫يفرغ املمر القدمي لصاحل اجلديد فإن الطريق األول ينبت فيه العشب تدرجييًا إىل أن ينــدثر ‪,‬‬
‫وهي إحدى طرق انتهاء العرف الدويل باإلضافة إىل تغيريه مبعاهدات دولية أو قواعد آمــرة‬
‫( ‪)1‬‬
‫‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظــر ‪ :‬مبــادئ القــانون الــدويل العــام ‪ ,‬للــدكتور حممــد بوســلطان ‪ , )1/64( ,‬و انظــر ‪ :‬القــانون الــدويل العــام ‪,‬‬
‫للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )367‬‬

‫الشرط الثالث ‪ :‬القبول والتبادل‬

‫يشرتط يف العرف الدويل أن يصادف القبول من الدولة أو الدول اليت صدر يف مواجهتها ‪,‬‬
‫وأن يستمر قبول الدول له إذا تكررت ممارسته يف اجملاالت اجلديدة املماثلة للحالــة األوىل ‪,‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫فإذا مل يستمر هذا القبول ‪ ,‬أو إذا عدلت الدول عنه بعد ذلك زال العرف الدويل ‪.‬‬
‫ويشــرتط أن يكــون تكــرار التصــرف على وجــه معني يف أمــر مــا ال يكتســب قــوة العــرف إال‬
‫على أســاس التبــادل ‪ ,‬فإتيــان أعمــال مماثلــة من جــانب دولــة واحــدة يف مناســبات خمتلفــة ال‬
‫ميكن أن يكـ ــون عرف ـ ـًا (‪ , )2‬بـ ــل وال ميكن أن يقيـ ــد ذات الدولـ ــة الـ ــيت صـ ــدرت منهـ ــا هـ ــذه‬
‫األعمــال طاملا أن الــدول األخــرى مل تســلك نفس املســلك يف املناســبات املماثلــة ومل يصــدر‬

‫‪147‬‬
‫منها ما دل على اعتبارها أن التصرف على هذا النحو مبثابة إجراء قــانوين واجب االتبــاع ‪.‬‬
‫( ‪)3‬‬

‫هذا ويرى بعض الشـراح أن شـرط التبـادل الالزم لثبـوت القاعـدة العرفيـة يسـتتبع عـدم تقيـد‬
‫الــدول املتمدينــة يف عالقتهــا بــالبالد غــري املتمدينــة والشــعوب البدائيــة بالقواعــد العرفيــة الــيت‬
‫نشـأت بني تلـك الـدول على اعتبـار أن هـذه البالد والشـعوب ‪ ,‬وهي خـارج حميــط اجلماعـة‬
‫الدولية ‪ ,‬مل تساهم يف تكوين هذه القواعد ومل تقرها إقرارًا حقًا ‪.‬‬
‫على أن هذا الـرأي على إطالقـه ال خيلـو من املغـاالة ؛ ألن الكثـري من القواعـد العرفيـة الثابتـة‬
‫مرجعهـا فكـرة العدالـة واعتبـارات إنسـانية ‪ ,‬وقصـر تطبيقهـا على الـدول املتمدينـة فيمـا بينهـا‬
‫قــد يكــون فيــه كثــري من التعصــب والتعس ـف ؛ ألن مبــادئ العدالــة واإلنســانية ليســت وقف ـًا‬
‫على ه ــذه ال ــدول وإمنا هي للجنس البش ــري عام ــة ‪ ,‬وعلى ال ــدول املتمدين ــة أن تب ــدأ مبراع ــاة‬
‫( ‪)4‬‬
‫هذه القواعد وأال حتيد عنها إال إذا مل جتد هلا صدى عند تلك الشعوب واجلماعات ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حامد سلطان ‪ ,‬والدكتورة عائشة راتب ‪ ,‬والدكتور صالح الدين عامر‬
‫‪( ,‬ص‪. )50‬‬
‫(‪ )2‬حيث يعترب عادة دولية فردية ‪ ,‬وقد سبق احلديث عنها يف (ص‪. )65‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي صادق أبو هيف ‪( ,‬ص‪. )24‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )26‬‬

‫الشرط الرابع ‪ :‬أن يكون عامًا وشائعًا‬


‫ويشرتط فيه أيضًا أن يكون عامًا من حيث التطبيق ‪ ,‬مبعىن أن تكون ممارسة التصرف‬
‫( ‪)1‬‬
‫صادرة من أغلبية أعضاء اجلماعة الدولية وعدم احتجاج الدول األخرى ‪.‬‬
‫وع ــدم اش ــرتاط موافق ــة مجي ــع ال ــدول م ــرده ألم ــرين ‪ :‬األول أن العمومي ــة املقص ــودة هن ــا هي‬
‫عموميـ ــة السـ ــلوك وليسـ ــت عموميـ ــة القبـ ــول ‪ ,‬والثـ ــاين أن عموميـ ــة السـ ــلوك مسـ ــألة نسـ ــبية‬
‫فالسلوك الذي يتم يف دائـرة إقليميـة معينـة تتحـدد عموميتـه يف نطـاق هـذه الـدائرة ‪ ,‬حـىت يف‬
‫اجملال العاملي قد تتحقق عمومية السلوك رغم صدوره عن عدد قليــل من الــدول ‪ ,‬فالســلوك‬
‫الصــادر عن كــل من الواليــات املتحــدة وروســيا يف جمال اكتشــاف الفضــاء ميكن اعتبــاره يف‬

‫‪148‬‬
‫ه ــذا الش ــأن س ــلوكًا عام ـًا ؛ ألن ه ــاتني ال ــدولتني مها وح ــدمها اللت ــان ميكنهم ــا مباش ــرة ه ــذا‬
‫( ‪)2‬‬
‫السلوك واختاذ القرارات املتعلقة بشأنه ‪.‬‬
‫والعموميــة كمــا أســلفت ال تقتضــي مشــاركة مجيــع الــدول رغم أنــه كلمــا زاد العــدد متكنت‬
‫احملكمــة من االقتنــاع بتــواتر املمارســة ‪ ,‬لكن ال تكفي ممارســة الــدول الغــري معنيــة باملوضــوع‬
‫مهم ــا ك ــثر ع ــددها ‪ ,‬ف ــدور ال ــدول احلبيس ــة عن البح ــر يف تك ــوين األع ــراف البحري ــة ض ــئيل‬
‫مقارنــة بأعمــال الــدول البحريــة الكــربى ‪ ,‬وقــد ركــزت على ذلــك حمكمــة العــدل الدوليــة يف‬
‫قض ـ ــية االمت ـ ــداد الق ـ ــاري لبح ـ ــر الش ـ ــمال ع ـ ــام ‪1969‬م ‪ ,‬حيث أك ـ ــدت على أن املهم يف‬
‫( ‪)3‬‬
‫املشاركة أن حتتوي على أكثر الدول اهتمامًا باملوضوع ‪.‬‬
‫هذا و لكي يكتمل العرف الدويل فالبد أن يكون التصرف املنشئ له قد سلكته دول‬
‫عديدة ‪ ,‬مبعىن أن التصرف الصادر عن دولة واحدة مهما تكرر ومهما طال األمد الذي‬
‫اســتغرقه ال يكفي إلنشــاء هــذا العــرف (‪ , )4‬وال يقيــد تلــك الدولــة الصــادر عنهــا الســلوك ‪,‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لشارل روسو ‪( ,‬ص‪. )83‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )51‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد بوسلطان ‪. )1/63( ,‬‬
‫(‪ )4‬ألن هذا التصرف يصبح عادة فردية وليس عرفًا راجع ‪( ,‬ص‪. )65‬‬

‫طاملا مل تسلك الدول األخرى نفس املسلك يف املناسبات املماثلة ‪.‬‬


‫( ‪)1‬‬

‫وإذا كانت العمومية ال تقتضي مشاركة مجيع الدول فكم عدد الدول اليت جيب أن متارس‬
‫السلوك أو السابقة حىت يقال بأن القاعدة قد اكتسبت صفة العمومية والشيوع؟‬
‫" من الصعب وضع قاعدة دقيقة حتدد عدد الدول اليت يلزم اشرتاكها يف ممارسة ما قبل‬
‫نشوء القاعدة العرفية الدولية ‪ ,‬وال يشمل االشرتاك أفعال الدول فحسب ‪ ,‬بل يشمل‬
‫أيضًا ردود أفعال الدول األخرى اليت تتأثر مصاحلها ‪ ,‬حىت ولو كان التصرف الصادر عن‬
‫إحدى الدول ميكن أن يؤثر فقط على مصاحل دولة واحدة أو دولتني من الدول األخرى ‪.‬‬
‫وتثار يف هذا الصدد مسألة ما إذا كان من املمكن أن ُتنشئ ممارسة عدد قليل من الدول‬
‫العرف الدويل ‪ ,‬أم أنه يشرتط أن تكون املمارسة قد صدرت عن عدد كبري من الدول " ‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬

‫‪149‬‬
‫إن الرأي الراجح يأخذ فقط بالسلوك الذي تتوافر له درجة من العمومية والشيوع تكفي‬
‫للتعبري عن االجتاه العام وليس العاملي ‪.‬‬
‫إن العرف الدويل العام ينفذ ويسري يف مواجهة مجيع الدول حىت ولو أن أي سابقة أو‬
‫تصرف مل تصدر عن البعض منهم أو تثبت يف جانبهم ؛ ألن ظروف الدول خمتلفة‬
‫ومسامهتها يف العالقات الدولية خمتلفة ودورها أيضًا خمتلف ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن بعض الدول اجلديدة تشرتط اإلمجاع من أجل سريان القواعد العرفية‬
‫العامة ‪ ,‬إال أن االجتاه الغالب هو أن القاعدة العرفية العامة توجد من اللحظة اليت يتوفر‬
‫فيها قبول عام ‪ ,‬ويقول شارك شومون يف هذا الصدد‪ " :‬إن امتداد القواعد العرفية إىل‬
‫الدول اجلديدة معترب بصفة عامة من جانب القانون الوضعي كسمة أساسية يف تعريف‬
‫العرف الدويل " ‪.‬‬
‫ويقول شارل رسو‪ " :‬فيما يتعلق بدرجة العمومية املطلوبة يف السلوك ‪ ،‬فالفقه يستبعد‬
‫عادة شرط اإلمجاع وال يتمسك إال بقبول الدول اليت توجد يف وضع قادرة منه على‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )50‬‬
‫(‪ )2‬القاعدة العرفية ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )51‬‬

‫تطبيق السلوك وعدم معارضة الدول األخرى هلا " ‪.‬‬


‫وهناك افرتاض بالطبع أو قرينة مؤداها أن الدول اجلديدة أو الدول اليت مل تساهم يف‬
‫السوابق املكونة للركن املادي للعرف ‪ ،‬قد قبلت هذه القواعد العرفية عندما دخلت يف‬
‫عالقات دولية مع غريها من الدول القدمية اليت سامهت من خالل سلوكها يف نشأة العرف‬
‫الدويل‪.‬‬
‫فالدخول يف عالقات رمسية بدون حتفظ مع دول أخرى يعين أن الدولة اجلديدة تقبل بعض‬
‫املبادئ والقواعد الدولية السارية واليت هي أساس العالقات بني الدول ‪.‬‬
‫واستعمال االفرتاض والقرائن يف التعبري عن القبول العاملي للعرف بدًال من االشرتاك العام‬
‫ال ميكن تربيره إذا أعطيت فكرة القبول العام معىن خاصًا أو جديدًا هو "األغلبية املعربة"‬
‫عن خمتلف النظم السياسية واالقتصادية واالجتماعية يف عامل منقسم‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫وقد عرب عن فكرة األغلبية املعربة القاضي "مانفريد الكس" يف رأيه املخالف يف قضية‬
‫االمتداد القاري لبحر الشمال وهو بصدد حساب وإحصاء عدد الدول املشرتكة يف إنشاء‬
‫القاعدة العرفية اجلديدة ‪ ،‬فقال‪ " :‬إن هذا احلساب واإلحصاء الرياضي مهما كان مهمًا يف‬
‫حد ذاته ‪ ،‬إال أنه جيب أن يستكمل بتحليل يأخذ يف االعتبار أمهية الدولة ودورها ‪.‬‬
‫ففي عامل اليوم جيب أن يؤخذ يف احلسبان عامًال أساسيًا يف تكوين القاعدة العرفية الدولية‬
‫اجلديدة والعامة ‪ ،‬أي واقع الدول ذات األنظمة السياسية واالقتصادية واالجتماعية املتعددة‬
‫‪ ،‬دول من مجيع القارات تشرتك يف خلق القاعدة ‪ .‬إن الزمن قد تغري ‪ ،‬وإن القاعدة‬
‫العرفية ال تنشئ بإرادة دولة أو عدة دول ‪ ،‬وإمنا دول تعرب ومتثل مجيع األنظمة القانونية‬
‫"‪.‬‬
‫فالقاضي هنا ال يشرتط عددًا حسابيًا معينًا من الدول تشرتك يف خلق القاعدة وإمنا يكفي‬
‫فقط عدد يعرب عن األنظمة السياسية املتعددة يف عامل اليوم ‪ ،‬وإن موقف الدول النامية أو‬
‫اجلديدة من اشرتاط اإلمجاع يف السوابق هو موقف غريب ؛ ألن اإلمجاع مستحيل ‪،‬‬
‫والدول النامية تتناقض مواقفها‪.‬‬
‫فالدول النامية تطالب باإلمجاع بالنسبة لألعراف القدمية اليت نشأت قبل استقالهلا‬
‫وترفضها أو ترفض البعض منها حبجة عدم اشرتاكها يف إنشائها ‪ ،‬ولكنها – أي الدول‬
‫النامية – تطالب باألغلبية فقط يف إنشاء قواعد عرفية جديدة من خالل قرارات اجلمعية‬
‫العامة لألمم املتحدة ‪ ،‬نظرًا ألن الدول متلك أغلبية يف ساحتها‪.‬‬
‫فالتوفيق بني املوقفني املتناقضني صعب إىل حد كبري ‪ ،‬السيما وأن الدول اجلديدة تدافع‬
‫عن بعض القواعد العرفية القدمية ‪ ,‬مثل تلك املتعلقة بالسيادة اإلقليمية واملساواة وعدم‬
‫التدخل‪ ،‬على الرغم من مشاركتها يف إنشائها ‪ ,‬بينما تعارض البعض اآلخر من القواعد ‪.‬‬
‫هذا واحلديث عن عمومية السابقة من خالل (األغلبية املعربة) ليست بدعة من صنع‬
‫الشراح ‪ ,‬وإمنا هناك نصوص وضعية يف القانون الدويل تدعم هذا االجتاه وال تتطلب يف‬
‫السلوك سوى القبول العام فقط وليس اإلمجاع على السابقة ‪.‬‬
‫فاملادة (‪ )7‬من االتفاقية الثانية عشر املربمة يف الهاي عام ‪1907‬م ‪ ,‬وكذلك املادة (‬
‫‪/38/1‬ب) من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية تعترب قاعدة عرفية تلك القاعدة‬

‫‪151‬‬
‫املقبولة عامة وليست القاعدة املقبولة إمجاعيًا أو املقبولة عامليًا وعلى هذا جيري التفسري من‬
‫قبل شراح القانون الدويل ‪.‬‬
‫فال العمل الدويل وال القضاء يتطلب يف إنشاء القاعدة العرفية أن تكون قد مورست‬
‫بواسطة مجيع الدول أو وافقت عليها مجيع الدول حىت تكتسب صفة العمومية والسريان‬
‫يف مواجهة اجلميع ‪ ,‬يكفي فقط الشيوع لدى أغلبية الدول ‪ ,‬فاملمارسة العامة تتحقق حىت‬
‫(‬
‫ولو مل تتبع بصورة عاملية ‪ ,‬هذا ما تسري عليه حمكمة العدل الدولية يف قضائها احلديث ‪.‬‬
‫‪)1‬‬

‫ففي قضية اإلفريز القاري لبحر الشمال عام ‪1969‬م أصرت حمكمة العدل الدولية على‬
‫االش ــرتاك الواس ــع واملع ــرب ‪ ,‬وأن ه ــذه املمارس ــة مبا فيه ــا ممارس ــة ال ــدول ال ــيت تت ــأثر مص ــاحلها‬
‫بصفة خاصة جيب أن تكون شاملة وموحدة فعليًا ‪ ,‬إال أنـه قـد يتبـادر إىل الـذهن أن العبـارة‬
‫تع ــين أن املمارس ــة جيب أن تك ــون ش ــاملة لك ــل ال ــدول ‪ ,‬إال أن احلكم ال يس ــتوجب ه ــذه‬
‫النتيجــة فكلمــة شــاملة تعــين االنتشــار الواســع لكن ليســت مرادفــة لكلمــة إمجاعيــة ‪ ,‬كمــا أن‬
‫كلمــة موحــدة ليســت متســاوية مــع كلمــة إمجاعيــة ‪ ,‬إذ إن كلمــة موحــدة تتعلــق باملمارســة‬
‫املعنية وليس بعدد الدول املشرتكة يف املمارسة ‪ ,‬ولذلك رمبا يكون تفسريها هو أن ممارسة‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي ابراهيم ‪( ,‬ص‪. )557-554‬‬
‫الــدول املشــاركة جيب أن تكــون متطابقــة ومتماثلــة تقريبـًا بغض النظــر عن عــدد الــدول الــيت‬
‫(‪)1‬‬
‫جيب أن تكون مشاركة يف هذه املمارسة ‪.‬‬
‫ويف رأيها االستشاري حول إقليم ناميبيا عام ‪1971‬م أكدت احملكمة أن العرف الدويل‬
‫ذو أساس موضوعي ويسري يف مواجهة اجلميع حىت أولئك الذين مل يشرتكوا يف إنشائه‬
‫وكانت جنوب أفريقيا قد اعرتضت على قرار جملس األمن رقم (‪ )284‬؛ ألنه مل يصدر‬
‫مبوافقة الدول دائمة العضوية كلها ‪ ،‬ولكن احملكمة مل تعبأ هبذا االعرتاض ‪ ،‬وقالت‪ " :‬إن‬
‫العرف جرى على أن غياب أو امتناع العضو الدائم عن التصويت ال يؤثر يف سالمة القرار‬
‫‪ ,‬وهذا عرف ملزم للجميع " ‪.‬‬
‫ويف حكمها يف قضية األنشطة العسكرية وشبه العسكرية يف نيكاراجوا بتاريخ ‪ 18‬يونيو‬
‫‪1986‬م أشارت حمكمة العدل إىل سلوك عام ‪ ،‬مبعىن أن ال يشرتط أن يكون تطبيق‬

‫‪152‬‬
‫القواعد العرفية تامًا أو كامًال بني الدول ‪ ,‬وإمنا يكفي أن يكون التطبيق بشكل واسع‬
‫خارج دائرة األطراف املتنازعة حىت تتشكل القاعدة ‪.‬‬
‫وقد أوضحت أيضًا أن األطراف متفقني على مضمون القانون الدويل العريف ‪ ,‬ولكن هذا‬
‫االتفاق ال يعفي احملكمة من البحث عن القانون الواجب التطبيق ‪.‬‬
‫إن احملكمة اليت أوكلت إليها املادة (‪ )38‬من النظام األساسي تطبيق العرف الدويل كدليل‬
‫على السلوك العام واملقبول مبثابة القانون ‪ ،‬ال ميكنها أن تتجاهل الدور األساسي للسلوك‬
‫( ‪)2‬‬
‫العام ‪.‬‬
‫فاحملكمة هنا ‪ ،‬وبعد حوايل ‪ 16‬عامًا من حكمها يف قضية االمتداد القاري ال تشرتط‬
‫اإلمجاع يف السوابق املنشئة للعرف الدويل ‪ ،‬وإمنا تكتفي بالسلوك العام ‪ ،‬أي ال تتطلب‬
‫اإلمجاع يف السوابق املكونة للركن املادي يف القاعدة العرفية ‪ ،‬وهكذا فالعادات املرعية‬
‫والنافذة بني معظم الدول أعضاء األمم املتحدة تشكل قوانني اجلماعة الدولية يف جمموعها‪.‬‬
‫وأي دولة ال ميكنها التهرب من سلطان هذه األعراف ‪ ,‬وبناًء عليه فعندما تقوم حمكمة‬
‫دولية بالبحث عن القاعدة واجبة التطبيق من أجل حل نزاع ما معروض أمامها ‪ ،‬فهي ال‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )53‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي ابراهيم ‪( ,‬ص‪. )559‬‬
‫تتطلب دليًال على السوابق بأن الدول املتنازعة قد اعرتفت بالقاعدة العرفية ‪ ،‬وإمنا تبحث‬
‫فيما إذا كانت القاعدة املثارة ذات صفة عامة أو مشرتكة ‪ ،‬إال إذا أثار أحد األطراف‬
‫قاعدة عرفية خاصة أو حملية فهو مطالب بإقامة الدليل عليها ‪.‬‬
‫وهلذا ففي قضية بعض املصاحل األملانية يف "سيلبزيا العليا" البولندية ‪ ،‬فإن احملكمة الدائمة‬
‫للعدل أشارت مرات عديدة إىل القانون الدويل املشرتك وإىل القواعد املطبقة عامة يف جمال‬
‫معاملة األجانب ‪ ,‬وأدخلت احملكمة ضمن هذا القانون املشرتك مبدأ احرتام احلقوق‬
‫املكتسبة ‪.‬‬
‫وهبذا تكون احملكمة قد قطعت الصلة متامًا مع املدرسة اإلرادية اليت ترى أن العرف عبارة‬
‫عن اتفاق ضمين ‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫حمكمة العدل احلالية يف القضايا السالفة الذكر حتولت إىل املدرسة املوضوعية اليت ترى أن‬
‫العرف عبارة عن ضرورة تفرضها الظروف االجتماعية يف العالقات الدولية ‪ ،‬وبالتايل‬
‫ليس هناك ضرورة الشرتاط اإلمجاع يف السابقة أو السلوك وإمنا يكفي سلوكًا عامًا‬
‫وشائعًا ومعربًا عن حاجة اجلماعة الدولية حىت ينشأ العرف ويصبح نافذًا يف مواجهة‬
‫( ‪)1‬‬
‫اجلميع ‪.‬‬
‫والواقــع أن كــل هــذه اآلراء الــيت تشــددت يف شــرط العموميــة كقاعــدة قــد جانيهــا الصــواب‬
‫ألن اآلراء القضائية اليت تتطلب ممارسة من قبـل عـدد كبـري من الـدول قـد مت التعبـري عنهـا يف‬
‫القضـايا الـيت تعارضـت فيهـا املمارسـة ‪ ,‬وهـذا جيعلهـا غـري صـاحلة للقضـايا الـيت ختلـو من هـذا‬
‫التع ــارض ‪ ,‬فاملمارس ــة ال ــيت يتبعه ــا ع ــدد قلي ــل من ال ــدول ميكن أن تنش ــئ إح ــدى القواع ــد‬
‫العرفيــة إذا كــانت ال توجــد ممارســة تتعــارض مــع القاعــدة ‪ ,‬مث إن األمــر يتعلــق مبدى احلاجــة‬
‫إىل س ــرعة وض ــع القاع ــدة ‪ ,‬وق ــد يتحق ــق ذل ــك بس ــلوك دول ــتني فق ــط كم ــا ه ــو احلال يف‬
‫األنشطة الفضائية ‪ -‬حسبما مت ذكره – ما دام هذا السلوك قــد قبلتــه الــدول األخـرى مث إن‬
‫عدد دول العامل اآلن أكثر بكثــري مما كــان يف القــرن التاســع عشـر والنصــف األول من القــرن‬
‫العشرين ‪ ,‬والكثري منها حصل على استقالله يف بداية النصف الثاين من القرن احلايل ‪,‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي ابراهيم ‪( ,‬ص‪. )560‬‬

‫وبنــاء عليــه فــإن هــذه الــدول اجلديــدة مل تشــرتك يف إرســاء الكثــري من القواعــد العرفيــة الــيت مت‬
‫إنشــاؤها قبــل اســتقالهلا أو على األقــل ليســت ممارســتها بشــأن هــذه القواعــد منشــورة ‪ ,‬وإن‬
‫طلب صدور املمارسة من نسبة عالية من الدول معناه تعـذر إنشـاء القواعـد العرفيـة اجلديـدة‬
‫( ‪)1‬‬
‫‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫الشرط اخلامس ‪ :‬عدم خمالفة العرف الدويل‬
‫لآلداب وقواعد األخالق واالتفاقيات العامة‬
‫يشرتط عدم خمالفة العرف الدويل ألي قاعدة من قواعد اآلداب العامة أو قواعد األخالق‬
‫( ‪)2‬‬
‫الدولية ‪.‬‬
‫فإذا جرى عرف الدول على أمر من األمور اليت تتناىف مع اآلداب واألخالق وحنو ذلك ‪,‬‬
‫فإنه ال ينشئ عنه عرف ملزم قانونًا ‪.‬‬
‫ومثال ذلك ما لو جرى العرف بني الدول على جواز تعذيب أسرى احلرب ‪ ,‬فإنه يعد‬
‫عرف دويل باطل ملخالفته قواعد األخالق ‪ ,‬وكذلك خمالفته االتفاقيات الناصة على‬
‫حقوق األسرى ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )55‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬البعد األخالقي لقانون العالقات الدولية ‪ ,‬للدكتور مسري عبد املنعم ‪( ,‬ص‪. )402‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫شروط العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‬

‫‪155‬‬
‫ويشتمل على الشروط اآلتية ‪:‬‬

‫الشرط األول ‪ :‬أن يكون مطردًا أو غالبًا‬


‫الشـ ـ ـ ـ ــرط الثـ ـ ـ ـ ــاين ‪ :‬أال يعـ ـ ـ ـ ــارض اتفاقيـ ـ ـ ـ ــة من‬
‫االتفاقيات‬
‫الشـ ـ ــرط الث ـ ــالث ‪ :‬أن يك ـ ــون موج ـ ــودًا وقت‬
‫إنشاء التصرف‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أال خيالف الشريعة اإلسالمية‬
‫الشرط األول ‪ :‬أن يكون مطردًا أو غالبًا‬

‫يشــرتط يف العــرف الــدويل أن يكــون مطــردًا أو غالبـًا ‪ ,‬قــال ابن جنيم (‪ " : )1‬إمنا تعتــرب العــادة‬
‫( ‪)2‬‬
‫إذا اطردت أو غلبت " ‪.‬‬
‫أي ال بد أن يكـون العـرف مطـردًا جيري عليـه األمـر يف مجيـع احلوادث ‪ ,‬أو أن يكـون غالبـًا‬
‫جيري علي ــه األم ــر يف أكثره ــا ‪ ,‬حبيث ال يتم التخل ــف إال يف القلي ــل ‪ ,‬ألن الع ــربة بالغ ــالب‬
‫الش ــائع ال بالقلي ــل الن ــادر ‪ )3( .‬ق ــال الش ــاطيب (‪ " : )4‬وإذا ك ــانت العوائ ــد معت ــربة ش ــرعًا فال‬
‫( ‪)5‬‬
‫يقدح يف اعتبارها اخنرامها ما بقيت عادة يف اجلملة " ‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫أما إذا اضطرب العرف فال يؤخذ به قـال السـيوطي (‪ " : )6‬إمنا تعتـرب العـادة إذا اطــردت فـإن‬
‫( ‪)7‬‬
‫اضطربت فال " ‪.‬‬
‫وبنـاًء عليـه فال عـربة بـالعرف الـدويل املشـرتك (‪ , )8‬للتعـارض بني عمـل الـدول بـه وتركهـا لـه‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هـو زين الـدين بن إبـراهيم بن حممـد املشـهور بـابن جنيم املصـري ‪ ,‬من الفقهـاء األحنـاف املشـتهرين بعلم القواعـد‬
‫الفقهية ‪ ,‬ولد سنة ‪926‬هـ وله ‪ :‬البحر الرائق ‪ ,‬واألشـباه والنظـائر ‪ ,‬تـويف سـنة ‪ . 970‬انظـر ‪ :‬األعالم ‪ ,‬للـزركلي ‪,‬‬
‫(‪. )3/104‬‬
‫(‪ )2‬األشباه والنظائر البن جنيم ‪( ,‬ص‪. )94‬‬
‫(‪ )3‬مادة ‪ 42‬من جملة االحكام العدلية ‪.‬‬
‫(‪ )4‬هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرنـاطي املالكي املعــروف بالشـاطيب ‪ ,‬فقيـه أصـويل نشـأ يف‬
‫غرناطــه ‪ ,‬وأخــذ العلم عن كبــار علمائهــا ‪ ,‬ولــه املوافقــات ‪ ,‬واالعتصــام واالتفــاق يف علم االشــتقاق ‪ .‬انظــر األعالم ‪,‬‬
‫للزركلي ‪. )1/71( ,‬‬
‫(‪ )5‬املوافقات ‪ ,‬للشاطيب ‪ , )2/288( ,‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف بريوت ‪.‬‬
‫(‪ )6‬هو عبد الـرمحن بن أيب بكـر اخلضـريي السـيوطي الشـافعي ‪ ,‬ولـد عـام ‪849‬ه ـ ‪ ,‬نشـأ يتيمـًا ‪ ,‬حيث مـات والـده‬
‫وعمــره مخس ســنني ‪ ,‬وانعــزل عن النــاس عنــد ســن األربعني ‪ ,‬وانقطــع للتــأليف ‪ ,‬فــاخرج أكــثر من ‪ 600‬مصــنف ‪.‬‬
‫تــويف ســنة ‪911‬هـ ـ ولــه من املؤلفــات ‪ :‬األشــباه والنظــائر واجلامع الصــغري وفتح القــريب وطبقــات املفســرين ‪ .‬انظــر ‪:‬‬
‫األعالم ‪ ,‬للزركلي ‪. )4/71( ,‬‬
‫(‪ )7‬األشباه والنظائر ‪ ,‬للسيوطي ‪ ( ,‬ص‪ , )92‬الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية يف بريوت ‪.‬‬
‫(‪ )8‬وهو الذي يكون العمل به والرتك له على حد سواء من قبل الدول مجيعها حبيث مل يطرد ومل يكن غالبًا ‪.‬‬
‫وميكن أن ميثــل لــه بوجــود عــرف يقضــي بــأن الســيارت الــيت تعطيهــا الدولــة لســفراء الــدول‬
‫األخ ــرى تك ــون على س ــبيل اإلع ــارة ‪ ,‬ولكن ــه يع ــارض بع ــرف آخ ــر يقض ــي ب ــأن ذل ــك على‬
‫سبيل التمليك ‪ ,‬فإنه حينئـذ ال يعمـل بـالعرف ؛ ألنـه عـرف دويل مشـرتك ‪ ,‬إذ كـون العطيـة‬
‫على ســبيل اإلعــارة عبــارة عن عــرف دويل مشــرتك تســاوى فيــه الــرتك والعمــل ‪ ,‬وبالتــايل ال‬
‫تبىن عليه األحكام ‪.‬‬
‫وإمنا مل يؤخ ــذ ب ــالعرف ال ــدويل املش ــرتك ؛ ألن ــه ملا ك ــان مش ــرتكًا ص ــار متعارض ـًا ‪ ,‬فالعم ــل‬
‫( ‪)1‬‬
‫بأحدمها ترجيح بال مرجح ‪.‬‬
‫والغلبة واالطراد إمنا تعتربان إذا وجدا عند أهل العرف الدويل (‪ , )2‬أما الشهرة يف كتب‬
‫( ‪)3‬‬
‫الفقه والقانون الدويل فال عربة هبا ‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫وهنــاك من يقصــد بــاالطراد أن يكــون العــرف الــدويل شــائعًا مستفيضـًا بني مجيــع األشــخاص‬
‫الدوليني ‪ ,‬ويعلل ذلك بأن الفقهاء ينصون على أن مقصودهم باالطراد هو أن يكون شائعًا‬
‫مستفيض ـ ـًا يعرفـ ــه مجيـ ــع النـ ــاس أو أص ــحاب املس ــلك أو الطائفـ ــة املعينـ ــة (‪ , )4‬وال ش ــك أن‬
‫األش ــخاص ال ــدوليون ميكن اعتب ــارهم أص ــحاب طائف ــة معين ــة ‪ ,‬فكم ــا أن الع ــرف التج ــاري‬
‫يشرتط له اطراده بني التجار ‪ ,‬يشرتط هنا للعرف الدويل أن يطرد بني األشخاص الــدوليني‬
‫‪ ,‬وبالتايل يكون املقصـود بالغلبـة هـو أن يكـون العـرف الـدويل معروفـًا لـدى أغلبهم ‪ .‬وهـذا‬
‫التفس ــري ملع ــىن االطـ ــراد والغلب ــة ميكن أن يق ــرتب من وص ــف العم ــوم ل ــدى الش ــراح ال ــذي‬
‫اشرتطوه يف العرف الدويل ‪ ,‬بينما املعىن األول لالطراد والغلبة يقــارب شــرط التكــرار الــذي‬
‫اشرتطه هؤالء الشراح يف هذا العرف ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬نشر العرف ‪ ,‬البن عابدين ‪. )2/134( ,‬‬
‫(‪ )2‬وهم األشخاص الدوليون ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬العرف والعادة يف رأي الفقهاء ‪ ,‬ألمحد فهمي أبوسنة ‪( ,‬ص‪. )56‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬قاعدة العادة حمكمة ‪ ,‬للشيخ يعقوب الباحسني ‪( ,‬ص‪. )63‬‬

‫الشـ ـ ـ ـ ــرط الثـ ـ ـ ـ ــاين ‪ :‬أال يعـ ـ ـ ـ ــارض اتفاقيـ ـ ـ ـ ــة من‬
‫االتفاقيات‬

‫يشــرتط الفقــه اإلســالمي أال يكــون العــرف الــدويل معارضـًا التفاقيــة من االتفاقيــات املعقــودة‬
‫بني الدول ‪ ,‬فمثًال لو كان العرف الدويل يسمح بتفتيش سفينة أجنبية راسية يف ميناء دولة‬

‫‪158‬‬
‫مس ــلمة ‪ ,‬لكن وج ــدت معاه ــدة تقض ــي مبن ــع ذل ــك ومت االتف ــاق عليه ــا بني الط ــرفني فإن ــه ال‬
‫يعمل بالعرف الدويل يف هذه احلالة ‪ ,‬لكون داللة العرف أضعف من داللة العقــد واالتفــاق‬
‫‪.‬‬
‫يقول العز بن عبد السالم (‪ " : )1‬كل ما يثبت بالعرف إذا صرح املتعاقدان خبالفــه مبا يوافــق‬
‫( ‪)2‬‬
‫مقصود العقد صح " ‪.‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫والقاعدة الفقهية تقول ‪ " :‬ال عربة بالداللة يف مقابل التصريح " ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هو عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم بن أيب القاسم بن احلسن السلمي الدمشقي ‪ ,‬ولــد ســنة ‪577‬ه ـ ‪ ,‬وهــو‬
‫إم ــام فقي ــه جمته ــد ‪ ,‬ول ــد ونش ــأ يف دمش ــق ‪ ,‬وارحتل إىل بغ ــداد س ــنة ‪599‬هـ ـ ‪ ,‬وق ــد لقب بس ــلطان العلم ــاء ‪ ,‬ول ــه من‬
‫املؤلفات ‪ :‬قواعد األحكام يف إصالح األنام ‪ ,‬وترغيب أهل اإلسـالم يف السـكن بالشـام ‪ ,‬والتفسـري الكبـري ‪ ,‬وأحكـام‬
‫اجلهاد وفضائله ‪ .‬تويف سنة ‪660‬هـ يف القاهرة ‪ .‬انظر ‪ :‬األعالم ‪ ,‬للزركلي ‪. )4/144( ,‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬قواعد األحكام ‪ ,‬للعز بن عبد السالم ‪ , )2/158( ,‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف بريوت ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مادة ‪ , 13‬جملة األحكام العدلية ‪.‬‬

‫الشـ ـ ــرط الث ـ ــالث ‪ :‬أن يك ـ ــون موج ـ ــودًا وقت‬


‫إنشاء التصرف‬

‫‪159‬‬
‫يشرتط الفقه أن يكون العـرف الـدويل موجـودًا وقت إنشـاء التصـرف الـذي حيمـل عليـه ‪" ,‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫بأن يكون حدوث العرف سابقًا على وقت التصرف ‪ ,‬مث يستمر إىل زمانه فيقارنه " ‪.‬‬
‫فكما لو مت حتكيم العرف الدويل يف اعتبار التصديق على املعاهدة كافيًا ‪ ,‬مث طرأ عرف ال‬
‫يعترب التصديق كافيًا فال ينسحب العرف الطارئ على السابق لذا قالوا " ال عربة بالعرف‬
‫( ‪)2‬‬
‫الطارئ " ‪.‬‬
‫يقول الشاطيب (‪ " : )3‬إن العوائد ختتلف باختالف األعصار واألمصار واألحوال وغري ذلك‬
‫من األمور اليت تتغري من زمن إىل زمن وبلد إىل آخر ‪ ,‬ولذا فإهنا ال يقضى هبا البتة على‬
‫من تقدم حىت يقوم دليل على موافقة العرف اجلاري اليوم ملا سبقه فيكون الدليل هو الذي‬
‫جعلنا نقضي به على املاضي ال مبجرد العادة وكذلك يف املستقبل ال حيكم فيه بالعادة‬
‫املاضية أو العرف السابق ؛ ألهنا غري مستقرة يف ذاهتا وحيث كانت غري مستقرة ال يتأتى‬
‫( ‪)4‬‬
‫احلكم هبا إال على التصرف احلادث وقت قيامها " ‪.‬‬
‫ولذا يقول السيوطي (‪ " : )5‬والعرف الذي حتمل عليه األلفاظ إمنا هو املقارن السابق دون‬
‫( ‪)6‬‬
‫املتأخر " ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬العرف والعادة يف رأي الفقهاء ألمحد فهمي أبوسنة ‪( ,‬ص‪. )65‬‬
‫(‪ )2‬األشباه والنظائر ‪ ,‬البن جنيم ‪( ,‬ص‪. )101‬‬
‫(‪ )3‬سبقت ترمجته يف (ص‪. )155‬‬
‫(‪ )4‬املوافقات ‪ ,‬للشاطيب ‪. )2/297( ,‬‬
‫(‪ )5‬سبقت ترمجته يف (ص‪. )155‬‬
‫(‪ )6‬األشباه والنظائر ‪ ,‬للسيوطي ‪ ( ,‬ص‪. )96‬‬

‫الشرط الرابع ‪ :‬أال خيالف الشريعة اإلسالمية‬


‫يشرتط الفقهاء أال خيالف العرف الدويل نصًا من الكتاب أو السنة ‪ ,‬إذ العرف من‬
‫املعروف ‪ ,‬وما جرى على خالف الكتاب والسنة فهو من املنكرات اليت يتحتم تغيريها ‪,‬‬
‫فمثال خمالفة العرف الدويل للكتاب ما لو وجد عرف يقضي جبواز نقض العهود واملواثيق‬

‫‪160‬‬
‫بني الدول فإنه عرف دويل باطل ملخالفته نصًا من الكتاب وهو قوله تعاىل ‪ { :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا أوفوا بالعقود } (‪ . )1‬ومثال خمالفة العرف الدويل للسنة ما لو وجد عرف‬
‫دويل يقضي بوجوب وضع اخلمر على موائد املؤمترات املنعقدة حبضور رؤساء الدول ‪,‬‬
‫فإنه عرف دويل باطل خمالف لنص من نصوص التشريع وهو هنيه صلى اهلل عليه وسلم عن‬
‫( ‪)2‬‬
‫اجللوس على موائد تدار عليها اخلمور ‪.‬‬
‫ومرد اشرتاط عدم خمالفة العرف الدويل لنصوص الشريعة إضافة إىل ما سبق هو أن نص‬
‫الشارع مقدم على العرف وأن الشريعة جاءت إلخضاع املكلفني ألحكامها ال أن ختضع‬
‫هي ألعرافهم ‪ ,‬قال تعاىل ‪ { :‬ولو اتبع احلق أهواءهم لفسدت السموات واألرض ومن‬
‫( ‪)3‬‬
‫فيهن } ‪.‬‬
‫وألنه ال يرجع إىل العرف إال بعد عدم وجود النص ؛ ألن النص أقوى من العرف ‪ ,‬وال‬
‫جيوز الرجوع إىل الضعيف مع وجود الدليل القوي ‪ ,‬وإال كان ترجيح الدليل الضعيف‬
‫على دليل قوي وهذا ال جيوز (‪ . )4‬يقول السرخسي (‪ " : )5‬كل عرف ورد النص خبالفه‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة املائدة ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )1( :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الدرامي يف سننه ‪ , )2/153( ,‬والبيهقي يف السنن الكربى ‪ . )7/266( ,‬وأمحد يف مسنده ‪( ,‬‬
‫‪ , )1/20‬وصححه احلاكم يف مستدركه ‪ , )4/320( ,‬وقال عنه الرتمذي ‪ " :‬هذا حديث حسن غريب " ‪( ,‬‬
‫‪. )5/113‬‬
‫(‪ )3‬سورة املؤمنون ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )71( :‬‬
‫(‪ )4‬مبادئ الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور يوسف قاسم ‪( ,‬ص‪ , )209‬و انظر ‪ :‬املدخل إىل الفقه اإلسالمي ‪,‬‬
‫للدكتور عبد العزيز اخلياط ‪( ,‬ص‪ , )70‬وانظر أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور بدران أبو العينني بدران ‪( ,‬ص‬
‫‪. )230‬‬
‫(‪ )5‬سبقت ترمجته يف (ص‪. )53‬‬
‫فهو غري معترب " ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫أما إذا مل خيالف العرف الدويل أدلة الشرع فهو معترب ‪ ,‬سواء أكانت بينهما معارضة أم ال‬
‫‪ ,‬فالثاين كتعارف الناس كثريًا من العادات واخلطط السياسية اليت تتطلبها حاجاهتم وتدفع‬
‫( ‪)2‬‬
‫إليها ضرورة التدبري واإلصالح ‪.‬‬
‫واألول أن يعـ ــارض العـ ــرف الـ ــدويل النص يف بعض أفـ ــراده ‪ ,‬فإنـ ــه يعمـ ــل بـ ــالعرف الـ ــدويل‬
‫والنص الشرعي معًا ‪ ,‬ويكون العرف الدويل خمصصًا هلذا النص الشرعي ال مبطًال له ‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫" وختصيص النص بالعرف حمل اتفاق " ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫أال ترى أن النيب صلى اهلل عليه وسلم خصص النص العام بالعرف الدويل حينما قال‬
‫لرسويل مسيلمة الكذاب (‪ ( : )4‬لوال أن الرسل ال تقتل لضربت أعناقكما ) (‪ )5‬مع قوله‬
‫تعاىل ‪{ :‬فاقتلوا املشركني حيث وجدمتوهم } ‪ )6( .‬وقوله تعاىل ‪ { :‬واقتلوهم حيث‬
‫( ‪)7‬‬
‫ثقفتموهم } ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬املبسوط ‪ ,‬للسرخسي ‪. )12/196( ,‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬العرف والعادة يف رأي الفقهاء ‪ ,‬ألمحد فهمي أبو سنة ‪( ,‬ص‪. )63‬‬
‫(‪ )3‬العرف يف الفقه اإلسالمي ‪ ,‬لعمر عبد العزيز ‪( ,‬ص‪. )10‬‬
‫(‪ )4‬ستأيت ترمجته يف (ص‪. )213‬‬
‫(‪ )5‬سبق خترجيه يف (ص‪. )53‬‬
‫(‪ )6‬سورة التوبة ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )5( :‬‬
‫(‪ )7‬سورة البقرة ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )91( :‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫أقسام العرف وخصائصه وتدوينه‬

‫‪162‬‬
‫ويشتمل على املباحث اآلتية ‪:‬‬

‫املبحث األول ‪ :‬أقسام العرف الدويل‬


‫املبحث الثاين ‪ :‬خصائص العرف الدويل‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬تدوين العرف الدويل‬

‫المبحث األول‬
‫أقسام العرف الدويل‬

‫ويشتمل على املطالب اآلتية ‪:‬‬


‫‪163‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬أقسام العرف الدويل يف‬
‫القانون الدويل العام‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬أقسام العرف الدويل يف الفقه‬
‫اإلسالمي‬

‫المطلب األول‬
‫أقسام العرف الدويل يف القانون الدويل العام‬

‫ويشتمل على الفروع اآلتية ‪:‬‬

‫‪164‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬تقسيم العرف الدويل من حيث العموم‬
‫واخلصوص إىل عرف دويل عام وعرف دويل خاص‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬تقسيم العرف الدويل من حيث جواز‬
‫االتفاق على خالفه إىل عرف دويل آمر و عرف دويل‬
‫مكمل‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬تقسيم العرف الدويل من حيث اإلجياب‬
‫والسلب إىل عرف دويل إجيايب وعرف دويل سليب‬

‫الفرع األول‬
‫تقسيم العرف الدويل من حيث العموم‬
‫واخلصوص إىل عرف دويل عام وعرف دويل‬
‫خاص‬
‫‪ -1‬العرف الدويل العام ‪:‬‬

‫‪165‬‬
‫العرف الدويل العام عبارة عن العرف الساري يف مواجهة أشخاص القانون الــدويل مجيعـًا ‪,‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫وحيكم سلوكهم يف جمال معني مثل قاعدة حرية املالحة يف أعايل البحار ‪.‬‬
‫هذا ومل تشر املادة ‪ 38‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية إال إىل األعراف العامــة ‪,‬‬
‫ولكن املادة ال تشـ ــرتط أن تصـ ــدر السـ ــابقة املنشـ ــئة للعـ ــرف عن مجيـ ــع الـ ــدول ‪ ,‬وكـ ــل مـ ــا‬
‫تشرتطه يف السابقة أن تكون عامة ‪ ,‬ومعىن ذلك أنه ال يشرتط لنشأة العــرف الــدويل اعتيــاد‬
‫كافة أعضــاء اجملتمـع الــدويل على ســلوك معني وإمنا يكفي أن يتم ذلــك من جـانب عــدد من‬
‫الــدول ‪ ,‬مــع عــدم اســتنكاره أو االعــرتاض عليــه من بــاقي الــدول ‪ ,‬ولــو كــان اإلمجاع شــرطًا‬
‫لنش ــوء الع ــرف ملا أمكن نش ــوء أي ع ــرف أصـ ـًال ‪ ,‬وملا ك ــان الع ــرف مص ــدرًا من مص ــادر‬
‫الق ــانون ال ــدويل ‪ .‬ويف قض ــية اجلرف الق ــاري أش ــارت حمكمــة الع ــدل الدولي ــة إىل أن ــه ُيكتفى‬
‫لنشــأة قاعــدة عامــة من قواعــد القــانون الــدويل مبســامهة واســعة وممثلــة من قبــل الــدول شــريطة‬
‫أن يكون من بينها الدول املعنية بشكل خاص ‪.‬‬
‫وال يلزم حد أدىن من الدول لنشأة العرف ‪ ,‬وإمنا يعتمد األمر على ظروف كل حالة على‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )589‬‬

‫حــدة ‪ ,‬فقــد نشــأ العــرف العــاملي يف القــرن التاســع عشــر أساسـًا على يــد الــدول األوروبيــة ‪,‬‬
‫ونشأت قاعدة حرية أعـايل البحـار على يـد الـدول البحريـة األساسـية وبـدون أي إسـهام من‬
‫ج ــانب ال ــدول ال ــيت ال متتل ــك س ــاحًال حبري ـًا أو أس ــطوًال حبري ـًا خاص ـًا هبا ولكنه ــا أص ــبحت‬
‫مقبولة تدرجييًا من جمموع الـدول ‪ ,‬ولعبت قلـة من الـدول الصـناعية وعلى رأسـها الواليـات‬
‫املتحــدة وروســيا دورًا حامسًا يف ظهــور القــانون العــريف اخلاص بالفضــاء اخلارجي ‪ ,‬كمــا أن‬
‫فكــرة املنطقــة االقتصــادية اخلالصــة وحتديــد اتســاعها مبائيت ميــل حبري اســتقرت أوًال كعــرف‬
‫من إنشــاء دول العــامل الثــالث قبــل أن تقنن يف اتفاقيــة األمم املتحــدة لقــانون البحــار يف عــام‬
‫‪1982‬م ‪.‬‬
‫والواق ــع أن اش ــرتاط مش ــاركة ال ــدول املعني ــة بش ــكل خ ــاص لنش ــأة الع ــرف الع ــام ليس هبذه‬
‫الس ــهولة ذل ــك أن التقي ــد حبرفي ــة ه ــذا الش ــرط يق ــود إىل التش ــكيك بوج ــود ع ــرف ع ــام دون‬
‫مشاركة الواليات املتحدة وروسـيا يف إنشـائه ‪ ,‬كمـا أنـه يقـود إىل التشـكيك بوجـود قاعـدة‬

‫‪166‬‬
‫عرفي ــة عام ــة حتظ ــر إج ــراء التج ــارب النووي ــة يف الفض ــاء اخلارجي ‪ ,‬وذل ــك ألن ع ــددًا من‬
‫( ‪)1‬‬
‫الدول النووية مثل فرنسا والصني وغريها مل تساهم يف نشأة تلك القاعدة ‪.‬‬

‫ومن اجلدير بالذكر أن اشرتاط الشراح للعمومية يف العرف الدويل ‪ ,‬ال يقصد بــه أن يكــون‬
‫عام ـًا بني مجيــع الــدول أو أغلبهــا فقــط – وهــو مــا يعــرف بــالعرف الــدويل العــام ‪ -‬وإمنا قــد‬
‫يكــون عام ـًا بني جمموعــة من الدولــة تربطهــا رابطــة معينــة ‪ -‬وهومــا يعــرف بــالعرف الــدويل‬
‫اخلاص ‪ -‬إذ إن ش ــرط العمومي ــة جيب ت ــوفره يف الع ــرف ال ــدويل الع ــام واخلاص على ح ــد‬
‫سواء ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪ . )368‬وانظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون‬
‫الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )91‬‬

‫‪ -2‬العرف الدويل اخلاص ‪:‬‬


‫هو عبارة عن السلوك الذي يتكرر مرة بعد أخرى بني دولتني أو بني عدد حمدود من‬
‫الدول يف منطقة جغرافية معينة ‪ ،‬جتاه قضية أو مشكلة ‪ ،‬فيصبح ملزمًا هلما أو هلم باعتباره‬
‫( ‪)1‬‬
‫قانونًا غري مكتوب ‪.‬‬
‫واألصل يف العرف الدويل أن يكون عامًا وشامًال ‪ ,‬غري أنه ليس هناك ما مينع من نشوء‬
‫أعراف ذات نطاق جغرايف أقل اتساعًا ‪ ,‬فقانون احلرب البحرية كان خالل زمن طويل‬
‫قانونًا عرفيًا قاصرًا على دول أوروبا الغربية ‪ ,‬كما أن الدول األمريكية كانت وفية لقاعدة‬
‫عرفية توجب االعرتاف باحلكومات املؤلفة يف أعقاب الثورات الداخلية ‪ ,‬وقد قبلت‬

‫‪167‬‬
‫حمكمة العدل الدولية قرارًا بوجود أعراف إقليمية يقتصر تطبيقها على عدد حمدود من‬
‫( ‪)3‬‬
‫الدول ‪ ,‬وذلك ماحصل يف قضية اللجوء (‪ )2‬وحنوها ‪.‬‬
‫وهذا العرف اخلاص ال يعزى إىل أن عدد أشخاص القانون الدويل املسامهني يف إنشائه‬
‫كان حمدودًا ‪ ,‬بل يرجع يف الواقع إىل أن موضوع العالقات اليت حيكمها هذا العرف‬
‫الدويل هي من قبيل العالقات اخلاصة هبذا الفريق من أشخاص القانون الدويل العام ‪.‬‬
‫وذلك كما لو جرت دولة على معاملة رعايا دولة أخرى معاملة خاصة والتزمت الدولة‬
‫اليت ينتمي إليها هؤالء الرعايا بنفس السلوك يف معاملة رعايا الدولة األوىل دون غريهم ‪,‬‬
‫فإننا نكون بصدد قاعدة عرفية خاصة قاصرة على حكم العالقة بني هاتني الدولتني فقط‬
‫( ‪)4‬‬
‫بصدد النظام القانوين لرعايا كل منهما ‪ ,‬املوجودين على إقليم الدولة األخرى ‪.‬‬
‫وال بــد من التفريــق بني العــرف اخلاص والعــرف اإلقليمي فــاألول هــو الــذي يطبــق يف مجاعــة‬
‫من الدول فقط دون غريها ‪ ,‬بصرف النظر عن املوقع اجلغرايف هلذه الدول مثل األعراف‬
‫ـــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )590‬‬
‫(‪ )2‬قد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص‪. )126‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )369‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ‪( ,‬ص‪. )131‬‬
‫اليت جتري بني الدول اإلسالمية ‪ ,‬وأما الثاين فإمنا يكـون تطبيقـه بني مجاعـة معينـة من الـدول‬
‫ذات نطاق جغرايف واحد مثل األعراف اليت تنشأ بني دول جملس التعاون ‪.‬‬
‫وبنــاًء على ذلــك فإنــه ميكن القــول أن كــل عــرف خــاص عــرف إقليمي ‪ ,‬وليس كــل عــريف‬
‫إقليمي عــرف خــاص ‪ ,‬فــالعرف اخلاص يشــمل األعــراف اإلقليميــة وكافــة األعــراف الدوليــة‬
‫األخـرى الـيت متارسـها جمموعـة حمدودة من الـدول أيـًا كـانت الصـالت اجلامعـة بينهـا ‪ ,‬سـواء‬
‫كــانت صـالت سياســية كــاألعراف الدوليــة اخلاصـة بــدول عــدم االحنيــاز ‪ ,‬أو صـالت عرقيــة‬
‫كــاألعراف الدوليــة اخلاصــة بالــدول العربيــة ‪ ,‬أو صــالت تارخييــة كــاألعراف الدوليــة اخلاصــة‬
‫مبجموعــة الــدول الــيت كــانت تابعــة للتــاج الربيطــاين ‪ ,‬أو صــالت دينيــة كــاألعراف الدوليــة‬
‫اخلاصة بالدول اإلسالمية ‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫وال يوجد ما مينع من وجود أعرف خاصة بأي عدد من الدول مهما كان قليًال ‪,‬‬
‫فمحكمة العدل الدولية قد قبلت بإمكانية وجود أعراف حملية أو خاصة قاصرة على‬
‫العالقة بني دولتني فقط ‪ ,‬ففي قضية حق املرور يف األراضي اهلندية بني الربتغال واهلند‬
‫ذهبت احملكمة خالفًا لوجهة النظر اهلندية إىل أنه ليس هناك ما مينع من نشأة عرف ثنائي‬
‫‪ ,‬وخلصت إىل وجود عرف حملي يلزم الدولتني خبصوص عبور األشخاص العاديني‬
‫( ‪)1‬‬
‫واملوظفني املدنيني الربتغاليني إىل مستعمرة غاوا ‪.‬‬
‫وقد كان النزاع يدور حول مدى حق الربتغال يف املرور عرب األراضي اهلندية وصوًال إىل‬
‫إحدى مستعمراهتا اليت حتيط هبا أراضي اهلند من كل جانب ‪.‬‬
‫على مستوى العرف ‪ ،‬قالت الربتغال‪ " :‬إن هناك عرفًا خاصًا قد تطور سلميًا مع الرضا‬
‫واالشرتاك النشط من قبل الدول اجملاورة املعنية سواء مع اإلمرباطورية اهلندية حىت عام‬
‫‪1818‬م وبعد ذلك مع بريطانيا حىت عام ‪1947‬م‪ .‬وبعد ذلك مع اهلند منذ استقالهلا‬
‫"‪.‬‬
‫أما اهلند فقد اعرتضت على فكرة العرف اخلاص ‪ ,‬وقالت أن العرف ال ميكن أن ينشأ من‬
‫سلوك دولتني فقط ‪ ،‬بل من سلوك عديد من الدول ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬عبارة عن جيب يف األراضي اهلندية كان خيضع لالستعمار الربتغايل لغاية عام ‪1960‬م ‪ .‬انظر ‪ :‬القانون‬
‫الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )369‬‬
‫ولكن احملكمة أيدت وجهة نظر الربتغال يف عبارات واضحة مقررة بأنه ليس شرطًا أن‬
‫يكون عدد الدول أكثر من اثنني حىت ينشأ العرف الدويل ‪ ,‬يكفي سلوك دائم ومنتظم من‬
‫دولتني إلنشاء العرف احمللي ‪ .‬وحسب عبارهتا ‪ " :‬إن احملكمة ال ترى سببًا وجيهًا يدعوها‬
‫للقول بضرورة أن يكون عدد الدول اليت ينشأ بينها عرف حملي وفقًا لسلوك دائم وطويل‬
‫أكثر من دولتني ‪ ,‬إن احملكمة الجتد سببًا يف عدم نشأة العرف من خالل تطبيق دائم‬
‫ومنتظم بني دولتني تطبيق مقبول بواسطتهما حلكم عالقتهما ‪ ,‬هذا السلوك ميكن أن حيكم‬
‫احلقوق وااللتزامات املتبادلة بني هاتني الدولتني " ‪.‬‬
‫وحبثت احملكمة فعًال مدى وجود هذا العرف احمللي ‪ ,‬وأوضحت أن العمل الدائم واملرور‬
‫احلر لألشخاص واملوظفني املدنيني الربتغاليني ‪ ,‬وكذلك مرور البضائع الربتغالية بصفة‬

‫‪169‬‬
‫عامة عرب األراضي اهلندية ‪ ،‬والقبول باعتبار هذا السلوك قانونًا بواسطة الطرفني يؤكد‬
‫وجود حق مرور من طبيعة عرفية ‪ ،‬ولكن لصاحل األفراد املدنيني والبضائع املدنية فقط‪.‬‬
‫وبالعكس فإن مرور القوات العسكرية ‪ ،‬وكذلك األسلحة والذخائر حيتاج إىل إذن موافقة‬
‫مسبقة من السلطات اهلندية ؛ ألن العمل بني الدولتني جرى على ذلك منذ عام ‪1880‬م‬
‫‪ .‬أي قبل استقالل اهلند ‪ ،‬وورثت اهلند هذا الوضع ‪ ,‬فالعرف اخلاص قاصر إذًا على مرور‬
‫( ‪)1‬‬
‫األفراد املدنيني والبضائع املدنية " ‪.‬‬
‫والعرف اخلاص ال يهم سوى هذا العدد احملدود ‪ ,‬وحمدودية العدد تعين أن القاعدة العرفية‬
‫ختاطب عددًا صغريا من الدول ‪ ،‬وقليًال من العالقات ‪ ,‬فمثًال إذا ما عاملت دولة ما رعايا‬
‫دولة أخرى معاملة خاصة ختتلف عن معاملة بقية الرعايا األجانب ‪ ،‬من حيث املزايا يف‬
‫اإلقامة‪ ،‬والعمل ‪ ،‬والدخول واخلروج والتملك ‪ ,‬وردت الدولة األخرى بالقيام بنفس‬
‫السلوك جتاه رعايا الدولة األوىل ‪ ،‬فال ينتج عن هذا السلوك سوى عرف خاص حمدود‬
‫التطبيق والنطاق على العالقات بني هاتني الدولتني‪.‬‬
‫ويصدق ما مت ذكره بصدد العرف العام على العرف اخلاص أو احمللي من حيث ضرورة‬
‫تكرار السلوك وأن يكون سلوكًا موحدًا ومتطابقًا خاليًا من التناقض والتضارب‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪ . )369‬والقانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي‬
‫إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )595‬‬
‫واالعرتاضات ‪.‬‬
‫ومن املالحظ أن املادة ‪ 38‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية قد ذكرت فقط‬
‫املمارسة العامة ومل تشر إىل القواعد العرفية اخلاصة مما كان حمل انتقاد شديد لكثري من‬
‫( ‪)1‬‬
‫شراح القانون الدويل ‪.‬‬
‫فهذا جلو بادفيفان يذكر يف مرافعته أمام حمكمة العدل الدائمة يف قضية اختصاص اللجنة‬
‫الدولية لنهر الدانوب عام ‪1927‬م ‪ ،‬بأن " اختصاصات اللجنة املوجودة قبل احلرب‬
‫العاملية األوىل تنم وتكشف عن عناصر قانون عريف خاص من طبيعة ملزمة للدول اليت نشأ‬
‫بينها‪ ،‬أي الدول املشرتكة يف نشاط اللجنة األوروبية للنهر املذكور" ‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫ويف دراسة أمام أكادميية القانون الدويل عام ‪1936‬م قال باديفان أيضا‪ " :‬على الرغم‬
‫من الصياغة املعيبة لنص املادة (‪ )38‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية ‪ ،‬حيث إن‬
‫العرف ليس هو الدليل على السلوك ‪ ،‬وإمنا العكس أال وهو أن فحص السلوك والسوابق‬
‫هو الذي يثبت وجود العرف من عدمه ‪ ،‬فإن احملكمة جيب أن تأخذ يف االعتبار األعراف‬
‫اخلاصة أو النسبية " ‪.‬‬
‫هذا وكان اإليطايل "فيدوزي" قد أعطى فتوى قانونية للحكومة الرتكية يف قضية اللوتس‬
‫(‪ )2‬عام ‪1927‬م‪ .‬جاء فيها ‪ " :‬إذا ما كانت هناك قيمة حامسة للسوابق يف هذه القضية‬
‫كما تأمل احلكومة الفرنسية فال يسعنا إال القول بوجود عرف خاص وحمدود النطاق يلزم‬
‫فقط الواليات املتحدة األمريكية وبريطانيا وفرنسا ‪ ،‬تلك الدول اليت امتنعت عن حماكمة‬
‫الربان املسئول عن التصادم يف أعايل البحار أمام حماكمها اجلنائية ‪ ,‬وهذا العرف اخلاص ال‬
‫ميكن احملاجة به يف وجه دولة أخرى مل تساهم ومل تشارك يف خلقه ‪ ،‬ومل تقبله بعد نشأته‬
‫بواسطة اآلخرين ‪ ,‬فاالمتناع عن احملاكمة ال يسري يف مواجهة تركيا ؛ ألنه سلوك خاص‬
‫( ‪)3‬‬
‫يلزم أمريكا وبريطانيا وفرنسا فقط وتركيا غريبة عنه" ‪.‬‬
‫وتعبري العرف اخلاص يؤخذ باملعىن الواسع هنا ‪ ,‬ويغطي مجيع أنواع األعراف احمللية‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )92‬‬
‫(‪ )2‬قد سبق التعريف هبذه القضية يف (ص‪. )73‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )592‬‬
‫واإلقليمية سواء وجد هذا العرف بني دولتني فقط ‪ ،‬كما يف قضية حق املرور ‪ ،‬أم بني‬
‫عدة دول ‪ ،‬كما يف قضية حق اللجوء ؛ ألنه يف احلالتني ميثل خروجًا على العرف العام‬
‫الذي يسري يف مواجهة مجيع الدول ‪.‬‬
‫هذا وال يشرتط اإلمجاع لنشأة العرف الدويل العام ‪ ,‬ولكنه البد منه لنشأة األعراف‬
‫اإلقليمية واحمللية ‪ ,‬وهذا ما ذهبت إليه حمكمة العدل الدولية يف قضية اللجوء ‪ ,‬ويف قضية‬
‫(‪)1‬‬
‫حقوق الرعايا األمريكيني يف املغرب ‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫ففي قضية حق اللجوء بني كولومبيا وبريو عام ‪1950‬م حبثت حمكمة العدل ما إذا كانت‬
‫احلكومة الكولومبية تستطيع تأسيس موقفها على عرف إقليمي أو عرف حملي خاص‬
‫بدول أمريكا اجلنوبية أم ال‪.‬‬
‫كانت كولومبيا قد منحت حق اللجوء يف سفارهتا يف "ليما" عاصمة بريو‪ ،‬لرجل سياسي‬
‫مشهور امسه "هايادي التور" بينه وبني حكومته خالفات ‪ ,‬واستندت كولومبيا يف تصرفها‬
‫هذا على "القانون الدويل األمريكي" وعلى عرف إقليمي خاص بدول أمريكا اجلنوبية‪.‬‬
‫وقالت أيضا ‪ " :‬إن الدولة اليت متنح حق اللجوء (هي نفسها كولومبيا) هلا احلق أيضًا يف‬
‫تكييف املخالفة املنسوبة إىل الشخص املستفيد من حق اللجوء ‪ ،‬تكييفًا فرديًا من أجل‬
‫حتديد ما إذا كانت هناك مربرات ملنح هذا احلق " ‪.‬‬
‫حبثت احملكمة هذه االدعاءات ‪ ،‬ولكنها وجدهتا غري كافية إلثبات وجود العرف اخلاص‬
‫املزعوم أو املدعى بوجوده من جانب كولومبيا ‪ ,‬وقالت يف حكمها بتاريخ ‪ 20‬نوفمرب‬
‫‪1950‬م‪ " :‬إن الطرف الذي يثري عرفًا من هذا النوع ‪ ،‬جيب أن يقيم الدليل على وجوده‬
‫‪ ،‬وأنه تشكل هبذه الطريقة ‪ ،‬وأصبح ملزمًا للطرف اآلخر يف النزاع ‪.‬‬
‫إن حكومة كولومبيا جيب أن تقيم الدليل على أن القاعدة اليت تدعي بوجودها مطابقة‬
‫لعمل دائم مستمر وموحد ومتناغم ‪ ،‬متارسه الدول املعنية هبذه القضية ‪ ,‬وأن هذا السلوك‬
‫يعكس تصرفًا يعود إىل الدولة املاحنة للجوء ‪ ,‬وأن هناك واجبًا مفروضًا على عاتق الدولة‬
‫األخرى (بريو) اليت حدثت واقعة اللجوء فوق أرضها ‪ ،‬يلزمها باحرتام هذه القاعدة " ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬حملمد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )369‬‬
‫فاحملكمة يف هذه القضية مل تعرتض من حيث املبدأ على وجود العرف اخلاص أو العرف‬
‫اإلقليمي بني عدة دول ‪ ,‬ولكنها اشرتطت على الدولة اليت تدعي بوجوده أن تثبت مثل‬
‫هذا العرف أمام احملكمة ‪ .‬فاحملكمة ال تبحث عن األعراف اخلاصة أو اإلقليمية من تلقاء‬
‫نفسها ‪ ,‬وإمنا أصحاب املصلحة جيب أن يلفتوا نظرها لذلك‪.‬‬
‫وبعد حبث الوقائع املقدمة من كولومبيا ‪ ،‬مل تقبل احملكمة وجود هذا العرف ؛ ألن األدلة‬
‫اليت قدمتها كولومبيا غري كافية ‪ ,‬وال تعكس سلوكًا دائمًا ومستمرًا ومتناسقًا ‪ ,‬وحسب‬
‫تعبريها‪ " :‬فإن عدم اليقني أو التناقض والتضارب الذي شاب هذا السلوك من جانب دول‬

‫‪172‬‬
‫أمريكا الالتينية يف موضوع منح اللجوء الدبلوماسي لألشخاص ‪ ،‬مينع من استنتاج وجود‬
‫عرف دائم وموحد مقبول مبثابة قانون‪.‬‬
‫وحىت لو قيل بأن هذا العرف اإلقليمي موجود بني دول أمريكا اجلنوبية األخرى فإن هذا‬
‫العرف ال يسري يف مواجهة دولة بريو ؛ ألهنا رفضت دائمًا وجود مثل هذا العرف يف‬
‫سلوكها ومل تصدق على االتفاقيات اليت أنشأت هذا العرف أي اتفاقيات "مونتفديو" لعام‬
‫‪1933‬م وعام ‪1939‬م وهي االتفاقيات اليت احتوت على قاعدة خاصة بتكييف املخالفة‬
‫بواسطة الدولة اليت متنح حق اللجوء " ‪.‬‬
‫هذا وقد استخلص بعض الشراح من موقف احملكمة أهنا تقف موقفًا معاديًا من العرف‬
‫اخلاص ‪ ،‬وأن القانون الدويل الذي يسعى إىل توحيد األحكام بني الدول يقف هو اآلخر‬
‫موقفًا غري ودي جتاه األعراف اخلاصة ؛ ألن احملكمة مل يسبق هلا أن طالبت طرفًا من‬
‫األطراف املتنازعة بإقامة الدليل على وجود القاعدة القانونية املدعى هبا وأن العرف اخلاص‬
‫يف تراجع مستمر‪.‬‬
‫ويف قضية حقوق الرعايا األمريكان باملغرب عام ‪1952‬م كانت إحدى املشاكل‬
‫املطروحة أمام احملكمة هي معرفة ما إذا كان القضاء القنصلي للواليات املتحدة يف املغرب‬
‫قد تأسس على عرف خاص بعيدًا عن أحكام االتفاقيات الدولية اليت ارتكز عليها هذا‬
‫القضاء خالل الفرتة السابقة على عام ‪1937‬م‪.‬‬
‫حمكمة العدل الدولية مل تعرتض من حيث املبدأ على وجود هذا العرف اخلاص ‪ ,‬ولكنها‬
‫كررت مالحظاهتا حول األدلة واإلثباتات املتعلقة بالقضية ‪ ,‬وخلصت إىل أنه يف هذه‬
‫القضية مل يقدم هلا دليل كاف يؤكد أن حق ممارسة القضاء القنصلي مؤسس على هذه‬
‫الطريقة وأنه أصبح ملزمًا للمغرب ‪ ،‬وقالت أيضًا ‪:‬‬
‫" إن استمرار القضاء القنصلي بعد عام ‪1937‬م وهو تاريخ انتهاء املعاهدات بني أمريكا‬
‫وفرنسا املؤسس عليها هذا القضاء أصًال ‪ ,‬مل يكتسب الصبغة العرفية ‪ ،‬وأن حمتوى‬
‫املراسالت الدبلوماسية بني أمريكا وفرنسا منذ عام ‪1937‬م يؤكد أنه خالل هذه الفرتة‬
‫كان الطرفان يبحثان عن حل مؤسس على اتفاق متبادل ‪ ,‬وأن أي منهما مل يغري موقفه‬
‫القانوين ‪ ,‬ويف مثل هذه األحوال فإن استمرار القضاء القنصلي كان يبدو كما لو كان‬

‫‪173‬‬
‫حًال مؤقتًا مقبوًال ضمنيًا بواسطة سلطات املغرب يف انتظار نتيجة املفاوضات واملراسالت‬
‫( ‪)1‬‬
‫‪ ,‬وإن فرنسا مل تقبل الوضع على أساس أنه عرف خاص" ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )596-594‬‬

‫معارضة العرف الدويل العام للعرف الدويل‬


‫اخلاص‬

‫‪174‬‬
‫معارضة العرف الدويل العام للعرف الدويل اخلاص يف القانون‬
‫الدويل العام ‪:‬‬

‫قد يتعارض العرف الدويل اخلاص مع العرف الدويل العام ‪ ,‬حبيث أنه فيما بني الدول‬
‫امللتزمة بالعرف اخلاص فإن العرف اخلاص يقدم على العرف العام ؛ ألنه مبثابة خروج‬
‫على األصل العام بني هاتني الدولتني أو العدد احملدود من الدول اليت تعرتف بالعرف‬
‫اخلاص ‪ ,‬وهنا تطبق القاعدة املعروفة يف املعاهدات الدولية ‪ ،‬وهي ‪( :‬أن اخلاص يقيد‬
‫العام) وهذا ما أكدته حمكمة العدل الدولية يف قضية حق املرور عام ‪1960‬م ‪.‬‬
‫حيث جاء يف حكمها " حيثما وجدت احملكمة أن املمارسة اليت نشأت بوضوح بني‬
‫الدولتني قد قبالها باعتبارها اليت حتكم العالقات بينهما ‪ ,‬فإن احملكمة جيب أن تعزو لتلك‬
‫املمارسة تأثريها احلاسم بالنسبة للفصل يف حقوقهما والتزاماهتما اخلاصة ‪ ,‬فاملمارسة‬
‫اخلاصة جيب أن تكون هلا الغلبة والسيادة على أي قواعد عامة " ‪.‬‬
‫هذا إال إذا كان العرف الدويل العام قاعدة آمرة (‪ )1‬من قواعد النظام العام الدويل فال ميكن‬
‫(‪)2‬‬
‫للعرف اخلاص هنا أن يعلو عليه ‪.‬‬
‫ويف العالقة بني الدول اليت تطبق العرف العام ‪ ،‬والدول اليت يوجد بينها عرف خاص ‪،‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬القاعدة اآلمرة هي كل قاعدة من قواعد القانون الدويل العام واليت تقبلها اجلماعة الدولية يف جمموعها ويعرتف‬
‫هبا باعتبارها قاعدة ال جيوز اإلخالل هبا أو االتفاق على ما خيالفها وال ميكن تعديلها إال بقاعدة الحقة من قواعد‬
‫القانون الدويل العام ‪ .‬انظر ‪ :‬املادة ‪ 53‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )96‬‬
‫فإن العرف العام هو الذي يسود ويطبق ‪ ،‬ويطرح العرف اخلاص جانبًا عند التعارض ؛‬
‫ألن العرف العام هو الذي حيكم عالقات الدول مجيعًا وهو األصل ‪ ,‬وليس من املعقول أن‬
‫ختضع الدول اليت تطبق العرف العام لقواعد خاصة ال عالقة هلا هبا ‪.‬‬
‫وفعالية قواعد العرف الدويل العام ال حتدها حدود بالنسبة للمخاطبني هبا‪ , .‬وهذا يفسر‬
‫ببساطة القيمة امللزمة للقواعد العرفية يف مواجهة مجيع الدول اليت مل تتيح هلا فرصة املسامهة‬
‫أو االشرتاك يف السلوك ‪ ،‬وإنشاء القواعد املذكورة ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫مثًال قواعد القانون الدويل العرفية اخلاصة حبرية املالحة البحرية يف أعايل البحار تستفيد‬
‫منها الدول مجيعًا اليت مل تكن أصًال ذات سواحل حبرية عند نشأة القاعدة أو مل تكن متلك‬
‫أساطيل وبواخر يف حلظة إنشاء القاعدة العرفية ‪ ,‬ونفس الشيء ينطبق على الدول اجلديدة‬
‫اليت استقلت حديثًا بعد نشأة العرف العام‪.‬‬
‫وليس هناك ضرورة للجوء إىل االفرتاض واخليال والقول بأن الدول اجلديدة قد قبلت هذه‬
‫القواعد برضاها ‪ ,‬فالقواعد موجودة أصًال قبل وجود هذه الدول ‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فإنه عند التعارض بني العرف العام والعرف اخلاص يف العالقة بني دول‬
‫ال تعرتف بالعرف اخلاص ودول تعرتف به ‪ ,‬فإن العرف العام هو الذي يطبق ؛ ألنه ملزم‬
‫للدول مجيعًا ‪.‬‬
‫وهذا احلكم ال يسري على العرف اخلاص الذي نشأ بني دول حمدودة ‪ ,‬وال ميكن مد‬
‫حكمه لينظم عالقات الدول األخرى اليت مل تشارك يف إنشائه من خالل سلوكها ‪ ,‬وعلى‬
‫هذا األساس رفضت حماكم التحكيم الدولية تطبيق شرط "كالفو"‪ .‬يف العالقات بني‬
‫الدول األوروبية ودول أمريكا اجلنوبية ؛ ألن هذا الشرط يعد عرفًا خاصًا بدول أمريكا‬
‫اجلنوبية وحدها ‪ ،‬وال يسري على الدول األخرى ‪ ،‬ويعارض قاعدة عرفية جوهرية هي‬
‫قاعدة احلماية الدبلوماسية للدول حفظًا ملصاحل رعاياها الذين يرغمون على قبول مثل هذا‬
‫الشرط يف عقود التنمية الدولية‪.‬‬
‫ولو مت افرتاض نشوء عرف حملي بني عدة دول يف منطقة ما حمتواه مد سيادة هذه الدول‬
‫على مساحات من البحر أكرب بكثري مما تقضي به القواعد العرفية العامة ‪ ،‬فإن هذا العرف‬
‫احمللي ال يؤخذ به ؛ ألنه يضر مببدأ حرية أعايل البحار ‪ ،‬ويضر مبصاحل الدول األخرى‬
‫ويتعارض مع العرف العام الذي يسري على مجيع الدول‪ .‬وال ميكن قبول عرف حملي‬
‫كهذا ‪ ،‬خاصة وأن احملاكم الدولية سوف تطرحه جانبًا يف حالة املنازعات وتطبق العرف‬
‫العام الذي جيعل لكل دولة حبر إقليمي ومنطقة اقتصادية ال تزيد عن (‪200‬ميل حبري)‬
‫ابتداء من النقطة اليت يقاس منها البحر اإلقليمي‪.‬‬
‫وعلى أية حال فإن العرف اخلاص أو احمللي أو اإلقليمي ذو تطبيق حمدود يف العالقات‬
‫الدولية ‪ ،‬وغالبًا ما حتاول حمكمة العدل الدولية التقليل من شأنه ؛ ألن احملكمة تسعى إىل‬

‫‪176‬‬
‫توحيد القواعد القانونية وجعلها ذات صبغة عاملية وال متيل إىل جتزئة القواعد وإضعاف‬
‫( ‪)1‬‬
‫القانون الدويل‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي ابراهيم ‪( ,‬ص‪. )602-600‬‬

‫معارضة العرف الدويل العام للعرف الدويل اخلاص يف الفقه‬


‫اإلسالمي ‪:‬‬
‫إذا تعارض العرف الدويل العام مع العرف الدويل اخلاص قدم العرف الدويل اخلاص ؛ ألنه‬
‫األقرب إىل حتقيق املصلحة بدفع احلرج واملشقة عن الناس ؛ وألنه هو الغالب واملطرد‬
‫(‪)1‬‬
‫لديهم ‪ ,‬فتنزل ألفاظهم وأعماهلم على مقتضاه ‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬ما لو كان العرف الدويل العام يقضي جبواز تفتيش الطائرة األجنبية ‪ ,‬ووجد‬
‫عرف دويل خاص مينع من ذلك بني الدول اخلليجية فإنه يعمل بالعرف الدويل اخلاص‬
‫ويطرح العام ‪.‬‬
‫وهناك من يقول بأن العرف اخلاص إذا كان حمصورًا مل يعتد به ‪ ،‬بل يؤخذ بالعرف العام‬
‫( ‪)2‬‬
‫‪ ,‬وإن كان غري حمصور فإنه يعتد به وينزل منزلة العرف العام ‪.‬‬
‫ومثال احملصور ‪ :‬ما لو كان السلوك متكرر من قبل دولة واحدة فإنه ال يعتد به ‪ ,‬وأما‬
‫غري احملصور فهو ما تكرر من قبل جمموعة من الدول ‪.‬‬
‫ولكن ميكن أن يقال هنا أن العرف احملصور عبارة عن عادة دولية فردية وليس عرفًا دوليًا‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬العرف وأثره يف الشريعة والقانون ‪ ,‬للدكتور أمحد بن علي سري املباركي ‪. )177( ,‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬األشباه والنظائر ‪ ,‬للسيوطي ‪( ,‬ص ‪. )105‬‬

‫الفرع الثاين‬
‫من حيث جواز االتفاق على خالفه إىل‬
‫عرف دويل آمر و عرف دويل مكمل‬

‫‪178‬‬
‫يالحظ أن هذا التقسيم من األمور غري املتصورة عند شراح املدرسة اإلرادية التقليدية ‪.‬‬
‫فالعرف عندهم اتفاق ضمين بني الدول ‪ ,‬ومن مث فاالتفاق على خالفه من األمور اجلائزة‬
‫يف مجيع األحوال ‪ ,‬إذ ال يوجد يف الواقع من االتفاقيات ما ال جيوز ألطرافها تعديلها أو‬
‫إلغاؤها باتفاق الحق ‪.‬‬
‫ولكن مثل هذا التقسيم من األمور املتصورة عند من ينظرون إىل العرف باعتباره تعبريًا عن‬
‫إرادة اجلماعة ‪ ,‬فمن املعروف أن اجلماعات املختلفة – داخلية كانت أو دولية – تعرب عن‬
‫إرادهتا يف جمال إنشاء القانون بنوعني من القواعد ‪ ,‬قواعد تتعلق باملصلحة العليا للجماعة‬
‫‪ ,‬وأخرى ال تتعلق هبذه املصلحة العليا ‪ ,‬وإمنا هتدف إىل حتقيق ما تفرتض اجلماعة أن من‬
‫شأنه حتقيق املصلحة اخلاصة لكل من أعضائها ‪ .‬ويرتتب على اختالف الغاية اليت تتغياها‬
‫اجلماعة من وراء إنشاء كل من هذين النوعني من القواعد القانونية ‪ ,‬اختالف جوهري‬
‫يف مدى إلزام كل منهما ألعضاء اجلماعة ‪ ,‬فالقواعد املستهدفة املصلحة العليا للجماعة‬
‫قواعد ملزمة ألعضائها أرادوا االنصياع حلكمها أم ال ‪ ,‬ومن مث ال جيوز االتفاق بينهم‬
‫على ما يتعارض ومضموهنا ‪ ,‬أما القواعد املستهدفة حتقيق املصلحة اخلاصة لكل من‬
‫أعضاء اجلماعة فملزمة ‪ ,‬ما مل يتوصل املعنيون إىل ما يرونه أجدر منها بتحقيق هذه‬
‫املصاحل اخلاصة ‪ ,‬ومن مث فاالتفاق على خالفها جائز ‪.‬‬
‫قواعد القانون إذًا أيًا كان مصدرها الشكلي ‪ ,‬نوعان ‪ :‬قواعد آمرة ال جيوز االتفاق على‬
‫خالفها لتعلقها باملصلحة العليا للجماعة ‪ ,‬وأخرى مقررة ال تتعلق باملصلحة العليا‬
‫للجماعة ‪ ,‬ومن مث فاالتفاق على خالفها جائز ‪ .‬وكما يصدق هذا التقسيم على قواعد‬
‫القانون الداخلي يصدق أيضًا على قواعد القانون الدويل العام فمنها ما يتعلق باملصلحة‬
‫العليا للجماعة الدولية ومن مث يتمتع بالصفة اآلمرة وال جيوز االتفاق على خالفه ‪ ,‬ومنها‬
‫ما ال يتعلق هبذه املصلحة العليا ومن مث جيوز للدول إبرام ما يتعارض ومضمونه من‬
‫اتفاقات صرحية أو ضمنية ‪.‬‬
‫والواقع أن هذه الفكرة مل تكن إىل عهد قريب لتجد يف القانون الدويل العام من جيسر‬
‫على املناداة هبا لتعارضها واملفهوم اإلرادي للقانون الدويل العام ‪ ,‬وهو املفهوم الذي كان‬
‫سائدًا نتيجة النتماء األغلبية الساحقة من كتاب القانون الدويل إىل املدرسة اإلرادية‬

‫‪179‬‬
‫التقليدية ‪ .‬وقد حظيت هذه الفكرة أخريًا وبعد طول إعمال بتأييد فقهي ال يستهان به‬
‫عند ما تبنتها جلنة القانون الدويل بنصها يف املادة اخلمسني من مشروعها لتقنني القواعد‬
‫العرفية املنظمة للمعاهدات على أن " تقع باطلة كل معاهدة تتعارض مع قاعدة آمرة من‬
‫قواعد القانون الدويل العام اليت ال جيوز االتفاق على خالفها " وقد تأكد هذا االجتاه بنص‬
‫املادة ‪ 53‬من اتفاقية فيينا املقننة للقواعد املتعلقة باملعاهدات واملوقع عليها يف عام ‪1969‬م‬
‫على أنه " تقع باطلة بطالنًا مطلقًا كل معاهدة تتعارض ‪ ,‬يف حلظة إبرامها ‪ ,‬مع إحدى‬
‫قواعد القانون الدويل العام اآلمرة وتعترب – يف مفهوم هذه االتفاقية – قاعدة آمرة من‬
‫قواعد القانون الدويل العام كل قاعدة تقبلها اجلماعة الدولية من جمموعها وتعرتف هبا‬
‫باعتبارها قاعدة ال جيوز اإلخالل هبا وال ميكن تعديلها إال بقاعدة جديدة من قواعد‬
‫القانون الدويل العام هلا نفس الصفة " و أضافت املادة ‪ 64‬من نفس االتفاقية بأنه ‪ " :‬إذا‬
‫ظهرت قاعدة آمرة جديدة من قواعد القانون الدويل العام ‪ ,‬فإن أي معاهدة قائمة‬
‫تتعارض مع هذه القاعدة تصبح باطلة وينتهي العمل هبا " ‪.‬‬
‫هذا ومن أوضح األمثلة لقواعد القانون الدويل العام اآلمرة القواعد العرفية اليت حتظر جتارة‬
‫الرقيق ‪ ,‬وتلك احملرمة إلبادة اجلنس البشري ‪ ,‬والستخدام الغازات السامة وامليكروبات يف‬
‫حالة احلرب ‪ ,‬ومن أمثلة القواعد العرفية اآلمرة كذلك املبادئ العامة الين نص عليها ميثاق‬
‫األمم املتحدة واليت تستمد قوهتا من العرف الدويل ال من جمرد النص عليها يف امليثاق ‪,‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫ومبدأ حرية أعايل البحار عبارة عن قاعدة عرفية آمرة ال جيوز االتفاق على خالفها ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬أصول القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد سامي عبد احلميد ‪( ,‬ص‪. )160‬‬

‫‪180‬‬
‫الفرع الثالث‬
‫تقسيم العرف الدويل من حيث اإلجياب‬
‫والسلب إىل عرف دويل إجيايب وعرف دويل‬
‫سليب‬

‫‪ -1‬العرف الدويل اإلجيايب ‪:‬‬

‫قـد يكـون العـرف الـدويل إجيابيـًا مثـل املالحـة يف أعـايل البحـار أو الصـيد يف أعـايل البحـار أو‬
‫ممارســة الســيطرة على املنطقــة االقتصــادية اخلالصــة أو إرســال ســفن إىل الفضــاء اخلارجي أو‬
‫الس ــيطرة على االمت ــداد الق ــاري أو غ ــري ذل ــك من القواع ــد العرفي ــة ال ــيت نش ــأت يف جماالت‬
‫عديدة ومازالت سارية على الرغم من تقنينها يف معاهدات دولية يف وقت الحق ‪.‬‬

‫‪ -2‬العرف الدويل السليب ‪:‬‬

‫قد يكون العرف الـدويل ناشـئًا عن تصـرف سـليب ‪ ,‬وقـد أيـدت ذلـك حمكمـة العـدل الدوليـة‬
‫سنة ‪1927‬م يف قضـية اللـوتس ‪ ,‬إذ قـررت أن العـرف قـد يـرتتب على أسـاس االمتنـاع عن‬
‫( ‪)1‬‬
‫اختاذ تصرف يف حالة معينة ‪ ,‬مىت اقرتن هذا االمتناع بالعنصر املعنوي ‪.‬‬
‫كذلك ذهبت حمكمة العدل الدولية إىل إسـناد هـذا الـدور للسـلوك السـليب يف قضـية املصـائد‬
‫ــــــــــــــــــــ‬

‫‪181‬‬
‫(‪ )1‬انظــر ‪ :‬القــانون الــدويل العــام ‪ ,‬للــدكتور حامــد ســلطان ‪ ,‬والــدكتورة عائشــة راتب ‪ ,‬والــدكتور صــالح الــدين‬
‫عامر ‪( ,‬ص‪. )50‬‬
‫بني ال ــنرويج واجنل ــرتا ‪ ,‬ف ــذهبت إىل الق ــول بوج ــود ع ــرف ثن ــائي جنم عن س ــلوك إجيايب من‬
‫( ‪)1‬‬
‫جانب النرويج تبعه سكوت استغرق زمنًا طويًال من جانب اجنلرتا ‪.‬‬
‫وقد يكون السـلوك سـلبيًا يتمثـل يف االمتنـاع عن القيـام بعمـل مـا ‪ ,‬فاحلصـانات الدبلوماسـية‬
‫والدوليـ ــة الـ ــيت يتمتـ ــع هبا أعضـ ــاء السـ ــلك الدبلوماسـ ــي أو احلصـ ــانة الدوليـ ــة الـ ــيت يتمتـ ــع هبا‬
‫املوظفون الدوليون كانت والزالت عبارة عن سلوك سليب من جـانب الــدول املعتمـد لــديها‬
‫حيث إن ــه متتن ــع عن تط ــبيق أحك ــام قوانينه ــا الوطني ــة على ه ــذه الفئ ــة من الن ــاس وال جتربهم‬
‫على املث ــول أم ــام حماكمه ــا الداخلي ــة ح ــىت ول ــو ك ــانت اجلرائم ال ــيت يرتكبوهنا ذات خط ــورة‬
‫شديدة وهذا يعد وال شك تقييدًا لسلطتها واختصاصها على كل فرد موجود فوق أرضــها‬
‫وأساس‬
‫هذا التقييد هو العرف قبل تقنينه يف اتفاقيـة فينـا حـول العالقـات الدبلوماسـية لعـام ‪1961‬م‬
‫‪.‬‬
‫والع ــرف ال ــدويل يف ش ــكله الس ــليب اع ــرتفت ب ــه حمكم ــة الع ــدل الدولي ــة ففي قض ــية املص ــائد‬
‫النروجييـ ــة عـ ــام ‪1951‬م قـ ــالت ‪ " :‬إن وضـ ــوح التصـ ــرفات من جـ ــانب الـ ــنرويج وتسـ ــامح‬
‫اجلماعة الدولية ووضع بريطانيــا يف حبر الشــمال ومصــاحلها اخلاصـة وامتناعهــا الطويــل املمتــد‬
‫يسمح للنرويج يف كل األحوال بإشهار نظامها اخلاص يف قياس البحر اإلقليمي يف مواجهــة‬
‫بريطانيــا " ‪ .‬بريطانيــا هنــا امتنعت وملدة طويلــة عن معارضــة الــنرويج يف طريقــة قيــاس حبرهــا‬
‫بواســطة اخلطــوط املســتقيمة ‪ ,‬وهنــا يف هــذا املثــال يوجــد ســلوك إجيايب من جــانب الــنرويج‬
‫وس ــلوك س ــليب من ج ــانب بريطاني ــا واجلماع ــة الدولي ــة ‪ ,‬وق ــد أدت ه ــذه القض ــية إىل نش ــوء‬
‫عرف جديدة بني األطراف فيما يتعلق بتحديد البحار اإلقليمية عند تعرج السواحل ‪.‬‬
‫ومن األدلـة على العـرف السـليب امتنـاع الـدول دائمـة العضـوية عن التصـويت على القـرارات‬
‫املوضوعية األمر الذي أدى إىل نشأة قاعدة عرفية يف األمم املتحدة مؤداها أن هذا االمتناع‬
‫ال يؤثر يف صحة القرارات وال يعد استعماًال حلق النقض الفيتو ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫فاملادة (‪ )27‬من امليثــاق تتطلب لصــدور قــرار من جملس األمن يف املســائل املوضــوعية تــوفر‬
‫أغلبيــة تســعة أعضــاء ‪,‬منهــا أصــوات الــدول اخلمســة دائمي العضــوية ‪ ,‬ولكن العمــل جــرى‬
‫( ‪)2‬‬
‫على أن غياب عضو أو امتناعه عن التصويت ال يؤثر يف سالمة القرار ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر القانون الدول ‪ ,‬ي حملمد سعيد الدقاق ‪( ,‬ص‪. )189‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )520‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫أقسام العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‬
‫ويشتمل على الفروع اآلتية ‪:‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬تقسيم العرف الدويل من حيث الصحة‬


‫والفساد إىل عرف دويل صحيح وعرف دويل فاسد‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬تقسيم العرف الدويل من حيث القول‬
‫والعمل إىل عرف دويل قويل وعرف دويل عملي‬

‫‪183‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬تقسيم العرف الدويل من حيث مصدره‬
‫املنشئ له إىل عرف دويل مستند إىل دليل شرعي وعرف‬
‫دويل غري مستند إىل دليل شرعي‬

‫الفرع األول‬
‫تقسيم العرف الدويل من حيث الصحة والفساد إىل عرف‬
‫دويل صحيح وعرف دويل فاسد‬

‫‪ -1‬العرف الدويل الصحيح ‪:‬‬


‫وهو الذي ال خيالف قواعد الشريعة ‪ ,‬وإن مل يرد نص خاص يف موضعه ‪ ,‬وعلى هذا‬
‫تدخل مجيع األعراف الدولية اليت نشأت بسبب ما فيها من املصاحل املرسلة ‪ ,‬أو اليت‬
‫ليست خمالفة لقواعد الشريعة ‪ ,‬أو نصوصها ‪ ,‬سواء كانت جالبة ملصلحة ‪ ,‬أو دافعة‬
‫( ‪)1‬‬
‫ملفسدة ‪.‬‬
‫ومثـال هـذه األعـراف " مـا لـو كـان احلربيـون مسـتأمنني كـان للمسـلمني أن ينبـذوا إليهم إذا‬
‫كانوا يف منعتهم فيكون هلم أيضًا أن ميتنعوا من إعطاء األمان هلم بطريق األوىل ‪.‬‬
‫فأما غري املمتنعني لو كانوا مستأمنني مل جيز نبذ األمان بيننا وبينهم حىت نلحقهم مبأمنهم ‪.‬‬
‫فكذلك إذا جاءوا طالبني األمان حىت صـاروا غـري ممتنعني منـا ‪ ,‬إال أن يكـون أمـري املسـلمني‬
‫تقــدم على أهــل تلــك الــدار من أهــل احلرب أنــه ال أمــان لكم عنــدنا فال خيرجن أحــد منكم‬
‫إلينا ‪ ,‬فإذا علموا بذلك فال أمان هلم ‪ ,‬ومن جاء يطلب األمان فهو يفء ؛ ألنــه أعــذر إليهم‬
‫(‪)2‬‬
‫مبا صنع وقد قال تعاىل ‪ { :‬وقد قدمت إليكم بالوعيد } ‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫مث احلاصل أنه من فارق املنعة عند االستئمان فإنه يكون آمنًا عــادة والعــادة جتعــل حكمـًا إذا‬
‫مل يوجد التصريح خبالفه فأما عند وجود التصريح خبالفه يسقط اعتباره كمقدم املائــدة بني‬
‫( ‪)3‬‬
‫يدي إنسان إذا قال ال تأكل ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬قاعدة العادة حمكمة ‪ ,‬للشيخ يعقوب الباحسني ‪( ,‬ص‪. )44‬‬
‫(‪ )2‬سورة ق ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )28( :‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬السري الكبري ‪ ,‬حملمد بن احلسن الشيباين ‪ ,‬وشرحه ‪ ,‬حملمد بن أمحد السرخسي ‪. )1/295( ,‬‬

‫‪ -2‬العرف الدويل الفاسد ‪:‬‬

‫وهو ما خالف بعض أدلة الشرع أو قواعده األساسية ‪.‬‬


‫( ‪)1‬‬

‫ومثال ذلك ‪ :‬ما لو وجد عرف يقضي بوجوب وضـع اخلمـر على موائـد املؤمترات املنعقـدة‬
‫بني رؤساء الدول ‪ .‬فهذا عرف دويل فاسد ملخالفته نصـوص الشـرعية ‪ ,‬وذلـك لنهيـه صـلى‬
‫( ‪)2‬‬
‫اهلل عليه وسلم عن اجللوس على موائد يدار فيها اخلمر ‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬املدخل إىل الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز اخلياط ‪( ,‬ص‪. )70‬‬
‫(‪ )2‬سبق خترجيه يف (ص‪. )159‬‬

‫الفرع الثاين‬
‫تقسيم العرف الدويل من حيث القول‬
‫والعمل إىل عرف دويل قويل وعرف دويل‬
‫عملي‬
‫‪ -1‬العرف الدويل القويل ‪:‬‬
‫" هو ما صار اللفظ داًال فيه على املعىن بالعرف ال باللغة " ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫وقيل ‪ " :‬هو اللفظ املتفـق على أن يـراد منـه غـري متام مدلولـه ‪ ,‬حبيث إذا أطلـق انصـرف إليـه‬
‫( ‪)2‬‬
‫من غري قرينة " ‪.‬‬
‫ومث ـ ــال الع ـ ــرف ال ـ ــدول الق ـ ــويل ‪ " :‬م ـ ــا إذا وادع املس ـ ــلمون املش ـ ــركني على أن ي ـ ــؤدوا إىل‬
‫املسلمني مائة رأس يف كل سنة على أن يكونوا آمنني يف دارهم ال جيري املسلمون عليهم‬
‫أحكامهم وال يغريون ‪ ,‬فليس ينبغي للمسلمني املوادعة على هذا إال اخلوف من املشركني‬
‫وعند ذلك فاملائة رأس تكون عليهم من أوساط الرءوس يف كل سنة ‪ ,‬والــرءوس األوســاط‬
‫من رقيق أولئك احلربيني ‪ ,‬ولذا ليس عليهم أن يعطوا الرءوس من غري رقيقهم ‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫ألن مطلق التسمية ينصـرف إىل مـا هـو املعـروف بـالعرف والعـرف الظـاهر أهنم إمنا يلـتزمون‬
‫تسليم الرءوس من رقيقهم إال أن يسمى املسلمون شيئًا آخر معروفًا فإن العرف يسقط‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪ ,‬البن تيمية ‪ , )7/96( ,‬مجع وترتيب ‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن قاسم ‪ ,‬الناشر ‪ :‬جممع‬
‫امللك فهد لطباعة املصحف الشريف يف املدينة املنورة ‪1416 ,‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬العرف والعادة يف رأي الفقهاء ‪ ,‬ألمحد فهمي أبوسنة ‪( ,‬ص‪. )18‬‬
‫اعتباره عند وجود التسمية خبالفه " ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وقد يقيد العرف الدويل مطلق اللفظ ومثال ذلك ‪ " :‬مـا لـو كـان األمـري أمـر املنـادي فنـادى‬
‫أيهــا النــاس إنــا قــد أقلنــا املشــرتين العقــد فيمــا اشــرتوا منــا فمن كــان اشــرتى شــيئًا فليطرحــه‬
‫ففعلوا ذلك مل يكن عليهم من الثمن شيء ‪.‬‬
‫ولــو قــال بنفســه قــد أقلتكم الــبيع فــاطرحوا مــا اشــرتيتم مــين وليبلــغ شــاهدكم غــائبكم فهــذا‬
‫واألول سواء ‪.‬‬
‫ألنه نص على األمر بالتبليغ فعبارة كل مبلغ تكون مبنزلة عبارته ‪.‬‬
‫ولو كان األمري مل يذكر هذه الزيادة ففي القياس ال يــربأ من الثمن إال من مسع مقالــة األمــري‬
‫كما يف حـق البـائع لنفسـه ولكنـه استحسـن فقـال هم بـراء من الثمن إذا طرحـوا حني بلغهم‬
‫مقالة األمري ‪.‬‬
‫ألن مب ــىن كالم األم ــري على االنتش ــار والظه ــور ع ــادة والع ــادة تعت ــرب يف تقيي ــد مطل ــق الكالم‬
‫( ‪)2‬‬
‫فكان هذا والتصريح خبالفه فليبلغ شاهدكم غائبكم سواء ‪.‬‬

‫‪ -2‬العرف الدويل العملي ‪:‬‬

‫" هو ما جرى عليه العمل " ‪.‬‬


‫( ‪)3‬‬

‫( ‪)4‬‬
‫وقيل ‪ " :‬هو ما جرى عليه الناس وتعارفوه يف تعامالهتم وتصرفاهتم " ‪.‬‬
‫ومثال ذلك قول ابن قدامة (‪ " :)5‬وأما الفعل (‪ )6‬فإذا دخل احلريب دار اإلسالم رسوًال أو‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬

‫‪187‬‬
‫(‪ )1‬السري الكبري ‪ ,‬حملمد بن احلسن الشيباين ‪ ,‬وشرحه ‪ ,‬حملمد بن أمحد السرخسي ‪. )5/1725( ,‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق ‪. )3/1077( ,‬‬
‫(‪ )3‬العرف والعادة يف رأي الفقهاء ‪ ,‬ألمحد فهمي أبوسنة ‪( ,‬ص‪. )19‬‬
‫(‪ )4‬أثر العرف يف التشريع اإلسالمي ‪ ,‬للسيد صاحل عوض ‪( ,‬ص‪. )126‬‬
‫(‪ )5‬سبقت ترمجته يف (ص‪. )118‬‬
‫(‪ )6‬يقصــد بالفعــل هنــا األمــان الفعلي ‪ ,‬ذلــك أنــه ســبق وأن ذكــر األمــان القــويل ‪ ,‬وهــذا األمــان الفعلي يصــدق على‬
‫العرف الدويل العملي ‪.‬‬
‫ت ــاجرًا ‪ ,‬وق ــد ج ــرت الع ــادة ب ــدخول جتارهم إلين ــا ك ــان أمان ـًا ل ــه ومل جيز التع ــرض ل ــه ؛ ألن‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم قـال لرسـويل مسـيلمة (‪ ( : )1‬لـوال أن الرسـل ال تقتـل لضـربت‬
‫أعناقكما ) (‪ )2‬؛ وألهنم دخلوا يعتقدون األمان فأشبه ما لو دخلوا بإشارة املسلم ‪.‬‬
‫وإن دخـل مسـلم دار احلرب رسـوًال أو تـاجرًا وقـد جـرت العـادة بـدخول جتارنـا إليهم صـار‬
‫يف أمــاهنم وصــاروا يف أمــان منــه ؛ ألن األمــان إذا انعقــد من أحــد الطــرفني انعقــد من اآلخــر‬
‫فال حتل له خيانتهم يف أمواهلم وال معاملتهم بالربا ؛ ألن من حـرم مالــه عليــك ومالــك عليــه‬
‫( ‪)3‬‬
‫حرمت معاملته بالربا كاملسلم يف دار اإلسالم " ‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ستأيت ترمجته يف (ص‪. )213‬‬
‫(‪ )2‬سبق خترجيه يف ‪( :‬ص ‪. )53‬‬
‫(‪ )3‬الكايف ‪ ,‬ملوفق الدين ابن قدامة ‪ , )5/566( ,‬حتقيق ‪ :‬عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬هجر للطباعة‬
‫والنشر ‪1418 ,‬هـ ‪1997 ,‬م ‪.‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫تقسيم العرف الدويل من حيث مصدره‬
‫املنشئ له إىل عرف دويل مستند إىل دليل‬
‫شرعي وعرف دويل غري مستند إىل دليل‬
‫شرعي‬ ‫( ‪)1‬‬

‫‪ -1‬العرف الدويل املستند إىل دليل شرعي ‪:‬‬

‫هو العرف الدويل املعترب حكمًا من األحكام الشرعية ‪ ,‬حبيث يتبعه املســلمون على أنــه نص‬
‫تشريعي ال عرف دويل ‪.‬‬
‫ومثــال ذلــك االمتنــاع عن قتــل الرســل ‪ ,‬لقولــه صــلى اهلل عليــه وســلم لرســويل مســيلمة (‪: )2‬‬
‫( ل ــوال أن الرس ــل ال تقت ــل لض ــربت أعناقكم ــا ) (‪ . )3‬فهن ــا ُيتب ــع ه ــذا الع ــرف على أن ــه نص‬
‫تشــريعي من الســنة املطهــرة ‪ ,‬وبنــاًء عليــه لــو أن العــرف تغــري بتغــري الزمــان ‪ ,‬وأصــبح العــرف‬
‫جييز قتل الرسل ‪ ,‬فإنه ال جيوز العمل به ‪ ,‬ألنه بذلك يكون ناسخًا للنص الشرعي ‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫‪ -2‬العرف الدويل الغري مستند إىل دليل شرعي ‪:‬‬
‫وه ــو الع ــرف ال ــدويل املتغ ــري حبس ــب تغ ــري الزم ــان واملك ــان ‪ ,‬فيب ــىن علي ــه احلكم حبس ــب تغ ــري‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬استنبط هذا التقسيم من تقسيم ذكره الشاطيب يف كتابه املوافقات ‪. )2/282( ,‬‬
‫(‪ )2‬ستأيت ترمجته يف (ص‪. )213‬‬
‫(‪ )3‬سبق خترجيه يف (ص‪. )53‬‬

‫الزمان واملكان ‪.‬‬


‫ومث ــال ذل ــك أن الع ــرف ال ــدويل ق ــدميًا ك ــان يقض ــي جبواز دخ ــول جتار دار احلرب إىل دار‬
‫اإلسالم بغري عقد األمان ‪.‬‬
‫يق ــول ابن قدام ــة (‪ : )1‬إذا دخ ــل احلريب دار اإلس ــالم بغ ــري أم ــان ‪ ,‬س ــئل ‪ ,‬ف ــإن ق ــال ‪ :‬جئت‬
‫تاجرًا نظرنا ‪ ,‬فإن كان معه متاع يبيعه قبل قوله وحقن دمه ؛ ألن العادة جارية بدخول‬
‫( ‪)2‬‬
‫جتارهم إلينا وجتارنا إليهم " ‪.‬‬
‫أما اليوم فقد تغري العـرف وتبـدل ‪ ,‬إذ يشـرتط لـدخول التجـار وجـود إذن مسـبق من الدولـة‬
‫املراد الــدخول إليهــا ‪ ,‬وبنــاءًا على ذلــك يكــون يبــىن احلكم على العــرف احلايل ال الســابق ‪,‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫والقاعدة الفقهية تقول ‪ " :‬ال ينكر تغري األحكام بتغري األزمان " ‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سبقت ترمجته يف (ص‪. )118‬‬
‫(‪ )2‬املغين ‪ ,‬البن قدامة ‪. )9/281( ,‬‬
‫(‪ )3‬مادة ‪ 39‬من جملة األحكام العدلية ‪.‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫خصائص العرف الدويل‬
‫من خصائص العرف الدويل مرونته وقابليته للتطور وذلك أن قواعده غري مكتوبة‬
‫( ‪)1‬‬
‫ومستخلصة ‪.‬‬
‫أي أن يكون شائعًا مييل إىل التطور الدائم ‪ ,‬وأن يعوزه اجلمود والثبات اللذان تتميز هبما‬
‫األحكام االتفاقية ‪ ,‬والشيوع والتطور يف احلكم العريف ال خيلوان من نفع ‪ ,‬إذ جيعالن‬
‫القاعدة القانونية مسايرة لعالقات الدول يف تطورها ‪ ,‬متمشية مع تغري الظروف‬
‫واملالبسات ‪ ,‬يف حني أن أحكام املعاهدات ‪ -‬مبا هلا من ثبات وحتديد ومجود ‪ -‬كثريًا ما‬
‫تعوق منو العالقات بني الدول ‪ ,‬وتقضي على استمرار قيام التفاهم بينها يف بعض األحيان‬
‫( ‪)2‬‬
‫‪.‬‬
‫وميكن تلخيص خصائص العرف الدويل يف األمور الثالثة اآلتية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه دليل التعامل املشرتك الناشئ عن سوابق معينة أي عن تكرر تصرفات حامسة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه مبثابة تعامل إلزامي ‪ ,‬أي يقتضي قبوله باعتباره القانون الذي يتالئم مع الضرورة‬
‫القانونية ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ــه تعام ــل تط ــوري ألن ــه ي ــتيح مبرونت ــه تق ــدم القواع ــد القانوني ــة متمش ــيًا يف ذل ــك م ــع‬
‫مقتض ــيات العالق ــات املس ــتحدثة واحلاج ــات اجلدي ــدة ‪ ,‬وه ــذا م ــا مييز القاع ــدة العرفي ــة عن‬
‫القاعدة التعاقدية اليت تعترب أكثر استقرارًا وبالتـايل ذات صـفة آمـرة ‪ .‬وهلذه املرونـة حسـنات‬

‫‪191‬‬
‫إذ ت ــتيح متش ــي الع ــرف م ــع األوض ــاع الواقعي ــة ول ــو بش ــكل بطيء يتع ــذر مع ــه أحيان ـًا جماراة‬
‫سرعة األحداث وهلا حماذير ؛ ألهنا تيسر حتويل القاعدة القانونية أو إلغائها بوسائل خفية‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ‪( ,‬ص‪)77‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حامد سلطان ‪ ,‬والدكتورة عائشة راتب ‪ ,‬والدكتور صالح الــدين عــامر‬
‫‪( ,‬ص‪. )49‬‬

‫غري ملموسة فتؤدي بذلك إىل إثارة الشك يف مضمون القانون ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫ومن اجلدير بال ــذكر أن ظ ــروف احلي ــاة يف مجاع ــة م ــا تقتض ــي وج ــود قواع ــد قانوني ــة حتكم‬
‫شؤون هذه اجلماعة ‪ ,‬وإذا متيزت هذه اجلماعة بعدم وجـود ســلطة عليــا واحـدة ‪ ,‬أصـبحت‬
‫مســألة وجــود هــذه القواعــد مســألة ال بــديل هلا حيث تــوفر حــد أدىن بشــأن تنظيم العالقــات‬
‫يف هذه اجلماعـة ‪ ,‬وحيث إن اجلماعـة الدوليـة تتمـيز بعـدم وجـود سـلطة عليـا واحـدة فيهـا ‪,‬‬
‫لذلك كان ظهور العرف أمرًا متطابقًا مع مقتضيات حال هذه اجلماعة ‪.‬‬
‫ولعل دور العرف يف ظهور قواعد قانونية دولية من أظهر مزاياه ‪ ,‬حيث ساعد تارخييًا‬
‫على ظهور بعض القواعد القانونية الدولية يضاف إىل ذلك أن ارتباط العرف بالواقع‬
‫وبالعمل الدويل جيعله أكثر مالءمة لظروف اجلماعة الدولية ودرجة تطورها وييسر العمل‬
‫( ‪)2‬‬
‫الدويل ‪.‬‬
‫ومن الصفات العامة للقاعدة العرفية أهنا مشرتكة وموحدة ومستقرة وملزمة ‪ ,‬حبيث‬
‫تشرتك يف تطبيقها جمموعة الدول بشكل عام ‪ ,‬وجتري بشكل موحد ومتشابه ‪ ,‬وال‬
‫تتعرض النقطاع يف التطبيق ‪ ,‬وأخريًا فإن الدول ليست حرة يف تطبيقها أو عدم تطبيقها‬
‫ألهنا يف حالة عدم التطبيق ستتعرض لتطبيق أحكام املسؤولية الدولية حبقها جزاء خلرقها‬
‫( ‪)3‬‬
‫القاعدة القانونية ‪.‬‬
‫وإذا كان العرف الدويل يتميز بتغريه دون معارضة ‪ ,‬وحبسب مشيئة املتطلبات االجتماعية‬
‫للحياة الدولية ‪ ,‬فإنه باملقابل يعاين من غموض نسيب ‪ ,‬وحدوده غري مثبته ‪ ,‬وال سيما يف‬
‫الصعوبات الكبرية واليت يثريها على سبيل املثال حق اللجوء الذي كان موضوعًا للعديد‬

‫‪192‬‬
‫من املشاريع اليت طرحت هبذا اخلصوص بغية تقنينها يف نص قانوين دويل ‪ ,‬إذ إنه يف عام‬
‫‪1925‬م قامت عصبة األمم بإنشاء جلنة فرعية مكلفة بدراسة مسألة االمتيازات واحلصانة‬
‫ــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لشارل روسو ‪( ,‬ص‪ . )82‬والقانون الدويل العام ‪ ,‬للـدكتور مسوحي فـوق العـادة‬
‫‪( ,‬ص‪. )49‬‬
‫(‪ )2‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور إبراهيم أمحد شليب ‪( ,‬ص‪. )348‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ‪ ,‬للدكتور إحسان هندي ‪( ,‬ص‪. )93‬‬

‫الدبلوماسية ‪ ,‬إال أن هذه اجلهود مل تؤد إىل تقنني ما طرحته اللجنة ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫إن العرف الدويل ميكن أن يتعرض للتساؤل حول وجـوده من عدمـه ‪ ,‬وبالتـايل يصـعب يف‬
‫الكثــري من األحـوال إثبــات وجـوده وحتديــد مضــمونه ‪ ,‬وهــذه مســائل يســهل ملن يريــد جتنب‬
‫تطبيق العرف أن يثري الشك فيها ‪ ,‬ومع ذلك فالعيب األخـري ميثـل أمهيـة خاصـة وهـو انعـدام‬
‫أو على األق ــل احنص ــار ال ــدور ال ــذي تق ــوم ب ــه ال ــدول احلديث ــة االس ــتقالل يف نش ــوء القواع ــد‬
‫العرفي ــة ‪ ,‬حيث إن ال ــدور ق ــد ال يوج ــد حالي ـًا كم ــا ال يوج ــد احتم ــال وج ــوده يف األج ــل‬
‫املنظ ــور على األق ــل بالنس ــبة لبعض املوض ــوعات ومن مث كي ــف ميكن الق ــول بوج ــود ع ــرف‬
‫دويل مل تشرتك يف تأسيسه األغلبية من أشخاص اجلماعة الدولية ‪ ,‬الواقـع أن هـذا املوضـوع‬
‫يتعني عدم جتاهله حىت ال يظهر أمام هذه الدول بأنه قـانون مفـروض وهـو مـا قـد يـؤدي إىل‬
‫احتمال ظهور ظـاهرة القـانون املفـروض الـذي من شـأنه على األقـل عـدم اسـتقرار األوضـاع‬
‫( ‪)2‬‬
‫الدولية وبالذات القانونية ‪.‬‬
‫وكذلك فإن العرف الدويل ال ميكن أن يتطور إال يف وسط اجتماعي متجانس متامًا ‪,‬‬
‫ولكن اجملتمع الدويل فقد جتانسه يف الوقت احلاضر بسبب اقتسام مناطق النفوذ بني الدول‬
‫الكربى يف أعقاب احلرب العاملية الثانية ‪ ,‬ودخول الدول حديثة العهد باالستقالل إىل‬
‫دائرة اجملتمع الدويل ‪ ,‬وهي دول ال ترى نفسها ملزمة باألعراف السابقة على وجودها ‪,‬‬
‫ونتيجة لذلك أصبح من الصعوبة مبكان الوصول إىل توافق اجتماعي واسع بضرورة اتباع‬
‫( ‪)3‬‬
‫هذه القاعدة أو تلك من قواعد السلوك ‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫إن األعراف السارية اآلن من صنع قلة من الدول وليس أغلبها ‪ ,‬وذلك عيب ال جيعل‬
‫( ‪)4‬‬
‫الركون لألعراف أمرًا مستحبًا يف تنظيم الشؤون الدولية ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬أسس وقواعد العالقات الدبلوماسية والقنصلية ‪ ,‬للدكتور ناظم عبد الواحد اجلاسور ‪( ,‬ص‪, )35‬‬
‫الناشر ‪ :‬دار جمدالوي يف األردن ‪ ,‬ط‪1422 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور إبراهيم أمحد شليب ‪( ,‬ص‪. )349‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )362‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬مدخل إىل القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مأمون مصطفى ‪( ,‬ص‪. )48‬‬
‫ومن عيوب العرف صعوبة حتديد القواعد العرفية الدولية والرجوع إليها عند احلاجة ألهنا‬
‫مبعثرة ‪ ,‬فقد توجد القواعد العرفية يف املراسالت الدبلوماسية املنشورة ‪ ,‬أو تعليمات‬
‫للدبلوماسيني والقناصل والضباط العسكريني والبحريني وذوي اخلربة وقرارات احملاكم‬
‫( ‪)1‬‬
‫احمللية وحنوها ‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام يف وقت السلم واحلرب وتطبيقه يف دولة الكويت ‪ ,‬للدكتورة بدرية العوضي ‪,‬‬
‫(ص‪. )29‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫تدوين وتقنني العرف الدويل‬

‫ويشتمل على املطالب اآلتية ‪:‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬التدوين العلمي‬


‫املطلب الثاين ‪ :‬التدوين الرمسي‬
‫املطلب الث ـ ــالث ‪ :‬دور األمم املتح ـ ــدة يف ت ـ ــدوين الع ـ ــرف‬
‫الدويل‬

‫‪195‬‬
‫املطلب الرابـ ــع ‪ :‬الصـ ــعاب الـ ــيت تعـ ــرتض التـ ــدوين وكيفيـ ــة‬
‫مواجهتها‬
‫املطلب اخلامس ‪ :‬أثر التقنني يف العرف الدويل‬

‫املطلب األول‬
‫التدوين العلمي‬
‫التق ــنني أو م ــا يع ــرف بالت ــدوين ه ــو حتوي ــل القواع ــد العرفي ــة غ ــري املكتوب ــة إىل جمموع ــة من‬
‫القواعد املكتوبة وتنظيمها بصورة منهجية يف جمال ما من جماالت القانون الدويل العام ‪.‬‬
‫وهدفــه ليس جمرد عالج الغمــوض وعــدم الوضــوح الــذي يكتنــف بعض القواعــد العرفيــة من‬
‫حيث وجودها وحمتواها ‪ ،‬وإمنا أيضًا عالج التشتت والتوزيع هلذه القواعد وجعلها مرتابطة‬
‫لسهولة التطبيق على موضوع معني ‪ ,‬والتوصل من خالل هذه العملية إىل تطوير القــانون‬
‫الدويل العام من خالل احللول القادرة على إعطاء إجابـة شـافية أو مرضـية لضـرورات احليـاة‬
‫الدولية املعاصرة ‪.‬‬
‫وهلذه األســباب فــإن التقــنني ال ميكن فصــله أب ـدًا عن التقــدم املطــرد للقــانون الــدويل العــام ‪،‬‬
‫كم ــا تش ــري إىل ذل ــك املادة (‪)13/1‬من ميث ــاق األمم املتح ــدة وه ــذا م ــا اع ــرتفت ب ــه اجلن ــة‬
‫القانون الدويل منذ األيام األوىل إلنشائها ‪.‬‬
‫والتق ــنني ه ــو إح ــدى الظ ــواهر املم ــيزة للمرحل ــة الراهن ــة للعالق ــات الدولي ــة ‪ ،‬حيث هتدف‬
‫اجلماعــة الدوليــة من ورائــه إىل صــياغة القواعــد القانونيــة يف شــكل معاهــدات دوليــة ملزمــة‬
‫للدول مجيعًا بعد التصديق عليها ‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫والتق ــنني فرص ــة يف ال ــوقت نفس ــه لل ــدول اجلدي ــدة أو النامي ــة لكي تع ــرب عن رأيه ــا يف قواع ــد‬
‫القــانون الــدويل التقليديــة أو بقايــا تلــك القواعــد الــيت وضــعت يف األزمنــة الســابقة وكــانت‬
‫تستجيب ملصاحل ومتطلبات الدول األرستقراطية يف اجلماعة الدوليــة ‪ ,‬وينصــب هــذا التقــنني‬
‫أصًال على القواعد األساسية املوروثة تقليديًا ‪.‬‬
‫وهلذا فــإن الــدول القدمية واجلديــدة هتتم بــالتقنني ‪ ،‬وان كــان كــل منهــا يســعى إىل هــدف قــد‬
‫يك ــون متعارض ـًا م ــع ه ــدف اجلانب اآلخ ــر ‪ ,‬فال ــدول القدمية تس ــعى إىل تث ــبيت القواع ــد يف‬
‫صورة مكتوبة بينما الدول اجلديـدة حتاول تعـديل وحتسـني هـذه القواعـد بالقـدر الـذي حيقـق‬
‫مصاحلها وطموحاهتا املشروعة ‪.‬‬
‫وهلذا ف ــإن علمي ــة التق ــنني ليس ــت س ــهلة ‪ ,‬وإمنا حتت ــاج إىل اتف ــاق وحل ــول وس ــط وهتذيب‬
‫لبعض القواع ــد القدمية ‪ ،‬أو عالج التش ــوهات املوج ــودة هبا وجعله ــا مقبول ــة من قب ــل مجي ــع‬
‫األطــراف ‪ ،‬وإال فــإن املعاهــدات اجلماعيــة النامجة عن التقــنني لن جتد من يصــدق عليهــا ولن‬
‫تدخل دائرة النفاذ ‪.‬‬
‫وهلذا فإن التقنني يتجاوز دائمًا ما هو موجود بالفعــل من قواعــد عرفيــة وحيتــاج إىل تشــاور‬
‫( ‪)1‬‬
‫بني الدول ‪.‬‬
‫ونظرًا لصعوبات إثبات وحتديد مضمون القاعدة العرفية فقد نادى شراح القانون الدويل‬
‫منذ زمن بعيد إىل ضرورة العمل على تدوين العرف باعتباره الوسيلة الفعالة للقضاء على‬
‫هذه الصعوبات ‪ ,‬وقد حصلت حماوالت فردية لتدوين العرف يف كتب شراح القانون‬
‫الدويل ‪ ,‬منها جمهودات العامل السويسري بلنتشلي الذي أخرج تقنينًا للقانون الدويل العام‬
‫سنة ‪1868‬م ‪ ,‬ويقع يف ‪ 692‬مادة ‪ ,‬وجمهودات األمريكي فيلد الذي أظهر تقنينا آخر‬
‫سنة ‪1872‬م ‪ ,‬وجمهودات اإليطايل فيوري الذي نشر جمموعة أخرى سنة ‪1889‬م ‪,‬‬
‫(‬
‫ويقع يف ‪895‬مادة ‪ ,‬وجمهودات الروماين بيال الذي وضع تقنينًا للقانون الدويل اجلنائي ‪.‬‬
‫‪)2‬‬

‫كما قامت بعض اجلمعيات العلمية مبحاوالت يف هذا الصدد ‪ ,‬منها جممع القانون الدويل‬
‫الذي أنشئ سنة ‪1873‬م ‪ ,‬واملعهد األمريكي للقانون الدويل الذي أنشئ سنة ‪1912‬م ‪,‬‬
‫وجمهودات جامعة هارفارد األمريكية اليت خصصت جمموعة كبرية من الباحثني لتجميع‬
‫القواعد اخلاصة باملواضيع الدولية املختلفة ‪ ,‬ولقد أدت جمهودات اهليئات العلمية األوربية‬

‫‪197‬‬
‫واألمريكية إىل صياغة عدد كبري من القواعد العرفية ‪ ,‬وصدورها على هيئة معاهدات أو‬
‫( ‪)3‬‬
‫اتفاقيات أو تصرحيات يف الفرتة ما بني سنة ‪1899‬م واحلرب العاملية األوىل ‪.‬‬
‫وق ــد ك ــان اهلدف من ه ــذه التقنين ــات أن اجلماع ــة الدولي ــة ال متل ــك حكوم ــة عاملي ــة مركزي ــة‬
‫واحدة تقوم بعمليـة التقـنني وفـرض املعاهـدات اجلماعيـة الناجتة عن هـذه العمليـة على الـدول‬
‫األعضاء ‪ ,‬وهلذا فإن جهود التقنني بدأت يف صورة فردية يقوم هبا الشراح حسب‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص ‪. )639-638‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد حافظ غامن ‪( ,‬ص‪. )93‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )93‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫اجتهادهم واختيارهم ‪ ,‬أو تقوم هبا هيئات علمية مجاعية غري حكومية ‪ ،‬مثل ما سبق ‪.‬‬
‫إال أن بعض الشراح يرى أن هذه احملاوالت مل تتعد يف أمهيتها اجلانب النظري ‪ ,‬وليس هلا‬
‫(‬
‫قيمة قانونية ملزمة للدول وهي ال تعدو أن تكون جمرد آراء ال حتظى سوى بقيمة أدبية ‪.‬‬
‫‪)2‬‬

‫‪198‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )640‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للـدكتور عـدنان طــه مهـدي الـدوري والـدكتور عبـد األمـري العكيلي ‪( ,‬ص‪, )78‬‬
‫وانظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )375‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫التدوين الرمسي‬

‫" هو ما أسهمت فيه الدول يف نطاق املؤمترات واملنظمات الدولية " ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫ولقد شعرت هذه الدول حباجة إىل تدوين بعض األحكام العرفية ‪ ,‬وكــانت النتــائج العمليــة‬
‫لغاية اليوم متفاوتة جدًا ‪.‬‬
‫ففي خالل القرن التاسع عشر ويف مطلع القرن العشرين ‪ ,‬باشرت الدول األوربية بتجربة‬
‫تدوين جزئي خال من أي منهج تنظيمي ومقتصر على موضوعات حمددة ‪ ,‬اختذ شكل‬
‫معاهدات مجاعية ‪ ,‬وهذا املسعى التنظيمي الذي باشرته اتفاقيات الهاي عامي ‪1899‬م و‬
‫‪1907‬م ظل متواصًال يف موضوع القانون اإلداري الدويل بسبب االحتادات الدولية‬
‫املختلفة ‪ ,‬ومن سنة ‪1919‬م إىل ‪1939‬م بفضل عصبة األمم ‪ ,‬وبنوع خاص يف قضايا‬
‫املواصالت واملرور والعمل ‪.‬‬
‫مث أعقبه ظهور نشاط متواز يف القارة األمريكية منذ مطلع القرن العشرين ‪ ,‬وهذا العمل‬
‫التشريعي كان من صنع خمتلف مؤمترات االحتاد األمريكي اليت تعاقبت منذ سنة ‪1889‬م‬

‫‪199‬‬
‫‪ ,‬وجاءت نتائج هذه املؤمترات خميبة لآلمال بسبب عدم تصديق االتفاقيات إىل من قبل‬
‫عدد ضئيل من الدول ‪.‬‬
‫غري أن انفراد أمريكا بالعمل ‪ ,‬كانفراد أوربا ‪ ,‬ال ميكنه تلبية احلاجة العاملية للتدوين ‪ ,‬وإمنا‬
‫التدوين العام واملنظم واملتقدم ‪ ,‬أي التدوين التدرجيي واحلريص يف آن معًا ‪ ,‬على إصالح‬
‫القانون الساري املفعول ‪ ,‬قادر وحده على إعطاء النتائج املتوخاة ‪ ,‬وقد جرت حماولة‬
‫مزدوجة يف هذا الصدد غداة كل من احلربني العامليتني ‪ ,‬وكان حمركها يف كل مرة أهم‬

‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل العام ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪( ,‬ص‪. )147‬‬

‫املؤسسات الدولية القائمة ‪.‬‬


‫( ‪)1‬‬

‫ففي عام ‪1906‬م عهد املؤمتر األمريكي الذي عقد يف ريودي جانريو إىل جلنة من الشراح‬
‫مبهم ـ ــة التق ـ ــنني ‪ ,‬ولكن احلرب العاملي ـ ــة األوىل عطلت أعماهلا ‪ .‬باإلض ـ ــافة إىل قي ـ ــام احلرب‬
‫املكسيكية األهلية ‪.‬‬
‫ويف أثن ـ ــاء املؤمتر األم ـ ــريكي ال ـ ــذي عق ـ ــد يف هافان ـ ــا ع ـ ــام ‪1928‬م ‪ ,‬وض ـ ــعت مشـ ــروعات‬
‫التفاقي ــات خاص ــة ببعض املس ــائل ‪ ,‬أق ــرت املؤمترات األمريكي ــة التالي ــة بعض ــها ‪ ,‬وعرض ــتها‬
‫على الدول األمريكية للتصديق ‪ ,‬فأمهل البعض ‪ ,‬ونفذ البعض اآلخر ‪.‬‬
‫وآخــر جمهــود بذلتــه اجلمهوريــات األمريكيــة يف هــذا الصــدد مــا نص عليــه ميثــاق بوجوتــا يف‬
‫عــام ‪1950‬م من إنشــاء هيئــة من الشــراح األمريكــيني مهمتهــا تقــنني القــانون الــدويل العــام‬
‫( ‪)2‬‬
‫واخلاص ‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لشارل روسو ‪( ,‬ص‪ . )87‬والقاعدة العرفية يف القانون الدويل العــام ‪ ,‬لعبــد الغــين‬
‫حممود ‪( ,‬ص‪. )147‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد حافظ غامن ‪( ,‬ص‪. )95‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫دور األمم املتحدة يف تدوين العرف الدويل‬
‫لقد تنبهت اجلماعة الدولية يف السنوات األخرية إىل فائدة تدوين العرف الدويل يف‬
‫معاهدات مجاعية تنضم إليها كافة الدول ‪ ,‬حيث دعت عصبة األمم مبوجب قرار مجعيتها‬
‫املتخذ بتاريخ ‪1924‬م ‪ ,‬مببادرة من السويد إىل مؤمتر للتقنني عقد يف الهاي سنة‬
‫‪1930‬م وضم ‪ 47‬دولة ‪ ,‬ومع أن أعمال هذا املؤمتر أعدت بعناية من قبل جلنتني فنيتني‬
‫‪ ,‬إال أهنا مل حتقق أية نتائج هبذا اخلصوص ‪ ,‬يف كل من القضايا الثالث (اجلنسية واملياه‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلقليمية ومسؤولية الدول ) املطروحة عليها ‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫ومما ساهم يف ذلك سيطرة املفهوم األوريب يف تلك التجربة ‪ ,‬فالنظـام القــانوين اإلســالمي مل‬
‫يكن ممثًال يف جلن ــة اخلرباء التابع ــة للعص ــبة إال بعض ــو واح ــد من اهلن ــد ‪ ,‬ومل يش ــرتك االحتاد‬
‫الس ــوفييت ‪ ,‬ال ــذي مل يكن بع ــد عض ــوًا يف العص ــبة يف أعم ــال اللجن ــة ومل ميث ــل يف م ــؤمتر ع ــام‬
‫( ‪)2‬‬
‫‪ 1930‬إال عن طريق مراقب واحد ‪.‬‬
‫يف حني أن هيئة األمم املتحدة كانت أكثر فاعلية يف هذا اجملال فقد تضمنت املادة ‪13‬‬
‫من ميثاق األمم املتحدة النص على اعتبار تقنني القانون الدويل أحد األهداف األساسية‬
‫( ‪)3‬‬
‫للمنظمة ‪.‬‬
‫ولقد كونت اجلمعية العامة يف دورة انعقادها سنة ‪1945‬م جلنة خاصة لبحث هذه املسألة‬
‫‪ ,‬واجتمعت اللجنة وحبثت طرق العمل اليت اتبعتها اهليئات السابقة واختارت لألمم‬
‫املتحدة طريقة جديدة تشبه الطريقة اليت اتبعتها اجلمهوريات األمريكية ‪ ,‬وتتلخص هذه‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لشارل روسو ‪( ,‬ص‪. )87‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )376‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للـدكتور عـدنان طــه مهـدي الـدوري والـدكتور عبـد األمـري العكيلي ‪( ,‬ص‪, )78‬‬
‫وانظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور إبراهيم أمحد شليب ‪( ,‬ص‪. )353‬‬

‫الطريقة يف تكليف طائفة من الشراح املختصني بعمل جمرد عرض غري رمسي للقانون‬
‫الدويل الساري دون حاجة إىل تقنني ذلك القانون وإصداره على هيئة اتفاقات ‪ ,‬وذلك‬
‫ألن اللجنة رأت أن يف اتباع الطريقة األخرية دون غريها ما سوف يؤدي إىل إثارة‬
‫اخلالف‬
‫بني الدول أعضاء هيئة األمم املتحدة مما قد يضطر املقننني إىل اختيار اآلراء املوافقة أو‬
‫املتوسطة خشية الفشل يف مهمتهم ‪ ,‬ومل توافق بعض الدول على ما ارتأته اللجنة ‪ ,‬وأصر‬
‫الوفد السوفييت على ضرورة عقد معاهدات حتوي املبادئ املقننة حىت يصبح من املقرر‬
‫( ‪)1‬‬
‫التزام الدول هبا ‪ ,‬إذا أنه ال يكفي بتاتًا االعتماد على جمرد تقديرات الشراح ‪.‬‬
‫ويف عام ‪1947‬م عهدت اجلمعية العامة لألمم املتحدة إىل جلنة القانون الدويل مبهمة‬
‫تدوين القواعد العرفية الدولية ووضعها يف صيغة اتفاقات دولية إلزامية ‪ ,‬وبعد أن كانت‬
‫اللجنة تتكون من مخسة عشر عضوًا يف بادئ األمر ‪ ,‬وواحد وعشرين عضوًا يف عام‬

‫‪202‬‬
‫‪1956‬م ‪ ,‬ومخسة وعشرين عضوًا يف عام ‪1961‬م ‪ ,‬أصبح عدد أعضائها يف عام‬
‫‪1981‬م أربعة وثالثني عضوًا من املشهود هلم باالختصاص يف القانون الدويل ‪ ,‬ويقوم‬
‫أعضاء اللجنة مبهمتهم بصفتهم الفردية وليس كمندوبني عن حكوماهتم ‪ ,‬وجيري‬
‫ترشيحهم من أعضاء األمم املتحدة وانتخاهبم من قبل اجلمعية العامة بشكل يراعي التوزيع‬
‫اجلغرايف العادل ومتثيل النظم القانونية األساسية يف العامل وملدة مخس سنوات قابلة للتجديد‬
‫‪ ,‬فأجنزت هذه اللجنة حىت اآلن عددًا وافرًا من االتفاقيات تناولت عدة قضايا دولية ‪ ,‬مثل‬
‫املشروع الذي أعدته اللجنة واملتعلق بتدوين القواعد املتعلقة بالبحار ‪ ,‬حيث مت إقراره‬
‫بالفعل مبقتضى اتفاقيات جنيف املربمة يف عامي ‪1958‬م ‪1961 ,‬م ‪ ,‬ومشروع لتدوين‬
‫القواعد املتعلقة باملعاهدات مت إقراره هو اآلخر مبقتضى اتفاقية وقع عليها يف مدينة فيينا يف‬
‫الرابع والعشرين من شهر مايو عام ‪1969‬م ‪ ,‬واتفاقية فيينا للعالقات القنصلية لعام‬
‫‪1963‬م ‪ ,‬وغري ذلك من االتفاقيات الدولية اهلامة اليت أعدت مشاريعها هذه اللجنة ‪,‬‬
‫واضعة بعني االعتبار تطور اجملتمع الدويل يف العصر احلديث ‪ .‬وما زالت اللجنة مستمرة يف‬
‫مهمتها حىت اآلن ‪ ,‬على الرغم من الصعوبات اليت تواجهها حيث إن النزاعات الضيقة‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد حافظ غامن ‪( ,‬ص‪. )95‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫للدول وتضارب املصاحل جتعل من إجناح هذه املهمة أمرًا صعبًا حيتاج إىل جهد كبري ‪.‬‬
‫وجلنة القانون الدويل ليست الوحيدة يف هذا املضمار فهنــاك جهــات أخــرى دوليــة تقــوم من‬
‫وقت آلخر بإعداد مشروعات املعاهدات‪.‬‬
‫فاجلمعي ــة العام ــة لألمم املتح ــدة من حقه ــا تكلي ــف أي جلن ــة من جلاهنا الرئيس ــية أو الفرعي ــة‬
‫للقي ــام هبذا العم ــل حتت إش ــرافها وتوجيهه ــا ‪ ,‬وه ــذه اللج ــان مكون ــة من ممثلني عن ال ــدول‬
‫وليس أعضاء مستقلني كما هو احلال بالنسبة للجنة القانون الدويل ‪.‬‬
‫وتكلــف اجلمعيــة هــذه اللجــان بأعــداد مشــروعات املعاهــدات حســب اختصــاص ووظ ــائف‬
‫ك ــل جلن ــة ‪ ,‬فق ــد تكل ــف جلن ــة حق ــوق اإلنس ــان ‪ ,‬أو جلن ــة اس ــتخدامات الفض ــاء اخلارجي‬
‫لألغــراض الســلمية ‪ ,‬أو جلنــة االســتخدامات الســلمية لقــاع البحــار واحمليطــات‪ ،‬وقــد تنشــئ‬

‫‪203‬‬
‫جلن ــة خاص ــة للقي ــام هبذا العم ــل مث ــل جلن ــة تعري ــف الع ــدوان ال ــيت ف ــرغت من مهمته ــا ع ــام‬
‫‪1974‬م ‪.‬‬
‫ومن األمثلة البارزة على إعداد مشروعات املعاهدة بواسطة هيئات أخرى غري جلنة القانون‬
‫الدويل ‪ ،‬ما مت بالنسبة التفاقية األمم املتحدة العامة لقانون البحار لعام ‪1982‬م ‪.‬‬
‫فقــد بــدا جليـًا منــذ عــام ‪1967‬م أن قــانون البحــار الــذي أعــد يف جــنيف عــام ‪1958‬م قــد‬
‫جتاوزتــه األحــداث ‪ ,‬وأن إعــداد اتفاقيــات جديــدة أمــر ال مفــر منــه ‪ ,‬وقــد شــكلت اجلمعيــة‬
‫العامة هلذا الغرض جلنة خاصة لالستعماالت السليمة لقاع البحار واحمليطـات خـارج حـدود‬
‫الوالية اإلقليمية للدول ‪.‬‬
‫وبنــاًء على دراســات هــذه اللجنــة ‪ ،‬أصــدرت اجلمعيــة العامــة إعالنــات عــام ‪1970‬م حــول‬
‫املبــادئ الــيت حتكم قــاع البحــار واحمليطــات ‪ ,‬وكلفت اللجنــة بإعــداد مشــروع معاهــدة دوليــة‬
‫مجاعية حول هذا املوضوع ‪ ,‬مث حتولت هذه اللجنة إىل هيئة أوسع هي مؤمتر األمم املتحــدة‬
‫الثالث لقانون البحار والذي بدأ يف حترير مشروع االتفاقيــة خالل دورات متواليــة منــذ عــام‬
‫‪1982‬م ‪ ,‬ودخلت اآلن حيز النفاذ منذ يوم ‪ 16‬نوفمرب ‪1994‬م ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والـدكتور عبـد األمـري العكيلي ‪( ,‬ص‪, )78‬‬
‫وانظــر ‪ :‬مبــادئ القــانون الــدويل العــام ‪ ,‬للــدكتور إبــراهيم أمحد شــليب ‪( ,‬ص‪ , )353‬وانظــر ‪ :‬القــانون الــدويل العــام ‪,‬‬
‫للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )377‬‬

‫ه ــذا والب ــد من اإلش ــارة إىل أن املنظم ــات الدولي ــة األخ ــرى املتخصص ــة تلعب دورًا يف جمال‬
‫التق ــنني ك ــل حس ــب اختصاص ــها ‪ ,‬فاليونس ــكو تع ــد مش ــروعات املعاه ــدات يف جمال العل ــوم‬
‫والثقافة ومحاية اآلثار ‪ ,‬واملنظمات احلكوميــة االستشــارية للمالحـة البحريــة تعــد مشــروعات‬
‫االتفاقيــات حــول مــا يهم ســالمة الســفن ومكافحــة اإلرهــاب الــذي يقــع ضــدها ‪ ,‬ومنظمــة‬
‫الطريان املدين تعد مشروعات املعاهدات حول سالمة الطريان ومحايته ‪ ,‬وهكذا كل وكالة‬
‫متخصص ــة من حقه ــا إع ــداد مش ــروع االتفاقي ــة وعرض ــها على ال ــدول للتص ــديق عليه ــا أو‬
‫(‪)1‬‬
‫االنضمام إليها ‪ ,‬فاألمر ليس حكرًا على األمم املتحدة أو جلنة القانون الدويل ‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )646-645‬‬

‫املطلب الرابع‬
‫الصعاب اليت تعرتض التقنني وكيفية‬
‫مواجهتها‬

‫‪205‬‬
‫لعل السبب يف تعثر احملاوالت املتقدمة يرجع إىل أن فكـرة عمـل قـانون شـامل جلميـع الـدول‬
‫ومنظم لكاف ــة عالقاهتا الدولي ــة مل تنض ــج بع ــد نض ــوجًا كافيـ ـًا ‪ ,‬وال زالت تع ــرتض تنفي ــذها‬
‫ص ــعوبات عمليـ ــة حيتـ ــاج تـ ــذليلها إىل كثـ ــري من األنـ ــاة والصـ ــرب فال زالت النزعـ ــات القومي ــة‬
‫واملص ـ ـ ــاحل السياس ـ ـ ــية هي رائ ـ ـ ــدة ال ـ ـ ــدول يف تص ـ ـ ــرفاهتا ‪ ,‬وال ش ـ ـ ــك أن اختالف النزع ـ ــات‬
‫وتضـارب املصـاحل بني الـدول ليس من شـأهنما أن جيعال االتفـاق على مضـمون القواعـد الـيت‬
‫تعرض على اللجان املختصة للتقنني أمرًا ميسورًا يف مجيع األحوال ‪ .‬والــواجب فبــل اإلقــدام‬
‫جــديًا على مثــل هــذا التقــنني البــدء بالتهميــد لــه ‪ ,‬ليس عن طريــق البحث والدراســة ووضــع‬
‫املش ــروعات فحس ــب ‪ ,‬وإمنا أيضـ ـًا بالعم ــل على تق ــريب وجه ــات نظ ــر ال ــدول يف املس ــائل‬
‫املختل ــف عليه ــا أو ال ــيت تش ــتبك فيه ــا مص ــاحلها ‪ ,‬وهلذا التق ــريب أمهي ــة قص ــوى خاص ــة وأن‬
‫التقنني ال تثبت له قيمته اإللزامية إال إذا أمجعت الدول على قبوله ‪ ,‬وأن الدولة املعارضة لــه‬
‫ال ميكن أن ختضع له جملرد أنه مت إقراره باألغلبية ‪ ,‬حكمـه يف ذلـك حكم أي اتفـاق دويل ‪,‬‬
‫فهو ال يكون ملزمًا يف مواجهة الدول اليت مل ترتبط به ‪.‬‬
‫على أن التقــنني مــع مــا فيــه من مزايــا ومــا لــه من أثــر يف تثــبيت القــانون الــدويل العــام وتــدعيم‬
‫قواعده ‪ ,‬مل يسلم من النقـد من جـانب بعض الفقهـاء ‪ ,‬إذ إنـه يف نفس الـوقت الـذي حيصـر‬
‫في ــه ه ــذه القواع ــد وحيددها ‪ ,‬يص ــيبها ب ــاجلمود ويفق ــدها صــفة املرون ــة وس ــهولة التطــور ال ــيت‬
‫ك ــانت متت ــاز هبا قب ــل التق ــنني ‪ ,‬ويتب ــع ذل ــك أن ــه إذا اقتض ــى األم ــر تع ــديًال أو حتويرًا يف بعض‬
‫ه ــذه القواع ــد ل ــزم الرج ــوع إىل مجي ــع ال ــدول ال ــيت أق ــرت التق ــنني واحلص ــول على موافقته ــا‬
‫باإلمجاع ‪,‬‬
‫فــإذا اعرتضــت إحــدى هــذه الــدول أو بعضــها على إجــراء التعــديل أصــبح مســتحيًال ‪ ,‬وقــد‬
‫تس ــتدعي الظ ــروف س ــرعة البت يف األم ــر فتض ــطر الدول ــة أو ال ــدول ص ــاحبة املص ــلحة يف‬
‫التعديل إىل اخلروج على النصوص فتخرق بذلك القانون ‪.‬‬
‫ولكي يتمشى التقنني مع تطـورات احليـاة الدوليـة وضـروراهتا املسـتجدة ‪ ,‬البـد من االهتمـام‬
‫بأمرين مها ‪:‬‬

‫‪206‬‬
‫‪ -1‬أن يراعى أن ال يقتصر التقنني على جمرد تدوين مجيـع القواعـد القائمـة كمـا هي ‪ ,‬وإمنا‬
‫يعـاد النظـر فيهـا ويعـدل منهـا وفـق مـا تقتضـيه الظـروف اجلديـدة وتنسـق تنسـيقًا يتفـق مـع مـا‬
‫وصلت إليه احلياة الدولية من تطور ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يتضــمن التقــنني ذاتــه نص ـًا يســمح بــإجراء التعــديالت الــيت تقتضــيها الظــروف باتبــاع‬
‫إجراءات مبسطة وباالكتفـاء يف ذلـك بأغلبيـة معينـة يكـون قراراهـا ملزمـًا جلميـع الـدول الـيت‬
‫أقرت التقنني ‪.‬‬
‫وعلى أي حــال ‪ ,‬فــإن مــا حققتــه األمم املتحــدة ‪ ,‬مبعاونــة جلنــة القــانون الــدويل وغريهــا من‬
‫اجلهـات املعنيـة بتثـبيت القواعـد القانونيـة الدوليـة ‪ ,‬خالل السـنوات املاضـية يفيـد انعقـاد عـزم‬
‫مجاعــة الــدول على املضــي جــديًا يف ســبيل التــدوين التــدرجيي لقواعــد القــانون الــدويل ‪ .‬وال‬
‫شــك أنــه ســوف يــأيت يــوم يكتمــل فيــه هــذا العمــل ويصــبح بــذلك للمجتمــع الــدويل جمموعــة‬
‫كامل ــة من القواع ــد القانوني ــة الدولي ــة ال ــيت حتكم العالق ــات بني أعض ــائه يف خمتل ــف املي ــادين‬
‫( ‪)1‬‬
‫واجملاالت ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي صادق أبو هيف ‪( ,‬ص‪. )71‬‬

‫املطلب اخلامس‬
‫أثر التقنني يف العرف الدويل‬

‫‪207‬‬
‫إذا ما جنحت عملية التقـنني وتوصـلت الـدول إىل إبـرام معاهـدة دوليـة مجاعيـة وحـازت على‬
‫العــدد املطلـوب من التصــديقات ‪ ،‬فــإن القواعــد الــيت جـرى تقنينهــا تــدخل دائــرة النفــاذ وتعــد‬
‫ملزمــة فقــط للــدول الــيت صــدقت أو انضــمت إىل املعاهــدة ‪ ,‬أمــا الــدول األخــرى الــيت ظلت‬
‫بعي ــدة عن معاه ــدة التق ــنني فإهنا ال تل ــتزم بأحكامه ــا ‪ ,‬إال يف ح ــدود القواع ــد العرفي ــة ال ــيت‬
‫ك ــانت ملزم ــة للجمي ــع من قب ــل مث ج ــرى أدراجه ــا يف ه ــذه املعاه ــدة ‪ ,‬ه ــذه القواع ــد تل ــزم‬
‫األطراف وغري األطراف ؛ ألهنا تظل حمتفظة بطابعها العريف وال تضر هبا عملية التقنني ‪.‬‬
‫وحتتــوي اتفاقيــة األمم املتحــدة العامــة لقــانون البحــار لعــام ‪1982‬م على كثــري من القواعــد‬
‫العرفيــة امللزمــة جلميــع الــدول حــىت أولئــك الــذين مل يصــدقوا عليهــا بعــد ‪ ،‬مثــل قاعــدة حــق‬
‫املرور الربي للسفن األجنبية يف البحار اإلقليمية للدول الســاحلية ‪ ,‬وحــق الطــريان والتحليــق‬
‫فــوق أعــايل البحــار ‪ ,‬ووضــع الكــابالت واألنــابيب يف قــاع أعــايل البحــار ‪ ,‬وقاعــدة االمتــداد‬
‫القــاري ‪ ،‬واملنطقــة االقتصــادية اخلالصــة الــيت اكتســبت الصــفة العرفيــة أثنــاء مناقشــات املؤمتر‬
‫الثالث لقانون البحر ‪.‬‬
‫وقبـ ــل إبـ ــرام االتفاقيـ ــة ذاهتا قـ ــالت حمكمـ ــة العـ ــدل الدوليـ ــة يف حكمهـ ــا بتارخيه ‪ 24‬فـ ــرباير‬
‫‪1982‬م يف النزاع بني ليبيا وتونس‪ :‬بأن " مفهوم املنطقة االقتصادية اخلالصة ميكن اعتبــاره‬
‫جزًء من القانون الدويل ا لعام املعاصر" ‪.‬‬
‫ومن املمكن ج ـدًا م ــع م ــرور ال ــزمن أن تتح ــول ه ــذه املعاه ــدات اجلماعي ــة إىل قواع ــد عرفي ــة‬
‫ملزمــة إذا مــا ســارت وفق ـًا ألحكامهــا مجيــع الــدول أو األغلبيــة املعــربة من اجلماعــة الدوليــة‪.‬‬
‫ويف هــذه احلالــة فــإن القواعــد ســوف تفــرض على األطــراف باعتبارهــا اتفاقيــة وعرفيــة يف آن‬
‫واحد ‪ ,‬وسوف تفرض على اآلخرين باعتبارهـا قواعـد عرفيـة فقـط ‪ ,‬وحكم حمكمـة العـدل‬
‫الدولي ــة يف قض ــية االمت ــداد الق ــاري يف حبر الش ــمال ع ــام ‪1969‬م ‪ ,‬وك ــذلك حكمه ــا يف‬
‫قضية األنشطة العسكرية وشـبه العسـكرية يف نيكـاراجوا عـام ‪1986‬م ‪ ,‬قـد أوضـح العالقـة‬
‫بني القواعد العرفية وبني القواعد املدرجة يف معاهدات التقنني بصورة واضحة ‪.‬‬
‫ففي احلالــة الــيت تكــون فيهــا القواعــد كلهــا أو بعض منهــا عرفيــة أص ـًال مث جــرى وضــعها يف‬
‫ص ــورة معاه ــدة ‪ ،‬ف ــإن القواع ــد العرفي ــة ه ــذه هي ال ــيت تظ ــل حتكم عالق ــات ال ــدول ‪ ،‬وجيب‬

‫‪208‬‬
‫بالطبع إثبات وجود متاثل بني القواعد العرفية وبني القواعد اليت مت تقنينها من خالل التأكد‬
‫من وجود العنصر املادي واملعنوي يف القاعدة العرفية ‪.‬‬
‫ويف احلالــة الــيت تكــون فيهــا معاهــدات التقــنني كلهــا ذات قواعــد جديــدة متام ـًا ‪ ،‬فهي تلــزم‬
‫أطرافه ــا فق ــط ‪ ،‬ولكن ليس من املس ــتبعد نش ــأة ع ــرف دويل من خالل حتول ه ــذه القواع ــد‬
‫اجلدي ــدة إىل قواع ــد عرفي ــة إذا م ــا س ــارت ال ــدول وفق ـًا ألحكامه ــا ‪ ،‬هن ــا تك ــون معاه ــدات‬
‫التق ــنني مبثاب ــة نقط ــة االنطالق يف تك ــوين ال ــركن املادي للع ــرف ال ــدويل ‪ ،‬أي انطالقـ ـًا من‬
‫قاعــدة مكتوبــة يف األصــل ‪ ،‬ومــع مــرور الــزمن وســلوك الــدول وفقـًا هلا ‪ ،‬فإهنا تصــبح قاعــدة‬
‫عرفي ــة ‪ ,‬فتط ــبيق ه ــذه املعاه ــدة بش ــكل مس ــتمر واالعتق ــاد بإلزاميته ــا من األطـ ــراف وغ ــري‬
‫األطراف هو الذي سكبها الطابع العريف ‪.‬‬
‫وهكذا فالتقنني هو عملية تقوم بإحالل قانون من طبيعة عرفية شكل بطريقــة تلقائيــة خالل‬
‫الق ــرون املاض ــية ع ــرب االعتق ــاد والش ــعور ب ــاإللزام بواس ــطة أعض ــاء اجلماع ــة الدولي ــة بق ــانون‬
‫مشــكل إرادي ـًا ومــدرج يف نصــوص مكتوبــة متبنــاة بواســطة األعضــاء أو على األقــل بواســطة‬
‫البعض منهم ‪.‬‬
‫وهذه العملية جيب أن تنصب أصـًال على املوضـوعات الكـربى واملهمـة يف القـانون الـدويل ‪,‬‬
‫أي املســائل ذات األمهيــة الــيت حتكمهــا جمموعــة من القواعــد غــري املكتوبــة واملوروثــة تقليــديًا‬
‫رمبا منذ قرون ‪.‬‬
‫ولكن التقنني ال ينفصل أبدًا عن التقدم املطرد للقانون الدويل ‪ ,‬ويصــعب الفصــل دائمـًا بني‬
‫التق ــنني والقواع ــد العرفي ــة ‪ ,‬ذل ــك أن ه ــذه القواع ــد يعرتيه ــا بعض التع ــديل ويزي ــدها التق ــنني‬
‫رســوخًا ووضــوحًا ‪ ,‬وال تفقــد صــفتها كقواعــد عرفيــة ‪ ,‬وال يــرد عليهــا التحفــظ من جــانب‬
‫( ‪)1‬‬
‫الدول األطراف ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي ابراهيم ‪( ,‬ص‪. )648-647‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫‪209‬‬
‫حجية العرف الدويل واألساس اإللزامي له‬

‫ويشتمل على املباحث اآلتية ‪:‬‬

‫املبحث األول ‪ :‬حجية العرف الدويل‬


‫املبحث الثـ ـ ــاين ‪ :‬األسـ ـ ــاس اإللـ ـ ــزامي للعـ ـ ــرف‬
‫الدويل‬

‫املبحث األول‬
‫حجية العرف الدويل‬

‫‪210‬‬
‫إن الش ــريعة اإلس ــالمية ال ــيت ج ــاءت لتنظيم اجملتم ــع وإس ــعاد الن ــاس جبلب املن ــافع هلم ودف ــع‬
‫املضار عنهم ومل تفصل أحكـام الوقـائع كلهـا ‪ ,‬ال يتصـور فيهـا أن حتول بني النـاس وبني مـا‬
‫تعارفوه مما جيلب هلم نفعًا أو يدفع عنهم ضررًا أو يرفع عنهم حرجًا ومشقة ‪.‬‬
‫وال أدل على ذلك من أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو املبلغ عن اهلل ‪,‬مل يهدم كل‬
‫ما تعوده العرب يف جاهليتهم بل أقر منه الصاحل وأبطل الفاسد وعدل ما احتاج إىل تعديل‬
‫‪.‬‬
‫وهو هبذا اإلقرار ملبدأ اعتبار العرف يف التشريع مل يقره جملرد كونه عرفًا عمل الناس به من‬
‫زمن بعيد وإال ألقر كل ما تعودوه ‪ ,‬وإمنا أقره ملا فيه من مصلحة راجحة ال غىن للناس‬
‫عنها ‪ ,‬ولو مل يكن ذلك موجودًا ألتى هلم به تشريعًا ابتداًء ‪.‬‬
‫فيكون صلى اهلل عليه وسلم قد حدد نوع العرف الذي يعترب أساسًا للتشريع فيما بعد‬
‫وهو أن ما تعوده الناس مما ليس فيه حكم مقرر يوزن مبيزان املصلحة بعيدًا عن األهواء‬
‫والشهوات فبمقدار ما فيه من نفع أو ضرر يباح أو مينع ‪ ,‬فإذا كانت فيه مصلحة راجحة‬
‫أو يدفع عنهم مفسدة كبرية وال خيل باجملتمع ‪ ,‬يقر ويعمل به ‪ ,‬فيصري شريعة واجبة‬
‫االتباع ما دام حيقق ذلك ‪ ,‬وإذا كان غري هذا ‪ ,‬ألغي وأهدر ‪ ,‬وال فرق يف ذلك بني‬
‫عرف عام شامل لكل البلدان أو عرف خاص ببلد معني ؛ ألن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم أقر بعض األعراف خاصة وإن صارت بعد إقراره تشريعًا عامًا تبعًا لعموم الرسالة ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫وال خالف بني الفقهاء يف أن العرف الفاسد الذي خيالف األدلة الشرعية ال قيمة له وال‬
‫يبىن عليه أي حكم من األحكام الشرعية ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬حملمد مصطفى شليب ‪( ,‬ص‪. )317‬‬
‫(‬ ‫أما العرف الصحيح فتجب مراعاته يف التشريع والقضاء واملعامالت ‪ ,‬يقول السرخسي‬
‫‪ " : )1‬إن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي ؛ ألن يف النزع عن العادة الظاهرة حرجا بينا‬
‫( ‪)2‬‬
‫"‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫ويقول الكاساين (‪ " : )3‬وعرف املسلمني وعادهتم حجة " ‪.‬‬
‫ويقول ابن جنيم (‪ " : )4‬إن اعتبار العادة والعرف يرجع إليه يف الفقه يف مسائل كثرية حىت‬
‫جعلوا ذلك أصًال " ‪.‬‬
‫" ف ــالعرف هبذا املع ــىن يعت ــرب دليًال كاش ــفًا عن حكم اهلل تع ــاىل ‪ ,‬وه ــو قرين ــة مرجح ــة عن ــد‬
‫( ‪)5‬‬
‫التنازع يف احلقوق ‪ ,‬فإذا اختلف اثنان يف شيء مثًال وال بينة ألحدمها حكم العرف " ‪.‬‬
‫وإذا كان العرف دليًال تبىن عليه األحكام الشرعية فمعىن هذا أن األحكام الشرعية تتغري‬
‫تبعًا لتغري العرف ‪ .‬يقول القرايف (‪ " : )6‬كل ما هو يف الشريعة يتبع العوائد بتغري احلكم فيه‬
‫عند تغري العادة إىل ما تقتضيه العادة املتجددة ‪ ,‬وليس جتديدًا لالجتهاد من املقلدين حىت‬
‫يشرتط فيه أهلية االجتهاد ‪ ,‬بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأمجعوا عليها فنحن نتبعهم‬
‫( ‪)7‬‬
‫فيها من غري استئناف اجتهاد " ‪.‬‬
‫إذًا جيب اعتب ــار الع ــرف م ــادام ال خيالف دليًال من األدل ــة الش ــرعية وال قاع ــدة من قواع ــده‬
‫األساس ــية ‪,‬كتع ــارف أص ــحاب العق ــول الرش ــيدة والطب ــاع الس ــليمة بعض الع ــادات التجاري ــة‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سبقت ترمجته يف (ص‪. )53‬‬
‫(‪ )2‬املبسوط ‪ ,‬للسرخسي ‪. )13/14( ,‬‬
‫(‪ )3‬هو عالء الدين أبو بكر بن مسعود بن أمحد الكاساين احلنفي من أهل حلب ‪ ,‬تفقه على السمرقندي ‪ ,‬تويف‬
‫يف حلب سنة ‪587‬هـ ‪ ,‬وله من املؤلفات ‪ :‬بدائع الصنائع و السلطان املبني يف أصول الدين ‪ .‬انظر ‪ :‬األعالم ‪,‬‬
‫للزركلي ‪. ) 2/70( ,‬‬
‫(‪ )4‬سبقت ترمجته يف (ص‪. )155‬‬
‫(‪ )5‬التشريع اإلسالمي والقانون الوضعي ‪ ,‬للدكتور شوكت عليان ‪( ,‬ص‪ , )119‬الناشر ‪ :‬دار الشواف ‪.‬‬
‫(‪ )6‬هو أبو العباس أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن الصنهاجي املصري املالكي ‪ ,‬ولد سنة ‪626‬هـ ‪ ,‬وهو من قبيلة‬
‫صنهاجة من برابرة املغرب ‪ ,‬وهو مصري املولد واملنشأ والوفاة ‪ ,‬وتويف سنة ‪684‬هـ ‪ ,‬وله ‪ :‬الذخرية والفروق‬
‫وغريمها ‪ .‬انظر ‪ :‬األعالم ‪ ,‬للزركلي ‪. )1/94( ,‬‬
‫(‪ )7‬انظر ‪ :‬اإلحكام يف متييز الفتاوى عن األحكام ‪ ,‬للقرايف ‪(,‬ص‪ , )231‬الناشر ‪ :‬مكتبة املطبوعات اإلسالمية يف‬
‫حلب ‪1387 ,‬هـ ‪.‬‬
‫واخلطـ ــط السياسـ ــية واألنظمـ ــة القضـ ــائية واالجتماعيـ ــة الـ ــيت تتطلبهـ ــا حاجـ ــاهتم وتسـ ــتدعيها‬
‫مص ــاحلهم ‪ ,‬وذل ــك ألن املقص ــود من التش ــريع إص ــالح ح ــال الن ــاس ‪ ,‬وإقام ــة الع ــدل بينهم‬
‫ورفــع احلرج والضــيق عنهم ‪ ,‬فــإذا مل يــراع يف تشــريع األحكــام مــا اعتــاده النــاس ومــا عرفــه‬

‫‪212‬‬
‫أهــل العقــول الرشــيدة والطبــاع الســليمة وقــع النــاس يف الضــيق واحلرج ‪ ,‬وصــارت الشــريعة‬
‫جمافية للغرض الذي بنيت عليه ‪.‬‬
‫وقد اعترب الفقهاء على اختالف مذاهبهم العرف الصــاحل ‪ ,‬وجعلــوه أصـًال من األصــول الــيت‬
‫تب ــىن عليه ــا الفت ــاوى واألحك ــام ‪ ,‬ووردت عنهم في ــه كلم ــات ج ــرت جمرى املب ــادئ العام ــة‬
‫والقواعــد الكليــة كقــوهلم ‪ ,‬العــادة حمكمــة و الثــابت بــالعرف كالثــابت بــالنص و العــرف يف‬
‫( ‪)1‬‬
‫الشرع له اعتبار و العرف شريعة حمكمة ‪.‬‬
‫" والعرف املعترب هو ما خيصص العام ويقيد املطلق وأمــا عــرف يبطـل الــواجب ويــبيح احلرام‬
‫فال يق ــول ب ــه أحــد من أه ــل اإلس ــالم ‪ ,‬فــإذا أف ــىت بعض الفقه ــاء بص ــحة عق ــد خمالف ألص ــل‬
‫شرعي وظهر من عبارته أنه استند يف إفتائــه إىل جريــان العــرف هبذا العقــد فــاعلم أن العبــارة‬
‫( ‪)2‬‬
‫مل تفرغ يف قالب التحقيق أو أنه مل يزن الفتوى بالقسطاس املستقيم " ‪.‬‬
‫" وبالنظر يف العرف وأمثلته وما قاله األصوليون والفقهاء فيــه ‪ ,‬يتــبني أن العــرف ليس دليًال‬
‫مس ــتقًال يش ــرع احلكم يف الواقع ــة بن ــاء علي ــه ‪ ,‬وإمنا ه ــو دلي ــل يتوص ــل ب ــه إىل فهم املراد من‬
‫( ‪)3‬‬
‫عبارات النصوص ومن ألفاظ املتعاملني وإىل ختصيص العام منها وتقييد املطلق " ‪.‬‬
‫وكم ــا س ــبق وأن قلت فق ــد اتف ــق الفقه ــاء على أن الع ــرف عب ــارة عن دلي ــل أو مص ــدر من‬
‫مص ــادر التش ــريع اإلس ــالمي ‪ ,‬وتوس ــع احلنفي ــة واملالكي ــة يف العم ــل ب ــه أك ــثر من غ ــريهم ‪,‬‬
‫واعتمدوه مستندًا يف كثري من األحكام العملية ويف فهم النصـوص الشـرعية بتقييـد اطالقاهتا‬
‫ويف تبيـ ــان أحكـ ــام الفقـ ــه املختلفـ ــة يف دائـ ــرة العبـ ــادات واملعـ ــامالت واألحـ ــوال الشخصـ ــية‬
‫( ‪)4‬‬
‫والتعزيرات اجلزائية والسري أو العالقات اخلارجية وهي ما يهمنا هنا ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬لزكي الدين شعبان ‪( ,‬ص‪. )192‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬مصادر التشريع اإلسالمي فيما ال نص فيه ‪ ,‬للشيخ عبد الوهاب خالف ‪( ,‬ص‪ , )148‬نقًال عن‬
‫الشيخ إبراهيم الرياحي التونسي ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )149‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور وهبة الزحيلي ‪. )2/835( ,‬‬

‫أدلة العرف الدويل‬

‫‪213‬‬
‫أوًال ‪ :‬من الكتاب ‪:‬‬
‫‪ -1‬قال تعاىل ‪ { :‬خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن اجلاهلني } ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫يقول القرايف (‪ " : )2‬فكل ما شهدت به العادة قضي به لظاهر هذه اآليـة " ‪ )3( .‬ومن ذلـك‬
‫ما اعتادته الدول يف عالقاهتا ‪.‬‬
‫" واهلل تعاىل يف هذه اآلية أمر الناس باتبـاع العـرف ‪ ,‬والواقـع أن املراد بـالعرف يف اآليـة هـو‬
‫املعىن اللغوي ال االصـطالحي ولكن يسـتأنس بـه لكـون املعـىن اللغـوي أعم من االصـطالحي‬
‫( ‪)4‬‬
‫"‪.‬‬
‫يقول ابن العريب (‪ )5‬يف تفسريه للعرف يف هذه اآليـة أنـه ‪ " :‬مـا ال ينكـره النـاس من احملاسـن‬
‫( ‪)6‬‬
‫اليت اتفقت عليها الشرائع " ‪.‬‬
‫( ‪)7‬‬
‫وقيل أنه ‪ " :‬كل خصلة ترتضيها العقول ‪ ,‬وتطمئن هلا النفوس " ‪.‬‬
‫وأن ــه من املع ــروف ال ــذي ه ــو ض ــد املنك ــر ‪ )8( .‬وال ش ــك أن ه ــذه املع ــاين س ــبق ذكره ــا يف‬
‫( ‪)9‬‬
‫التعريف اللغوي للعرف ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة األعراف ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )199( :‬‬
‫(‪ )2‬سبقت ترمجته يف (ص‪. )209‬‬
‫(‪ )3‬الفروق ‪ ,‬للقرايف ‪ , )3/149 ( ,‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف بريوت ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور وهبة الزحيلي ‪. )2/836( ,‬‬
‫(‪ )5‬هو أبوبكر حممد بن عبد اهلل بن حممد بن عبد اهلل ابن العريب األندلسي ‪ ,‬ولد سنة ‪ 468‬يف أشبيلية ‪ ,‬وويل‬
‫القضاء هبا ‪ ,‬رحل مع أبيه إىل بغداد واحلجاز ومصر وأخذ العلم من الغزايل والشاشي والتربيزي ‪ ,‬ومات بقرب‬
‫فاس ودفن هبا ‪ ,‬وله من املؤلفات ‪ :‬أحكام القرآن والعواصم من القواصم ونزهة الناظر وغريها ‪ .‬انظر ‪ :‬سري أعالم‬
‫النبالء ‪ ,‬للذهيب ‪ , )2/197( ,‬واألعالم ‪ ,‬للزركلي ‪. )7/106( ,‬‬
‫(‪ )6‬أحكام القرآن ‪ ,‬البن العريب ‪ , )2/823( ,‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف بريوت ‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر ‪ :‬اجلامع ألحكام القرآن ‪ ,‬للقرطيب ‪ , )7/346( ,‬الناشر ‪ :‬دار الكاتب العريب يف القاهرة ‪1387 ,‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر ‪ :‬تفسري املنار ‪ ,‬حملمد رشيد رضا ‪ , )9/534( ,‬الناشر ‪ :‬دار املنار ‪.‬‬
‫(‪ )9‬راجع ‪( :‬ص‪. )12‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫‪ -2‬قال تعاىل ‪ { :‬وعلى املولود له رزقهن وكسوهتن باملعروف } ‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫يف هذه اآلية بىن اهلل سبحانه وتعاىل احلكم الذي حيدد مقــدار الــرزق والكسـوة على العــرف‬
‫السائد (‪ , )2‬مما يدل على اعتبار العرف وحجيته بشكل عـام ‪ ,‬والعـرف الـدويل أحـد فروعـه‬
‫فيحتج به كما مت االحتجاج بالعرف ‪.‬‬

‫( ‪)3‬‬
‫‪ -3‬قال تعاىل ‪ { :‬وهلن مثل الذي عليهن باملعروف } ‪.‬‬
‫ويف هــذه اآليــة أيضـًا جعــل اهلل ســبحانه وتعــاىل حتديــد حســن الصــحبة والعشــرة على العــرف‬
‫الســائد (‪ , )4‬مما يؤكــد اهتمـام التشــريع اإلســالمي بــالعرف وعــده دليًال فرعيـًا حيثمـا ال دليــل‬
‫سواه ‪ ,‬وبالتايل يكون العرف الدويل دليًال تبىن عليه األحكام عنـد افتقـار القضـية أو املسـألة‬
‫لدليل آخر ‪.‬‬
‫‪ -4‬ق ــال تع ــاىل ‪ { :‬ومتع ــوهن على املوس ــع ق ــدره وعلى املق ــرت ق ــدره متاع ـًا ب ــاملعروف حق ـًا‬
‫( ‪)5‬‬
‫على احملسنني } ‪.‬‬
‫ه ــذه اآلي ــة تؤك ــد أيض ـًا حجي ــة الع ــرف ‪ ,‬حيث ت ــرك اهلل س ــبحانه وتع ــاىل تق ــدير املت ــاع على‬
‫الع ــرف (‪ , )6‬وإذا ثبتت حجي ــة الع ــرف تثبت حجي ــة الع ــرف ال ــدويل تباع ـًا لكون ــه فرع ـًا من‬
‫فروعه ‪.‬‬
‫ففي هــذه اآليــة واآليــات الســابقة تأكيــد على أمهيــة العــرف ‪ ,‬وبنــاء األحكــام عليــه حيثمــا ال‬
‫دلي ــل س ــواه ‪ ,‬واالعتمــاد علي ــه يف كث ــري من الف ــروع الفقهي ــة ‪ ,‬وال ش ــك أن الف ــروع املعتني ــة‬
‫بالفقــه الــدويل من بينهــا ‪ ,‬وســيظهر أثــر ذلــك عنــد احلديث عن أثــر العــرف الــدويل يف الفقــه‬
‫( ‪)7‬‬
‫اإلسالمي ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )233( :‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬أحكام القرآن ‪ ,‬للجصاص ‪ , )1/489( ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية يف بريوت ‪ ,‬ط‪1415 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )228( :‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬تفسري املاوردي ‪ , )1/292( ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة الكتب الثقافية ‪ ,‬تعليق ومراجعة ‪ :‬السيد بن عبد‬
‫املقصود بن عبد الرحيم ‪.‬‬
‫(‪ )5‬سورة البقرة ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )236( :‬‬
‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬التفسري الكبري ‪ ,‬للرازي ‪ , )2/477( ,‬الناشر ‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب يف بريوت ‪ ,‬ط‪1417 , 2‬هـ‬
‫(‪ )7‬وذلك يف (ص‪. )191‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬من السنة ‪:‬‬

‫‪215‬‬
‫‪ ( :‬ل ــوال أن الرس ــل ال تقت ــل لض ــربت‬
‫‪ -1‬قول ــه ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم لرس ــويل مس ــيلمة‬
‫( ‪)1‬‬

‫( ‪)2‬‬
‫أعناقكما ) ‪.‬‬
‫يف هذا احلديث التزام من النـيب صـلى اهلل عليـه وسـلم بـالعرف الـدويل ‪ ,‬ولـو مل يكن العـرف‬
‫الــدويل حجــة لقــام النــيب صــلى اهلل عليــه وســلم بقتــل الرســولني ‪ ,‬ولكن لوجــود هــذا العــرف‬
‫امتنع عن ذلك ‪ ,‬مما يدل على حجيته ‪.‬‬

‫‪ -2‬قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ما رآه املسلمون حسن فهو عند اهلل حسن ) ‪.‬‬
‫( ‪)3‬‬

‫فإنه يدل على أن األمر الذي جيري عليه عرف املسلمني مع غــريهم ويــرون حســنه ‪ ,‬يكــون‬
‫عند اهلل أمرا حسنًا ومعموًال به ‪.‬‬
‫( ‪)5‬‬
‫وقد استدل الكاساين (‪ )4‬على حجية العرف بذكر هذا احلديث ‪.‬‬
‫( ‪)6‬‬
‫ولكن يؤخذ على هذا احلديث أنه ضعيف ال أصل له ‪.‬‬

‫‪ -3‬قول النيب صلى اهلل عليه وسلم هلند بنت عتبة (‪ )7‬حينما اشتكت إليه خبل زوجها أبا‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هو مسيلمة بن مثامة بن كبري بن حبيب احلنفي الوائلي املعروف بالكذاب الدعائه النبوة ‪ ,‬كان روجيًال ‪ ,‬أصيغر‬
‫‪ ,‬أخينس ‪ ,‬وقد عظم أمره يف اليمامة وادعى النبوة كما أسلفت ‪ ,‬حىت قيض اهلل لـه أبـابكر رضـي اهلل عنـه فأرسـل لـه‬
‫خالد بن الوليد رضي اهلل عنه ‪ ,‬فقضى عليه سنة ‪12‬هـ ‪ .‬انظر ‪ :‬األعالم ‪ ,‬للزركلي ‪. )8/125( ,‬‬
‫(‪ )2‬سبق خترجيه يف (ص‪. )53‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد يف مسنده عن ابن مسعود ‪ , )1/379( ,‬وكذا الطرباين يف املعجم األوسط ‪ , )4/58( ,‬حتقيق‬
‫‪ :‬طارق بن عوض اهلل بن حممد و عبد احملسن بن إبراهيم احلسيين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار احلرمني يف القاهرة ‪1415 ,‬هـ ‪,‬‬
‫واحلاكم يف مستدركه ‪. )3/83( ,‬‬
‫(‪ )4‬سبقت ترمجته يف ‪( :‬ص‪. )209‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬بدائع الصنائع ‪ ,‬للكاساين ‪ , )5/223( ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتاب العريب يف بريوت ‪ ,‬ط‪1394 , 2‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )6‬قال عنه األلباين ‪ " :‬هذا حديث ضعيف ال أصل له مرفوعًا ‪ ,‬وإمنا ورد موقوفًا على ابن مسعود " ‪ .‬انظر ‪:‬‬
‫سلسلة األحاديث الضعيفة واملوضوعة ‪ , )2/17( ,‬رقم احلديث ‪ , )533( :‬الناشر ‪ :‬مكتبة املعارف بالرياض ‪,‬‬
‫ط‪1412 , 5‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )7‬هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد مشس بن عبد مناف ‪ ,‬والدة معاوية ‪ ,‬قتل أبوها ببدر ‪ ,‬وشهدت مع‬
‫زوجها أيب سفيان أحدًا ‪ ,‬وحرضت على قتل محزة رضي اهلل عنه لقتله عمها شيبة ‪ ,‬أسلمت عام الفتح ‪ ,‬وقد أهدر‬
‫( ‪)2‬‬
‫سفيان (‪ ( : )1‬خذي ما يكفيك وولدك باملعروف ) ‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫يف هــذا احلديث أمــر النــيب صــلى اهلل عليــه وســلم هنــد بنت عتبــة أن تأخــذ من مــال زوجهــا‬
‫حبسب العرف اجلاري ‪ ,‬مما يدل على حجية العرف واهتمام التشريع به ‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬استناد العرف الدويل على رفع احلرج ‪:‬‬


‫حيث يقول تعاىل ‪ { :‬وما جعل عليكم يف الدين من حرج } ‪.‬‬
‫( ‪)3‬‬

‫وإن خمالفــة األعــراف الدوليــة الســائدة الــيت ال ختالف النص تســبب احلرج واملشــقة للــدول يف‬
‫عالقاهتا ‪ " ,‬ألنه على أساس هذا العرف تتجه غالبًا إرادة العاقــدين يف عقــودهم وتصــرفاهتم‬
‫( ‪)4‬‬
‫"‪.‬‬

‫رابعًا ‪ :‬استناد العرف الدويل على املصلحة املرسلة ‪:‬‬


‫إن جري ــان ع ــرف الن ــاس على أم ــر من األم ــور دلي ــل على أن يف العم ــل ب ــه مص ــلحة هلم ‪,‬‬
‫( ‪)5‬‬
‫واملصلحة دليل شرعي ‪.‬‬
‫وق ــد اس ــتدل الش ــاطيب بإمجاع العلم ــاء على أن الش ــارع ج ــاء باعتب ــار املص ــاحل ‪ ,‬وإذا ك ــان‬
‫كذلك فوجب اعتبار األعراف ؛ ألن يف األعراف والعوائد ما حيقق املصاحل ‪ ,‬فإذا كان‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫= دمها فجاءت النيب صلى اهلل عليه وسلم وأعلنت إسالمها ورحل هبا ‪ ,‬وشهدت مع زوجها الريموك بعد ذلك ‪,‬‬
‫وتوفيت يف خالفة عمر رضي اهلل عنه ‪ .‬انظر ‪ :‬اإلصابة يف متييز الصحابة ‪ ,‬البن حجر ‪ , )4/425( ,‬الناشر ‪:‬‬
‫مطبعة حممد مصطفى يف مصر ‪1358 ,‬هـ ‪ ,‬واألعالم ‪ ,‬للزركلي ‪. )9/105( ,‬‬
‫(‪ )1‬هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد مشس بن عبـد منـاف القرشـي ‪ ,‬والـد معاويـة رضـي اهلل عنـه ‪ ,‬ولـد قبـل عـام‬
‫الفيــل بعش ــر س ــنني ‪ ,‬كــان رأس املش ــركني يــوم أحــد واألحــزاب ‪ ,‬أس ــلم عــام الفتح وحس ــن إس ــالمه ‪ ,‬وش ــهد حنين ـًا‬
‫والطــائف مــع رســول اهلل صــلى اهلل عليــه وســلم مث شــهد الــريموك بعــد ذلــك ‪ ,‬تــويف ســنة ‪33‬هـ ـ ‪ .‬انظــر ‪ :‬ســري أعالم‬
‫النبالء ‪ ,‬للذهيب ‪ , )107-2/105( ,‬واألعالم ‪ ,‬للزركلي ‪. )3/288( ,‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ‪ ,‬كتاب النفقات ‪ ,‬باب خدمة الرجل يف أهله ‪. )6/2626( ,‬‬
‫(‪ )3‬سورة احلج ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )78( :‬‬
‫(‪ )4‬املدخل الفقهي وتاريخ التشريع اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور عبد الرمحن الصابوين وآخرون ‪( ,‬ص‪. )143‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬أصول الفقـه اإلسـالمي ‪ ,‬لزكريـا الـربي ‪( ,‬ص‪ , )151‬ومصــادر األحكـام الشـرعية لنفس املؤلـف ‪( ,‬ص‬
‫‪. )146‬‬

‫‪217‬‬
‫أصل التشـريع سـبب املصـاحل ‪ ,‬فـوجب اعتبـار مـا حيقـق هـذه املصـاحل ‪ ,‬واألعـراف والعـادات‬
‫حتقق املصاحل ‪ ,‬لذا وجب اعتبارها ‪.‬‬
‫وألن عدم اعتبار أعــراف النــاس وعــاداهتم فيــه تكليــف مبا ال يطـاق ‪ ,‬والتكليــف مبا ال يطـاق‬
‫( ‪)1‬‬
‫غري جائز ‪.‬‬

‫خامسًا ‪ :‬استناد العرف الدويل على االستقراء ‪:‬‬


‫إن من يتتبـع فـروع الشـريعة اإلسـالمية جيد أن النصـوص الشـرعية قـد أقـرت بعض األعــراف‬
‫الدولية اليت كانت موجودة قبل اإلسالم ‪ ,‬ومن ذلك العرف الدويل الناص بعدم جواز قتل‬
‫الرس ــل ‪ ,‬حيث إن الن ــيب ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم ق ــال ‪ ( :‬ل ــوال أن الرس ــل ال تقت ــل لض ــربت‬
‫( ‪)2‬‬
‫أعناقكما ) ‪.‬‬
‫ولوال اطراد األعراف بشكل عام ملا عرف الدين من أصله فضًال عن تعرف فروعه فوجب‬
‫اعتباره ــا يف األحك ــام ؛ ألن ــه كم ــا ذك ــر الش ــاطيب ال يع ــرف ال ــدين إال ب ــالنبوة ‪ ,‬والنب ــوة ال‬
‫تعــرف إال بــاملعجزة ‪ ,‬وال معــىن للمعجــزة إال أهنا فعــل خــارق للعــرف املطــرد ‪ ,‬فلــوال اعتبــار‬
‫( ‪)3‬‬
‫العرف ملا اعترب اخلارق له ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬املوافقات ‪ ,‬للشاطيب ‪. )288-2/287( ,‬‬
‫(‪ )2‬سبق خترجيه يف (ص‪. )53‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املوافقات ‪ ,‬للشاطيب ‪. )2/280( ,‬‬

‫‪218‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫األساس اإللزامي للعرف الدويل‬

‫ويشتمل على املطالب اآلتية ‪:‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬األساس اإللزامي للعرف‬


‫الدويل يف القانون الدويل العام ‪.‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬األساس اإللزامي للعرف‬
‫الدويل يف الفقه اإلسالمي ‪.‬‬

‫املطلب األول‬

‫‪219‬‬
‫األساس اإللزامي للعرف الدويل يف القانون‬
‫الدويل العام‬
‫اختلـف شـراح القـانون الـدويل العـام يف األسـاس اإللـزامي للعـرف الـدويل على رأيني متثلهمـا‬
‫املدرستني التاليتني ‪:‬‬

‫‪ -1‬املدرسة اإلرادية * ‪:‬‬


‫ترى هذه املدرسة أن العرف الدويل ما هو إال اتفاق ضمين بني الدول ‪ ,‬ذلك ألنه‬
‫( ‪)1‬‬
‫يستحيل بصورة عامة أن يكون هناك قانونًا دوليًا خارج نطاق إرادة هذه الدول ‪.‬‬
‫مبعىن أن العرف الدويل يسـتمد قوتـه اإللزاميـة من رضـى الـدول ‪ ,‬أي من قبوهلا اخلضـوع لـه‬
‫يف تصـرفاهتا ‪ ,‬ويف هـذا األسـاس اإللـزامي تتسـاوى املعاهـدات والقواعـد العرفيـة ‪ ,‬وإن كـان‬
‫من ف ــارق بني املص ــدرين فه ــو أن رض ــا ال ــدول يك ــون ص ــرحيًا يف حال ــة املعاه ــدات ‪ ,‬بينم ــا‬
‫( ‪)2‬‬
‫يكون ضمنيًا يف حالة العرف ‪.‬‬
‫ويــرى بعض شــراح القــانون الــدويل أن رضــا الــدول كمــا أنــه يكــون ضــمنيًا يف حالــة العــرف‬
‫( ‪)3‬‬
‫فإنه قد يكون صرحيًا كذلك ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــ‬
‫* وأول من قـال هبذا االجتاه تريبـل وأنزلـويت ‪ ,‬انظـر ‪ :‬الوجـيز يف القـانون الـدويل العـام ‪ ,‬للـدكتور حممـود مرشـحه ‪( ,‬‬
‫‪. )309‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )603‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ‪( ,‬ص‪. )75‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬أصول العالقات السياسية الدولية ‪ ,‬للدكتور أمحد سويلم العمري ‪( ,‬ص‪ , )1062‬الناشر ‪ :‬مكتبة‬
‫االجنلو مصرية يف القاهرة ‪.‬‬
‫والدليل على وجـود الرضـا الضـمين للـدول هـو إقباهلا على التصـرف وفقـًا للقاعـدة العرفيـة ‪,‬‬
‫ومبادرة الدول اليت صدر التصرف يف مواجهتها إىل قبوله من غري أن تبــدي احتجاجـًا عليــه‬
‫أو مناقضة له ‪ ,‬مما يؤيد أن استقرار احلكم املستمد من القاعدة العرفية إمنا يقوم على الرضـا‬

‫‪220‬‬
‫الضمين أو املفروض ‪ ,‬وليس هذا الفارق بذي أثر ؛ ألن الرضا الضمين يتســاوى مــع الرضــا‬
‫الصريح من حيث قوة اإللزام ‪.‬‬
‫وهنــاك فــارق أخــر وهــو أن املعاهــدات ترتضــيها الدولــة لتنظيم عالقاهتا املســتقبلية ‪ ,‬يف حني‬
‫( ‪)1‬‬
‫أن العرف الدويل ينظم عالقة الدول يف احلاضر واملستقبل ‪.‬‬

‫وبناًء على ما سبق فإن القاعدة العرفية أساسها اإلرادة ‪ ،‬ولذلك فهي ال تطبق إال على‬
‫الدول اليت اشرتكت يف إنشائها ‪ ،‬أو الدول اليت اعرتفت هبا يف وقت الحق بعد تكوهنا‪.‬‬
‫فهي ليست ملزمة للدول الغري إال برضاها ‪ ,‬فهناك متاثل كامل بني القاعدة االتفاقية‬
‫الناشئة عن املعاهدات والقاعدة العرفية الناشئة عن السلوك من حيث آثارمها جتاه‬
‫املخاطبني هبا ‪ ,‬فال توجد إذًا إال قواعد عرفية خاصة ملزمة فقط للدول اليت وافقت عليها‬
‫( ‪)2‬‬
‫أثناء أو بعد تكوينها ‪.‬‬
‫وهتدف هذه املدرسة إىل الدفاع عن سيادة الدول ‪ ،‬ولذلك فإن الدول ال ميكنها أن تلتزم‬
‫بشيء على املستوى الدويل ‪ ،‬إال إذا وافقت عليه صراحة أو ضمنًا ‪ ,‬وهلذا ليس غريبًا أن‬
‫يكون املدافعني عنها هم أنصار السيادة ‪ ،‬وهم موجودون منذ قرون ومازال البعض منهم‬
‫حييا حىت اآلن ‪.‬‬
‫فقد دافع عنها جروسيوس الذي كان منظرًا للسيادة املطلقة ‪ ،‬ودافع عنها الشراح اإلجنليز‬
‫الذي يريدون احملافظة على السيادة اإلجنليزية خالل القرن التاسع عشر ‪ ،‬ودافع عنها أيضًا‬
‫شراح املدرسة الوضعية اإليطالية واألملانية خالل القرن العشرين ‪ ,‬ودافع عنها الشراح‬
‫السوفييت احلريصني على سيادة االحتاد السوفييت والدول الشيوعية ‪ ,‬وقدكان نوثكني منذ‬
‫عصر ستالني وحىت لفظ النظام الشيوعي أنفاسه األخرية ‪ ،‬من أشد الشراح دفاعًا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حامد سلطان ‪ ,‬والدكتورة عائشة راتب ‪ ,‬والدكتور صالح الــدين عــامر‬
‫‪( ,‬ص‪. )47‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي ابراهيم ‪( ,‬ص‪. )604‬‬
‫عن هذه املدرسة يف مؤلفاته العديدة اليت نشرها يف الغرب منذ عام ‪1985‬م ‪ ,‬فهو يرى‬
‫أن الدول اجلديدة ليست ملزمة إال برضاها ‪ ،‬وأن فكرة العرف تنطوي على عرض ضمين‬
‫موجه للدول األخرى ‪ ،‬بدون مؤمترات وبدون مباحثات ‪ ،‬وإذا ما مت قبول هذا العرض‬

‫‪221‬‬
‫الضمين بواسطة دول أخرى ‪ ،‬قبول ناجم عن تصرفاهتا ‪ ،‬فينتج عن ذلك العرف بني‬
‫الدول اليت قبلته ‪ ,‬فالتطبيق أو السلوك العام ال يصبح قاعدة قانونية إال إذا مت االعرتاف به‬
‫أو قبوله من جانب الدول اليت وجه عليها العرض ‪ ،‬وال يلزم سوى من وافقوا عليه ‪ ,‬هذا‬
‫القبول هو تعبري عن إرادة الدولة اجلديدة ‪ ,‬وأن القول بسريان العرف يف مواجهة الدول‬
‫اليت تقبله أو مل توافق عليه ‪ ،‬هو يف رأي تونكني قول مغرض هدفه فرض سيطرة وهيمنة‬
‫أجنبية ‪.‬‬
‫هذا وقد أخذت هبا حمكمة العدل الدولية يف حكم وحيد ومنعزل يف قضية اللوتس عام‬
‫‪1927‬م حيث صدر احلكم يف ذلك الوقت برتجيح صوت الرئيس انزيلويت وهو من‬
‫أنصار املدرسة اإلرادية خالل النصف األول من القرن العشرين ‪ ,‬وقد قالت احملكمة يف‬
‫هذا احلكم ‪ " :‬إن القانون الدويل حيكم العالقات بني الدول ذات السيادة ‪ ،‬والقواعد اليت‬
‫تلزم الدول تنبع إذًا من إرادة هذه الدول وتكون يف صورة اتفاقيات أو يف صورة عادات‬
‫مقبولة عامة مكرسة لقواعد القانون ‪ ،‬ومنشأة بقصد تنظيم التعايش بني هذه التجمعات‬
‫املستقلة " ‪.‬‬
‫ولكن هذا احلكم منتقد ومل يصدر إال برتجيح صوت الرئيس انزيلويت ‪ ،‬األمر الذي يؤكد‬
‫أن نصف عدد القضاة غري مقتنعني به يف حينه ‪ ,‬وهو مازال منعزال ًمل تدعمه أي أحكام‬
‫أخرى ؛ ألنه ال يعرب عن حقائق العالقات الدولية ‪ ،‬ويعوق تطور القانون الدويل ‪ ,‬وإذا‬
‫( ‪)1‬‬
‫كان العرف يرتكز علي االتفاق ‪ ,‬فإن التكرار يصبح ال معىن له ‪.‬‬

‫إن قوة نفاذ العرف تستمد من التأييد العملي ألعضاء اجلماعة الدولية األكثر اتساعًا‬
‫وانتشارًا ‪ ,‬وهو أمر يقتضي فرتة من الزمن أطول ما تكون ‪ ,‬حىت يصعب العدول عنه بعد‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )605‬‬

‫ذلك ‪ ,‬وبقدر ما حيصل ذلك يزداد العرف قوة ‪.‬‬


‫( ‪)1‬‬

‫ويف ظل املدرسة اإلرادية يتناقص دور الركن املادي وقد تكفي مرة واحدة أو حىت‬
‫السكوت ‪ ,‬املهم أن الدول عند إعماهلا لقاعدة ما تكون مقتنعة بأهنا ملزمة بذلك السلوك‬

‫‪222‬‬
‫‪ ,‬وهو ما أوضحته حمكمة العدل الدولية يف قضية اللوتس عام ‪1927‬م من أن السكوت‬
‫قد يسهم يف تكوين القاعدة العرفية ‪ ,‬إذا كانت الدول تؤمن بأن سكوهتا وامتناعها ناتج‬
‫عن واجب قانوين حيث تقول احملكمة ‪ " :‬حىت ولو كانت قلة األحكام القضائية املعروفة‬
‫كافية من حيث الواقع إلثبات الظروف اليت يستند عليها ممثل احلكومة الفرنسية فهي تبني‬
‫فقط أن الدول كثريًا ما امتنعت يف ممارساهتا عن إقامة هذه اإلجراءات ؛ ألنه ال ميكن‬
‫الكالم على العرف الدويل إال إذا كان مثل ذلك االمتناع مؤسس على أن تلك الدول‬
‫كانت مقتنعة بوجوب امتناعها " ‪.‬‬
‫وإذا مت قبول فكرة اإلرادية والرتاضي عن طريق املمارسة أو الرتاضي الضمين عن طريق‬
‫االمتناع أو السكوت امللزم فيجب أن يتم قبول النتائج املنطقية التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬الدولة اليت ترفض ممارسة عامة مقبولة كعرف وتتمسك برفضها ‪ ,‬ال ميكن إلزامها إال‬
‫إذا كانت تلك القاعدة ذات طبيعة خاصة ملزمة للجميع مثل القواعد اآلمرة ‪.‬‬
‫‪ -2‬انتهاج جمموعة قليلة من الدول ممارسة دون غريها مع قبوهلا كقانون خيلق عرفًا إقليميًا‬
‫وخاصة فيما بينها ‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا اتبعت قاعدة جديدة من طرف عدد أكرب من الدول على حساب قاعدة قدمية‬
‫تكون قد أنشئت عرفًا جديدًا ويضعف القدمي ويتناقص أطرافه حىت ينتهي بالتخلي عنه‬
‫( ‪)2‬‬
‫متامًا ‪.‬‬
‫‪ -4‬لكي يوجد العرف يكفي أن يكون هناك سلوكًا متبادًال بني الدول من طبيعة تكشف‬
‫عن تكوين االتفاق ‪ ,‬وليس هلذه الغاية أن تكون الدول قد قطعت شوطًا طويًال أم قصريًا‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬العالقات الدولية ‪ ,‬للدكتور بلقاسم كرمين ‪( ,‬ص‪. )219‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد بوسلطان ‪. )1/68( ,‬‬

‫من الوقت خالل سلوكها ‪ ,‬فالعربة بالعنصر املعنوي ‪ ,‬وهو الكشف عن الرضا واملوافقة ‪,‬‬
‫أما السلوك فهو ذو دور ثانوي ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن العرف الدويل باعتباره اتفاقًا ضمنيًا ‪ ,‬فإنه ال يلزم سوي الدول اليت اشرتكت‬
‫بنفسها يف إنشائه وتكوينه من خالل السلوك الدائم واملتطابق ‪ ,‬أي الدول اليت اتبعت خطأ‬

‫‪223‬‬
‫معينًا يف السلوك ‪ ,‬فهو ال ينشئ قواعد قانونية بالنسبة للدول الغري اليت مل تسري على نفس‬
‫النهج أو على نفس اخلط ‪ ,‬إال إذا قبلت هذه الدول يف وقت الحق أن تسري على هدي‬
‫هذا السلوك ‪.‬‬
‫‪ -6‬أن الدول اجلديدة اليت حصلت على االستقالل بعد نشأة العرف الدويل هي غري‬
‫ملزمة به ؛ ألهنا مل تشارك يف صنع أو إنشاء هذا العرف ‪ ,‬فالقيمة القانونية للقاعدة العرفية‬
‫( ‪)1‬‬
‫بالنسبة للدول اجلديدة هي قيمة منعدمة ؛ ألن هذه الدول غريبة عن االتفاق ‪.‬‬
‫وهناك من يرى أن واقع احلال يف العالقات الدولية املعاصرة يستلزم هذا االجتاه ؛ ألن‬
‫القانون الدويل املعاصر ما زال إىل حد كبري مبين على رضا اجملموعة الدولية ‪ ,‬ولذا فالدولة‬
‫احلديثة الوالدة وإن كانت ال تعلن تنكرها لعرف قدمي بشكل تلقائي وصريح ‪ ,‬خاصة‬
‫وأن عليها إذا ما أرادت االنضمام إىل أسرة األمم املتحدة أن تؤكد احرتامها لاللتزامات‬
‫الدولية بنوعيها العريف والعقدي ‪ ,‬إال أهنا ال ترتدد يف املسارعة إىل إعالن حتفظها إزاء‬
‫( ‪)2‬‬
‫عرف قدمي ‪.‬‬
‫إىل أن العمل الدويل استقر على عدم احلاجة لقبول كل دولة على حدة بالقاعدة العرفية ‪,‬‬
‫يستوي يف ذلك أن تكون الدولة موجودة وقت نشوء العرف ‪ ,‬أو أن تكون قد نشأت يف‬
‫أعقاب تكوينه ‪ ,‬وال عجب يف أن القضاء الدويل مل يأخذ صراحة هبذا األساس إللزام‬
‫( ‪)3‬‬
‫العرف إال يف قضية السفينة لوتس ‪.‬‬
‫وهناك من جينح إىل أن هذا الرأي ال جيد أنصار كثريون له يف القانون الدويل بل ميكن‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )606‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املدخل إىل القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد عزيز شكري ‪( ,‬ص‪. )55‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪( ,‬ص‪. )372‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫القول أنه ال يوجد اآلن من يدافع عن هذا االجتاه أو على األقل من يعتقد بأمهيته ‪.‬‬

‫إن سريان العرف الدويل على اجلميع هو املبدأ املستقر ‪ ,‬ولكن الدول اجلديدة تقاوم هذا‬
‫االجتاه ‪ ,‬كما أوضح شاوفيك يف دراسته " تأثري الدول اجلديدة على مفهوم القانون‬

‫‪224‬‬
‫الدويل " حيث يقول ‪ " :‬هذه الدول – ودون أن تضع موضع الشك واالهتام كل قواعد‬
‫القانون الدويل ‪ -‬ترفض فقط القيمة اإللزامية لقواعد ومبادئ عرفية تعرب عن عدم املساواة‬
‫القانونية الواقعية اليت كانت سائدة إبان احلقبة االستعمارية والسيطرة األجنبية ‪ ,‬وهي‬
‫عندما تأخذ هذا املوقف فهي تعتمد على حقيقة أن أساس هذه القواعد واملبادئ الغربية‬
‫يتوقف على التعبري واملوافقة والقبول الصريح أو الضمين هلذه القواعد ‪ ,‬وأن الدول القدمية‬
‫ذاهتا كثريًا ما نفت القيمة القانونية لبعض القواعد العرفية ‪ ,‬ويف النهاية فإن هذا املوقف‬
‫ينبع من طبيعة القانون الدويل العام الذي ال يعرتف إال بااللتزامات اليت تقبل حبرية وبدون‬
‫ضغوط أو إكراه ‪ ,‬ومن هنا فان االمتداد التلقائي للعرف الدويل على الدول اجلديدة‬
‫حديثة االستقالل هو نقل ملفهوم القانون الداخلي على منط من العالقات الدولية املختلفة‬
‫كليًا بسبب غياب السلطة املركزية والتكامل القانوين ‪.‬‬

‫هذه الدول اجلديدة ‪ ,‬وطاملا أهنا ذات سيادة ‪ ,‬فهي إذًا ومن خالل تصرفها وسلوكها‬
‫أظهرت موقفها جتاه هذه القاعدة أو تلك من القواعد العرفية ‪ ,‬وطبقًا ملبدأ املساواة‬
‫القانونية فإن الدول اجلديدة ‪ ,‬وشأهنا يف ذلك شأن الدول القدمية ‪ ,‬هلا احلق يف االشرتاك‬
‫يف تكوين وإنشاء القواعد اليت ستطبق عليها ‪ ,‬أو على األقل القواعد اليت ستنضم إليها ‪,‬‬
‫جيب أن يكون االنضمام حبرية ‪ ,‬وبناًء عليه فإن كل مفهوم أو تصور يزعم إمكانية فرض‬
‫بعض قواعد القانون بواسطة عدة دول على دول أخرى ‪ ,‬أو خلط القانون الدويل‬
‫بالداخلي ‪ ,‬أو التغطية القانونية لوضع هيمنة أو سيطرة ‪ ,‬هو وضع مرفوض "‬
‫ومن هنا ال يوجد عرف عام ملزم للدول مجيعًا ‪ ,‬وإمنا فقط توجد أعراف خاصة مقصورة‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ‪( ,‬ص‪. )128‬‬

‫يف آثارها على الدول اليت قبلتها أو وافقت عليها ضمنًا ‪ ,‬ولكي يكون العرف ذا صفة‬
‫عاملية جيب أن توافق عليه الدول مجيعًا دون أن تتخلف واحدة منها يف اجلماعة الدولية ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫ولقد انتقدت هذه املدرسة لتجاهلها ميزة التطور اليت تتمتع هبا القاعدة العرفية ‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫كما أن هذا املدرسة ال تذهب إىل القول بالتزام الدول اجلديدة بالقواعد العرفية اليت‬
‫( ‪)2‬‬
‫وجدت قبل وجودها ‪.‬‬
‫وأيضًا فرأيها معيب وضعيف ويكذبه الواقع وال يعمل به القضاء الدويل يف الوقت الراهن‬
‫ألن نتائجه غري معقولة ‪.‬‬
‫فهذا املفهوم اإلرادي للعرف ال يأخذ يف االعتبار حقائق احلياة الدولية ؛ ألنه سيتم‬
‫الوصول من خالله إىل نتيجة حتمية هي عدم وجود أي قاعدة عرفية ملزمة ألي دولة‬
‫بدون دليل وبدون إظهار إلرادهتا ورضاها على األقل الرضا الضمين ‪.‬‬
‫وهذا يعين نفي وجود األعراف العامة ؛ ألنه ُيتطلب يف العرف العام رضا وموافقة مجيع‬
‫الدول ‪ ,‬وهذا مستحيل ‪ ,‬والواقع يسري يف عكس هذا االجتاه ؛ ألنه توجد استحالة مادية‬
‫حقيقية يف إثبات وجود القواعد يف مثل هذه احلاالت ‪.‬‬
‫وفوق ذلك ينجم عن هذه النظرية اضطراب وعدم ثبات يف العالقات القانونية الدولية ‪,‬‬
‫حيث إن بعض الدول قد ترفض وتدعي أهنا خارج نطاق هذا العرف ألهنا ببساطة شديدة‬
‫مل تشرتك يف إنشائه أو أهنا مل تكن موجودة أصًال عند نشأته ومل تتح هلا الفرصة‬
‫للمشاركة يف السوابق ‪.‬‬
‫وعليه فإن دولة مثل سويسرا اليت أصبحت متلك أسطوال جتاريًا حديثًا جيوب البحار هي‬
‫غري ملزمة بقواعد املالحة البحرية ألن القواعد نشأت قبل استقالهلا ‪ ,‬هذا أمر خمالف‬
‫للعقل واملنطق وال ينادي به عاقل يف الوقت الراهن ‪.‬‬
‫ومثال كهذا أوقع املدرسة اإلرادية يف مأزق حاد جعلها تتخبط حماولة اخلروج منه‬
‫بالتحايل واالفرتاض والقول بأن هناك قواعد جوهرية جيب أن تفرض على اجلميع أو‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ‪( ,‬ص‪. )75‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬قانون العالقات الدولية ‪ ,‬للدكتور جعفر عبد السالم ‪( ,‬ص‪. )107‬‬

‫تفرض أهنا سارية أو نافذة يف مواجهة مجيع الدول حىت تلك اليت مل تشارك يف إنشائها ‪,‬‬
‫واالفرتاض دليل على ضعف بناء النظرية ويقود يف النهاية إىل تساويها مع النظرية‬

‫‪226‬‬
‫املوضوعية اليت ترى أن العرف يتكون بطريقة تلقائية العتبارات خارج إرادة الدول ‪,‬‬
‫وضرورات احلياة الدولية تفرضه كقانون ‪.‬‬
‫ومن وجهة النظر القانونية السليمة ‪ ,‬فهذا النظرية ال ختدم مصاحل الدول اجلديدة على‬
‫عكس ما يبدو من مظهرها ألول وهلة ‪ ,‬فاملسألة يف غاية األمهية بالنسبة للدول اجلديدة ‪,‬‬
‫ومن مصاحلها سريان القواعد العرفية العامة عليها فور احلصول على االستقالل ؛ ألن هذه‬
‫القواعد حتمي سيادهتا وكياهنا اإلقليمي وتساويها فورًا مع الدول القدمية ‪.‬‬
‫والقول بأن هدف القواعد العرفية العامة هو فرض هيمنة وسيطرة على الدول اجلديدة من‬
‫جانب الدول القدمية كما يرى الفقه االشرتاكي هو قول غري صحيح ‪ ,‬والدول اجلديدة‬
‫نفسها تستفيد فورًا من قواعد العرف الدويل املوجودة قبل استقالهلا ‪ ,‬حيث إن هذه‬
‫القواعد متنحها حقوقًا ومزايا فورية ‪ ,‬وتفرض على عاتق الدول القدمية التزامات بعدم‬
‫التعرض لسيادة الدول اجلديدة ‪ ,‬ووجوب احرتام كياهنا السياسي واإلقليمي واختصاصاهتا‬
‫‪ ,‬وعدم التدخل يف شئوهنا الداخلية واخلارجية ‪.‬‬
‫وقبول النظرية الشخصية القائلة بعدم التزام الدول اجلديدة بالقواعد العرفية اليت مل تشارك‬
‫يف صنعها يقود حتمًا إىل نتائج خطرية يف صاحل الدول اجلديدة ‪ ,‬منها مثًال ‪ :‬أن من حق‬
‫الدول القدمية أن تعلن عند نشأة دولة جديدة بأهنا لن حترتم القواعد العرفية القدمية اخلاصة‬
‫باملساواة يف السيادة وعدم التدخل جتاه الدول اجلديدة ‪ ,‬وأهنا سوف تستبيح حرمة أراضي‬
‫الدول اجلديدة وتعيد استعمارها من جديد ‪.‬‬
‫فهل هذه النتيجة ترضي الدول اجلديدة إذا كانت ترضي أنصار املدرسة اإلرادية ‪.‬‬
‫إن من يقبل ذلك يكون قد فقد العقل واملنطق معًا ‪.‬‬
‫مثل هذه النتيجة ال ترضي بالقطع الدول اجلديدة ‪ ,‬وتوضح ضعف وهزال املدرسة‬
‫اإلرادية والفقه االشرتاكي الذي دافع عنه تونكني عقودًا طويلة من الزمن ‪ ,‬مث انتهي إىل‬
‫ال شيء وزال مع زوال الشيوعية ‪.‬‬
‫هذا واملشاهد أن الدول اجلديدة هي من أشد املدافعني عن القواعد العرفية القدمية اخلاصة‬
‫بالسيادة واالستقالل واملساواة ‪ ,‬وحصانة أموال الدولة واختصاصاهتا وعدم التدخل يف‬
‫شئوهنا ‪ .....‬اخل ‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫وهذا ما تكشف عنه مواقفها أمام أجهزة املنظمات الدولية ‪ ,‬وما كشفت عنه بالفعل‬
‫املرافعات الشفوية واملكتوبة يف قضية األنشطة العسكرية وشبه العسكرية يف نيكاراجوا‬
‫بتاريخ ‪28‬يونيو ‪1986‬م ‪ .‬وكذلك يف قضية السيادة على " قطاع أوزو " بني ليبيا‬
‫وتشاد ‪ ,‬واليت أصدرت حمكمة العدل فيها حكمًا لصاحل تشاد بتاريخ ‪ 3‬فرباير عام‬
‫‪1994‬م ‪.‬‬
‫وعليه فالنظرية اإلرادية فاسدة ومهجورة يف العمل حىت ولو دافع عنها بعض الشراح ‪,‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫حىت هذا اليوم ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر القانون الدويل لعلي ابراهيم (ص ‪)611-608‬‬

‫‪ -2‬املدرسة املوضوعية * ‪:‬‬

‫‪228‬‬
‫تأخذ هذه املدرسة بنظريــة الــوعي القــانوين اجلمـاعي ‪ ,‬أي أهنا تــرى أن العــرف الــدويل يعتــرب‬
‫تعبريًا عن قاعدة موضوعية خارجة عن إرادة الدول بل وأمسى من هـذه اإلرادات ‪ ,‬وبـذلك‬
‫يظهــر العــرف الــدويل كتعبــري عن إميان واقتنــاع قــانوين قــائم ال صــلة لــه بــأي عمــل إرادي ‪,‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫صريح أو ضمين ‪ ,‬يصدر عن الدولة ‪.‬‬
‫فالعرف الدويل ما هو إال مثرة لضرورات احلياة الدولية ‪ ,‬يستجيب لضرورات احلياة‬
‫الدولية ‪ ،‬ويرتجم توازن القوى الدولية القائمة يف حلظة معينة ‪ ،‬وزمن معني ‪ ,‬فهو ال‬
‫يتشكل من خالل االعرتاف به من مجيع أعضاء اجلماعة الدولية ‪ ،‬وإمنا يتشكل بطريقة‬
‫تلقائية من خالل األغلبية املعربة ألعضاء اجلماعة الدولية ويتحقق من خالل التعبري عن‬
‫الضمري القانوين العام هلذه اجلماعة ‪.‬‬
‫ومن هنا فهو يسري على اجلميع سواء أولئك الذين اشرتكوا يف صنعه من خالل السلوك‬
‫املتكرر مرة بعد أخرى ‪ ،‬وأولئك الذين يعيشون يف اجملتمع الدويل ‪ ,‬وكذلك أولئك الذي‬
‫سوف يأتون من بعدهم ‪ ,‬وحدة هذا الشرح هو الذي يسمح بصالحية سريان العرف‬
‫على اجلميع ؛ ألنه ضرورة ال مفر منها حلكم العالقات الدولية ‪ ،‬طاملا أن املعاهدات غري‬
‫( ‪)2‬‬
‫كافية لسد مجيع الثغرات يف حياة اجلماعة الدولية ‪.‬‬
‫ب ــل أن ــه ت ــرتب من خالل حكم ــة األجي ــال ‪ ,‬حبيث جيب على اجلماع ــة الدولي ــة اإلذع ــان ل ــه‬
‫والتص ــرف وفق ـًا حلكم ــه ‪ ,‬وذل ــك ألن تنظيم حي ــاة العائل ــة الدولي ــة ‪ ,‬واحملافظ ــة على بقائه ــا‬
‫يتطلبان ذلك اإلذعان واخلضوع ؛ ألنه حيقق املساواة يف احلقوق والواجبــات ‪ ,‬ويطبــق على‬
‫صور العدل من خالل ما تقوم به قواعـده يف تنظيم العالقـات الدوليـة ‪ ,‬كمـا يعـرب عن الثقـة‬
‫املتولدة من الطبيعة اإلنسانية اليت تدعمه باحرتام ممزوج بالرهبة حنو املنفعة من قيمة قواعده‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫* وأول من نادى هبذه املدرسة سافيين وكذلك دوجي وجورج سل وشارل فيشر ‪ ,‬انظر ‪ :‬أصول القانون الدويل‬
‫العام ‪ ,‬للدكتور حممد سامي عبد احلميد ‪( ,‬ص‪ , )157‬وانظر ‪ :‬الوجيز يف القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممود‬
‫مرشحه ‪ , )309( ,‬منشورات جامعة حلب ‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ‪( ,‬ص‪. )75‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )611‬‬

‫‪229‬‬
‫ال ــيت نتجت من تع ــود أجي ــال س ــبقت وخيشــى تغيريه ــا ‪ ,‬حيث ميث ــل أحســن ضــمان للت ــوازن‬
‫واالستقرار يف تنظيم السلوك العام ألعضـاء األسـرة الدوليـة يف ظـل الظـروف احلاليـة وخالل‬
‫الفرتات املقبلـة ‪ ,‬وقـد ذكـر أحـد قضـاة حمكمـة العـدل الدوليـة ‪ ,‬يف الـرأي الـذي أحلقـه حبكم‬
‫احملكمة يف قضية حق اللجـوء السياســي يف ســنة ‪1950‬م من أنــه " مــا من دولــة تســتطيع أن‬
‫( ‪)1‬‬
‫تتمرد على حكم عريف ثبت استقراره " ‪.‬‬
‫وهذا ما ميكن استخالصه من نص الفقرة ب من املادة ‪ 38‬من نظام حمكمــة العــدل الدوليــة‬
‫‪ ,‬الــيت تصــف العــرف الــدويل بأنــه دليــل على تعامــل معــرتف بــه عامــة بأنــه حكم من أحكــام‬
‫الق ــانون ‪ ,‬ومل تس ــتخدم عب ــارة مع ــرتف ب ــه صــراحة من قب ــل أط ــراف ال ــنزاع كمــا ه ــو احلال‬
‫بالنسبة للفقرة (أ) اخلاصة باملعاهدات ‪ .‬وكلمة عامــة الــواردة خبصــوص العــرف ال تعــين أبـدًا‬
‫وج ــوب إمجاع ال ــدول على االع ــرتاف بقاع ــدة عرفي ــة معين ــة لكي تعت ــرب ملزم ــة هلا ‪ ,‬أي أن‬
‫تعبري الرضا اجلماعي الـذي كـان شـرطًا أساسـيًا لالعـرتاف بإلزاميـة العـرف فيمـا مضـى ‪ ,‬قـد‬
‫أصبح يعين الرضا العام يف املفهـوم املعاصـر وليس الرضـا اجلمـاعي ‪ ,‬وبقـول آخـر مل يعـد من‬
‫الضروري اليوم إثبات أن دول العامل كافـة وبال اسـتثناء قـد طبقت قاعـدة عرفيـة معينـة ‪ ,‬أو‬
‫قبلت هبا ص ــراحة إلثب ــات وج ــود ه ــذه القاع ــدة وإلزاميته ــا ‪ ,‬حيث إن القاع ــدة العرفي ــة يف‬
‫القــانون الــدويل تصــبح مبجــرد اســتقرارها ‪ ,‬ملزمــة جلميــع أشــخاص اجملتمــع الــدويل حبيث ال‬
‫حيق لدولــة مــا أن حتتج بعــدم اشــرتاكها يف تكوينهــا ‪ ,‬وقــد تبنت حمكمــة العــدل الدوليــة هــذا‬
‫االجتاه حيث قـ ــررت يف حكمهـ ــا الصـ ــادر عـ ــام ‪1969‬م خبصـ ــوص اجلرف القـ ــاري لبحـ ــر‬
‫الش ــمال ‪ " :‬أن الق ــانون الع ــريف يتم ــيز عن الق ــانون االتف ــاقي بطبيعت ــه ‪ ,‬حيث ه ــو قاب ــل ألن‬
‫( ‪)2‬‬
‫يشمل مجيع أعضاء اجملتمع الدويل بعيدًا عن مفعول التحفظات " ‪.‬‬
‫وأكرب حجة يعتمد عليها هذا االجتاه هي خضوع الدول الناشئة ألحكام العرف امللزمة‬
‫السائدة ‪ ,‬على الرغم من عدم وجودها عند استقرار هذه األحكام ومن عدم موافقتها‬
‫على‬
‫ـــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظــر ‪ :‬القــانون الــدويل العــام ‪ ,‬للــدكتور حامــد ســلطان ‪ ,‬والــدكتورة عائشــة راتب ‪ ,‬والــدكتور صــالح الــدين‬
‫عامر ‪( ,‬ص‪ , )47‬و انظر ‪ :‬البعد األخالقي لقانون العالقات الدولية ‪ ,‬للــدكتور مسري عبــد املنعم ‪( ,‬ص‪. )401‬نقًال‬
‫عن محدي عبد الرمحن ‪ ,‬فكرة القانون ‪( ,‬ص‪. )197‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ‪ ,‬للدكتور إحسان هندي ‪( ,‬ص‪. )93‬‬

‫‪230‬‬
‫العرف عند نشوئه ‪ ,‬والتزام الدول الناشئة باحرتام األحكام العرفية مبجرد قبوهلا أعضاء يف‬
‫اجملتمع الدويل ال ميكن أن يفسر إال بفكرة الوعي اجلماعي ‪ ,‬أو ضرورة احلياة الدولية ‪ ,‬أو‬
‫( ‪)1‬‬
‫التضامن الدويل الذي يقضي باخلضوع هلذه األحكام العرفية اليت ثبت استقرارها ‪.‬‬
‫فمن ذل ـ ــك ال ـ ــتزام تركي ـ ــا عن ـ ــد انض ـ ــمامها إىل املؤمتر األورويب يف منتص ـ ــف الق ـ ــرن املاض ـ ــي‬
‫بالقواعــد املتعــارف عليهــا بني دول أوروبــا ‪ ,‬وانضــمام الــدول الشــرقية إىل اهليئــات الدوليــة‬
‫العامــة الــيت تكــونت بعــد احلرب العامليــة الثانيــة حيمــل يف ذاتــه التزامهــا بالقواعــد الدوليــة الــيت‬
‫( ‪)2‬‬
‫نشأت من قبل بني الدول الغربية ‪.‬‬
‫إن العرف الدويل ليس اتفاقًا إراديًا ‪ ،‬وإمنا هو عمل قانوين يتكون بشكل تلقائي من خالل‬
‫السلوك واملصحوب بعقيدة اإللزام من جانب األغلبية املعربة أو املمثلة للجماعة الدولية ‪.‬‬
‫فالسلوك املنشئ للقاعدة العرفية مأخوذ يف االعتبار حبد ذاته كفعل منتج للقاعدة القانونية‬
‫وليس جمرد وسيلة إلظهار اإلرادة يف االتفاق ‪.‬‬
‫وعليه ‪ ،‬فلكي يكون السلوك الدويل منتجًا لقواعد القانون ‪ ،‬جيب أن يتميز خبصائص‬
‫ومسات حمددة ‪ ،‬هي مسات القاعدة العرفية ‪ ,‬فالسلوك جيب أن ينتج عن وقائع وتصرفات‬
‫متكررة مع التناسق والتطابق والدوام خالل فرتة قد تطول وقد تقصر وأن يعكس هذا‬
‫السلوك الرغبات اجلماعية ‪ ،‬ويستجيب للضرورات اليت تفرضها احلياة الدولية املعاصرة ‪.‬‬
‫تلك احلياة اليت تتسم اآلن بالسرعة والتعقيد ‪ ،‬وتعدد األشخاص العاملني على الساحة‬
‫الدولية من دول ومنظمات ومؤسسات دولية عامة وخاصة تزاحم الدول مثل الشركات‬
‫( ‪)3‬‬
‫املتعددة اجلنسيات ‪ ،‬ومجاعات الضغط ‪ ....‬اخل ‪.‬‬
‫إن األساس اإللزامي يف العرف الدويل يأيت من خالل حصول القناعة بقاعدة دولية معينة‬
‫تكرر األخذ هبا مرات عديدة ونالت يف التطبيق العملي تأييد دول العامل مما جيعلها مقبولة‬
‫لدى أكثرية الدول ‪ ,‬وهبذا تتحول إىل قاعدة قانونية عامة يلتزم هبا اجلميع مبعزل عن‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ‪( ,‬ص‪. )75‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي صادق أبو هيف ‪( ,‬ص‪. )25‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )612‬‬

‫‪231‬‬
‫مسامهة أو رضا هذا الطرف أو ذاك يف إنشاء هذه القاعدة العرفية ؛ ألن األعراف الدولية‬
‫ما هي إال تطبيقات أو حلول حلاالت حتصل بني أطراف معينة ‪ ,‬وجرى تكرارها ملرات‬
‫عديدة يف حاالت مشاهبة حبيث تولدت القناعة لدى اجملموعة الدولية بعدالتها يف جمال‬
‫( ‪)1‬‬
‫العالقات الدولية ‪.‬‬
‫ويبدي بعض الشراح حتفظًا حول هذه املدرسة مفاده أنه ال ميكن إلزام الدول اجلديدة‬
‫باألعراف اليت تكونت يف العصر االستعماري خلدمة الدول االستعمارية ولتمكينها من‬
‫السيطرة واالستعالء على الدول األخرى ‪ ,‬وعلى سبيل املثال ال ميكن أن تلزم الدول‬
‫اجلديدة بقواعد التوارث الدويل التقليدي واليت تكبلها بالتزامات ثقيلة ملصلحة القوى‬
‫االستعمارية ‪ ,‬كما أن القواعد اخلاصة باكتساب أقاليم الدول باالستيالء أو بالتقادم أو‬
‫بالفتح أو الضم ال ميكن بدورها أن تعد قواعد دولية ملزمة ‪ ,‬ولعل هذا ما يفسر اهتمام‬
‫( ‪)2‬‬
‫اجملتمع الدويل بتقنني العرف ‪.‬‬
‫وكــذلك فــإن شــراح دول العــامل الثــالث ال يزالــون يــرون أنــه ال ميكن قبــول هــذا االجتاه على‬
‫إطالقه وأنه جيب التمييز بني نوعني من األعراف ‪:‬‬
‫األعراف العامة ‪ :‬اليت ليس هلا مساس مباشر بالسيادة ( كاألعراف الدبلوماسية مثًال )‬
‫وهذه تعترب ملزمة للجميع ‪.‬‬
‫األعراف اليت تتعلق بالسيادة ‪ :‬أو متس هذه السيادة ‪ ,‬وترتك فيها احلرية للدولة بالقبول أو‬
‫( ‪)3‬‬
‫التحفظ أو الرفض ‪.‬‬
‫وهذه احلياة الدولية الزاخرة باألشخاص والعالقات املتعددة ‪ ،‬جعلت هناك ضرورة مفادها‬
‫أن العرف يسري ويلزم مجيع الدول ‪ ،‬حىت ولو كان السلوك مستمدًا من عمل دول‬
‫أخرى أو منظمات دولية غري الدول املراد تطبيق القاعدة يف مواجهتها ‪.‬‬
‫فهو مظهر العتقاد قانوين سابق خارج أية إرادة حقيقية أو مفرتضة ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي ‪( ,‬ص‪. )75‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬قانون العالقات الدولية ‪ ,‬للدكتور جعفر عبد السالم ‪( ,‬ص‪ , ) . )107‬و القانون الدويل العام ‪,‬‬
‫للدكتور حممد سامي عبد احلميد ‪ ,‬والدكتور مصطفى سالمة حسني ‪( ,‬ص‪)107‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ‪ ,‬للدكتور إحسان هندي ‪( ,‬ص‪. )94‬‬

‫‪232‬‬
‫وليس ضروريًا أن يشرتك اجلميع يف إنشائه ‪ ,‬والدليل على ذلك هو أن احملاكم الدولية‬
‫وباألخص حمكمة العدل الدولية ‪ ،‬عندما يعرض أمامها نزاع وتريد تطبيق قاعدة عرفية من‬
‫أجل الفصل فيه ‪ ،‬فإهنا ال تبحث عما إذا كان الطرف الذي ستطبق عليه هذه القاعدة قد‬
‫وافق علها أم ال ؟ وهل ساهم بسلوكه يف نشأهتا أم ال ؟ وهل كان حاضرًا أم غائبًا وقت‬
‫تكوينها ؟‬
‫إن احملكمة تطبق القاعدة بشكل موضوعي باعتبارها قاعدة ضرورية للفصل يف املنازعات‬
‫الدولية ‪ ,‬وتقوم بالتأكد من وجود القاعدة وتوافر أركاهنا املادية واملعنوية وال تبحث عن‬
‫رضا هذا أو ذاك من األطراف املتنازعة ‪.‬‬
‫وهذا ما أكدته حمكمة العدل مقرة بإمكانية النشوء التلقائي لألعراف من عمليات‬
‫وإجراءات موضوعية يف إطار املنظمات الدولية ‪ ،‬يف رأيها االستشاري حول " ناميبيا "‬
‫عام ‪1971‬م ‪.‬‬
‫فقد اعرتضت جنوب أفريقيا على قرار جملس األمن رقم( ‪ )284‬لعام‪1970‬م ‪ ,‬والقاضي‬
‫بإهناء انتداب جنوب أفريقيا على ناميبيا ‪،‬وقالت ‪ " :‬إنه قرار باطل ؛ ألنه صدر بدون‬
‫التصويت اإلجيايب لكل األعضاء الدائمني ‪ ،‬حيث امتنعت دولتان عن التصويت عليه ‪،‬‬
‫وهذا خمالف حلكم املادة ( ‪ )27/3‬اليت تتطلب أن تكون مجيع أصوات األعضاء الدائمني‬
‫جمتمعة يف قرار موضوعي كهذا " ‪.‬‬
‫رفضت احملكمة هذا االعرتاض واعتربت أن " العرف الذي جرى يف جملس األمن ال يعد‬
‫االمتناع عن التصويت موازيًا أو مساويًا لالعرتاض ‪ -‬الفيتو‪ -‬وأن هذا العرف الناشئ‬
‫عن سلوك دائم يعد ساريًا يف مواجهة جنوب إفريقيا ‪ ،‬على الرغم من اعرتاضها عليه ‪,‬‬
‫وأنه عرف ملزم جلميع الدول " ‪.‬‬
‫وهكذا فالنظرية املوضوعية اليت ترى العرف تكوين تلقائي نابع من ضرورات احلياة‬
‫الدولية ‪ ،‬وترمجة وتعبري عن الضمري القانوين العام ألعضاء اجلماعة الدولية يف زمن معني ‪،‬‬
‫هي النظرية الصائبة ‪ ،‬وهي الراجحة اآلن ‪.‬‬
‫وحتظى ليس فقط بدعم الشراح ‪ ،‬وإمنا تأخذ هبا حماكم التحكيم ‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫وبناًء عليه فالدول اجلديدة تعترب ملزمة بالقواعد العرفية العاملية اليت نشأت يف وقت سابق‬
‫على استقالل هذه الدول ‪.‬‬
‫وهذا ما جرى عليه العمل فعًال خالل الفرتة اليت تلت احلرب العاملية األوىل ‪ ,‬حيث‬
‫اعتربت الدول اجلديدة ملزمة بالقواعد العرفية ‪ ،‬وجيب تطبيق هذا املبدأ على الدول اليت‬
‫استقلت بعد احلرب العاملية الثانية ؛ ألن سريان هذه القواعد فيه مصلحة للدول اجلديدة‬
‫على عكس ما قد يتوهم البعض ؛ واملعروف أن الدول النامية اآلن هي من أشد املدافعني‬
‫( ‪)1‬‬
‫عن القواعد العرفية اآلمرة ‪ ،‬وتلك اخلاصة بالسيادة واالستقالل وعدم التدخل ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل ‪ ,‬لعلي ابراهيم ‪( ,‬ص‪. )614-613‬‬

‫‪234‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬األساس اإللزامي للعرف الدويل يف الفقه اإلسالمي ‪:‬‬

‫يقرتب الفقه كثريًا من املدرسة املوضوعية يف األساس اإللزامي للعـرف الـدويل والـدليل على‬
‫ذل ــك أن الرس ــول ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم ك ــان قائ ــد الدول ــة اإلس ــالمية اجلدي ــدة ‪ ,‬وه ــو هبذا‬
‫املركز اعترب أعراف دوليـة سـابقة على وجـود هـذه الدولـة ومن هـذه األعـراف ذلـك العـرف‬
‫الذي يقضي بأمان الرسول وعدم قتله فالنيب صلى اهلل عليه وسلم قال لرســويل مســيلمة ‪( :‬‬
‫لــوال أن الرســل ال تقتــل لضــربت أعناقكمــا ) (‪ . )1‬فهــو هنــا اعتــرب عــرف ســابق لنشــأة هــذه‬
‫الدولة املسلمة ولكن بشرط عدم تعارض هذا العرف مع الشرع احلنيف أو مصاحل وســيادة‬
‫الدولة املسلمة ‪.‬‬
‫فالدول اإلسالمية اليت استقلت بعد احلرب العاملية الثانية ال ميكن إلزامها باألعراف اليت‬
‫تكونت يف العصر االستعماري خلدمة الدول االستعمارية ولتمكينها من السيطرة‬
‫واالستعالء على الدول األخرى ‪ ,‬وعلى سبيل املثال ال ميكن أن تلزم الدول اجلديدة‬
‫بقواعد عرفية هتدف إىل إباحة التوارث الدويل التقليدي واليت تكبلها بالتزامات ثقيلة‬
‫ملصلحة القوى االستعمارية ‪ ,‬كما أن القواعد اخلاصة باكتساب أقاليم الدول باالستيالء‬
‫وحنو ذلك ال ميكن بدورها أن تعد قواعد دولية ملزمة ‪.‬‬
‫" إن الفقه اإلسالمي يتجه إىل إقامة القوة امللزمة للعرف الدويل على أساس ضرورته‬
‫االجتماعية ‪ ,‬وحاجة الناس إليه لتحقيق مصاحلهم العملية بداللة جرياهنم عليه ملا فيه من‬
‫مصلحة راجحة هلم ال غىن عنها ‪ ,‬فجريان الناس على العرف الدويل يف أمورهم يعد‬
‫أقوى دليل على حاجتهم إليه ‪ ,‬وأنه حيقق مصاحلهم احلياتية ‪ ,‬وأنه ضرورة ال غىن عنها‬
‫لتنظيم احلقوق والواجبات بينهم على أساس وفائه باحلاجة واملصلحة والتوجيه إىل أفضل‬
‫احللول ‪ ,‬فالشرائع اإلهلية إمنا تبغي بأحكامها تنظيم مصاحل البشر وحقوقهم ‪ ,‬فتقر من‬
‫أعراف الناس ما تراه حمققًا لغايتها مالئمًا ألسسها وأساليبها ‪ ,‬ومىت ثبتت ضرورة العرف‬
‫االجتماعية فقد وجب أن يكون ملزمًا ‪.‬‬
‫ويظهر من ذلك أن الفقه اإلسالمي يؤسس القوة امللزمة للعرف الدويل على أساس‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سبق خترجيه يف (ص‪. )53‬‬

‫‪235‬‬
‫ضرورته االجتماعية وحاجة الناس إليه ‪ ,‬ملا فيه من مصلحة حتقق هلم النفع وتدفع عنهم‬
‫الضرر ‪ ,‬فلوا منعوا عما تعارفوا عليه لوقعوا يف احلرج وحلقتهم املشقة ‪ ,‬فإقرار القوة امللزمة‬
‫للعرف ختفيف على الناس ورفع احلرج عنهم ‪ ,‬وهو يتوافق مع أصل من أصول الشريعة‬
‫اإلسالمية املقررة يف القرآن والسنة وهو رفع احلرج عن الناس " ‪)1( .‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬القضاء والعرف يف اإلسالم ‪ ,‬لسمري عاليه ‪( ,‬ص‪. )170‬‬

‫‪236‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫أثر العرف الدويل‬

‫ويشتمل على املباحث اآلتية ‪:‬‬

‫املبحث األول ‪ :‬أث ــر الع ــرف ال ــدويل يف الفق ــه‬


‫اإلسالمي‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬أثر العــرف الــدويل يف القــانون‬
‫الدويل العام‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬أثر العــرف الــدويل يف أنظمــة‬
‫اململكة العربية السعودية‬

‫المبحث األول‬
‫‪237‬‬
‫أثر العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‬

‫ويشتمل على املطالب اآلتية ‪:‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬أثر العرف الدويل يف الفقه احلنفي‬


‫املطلب الثاين ‪ :‬أثر العرف الدويل يف الفقه املالكي‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬أثر العرف الدويل يف الفقه الشافعي‬
‫املطلب الرابع ‪ :‬أثر العرف الدويل يف الفقه احلنبلي‬

‫املطلب األول‬
‫أثر العرف الدويل يف الفقه احلنفي‬

‫‪238‬‬
‫يب ــين األحن ــاف كث ــريًا من األحك ــام املتعلق ــة ب ــاألمور الدولي ــة ‪ ,‬وال ــيت تنظم العالق ــة بني دار‬
‫اإلس ــالم ودار احلرب ‪ ,‬على األع ــراف الدولي ــة ‪ ,‬وسيتض ــح أث ــر ذل ــك يف الف ــروع واملس ــائل‬
‫التالية ‪:‬‬

‫املسألة األوىل ‪:‬‬


‫" لو أن مسلمًا من أهل العسكر يف منعتهم أشار إىل مشرك يف حصن أو منعة هلم أن تعــال‬
‫‪ ,‬أو أشار إىل أهل احلصن أن افتحوا الباب ‪ ,‬أو أشار إىل السـماء فظن املشـركون أن ذلـك‬
‫أم ــان ففعل ــوا م ــا أم ــرهم ب ــه ‪ ,‬وق ــد ك ــان ه ــذا ال ــذي ص ــنع معروف ـًا بني املس ــلمني وبني أه ــل‬
‫احلرب من أهل تلك الدار أهنم إذا صنعوا ذلك كان أمانـًا ‪ ,‬فهـو أمـان جـائز مبنزلـة قولـه قـد‬
‫أمنتكم‬
‫ألن أم ــر األم ــان مب ــين على التوس ــع والتح ــرز عم ــا يش ــبه الغ ــدر ‪ ,‬ف ــإذا ك ــان معروف ـًا بينهم‬
‫فالثــابت بــالعرف كالثــابت بــالنص ‪ ,‬فلــو مل جيعــل أمان ـًا كــان غــدرًا ‪ ,‬وإذا مل يكن معروف ـًا‬
‫فقــد اقــرتن بــه من داللــة احلال مــا يكــون مثــل العــرف أو أقــوى منــه وهــو امتثــاهلم أمــره ومــا‬
‫أش ــار عليهم ب ــه ‪ ,‬فه ــو من أبني الدالل ــة على املس ــاملة ‪ ,‬أال ت ــرى أهنم ل ــو ق ــالوا هلم اخرج ــوا‬
‫( ‪)1‬‬
‫حىت هتدموا هذا احلصن فخرجوا كانوا آمنني " ‪.‬‬
‫املسألة الثانية ‪:‬‬
‫" ولــو كــانوا مســتأمنني كــان للمســلمني أن ينبــذوا إليهم إذا كــانوا يف منعتهم ‪ ,‬فيكــون هلم‬
‫أيضًا أن ميتنعوا من إعطاء األمان هلم بطريق األوىل ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السري الكبري ‪ ,‬حملمد بن احلسن الشيباين ‪ ,‬وشرحه ‪ ,‬حملمد بن أمحد السرخسي ‪. )2/281( ,‬‬

‫فأما غري املمتنعني لو كانوا مستأمنني مل جيز نبذ األمان بيننا وبينهم حىت نلحقهم مبأمنهم ‪.‬‬
‫فكذلك إذا جاءوا طالبني األمان حىت صـاروا غـري ممتنعني منـا ‪ ,‬إال أن يكـون أمـري املسـلمني‬
‫تقدم على أهل تلك الـدار من أهـل احلرب أنـه ال أمـان لكم عنـدنا ‪ ,‬فال خيرجن أحـد منكم‬

‫‪239‬‬
‫إلينا ‪ ,‬فإذا علموا بذلك فال أمان هلم ‪ ,‬ومن جاء يطلب األمان فهو يفء ؛ ألنــه أعــذر إليهم‬
‫( ‪)1‬‬
‫مبا صنع وقد قال تعاىل ‪ { :‬وقد قدمت إليكم بالوعيد } ‪.‬‬
‫مث احلاص ــل أن ــه من ف ــارق املنع ــة عن ــد االس ــتئمان فإن ــه يك ــون آمن ـًا ع ــادة ‪ ,‬والع ــادة جتع ــل‬
‫حكم ـًا إذا مل يوج ــد التص ــريح خبالف ــه ‪ ,‬فأم ــا عن ــد وج ــود التص ــريح خبالف ــه يس ــقط اعتب ــاره‬
‫( ‪)2‬‬
‫كمقدم املائدة بني يدي إنسان إذا قال ال تأكل ‪.‬‬
‫املسألة الثالثة ‪:‬‬
‫" وإن شرطوا – أي أهل دار احلرب ‪ -‬أن ال نأسر منهم أحدًا فليس ينبغي لنا أن نأســرهم‬
‫ونقتلهم ‪.‬‬
‫ألن القتل أشد من األسر ‪ ,‬ومقصودهم هبذا الشرط يفوت بالقتل كما يفوت باألسر ‪.‬‬
‫إال أن تظهر اخليانة منهم بأن كانوا التزموا أن ال يقتلوا وال يأسروا منا أحـدًا مث فعلـوا ذلــك‬
‫فحينئذ يكون هذا منهم نقضًا للعهـد ‪ ,‬فال بـأس بـأن نقتـل أسـراهم وأن نأسـرهم كمـا كـان‬
‫لنا ذلك قبل العهد ‪.‬‬
‫أال ترى أن أهل مكة ملا صاروا ناقضني للعهد ملساعدة بين بكر على بين خزاعة وكانوا‬
‫حلفاء الرسول صلى اهلل عليه وسلم كيف قصــدهم الرســول من غــري نبــذ إليهم ‪ ,‬فإنــه ســأل‬
‫اهلل تعاىل أن يعمي عليهم األبصار حىت يأتيهم بغتة ‪.‬‬
‫فإن فعل ذلك منهم رجل واحد مل يكن ذلك بنقض منهم للعهد ‪.‬‬
‫ألن فع ــل الواح ــد ال يش ــتهر يف مجاعتهم ع ــادة وليس هلذا الواح ــد والي ــة نقض العه ــد على‬
‫مجاعتهم أال ترى أن مسلمًا لو ارتكب ما ال حيل يف دينه مل يكن ذلك نقضًا منه إلميانه‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة ق ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )28( :‬‬
‫(‪ )2‬الس ــري الكب ــري ‪ ,‬حملم ــد بن احلس ــن الش ــيباين ‪ ,‬وش ــرحه ‪ ,‬حملم ــد بن أمحد السرخس ــي ‪ , )1/295( ,‬وحاش ــية ابن‬
‫عابدين ‪. )6/220( ,‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫ولو أن ذميًا فعل ذلك مل يكن نقضًا منه ألمانه " ‪.‬‬

‫املسألة الرابعة ‪:‬‬

‫‪240‬‬
‫" إذا اســتأمن احلريب إىل أهــل اإلســالم فــأمنوه ‪ ,‬فخــرج معــه بــامرأة وبأطفــال صــغار فقــال ‪:‬‬
‫هذه امرأيت وهؤالء أوالدي ‪ ,‬ومل يكن ذكرهم يف األمان ‪ ,‬فالقياس يف هذا أهنم يفء ‪.‬‬
‫ألنه طلب األمان لنفسه دون غريه وحكم األمان ال يتعدى إىل من كان منفصًال عنه وألنه‬
‫مل يوجد منه استئمان هلؤالء إشارة وال داللة ‪.‬‬
‫ولكن هذا قبيح فيجعلون آمنني بأمانه استحسانًا ‪.‬‬
‫ألنــه إمنا يســتأمن إلينــا فــرارًا منهم ملعــىن هــو أعلم بــه ‪ ,‬أو ليقيم يف دارنــا زمان ـًا ويتجــر مبا ال‬
‫يتم له هذا املقصود إذا خرج بزوجته وأوالده الصغار ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬املرء مع عياله فهذا دليل استئمانه هلم مث هم تبع لـه من حيث إنـه يعـوهلم وينفـق‬
‫عليهم والتبــع يصــري مــذكورًا بــذكر األصــل ‪ ,‬إال إذا كــان هنــاك عـرف مينــع منــه والعـرف‬
‫هنا مؤيد هلذا املنع أال ترى أن الــذمي يف دارنــا يــؤدي اجلزيــة وال جزيــة على أتباعــه وذراريــه‬
‫( ‪)2‬‬
‫من النساء وأوالده الصغار " ‪.‬‬

‫املسألة اخلامسة ‪:‬‬


‫" وإن ق ــال ال ــذي اس ــتأمن على متاع ــه ملت ــاع ه ــذا من مت ــاعي وي ــدخل يف املت ــاع س ــواه من‬
‫الثياب والفرش والستور ومجيع متاع البيت ويف القياس ال يدخل يف ذلك األواين ‪.‬‬
‫ألن يف عـ ــرف االس ـ ــتعمال تعط ـ ــف األواين على األمتع ـ ــة والش ـ ــيء ال يعط ـ ــف على نفس ـ ــه‬
‫( ‪)3‬‬
‫والعطف دليل على أن األواين غري األمتعة " ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السري الكبري ‪ ,‬حملمد بن احلسن الشيباين ‪ ,‬وشرحه ‪ ,‬حملمد بن أمحد السرخسي ‪. )1/304( ,‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق ‪. )1/344( ,‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق ‪. )1/324( ,‬‬

‫املسألة السادسة ‪:‬‬


‫( ‪)1‬‬
‫" ولو قال أمنوين على آيل فاآلل وأهل البيت يف عرف االستعمال سواء " ‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫املسألة السابعة ‪:‬‬
‫" وأهله وامرأته وولده الذين كانوا يف عياله من الصغار والكبار من النساء والرجال ‪.‬‬
‫ويف القياس أهلــه زوجتــه فقــط ألنــه يف العرف يقــال ملن لــه زوجــة متأهــل وملن ال زوجــة لــه‬
‫( ‪)2‬‬
‫غري متأهل وإن كان يقوله مجاعة " ‪.‬‬

‫املسألة الثامنة ‪:‬‬


‫" ولــو قــال أمنــوين على مــوايل وليس لــه إال مواليــات إنــاث ال ذكــر فيهن فهن آمنــات معــه‬
‫استحسانًا ‪ ,‬وأهل اللغة يستجيزون إطالق اسم املوايل على اإلنـاث املفـردات ويعـدون قـول‬
‫القائــل مواليــات من بــاب التكلــف بــل يقولــون للمعتقــات هن مــوايل بــين فالن كمــا يقولــون‬
‫( ‪)3‬‬
‫عربة يف معرفة املراد باالسم ‪.‬‬ ‫للمعتقني وللعرف‬

‫املسألة التاسعة ‪:‬‬


‫" ولــو قــال أفتح احلصــن فتؤمنــوين على أهلي أو ولــدي أو مــايل فهــو آمن ومجيــع مــا نــزل بــه‬
‫من ذلك وال شيء عليه ‪.‬‬
‫ألن أهل ــه وول ــده ليس مبال ومل جتر الع ــادة ب ــأن جيعلهم املرء ف ــداء لنفس ــه ب ــل جيع ــل نفس ــه‬
‫وقايــة دوهنم فعرفنــا أن مــراده التمــاس األمــان هلم مــع نفســه وكــذلك إذا ذكــر املال مطلقـًا ؛‬
‫ألن ذلــك جمهــول اجلنس والصــفة والقــدر فال يصــلح أن يكــون فــداء وألنــه ال يفــدي نفســه‬
‫( ‪)4‬‬
‫جبميع ماله عادة إذ يهلك جوعًا ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬املصدر السابق ‪. )1/312 ( ,‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق ‪. )1/1310( ,‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق ‪. )2/434( ,‬‬
‫(‪ )4‬املصدر السابق ‪. )2/444( ,‬‬

‫املسألة العاشرة ‪:‬‬

‫‪242‬‬
‫" ولــو قــال أمنــوين على رقيقي على أن أنــزل فهــو آمن ورقيقــه ولــو قــال على نصــف رقيقي‬
‫كان هذا فداء ‪.‬‬
‫وباعتب ــار حقيق ــة املع ــىن ال يتض ــح الف ــرق بينهم ــا ولكن باعتب ــار عــرف الن ــاس ف ــإن اإلنس ــان‬
‫يفدي نفسه ببعض ما يأيت به معه ليتعيش آمنًا مبا بقي وال يفدي جبميع ما ينزل به ‪.‬‬
‫فــإذا ذكــر نصــف املال أو نصــف جنس من املال فالغــالب أن مــراده الفــداء وإذا ذكــر مجيــع‬
‫املال أو مجي ــع جنس من املال ك ــالرقيق فالغ ــالب أن م ــراده طلب األم ــان ل ــذلك اجلنس م ــع‬
‫نفسه ‪.‬‬
‫فــإذا ذكــر مــا ليس مبال كالزوجــة والولــد فالغــالب أن مــراده االســتئمان هلم ال الفــداء ســواء‬
‫ذكر عددًا منهم أو ذكر مجاعتهم ‪ ,‬وهو مبنزلة ما لو ذكر إنســانًا آخــر بقولــه ‪ :‬أمنــوين على‬
‫( ‪)1‬‬
‫فالن فإنه يكون ذلك طلب األمان لفالن ال جعله فداء لنفسه " ‪.‬‬
‫املسألة احلادية عشرة ‪:‬‬
‫" ولو أن صاحب القلعة قــال أمنــوين على قلعــيت أو على مــدينيت على أن أفتحهــا لكم ‪ ,‬فـإن‬
‫جــرى كالم يــدل على أن املراد عني القلعــة واملدينــة بــأن قــال إين أخــاف إن فتحت لكم أن‬
‫هتدموا قلعيت أو ختربوا مدينيت فقـالوا لـه أنت آمن على قلعتـك ومـدينتك فهـذا عليهـا خاصـة‬
‫دون ما فيها من األموال والنفوس ‪.‬‬
‫ألن مطل ــق الكالم يتقي ــد مبا س ــبق من دالل ــة احلال وإمنا جعل ــوا ل ــه األم ــان ج ــزاء على فتح‬
‫الباب ومقصودنا من ذلك االستغنام فعرفنا أن األمان خيتص مبا مسي لــه ‪ ,‬إال أنــه يــأمن مبالــه‬
‫وولــده وعيالــه ؛ ألنــه اســتأمن على قلعتــه ليتمكن من القــرار فيهــا ومتكنــه هبذه األشــياء ففي‬
‫هذا احلكم يشبه حاله حال املستأمن إىل دارنا للتجارة ‪.‬‬
‫فأما إذا مل يبق كالم يكون دليًال على التخصيص ففي القياس اجلواب كذلك أيضًا ‪.‬‬
‫ملا بينا أن املقصود من فتح الباب هو االستغنام واالسرتقاق مث ليس يف لفظة القلعة واملدينة‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬املصدر السابق ‪. )2/444( ,‬‬
‫م ــا ين ــبئ عن أهله ــا أو عمــا فيه ــا ولعلــه إمنا اس ــتأمن هلذه الص ــفة خلوف ــه على القلع ــة أن تقلــع‬
‫وعلى املدينة أن حترق أو خترب وقد كان ذلك مسقط رأسه ومسكن آبائه فقصد باألمان‬

‫‪243‬‬
‫إبقاؤها دون إبقاء من فيها ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫ويف االستحسان هذا أمان على القلعة واملدينة وعلى مجيع ما فيها لداللة العرف " ‪.‬‬

‫املسألة الثانية عشرة ‪:‬‬


‫" ول ــو ق ــال من دخ ــل فل ــه رأس خبالف م ــا ل ــو ق ــال من دخ ــل فل ــه الرب ــع من الغنيم ــة ف ــدخل‬
‫عشرة فلهم الربع فيما بينهم ‪.‬‬
‫ألن هنــاك عرفـًا مــا أوجب للــداخلني باإلضــافة إىل الغنيمــة والغــالب أن مــراده اإلشــراك بني‬
‫الــداخلني يف اجلزء املســمى ‪ ,‬أال تــرى أن الــداخلني يزيــدون على األربعــة عــادة وال تكــون‬
‫( ‪)2‬‬
‫الغنيمة إال أربعة أرباع فبهذا يتبني أن مراده اإلشراك بينهم يف الربع وإن كثروا ‪.‬‬

‫املسألة الثالثة عشرة ‪:‬‬


‫" ولو دخل دار احلرب راجًال مث اشرتى فرسًا فقاتل فارسًا مل يســتحق ســهم الرجالــة ‪ ,‬ويف‬
‫رواية يستحق سهم الفرسان ‪.‬‬
‫ألنه التزم مؤنة الفرس يف دار احلرب للقتال عليه ‪ ,‬وألن جماوزة الدرب مبنزلة القتال حكمًا‬
‫فإذا كان يستحق به سهم الفرسان فألن يستحق حبقيقة القتال فارسًا كان أوىل ‪.‬‬
‫ووجه ظاهر الرواية أن انعقاد سبب االستحقاق يكـون جماوزة الـدرب وقـد انعقـد لـه سـبب‬
‫اســتحقاق ســهم الراجــل فال يتغــري بعــد ذلــك وهــذا ألنــه يشــق على اإلمــام مراعــاة حــال كــل‬
‫واح ــد من الغ ــزاة يف ك ــل وقت فيجب اعتب ــار ح ــال جماوزة ال ــدرب تيس ــريًا ألن الع ــادة أن‬
‫عرض اجليش عند ذلك يكون يف حال الدخول واخلروج فمن أثبت فارسًا يف الديوان عنــد‬
‫ذلك يستحق سهم الفرسان وإن تغري حاله ومن أثبت يف ديوان الرجالة ال يستحق إال‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬املصدر السابق ‪. )2/447( ,‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق ‪. )3/838( ,‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫سهم راجل وإن تغري حاله ‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫املسألة الرابعة عشرة ‪:‬‬
‫" ولو كان األمري أمر املنادي فنادى ‪ :‬أيها الناس إنا قد أقلنا املشرتين العقد فيما اشرتوا منا‬
‫فمن كان اشرتى شيئًا فليطرحه ‪ ,‬ففعلوا ذلك ‪ ,‬مل يكن عليهم من الثمن شيء ‪.‬‬
‫ولـو قـال بنفسـه قـد أقلتكم الـبيع فـاطرحوا مـا اشـرتيتم مـين وليبلـغ شـاهدكم غـائبكم ‪ ,‬فهـذا‬
‫واألول سواء ؛ ألنه نص على األمر بالتبليغ فعبارة كل مبلغ تكون مبنزلة عبارته ‪.‬‬
‫ولو كان األمري مل يذكر هذه الزيادة ففي القياس ال يــربأ من الثمن إال من مسع مقالــة األمــري‬
‫كما يف حـق البـائع لنفسـه ولكنـه استحسـن فقـال هم بـراء من الثمن إذا طرحـوا حني بلغهم‬
‫مقالة األمري ‪.‬‬
‫والعــادة تعتــرب يف تقييــد مطلــق‬ ‫ملا بينــا أن مبــىن كالم األمــري على االنتشــار والظهــور عــادة‬
‫( ‪)2‬‬
‫الكالم فكان هذا والتصريح خبالفه فليبلغ شاهدكم غائبكم سواء ‪.‬‬
‫املسألة اخلامسة عشرة ‪:‬‬
‫" وإذا ذبح اجلنود غنمًا أو بقرًا لألكل فلريدوا جلودها يف الغنيمة ‪.‬‬
‫ألن هذا مما ال يدخل حتت مصلحة األكل خصوصًا بعدما جف ويستوي إباحة التنــاول مــا‬
‫يؤكل على سبيل الغذاء عادة ‪ ,‬سـواء كـان مما يكـون يف ذلـك املوضـع أو مما ينقـل إليـه من‬
‫موضــع آخــر ‪ ,‬ومــا يكــون من التوابــل للقــدور ‪ ,‬فهــو مبنزلــة مــا يتغــذى بــه ؛ ألنــه مــأكول يف‬
‫( ‪)3‬‬
‫"‪.‬‬ ‫الناس عادة‬

‫املسألة السادسة عشرة ‪:‬‬


‫" ولو وجد اجلنود أوتادًا فليس ينبغي هلم أن ينتفعوا هبا للوقود إال عند حتقق الضرورة ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬املصدر السابق ‪. )3/899( ,‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق ‪. )3/1077( ,‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق ‪. )4/1187( ,‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫"‪.‬‬ ‫ألهنا مبنزلة األمتعة ال تستعمل يف الوقود عادة‬

‫‪245‬‬
‫املسألة السابعة عشرة ‪:‬‬
‫" وال ب ـ ــأس ب ـ ــأن يقل ـ ــد اخلي ـ ــل يف أعناقه ـ ــا يف احلرب وغ ـ ــري احلرب ؛ ألن ذل ـ ــك من ص ـ ــنع‬
‫( ‪)3‬‬
‫املبارزين وغريهم وممن يركب اخليل وما رآه املسلمون حسنًا فهو عند اهلل حسن (‪." )2‬‬

‫املسألة الثامنة عشرة ‪:‬‬


‫" ف ــإن خ ــرج املس ــلمون عن املش ــركني ب ــذراريهم فلم ــا ص ــاروا على ب ــاب املدين ــة رأوا من‬
‫املشركني عورة فليس ينبغي هلم أن يقاتلوهم حىت ينبذوا إليهم ‪.‬‬
‫ألن املقص ــود خ ــروجهم ب ــذراريهم إىل موض ــع ي ــأمنون في ــه من املش ــركني بغ ــري ص ــلح وه ــذا‬
‫يعرفــه كــل واحــد إذا رجــع إىل عــرف النــاس ومبجــرد اخلروج إىل بــاب املدينــة ال يتم هــذا‬
‫( ‪)4‬‬
‫املقصود فال ينتهي حكم األمان " ‪.‬‬

‫املسألة التاسعة عشرة ‪:‬‬


‫" ولو كان املسلمون دخلوا دار احلرب فأحـدق هبم املشـركون مث اصـطلحوا على أن يسـلم‬
‫هلم املسـ ـ ــلمون مـ ـ ــا يف العسـ ـ ــكر على أن يرجـ ـ ــع املسـ ـ ــلمون عنهم أو يرحتلـ ـ ــوا ‪ ,‬فليس ينبغي‬
‫للمسلمني أن يقاتلوهم من غري نبذ حىت يدخلوا دار اإلسالم ‪.‬‬
‫ألن االرحتال إمنا يتم بـ ــاخلروج من دارهم وبوصـ ــول املسـ ــلمني إىل مـ ــأمنهم ‪ ,‬ومـ ــأمنهم دار‬
‫اإلسـ ــالم ‪ ,‬ويف األول أهـ ــل احلرب كـ ــانوا يف دار اإلسـ ــالم فارحتال املسـ ــلمني عنهم إمنا يتم‬
‫بوصــوهلم إىل موضــع يــأمن فيــه أحــد الفــريقني عن اآلخــر ‪ ,‬فكــان قــوهلم يف دار احلرب على‬
‫أن ترجعوا عنا مبنزلة قوهلم حىت ترجعوا عنا إىل بالدكم ألن املعروف بالعرف‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬املصدر السابق ‪. )4/1194( ,‬‬
‫(‪ )2‬سبقت ترمجت هذا احلديث يف (ص‪. )213‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق ‪. )4/1460( ,‬‬
‫(‪ )4‬املصدر السابق ‪. )5/1720( ,‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫كاملشروط بالشرط " ‪.‬‬
‫املسألة العشرون ‪:‬‬

‫‪246‬‬
‫" وإذا وادع املسلمون املشركني على أن يؤدوا إىل املســلمني مائــة رأس يف كــل ســنة ‪ ,‬على‬
‫أن يكون ــوا آم ــنني يف دارهم ‪ ,‬ال جيري املس ــلمون عليهم أحك ــامهم ‪ ,‬وال يغ ــريون ‪ ,‬فليس‬
‫ينبغي للمسلمني املوادعة على هذا ‪ ,‬إال اخلوف من املشركني ‪.‬‬
‫وعن ــد ذل ــك املائ ــة ال ــرأس عليهم من أوس ــاط ال ــرؤوس يف ك ــل س ــنة وال ــرؤوس األوس ــاط من‬
‫رقيق أولئك احلربيني ليس عليهم أن يعطوا الرؤوس من غري رقيقهم ‪.‬‬
‫والعــرف الظ ــاهر أهنم إمنا‬ ‫ألن مطل ــق التس ــمية ينص ــرف إىل م ــا ه ــو املعــروف بــالعرف‬
‫يل ــتزمون تس ــليم ال ــرؤوس من رقيقهم ‪ ,‬إال أن يس ــمى املس ــلمون ش ــيئا آخ ــر معروف ـًا ف ــإن‬
‫( ‪)2‬‬
‫العرف يسقط اعتباره عند وجود التسمية خبالفه " ‪.‬‬

‫املسألة الواحدة والعشرون ‪:‬‬


‫" وال حيل أخذ مال الذمي بعقد فاسد خبالف املسلم املستأمن يف دار احلرب ‪ ,‬فإن له أخذ‬
‫ماهلم برضاهم ولو بربا أو قمار ؛ ألن ماهلم مباح لنا إال أن الغدر حرام ومــا أخـذ برضـاهم‬
‫ليس غ ــدرًا من املس ــتأمن خبالف املس ــتأمن منهم يف دارن ــا ؛ ألن دارن ــا حمل إج ــراء األحك ــام‬
‫الشـ ــرعية ‪ ,‬فال حيل ملسـ ــلم يف دارنـ ــا أن يعقـ ــد مـ ــع املسـ ــتأمن ‪ ,‬إال مـ ــا حيل من العقـ ــود مـ ــع‬
‫املســلمني ‪ ,‬وال جيوز أن يؤخــذ منــه شــيء ال يلزمــه شــرعًا وإن جــرت بــه العــادة * كالــذي‬
‫( ‪)3‬‬
‫يؤخذ من زوار بيت املقدس ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬املصدر السابق ‪. )5/1721( ,‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق ‪. )5/1725( ,‬‬
‫* هنا مل يعمل بالعرف اجلاري بني املسلمني وغريهم لكون العمل مبقتضاه غري الزم شرعًا‬
‫(‪ )3‬حاشية ابن عابدين ‪ , )6/280( ,‬الناشر ‪ :‬دار عامل الكتب يف الرياض ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬عادل أمحد عبد املوجود ‪,‬‬
‫وعلي حممد عوض ‪ ,‬طبعة خاصة ‪1423 ,‬هـ ‪2003 ,‬م ‪.‬‬

‫املسألة الثانية والعشرون ‪:‬‬


‫" مطلب مهم فيمــا يفعلــه التجــار من دفــع مــا يســمى ســوكرة وتضــمني احلريب مــا هلــك يف‬
‫املركب ‪:‬‬

‫‪247‬‬
‫لقد كثر السؤال عن هــذا األمــر يف زماننــا وهــو أنــه جــرت العادة أن التجــار إذا اســتأجروا‬
‫مركبًا من حريب يـدفعون لـه أجرتـه ويـدفعون أيضـًا مـاًال معلومـًا لرجـل حـريب مقيم يف بالده‬
‫يسمى ذلك املال سوكرة على أنه مهمـا هلـك من املال الـذي يف املركب حبرق أو غـرق أو‬
‫هنب أو غــريه فــذلك الرجــل ضــامن لــه مبقابلــة مــا يأخــذه منهم ولــه وكيــل عنــه مســتأمن يف‬
‫دارنــا يقيم يف بالد الســواحل اإلســالمية بــإذن الســلطان يقبض من التجــار مــال الســوكرة ‪,‬‬
‫وإذا هلك من ماهلم يف البحر شيء يؤدي ذلك املستأمن للتجار بدله متامـًا والــذي يظهــر يل‬
‫( ‪)1‬‬
‫أنه ال حيل للتاجر أخذ بدل اهلالك من ماله ؛ ألن هذا التزام ما ال يلزم " ‪.‬‬
‫املسألة الثانية والعشرون ‪:‬‬
‫" وإذا وج ــد احلريب يف دار اإلس ــالم فق ــال أن ــا رس ــول ف ــإن أخ ــرج كتاب ـًا ع ــرف أن ــه كت ــاب‬
‫ملكهم كان آمنًا حىت يبلـغ رسـالته ويرجـع ؛ ألن الرسـل مل تـزل آمنـة يف اجلاهليـة واإلسـالم‬
‫( ‪)2‬‬
‫"‪.‬‬
‫املسألة الثالثة والعشرون ‪:‬‬
‫" ولو أن املسلمني أسروا مركبًا يف البحر وقـال نفـر من ركاهبا حنن رسـل بعثنـا امللـك ‪ ,‬فال‬
‫يتعــرض هلم ‪ ,‬وإن قــال أنــا رســول امللــك بعثــين إىل ملــك العــرب وهــذا كتابــه معي ومــا معي‬
‫من الدواب واملتاع والرقيق فهذه إليه ‪ ,‬فإنه يصدق ويقبــل قولــه إن كــان معروفًا فــإن مثــل‬
‫مــا معــه ال يكــون إال على مثــل مــا ذكــر من قولــه أهنا هديــة من امللــك إىل ملــك العــرب وال‬
‫( ‪)3‬‬
‫سبيل عليه وال يتعرض له "‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬املصدر السابق ‪. )6/281( ,‬‬
‫(‪ )2‬املبسوط ‪ ,‬للسرخسي ‪. )10/92( ,‬‬
‫(‪ )3‬اخلراج ‪ ,‬أليب يوسف يعقوب بن إبراهيم ‪( ,‬ص‪ , )188‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف بريوت ‪1399 ,‬هـ ‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫املطلب الثاين‬
‫أثر العرف الدويل يف الفقه املالكي‬

‫هنا أيضًا ذكر لبعض الفروع الفقهية واملسائل املتعلقة باألمور الدولية ‪ ,‬واليت استند فيها‬
‫املالكية على العرف الدويل ‪ ,‬وهي كما يلي ‪:‬‬

‫املسألة األوىل ‪:‬‬


‫" إذا ه ــرب األس ــرى املس ــلمون من س ــفينة الع ــدو املعاه ــد واملوج ــودة يف رأس مبرس ــى من‬
‫مراســي املســلمني فــإهنم ال يــردون إليهــا ؛ ألن املراكب اليــوم بالعــادة تــنزلت منزلــة بالدهم‬
‫ومعــاقلهم ؛ ألهنم ال يســرحوهنم فيهــا وال يــنزلوهنم منزلــة أمــواهلم الــيت أخــذوا األمــان عليهــا‬
‫( ‪)1‬‬
‫"‪.‬‬

‫املسألة الثانية ‪:‬‬


‫" جيوز لإلمام أن مينع احلربيني من دخول بالد املسلمني للتجارة حىت يصاحلوه على ما‬
‫يأخذ منهم ‪ ,‬وأنه إن صاحلهم على أكثر من العشر لزمهم ومل يكن هلم أن يؤدوا العشر ‪,‬‬
‫وإن صاحلهم على أقل من العشر لزمه ومل يكن له أن يأخذ منهم أكثر مما صاحلهم عليه‬
‫وإن أنزهلم على غري اتفاق وال عادة جروا عليها أخذ منهم العشر ومل يكن لإلمام أن‬
‫يزيد منهم على العشر وال هلم أن ينتقصوه منه على القول بأن ما صوحلوا عليه جيب‬
‫(‪)2‬‬
‫عليهم بدخوهلم إىل بالد املسلمني باعوا أو مل يبيعوا "‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬املعيار املعرب واجلامع املغرب عن فتاوي علماء إفريقية واألندلس واملغرب ‪ ,‬ألمحد بن حيىي الونشريسي ‪( ,‬‬
‫‪ , )2/118‬الناشر ‪ :‬دار الغرب اإلسالمي يف بريوت ‪1401 ,‬هـ ‪19811 ,‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل يف مسائل املستخرجة أليب الوليد بن رشد القرطيب ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬حممد‬
‫حجي ‪ , )4/178( ,‬الناشر ‪ :‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ,‬يف بريوت ‪1404 ,‬هـ ‪1984 ,‬م ‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫املسألة الثالثة ‪:‬‬
‫" وإن مات عندنا احلريب فماله يفء ‪ ,‬إن مل يكن معه وارث ومل يدخل على التجهيز ‪.‬‬
‫مبعىن أن احلريب املستأمن إذا مات عندنا يف غري معركة ومل يؤسر قبل موته ‪ ,‬فإن ماله‬
‫وديته إن قتل يكونان فيئًا لبيت املال إن مل يوجد يف بلدنا وارث ودخل إلينا على اإلقامة‬
‫أو كانت عادهتم ذلك أو جهل ما دخل عليه وال عادة أو دخل التجهيز أو كانت‬
‫عادهتم ذلك وطالت إقامته فيهما بالعرف تنزيًال لطول اإلقامة منزلة الدخول عليها وال‬
‫ميكن يف هذا الوجه من الرجوع لو أراده ‪ ,‬فإن وجد له وارث يف بلدنا سواء جاء معه أم‬
‫ال فماله لوارثه سواء دخل على التجهيز أم ال ‪ ,‬واملراد بوارثه وارثه يف دينهم ومفهوم ومل‬
‫يدخل على التجهيز ‪ :‬أنه لو دخل على التجهيز أو كانت عادهتم التجهيز ومل تطل إقامته‬
‫( ‪)1‬‬
‫فيهما فريسل لوارثه ‪.‬‬

‫املسألة الرابعة ‪:‬‬


‫" وإن قال اإلمام من قتل قتيًال على بغل فهو له ‪ ,‬وله البغلة اليت ركبها احلريب أو امسكها‬
‫له غالمه ليقاتل عليها ‪ ,‬وله احلمارة إن قال على محار ‪ ,‬والناقة إن قال على مجل أو بعري‬
‫إلطالق البغل واحلمار واجلمل والبعري على األنثى وهذا عرف قدمي والعرف اآلن قصرها‬
‫على الذكر وقد تقرر أن األحكام املبنية على العرف ال يفىت هبا بعد تناسيها وجتدد غريها‬
‫( ‪)2‬‬
‫وإمنا يفىت مبا يقتضيه العرف املتجدد يف كل بلد وزمن ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اخلرشي على خمتصر خليل ‪ , )3/125( ,‬الناشر ‪ :‬دار صادر بريوت ‪ ,‬وانظر ‪ :‬جواهر اإلكليل شرح خمتصر‬
‫خليل على مذهب مالك إمام دار اهلجرة والتنزيل ‪ ,‬لصاحل عبد السميع اآليب األزهري ‪ , )1/259( ,‬الناشر ‪:‬‬
‫املكتبة الثقافية يف بريوت ‪.‬‬
‫(‪ )2‬جواهر اإلكليل ‪ ,‬لصاحل عبد السميع ‪. )1/261( ,‬‬

‫‪250‬‬
‫املطلب الثالث‬
‫أثر العرف الدويل يف الفقه الشافعي‬
‫يعتمــد الشــافعية على العــرف يف بنــاء كثــري من األحكــام املتعلقــة بــاألمور الدوليــة الواقعــة بني‬
‫دار اإلسـالم ودار احلرب ‪ ,‬وإليـك بعض املسـائل الـيت بنـوا فيهـا أحكـامهم على هـذا العـرف‬
‫‪:‬‬

‫املسألة األوىل ‪:‬‬


‫" وإن بارز مشرك مسلمًا من غري شرط جاز لكل أحد أن يرميه ؛ ألنه حريب ال أمان له ‪,‬‬
‫وإن شرط أن ال يقابله غري من برز إليه مل جيز رميه وفاء بشرطه ‪ ,‬فإن وىل عنه خمتارًا أو‬
‫مثخنًا أو وىل عنه املسلم خمتارًا أو مثخنًا جاز لكل أحد رميه ؛ ألنه شرط األمان يف حال‬
‫القتال وقد انقضى القتال فزال األمان ‪.‬‬
‫وإن استنجد املشرك أصحابه يف حال القتال فأجندوه ‪ ,‬أو بدأ املشركون مبعاونته فلم‬
‫مينعهم جاز لكل أحد رميه ؛ ألنه نقض األمان ‪ ,‬وإن أعانوه فمنعهم فلم يقبلوا منه فهو‬
‫على أمانه ؛ ألنه مل ينقض األمان وال انقضى القتال ‪.‬‬
‫وإن مل يشرتط ولكن العادة يف املبارزة أن ال يقاتله غري من يربز إليه فقد قال بعض‬
‫أصحابنا إنه يستحب أن ال يرميه غريه وعندي أنه ال جيوز لغريه رميه وهو ظاهر النص‬
‫ألن العادة كالشرط فإن شرط أن ال يقاتله غريه وال يتعرض له إذا انقضى القتال حىت‬
‫يرجع إىل موضعه وىف له بالشرط ‪ ,‬فإن وىل عنه املسلم فتبعه ليقتله جاز لكل أحد أن‬
‫( ‪)1‬‬
‫يرميه ؛ ألنه نقض الشرط فسقط أمانه " ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬املهذب ‪ ,‬للشريازي ‪. )5/266( ,‬‬

‫‪251‬‬
‫ويف موضع آخر قيل ‪ " :‬لو تبارز مسلم وكافر بشرط أن ال يعني املسلمون املسلم وال‬
‫الكافرون الكافر إىل انقضاء القتال أو كان عدم اإلعانة عادة فقتل الكافر املسلم أو ويل‬
‫أحدمها منهزمًا أو أثخن الكافر جاز لنا قتله ؛ ألن األمان كان إىل انقضاء احلرب وقد‬
‫انقضى ‪ ,‬وإن شرط أن ال نتعرض للمثخن وجب الوفاء بالشرط ‪ ,‬وإن شرط األمان إىل‬
‫دخوله الصف وجب له الوفاء به ‪ ,‬وإن فر املسلم عنه فتبعه ليقتله أو أثخنه الكافر منعناه‬
‫من قتله وقتلنا الكافر وإن خالفنا شرط متكينه من إثخانه ‪ ,‬لنقضه األمان يف األوىل‬
‫وانقضاء القتال يف الثانية ‪ ,‬فإن شرط له التمكني من قتله فهو شرط باطل ملا فيه من‬
‫الضرر ‪ ,‬وهل يفسد أصل األمان أو ال وجهان ‪ :‬أوجههما األول فإن أعانه أصحابه‬
‫قتلناهم وقتلناه أيضًا إن مل مينعهم ‪ ,‬أما إذا مل يشرط عدم اإلعانة ومل جتر به عادة فيجوز‬
‫( ‪)1‬‬
‫قتله مطلقًا " ‪.‬‬

‫وهذه مسألة مشاهبة ملا قبلها وفيها ‪ " :‬وإذا بارز مسلم مشركًا إما داعيًا أو جميبًا فهذا‬
‫على ضربني ‪ :‬األول هو ما يهم هنا ‪ :‬أن ال يكون للمشرك املبارز شرط فيجوز للمسلمني‬
‫أن يقاتلوه مع املبارز منهم ويقتلوه ؛ ألنه على أصل اإلباحة ‪ ,‬وإن اختص باملبارزة الواحد‬
‫قال أغلب الشافعية اللهم إال أن العادة جارية أن من بارز ال يعرض له حىت يعود إىل‬
‫( ‪)2‬‬
‫كالشرط " ‪.‬‬ ‫صفة فيحمل على ما جرت به العادة وتصري العادة‬

‫املسألة الثانية ‪:‬‬


‫" اختلف الفقهاء يف فتح مكة هل كان صلحًا أو عنوة ‪ :‬ذهب الشافعية إىل أهنا فتحت‬
‫صلحًا وذهب غريهم إىل أهنا فتحت عنوة ‪ ,‬ومن أدلة من قال بفتحها عنوة أنه سار‬
‫بعشرة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫(‪ )1‬مغين احملتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج ‪ ,‬حملمد الشربيين اخلطيب ‪ ,‬على منت املنهاج ‪ ,‬أليب زكريا حيىي بن‬
‫شرف النووي ‪ , )4/226( ,‬الناشر ‪ :‬مطبعة مصطفى البايب احلليب وأوالده مبصر ‪1377 ,‬هـ ‪1958 ,‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬احلاوي الكبري‪ ,‬للماوردي ‪ , )14/253( ,‬حتقيق ‪ :‬علي حممد معوض ‪ ,‬وعادل أمحد عبد املوجود ‪ ,‬الناشر ‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية يف بريوت ‪ ,‬ط‪1414 , 1‬هـ ‪1994 ,‬م ‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫آالف فيهم ألفا درع ودخل هبم مكة وعلى رأسه مغفر وراياته منشوره وسيوفه مشهورة‬
‫فدل على فتحها عنوة ‪.‬‬
‫وأجاب املاوردي (‪ )1‬عن ذلك بأن نشر الرايات وسل السيوف من عادات اجليوش يف‬
‫( ‪)2‬‬
‫الصلح والعنوة وإمنا يقع الفرق بني احلالتني بالقتال واحملاربة " ‪.‬‬

‫املسألة الثالثة ‪:‬‬


‫يف بيان الضيافة – اليت ُيلزم هبا أهل الدار املفتوحة من قبل املسلمني ‪-‬فيعترب فيها ثالثة‬
‫شروط ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬وهو ما يهم هنا أيام الضيافة فالعرف والشرع فيها لكل ضيف ثالثة أيام فإن‬
‫زاد يف الشرط على ثالث أو نقص منها كان الشرط أحق من مطلق الشرع والعرف‬
‫"‪.‬‬ ‫( ‪)3‬‬

‫املسألة الرابعة ‪:‬‬


‫" إن أطلق األمان دخل فيه ما يلبسه من ثياب وما يستعمله يف حرفته من آالت وما ينفعه‬
‫يف مدة األمان للعرف اجلاري بذلك ومركوبه إن كان ال يستغين عنه ‪ ,‬وال يدخل غري‬
‫ذلك ‪ ,‬وإن بذل له األمان على نفسه وماله ‪ ,‬فاملال أيضًا يف أمان إن كان حاضرًا ‪ ,‬سواء‬
‫أمنه اإلمام أو غريه ‪ ,‬وإن كان غائبًا مل يصح األمان فيه إال من اإلمام أو نائبه بالوالية‬
‫( ‪)4‬‬
‫العامة وكذلك الذراري يفرق فيهم بني احلاضرين والغائبني "‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هو علي بن حممد بن حبيب املاوردي ‪ ,‬وكنيته ‪ :‬أبو احلسن ‪ ,‬ولد سنة ‪370‬هـ ‪ ,‬كان ثقة من وجوه فقهاء‬
‫الشافعية ‪ ,‬عاش ودرس يف العراق ‪ ,‬ومن مؤلفاته ‪ :‬األحكام السلطانية واإلقناع واحلاوي الكبري وأدب الدين والدنيا‬
‫‪ ,‬تويف سنة ‪450‬هـ عن عمر ناهز اخلامسة والثمانون ‪ .‬انظر ‪ :‬طبقات الشافعية ‪ ,‬البن قاضي شهبة ‪, )2/231( ,‬‬
‫حتقيق ‪ :‬احلافظ عبد العليم خان ‪ ,‬الناشر ‪ :‬عامل الكتب يف بريوت ‪ ,‬ط‪1407 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬احلاوي الكبري‪ ,‬للماوردي ‪. )14/232( ,‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق ‪. )14/305( ,‬‬

‫‪253‬‬
‫(‪ )4‬روضة الطالبني ‪ ,‬للنووي ‪ , )7/486( ,‬حتقيق ‪ :‬عادل أمحد عبد املوجود ‪ ,‬وعلي حممد معوض ‪ ,‬الناشر ‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية يف بريوت ‪ ,‬ط‪1412 , 1‬هـ ‪1992 ,‬م ‪.‬‬

‫املسألة اخلامسة ‪:‬‬


‫" ولو وجد كافر بدارنا فقال دخلت لسماع كالم اهلل تعاىل أو ألسلم أو ألبذل جزية أو‬
‫دخلت رسوًال ولو مبا فيه مضرة لنا أو دخلت بأمان مسلم يصح أمانه صدق ‪ ,‬وميكن من‬
‫اإلقامة وحضور جمالس العلم قدرًا تقضي العادة بإزالة الشبهة فيه وال يزاد على أربعة‬
‫( ‪)1‬‬
‫أشهر " ‪.‬‬

‫املسألة السادسة ‪:‬‬


‫" ويستحب لإلمام إذا أمكنه أن يشرط عليهم إذا صوحلوا يف بلدهم على ضيافة من مير‬
‫هبم من املسلمني ويذكر عدد الضيفان وجنس الطعام واألدم وقدرها ولكل واحد من‬
‫الضيفان كذا من اخلبز وكذا من السمن أو الزيت حبسب العرف ويذكر علف الدواب‬
‫وال يشرتط بيان جنسه وقدره بل يكفي اإلطالق وحيمل على التنب واحلشيش ويرجع فيه‬
‫( ‪)2‬‬
‫والعادة " ‪.‬‬ ‫للعرف‬

‫املسألة السابعة ‪:‬‬


‫يف تفسري قوله تعاىل ‪ { :‬وإن أحد من املشـركني اسـتجارك فـأجره حـىت يسـمع كالم اهلل مث‬
‫( ‪)3‬‬
‫أبلغه مأمنه ذلك بأهنم قوم ال يعلمون } ‪.‬‬
‫يقول الرازي (‪ )4‬يف تفسري هذه اآلية ‪ " :‬اعلم أن هذه اآلية تدل على أن التقليد غري كاف‬
‫يف الدين ‪ ,‬وأنه ال بد من النظر واالستدالل ‪ ,‬وذلك ألنه لو كان التقليد كافيًا ‪ ,‬لوجب‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هناية احملتاج إىل شرح املنهاج يف الفقه على مذهب اإلمام الشافعي ‪ ,‬لشمس الدين حممد بن أيب العباس أمحد‬
‫بن محزة بن شهاب الدين الرملي املنويف املصري األنصاري الشهري بالشافعي الصغري ‪ , )8/86( ,‬الناشر ‪ :‬شركة‬
‫مكتبة ومطبعة مصطفى البايب احلليب وأوالده مبصر ‪ ,‬الطبعة األخرية ‪1386 ,‬هـ ‪1967 ,‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زاد احملتاج ‪ ,‬للكوهجي ‪ , )4/348( ,‬ط‪. 1‬‬
‫(‪ )3‬سورة التوبة اآلية رقم ‪. )6( :‬‬

‫‪254‬‬
‫(‪ )4‬هو حممد بن عمر بن احلسني الرازي الشافعي ‪ ,‬كنيته ‪ :‬أبو عبد اهلل ‪ ,‬ويلقب بفخر الدين ‪ ,‬ولد بالري ‪ ,‬ويعد‬
‫من أكابر املتكلمني واألصوليني ‪ ,‬وله عدة مؤلفات منها ‪ :‬احملصول واملنتخب والتفسري الكبري وغريها ‪ .‬انظر ‪:‬‬
‫األعالم ‪ ,‬للزركلي ‪. )6/312( ,‬‬
‫أن ال ميهل هذا الكافر ‪ ,‬بل يقال له إما أن تؤمن وإما أن نقتلك ‪ ,‬فلما مل يقل له ذلك بل‬
‫أمهلناه وأزلنا اخلوف عنه ووجب علينا أن نبلغه مأمنه ‪ ,‬علمنا أن ذلك إمنا كان ألجل أن‬
‫التقليد يف الدين غري كاف بل البد من احلجة والدليل فأمهلناه وأخرناه ليحصل له مهلة‬
‫النظر واالستدالل ‪ ,‬إذا ثبت هذا فنقول ‪ :‬ليس يف اآلية ما يدل على مقدار هذه املهلة ‪,‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ولعله ال يعرف مقدارها إال بالعرف " ‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫(‪ )1‬التفسري الكبري ‪ ,‬للرازي ‪. )5/530( ,‬‬

‫املطلب الرابع‬
‫أثر العرف الدويل يف الفقه احلنبلي‬
‫ال خيتل ــف احلنابل ــة عن نظ ــرائهم يف املذاهب األخ ــرى يف اعتب ــارهم للع ــرف ال ــدويل وبن ــائهم‬
‫كثــريًا من األحكــام املتعلقــة بــاألمور الدوليــة عليــه ‪ ,‬وإليــك بعضـًا من املســائل الــيت بنــوا فيهــا‬
‫أحكامهم عليه ‪:‬‬

‫املسألة األوىل ‪:‬‬


‫" وأمان أحـد الرعيـة للواحـد والعشـرة بال نـزاع وللقافلـة وكـذا احلصـن ‪ ,‬واملراد بالقافلـة إذا‬
‫( ‪)1‬‬
‫كانت صغرية وكذا إذا كان احلصن صغريًا يعين عرفًا " ‪.‬‬
‫وقيل يف موضع آخر ‪ " :‬ويصح األمان من مسـلم عاقـل خمتـار غـري سـكران ولـو قنـا أو أنـثى‬
‫بال ضــرر يف عشــر ســنني فأقــل منج ـزًا أو معلق ـًا من إمــام جلميــع املشــركني ومن أمــري ألهــل‬
‫( ‪)2‬‬
‫بلدة جعل بإزائهم ومن كل أحد لقافلة وحصن صغريين عرفًا " ‪.‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫وزاد صاحب الكشاف بقوله ‪ :‬وهو ظاهر كالم كثري من األصحاب ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف على مذهب اإلمـام أمحد بن حنبـل ‪ ,‬لإلمـام عالء الـدين أيب احلسـن علي‬
‫بن س ـ ــليمان بن أمحد املرداوي الس ـ ــعدي احلنبلي ‪ , )4/192( ,‬حتقي ـ ــق ‪ :‬أيب عبـ ــد اهلل حمم ـ ــد حس ـ ــن حمم ـ ــد إمساعيل‬
‫الشافعي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬منشورات حممد علي بيضون ‪ ,‬دار الكتب العلمية يف بريوت ‪ ,‬ط‪1418 , 1‬هـ ‪1997 ,‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬حاشية الروض املربع ‪ ,‬لعبد الرمحن بن حممد بن قاسم العاصمي النجدي ‪ , )4/298( ,‬ط‪1398 , 1‬هـ ‪,‬‬
‫وشرح منتهى اإلرادات ‪ ,‬للبهويت ‪ , )3/79( ,‬حتقيق ‪ :‬عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة الرسالة‬
‫‪ ,‬ط‪1421 ,1‬هـ ‪2000 ,‬م ‪ .‬ونيل املآرب لعبد اهلل بن عبد الرمحن آل بسام ‪ , )2/561( ,‬الناشر ‪ :‬النهضة‬
‫احلديثة مبكة ‪ ,‬ط‪. 2‬‬
‫(‪ )3‬كشاف القناع ‪ ,‬للبهويت ‪ , )2/424( ,‬حتقيق ‪ :‬حممد أمني الضناوي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬عامل الكتب يف بريوت ‪ ,‬ط‪1‬‬
‫‪1417 ,‬هـ ‪1997‬م ‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫املسألة الثانية ‪:‬‬
‫" ومن دخــل دار اإلســالم بغــري أمــان وادعى أنــه رســول أو تــاجر ومعــه متــاع يبيعــه قبــل منــه‬
‫‪.‬وه ــذا مقي ــد ب ــأن تص ــدقه ع ــادة ‪ ,‬وه ــذا املذهب نص علي ــه وج ــزم ب ــه يف الوج ــيز واملغ ــين‬
‫والشــرح وغــريهم ‪ ,‬أمــا إذا مل يعــرف بتجــارة ومل يشــبههم أو كــان معــه آلــة حــرب مل يقبــل‬
‫منه وحيبس حىت يتبني أمره ‪ ,‬قلت وهو الصواب ويعمــل يف ذلــك بــالقرائن ‪ .‬وعلى املذهب‬
‫إن مل تصدقه عادة أو مل يكن معه جتارة وادعى أنه جاء مســتأمنًا فهــو كاألســري خيري اإلمــام‬
‫( ‪)1‬‬
‫فيه على ما تقدم ‪.‬‬
‫املسألة الثالثة ‪:‬‬
‫" وال يدخل أحد منهم إلينا إال بإذن على الصحيح من املذهب ‪.‬‬
‫وقال يف الرتغيب ‪ :‬دخوله لسفارة أو لســماع قــرآن بال عقــد ال لتجــارة على األصــح فيهمــا‬
‫( ‪)2‬‬
‫بال عادة ‪.‬‬
‫املسألة الرابعة ‪:‬‬
‫" وال يقطــع شــجرهم وال حيرق زرعهم إال أن يكونــوا يفعلــون ذلــك يف بالدنــا فيفعــل ذلــك‬
‫هبم لينتهوا ‪.‬‬
‫ومجلته أن الشجر والزرع ينقسم ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫أح ــدها ‪ :‬م ــا ت ــدعوا احلاج ــة إىل إتالف ــه كال ــذي يق ــرب من حص ــوهنم ومين ــع من قت ــاهلم أو‬
‫يسرتون بـه من املسـلمني أو حيتــاج إىل قطعـة لتوسـعة طريـق أو متكن من قتـل أو سـد بثـق أو‬
‫إصالح طريق أو ستارة منجنيق أو غريه ‪.‬‬
‫فإن كانوا يفعلون ذلك بنا فيفعل هبم لك لينتهوا فهذا جيوز بغري خالف نعلمه ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬ما يتضرر املسلمون بقطعه لكوهنم ينتفعون ببقائه لعلوفتهم أو يستظلون به أو‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلنصاف ‪ ,‬للمرداوي ‪. )4/194( ,‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق ‪. )4/195( ,‬‬

‫‪257‬‬
‫يــأكلون من مثره أو تكــون العــادة مل جتر بــذلك بيننــا وبني عــدونا فــإذا فعلنــاه هبم فعلــوه بنــا‬
‫فهذا حيرم ملا فيه من اإلضرار باملسلمني ‪.‬‬
‫الث ــالث ‪ :‬ماع ــدا ه ــذين القس ــمني مما ال ض ــرر في ــه باملس ــلمني وال نف ــع س ــوى غي ــظ الكف ــار‬
‫واإلضرار هبم ففيه روايتان ‪:‬‬
‫أحدمها ‪ :‬ال جيوز ألن فيه إتالفًا حمضًا فلم جيز كعقر احليوان ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬جائز لقوله تعاىل ‪ { :‬ما قطعتم من لينـة أو تركتموهـا قائمـة على أصـوهلا فبـإذن اهلل‬
‫( ‪)2‬‬
‫وليخزي الفاسقني } (‪." )1‬‬

‫املسألة اخلامسة ‪:‬‬


‫" واملأخوذ منهم اجلزيـ ـ ـ ــة على ثالث طبقـ ـ ـ ــات فيؤخـ ـ ـ ــذ من أدوهنم اثنـ ـ ـ ــا عشـ ـ ـ ــر درمهًا ومن‬
‫أوسطهم أربعة وعشرون درمهًا ومن أيسرهم مثانية وأربعون درمهًا ‪.‬‬
‫إىل قول ـ ــه ‪ :‬وح ـ ــد اليس ـ ــار يف حقهم م ـ ــا ع ـ ــده الن ـ ــاس غ ـ ــىن يف الع ـ ــادة وليس مبق ـ ــدر ؛ ألن‬
‫( ‪)3‬‬
‫والعرف " ‪.‬‬ ‫التقديرات باهبا التوقيف وال توقيف يف هذا فريجع فيه إىل العادة‬
‫املسألة السادسة ‪:‬‬
‫قــال صــاحب املغــين ‪ " :‬وليس ألهــل احلرب دخــول دار اإلســالم بغــري أمــان ؛ ألنــه ال يــؤمن‬
‫أن يدخل جاسوسًا أو متلصصـًا فيضـر باملسـلمني فـإن دخـل بغـري أمـان سـئل فـإن قـال جئت‬
‫رسوًال فالقول قوله ؛ ألنه تتعذر إقامة البينة على ذلك ‪ ,‬ومل تزل الرسل تأيت من غــري تقــدم‬
‫أمان ‪ ,‬وإن قال جئت تـاجرًا نظرنـا فـإن كـان معـه متـاع يبيعـه قبـل قولـه أيضـًا وحقن دمـه ؛‬
‫ألن الع ــادة جاري ــة ب ــدخول جتارهم إلين ــا وجتارن ــا إليهم ‪ ,‬وإن مل يكن مع ــه م ــا يتج ــر ب ــه مل‬
‫يقب ــل قول ــه ؛ ألن التج ــارة ال حتص ــل بغ ــري م ــال ‪ ,‬وك ــذلك م ــدعي الرس ــالة إذا مل يكن مع ــه‬
‫( ‪)4‬‬
‫رسالة يؤديها أو كان ممن ال يكون مثله رسوال " ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة احلشر ‪ ,‬اآلية رقم ‪. )5( :‬‬
‫(‪ )2‬املغين ‪ ,‬ملوفق الدين ابن قدامة ‪. )9/234( ,‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق ‪. )9/268( ,‬‬
‫(‪ )4‬املصدر السابق ‪. )9/281( ,‬‬

‫‪258‬‬
‫وقال يف موضع آخر ‪" :‬إذا دخل حـريب دار اإلسـالم بغـري أمـان نظـرت فـإن كـان معـه متـاع‬
‫( ‪)1‬‬
‫يبيعه يف دار اإلسالم وقد جرت العادة بدخوهلم إلينا جتارًا بغري أمان مل يعرض هلم " ‪.‬‬
‫وقال صـاحب الشـرح الكبـري ‪ " :‬إذا دخـل حـريب دار اإلسـالم بغـري أمـان وادعى أنـه رسـول‬
‫قبــل منــه ومل جيز التعــرض لــه لقــول النــيب صــلى اهلل عليــه وســلم ‪ ( :‬لــوال أن الرســل ال تقتــل‬
‫لضربت أعناقكما ) ؛ وألن العادة جارية بذلك وإن ادعى أنه تاجر وقد جرت العادة‬ ‫( ‪)2‬‬

‫بدخول جتارهم إلينا مل يعرض لــه إذا كــان معــه مــا يبيعــه ألهنم دخلـوا يعتقــدون األمــان أشــبه‬
‫( ‪)3‬‬
‫ما لوا دخلوا بإشارة مسلم " ‪.‬‬

‫وقــال أيضـًا صـاحب الكــايف ‪ " :‬وأمــا الفعــل فــإذا دخـل احلريب دار اإلســالم رســوال أو تــاجرا‬
‫وقــد جــرت العــادة بــدخول جتارهم إلينــا كــان أمانــا لــه ومل جيز التعــرض لــه لقولــه صــلى اهلل‬
‫؛ وألهنم دخلــوا يعتقــدون‬ ‫( ‪)3‬‬
‫عليــه وســلم ‪ ( :‬لــوال أن الرســل ال تقتــل لضــربت أعناقكمــا )‬
‫األمان فأشبه ما لو دخلوا بإشارة املسلم ‪.‬‬
‫وإن دخل مسلم دار احلرب رسوًال أو تاجرًا وقد جــرت العادة بــدخول جتارنــا إليهم صــار‬
‫يف أمــاهنم وصــاروا يف أمــان منــه ؛ ألن األمــان إذا انعقــد من أحــد الطــرفني انعقــد من اآلخــر‬
‫فال حتل له خيانتهم يف أمواهلم وال معاملتهم بالربا ؛ ألن من حـرم مالــه عليــك ومالــك عليــه‬
‫(‪)4‬‬
‫حرمت معاملته بالربا كاملسلم يف دار اإلسالم ‪.‬‬

‫وقال صاحب احملرر ‪ " :‬وإذا دخل حريب دار اإلسالم بغـري عقـد أمـان فـادعى أنـه رسـول أو‬
‫( ‪)5‬‬
‫تاجر ومعه متاع يبيعه والعادة دخول جتارهم إلينا قبل منه وأومن " ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬املصدر السابق ‪. )9/199( ,‬‬
‫(‪ )2‬سبق ختريج هذا احلديث يف (ص‪. )53‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبري ‪ ,‬لشمس الدين ابن قدامة ‪. )5/594( ,‬‬
‫(‪ )4‬الكايف ‪ ,‬ملوفق الدين ابن قدامة ‪. )5/566( ,‬‬
‫(‪ )5‬احملرر ‪ ,‬جملد الدين أيب الربكات ‪. )2/181( ,‬‬

‫‪259‬‬
‫وق ــال ص ــاحب ش ــرح منتهى اإلرادات ‪ " :‬ومن ج ــاء بال أم ــان وادعى أن ــه رس ــول أو ت ــاجر‬
‫( ‪)1‬‬
‫ومعه ما يبيعه وصدقته عادة قبل منه ما ادعاه نصًا وإال تصدقه عادة فكأسري " ‪.‬‬
‫وقال يف كتاب آخر ‪ " :‬ومن دخل منهم دار اإلسالم بغري أمان وادعى أنه رسول أو تاجر‬
‫ومع ــه مت ــاع يبيع ــه قب ــل من ــه إن ص ــدقته عــادة ك ــدخول جتارهم إلين ــا وحنوه ‪ ,‬ألن م ــا ادع ــاه‬
‫ممكن فيكون شبهة يف درء القتل وألنه يتعذر إقامة البينة على ذلـك فال يتعـرض لـه وجلريـان‬
‫الع ــادة جمرى الش ــرط وإال ف ــإن انتفت الع ــادة وجب بق ــاؤه على م ــا ك ــان علي ــه من ع ــدم‬
‫العصمة وكذا إن مل يكن معه جتارة مل يقبل منـه إذا قـال جئت متسأنسـًا ؛ ألنــه غـري صـادق‬
‫وحينئذ فيكون كأسري " ‪ )2( .‬ولكن العرف اليـوم اختلـف ‪ ,‬فـإذا كـان يف السـابق ال يصـدق‬
‫من ي ــدعي أن ــه قص ــد الس ــفر جملرد االس ــتئناس ‪ ,‬فإن ــه يف ع ــامل الي ــوم ‪ ,‬وم ــع س ــرعة وس ــهولة‬
‫املواصالت ال يستغرب ويصدق يف دعواه ‪ ,‬ولـذا قيـل ال ينكـر تغـري األحكـام بتغـري األزمـان‬
‫وذلك لتغري األعراف من زمن لزمن ومن مكان ملكان ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح منتهى اإلرادات ‪ ,‬للبهويت ‪. )3/81( ,‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع ‪ ,‬للبهويت ‪. )2/427( ,‬‬

‫‪260‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون الدويل العام‬

‫ويشتمل على املطالب اآلتية ‪:‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬أثر العرف الــدويل يف القــانون‬


‫الدويل العام العريف‬
‫املطلب الث ـ ـ ـ ـ ــاين ‪ :‬أث ـ ـ ـ ـ ــر الع ـ ـ ـ ـ ــرف ال ـ ـ ـ ـ ــدويل يف‬
‫املعاهدات الدولية‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬أثر العرف الدويل يف احملاكم‬

‫‪261‬‬
‫المطلب األول‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون الدويل العام‬
‫العريف‬
‫ويشتمل على الفروع اآلتية ‪:‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬أثر العرف الدويل يف القانون الدبلوماسي‬


‫الفرع الثاين ‪ :‬أثر العرف الدويل يف القانون البحري‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬أثر العرف الدويل يف القانون الفضائي‬
‫الف ــرع الراب ــع ‪ :‬أث ــر الع ــرف ال ــدويل يف الق ــانون التج ــاري‬
‫الدويل‬
‫الفـ ــرع اخلامس ‪ :‬أثـ ــر العـ ــرف الـ ــدويل يف القـ ــانون الـ ــدويل‬
‫حلقوق اإلنسان‬

‫الفرع األول‬

‫‪262‬‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون الدبلوماسي‬

‫يلعب الع ــرف ال ــدويل دورًا مهمـ ـًا يف حتدي ــد مص ــادر الق ــانون الدبلوماس ــي ‪ ,‬حيث ب ــرزت‬
‫مالحمه يف الئح ــة فيين ــا من خالل تق ــنني بعض القواع ــد املتعلق ــة بتص ــنيف وت ــرتيب درج ــات‬
‫املمثلني الدبلوماسـ ــيني ‪ ,‬وكـ ــذلك بعض األمـ ــور املتعلقـ ــة بوصـ ــول ومغـ ــادرة أعضـ ــاء البعثـ ــة‬
‫( ‪)1‬‬
‫الدبلوماسية ‪.‬‬
‫ولقد أصبح للدبلوماسية قانون مكتوب وملزم وهو عبارة عن اتفاقية العالقات الدبلوماسية‬
‫الدائمــة لعــام ‪1961‬م واتفاقيــة العالقــات القنصــلية لعــام ‪1963‬م وغريهــا من االتفاقيــات ‪.‬‬
‫وهــذا القــانون املكتــوب ال يلغي أو يهمــل قواعــد العــرف الــدويل الــذي ينظم املســائل الــيت مل‬
‫(‪)2‬‬
‫تنظمها صراحة أحكام هذه االتفاقيات ‪.‬‬
‫وقـ ــد أكـ ــدت مقدمـ ــة اتفاقيـ ــة فيينـ ــا لعـ ــام ‪1961‬م على ترابـ ــط القواعـ ــد القانونيـ ــة املكتوبـ ــة‬
‫والعرفيــة ‪ ,‬حيث اعتــربت أن القواعــد املكتوبــة والعرفيــة تشــكالن مصــدرين إلنشــاء قواعــد‬
‫القــانون الدبلوماســي ميلكــان ذات القــوة اإللزاميــة ‪ ,‬باإلضــافة إىل أن هــذه االتفاقيــة أبــرزت‬
‫أولوية وأمهية القواعد املكتوبة يف تطوير وتقدم القانون الدبلوماسي دون أن تستبعد العــرف‬
‫واستمراره يف تنظيم املسائل اليت مل تنظمها صراحة أحكام هذه االتفاقية ‪ ,‬ويربز هنا الدور‬
‫( ‪)3‬‬
‫األول للقواعد املكتوبة ودور العرف الثاين كمصدرين لقواعد القانون الدبلوماسي ‪.‬‬
‫ويظهــر أثــر العــرف الــدويل يف حصــانات وامتيــازات رئيس الدولــة ‪ ,‬حيث يتمتــع بنظــام من‬
‫احلصــانات واالمتيــازات الدوليــة والدبلوماســية ال تشــمل فقــط شخصــه بــل أســرته وحاشــيته‬
‫أيضًا ‪ ,‬وتستمد أصوهلا وقواعدها من احلصانة اليت يقرها القانون الدويل للدول ‪,‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬الدبلوماسية ‪ ,‬للدكتور علي حسني الشامي (ص‪ , )93‬الناشر ‪ :‬دار العلم للماليني ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املصدر السابق (ص ‪. )114‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املصدر السابق (ص ‪. )180‬‬
‫وعلى الرغم من أن هذه احلصانات واالمتيازات هي أقل من احلصانة اليت تتمتع هبا الدول‬

‫‪263‬‬
‫فهـ ــو يتمتـ ــع هبا حبكم العـ ــرف والتقاليـ ــد بوصـ ــفه ممثًال للدولـ ــة ‪ ,‬حيث يقـ ــوم بتـ ــأمني بعض‬
‫وظائفهـ ــا على الصـ ــعيد الـ ــدويل ‪ ,‬ومن ذلـ ــك يتمتـ ــع الـ ــرئيس على أرض أجنبيـ ــة بعـ ــدد من‬
‫احلصــانات ‪ ,‬منهــا ‪ :‬اإلعفــاء من كــل ضــريبة ورســم مجركي أو رســم دخــول وكــذلك من‬
‫إعف ــاء الش ــرطة احمللي ــة والقض ــاء اإلقليمي وه ــذه احلص ــانات هي نتيج ــة الس ــتقالل الدول ــة ‪,‬‬
‫وك ــذا ال جيوز إلق ــاء القبض علي ــه وال اعتقال ــه ومين ــع أي اعت ــداء على شخص ــه أو حريت ــه أو‬
‫( ‪)1‬‬
‫كرامته ‪.‬‬
‫إن رئيس الدول ــة ال يتمت ــع باحلص ــانات واالمتي ــازات املق ــررة يف اتفاقي ــة ‪1969‬م ب ــل يتمت ــع‬
‫( ‪)2‬‬
‫باحلصانات واالمتيازات املقررة فقط يف القانون الدويل العريف ‪.‬‬
‫أم ــا بالنس ــبة لألش ــخاص ذوي ال ــرتب العالي ــة ك ــرئيس ال ــوزراء ووزي ــر اخلارجي ــة فيمنح ــون‬
‫تسهيالت وحصـانات حبسـب االتفاقيـة املقـررة عـام ‪1969‬م وال مينـع من معـاملتهم بشـكل‬
‫(‪)3‬‬
‫أفضل مما تتطلبه أحكام هذه االتفاقية إذا جرى العرف بذلك ‪.‬‬
‫ه ــذا ويقض ــي الع ــرف ال ــدويل ب ــأن رئيس الدول ــة مهم ــا يكن وص ــفه ولقب ــه ه ــو العض ــو الع ــام‬
‫للدولة يف مجيع عالقاهتا الدولية مع سـائر أشـخاص القـانون الـدويل العـام ‪ ,‬والقاعـدة العرفيـة‬
‫الدوليــة الــيت تقــرر هــذا املبــدأ العــام قاعــدة ثابتــة جممــع عليهــا يف الفقــه والقضــاء الــدوليني وقــد‬
‫ظهرت هذه القاعدة واستقرت منذ نشأة الدولة واستقرارها وقيام الـرئيس فيهـا بتشخيصـها‬
‫تشخيصـًا كــامًال يف الــدائرتني الداخليــة والدوليــة معـًا ‪ ,‬وتســتتبع هــذه القاعــدة أن تقــوم كــل‬
‫دولة بإبالغ سائر الدول األخرى رمسيًا باسم الشخص الــذي يتــوىل رئاســتها وألقابــه وكافــة‬
‫التغ ــريات ال ــيت تط ــرأ عليه ــا أو على رئاس ــة الدول ــة ‪ ,‬وذل ــك توطئ ــة الع ــرتاف س ــائر ال ــدول‬
‫األخرى بكل ذلك ‪ ,‬واإلبالغ واالعرتاف يف هذه احلالة يهـدفان إىل غـرض ظــاهر هـو إنبـاء‬
‫الدول وإعالمها بشخص العضو األعلى للدولة ‪ ,‬أي اإلرادة اليت وقع عليها اختيار الدولة‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬املصدر السابق (ص ‪ , )117‬وانظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي صادق أبوهيف ‪( ,‬ص‪. )482‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬الدبلوماسية ‪ ,‬للشامي ‪( ,‬ص ‪ )134‬وانظر ‪ :‬الدبلوماسية ‪ ,‬خلالد الشيخ ‪1999 , )1/160( ,‬م ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬الدبلوماسية للشامي ‪( ,‬ص‪ , )143‬وانظر ‪ :‬الدبلوماسية ‪ ,‬خلالد الشيخ ‪. )1/166( ,‬‬

‫‪264‬‬
‫للتعبري عن إرادهتا يف عالقاهتا مع سائر أشخاص القانون الدويل وما قد يقع عليها من تغيــري‬
‫( ‪)1‬‬
‫وتبديل ‪.‬‬
‫وملا كــان وزيــر اخلارجيــة هــو العضــو العــادي للدولــة يف الشــؤون الدوليــة فقــد جــرى العــرف‬
‫( ‪)2‬‬
‫الدويل على أن تقوم كل دولة بإبالغ الدول األخرى باسم من عينته وزيرًا خلارجيتها ‪.‬‬
‫ويظهر أثر العرف الدويل أيضـًا يف التبـادل الدبلوماسـي واالعـرتاف بالدولـة اجلديـدة ‪ ,‬حيث‬
‫ج ــرى الع ــرف ال ــدويل على أن الدول ــة الكامل ــة الس ــيادة واالس ــتقالل ال ميكن هلا أن متارس‬
‫التب ــادل الدبلوماس ــي إذا مل تع ــرتف ال ــدول األخ ــرى هبا ‪ ,‬وذل ــك على ال ــرغم من متتعه ــا حبق‬
‫التمثيل الدبلوماسي الذي يعترب حقًا من حقوق الدولة السيدة املستقلة ‪ .‬إن جمرد اســتكمال‬
‫الدولـة لعناصـرها ال يكفي إلقامـة العالقـات الدبلوماسـية ‪ ,‬بـل البــد من هـذا االعــرتاف حـىت‬
‫تتمت ـ ــع ب ـ ــاحلقوق والواجب ـ ــات والص ـ ــالحيات الداخلي ـ ــة والدولي ـ ــة وال ـ ــيت هي نتيج ـ ــة حتمي ـ ــة‬
‫( ‪)3‬‬
‫الكتساهبا الشخصية القانونية الدولية ‪.‬‬
‫ويظهــر أثــر العــرف الــدويل كــذلك يف التبــادل الدبلوماســي والــنزاع املســلح الــداخلي ‪ ,‬فقــد‬
‫يــدفع تطــور األحــداث إىل تفجــر نــزاع مســلح يهــدف إىل قلب نظــام احلكم واالنفصــال عن‬
‫الدولة القائمة فإذا مل تستطع الدولة قمع هذا التمرد فتربز حينئذ حالتني ‪:‬‬
‫األوىل ‪ :‬حالــة توقــف الــنزاع املســلح بانتصــار املتمــردين أو الثــوار وقيــام حكــومتهم كبــديل‬
‫للحكوم ــة القدمية ‪ ,‬فــالعرف ال ــدويل يأخــذ يف ه ــذه احلال ــة مبعي ــار الس ــلطة الفعلي ــة لالع ــرتاف‬
‫باحلكوم ــة اجلدي ــدة ال ــيت تظه ــر نتيج ــة انقالب أو ث ــورة على اعتب ــار أن ال ــنزاع املس ــلح بني‬
‫احلكومــة القدمية واحلكومــة اجلديــدة توقــف لصــاحل هــذه األخــرية الــيت أصــبحت اهليئــة الفعليــة‬
‫اليت متارس سلطة الدولة على كامل إقليمها ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر أحكام القانون الدويل يف الشريعة اإلسالمية ‪ ,‬لألستاذ الدكتورحامد سلطان ‪( ,‬ص‪ , )187‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫النهضة العربية يف القاهرة ‪1970 ,‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )196‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬الدبلوماسية للشامي ‪. )186( ,‬‬

‫‪265‬‬
‫الثاني ــة ‪ :‬حال ــة اس ــتمرار احلرب األهلي ــة وقي ــام حكوم ــيت ‪,‬ن ف ــإن الع ــرف ال ــدويل ينظ ــر إىل‬
‫مسألة االعرتاف حبالة التحارب أو بالثوار من أنه ال يشكل قاعدة ملزمة حــىت وإن اعــرتفت‬
‫( ‪)1‬‬
‫احلكومة القانونية هبم كمحاربني ‪.‬‬
‫ويظهــر أثــر العــرف الــدويل أيض ـًا يف أنــه حيق للموظــف القنصــلي بعــد إعالن الدولــة املعتمــد‬
‫لـ ــديها التمتـ ــع باالمتيـ ــازات واحلصـ ــانات العائـ ــدة ملثـ ــل هـ ــذا التمثيـ ــل وفق ـ ـًا للعـ ــرف الـ ــدويل‬
‫واالتفاق ـ ــات الدولي ـ ــة ‪ ,‬وذل ـ ــك م ـ ــع اس ـ ــتمراره ب ـ ــالتمتع فق ـ ــط مبا يتعل ـ ــق بأعمال ـ ــه القنص ـ ــلية‬
‫( ‪)2‬‬
‫باالمتيازات واحلصانات املقررة للموظفني القنصليني وفقا هلذه االتفاقية ‪.‬‬
‫ولعـل النظـام القـانوين للمبعـوثني الدبلوماسـيني هـو أول النظم الدوليـة القانونيـة الـيت تـدعمت‬
‫عن طري ــق الع ــرف وظلت تس ــتند إلي ــه مباش ــرة ح ــىت ال ــوقت احلاض ــر وق ــد ثبت ه ــذا الع ــرف‬
‫واس ــتقر من زمن بعي ــد وأص ــبح مس ــلما ب ــه من كاف ــة ال ــدول تتبع ــه وحترتم ــه دون حاج ــة إىل‬
‫تدوين ــه يف اتف ــاق أو معاه ــدة وتأخ ــذ ب ــه الق ــوانني الداخلي ــة وأحك ــام احملاكم باعتب ــاره ق ــانون‬
‫ثابت ال نزاع فيه ‪)3( .‬‬

‫ويظهــر أثــر العــرف الــدويل يف حتديــد مقــر البعثــة حيث جــرى العــرف على أن يكــون مركــز‬
‫( ‪)4‬‬
‫البعثة يف عاصمة الدولة املعتمد لديها ‪.‬‬
‫ومن الوســائل الــيت أقرهــا العــرف الــدويل الــيت تقــوم هبا الدولــة عنــد وجــود خمالفــة من البعثــة‬
‫الدبلوماسية االستدعاء أو اعتبار املوظــف غـري مرغـوب فيـه واالبتعـاد عن التفـتيش أو احلجـز‬
‫( ‪)5‬‬
‫أو االستيالء وحنو ذلك ‪.‬‬
‫ويظهر أثر العرف الدويل يف حتديد كتاب االعتماد ‪ ,‬فعلى اعتبار أن منصب رئيس البعثة‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )192‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )202‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي صادق أبوهيف ‪( ,‬ص‪. )485‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬الدبلوماسية ‪ ,‬للشامي ‪( ,‬ص‪ , )217‬وانظر ‪ :‬الدبلوماسية ‪ ,‬خلالد الشيخ ‪. )1/232( ,‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬الدبلوماسية ‪ ,‬للشامي ‪( ,‬ص‪. )453‬‬

‫‪266‬‬
‫يشـكل أمهيـة بالغـة يف التمثيـل الدبلوماسـي ‪ ,‬وعلى اعتبـار أن رئيس البعثـة معتمـد من رئيس‬
‫دولتــه لــدى رئيس الدولــة ‪ ,‬وعلى اعتبــار أن رئيس البعثــة ال يســتطيع مباشــرة وظائفــه إذا مل‬
‫يكن م ــزود بكت ــاب اعتم ــاد يقدم ــه أو يق ــدم ص ــورة طب ــق األص ــل عن ــه ل ــدى وزارة خارجي ــة‬
‫الدولــة املعتمــد لــديها تــبني صــفته ورتبتــه وتتضــمن حســن وفادتــه ‪ ,‬ومبا أن كتــاب االعتمــاد‬
‫يعــرب عن التقــاء إرادة الــدول يف إقامــة العالقــة الدبلوماســية الدائمـة ‪ ,‬فقــد جـرى العــرف على‬
‫أن يبقى كتاب االعتماد صاحلا طاملا مل يطرأ أي تعديل ميس بنية وشخصـية الدولـة أو تغيـري‬
‫( ‪)1‬‬
‫يف دستورها ونظامها أو قيام حكومة جديدة بفعل ثورة أو انقالب ‪.‬‬
‫إن العــرف املتبــع اآلن وحرص ـًا على وقت الدولــة الثمني أن يتم تســليم اخلطــاب دون قــراءة‬
‫وأن يتسلم الرد بنفس الطريقة على أن يتناول وجبمل قصرية وسريعة قبيل تقدمي خطاب‬
‫االعتماد مضمون خطابه مع الرتكيز على قرار تعيينـه ‪ ,‬وعلى رفـع عبـارات التحيـة واجملاملـة‬
‫باس ــم رأس دولت ــه ‪ ,‬وتأكي ــد حرصــه على إجناح مهمت ــه وبن ــاء عالق ــات متين ــة وقوي ــة ومنهي ـًا‬
‫ذلك بتقدمي متنياته لرئيس الدولة وحكومته وشـعب بالده بـدوام الصـحة والتقـدم واالزدهـار‬
‫وتتم هذه املراسم عادة حبضور طاقم من رئاسة الدولة وحبضور وزير اخلارجيــة أو غــريه من‬
‫مسئويل الوزارة الكبار إضافة ملدير املراسم والشخصــيات األخــرى املهمــة يف ديــوان الرئاســة‬
‫( ‪)2‬‬
‫ومسئويل القسم اجلغرايف ‪.‬‬
‫وق ــد ج ــرى الع ــرف ال ــدويل أن مينح رئيس الدول ــة فرص ــة قص ــرية للمبع ــوث للتح ــدث مع ــه‬
‫وتنــاول الشــاي مثًال ‪ ,‬حيث يتم أثناءهــا تنــاول حــديث عــام ال يتطــرق أليــة قضــايا ثنائيــة أو‬
‫سياســية ‪ ,‬إال إذا أشــار رئيس الدولــة لــذلك بقصــد الســؤال واالستفســار ‪ ,‬ويصــبح املبعــوث‬
‫( ‪)3‬‬
‫حلظتها معتمد بشكل رمسي حيث حتسب أسبقيته على هذا األساس ‪.‬‬
‫وق ـ ــد ج ـ ــرى الع ـ ــرف ال ـ ــدويل أن تنظم وزارة اخلارجي ـ ــة يف الدول ـ ــة املستض ـ ــيفة حف ـ ــل وداع‬
‫( ‪)4‬‬
‫للمبعوث على شكل غداء أو عشاء رمسي حيث تقدم له هدية تذكارية باسم الوزارة ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬الدبلوماسية للشامي ‪( ,‬ص‪ , )240‬وانظر ‪ :‬الدبلوماسية ‪ ,‬خلالد الشيخ ‪. )1/236( ,‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬الدبلوماسية ‪ ,‬خلالد الشيخ ‪. )1/236( ,‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪. )1/242( ,‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪. )1/247( ,‬‬

‫‪267‬‬
‫أم ــا إذا ك ــان املبع ــوث الدبلوماس ــي جاسوس ـًا فق ــد ج ــرى الع ــرف ال ــدويل بإبع ــاده ‪ ,‬وذل ــك‬
‫( ‪)5‬‬
‫بدوافع صيانة الكرامة الوطنية واحلفاظ على أمنها وسيادهتا ‪.‬‬
‫ويشـ ـ ــكل جممـ ـ ــوع رؤسـ ـ ــاء البعثـ ـ ــات الدبلوماسـ ـ ــية املعتمـ ـ ــدة يف دولـ ـ ــة مـ ـ ــا وكافـ ـ ــة املوظفني‬
‫الدبلوماس ــيني الع ــاملني يف بعث ــات الدول ــة األجنبي ــة إط ــارًا يس ــمى الس ــلك الدبلوماس ــي وه ــو‬
‫إطــار مســتقل عن الســلك القنصــلي الــذي قــد يكــون متواج ـدًا يف عاصــمة الدولــة املستضــيفة‬
‫وال عالقــة لــه بــه ‪ ,‬ويقــف على رأس هــذا اإلطــار أقــدم رئيس بعثــة مقيم يف عاصــمة الدولــة‬
‫املستضــيفة والــذي يطلــق عليــه لقب عميــد الســلك الدبلوماســي ومنصــب عميــد الســلك هــو‬
‫منص ـ ــب اعتب ـ ــاري ال وظيفي ول ـ ــذا ال يوج ـ ــد م ـ ــا يقنن مه ـ ــام عمل ـ ــه ووظيفت ـ ــه وإن ك ـ ــانت‬
‫األعـ ــراف والتقاليـ ــد جتعلـ ــه خياطب قضـ ــايا عامـ ــة تتعلـ ــق باملراسـ ــم واالحتفـ ــاالت فقـ ــط دون‬
‫اســتغالل املنصــب سياســيًا ‪ ,‬فالعميــد هــو النــاطق باســم زمالئــه يف املناســبات العامــة يتقــدمهم‬
‫يف االحتف ــاالت الرمسية ويق ــدمهم ل ــرئيس الدول ــة املستض ــيفة ‪ ,‬إال أن ــه ال يس ــتطيع التح ــدث‬
‫باس ــم أي ــة دول ــة أو توض ــيح سياس ــاهتا م ــا ع ــدا دولت ــه باعتب ــاره ممثله ــا الرمسي ‪ ,‬إال إذا طلب‬
‫رئيس البعث ــة من ــه ذل ــك ‪ ,‬والعمي ــد أيض ـًا عب ــارة عن حلق ــة الوص ــل بني البعث ــات الدبلوماس ــية‬
‫( ‪)1‬‬
‫واملراسم يف األمور املتعلقة بالتشريفات ومالحقة تظلمات البعثات ‪.‬‬
‫ومن آثار العرف الدويل استقراره على ضرورة توافر شروط ثالثة الكتساب امللكية بطريق‬
‫االستيالء وهي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون اإلقليم غري مملوك لدولة ما ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تضع الدولة املستولية يدها فعال على اإلقليم ‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫‪ -3‬أن تقوم الدولة املستولية بإبالغ الدول األخرى رمسيًا باالستيالء ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪. )1/255( ,‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪. )1/256( ,‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي صادق أبوهيف ‪( ,‬ص‪. )349‬‬

‫‪268‬‬
‫ومن آثــار العــرف الــدويل كــذلك أن اتفاقيــة فيينــا لقــانون املعاهــدات عــام ‪1961‬م مل تــذكر‬
‫بالتفصيل حاالت وأسباب انتهاء املهمة الدبلوماسية ‪ ,‬ومت الرجـوع هلذا العـرف ملعرفـة هـذه‬
‫األسباب وهي ‪:‬‬
‫‪ -1‬األس ــباب املتعلق ــة بش ــخص املبع ــوث الدبلوماس ــي وذل ــك كالوف ــاة واملرض واالس ــتقالة‬
‫الطوعية وحنوها ‪.‬‬
‫‪ -2‬األسباب املتعلقة بالدولة املعتمـدة وذلـك كاسـتدعاء الدولـة مبعوثهـا تعبـريا عن اسـتيائها‬
‫من سياسة الدولة املعتمد لديها ‪.‬‬
‫‪ -3‬األس ــباب املتعلق ــة بالدول ــة املعتم ــد ل ــديها وذل ــك مث ــل كون ــه غ ــري مرغ ــوب في ــه أو غ ــري‬
‫( ‪)1‬‬
‫مقبول وحنو ذلك ‪.‬‬

‫ه ــذا ويق ــر الع ــرف ال ــدويل أن تباش ــر ال ــدول ممارس ــة حقه ــا وص ــالحياهتا يف إقام ــة العالق ــات‬
‫الدبلوماسية وإبرام املعاهدات واالتفاقيات وتعـيني السـفراء وإصـدار اإلجـازات القنصـلية مـع‬
‫إجناز االعرتاف القانوين وال حيتاج الكيان اجلديد ممارسة أية إجراءات تنظيمية لتحقيق هذا‬
‫النوع من االعرتاف وتقدمي طلب للدول من أجـل ذلـك على نفس النمـط الـذي يتطلبـه أمـر‬
‫( ‪)2‬‬
‫إقامة عالقات دبلوماسية بني الدول ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬الدبلوماسية ‪ ,‬للشامي ‪( ,‬ص‪. )314‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬الدبلوماسية ‪ ,‬خلالد الشيخ ‪. )1/150( ,‬‬

‫‪269‬‬
‫الفرع الثاين‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون البحري العريف‬

‫إن التطــورات واملتغــريات قــد آلت بثقلهــا يف اجتاه واحــد مــؤداه أن القواعــد العرفيــة التقليديــة‬
‫فيمـ ــا يتعلـ ــق باسـ ــتخدامات البحـ ــار مل تعـ ــد – يف البعض منهـ ــا – تتفـ ــق واحلقـ ــائق اجلديـ ــدة‬
‫احلاصــلة يف نطــاق العالقــات الدوليــة ‪ ,‬وأنــه يتعني واحلال كــذلك وضــع تنظيم دويل جديــد‬
‫للبحار يبقى على القواعد العرفية القائمة فيما يظـل منهـا صـاحلًا ومالئمـًا للتطـور املشـار إليـه‬
‫ويع ــدل أو يلغى م ــا يتع ــارض منه ــا م ــع اجتاه ــات ه ــذا التط ــور ويض ــع القواع ــد اجلدي ــدة ال ــيت‬
‫( ‪)1‬‬
‫تستجيب ملصاحل الدول فرادى من ناحية وملصاحل اجملتمع الدويل قاطبة من ناحية ثانية ‪.‬‬
‫وال ي ــزال للع ــرف ال ــدويل دور ه ــام يف الق ــانون البح ــري ‪ ,‬وذل ــك راج ــع إىل قل ــة النص ــوص‬
‫التشريعية يف نطاق هذا القـانون وعجزهـا عن مالحقـة حاجيـات املالحـة والتجـارة املتجـددة‬
‫( ‪)2‬‬
‫‪.‬‬
‫ويعترب العرف الدويل األهم تارخييًًُا بني مصادر القانون الــدويل للبحــار ‪ ,‬فقــد كــان ألعــراف‬
‫الــدول البحريــة أثــر رئيســي يف تطــور هــذا القــانون ‪ ,‬كمــا كــان ألعــراف األســاطيل التجاريــة‬
‫والعس ــكرية يف العص ــور املاض ــية أث ــر يف التط ــور الطوي ــل واملعق ــد هلذا الق ــانون ‪ ,‬وذل ــك عن‬
‫طريق النشوء التدرجيي لعدد كبري من القواعد العرفية ‪ ,‬إال أن التطورات احلديثــة يف اجملتمــع‬
‫الدويل والدخول الواسع للدول النامية يف هذا اجملتمع دفع بتــدوين تلــك القواعــد العرفيــة إىل‬
‫األم ــام ‪ ,‬إذ مل يع ــد بإمك ــان ه ــذه ال ــدول النامي ــة القب ــول بالقواع ــد العرفي ــة للق ــانون ال ــدويل‬
‫للبحار اليت نشـأت يف أحضـان الـدول البحريـة الكـربى الـيت أصـبحت مصـاحلها تتعـارض مـع‬
‫مصــاحل الــدول الناميــة ‪ ,‬إال أنــه ورغم هــذا التطــور ال يــزال العــرف حيتــل مرك ـزًا مرموق ـًا بني‬
‫مصادر‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪:‬القانون الدويل للبحار وتطبيقاته يف اململكة ‪ ,‬حملمد عمر مدين‪ , )1/43( ,‬ط‪1417 , 2‬هـ ‪1996 ,‬م‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون البحري ‪ ,‬ملصطفى كمال طه ‪( ,‬ص‪ , )16‬الناشر ‪ :‬الدار اجلامعية ‪1993 ,‬م ‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫القــانون الــدويل للبحــار فوجــود املعاهــدات حــول قــانون البحــار مل مينــع من اســتمرار العمــل‬
‫بعــدد من القواعــد العرفيــة كمــا أن التطــورات احلديثــة أدت إىل نشــوء قواعــد عرفيــة جديــدة‬
‫وهلذا الس ــبب جند أن حمكم ــة الع ــدل الدولي ــة مل تغف ــل الع ــرف ال ــدويل يف قراراهتا يف مي ــدان‬
‫قــانون البحــار فقــد أشــارت إىل العــرف الــدويل يف قضــية اجلرف القــاري لبحــر الشــمال ويف‬
‫قضية املصائد النروجيية ويف قضية حبر أجيه ويف قضية اجلرف القاري بني ليبيا وتونس ‪.‬‬
‫لقد أخذت األعراف الدولية املتعلقة بالقانون الدويل للبحار بالنمو التدرجيي متأثرة إىل حد‬
‫بعيــد بــالقوانني الــيت كــانت تشــرعها املدن والــدول البحريــة لتنظيم شــؤوهنا البحريــة ‪ ,‬ورغم‬
‫أن هذه القوانني هي أعمال قانونية انفرادية ال قيمة هلا على النطاق الــدويل ‪ ,‬إال أن تأثريهــا‬
‫على نشوء القواعد العرفية كان واضحًا جدًا ‪ ,‬فالعمل االنفــرادي املتكــرر واملتطــابق والــذي‬
‫ال يالقي أية معارضة رمسية من دول معينة ينتهي بإنشاء العنصر اخلارجي أو املادي للعــرف‬
‫ال ــدويل ‪ ,‬وأح ــدث مث ــل ميكن إي ــراده يف ه ــذا اخلص ــوص ه ــو التص ــرحيان الل ــذان أص ــدرمها‬
‫الرئيس األمريكي ترومان عـام ‪1945‬م حـول الـثروات احليـة للبحـار وحـول املوارد املعدنيـة‬
‫لقاع وباطن قاع البحار فقد شجع هذان التصرحيان دول أمريكا الالتينية على إصدار عدد‬
‫من الق ـ ــوانني الوطني ـ ــة ملد س ـ ــيادهتا بش ـ ــكل انف ـ ــرادي على مس ـ ــاحات من البحـ ـ ــار اجملاورة‬
‫لس ــواحلها مث انتقلت ه ــذه احلرك ــة إىل إفريقي ــا وآس ــيا مما أنش ــأ قواع ــد عرفي ــة ح ــول اجلرف‬
‫( ‪)1‬‬
‫القاري وحول الثروات احلية يف تلك البحار ‪.‬‬
‫هــذا ولقــد أكــدت حمكمــة العــدل الدوليــة العالقــة بني اتفاقيــات قــانون البحــار وبني العــرف‬
‫ال ــدويل يف مناس ــبات ع ــدة ففي قراره ــا ح ــول قض ــية اجلرف الق ــاري لبح ــر الش ــمال ق ــالت‬
‫احملكمة أن أي حكم يف اتفاقيـة ‪1958‬م يلـزم كافـة أعضـاء اجلماعـة الدوليـة من حيث أنـه‬
‫يتض ــمن أو جيس ــد قاع ــدة من قواع ــد الق ــانون الع ــريف املوج ــودة س ــابقا أو ال ــيت هي يف طري ــق‬
‫النشوء ‪.‬‬
‫ويف قراره ــا يف قض ــية املص ــائد النروجيي ــة ق ــالت أن منطق ــة الص ــيد ق ــد جتس ــدت يف الس ــنوات‬
‫األخ ــرية يف الق ــانون الع ــريف عن طري ــق الش ــعور الع ــام ال ــذي ظه ــر يف املؤمتر وورد يف ق ــرار‬
‫احملكمة العاملية حول اجلرف القاري بني تونس وليبيا بصدد اتفاقية قانون البحار لعام‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬

‫‪271‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القـانون الـدويل للبحـار ‪ ,‬حملمـد احلاج حممـود ‪( ,‬ص‪ , )23‬الناشـر ‪ ,‬مطبعـة األديب البغداديـة ‪1990 ,‬م‬
‫‪.‬‬
‫‪1982‬م أنـ ــه " ال ميكن إمهال أي حكم يف مشـ ــروع اتفاقيـ ــة إذا كـ ــان يسـ ــتخلص منـ ــه أن‬
‫جوهرهــا يلــزم أعضــاء اجلماعــة الدوليــة ‪ ,‬من حيث كونــه جيســد قاعــدة من قواعــد القــانون‬
‫( ‪)1‬‬
‫العريف املوجودة سابقًا أو اليت يف طريقها إىل الوجود " ‪.‬‬
‫ومن آثــار العــرف الــدويل حــق الدولــة الســاحلية يف منــع الســفن التجاريــة للدولــة املعاديــة من‬
‫دخول موانئها ‪ ,‬ذلك أن النظام القانوين للمياه الداخلية من حيث خضوعها لسيادة الدولــة‬
‫الســاحلية ينعكس على وضــع الســفن األجنبيــة يف هــذه امليــاه إذ ال جيوز للســفن األجنبيــة أن‬
‫تــدعي حبق دخــول املينــاء يف حالــة عــدم وجــود اتفاقيــة هبذا اخلصــوص ‪ ,‬ويتعني على الســفن‬
‫األجنبية عند دخوهلا إىل املياه الداخلية أو أثناء وجودها فيها مراعــاة واحــرتام كافــة األنظمــة‬
‫والل ــوائح ال ــيت تض ــعها الدول ــة الس ــاحلية يف ه ــذا الش ــأن ‪ ,‬وإن ك ــان ال جيوز أن تص ــل ه ــذه‬
‫األنظمة وتلك اللوائح إىل حـد منـع مجيـع السـفن األجنبيـة التجاريـة دون سـبب مشـروع من‬
‫دخ ــول املي ــاه الداخلي ــة للدول ــة ملناف ــاة ذل ــك للغ ــرض ال ــذي أع ــدت ل ــه املوانئ وملقتض ــيات‬
‫التواص ــل ال ــدويل بني األمم والش ــعوب ‪ ,‬على أن يك ــون من ح ــق الدول ــة الس ــاحلية أن متن ــع‬
‫ســفن الدولــة التجاريــة املعاديــة هلا من دخــول موانئهــا باعتبــار ذلــك من األمــور املســتقرة الــيت‬
‫( ‪)2‬‬
‫تواترت عليها األعراف الدولية يف نطاق القانون الدويل للبحار ‪.‬‬
‫هـ ــذا ولقـ ــد اسـ ــتقر العـ ــرف الـ ــدويل على إعطـ ــاء الدولـ ــة السـ ــاحلية احلق يف إخضـ ــاع حبرهـ ــا‬
‫اإلقليمي لتش ــريعاهتا الداخلي ــة دون تفرق ــة يف ذل ــك بني مي ــاه البح ــر اإلقليمي الواق ــع داخ ــل‬
‫املضيق وبني مياه ذلك البحـر الواقـع خـارج املضـيق ‪ ,‬كمـا تـواتر العـرف الـدويل البحـري يف‬
‫ذلــك أيض ـًا على حــق الدولــة الســاحلية يف اشــرتاط طلب احلصــول منهــا على إذن مســبق أو‬
‫إخطاره ــا بالنس ــبة ملرور الس ــفن العس ــكرية لل ــدول األخ ــرى يف البح ــر اإلقليمي هلذه الدول ــة‬
‫حيث يوجد من يقول بالتفرقــة بني الــداخل واخلارج على أســاس أن الــداخل خيضــع للمـرور‬
‫( ‪)3‬‬
‫احلر واخلارج خيضع للمرور الربيء ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬القانون الدويل للبحار ‪ ,‬حملمد احلاج حممود ‪( ,‬ص‪. )29‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬القانون الدويل للبحار وتطبيقاته يف اململكة العربية السعودية ‪ ,‬حملمد عمر مدين ‪. )1/66( ,‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪. )1/276( ,‬‬

‫‪272‬‬
‫ومن آثار العرف الدويل متتـع الدولـة السـاحلية حبقـوق سـيادة وواليـة على مـا يسـمى بـالبحر‬
‫اإلقليمي أو املنطقة املتامخة أو املنطقة االقتصادية اخلالصة أو االمتداد القاري هو أمر حمكــوم‬
‫يف طبيعته ونطاقه باتفاق أعضاء اجلماعة الدولية وانعقاد إرادهتم عليـه حبيث يعتـرب أي جتاوز‬
‫من قبــل الدولــة هلذه األحكــام املســتقرة خمالفــة صــرحية ملقتضــى القــانون مبا يــرتب املســؤولية‬
‫( ‪)1‬‬
‫الدولية يف حق الدولة مرتكبة املخالفة ‪.‬‬
‫ه ــذا ولق ــد ج ــرى الع ــرف ال ــدويل على الس ــماح مبنح الس ــفن العس ــكرية ح ــق زي ــارة الس ــفن‬
‫التجاريـة يف أعـايل البحـار للتأكـد من جنسـيتها وذلـك للتأكـد من وجـود الصـلة بني السـفينة‬
‫( ‪)2‬‬
‫والعلم الذي ترفعه ‪.‬‬
‫وجيوز للس ــفينة العس ــكرية أن تش ــرع يف اختاذ املزي ــد من إج ــراءات الفحص والتف ــتيش على‬
‫ظهــر الســفينة يف حالــة وجــود شــكوك تفيــد بــأن الســفينة املعنيــة تقــوم بأعمــال قرصــنة أو أيــة‬
‫نشاطات أخرى تتعارض مع العرف الدويل ‪)3( .‬‬

‫ولقد استقر العرف الدويل على جعل منطقة مـا وراء البحـر اإلقليمي منطقـة حـرة ومفتوحـة‬
‫( ‪)4‬‬
‫لكافة الدول متارس عليها بعض احلريات مثل حرية الصيد وحنوها ‪.‬‬
‫وخبصــوص مبــىن احملكمــة الدوليــة لقــانون البحــار فإنــه يعفى من كافــة الضــرائب العقاريــة الــيت‬
‫قــد تفرضــها بلديــة املدينــة أو الواليــة على أن تكــون حــدود األعفــاء يف ضــوء مــا اســتقر عليــه‬
‫( ‪)5‬‬
‫العرف الدويل يف هذا اخلصوص ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪. )1/322( ,‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪. )1/332( ,‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪. )1/332( ,‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪. )1/341( ,‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪. )1/509( ,‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫‪273‬‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون الفضائي‬

‫يتكون العرف الدويل يف قانون الفضاء بتكرار املواقف واألعمال املماثلة من أطراف خمتلفــة‬
‫يف أمر من األمور ‪ ,‬وال بد من حتقق تبادل بني الدول يف املواقف واألفعــال ‪ ,‬وهــذا ال يعــين‬
‫حتقق اإلمجاع ال لكونه منحصر يف دولـتني بـل إلمكانيـة تكـون العـرف الـدويل الفضـائي بني‬
‫عدد حمدود من الدول مث تتواتر هذه الدول على اتباعها دون اعرتاض فتثبت بذلك القاعدة‬
‫العرفية وتصبح ملزمة لكل أعضاء اجلماعة الدولية ولكل دولة جديدة تنضم إليها فيمــا بعــد‬
‫( ‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫هــذا وعلى حداثــة القــانون الفضــائي ‪ ,‬إال أن للعــرف الــدويل تــأثري بــالغ فيــه ‪ ,‬ومن ذلــك ‪:‬‬
‫اســتقرار هــذا العــرف على حــق كــل دولــة يف إطالق مركبــة فضــاء أو قمــر صــناعي يتخــذ لــه‬
‫مدارًا حول األرض لتحقيق أغراض سلمية يف الفضــاء اخلارجي ‪ ,‬وال ختضــع هــذه األجســام‬
‫الفضــائية الصــناعية لالختصــاص القــانوين للدولــة الــيت تعلــو هــذه املركبــات فضــاءها اجلوي ‪,‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫وال يعترب ذلك انتهاكًا للسيادة اإلقليمية هلذه الدول ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬قانون الفضاء الكوين ‪ ,‬لفاروق سعد ‪( ,‬ص‪ , )112‬الناشر ‪ :‬الدار اجلامعية ‪ ,‬ط‪1993 , 2‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظـ ــر ‪ :‬النظـ ــام القـ ــانوين للفضـ ــاء اخلارجي واألجـ ــرام السـ ــماوية ‪ ,‬لعلي أجمد علي ‪( ,‬ص‪ , )200‬الناشـ ــر ‪ :‬دار‬
‫النهضة العربية يف القاهرة ‪1979 ,‬م ‪ ,‬وانظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي صادق أبوهيف ‪( ,‬ص‪. )464‬‬

‫الفرع الرابع‬

‫‪274‬‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون التجاري الدويل‬

‫يرجع تأثري العرف الدويل يف التجارة الدولية من الناحية الزمنية إىل العصور الوســطى حيث‬
‫كان املولد احلقيقي للقــانون التجـاري الــدويل كمجموعــة من القواعــد تعــارف على تطبيقهــا‬
‫التجار الذين كانوا ينتقلون من سوق إىل سوق ومن مرفأ آلخر أو جيتمعـون بشـكل دوري‬
‫يف األســواق الكــربى للقيــام بصــفقاهتم التجاريــة مث أتت مرحلــة التقنينــات الوطنيــة مث مرحلــة‬
‫( ‪)1‬‬
‫التدوين الدويل ‪.‬‬
‫وإليك بعض املسائل اليت تبني أثر العرف الدويل يف القانون التجاري الدويل ‪:‬‬

‫‪ -1‬يلتزم البائع بتسليم الكمية املتفق عليها يف العقد فإذا قام بتسليم كمية أقل أو أكــثر من‬
‫ذلــك فــإن املبيع يعتــرب معيب ـًا وتطبــق بالتــايل اجلزاءات القانونيــة املرتتبــة على هــذا األمــر إال إذا‬
‫كان الفرق يف الكمية ليست له أمهية بالنســبة للمشــرتي أو كــان مما جتيزه العــادات التجاريــة‬
‫( ‪)2‬‬
‫املرعية ‪.‬‬
‫‪ -2‬قــانون الــبيع املوحـد يقضــي بوجـوب التســليم يف امليعــاد الــذي حيدده اتفــاق األطــراف أو‬
‫( ‪)3‬‬
‫العرف ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬قانون التجارة الدويل ‪ ,‬حلمزة حداد ‪( ,‬ص‪. )34‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )210‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )290‬‬
‫‪ -3‬إن على املشرتي حىت حيفظ حقه يف مواجهـة البـائع أن يقـوم وفقـا هلذا القـانون بفحص‬
‫املبيع خالل وقت قصري من الوقت الذي يتمكن فيه من ذلك وخيضع الفحص عندئذ ما مل‬
‫يتفق على خالفه لقانون املكان الذي جيري فيه فحص املبيع أو عاداته التجارية والسبب يف‬

‫‪275‬‬
‫إخضــاع الفحص هلذا القــانون يرجــع إىل أن كيفيــة إجــراء الفحص تتوقــف على جنس املبيع‬
‫( ‪)1‬‬
‫وعلى ما جيري عليه العرف أو يقضي به القانون احمللي ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظ ــر ‪ :‬املوجز يف ق ــانون التج ــارة الدولي ــة ‪ ,‬لط ــالب حس ــن موس ــى ‪( ,‬ص‪ , )47‬الناش ــر ‪ :‬مكتب ــة دار الثقاف ــة ‪,‬‬
‫وانظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )329‬‬

‫الفرع اخلامس‬

‫‪276‬‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون الدويل حلقوق‬
‫اإلنسان‬
‫للعرف الدويل تأثري بالغ يف القانون الدويل حلقوق اإلنسان ‪ ,‬فقد أسهم بشكل ملحوظ يف‬
‫تشكيل العديد من قواعده خاصة يف جمال القواعد اليت حتكم سلوك احملاربني ومحاية‬
‫ضحايا احلرب ‪ ,‬فكلها قواعد وجدت يف تعاليم األديان وعادات الفرسان ودخلت إىل‬
‫العرف الدويل لتنتقل بعد ذلك إىل املعاهدات الدولية ‪.‬‬
‫إن تكوين هذه القواعد راجع إىل إسهام كبري للبشرية كلها ‪ ,‬فمنها ُتستلهم أحكام‬
‫املعاهدات ‪ ,‬ومن تكرار اتباعها يف العمل الدويل وشيوع نصوصها يف املعاهدات تشكل‬
‫عرفًا عامًا ال يلبث أن يسود بني خمتلف الدول ‪.‬‬
‫وهذا ما يفسر تشابه نصوص االتفاقيات املتعلقة حبقوق اإلنسان ‪ ,‬فاملطلع على اإلعالن‬
‫العاملي حلقوق اإلنسان ‪ ,‬وعلى اتفاقييت احلقوق املدنية والسياسية واحلقوق االقتصادية‬
‫واالجتماعية ‪ ,‬وعلى اتفاقية حقوق اإلنسان األمريكية ‪ ,‬وكذا اتفاقية حقوق اإلنسان‬
‫( ‪)1‬‬
‫األوروبية يدرك وجود أعراف وعادات دولية تلتزم هبا الدول يف جمال حقوق اإلنسان ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل حلقوق اإلنسان ‪ ,‬دراسات يف القانون الدويل والشريعة اإلسالمية ‪ ,‬جلعفر عبد السالم‬
‫علي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتاب املصري ‪ ,‬ط‪1419 , 1‬هـ ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫‪277‬‬
‫أثر العرف الدويل يف املعاهدات الدولية‬

‫ويشتمل على الفروع اآلتية ‪:‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬أثر العرف الدويل يف إنشاء املعاهدات‬


‫الفرع الثاين ‪ :‬أثر العرف الدويل يف تفسري املعاهدات‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬أثر العرف الدويل يف تعديل املعاهدات‬
‫الفرع الرابع ‪ :‬أثر العرف الدويل يف إهناء املعاهدات‬

‫الفرع األول‬
‫أثر العرف الدويل يف إنشاء املعاهدات‬
‫للعرف الـدويل تـأثريه البـالغ والظـاهر يف إنشـاء املعاهـدات واالتفاقيـات الدوليـة ‪ ,‬وذلـك ألن‬
‫كثريًا من هذه املعاهدات احلالية كاتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لعـام ‪ 1961‬وحنوهـا ‪ ,‬قـد‬

‫‪278‬‬
‫كــانت يف األصــل عبــارة عن أعــراف دوليــة ‪ ,‬مث جــرى االتفــاق عليهــا بني الــدول يف صــورة‬
‫ق ــانون مكت ــوب ‪ ,‬وإلي ــك بعضـ ـًا من ه ــذه االتفاقي ــات وال ــيت ك ــانت يف األص ــل عب ــارة عن‬
‫أعراف دولية ‪:‬‬

‫‪ -1‬تعــيني رئيس البعثــة ‪ :‬يعني رئيس البعثــة مبوافقــة الدولــة املعتمــد لــديها وهــذا مــا جــرى بــه‬
‫العــرف الــدويل حــىت قنن يف اتفاقيــة فينــا لعــام ‪1961‬م مــادة ‪ 4‬فقــرة ‪ 1‬وفيهــا ‪ :‬جيب على‬
‫الدولة أن تتأكد من قبول الدولة املعتمد لديها للشخص املزمع اعتماده رئيسا للبعثة املنشأة‬
‫( ‪)1‬‬
‫فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬يعفى مقر البعثة من الضريبة العقارية وقد كان ذلك على أســاس اجملاملــة الدوليــة مث أقــر‬
‫كمبــدأ يلــتزم بــه اجلميــع ال كمجاملــة على أســاس املعاملــة باملثــل مث قنن يف اتفاقيــة فينــا لعــام‬
‫‪1961‬م يف الفقرة ‪ 1‬من املادة ‪ 23‬حيث نصت على أنه ‪ " :‬تعفى الدولة املعتمدة ويعفى‬
‫رئيس البعثــة بالنســبة إىل مرافــق البعثــة اململوكــة أو املســتأجرة من مجيــع الرســوم والضــرائب‬
‫( ‪)2‬‬
‫القومية واإلقليمية والبلدية ما مل تكن مقابل خدمات معينة ‪.‬‬
‫‪ -3‬لق ــد ج ــرى الع ــرف ال ــدويل على إعف ــاء املبع ــوثني الدبلوماس ــيني من الض ــرائب والرس ــوم‬
‫( ‪)3‬‬
‫اجلمركية وحنو ذلك مث قنن يف اتفاقية فينا ‪1961‬م يف املادة ‪. 34‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬الدبلوماسية ‪ ,‬للشامي ‪( ,‬ص‪. )232‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )435‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )534‬‬
‫‪ -4‬من املســائل املســتقرة يف العــرف الــدويل مســألة املطــاردة احلثيثــة للســفن يف البحــر العــايل‬
‫وذلك عندما ترتكب السفينة اخلاصة خمالفة األنظمة للدولة الساحلية داخـل حبرهــا اإلقليمي‬
‫أو مياههـا الداخليـة أو منطقتهـا املتامخة سـواء فيمـا يتعلـق بالشـؤون اجلمركيـة أو الصـحية أو‬
‫الصـ ـ ــيد أو أي نظـ ـ ــام آخـ ـ ــر مث حتاول السـ ـ ــفينة اهلروب من هـ ـ ــذه املنـ ـ ــاطق جتنب ـ ـ ـًا خلضـ ـ ــوعها‬
‫الختصـ ــاص الدولـ ــة السـ ــاحلية وقـ ــد قننت املادة(‪ )111‬من اتفاقيـ ــة األمم املتحـ ــدة لقـ ــانون‬
‫( ‪)1‬‬
‫البحار األحكام املتعلقة بتنظيم عملية املطاردة احلثيثة من جانب الدولة الساحلية ‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل للبحار وتطبيقاته يف اململكة العربية السعودية ‪ ,‬حملمد عمــر مــدين ‪ , )1/335( ,‬وانظــر ‪:‬‬
‫القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي صادق أبوهيف ‪( ,‬ص‪. )407‬‬

‫الفرع الثاين‬
‫أثر العرف الدويل يف تفسري املعاهدات‬

‫للعرف تأثري بارز يف تفسري املعاهدات الدولية ‪ ,‬وكشف ما غمض منها ‪ ,‬فإذا اختلف‬
‫أطراف املعاهدة يف تفسريها ‪ ,‬فإهنم يستندون إىل العرف الدويل لكشف مضموهنا ‪,‬‬
‫خاصة وأن االختالف يف تفسري املعاهدات الدولية قد يهدد السلم الدويل ‪ ,‬لذا كان من‬
‫الضروري معاجلة هذا اخلالف قبل أن يتسع ويشتد خطره ‪ ,‬وهذا ما مت بالنسبة ملعاهدة‬

‫‪280‬‬
‫فرساي إذ جلأ املسؤولون عام ‪1923‬م إىل العرف لتفسري األحكام املتعلقة بتنفيذ‬
‫(‪)1‬‬
‫العقوبات على أملانيا وتربير احتالل املناطق اليت كانت تابعة ألملانيا ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مسوحي فوق العادة ‪( ,‬ص‪ , )53‬وانظر ‪ :‬أحكام املعاهدات يف‬
‫الشريعة اإلسالمية ‪ ,‬حملمد طلعت الغنيمي ‪( ,‬ص‪ , )142‬الناشر ‪ :‬منشأة املعارف باإلسكندرية ‪.‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫أثر العرف الدويل يف تعديل املعاهدات‬
‫الدولية‬
‫إمكانية تعديل املعاهدات الدولية بواسـطة العـرف الـدويل أمـر جـائز يف القـانون الـدويل العـام‬
‫‪ ,‬فاألمر يتعلق بظاهرة شائعة ومنتشرة ‪ ،‬وبالــذات خالل النصــف الثــاين من القــرن العشــرين‬
‫‪ ،‬خاصة بعد احلرب العاملية الثانية والتغريات اليت ظهرت يف شكل اجملتمع الدويل ‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫فالعرف بإمكانه تعديل معاهدة دولية مكتوبة ‪ ،‬إذا ما كانت بعض قواعدها مل تعــد مناســبة‬
‫حلكم العالقات الدولية ‪.‬‬
‫حمكم ــة الع ــدل الدولي ــة اع ــرتفت هبذه اإلمكاني ــة يف رأيه ــا االستش ــاري ح ــول بعض نفق ــات‬
‫األمم املتح ــدة ع ــام ‪1962‬م ‪ ,‬حيث قبلت احملكم ــة وبص ــورة ض ــمنية إمكاني ــة قي ــام الع ــرف‬
‫بتعديل املعاهدة الشكلية ‪ ،‬وبالذات يف هذه القضية حيث ميكنه تعديل ميثاق األمم املتحدة‬
‫ذاته ‪.‬‬

‫ويف رأيه ــا االستش ــاري ح ــول ناميبي ــا ع ــام ‪1971‬م ق ــالت ب ــأن ‪ " :‬التط ــبيق الع ــام واملتب ــع‬
‫بواسطة جملس األمن ‪ ،‬قد أدخل تعديالت عرفية على نصوص ميثاق األمم " ‪.‬‬
‫لق ــد اعت ــربت احملكم ــة يف ه ــذا ال ــرأي أن غي ــاب عض ــو دائم من أعض ــاء اجمللس وامتناع ــه عن‬
‫التصـ ــويت اإلجيايب ال يشـ ــكل عقبـ ــة أمـ ــام صـ ــدور قـ ــرار صـ ــحيح من اجمللس ‪ ,‬وقـ ــد ق ــدرت‬
‫احملكمــة أن قاعــدة عرفيــة قــد نشــأت يف هــذا الصــدد من خالل العمــل الطويــل يف اجمللس ‪,‬‬
‫وأن التطبيق العام بواسطة املنظمة قد عدل ‪ ،‬وبصورة خاصة هذا النص من نصوص امليثــاق‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لعلي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )631‬‬

‫الفرع الرابع‬
‫أثر العرف الدويل يف إهناء املعاهدات‬

‫يق ــوم الع ــرف ال ــدويل بإهناء املعاه ــدات ‪ ,‬خباص ــة إن ك ــان قاع ــدة آم ــرة من قواع ــد الق ــانون‬
‫الدويل العام ‪ ,‬وقد جـرى تعريـف القاعـدة اآلمـرة يف نص املادة ‪ 53‬من اتفاقيـة فيينـا لقـانون‬
‫املعاه ــدات لع ــام ‪1961‬م ‪ ,‬حيث ع ــرفت بأهنا ‪ " :‬ك ــل قاع ــدة من قواع ــد الق ــانون ال ــدويل‬
‫العـام تقبلهـا اجلماعـة الدوليـة يف جمموعهـا ويعـرتف هبا باعتبارهـا قاعـدة ال جيوز اإلخالل هبا‬

‫‪282‬‬
‫أو االتفــاق على مــا خيالفهــا وال ميكن تعــديلها إال بقاعــدة الحقــة من قواعــد القــانون الــدويل‬
‫العام " ‪.‬‬
‫فــإذا كــان العــرف الــدويل قاعــدة آمــرة من قواعــد القــانون الــدويل العــام ‪ ,‬فإنــه يســتطيع إهناء‬
‫املعاه ـ ــدة ‪ ,‬وال ـ ــدليل على ذل ـ ــك نص املادة ‪ 64‬من اتفاقي ـ ــة فيين ـ ــا لق ـ ــانون املعاه ـ ــدات لعـ ــام‬
‫‪1961‬م وفيه ‪ " :‬إذا ظهـرت قاعـدة آمـرة جديـدة من قواعـد القـانون الـدويل العـام فـإن أي‬
‫معاهدة قائمة تتعارض مع هذه القاعدة تصبح باطلة وينتهي العمل هبا " ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫أثر العرف الدويل يف احملاكم‬

‫ويشتمل على الفروع اآلتية ‪:‬‬

‫‪283‬‬
‫الف ــرع األول ‪ :‬أث ــر الع ــرف ال ــدويل يف احملاكم‬
‫الداخلية‬
‫الفـ ــرع الثـ ــاين أثـ ــر العـ ــرف الـ ــدويل يف احملاكم‬
‫الدولية‬

‫الفرع األول‬
‫أثر العرف الدويل يف احملاكم الداخلية‬

‫يعترب العرف الدويل جزًء من القانون الذي تلتزم به احملاكم الداخلية ‪ ,‬ويظهر أثره يف هــذه‬
‫احملاكم يف كثري من األمور ‪ ,‬منها ‪ :‬حماكمة األجانب أمام القضاء الوطين ‪ ,‬ووجوب توفــري‬
‫ض ــمانات حمددة لتحقي ــق العدال ــة هلم مث ــل إحض ــار م ــرتجم لألجن ــيب يت ــوىل نق ــل دفاع ــه أم ــام‬
‫احملكم ــة بلغ ــة البل ــد ‪ ,‬وإحض ــار حمامي ل ــه ‪ ,‬وع ــدم إطال ــة احملاكم ــة ب ــدون مقتض ــى ‪ ,‬وتقري ــر‬
‫( ‪)1‬‬
‫التعويضات لألجانب الذين سلبت أمواهلم أثناء االضطرابات االجتماعية ‪.‬‬
‫ويف مســألة تســليم اجملرمني اشــرتط العــرف الــدويل أن تكــون اجلرمية معاقب ـًا عليهــا يف الدولــة‬
‫( ‪)2‬‬
‫املطاَلبة بتسليم اجملرم ‪ ,‬وأن يثبت بصفة قاطعة أن املتهم تابع للدولة اليت تطلبه ‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫كذلك جـرى العـرف الـدويل بـأن احملكمـة املختصـة بـاجلرائم املرتكبـة يف السـفن املوجـودة يف‬
‫( ‪)3‬‬
‫عرض البحر هي احملكمة اليت ترفع السفينة علم الدولة التابعة هلا ‪.‬‬
‫كما أن احملاكم الداخليـة تعطي الدبلوماسـيني امتيـازات خاصـة هبم وهـذا أمـر متعـارف عليـه‬
‫( ‪)4‬‬
‫بني الدول ‪.‬‬
‫وأيض ـًا جيوز للمحكمــة الداخليــة أبعــاد األجنــيب إذا أخــل بــاألمن العــام أو كــان ســيئ الســرية‬
‫( ‪)5‬‬
‫والسلوك وذلك طبقًا لقواعد العرف الدويل ‪.‬‬
‫وإذا مل حترتم احملاكم الداخلية هذه الضمانات فإهنا ترتكب فعًال دوليًا غري مشروع هو‬
‫( ‪)6‬‬
‫إنكار العدالة ويرتب املسؤولية الدولية على عاتق الدولة ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )528‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬تطبيق القانون الدويل أمام احملاكم املصرية ‪ ,‬لسعيد اجلدار ‪. )235( ,‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )237‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )240‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬املصدر السابق ‪( ,‬ص‪. )247‬‬
‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي إبراهيم ‪( ,‬ص‪. )528‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫أثر العرف الدويل يف احملاكم الدولية‬

‫ويشتمل على ما يلي ‪:‬‬

‫‪285‬‬
‫‪ -1‬أثـ ـ ــر العـ ـ ــرف الـ ـ ــدويل يف حمكمـ ـ ــة العـ ـ ــدل‬
‫الدولية‬
‫‪ -2‬أثـ ـ ــر العـ ـ ــرف الـ ـ ــدويل يف حمكمـ ـ ــة العـ ـ ــدل‬
‫اإلسالمية الدولية‬
‫‪ -3‬أثـ ــر العـ ــرف الـ ــدويل يف احملكمـ ــة اجلنائيـ ــة‬
‫الدولية‬

‫أثر العرف الدويل يف حمكمة العدل الدولية‬

‫تعترب حمكمة العدل الدوليـة العـرف الـدويل مصـدرًا أساسـيًا من مصـادر القـانون الـدويل العـام‬
‫‪ ,‬حيث تعتربه املصدر الثاين من مصادر القانون الدويل العام ‪ ,‬كما نصــت على ذلــك املادة‬
‫‪ 38‬من النظام األساسي هلذه احملكمة ‪ ,‬كما تشري املادة ‪ 38‬إىل أنه عبارة عن العادة املتبعة‬
‫من جانب الدول واملعتربة مبثابة القانون ‪.‬‬
‫وقــد اســتندت احملكمــة على العــرف الــدويل يف كثــري من أحكامهــا ‪ ,‬وقــد متت اإلشــارة إىل‬
‫بعض ه ــذه األحك ــام يف ثناي ــا ه ــذا البحث ‪ ,‬يف العدي ــد من املب ــاحث ‪ ,‬كقض ــية الل ــوتس ‪,‬‬
‫وقضية املصائد ‪ ,‬وقضية األنشطة العسكرية وحنوها ‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫أثر العرف الدويل يف حمكمة العدل اإلسالمية‬
‫الدولية‬

‫قبل احلديث عن أثر العرف الدويل يف هذه احملكمة ‪ ,‬البد من احلديث ‪ -‬ولو بإجياز –‬
‫عن هذه احملكمة ومقرها وغري ذلك ‪.‬‬
‫حمكمة العــدل اإلســالمية الدوليــة مقرهــا ‪ :‬الكــويت (‪ . )1‬وهي عبــارة عن جهــاز قضــائي تــابع‬
‫ملنظمــة املؤمتر اإلســالمي ‪ ,‬وهي قائمــة ‪ -‬حبمــد اهلل – على أســس ومبــادئ الــدين اإلســالمي‬
‫( ‪)2‬‬
‫العظيم ‪ ,‬ومصادر وقواعد الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫ومن ش ــروط القاض ــي يف ه ــذه احملكم ــة أن يك ــون مس ــلمًا ع ــدًال من ذوي الص ــفات اخللقي ــة‬
‫العالية ‪ ,‬ومن رعايا الدول األعضاء يف املنظمة ‪ ,‬وأن يكون من فقهاء الشريعة اإلســالمية ‪,‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫ومؤهًال للتعيني يف أرفع مناصب اإلفتاء أو القضاء يف بالده ‪.‬‬
‫هذا وحيلف كل عضو من أعضاء احملكمة يف أو جلسة علنية اليمني التالية ‪:‬‬
‫" أقســم باهلل العظيم أن أتقي اهلل وحــده يف أدائي واجبــايت ‪ ,‬وأن أعمــل مبا تقتضــيه الشــريعة‬
‫( ‪)4‬‬
‫اإلسالمية وقواعد الدين اإلسالمي احلنيف دون حماباة " ‪.‬‬
‫وبع ــد ه ــذا كل ــه ه ــل للع ــرف ال ــدويل أث ــر يف ه ــذه احملكم ــة ‪ ,‬وه ــل تسرتش ــد ب ــه وتب ــين علي ــه‬
‫أحكامها ؟‬
‫أشــارت املادة الســابعة والعشــرون إىل ذلــك ‪ ,‬حيث نصــت على أن ‪ " :‬الشــريعة اإلســالمية‬
‫هي املصدر األساسي الذي تستند إليه احملكمة يف أحكامها ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬املادة الثانية من النظام األساسي حملكمة العدل اإلسالمية الدولية ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املادة األوىل من نفس النظام ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املادة الرابعة من نفس النظام ‪.‬‬
‫(‪ )4‬املادة التاسعة من نفس النظام ‪.‬‬
‫وإضــافة إىل ذلــك تسرتشــد احملكمــة بالقــانون الــدويل واالتفاقــات الدوليــة الثنائيــة أو متعــددة‬
‫األطــراف أو العــرف الــدويل املعمــول بــه أو املبــادئ العامــة للقــانون أو األحكــام الصــادرة من‬
‫احملاكم الدولية " ‪.‬‬
‫إذًا تعترب هذه احملكمة العرف الدويل مصدرًا ثانويًا يرجع إليه يف القضايا الــيت ال دليــل عليهــا‬
‫من الكتاب والسنة وحنو ذلك ‪.‬‬
‫وهي هبذا االعتبار ختالف حمكمة العدل الدولية اليت تعترب العرف الـدويل مصـدرًا رئيسـيًا من‬
‫املصادر اليت ترجع إليها يف تطبيق األحكام ‪.‬‬
‫وقد سبق وأن مت بيان الكثري من القضايا املعروضة على حمكمة العدل الدولية واليت بنيت‬
‫األحكام فيها على العرف الدويل ‪.‬‬
‫وكم كنت أمتىن لو أن حمكمة العدل اإلسالمية الدولية باشرت يف استقبال القضايا ‪ ,‬ألرى‬
‫مدى تأثري العرف الدويل عليها وعلى األحكام الصادرة منها ‪ ,‬ولتتم املقارنــة بني أحكامهــا‬
‫وأحكام حمكمة العدل الدولية ‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫أثر العرف الدويل يف احملكمة اجلنائية الدولية‬
‫للعرف الدويل تأثريه الظاهر يف احملكمة اجلنائية الدولية (‪ )1‬فاألسلوب الذي تتبعه احملكمة يف‬
‫القضايا اليت تعرض عليها أسلوب متعارف عليه بني الدول قبل إنشائه هذه احملكمة ‪.‬‬
‫وقد أخذت هذه احملكمة باألعراف الدولية الناشئة من حماكم جنائية دولية سابقة ‪ ,‬وذلك‬
‫مثل حمكمة نورمربج (‪ )2‬اليت قامت مبحاكمة اجلنود األملان يف أعقاب احلرب العاملية الثانية‬
‫‪ ,‬ومثل احملكمة اجلنائية يف طوكيو (‪ )3‬واليت قامت مبحاكمة اجلنود اليابانيني ‪.‬‬
‫ولذا يوجد تطابق يف بعض اإلجراءات اليت متر هبا القضايا يف كٍل من هذه احملاكم ‪ ,‬وذلك‬
‫نتيجًة لوجود عرف دويل يقضي باتباع مثل هذه اإلجراءات ‪.‬‬
‫ومن هذه اإلجراءات ‪ ,‬طريقة تشكيل احملكمة ‪ ,‬واحلصانات واالمتيازات ألعضائها ‪,‬‬
‫وأيضًا كيفية إدارة اجللسات ‪ ,‬وكيفية إصدار األحكام ‪ ,‬وكيفية إعادة النظر يف احلكم ‪,‬‬

‫‪289‬‬
‫أضف إىل ذلك حتديد حقوق املتهمني ‪ ,‬وحتديد اجلرائم اليت تعد من جرائم احلرب ‪ ,‬وحنو‬
‫( ‪)4‬‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬احملكمة اجلنائية الدولية هي عبارة عن حمكمة تابعة لألمم املتحدة ‪ ,‬ومقرها يف مدينة الهاي يف هولندا ‪ ,‬وتعىن‬
‫بتطبيق القانون اجلنائي الدويل ‪ ,‬ومن القضايا اليت ترفع هلا اجلرائم اليت تقع يف احلروب ‪ ,‬لذا فهي حتاكم ما يطلق‬
‫عليهم جمرمي احلرب ‪ ,‬وكذلك ترفع هلا القضايا املتعلقة باالستخدام الغري مشروع لألسلحة ‪ ,‬حيث إنه توجد‬
‫أسلحة غري مشروعة دوليًا ومن ذلك األسلحة النووية والذرية وحنوها ‪ .‬انظر ‪ ,‬املواد ‪ 3-1‬من النظام األساسي‬
‫للمحكمة اجلنائية الدولية ‪ ,‬وانظر مبادئ القانون اجلنائي الدويل ‪ ,‬ألشرف توفيق مشس الدين ‪( ,‬ص‪ , )63‬الناشر ‪:‬‬
‫دار النهضة العربية يف القاهرة ‪1998 ,‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أنشئت حمكمة نورمربج يف أعقاب احلرب العاملية الثانية يف أملانيا ‪ ,‬وذلك حملاكمة األملان الذين هزموا على يد‬
‫احللفاء ‪ ,‬وجتدر اإلشارة إىل أن هذه احملكمة اعتربت العرف الدويل أسلوب عملي متبع بوجه عام وله قوة القانون ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬القانون الدويل اجلنائي ‪ ,‬لعبد الرحيم صدقي ‪( ,‬ص‪1981 , )30‬م ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أنشئت حمكمة طوكيو اجلنائية يف أعقاب احلرب العاملية الثانية ‪ ,‬وذلك حملاكمة اجلنود اليابانيني ‪ ,‬وقد رفعت‬
‫احملكمة عليهم قضايا عديدة اعتربت جرائم حرب ‪ ,‬وانتهت أغلب القضايا فيها إىل اإلعدام ‪ .‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون‬
‫اجلنائي الدويل ‪ ,‬ألشرف توفيق مشس الدين ‪( ,‬ص‪ , )45‬والقانون الدويل اجلنائي ‪ ,‬لعبد الرحيم صدقي ‪( ,‬ص‪)32‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬مبادئ القانون اجلنائي الدويل ‪ ,‬ألشرف توفيق مشس الدين (ص‪ , )31‬و القانون الدويل اجلنائي ‪ ,‬لعبد‬
‫الرحيم صدقي ‪( ,‬ص‪ , )30‬والنظام األساسي للمحكمة اجلنائية الدولية ‪.‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫أثر العرف الدويل يف أنظمة اململكة العربية‬
‫السعودية‬

‫تلــتزم اململكــة العربيــة الســعودية بــالعرف الــدويل ‪ ,‬وذلــك انطالق ـًا من مبادئهــا القائمــة على‬
‫الشريعة اإلسالمية ‪ ,‬اليت تأمر بااللتزام هبذا النوع من األعراف ‪.‬‬
‫ويظهر التزامها فيما نصت عليه من أنظمة تؤكد وجوب االلــتزام بــاألعراف الدوليــة ‪ ,‬ومن‬
‫ذلك ‪:‬‬

‫‪290‬‬
‫ما جاء يف الفقرة ب من املادة الثالثـة من نظـام العلم للملكـة العربيـة السـعودية ‪ ,‬حيث جـاء‬
‫فيها ‪ " :‬مع مراعـاة مـا تقتضـيه اجملاملـة والعـرف الـدويل ‪ ,‬يرفـع العلم الوطـين خـارج اململكـة‬
‫يومي ــا ‪ ,‬م ــا بني ش ــروق الش ــمس وغروهبا ‪ ,‬مبا يف ذل ــك أي ــام اجلم ــع واألعي ــاد ‪ ,‬وعلى دور‬
‫املمثليات السعودية يف اخلارج " ‪.‬‬
‫هنا تبني هذه الفقرة حقيقة التزام اململكة العربية السعودية بالعرف الدويل ‪ ,‬ومراعاهتا له ‪.‬‬
‫وتؤكـ ــد ذلـ ــك املادة السادسـ ــة من نفس النظـ ــام ‪ ,‬حيث تقـ ــول ‪ " :‬تـ ــراعى قواعـ ــد القـ ــانون‬
‫والعــرف الــدويل ‪ ,‬فيمــا يتعلــق برفــع العلم األجنــيب على املبــاين اخلاصــة باملمثليــات السياســية‬
‫والقنصلية للدول األجنبية يف اململكة ‪ ,‬وكذلك األمم املتحدة واهليئات الدولية واإلقليمية ‪,‬‬
‫أو رفعــه على الســيارات اخلاصــة مبوظفيهــا ‪ ,‬وفيمــا عــدا ذلــك ال جيوز رفــع العلم األجنــيب يف‬
‫اململكة إال يف األعياد واملناسبات الرمسية ‪ ,‬وبشرط احلصول على إذن من وزارة الداخلية ‪,‬‬
‫وأن يكـون العلم األجنـيب مصـحوبا بـالعلم الوطـين ومتناسـبا معـه يف املقـاس ‪ ,‬على أن يكـون‬
‫للعلم الوطين مكان الشرف " ‪.‬‬
‫ويف نظـ ــام البحث العلمي البحـ ــري يف املنـ ــاطق البحريـ ــة التابعـ ــة للمملكـ ــة أكـ ــدت اململكـ ــة‬
‫مراعاهتا للعرف الدويل يف املادة السابعة من النظام حيث نصت على أنه جيب لعرض طلب‬
‫الرتخيص على اجلهة املختصة ‪ ,‬أن يقرتن بالعديــد من التعهــدات ومن أمههــا االلــتزام بقواعــد‬
‫القانون الدويل من اتفاقيات وأعراف ‪.‬‬
‫ويف املادة ‪ 13‬من نفس النظام نصت على أنه ‪ " :‬ليس يف هذا النظام ما يؤثر على احلقــوق‬
‫املقــررة للملكــة كدولــة ســاحلية وفق ـًا لألعــراف الدوليــة وغريهــا من قواعــد القــانون الــدويل‬
‫األخرى وما تقضي به األنظمة الداخلية السارية يف اململكة ‪.‬‬
‫ويف املادة ‪ 15‬من نفس النظام أكدت على أن العقوبة املقررة على من خيالف هذا النظام‬
‫ال ختل بأية عقوبة أشد مقررة مبوجب االتفاقيات أو األعراف الدولية ‪.‬‬
‫ه ــذا وإن نظ ــام املوانئ واملرافئ واملن ــائر البحري ــة الص ــادر باملرس ــوم امللكي رقم م‪27/‬بت ــاريخ‬
‫‪24/6/1394‬هـ ـ يش ــتمل على بي ــان القواع ــد اخلاص ــة ب ــاملوانئ الس ــعودية من حيث دخ ــول‬
‫الس ـ ــفن وخروجه ـ ــا من وإىل املوانئ والرقاب ـ ــة والتف ـ ــتيش على الس ـ ــفن الس ـ ــعودية واألجنبيـ ــة‬

‫‪291‬‬
‫وتف ــتيش الس ــفن والوح ــدات البحري ــة وحنو ذل ــك ‪ ,‬ك ــل ذل ــك ينس ــجم يف جممل ــه م ــع م ــا‬
‫( ‪)1‬‬
‫استقرت عليه األعراف الدولية يف جمال قانون البحار ‪.‬‬
‫ومما يثبت الــتزام اململكــة بــالعرف الــدويل أهنا قــامت بنقــل مقــرات البعثــات الدبلوماســية من‬
‫( ‪)2‬‬
‫جدة إىل الرياض ‪ ,‬وذلك التزامًا منها هبذا العرف ‪.‬‬
‫ولعلي أختم هذا املبحث بذكر خرب قرأته يف إحدى اجلرائد السعودية يؤكد اهتمام اململكــة‬
‫بالعرف الدويل ‪ ,‬ونص هذا اخلرب كالتايل ‪:‬‬
‫" أبلغت اإلدارة العام ــة للم ــرور اجله ــات الرقابي ــة على وك ــاالت ومك ــاتب الس ــفر باململك ــة‬
‫بق ــرار من ــع كاف ــة املك ــاتب والوك ــاالت الس ــياحية من منح النس ــاء الس ــعوديات واملقيم ــات‬
‫بالسعودية رخص قيادة دولية ‪ ,‬وقد شدد على هــذا النــادي الســعودي للســيارات والســياحة‬
‫يف اجتم ــاع س ــابق م ــع ممثلي املك ــاتب والوك ــاالت ‪ ,‬وذل ــك لع ــدم انطب ــاق ش ــروط إص ــدار‬
‫الــرخص الدوليــة عليهن ‪ ,‬وذكــر املصــدر أن شــروط إصــدار شــهادة القيــادة الدوليــة مقرتن ــة‬
‫بشهادة القيادة السعودية وذكر املصدر أن هذا االقرتان نتيجة لوجود عرف دويل‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬القانون الدويل للبحار وتطبيقاته يف اململكة العربية السعودية ‪ ,‬حملمد عمر مدين ‪. )1/87( ,‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬الدبلوماسية ‪ ,‬خلالد الشيخ ‪. )1/232( ,‬‬
‫حيكم ب ــذلك ‪ .‬ونظـ ـرًا لع ــدم انطب ــاق ه ــذا الش ــرط على النس ــاء يف الس ــعودية فال جيوز هلن‬
‫( ‪)1‬‬
‫احلصول على الرخصة الدولية " ‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جريدة الوطن السعودية ‪ ,‬السنة الرابعة ‪ ,‬العدد ‪ , )1439( :‬يوم الثالثاء ‪22/7/1425 ,‬هـ ‪.‬‬

‫اخلامتة‬
‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ,‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني ‪,‬نبينا حممد وعلى‬
‫آله وصحبه أمجعني ‪ ,‬ومن سار على النهج املستقيم إىل يوم الدين ‪.‬‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫فأمحد اهلل العلي القدير أن يسر يل االنتهاء من هذا البحث ‪ ,‬ولقد توصلت فيه إىل النتائج‬
‫التالية ‪ ,‬وهي كما يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬أن العرف الدويل هو ‪ " :‬ما اعتاده أشخاص اجملتمع الدويل أو بعضهم مع االعتقاد‬
‫بإلزاميته " ‪.‬‬

‫‪293‬‬
‫‪ -2‬أن العرف الدويل حيتل املركز الثاين بني مصادر القانون الدويل العام ‪ ,‬بينما ال يعدو‬
‫كونه مصدرًا فرعيًا يف الفقه اإلسالمي ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن العرف الدويل خيتلف عن قواعد اجملامالت الدولية من حيث كونه ملزمًا وهي غري‬
‫ملزمة ‪ ,‬وهذا األمر متفق عليه بني القانون الدويل العام والفقه اإلسالمي ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن القانون الدويل العام يفرق بني العرف الدويل واألخالق الدولية من كونه ملزمًا‬
‫وهي غري ملزمة للدول ‪ ,‬بينما يعترب الفقه اإلسالمي كال األمرين ملزمني للدولة اإلسالمية‬
‫‪.‬‬
‫‪ -5‬أن العرف الدويل يفرتق عن العادة الدولية يف أمرين ‪:‬‬
‫أ‪ -‬كونه ملزمًا وهي غري ملزمة ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن العرف ال يكون سوى مجاعيًا ‪ ,‬أما العادة الدولية فتكون مجاعية وفردية ‪.‬‬
‫وهذا ما يقول به القانون الدويل وبعض الفقهاء ‪.‬‬
‫‪ -6‬أن العرف الدويل يف القانون الدويل العام قد ينشأ من تصرفات حكومية ‪ ,‬كتصرفات‬
‫السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية ‪.‬‬
‫كما قد ينشأ من تصرفات دولية ‪ ,‬وذلك مثل املعاهدات الدولية واملنظمات الدولية‬
‫واحملاكم الدولية ‪.‬‬
‫ويضاف إىل ذلك دور الدول الكربى ودور الشراح وحنو ذلك ‪.‬‬
‫‪ -7‬أن الفقه اإلسالمي يرى أن العرف الدويل قد ينشأ إضافة إىل ما سبق من تصرفات‬
‫األفراد ‪.‬‬
‫‪ -8‬أن للعرف الدويل ركنان ‪ :‬ركن مادي وآخر معنوي ‪.‬‬
‫األول يقتضي تكرار السلوك واآلخر يقتضي االعتقاد بإلزاميته ‪.‬‬
‫‪ -9‬شروط العرف الدويل يف القانون الدويل العام ‪:‬‬
‫أ‪ -‬تكرار السلوك أو السابقة ‪.‬‬
‫ب‪ -‬عامل الزمن ‪.‬‬
‫ج‪ -‬القبول والتبادل ‪.‬‬
‫د‪ -‬أن يكون عاما وشائعا ‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫هـ‪ -‬عدم خمالفته للقانون الدويل أو اآلداب العامة ‪.‬‬
‫‪ -10‬شروط العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬االطراد والغلبة ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يكون موجودًا وقت إنشاء التصرف ‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن ال يعارض اتفاقية من االتفاقيات املوقعة من قبل الدولة اإلسالمية ‪.‬‬
‫د‪ -‬أن ال خيالف الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬
‫‪ -11‬ينقسم العرف الدويل يف القانون الدويل العام إىل عرف دويل عام وعرف دويل‬
‫خاص ‪.‬‬
‫وإىل عرف دويل آمر وعرف دويل مكمل ‪.‬‬
‫وإىل عرف دويل إجيايب وعرف دويل سليب ‪.‬‬
‫‪ -12‬ينقسم العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي إىل عرف دويل صحيح وعرف دويل فاسد‬
‫‪.‬‬
‫وإىل عرف دويل قويل وعرف دويل عملي ‪.‬‬
‫وإىل عرف دويل مستند إىل دليل شرعي وعرف دويل غري مستند إىل دليل شرعي ‪.‬‬
‫‪ -13‬أنه مت تدوين جزء من األعراف الدولية عرب الشراح يف البداية وانتهاًء باألمم املتحدة‬
‫‪.‬‬
‫‪ -14‬أن العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي يعترب دليًال حيثما ال دليل سواه وتبىن عليه‬
‫األحكام ‪.‬‬
‫‪ -15‬اختلف شراح القانون الدويل العام يف األساس اإللزامي للعرف الدويل إىل نظرة‬
‫إرادية ونظرة مجاعية ‪ ,‬األول تفسر العرف بأنه اتفاق ضمين بني الدول ‪ ,‬والثانية تفسره‬
‫بأنه أمر تفرضه الضرورة االجتماعية ‪.‬‬
‫‪ -16‬أن األساس اإللزامي للعرف الدويل يف الفقه اإلسالمي هو أنه أمر ديين يأمر به‬
‫الشرع املطهر عند خلو املسألة من دليل آخر ‪.‬‬
‫‪ -17‬أن للعرف الدويل يف كتب الفقهاء أثر بالغ وواضح حيث أهنم قد بنوا كثريًا من‬
‫األحكام املتعلقة باألمور الدولية عليه ‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫‪ -18‬أن للعرف الدويل أثر بالغ كذلك يف القانون الدويل الدبلوماسي والقانون الدويل‬
‫للبحار والقانون الدويل التجاري وحنو ذلك ‪.‬‬
‫وكذا له تأثري بالغ يف إنشاء املعاهدات وتفسريها وتعديلها وإهنائها ‪.‬‬
‫وأيضا فاحملاكم الدولية والداخلية تعمل به وتؤسس أحكامها عليه ‪.‬‬
‫‪ -19‬أن اململكة العربية السعودية تعمل بالعرف الدويل الغري خمالف للشرع املطهر ‪ ,‬وله‬
‫أثر ظاهر يف أنظمتها ‪.‬‬

‫ولعلي يف اخلتام أوصي طلبة العلم باالهتمام بعلم القانون الدويل اإلسالمي ‪ ,‬أو ما يعرف‬
‫بعلم السري ‪ ,‬خاصة وأنه توجد كثري من املواضيع اليت مل تدرس دراسة فقهية تأصيلية ‪ ,‬ال‬
‫سيما وأن املسلمني يف عامل اليوم بأمس احلاجة ملعرفة مثل هذه املواضيع املتعلقة بدينهم‬
‫ودنياهم ‪.‬‬

‫هذا واهلل أعلم وأحكم وصلى اهلل وسلم على النيب األمي اخلامت وعلى آله وصحبه أمجعني‬
‫ومن سار على هنجه إىل يوم الدين‬

‫الفهارس‬
‫وتشتمل على ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬فهرس اآليات‬
‫‪ -2‬فهرس األحاديث‬
‫‪296‬‬
‫‪ -3‬فهرس األعالم‬
‫‪ -4‬فهرس املصادر‬
‫‪ -5‬فهرس املوضوعات‬

‫فهرس اآليات‬
‫رقم اآلية‬ ‫السورة‬ ‫اآلية‬
‫الصفحة‬

‫‪233‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪ { -‬وعلى املولود له رزقهن وكسوهتن باملعروف }‬


‫‪212‬‬
‫‪44‬‬ ‫‪31‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪ { -‬وعلم آدم األمساء كلها }‬
‫‪160‬‬ ‫‪91‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪ { -‬واقتلوهم حيث ثقفتموهم }‬
‫‪228‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪ { -‬وهلن مثل الذي عليهن باملعروف }‬
‫‪212‬‬
‫‪236‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪ { -‬ومتعوهن على املوسع قدره }‬
‫‪212‬‬
‫‪159‬‬ ‫‪1‬‬ ‫املائدة‬ ‫‪ { -‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود }‬
‫‪199‬‬ ‫األعراف‬ ‫‪ { -‬خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن اجلاهلني }‬
‫‪211‬‬
‫‪5‬‬ ‫التوبة‬ ‫‪{ -‬فاقتلوا املشركني حيث وجدمتوهم }‬
‫‪160‬‬
‫‪251‬‬ ‫‪6‬‬ ‫التوبة‬ ‫‪ { -‬وإن أحد من املشركني استجارك }‬

‫‪297‬‬
‫‪214‬‬ ‫‪78‬‬ ‫احلج‬ ‫‪ { -‬وما جعل عليكم يف الدين من حرج }‬
‫املؤمنون ‪71‬‬ ‫‪ { -‬ولو اتبع احلق أهواءهم }‬
‫‪159‬‬
‫‪28‬‬ ‫ق‬ ‫‪ { -‬وقد قدمت إليكم بالوعيد }‬
‫‪182‬‬
‫‪255‬‬ ‫‪5‬‬ ‫احلشر‬ ‫‪ { -‬ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة }‬
‫‪8‬‬ ‫‪ { -‬ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسريا } اإلنسان‬
‫‪63‬‬

‫فهرس األحاديث‬
‫احلديث‬
‫الصفحة‬
‫‪ ( -‬إن أحبكم يل وأقربكم مين جملسًا يوم القيامة أحسنكم أخالقا )‪.................‬‬
‫‪62‬‬
‫‪ ( -‬انطلقوا باسم اهلل وباهلل وعلى ملة رسول اهلل وال تغلوا وال متثلوا وال تغدروا وال‬
‫تقتلوا شيخا فانيا وال طفًال وال صغريًا وال امرأة وال تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا‬
‫وأحسنوا إن اهلل حيب احملسنني‬
‫)‪62...........................................................‬‬
‫‪ ( -‬إمنا بعثت ألمتم مكارم األخالق )‪62............................................‬‬
‫‪ ( -‬إن من خياركم أحسنكم أخالقا )‪62...........................................‬‬
‫‪ ( -‬خذي ما يكفيك وولدك باملعروف )‪214.......................................‬‬
‫‪ -‬رأى النيب صلى اهلل عليه وسلم امرأة مقتولة فأنكر قتل النساء والصبيان‪............‬‬
‫‪63‬‬

‫‪298‬‬
‫‪ ( -‬لو كان املطعم بن عدي حيًا مث كلمين يف هؤالء النتىن لرتكتهم له )‪54 ............‬‬
‫‪ ( -‬لـ ــوال أن الرسـ ــل ال تقتـ ــل لضـ ــربت أعناقكمـ ــا )‪...................................‬‬
‫‪53‬‬
‫‪ ( -‬ما رآه املسلمون حسن فهو عند اهلل حسن )‪213................................‬‬
‫‪ -‬هنيه صلى اهلل عليه وسلم عن اجللوس على موائد تدار عليها اخلمور‪159.............‬‬

‫فهرس األعالم‬ ‫العلم‬


‫الصفحة‬
‫الرازي ‪ :‬حممد بن عمر بن احلسني‪251 .............................................‬‬
‫سحنون ‪ :‬عبد السالم بن سعيد بن حبيب‪120 ......................................‬‬
‫السرخسي ‪ :‬حممد بن أمحد بن سهل‪53 .............................................‬‬
‫أبو سفيان ‪ :‬صخر بن حرب بن أمية ‪214 ..........................................‬‬
‫السيوطي ‪ :‬عبد الرمحن بن أيب بكر اخلضريي ‪155 ..................................‬‬
‫الشاطيب ‪ :‬إبراهيم بن موسى بن حممد‪155 ..........................................‬‬
‫الشيباين ‪ :‬حممد بن احلسن ‪....................................................‬‬
‫‪117‬‬
‫الشريازي ‪ :‬إبراهيم بن علي بن يوسف‪119 .........................................‬‬
‫ابن عبد السالم ‪ :‬عبد العزيز بن عبد السالم السلمي ‪............................‬‬
‫‪157‬‬
‫ابن العريب ‪ :‬حممد بن عبد اهلل ‪.................................................‬‬
‫‪211‬‬
‫ابن قدامة ‪ :‬عبد اهلل بن أمحد ‪..................................................‬‬
‫‪118‬‬

‫‪299‬‬
‫القرايف ‪ :‬أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن‪209 .......................................‬‬
‫الكاساين ‪ :‬أبو بكر بن مسعود بن أمحد ‪209 .......................................‬‬
‫املاوردي ‪ :‬علي بن حممد بن حبيب ‪250............................................‬‬
‫مسيلمة الكذاب ‪ :‬مسيلمة بن مثامة بن كبري‪213 ....................................‬‬
‫املطعم بن عدي ‪54 ...............................................................‬‬
‫ابن جنيم ‪ :‬زين الدين بن إبراهيم ‪155 ..............................................‬‬
‫هند بنت عتبة ‪213 ...............................................................‬‬

‫فهرس المصادر‬ ‫‪ -‬القرآن الكرمي‬


‫‪ -‬أثر األدلة املختلف فيها يف الفقه ‪ ,‬للدكتور مصطفى ديب البغا ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار اإلمام‬
‫البخاري بدمشق ‪.‬‬
‫‪ -‬أثر العرف يف التشريع اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور السيد صاحل عوض ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتاب‬
‫اجلامعي ‪.‬‬
‫‪ -‬أحكام القانون الدويل يف الشريعة اإلسالمية ‪ ,‬للدكتور حامد سلطان ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫النهضة العربية يف القاهرة ‪1970 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬أحكام القرآن ‪ ,‬أليب بكر أمحد بن علي الرازي اجلصاص ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية‬
‫يف بريوت ‪ ,‬ط‪1415 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬أحكام القرآن ‪ ,‬حملمد بن عبد اهلل ابن العريب ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬اإلحكام يف متييز الفتاوى عن األحكام ‪ ,‬أليب العباس أمحد بن ادريس القرايف ‪ ,‬الناشر ‪:‬‬
‫مكتبة املطبوعات اإلسالمية يف حلب ‪1387 ,‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬أحكام املعاهدات يف الشريعة اإلسالمية ‪ ,‬حملمد طلعت الغنيمي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬منشأة‬
‫املعارف باإلسكندرية‬

‫‪300‬‬
‫‪ -‬أسس وقواعد العالقات الدبلوماسية والقنصلية ‪ ,‬للدكتور ناظم عبد الواحد اجلاسور ‪,‬‬
‫الناشر ‪ :‬دار جمدالوي يف األردن ‪ ,‬ط‪1422 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬األشباه والنظائر على مذهب أيب حنيفة النعمان ‪ ,‬لزين العابدين بن إبراهيم بن جنيم ‪,‬‬
‫الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية يف بريوت ‪1405 ,‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬اإلصابة يف متييز الصحابة ‪ ,‬ألمحد بن علي بن حممد الكناين العسقالين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مطبعة‬
‫حممد مصطفى يف مصر ‪1358 ,‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬أصول األحكام الشرعية ومبادئ علم األنظمة ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز العلي النعيم ‪.‬‬
‫‪ -‬أصول العالقات الدولية يف فقه اإلمام حممد بن احلسن الشيباين ‪ ,‬للدكتور عثمان مجعة‬
‫ضمريية ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار املعايل ‪.‬‬
‫‪ -‬أصول العالقات السياسية الدولية ‪ ,‬للدكتور أمحد سويلم العمري ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مكتبة‬
‫االجنلو مصرية يف القاهرة ‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه ‪ ,‬لإلمام أبو زهرة ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الفكر العريب يف القاهرة ‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور بدران أبو العينني بدران ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة شباب‬
‫اجلامعة يف اإلسكندرية ‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور زكريا الربى ‪1406 ,‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور زكي الدين شعبان ‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور حممد مصطفى شليب ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار النهضة العربية يف‬
‫بريوت ‪ ,‬ط‪1402 , 3‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور وهبة الزحيلي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪.‬‬
‫‪ -‬األصول العامة للقانون ‪ ,‬للدكتور توفيق حسن فرج و الدكتور حممد حيىي مطر ‪,‬‬
‫الناشر ‪ :‬الدار اجلامعية ‪.‬‬
‫‪ -‬أصول القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد سامي عبد احلميد‪ ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة الثقافة‬
‫اجلامعية ‪ ,‬ط‪1980 , 5‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬األعراف البشرية يف ميزان الشريعة اإلسالمية ‪ ,‬للدكتور عمر سليمان األشقر ‪ ,‬الناشر‬
‫‪ :‬دار النفائس يف األردن ‪ ,‬ط‪1413 , 1‬هـ ‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫‪ -‬األعالم ‪ ,‬خلري الدين الزركلي ‪ ,‬ط‪. 3‬‬
‫‪ -‬اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل ‪ ,‬لإلمام‬
‫عالء الدين أيب احلسن علي بن سليمان بن أمحد املرداوي السعدي احلنبلي ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬أيب‬
‫عبد اهلل حممد حسن حممد إمساعيل الشافعي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬منشورات حممد علي بيضون ‪ ,‬دار‬
‫الكتب العلمية يف بريوت ‪ ,‬ط‪1418 , 1‬هـ ‪1997 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬بدائع الصنائع ‪ ,‬لعالء الدين أيب بكر بن مسعود بن أمحد الكاساين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫الكتاب العريب يف بريوت ‪ ,‬ط‪1394 , 2‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬البعد األخالقي لقانون العالقات الدولية ‪ ,‬للدكتور مسري عبد املنعم ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مكتبة‬
‫النهضة العربية يف مصر ‪ ,‬ط‪1988 , 1‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬بعض االجتاهات احلديثة يف القانون الدويل العام ( قانون األمم ) ‪ ,‬للدكتور حممد‬
‫طلعت الغنيمي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬منشأة املعارف باإلسكندرية ‪.‬‬
‫‪ -‬البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل يف مسائل املستخرجة أليب الوليد بن رشد‬
‫القرطيب ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬حممد حجي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ,‬يف بريوت ‪1404 ,‬هـ ‪,‬‬
‫‪1984‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬تاج العروس ‪ ,‬حملب الدين أيب الفيض السيد حممد مرتضى احلسيين الواسطي الزبيدي‬
‫احلنفي ‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ القانون ‪ ,‬لزهدي يكن‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر ببريوت ‪ ,‬ط‬
‫‪1969 , 2‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ النظم والشرائع ‪ ,‬للدكتور عبد السالم الرتمانيين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬جامعة الكويت ‪.‬‬
‫‪ -‬التشريع اإلسالمي والقانون الوضعي ‪ ,‬للدكتور شوكت حممد عليار ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫الشواف ‪.‬‬
‫‪ -‬تطبيق القانون الدويل أمام احملاكم املصرية ‪ ,‬للدكتور سعيد اجلدار ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫املطبوعات اجلامعية يف اإلسكندرية ‪1999 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬التعريفات ‪ ,‬أليب احلسن علي بن حممد بن علي اجلرجاين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الشؤون الثقافية‬
‫العامة يف بغداد ‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫‪ -‬التفسري الكبري ‪ ,‬لإلمام فخر الرازي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب يف بريوت ‪ ,‬ط‬
‫‪1417 , 2‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬تفسري املاوردي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة الكتب الثقافية ‪ ,‬تعليق ومراجعة ‪ :‬السيد بن عبد‬
‫املقصود بن عبد الرحيم ‪.‬‬
‫‪ -‬تفسري املنار ‪ ,‬حملمد رشيد رضا ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار املنار ‪.‬‬
‫‪ -‬التمهيد ‪ ,‬ليوسف بن عبد اهلل بن عبد الرب النمري ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬مصطفى بن أمحد العلوي‬
‫وحممد عبد الكبري البكري ‪ ,‬الناشر ‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية يف املغرب ‪,‬‬
‫‪1387‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬مجهرة اللغة ‪ ,‬البن دريد أيب بكر حممد بن احلسن األزدي البصري ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة‬
‫احلليب يف القاهرة ‪.‬‬
‫‪ -‬جواهر اإلكليل شرح خمتصر خليل على مذهب مالك إمام دار اهلجرة والتنزيل ‪ ,‬لصاحل‬
‫عبد السميع اآليب األزهري ‪ ,‬الناشر ‪ :‬املكتبة الثقافية يف بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬حاشية الروض املربع شرح زاد املستقنع ‪ ,‬لعبد الرمحن بن حممد بن قاسم العاصمي‬
‫النجدي احلنبلي ‪ ,‬ط‪1398 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬احلاوي الكبري يف فقه مذهب اإلمام الشافعي ‪ ,‬أليب احلسن علي بن حممد بن حبيب‬
‫املاوردي البصري ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬علي حممد معوض ‪ ,‬وعادل أمحد عبد املوجود ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية يف بريوت ‪ ,‬ط‪1414 , 1‬هـ ‪1994 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬اخلراج ‪ ,‬للقاضي أيب يوسف يعقوب بن إبراهيم ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف بريوت ‪,‬‬
‫‪1399‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬اخلرشي على خمتصر سيدي خليل ‪ ,‬دار صادر بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬الدبلوماسية املعاصرة واسرتاتيجية إدارة املفاوضات ‪ ,‬للدكتور ثامر كامل حممد ‪ ,‬الناشر‬
‫‪ :‬دار املسرية ‪ ,‬ط‪1421 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬الدبلوماسية ‪ ,‬للدكتور علي حسني الشامي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار العلم للماليني ‪.‬‬
‫‪ -‬الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي ‪ ,‬للدكتور خالد حسن الشيخ ‪1999 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة يف القانون الدويل اإلسالمي ‪ ,‬لصالح عبد الرازق ‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫‪ -‬دروس يف مبادئ القانون ‪ ,‬للدكتور عبد الودود حيىي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار النهضة العربية ‪,‬‬
‫‪1978‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬رد احملتار على الدر املختار ‪ ,‬حاشية ابن عابدين ‪ ,‬حملمد أمني بن عمر عابدين ‪ ,‬الناشر‬
‫‪ :‬دار عامل الكتب يف الرياض ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬عادل أمحد عبد املوجود ‪ ,‬وعلي حممد عوض ‪,‬‬
‫طبعة خاصة ‪1423 ,‬هـ ‪2003 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬روضة الطالبني ‪ ,‬أليب زكريا حيىي بن شرف النووي الدمشقي ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬عادل أمحد‬
‫عبد املوجود ‪ ,‬وعلي حممد معوض ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية يف بريوت ‪ ,‬ط‪, 1‬‬
‫‪1412‬هـ ‪1992 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬زاد احملتاج بشرح املنهاج ‪ ,‬للشيخ عبد اهلل بن حسن احلسن الكوهجي ‪ ,‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -‬سلسلة األحاديث الصحيحة ‪ ,‬حملمد ناصر الدين األلباين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مكتبة املعارف يف‬
‫الرياض ‪1415 ,‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬سلسلة األحاديث الضعيفة واملوضوعة ‪ ,‬حملمد ناصر الدين األلباين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مكتبة‬
‫املعارف بالرياض ‪ ,‬ط‪1412 , 5‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬سنن أيب داود ‪ ,‬لسليمان بن األشعث أبو داود السجستاين األزدي ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬حممد‬
‫حميي الدين عبد احلميد ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪.‬‬
‫‪ -‬سنن البيهقي الكربى ‪ ,‬ألمحد بن احلسني بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي ‪ ,‬حتقيق ‪:‬‬
‫حممد عبد القادر عطا ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مكتبة دار الباز يف مكة املكرمة ‪1414 ,‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬سنن الرتمذي ‪ ,‬حملمد بن عيسى أبو عيسى الرتمذي السلمي ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬أمحد حممد‬
‫شاكر وآخرون ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب يف بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬سنن الدارمي ‪ ,‬لعبد اهلل بن عبد الرمحن أبو حممد الدارمي ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬فوزا أمحد زمريل‬
‫و خالد السبع العلمي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتاب العريب يف بريوت ‪ ,‬ط‪1407 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬السنن الكربى ‪ ,‬ألمحد بن شعيب أبو عبد الرمحن النسائي ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬عبد الغفار‬
‫سليمان البنداري و سيد كسروي حسن ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية يف بريوت ‪ ,‬ط‪11‬‬
‫‪1411 ,‬هـ ‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫‪ -‬سري أعالم النبالء ‪ ,‬أليب عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قامياز الذهيب ‪ ,‬حتقيق ‪:‬‬
‫شعيب األرناؤوط وحممد نعيم العرقسوسي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة الرسالة يف بريوت ‪ ,‬ط‪, 9‬‬
‫‪1413‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬السري الكبري ‪ ,‬حملمد بن احلسن الشيباين ‪ ,‬وشرحه حملمد بن أمحد السرخسي ‪ ,‬حتقيق ‪:‬‬
‫صالح الدين املنجد ‪ ,‬وعبد العزيز أمحد ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مطبعة شركة اإلعالنات الشرقية ‪.‬‬
‫‪ -‬شرح منتهى اإلرادات دقائق أويل النهى لشرح املنتهى ‪ ,‬للشيخ منصور بن يونس بن‬
‫إدريس البهويت ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪ ,‬ط‬
‫‪1421 ,1‬هـ ‪2000 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬الشريعة اإلسالمية والقانون الدويل العام ‪ ,‬للمستشار علي علي منصور ‪1390 ,‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬الصحاح ‪ ,‬أليب نصر إمساعيل بن محاد اجلوهري الفارايب ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب يف بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح البخاري ‪ ,‬حملمد بن إمساعيل البخاري اجلعفي ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬مصطفى ديب البغا ‪,‬‬
‫الناشر ‪ :‬دار ابن كثري يف بريوت ‪ ,‬ط‪1407 , 3‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح سنن أيب داود ‪ ,‬حملمد ناصر الدين األلباين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مكتب الرتبية العربية‬
‫لدول اخلليج ‪ ,‬ط‪1409 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح مسلم ‪ ,‬ملسلم بن احلجاج أبو احلسني القشريي النيسابوري ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬حممد‬
‫فؤاد عبد الباقي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب يف بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬الضبط االجتماعي ‪ ,‬للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار رامتان يف جدة ‪ ,‬ط‪, 2‬‬
‫‪1402‬هـ ‪.‬‬
‫_ ضعيف سنن أيب داود ‪ ,‬حملمد ناصر الدين األلباين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬املكتب اإلسالمي ‪ ,‬ط‬
‫‪1412 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬طبقات الشافعية ‪ ,‬أليب بكر بن أمحد بن حممد بن عمر بن قاضي شهبة ‪ ,‬حتقيق ‪:‬‬
‫احلافظ عبد العليم خان ‪ ,‬الناشر ‪ :‬عامل الكتب يف بريوت ‪ ,‬ط‪1407 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬العرف يف الفقه اإلسالمي ‪ ,‬لعمر عبد العزيز ‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫‪ -‬العرف وأثره يف التشريع اإلسالمي ‪ ,‬ملصطفى عبد الرحيم أبو عجيلة ‪ ,‬الناشر ‪ :‬املنشأة‬
‫العامة للنشر والتوزيع واإلعالن يف طرابلس الغرب ‪1986 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬العرف وأثره يف الشريعة والقانون ‪ ,‬للدكتور أمحد سري املباركي ‪ ,‬ط‪1414 , 2‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬العرف والعادة يف رأي الفقهاء ‪ ,‬ألمحد فهمي أبو سنة ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مطبعة األزهر ‪,‬‬
‫‪1947‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬العرف والعمل يف املذهب املالكي ومفهومهما لدى علماء املغرب ‪ ,‬لعمر بن عبد‬
‫الكرمي اجليدي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مطبعة فضالة يف املغرب ‪1404 ,‬هـ ‪1984 ,‬م ‪.‬‬
‫‪-‬العالقات اخلارجية يف العصر اإلسالمي ‪ ,‬خلالد حممد القامسي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الثقافة‬
‫العربية ‪ ,‬ط‪1996 , 1‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬العالقات الدبلوماسية السعودية ‪ ,‬حملمد عمر مدين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬معهد الدراسات‬
‫الدبلوماسية ‪ ,‬ط‪1418 , 5‬هـ ‪,‬‬
‫‪ -‬العالقات الدولية ‪ ,‬جلوزيف فرانكل ‪ ,‬ترمجة ‪ :‬غازي عبد الرمحن القصييب ‪ ,‬الناشر ‪:‬‬
‫مكتبة هتامة يف جدة ‪ ,‬ط‪1404 , 2‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬العالقات الدولية ‪ ,‬للدكتور بلقاسم كرمين ‪ ,‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -‬علم اجتماع السياسة ‪ ,‬ملوريس دوفرجيه ‪,‬ترمجة ‪ :‬الدكتور سليم حداد ‪ ,‬الناشر ‪:‬‬
‫املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ‪ ,‬ط‪1411 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬علم االجتماع املعاصر ‪ ,‬للدكتور عبد اهلل اخلرجيي ‪ ,‬ط‪1977 , 1‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬علم أصول الفقه ‪ ,‬للشيخ عبد الوهاب خالف ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار القلم يف الكويت ‪ ,‬ط‬
‫‪1392 , 10‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬علم مقاصد الشرع ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز بن عبد الرمحن بن علي الربيعة ‪.‬‬
‫‪ -‬علم النفس وتطبيقاته االجتماعية والرتبوية ‪ ,‬للدكتور عبد العلي اجلسماين ‪ ,‬الناشر ‪:‬‬
‫الدار العربية للعلوم ‪ -.‬علم النفس االجتماعي ‪ ,‬للدكتور فؤاد البهى السيد والدكتور‬
‫سعد عبد الرمحن ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الفكر العريب يف القاهرة ‪1419 ,‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬فتح الباري ‪ ,‬ألمحد بن علي بن حجر العسقالين الشافعي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف‬
‫بريوت ‪1379 ,‬هـ ‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫‪ -‬الفروق ‪ ,‬أليب العباس أمحد بن ادريس القرايف ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬الفقه اإلسالمي بني املثالية والواقعية ‪ ,‬لألستاذ الدكتور حممد مصطفى شليب ‪ ,‬الناشر‬
‫الدار اجلامعية يف بريوت ‪1982 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬قاعدة العادة حمكمة ‪ ,‬للدكتور يعقوب بن عبد الوهاب الباحسني ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مكتبة‬
‫الرشد ‪ ,‬ط‪1423 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬القاعدة العرفية يف القانون الدويل ‪ ,‬لعبد الغين حممود ‪ ,‬ط‪1990, 1‬م ‪,‬دار النهضة‬
‫العربية ‪.‬‬
‫‪ -‬القاموس السياسي ‪ ,‬ألمحد عطية اهلل ‪.‬‬
‫‪ -‬القاموس احمليط ‪ ,‬ملمجد الدين حممد بن يعقوب الفريوزآبادي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬املؤسسة‬
‫العربية يف بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون البحري ‪ ,‬ملصطفى كمال طه ‪ ,‬الناشر ‪ :‬الدار اجلامعية ‪1993 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل ‪ ,‬لرينيه جان دوبوي ‪ ,‬ترمجة ‪ :‬الدكتور مسوحي فوق العادة ‪ ,‬الناشر ‪:‬‬
‫منشورات عويدات ببريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل اخلاص ‪ ,‬دراسة لقواعده العامة وتطبيقاته يف اململكة العربية السعودية ‪,‬‬
‫للدكتور حممد احلسيين مصيلحي ‪ ,‬ط‪. 8‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل اجلنائي ‪ ,‬لعبد الرحيم صدقي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار النهضة العربية ‪1980 ,‬م‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ‪ ,‬للدكتور الشافعي حممد بشري‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫الفكر العريب ‪ ,‬ط‪4‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل العام يف السلم واحلرب وتطبيقه يف دولة الكويت ‪ ,‬للدكتورة بدرية‬
‫العوضي ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حامد سلطان والدكتورة عائشة راتب والدكتور صالح‬
‫عامر‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار النهضة العربية ‪ ,‬ط‪1978 , 1‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مسوحي فوق العادة ‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عدنان طه مهدي الدوري والدكتور عبد األمري العكيلي‬
‫‪ ,‬الناشر ‪ :‬اجلامعة املفتوحة ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي إبراهيم ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار النهضة العربية يف القاهرة ‪,‬‬
‫‪1995‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور علي صادق أبوهيف‪ ,‬الناشر ‪ :‬منشأة املعارف‬
‫باإلسكندرية ‪ ,‬ط‪.11‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد سامي عبد احلميد والدكتور مصطفى حسني ‪,‬‬
‫الناشر ‪ :‬الدار اجلامعية ‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد جمذوب ‪1994 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد يوسف علوان ‪ ,‬ط‪1996 , 1‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل العام ‪ ,‬لشارل روسو ‪ ,‬الناشر ‪ :‬األهلية للنشر والتوزيع ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل العام ‪ ,‬مذكرة لطالب دورة العلوم اجلنائية لعام ‪1422‬هـ يف املعهد‬
‫العايل للقضاء ‪ ,‬للدكتور حممد احلسيين مصيلحي ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل حلقوق اإلنسان ‪ ,‬للدكتور جعفر عبد السالم ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتاب‬
‫املصري ‪ ,‬ط‪1419 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬القـ ــانون الـ ــدويل للبحـ ــار ‪ ,‬حملمـ ــد احلاج حممـ ــود ‪ ,‬الناشـ ــر ‪ ,‬مطبعـ ــة األديب البغداديـ ــة ‪,‬‬
‫‪1990‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل للبحار وتطبيقاته يف اململكة العربية السعودية ‪ ,‬حملمد عمر مدين ‪ ,‬ط‪, 2‬‬
‫‪1417‬هـ ‪1996 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الدويل املصادر واألشخاص ‪ ,‬للدكتور حممد سعيد الدقاق‪ ,‬الناشر ‪ :‬الدار‬
‫اجلامعية ‪ ,‬ط‪1983 , 2‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬قانون العالقات الدولية ‪ ,‬للدكتور جعفر عبد السالم ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتاب اجلامعي‬
‫للطبع والنشر ‪1982 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬قانون الفضاء الكوين ‪ ,‬لفاروق سعد ‪ ,‬الناشر ‪ :‬الدار اجلامعية ‪ ,‬ط‪1993 , 2‬م ‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫‪ -‬القضاء والعرف يف اإلسالم ‪ ,‬للدكتور مسري عالية ‪ ,‬الناشر ‪ :‬املؤسة اجلامعية للدراسات‬
‫والنشر والتوزيع ‪ ,‬ط‪1406 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬قواعد األحكام يف مصاحل األنام ‪ ,‬أليب حممد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم‬
‫السلمي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬الكايف ملوفق الدين أيب حممد عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة املقدسي ‪ ,‬حتقيق ‪:‬‬
‫عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬هجر للطباعة والنشر ‪1418 ,‬هـ ‪1997 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬كشاف القناع على منت اإلقناع ‪ ,‬ملنصور بن يونس بن إدريس البهويت ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬حممد‬
‫أمني الضناوي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬عامل الكتب يف بريوت ‪ ,‬ط‪1417 , 1‬هـ ‪1997‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار على أصول فخر اإلسالم البزدوي ‪ ,‬لعالء الدين عبد العزيز بن أمحد‬
‫البخاري ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتاب العربية يف بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬لسان العرب ‪ ,‬أليب الفضل مجال الدين حممد بن منظر األفريقي املصري ‪ ,‬تصحيح ‪:‬‬
‫أمني حممد عبد الوهاب و حممد الصادق العبيدي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب يف‬
‫بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬مبادئ الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور يوسف قاسم ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار النهضة العربية يف مصر‬
‫‪1398 ,‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬مبادئ القانون اجلنائي الدويل ‪ ,‬ألشرف توفيق مشس الدين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار النهضة‬
‫العربية يف القاهرة ‪1998 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬مبادئ القانون الدويل العام يف السلم واحلرب ‪ ,‬إلحسان هندي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار اجلليل‬
‫‪ ،‬ط‪1984 , 1‬م ‪,‬‬
‫‪ -‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور إبراهيم أمحد شليب ‪ ,‬الناشر ‪ :‬الدار اجلامعية ‪.‬‬
‫‪ -‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز حممد سرحان ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار النهضة‬
‫العربية يف القاهرة ‪1980 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد بوسلطان ‪ ,‬الناشر ‪ :‬ديوان املطبوعات‬
‫اجلامعية يف اجلزائر ‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫‪ -‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممد حافظ غامن ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مطبعة هنضة مصر‬
‫يف القاهرة ‪ ,‬ط‪1956 , 1‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬مبادئ القانون املقارن ‪ ,‬لعبد الرمحن البزاز ‪1385 ,‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬املبسوط ‪ ,‬لشمس الدين السرخسي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف بريوت ‪ ,‬ط‪. 2‬‬
‫‪ -‬جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ,‬مجع وترتيب ‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن قاسم‬
‫‪ ,‬الناشر ‪ :‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف يف املدينة املنورة ‪1416 ,‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬اجمللة املصرية للقانون الدويل ‪ ,‬مشكلة العقيدة القانونية للقاعدة العرفية يف القانون‬
‫الدويل العام ‪ ,‬للدكتور زهري احلسيين ‪1989 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬احملرر يف الفقه على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل ‪ ,‬للشيخ اإلمام جمد الدين أيب الربكات‬
‫‪ ,‬الناشر ‪ :‬مكتبة املعارف بالرياض ‪ ,‬ط‪1404 , 2‬هـ ‪1984 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬حمكمة العدل اإلسالمية الدولية ‪ ,‬للدكتور أمحد حممد رأفت ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار النهضة‬
‫العربية يف القاهرة ‪.‬‬
‫‪ -‬خمتار الصحاح ‪ ,‬حملمد بن أيب بكر بن عبد القادر الرازي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتاب العريب‬
‫يف بريوت ‪ ,‬ط‪1967 , 1‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬املدخل إىل الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز خياط ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الفكر يف‬
‫األردن ‪ ,‬ط‪1412 , 2‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬املدخل إىل القانون ‪ ,‬للدكتور حسن كريه ‪ ,‬الناشر ‪ :‬منشأة املعارف باإلسكندرية ‪,‬‬
‫‪1971‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬مدخل إىل القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور مأمون مصطفى ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار روائع‬
‫جمدالوي ‪.‬‬
‫‪ -‬املدخل إىل القانون الدويل العام ‪ ,‬حملمد عزيز شكري ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪.‬‬
‫‪ -‬املدخل الفقهي وتاريخ التشريع اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور عبد الرمحن الصابوين وآخرون ‪,‬‬
‫الناشر ‪ :‬مكتبة وهبة ‪.‬‬
‫‪ -‬املدخل يف الفقه اإلسالمي ‪ ,‬لألستاذ الدكتور حممد مصطفى شليب ‪ ,‬الناشر ‪ :‬الدار‬
‫اجلامعية يف بريوت ‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫‪ -‬املدخل يف الفقه اإلسالمي ‪ ,‬لألستاذ الدكتور مصطفى أمحد الزرقا ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار القلم‬
‫يف دمشق ‪ ,‬ط‪1418 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬املدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية ‪ ,‬للدكتور عبد الكرمي زيدان ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة ‪ ,‬ط‪1417 , 13‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬املدخل لدراسة الفقه اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور خالد عبد اهلل عيد ‪.‬‬
‫‪ -‬مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة اإلسالمية ‪ ,‬للدكتور عبد الناصر توفيق العطار‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬املدخل للعلوم القانونية والفقه اإلسالمي ‪ ,‬للمستشار علي علي منصور ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫الفتح للطباعة والنشر يف بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬املستدرك على الصحيحني ‪ ,‬حملمد بن عبد اهلل أبو عبد اهلل احلاكم النيسابوري ‪ ,‬حتقيق‬
‫‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية يف بريوت ‪ ,‬ط‪1411 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬مسند أمحد ‪ ,‬ألمحد بن حنبل أبو عبد اهلل الشيباين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة قرطبة يف مصر ‪.‬‬
‫‪ -‬مسند الطيالسي ‪ ,‬لسليمان بن داود أبو داود الفارسي البصري الطيالسي ‪ ,‬الناشر ‪:‬‬
‫دار املعرفة يف بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬مصادر األحكام اإلسالمية ‪ ,‬للدكتور زكريا الربى ‪1395 ,‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬مصادر التشريع اإلسالمي فيما ال نص فيه ‪ ,‬للشيخ عبد الوهاب خالف ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫القلم يف الكويت ‪ ,‬ط‪1392 , 3‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬مصادر التشريع اإلسالمي ‪ ,‬للدكتور حسنني حممود حسنني ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار القلم يف‬
‫الكويت ‪ ,‬ط‪1407 , 1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬املعجم األوسط ‪ ,‬لسليمان بن أمحد الطرباين ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬طارق بن عوض اهلل بن حممد و‬
‫عبد احملسن بن إبراهيم احلسيين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار احلرمني يف القاهرة ‪1415 ,‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬معجم منت اللغة ‪ ,‬للشيخ أمحد رضا ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار مكتبة احلياة يف بريوت ‪1379 ,‬م‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬معجم مقاييس اللغة ‪ ,‬أليب احلسني أمحد بن فارس بن زكريا ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬عبد السالم‬
‫حممد هارون ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫‪ -‬املعجم الوسيط ‪ ,‬إخراج ‪ :‬إبراهيم مصطفى وآخرون ‪.‬‬
‫‪ -‬املعيار املعرب واجلامع املغرب عن فتاوي علماء إفريقية واألندلس واملغرب ‪ ,‬ألمحد بن‬
‫حيىي الونشريسي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الغرب اإلسالمي يف بريوت ‪1401 ,‬هـ ‪19811 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬املغين يف فقه اإلمام أمحد بن حنبل ‪ ,‬لإلمام موفق الدين أيب حممد عبد اهلل بن أمحد بن‬
‫قدامة ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الفكر يف بريوت ‪ ,‬ط‪1405 , 1‬هـ ‪1984 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬مغين احملتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج ‪ ,‬حملمد الشربيين اخلطيب ‪ ,‬على منت املنهاج‬
‫‪ ,‬أليب زكريا حيىي بن شرف النووي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مطبعة مصطفى البايب احلليب وأوالده مبصر‬
‫‪1377 ,‬هـ ‪1958 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬مفهوم الفقه اإلسالمي ‪ ,‬لنظام الدين عبد احلميد ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪.‬‬
‫‪ -‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها ‪ ,‬لعالل الفاسي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬مقدمة يف علم االجتماع ‪ ,‬للدكتور حسني شبكه وآخرون ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار القلم يف ديب‬
‫‪ ,‬ط‪1986 , 1‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬املهذب يف فقه الشافعي ‪ ,‬أليب إسحاق الشريازي ‪ ,‬حتقيق ‪ :‬حممد الزحيلي ‪ ,‬الناشر ‪:‬‬
‫دار القلم يف دمشق ‪1417 ,‬هـ ‪1996 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬املوافقات يف أصول الشريعة ‪ ,‬إلبراهيم بن موسى الشاطيب ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة يف‬
‫بريوت ‪.‬‬
‫‪ -‬املوجز يف قانون التجارة الدولية ‪ ,‬لطالب حسن موسى ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مكتبة دار الثقافة يف‬
‫األردن ‪.‬‬
‫‪ -‬ندوة العرف العشائري بني الشريعة والقانون ‪ ,‬حترير ‪ :‬حممد عدنان البخيت وآخرون ‪,‬‬
‫‪1990‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬نشر العرف يف بناء بعض األحكام على العرف ‪ ,‬رسالة من جمموعة رسائل البن‬
‫عابدين ‪ ,‬الناشر ‪ :‬عامل الكتب ‪.‬‬
‫‪ -‬النظام القانوين للفضاء اخلارجي واألجرام السماوية ‪ ,‬لعلي أجمد علي ‪ ,‬الناشر‪ :‬دار‬
‫النهضة العربية يف القاهرة ‪1979 ,‬م ‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫‪ -‬النظرية العامة للقانون ‪ ,‬للدكتور مصطفى حممد اجلمال و الدكتور عبد احلميد حممد‬
‫اجلمال ‪ ,‬الناشر ‪ :‬الدار اجلامعية ‪1987 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬النظرية العامة للقانون ‪ ,‬للدكتور مصطفى حممد عرجاوي ‪ ,‬الناشر ‪ :‬دار املنار ‪ ,‬ط‪, 2‬‬
‫‪1406‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬نظرية العرف ‪ ,‬للدكتور عبد العزيز اخلياط ‪ ,‬الناشر ‪ :‬مكتبة األقصى ‪1397 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬هناية احملتاج إىل شرح املنهاج يف الفقه على مذهب اإلمام الشافعي ‪ ,‬لشمس الدين‬
‫حممد بن أيب العباس أمحد بن محزة بن شهاب الدين الرملي املنويف املصري األنصاري‬
‫الشهري بالشافعي الصغري ‪ ,‬الناشر ‪ :‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البايب احلليب وأوالده‬
‫مبصر ‪ ,‬الطبعة األخرية ‪1386 ,‬هـ ‪1967 ,‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬نيل املآرب يف هتذيب شرح عمدة الطالب ‪ ,‬لعبد اهلل بن عبد الرمحن آل بسام ‪ ,‬الناشر‬
‫‪ :‬النهضة احلديثة مبكة ‪ ,‬ط‪. 2‬‬
‫‪ -‬الوجيز يف القانون الدويل العام ‪ ,‬للدكتور حممود مرشحه ‪ ,‬منشورات جامعة حلب ‪.‬‬
‫‪ -‬الوسيط يف تاريخ القانون والنظم القانونية ‪ ,‬للدكتور عبد السالم الرتمانيين ‪ ,‬ط‪, 3‬‬
‫‪1402‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬الوسيط يف النظم السياسية والقانون الدستوري ‪ ,‬للدكتور نعمان أمحد اخلطيب ‪,‬‬
‫الناشر ‪ :‬جامعة مؤتة ‪1999 ,‬م ‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫فهرس‬
‫الموضوعات‬
‫املوضوع‬
‫الصفحة‬

‫املقدمة ‪3..........................................................................‬‬
‫أمهية املوضوع ‪3..................................................................‬‬
‫أهداف املوضوع ‪5.................................................................‬‬
‫أسباب اختياره ‪..................................................................‬‬
‫‪5‬‬
‫الدراسات السابقة ‪5...............................................................‬‬
‫منهج البحث ‪6...................................................................‬‬
‫تقسيمات البحث ‪9...............................................................‬‬

‫‪314‬‬
‫التمهيد‬
‫التعريف اللغوي للعرف ‪18.........................................................‬‬
‫تعريف العرف يف اصطالح علماء الشريعة ‪........................................‬‬
‫‪22‬‬
‫املقارن ـ ــة بني التعري ـ ــف اللغ ـ ــوي والتعري ـ ــف الفقهي‪.....................................‬‬
‫‪27‬‬
‫تعريف العرف يف اصطالح شراح القانون ‪28........................................‬‬
‫املقارنة بني التعريف الفقهي والتعريف القانوين للعرف‪30 .............................‬‬
‫تعريف العرف يف اصطالح علماء االجتماع‪31 ......................................‬‬
‫تعريف العرف يف اصطالح علماء النفس‪33 .........................................‬‬
‫تعريف العرف الدويل باعتباره علمًا ولقباً‪35.........................................‬‬
‫أمهية العرف الدويل يف القانون الدويل العام‪40 .......................................‬‬
‫أمهية العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‪44 ...........................................‬‬
‫املقارنة بني أمهية العريف الدويل يف الفقه اإلسالمي وبني أمهيته يف القانون الدويل‬
‫العام‪46 ..........................................................................‬‬
‫الفرق بني العرف الدويل وقواعد اجملامالت الدولية يف القانون الدويل العام‪............‬‬
‫‪49‬‬
‫الفرق بني العرف الدويل وقواعد اجملامالت الدولية يف الفقه اإلسالمي‪................‬‬
‫‪53‬‬
‫املقارن ــة بني نظ ــرة الق ــانون ال ــدويل والفق ــه اإلس ــالمي للف ــرق بني الع ــرف ال ــدويل واجملامل ــة‬
‫الدولية‪55 ........................................................................‬‬
‫الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق الدولية يف القانون الدويل العام‪57 ...........‬‬
‫الفرق بني العرف الدويل وقواعد األخالق الدولية يف الفقه اإلسالمي‪................‬‬
‫‪62‬‬
‫الفرق بني العرف الدويل والعادات الدولية يف القانون الدويل العام‪65 ..................‬‬

‫‪315‬‬
‫الفرق بني العرف الدويل والعادات الدولية يف الفقه اإلسالمي‪67 ......................‬‬
‫املقارنة بني نظريت القانون الدويل والفقه اإلسالمي حول الفرق بني العرف الدويل والعادة‬
‫الدولية‪69 ........................................................................‬‬
‫الفصل األول‬
‫منشأ العرف الدويل‪.............................................................‬‬
‫‪72‬‬
‫التصرفات احلكومية املنشئة للعرف الدويل‪77 ........................................‬‬
‫تصرفات السلطة التنفيذية‪78 .......................................................‬‬
‫تصرفات السلطة التشريعية‪79 ......................................................‬‬
‫تصرفات السلطة القضائية‪82 .......................................................‬‬
‫التصرفات الدولية املنشئة للعرف الدويل‪84...........................................‬‬
‫املعاهدات الدولية‪85...............................................................‬‬
‫موقف حمكمة العدل الدولية من إنشاء املعاهدات للعرف الدويل‪92.....................‬‬
‫طبيعة العالقة بني العرف واملعاهدة‪96 ...............................................‬‬
‫املنظمات الدولية‪101..............................................................‬‬
‫احملاكم الدولية‪................................................................‬‬
‫‪106‬‬
‫دور الدول الكربى يف إنشاء العرف الدويل‪110......................................‬‬
‫دور اإلعالنات العامة يف إنشاء العرف الدويل ‪113...................................‬‬
‫دور الشراح يف إنشاء العرف الدويل ‪............................................‬‬
‫‪116‬‬
‫دور أفراد اجملتمع يف إنشاء العرف الدويل‪115........................................‬‬
‫موقف الفقه اإلسالمي من األمور املنشئة للعرف الدويل‪117 ..........................‬‬
‫أركان العرف الدويل يف القانون الدويل العام‪122 ....................................‬‬
‫الركن املادي ‪123.................................................................‬‬

‫‪316‬‬
‫الركن املعنوي‪................................................................‬‬
‫‪124‬‬
‫أركان العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‪130 ........................................‬‬
‫شروط العرف الدويل يف القانون الدويل العام‪....................................‬‬
‫‪133‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬تكرار السلوك أو السابقة‪134 .......................................‬‬
‫الشرط الثاين ‪ :‬عامل الزمن ‪138 ...................................................‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬القبول والتبادل‪146................................................‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أن يكون عامًا وشائعًا‪147 ..........................................‬‬
‫الشـ ـ ــرط اخلامس ‪ :‬عـ ـ ــدم خمالفـ ـ ــة العـ ـ ــرف الـ ـ ــدويل لآلداب وقواعـ ـ ــد األخالق واالتفاقيـ ـ ــات‬
‫العامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪.........................................................................‬‬
‫‪153‬‬
‫شروط العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‪........................................‬‬
‫‪154‬‬
‫الشـ ـ ـ ــرط األول ‪ :‬أن يكـ ـ ـ ــون مطـ ـ ـ ــردًا أو غالب ـ ـ ـ ـًا‪........................................‬‬
‫‪155‬‬
‫الشـ ـ ــرط الثـ ـ ــاين ‪ :‬أال يعـ ـ ــارض اتفاقيـ ـ ــة من االتفاقيـ ـ ــات‪.................................‬‬
‫‪157‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬أن يكون موجودًا وقت إنشاء التصرف‪158 .........................‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أال خيالف الشريعة اإلسالمية‪159 ....................................‬‬
‫الفصل الثاين‬
‫أقسام العرف الدويل يف القانون الدويل العام‪163.....................................‬‬
‫تقسيم العرف الدويل من حيث العموم واخلصوص‪...............................‬‬
‫‪164‬‬
‫العرف الدويل العام‪164...........................................................‬‬

‫‪317‬‬
‫العرف الدويل اخلاص‪166 .........................................................‬‬
‫معارضة العرف الدويل العام للعرف الدويل اخلاص يف القانون الدويل العام‪173 .........‬‬
‫معارضة العرف الدويل العام للعرف الدويل اخلاص يف الفقه اإلسالمي‪176 .............‬‬
‫تقسيم العرف الدويل من حيث جواز االتفاق على خالفه إىل عرف دويل آمر وعرف‬
‫دويل مكمل‪..................................................................‬‬
‫‪177‬‬
‫تقسيم العرف الدويل من حيث اإلجياب والسلب‪................................‬‬
‫‪179‬‬
‫العرف الدويل اإلجيايب‪.........................................................‬‬
‫‪179‬‬
‫العرف الدويل السليب‪..........................................................‬‬
‫‪179‬‬
‫أقسام العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‪.........................................‬‬
‫‪181‬‬
‫تقسيم العرف الدويل من حيث الصحة والفساد‪182 .................................‬‬
‫العرف الدويل الصحيح‪182........................................................‬‬
‫العرف الدويل الفاسد‪183 .........................................................‬‬
‫تقسيم العرف الدويل من حيث القول والعمل‪....................................‬‬
‫‪184‬‬
‫العرف الدويل القويل ‪..........................................................‬‬
‫‪184‬‬
‫العرف الدويل العملي ‪185.........................................................‬‬
‫تقسيم العرف الدويل من حيث مصدره املنشئ له ‪187...............................‬‬
‫عرف دويل مستند إىل دليل شرعي ‪.............................................‬‬
‫‪187‬‬

‫‪318‬‬
‫عرف دويل غري مستند إىل دليل شرعي ‪.........................................‬‬
‫‪187‬‬
‫خصائص العرف الدويل ‪189.......................................................‬‬
‫تدوين العرف الدويل‪..........................................................‬‬
‫‪193‬‬
‫التدوين العلمي ‪194...............................................................‬‬
‫التدوين الرمسي ‪197...............................................................‬‬
‫دور األمم املتحدة يف تدوين العرف الدويل ‪......................................‬‬
‫‪199‬‬
‫الص ـ ــعاب ال ـ ــيت تع ـ ــرتض التق ـ ــنني وكيفي ـ ــة مواجهته ـ ــا‪...................................‬‬
‫‪203‬‬
‫أثر التقنني يف العرف الدويل ‪205...................................................‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫حجية العرف الدويل ‪..........................................................‬‬
‫‪208‬‬
‫أدلة العرف الدويل‪.............................................................‬‬
‫‪211‬‬
‫من الكتاب‪211...................................................................‬‬
‫من السنة‪213 ....................................................................‬‬
‫استناد العرف الدويل على رفع احلرج‪214...........................................‬‬
‫استناد العرف الدويل على املصلحة املرسلة‪.......................................‬‬
‫‪214‬‬
‫استناد العرف الدويل على االستقراء‪............................................‬‬
‫‪215‬‬
‫األساس اإللزامي للعرف الدويل‪216 ................................................‬‬

‫‪319‬‬
‫األساس اإللزامي للعرف الدويل يف القانون الدويل العام ‪..........................‬‬
‫‪217‬‬
‫املدرسة اإلرادية‪217 ..............................................................‬‬
‫املدرسة املوضوعية‪226 ............................................................‬‬
‫األساس اإللزامي للعرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‪...............................‬‬
‫‪232‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫أثر العرف الدويل‪.............................................................‬‬
‫‪234‬‬
‫أثر العرف الدويل يف الفقه اإلسالمي‪235 ...........................................‬‬
‫أثر العرف الدويل يف الفقه احلنفي ‪236..............................................‬‬
‫أثر العرف الدويل يف الفقه املالكي ‪..............................................‬‬
‫‪246‬‬
‫أثر العرف الدويل يف الفقه الشافعي‪.............................................‬‬
‫‪248‬‬
‫أثر العرف الدويل يف الفقه احلنبلي‪...............................................‬‬
‫‪253‬‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون الدويل العام ‪258.......................................‬‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون الدويل العريف‪.......................................‬‬
‫‪259‬‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون الدبلوماسي‪260........................................‬‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون البحري‪............................................‬‬
‫‪267‬‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون الفضائي‪271...........................................‬‬

‫‪320‬‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون التجاري الدويل ‪....................................‬‬
‫‪272‬‬
‫أثر العرف الدويل يف القانون الدويل حلقوق اإلنسان‪274..............................‬‬
‫أثر العرف الدويل يف املعاهدات الدولية‪275 .........................................‬‬
‫أثر العرف الدويل يف إنشاء املعاهدات ‪276..........................................‬‬
‫أثر العرف الدويل يف تفسري املعاهدات‪278 ..........................................‬‬
‫أث ـ ــر الع ـ ــرف ال ـ ــدويل يف تع ـ ــديل املعاه ـ ــدات‪...........................................‬‬
‫‪279‬‬
‫أثـ ـ ــر العـ ـ ــرف الـ ـ ــدويل يف إهناء املعاهـ ـ ــدات ‪............................................‬‬
‫‪280‬‬
‫أثر العرف الدويل يف احملاكم‪281 ...................................................‬‬
‫أثر العرف الدويل يف احملاكم الداخلية‪282 ...........................................‬‬
‫أثر العرف الدويل يف احملاكم الدولية‪283.............................................‬‬
‫أثر العرف الدويل يف حمكمة العدل الدولية‪284 ......................................‬‬
‫أث ـ ــر الع ـ ــرف ال ـ ــدويل يف حمكم ـ ــة الع ـ ــدل اإلس ـ ــالمية‪....................................‬‬
‫‪285‬‬
‫أث ـ ــر الع ـ ــرف ال ـ ــدويل يف احملكم ـ ــة اجلنائي ـ ــة الدولي ـ ــة‪.....................................‬‬
‫‪287‬‬
‫أثر العرف الدويل يف أنظمة اململكة العربية السعودية‪288..............................‬‬
‫اخلامتة ‪291.......................................................................‬‬
‫الفهارس‪294 .....................................................................‬‬
‫فهرس اآليات‪295 ...............................................................‬‬
‫فهرس األحاديث‪296..............................................................‬‬
‫فهرس األعالم‪.................................................................‬‬
‫‪297‬‬

‫‪321‬‬
‫فهرس املصادر‪................................................................‬‬
‫‪298‬‬

‫‪322‬‬

You might also like