Professional Documents
Culture Documents
دور الدولة في ظل العولمة دراسة حالة الجزائر 3
دور الدولة في ظل العولمة دراسة حالة الجزائر 3
رسالة مقدمة إلستكمال متطلبات نيل شهادة الماجستير نظام مدرسة الدكتوراه في العلوم اإلقتصادية
تخصص :التمويل الدولي والمؤسسات المالية وال َنقدية
َ
بعنوان:
لـــجنة المنـــاقشة
أهميةالموضوع:
أَ -
تقوم الدولة وعلى مر العصور وباختـالف النظم االقتصادية بـدور هام وكبير في حياة األفراد والجماعـات ،حيث
أنها تشكل في الوقت الحالي الشكل األساسي البارز ،إال أن كثي ار من الشك والجدل يدور حول مدى احتمال
استمرارها بالشكل الراهن ،خاصة وأن هناك بعض األوضاع والعوامل والظواهر االجتماعية واألسباب السياسية
واالقتصادية التي تدعو نحو هدم كيان الدولة كتنظيم سياسي فعال ،وقد تؤدي إلى تقليص دورها إلى أدنى مستوى في
كثير من مناطق العالم ،أو قد تعمل -على العكس من ذلك -على اختفاء بعض هذه الدول وظهور دول أخرى جديدة
تقوم على أساس الشعور بعدم االنتماء إلى أمة واحدة كما حدث نتيجة لتفكك االتحاد السوفيتي ،أو كما حدث أيضا
في يوغوسالفيا كمحصلة لصراع الكيانات العرقية والدينية المتناحرة.
ومع ذلك فالرأي السائد أن ظهور مثل هذه الدول الجديدة هو أمر طارئ ومؤقت إلشباع بعض النزعات
والعواطف الوطنية ،وأن هذا الوضع سوف يختفي في المستقبل غير البعيد ألنه ال يتناسب مع المتطلبات الجديدة
التي تفرضها "اتجاهات العولمة" والتي تدفع اآلن بعض الدول المستقلة ذات السيادة إلى اندماج بعضها مع البعض
اآلخر لتكوين كيانات سياسية واقتصادية كبرى متكاملة تقوم على أسس ومبادئ قد ال تتفق مع المفاهيم التقليدية التي
كانت ترتكز عليها كل دولة من تلك الدول ،مثل مفهومي الوطنية والسيادة وغيرهما.
لقد تباينت اآلراء حول دور الدولة في زمن العولمة حيث يقود ذلك اتجاهان:
-أولهما ينظر إلى العولمة كعامل ايجابي ،بينما يدعو االتجاه اآلخر إلى تصور مخالف .فأنصار العولمة
يروجون القول بأن الليبرالية الجديدة التي تحملها العولمة ليست ضد الدولة ولكنها مخطط إيجابي لتحمل الدولة مجددا
مسؤوليتها في حفظ األمن والحق على اعتبار أن الدولة الليبرالية ال تتحقق بمجرد التعاقب الشخصي على السلطة
إنما بشكل أساس بتغير األنماط السياسية انطالقا من مبدأين :األمن االقتصادي وحرية االختيار.
-أما االتجاه الثاني فيدعو إلى تصور مخالف ،إلى كون أن الدولة الليبرالية تتنصل اآلن من دولة
الخدمات ،وأن العولمة كالخوصصة فكرة نافذة تولد االعتقاد على أنها األداة الفعالة والقوية لتصفية مكتسبات دولة
الخدمة االجتماعية.
فدور الدولة في النشاط االقتصادي مر بعدة مراحل وفق مختلف المتغيرات والظروف ،وأصبحت العولمة المحدد
األساسي لهذا الدور ،ويبقى موضوع دور الدولة محل بحث ودراسات ،تتحكم فيه مختلف االتجاهات الفكرية
والمتغيرات الجديدة.
ب
المق َدمـة
ب-اإلشكالية:
في ظل العولمة والتحوالت الجذرية التي يعرفها االقتصاد العالمي والتي لها األثر الكبير على دور الدولة في
النشاط االقتصادي ،فإن التساؤل الموالي يطفو إلى السطح:
من خالل التساؤل السابق تبرز التساؤالت الفرعية التالية التي تسمح بتوضيح أكثر للتساؤل الرئيسي:
-ما هو مفهوم العولمة االقتصادية وما هي خصائصها األساسية وما مدى تأثيرها على دور الدولة ؟.
ت-الفرضيات:
-زيادة تدخل الدولة في النشاط االقتصادي ومحاولة تكييفه وترشيده حسب المستجدات والمتغيرات الحاصلة
إلحداث تنمية اقتصادية وتحسين مختلف القطاعات والمجاالت.
-تقلص دور الدولة في النشاط االقتصادي ومحاولة االندماج في االقتصاد العالمي الذي تحكمه آليات
العولمة ،والتي لها األثر الكبير على دور الدولة في النشاط االقتصادي.
-محاولة الدولة التوفيق وتحقيق التوازن في دورها ،وذلك من خالل التركيز على قطاعات ذات أثر كبير على
التوازن االقتصادي ،دون إهمال قطاعات تمتاز بالمرونة وذات فعالية كبيرة.
ث-أسباباختيارالموضوع:
كما أشرنا سابقا فإن التغير في دور الدولة مر بعدة مراحل وعقبات ،ففي التسعينيات اتجهت الجزائر نحو
خصخصة المشروعات العامة ،واعطاء المزيد من الحرية للمشروعات الخاصة ،وتقلص وسائل الرقابة عليها في
محاولة إلعطاء دفعة لالقتصاد الجزائري ،وكذا تطبيقا لبرام صندوق النقد الدولي اإلصالحية من أجل االندماج في
االقتصاد العالمي.
وما أحدثته األزمة المالية األخيرة ،أي أزمة الرهونات العقارية من تغير جديد في الفكر االقتصادي حول دور
الدولة ،حيث ظهر من خالل تأميم لشركات خاصة بما فيها وحدات القطاع المصرفي ،وهذا لتجنب إفالسها
وانهيارها ،وكذلك تقديم الدعم المالي ،كالذي تم منحه للشركة الصناعية "بوينغ األمريكية" للطيران والخدماتية "أليطاليا
ج
المق َدمـة
اإليطالية" ،مع استخدام السياسات النقدية والمالية للحيلولة دون انهيار النظام النقدي الدولي واعادة التوازن
لالقتصادي العالمي.
هاته التغيرات التي برزت كعامل أساسي في االقتصاد العالمي ،دعت إلى إظهار وتبيان المكان والموضع
االقتصادي لدور الدولة ،وموقف هاته األخيرة من المتغيرات االقتصادية العالمية ،وكذلك موقفها من دعاة اقتصاد
السوق الحر بشكل شبه مطلق.
إن هاته التغيرات التي أصابت دور الدولة في النشاط االقتصادي ،وما فرضته العولمة من حتميات على مختلف
اقتصاديات الدول ،باإلضافة إلى ما أحدثته األزمة المالية األخيرة من تغير في دور الدولة في النشاط االقتصادي في
محاولة منها إلعادة التوازن واالستقرار والتأقلم مع المتغيرات العالمية ،أدت إلى اختيار هذا الموضوع باإلضافة إلى
محاولة إلظهار موقع ودور الدولة الجزائرية في النشاط االقتصادي في ظل العولمة.
ج-أهدافالبحث:
من خالل هذا البحث ،تم تحديد مجموعة من األهداف تمثلت في:
-تحديد واعطاء مفهوم أوسع حول ماهية الدولة وكذلك تبيان سمـاتها والخصائص التي تتميز بها.
-توضيح مفهوم العولمة وما أفرزته من تغيرات وحتميات وربطها باالقتصاد الجزائري.
ح-منهجالبحث:
يعتبر موضوع دور الدولة من أهم المواضيع المطروحة ،خاصة في ظل المتغيرات االقتصادية ،ولتحديد العالقة
الموجودة بين هذا الدور والعولمة ومدى األثر الذي تفرضه العولمة على الدولة ودورها في النشاط االقتصادي ،فقد تم
تبني "المنه الوصفي التحليلي" الذي من خالله يتم وصف الظواهر والعمل على تحليلها.
كما أن التطرق لموضوع دور الدولة في النشاط االقتصادي ،واستعراض مختلف التغيرات التي تسمح ببناء
موضوع متكامل ،يدفعنا إلى تبني "المنه التاريخي" ،الذي يحدد لنا مختلف المراحل والسياسات المتبنية من طرف
الدولة إلحداث توازن في االقتصاد على المستوى الكلي والجزئي ،وموقف الجزائر من هاته السياسات ،مع االستعانة
ببعض المقوالت واألفكار التي من شأنها أن تخدم الموضوع قيد البحث الذي له عالقة باالقتصاد والسياسة وكذلك
المجتمع ،ومدى الوعي الذي يكت نف العناصر الفاعلة والمؤثرة في دور الدولة في الحياة االقتصادية بمختلف
مستوياتها.
د
المق َدمـة
التاريخي يسمح بتحديد فهما معمقا للعمليات التي يتم بموجبها اختيار هاته السياسات أو تلك مع والمنه
تنفيذها.
ومن أجل إسقاط دور الدولة في النشـاط االقتصـادي على الجـزائر ،يمكن االستعانة بـ"المنه اإلحصائي" ،الذي
من خالله يمكن توضيح دور الدولة بشكل أكثر فعالية ،كما أن هذا النوع من المواضيع يتطلب استعمال بعض
اإلحصائيات لالستدالل والتوضيح.
وباعتبار أن الجزائر يظهر فيها دور الدولة بشكل واضح ،خاصة في ظل التغيرات الجديدة ،فقد تم تبني "منه
دراسة حالة" الذي يزيد موضوع قيد الدراسة مصداقية وأكثر دعما.
خ-خطةالبحث:
بغرض اإلحاطة بكل جوانب الد ارسة تم تقسيم البحث إلى الفصول والمباحث التالية :
أ -الفصل األول :خصص لتسليط الضوء على اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي ،وذلك من
خالل بعض المفاهيم العامة للدولة ،مع التطرق إلى مختلف النظريات الخاصة بالفكر االقتصادي من فكر إسالمي
واشتراكي وكذلك الفكر الليبرالي والتي صاحبت مختلف التغيرات والتطورات.
ب -الفصل الثاني :جاء إلظهار أثر العولمة على دور الدولة ،حيث من خالله تم تحديد مفهوما للعولمة ،وما
قدمته هاته األخيرة من تداعيات وتغيرات من خالل آلياتها ومؤسساتها ،وذلك في محاولة لربط هاته الظاهرة بدور
الدولة في النشاط االقتصادي ،وتحديد العالقة بينهما عموما ،وكذلك مدى أثر األزمات االقتصادية على هذا الدور
خاصة األزمة المالية الراهنة.
ج -الفصل الثالث :من خالله تم إبراز أثر العولمة على دور الدولة في النشاط االقتصادي في الجزائر ،وذلك من
خالل تحديد المالمح األساسية لالقتصاد الجزائري ،مع إظهار مكانة هذا الدور في النشاط االقتصادي على المستويين
الجزئي والكلي ،ومدى أثر األزمة المالية الراهنة على الدور االقتصادي للدولة الجزائرية.
ه
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
تمهيد:
إن الحديث عن دور الدولة االقتصادي هو حديث عن ترشيد وتحسين أدائها االقتصادي ،واذا كان وجود الدولة َ
فإن التعـ َرف على ال َشكل األمثل لـدورها االقتصادي هو شرط للتَنمية ونجاحها ،كما
ضروريا الستمرار حياة المجتمعَ ،
القوية ضرورة ال غنى عنها.
أن الدولة َ
َ
االقتصادية ،وليس
َ أن أحـد أهم الموضوعـات المثيرة للجدل في الفكر االقتصـادي هو حجم دور الدولة فـي الحياة
كما َ
كل
العامة في َ
االقتصادية على ضرورة حضور الدولة في الحياة َ
َ دور الدولة ،ال بل يكاد يكون هناك إجماع في األدبيات
االقتصادية ودفع عجلة
َ النشاطات
المذاهب الفكرَية ،ولكن الخالف يكمن في حجم التدخل "الحكومي" الالزم إلحياء َ
االقتصادية والَتي هي محط خالف بين المدارس االقتصادية ،فدور الدولة اختلف من فكر إلى آخر وحسب
َ التَنمية
السائدة ،ويبقى محل بحث وتجدد باستمرار ،وهذا الفصل يستعرض اإلطار النظـري لدور الدولة في
الظروف والعوامل َ
النشاط االقتصادي من خـالل إظهار بعض المفاهيم والمضامين المتعلقة بالدولة ،وكذلك دور الدولة في مختلفَ
المدارس الفكرية واالتجاهات المعاصرة لهذا الدور.
2
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
تعتبر الدولة أهم مؤسسة تسهر على تسيير المجتمع وتدبير شؤونه ،وهي بذلك أشمل تنظيم يعكس مجموعة أفراد
المجتمع ،ويتجلى هذا التنظيم في عدد من المؤسسات اإلدارية والقانونية والسياسية واالقتصادية التي تتطابق مع
أن وجود الدولة نابع من قصور المجتمع عن تسيير شؤونه في غياب هذه المؤسسة التي متطلبات المجتمع ،كما َ
تحفظ وجوده وتضمن استم ارريته.
لكن بالرغم من هذه األهمية التي تشغلها مسألة الدولة ،يبقى تعريف الدولة غامضا ،وهذا الغموض مصدره
األدوار المعقدة التي تلعبها الدولة والتناقضات الواضحة التي ترافقها ،والمبحث التالي يوضح بعض التعاريف للدولة
وكل ما يتعلق بها.
قبل البداية في مضمون كلمة الدولة من أركان وعناصر وغير ذلك سيتم عرض أوالا أصل هذه الكلمة والتعريفات
التي جاء بها بعض الفالسفة والمفاهيم المتعلقة بها.
إن كلمة دولة عندما كانت تذكر في القديم كانت تعني أو تدل على وجود مجتمع فيه طائفة تحكم وأخرى تطيع،
َ
والدولة جاءت أو تشكلت عبر الزمان من خالل وجود مساحة من األرض هذه األرض يتوفر بها أسباب العيش ،من
مـاء وغذاء ومرعى وطقس جيد ،فتقوم هـذه األرض المتوفر بها أسبـاب العيش بجذب السكان إليها ،والسكان عندما
يحضرون إليها يكون عددهم قليل جدا فيتزاوجوا وينجبوا جيال جديدا وعددا جديدا ،وفي هذا الحال ينتقل هذا العدد
القليل من أسره قليلة العدد يحكمها األب إلى عشيرة يوجد بها عدد من األفراد يحكمها شيخ العشيرة ،فتستمر عملية
زيادة عدد األفراد بأشكال مختلفة وينتج عن ذلك قرية ثم تتحول هذه القرية إلى قرى ثم تتحول هذه القرى إلى مدينة ثم
إلى مدن ومن ثم ومع زيادة عدد المدن تتشكل الدولة التي تحكمها سلطة معينة وهي عبارة عن عدد من أبناء
الشعب).(1
"والدولة دوما هي مفهوم نظري ،ولذا فإ َنه ال يمكن قيامها بأي صفة ملموسة أو مادية إال حين تعبر عن نفسها
بأنها موجودة ،وهي كالشركة القانونية ،كيان قانوني").(2
من خالل الحكومة والدولة الموجودة فقط ،أل َن الشعب يؤمن َ
-2تعريف الدولة:
-1إبراهيم شيحا ،الوجيز في النظم السياسية والقانون الدستوري ،الدار الجامعية ،بيروت ،0222 ،ص .54
-2محمد المجذوب ،القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،0220 ،ص .87
3
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
لقد تناول تعريف الدولة مجموعة من الفالسفة يمكن أن نستعرض بعض ا منها:
بأنها "مجموعة من األفراد تستقر على عرف الدولة َ -الفقيه الفرنسي كاري دي مالبيرج َ carre de mailbag
إقليم معين تحت تنظيم خاص ،يعطي جماعة معينة فيه سلطة عليها تتمتع باألمر واإلكراه").(1
بأنها "إتحاد يحفظ داخل مجتمع محدد إقليميا مختلف الظروف الخارجية يعرف الدولة َ
-ماكيفر َ mcypher
العامة للنظام االجتماعي وذلك للعمل من خالل قانون يعلن حكومة مخولة بسلطة قهرية لتحقيق هذه الغاية").(5
-الدكتور بطرس غالي والدكتور خيري عيسى في المدخل في علم السياسة" :مجموعة من األفراد يقيمون بصفة
دائمة في إقليم معين ،تسيطر عليهم هيئة منظمة ،استقر الناس على تسميتها الحكومة") .(6ويحدد المؤلفان ثالثة
عناصر البد منها لكيان الدولة هي :مجموعة األفراد ،اإلقليم ،الحكومة.
-أ َما ديفو defoeيعرف الدولة "مجموعـة من األفراد مستقرة في إقليم محدد تخضع لسلطة صاحبة السيادة،
مكلفة أن تحقق صالح المجموعة ،ملتزمة في ذلك مبادئ القانون") .(7وهو بذلك يحدد أربعة أركان لقيام الدولة هي:
مجموعة من األف ارد ،اإلقليم ،السلطة ،السيادة.
-رينه جان دولوي ،القانون الدولي" :سلطة النظام الحكومي تمارسها حكومات قوية على العديد من السكان
أن الدولة تتـألف من ثالثة عناصر :السكان ،اإلقليم،
الموزعين في مناطق واسعة أو صغيرة" .لـذلك فهو يعتبر َ
)(8
الحكومة.
-1عبد هللا العروي ،مفهوم الدولة ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء– بيروت ،ط ،0220 ،28ص .78
-2د .محمد الدجاني -د .منذر الدجاني ،الحكم واإلدارة ،منشورات جامعة القدس ،0222 ،ص .20
-3عبد هللا العروي ،المرجع نفسه ،ص .78
-4د .محمد الدجاني -د .منذر الدجاني ،نفس المرجع ،ص .20
-5د .نعمان أحمد الخطيب ،الوجيز في النظم السياسية ،دار الثقافة للنشر ،بدون مكان النشر ،7111 ،ص .71
-6عبد هللا العروي ،المرجع نفسه ،ص .77
-7د .نعمان أحمد الخطيب ،نفس المرجع ،ص .02
-8عبد هللا العروي ،مفهوم الدولة ،مرجع سابق ،ص .77
4
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
-الدكتور نظام بركات والدكتور عثمان الرواف والدكتور محمد الحلوة ،مبادئ علم السياسة" :كيان سياسي
وقانوني منظم يتمثل في مجموعة من األفراد الذين يقيمون على أرض محددة ويخضعون لتنظيم سياسي وقانوني
واجتماعي معين تفرضه سلطة عليـا تتمتع بحق استخدام القوة") .(1ويحدد المؤلفون أربعة عناصر أساسية للدولة هي:
الشعب (األمة) ،اإلقليم (الوطن) ،الحكومة ،السيادة.
-علي صادق ،القانون الدولي العام" :الدولة هي مجموعة من األفراد يقيمون بصفة دائمة في إقليم معين
وتسيطر عليهم هيئة حاكمة ذات سيادة ").(2
-1.3نظرية العقد:
أن الدولة مصدرها األول القوة والصراع بين الجماعات البدائية ،حيث َأنها لم تجد صدى واسعاالنظرية ترى َهذه َ
لدى الفقه العالمي أل َن االختالف بين الحاكم والمحكومين مصدره القوة والغلبة.
فالدولة في الوقت الحاضر ال تقوم فقط على فكرة االختالف السياسي وا َنما تلعب السلطة دو ار هاما باعتبارها
أن عنصر القوة هام للدولةالعنصر الرئيسي للتنظيم السياسي الحديث ،وما الحاكم إال ممارس لهذه السلطة فقط ،كما َ
من اجل الوحدة واألمن ،وبدونها تصبح الدولة فريسة للعوامل الهدامة).(3
هذه النظرية ترجع أصل الدولة إلى األسرة وأسـاس سلطة الحاكم إلى السلطة األبوية المتمثلة في رب األسرة ،وقد
لعدة انتقادات نذكر منها):(4
تعرضت هذه النظرية َ
-3.3النظريات العقدية:
-1د .نعمان أحمد الخطيب ،الوجيز في النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص .02
-2د .محمد الدجاني -د .منذر الدجاني ،السياسة :نظريات ومفاهيم ،منشورات جامعة القدس .0222 ،ص .70
-3عبد هللا العروي ،نفس المرجع ،ص .71
-4د .محمد الدجاني -د .منذر الدجاني ،نفس المرجع ،ص .74
5
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
ظهرت فكرة العقد كأساس لنشأة الدولة منذ فترة زمنية بعيدة ،استخدمها الكثير من المفكرين في تأييد أو محاربة
السلطان المطلق للحاكم ،فهذه النظريات ترجع إلى القرن السادس عشر ،والتي ساهم في صياغتها وابراز مضمونها
كل من هوبز ولوك وروسو).(1
فعلماء هذه النظرية ارجعوا نشأة الدولة إلى فكرة العقد وأ َن األفراد انتقلوا من الحياة البدائية التي كانوا يعيشونها
إلى حياة الجماعة المنظمة بموجب العقد.
إن الفترة التي عاش فيها هوبز وما رافقتها من اضطرابات في كل من إنجلت ار وفرنسا كان لها بالغ األثر على
َ
فكره الذي عبر عنه بتأييده المطلق للحاكم.
فكانت اغلب كتاباته تمثل الدفاع عن الملك وحقه في الحكم ضد أنصار سيادة البرلمان ،حيث قام بإبراز حق
الملك المطلق في الحكم من خالل طبيعة العقد الذي ابرم بين األفراد للتخلص مما رتبته الطبعة اإلنسانية والفطرية
لألفراد قبل إبرام العقد ،من خالل هذا العقد يتنازل الفرد عن حرياته وحقوقه الطبيعية للسلطة التي أقامها أي ا كانت
مساوئها واستبدادياتها ،أل َن السلطة وفي وجهة نظره مهما بلغت من السوء فلن تصل إلى حالة الحياة الطبيعية التي
إن وضع أي قيد على الحاكم ،أو ترتيب أي التزام عليه يجعل العقد االجتماعي قاص ار عن تحقيق
كانوا يعيشونها ،بل َ
الغرض منه).(2
وهكذا يتمتع الحاكم على األفراد بسلطة مطلقة ،وال يحق لألفراد مخالفة هذا الحاكم مهما استبد أو تعسف.
إذا كان لوك يتفق مع هوبز في تأسيس المجتمع السياسي على العقد االجتماعي الذي ابرم بين األفراد لينتقلوا
من الحياة البدائية إلى حياة الجماعة ،إالَ أ َنه يختلف معه في وصف الحياة الفطرية والنتائج التي توصل إليها.
الحياة الفطرية ا لطبيعية لألفراد كما يصفها لوك فهي تنصح بالخير والسعادة والحرية والمساواة ،تحكمها القوانين
أن استم ارره ليس مؤكدا وهذا بسبب ما يمكن أن يتعرض الطبيعية وبالرغم من وجود كل هذه المميزات لدى الفرد إالَ َ
الحرية المملوءة بالمخاوف واألخطار الدائمة واالنضمام إلى
له من اعتداءات اآلخرين ،وهذا ما يدفع اإلنسان إلى َ
)(3
كما أ َن العقد الذي ابرم بين األفراد وبين الحاكم إلقامة السلطة ال يمنح الحاكم السلطة المطلقة وا َنما يمنحه سلطة
مقيدة بما يكفل تمتع األفراد بحقوقهم الباقية والتي لم يتنازلوا عنها ،والحاكم في نظرية لوك طرف في العقد كالفرد ،وما
-1عبد هللا العروي ،مفهوم الحرية ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء– بيروت ،ط ،0220 ،28ص .00
-2د .نعمان أحمد الخطيب ،نفس المرجع ،ص .02
-3عبد هللا العروي ،نفس المرجع.05 ،
6
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
أن شروط العقد قد فرضت على الحـاكم الكثير من االلتزامـات فهو مقيد وملتـزم بتنفيذ الشروط ،واإلجازة لألفراددام َ
مقاومته وفسخ العقد).(1
إن نظرة روسو تدعو األفراد للسعي والبحث عن وسيلة يستعيدون بها مختلف المزايا ،حيث يتفق األفراد فيما َ
بينهم على إبرام عقد اجتماعي ،هذا العقد يقوم األفراد من خالله بالتنازل عن كافة حقوقهم الطبيعية لمجموعة من
الحريات
األفراد الذي تمثلهم في النهاية اإلرادة العامة ،هذا التنازل ال يفقد األفراد حقوقهم وحرياتهم أل َن الحقوق و َ
المدنية استبدلت بتلك الطبيعية المتنازل عنها لإلرادة العامة).(2
أن الحكومة ال تقوم على أساس تعاقد بينها وبين المواطنين ،وا َنما هي هيئة من المواطنين مكلفة من قبل
كما َ
صاحب السيادة بمباشرة السلطات الذي له أن يستردها وأن يمنحها إلى أشخاص آخرين.
-الخيالية :أل َن التاريخ ال يعطينا مثال واحدا واقعيا بأ َن جماعة من الجماعات قد نشأت بواسطة العقد.
أن اإلنسان كان في عزلة قبل نشأة الجماعة وهذا قول غير
-غير صحيحة من الناحية االجتماعية :تفترض َ
صحيح أل َن اإلنسان كائن اجتماعي.
إن هذه النظرية تمتاز عن أخواتها من النظريات َأنها ال ترجع أصل نشأة الدولة إلى عامل محدد بذاته وا َنما إلىَ
أن هذه العوامل اجتمعت مع بعضها عوامل متعددة منها (القوة ،االقتصاد ،الدين ،والفكر … الخ) ،هذه النظرية تقول َ
البعض وشكلت تجمع لألفراد وأدت إلى ظهور فئة من األفراد استطاعت أن تفرض سيطرتها على باقي الجماعة
(ظهور هيئة عليا حاكمة) ،وأنصار هذه النظرية :العميد ديجي وبارتلمي ومودو).(4
باإلضافة إلى النظريات العقدية السابقة يمكن أن نحدد كذلك نظرة ماركس ألصل نشأة الدولة فهو يرى:
-1د .محمد الدجاني -د .منذر الدجاني ،السياسة :نظريات ومفاهيم ،مرجع سابق.07 ،
-2د .محمد الدجاني -د .منذر الدجاني ،نفس المرجع ،ص .01
-3عبد هللا العروي ،مفهوم الحرية ،مرجع سابق ،ص .57
-4عبد هللا العروي ،نفس المرجع ،ص .57
7
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
أن أصل نشأة الدولة لم يكن على اعتبارات حتمية بقدر ما كان على اعتبار حدث تاريخي ،وهذا جاء نتيجة
َ
النقسام الجماعات إلى طبقات متصارعة واحتكار البعض منها ملكية اإلنتاج ،والتي استطاعت بواسطتها استغالل
سائر الطبقات في المجتمع).(1
فالدولة عند ماركس ال تعدو أن تكون ظاهرة قانونية تمثَل انعكاسا لتكوين الطبقات وسيطرة إحداها على المجتمع
الذي تحكمه هذه الدولة).(2
أن ظهور الدولة عند ماركس مرتبط بالصراع بين الطبقات ،الذي يمثل في النهاية سيطرة طبقة.
كما َ
فمفهوم الدولة هي الجماعة المنظمة سياسي ا وقانوني ا والتي يقيم أفرادها إقامة مستقرة على إقليم محدد ويخضعون
لسلطة عليا تمارس السيادة).(3
والحكومة هي األداة التي تمارس مظاهر السلطة داخل نطاق الدولة وتفرض سيادتها على األفراد واإلقليم).(4
-الناحية العددية :يتم التمييز بين حكومة الفرد وحكومة األقلية وحكومة األكثرية.
قسمت الحكومات إلى حكومات قانونية تتقيد بالقانون وتعمل على تحقيق -الناحية المعيارية (الجوهرية)َ :
المصلحة العامة ،وحكومات استبدادية ال تتقيد بالقانون وتعمل على تحقيق مصالحها الخاصة.
يجب التنويه إلى أن كل التصنيفات العامة الموجودة ال تعطينا صورة واضحة لكل أنواع الحكومات القائمة في
العالم ،وأن أفضل تصنيف هو الذي يحوي على أنواع تماثل في عددها لعدد الحكومات الموجودة في العالم.
والسلطة هي الحق الشرعي في التصرف واصدار األوامر في الدولة ،وهي ظاهرة اجتماعية وجدت قبل وجود
الدولة بفترة طويلة ،فهي ليست خاصة بالدولة وحدها بل تمارس كافة أنواع المؤسسات الحكومية واالجتماعية
واالقتصادية والسياسية).(6
-1د .محمد الدجاني -د .منذر الدجاني ،نفس المرجع ،ص .02
-2عبد هللا العروي ،نفس المرجع ،ص .50
-3إبراهيم شيحا ،الوجيز في النظم السياسية والقانون الدستوري ،مرجع سابق ،ص .40
-4عبد هللا العروي ،نفس المرجع ،ص .58
-5إبراهيم شيحا ،نفس المرجع ،ص .45
-6إبراهيم شيحا ،نفس المرجع ،ص .45
8
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
أما النظام السياسي فهو نموذج الحكم الذي يحدد شكل الحكومة وطريقة انتقال السلطة وممارستها ووظائفها).(1
أن مفهوم الدولة والحكومة مفهومين يستخدمـان بالتناوب كمترادفات في كثير مـن األحيان ،فمفهوم الدولة
رغـم َ
أن الدولة كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل أعضاء المجتمع أكثر اتساعا من الحكومة ،حيث َ
أن الحكومة هي الوسيلة أو اآللية التي
أن الحكومة ليست إال جزءا من الدولة ،أي َ بوصفهم مواطنين ،وهو ما يعني َ
أن الدولة كيان أكثر ديمومة مقارنة بالحكومة المؤقتة
تؤدي من خاللها الدولة سلطتها وهي بمثابة عقل الدولة ،إالَ َ
النظام
بطبيعتها :حيث يفترض أن تتعاقب الحكومات ،وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل ،مع استمرار َ
أن السلطة التي تمارسها الدولة هي سلطة مجردة "غير
األوسع واألكثر استق ار ار ودوام ا الذي تمثله الدولة ،كما َ
أن األسلوب البيروقراطي في اختيار موظفي هيئات الدولة وتدريبهم يفترض عادة أن يجعلهم مشخصة" :بمعنى َ َ
محايدين سياسيا تحصينا لهم من التقلبات األيديولوجية الناجمة عن تغير الحكومات ،وثمة فارق آخر وهو تعبير
الدولة (نظريا على األقل) عن الصالح العام ،بينما تعكس الحكومة تفضيالت حزبية وأيديولوجية معينة ترتبط بشاغلي
مناصب السلطة في وقت معين).(2
يوجد خالف بين الدراسات واألبحاث على عناصر الدولة األساسية فمعظمهم يركز على ستة عناصر أو أركان
للدولة وهي):(3
-السكان.
-اإلقليم.
-الحكومة.
-السيادة.
-االستقالل.
-االعتراف الدولي.
والبعض االخر ذهب بتحديد ثالثة أركان أساسية ألي دولة وهي):(4
-اإلقليم.
-السلطة السياسية.
-1السكان (الشعب):
إن وجود الشعب في الدولة يعد ركن ا أساسي ا ال غنى عنه لقيام َأيه دولة ،فال يعقل وجود دولة بدون شعب أل َن
َ
الشعب هو الذي أنشئ الدولة ،وال يشترط حد أدنى لهذا الشعب كشرط لقيام الدولة ،فهناك دول تضم مئات الماليين
من السكان ودول أخرى ال يتجاوز تعدادها عن المليون فال شرط لقيام الدولة وجود عدد معين من السكان ولكن يجب
أن يكون هناك عدد كاف من األشخاص من أجل تنظيم العالقة بين الحاكم والمحكوم في إطارها الذي يتجاوز إطار
العائلة أو القبيلة).(1
-المواطنون :وهم أفراد أو الجماعة داخل الدولة التي لها جميع الحقوق والواجبات ويمنحون والئهم التام
للدولة.
-المقيمون :وهم األشخاص الذين يقيمون في الدولة لسبب من األسباب ،دون أن تكون لهم جميع حقوق
المواطنين وخاصة التصويت.
-األجانب :وهم رعايا الدول األخرى ،وتكون إقامتهم لفترة محددة تتجدد دوريا إن تطلب األمر ذلك ،فإ َن أقاموا
لغايات العمل عليهم الحصول على إذن خاص.
-2األرض (اإلقليم):
ثاني شرط أساسي العتبار كيان ما دولة ،هو وجود مساحة محددة من األرض لها حدود مميزة تفصلها عن
الدول األخرى المجاورة ،ويتضمن مفهوم األرض أيضا اليابسة نفسها فقط ،والهواء فوقها والمياه التي تغمرها وتحدها
إلى مسافة اثنتي عشر ميال من سواحلها والبحيرات والجبال والمصادر الطبيعية والطقس ،وحسب القانون الدولي ،فإ َن
للدولة المستقلة نفس الوضع الشرعي بغض النظر عن مساحتها أو عدد سكانها).(1
-1.2عناصر اإلقليم:
-رقعة من اليابسة ،وال يشترط القانون الدولي في هذه الرقعة مساحة معينة ،فال يوجد في القانون الدولي حد
أدنى مطلوب توافره في هذا الشأن ،فقد تكون هذه الرقعة كبيرة جدا كما هو الحال في إقليم االتحاد السوفييتي
والواليات المتحدة األمريكية والصين ،وقد تكون رقعة اإلقليم صغيرة جدا بحيث ال تتجاوز بضعة كيلومترات كما هو
الحال في إمارة موناكو وسان مارينو واندروه والبحرين ،إالَ أ َنه من الناحية الواقعية فإ َن اتساع رقعة اليابسة تمنح
الدولة قوة وفعالية من مختلف النواحي لكن ضيق هذه الرقعة ال يؤثر في وجودها وتمتعها بالشخصية القانونية
الدولية.
-ليس شرط ا أن تكون رقعة اإلقليم متصلة األجزاء ،فقد يكون إقليم الدولة منفصالا األجزاء كما هو الحال في
إندونيسيا والفلبين ،إذ يتكون اإلقليم من مجموعة جزر متناثرة ،كما أ َنه قد يقع إقليم الدولة في قارات مختلفة كما هو
الحال بالنسبة لتركيا.
أن القبائل
-الثبات ،بمعنى أ َن شعب الدولة يقيم فوق أرضها من اجل الحياة الدائمة المستقرة وينبني على ذلك َ
الرحل الذين يستقرون على أراضي الدولة بصورة مؤقتة ثم ينزحون عنها ،ال يصدق عليهم وصف الدولة ،وذلك لعدم
استق اررهم في إقليم معين على الدوام.
-التحديد ،بمعنى أن يكون اإلقليم محصو ار ضمن حدود واضحة المعالم ،ويتحدد ذلك بمدى سريان سيادة
الدولة أو اختصاصها ،وعليه فال عبرة للنظرية التي تبنتها روسيا السوفييتية في دستورها األول في العام 7100م
المتموج ،وال عبرة كذلك بالمذهب النازي الذي
َ وأغفلها دستورها الصادر في العام 7109م والمعروفة بنظرية اإلقليم
السماح للدولة بالتوسع في حدودها على حساب الدول كان يتبنى نظرية المجال الحيوي التي كانت تنطلق من َ
المجاورة إليجاد مجال حيوي يتناسب مع قوة شعب تلك الدولة وحيويته ،للحصول على حاجاته الضرورية.
-2.2أنواع األقاليم):(3
-1عبد هللا العروي ،العرب والفكر التاريخي ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء -بيروت ،ط ،7117 ،25ص .77
-2محمد المجذوب ،نفس المرجع ،ص .17
-3عبد هللا العروي ،العرب والفكر التاريخي ،مرجع سابق ،ص .00
11
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
-اإلقليم األرضي :وهو عبارة عن مساحة يابسة الدولة واألنهار ،وقد يحدد هذا اإلقليم بعدة طرق منها
الصناعية والطبيعية …… الخ .
-اإلقليم المائي :وهو حق الدولة في البحار واألنهر الملتصقة بها ،وقد تم تحديد هذا اإلقليم من خالل طرق
عدة منها أقصى مسافة لقذيفة مدفع من الشاطئ ،والبعض حددها بخمسة أميال ولكن التحديد السائد والمتبع
في اغلب دول العالم هو اثني عشر ميالا بحريا.
-اإلقليم الجوي :يقصد باإلقليم الجوي الفضاء الجوي ،الذي يعلو اإلقليم األرضي والبحري ،واقليم الفضاء
الجوي حدد عند انتهاء حدود الدولة األرضية ،ولم يحدد ارتفاع للفضاء الجوي.
-3السلطة السياسية:
إن الدولة ال يمكن أن تنشأ بتوافر مجموعة من األفراد واقليم يعيشون به ،وا َنما يجب أن يكون على هذا اإلقليم
َ
سلطة سياسية ليخضع األفراد لق اررات هذه السلطة ،والسلطة الحاكمة ال يكفي مجرد وجودها في الدولة للقول بوجود
الدولة ،بل يجب أن تحصل هذه السلطة على اعتراف األفراد وقبولهم ،وهذا ال يعني أيضا أن تكون هذه السلطة بدون
قوة ،فالسلطة وان كانت إرضاء لألفراد إالَ َأنها يجب أن تستند إلى القوة ،أل َن ممارسة السلطة تتم عبر القوة).(1
فضعف السلطة يعني فناء الدولة ويعطي القوة المنافسة القدرة على الظهور وفرض وجودها على اإلقليم.
-التميز بين صاحب السلطة وبين من يمارسها :في القديم كانت هناك فترة سادت فيها ما سميت بشخصية
تربط السلطة السياسية بفكرة الحاكم ،إالَ َأنه ومع تقدم الجماعات بدأت هذه الفكرة
السلطة وهذه الفترة جاءت نتيجة ا
المجردة عن شخصيةَ (االرتباط بين السلطة السياسية والحاكم) باالنهيار ،وظهرت فكرة جديدة وهي فكرة السلطة
الحاكم ونتج عن هذه الفكرة الفصل بين السلطة والممارس وهو الحاكم).(2
-4االستقالل:
من الشروط األسـاسية للدولة هو أن تكون مستقلة عن سيطرة الـدول األخرى ،وغير مرتبطة بحكم فدرالي ،ومع
أن المحميات قد يكون لها سكان وأرض وحكومة وسيادة ،إالَ أ َنه ال يمكن اعتبارها دوالا أل َنها غير مستقلة).(1
َ
إذا توفرت للدولة هذه األركان ،نشأ لها الوجود والكيان القانوني وثبتت لها الشخصية القانونيـة ،وعلـى هـذا النحـو
السيادة.
الشخصية المعنوية و َ
َ تحدد خصائص الدولة في عنصرين:
-1الشخصية المعنوية:
ويترتب على اال عتراف للدولة بالشخصية القانونية إضافة إلى القدرة على التمتع بالحقوق وتحمل االلتزامات
الفصل بين السلطة ومن يمارسها (الحاكم)).(2
إن االعتراف بالشخصية المعنوية للدولة يعني وحدة الدولة واستقالليتها وهذا ال يعني االستقاللية فقط عن األفراد
َ
المحكومين بل االستقاللية أيضا عن الحكام وبالتالي زوال فكرة شخصية الدولة وظهور السلطة المجردة النظامية.
إن التطور في األنظمة السياسية وما يصاحب هذا التطور من تغيير في القائمين على السلطة ال يغير من وحدة
النهاية استمرارها وبقائها ككائن مستقل).(3
تفسر في َ
شخصية الدولة ،التي َ
إن المعاهدات واالتفاقيات التي أبرمتها الدولة ،تبقى نافذة مهما تغير شكل الدولة أو نظام الحكم فيها.
َ -
تعدل هذه
-تبقى التشريعات سارية في حالة تغيير شكل الدولة أو نظام الحكم فيها أو القائمين عليها ما لم َ
التشريعات أو تلغى.
-حقوق الدولة والتزاماتها تبقى قائمة ببقاء الدولة بغض النظر عن أي تغيير يلحق بشكل الدولة.
-2السيادة:
إن تمتع الدولة بالسيادة يعني أن تكون لها الكلمة العليا التي ال يعلوها سلطة أو هيئة أخرى ،وهذا يجعلها تسمو
َ
على الجميع وتفرض نفسها عليهم باعتبارها سلطة آمرة عليا ،لذلك فسيادة الدولة تعني وببساطة َأنها منبع السلطات
ميز الدولة عن غيرها من الجماعات السياسية األخرى).(1
األخرى ،فالسيادة أصلية ومرتبطة بالدولة وت َ
والسيادة وحدة واحدة ال تتج أز مهما تعددت السلطات العامة أل َن هذه السلطات ال تتقاسم السيادة وا َنما تتقاسم
االختصاص.
-1.2مظاهر السيادة):(2
-المظهر الداخلي :وهو أن تبسط السلطة السياسية سلطاتها على إقليم الدولة ،بحيث تكون هي السلطة اآلمرة
التي تتمتع بالقرار النهائي.
-المظهر الخارجي :يعني استقاللية الدولة وعدم خضوعها لدولة أخرى (السيادة بالمظهر الخارجي مرتبطة
باالستقالل).
-1.2.2النظرية الثيوقراطية:
أن الحكم والقرار األول واألخير هلل وحده ،وقد اختلفت التفاسير
أن السيادة هلل وحده ،أي َ
ترجع هذه النظرية إلى َ
للنظرية الثيوقراطية فقسمت إلى ثالث صور:
أن اهلل موجود على األرض يعيش وسط البشر ويحكمهم ،ويجب على األفراد تقديس الحاكم هذه النظرية تقول َ
وعدم إبداء أي اعتراض (هذه النظرية كانت سائدة في المماليك الفرعونية واإلمبراطوريات القديمة)).(3
(تبنت الكنيسة هذه النظرية فترة صراعها مع السلطة ،كما استخدمها بعض ملوك أوروبا لتدعيم سلطانهم على
الشعب).
الحاكم من البشر لكن في هذه النظرية يقوم اهلل باختيار الحاكم بطريقة غير مباشرة ،حيث يقوم مجموعة من
مخيرة في اختيار الحاكم أي مسيرة من اهلل).(1
مسيرة ال َ
األفراد باختيار الحاكم وتكون هذه المجموعة َ
-بعض الفقه نادى بعدم تسميتها بالنظرية الدينية على أساس َأنها ال تستند في جوهرها إلى الدين.
بعض العلماء أخذ يقرب مفهوم سيادة األمة إلى مفهوم الديمق ارطية واعتبرهما تعبيران عن فكرة واحدة ولكن من
ناحيتين.
أول ما ظهرت فكرة السيادة ظهرت على لسان القانونيين الذين كانوا يدافعون عن سلطات الملك في فرنسا ضد
أن الملك يتمتع بالسيادة الكاملة في ممتلكاته ،وأ َن السلطة العليا ال ينافسه عليها أحد في
البابا واإلمبراطور ،مؤكدين َ
الدولة).(3
ولكنها انتقلت
ومع قيام الثورة الفرنسية بقيت فكرة سيادة األمة قائمة بما لها من صفة اإلطالق والسمو واألصلةَ ،
من الملك إلى األمة ،لتصبح بذلك إرادة األمة هي السلطة العليا إن لم تنافس.
-1محمود حسين الوادي -زكرياء أحمد عزام ،نفس المرجع ،ص .770
-2وجدي حسين ،المالية الحكومية واالقتصاد العام ،مرجع سابق ،ص .504
-3وجدي حسين ،نفس المرجع ،ص .507
15
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
أن الصفة اآلمرة العليا هي الدولة ،أي ال ترجع إلى فرد أو أفراد معينين بل إلى وحدة
إن مبدأ سيادة األمة يعني َ
َ
مجردة ترمز إلى جميع األفراد أي الوحدة التي تمثل المجموع بأفراده وهيئاته و َأنها باإلضافة إلى ذلك مستقلة تماما
عدة نتائج):(1
عن األفراد الذين تمثلهم وترمز إليهم ،كما ترتب على مبدأ سيادة األمة َ
-مبدأ سيادة األمة يؤدي باالعتراف لألمة بالشخصية المعنوية ،وبالتالي إلى قيام شخصين معنويين يتشاركان
على إقليم واحد وهما الدولة واألمة.
-يؤدي مبدأ سيادة األمة إلى السيادة المطلقة وهذا يؤدي إلى االستبداد.
التطور الذي لحق بالمذهب الفردي ،واالنتقادات التي وجهت إلى مبدأ سيادة األمة هي األسباب الكافية لظهور
أصوات تنادي في التمثيل النسبي الحقيقي للشعب منظو ار إليه في حقيقته وتكوينه ،ال بوصفة المجرد كوحدة متجانسة
مستقلة عن األفراد المكونين له).(2
أن السيادة للجماعة بوصفها مكونه من عدد من األفراد ،ال على أساس َأنها وحدة
تقوم نظرية سيادة الشعب على َ
مستقلة عن األفراد المكونين لها.
وطبقا لنظرية سيادة الشعب تكون السيادة لكل فرد في الجماعة ،حيث أ َنها تنظر إلى األفراد ذاتهم وتجعل السيادة
شركة بينهم ومن ثم تنقسم وتتج أز).(3
إن فقهاء القانون والسياسة اتبعوا مناهج متعددة في تقسيم الدول وذلك تبعا لطبيعة اختصاصاتهم واهتماماتهم
والزاوية التي ينظرون منها إلى الدولة ،واذا كان القانون ركز في دراسته ألنواع الدول على مقدار ما تتمتع به الدول
من سيادة حيث قسمها إلى دول كاملة السيادة ،وأخرى ناقصة السيادة ،فإ َن فقه القانون الدستوري والنظام السياسي قد
اهتم بتقسيم الدولة من حيث شكلها إلى دولة بسيطة (موحدة) ودولة اتحادية.
-1الدولة البسيطة:
هي التي تنفرد بإدارة شؤونها الداخلية والخارجية سلطة واحدة (فرنسا ،األردن ،لبنان …) ،فالسيادة في مثل هذه
الدول غير مجزأة تمارسها سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة كما هو مبين في دستورها الواحد الذي يطبق على
أن وحدة الدولة تتجسد من خالل):(1
كافة أنحاء إقليم الدولة ،كما َ
-السلطة :تتولى الوظائف العامة في الدولة وهي سلطة واحدة لها دستور واحد ينظمها:
-من حيث الجماعة :أفراد الدولة هم وحدة واحدة يتساوون في معامالتهم بغض النظر عما يوجد بينهم من
فوارق واختالفات.
-من حيث اإلقليم :اإلقليم وحدة واحدة في جميع أجزائه ويخضع لقوانين واحدة دون تمييز إالَ ما تقرره بعض
القوانين المحلية في المسائل اإلدارية فقط.
وتبقى الدولة الموحدة بسيطة إذا بقيت تتصف بما َبيناه في النواحي الثالث السابقة بغض النظر عن طبيعة نظام
الحكم فيها فقد تكون (ملكية كاألردن والسعودية ،أو جمهورية كمصر ولبنان ،وقد تكون مطلقة دكتاتورية أو مقيدة
ديمقراطية)).(2
-2الدولة المركبة:
-1عبد هللا العروي ،التحديث والديمقراطية (حوار) ،مجلة آفاق ،العدد ،7110 ،5 – 0ص .792
-2عبد هللا العروي ،التحديث والديمقراطية (حوار) ،مرجع سابق ،ص .792
17
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
وهو عبارة عن اتحاد بين دولتين أو أكثر تحت عرش واحد ،لكن تحتفظ كل دولة بسيادتها الكاملة وتنظيمها
الداخلي المستقل وبالتالي فمظاهر االتحاد هنا ال تتجسد إالَ في شخص الدولة فقط (فرئيس الدولة هو المظهر الوحيد
المميز لالتحاد الشخصي ،األمر الذي يجعله اتحادا عرضيا ومؤقتا يزول وينتهي بمجرد زوال رئيس الدولة( ).(2
و َ
الدول المشتركة في االتحاد الشخصي تبقى متمتعة بكامل سيادتها الداخلية والخارجية ،ويترتب على ذلك):(3
إن التصرفات التي تقوم بها أحد دول االتحاد الشخصي َإنما تنصرف نتائجها إلى هذه الدولة فقط وليس إلى
َ -
االتحاد.
يقوم بين دولتين أو أكثر ،وتخضع كل الدول فيه إلى رئيس واحد مع اندماجها بشخصية دولة واحدة ،تمارس
الشؤون الخارجية ،وتبقى كل دولة في االتحاد محتفظة بدستورها وأنظمتها الداخلية).(4
ينشأ من اتفاق دولتين أو أكثر في معاهدة دولية على تكوين االتحاد أو االنضمام إليه مع احتفاظ كل دولة
أن صك االتحاد أو المعاهدة واالتفاقية هي األساس في االتحاد
باستقاللها الخارجي وسيادتها الداخلية ،كما َ
االستقاللي ،حيث يقوم االتحاد الكونفدرالي على تكوين مجلس يتكون من مندوبين عن االتحاد وهذا المجلس ال
تضمنها الصك ،وال تعتبر الهيئة التي تمثل الدول في االتحاد دولة فوق الدول األعضاء،
َ يختص إالَ بالمسـائل التي
وا َنما مجرد مؤتمر سياسي ،وفي هذا االتحاد تبقى كل دولة متمتعة بسيادتها الداخلية ومحتفظة بشخصيتها الدولية
ورعايا كل دولة من االتحاد يبقون محتفظون بجنسيتهم الخاصة ،وتعتبر العالقة بين الدول مجرد ارتباط تعاهدي،
أن حق االنفصال عن االتحاد ممنوح للدول األعضاء ،وتقرره حسب ما تراه مناسبا ومتماشيا مع مصالحهاحيث َ
الوطنية).(1
عدة مظاهر:
ولإلتحاد المركزي (الكونفدرالي) َ
-تتكون دولة االتحاد من عدد من الدويالت هذه الدويالت تتنازل عن جزء من سيادتها للدولة االتحادية.
-لكل والية أو دولة سلطاتها الثالثة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) التي ال تخالف السلطات الثالثة العامة
لإلتحاد (هذا ما يسمى ازدواجية السلطات).
-1عبد هللا العروي ،تأصيل علوم المجتمع ،المقارنة والتأويل ،جامعة القاضي عياض ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،سلسلة الدروس
االفتتاحية ،مراكش ،0220 ،ص .29
-2عبد هللا العروي ،نفس المرجع ،ص .28
-3عبد هللا العروي ،نفس المرجع ،ص .28
-4عبد هللا العروي ،نفس المرجع ،ص .27
19
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
-تتولى الدولة االتحادية إعالن الحرب ،وعقد الصلح ،وابرام المعاهدات ،واألشراف على القوات المسلحة
لإلتحاد.
-نظام االتحاد المركزي قادر على توحيد دول ذات نظم متغايرة ومتباينة في دولة واحدة قوية.
-يعمل على التوفيق بين مزايا الدولة الموحدة ومزايا الدولة المركبة.
إن دور الدولة في الفكر اليوناني كان من خالل الفكر االقتصادي للمفكرين اليونانيين أرسطو وأفالطون.
َ
-1.1أرسطو:
يتمثل هدف الدولة الرئيسي حسب أرسطو في ترقية مواطنيها وبالتالي فواجبها األساسي هو التعليم الذي من شأنه
تحويل األفراد إلى مواطنين صالحين من خالل رفع مستواهم الثقافي والخلقي وتعليمهم العادات الحسنة ،كما قام
عدة قواعد نذكر منها:
بوضع َ
-ميز بين الدولة ( جموع المواطنين ) والحكومة ( من يتولون إصدار األوامر ).
ياسية.
الس َ -الدستور هو المنظم لجميع وظائف الدولة االقتصادية و َ
-قسم السلطات إلى ثالث سلطات رئيسية (تشريعية وتنفيذية وقضائية) ،كما نادى بفصل السلطات.
وقام أرسطو بتصنيف الحكومة إلى مجموعة من الحكومات مستندا إلى معيارين أحدهما كمي واآلخر كيفي
على النحو التالي:
حسب المعيار الكمي قسم الحكومات إلي حكومات فرد وحكومات قلة وحكومات كثرة ،ثم وضع ثالثة معايير
كيفية للحكم على الحكومات من حيث صالحها وتتمثل في االلتزام بالقانون وتحقيق العدالة واستهداف الصالح
العام ،وطبقا لهذه المعايير صنف الحكومات.
فبالنسبة لحكومة الفرد إذا التزمت بالقوانين وحققت العدالة ،واستهدفت الصالح العام تكون حكومة صالحة
وتعرف بالملكية ،أما إذا لم تلتزم بالقوانين ،وشاع الظلم في ظل حكمها ،واستهدفت مصالح شخصية تكون حكومة
فاسدة وتعرف بحكومة الطغيان (أو االستبداد).
وبالنسبة لحكومات القلة إذا التزمت بالقوانين وحققت العدالة ،واستهدفت الصالح العام تكون حكومة صالحة
وتعرف باألرستقراطية ،أما إذا لم تلتزم بالقوانين ،وشاع الظلم في ظل حكمها ،واستهدفت مصالح شخصية تكون
حكومة فاسدة وتعرف بحكومة األوليجارشية.
-1د .حازم الببالوي ،دليل ال َرجل العادي إلى تاريخ الفكر االقتصادي ،دار الشَروق ،الطبعة األولى ،القاهرة ،7114 ،ص .02-71
21
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
أما حكومات الكثرة إذا التزمت بالقوانين وحققت العدالة ،واستهدفت الصالح العام تكون حكومة صالحة وتعرف
وَ
أم ا إذا لم تلتزم بالقوانين ،وشاع الظلم في ظل حكمها ،واستهدفت مصالح شخصية
بالديمقراطية (أو الجمهورية)َ ،
تكون حكومة فاسدة وتعرف بالديماجوجية (الغوغائية أو الفوضوية).
وأمثل أشكال الحكومات عند أرسطو هي الحكومة الدستورية القائمة على سيادة القانون فهي أفضل من الحكومة
المطلقة حتى لو قام عليها الفالسفة).(1
سلطة الحاكم الدستوري تخلق عالقة بين الحاكم والمحكوم أسمى من عالقة السيد والعبد ،ونادى بإشراك جميع
أن
المشرعين ،ويرى َ
َ ألن الحكمة الجماعية للشعب أفضـل من حكمة أعقـل وأفضل
المواطنين في إصـدار القوانين َ
ألنه العقل المجرد عن الهوى.
القانون يتسم بالموضوعية َ
-تعتمد على القانون (المستمد من عادات وأعراف الجماعة) ال على أوامر تحكمية.
-2.1أفالطون:
مثالية قائمة على تقسيم العمل واالختصاصات والمزايا بين طبقات المجتمع )وان
ودعا أفالطون إلى إقامة مدينة َ
اقعية( .فالحكم
المثالية في كتـابه "القوانين" وأخذ بنظرة أكثر و َ
َ النظرة
كان أفالطون نفسه قـد عدل فيما بعد عن هذه َ
النبالء
خاصة ،ويدخل في طائفة الح َكام أيضا َ
َ يجب أن يترك لطبقة الفالسفة والحكماء ،وهؤالء يخضعون لتربية
اعيين
الزر َاليدويين و َ
َ العمال
فتتضمن َ
َ أما طبقة المحكومين،
النبيل والمحاربون لشجاعتهمَ ،
النبالء لنسلهم َ
والمحاربونَ :
الص َناع.
و َ
-1د .حازم الببالوي ،دليل ال َرجل العادي إلى تاريخ الفكر االقتصادي ،مرجع سابق ،ص .07
-2د .حازم الببالوي ،نفس المرجع ،ص .01
22
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
الرق عند أفالطون عنصر دائم في الحضارة اإلنسانية ال يمكن االستغناء عنه ،وأفضل العبيد عنده هم األجانب
وَ
فإن أشهر ما عرف على أفالطون في ميدان الفكر االقتصادي كان تحبيذه المستولى عليهم في الحروب ،وبوجه عام َ
بالنسبة لطبقة الح َكام في مدينته المثَالية).(1
يوعية َ
لفكرة ال َش َ
الرومان:
-2دور الدولة عند َ
أن الرومان لم يقدموا فك ار اقتصاديا يستحق الذكر إال َأنهم قد أثروا في الفكر االقتصادي الالحق
الرغم من َ
على َ
من خالل تنظيماتهم القانونية ،ومن خالل التكوين العقلي الذي طبعت به دراسة القانون الروماني عقول الباحثين في
االقتصاد ،ومن األفكار الخاصة التي أثر بها القانون الروماني في الفكر االقتصادي فكرة "القانون الطبيعي" التي
احتلت مكانة بارزة في الفكر االقتصادي منذ القرن 77وحتى أوائل القرن ،02كذلك يعتبر القانون الروماني بما
تضمنه من أفكار (حق كل شخص أن يعقد ما يشاء من العقود والصفة المطلقة للملكية الفردية) أحد مصادر المذهب
الفردي الذي يقوم عليه النظام الرأسمالي).(2
كان سقوط اإلمبراطورية الرومانية في الغرب والشرق ،واإلمبراطورية الفارسية بداية مرحلة العصور الوسطى التي
شهدت الفكر اإلقطاعي.
وتتلخص أهم معالم الفكر االقتصادي نتـاج هذه المرحلة في فكر المدرسين الـذي ازدهر في جـامعات أوروبا ،وهي
جامعات كانت تقوم أساسا على تدريس الالهوت بقصد تكوين رجال الدين ،وعلى األخص فكر سان توماس األكويني
تكمل في
ويتمثل جوهر فكر المدرسين في محاولة التوفيق بين الدين والفلسفة أي بين اإليمان والعقل ،وهي محاولة َ
الواقع الصورة التي بدأها العصر القديم واستمرت في الفكر اإلسالمي طوال القرن التاسع وتقوم على استخدام المنهج
االستنباطي في إظهار "دور الدولة" وذلك من خالل "معالجة أوضاع المجتمع اإلقطاعي").(3
23
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
النظام االقتصادي اإلسالمي واالشتراكي قبل التطرق لدور الدولة في الفكر إن التطرق لدور الدولة في َ َ
االقتصادي الليبرالي ،ما هو إالَ مراعاةا للجانب المنهجي وللحفاظ على التركيبة البنيوية لهذا الفصل.
أن موضوع الدولة ليس جديدا على الفكر االقتصادي ،فقد اختلف هذا الدور بمر العصور ،نتيجة لمختلف
كم َ
التغيرات التي صاحبت تطور المجتمعات ،فجاءت النظريات االقتصادية لتنظم وتعطي الحلول لمختلف األزمات
االقتصادية وتضفي قواعد وأسس جديدة تتماشى واألوضاع السائدة ،والمبحث اآلتي يظهر دور الدولة من الناحية
النظام االقتصادي اإلسالمي واالشتراكي.
النظرية والعملية في َ
24
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
الدولة من وجهة نظر الفكر اإلسالمي لها دور مراقب ،وموجه ،ومسؤوليته تستدعيه أحيان ا إلى درجة التدخل في
أن تدخل الدولة في الحياة االقتصادية يعتبر من المبادئ المهمة في
السوق لتعديل ميزان العرض والطلب ،كما َ
االقتصاد اإلسالمي التي تمنحه القوة والقدرة على االستيعاب والشمول.
لم يكن اإلسالم مجرد عقيدة دينية ،إذ أ َنه يمثل نظـام حياة متكامل جاء ليغير حـالة البشرية ولينظم كل شيء
فيها ،فهذا الدين يخلو من أي قصور نظري لمعالجة الجوانب االقتصادية التي هي من الجوانب األساسية في الحياة
أن عشرات اآليات وآالف األحاديث إلى جانب أكثر من نصف الفقه والتشريع اإلسالمي تناولت االجتماعية ،إذ َ
المعامالت االقتصادية والتجارية والزراعية والصناعية في أحكام البيع والشراء واإلمارة والربا والمزارعة والمساقات
والشركات واالحتكار وصالت الناس بعضهم ببعض.
إن ما يدعو إلى االهتمام بالفكر االقتصادي اإلسالمي ليس تعصبا ،بل إ َن الفكر االقتصادي العالمي هو وحده
َ
أن هذا الفكر يمثل حلقة مهمة فيه ،وا َن عدم االهتمام وانكار هذا
مترابط الحلقات من حيث التواصل المعرفي ،إذ َ
الفكر يمثل انقطاع ا في تاريخ البشرية وفقدان حلقة مهمة من حلقات الوصل العرفية والفكرية ،والذي كان منهالا
ومنبع ا للكثير من األفكار على مستوى العالم في العصر الحديث.
فالدين اإلسالمي يحتوي على مبادئ إسالمية تشمل كل جوانب الحياة اإلنسـانية وليس الجـوانب المادية فقط،
ولقد وضع اإلسالم إ طا ار من المبادئ العامة التي يمكن أن يسترشد بها المسلمون في حياتهم اليومية فقد جاء في
سورة األنعام ( ُقل تَ َعالَوا أَت ُل َما َح َّرَم َرُّب ُكم َعلَي ُكم أَالَّ تُش ِرُكوا بِ ِه َشيئ ا َوبِال َوالِ َدي ِن إِح َسان ا َوالَ تَقتُلُوا أَوالَ َد ُكم ِّمن إمالَق
ق َذلِ ُكم َوصَّا ُكمالنف َس الَّتِي َح َّرَم اللهُ إِالَّ بِال َح ِّش َما ظَهَ َر ِمنهَا َو َما َبطَ َن َوالَ تَقتُلُوا َّ اح َ َّنحن َنرُزقُ ُكم وِايَّاهم والَ تَقربوا الفَو ِ
َ َ ُ َ َُ ُ
ان بِال ِقس ِط الَ ِ بِ ِه لَعلَّ ُكم تَع ِقلُون{ }747والَ تَقربوا م َ ِ ِ َّ َّ ِ ِ
ال ال َيتيم إِال بِالتي ه َي أَح َس ُن َحتَّى َيبلُ َغ أَ ُش َّدهُ َوأَوفُوا ال َكي َل َوالم َيز َ َ َُ َ َ َ
ِ َّ ِ ِ ِ ِ َّ ُن َكلِّ ُ
ون{. ) }740 ان َذا قُرَبى َوبِ َعهد الله أَوفُوا َذل ُكم َوصَّا ُكم بِه لَ َعل ُكم تَ َذ َّك ُر َ ف َنفسا إِال ُوس َعهَا َوِا َذا ُقلتُم فَاعدلُوا َولَو َك َ
()1
إ َن الخوض في غمار الفكر االقتصادي اإلسالمي ،يعد سبيال ليس من السهولة ارتياده ،سيما وأ َن الفكر
االقتصادي اإلسالمي يمتاز بخصوصية فريدة أل َنه جزء من كل ،يتم ارتكازه على الدين اإلسالمي الذي يتسم
بالشمول والتكامل ويهدف إلى المزج بين القيم المادية والقيم الروحية ،التي جاءت في القرآن الكريم والذي يعد
أن لكل نظام اقتصادي قوانينه الخاصة التي تولد في ضوء
المصدر األساسي للشريعة اإلسالمية .ومن المؤكد َ
فلسفته.
أن الفكر الحق فييسجل كنقطة افتراق بين النظم االقتصادية الوضعية (الرأسمالية واالشتراكية) هو َ
مايمكن أن َ
التطبيق في حين جاء الفكر االقتصادي اإلسالمي سابق ا على وقائعه ،ومن جانب آخر فإ َن القوانين الحاكمة للنظام
االقتصادي لبد أن تشتمل على جانبي اإلنتاج والتوزيع وتنظيم العالقات االجتماعية بين األفراد خالل عملية اإلنتاج
بناءا على األساس القانوني لعالقات اإلنتاج في المجتمع.
-1عبد هللا عبد الغني ،المشكلة االقتصادية في اإلسالم ،المكتب الجامعي ،اإلسكندرية ،بال تاريخ ،ص .11
26
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
األدنى لمستوى المعيشة الالزم توفيره لإلنسان ،خصوص ا على حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال(،)1
ويلزم المجتمع في توفيره حفظ األشياء الخمسة التي يعد النظام االقتصادي اإلسالمي مسؤولية تحقيقها هي
المسؤولية األولى للقائمين على المجتمع.
أن بإمكان ولقد سخر اهلل الكون كله من أرض وسماء وأنهار وبحار لخدمة اإلنسان ،وهذا التسخير يعني َ
اإلنسان اإلفادة من هذه المخلوقات ،فسبحانه وتعإلى يقول في محكم كتابه الكريم { َو ُه َو الَِّذي َس َّخ َر ال َبح َر
ي ِفي ال َبح ِر بِأَم ِرِه َو َس َّخ َر لَ ُك ُم ِ
ونهَا } { َو َس َّخ َر لَ ُك ُم ال ُفل َك لتَج ِر َ
()2
لِتَأ ُكلُوا ِمنهُ لَحم ا طَ ِري ا َوتَستَخ ِرُجوا ِمنهُ ِحل َيةا تَل َب ُس َ
ِ ِّ ِ ِ َّ َّ
وم ُم َس َّخ َرات بِأَم ِرِه إِ َّن في َذل َك َآل َيات لقَوم َيعقلُ َ
ون (َّ )3
األَنهَ َار } { َو َسخ َر لَ ُك ُم اللي َل َوالَّنهَ َار َوالشم َس َوالقَ َم َر َوالُّن ُج ُ
َن اللَّهَ ُيولِ ُج ور}({)5أَلَم تََر أ َّ اكبِهَا َو ُكلُوا ِمن ِّرزِق ِه َوِالَي ِه ُّ
الن ُش ُ
}({)4هو الَِّذي جع َل لَ ُكم األَرض َذلُوالا فَام ُشوا ِفي م َن ِ
َ َ ُ ََ َُ
َن اللهَ بِ َما تَع َملُ َ
الشمس والقَمر ُكل يج ِري إلى أَجل ُّمس ًّمى وأ َّ َّ النهار ِفي اللَّي ِل و َس َّخر َّ ِ اللَّي َل ِفي َّ
ون َ َ َ َ َ َ ََ َ َ النهَ ِار َوُيول ُج َّ َ َ
اط َنةا َو ِم َن اهرةا وب ِ ض وأَسبغَ علَي ُكم نِعمه َ ِ ِ َن اللَّه س َّخر لَ ُكم َّما ِفي الس ِ ِ
ظ َ ََ ََ ُ َّم َاوات َو َما في األَر ِ َ َ َ َخبير} {أَلَم تََروا أ َّ َ َ َ
()6
َ
اس َمن ُي َج ِاد ُل ِفي اللَّ ِه بِ َغي ِر ِعلم َوَال ُه ادى َوَال ِكتَاب ُّمنِير}(.)7 الن َِّ
مكمالا للقانون األول والذي يتناول موضـوعا من أهم الموضوعات وأخطرها ،والذي
يعد هذا القانون قـانونا َ
يمثل نقطة االرتكاز في النظم االقتصادية المختلفة ،أال وهي الملكية والتي تمثل نقطة الخالف مابين النظم
المعاصرة فضالا عن َأنها تعد محو ار أساسيا لتطورات نظم اإلنتاج على مر التاريخ.
-1محمد فاروق النبهان ،شرعية تدخل الدولة في الشؤون االقتصادية في نظر اإلسالم ،ندوة االقتصاد اإلسالمي في معهد البحوث
والدراسات العربية ،بغداد ،7170 ،ص .084
-2المصحف الشريف ،سورة النحل ،اآلية .75
-3المصحف الشريف ،سورة إبراهيم ،اآلية .00
-4المصحف الشريف ،سورة النحل ،اآلية .70
-5المصحف الشريف ،سورة الملك ،اآلية .74
-6المصحف الشريف ،سورة لقمان ،اآلية .01
-7المصحف الشريف ،سورة لقمان ،اآلية .02
27
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
()3
ال اللَّ ِه الَِّذي آتَا ُكم }({)2اللَّهُ ال َغنِ ُّي َوأَنتُُم الفُقَ َراء}
وهم ِّمن َّم ِ ِ ِ ()1
ين فيه} { َوآتُ ُ
ِ ِ ِ
{ َوأَنفقُوا م َّما َج َعلَ ُكم ُّمستَخلَف َ
ف َربِّي قَوم ا ت بِ ِه إِلَي ُكم َوَيستَخلِ ُ { َواذ ُك ُروا إِذ َج َعلَ ُكم ُخلَفَاء ِمن َبعِد قَوِم ُنوح} {فَِإن تَ َولَّوا فَقَد أَبلَغتُ ُكم َّما أُرِسل ُ
()4
ونهُ َشيئا إِ َّن َربِّي َعلَ َى ُك ِّل َشيء َح ِفيظ}(َ {)5واذ ُك ُروا إِذ َج َعلَ ُكم ُخلَفَاء ِمن َبعِد َعاد َوَب َّوأَ ُكم ِفي ض ُّر َ
َغي َرُكم َوالَ تَ ُ
ال بيوتا فَاذ ُكروا آالء الل ِه والَ تَعثَوا ِفي األَر ِ ِ ِ ِ ض تَتَّ ِخ ُذ ِ
ين }(.)6 ض ُمفسد َ َ ُ ون ال ِج َب َ ُ ُ ون من ُسهُولِهَا قُ ُ
صو ار َوتَنحتُ َ َ األَر ِ
}(.)6
إن قانون االستخالف نظَم العالقات االقتصادية واالجتماعية في اإلسالم ،دون أن يسمح في حالة
َ
االلتزام بمبادئ الشريعة اإلسالمية ،من ظهور الصراعات المجتمعية.
وفي اإلسالم ال نستطيع فصل جانب عن جانب ،أي ال نستطيع فصل جانب العبادات عن جانب
المعامالت أو عن جانب األخالقيات ،ولذلك ال يجوز ألحد أن ينقص الشؤون السياسية والسلطات من
تكاليف شرع اهلل وال أن يعزلها عن عبادته ،فااللتزام بشرعة اهلل يعني أن نتعبد اهلل في كل ما نعمله في
الصالة وفي الزكاة والحج وفي السياسة واالقتصاد والثقافة واالجتماع وفي الحرب والسلم.
يميز الدولة اإلسالمية هو فاعليتها في إقامة العدالة وحماية األفراد والمجتمع وتأمين التوازنإ َن ما َ
والكفاية ،فمن وظائف الدولة هو توفير العدل وتأمين الكفاية لجميع الناس(.)8
والدولة في نظر اإلسالم (هي السلطة المنبثقة عن إرادة األمة والمعبرة عن ضميرها والمدافعة عن
حقوقها ومصالحها بصدق وأمانه)( ،)9هذه السلطة التي أوكلت إليها هذه المهام الجسيمة مطالبة بااللتزام بما
كلفت من مهام وأهم ذلك هو حماية الحكم الشرعي والسهر على منفذيه لكي يكونوا في موضع احترام ،وال
يمكن للحكم أن يكـون في موضع احترام المجتمع ما لم تكون هنالك سلطة تسهر على تنفيذه ،وتحاسب من
يخالف ذلك(.)1
ومن ذلك يتضح لنا "الدور التدخلي للدولة في نظر اإلسالم" ،إذ ال يمكن للدولة أن تنفذ ما أنيط بها من
مسؤوليات ما لم تكون السلطة مخولة بالتدخل إلجبار الفرد على االمتثال ألحكام النص الشرعي بشكل يجعل
ذلك النص موضع احترام كل مواطن.
يكون شروع الدولة بالتدخل في النشاط االقتصادي لضمان تطبيق أحكام اإلسالم المتصلة بالحياة
االقتصادية لألفراد ،كأن تحول دون تعامل الناس بالربا أو ممارسة االحتكار أو بتطبيق األحكام المتعلقة
بالضمان االجتماعي والتوازن العام في الحياة االقتصادية وفق ا لمبادئ الشريعة اإلسالمية.
إ َن درجة تدخل الدولة تضيق وتتسع تبعا لمستوى السلوك الفردي السائد في المجتمع ،إضافة إلى الظروف
االستثنائية التي قد يتعرض لها المجتمع وتهدد كيانه ،وقد رفض "ابن خلدون" تدخل الدولة بما يؤثر على
األسعار سواء بمزاولة التجارة أو بغرض المكوس والجبـاية والتمتـع بمزايا خاصة في مجال التسويق ،فهو يدعو
إلى تحقيق السوق التنافسية الكاملة ،وهذه الدعوة هي إحياء لدعوة الرسول (صلى اهلل عليه وآله وسلم) بإيجاد
الجو المالئم لعمل السوق بحرية في تحديد األسعار لضمان مصلحة البائع والمشتري(.)3
لذا فإ َن حجم التدخل يرتبط بحجم الحاجة ،وفي إطار تصحيح المعادلة االجتماعية ،فإذا تجاوز هذا التدخل
حاجة المجتمع فإ َن هذا التجاوز ال يتفق مع الشريعة ،واذا ارتبط التدخل بظلم كان ذلك الظلم مخالا باألهداف
التي أجازت فكرة التدخل من األساس .وبذلك يصبح التدخل مطلبا من مطالب المجتمع ومعب ار عن رفض ذلك
المجتمع للظلم المؤدي إلى االنحراف عن مبادئ الشريعة اإلسالمية(.)1
-إ َن تجـارة السلطان مضره بالرعـايا لعدم التكافؤ في مقدرتهم التمويلية وأل َن السلطة قد يساء استخدامها ،مما
يؤدي إلى اإلضرار بالتَجار ويتسبب في خسارتهم.
-إ َن الدولة التي تعرض نفسها كبديل للقطاع الخاص تتسبب في إحباط النشاط الفردي.
-إ َن السياسة السعرية قد تسبب إساءة تخصيص الموارد ،أل َن األسعار تعكس تكاليف اإلنتاج ،وتدخل الدولة
تحكمية يسئ إلى المنتجين ويتسبب في خسارتهم.
َ بأسعار
الدولة في نظر اإلسالم ال تمارس مسؤولياتها في تقييد الحريات إال عندما تتوفر لها مبررات ذلك التدخل
والمبررات التي يعترف بها اإلسالم ،التي تنطلق من منطلق المصلحة االجتماعية ،إذ يسهم هذا التدخل في توفير
األمن والعدل والتوازن في المجتمع ،وهذا التدخل ال يمكن أن يكون مرفوضا من المجتمع لسالمة منطلقه ووضوح
أهدافه ،التي يمكن تحديدها باآلتي(:)3
أن التوازن االجتماعي يعد مطلب ا اجتماعيا وأخالقيا ،وذلك أل َن االختالل في التوازن يؤدي إلى إضعاف
إذ َ
تماسك المجتمع ،وايجاد ثغرات تسهم في انهياره ولكي يكون المجتمع نسيجا متماسكا يجب أن يتحقق التوازن فيه
بين مختلف القوى بحيث يشعر الجميع بالطمأنينة .فالتشريع اإلسالمي قد حرص على تحقيق التوازن ،فالزكاة
تستهدف فتح قناة لألموال بين األغنياء والفقراء عن طريق دفع جزء من أموال األغنياء إلى الفقراء بطريقة متجددة،
حرم اإلسالم جميع الطرق االستثمارية التي بحيث تضعف حدة التفاوت بين األغنياء والفقراء ،باإلضافة إلى ذلك فقد َ
تسهم في تنمية الثروة بطريقة تتنافى مع المصلحة االجتماعية ،فجاء تحريم الربا واالحتكار واالستغالل ،أل َن هذه
األساليب تعمق حدة التفاوت الطبقي ،لذا فإ َن التدخل الحكومي الذي يريد تحقيق التوازن االجتماعي هو المباح
والمطلوب اجتماعيا.
يجب على الدولة أن تضع القوانين التي تضمن حماية االقتصاد الوطني سواء كانت متعلقة بحماية اإلنتاج
الوطني وتشجيعه أو حماية العملة المتداولة.
من األمور التي تحتَم تدخل الدولة هو حماية الضعيف عندما تصبح مصالحه معرضة لالستغالل ،وبما تملكه
أهمها القانون إذ يجب على
التدخلية المتعددة ،و َ
َ من سلطة تفويضية يجب عليها أن تحمي المظلوم وعبر وسائلها
الدولة أن تضع القوانين التي تضمن العدالة االجتماعية ،سواء في األجور واألسعار واألرباح أو في الضرائب أو
الواجبات المفروضة على أصحاب األموال.
-الضمان االجتماعي:
فرض اإلسالم على الدولة حماية أفراد المجتمع اإلسالمي من الفقر والعوز ،فهي ضامنة لمعيشة أفراد المجتمع
بصورة كاملة ،فهي تهيئ له فرصة العمل في النشاط االقتصادي المثمر ليعيش على أساس عمله وجهده ،واذا كان
الفرد عاج از عن العمل وكسب المعيشة بنفسه ،أو كانت الدولة في ظرف استثنائي ال يمكن لها أن توفَر له فرصة
العمل ،هنا تقوم الدولة بتطبيق مبدأ الضمان عن طريق تهيئة المال الكافي لسد حاجات الفرد وتوفير حد خاص من
المعيشة له يدعى بحد الكفاية ،والذي يمثل المستوى المعيشي السائد في المجتمع(.)1
فالحاكم ليس فقط هو المسئول عن الفقراء ،بل هو كاألب على رؤوسهم يسمع حاجاتهم بكل تأن ،ويسارع
إلى تلبيتها ،لذا فإ َن إنسانية النظام االقتصادي اإلسالمي تمثل حالة الرقي والرفعة لهذا النظام ،والتي يتفرد بها عن
باقي األنظمة االقتصادية األخرى.
من المبادئ األساسية التي يقوم عليها االقتصاد اإلسالمي ،مبدأ التوجيه اإلداري للنشاط االقتصادي ،وهذا المبدأ
مؤسس في أصوله على نظرية التوازن االجتماعي التي يعتمدها اإلسالم أسلوبا وهدفا لتحقيق العدالة االجتماعية،
وتوجهه إلرادة الدولة بوصفها الممثل الشرعي للمجتمع،
َ وبمقتضى هذا النظر يخضع النشاط االقتصادي في حركته
أن هذا الخضوع مقيد بتحقيق الغاية الكبرى التي يستهدفها اإلسالم وهي العدالة االجتماعية من خالل فكرة
غير َ
التوازن االجتماعي.
-سلطات غير مباشرة تنظيمية ورقابية ،تبيح لولي األمر التدخل في الحياة االقتصادية.
-سلطات مباشرة إنتاجية وتوجيهية ترمي إلى القيام بمهام اإلنتاج في بعض الفروع اإلنتاجية ،وتوجيه اإلنتاج
في فروع إنتاجية أخرى بالصورة التي تتفق ومصلحة المجتمع.
مظاهر التدخل غير المباشر عديدة ومتنوعة ،منها ما هو تنظيمي ورقابي ومن ذلك ما يلي:
تدخل الدولة لتنظيم العمل ومراقبة ومنع الوسطاء الذين يستمدون كسبهم من جهل الجمهور لثمن السلعة فيحققون
أرباحا غير مبررة من فروق األسعار ،ويبدو تدخل الدولة أيضا في منع االحتكار وتسعيرة السلع التي تقوم حاجة
جمهور الناس عليها ،وقد تقتضي المصلحة العامة إزالة ملكية عقار أو منقول أو إكراه صاحبه على تقديمه
لالستثمار.
وأجهزة التدخل في هذه الميادين التنظيمية والرقابية هي والية الحسبة ،ولها موظفون يتولون أمرها في كل قطر
إسالمي وكذلك القضاء الذي له حق التدخل في العديد من الميادين السابقة وفي حدود اختصاصه.
أن
أن النوع الثاني من التدخل غير المباشر تبدو أهم مظاهره في السياسة المالية للدولة اإلسالمية ،والحق َ
كما َ
مالية الدولة اإلسالمية احتلت موضعا رئيسيا من االقتصاد اإلسالمي ،وظلت إلى زمن بعيد محركا لهذا االقتصاد
ومصد ار لقوته .فقد شرع اإلسالم في تنظيم مالية الدولة أسس ا ومبادئ تجاوزت أحدث النظم الوضعية في الجباية
واإلنفاق إذ اعتمد مبدأ تعدد الضريبة ،ففرض الزكاة كضريبة مستقلة تتناول األموال جميعا النقدية منها والعينية
كما فرض الخـراج كضريبة على األرض الزراعية والعشـور كضريبة غير مباشرة على الصادرات والواردات ،أما
بالنسبة إلى اإلنفاق فقد وضعت الشريعة اإلسالمية سياسة إنفاقية هادفة اتسمت بالمرونة والعدالة وم َكنت من خالل
الممارسات في تطوير المجتمع المسلم واالرتقاء به).(3
فمالية الدولة في االقتصاد اإلسالمي سوف تتناول زاويتين رئيستين :زاوية اإليرادات وزاوية اإلنفاق:
اإلسالمية:
َ -1.1.2إيرادات الدولة
-1د .سعيد سعد مرطان ،مدخل للفكر االقتصادي في اإلسالم ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة األولى ،بيروت ،7179 ،ص .58
-2محمود بن إبراهيم الخطيب ،النظام االقتصادي في اإلسالم ،مكتبة الحرمين ،الطبعة األولى ،الرياض ،7171 ،ص .90
-3محمود بن إبراهيم الخطيب ،النظام االقتصادي في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص .95
32
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
لعل أهم ما يمتاز به الفكر اإلسالمي المالي هو االستقاء المباشر من الشريعة اإلسالمية ،فقد تضمنت أحكاما
عامة آمرة تتصل بتنظيم إيرادات الدولة ونفقاتها على نحو ال تعرفه المجتمعات من قبل ونصت منذ البداية على
فرض ضريبة مباشرة على الدخل وهي الزكاة يلتزم كل مسلم امتلك قد ار محددا من الدخل المالي بأدائها كما نصت
على الجزية التي يؤديها غير المسلم في مقابل ما تبذله الدولة المسلمة لحمايته وأيضا في نظير إعفائه من أداء
الزكاة والخدمة العسكرية ،وفي نظير حماية الدولة اإلسالمية للبلد الذي يعيش فيه ،أما الخراج فقد فرضته الشريعة
اإلسالمية كضريبة عقارية على األرض الزراعية في األقاليم التي فتحها المسلمون.
وفي مجال الضرائب غير المباشرة هناك العشور التي تفرض على الواردات إلى البالد اإلسالمية ،والى جانب
هذه األنواع المختلفة من الضرائب نصت الشريعة اإلسالمية على بعض مصادر اإليرادات العامة األخرى كخمس
الغنائم وما يعثر عليه من الركاز والمعادن وتـركة من ال وارث لـه ومال اللقطة والمال الذي ال مالك له ،وأخي ار كل ما
أتفق عليه المسلمون ،ويجيز الفقه اإلسالمي لألمام أن يفرض من الضرائب الدائمة أو المؤقتة ما تدعو إليه الحاجة
وتستقيم به أحوال المسلمين).(1
اإلسالمية:
َ -2.1.2نفقات الدولة
فالدولة ال تقتصر وظيفتها على القيام فقط باألعباء التقليدية كإقامة العدل والسهر على األمن الداخلي وتهيئة
الحماية ضد االعتداء الخارجي كما كان الشأن في الدول الغربية إلى مطلع القرن العشرين ،بل تتعدى مسؤولياتها كل
هذه األعباء لتشمل أعباء جديدة ،إذ تقوم بعدد من الوظائف االقتصادية المباشرة وغير المباشرة ،وكذلك النفقات
االجتماعية والتعليمية والصحية والضمان االجتماعي).(2
قبل أن نحدد المجاالت التي يجوز للدولة التدخل فيها نقول متى تتدخل الدولة اإلسالمية في النشاط االقتصادي
وما هي حدود ذلك التدخل ؟.
-1د .محمد عبد المنعم عبد القادر عفر ،النظام االقتصادي في اإلسالم ،دار المجمع العالي ،جدَة ،7171 ،ص .07
-2محمود بن إبراهيم الخطيب ،من مبادئ االقتصاد اإلسالمي ،دار طيبة ،الرياض ،7171 ،ص .05
-3د .شوقي أحمد دنيا ،النظرية االقتصادية في منظور إسالمي ،مكتبة الخريجي ،الطبعة األولى ،الرياض ،7171 ،ص .49
33
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
-إذا انحرف النشاط االقتصادي عن األصول الشرعية أو أضر بالصالح العام للمجتمع كإنتاج الخمور واقامة
المؤسسات والبنوك الربوية.
-إذا أرادت الدولة أن تحقق قد ار من التنمية االقتصادية لرفع مستوى المعيشة والرفاه العام ألفراد المجتمع.
من هنا نرى تدخل الدولة له بعد اقتصادي ،فالتدخل ليس مصادرة أو منافسة األفراد ،وا َنما من أجل المصالح
العامة دون مساس بحقوق األفراد الشرعية ،إالَ إذا تعارضت مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة وحتى يكون تدخل
الدولة مشروعا فقد وضع ال َشرع الضمانات الكافية التي تكفل عدم تجاوز التدخل ألهدافه المشروعة ،ومن أهم هذه
األمة ،وعدالة الحكم ،وخضوع الدولة ألحكام
الضمانات :شرعية الحاكم وهي عقد البيعة الذي يبرم بين الحاكم و َ
الشريعة اإلسالمية خضوعا مطلقا ال استثناء فيه).(1
أن دور الدولة يكون من خالل تحقيق العدالة والمساواة بين األفراد في المجتمع
النظام االشتراكي َ
يرى أنصار َ
المبنية عـلى استغالل اإلنسان لإلنسـان ،فتدخل الدولة يشمـل جميع الميادين االجتماعية،
َ والقضـاء على الطبقية
الثقافية واالقتصادية ويتم من خالل الملكية الجماعية لوسائل اإلنتاج واالعتماد على أسلوب التخطيط والتوزيع العادل
للدخل الوطني ،فالدولة في المذهب االشتراكي هي دولة متدخلة لها وظيفة أساسية هي تحقيق العدالة والمساواة بين
األفراد.
أن الدولة لم تكن موجودة منذ األزل ،فهناك مجتمعات تدبرت أمرها ،دون أن يكون لها َأية
ويذهب ماركس إلى َ
فكرة عن شيء اسمه دولة أو سلطة الدولة.
-1د .عدنان خالد التركماني ،المذهب االقتصادي اإلسالمي ،مكتبة السوادي ،الطبعة األولى ،بيروت ،7112 ،ص .71
34
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
إ َن المجتمعات البدائية بتنظيمها األسري بكل ما فيها من بساطة ال يوجد فيها جند وال شرطة بدون نبالء أو والَة
وال قضاة لم تعرف السجون والمعتقالت ،كل شيء يجري في مساره المنتظم ،الخصومات والمشاجرات كلها تحسم من
قبل الجماعة (األسرة أو العشيرة وليست فيها فقراء أو محتاجون فالجميع متساوون وال مكان بعد للعبيد)(.)1
وعندما بلغ التطور االقتصادي إلى درجة اقترنت بانقسام المجتمع إلى طبقات ،أصبحت الدولة بحكم هذا االنقسام
أمر الزم ا وهذه التطورات التي نشأت داخل المجتمع األسري القديمَ ،أدت في النهاية إلى سقوطه.
اا
ولتجاوز الطبقية في المجتمع ،استلزم وجود قوة من المجتمع ،وفي هذا الصدد يذكر ماركس (إ َن العنف ميزة كل
مجتمع قديم...إ َن العنف هو ذاته قوة اقتصادية)(.)2
الدولة إ ذن من وجهة نظر ماركس ولدت وسط المنازعات الطبقية ،دولة الطبقة األكثر قدرة ،دولة الطبقة المسيطرة
اقتصاديا ،والتي تصبح بفعل ذلك مسيطرة سياسيا وتحصل بذلك على وسائل جديدة للقهر واستثمار الطبقة
المضطهدة ،فالدولة القديمة كانت دولة مالكي العبيد ألجل قهر العبيد ،والدولة الوسيطة (اإلقطاعية) أداة النبالء لقهر
بالسخرة ،ومثلها الدولة الحديثة ذات الصفة التمثيلية هي أداة استثمار العمل المأجور من
الفالحين واألقنان والعاملين َ
قبل رأس المال ،ويجـري ترتيب الحقوق الممنـوحة للمواطنين وفق مستويات مختلفة وحسب الثروة ،وهكذا كانت الدولة
كمنظمة للطبقة المالكة ضد الطبقة غير المالكة ،أي أ َنها باألحرى نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره(.)3
فالدولة جهاز إكراه في يد طبقة لقهر طبقة أخرى ،وهو في النظام الرأسمالي أداة بيد البرجوازية تكره به طبقة
البروليتاريا بغض النظر عن شكل الحكم القائم سواء في ظل جمهورية ديمقراطية أم في ظل نظام ملكي(.)4
إ َن نبذ الماركسية للدولة وبناء تصور فلسفي بشأنها في ظل المجتمع االشتراكي يأتي من الرفض الكامل للدولة
باعتبارها في أحسن األحوال ش ار موروث ا البد من إزالته ،لذا يرد التساؤل ،ما هو مضمون وشكل التحول الذي سيصيب
الدولة على صعيد الممارسة الفعلية؟.
-1فردريك انجلز ،نصوص مختارة ،ترجمة وصفي ابني ،منشورات وزارة الثقافة السورية ،دمشق ،7180 ،ص .027
-2كارل ماركس ،رأس المال ،الجزء الثالث ،ترجمة :محمد عيتاني ،مكتبة المعارف ،بيروت ،7177 ،ص .771
-3ولتر ستيس ،فلسفة هيجل ،ترجمة إمام عبد الغني ،دار التنوير ،ط ،0بيروت ،7170 ،ص .700
-4لينين ،الدولة في الماركسية ،ترجمة فخري لبيب ،دار الثقافة الجديدة ،القاهرة ،7175 ،ص .54
35
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
لذا فإ َن الخطوة األولى للثورة العالمية ،هي وضع الطبقة العاملة موضع الطبقة الحاكمة وتكون كل وسائل اإلنتاج
في يد دولة البروليتاريا المنظمة كطبقة حاكمة(.)1
أن البروليتـاريا تستولي عـلى السلطة وتخلق المجتمع الالطبقي مستخـدمةا الدولة في صراعها ،إلخضاع
وهـذا يعني َ
خصومها بالقوة()2وهي ال تستخدمها لغاية الحصول على الحرَية ،أل َنه طالما يصبح الحديث عن الحرية ممكن ،فإ َن
الدولـة ستختفي ،لذلك فهي تبرز في المرحلة األولى من االشـتراكية في المجاالت اآلتية(:)3
لذا فإ َن مرحلة اضمحالل الدولة سوف يتم تدريجيا عبر مرحلة الطور األول للشيوعية ،من خالل اكتمال
الديمقراطية شيئا فشيئا بتدريب الشعب على إدارة نفسه بنفسه ،بحيث يستغني عن جهاز القمع ،وبمقدار ما تتعمق
الديمقراطية فإ َن الدولة تتجه نحو االضمحالل وخالل هذه المرحلة يصبح العمل الضرورة األولى للحياة ،ويرافقه تطور
للقوى المنتجة وتتعمق ظاهرة التخصص ،عند ذلك تزول فوضى اإلنتاج االجتماعي ومعها تزول سلطة الدولة
السياسية ويصبح الناس في أخر األمر أسياد كيانهم االجتماعي وأسياد أنفسهم.
ووفقا للتحليل الماركسي كان لبد أن تحصل الثورة االشتراكية في أكثر البلدان الرأسمالية تقدما تحت تأثير
التعقيدات في األساس االقتصادي ،لكن الذي حصل هو خالف ما توقعه ماركس ،فروسيا والبلدان االشتراكية األخرى
بلدان زراعية وقيام االشتراكية فيها جاء بسبب اإلرادة السياسية وليس العتبار األساس االقتصادي(.)4
أما أسلوب اإلنتاج في النظام االشتراكي فيقوم على عنصرين أساسيين هما :
وا َن تطور أسلوب اإلنتاج يتم ابتدءا بتغير وتطور قوى اإلنتاج ،وكل درجة من درجات تطور قوى اإلنتاج يجب
أن يقابلها بالضرورة درجة معينة من درجات نمو عالقات اإلنتاج.
فال يرجع فشل نظم التخطيط المركزي إلى َأنها حاولت اإلعداد والترتيب للمستقبل ،بقدر ما يرجع إلى أ َنها كانت
التطور ،بحيث أصبح التخطيطَ ي اًا استند إلى أفكار وفروض غير صحيحة عن طبيعة المجتمع وشكل أسلوبا مركز َ
التطور وتفجي ار للقدرات ،فقد كان تبديدا لتلك
َ قيدا على المستقبل وسجنا له ،وبدل أن يصبح التخطيط إطالقا لقوى
-1طالب عبد صالح ،دور الدولة االقتصادي مع التَركيـز على التَجـربة المصرية ) ،( 7115 – 7140أطروحـة دكتوراه غيـر
منشـورة ،جامعة بغداد ،كليَة اإلدارة واالقتصاد ،7117 ،ص .59
37
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
وصحة المعلومات
َ فإنه من الطَبيعي أن تتوقَف سالمة القرار االقتصادي على حجم
فأما من حيث المعلوماتَ ، َ
مما قد
المتوفَرة لدى متخذ القرار ،وكان االعتقاد َأنه تتوفَر لدى المخطط المركزي قاعدة بيانات أكثر دقَة وشموال َ
أن المعلومات التي
أن هذا الفرض غير صحيح ،و َ المشرع ،وبالَتالي تصبح ق ارراته أكثر رشدا ،وقد ثبت َ
َ يتوفَر للفرد أو
توضع تحت نظر المخطط المركزي تكون عادة أقل دقَة وكثي ار ما تكون غير صحيحة و َأنها دائما أكثر تكلفة ،فمتَخذ
فإنه يكتفي عادة
تقدم له كل التفصيالت ولذلك َ القرار المركزي يكون عادة سلطة مركزية عليا وبالَتالي ال يمكن أن َ
إجمالية أو متوسطات إحصائية ،وعند االنتقال من البيانات التفصيلية إلى المتوسطات أو البيانات
َ بمعلومات
عمليات
َ فإننا نفقد جزءا كبي ار من صحة البيانات ودقَتها ،وكم من فكرة َبراقة أو مشروع حيوي سقط في
اإلجمالية َ
السلطة
تجميع البيانات أو اختصارها أو استخالص المتوسطات وبالَتالي لم تتح له أصال فرصة العرض على َ
المركزَية).(2
فإن تجميع البيانات وحصرها وتنسيقها ثم وكلَما أوغلنا في المركزَية والتصعيد كلَما ابتعدنا عن الحقائق ،وكذا َ
عملية طويلة ومعقَدة تستغرق أوقاتا ليست قصيرة وبالَتالي كثي ار ما تفقد
َ اختصارها واستخالص مؤ َشرات موجزة عنها
سالمتها وحداثتها نتيجة التغيير المستمر في األوضاع.
فإنه من غير المستغرب أن تصبح العديد من هذه البيانات بالية وقديمة تجاوزتها األحداث عندما توضع
وبالتَالي َ
أن الذي يقوم بتجميع هذه البيانات وتصويبها وتحديثها موظفا عام ال أمام المخطط المركزي ،فإذا أضفنا إلى ذلك َ
فإنه
صحة البيانات وال يتوفَـر لديه دافع على االجتهاد للكشف عما استج َـد ،ولذلك َ
تحركه بواعـث ذاتية للتحقَق مـن َ
النقصللزيادة أو َ
كثي ار ما يعمد إلى مجرد تسجيل ما يرد إليه من بيانات أو أرقاما أو قد تضاف إليه معدال أو نسبة َ
ذاتية البيان أو المعلومة ،فتضيع
بشكل ميكانيكي ،وقد تكون التعريفات أو التقسيمات اإلحصائية غير مناسبة إلبراز َ
أهميتها نتيجة لألسلوب اإلداري في تجميع البيانات.
الجدوة منها وال تظهر َ
فإنه كثي ار ما كانت البيانات المتاحة أمام المخطَط المركزي بعيدة عن الواقع ،إن لم تكون غير صحيحة
وهكذا َ
ومحرفة للمعطيات الصحيحة).(3
َ
عملية تجميع البيانات وتبويبها واختصارها تتطلَب أعدادا هائلة من اإلدارات والموظَفين ال تلبث أن
َ فإن
وأخي ار َ
توسعا في أجهزة
تنعكس في تكلفة باهظة على المجتمع ،ولذلك لم يكن غريبا أن عرفت معظم دول التخطيط المركزي َ
تحسنا ملموسا في سالمة الخطط.
التخطيط دون أن يصاحب ذلك َ
فإن اخطر ما أصاب أسلوب التخطيط المركزي َإنما يرجع إلى ما يستند إليه
واذا تركنا قضية المعلومات جانباَ ،
التطور االجتماعي.
َ من نظرة خاصة للمجتمعات البشرَية وما ينطوي عليه ذلك من تجاهل لطبيعة
أن المخطط يقوم بوضع تصورفالتخطيط المركزي يقوم في أساسه على نوع من الهندسة االجتماعية ،بمعنى َ
مبدئي Blue Printلما ينبغي أن تكون عليه األهداف النهائية للمجتمع ،بما توفَر لديه من بيانات ومعلومات عن
طط أن يفرض هذا التصور على المجتمع بما أتيح له من عناصر سيطرة على
اإلمكانيات المتاحة ،ويحاول المخ َ
مسبق لديه.
االقتصاد ،تماما كما يفعل المهندس عندما يقوم بتصميم آلة وفقا لتصور َ
وهكذا يكاد يعامل المخطَط المجتمع كما لو كان كيانا ميكانيكيا متجاهال ما يتمتَع به هذا المجتمع من إمكانات
ناحية أخرى ،وباإلضافة إلى ما في هذا
أي تصور من َ ناحية ،وردود الفعل الَتي قد تؤدي إلى فشل َ
للتطور من ََ ذاتية
تصورات تأخذ في االعتبار كل اإلمكانات والطاقة
َ طط المركزي لوضع المفهوم من إدعاء بالثَقة في قدرات المخ َ
يؤدي علىناحية ،فضال عن َأنه قد َ
فإنه يحرم المجتمع من قدراته والَتي قد تفتح آفاقا غير متوقعة من َ المتاحةَ ،
تصوراته المبدئية من ناحية أخرى ،وال يقتصر
َ العكس إلى ظهور ردود أفعال وأنماط جديدة غير متوقَعة قد تفشل
األمر على المبالغة في الثَقة من قدرة وحكمة القائمين على التخطيط المركزي ،بل َإنه كثي ار ما يتجاهل الطَبيعة
العامة ،في حين َأنهم في كثير من األحوال يعملون لصالحهم َ بأنهم يمثلون المصلحة
البشرَية للموظَفين اعتقادا َ
الخاص ومزاياهم المباشرة.
طة وهي تعرف عادة قد ار من االستقرار والجمود ،تحول دون التعديل المستمر والتلقائي عند قيام فإن الخ َ
وأخي ار َ
يتجنب احتماالت الفقد والضياع
َ بأن التخطيط المركزي وهو ينظَم المستقبلظروف غير متوقعة ،وكثي ار ما قيل َ
بالضبط يعجز نظام التخطيط المركزي في توفير وسيلة للمرونة والمقدرة على التالؤم،
َ والخطأ ،والحقيقة َأنه هنا
ترددا أو ترف ا ،بل
فتجاهل "التجربة والخطأ" ليست ميزة في التخطيط بقدر ما هي عيب فيه ،التَجربة والخطأ ليست َ
39
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
أن التخطيط المركزي لم يكن دائما إعدادا للمستقبل بقدر ما هو حصر له في إطار محدود منوهكذا نجد َ
محددة وهي لحظة إعداد الخطَة،
السلطة المركزَية في ضوء ما أتيح لهم من بيانات في لحظة َ
تصورات القائمين على َ
َ
فإن فشل التخطيط المركزي في اإلعداد للمستقبل ال وهذا ليس انفتاحا على المستقبل بقدر ما هو رهن له ،ومع ذلك َ
النظر إلى المستقبل واإلعداد والتدبير له ،وهو أمر يتطلب جهود األفراد والدولة
مبر ار لتجاهل ضرورة َ
ينبغي أن يكون َ
أن نظاما متوازنـا مع تواجد الوعـي والقدرة مـن الدولة يمكن أن يحقق الكثير ،األمر الذي يتطلب مناقشة
معا ويبدوا َ
السوق معا".
لـ"دورة الدولة و َ
1
- Frederic Teulon, Le rôle de L'état Dans L'économie,Op.Cit, p 60.
41
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
الحرية،
إن اسمها مشتق في الواقع من معنى َ الحرية والديمقراطية ،بل َ
هناك ارتباط شديد بين اللَيبرالية وفكرة َ
للحرية اتضحت معالمه بوجه خاص ابتداء من فإن اللَيبرالية بمفهومها المستقر تسند إلى مفهوم خاص َ ومع ذلك َ
الديمقراطية قديما ،ويجد جذوره في الفكر اليوناني والممارسات
الحرية و َ
القرن السابع عشر ،فإذا كان الحديث عن َ
النهضة،
ثم في العديد من المدن التَجارية في إيطاليا في العصور الوسطى وعصر َ الديمقراطية في المدن اليونانية َ
َ
فإن هذه الممارسات ال تمثَل الفكر الليبرالي كما استقر معناه ومفهومه من خالل المشاركات الفكرَية آلباء الفكر
َ
بالدرجة األولى
ولكنه َ
الحريةَ ،
اللَيبرالي منذ القرن السابع عشر ،وخاصة جون لوك فالفكر اللَيبرالي ليس فقط دعوة إلى َ
تدخل أو إزعاج.
حريته دون َ
دعوى إلى الفردية ،واحترام مجال خاص يتمتَع الفرد فيه باستقالله و َ
فإنما
واذا كان الفكر اللَيبرالي يبدأ مـن ضرورة االعتراف بالفـرد وبمجال خاص له يستقبل فيه قدراته اإلبداعيـةَ ،
أن للمجتمعاتيرجع ذلك إلى موقف عام من الفرد والجماعة ،فالفكر اللَيبرالي يرفض األفكار الموروثة والَتي ترى َ
أن هذا الفرد
أن الفرد هو اللَبنة األولى ،وهو األساس في المجتمعات ،و َ غايات محتومة –غيبية أو غير غيبية -و َ
تغير الظروف ومدى ما يحقَقهمتغيرة دوما مع َ
خاصة ََ السعي المستمر وراء غايات وأهداف
يسعى إلى تحقيق ذاته و َ
الدافعة للمجتمع ،وهو بفعله وفعل أقرانه يجر المجتمع من ورائه
القوة َ
من إنجازات أو يصادفه من إخفاقات ،فالفرد هو َ
-1د .حازم الببالوي ،دور الدولة في االقتصاد ،دار الشَروق ،الطبعة األولى ،القاهرة ،7117 ،ص .777-772
41
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
أن للمجتمع غايات وأهداف نهائية يستخدم فيها الفردالجماعية ،حيث ترى َ
َ للتغيير .واألمر على العكس في المذاهب
الجماعية).(1
َ النهائية في هذه المذاهب
كوسيلة ،فالمجتمع وليس الفرد هو الحقيقة األولى و َ
النماذج على تخلي الدولة عن تتبناها الدول ترى َأنها األنسب للتنمية حيث تنطوي تلك َ
أن اللَيبرالية الَتي َ
كما َ
الناحية األمنية والتعاقدية -القانونية واالقتصادية
وظائفها االجتماعية واالقتصادية وتركز على توفير مناخ مالئم من َ
أن في ذلك آثا ار سلبية على المجتمعات).(2
فقط ،وال ريب َ
الخاصة،
َ الملكية
الفردية و َ
َ الحرية
ويؤ َكد لوك – يصبح فيما بعد أحد أسس اللَيبراليـة– على وجـود عالقة بين َ
الملكية وال تترَكز في يد واحـدة –ولو كانت يد
َ تتوزع
تدخل ،يتطلب أن َ
فاالعتراف بمجال خاص يستقل الفرد به دون َ
الملكية الخاصة شرطا لحرَية األفراد وهكذا نجد لدى لوك مبدأين
َ الملكية ومن هنا تصبح
َ فالحرية تتطلَب تنوع
َ الدولة-
ناحية وفكرة اقتصاد
استمرت معها إلى وقتنا المعاصر ،أال وهما فكرة القانون من َ
َ أساسيين من مبادئ اللَيبرالية والَتي
ناحية أخرى.
صة من َ الملكية الخا َ
َ السوق القائم على
َ
السابع
واذا كانت هذه اللَيبرالية قد وجدت تلك الجذور من خالل كتابات الفالسفة والمف َكرين وخاصة منذ القرن َ
فإنها وجدت أهم تطبيقاتها في إنجلت ار خالل القرن التَاسع عشر
عشر في إنجلت ار -والى حد ما في الواليات المتَحدةَ -
العالمية األولى
َ بأن الفترة منذ نهاية الحروب النابليونية ( )7774وحتَى قيام الحرب
ويمكن بصفة تقريبية القول َ
السلطة بين حزب األحرار وحزب خاصة في إنجلترا ،وكان تداول َ
( )7175هي أبرز فترات الحكم اللَيبرالي و َ
السياسية حتَى نهاية الحرب
وظل حزب األح ارر مؤثَ ار في الحياة َ
َ المحافظين تعبي ار عن سيطرة األفكار اللَيبرالية
تقدم حزب العمل وبعدها احتل هذا الحزب دور األحرار في مناوأة المحافظين في تولَي مقاليد العالمية األولى وبداية َ
َ
الحكم.
أن العصر ال َذهبي للفكر اللَيبرالي في التطبيق خالل القرن التَاسع عشر قد اصطحب
ومن المفيد اإلشارة هنا إلى َ
للنشاط
الرأسمالي ،وقد صاحب هذا االزدهار َ
النظام َ
الصناعية في إنجلترا ،و هو ما عرف باسم َ بازدهار ونمو الثَورة َ
-1د .حازم الببالوي ،دور الدولة في االقتصاد ،مرجع سابق ،ص .774
-2عرفان الحسني ،الدولة و االقتصاد بين االنفصام وال َريادة ،مرجع سابق.0227/28/02 ،
42
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
نقصد بالفكر االقتصادي السابق للتقليديين كل من الفكر التجاري والطبيعي ،أين يظهر فيهما دور الدولة جلي ا.
أدى تراجع سلطة الكنيسة واإلقطاع إلى أن يمأل الفراغ من قبل الدولة المطلقة المدعومة من الطبقة البرجوازية
الصاعدة ،ويتشكل حلف ا قوي ا ضد الكنيسة واإلقطاع ،فالدولة ال ترغب في أن تنازعها قوة أخرى على السلطة المركزية
وهي بحاجة إلى الرأسمالية التجارية لتمويل جهازها البيروقراطي المتنامي ،وبالمقابل كانت الرأسمالية التجارية بأمس
الحاجة للدولة القومية لحمايتها في صراعاتها مع اإلقطاعية في الداخل ومنافسة المغامرين في دول أوروبا في الخارج.
وفي أواخر القرن الخامس عشر أخذت الدول القومية غرب أوربا بالظهور ،فيما شكلت معاهدة "وستفاليا" عام
7957في فرنسا إق ار ار على نشوء الدولة الحديثة وهذه الدول ( فرنسا ،اسبانيا ،هولندا وغيرها ) أصبحت وحدات
أن سلطاتهم كانت محصورة في نطاق ضيق سياسية مستقلة ذات سلطة مركزية قوية ،وكان لها ملوك حقيقيون ،إالَ َ
أن النبالء اإلقطاعيين كانوا ينافسونهم في السلطة ،فإ َن التفاف الطبقة
ولم تمتد إلى سائر أنحاء بلدانهم أو ممالكهم ،إذ َ
تمنت أن تعرف األمن أو أن تحكم بصورة جيدة، التجارية والمستفيدة من األوضاع ،بجانب رغبة الطبقات الفقيرة التي َ
جعل هؤالء مستعدين للتعاون مع الحكومة وقبول سلطة الملك بحماسة لم تعط القرون السابقة مثاالا لها) .(2أي أ َن
الدولة كانت ( وليدة مصالح تجارية متصارعة هدفها المشترك الوحيد أن تكون لها دولة قوية شريطة أن يكون
باستطاعتها تسخير هذه الدولة لمنفعتها وحدها)(.)3
وبسبب نفوذ التجار في الدولة فقد كان هناك إيمان قوي بدور الدولة وبتدخلها في االقتصاد ،وكانت قوة الدولة بما
تمتلكه من معادن (ذهب وفضة) ،وقد كـان صراع الدول التجارية ،ألجل تحقيق فائض في الميـزان التجاري ،أي
تصدر أكثر مما تستورد.
وقد كان للدولة في هذه المرحلة جذور راسخة في الدفاع واالستعمار ،فقد شهدت هذه المرحلة اكبر عملية غزو
استعماري قامت بها الرأسمالية التجارية للبلدان األخرى ،إذ قامت بعملية نهـب منظمة للمستعمـرات التي احتلتها،
وقامت بنقل ثروات ضخمة سواء كانت كنوز ثمينة أو ذهب أو فضة ،وجرى إبادة العديد من السكان في المستعمرات
اعتمادا على عنف منظم.
ويعبر وليام هاويت عن هذه الوحشية (أن ما اقترفته ما يسمى بالعروق المسيحية من همجية وقسوة كبيرة في
جميع مناطق العالم حيال جميع الشعوب التي أمكن لها أن تستعبدها ،يتجاوز جميع الفضائح التي ارتكبت في أي
هذا هو الثمن الذي عهد تاريخي كان من قبل أي عرق كان ،مهما بلغ من الوحشية والجهل ومن القسوة والعنف)
()1
دفعته الدول التي استعمرت ألجل مراكمة رأس المال في البلدان الرأسمالية المتقدمة.
ظهور المدرسة الطبيعية "فيزيوقراط" في فرنسا بزعامة فرنسوا كيناي والتي أكدت على ضرورة عدم تدخل الدولة
إلصالح النظام االقتصادي ،وذهبت إلى َأنه ليس من الطبيعي أن تتدخل الدولة في النشاط االقتصادي ،بل يجب
على الدولة أن تلتزم بالقوانين الطبيعية ،وحددت مهمة الدولة في الكشف عن هذه القوانين الطبيعية التي يرى فيها الـ
"فيزيوقرط" َأنها أشياء موجودة يمكن أن نكتشفها بالعلم والمعرفة ،ويمكن أن نستفيد بها كغيرها من القوانين األخرى
التي تتعلق بالنواحي الفيزيائية ،كما أ َن مهمة الدولة بعد الكشف عن هذه القوانين هي إصدار التشريعـات التي تكون
ترجمة لهذه القوانين ،وحصرت وظيفة الدولة في حفظ األمن وتحقيق العدالة وتوفير التعليم ،هذه وظيفة الدولة في
نظر الـ "فيزيوقراط" حتى تسير سي ار سليما وتؤدي إلى تحقيق المصلحة العامة ،أي يجب أن تكون مهمة الدولة
محصورة في الكشف عن القوانين الطبيعية وأن تطبق هذه القوانين الطبيعية في التشريعات وتحافظ على األمن
وتحقق العدالة ،وتقوم بتوفير التعليم بما يحقق المصلحة العامة تأكيدا للفلسفة الرأسمالية بطبيعة الحال).(2
كان الفكر الكالسيكي يمثل انعكاسا على ما كان سائدا من نظريات وأفكار ،التي أصبحت غير مسايره للتطور
أسمالية ،ولم تعد تمثل الواقع الذي آلت إليه تلك المجتمعات ،لذا فإ َن جذور الفكر
الذي ط أر على المجتمعات الر َ
أسمالية الصناعية وظهور
الكالسيكي نشأت في أحشاء المرحلة التجارية ،وكانت بريطانيا أرض ا خصبة لظهور الر َ
الفكر الكالسيكي ،فإلغاء نظام القنانة أو القن المبكر وتحول الملكيات الصغيرة إلى ملكيات كبيرة َإبان حركة التسييج
أسمالية ،إضافة إلى تراكم رؤوس األموال
التي شهدتها بريطانيا ،وتحول العالقات اإلنتاجية الزراعية إلى عالقات ر َ
أسمالية الصناعية ومهدت
بسبب الغزو االستعماري لبعض البلدان ،من العوامل األساسية التي ساعدت على ظهور الر َ
السبيل لحدوث الثورة الصناعية .إذ كان للتوسع في السوق الداخلية والسيطرة على األسواق العالمية اثر في تعاظم
الطلب على اإلنتاج الصناعي في بريطانيا ،مما كان حاف از لحصول حركة كبيرة في االختراعات تسببت في تغيير
أساليب اإلنتاج ،وزيادة كبيرة في معدل الطاقة اإلنتاجية.
أسمالية الصاعدة بزمام األمور ،واتجهت قوانين االقتصـاد الرأسمالي نحو االستقرار،
وبعد أن أمسكت الطبقة الر َ
سيما وأ َن الهدف هو الحصول على أ كبر ربح ممكن ،كان البد من تحجيم دور الدولة الذي يحول دون تحقيق ذلكَ
الهدف ،بمعنى جعل دور الدولة يقتصر على توفر اإلطار المؤسسي الذي يساعد على تنفيذ النشاط االقتصادي
الخاص لألفراد بالشكل الذي يرغبون فيه ،فضالا عن عملية توزيع الفائض االقتصادي(.)1
والتجربة البريطانية خير دليل على ذلك ،فعندما كانت الطبقة الرأسمالية في المرحلة التجارية ضعيفة ،قامت الدولة
بالتدخل وبقوة ولتنقذ الطبقة الرأسمالية من الوهن الذي كانت تشكو منه ،وبعد أن أمسكت هذه الطبقة بزمام األمور في
أن الدولة تؤدي دو ار متعاظم
مرحلة الرأسمالية الصناعية ،أخذت الدولة تنسحب من النشاط االقتصادي ،مما يؤكد على َ
األهمية كلَما كانت الرأسمالية أكثر ضعف ا.
وخالل مرحلة الرأسمالية الصناعية أصبح النشاط الصناعي من اختصاص األفراد وليس من اختصاص الدولة،
وكانت مهمة الدولة مقتصرة على حفظ األمن الداخلي والدفاع عن الوطن ضد االعتداء الخارجي وهكذا تميزت
الرأسمالية الصناعية بسياسة الحرية الصناعية ،وقد ترتب على هذا التطور في وظيفة الدولة من الناحية االقتصادية
انعكاس خطير من الناحية السياسية ،فالدولة جردت من وظائفها االقتصادية(.)2
وقد صاغ آدم سميث Adam Smithالواجبات التي يمكن للدولة أن تقوم بها باالتي(:)3
-إقامة العدل بين أفراد المجتمع ومنع اعتداء بعضهم على البعض األخر.
-القيام باألعمال التي ال يرغب الرأس مال الخاص القيام بها على الرغم من ضرورتها للمجتمع وذلك أل َنها ال
تعود بالربح المناسب.
لذا فحماية البلد من العدوان الخارجي وتحقيق العدل بين أبناء المجتمع والتعليم والحد األدنى من المشاريع العامة
مثل الطرق والجسور والقنوات ،هذه هي الخدمات التي يمكن للدولة القيام بها ،وفيما عدا ذلك فإ َن اليد الخفية هي أشد
فعالية من تدخل الدولة.
َ
-1عبد علي كاظم المعموري ،تاريخ االفكار االقتصادية ،ج ،7الميناء للطباعة والنشر ،بغداد ،0229 ،ص .07
-2لبيب شقير ،تاريخ الفكر االقتصادي ،دار الحكمة للطباعة والنشر ،بغداد ،7179 ،ص .40
-3عدنان عباس علي ،تاريخ الفكر االقتصادي ،ج ،7مطبعة عصام ،بغداد ،7181 ،ص .709-704
45
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
وقد أبدى سميث معارضته لسياسة العجز في الموازنة ،وذلك لما يؤدي إليه االقتراض من حجب لالدخار عن
أن الحكومة حينما تلجأ إلى فرض الضرائب لغرضالقطاع الخاص ،وتوجيهه إلى االستهالك الحكومي ،كما كان يرى َ
سداد الديون ،فإ َنها بذلك تعمل على تحويل الثروة من دافعي الضرائب إلى حاملي السندات ،والذين سيعملون بدورهم
على توجيهها نحو األنفاق االستهالكي(.)1
لذا فإ َن الكالسيك آمنوا بحيادية السياسة المالية وأ َكدوا على مبدأ توازن الموازنة ،ونادوا بضرورة حصر النفقات
واإليرادات العامة مع ا في أضيق الحدود.
كمــا يعتبــر جــون لــوك (7825م) أبــرز فالســفة الليبراليــة الكالســيكية ،ونظريتــه تتعلــق بالليبراليــة السياســية ،وتنطلــق
نظريته من فكرة العقد االجتماعي في تصوره لوجود الدولة ،وهذا في حد ذاتـه هـدم لنظريـة الحـق اإللهـي التـي تتزعمهـا
الكنيسة.
والقت تلك المبادئ األولى انتعاشا واقباال شديدا في النصف الثاني من القرن العشـرين ،وكـان تأثيرهـا ملحوظـا مـرة
أخــرى فــي المملكــة المتحــدة والواليــات المتحــدة حيــث توجــد صــحوة معاص ـرة لليبراليــة الكالســيكية تحــت اســم الليبراليــة
الكالس ــيكية الجدي ــدة أو الليبرالي ــة الجدي ــدة التـ ـي ظه ــرت ك ــرد فع ــل للت ــدخل المت ازي ــد للحكوم ــة ف ــي الش ــؤون االقتص ــادية
واالجتماعية ،خاصة في الفترة ما بعد الحرب والتي تجلت في اليمين الجديد).(2
وتأثرت الليبرالية الكالسيكية في القرن التاسع عشر بنظريات كبرى حول الطبيعة اإلنسانية قـام بوضـعها أصـحاب
الفكــر النفعــي أمثــال جيرمــي بنثــام وجــيمس ميــل ،أيــن اعتبــر بنثــام فكـرة الحقــوق "هـراء" ،وســمى الحقــوق الطبيعــة "هـراء
أن الفـرد يتحـرك بـدافع مصـالحه الذاتيـة التـي تعـرف
بأنه أكثر عملية وموضـوعية ،إالَ َ على ركائز" واستبدلها بما يؤمن َ
أن النـاس يحسـبون قـدر اللـذة واأللـم الصـادر مـن كـل
بالرغبة في اللذة والسـعادة وتجنـب األلـم ،فيـرى بنثـام وكـذلك ميـل َ
أن السـعادة واأللـم
فعل وموقف ،فبالتالي يختـارون مـا يبشـر بـأكبر قـدر مـن اللـذة والسـعادة ،ويـؤمن المفكـرون النفعيـون َ
المدة وهكذا ،فاإلنسان في رأيهم يتحرى أكبر قدر ممكن من النفـع يمكن قياسهم بالمنفعة ،آخذين في االعتبار الكثافة و َ
بالسعي وراء أكبر قدر من اللذة والسعادة وأقل قدر ممكن من األلم).(3
ومن الناحية األخالقية يمكن النظر إلى المنفعة لمعرفة "صحة" اتجاه السياسات والمؤسسات فـي توفيرهـا للسـعادة،
تماما كالفرد في قدرته على حساب أكبر قدر من السعادة الصادرة مـن الفعـل ،حيـث يمكـن االسـتعانة بمبـدأ "أكبـر قـدر
مــن الســعادة ألكبــر عــدد" فــي السياســات لصــالح المجتمــع ككــل .وفــي أوائــل القــرن 71فــي بريطانيــا اجتمــع حــول بنثــام
-1منذر عبد القادر الشيخلي ،عجز الموازنات الحكومية واتجاهات السياسة المالية في الوطن العربي ،7178-7184رسالة ماجستير
مقدمة إلى كلية اإلدارة واالقتصاد ،جامعة بغداد ،7177 ،ص .20
-2عدنان عباس علي ،تاريخ الفكر االقتصادي ،مرجع سابق ،ص .740
-3إبراهيم كبه ،دراسات في تاريخ االقتصاد والفكر االقتصادي ،ج ،7مطبعة العاني ،ط ،0بغداد ،7180 ،ص .790
46
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
مجموع ــة م ــن المفكـ ـرين المتشـ ـددين فلس ــفيا وعرضـ ـوا علي ــه مجموع ــة كبيـ ـرة م ــن اإلص ــالحات االجتماعي ــة والسياس ــية
والقانونية ،وكلَها ترتكز على فكرة المنفعة العامة.
فقد كان للنفعية أثر بالغ في الليبرالية وخاصة َأنها تطرح فلسفة أخالقية تفسر كيف ولماذا يسلك الفرد علـى النحـو
الذي هو عليه ،وكذلك تبنت األجيال الالحقة من الليبراليين التصور النفعـي لإلنسـان علـى َأنـه مخلـوق عقالنـي يسـعى
وراء مصالحه الشخصية ،وهي فكرة محورية وراء فكر الليبرالية الجديدة أيضا.
فيستطيع كل فرد في نظـرهم تحديـد أفضـل مصـالحه الخاصـة دون غيـره ،فـال يمكـن لغيـره -الدولـة مـثال -أن تفعـل
ذلك له .وحسب بنثام الناس تتحـرك في إطار اللذة أو السعادة التي يتمتعون بها وبالطريقة التـي يخت ـارونها ،فـال ألح ـد
سواهم يمكن أن يحكم عـلى نوع أو درجة سعـادتهم ،فإذا كان كل فرد هـو الحكـم الوحيــد لمـا سيسـعده ،فـالفرد وحـده هـو
القادر على تحديد ما هو صحيح أخالقيا.
وقــد أبــرز آدم ســميث (7812م) الليبرالي ــة االقتصــادية وهــي الحري ــة المطلقــة فــي الم ــال دون تقييــد أو تــدخل م ــن
الدولة).(1
وقد تكونت الديمقراطيـة وال أرسـمالية مـن خـالل هـذه الليبراليـة ،فهـي روح المـذهبين وأسـاس تكوينهـا ،وهـي مسـتوحاة
من الثورة الفرنسية من خالل الحرية االقتصادية.
كتب آدم سميث كتابه فـي وقـت فرضـت فيـه الحكومـة قيـودا صـارمة علـى النشـاط االقتصـادي ،فكانـت الماركنتليـة
النظــام االقتصــادي المســيطر فــي الق ـرنين 79و 78حيــث تــدخلت الحكومــات فــي الحيــاة االقتصــادية مــن أجــل تشــجيع
ـأن االقتصـاد يكـون فـي أوج نشـاطه مـع عـدم تـدخل الحكومـة ،ففـي
التصدير والحد من االسـتيراد .وجـاء سـميث ليقـول ب َ
رأيه االقتصاد هو السوق أو سلسلة من األسواق المتعلقة بعضها البعض ،وتعمل السوق حسب رغبات وق اررات األفـراد
األحرار ،وا َن الحـرية في السوق هي حـرية االختيـار :مق ـدرة المنـتج علـى اختيـار السـلعة التـي يصـنعها ،ومقـدرة العم ـال
عـلى اختيار أصحاب األعمال ،ومقدرة المستهلك على اختيار السلع والخدمات للشراء ،فالعالقات في هـذه السـوق بـين
صاحب العمل والموظفين ،وبين البائعين والمستهلكين عالقات تطوعية أو عقدية).(3
ويفتــرض االقتصــاديون الكالســيكيون أن األفـراد يســعون وراء تحقيــق مصــالحهم الشخصــية ماديــا بــدافع الرغبــة فــي
التمتــع باللــذة أو الســعادة ،وذلــك عــن طريــق تكــوين واســتهالك الثــروة .وتقــوم النظريــة االقتصــادية لحــد كبيــر علــى فكـرة
"الرجل االقتصادي" ،وهي أن اإلنسان يسعى إلى أكبر قدر من المنفعة وذلك بالكسب المادي.
وقــد اســتخدم االقتصــاديون فــي الم ارحــل الالحقــة فك ـرة "اليــد الخفيــة" لشــرح كيــف أن المشــكالت االقتصــادية -مثــل
البطالــة والتضــخم والعجــز فــي ميـزان المــدفوعات -يمكــن القضــاء عليهــا مــن خــالل آليــات الســوق ،فمــثال تــأتي البطالــة
نتيجــة زيــادة عــدد المــؤهلين للعمــل عــن الوظــائف المتاحــة أي عــرض العمــال يزيــد عــن الطلــب عليهــا ،فــتخفَض قــوى
السوق من سعر العمالة أي أجورهم ،فمع انخفاض األجور يمكن لصاحب العمل تعيين عدد أكبر من العمال وبالتالي
تقل البطالة ،لذلك تكون قوى السوق قادرة على القضـاء علـى البطالـة بـدون تـدخل الحكومـة شـريطة أن يكـون مسـتوى
األجور مرنا مثل األسعار األخرى ،وتؤدي السوق الحرة إلـى كفايـة اقتصـادية ،فمـن أجـل الـربح ال بـد أن تكـون التكلفـة
منخفضة فاإلسراف وعدم الكفاءة ال سبيل لهم في العمل اإلنتاجي ،ففـي نفـس الوقـت تمـنح المنافسـة إمكانيـة الحصـول
علــى أربــاح مبــالغ فيهــا ،إذا كانــت األربــاح عاليــة بشــكل غي ـر عــادي فــي مجــال معــين ،فــذلك سيشــجع المنتجــين علــى
دخول ذلك المجال ،فبالتالي سيزيد الناتج وينخفض مستوى األسعار واألربـاح ،وتنجـذب المـوارد االقتصـادية نحـو أكثـر
ألنهــا
االســتخدامات ربحــا أي نحــو مجــال اإلنتــاج المتنــامي والمزدهــر ولــيس غيــر ذلــك ،وتعمــل الســوق بشــكل إيجــابيَ ،
دائمــا تســعى لتحقيــق رغبــات المســتهلك ،فالمســتهلك هــو المســيطر علــى زمــام األمــور ،ولكــي تحــافظ المؤسســات علــى
ربحهـا العـالي لبـد أن تعــرف جيـدا وتـوفي حاجـات ورغبــات المسـتهلك ،وبـذلك وبشـكل طبيعــي تتحـرك قـوى السـوق نحــو
تغير في طلب المستهلك).(1
رفع كفاءة وقوة االقتصاد الذي يستجيب ذاتيا ألي َ
.
رَبما لم يعرف القرن العشرين اقتصاديا في شهرة االقتصادي اإلنجليزي جون مينارد كينز ،فكما كان كتاب "ثورة
تحول
العامة" 7109نقطة َ
النظرية َ تحول في تاريخ الفكر االقتصادي ،فقد جاء كتاب كينز " َ
األمم" لـ آدم سميث نقطة َ
أهمية ،ليس فقط من حيث التأثير على الفكر االقتصادي وا َنما بوجه خاص من حيث تأثيرها على
أخرى قد ال تقل َ
الحكومية لفترة ما بعد الحرب.
َ السياسات
َ
فإن وجود
أن االقتصاد غير قادر –دائما -على تحقيق التوازن عند مستوى العمالة الكاملة وبذلك َلقد أ َكد كينز َ
فإن
الفعـال ،ولذلك َ
أن ذلك يرجع إلى اعتبـارات اقتصادية تعـود إلى نقـص الطلب الفعلي أو َ
بطـالة أمر غير مستغرب و َ
بتدخل الدولة وزيادة اإلنفاق – بتحقيق نوع من العجز المنظَم في الميزانية– بقصد زيادة الطلب
عالج البطالة يكون َ
الصناعية
للسياسات االقتصادية لمعظم الدول َ والوصول إلى مستوى العمالة الكاملة ،وكانت نظرَية كينز هي المبرر َ
االقتصادية في الدول
َ لتدخل الدولة في الحياة
النظري َ
العالمية الثَانية فضال عن َأنها وضعت األساس َ
َ لما بعد الحرب
يعوض
الرفاهية ،وينظر كينز إلى الحكومة على َأنها العامل الكبير الذي َ
أسمالية ولظهور ما يعرف باقتصاديات َ
الر َ َ
-1كافلين رالي ،الغرب والعالم :تاريخ الحضارات من خالل موضوعات ،مرجع سابق ،ص .18
48
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
العالمية الثَانية
َ الخاصة) ،(1وقبل نهاية الحرب
َ أسمالية
الر َ تميز َ
السيطرة عليها والَتي َ
مظاهر الفوضى التي ال يمكن َ
للنظام الدولي االقتصادي لما بعد الحرب وما ترتب عليه من شارك -كينز ممثال للحكومة البريطانية -في اإلعداد َ
الدولي.
النقد الدولي والبنك َ
إنشاء صندوق َ
لقد هزت األزمات الدورية المتعاقبة كيان النظام الرأسمالي وأربكت مفاهيمه وخصوص ا بعد تعرضه ألزمة الكساد
وكأنها حاملة لالزمة ،إذ وضعت هذه األزمة الشك في آلية السوق بعد أن الكبير 7100-7101وبدت الرأسمالية َ
فعالة أمام األزمة التي شلت أركان النظام الرأسمالي وأدخلته في
تمسك بها آدم سميث غير َ
أصبحت آلية السوق التي َ
مما دفع كينز الدولة لتتدخل في النشاط االقتصادي ،وتعيد الحياة إليه بواسطة سياسة األنفاق العام).(2
الركودَ ،
َ
وقد بلغ انتقاد الفكر الكالسيكي ذروته على يد كينز في كتابه النظرية العامة الصادر عام 7109والذي وجه فيه
اهتمامه بالدرجة األسـاس إلى نقض فكرة اتجـاه االقتصـاد تلقائي ا نحو التوازن عنـد مستوى االستخدام التام ،فلم تعد عنده
األسعار واألجور مرنه واستبعد وجود المنافسة الكاملة بعد أن أصبحت االحتكارات ونقابات العمال والعوامل الفكرية
والسياسية والتوقعات ذات تأثير فاعل في توجيه النشاط االقتصادي( )3ولم يكن كينز متمردا على النظام الرأسمالي بل
يفضل الرأسمالية على غيرها من األنظمة.
أراد إصالح هذا النظام وتنقيته من العيوب ،التي أصابته فهو َ
فلم يكن أمام كينز إالَ طريق ا واحدا (وهو تدخل الدولة لرفع مستوى األنفاق االستثماري ،أي قيام الحكومة
باالقتراض واألنفاق من أجل األغراض العامة ،أي العجز العمدي ،فهذا وحده ممكن أن يؤدي إلى كسر توازن العمالة
الناقصة ،وكان ذلك تأكيدا قويا لحكمة ما كان يجري عمله بالفعل تحت ضغط الظروف)( )4لذا فإ َن كينز قام بنقل
التحليل االقتصادي من المستوى الجزئي إلى المستوى الكلي ،إذ البد للفكر أن يكون مساي ار ومتماشيا مع الواقع.
إ َن النظرية الكينزية قامت بمعالجة األزمة ووفرت ثالثين سنة من االزدهار واالستقرار النسبي القتصاديات
المنظومة الرأسمالية ،فالكينزية هي فكر األزمة الذي جاء معب ار عن حاجـة الرأسمـالية ومتماشي ا مع أسسها العامة،
-1أ .د .نبيل جعفر عبد الرضا ،دور الدولة في الفكر االقتصادي ،جريدة المدى ،الحدث االقتصادي ،مؤسسة المدى للنَشر ،0221 ،بدون
رقم صفحة.
-2أ .د .نبيل جعفر عبد الرضا ،دور الدولة في الفكر االقتصادي ،مرجع سابق ،بدون رقم صفحة.
-3منذر عبد القادر الشيخلي ،عجز الموازنات الحكومية واتجاهات السياسة المالية في الوطن العربي ،7178-7184مرجع سابق،
ص.78
-4جوزيف شترار ،نفس المرجع ،ص .770
49
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
طالما أنها تنطوي على األزمات (بحسب التعبير الكينزي) لهذا فهي معالجة قصيرة اآلجل في نمط اإلنتاج الرأسمالي
نحو البطالة اإلجبارية ،بسبب فقدان القدرة الذاتية على التوازن التلقائي ما بين اإلنتاج واالستهالك(.)1
.
متغيرات وظروف جديدة كـان لها األثر الكبير على الفكر االقتصـادي المتعلق بـ"دور الدولة"،
َ عرف العـالم
سية وكـذلك مدرسة االختيار العام ،ليصبح "دورالمؤس َ
فظهرت مـدارس جديدة تنادي بفكـر جـديد كالمدرسة النقدية و َ
العالمية الجديدة والتي تسمى العولمة.
َ الدولة" فيما بعد رهان مختلف المتغيرات
السهل حصر المتغيرات الجديدة للفكر االقتصادي ،واذا نظرنا إلى تقسيم التحليل االقتصادي إلى
ليس من َ
أن
فإننا نالحظ َ
الدخل القوميَ ، اقتصاد جزئي يتناول سلوك المستهلك والمنتج واقتصاد كلي يتناول بصفة عامة َ
االقتصاد ال يزال يسير على نفس األسس التي ورثناها مع النيوكالسيك وخاصة ألفريد مارشال .حقا هناك مزيد من
تطور
الرياضي وتوفَر قدرة اكبر على القياس واختبار الفروض مع َ تقدم االقتصاد َ
االنضباط في العرض وخاصة مع َ
وخاصة مع أرو ودوبريه وهان،
َ االقتصاد والقياس واإلحصاء ،كما عرفت نظريات التوازن ال َشامل مزيدا من الوضوح
وخاصة ألفريد
َ كل ذلك لم نخرج عن التقاليد الَتي أرساها االقتصاديون األوائل في نهاية القرن التَاسع عشر
ولكننا في َ
َ
ناحية أخرى.
ناحية و ليون فالراس من َ مارشال من َ
التضخم َإنما هي عكس مشكلة البطالة وبالتَالي تحتاج إلى عالج مضاد وذلك بتخفيض الطلب الفعلي واإلنفاق العام،
َ
الركود
التضخم فيما عرف باسم َ َ على َأنه لم يلبث أن عرف العالم منذ السبعينيات ظاهرة اجتماع البطالة مع
التضخمي . stagflation
َ
العالمية الثَانية قضايا جديدة بدأت تشغل بال العالم ،فقضية التنمية
َ السطح بعد الحرب
كذلك ظهرت على َ
االقتصادية لدول العالم بدأت تفرض نفسها كإحدى القضايا األساسية في االقتصاد ،وفي نفس الوقت أظهر االقتصاد
-1عبد علي كاظم المعموري ،العولمة :محاولة الرأسمالية للتكيف مع أزمتها ،دراسات اقتصادية ،بيت الحكمة ،العدد األول ،السنة الثانية،
،0222ص .71
-2مح َمد دويدار ،مبادئ االقتصاد السيَاسي ،الجزء األول ،مطبعة التونى ،اإلسكندرية ،7110 ،ص .097
51
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
العالمي لما بعد الحرب مدى الترابط والتداخل في العالقات الدولية مما دعا إلى ما يعرف باسم عولمة االقتصاد
أهمية
المالية والبورصات وتحرير التَجارة َ
َ الصرف واألسواق
globalisationومن هنا احتلت قضايا أسعار ونظم َ
ظمةالدولي وأخي ار من َ
النقد َ
الدولي وصندوق َ
ولية :البنك َ
الد َ
المالية َ
َ المؤسسات
َ بالغة ،وقد صاحب ذلك زيادة دور
ومتنوعة ،ولم
َ مهمة
تقدم فقد توفَر للدراسات االقتصادية قاعدة بيانات ومعلومات َ
العالمية ،وباإلضافة إلى ما َ
َ التَجارة
يقتصر أثر زيادة المعلومات حول الحياة االقتصادية على تطوير أساليب البحث العلمي ،بل َإنها كادت تؤثَر على
االقتصادية – مستثمرين
َ االقتصادية ،ولذلك فقد بدأت العديد من الوحدات
َ السلوك االقتصادي لمختلف الوحدات
َ
المالية -في تحديد سلوكها ليس فقط على أساس ما هو قائم بل أيضا في ضوء ما يتوقَع أن
َ ومضاربين في األسواق
التنبؤات المتوقَعة
السياسات و َ
الرشيدة " Rational Expectationلوكاس" ترى أن َ يحدث ،وها هي مدرسة التوقَعات َ
السياسات المتوقَعة ،فإذا كانت الحكومة ستأخذ بسياسة لتقييد االئتمان
تحدث أثرها فورا ،فاألفراد يأخذون في حسابهم َ
يتصرفون على أساس ارتفاع تكلفة االقتراض ،وهكذا كثي ار ما
َ فإن المستثمرين
للتضخمَ ،
َ ورفع تكلفة االقتراض محاربةا
فإن
السوق قد توقعتها مسبقا وأخذتها في اعتبارها بالفعل ،ووفقا لهذه المدرسة َ
ألن َالحكومية نظ ار َ
َ السياسات
تفشل َ
فعالة إالَ بالقدر الذي تفاجئ به األفراد وتأتي على غير توقَعاتهم.
الحكومية" ال تكون َ
َ السياسات
" َ
النقدية
جلية هو هجوم المدرسة َ
لعل أشهرها وأكثرها َ
تعرضت أفكار كينز لعديد من االنتقادات واالعتراضاتَ ،
لقد َ
أن كينز الذي هاجم
السخرية َ
( monteratistمدرسة شيكاغو) وعلى رأسها ميلتون فريدمان ،وقد يكون من دواعي َ
يتعرض بدوره لنفس العينية َ
َ االقتصادية
َ النقود باعتبارها مجرد ستار يحجب العالقات
ألنهم نظروا إلى َ
التقليديين َ
االقتصادية عند تركيزه على
َ السياسة
النقود في التأثير على َ
االعتراض من مدرسة شيكاغو بمقولة َأنه أهمل دور َ
النقديين هي َأنه
المالية لمواجهة ظروف الكساد واالنتعاش في االقتصاد ،ونقطة الخالف بين كينز و َ
َ السياسة
أهمية َ
َ
العامة (اإلنفاق
الية َالنشاط االقتصادي هي استخدام الم َ
التدخل لضمان استقرار َ
َ أن وسيلة الدولة في
يرى –أي كينزَ -
الكمية تجد أنصارها منذ نهاية
َ النظرية
النقود ،وقد بدأت َ
مية َ
النقديين هي التح َكم في ك َ
والضرائب) ،في حيـن َأنها عند َ
االقتصادية في
َ للسياسات
تصادية في السبعينيات وأصبح أهم مؤ َشر َ
َ السياسات االق
الستينيات وفرضت نفسها على َ
لكمية
متعددة َ
النقود المتداولة ،وفي هذا الوقت بدأ الحديث عن تعريفات َ
النظر إلى حجم َالصناعية هي َ
معظم الدول َ
النقديين يرجع إلى مدى استقرار سرعة تداول
ولعل جوهر الخالف بين كينز و َ التوسع في التعريفَ ،
َ النقود بحسب مدى
َ
مستقرة،
َ مستقرة في حين َأنها عند فريدمان تتمتَع باالستقرار ،فإذا كانت سرعة التداول
َ النقود ،فهي عند كينز غير
َ
أما في الحالة
النقود سيقابلها زيادة في اإلنفاق وبالتَالي في األسعارَ .كل زيادة في عرض َأن َفرَبما معنى ذلك َ
الزيادة ستبتلع في االكتناز ،ويرى
ألن هذه َ
النقود وال ينعكس ذلك على زيادة اإلنفاق نظ ار َ
العكسية فقد يزيد عرض َ
َ
فإن زيادات اإلنفاق تؤدي إلى زيادات متتابعة
الدخل يتمتَع باالستقرار ولذلك َ
أن االستهالك كنسبة من َ
كينز بالمقابل َ
فإن العبرة في مواجهة الكساد هي زيادة اإلنفاق وليس
في االستهالك وهو ما يعرف بمضاعف االستثمار ،وبذلك َ
النقود).(1
بزيادة عرض َ
-1ن َجار أحمد منير ،دور التَحدَيات االقتصاديَة في القرن ،07ندوة لوزارة الماليَة ،الكويت.0225/27/77 ،
51
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
تغيرات أسعار
النقدية إلى التأثير في األوضاع االقتصادية من خالل َ
السلطات َ
ومنذ منتصف الثمانينيات عادت َ
النقود المكانة التي عرفتها في السبعينيات).(1
لكمية عرض َ
الفائدة ولم يعد َ
3
نجار أحمد منير ،الخصخصة بين التقليديَة والعالميَة المعاصرة وأثرها على مشاريع األعمال ،مجلَة الكويت االقتصاديَة ،بحث مقبول
َ -
1
النَشر،الكويت.0220 ،
-2جون توملينسون ،العولمة والثقافة ،ترجمة :إيهاب عبد ال َرحيم محمد ،عالم المعرفة ،العدد ،045الكويت ،0227 ،ص .00
52
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
السياسات
المؤسسية الجديدة لم يعد يقتصر على مناقشة َ
َ فإن اهتمام المدرسة
االقتصادية َ
َ السياساتوفي صدد َ
العامة للضرائب واإلنفاق واالئتمان واالستثمار بل تخطاها إلى قضايا أساليب الحكم واإلدارة ،فإذا كانت دعوة
َ
السائد هو ضرورة "إصالح نظام األسعار" ،get the prices right
اإلصـالح االقتصادي مع التفكير االقتصادي َ
المؤسسات المناسبة" get the institutions rightوهنا
المؤسسية تصبح ضرورة البحث عن " َ
َ فإنها مع المدرسة
َ
الدستوري).(1
السياسي و َ
تأتي الدعوة إلى الخصخصة بل والى اإلصالح َ
public choice 4
إن الحديث عن األفكار اللَيبرالية الجديدة وتحديد "دور الدولة" يدفعنا باإلشارة إلى أفكار مدرسة االختيار العام
َ
السياسة سواء منالسائد في التحليل هو الفصل بين االقتصاد و َ أن َ public choiceوعلى رأسها بوكنان ،حيث َ
الدراسة وأدوات التحليل ،فاالقتصاد يهتم بعالقات التبادل بين األفراد في حين
حيث موضوعهما أو من حيث منهج َ
أن
بالسلطة ،في حين يغلب عـلى األولى اعتبارات المصلحة ال َذاتية والمنافع ال َشخصية ،فاألصل َ
السياسة َ
تهتم َ
السياسة كنوع
العامة والنفع العام ،وقد جاءت مدرسة االختيار العام بفكرة معاملة َ
َ السلطة تستخدم من أجل المصلحةَ
منزهين عن البحث
السياسة واإلدارة ليسوا دائما َ
وتطبق نفس المنطق عليها ،فرجال ََ النشاط الجاري أو االقتصادي
من َ
فإن ذلك شأن أي فرد).(2
العامة َ
يخصون في تصرفاتهم لبواعث المصلحة َ
َ الخاصة ،بل َإنهم كثي ار ما
َ عن مصالحهم
العالمية الثَانية لم يقتصر األمر على إعادة اعمار أوروبا واليابان واستمرار
َ خالل ربع قرن منذ نهاية الحرب
النامية استقاللها وعرفت في معظمها معدالتالصناعية ،بل أيضا اكتسبت الدول َ النمو االقتصادي واستقرار األسواق َ
َ
النمو االقتصادي ،وهي الفترة الَتي ازدهرت فيها نظريات التنمية االقتصادية ،وقد عرفت هذه الفترة أسماء
معقولة من َ
مثال آرثر لويس وميردل ونركسه وهرشمان وبول ستربتن ،وقد ثار في ذلك الوقت جدل كبير حول نمط التنمية
المتوازنة والذي دعا إليه نركسه ونمط التنمية غير المتوازنة والذي اشتهر به هرشمان ،وقد ترددت نظريات التنمية بين
وخاصة في أمريكا الالتينية وأفكار
َ اتجاهات عديدة ،وكان التركيز في الفترة األولى على نقص رؤوس األموال
تصادية كما عرضتها نظرَيات "المركز واألطراف" لـ إيمانويل وفرانك وسمير أمين وانتهي األمر في نهاية
َ السيطرة االق
َ
-1أحمد أبو زيد ،المعرفة وصناعة المستقبل ،سلسلة كتاب العربي ،الكويت ،جانفي ،0224ص.08-09
2
- V. P. Ardant, Institutions Politiques et Droit Constitutionnel, 12 Edition, L.G.D.J,Paris 2000, p18.
53
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
سياستهم في
َ الدولي في ضرورة لتطبيق
النقد َ
الدولي وصندوق َ
الثمانينيات والتسعينيات إلى التعامل مع البنك َ
اإلصالح االقتصادي).(1
وبعد أن عجزت كل أدوات النظام الرأسمالي في حل أزمة التضخم الركودي ،بدأت الدعوات إلى ما يعرف
بالعولمة والتي قد تم تكريسها بشكل واضح خالل العقود الثالث األخيرة من القرن العشرين ،وال يمكن أيجاد وتفسير
لهذا التزامن بين الظاهرتين أي العولمة والتضخم الركودي إالَ من خالل الربط بين طبيعة األزمة وظهور العولمة،
بمعنى أ َنه ألجل أنجاح سياسة التوجه نحو الخارج لحل األزمة كان البد من ظهور وسيادة المرحلة الجديدة المسماة
بالعولمة ،وكان الدور الكبير يقع على عاتق الشركات متعددة الجنسيات ،والتي أخذت تكتسح العالم وراء جني األرباح،
ولتقوم بأخذ الفائض االقتصادي من البلدان المحيطة ونقله إلى بلدان المركز ،وبالتزامن مع هذه الظاهرة هنالك دعوات
لتقليص دور الدولة في النشاط االقتصادي في كل الدول والبد من تركه آللية السوق .وفي ظل هيمنة الرأسمالية
أن الدولة أخذت تمارس دور
العالمية على مقدرات كل الشعوب بدت الدولة راعية للشركات متعددة الجنسية ،ويظهر َ
المنظَم لهذه الشركات التي سيطرت على روابط االقتصاد العالمي خالل القرن الحادي والعشرين).(2
وقد تمكنت هذه الشركات من السيطرة على الق اررات السياسية في مراكز المنظومة الرأسمالية ،إذ أصبح بإمكانها
أن تأتي بالسياسيين الذين يقومون بخدمة مصالحها ،لذا فهي تمتلك القوة االقتصادية إلى جانب القوة السياسية.
وهناك مبررات لتقليص دور الدولة في ظل العولمة يمكن أجمالها بمجموعة من العوامل الخارجية والداخلية
المتداخلة والمترابطة فيما بينها(:)3
-اندماج العالم اقتصادي ا وتوحد األسواق في ظل ثورة االتصاالت والمعلومات التي جعلت من العالم قرية كونية
تالشت فيها المسافات والحدود.
-هيمنة الشركات المتعددة الجنسية على االقتصاد العالمي مما جعل الحكومات غير قادرة على التحكم
باقتصادها وأصولها.
-ظهور مؤسسات دولية اقتصادية ومالية تؤثر تأثي ار فاعالا في قدرة الدولة بالتحكم بسياساتها وق ارراتها
االقتصادية ،مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
-ظهور مؤسسات مالية ورأسمال عائم في الوقت نفسه له القدرة على سرعة الحراك واالنتقال من مكان إلى
آخر للحصول على الربح السريع والمضاربة ،ويمتلك القدرة على تحدي وسائل الدولة االنضباطية.
-انهيار احتكار الدولة للمعلومات وسيادة ثورة المعلومات جعلت المعلومات متاحة للجميع.
-1هانس بيترمارتين وهارالد شومان ،فخ العولمة :ترجمة عدنان عباس علي ،مراجعة وتقديم رمزي زكي ،عالم المعرفة ،العدد ،014
الكويت ،0220 ،ص .770
-2هانس بيترمارتين وهارالد شومان ،فخ العولمة :ترجمة عدنان عباس علي ،مراجعة وتقديم رمزي زكي ،مرجع سابق ،ص .774
-3عدنان عباس علي ،نفس المرجع ،ص .797
54
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
-لم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد في االقتصاد وأصبحت الق اررات االقتصادية تتأثر بالشركات والنقابات
ووسائل اإلعالم والصحة ومؤسسات المجتمع المدني.
-ظهور التكتالت اإلقليمية ،ونقل جزء من وظائف الدولة إلى القيادة الهيكلية لهذه التكتالت.
-انضمام الغالبية العظمى من الدول إلى المنظمات الدولية وقبولها بقواعد وشروط هذه المنظمات.
-تدويل عملية اإلنتاج واقامة منشآت تعتمد على التكامل الرأسي وتتكون من وحدات موزعة على أنحاء العالم
يتفرد كل منها بإنتاج جزء من عملية اإلنتاج وحلول وفورات النوع بدل وفورات الحجم.
-سيادة االستثمار األجنبي المباشر والذي فرض تعديالا إضافيا على سيادة الدولة وقيد من حريتها في التصرف
بإدارتها المالية والتغذية ،وباتت تتكيف ومصالح ذلك االستثمار.
-زيادة مدة الصراعات اإلقليمية في العديد من البلدان والتي قلصت من هيمنة الدولة سياديا على أقاليمها.
-تراجع مصداقية النخب الحاكمة في المحافظة على المال العام ،وقدرتها الواسعة على تدوير الثروة القومية.
-عجز الدولة في تسريع معدالت التنمية واتساع الفجوة بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة.
-ظهور العديد من المشكالت التي يتعذر حلها على الصعيد المحلي مما يتطلب حلول دولية جماعية
كالمحافظة على البيئة وأسلحة الدمار الشامل والمديونية الخارجية.
وفي الوقت الذي تتعالى فيه الدعوات إلى ضرورة تقليص دور الدولة ،في ظل العولمة يالحظ أ َنه في البلدان
الرأسمالية المتقدمة ،الزالت الحكومات الوطنية متواجدة لحماية مصالحها الوطنية ومصالح مؤسساتها االقتصادية
والزالت الشركات المتعددة الجنسية ذات طابع قومي وليست شركات عولمة ،وا َن الروابط بين هذه الشركات وحكومات
موطنها األصلي الزالت قوية وتعبر عن المصالح المشتركة للطرفين( ،)1وهي محطة اهتمام حكوماتها من حيث
الحماية ألسـواقها وأسرارها التكنولوجية واحتكارها لهـا ،وهي تطبق تعليمات حكوماتها في اغلب األحيان ،فهذه
الشركات الزالت جذورها مرتبطة بالدولة األم وهي تحتاج إلى الدولة في العديد من المجاالت ،إذ أ َن هناك تصورات
مبالغ فيها عن ذوبان الدولة في ظل العولمة إذ كان دور الدولة على الدوام ينصب على توفير الشروط الالزمة لنشاط
رأس المال في المجاالت المفيدة لتطورها االقتصادي أو لما يلبي مصالحها الوطنية.
لذا فإ َن الرأسمالية ومنذ نشوئها لم تستغني عن الدولة ووظائفها وهي غير مرشحة لالستغناء عنها في ظل
العولمة.
-1عبد علي كاظم المعموري ،تاريخ االفكار االقتصادية ،مرجع سابق ،ص .01
55
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
والعولمة المراد لها التحقق ،تطرح أيديولوجية الحدود غير المرئية ترسمها الشركات العالمية قصد الهيمنة على
االقتصاد واألذواق واألفكار والسلوك ،وهي في ذلك تحاول التأثير على المستهلك على المستوى العالمي ،كما تحاول
تعظيم االستهالك في األطراف ،مثلما هو في المراكز من خالل نشر نمط الحياة الغريبة في إطار دمج األطراف في
أن هذا الفهم يمثل إعادة هيكلة
السوق العالمية والحياة الرأسمالية في جوانبها االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،أي َ
المتعددة الجنسية وبما يعظَم التوسع الرأسمالي(.)1
َ أوضاع العالم على وفق رغبة الشركات
بأن الذي يحصل اآلن من دعوات حول إضعاف أو انحالل الدولة في ظل العولمة أوويرى صادق جالل العظم َ
أن الذي يحصل هو دفع الدولة ووظائفها إلى
المتعددة الجنسية محلَها ،هو ليس كما يروج له ،إذ َ
َ حلول الشركات
تركيب أعلى مع ما يترتب على ذلك من ضرورة إجراء تعديالت في الوظائف االقتصادية والسياسية واالجتماعية
والعسكرية لها بغية تقديم خدمة أفضل لعمليات اإلنتاج واعادة اإلنتاج والتراكم الرأسمالي ،وا َن دورها اإلقليمي يبقى
مهما وحاسما في حماية ورعاية واحتضان االستثمار وتوفير البيئة المالئمة لتحقيق أهدافه(.)2
إ َن ما حل من تغييرات على أداء الدولة ووظائفها يفسر على َأنها أصبحت سلطة وليس منتج ،وعلى هذا األساس
فما زالت الدولة هي التي تحدد شروط ممارسة النشاط االقتصادي ،من خالل سياساتها الماليـة والنقدية والزالت تضع
الضوابط التي من دونها يصعب على السـوق القيام بدورها( ،)3لذا فإ َن الذي يحصل للدولة في ظل العولمة ال يمثل
زواالا لدورها بل يمثل إعادة صياغة لسلطة الدولة وايجاد وسائل جديدة للتدخل متماشية مع حالة التطور التي يشهدها
االقتصاد العالمي.
-1جالل صادق العظم ،ما العولمة ،دار الفكر ،ط ،7دمشق ،7112 ،ص .775
-2جالل صادق العظم ،ما العولمة ،مرجع سابق ،ص .774
3
- W. Wallace, Foreign policy and Nation identity in the United Kingdom, International. Affairs, VOL
67, 1991, P66.
56
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
خالصة:
إ َن موضوعات الدولة ليست جديدة على الفكر االقتصادي ،فمنذ أن دخلت البشرية مرحلة العبودية ،ومنذ أن بدأ
أبناء الجنس الواحد يتوزعون بين حاكم ومحكوم ظهرت الدولة ،وكما أ َكد العديد من المفكرين َأنها نتاج طبقي وهي
تعبير عن وضع المجتمع في مرحلة تطوره ،وفي مرحلة من مراحل تطور المجتمعات تج َذرت وظائف الدولة
النظام
وواجباتها ،وعلى مر التاريخ كانت حامية للطبقات العليا ،فدور الدولة في النشاط االقتصادي الخاص ب َ
اإلسالمي ،يضيق ويتسع وفق ا للسلوك السائد في المجتمع ،وأ َن حجم التدخل يتم في ظل حاجة المجتمع بحيث يشعر
الجميع بالطمأنينة.
بأن الدولة باستطاعتها أن تمارس دو ار ًُ مهما في التنمية االقتصادية على ضوء ما
أن النظام االشتراكي يرى َ
كما َ
تمتلكه من وسائل إنتاج ،وباعتماد أسلوب التخطيط المركزي من أجل ضمان تحقيق الرفاهية العامة ألبناء المجتمع.
ودور الدولة كان أكثر فاعلية بعد تعرض النظام الرأسمالي إلى هزات اقتصادية ،عجزت كل أجهزة هذا النظام في
مواجهتها ،وبدت كل نظرياته الفكرية ال تجد نفع ا أمام هذه الهزات ،وفي هذه الحالة قام كينز بوضع نظرية جديدة
لتدخل الدولة في الميدان االقتصـادي ،واستطاع أن ينقذ الرأسمالية من أزمة الركود التي سقطت فيها ،وليقدم عالج ا
للرأسمالية هي بأمس الحاجة إليه.
أن الرأسمالية عرضة لألزمات فقد دخلت في مطلع عقد السبعينيات من القرن الماضي في أزمة جديدة
وبما َ
تعرف بأزمة التضخم الركودي Stagflationوقد وقع جزء من اللوم على تدخل الدولة ،وفي ظل شيوع األفكار
الليبرالية الجديدة المرتكزة على فلسفة المدرسة النقودية (الفريدمانية) والتي تهدف إلى تقليل الدور االقتصادي للدولة
بأن مشكالت الرأسمالية تأتي من تدخل الدولة.
وافساح المجال للقطاع الخاص وفق رؤية ترى َ
وفي الوقت الذي تتعالى فيه الدعوات إلى ضرورة تقليص دور الدولة في ظل العولمة ،يالحظ أ َنه في البلدان
الرأسمالية المتقدمة الزالت الحكومات الوطنية متواجدة لحماية مصالحها الوطنية ومصالح مؤسساتها االقتصادية
المتعددة الجنسية ذات طابع قومي وليست شركات عولمة وأ َن الروابط بين هذه الشركات وحكوماتها
َ والزالت الشركات
وتعبر عن المصالح المشتركة للطرفين ،فالرأسمالية ومنذ نشوئها لم تستغن عن الدولة ووظائفها وهي غير
الزالت قوية َ
مرشحة لالستغناء عنها في ظل العولمة.
57
اإلطار النظري لدور الدولة في النشاط االقتصادي الفصل األول
النشاط االقتصادي وما صاحبها من مفاهيم وأفكار جديدة نتيجةوتعتبر مختلف التغيرات في دور الدولة في َ
الراهنة ،والتي سيتم إبرازها وربطها بالتغير في
المتغيرات َ
طبيعية لتطور األوضاع االقتصادية ودخول آليات تتماشى و َ
دور الدولة وذلك في الفصل الثاني.
58
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
تمهيد:
تعد العولمة واحد من التيارات الفكرية المعاصرة التي انطوت على مضامين ومفاهيم جديدة ،تهدف من خاللها
تغير واقع دورها االقتصادي ،االجتماعي ،السياسي والثقافي ،وكذا فهي ترقى ألن
إلى توحيد العالم انطالقا من َ
بأنها تعبر عن واقع سياسي وايديولوجي جديد يعمل على تحقيق أهدافه من خالل وسائل متباينة في مدى
توصف َ
مشروعيتها وتأثيرها ،ومدى قبولها من المعنيين بها.
النظرية
على وفق هذا التصوير جاء هذا الفصل الذي يستعرض المظاهر االقتصادية األساسية والمعطيات َ
والعملية للعولمة ،بعد أن يستكمل تأطي اًر مفهومياً للظاهرة ،لينتهي إلى تبيان العالقة بين ظاهرتي الدولة والعولمة.
06
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
إن تعدد وتشعب المجاالت التي ترتكز عليها ظاهرة العولمة جعلت منها مجاالً خصبا للنقاش تباينت فيه اآلراء
َ
فإن تشخيص هذه الظاهرة ،وتحديد ماهيتها ،ليس باألمر اليسير ،كل يصفها حسب المكان ووجهات النظر ،وعليه َ
ثم
الذي يضع عليه يديه ،غير َأننا سوف نحـاول تسليط الضوء على هذه الظاهـرة من خالل اإلحاطة بمفهومها أوالً َ
تطورها التاريخي وأخي اًر أهم مظاهرها.
استحوذت ظاهرة العولمة على اهتمام مختلف األوساط األكاديمية والسياسية واالجتماعية وغيرها ،ومن ذلك
بأن الذين عنوا بدراسة هذه الظاهرة لم يلتقوا على اصطالح موحد يمكن أن يؤطر أبعادها لفظاً وتعريفاً .فمن
نالحظ َ
أن االختالف قائم حول المصطلح األنسب إطالقه على هذه الظاهرة ناجم عن أمرين، حيث المدلول اللغوي يظهر َ
األول هو :اختالف الترجمة للكلمة اإلنجليزية ،GLOBALIZATIONإذ يرى البعض َأنه مشتق من كلمة
GLOBALبمعنى الكرة ،والتي يقصد بها الكرة األرضية ،الكوكب الذي نعيش فيه .ويشتق من فعل )كوكب( الذي
يعني :جمع أحجار ووضع بعضها على البعض اآلخر في شكل محدد ،وبذلك يصبح االصطالح األكثر قبوال في
وصف الظاهرة هو الكوكبة(.)1
في حين يؤكد البعض على أ َن المصطلح األنسب إطالقه على هذه الظاهرة هو )العولمة( فالمفردة على وزن
)فوعلة( وهي تدل على تحويل الشيء إلى وضعية أخرى مثل )قولبة( من قولب أي وضع الشيء في قالب ،وعليه
فالعولمة هي وضع الشيء على مستوى العالم ،وبالتالي فهي التي تقابل كلمة GLOBALIZATIONالتي تعني
الكونية أو ال َشمولية من كلمة GLOBALوالذي – حسب هذا الرأي -تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل الكل.
العالمية universalismيعبر عن االرتقاء بالخصوصية إلى المستوى العالمي ،في حين تنصرف
َ إن اصطالح
َ
العالمية تفتح على ما هو عالمي وكوني ،أما اصطالح الكوكبة فهو
َ الظاهرة موضوعة البحث إلى احتواء العالم ،و
-1إسماعيل صبري عبد هللا ،الكوكبة :الرأسمالية العالمية مرحلة ما بعد اإلمبريالية ،مجلة المستقبل العربي ،العدد ،7991 ،222ص.50
-2محمد الرميجي ،العولمة وفخاخها :حتى ال تتحول الرأسمالية إلى حيوان شره ،مجلة العربي ،العدد ،484مارس ،7999ص .78
06
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
ينصرف إلى البعد الجغرافي للظاهرة ،ويضفي عليها شيئا من الجمود ،فهو ال يؤشر عمليات التغيير المستمرة
والحاصلة على مستوى العالم ككل ،وال يوحي بالمشاركة اإلنسانية في عملية التغيير المقصودةَ .إنه يمكن أن نطلق
أن العالم عالمان -من وجهة
تسمية الكوكب على المريخ من دون أن تكون هناك إمكانية تسمية (عالم المريخ) ذلك َ
نظر اللغة -األول ما حواه بطن الفلك ،والثاني هو اإلنسان( ،)1في حين يوحي اصطالح التدويل إلى عكس ما
تتضمنه الظاهرة من تقاطع مع مفهوم الدولة الذي يتأثر بما تحدثه الظاهرة ،األمر الذي سيجري بحثه الحقا ،فالتدويل
أن الظاهرة موضوعةينصرف إلى احتواء الدول من غير أن ينفي خصوصياتها أو يمس جوهرها وشكلها في حين َ
البحث تتضمن انحصا ار للسيادة واختراقا للحدود الوطنية ،ولذا فالتدويل اصطالحا ال يعكس جوهر هذه الظاهرة.
أن
بأن اختيار االصطالح األنسب ليس باألمر اليسير ،إال َأنه يبدوا َ
وبناءا على ما تقدم ،وعلى الرغم من التسليم َ
استخدام مصطلح العولمة أكثر مالئمة في التعبير عن فحوى هذه الظاهرة ،إذ يوحي بمشاركة الناس في انتشار
الظاهرة ،كما يوحي أكثر من غيره بالحركة ،وعمليات التغيير المستمرة والحاصلة على مستوى العالم ،فهو يحمل في
الراهنة.
العالمية َ
َ التغيرات
طياته بعدين ،األول :مكاني ليشمل العالم برمته ،والثاني :زماني ليشير إلى مختلف َ
إن اصطالح العولمة يمكن أن يجمع بين وصف الظاهرة وتحديد بعض من مبادئها ،فهو يعبر عن اتساع وعمق َ
عالمية متكاملة ،وكذلك تحرير األسواق الوطنية
َ التدفقات الدولية في مجال التجارة والمال والمعلومات في سوق
الحرة للتجارة والمال والمعلومات سيكون ذا مردود إيجابي مادامت
بأن التدفقات َ
والعالمية انطالقا من االعتقاد القائل َ
العولمة مسألة حتمية.
أما من حيث التعريف فقد حاول كل من اهتم بهذه الظاهرة أن يعطي تعريفا لها أو توضيحا ينسجم مع فهمه لها.
َ
()2
لقد دخلت العولمة GLOBALIZATIONإطار الفكر السياسي كمفهوم جديد في كتابات مارشال ماك لوهن
MARSHALL McLUHANوزبيغينو بريجنسكي( Zbigniew Brezizinski )3اللذان يصوران هذه الظاهرة
التكنولوجية أو كما
َ لمية و
على َأنها عالم تتقارب أجزاءه لتغدوا كقرية عالم َية Global Villageبفضل الثورة الع َ
يسميها بريجنسكي (العصر التكنتروني (Technetronic Evaفال تخرج العولمة عن كونها نتاجا لحركة التقدم
التكنولوجي ،وثورة اإلتصاالت وظهور العقول اإللكترونية ،كمتغيرات بدأت تبرز في الفترة التي أعقبت الحرب
أن العولمة ما هي إال زيادة درجة االرتباط المتبادل بين
فإن أغلب الكتابات الغربية تؤكد َ
العالمية الثانية ،لذا َ
َ
المجتمعات اإلنسانية من خالل عمليات انتقال السلع ورؤوس األموال وتقنيات اإلنتاج واألشخاص والمعلومات.
أن العولمةويرى البعض ضرورة التمييز بين العولمة والنظام االقتصادي الدولي ،إذ يشير محمد األطرش إلى َ
هي اندمـاج أسواق العـالم في حقول التجـارة واالستثمارات المباشرة وانتقال األموال والقـوى العاملة والثقافات ،والتقنية،
-1ابن منظور ،لسان العرب ،الجزء ،72دار صادر ،بيروت ،7911 ،ص .025
2- M.H.Mcluhan , Understanding Media: The Extensions of Man, McGraw. Hill, New York, 1964,
p119.
-3ربيغينو بريجنسكاي ،بين عنصرين :أمريكا والعصر التكنتروني ،ترجمة محجوب عمر ،دار الطليعة بيروت ،7985 ،ص .00
06
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
وقد تكون هذه العالقات منفتحة جدا في حقول التجارة واالستثمارات المباشرة وغير المباشرة ،ولكن يبقى للدول دور
كبير في إدارتها وادارة إقتصادها.
في حين يؤكد عديد من الكتاب على ضرورة فهم العولمة على َأنها أمركة العالم ،Americanismحيث تختفي
وهارلد شومان،
ا الحدود الفاصلة بين المفهومين ،فهما مترادفان يعبران عن الشيء نفسه ،إذ يذهب هانس بيتر مارتين
أن العولمة في سوق المال – والى حد ما – أمركة العالم( ،)2فاألمركة ليست أسطورة بل حقيقة ملموسة تعيشها إلى َ
أوروبا وتحتج عليها وتعتبرها خط ار إستراتيجيا يهدد إستقاللها االقتصادي والسياسي وهويتها القومية ،وقد تكون مقاومة
فرنسا لها في مفاوضات الجات ودفاعها عما يعرف باسم (االستشفاء الثقافي) اسطع دليل على وجودها وعلى
فإن السيطرة الثقافية الغربية تنطوي على عالقة أخرى منمخاطرها ،وفي عرض توضيح لمفهوم العولمة الثقافيةَ ،
السيطرة تجعل ثقافات غربية عديدة في موقع تبعي لثقافة أقوى ،تتمدد أحكامها على امتداد سائر العالم ،هذه السيطرة
يمكن التعبير عنها بعبارة األمركة ،والعولمة هي االسم الحركي لها.
-1محمد األطرش ،العرب والعولمة :ما العمل؟ ،مجلة المستقبل العربي العدد ،7998 ،229ص .20
-2هانس بيتر مارتن وهارالد شومان ،فخ العولمة ،سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت،7998 ،
ص.740
-3محمد عابد الجابري ،العولمة والحرية الثقافية ،مجلة المستقبل العربي ،العدد ،7998 ،228ص .71
06
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
خارج مجتمعات المركز األصلي ودوله ،والعولمة بهذا المعنى هي رسملة العالم على مستوى العمق بعد أن كانت
رسملته على مستوى سطح النمط ومظاهره ،فهي إذاً حقبة التحول الرأسمالي العميق لإلنسانية في ظل هيمنة دول
المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها ،وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ).(1
بأن العولمة ظاهرة مركبة وان كانت ذات بعد اقتصادي بالدرجة األولى ،يراد بها
تقدم يمكننا القول َ
ومن كل ما َ
تحقيق التشابك على المستوى الدولي وتحقيق االندماج والتكامل عن طريق التأثير في سيادة الدولة على حدودها
وتذويب األخيرة أمام الشركات متعددة الجنسيات التي تؤلف العنصر الفاعل في اإلقتصاد ،كما يتم تحقيق التشابك
المالية الدولية وانفتاح
َ واالندماج والتكامل عن طريق خلق عالقات دولية قائمة على تحرير التجارة والمعامالت
العالمية ،مع تبني استراتيجيات ذات أبعاد عالمية تعتمد على التطورات العلمية
َ األسواق الوطنية وربطها بالسوق
التكنولوجية في مجاالت االتصال والمعلومات والعقول اإللكترونية ،وكافة الممكنات الناتجة عن الثورة العلمية
َ و
والتكنولوجية ،وأخي ار فالعولمة تبرز كحقبة من التحول الحضاري من حضارات متباينة نحو حضارات محـددة القسمات
هي الحضـارة االستهالكية ،بغية الـوصول إلى اختـراق مجتمعات واقتصاديات العالم الثالث ،والوصول كذلك إلى نمط
استهالك رأسمالي قائم على إشاعة الثقافة االستهالكية الغربية بل األمريكية حص اًر.
أن العولمة ظاهرة ارتبطت أصال بنشوء الرأسمالية الصناعية ،وا َنما اتخذت أشكالها وأنماطها بحسب درجة كما َ
أن التغيرات التي طرأت على هذا النظام الذي تبلورت توجيهاته واتضحت تطور الرأسمالية الصناعية العالمية ،و َ
خطوطه ومالمحه الرئيسية مع بداية التسعينيات تتمثل أساسا في انهيار نظام برتون وودز ،عولمة النشاط اإلنتاجي،
عولمة النشاط المالي واندماج األسواق ،تغيير مراكز القوى المالية وتغيير هيكل اإلقتصاد العالمي وسياسات التنمية،
أن ما يشهده اإلقتصاد العالمي من موجات متزايدة باتجاه عولمة االقتصادات الوطنية ،في مجاالت التجارة
كما َ
-1محمد عابد الجابري ،العولمة والحرية الثقافية ،مرجع سابق ،ص .71
2- kofia Annan, Patnerships for Global Community, Annual Report on The Work for Organization, New
York:U.N, 1998, P 52.
06
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
والمال واالستخدام المت ازيد للتقنية وتغيير مواقع اإلنتاج ،إنما هو ناجم عن الثورة المتصاعدة في تقنيات اإلتصاالت
وتزايد االتجاه نحو تحرير االقتصادات ،بينما كانت العولمة في القرن التاسع عشر تتضح معالمها في التدفقات
فإن ما يميز القرن
الهامشية للسلع ورؤوس األموال وانتقال األشخاص بين الحدود في ظل رقابة محدودة ،عليه َ
أن العولمة فيه كانت غير خاضعة لتشريع قانوني أو موافقة حكومية وبالتالي تختلف في إطارها
المذكور هو َ
المؤسسي عن ذلك الذي تشهده العولمة المعاصرة.
-المرحلة الجنينية ( :)6566-6666التي شهدت نمو المجتمعات القومية في أوروبا واضعاف القيود التي
كانت سائدة في القرون الوسطى ،وعمق األفكار الخاصة بالفرد وباإلنسانية.
-مرحلة النشوء( :)6756-6566وهي تلك المرحلة التي حدث فيها تحول حاد في فكرة الدولة الموحدة
وتبلورت أثناء هذه المرحلة المفاهيم الخاصة بالعالقات الدولية ،وباألفراد كمواطنين لهم أوضـاع مقننة في الدولة،
ونشأ مفهوم أكثر تحديدا لإلنسانية ،وازدادت إلى حد كبير االتفاقات الدولية والمؤسسات المتعلقة بتنظيم العالقات
واالتصاالت بين الدول ،وبدأت مشكلة قبول المجتمعات غير األوروبية في المجتمع الدولي ،وبدأ االهتمام بتزايد في
العالمية.
َ موضوعي القومية و
-مرحلة االنطالق ( :)6266-6756والتي ظهرت فيها مفاهيم كونية مثل "حظ التطور الصحيح" و"المجتمع
القومي المقبول" وتلك المفاهيم المتعلقة بالهوية القومية والفردية ،وتم إدماج العديد من المجتمعات غير األوروبية في
المجتمع الدولي ،وبدأت عملية الصياغة الدولية لألفكار الخاصة باإلنسانية ومحاولة تطبيقها ،وهنا حدث تطور كبير
في األشكال الكونية لالتصال.
-1روالند روبرتسون ،تخطيط الوضع الكوني ،نقال عن السيد يسين ،في مفهوم العولمة ،مجلة المستقبل العربي العدد ،7998 ،228
ص.77-9
06
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
-الصراع من أجل الهيمنة ( :)6206-6266حيث حدثت الخالفات والحروب الفكرية حول المصطلحات
الناشئة بعملية العولمة التي بدأت في مرحلة االنطالق ،ونشأت صراعات كونية حول صور الحياة وأشكالها المختلفة،
وتم التركيز على الموضوعات اإلنسانية وبرز دور األمم المتحدة في هذه المرحلة.
-مرحلة عدم اليقين ( -6206؟) :وهي المرحلة التي تم فيها إدماج العالم الثالث وتعمقت القيم ما بعد
المادية ،وانتهت فيها الحرب الباردة ،وازدادت المؤسسات العالمية والحركات العالمية وتعددت االعتبارات الخاصة
بالجنس والساللة وظهرت حركة الحقوق المدنية وأصبح النظام الدولي أكثر سيولة ،وازداد االهتمام في هذه المرحلة
بالمجتمع المدني العالمي ،والمواطنة العالمية ،وتم تدعيم نظام اإلعالم العالمي .
البين في النموذج أعاله يالحظ عليه التجريد الواضح إلى حد التطرف ،وربطه تاريخ
وعلى الرغم من التكامل َ
بأن العولمة هي نتاج التطور الرأسمالي األوروبي األمر الذي
العالم واإلنسانية بالتاريخ األوروبي وحتى إذا ما سلمنا َ
بأن المفاهيم اإلنسانية واألفراد والثقافة هي محض اكتشافات
فإنه يصعب التسليم َ
ينطوي على قدر كبير من الصحةَ ،
يدعي
أن روالند روبرتسون ينطلق من رؤية متمركزة حول الذات المركزية األوروبية ،ومن جانب آخر َ
أوروبية ،ويبدوا َ
النموذج إدماج العا لم الثالث في المجتمع العالمي من دون أن يبين ماهية الدمج هل هي ثقافية أم اجتماعية أم
إقتصادية أم سياسية؟ بعضها أو كلها؟ ،بل هي كلها التي تعبر عن مقولتا االستعمار واإلمبريالية ،األمر الذي جعل
أن هذا النموذج يهمل حقيقة الصراع بين العالم الثالث والبلدان
كتب التاريخ الحديث تتناوله ،وأخي ار يمكن القول َ
فإنه ال يمكن االعتماد على نموذج روبرتسون كنموذج عالمي ،أما إذا
الرأسمالية من أجل فك تبعية األولى للثانية ولذا َ
أن االعتماد عليه يبدوا أم ار ممكناً.
فإنه يبدو في غاية التكامل و َ
نظرنا إليه كنموذج غربي َ
أن العولمة وان شاعت لفظا في العقد األخير من ومن بين الذين تناولوا تاريخية العولمة جالل أمين الذي يعتقد َ
القرن العشرين ،فهي ظاهرة قديمة ،فإذا ما نظرنا إلى عناصرها كازدياد العالقات المتبادلة بين األمم ،أو تأثر األمم
فإن هذه العناصر تعود لخمسة قرون خلت وحص ار منذ االكتشافات الجغرافية( ،)1كما َأننا إذا فهمنا الظاهرة
ببعضها َ
على أنها التضاؤل السريع في المسافات الفاصلة بين المجتمعات اإلنسانية ،سواء فيما يتعلق بانتقال السلع أو
وكأنها تعادل في القدم نشأة الحضارة( ،)2لكن االختالف
فإنها تبدو َ
األشخاص أو رؤوس األموال ،أو األفكار والقيمَ ،
في الحداثة بحسب تعبير جالل أمين ،هو رد الفعل اإلنساني إزاء هذه الظاهرة ،والذي يتباين مع عصر آلخر ،في
مدى ودرجة االستجابة بقبولها ورفضها ،وعليه فالوعي بالظاهرة هو اآلخر قديم.
والعولمة تتشكل من االحتكاك بالمجتمعات الغربية بفعل االستعمار أو التجارة أو غيرها ،فهي )أوربة( خالل فترة
معينة ثم تحولت إلى عملية )أمركة( منذ خمسين سنة ،والعولمة المعاصرة تكتسب خصائص جعلتها تختلف عما
-1جالل أمين ،العولمة والدولة ،مجلة المستقبل العربي ،7998 ،228ص .20
-2جالل أمين ،العولمة والتنمية البشرية ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،7999 ،ص .1
00
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
عدة طرأت
سبقها من األشكال األخرى للعولمة من حيث إرتباطها بتقنيات االتصال والتجارة ،إضافة إلى متغيرات َ
على هذه الظاهرة في الثالثين سنة األخيرة ،والتي من أبرزها(:)1
-اجتياح تيار العولمة للعديد من المناطق التي كانت سابقا مغلقة أمامها مثل الصين وأوروبا الشرقية.
-التوسع كماً ونوعاً في انتقال السلع والخدمات التي يجري تبادلها وحجم واتجاه رؤوس األموال التي يجري
استثمارها.
-تغيير مركز الدولة إزاء هذا النمط الجديد من العالقات االقتصادية الدولية.
فإن ذلك
بحرية عبـر الحدودَ ،
إذا كانت العولمة في مضمونها العـام تعني انسيـاب التجارة ورأس المـال والمعلومات َ
أن جميع البلدان المتقدمة والنامية ستقع تحت ضغط شديد لتضمن الوصول إلى األسواق ينتج عنه بدون أدنى شك َ
األجنبية ،وتجذب االستثمار المنتج وتحصل على التقنيات العالية بغية االستفادة من الزيادة المتوقعة في اإلنتاج
العالمي ،وفرص العمل والتقدم التكنولوجي ،ويصبح القول بوجود ثالثة عوامل وراء عولمة اإلقتصاد العالمي وهي:
-الزيادة الكبيرة في قيمة التجارة الدولية خالل األربعين سنة األخيرة ،بحيث وصلت إلى ) 0666مليار دوالر(
أن نسبتها إلى الناتج المحلي اإلجمالي
عام 1999الذي يعادل 14ضعفاً ما كانت عليه التجارة عام ،1996كما َ
تضاعفت من %7عام 1996إلى %19عام 1974إلى %..29خالل العقدين األخيرين ،وهذه الزيادات بال ريب
تعكس استم اررية التحرر التجاري العالمي.
-زيادة تدفق االستثمارات إلى جميع أنحاء العالم الذي سهلته الشركات متعددة الجنسية والتي أخذت توسع
نشاطها بإنشاء فروع لها في دول كثيرة ،وتتسابق الدول اآلن لجذب هذه االستثمارات التي وصلت إلى 22.ترليون
دوالر عام 1990وتغطي هذه االستثمارات مجاالت واسعة من النشاطات االقتصادية التجارية والخدماتية على حد
أن دول العالم الثالث بدأت تنال قسماً ال
أن القسط األكبر من االستثمارات يبقى في الدول المتقدمة ،إالَ َ
سواء ،ومع َ
بأس به في السنوات األخيرة.
-ثورة اإلتصاالت والمعلومات وانتشارها عالمياً ،األمر الذي يقود إلى جعل التطور بال حدود رغم وجود
وكأن العالم مرتبط بشبكة
الحدود السياسية ،وأصبحت القوة الكامنة في هذا التطور تنبع من إمكانية اختزال الوقت فبدا َ
على درجة عالية من الكثافة(.)1
إن الجانب األكثر إثارة في تطورات ما بعد الحرب العالمية الثانية هو الطابع الكوني المتزايد لالقتصاد العالمي
َ
في مجاالت التجارة والتدفقات المالية والهجرة ،فهناك زيادة مستمرة في معدالت )التجارة الخارجية/الناتج القومي
اإلجمال( في كل االقتصادات تقريبا ،بحيث بات متوسط النمو في التجارة الدولية يتجاوز متوسط النمو في الناتج
العالمي ،م َما يعني زيادة في متوسط معامل (التجارة/الناتج) على الرغم من بطء نمو التجارة الدولية في الثمانينيات
الراهن َأنها تنحصر في جانبين أساسيين ،األول:)انظر الجدول ) .((12.إ َن أهم ما يميز التجارة الدولية في الوقت َ
هو التغير الحاسم في مكوناتها الذي يمكن عده أحد المالمح المميزة للقرن العشرين ،األمر الذي يعود إلى نتائج الثورة
العلمية والتكنولوجية التي أتاحت إمكانية تحقيق أنماط جديدة من االستهالك ذات أبعاد عالمية وبالتالي زيادة االستيراد
1
- Renato Ruggiero, Whither The Trade System Next, The Uruguay Round and Beyond, Essay in Honor
of Arthur Dankel, Springer-Veriag, Berlin-Heidelberg, 1998.
07
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
عمقت هذه الثورة التخصص والتركيز خصوصا في الدول الصناعية المتقدمة ،فالمستوى العالمي والتصدير ،ولقد َ
لالستثمارات الرأسمالية في البلدان الصناعية والهياكل اإلنتاجية الضخمة المقامة في بعض بلدان العالم الثالث،
وازدياد الحاجة إلى إستراد الطاقة في أغلب البلدان ،وتصنيع الزراعة في البلدان المتقدمة ،واتساع الحدود الجغرافية
والمجتمعية للطلب على السلع المعمرة ،والتوسع في إنتاج أنواع جديدة من المنتجات األولية ،واإلقبال على إنتاج سلع
معدة للتصدير في بلدان منخفضة األجور ومرتفعة إنتاجية العمل مع تشجيع األسواق المحلية ،والسعي بحثاً
صناعية َ
عدها من ثمار الثورة العلمية والتكنولوجية ونتاج طبيعي من نتائج "التدويل"،
عن أسواق خارجية ،كلها أمور يمكن َ
غيرت طبيعة السلع والخدمات التي تشكل موضوع التجارة ،فحكمت بشكل بأن هذه الثورة َ
األمر الذي يدفعنا إلى القول َ
حاسم مدخالت ومخرجات النظام االقتصادي وهو األمر الحاسم في مجال التجارة(.)1
-1نوزاد عبد الرحمن محمد الهيتي ،الثــورة العلمية والتكنولوجيـة وانعكـاساتها على اإلتقتصـاد العــربي ،أطـروحة دكتوراه غير
منشورة ،جامعة بغدادا ،كلية اإلدارة واالتقتصاد ،7990 ،ص .21
02
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
ليث عبد الحسن جواد ،المضامين االجتماعية للعولمة ،مجلة دراسات ،السنة األولى ،العدد الرابع ،2558 ،ص .41
شفيق الطاهر ،العولمة واحتماالت المستقبل ،مجلة دراسات ،العدد األول ،2558 ،ص .77
ميز التجارة العالمية هو اإلجراءات الكبيرة في مجال تحرير التجارة ،سواء تلك أما الجانب الثاني الذي َ
الممتدة في التعريفات الجمركية عمال بسياسات تحرير التبادل ورفع القيود االستيرادية واالنفتاح
التخفيضات المثيرة و َ
على الخارج في بلدان م ثل كوريا الجنوبية وتايوان بعد تخليها عن سياسات التنمية ذات التوجه الداخلي التي كانت
تسعى إلحالل الواردات أو عن طريق تلك اإلجراءات الناتجة عن اتفاقات التجارة متعددة األطراف والتي توجت بجولة
أورغواي وانشاء منظمة التجارة العلمية.
إن تصدير رأس المال له تاريخ طويل فهو نتاج لعمليات البلدان الرأسمالية المتقدمة عبر العالم ،وللمؤسسات
َ
فإن رأس المال ليس نتاجا لفائض رأس المال االقتصادية التي انبثقت خالل نضج الرأسمالية كنظام عالمي ،كذلك َ
أما الدعامة األساسية
بحد ذاته ،فمتى ما وجدت األسواق المالية المتطورة أمكن استغاللها من خالل طرق عديدةَ ،
لألسواق المالية فهي الشبكة الدولية من التجارة واالستثمار التي تولدت عن استجابة الدول الصناعية المتقدمة
لحاجتها إلى العمل في األسواق العالمية( ،)1ومع استقاللية حركة أرس المال عن حركة السلع والخدمات نشأ اقتصاد
-1هاي ماجدوف ،اإلمبريالية من عصر االستعمار حتى اليوم ،مؤسسة األبحاث العربية ،بيروت ،7987 ،ص .720
56
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
مستقل يمكن تسميته اقتصاد االئتمان والديون ،وأخذت تدفقات رأس المال الدولي تتخذ شكلين أساسيين هما :رأس
المال اإلنتاجي بإقامة وحدات إنتاجية وشراء أصول رأسمالية ،ورأس المال االئتماني في صورة قروض وتسهيالت
ائتمانية.
أن نصف التدفقات من رأس المال االستثماري صارت تتم ما بين البلدان الصناعية نفسها ،وصارت الواليات
كما َ
المتحدة هي المصدر األكبر لرأس المال على شكل استثمارات مباشرة والتي بلغت في أوروبا 027مليار دوالر عـام
ثم صـارت .429مليـار دوالر عام ،1996ووصلت إلى 9920
1906بعـد أن كـانت 127مليار دوالر عام َ ،1996
مليار دوالر عام .)1(1996
وفي أوائل التسعينيات ظهرت توجهات لمعظم دول العالم لوضع سياسات تؤثر في تدفق االستثمارات األجنبية
إلى دولهم ،وذلك ضمن إستراتيجيات لجذب االستثمار المباشر على الرغم من ظهور هذا النوع من االستثمار في فترة
المدة ) (1997-199.وأصبحت حوالي 199
سابقة ،فبينما كانت تقدر هذه االستثمارات بحوالي .7مليار دوالر في َ
أن هذه الزيادة تتمركز في عشر إلى خمسة عشر بلداً معظمها من الدول
مليار دوالر عام ،199.والمالحظ َ
المتقدمة ،وتقدر تدفقات االستثمار األجنبي المباشر إلى بلدان العالم الثالث حوالي 169مليار دوالر عام 1990بعد
أن كانت في 1999حوالي 9929مليار دوالر ،بينما لم تتجاوز في العام 1996الـ .4مليار دوالر ،وهكذا تشكل هذه
التدفقات أكبر عنصر من عناصر التدفقات المالية الصافية إلى العالم الثالث وتتسم هذه التدفقات بشدة التركيز،
فثالثة أرباع إجمالي التدفقات تقريباً تذهب إلى أكبر عشر بلدان مستفيدة ،غالبيتها في آسيا وأمريكا الجنوبية(.)2
- 1فؤاد مرسي ،الرأسمالية تجدد نفسها ،سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،7995ص .722
- 2األمم المتحدة ،المجلس االتقتصادي واالجتماعي ،دراسة الحالة االجتماعية واالتقتصادية لعام .7998
56
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
لذا أصبح من الضروري االعتماد على مبدأ كفاءة اإلنتاج ،والذي يتطلب بدوره االستثمار في مصانع جديدة
تعمل بها طواقم إدارية وفنية وعمالية ذات مهارة متميزة ،وباستخدام تقنيات متقدمة وبخاصة في مجاالت اإلتصاالت
والمواصالت ،وهكذا أصبحت العالقة بين االستثمار والتجارة عالقة ترابط وتكامل بعد أن كان ينظر إليها على َأنها
عالقة بدائل.
شهدت الحقبة النفطية ( )1996-1972تصاعداً مذهالً في حجم القروض واالعتمادات التي منحتها مجموعة
المصارف الدولية الخاصة بالمقارنة مع االئتمان الصادر عن المنظمات الدولية والحكومية ،فلقد زاد حجم اإلقراض
الدولي من 1.مليار دوالر عام 197.إلى 1.6مليار دوالر عام ،1996وقد سجل رقماً قياسياً عام 1997إذ
في صور سندات متوسطة األجل إضافة إلى القروض أعدت للمقترضين غير المقيمين 12.تريليون دوالر
()1
َ
المصرفية ،ويرجع شيوع اصطالح العولمة في سوق األوراق المالية في العقود الثالثة األخيرة إلى تلك اإلجراءات
الضخمة التي اتبعتها الدول الصناعية المتقدمة لتحرير حركات رؤوس األموال من القيود المفروضة عليها ،والدور
الكبير الذي لعبته الثورة المعلوماتية ،األمر الذي جعل األسواق المالية أكثر ترابطاً وأقدر على إيجاد الفرص
أن العولمة التي
االستثمارية المتنوعة والجذابة أمام الراغبين في االستثمار في أرجاء المعمورة ،يضاف إلى ذلك َ
شهدتها هذه األسواق فتحت الباب على مصراعيه أمام البنوك التجارية الشاملة والمتخصصة العالمية لتجد الفرص
المناسبة لتوظيف أموالها التي تراكمت خالل المدة 1996-1974نتيجة لتراكم الفوائض "البترو دوالرية" والتطور
الذي شهدته أسواق العمالت األوروبية ،Currency Euro Marketsيضاف إلى ذلك النجاح الذي حققته البنوك
المركزية في البلدان الصناعية المتقدمة في السيطرة على الظاهرة التضخمية خالل الثمانينيات واتباع سياسات مرنة
ألسعار الفائدة مكنتها من تخفيض معدالت الفائدة ،األمر الذي ساهم بدوره في زيادة الطلب على األوراق المالية ذات
أسعار الفائدة الثابتة (السندات الدولية) .ولقد احدث هذا التطور رواجا كبي ار في مجال االستثمارات المالية الدولية،
وهي السبيل أمام حركة رؤوس األموال لالنتقال ما بين هذه األسواق طبقا لمعدالت الفائدة على السندات الجديدة وهي
الوسيلة الوحيدة التي كانت قد تالشت بعد الحرب العالمية األولى ،كما وقد ساهمت سياسات تخفيض وازالة القيود بين
األسواق المالية في ظهور المناخ المناسب الذي في ظله نمت وازدهرت ظاهرة العولمة) ،(2ويوضح الجدول ()...
تدفقات رأس المال الخاص إلى بلدان العالم الثالث مقارنة بالتمويل الرسمي للتنمية الذي أخذ بالتضاؤل.
المصدر :البنك الدولي ،التمويل العالمي للتنمية ،2558مرجع سابق ،ص .54
أن التطورات التي شهدها اإلقتصاد العالمي في نهاية هذا القرن ،وهي صعود ما يسمى وتجدر اإلشارة أخي اًر إلى َ
باالقتصاد الرمزي ،وهو االقتصاد غير المرتبط باإلنتاج والذي نما نمواً مطلقا وازداد وزنه في االقتصاد الرأسمالي
فأصبح يتوسع شيئا فشيئا ،فقد حدث انفصال متزايد ما بين رأس المال المنتج ورأس المال النقدي ،أي ما بين
إن
اإلقتصاد اإلنتـاجي واالقتصاد الرمزي القائم على المضاربة المالية في أسواق األسهم والسندات والعمالتَ ،
الرأسمالية العالمية تشهد في الوقت الحاضر إفراطا في تراكم رأس المال بالمقارنة مع رأس المال اإلنتاجي ،وهو تطور
خطير أصبحت فيه أسواق األوراق المالية هي المرآة التي ترى الرأسمالية فيها وجهها كل صباح( ،)1وكلَما أوغلت
الرأسمالية في النمو ازداد الطابع الرمزي ،وصارت المضاربة المالية نشاطاً أساسياً لرأس المال ،وطغى االقتصاد
المالي على اإلقتصاد الحقيقي وأصبحت حركة رأس المال وأسعار الصرف وأسعار الفائدة ال تعبر عن حركة التجارة
الدولية ،بل على العكس باتت مستقلة عنها ،حيث بلغ حجم رأس المال غير المرتبط بالتجارة والعمل المنتج أربعين
ضعفا( ،)2وبهذا الصدد تشير اإلحصاءات إلى َأن ه وفي الوقت الذي ال تتعدى فيه أرصدة البنوك المركزية عن 766
أي ما يعادل قيمة الناتج المحلي لبلد
فإن رقم أعمال البورصات الدولية يتجاوز 1666مليار دوالر يومياً َ
مليار دوالرَ ،
المالية بين دول مجموعة العشرين G20فاقت أربعين ضعفا قيمة المبادالت
َ بأكمله مثل فرنسا ،كما أ َن التدفقات
التجارية بين نفس البلدان ،وهذا ما يؤكد عمق التحوالت التي طرأت على هيكل االقتصاد الدولي والذي أصبح فيه
االستثمار اإلنتاجي غير مغر مقارنة بما توفره أسواق األسهم والسندات.
تعتبر الخدمات مجاال جديدا للعولمة ،فصناعة الخدمات تهيئ خدماتها لألنشطة االقتصادية المرتبطة فيما بينها
والمتباعدة جغرافيا ،وهكذا تلعب دو اًر أساسياً في تزايد االرتباط المتبادل بين األسواق وأنشطة اإلنتاج عبر الحدود،
باإلضافة إلى أ َن العديد من الخدمات التي كانت تعتبر منذ سنوات غير قابلة لالتجار أصبحت اآلن محال للتَجارة
النشطة ،ويضم قطاع الخدمات مجموعة واسعة من األنشطة االقتصادية في قطاع العمال (األنشطة المهنية والتقنية)،
قطاع النقل ،اإلتصاالت ،البناء ،التوزيع ،التعليم ،البيئة ،السياحة إضافة إلى الخدمات المالية وخدمات البنوك
أن العامل الرئيسي في توسيع نطاق الخدمات هو التقدم الكبير في مجال تقنية والتأمين وغير ذلك ،والمالحظ َ
المعلومات التي أدت إلى زيادة التعامل بالخدمات دولياً ،وهو الذي أدى إلى توسيع حدود القدرات التجارية في مجال
أن التقدم التكنولوجي يزيد من تخفيض نفقات اإلتصاالت فمن المتوقع استمرار التوسع في مجال
الخدمات ،وبما َ
()1
تجارة الخدمات.
أن من بين أبرز نتائج جولة "أورغواي" في إطار االتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية
ومما هو جدير بالذكر َ
َ
GATTهو إدماج تجارة الخدمات ضمن التجارة الدولية ،واخضاعها لوالية الجات ،وقواعدها العامة مع إضافة
قواعد عامة لتجارة الخدمات نظ ار لطبيعتها المميزة بإعتبارها سلعاً غير منظورة Invisibleومن ثم ال تنطبق عليها
العديد من قواعد تجارة السلع ،وقد تم تضمين نتائج مفاوضات الجولة في تجارة الخدمات في االتفاقية العامة لتجارة
الخدمات والتي جاءت تماثل اتفاقية الجات األصلية في شموليتها ،ولتعكس مصالح ورغبات الدول المتقدمة التي
تتمتع بقدرات تنافسية كبيرة في مجال صناعة الخدمات نتيجة الرتفاع المدخل التكنولوجي في إنتاجها مقارنة مع
منتجات دول العالم الثالث ،وتنمو هذه الميزة مع مستوى التطور التكنولوجي الذي يشهد هو اآلخر تسارعا في نموه،
أن البلدان الرأسمالية المتقدمة بذلت جهدا مكثَفا ومارست ضغوطا متواصلة من أجل إنجاز االتفاقية العامة
ولهذا نجد َ
لتجارة الخدمات ،بل َإنها ربطت قبولها بنتائج جولة "أورغواي" في مجال تجارة السلع بموافقة دول العالم الثالث على
هذه االتفاقية.
ولقد تم التوصل في نهـاية الجولة إلى تحديد مفهوم الخـدمة المتمثل بخدمـات االتصال ،التحويالت الجارية،
السياحة ،األنشطة المصرفية ،التأمين ،خدمات التشييد والبناء ،خدمات النقل والخدمات االجتماعية ،كذلك اتفقت
األطراف المتعاقدة على العمل على تحرير تجارة الخدمات التي تبلغ نسبتها حوالي %.0من حجم التجارة العالمية
-1كارلوس أ ،بريموبر جا ،تدويل الخدمات وتأثيره على البلدان النامية ،مجلة التمويل والتنمية ،العدد ( ،7991 ،)7ص .04
56
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
المدة (-199.
أن هذا القطاع يشهد نموا متزايد ،إذ بلغ معدل نموه السنوي خالل َ
عام . 1992ومن الجدير بالذكر َ
()1
%929 )199.مقارنة مع %721للتجارة السلعية ،كما ارتفعت مساحة الخدمات في التجارة العالمية من %1727
عام 199.إلى %.121عام .)2(199.
120
التزاماتها أعلنت التي عددالبلدان
100
80
60
40
20
0
قطاع األعمال اتصاالت بناء توزيع تعليم بيئة مالية صحة سياحة ترفيه نقل أخرى
الخدمات
-1كارلوس أ ،بريموبر جا ،تدويل الخدمات وتأثيره على البلدان النامية ،مرجع سابق ،ص .00
-2رائد نزار السامرائي ،تحرير التجارة الدولية وأثره على تجـارة السلع الـزراعية فـي الوطن العـربي ،أطـروحة دكتـوراه غير
منشورة ،الجامعة المستنصرية ،كلية اإلدارة واالتقتصاد ،7998 ،ص .82
56
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
تعني العولمة فيما تعنيه زيادة معدالت انتقال المعلومات واألفكار وأنماط السلوك اإلنساني والقيم ،...وزيادة
انفتاح المجتمعات بعضها على البعض اآلخر ،وتعني أيضا زيادة االتصال والتأثر واالنتقال ما بين كل العناصر
القابلة لالنتقال).(1
وتقوم العولمة بتعزيز وترسيخ القبول الطوعي لقناعات الغرب وتصوراته الثقافية واأليديولوجية ،مستعينا بالشركات
متعددة الجنسيات ،وبمؤسسات اإلعالم الدولية ووكاالت األنباء العالمية ،من أجل نشر ما يبدو ثقافة
العولمة Culture Globalizationوتعميم النموذج الرأسمالي وجعل الهوية الثقافية الغربية هي هوية كل الشعوب.
وقد يتعدى األمر القول بأ َن العولمة الثقافية هي االنتقال من حقبة ،ومن ظاهرة الثقافات الوطنية والقومية إلى
ثقافة عليا جديدة هي الثقافة العالمية Universalأو الكونية).(2
وحقيقة القول هو انه ليس هناك ثقافة عولمة بل هناك اختراق ثقافي يهدف إلى إلغاء الصراع األيديولوجي ،أو
الحلول محله ،ويستهدف العقل والنفس ووسيلتهما في التعامل مع العـالم ،ونعني به اإلدراك الذي تتم السيطرة عليه -
في ظل العولمة الثقافية– عن طريق إخضاع النفوس أي تعطيل فاعلية العقل وتكييف المنطق والتشويش على نظام
القيم وتوجيه الخيال ،وتنميط الذوق وقولبة السلوك ،والهدف هو تكريس نوع معين من السلوك اإلنساني لنوع معين من
المعارف والسلع والبضائع التي تشكل في مجموعها ما يمكن أن تسميه (ثقافة االختراق التي تتولى عملية تسطيع
الوعي واختراق الهوية الثقافية لألفراد والقوميات واألمم ،ثقافة جديدة تضع الذوق االستهالكي والرأي السياسي وتشييد
رؤية خاصة لإلنسان والمجتمع والتاريخ)(.)3
الدولية في ظل العولمة.
َ مؤسسات االقتصادية
سياسات ال َ
المبحث الثانيَ :
الدولية
َ مؤسسات االقتصادية
إن أهم ما يميز اقتصاد القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين هو تغلغل ال َ
َ
وتنامي قدرتها على توجيه االقتصاديات القومية ،وترجيح ميزان القوى لصالح هذه المؤسسات وما تملكه من وسائل
للقيام بترتيبات غير عادية ،ملقيةً اللَوم على الحكومات والبنوك المركزية بسلوك سياسات تتنافى وقيم التنافس الحر،
و/أو بانتهاج طرق تتضارب مع متطلبات العولمة من ليبرالية وخصخصة ،...بل نجد المؤسسات االقتصادية الدولية
تهتم بقضايا غير إقتصادية من قبيل التمثيل السياسي وحقوق اإلنسان ،...وذلك لتمرير وتنفيذ إجراءات قد ال تتماشى
ومصالح األقطار المنفذة فيها السياسات التي تطلع تلك المؤسسات بتخطيطها وتنفيذها.
إن المؤسسات الدولية وجدت مكانتها في ظل العولمة ،فتوظفها الدول الرأسمالية لغرض الرقابة على العالقات
َ
المؤسسات
َ بين العالم المتقدم والعالم الثالث واخضاعها لمنطق الرأسمالية ،ومن خالل هذا المبحث سنتعرض ألهم
سياساتها المنتهجة.
االقتصادية الدولية ومختلف َ
الدولية.
َ المطلب األول :المؤسسات االقتصادية
يتناول هذا المطلب مناقشة البنية المؤسسية للعولمة ،والتي تتوزع ما بين مؤسسات مالية منفَذة وداعمة كالبنك
الدولي وصندوق النقد الدولي ،أو مؤسسات مصلحية دافعة كمجموعة الدول السبع الصناعية وكذلك الشركات متعددة
الجنسيات ،أو مؤسسات قانونية منظمة كمنظمة التجارة العالمية.
قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحديدا في تموز 1944اجتمع ممثلوا 44دولة في مدينة بريتون وودز
في New Hampstireبالواليات المتحدة األمريكية في مؤتمر دولي تمخض عنه تأسيس صندوق النقد الدولي
55
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
(FMI) IMFوالبنك الدولي لإلنشاء والتعمير IBRDوقد جاء ذلك انعكاسا للظروف والمتغيرات التي طرأت على
النظام الدولي الذي شكلته إف ارزات فترة ما بعد الكساد العظيم وأجواء الحرب العالمية الثانية وقد تمثلت هذه المتغيرات
في :فوضى النظام الدولي التي سادت ما بين الحربين ،القيود التي فرضت على المدفوعات الخارجية والتجارة الدولية،
حرب التخفيضات التي نشبت بين عمالت الدول وما نجم عنه من ركود في حركة التجارة ورؤوس األموال وتعقَد
عالقات المديونية( .)1ولذلك برزت الحاجة إلى إقامة مؤسسات دولية لدعم التنمية وتفادي المشكالت المالية والنقدية
والتجارية والمساعدة في اعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية.
إن النظام المقترح لمؤسستي بريتون وودز في الواقع يعكس قوة وهيمنة اإلقتصاد األميركي على هذا النظام الذي
َ
رأت فيه نظاما يضمن العمل على إلغاء القيود على المدفوعات الخارجية ،والتوصل إلى نظام متعدد األطراف
للمدفوعات ،وليس نظاما لتوفير السيولة الدولية فحسب ،فعكست اتفاقية التأسيس االستثمار الذكي لموقع القوة الذي
تمتَعت به الواليات المتحدة كي تفرض مشروعها الذي تقدم به هاري هوايت بدال من مشروع جون مينارد كينز الذي
كان يعبر عن المصالح األوروبية ،أ َما دول العالم الثالث ،فحاضرها كان غائبا وغائبها كان عبارة عن مستعمرات،
فإن نظام بريتون وودز أبداً لم يكن يعبر عن مشاكل هذه الدول ،إذ لم يضع ضمن أهدافه قضايا التنمية، ولهذا َ
والمدفوعات الدولية لهذه المجموعة من الدول وال مساعداتها في تسوية حقوقها لدى دائنيها المستعمرين آنذاك.
إن مسؤولية البنك الدولي قد انحصرت في تمويل التنمية االقتصادية وقد قدم أولى قروضه في أواخر األربعينيات
أما صندوق النقد الدولي فقد
لغرض تمويل عملية إعادة تعمير االقتصاديات التي خربتها الحرب في أوروبا الغربيةَ ،
كان هدفه مختلفا عن ذلك ،إذ أنشئ كمؤسسة تعاونية طوعية تجذب إلى عضويتها تلك الدول المستعدة بروح
أن ما بين هاتين
المصلحة الذاتية ،للتعهد بنبذ الممارسات الضارة بالصالح االقتصادي لسائر الدول األعضاء ،غير َ
المؤسستين كان وما يزال هناك تعاون وثيق ،تعمق في ظل التركيز عمليات اإلصالح االقتصادي بما أدى إلى تقارب
كبير في جهود البنك والصندوق معاً(.)2
وفي عام 1999ابتدع الصندوق ما يسمى بفروض التكيف الهيكلي التي تستهدف تكييف اقتصاد البلد المدين
طبقا لحاجات ورؤى الجهات الدائنة أمال في استرداد الديون وادماج البلدان المدينة في اإلقتصاد الرأسمالي العالمي(،)3
وتحت إشراف الصندوق دشنت بلدان أوروبا الغربية عمليات تحرير اقتصاداتها ،فقد حررت في ظله كل من فرنسا
وايطاليا أسواق النقد والمال عام ،1996كما مثل صندوق النقد الدولي الوسيلة المثلى لتنفيذ التحرير في باقي دول
العالم.
-1رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،7981 ،ص .748
-2مجلة الدراسات المالية والمصرفية ،صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ،العدد ،7994 ،0ص .28-21
-3رمزي زكي ،اإلتقتصاد العربي تحت الحصار ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،7989 ،ص .202
57
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
إن صندوق النقد الدولي يعتبر اليوم ،ومن دون منازع أقوى مؤسسة دولية في العالم( ،)1فهو يقف في مكان َ
الصدارة بين المؤسسات االقتصادية الدولية ويعود النمو الكبير في قوة الصندوق إلى:
-ضخامة مـوارد الصندوق التي تقدر بحوالي .66مليار دوالر عام 1994تتآتى مـن اكتتابات الحصص،
ومن رسوم العضوية التي يدفعها األعضاء 192في الصندوق.
-قيام الصندوق بأداء وظيفته بدقة وفعالية مذهلة وتوليه حماية المصالح المالية للدول الرأسمالية ،وخصوصا
حماية ديون المصارف االحتكارية بما يتناسب مع رغبات هذه الدول والمصارف ،األمر الذي دفع باتجاه تقوية
أجهزته ودعم موارده وجعله أغنى الهيئات الدولية على اإلطالق.
وتأسيساً على الدور الحيوي الذي يقوم به البنك والصندوق الدوليان كمؤسستين من المؤسسات االقتصادية
أن بدايات ظهور العولمة يتزامن مع تأسيسهما ،فقد عملت هاتان المؤسستان على دعم كل الدولية ،ويعتقد البعض َ
التوجهات التي من شأنها عولمة اإلقتصاد ،فالبنك الدولي عندما يؤَيد هذه التوجهات يتنبأ بالرخاء االقتصادي في َ
المستقبل للبلدان المتقدمة وبلدان العالم الثالث معاً ،كما ارتفع حجم التجارة العالمية وزيادة معدالت النمو االقتصادي
العالمي خالل المدة .669-1999بنسبة %222سنويا ،أما الصندوق فجاء في تقريره لعام 1999التأييد الكامل
ألنها تمثل انتصا ار لبلدان الرأسمالية التي سعت إلى تحويل الجات إلى منظمة دولية على
لنتائج جولة "أورغواي" َ
غرار مؤسستي بريتون وودز(.)2
وازاء التطورات الجديدة في ظل العولمة والمفهوم غير الدقيق للنظام العالمي الجديد الذي نشأ عقب الحرب
العالمية الثانية ،وفي ضوء تفاقم أزمة المديونية العالمية وتهميش مفهوم التنمية بدأت الدول الصناعية تتنصل من
التزاماتها تجاه دول العالم الثالث باسم العولمة ،وعلى دول العالم الثالث أن تشق طريقها نحو التنمية ،ويقتصر دور
الدول الصناعية حينئذ بمساعدة دول العالم الثالث للحاق بالسوق العالمية من خالل ترتيبات بين األطراف المعنية،
هذا الشرط تمارسه المؤسستان الدوليتان اللتان تملكان التأثير األكبر في الصعيد العالمي ،واللتان ظلتا مخلصتين
لفلسفتهما منذ البداية نظ ار للسيطرة الكاملة عليها من قبل الدول الرأسمالية ،فهي التي تصمم وتنفذ برامج اإلصالح
فإن الدور المتصاعد لصندوق االقتصادي وسياسات التثبيت والتكييف الهيكلي في دول العالم الثالث وبهذا الصدد َ
وكأنها ممثل أميركي فوق الـدول ،تأشي ار لهيمنة الواليات
النقد الدولي من شأنه أن يبرز هذه المؤسسة المالية العالمية َ
المتحدة على هاتين المؤسستين.
فإن
ومع تعاظم دور مؤسستي بريتون وودز التي صارت توجه النظام العالمي بشقيه النقدي واالستثماريَ ،
تطلَعات إدارة النشاط التجاري استكماال لما سبق أصبحت تتجه نحو ضرورة قيام مؤسسة دولية قادرة على إنجاح
جولة "أورغواي" واقرار منظمة التجارة العالمية لتحل محل الجات ولتصبح جزءا جديدا من اإلطار المؤسسي للعولمة.
1
- World Bank: Global Ecomonic Prospects and The Developing Countries, 1995, p 124.
-2برهان محمد نوري ،التطورات االتقتصادية الدولية المعاصرة ،مطبعة اليرموك ،بغداد ،7999 ،ص .80
52
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
أقر المجتمعون )+G7روسيا( ضرورة دعم منظمة التجارة العالمية والنظام التجاري المنفتح وفي بيان كولون َ
ودعا البيان كافة الدول إلى مقاومة الضغوط الحمائية ،وفتح أسواقها بشكل واسع ،وااللتحاق بمنظمة التجارة العالمية
التقيد بمبادئها ،كما شدد البيان على ضرورة اتخاذ خطوات لتطوير البنى التحتية االجتماعية والمؤسسية التي يمكنها
و َ
أن تعطي للعولمة وجها إنسانيا.
أهمية هذه المؤسسة في دعم العولمة ،فإلى جانب ضخامة اقتصادياتها ،وكبر حجم تجارتها
وجاء في هذا البيان َ
فإنها تهيمن على بقية المؤسسات االقتصادية الدولية كصندوق
الخارجية ،وبالتالي عظم تأثيرها في االقتصاد العالميَ ،
النقد الدولي الذي يتألف مجلسه التنفيذي )وهو المجلس الذي يتولى إدارة الصندوق( من 27عضوا منهم الخمسة
الكبـار :الواليات المتحـدة ،بريطانيا ،ألمانيا ،اليابان ،وفرنسا ،واثنين من أكبر الدول الممولة ،والى جانب الصندوق
تحتفظ المجموعة بكلمة الفصل في البنك الدولي ومؤسساته ،وكذلك الحال بالنسبة لمنظمة التجارة العالمية ،كما تمتلك
هذه الـدول الشركات متعددة الجنسيات التي هي غالبا ما تكون أميركية أو بريطانية أو يابانية ،وقبل هذا وذاك تتفق
هذه الدول في مصالحها إزاء دول العالم الثالث ،لذا تجدها ال تتوانى عن استخدام قدرتها التساومية السياسية
واالقتصادية بل والعسكرية أحيانا في تطويع سياسات دول العالم الثالث إلجبارها على السير في ذات الطريق الذي
يخدم مصالحها).(1
سياسات هذه المجموعة مع بلدان النمور اآلسيوية فلقد واجهت مجموعة G7النجاحات وخير دليل على ذلك َ
االقتصادية لهذه البلدان بسلسلة من الترتيبات بقصد تقليل حجم استيراداتها من السلع اآلسيوية التي حققت فوائض
أن المنافسة اآلتية من
تجارية مهمة ،كان هذا واضحا في قمة نيويورك 7980عندما ركزت األنظار على اعتبار َ
الشرق اآلسيوية غير مشروعة عبر إغراق األسواق األميركية والغربية ببضائع ذات أسعار منخفضة ،وانتهت القمة
بوجوب رفع قيمة بعض العمالت اآلسيوية )الكورية الجنوبية ،التايلندية( مع وضع المزيد من قيود على استيراد
المنتجات اآلسيوية ،وكانت نتائج هذه السياسات وغيرها في صورة أزمة النمور في أواخر التسعينيات.
-1سالم توفيق النجفي ،الفقر وسياسات التكيف الهيكلي في االتقتصادات الزراعية العربية :النظرية والتجارب ،مجلة دراسات إتقتصادية،
بيت الحكمة ،العدد ،7ربيع ،7999ص .72
76
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
وكذلك تعمل الـ G7من خالل لقاءاتها الدورية بتنسيق ضمني يقربها من مفاهيم مصطلح احتكار القلة من أجل
توجيه األسعار ،وهي تسعى في نهاية القرن العشرين إلى إعادة تنظيم االقتصاد العالمي من خالل جملة من متغيرات
التصحيح والتكييف الهيكلي بالنسبة لالقتصاديات غير الرأسمالية في العالم الثالث ،بحيث يقرب االقتصاديات النامية
من النموذج التنافسي النيوكالسيكي حتى تتسع جغرافية األسواق وكثافتها السكانية التي يمكن من خالل هذا النموذج
أن تمتد إليها تأثيرات احتكار القلة لرأسمالية الدول السبع الكبرى(.)1
تعتبر الشركات متعددة الجنسيات اليوم القوة المحركة للنظام االقتصادي الرأسمالي العالمي ،وهي ظاهرة
اقتصادية مهمة وبخاصة في مجال العالقات الدولية فهي إحدى القوى األساسية المؤثرة في صنع األحداث والتحوالت
االقتصادية واالجتماعية بل والسياسية في العالم المعاصر ،لقد أضحت هذه الشركات تتحكم بموارد اقتصادية هائلة
وتهيمن مباشرة على أهم النشاطات والمؤسسات االقتصادية في العالم ،وخلق تعاظم نفوذها نوعا جديدا من االندماج
بين الوحدات االقتصادية اإلنتاجية والمؤسسات المالية والمصرفية على الصعيد العالمي .أنظر الجدول ).(0.2
728.2 ماليزيا
778 فنزويال
759.2 باكستان
98.1 يونيليفر
94.8 نستله
94.1 سوني
81.9 مصر
14.8 نيجيريا
7142.4 الشركات الخمس الكبرى
745.0 أتقل البلدان نموا
905.0 جنوب آسيا
401.1 إفريقيا جنوب الصحراء
وتغيرات في هيكل
ويمكن تحليل تفوق الشركات متعددة الجنسيات بما أحدثته الثورة العلمية التكنولوجية من نتائج َ
الصناعة والنمط الدولي لتقسيم العمل ،أضف إلى ذلك حالة االستقرار التي شهدها العالم بما هيأ إمكانية االزدهار
للشركات متعددة الجنسيات ،فضال عن نتائج الثورة المالية ،وتوفر المؤسسات المالية الدولية الداعمة لالقتصاد
بحرية ولعلَى األهم هو تقلص حجم المخاطر التي كانت الشركات تتعـرض
العالمي بما يم َكن الشركات من الحركة َ
لهـا في السـابق كأخطـار نزع الملكية Expropriationوالمصـادرة Confiscationوالتـأميـم ،Nationalization
وأخطار عدم القابلية للتحويل Inconvertibityوأخطار الحروب).(1
ولعل األمر الذي يكتسب أهميته الخاصة هو الضغط الذي تمارسه الشركات متعددة الجنسيات لتأسيس ترتيبات
عالمية تأخذ بمبدأ الحرية التجارية ،وكانت الشركات العمالقة هي قلب جماعات الضغط من أجل الليبرالية في هذه
حرية التجارة نوعا من االختيار
الترتيبات ويعتبر تبني الدول الصناعية المتقدمة وبخاصة الواليات المتحدة لمبدأ َ
السياسي لمصلحة شركاتها متعددة الجنسيات ،و يفسر البعض ظاهرة الخصخصة أو التحول إلى القطاع الخاص،
وتقليل دور الدولة في الدول الرأسمالية المتقدمة من خالل ظاهرة الترَكز المتزايد في الشركات متعددة الجنسيات
أوجها في
وكاستجابة واضحة ألهم آلية تحكم الرأسمالية ،وبخاصة الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية حتى بلغت َ
نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات وما إن اكتسبت تلك الشركات القوة المطلوبة بدأت تستغني عن بعض األمور
76
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
التي ستؤديها الدولة القومية وأصبحت صيحة الوطنية من األمور التي عفا عنها الزمن وغدت المصالح العليا
أوروبية ،أطلسية ،أو ببساطة المصالح العامة.
العالمية:
َ -6جوالت الجات وتأسيس منظمة التَجارة
اتجهت العديد من الدول نحو صياغة اتفاقية عامة للتعريفات الجمركية والتجارة GATTفي عام 1947تهدف
من خاللها إلى تشجيع قيام تجارة دولية حرة وعادلة بين أعضائها ،وتعتبر الجات أهم منظمة دولية إلى جانب
مؤسستي بريتون وودز ،غير َأنها تختلف عنهما من حيث المركز القانوني ،إذ َأنها لم تكن سوى مجموعة من المبادئ
واإلجراءات ،قصد منها أن تكون إطا ار تنظيميا للمعامالت التجارية الدولية ،فليس لها صالحيات أو وسائل للمعاقبة
يمكن اللجوء إليها واستخدامها ،وبالتالي فهي لم تكن سوى منبر للمناقشات ،يمكن من خاللها الحوار والوصول إلى
اتفاق حول الحد التدريجي من التفرقة والحواجز األخرى أمام التجارة ،لذا يطلق عليها البعض تسمية اإلتقافية العامة
للكالم والكالم ،لكن مع ذلك هناك العديد من المبادئ التي ينبغي على الدول األعضاء االلتزام بها ،وأبرز هذه
المبادئ:
بالرعاية:
األولى َ
-مبدأ الدولة ْ
أو مبدأ عدم التمييز الذي تلتزم به الدول ،وتمنح على أساسه بعضها بعضا تخفيضات متبادلة في التعريفات
الجمركية ال تقل عن التخفيضات الممنوحة ألي عضو آخر.
والذي بموجبه تتساوى منتجات الدول األعضاء في المعاملة وعدم فرض َأية شروط تمييزية لصالح المنتوج
المحلي على حساب المنتوج األجنبي.
والذي ينصرف إلى فرض رسوم جمركية بدال من القيود الكمية كوسيلة لحماية اإلنتاج الوطني من المنافسة
األجنبية.
فإن الجات تعمل باإلضافة إلى وضع المبادئ التي يتعين على
ولتوفير المناخ المالئم لتحقيق تلك المبادئ َ
األعضاء مراعاتها ،والعمل على الموازنة بين التزامات وحقوق هذه األطراف على توفير إمكانية التفاوض بين
األطراف المتعاقدة بشأن تحرير التجارة).(1
1
- John Sloman and Mark Sutclift, Economics for Business, Prentice Hall Europe, 1998, P 402.
76
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
ولقد عقدت في إطار الجات منذ تأسيسها وحتى جولة "أورغواي" سبع جوالت من المباحث التجارية متعددة
األطراف وذلك كما يوضحه الجدول (.)42.
انضمت عشر دول جديدة بعد أن ظهرت لها الفرض التي تتاح من خالل تحرير التجارة ،وبخاصة جولة أنسي "فرنسا"
بعد استقرار األوضاع بعد الحرب. Annecy Round
جرى االتفاق على تخفيضات للتعريفة الجمركية شملت 0555سلعة. 7949
انضمت ألمانيا إلى جانب ثالث دول أخرى. جولة توركواي
غطت اإلتفاتقية %85من التجارة العالمية. "انجلترا"
تبادل األعضاء 8155امتياز تجاري. Torguay Round
%20تخفيض جمركي عما كانت عليه عام .7948 7907-7905
76
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
جولة جنيف
تم إتقرار تخفيضات للتعريفة الجمركية بمقدمة 7.0ترليون دوالر باألسعار الحالية.
Genève Round
بلغت تقيمة التجارة 2.0مليار دوالر.
7901-7900
سميت ديلون نسبة إلى (دوغالس ديلون) نائب السكرتير العام األميركي الذي اتقترح عقد هذه
المفاوضات.
شارك فيها عدد كبير من الدول بلغ 12دولة. جولة ديلون
تضمنت المباحثات مع اإلتحاد األوروبي لتحقيق إعادة تنظيم التعريفات ،وتضمنت إتقرار إعفاءات Delon Round
للمجموعات االتقتصادية اإلتقليمية. 7912-7915
شهدت تحقيق المزيد من التخفيضات شملت 4555سلعة.
بلغت تقيمة التجارة 4.9مليار دوالر.
جرى فيها تخفيض عدد من التعريفات الجمركية الصناعية إلى النصف بإتقرار 05دولة. جولة كيندي
االتفاق على تدابير مكافحة اإلغراق .Anti-Dump Kenedy Round
%00تخفيض للتعريفات على ما يزيد على 1555سلعة. 7911 -7914
بلغت تقيمة التجارة 45مليار دوالر.
د .محسن أحمد الخضيري ،العولمة "مقدمة في فكر واتقتصاد وإدارة عصر الالدولة" ،مجموع النيل العربية للنشر ،2555 ،ص .21 المصدر:
أما جولة أورغواي Uruguay Roundفقد بدأت بمبادرة من الواليات المتحدة وذلك بعد اجتماع على المستوى
وتم التوقيع على
الوزاري لألطراف المتعاقدة في الجات ،في أيلول 1970في مدينة Punta Del Esteباألورغواي َ
الصيغة النهائية في 19نيسان 1994في مراكش من قبل 111دولة(.)1
استغرقت هذه الجولة سبع سنوات تمخضت عنها والدة اتفاقية الجات الجديدة التي تبشر بمولد النظام التجاري
العالمي الجديد وسياساته واستراتيجياته( .)2ورغم النجاح الذي حققته الجات من خالل توفيرها –في البداية -آلية
أن عملية تخفيض التعريفة المناسبة للبدء في عملية تحرير التجارة لكن مع مضى الوقت أصبح واضحا ألعضائها َ
يكفي لتحرير التجارة بعد أن ازدادت أهمية االختراعات والتطورات التكنولوجية والمعلوماتية في عملية التجارة والتي
1
- John Sloman and Mark Sutclift, Economics for Business, op cit, P 403.
-2عادل أبو سنية ،جولة األورغواي ( ،)7990-7981مجلة الدراسات المالية والمصرفية العد ،7991 ،0ص .01
76
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
أصبحت الجات قاصرة على التعامل معها ،ولذا استهدفت جولة أورغواي إدخال مفاهيم جديدة في التجارة تتعلق
بالخدمات واالستثمار وحقوق الملكية الفكرية ووضع القواعد واآلليات للتعامل في مجاالت تسوية المنازعات التي تنشأ
بين دول األعضاء في منظمة التجارة ،ولحماية اإلنتاج الوطني من خطر زيادة المستوردات وعمليات اإلغراق،
ومعالجة مشاكل ميزان المدفوعات ،فمنحت منظمة التجارة العالمية أعضائها آليات واستثناءات للتعامل مع هذه
األخطار ،فكانت المنظمة بمثابة الوريث للجات ،التي احتويت في األولى ،فأصبحت منظمة التجارة العالمية تمتلك
مما كانت تفعله سابقتها.
قوى إضافية ،تؤهلها ألن تؤدي دورها بفاعلية أكبر َ
إن مفاوضات جولة أورغواي قد تركزت على أربعة محاور رئيسية هي :
َ
والذي يعني التفاوض بشأن تسهيل عمليات التبادل التجاري بين الدول األعضاء في الجات ،فيما يتعلق ببعض
السلع والخدمات من خالل إلغاء أو تخفيض القيود التجارية ،وتحرير تجارة المنسوجات والمالبس وبالفعل استطاعت
الجولة تخفيض التعريفة بأكثر من الثلث.
إذاً تطرقت المنظمة إلى موضوعات جديدة تتعلق بالتجارة الدولية من أبرزها:
-6.6.6تجارة الخدمات :واعتبر هذا الجانب سمة مميزة لجولة أورغواي فألول مرة في تاريخ الجات تدخل
الخدمات إلى جانب السلع في عملية تحرير التبادل التجاري ،ولهذا أضيفت إلى جانب االتفاقية األصلية الخاصة
بالسلع GATTاتفاقية جديدة هي :االتفاقية العامة للتجارة في الخدمات GATS: General Agreement on
.Trade in Services
-6.6.6إجراءات االستثمار المتعلقة بالتجارة :والتي تضمنت مبدأين هما مبدأ للمعاملة الوطنية حيث نصت
عليه المادة الثانية ،وبموجبه يمنح المستثمر األجانب المعاملة المنوحة للمستثمر الوطني ،ومبدأ الشفافية الذي نصت
عليه المادة الخامسة من االتفاق الذي يقضي بااللت ازم باإلعالن عن تزايد االستثمارات المتصلة بالتجارة بحيث تكون
معروفة للدول األعضاء في الجات.
-6.6.6حقوق الملكية الفكرية :Intellectual Property Hights :والتي شملت قواعد جديدة لحماية هذه
مدة سريانها ،والزام الدول
الحقوق ضمن اتفاقيات إنشاء منظمة التجارة العالمية ،هدفها توسيع نطاق الحماية ،وزيادة َ
الموقعة على االتفاقية تضمين تشريعاتها الوطنية القواعد الجديدة للحماية وفرض عقوباتها على الخارجين عليها.
70
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
وتشمل حقوق الملكية الفكرية طبقاً لبنود االتفاق ،براءات االختراع Patentsومختلف أنواع العالقات التجارية
،Trade Marksوالنماذج الطباعية ،والدوائر المتكاملة وحق النشر والتأليف Copy Rightsوالحقوق المتعلقة بها،
السرية.
والتصاميم الصناعية والمؤشرات الجغرافية ،وحماية المعلومات َ
سعت األطراف المتعاقدة في جولة أورغواي إلى تحديث بعض القواعد المتعلقة بالموضوعات التالية:
-وضع مخصصات أو حدود متعلقة باإلغراق الحدي وهذا الحد هو أقل من ،%6.و تحديد حجم إغراق
الواردات بنسبة أقل من .%62
-6.6.6الوقاية:
و هي اإلجراءات التي يمكن للدولة استخدامها لحماية صناعة أو سلعة معينة من منافسة الواردات إذا كانت تلك
المنافسة تسبب ضر ار جسيما للسلعة الوطنية من خالل تعديل التزام البلد كليا أو جزئيا فيما يتعلق بالتعريفات على
المنتج بغض النظر عن مصدره.
-6.6.6االتفاق حول قواعد منشأ السلع :وتم التوصل في هذا الشأن إلى:
-وجوب تطبيق األنظمة الخاصة ببلد المنشأ بطريقة منسقة ومعقولة مع نشر هذه التعديالت على أنظمة بلد
المنشأ خالل الفترة االنتقالية )ثالث سنوات( قبل شهرين من تنفيذها.
-البث في طلبات المستوردين والمصدرين فيما يتعلق ببلد المنشأ خالل ) (19يوما من تقديم الطلب.
-6.6.6الدعم واإلجراءات المضادة :إذ تم االتفاق على تحديد أنواع الدعم المقدم وكمايلي:
-الدعم المحضور :الذي يقدم بصورة قانونية أم فعلية للقيام بالتصدير أو ترجيح كفة السلعة الوطنية على
حساب السلعة األجنبية.
-1تمام علي الغول ،منظمة التجارة العالمية وعولمة اإلتقتصاد ،مجلة الدبلوماسي األردني ،العدد ،7998 ،2ص .75
75
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
وهو المحور األكثر أهمية والذي يتمثل بإنشاء منظمة التجارة العالمية WTOالتي يمكن عدها عالمة مميزة
للتعامل مع ظاهرة العولمة ،وذلك لألسباب اآلتية:
إن منظمة التجارة العالمية هي مؤسسة تمتلك الصالحية والقدرة على إدارة جوانب متعددة من االقتصادَ -
العالمي.
إن المنظمة لديها العديد من اآلليات المناسبة للتعامل مع عولمة االقتصاد والتي يترتب عليها التخلي عنَ -
جزء من السيادة الوطنية لصالح التكامل مع االقتصاد العالمي.
-يمكن للمنظمة إدارة التجارة الدولية ،بأشكالها المختلفة بين الدول األعضاء في المنظومة الدولية ضمن قواعد
معروفة وشفافية تهدف إلى حماية حقوق الجميع (.)1
فإنها
الراغبة باالنضمام تأديتها َ
أما أهم متطلبات االنضمام إلى منظمة التجارة العالمية والتي يجب على الدولة َ
َ
تتلخص في:
-أن تتعهد الدولة بخفض نسبة التعريفة الجمركية ،وأن تتعهد بأن ال ترفعها مستقبالً إال بعد التفاوض مع الدول
األعضاء ،والتعهد بااللتزام بسقوف تثبيت تعريفاتها الجمركية بشفافية.
-اختيار القطاعات الخدمية التي تود الدولة االلتزام بفتحها وعادة ما يكون االلتزام في حدود ما تسمح به
القوانين الوطنية من حرية االستثمار والنقل والتملك لألجانب.
-التزام أعضاء المنظمة بتطبيق قواعد السلوك التجاري عند التعامل مع الدولة العضو في كافة المجاالت التي
أن االلتزامات العامة الواردة في االتفاقات هي نفسها حقوق لباقي األعضاء.
تشملها االتفاقيات ،أي َ
-1تمام علي الغول ،منظمة التجارة العالمية وعولمة اإلتقتصاد ،مرجع سابق ،ص .77
-2تمام علي الغول ،نفس المرجع ،ص .72
77
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
-حق نفاذ السلع والخدمات الوطنية إلى أسواق الدول األخرى ،وذلك وفقا لحدود التثبيت الجمركي الوارد في
جداول األعضاء.
-تكفل عضوية المنظمة االطالع على السياسات التجارية للدول األعضاء ،وما تتضمنه من إجراءات من
شأنها التأثير على النفاذ إلى األسواق ومدى اتسامها مع االتفاقات الدولية.
-ضمان المشاركة في المفاوضات المستقبلية بما يحقق الدفاع عن المصالح التجارية للبلد.
إضافة إلى ما تقدم تضمن نصوص االتفاقية في ظل الجات ،ومنظمة التجارة العالمية مجموعة من الحقوق
القانونية بموجب نصوص ومواد االتفاقية المذكورة ،تنحصر بالحق في استخدام القيود الكمية لحماية ميزان المدفوعات
أو دفع عملية التصنيع من أجل التنمية ،والحق في الحماية ضد المنافسة غير العادلة والذي يعتبر اإلغراق أهم
إضافية ضد اإلغراق Inti-Dumping Duties َ صورها ،ومنحت البلد المستورد حق فرض الضريبة الجمركية
معـادلةً لهامش االغراق ،والحق في الحماية ضد المنافسة الضارة ولو لـم تكن غير عادلة ،الشرط الوقائي وأخي ار الحق
في المساواة في المعاملة (.)1
وأخي ار قدرت أمانة الجات المكاسب السكونية -التي تحدثها األسعار المنخفضة لالستيراد والناتجة عن رفع أو
تخفيف الحواجز التجارية -من عولمة "أورغواي" بحوالي 784مليـار دوالر عندما تؤخذ بالحسبان اآلثار الحركية -
للتكاليف المنخفضة والمتولدة عن تكيف التكنولوجيا الجديدة وخلق صناعات جديدة– عن التجارة (.)2
السياسات االقتصادية.
المطلب الثانيَ :
أن من أبرزها
استكماال لما سبق ،نجد لزاما علينا تتبع بعض العناصر المميزة للعولمة ،فك ار وتطبيقا ،والتي نرى َ
هو اإليمان بأيديولوجيا معينة ،على اعتبـار َأنها األفق في حل المشـاكل االقتصادية التي يعاني منها العالم ،ويربط
هذا اإليمان بقبول تطبيق برامج معينة ،وسياسات بذاتها تطبيقا عاجال ،فكان على االقتصاديات المعولمة متقدمة أو
نامية أن تقوم بإصالحات هيكلية على المستوى المحلي ،مستندة في أساسها إلى خلفيات اإليمان باإليديولوجيات
وداعمة للبرامج ،لتستكمل بذلك عملية تهيئة البيئة االقتصادية للدخول في عالم أخذت عناصره تعولم في مجموعة من
األفكار والتي ال تبدو حديثة كل الحداثة.
التكيف االقتصادي:
-6سياسات َ
-1سعيد النجار ،الحقوق األساسية للبلدان النامية في ظل الجات ومنظمة التجارة العالمية ،األمم المتحدة ،منشورات األسكوا ،نيويورك،
.7999
-2اإلتحاد العام غرف التجارة والصناعة والزراعة العربية ،في ظل دعم النظام التجاري :تقمة كولون لمجموعة الثماني تدعو إلى تخفيف
ديون الدول الفقيرة ،مجلة العمران العربي ،العدد ،7999 ،45ص .29
72
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
ينصرف مفهوم التكيف االقتصادي إلى تعديل مسار اإلقتصاد بما يضمن تجنب اآلثار السلبية لالقتصاد الدولي
على اإلقتصاد الوطني ،واالستفادة من اإليجابيات التي قد توفرها العالقات االقتصادية الدولية ضمن أطر معينة.
وتتضمن عملية التكيف االقتصادي جوانب متعددة تدخل في ضمنها عمليات التصحيح الهيكلي ،كتعديل الهيكل
التنظيمي للقطاع العام ،والقضاء على التشوهات السعرية ،واعطاء اهتمام أكبر للزراعة ،ومعالجة فجوة الموارد المالية
المحلية سواء من خالل االستثمار األجنبي أو االقتراض ،كما يدخل ضمن السياسات المالية ،كتقليل نسبة عجز
الموازنة العامة إلى الناتج المحلي ،وتخفيض الدعم ،إضافة إلى السياسات النقدية واالئتمانية ،التي تحكم كمية النقود،
وتضبط حجم االستثمار ،وبالتالي تضمن بنية مستقرة للنمو االقتصادي ،وكذلك تتضمن عملية التكيف سياسات
الصرف والتي من خاللها يتم تدعيم الجوانب السالفة الذكر.
بأنه )رد فعل إيجابي ،لتوجيه اإلقتصاد الوطني ،وفقا ألهداف مرسومة
وعليه يمكن تعريف التكيف االقتصادي َ
سلفـا أو أهـداف مستجدة ،لتجنب اآلثـار السلبية لالقتصـاد الدولي ،ويتضمن رد الفعـل هـذا أهدافا اقتصادية،
واجتماعية وسياسية( ،وهو بذلك يعزز من عملية التنمية اإلقتصادية ،وال يكون بديال عنها ،إذ َأنه يستهدف بإجراءاته
السابقة إزالة االختالالت الداخلية والخارجية وتحقيق االستقرار االقتصادي واجراءات التكيف تتضمن بشكل عام
نوعين من اإلجراءات هما):(1
-6.6التكيف الذاتي:
ويقصد به تلك اإلجراءات التي تتخذها الدولة لتكيف إقتصادها الوطني بمعزل عن "تدخل صندوق النقد الدولي
التكيفات المناسبة التي تتطلَبها ظروفها اإلقتصادية ،وبما يتطابق مع وجهة
َ والبنك الدولي" ،إذ تقوم الدولة بإجراء
أن حزم التكيف قد اختلف من بلد آلخر ،إال َأنه على العموم يمكن التمييز بين ثالثة مستويات نظرها ولذلك يالحظ َ
من تلك الحزم التي تتخذها الدول وهي): (2
-إجراءات التكيف التي اتخذتها بعض الدول المصدرة للنفط ،والتي كانت تهدف من ورائها مواجهة تدهور
أسعار النفط ،وتنويع اقتصادياتها.
-إجراءات التكيف التي اتخذتها بعض البلدان الصغيرة ذات الطابع الرأسمالي مثل السويد ،هولندا وسويسرا،
فهذه البلدان لكونها تتسم بضيق األسواق النسبي وانخفاض عدد السكان ،والتخصص في إنتاج منتجات
محددة نسبيا ،قد اتجهت نحو إجراءات التكيف الذاتي التي تمكنها من االستفادة من الميزة النسبية التي
تمتلكها وتطويعها لحاجة السوق.
-1محمد األفندي ،سياسات االستقرار االتقتصادي بين الطموحات النظرية وإشكاليات التطبيق ،مجلة التجارة السنة ،8العدد ،7990 ،2
ص .22
-2محمد األفندي ،نفس المرجع ،ص .22
26
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
-إجراءات التكيف التي اتخذتها البلدان الرأسمالية ،والتي اتسمت في استخدام واسع ألدوات السياسة المالية
والنقدية ،وتقليص لـ"دور الدولة" ،وكـذلك بتدخل واضح للبنك الـدولي ،وهذه اإلجراءات ،على أية حال ،تتناغم
مع معطيات العولمة ،وتسير معها جنبا إلى جنب.
الدولية:
َ قدية
المالية وال َن َ
َ المؤسسات
َ التكيف في ظل
َ -6.6
ونعني به تلك اإلجراءات التي يوصي بها "صندوق النقد الدولي والبنك الدولي" ،والتي يرمي من خاللها تحقيق
التصحيح االقتصادي في البلدان التي تأخذ بها ،ومع عقد الثمانينيات ،وانتشار حاالت عدم االستقرار االقتصادي
للعديد من دول العالم الثالث الناجمة عن زيادة أعباء خدمة الدين العام ،وانخفاض أسعار المواد األولية ،وتزايد انعدام
التوازن الداخلي والخارجي ،فاألمر كان قد برز في صورة أزمة مالية وسياسية ،وعندها تم تبني برامـج التكيف
االقتصـادي ،في معظم دول أمريكـا الالتينية وافريقيـا (شمال إفريقيا ،وجنوب الصحراء) ،وجنوب شرق آسيا ،والشرق
األوسط ،وبالتعاون مع "صندوق النقد الدولي والبنك الدولي" ،وتتضمن حزمة التكيف التي يوصي بها "خبراء
المؤسستين الدوليتين" ما يلي(:)1
وتشمل مجموعة اإلجراءات التي تستهدف فرض القيود على الطلب المحلي أمال في القضاء على فائض الطلب
المسبب لعجز الموازنة العامة وهذه اإلجراءات تتضمن:
-تخفيض اإلنفاق على القطاع العام وبخاصة تلك المؤسسات التي تمنى بخسائر بحيث تعتبر هذه المؤسسات
إلى حد ما مسئولة عن إختالالت الموازنة.
-6.6.6سياسات التحول:
أي السياسات التي تشمل على تحول في التعامل مع متغيرات إقتصادية معينة ،وتبني توصيات "الصندوق
جدي بشأنها وتشمل:
والبنك" بشكل َ
- 1محمد األفندي ،سياسات االستقرار االتقتصادي بين الطموحات النظرية وإشكاليات التطبيق ،مرجع سابق ،ص .20
26
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
أ -تحرير أسعار كافة السلع وبالذات أسعار منتجات القطاع العام ،والسماح لقوى السوق َ
الحرة في تحديد هذه
األسعار وبصفة خاصة رفع أسعار الماء والكهرباء والهاتف والمنتجات النفطية ،باإلضافة إلى إلغاء الدعم المالي
أن هذه
على السلع األساسية ،والهدف من هذا التحرير هو إزالة التشوهات الحاصلة في (السعر/الكلفة) ،وذلك َ
تمت إزالة هذه التشوهات أمكن تحقيق استخدام أفضل للموارد فضالً األسعار ال تعكس كلف اإلنتاج الحقيقية ،واذا ما َ
عن تشجيع المنتجين على التـوسع في االستثمار واإلنتاج الناجم عن توازن األسعار عند المستوى الطبيعي ،باإلضافة
فإن ارتفاع أسعار هذه السلع من شأنه أن يقلص الطلب واإلنفاق فتقل الضغوط التضخمية ،وتنخفض إلى ذلك َ
الموارد المخصصة الستيراد سلع كهذه ،كما ينبغي أن نستذكر تأثير الدعم على الموازنة العامة وميزان المدفوعات
معاً.
أن أسعار الصرف الخاصة بالعمالت ب -تخفيض سعر الصرف :إذ يؤكد خبراء صندوق النقد الدولي على َ
الوطنية ال تعكس المستوى الحقيقي لقيمة هذه العمالت لذا يجب تخفيض قيمة العملة إلى المستوى الواقعي والمالئم
لقـوى العرض والطلب في السوق ،وهـذا من شأنه أن يـؤدي إلى تخفيض العجـز عـن طريق تقليص اإلنفاق ،وتحويله
من السلع المحلية إلى سلع التجارة كما يؤدي تخفيض العملة إلى زيادة قدرة الدولة في الحصول على النقد األجنبي
عبر :زيادة الصادرات ،تقليل الواردات ،اتجاه الموارد إلى االستثمار في قطاع الصادرات.
أن هذا التخفيض من شأنه أن يحقق تخصيصا أفضل وحجة خبراء الصندوق بشأن تخفيض سعر الصرف هو َ
للموارد باتجاه تقرير االدخار والنمو ،ومن ثم تقليل أو تقليص العجز المالي بشكل عام ،وهكذا يوفر الحل لمشكلة
التمويل التي تعاني منها أغلبية دول العالم الثالث.
ج -تقييد األجور والرواتب والعالوات للعمال والموظفين في الحكومة والقطاع العام.
أ -إصالحات هيكلية قطاعية تستهدف إعطاء اهتمام أكبر بالزراعة وتشجيع االستثمار األجنبي والقيام بأهم
خطوة وهي الخصخصة ،واعطاء دور أكبر للقطاع الخاص ،وهذه اإلجراءات جزء من مطالب الصندوق للدولة
بالكف عن الولوج في المجاالت االستثمارية التي يمكن للقطاع الخاص وخاصة األجنبي أن يقوم بها كالصناعة
التحويلية ،وأن ينحصر دور االستثمار فقط في المجاالت المتعلقة ببناء واستكمال البنى األساسية ،ويشير أحد خبراء
أن مصدر االستياء من الملكية العامة (القطاع العام) ليس إيديولوجيا ،ولكن هناك شكوك فيما يخص
الصندوق إلى َ
أن التحول إلى القطاع الخاص أصبح جزءا رئيسيا من سياسة إذا كانت منافع الملكية العامة توازي تكلفتها ،إذ َ
واستراتيجية الصندوق والبنك الدوليين عند تعاملها مع دول العالم الثالث في مجاالت التمويل وتقديم القروض ،وقد
خصص البنك الدولي لمثل هذه الوظيفة قروض التكيف الهيكلي والتكيف القطاعي ،باإلضافة إلى استحداث دائرة
-1سالم توفيق النجفي ،الفقر وسياسات التكيف الهيكلي في االتقتصادات الزراعية العربية :النظرية والتجارب ،مرجع سابق ،ص .70
26
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
سميث بـ :إدارة القطاع العام وتنمية القطاع الخاص ،ووظيفتها إعداد البرامج الموجهة إلى الخصخصة ،وتحديد
المشروعات الواجب نقلها إلى القطاع الخاص وتحديد المستثمرين المحتملين.
ب -إصالحات مالية ،إذ يدعو الصندوق إلى تطبيق هذه اإلصالحات بتبني سياسات مالية انكماشية لتخفيض
فائض الطلب وتشتمل على :تنظيم القطاع الضريبي ،وزيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة.
ج -وتتضمن شروط الصندوق بندا مهما هو ضرورة تحرير التجارة من كافة السياسات التقييدية ،كالكمية أو
النوعية ،والغاء احتكار التجارة الخارجية ،واالكتفاء بالرسوم الجمركية والغاء الرقابة على الصرف والسماح بدخول
كل ما يمكن تقديمه من حوافز ودعم لالستثمارات وخروج النقد األجنبي والغاء اتفاقيات التجارة والدفع الثنائية ،وتقديم َ
األجنبية الخاصة ،وبهذا نجدها تتطابق تماما مع بنود الجات واتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية وال تتقاطع معها.
أن سياسات التكيف االقتصـادي تبرز إلى جانب الخصخصة كآلية من آليات العولمة،وأخي ار ينبغي لنـا القول َ
بحيث تش َكل أساسها العملي ،على أساس َأنها :
أ -األسس النظرية لعمليات التكيف االقتصادي في نظرية ميزان المدفوعات ،التي بلغت ذروة نضجها مع كتابات
جيمس ميد ،J.Meedتستند إلى الفكـر النقـدي ،ومنذ نهاية السبعينيات أخذ صندوق النقد الدولي يميل إلى المنهج
النقدي ،وأخذ يبتعد عن فهم اقتصاد السوق من جهة الخصوصيات الثالثة لمنهج االستيعاب :فخ السيولة ،عدم
استجابة االستثمار لسعر الفائدة ،وعدم مرونة األسعار واألجور نحو األسفل .مبتعدا عن األسلوب التقليدي المستند
إلى أفكار المدرسة الكينزية الذي يفترض ثبات أسعار الفائدة وأسعار الصرف ،وحالة التوظيف الجزئي ،فيحصل
التوازن وفق المعادلة اآلتية:
S+M+T = Ip+X+G
االدخار +الواردات +الضرائب = االستثمار اإلجمالي المحلي الخاص +الصادرات +اإلنفاق الحكومي.
أن الدخل عبارة عن كمية ووفقا لمنهجية الصندوق ينظر إلى الدخل القومي على َأنه دالة للكتلة النقدية حيث َ
ثابتة مضروبة في الكتلة النقدية F(M1)=Yلتقرر عالقة مباشرة وطردية بين الدخل القومي والكتلة النقدية ،حيث
أن االرتفاع في الدخل القومي في حالة عدم وجود تحويالت رؤوس أموال وواردات ،يمكن التعبير عن التغير فيَ
الكتلة النقدية كما يأتي :
()1
M1= B+X-M
* ينصرف هذا المفهوم إلى تفسير اختالل ميزان المدفوعات ومسار التصحيح بعوامل الدخل واإلنفاق.
-1جميل طاهر ،االختالالت الهيكلية في المسار االتقتصادي في األتقطار العربية وسياسات صندوق النقد الدولي ،مجلة آفاق اتقتصادية،
العدد ،7991 ،18-11ص.21-79
26
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
تم فرضها من قبل الصندوق والبنك الدوليين ب -إ َن قضية تحرير التجارة تشكل ركنا مهما في الفكر النقدي ،وقد َ
من خالل هذه البرامج مع بداية تطبيقها ،وهي بطبيعة الحال جزء من شروط أو أركان العولمة اإلقتصادية.
الحرة أكثر فاعلية في تحقيق االستقرار ج -دعوة الصندوق إلى تبني اقتصاد السوق على اعتبار َ
أن آليات السوق َ
على مستوى اإلقتصاد الكلي ،من خالل :تحجيم القطاع العام ،تحرير األسعار ،تحرير التجارة ،ونشر هذه العناصر
وتعميقها في بلدان العالم الثالث بخاصة ،يعني فيما يعنيه نشر وتوسيع العالقات الرأسمالية وفرضها على هذه
البلدان.
د -مراحل التصحيح والتحول الليبرالي في سياق التكيف االقتصادي ،إذ يفترض دعاة هذه البرامج َأنها تتطلب
نوعا من التدرج وكما يلي):(1
المرحلة األولى :مرحلة ما قبل اإلصالح يتجاوز فيها معدل التضخم المحلي مستواه العالمي ويشكل عجز
الموازنة نسبة عالية من اإلنفاق.
المرحلة الثانية :بدء عمليات اإلصالح والتحرير في سياق تكيف ميزان المدفوعات والسيطرة على عجز الموازنة.
المرحلة الثالثة :مرحلة إزالة التعرفة السعرية والقيود الكمية على التجارة.
المرحلة الرابعة :سياسات صرف فعالة وجديدة على أساس الربط المشترك لجعل سعر الصرف منسجما مع
مستوى تعادل القوة الشرائية فتنخفض قيمة العملة المحلية وينسجم مستوى التضخم المحلي مع معدل التضخم
العالمي.
المرحلة الخامسة :استقرار أسعار الصرف ويوصي بإزالة القيود على حركة رأس المال بعد إزالتها عن التجارة في
المرحلة السابقة.
المرحلة السادسة :اإلقتصاد المفتوح واألسعار التنافسية بحيث يتم االنتقال كليا إلى اقتصاد السوق الحر.
أن أطروحات التكيف االقتصادي تتماشى مع نظرية اقتصاديات العرض ،فهي تستهدف ه -كما يمكن القول َ
بالدرجة األساس التركيز على جوانب العرض ،مع اهتمامها بتقييد الطلب كشرط أولي يمكن من خالله تخفيض جانب
من الضغوط على العرض في المدى القصير حتى يتمكن اإلقتصاد المعدل هيكليا من استيعاب نمط التعديالت
والوصول به إلى تحقيق التوازن لمقابلة الطلب المتوقع في المستقبل.
مع ثمانينيات القرن العشرين أصبحت الخصخصة أحد أكثر المصطلحات ترددا ،وقد طرحت مضامين عديدة
ومتنوعة لهذا المفهوم من قبل باحثين ،فقد نظر إليها البعض على أساس َأنها عملية "تقليل دور الدولة" ،أو "زيادة
دور القطاع الخاص" في إدارة وامتالك المشروعات العامة في حين قصد بها البعض إدارة المؤسسة على أساس
تجاري من خالل نقل ملكيتها جزئيا للقطاع الخاص ،أو تأجير خدمات إدارة محترفة تضطلع بمهمة تسيير المؤسسة
على طريق معينة( ،)1وهناك من ينظر إلى الخصخصة على َأنها تنشيط وتنمية دور القطاعين العام والخاص أو قد
يراد بها إنتاج أو تقديم الخدمات العامة كالتعليم والصحة والنقل عن طريق المشروع الخاص.
وعلى َأية حال ،تعتبر الخصخصة عملية شاملة تتضمن سلسلة من الفعاليات واألنشطة المتداخلة والمتكاملة
بعضها مع البعض اآلخر من خالل تحويل ملكية المؤسسات العامة كليا أو جزئيا إلى القطاع الخاص أو األفراد
العاملين فيها ومن خالل تطوير السياسات واألدوات الحكومية وترشيد استخدامها وخلق البيئة المناسبة للعمل واألداء
بكفاءة على مستوى اإلقتصاد الوطني أو على مستوى الوحدات ،وعليه فالخصخصة تشمل أربعة محاور هي:
-خصخصة التمويل :أي تبعية الموارد المالية الخاصة وتوجيهها لتمويل المشروعات العامة.
-خصخصة اإلنتاج :عن طريق التأجير أو تسليم إدارة المشروعات العامة للقطاع الخاص بموجب عقود إدارة.
-التحرير االقتصادي :من خالل إزالة القيود القانونية واإلدارية المعرقلة لعمل وفعاليات السوق والمنافسة
وآلياتها.
أن العالج
مع تفاقم أزمة الركود التضخمي التي واجهت البلدان الرأسمالية بدا للحكومات في البلدان الرأسمالية َ
في العودة إلى الرأسمالية بصورتها الخالصة والتي ال تنطوي على عيوب خطيرة – حسب رأي فريدمان ومشجعيه-
وترك النشاط االقتصادي آلليات السوق الحرة ،بادرت الحكومة البريطانية بتبني برنامج واسع للخصخصة وتبعتها
أن الخصخصة يمكنها أن تؤدي إلى):(2
حكومات في بلدان رأسمالية أخرى ،ويرى المؤيدين لهذا التحول َ
-6.6توليد إيراد إضافي للخزانة العامة :Generation of Revenue for The Treasury
ظهر اصطالح الخصخصة ألول مرة في كتابات عالم اإلدارة األميركي بيتر دراكر عام ،7918إال أن ما أكسب الخصخصة أهميتها
ولفت األنظار إليها هو تبني الحكومة البريطانية عام 7919هذه السياسة ،فقامت بأكبر عملية خصخصة معروفة لحد اآلن.
-1عوض محمد ربيع ،إتجاهات التحول للقطاع الخاص ومتطلبات إتقامة سوق لألوراق المالية في اليمن ،رسالة ماجستير ،كلية اإلدارة
واالتقتصاد ،جامعة الكوفة،7998 ،ص .54
-2عوض محمد ربيع ،نجاحات التحول للقطاع الخاص ومتطلبات إتقامة سوق لألوراق المالية في اليمن ،مرجع سابق ،ص .20
26
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
وهذه الحجة واضحة تماما ،فعملية الخصخصة توفر مدخال إضافيا للحكومة ناتج عن بيع جزء من حقوقها
أن الحكـومة البريطـانية قد حققت من خالل بيع الموجودات العامة للمدة -7919للقطاع الخاص ،وجـدير بالـذكر َ
7994حوالي 00.2مليار جنيه إسترليني).(1
هذه الحجة أول من أطلقتها رئيسة وزراء بريطانيا تاتشر ،والتي اقترحت فيها أن تصبح بريطانيا دولة الملكيات
الخاصة (الحقيقية والمالية) وتشجيع ملكية المشاركة الديمقراطية Share-Owing Democracyليصبح المواطنون
فاعلين Active Citizensفي تقدم البالد .Enterprise cultureوبالفعل فقد حققت الخصخصة في بريطانيا
إمكانية جمع مدخرات كثيرة من الطبقات الوسطى البريطانية التي حصلت في المتوسط على نصف األسهم
المطروحة).(2
إ َن قوة الخصخصة تبرز من خالل قيام الدولة أو تشجيعها على تقليل االتَحادات التجارية ،وهذا إلنجاح
المحلية منها ،مع عدم إرغامها على التبادل التجاري في إطار
َ الخصخصة وعدم خلق لها منافسة على الخصوص
أن دور الدولة يبرز هنا في محاولة خلق جو مناسب للخصخصة يتماشى مع
االتفاقات واالتحادات التجارية ،أي َ
االقتصاد المحلي والدولي).(3
إن الدعوة إلى الخصخصة في البلدان المتقدمة تجد تفسيرها بعاملين أساسيين األول :هو التطور البنيوي في
َ
هيكل اإلقتصاد الرأسمالي ،وتنامي دور الشركات متعددة الجنسيات فجاءت الخصخصة دعما التجاهات ترَكز
الشركات متعددة الجنسيات في إطار اقتصادي يتميز بوفرة المدخرات ،وسعة األسواق المالية ،وضخامة المؤسسات
المصرفية ووجود أطراف تؤيد عملية التحول فضال عن الحساسية المعروفة لدى الشركات من الدولة القومية ودورها،
فكان ولبد في عصر الشركات متعددة الجنسيات أن يتراجع حجم ومدى "تدخل الدولة" لصالح تقدم الشركات متعددة
الجنسيات ،يضاف إلى ذلك ما توفره الثورة العلمية والتكنولوجية من إمكانيات تحقيق الكفاءة اإلقتصادية التي كانت
متغيرة في ظل "سيطرة الدولة" ،أما العامل الثاني فهو عامل إيديولوجي إذ أفرزت حركة التطور الفكري التيار الليبرالي
الذي سبقت اإلشارة إليه فظهرت كتابات حول "جدوى الدولة" وما تعنيه من بيروقراطية ،فتجلت تلك النظرة للدولة التي
شكلت خلفية فكرية ازدهرت فيها أفكار الخصخصة بحيث باتت مقبولة .وعلى ما يبدوا أ َن الصراع العقائدي ما يزال
يحرك موضوع القطاع العام والخاص والدعوة إلى التحول إذ ينطلق من عقيدة ذات اتصال وثيق بالتطور االجتماعي
أن الخصخصة كانت نقلة نوعية جديدة في
واالقتصادي والفكري الذي وصلت إليه اإلنسانية ،حتى اعتبر البعض َ
الصراع ضد الماركسية).(1
تناولنا فيما سبق مفهومي الدولة والعولمة كالً على حدى بهدف تحديد مالمح كال المفهومين وفهم المتضمنات
المفهومية لهما ،واستكماال لما سبق سوف نكرس هذا المبحث لبيان العالقة بين دور الدولة والعولمة ،فالسؤال
األساسي الذي يثـار في هذا الصدد عن العـالقة بين المفهومين ،هـل هما متفقان سائ ارن معا؟ ،أم هما متقاطعان،
أن السؤال المثار عن دور الدولة
يتعارضان مع بعضهما؟ ،وان كان كذلك فما هي نقاط التعارض؟ ،ومن الواضح َ
والعولمة منفصل فيما يتعلق بكل من نمط الدولة الرأسمالية ونمط الدولة في العالم الثالث ،إذ ينبغي طرح السؤال فيما
يخص كال النمطين ،وهو األمر الذي يجد دليله في التباين واالختالف بين نمطي الدولة ،وحتى إن اشتركت بعض
الحجج التي نقيمها من قبيل نشاط الشركات متعددة الجنسيات والسيادة ،ومع ذلك فإننا سنحاول التطرق إلى ذلك من
خالل هذا المبحث.
السيادة في ظل العولمة.
المطلب األولَ :
يرتبط مفهوم الدولة بمفهوم السيادة Sovereigntyالتي تعني القدرة الكاملة على فرض حماية الدولة على
أن الدولة
أرضها والقدرة على وضع الق اررات األساسية الملزمة للجميع ،ويكاد يتفق الباحثون في العالقات الدولية على َ
ألنها تتمتع بالسيادة ،فال سلطة تعلو عليها ما لم تكن قد قبلتها بإرادتها،
هي الالعب الرئيسي في العالقات الدوليةَ ،
أن الدولة أصبحت ال تتمتع بالسيادة المطلقة كما كانت في السابق ،بل
فإن وجهة النظر السائدة اآلن هي َ
ومع هذا َ
أصبح التنظيم الدولي يحد بشكل كبير من حريتها التي كانت مطلقة في الماضي ،وبالتالي أضحى مفهوم السيادة
مثار جدل وخالف كبيرين.
ويمكن القول أ َن فكرة السيادة تواجه تحديات هامة تعود إلى ظهور التجمعات اإلقليمية والحاجة إلى تبني منهج
مشترك في معالجة القضايا العالمية ،وما أفرزته الثورة العلمية والتكنولوجية وبخاصة ثورة اإلتصاالت والمعلومات،
ونشاط الشركات متعددة الجنسيات ،وظهور المنظمات الدولية والشبكة الواسعة من االتفاقات وغيرها من العناصر
التي تشكل شبكة االرتباط المتبادل اآلخذة في االنتشار مع تصاعد صيحات العولمة).(1
إن
إ َن طبيعة السيادة وأهميتها لبد وأن تتغيـر وان ظل مفهوم السيطرة على اإلقليم واحد من أهم عناصر السيادةَ .
ثورة المعلومات تجعل تأكيد السيطرة اإلقليمية أصعب في حاالت معينة ،وأقل صلة بالموضوع في حاالت أخرى ،فلم
تعد الحدود تحول دون انتقال المعلومات بما أدى إلى تغيير مفهوم السيادة ،بل قاد تحطم الحدود أمام المعلومات إلى
تخرب سيادة الدول ،وبدا تسارع التطور التكنولوجي أسرع
توحيد سوق المعلومات فتعاظمت قوة الشركات التي ال تنفك َ
من تطور اإلجراء األمني الذي تتخذه الدولة لصيانة سيادتها ،ولهذا ته َكم البعض عما أسماوه بأفول السيادة.
يتعرض للمنافسة
إذا ما نظرنا من زاوية الدور الذي تلعبه الدولة ذات السيادة في العالقات الدولية لوجدنا دورها َ
من قبل قوى أخرى مؤثرة أضحت تسمى بالوحدات الدولية الجديدة ،كالمؤسسات الدولية والشركات متعددة الجنسيات
والحركات الدينية وما شابه ،وهذه المؤسسات الدولية لم تصل بعد إلى إلغاء الدولة فهي إال اآلن مجرد مؤسسات
-1عبد الخالق عبد هللا ،العالم المعاصر والصراعات الدولية ،سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت،
،7989ص .05
27
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
تابعة للنظام الدولي المطلوب من الرأسمالية العالمية ،وال تمتلك قوة فوق الدول التي تكونها ،ومع ذلك فقد أصبحت
بأن الدولة لم تعد القوة الوحيدة التي تحتكر القرار
هذه المؤسسات قوة ذات تأثير متزايد في العالم بحيث يمكن القول َ
في العالقات الدولية كما كانت تفعل خالل القرون األربعة الماضية(.)1
لحدة المنافسة ما بين الوحدات المكونة للعالم من الدول والمنظمات اإلقليمية والدولية والحكومية وغير
وتبعا َ
أن الدولة ذات السيادة في سبيلها إلى االنخراط فيالحكومية والشركات متعددة الجنسيات وغيرها ،يعتقد البعض َ
وحدات أكبر ،أو إلى التآكل في وحدات أصغر ،وبما يؤدي إلى إلغاء وظائفها التقليدية تدريجياً ،ولكن يبقى هذا
االعتقاد ألثر اتجاه التكامل أو التشتت في مدى قدرة الدول ذات السيادة في أداء وظائفها ،فالرأي األول يدعم قدرتها
أما الرأي الثاني فهو وان انطوى على تفكيك الدول إلى
على أداء وظائفها من خالل دعم قدرتها بقدرات غيرهاَ ،
وحدات أصغر أقل قوة وقدرة ،فهو في النهاية يكرس فكرة الدولة ووجودها أي أساسها القومي.
يتزامن تزايد عدد المنظمات الدولية مع تزايد عد الشركات متعددة الجنسيات ،والتي تحولت إلى قوة رئيسية وفاعلة
على الساحة الدولية فأصبحت حاكمة ومتحكمة في مجاالت التطور االقتصادي واالجتماعي والسياسي وتعود أهمية
هذه الشركات إلى كونها مؤسسات تمتلك مدخالت تنظيمية ومادية وتقنية وأيديولوجية تؤهلها إلدارة العالم المعاصر
كوحدة واحدة ومترابطة تمهد تدريجيا إللغاء دور الدولة السياسي ،فالشركات قائمة على فكرة تحويل العالم إلى سوق
واحدة وتدويل المجتمع اإلنساني ،والتخطيط المركزي لإلنتاج واالستهالك العالمي ،فهدفها النهائي السيطرة على
النشاط االقتصادي وتحويله إلى نشاط عالمي يتعدى حدود الدول ،ومركزه في إدارات الشركات وكذلك تحويل مدراء
هذه الشركات إلى أول فئة اجتماعية تتمكن من إدارة العالم كنظام مركزي موحد(.)2
إ َن ازدهار الشركات متعددة الجنسيات سار بخطى متفاوتة وبفعل ظروف االقتصادين المحلي والدولي ،والقوة
التنظيمية للشركات الكبرى ،لكن االتجاه األوضح كان نحو توسيع السيطرة على اإلنتاج والتسويق على نطاق عالمي،
بأن نشاط الشركات متعددة الجنسيات يؤدي إلى إقامة نظام إمبريالي عن طريق نظام
بحيث دفع ذلك إلى القول َ
مركزي إلصدار الق اررات ،وخلق تقسيم للعمل بين األمم يناظر تقسيم العمل الموجود بين مستويات مختلفة من
الجماعات داخل المجتمع الواحد ،فتبلورت فكرة مفادها وجود نسق سياسي عالمي جديد يحمي الرأسمالية العالمية،
ولقد صاحب ظهور الشركات متعددة الجنسيات واتساع نشاطها على مستوى العالم ،صاحب ذلك ظهور سوق عالمي
أيضا ،وخلق طبقة رأسمالية عالمية لديها وعي عالمي تستمده من األساس الذي تسيطر عليه على مستوى العالم ،كما
أن روابط قوية تظهر بين رأس المال هنا وهناك من اجل إقامة بناء فوقي للنظام العالمي.
َ
-1عبد الخالق عبد هللا ،العالم المعاصر والصراعات الدولية ،مرجع سابق ،ص .05
-2عبد الخالق عبد هللا ،نفس المرجع ،ص .02-07
22
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
إن أبرز ظواهر النظام المنشود هي محاولة إسقاط نظام غربي من القيم والمعايير واألنماط الثقافية والسياسية َ
واالجتماعية واالقتصادية على العالم تمهيدا لعولمته ،ويعتقد البعض َأنه إذا ما تم اعتبار العالم وحدة إقتصادية واحدة
فإن مركزها سيتكون من مجموعة من المناطق المتقدمة التي تسيطر على عملية تراكم رأس المال باختالف مستويات َ
تطورها االقتصادي ،فتتكامل الصورة التي يتخذها النظام العالمي المعولم على وفق الهيئة التي يوضحها الشكل رقم
()1
(.)7.2
النرويج سويسرا
الواليات
كندا المتحدة اليابان
إيطاليا
األمريكية
بريطانيا هولندا
البرتغال بلجيكا
▲ اإلمبرياليات الفرعية البرازيل والمكسيك ،وهي عبارة عن دول رأسمالية متخلفة تربطها بإمبرياليات المركز
عالتقات وثيقة.
● الدول الصناعية الجديد.
○ دول العالم الثالث.
المصدر :هذا الشكل أصال لبول سويزي ،وأضفنا إليه القنوات التي توضح مؤسسات اإلتقتصاد في ظل العولمة كما
أضفنا الدول الصناعية الجديدة.
-1أسامة عبد الرحمان ،تنمية التخلف وإدارة التنمية :إدارة التنمية في الوطن العربي والنظام العالمي الجديد ،مركز دراسات الوحدة
العربية ،بيروت ،7991ص .707
666
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
Keneci Ohmaeفي كتابه (نهاية الدولة القومية وبزوغ االقتصاديات ويذهب المفكر كينشي أوهماي
()1
أن قدرة هذه الشركات بأن الشركات لها إمكانية التأثير في سيادة الدول مقيما برهانه على أساس َ
اإلقليمية) إلى القول َ
وحجمها ،قياسا بحجم اإلقتصـاد الذي تعمل وتؤثر فيه ،فالـدولة حسب اوهماي لم تعد سوى قوى قزمية ،بل ربما َإنها
عادت إلى أصلها الذي بدأت به في المرحلة التجارية ،وبدت الدولة في ظل العولمة تعوزها الكفاءة بعد أن ظهرت
مظاهر التحلل فيها من الناحية اإلقتصادية تحت وطأة مهاجمتها بمجموعة من المتغيرات كالمواجهة بديناميكيات
المصلحة الفردية ،ثورة المعلومات ،الخيارات االستهالكية ،تجليات رأس المال ،تزايد المطالب الشعبية ،وتقييدها
باألمور السياسية ،كل هذه المتغيرات جعلت الدولة أقل استجابة للتحديات الجديدة ،فلم تعد الدول كوحدات سياسية
أن الدولة ال تزال
يفرض المنطق بقائها كوحدات مرسومة على خريطة حديثة للنشاط االقتصادي وعلى الرغم من َ
أن قدرتها في وضع المجريات العالمية في مقدمة
"العبا" على الساحة الدولية (من وجهة نظر العالقات الدولية) إال َ
الق اررات التي تتخذها قد تضاءلت.
أن القضية األساسية بالنسبة للدولة القومية كانت وال تزال قضية السيادة الوطنية ،وحماية
ويذهب أوهماي إلى َ
فإن المناطق اإلقتصادية
األرض والموارد والوظائف والصناعات والثقافة واأليديولوجيا ،وبالنسبة لعالم بال حدود َ
إن
مناطقية Regional Stateتعتبـر محـدودة الحجم جغرافياً ،إالَ َأنها ضخمة اقتصادياًَ .
َ يسميها دوالً
الطبيعية التي َ
فإنه راجع إلى الصدفة التاريخية ،فالدولة إذ
المناطقية قد تقع أو ال تقع داخل حدود دولة معينة ،وان كان َ
َ هذه الدول
تواجه ضعفا في قدرتها على التحكم في اإلقتصاد بالشكل الذي يضيف عليها هامش الخيار االقتصادي الذي بات
مناطقية موجودة داخل الدول األصلية أو مؤسسات دولية خارجها ،بحيث باتت
َ يفرضه أناس أو شركات أو دول
إن الشركات المسئولة عن إنتاج السلع والخدمات تفتقر إلى الهوية
الدولة محض خيال يفتقد كثي ار صور الماضيَ .
لحرية قومية لم تكن موجودة إالَ في ظل العولمة.
إن النشاط االقتصادي بات كله يحمل هوية َ
القومية ،بل َ
القومية ومصلحة الشركات متعددة الجنسيات ،فاألخيرة هي خط الدفاع األول في مواجهة الشركات األجنبية العمالقة
في المنافسة الدولية ،إذاً فالعالقة بين الدولة الرأسمالية المتقدمة وشركاتها متعددة الجنسية عالقة حميمة تدعمها
اعتبارات عديدة أهمها(:)1
-حاجة الشركات إلى استقرار اجتماعي وسياسي في البلد الذي تعمل فيه.
أن جميع الشركات تقريبـا في الواقع مؤسسات تنشط على نطـاق عالمي ،نطاق الرأسمالية لنظام عالمي، َ -
فالشركات والرأسمالية معا تعتمد على وجود الدولة القومية التي يمكن أن تلعب دو ار فاعال ومعب ار عن
المصالح المشتركة لجميع الشركات ،وضمان بقاء الرأسمالية كنظام.
-كلما ازداد صراع الشركات متعددة الجنسيات فيما بينها من أجل السيطرة على السوق تزداد حاجتها لالعتماد
على الدعم من جانب الدولة ،فـ"الدعم المالي والتدخل الحكومي" ضروريان لدعم الشركات المحلية التي
تهددها الشركات األقوى واألكبر.
أما الدولة في العالم الثالث بسماتها وخصائصها وفقدانها اآلليات المناسبة والالزمة لتفعيل دورها جعلها تفتقر إلى
أن الدولة في العالم
الحس الذي به تمارس الدولة المتقدمة صيانة البناء الرأسمالي ،وتشير بعض األطروحات إلى َ
أن الدولة في العالم
الثالث سوف تنهار وتختفي ،فيشير في هذا الصدد مولر وبارنيت Barnet and Mullerإلى َ
الثالث في طريقها إلى االنهيار ،رغم والدتها القريبة ،تحت وطأة تصاعد قوة الدولة اإلمبريالية والقوة السياسية
والعسكرية الغاشمة ،وتحت سطوة الشركات متعددة الجنسيات التي تمثل أداة اإلمبريالية لالعتداء على السيادة وتدمير
الدولة في العالم الثالث(.)2
إ َن ميزان القوى اإلقتصادية بين الدولة في العالم الثالث والشركات متعددة الجنسية في صالح األخيرة ،وهي مقولة
ليست جديدة ،فطبقا للمداخل التقليدية لتصوير طبيعة توازن القوى التي تحكم العالقة بين الدولة والشركات متعددة
أن هذه المداخل تذهب إلى القول برجحان قوة الشركات متعددة الجنسيات من حيث الموارد الجنسية ،نجد َ
أن الدولة أقوى بحكم حق مزاولة السيادة المطلقة وسلطة التشريع والرقابة واصدار
اإلقتصادية ،في مقابل حقيقة َ
الق اررات ،أي الموارد السياسية للقوة عامة ،كما يذهب البعض إلى القول بعدم جدوى هذا المدخل ،ويقترحون نموذجا
آخر معتمدين فيه على مقولة ميزان القوى نفسها الذي يتحدد عندهم بأربعة متغيرات وهي:
-1أسامة عبد الرحمان ،تنمية التخلف وإدارة التنمية :إدارة التنمية في الوطن العربي والنظام العالمي الجديد ،مرجع سابق ،ص .702
2
- Ronald E.Muller and Richard J Barnet, global Reach: The Power of The National Corporation, Simon
and Schuster, new York, 1974.
666
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
-قدرة الدولة المضيفة على مقاومة التوترات السياسية الدولية الناشئة عن منازعات االستثمار.
-درجة عدم مناعة أصول وعوائد الشركة إزاء معاملة غير مواتية.
وعلى أساس هذه المتغيرات يتم التمييز بين أربع مراحل أساسية هي عصر قوة المستثمر أو الشركات متعددة
الجنسيات ويمتد حتى الستينيات ،وعصر نجاح وقوة البالد المضيفة نتيجة تجمعها معا (كبلدان أوبيك) وأخي ار تحول
ميزان القوى من جديد لصالح الشركات متعددة الجنسية التي تتأتى نتيجة تصاعد قدرة الشركات على فرض عقوبات
إقتصادية على بالد بعينها ،وبناء أحالف فوق قومية بين مختلف الشركات لمنع تسويق أو تمويل المشروعـات التي
تتعرض للتأميم والمصـادرة ،وبفضل الثورة العلمية والتكنولوجيـة توفرت إستراتيجية جديدة ،ومكنت من استحداث تجارة
التكنولوجيا على نطاق واسع.
ولعل أبرز المتغيرات المضافة لقوة الشركات هي نجاحها في إقرار اتفاقية االستثمار الدولية ،وقبل هذا أو ذاك
يؤمنه صندوق النقد الدولي من ضمانات لنشاطها ،أو تلك األطر المستحدثة في ظل منظمة التجارة تمتعها بما َ
العالمية واتفاقية أورغواي ،فأصبـح ميزان القوى الحالي بيـن الدولة في العالم الثالث بما تمتلكه من وسائل )وسياسات
مالية ونقدية وحقوق السيادة الذاتية( وبين الشركات متعددة الجنسيات راجحاً لصالح األخيرة ،وليس مصادفة أن
يتزامن عصر تحول ميزان القوى لصالح المستثمر مع تصاعد صيحات العولمة ،فثمة عالقة بين األمرين واال كيف
لنا أن نفسر ذلك؟.
إن الشركات متعددة الجنسيات تهدد الكيانات القومية وبخاصة الكيانات األضعف غير ذات التاريخ السياسي
َ
والثقافي العميق الجذور ،ومنذ أن افتضح دور الشركة T.T.Iفي إسقاط حكومة شيلي عام 7917تزايد القلق من
التدخل السياسي المباشر لهذه الشركات في الشؤون الداخلية ،ولم يعد التركيز على مشكالت التدخل الظاهر والمستتر
في إسقاط أو إنجاح هذه الحكومة أو تلك( ،)1فما يمكن أن تهدده هذه الشركات في داخل كل دولة ليس قمتها وا َنما
التهديد يكمن في مجاالت عمل السياسة اإلقتصادية ،فشعارات الخصخصة والليبرالية والسوق الواحدة ورفع القيود
الجمركية كلها مرتكزات نظرية لتبرير نظام اقتصادي تكون الشركات فيه العباً وحكماً في نفس الوقت.
-1رسالن شرف الدين ،موتقع الدولة الوطنية في ظل النظام العالمي الجديد ،مجلة بحوث عربية ،العدد ،4-0دار الطليعة ،بيروت،
،7998ص .50
666
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
الدولية.
َ االقتصادية
َ المؤسسات
المطلب الثالث :دور الدولة في العالم الثالث و َ
إن تلك الوصفات التي يصفها خبراء ومستشارو صندوق النقد الدولي لدول العالم الثالث والمبنية أساسا – كما َ
أوضحنا سابقا -على النهج النيوكالسيكي والتي تعتمد على:
-استبعاد الدولة من الساحة اإلقتصادية وحصر مهمتها على تنفيذ اإلصالح االقتصادي مستعينة بقدرتها
الذاتية كجهاز يحتكر استخدام العنف في المجتمع.
-ربط الهياكل اإلقتصادية المحليـة بالسـوق العالمية عن طريق حـزمة مـن اإلجـ ارءات تخص العملة ،والحواجز
الجمركية ،وحركة رؤوس األموال ،والرقابة الحكومية.
فهي في هذا المجال تخضع هذه اإلجراءات إلى إعادة ترتيب "دور الدولة السياسي" من مؤسسة حامية لمكاسب
المجتمع المدني إلى جهاز منفذ لمتطلبات عالمية تترجم اقتصاديا بتعدي المصالح الوطنية ،وفسح المجال للشركات
متعددة الجنسيات بما يسهل عملها وحركتها(.)1
أما منظمة التجارة العالمية فهي تواجه تحديا أساسيا عندما تريد التعامل مع مسائل خاصة ،مثل حقوق العمال َ
ألن المنظمة
وحماية البيئة وقيود االستثمار األجنبي وقواعد االحتكار والمنافسة ،كلها مسائل مثيرة للجدل السياسي َ
داخلية ،وال يمكن إيجاد الحلول لها بسهولة ويكمن اإلشكال األساسي
تدخل في ال َسياسة ال َ
تواجه ما تعتبره الحكومات َ
التعديات على السيادة الوطنية
بالنسبة للمنظمة في محاولتها الموازنة بين التدخل في السياسات الداخلية وبين تفادي َ
للدول(.)2
أن مجموعة الدول السبع فقد طرحها البعض كإحدى المؤسسات المرشحة ألخذ "وظيفة الدولة" فهي وكما كما َ
أن هذه المؤسسة وان شكلت كتلة إقليمية ضخمة
أشرنا ال تعد إال تكريسا لمفهوم الدولة في وحدات أكبر وأقوى ،كما َ
تحت قيادة مؤسسة جديدة هي مؤتمرات الدول السبع G7فهي خاضعة لصياغات تناسب ميزان القوى داخلها لصالح
الواليات المتحدة ،وهذه المؤسسة ال يمكنها أن تكون بأي حال من األحوال بنية فوقية (إطار سياسي وقانوني وثقافي)
يحظى بالشعبية المناسبة لتحقيق المساعي الحقيقية للنظام الدولي الجديد الذي يستهدف حماية رأس المال المسيطر
على العالم.
أن المنظمات العالمية وبخاصة األمم المتحدة وهيئاتها هي بداية فإنه قد يشار إلى َ
ومادمنا ذكرنا البناء الفوقي َ
أن السلسلة الطويـلة من المؤتمـرات التي نظمتها األمم المتحدة ،اتخذت
لتكويـن مثل هذه البنية ،بـل قد يشار أيضا إلى َ
فيها السياسات الوطنية أبعادا دولية متزايدة التأثير بحيث أخذ يتبلور فيما يمكن أن يكون تنسيقا حكوميا على المستوى
1
- Ronald E.Muller and Richard J Barnet, global Reach: The Power of The National Corporation, op
cit,1974.
2
- Ronald E.Muller and Richard J Barnet, op cit, 1974.
666
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
العالمي ،وفي دراسة أعدتها األمم المتحدة 7990قدمت برنامجا موضحا للسبل التي يمكن من خاللها تحقيق إدارة
شمولية مثلى للعالم ،Governance Globalوكان جوهر هذا البرنامج قائما على إصالح مجلس األمن الدولي
التابع لألمم المتحدة ،وخلق مجلس األمن االقتصادي كمؤسسة تكمل عمل مجلس األمن الدولي ،إضافة إلى جعل
منظمة األمم المتحدة أكثر ديمقراطية وأكثر قدرة على أخذ زمام المبادرة على المستوى العالمي(.)1
أن وظائفها قد تقلصت بواسطة اتجاهات "العولمة الرغم من "استقاللية الدولة" إالَ َ
وخالصة القول َأنه ب َ
ومؤسساتها" ،كما َأنه لم يظهر حتى اآلن بديل مناسب يحل عن الدولة ويكون بمثابة الوحدة األساسية في العالقات
الدولية مثلما هي الدولة في التعامل مع المتغيرات العالمية ،فالدولة هي التجسيد الحقيقي والهدف األسمى لفكرة
االنتماء القومي بأشكاله المختلفة ولعل أبرز مكونين للدولة (الهوية والشرعية) وهما مفقودان على صعيد ما فوق
الدولة أو الصعيد العالمي ،وما ازلت الدولة قادرة –بصرف النظر عن الحسابات اإلقتصادية التقليدية– على عرقلة
التفاعالت الحاصلة عبرها على الصعيد العالمي.
والنمط المقترح "للدولة في ظل العولمة" هو نمط "الدولية االنفتاحية" وهو نمط جديد من الدولة يقوم على فكرتين
أساسيتين ،األولى :إلغاء القيود مع السوق العالمية ،وهذه السياسة تتعارض مع مبدأ الحماية الذاتية التي كانت أحد
أهم شروط نجاح اقتصاد التخطيط ،أما الفكرة الثانية فهي :تحرير الدولة من االلتزامات االجتماعية والوطنية سواء
تلك المتعلقة بمفهوم العدالة االجتماعية أو تلك المتعلقة بمفهوم التنمية المستقلة وقضية فك االرتباط(.)2
إن هذا النمط يستهدف إذاً تحرير العالقات اإلقتصادية والتجارية ،أو باألحرى رفع أو تخفيف القيود القانونية
َ
واألخالقية واالجتماعية عن مالكي رأس المال المحليين واألجانب في سبيل دفعهم إلى المشاركة في االستثمار وتنظيم
الفوائد اإلقتصادية وتحقيق االندماج "الوهمي" في السوق العالمية.
ويختلف هذا النمط من الدولة عن نمط الدولة الرخوة ،state softالذي يشير إلى استعداد معظم حكومات دول
العالم الثالث للفساد ،وتجاهل حكم القانون ،وتغيب مصالح أفرادها الخاصة على المصلحة العامة ،أما نمط الدولة
االنفتاحية فهو يعيد بلورة برنامج الدولة السياسي على أساس توفير الشروط المثلى لخلق نمط من التنمية اإلقتصادية،
1
- Ronald E.Muller and Richard J Barnet, op cit, 1974.
يؤكد المدير العام لصندوق النقد الدولي ميشيل كامديسو ،بأنه على تقادة العالم أن يتقبلوا فكرة الحكومة العالمية تقبل أن يتوتقعوا تقيام
المؤسسات الدولية وتكريس الوتقت الالزم لممارسة سلطاتها على المستوى الدولي.
-2رسالن شرف الدين ،موتقع الدولة الوطنية في ظل النظام العالمي الجديد ،مرجع سابق ،ص .54
666
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
أن اإلخفاق في تحقيق المشروع التنموي المعتمد على حماية األسواق الداخلية وبناء اقتصاد مستقل (نسبيا)
إذ َ
ألنها
وتحقيـق تنمية مستقلة (بمعنى التمركز على الذات) التي تقتضي قد ار من التضحية مـن جانب المستهلكينَ ،
تتصل بفرض قيود ثقيلة على االستيراد لتوفير الحماية الجمركية المناسبة للسلع المحلية وعلى تداول العمالت
رسخ االعتقاد بأمثلية وأفضلية النموذج المناقض
األجنبية وقيود مالية أخرى على التحويالت األجنبية ،هذا اإلخفاق َ
أي المعتمد على ربط اإلقتصاد الوطني باالقتصاد العالمي ،والشركات متعددة الجنسيات واالستثمارات األجنبية ورفع
القيود السابقة.
بأنها سوف تعيد الحيوية فيإن جوهر االنفتاحية يعني باألساس إطالق قوى السوق أكثر ما يمكن إيمانا َ َ
بالحرية بالمعنى السياسي أو األخالقي ،واالنفتاحية بعكس ما تشير
َ النشاطات اإلقتصادية المتراجعة ،وليس له عالقة
إليه الدعاية الخارجية ،قد ترافق منذ البداية بتشديد قبضة الدولة على الحياة السياسية واالجتماعية ،وتوسيع دائرة
ممارستها للعنف االقتصادي (تمي از عن الصيغ المعروفة من العنف).
ونمط الدولة االنفتـاحية يختلف عن نمط الدولة الوطنية التي تطمـح إلى تحقيق هيمنتها عـلى شروط التراكم ،بل
أن نمو اإلقتصاد بالمقاييس الكمية هو المحرك األساسي للتقدم ،وا َن هذا النمو يحتاج إلى ضمان حرية
هي تؤمن َ
واسعة ألصحاب رؤوس األموال من كل الجنسيات ،كما قد يحتاج إلى تقييد كامل لحركة القوى االجتماعية التي تهدد
أصحاب المصالح ورؤوس األموال ،والنتيجة هي وضع الدولة في خدمة أصحاب هذه المصالح والغاء أي وسيلة
للحفاظ على التوازن العام ،وتتمثَل مهمة الدولة االنفتاحية في تسليم المجتمع واالقتصاد للقوى الرأسمالية العالمية(.)1
أن ما نعيشه اليوم في ظل العولمة ،هو بداية تاريخية النحطاط الدولة وفسادهاوأخي ار ينبغي أن نشير إلى َ
الشامل واالنتقال لنمط جديد من الدولة.
ال يمكن إرجاع األزمات المالية إلى سبب واحد أو سببين ،فهناك جملة من األسباب تتضافر في آن واحد
إلحداث أزمة مالية ،ويمكن تلخيص أهم هذه األسباب فيما يلي
إن أحد أهم مصادر األزمات الخارجية هو التقلبات في شروط التبادل التجاري ،فعندما تنخفض شروط التجارة
خصوصا خدمة
ً يصعب على عمالء البنوك المشتغلين بنشاطات ذات العالقة بالتصدير واالستيراد الوفاء بالتزاماتهم
من الدول النامية التي حدث بها أزمة مالية ،شهدت الديون ،وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن حوالي
ئيسيا
سببا ر ً
قبل حدوث األزمة وشكل انخفاض شروط التجارة ً انخفاضا في شروط التبادل التجاري بحوالي
لألزمة المالية في حالة كل من فنزويال واأليكوادور ،حيث االعتماد الكبير على صادرات النفط الخام مع صغر حجم
االقتصاد وقلة تنوعه
وتعتبر التقلبـات في أسعـار الفائدة العالمية أحد المصادر الخارجية المسببة لألزمات المالية في الدول النامية،
عالميا ال تؤثر فقط على تكلفة االقتراض بل األهم من ذلك أنها تؤثر على تدفقات
ً فالتغيرات الكبيرة في أسعار الفائدة
االستثمار األجنبي المباشر إلى الدول النامية ودرجة جاذبيتها
من تدفقات رؤوس األموال من والى الدول النامية خالل حقبة التسعينات ،كان - ويقدر أ َن ما بين
َ
عالميا
ً سببها المباشر التقلبات في أسعار الفائدة
كما تعتبر التقلبات في أسعار الصرف الحقيقية المصدر الثالث من مصادر االضطرابات على مستوى االقتصاد
مباشر أو غير مباشر لحدوث العديد من األزمات المالية ،وأكدت دراسات مختلفة على هذه
ًا سببا
الكلي والتي كانت ً
دولة نامية في أمريكا الجنوبية قد عانت من اضطرابات في أسعار الصرف الحقيقية بمعدل الحقيقة ،وأظهرت أن
أعلى من أي إقليم في العالم بما في ذلك دول جنوب شرق آسيا ،وذكرت الدراسة أ َن وقوع األزمات المالية حدث
-1محمد لخضر بن حسين ،األزمات االتقتصادية ،فعلها ووظائفها في البلدان الرأسمالية المتطورة والبلدان النامية ،ترجمة أحمين شفير،
المعهد الوطني للثقافة العمالية وبحوث العمل ،الجزائر ،7990 ،ص .14 -10
665
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
ارتفاع حاد في أسعار الصرف الحقيقية كأحد آثار ارتفاع األرباح في قطاع التجارة الخارجية أو ارتفاع أسعار الفائدة
المحلية). (1
شكل التوسع في منح االئتمان وتدفقات كبيرة لرؤوس األموال من الخارج وانهيار أسواق األوراق المالية القاسم
المشترك الذي سبق حدوث األزمات المالية في حالة دول جنوب شرق آسيا ،فلقد شهد القطاع المالي في تلك الدول
توسعا كبي اًر ،تواكب مع االنفتاح االقتصادي والتجاري والتحرر المالي غير
ً خالل حقبة الثمانينيات والتسعينيات
الوقائي وغير الحذر بعد سنوات من االنغالق وسياسات الكبت المالي بما في ذلك ضغط االقتراض وصغر حجم
ودور القطاع المالي في االقتصاد ،فلقد عانت تلك الدول من عدم التهيئة الكافية للقطاع المالي وضعف واضح في
األطر المؤسسية والقانونية والتنظيمية
فمن ناحية ،أدى التوسع في منح االئتمان إلى حدوث ظاهرة تركز االئتمان سواء في نوع معين من القروض
مثل القروض االستهالكية أو العقارية كما في حالة األزمة المالية في كوريا الجنوبية أو لقطاع واحد كالقطاع
الحكومي أو الصناعي أو التجاري كما حدث في حالة األزمة المالية في تايالند .ومن األمور التقليدية في جميع
األزمات المالية التي شهدتها الدول النامية ،حصول انتعاش كبير في منح القروض ،ولم تقتصر هذه الظاهرة على
أيضا الدول الصناعية مثل فنلندا والنرويج والسويد واليابان والواليات المتحدة).(3
الدول النامية فحسب بل شملت ً
كما كانت انتكاسة سوق األوراق المالية هي القاسم المشترك في العديد من األزمات المصرفية في الدول النامية،
وكانت االنتكـاسة أكبر في الدول النـامية مقـارنة بالدول الصناعية خـالل حقبة الثمانينيات والتسعينيات ،ودلت دراسة
إ َن من الدالالت الظاهرة والقوية التي تسبق حدوث األزمات المالية انهيار سوق األوراق المالية Mishkin
بصورة متكررة كما حدث في فنزويال في بداية التسعينيات).(4
-1منير إبراهيم هندي،األوراق المالية و أسواق رأس المال ،توزيع منشأة المعارف اإلسكندرية ،مصر ،7991 ،ص . 150- 152
-2الصافي وليد أحمد ،سوق األوراق المالية ودورها في التنمية االتقتصادية ،رسالة ماجستير علوم اتقتصادية ،معهد العلوم االتقتصادية،
الجزائر ،7991 ،ص .700 – 704
-3دونالد ماشيسون ،األزمات المالية في األسواق الناشئة ،مجلة التمويل والتنمية ،FMI ،المجلد ،36العدد ،3جوان ،1999ص .29
-4محمد لخضر بن حسين ،األزمات االتقتصادية ،فعلها ووظائفها في البلدان الرأسمالية المتطورة والبلدان النامية ،مرجع سابق ،ص .80
667
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
إن التحرير المتسارع غير الحذر وغير الوقائي للسوق المالي بعد فترة كبيرة من االنغالق والتقييد قد يؤدي إلى
َ
حدوث األزمات المالية ،فمثال ًًعند تحرير أسعار الفائدة فإن المصارف المحلية تفقد الحماية التي كانت تتمتع بها
فإن تجارب الدول النامية دلت على اضطرابات في أسعار الفائدة المحلية بعدوعموماَ ،
ً في ظل تقييد أسعار الفائدة.
خصوصا خالل المرحلة االنتقالية
ً انتهاج أسلوب التحرر المالي
خصوصا
ً أيضا مع التوسع في منح االئتمان والذي بدوره يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة المحلية
ويترافق ذلك ً
فإن التحرر
في القروض العقـارية أو القـروض المخصصة لالستثمار في سوق األوراق المالية ،ومن ناحية أخرىَ ،
المالي يؤدي إلى استحداث مخاطر ائتمانية جديدة للمصارف والقطاع المالي قد ال يستطيع العاملون في المصارف
تقييمها والتعامل معها بحذر ووقاية ،كما أ َن التحرر المالي يعني دخول مصارف أخرى إلى السوق المالي مما يزيد
الضغوط التنافسية على المصارف المحلية ال سيما في أنشطة ائتمانية غير مهيأة لها وقبول أنواع جديدة من
فإن المصارف قد الالمخاطر قد ال يتحملها المصرف ،وبدون اإلعداد والتهيئة الرقابية الالزمة قبل التحرر المالي َ
تتوفر لهـا الموارد أو الخبـرات الالزمة للتعامل مع هذه النشاطات والمخاطر الجديدة .ومن األزمات المالية التي ساهم
التحرر المالي غير الوقائي وغير الحذر في حدوثها ،نذكر األزمات المالية فـي الب ارزيل وتشيلي واندونيسيا والمكسيك
وفنزويال وبعض الـدول اإلسكندنافية وكذلك الواليات المتحدة ،فقد أظهرت الدراسات َأنه من بين عينة من 25أزمة
مالية كانت 18منها قد حدثت في غضون السنوات الخمسة األولى من عملية التحرر المالي والتي اتخذت مظاهر
مثل ارتفاع أسعار الفائدة المحلية الحقيقية وارتفاع في قيمة المضاعف المالي وهي جميعها عالمات دالة على حدوث
األزمات المالية).(1
من المظاهر المشتركة لألزمات المالية في العديد من الدول النامية كان الدور الكبير للدولة في العمليات
خصوصا في عملية تخصيص القروض االئتمانية ،وفي كثير من األحيان كانت الحكومة تقوم بتوزيع ً المصرفية
الموارد المالية المتاحة على قطاعات اقتصادية أو أقاليم جغرافية بعينها في إطار خطة لتنمية تلك األقاليم والقطاعات
أو لخدمة أغراض أخرى قد تكون سياسية بالدرجة األولى وليست اقتصادية).(2
وفي الدول العربية ،ال يزال القطاع المصرفي في كثير منها مملو ًكا للدولة بما يتبع ذلك من مشاكل من حيث
انخفاض اإلنتاجية وقلة الكفاءة والحافـز على اإلبداع ،وفـي أحيان كثيرة يعـاني القطـاع المصرفي من احتكار الحكومة
-1منير إبراهيم هندي ،األوراق المالية وأسواق رأس المال ،مرجع سابق ،ص .159-158
-2محمد لخضر بن حسين ،نفس المرجع ،ص .97
662
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
لنشاطاته ،وقد أدى هذا الوضع إلى حصول األفراد ذوي النفوذ واالتصاالت الواسعة مع الحكومة على القروض
واالئتمان دون األخذ في االعتبار سالمة المشروع االستثماري أو القدرة المالية للمقترض.
تعاني معظم الدول التي تعرضت ألزمات مالية من الضعف في النظام واإلجراءات المحاسبية المتبعة ودرجة
خصوصا فيما يتعلق بالديون المعدومة ونسبتها في محفظة المصرف االئتمانية ،كما تعاني
ً اإلفصاح عن المعلومات
المقدمة
من ضعف النظام القانوني المساند للعمليات المصرفية وعدم االلتزام بالقانون الخاص بالحد األقصى للقروض َ
لمقترض واحد ونسبتها من رأس مال المصرف ،وتظهر الدراسات المتعلقة بالدول التي تعرضت ألزمات مالية َأنه في
مباشر في حدوث األزمة ،حيث يؤدي
ًا سببا
أكثر من 28دولة تعرضت منها ،كان نقص الرقابة المصرفية الفعالة ً
نقص الرقابة إلى التقييم غير الدقيق وغير الكافي للمخاطر االئتمانية وتركيز المخاطر في مجال واحد كالتوسع في
منح القروض العقارية واالستهالكية ،كما حدث في األزمة الكورية).(2
يالحظ أن الدول التي انتهجت سياسة سعر الصرف الثابت كانت أكثر عرضة للصدمات الخارجية ،ففي ظل
مثل هذا النظام يصعب على السلطات النقدية أن تقوم بدور مصرف المالذ األخير لالقتراض بالعمالت األجنبية
أن ذلك يعني فقدان السلطات النقدية الحتياطاتها من النقد األجنبي وحدوث أزمة العملة ،مثال حالة المكسيك
حيث َ
واألرجنتين ،وقد تمخض عن أزمة العملة ظهور العجز في ميزان المدفوعات ومن ثم نقص في عرض النقود وارتفاع
أسعار الفائدة المحلية مما يزيد من الضغوط وتفاقم حدة األزمة المالية على القطاع المصرفي).(4
1
- Aglietta M, Macroéconomie financière - Tome 2 - Crises financières et régulation monétaire, La
Découverte, 1995-2005, p 31.
-2دونالد ماشيسون ،األزمات المالية في األسواق الناشئة ،مرجع سابق ،ص .29
-3عرفات تقي الحسني ،التمويل الدولي ،دار مجدالوي للنشر عمان ،األردن ،1999 ،ص .255
-4دونالد ماشيسون ،نفس المرجع ،ص .05
666
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
تطرح في األدبيات االقتصادية والتجارب العملية جملة من السياسات الهادفة إلى تقليل احتمال حدوث األزمات
المالية منها):(2
-االستعداد والتحضير الكافي لحاالت االنتكاس في األسواق المالية والرواج المتزايد في منح االئتمان المصرفي
وتوسع الدور المالي للقطاع الخاص ،وذلك عن طريق استخدام السياسات المالية والنقدية التي تستطيع أن تتعامل مع
تلك المشاكل من جهة وتصميم نظام رقابة مصرفي يقوم بتعديل وتقليل درجة التقلبات وتركيز المخاطرة في منح
االئتمان من جهة أخرى
خصوصا في األسواق
ً -التقليل من حاالت عدم المالئمة وذلك من خالل آلية لتنظيم العمليات المصرفية و
الناشئة ،وقد يكون ذلك عن طريق فرض احتياطي قانوني عالي خالل الفترات العادية (استخدام أدوات السياسة
النقدية غير المباشرة ويمكن تقليله في حاالت احتياج المصرف للسيولة في حاالت األزمات ،واالستعداد أيضا
لمواجهة األزمات من خالل االحتفاظ باحتياطات كافية من النقد األجنبي
-االستعداد الجيد والتهيئة الكاملة قبل تحرير السوق المالي استخـدام األدوات غير المبـاشرة للسياسة النقدية،
تعميق السوق المالي ،زيادة الرقابة المصرفية واتباع المعايير الدولية كمعيار لجنة بازل لكفاية رأس المال( ،كما
المؤسسية والتنظيمية للقطاع المصرفي
يفترض العمل على تطوير وتعديل األطر القانونية و َ
-تقليص دور الدولة في القطاع المصرفي والتقليل من القروض الموجهة من الحكومة مع إعادة هيكلة القطاع،
وقد يكون السبيل لذلك هو الحث والتحفيز على تقليص دور الدولة من خالل برنامج لخصخصة القطاع المصرفي
-تقوية وتدعيم النظام المحاسبي والقانوني وزيادة الشفافية واإلفصاح عن نسبة الديون المعدومة من جملة أصول
المصرف والقطاع المصرفي والمالي
1
- Prager JC Et Villeroy de Galhau F, 1es leçons sur la politique économique, Seuil, 2003, Chapitre 17,
p181.
-2فريد النجار ،البورصات و الهندسة المالية ،مؤسسة شباب الجامعة للنشر ،القاهرة ،7999 – 7998 ،ص .10
666
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
-تحسين نظام الحوافز لمالك المصارف واداراتها العليا بما يخدم ويعزز نشاطات المصارف بحيث يتحمل كل
طرف نتائج ق ارراته على سالمة أصول وأعمال المصرف
-منع وعزل آثار سياسة سعر الصرف المعمول بها من التأثير السلبي على أعمال المصرف أو التهديد بإحداث
أزمة في القطاع المصرفي
-إعطاء استقاللية أكبر للمصارف المركزية ،بمعنى منع التدخل الحكومي عند قيام المصرف المركزي بأداء
وظيفته األساسية وهي تنفيذ السياسة النقدية بحيث تقوم تلك األخيرة على أساس اقتصادي وال تتدخل أغراض السياسة
المالية فيها
-زيادة التنافس في السوق المالي وذلك عن طريق فتح المجال لمصارف جديدة سواء محلية أو أجنبية والحد من
انتشار احتكار القلة
-رفع الحد األقصى لرأس المال المدفوع والمصرح به حتى تستطيع المصارف تلبية التزاماتها الحاضرة
والمستقبلية في عالم تتسم فيه عمليات انتقال رؤوس األموال بسرعة فائقة
-الرقابة الوقائية واستخدام طرق أفضل من مراقبة وتتبع أعمال المصارف التجارية من منظور السالمة واألمن
لألصول المصرفية وزيادة المقدرة على التنبؤ بالكوارث واألزمات المصرفية قبل حدوثها ،وبالتالي الحد من آثارها
السلبية على الجهاز المصرفي حتى تستطيع السلطات النقدية الوقاية منها ومنع انتقالها إلى بنوك أخرى وهذه الطرق
تتضمن):(1
الكفاية الرأسمالية :تطبيق نسب الكفاية الرأسمالية بما يتفق مع اتفاقية لجنة بازل
في األردن، نسبة السيولة :تطبيق نسبة السيولة اإلجبارية ( مثـال ذلك %.6في مصر والسعودية26 ،
%06في المغرب).
التحفظ على القروض الرديئة :وذلك بتصنيف القروض حسب جودتها وفرض احتياطي أكبر على القروض
العالية المخاطر
سياسة توزيع األرباح :تدخل السلطات النقدية في هذه العملية مما يضمن سالمة أصول المصرف وأعماله
وفي نفس الوقت يحفظ حقوق المساهمين
منع حدوث ظاهرة التركيز االئتماني :وضع حد أعلى لمقدار القروض والتسهيالت االئتمانية التي يمنحها
المصرف لمقترض واحد
استحداث نظام تأمين الودائع :على غرار النظام المتبع في الواليات المتحدة وكندا وبريطانيا وذلك بتأمين حد
أعلى على الودائع (مثال في كندا 10آالف دوالر كحد أعلى على حساب الوديعة).
-حالة المكسيك
وهي أزمة تعتبر المكسيك من بين الدول التي تأثَرت بشكل كبير من مختلف األزمات وخاصة أزمة
مما أثَر على دور الدولة بشكل ملحوظ في
جداًَ ،
عولمة مالية الناتجة عن التطور الكبير في األسواق المالية والسريع َ
محاولة منها إلعادة التوازن للسوق المالي بصفة خاصة واالقتصاد بصفة عامة ويظهر دور الدولة في حالة المكسيك
من خالل):(1
-أدت سياسات اإلصالح االقتصادي التي طبقت خالل الفترة 1992-1999إلى انخفاض كبير في معدل
التضخم وتحسن ملحوظ في الموازنة العامة وميزان المدفوعات ،وقد ساهمت سياسة سعر الصرف المتبعة في تلك
الفترة بدرجة كبيرة في تخفيض معدل التضخم ،فبعد أن تم تثبيت سعر صرف البيسو مقابل الدوالر بين ديسمبر 1987
يجيا نظام سعر الصرف إلى نظام تميز بتحرك البيسو في نطاق محدد من % 61في
وجانفي ،1989تغير تدر ً
في آخر .1993 نوفمبر 1991إلى
افيا لمنع ارتفاع قيمة البيسو الحقيقية التي ارتفعت بحوالي 29
-لكن انخفـاض القيمة االسمية للعملة لم يكن كـ ً
%بين جانفي 1990وديسمبر 1993كنتيجة للتحسن االقتصادي ،وفي نفس الوقت ،ارتفع العجز في ميزان
1
- Calvo, Guillermo, Morris Goldstein and Eduard Hochreiter, “Private Capital Flows to Emerging
Markets After the Mexican Crisis”, Institute for International Economics, Washington, 1996, p 123.
666
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
من الناتج المحلي اإلجمالي المدفوعات ،وكان مصدره الرئيسي العجز في الميزان الجاري ،من حوالي
أن الزيادة في التدفقات
في 1990إلى 020في 1993ورغم هذا العجز الخارجي المتنامي في الميزان التجاري إال َ
مليار دوالر مع الرأسمالية إلى المكسيك أدت إلى ارتفاع كبير في احتياطي النقد األجنبي الذي وصل إلى
نهاية 1993ولقد لجأت السلطات النقدية المكسيكية إلى سياسة تعقيم التدفقات الرأسمالية وذلك بإصدار أذون خزانة
قصيرة المدى بالبيسو
-تسببت عدة عوامل من أهمها الزيادة الكبيرة في االئتمان المحلي والزيادة المطردة في النفقات العامة وبعض
االضطرابات السياسية وحوادث الشغب ،في ظهور ضغوط على البيسو خالل الربع الثاني من 1994فانخفض
االحتيـاطي األجنبي بين مـارس وجوان من 26.8إلى 16.9مليـار دوالر .ولمواجهة خـروج رؤوس األموال ،رفعت
السلطات النقدية أسعار الفائدة وسمحت للبيسو أن ينخفض إلى الحد األقصى المحدد في ذلك الوقت وهو حوالي
أيضا استبدلت السلطات النقدية نسبة كبيرة من أذون الخزانة
ً مقابل الدوالر ،وخالل النصف األول من
قصيرة المدى بالعملة المحلية بأخرى بالدوالر حيث وصلت نسبة هذه األخيرة التي كان يحملها القطاع الخاص إلى
من مجموع النوعين في شهر جويلية
-تزامن التدهور المستمر في الحساب الجاري واالضطرابات السياسية التي شهدتها المكسيك في بداية ديسمبر
مما أدى إلى خروج رؤوس األموال بأحجام كبيرة ،وفي منتصف 1994مع الضغوط المتزايدة على البيسوَ ،
ديسمبر 1994انخفض االحتياطي األجنبي إلى 10مليار دوالر وزاد الفرق بين أسعار الفائدة على أذون الخزانة
بالعملة المحلية وأسعار الفائدة على أذون الخزانة بالدوالر ،مما كان يشير بوضوح إلى توقعات انخفاض قيمة البيسو
في المستقبل القريب
)(1
1
- Calvo, Guillermo, Morris Goldstein and Eduard Hochreiter, “Private Capital Flows to Emerging
Markets After the Mexican Crisis”, op cit, p 124.
666
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
مخاوف المستثمرين في زيادة الضغوط على سعر الصرف ويوم 22ديسمبر 1994تبنت المكسيك نظام سعر
الصرف المرن
من قيمته ،كما ارتفعت أسعار الفائدة على -بين 20ديسمبر 1994و 3جانفي 1995فقد البيسو حوالي 30
في األسبوع الثاني من جانفي .1999 أذون الخزانة قصيرة المدى بالعملة المحلية إلى معدل سنوي يساوي
-حالة تايالندا
-تم في بداية 1984ربط العملة المحلية "البات" بسلة من عمالت أهم الشركاء التجاريين لتايالند ،وكان الدوالر
ابتداء
ً العملة الرئيسية في هذه السلة ،وقد شهدت تايالند زيادة ملحوظة في التدفقات الرأسمالية إلى الجهاز المصرفي
من ،1988واستجابة لإلصالحات االقتصادية التي قامت بها الحكومة خالل تلك الفترة والتحسن في األداء
ألن معدل التضخم في تايالند في بداية التسعينات كان أعلى من معـدل التضخمونظر َ
ًا االقتصادي الذي نجم عنها،
ونظر ألهمية الدوالر
ًا في اقتصاديـات أهم شركائها التجـاريين ،فقد ارتفع سعر الصرف الحقيقي "للبات" بدرجة كبيرة،
في سلة العمالت التي كان يتحدد على أساسها سعر صرف "البات" ،فقد أثرت التقلبات في سعر صرف الدوالر
مقابل الين والعمالت األوروبية على سعر الصرف الحقيقي "البات"
ابتداء من منتصف 1995إلى ارتفاع سعر الصرف الحقي في "البات" الذي تسبب بدوره
ً -أدى ارتفاع الدوالر
من الناتج المحلي اإلجمالي في في تدهور الحساب الجاري وميزان المدفوعات حيث وصل العجز فيه إلى
1996ومع نهاية 1996وبداية ،1997زادت مخاوف العمالء في السوق من تردي األوضاع االقتصادية في تايالند
حيث). (1
حدث تحول في الميزة النسبية في بعض القطاعات لصالح دول أخرى في جنوب شرق آسيا
-1أندريا بيكويز ،اآلثار اإلجتماعية ألزمة شرق آسيا ،مجلة التمويل والتنمية ،العدد ،7999 ،54ص .44
666
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
من صافي التدفقات الرأسمالية الخاصة إلى تايالند بين 1990و 1996كانت على شكل قروض
قصيرة المدى ،ولقد تحول التفاؤل األولي حول االقتصاد التايالندي الناتج عن المستوى العالي لالستثمارات
أن نسبة كبيرة من هذه االستثمارات كانت تتميز بالمخاطرة وتتوجه نحو نشاطات
إلى مخاوف عندما اتضح َ
ذات اإلنتاجية المنخفضة
-بدأ يظهر كذلك ضعف اإلطار التنظيمي والرقابي والقانوني للنظام المصرفي فزادت نسبة القروض وتركيزها
في القطاع العقاري واالستهالكي ،وقد تجاوز معدل النمو السنوي لالئتمان المحلي للقطاع الخاص بين 1993
و 1996بحوالي ، %.6كما تضاعفت نسبة إجمالي االئتمان إلى الناتج المحلي اإلجمالي ،وزادت المخاوف من
تعرض الجهاز المصرفي والمالي لدرجة كبيرة من المخاطرة بسبب االعتماد على االقتراض قصير المدى بالعمالت
األجنبية واإلقراض بالعملة المحلية ،ونتج عن هذه الطريقة في اإلدارة المصرفية عدم التالؤم والمطابقة في العمليات
المصرفية بالنسبة لفترات االستحقاق والعمالت األجنبية
-تزايدت ضغوط المضاربة على "البات" مع نهاية 1996واستمرت هذه الضغوط التي أدت إلى انخفاض سريع
في االحتياطي األجنبي حتى يوم 2جويلية ،1997عندما أعلنت السلطات النقدية التايالندية عن التحول إلى نظام
أن
سعر الصرف المـرن ،وطلبت مسـاعدة من صندوق النقد الدولي ،خـالل األشهر التي أعقبت تعويم "البات" ،ظهر َ
متوقعا ،وقد تأثرت العملة من هذه األوضاع،
ً المشاكل المالية التي كانت تواجهها المؤسسات المالية أسوأ مما كان
فبين نهاية 1996وسبتمبر 1997انخفض "البات" مقابل الدوالر بنسبة % 4.وأدى هذا االنخفاض إلى تفاقم أعباء
الديون الخارجية لكل من المؤسسات العامة والمؤسسات الخاصة المالية وغير المالية التي اقترضت بدرجة كبيرة
بالعمالت األجنبية
-بدأ البنك المركزي في تطبيق سياسة نقدية انكماشية متشددة ورفع أسعار الفائدة ،ولكن لم يتم ذلك إال بعد أن
انهار سعر العملة المحلية ،وكان توقيت هذا التوجه في السياسة النقدية غير مناسب حيث ازداد الوضع المالي
للشركات الخاصة المحلية سوءاً ،كما أدى االنكماش في االئتمان إلى انخفاض الناتج المحلي اإلجمالي ،وارتفاع نسبة
اإلفالس بين الشركات الخاصة باإلضافة إلى ارتفاع نسبة القروض المعدومة.
الراهنة.
المالية َ
َ المطلب الرابع :دور الدولة في ظل األزمة
أن
الحرة قادرة على ضبط نفسها ،إالَ َ
أن األسواق َلقد كان التفكير االقتصادي السائد خالل العقود الثالثة الماضية َ
أمنت هذه األزمة الفرصة لكثير
األزمة المالية الحالية قد أفقدت الثقة لدى الكثيرين من قادة العالم المتقدم أنفسهم ،وقد َ
بأن العالم يشهد نهاية الرأسمالية المتحررة،
من قادة العالم ومفكريه فرصة التعبير عن أرائهم التي انصبت فحواها َ
المالية إلى الدرجة التي وصفها أستاذ االقتصاد في جامعة هارفرد
َ وأخذت األصوات تتعالى بالنقد الشديد للرأسمالية
الدكتور كنيثر زغوف بأ َن االقتصاد الذي شهدته الواليـات المتحدة األمريكية باقتصـاد رعاة البقر ،وقال البد من إعادة
660
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
النظر بسياسات النظام الرأسمالي المستقبلية ،كما دعا الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى ضرورة "قيام نظام مالي دولي
جديد" ،وأكد خبراء اقتصاديون إلى أن آلية السوق وحدها غير قادرة على االستجابة لكل المتغيرات الحال َية والبد من
وتوجيهية).(1
َ وجود سياسات رقابية
-6طبيعـة األزمة:
من المعروف أن تاريخ الرأسمالية حافل باألزمات المالية وحاالت االنهيارات الكبيرة ،واألزمة الحالية بدأت يوم
االثنين 70سبتمبر ،كعادة األزمات السابقة للنظام الرأسمالي التي معظمها حدثت يوم اإلثنين ،عندما انخفض مؤشر
داو جونز بـ ( )118نقطة مشكال نسبة انخفاض بلغت .%1.9ورغم أ َن هذه النسبة لم تكن كبيرة قياسا بأزمة يوم
أن تداعيات األزمة المذكورة قد فاقت أزمة عام ،7981وهذااالثنين من العام 7981والتي بلغت نحو % 2228إال َ
ما يعكس تراجع الثقة بالنظام الرأسمالي).(2
كما أ َن األساليب الجديدة في التعامل مع القروض العقارية أو ما يسمى بتأمين القروض جعل من األزمة لها
هـزات ارتـدادية شملت معظم المـؤسسات المالية الكبيرة في الواليـات المتحدة األمريكية ،كما كان لـ"العولمة" وشمولها
للعالم أجمع بعد انتهاء القطبية الثنائية دور في أن يكون التداعي شامال وسريعا لدول العالم أجمع ،بعد أن اقتنعت
معظم دول العالم باختالف أنظمتها السياسية بضرورة العمل بآليات السوق الحر لتحقيق نموها االقتصادي مما ربطها
بشكل مباشر باالستثمارات الخارجية لكبريات الشركات العالمية.
فأزمة عام 7981ورغم ارتفاع نسبة الخسارة إال أ َنها لم تشمل بتداعياتها جميع االقتصاديات العالمية ،حيث
نجحت اإلجراءات المعتمدة لتطويق تأثيراتها بحيث لم يستمر الركود إالَ 58ثماني أشهر ،بعد أن كانت حاالت
الركود تطول في األزمات السابقة لتصل إلى أكثر من 22شهرا ،فهل تنجح اإلجراءات في الحد من أزمة 2558
السريعة تشير إلى أ َن األزمة
أن كل المعطيات لألزمة وتداعياتها َ
مدة ممكنة؟ .إالَ َ
)(3
لتطويق حالة الركود بأقصر َ
-1ماجد محمد الفرا ،األزمة المالية واالتقتصادية األمريكية وتبعاتها ،من على الموتقع االلكتروني :
،www.iugaza.edu.ps/emp/emp_folders/530/financial_crises_in_US.docأطلع عليه بتاريخ 2559/58/20 :على
الساعة .25:20
2
-Revue d’économie financière,Crise financière : analyses et propositions,N° Hors-série, Paris, 2008,
p23.
-3داليا أبو الغيط عبد المعبود ،األزمة المالية العالمية وأثرها على العالم العربي ،من على الموتقع االلكتروني:
،www.patways.cu.eg/ news/uf/18067-3325-winter-2009-report.docأطلع عليه بتاريخ 2559/57/75 :على الساعة:
.71:50
665
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
سيكون لها تأثير كبير وواسع وقد يستمر لسنوات طويلة وهذا ما يقلق قادة العالم بأسره بعد أن لم تستطع كل
"التدخالت الحكومية" بشراء معظم الشركات التي تعرضت لخسارة من إنقاذ الوضع وأ َن التراجع في أسواق المال
الدولية مستمر). ... (1
-6أسبــاب األزمـة:
النظرية إلى الفكرة التي ابتدعها مجموعة من المصرفيين قبل عقدين من الزمن والمتمثلة
تعود األزمة في أسبابها َ
باللجوء إلى نوع من التأمين لتحميل طرف ثالث المسؤولية في حالة عجز المقترض عن السداد مقابل أن يحصل ذلك
الطرف دفعات منتظمة على غرار أقساط التأمين ،وأطلق على هذه الفكرة (مقايضة الديون التي يعجز أصحابها عن
السداد) .وتعتبر خطوات متحررة جدا دون أن يرافقها َأية إجراءات رقابة أو توجيه ،وفي غضون سنوات قليلة أصبحت
تشجعت البنوك على التوسع في إقراضهـا إلى درجة اإلفـراط ،بحيث
هذه العمليات أكثر األدوات المالية رواجاً ،بحيث َ
وصلت ديونها إلى نسب قيـاسية بلغت 00إلى 57من احتياطيـاتها المالية ،وكانت هذه األساليب مخيفة ألصحاب
رؤوس األموال أنفسهم ،إذ أطلق عليها الملياردير األمريكي براون بيفت بأسلحة الدمار الشامل المالية ،ولم يدرك
بأنهم يخلقون نظاما متوحشا سرعان ما يصعب السيطرة عليه ،وهذا ما حدث في يوم االثنين 70
هؤالء المصرفيون َ
سبتمبر بانخفاض مؤشر داو جونز بـ 118نقطة ،وسارعت الحكومة األمريكية باتخاذ إجراءاتها التي رفضها
الكونكرس بادئ األمر بسبب ضخامة المبالغ لمطلوبة للسيطرة على االنهيار والبالغة نحو 155مليار دوالر ،وكانت
شركة "أيه أي جي" أولى الشركات التي أعلنت عن عجزها عن سداد 74مليار دوالر تمثل قروض قد ضمنتها
للبنوك االستثمارية ،وهذا ما زاد األزمة تفاقما كون العديد من المؤسسات كانت مرتبطة ببعضها من خالل صفقات
مقايضة الديون ،حيث أ َن الشركة المذكورة كانت قد ضمنت ديون كبيرة لصالح بنك "ليمان براذرز" ،فعندما انهارت
بالرهونات العقارية تعين على شركة "أيه أي جي" اإليفاء بتلك الديون دفعة واحدة ،مما
األوراق المالية المدعومة َ
أن الشركة المذكورة تشكل جزء هام من مؤشر داو جونز تسبب في عدم قدرتها على تحمل الخسائر الكبيرة ،وبما َ
الصناعي ،فعليه تسببت خسارة شركة "أيه أي جي" تفاقم األزمة لتشمل كافة الشركات المالية ،ثم انسحب التأثير على
بقية الشركات).(2
-1فريد زكرياء ،وجهة نظر حول عصر بلونبيرغ ،مجلة ،NEWS WEEKدار النشر غيرر موجرودة ،البلرد غيرر موجرود 74 ،أكتروبر
،2558ص .71
-2نورة عبدالرحمن اليوسف ،أسباب األزمة المالية العالمية ،من على الموتقع االلكتروني:
،http://www.alaswaq.net/views/2008/10/12/18895.htmlأطلع عليه بتاريخ 2559/57/50 :على الساعة.27:40 :
667
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
-6تداعيــات األزمـة:
أن
لألزمة تداعياتها على جميع دول العالم ،وهذا ما نشاهده يوميا في تراجع جميع أسواق المال العالمية ،و َ
تداعيات األزمة لم تعد تقتصر على القطاع المالي ،بل أخذت تشمل بقية القطاعات وفي مقدمتها قطاع النفط الذي
فإن األزمة ستقود إلى حالة من الركود االقتصادي يصعب التكهن بمدتهتراجعت أسعاره إلى أقل من النصف ،وعليه َ
أن أكثر التداعيات ستكون على مستقبل الثقة
إذا لم تتمكن اإلجراءات من إيقاف التدهور الكبير في األسواق المالية ،و َ
باالقتصاد األمريكي ،مما سيفقد الواليات المتحدة شرعيتها في النفوذ والهيمنة االقتصادية ،وأ َن هذه التداعيات ستكون
ذات تأثير على الدول العربية السيما الدول النفطية ،التي سيكون لها تأثير سلبي ليس فقط على أسواق المال فيها،
وا َنما على تدني عوائدها النفطية وعلى مستقبل أموالها المستثمرة في الشركات الغربية).(1
أن تداعيات األزمة ال تنحصر فقط في الجانب االقتصادي ،وا َنما سينعكس على المفاهيم األساسية للنظام
كما َ
بأن "الضرائب المنخفضة الرأسمالي المتحرر التي أطلقها الرئيس األمريكي ريغان بداية الثمانينيات والتي تتلخص َ
والقيـود الخفيفة والحكومة الصغيرة ستحفَز النمو االقتصادي" ،وقـد ساد االعتقـاد في وقتهـا بنجاح هذه األفكار ،وحدث
نمو اقتصادي رغم العجز الكبير في الموازنة الفدرالية األمريكية بسبب انخفاض الضرائب مقابل حجم اإلنفاق ،إال أ َن
التغلب على هذا العجز الكبير وتحقيق نمو جاء بسبب أ َن العالم كان مستعدا القتناء الدوالرات األمريكية إلى حد
كبير ،مما أتاح للحكومة األمريكية أن تتمتع بعجز ونمو في آن واحد وهذا ال يحدث ألي بلد من بلدان العالم
الثالث).(2
أن السيطرة على تداعيات األزمة هو البد من اتخاذ أن األزمة األخيرة قد أثبتت عدم صحة هذه األفكار ،و َ
إال َ
تدخلية" من قبـل الحكومة األمريكية والحكومات األخرى ،ورصـدت المبالغ الكبيرة من األموال العامة –أموال
إجراءات " َ
دافعي الضرائب -إلنقاذ المؤسسات المالية ،رغم االعتراضات من كثير من المفكرين والمحلَلين على هذه اإلجراءات
النظام
التي سميت بعملية "خصخصة األرباح وتعميم الخسائر" ،...وعليه ولدت األزمة قناعةً عند معظم مفكري َ
فعالة وقادرة على التعامل مع األزمة
وقوية وليس كبيرة ،أي حكومات َ
ذكية َ
الرأسمالي بأ َن العالم يحتاج حكومات َ
وتحييد تداعياتها قدر اإلمكان).(3
-1فرنسيس فوياما ،انهيار االتقتصاد االمريكي ،مجلة ،NEWS WEEKبدون دار نشر ،بدون بلد 74 ،أكتوبر ،2558ص .27
-2مريم محمد ،األزمة المالية وآثارها االتقتصادية على العالم ،من على الموتقع اإللكتروني:
،http://news.maktoob.com/article/2114594/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-
تاريخ النشر 2558/75/59 :على الساعة.70:00 :
-3رنا فروهار ،بداية عصر جديد من الرأسمالية العالمية ،مجلة ،NEWS WEEKبدون دار نشر ،بدون بلد 74 ،أكتوبر ،2558
ص.20
662
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
خالصة:
أن النظام االقتصادي اليوم ما هو إال نتيجة طبيعية لتطور نظام األمس ،حيث كان له
يتضح من هذا الفصل َ
تغير دور الدولة على مـر مختلف المـراحل ،هـذه المراحل أصبح يطلق عليها مصطلح العولمة ،التي
األثر الكبير في َ
المؤسسة للعولمة كان لها األثر الكبير على دور الدولة ،بداية مع األزمة
َ عدة آليات وحتميات ،فالمرحلة
أفرزت َ
االقتصادية قبل الحرب العالمية الثانية ،أين تجلى هذا الدور بشكل واضح من خالل محاولة الدولة إعادة التوازن
أن نتائج مؤتمر بروتن وودز من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي
لالقتصاد خاصة من خالل أفكار كينز ،كما َ
واالتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة (الجات) ،منحت السيطرة االقتصادية خاصة من ناحية األفكار والمفاهيم
النشاط االقتصادي للدول المتقدمة ،وتجلت العالقة بينها وبين الدول النامية في محاولة
المتعلقة بدور الدولة في َ
فرض نظام اقتصادي عالمي حسب مصالح الدول المتقدمة.
ومنه أصبح االقتصـاد يشهد تعالي موجات إبعاد الدولة أو في حقيقة األمـر الدعوة إلى تغييـر وظائف الدولة،
حيث َأنه منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي وبداية التسعينيات منه ،اعتبرت الدولة السبب الرئيس في جميع
االختالالت التي تعاني منها الدول وخاصة في الدول النامية.
وفي ظل العولمة وما أفرزته من متغيرات البيئة الدولية وظهور الليبرالية االقتصادية الجديدة ،ظهر اتجاه يدعو
إلى إبعاد وتقليص دور الدولة باعتبارها أساس كل االختالالت التي تعاني منها الدول ،وقد أدى ذلك إلى تحوالت في
مفاهيم ومدركات الليبرالية نفسها فبعد أن كانت الليبرالية في الثالثينيات من القرن العشرين تقوم على مرجعية سياسية
وتركز على ريادة الدولة ،أصبحت الليبرالية الجديدة تقوم على مرجعية اقتصادية وتركز على إبعاد الدولة وتقليص
دورها في النشاط االقتصادي ،وهنا نرَكز على طروحات المدرسة الكينزية التي كانت تدعو إلى تعظيم دور الدولة
666
أثر العولمة على دور الدولة في النشاط الفصل الثاني
اإلقتصادي
وسيطرتها على مقاليد األمور االقتصادية والسياسية الخاصة باألزمة االقتصادية التي اجتاحت العالم في ثالثينيات
القرن الماضي ،لذا كان التأكيد على ما يسمى بالليبرالية السياسية التي تقوم على دور الدولة بالدرجة األساس ،إالَ أ َنه
التغيرات في البيئة الدولية وخاصة على الصعيد االقتصادي بدأت طروحات اقتصاد السوق وثقافة السوق في ظل َ
تبرز بشكل جديد وتؤكد على تبني فكر ليبرالي جديد قائم على مرجعية اقتصادية وليست سياسية وتعتمد على القطاع
الخاص وليس على الدولة وهذا ما تحاول المؤسسات االقتصادية الدولية تعميمه في جميع أنحاء العالم وضرورة تبني
الرهونات العقارية،
الراهنة من أزامات إقتصادية كأزمة َ
المتغيرات العالمية َ
َ فكر وثقافة اقتصاد السوق ،إالَ َأنه مع
تغيرت المفاهيم من جديد ،وأصبحت هناك دعوة كبيرة إلعادة دور الدولة وذلك ما الحظناه على الصعيد العالمي، َ
حيث لعبت الدولة دور كبير في محاولة منها إلعادة التوازن لالقتصاد العالمي واعادة النظر في النظام النقدي الدولي
األساسية لالقتصاد الدولي.
َ الذي يعتبر الركيزة
666
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
تمهيد:
إن التطرق لدور الدولة في الفكر االقتصادي ومختلف المدارس االقتصادية ومدى التغير الذي أحاط بهذا الدور
في ظل مختلف التغيرات التي صاحبت العولمة ،يدفعنا إلى إظهار وابراز هذا الدور في دولة من دول العالم الثالث
وهي الجزائر حيث يظهر فيها دور الدولة جليا خاصة في ظل العولمة وما أفرزته من حتميات والعوامل المصاحبة
لهذه الظاهرة ،فقد عرفت نهاية القرن العشرين تغيرات هامة في الواقع االقتصادي واالجتماعي السائد في أغلب الدول
ذات االقتصاد المركزي المخطط ومنها الجزائر ،وينحصر هدف تلك التحوالت التي يتناقش في شأنها أغلب المحللين
الحر
االقتصاديين والسياسيين واالجتماعيين حول إرادة االنتقال من النظام االقتصاد االشتراكي نحو نظام االقتصاد ّ
ضمن مسعى مواصلة جهود التنمية الوطنية.
الحر بالنسبة لتلك الدول ليس فقط بتحوالت جذرية فيفي هذا اإلطار يترجم الوصول إلى نظام االقتصاد ّ
الميدان االجتماعي والسياسي بل أيضا في الميدان االقتصادي ،حيث يتميز الميدان االجتماعي بتغير أنماط المعيشة
والذهنيات ،كما نجد الديمقراطية في المجال السياسي وكل من تشجيع الفردانية ،حب االبتكار والتقدم في المجال
الثقافي ،أمـا التحوالت في الميدان االقتصادي فنجـدها تخص على سبيل المثـال كل من قطاعي الجباية والبنوك،
إعادة الهيكلة وخوصصة المؤسسات العمومية ،ترقية وتطوير القطاع الخاص وتحرير مجاالت النشاط االقتصادي
"المحتكرة من طرف الدولة" ،باإلضافة إلى فتح االقتصاد واالندماج في السوق العالمية من خالل االنضمام إلى
مختلف التكتالت والتجمعات الجهوية والدولية.
في الحقيقة تعتبر التجربة الجزائرية مسار متواصل من "محاولة الدولة" تطبيق اإلصالحات االقتصادية المستمرة
إلى يومنا ،والتي تهدف إلى التخلص من "احتكار الدولة" كنمط لتنظيم االقتصاد وتعويضها بمختلف المكانيزمات
والوسائل الضرورية لسير اقتصاد السوق الحر.
ودور الدولة في الجزائر مر بعدة مراحل مواكبة لمختلف التغيرات العالمية التي عرفتها نهاية القرن العشرين
وبداية القرن الواحد والعشرين ،وإلبراز هذا الدور تم التطرق إلى دور الدولة الجزائرية في عملية التنمية من خالل
المخططات لفترة 7696/7691في مبحث أول ،وكذلك اإلصالحات االقتصادية واالنتقال إلى اقتصاد السوق في
مبحث ثاني ،باإلضافة إلى دور الدولة الجزائرية في األلفية الثالثة كمبحث ثالث.
121
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
عرفت الجزائر خالل الفترة (" )96-91تدخل كبير للدولة" ،ويظهر ذلك من خالل ثالث مخططات تنموية متبوعة
بسنتين انتقاليتين 16/19بين فترتين متمايزتين من التخطيط ،باإلضافة إلى مخططين تنمويين هما المخطط الخماسي
األول والثاني ،حيث هدفت المخططات التنموية إلى إدخال تغييرات جذرية على الهيكل االقتصادي ومعالجة بعض
االختالالت الموجودة فيه.
لم يكـن خطة اقتصاديـة بأتـم معنى الكلمة ،ألنـه يفتقـر إلى شروط التخطيط (كالشمول ،تحديد األهداف،
الدقة )...،كما أنها لم تحدد مؤشرات قيمية وال كمية بل جاءت على شكل مشروع استثماري قطاعي إجمالي ،بعض
المشاريع منها تعود إلى مشروع قسنطينة ومشاريع أخرى جديدة عهد إنجازها إلى مكاتب دراسات أجنبية ،األدوات
والتقنيات التي استعملت فيه كانت ذات طابع عملي ميداني بناء على احتياجات مختلف القطاعات االقتصادية.
كان الهدف منه تحضير الوسائل المادية والبشرية والهياكل االقتصادية واالجتماعية واإلدارية للتكيف مع سياسة
التخطيط المركزي الجديدة التي تم تبنيها ،ورسم لبعض االتجاهات في إطار إستراتيجية التنمية المتبناة في الجزائر
للسنوات السبع التالية(.) 1
وقد تم تحقيقه بصورة مرضية ،فمن أصل حجم استثماري قدره 77.197مليون دج استهلك منها 6719مليون
دج ،أي بمعدل إنجاز قدره .% 91
حسب الخبير السوفيتي ببروفيسكي " Bobrowskyأن البرنامج كان واقعيا وقد أعطى هذا المخطط األولوية
لالستثمارات في الصناعات الثقيلة خصوصا صناعة المحروقات ،الصناعات البتروكمياوية ،صناعة الحديد والصلب،
الصناعات الميكانيكية ،والتي استحوذت على نسبة تفوق % 94من مجموع االستثمارات الكلية خالل فترة
المخطط"( ،)2فالعديد من الوحـدات الصناعية أنشأت في هذه الفترة ،كمركبات المحركات والج اررات بقسنطينة ،اآلالت
الزراعية بسيدي بلعباس ،الصناعة الثقيلة بأرزيو وعنابة ،...في حين كان نصيب الزراعة %71في المرتبة الثانية
ولكن بفارق كبير مع الصناعة ،وهذا ما يفسر التدهور المستمر لإلنتاج الزراعي.
1
- Marc Raffinot et Pierre Jacquemont, le capitalisme de l’état algérien, Paris, 1977, p 92.
2
- Marc Raffinot et Pierre Jacquemont, op cit, p 97.
122
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
حدد هذا المخطط اتجاهات التخطيط الجزائري الموجه نحو الصناعات الثقيلة والمحروقات ،فقد أحدثت السلطات
المركزية في هذا المخطط إصالحات عميقة على شكل التمويل القديم ،حيث أجبرت المؤسسات العمومية على فتح
حسابين :أحدهما لالستغالل واآلخر لالستثمار ،وكان يتم تمـويل نفقات االستغالل بقروض قصيرة األجل ،بينما نفقات
االستثمار فيتم تمويلها بقروض متوسطة وطويلة األجل من طرف البنوك التجارية أو الخزينة العمومية باإلضافة إلى
القروض الخارجية).(1
إن أهم ما ميز هذه اإلصالحات هو أنها منعت المؤسسات العمومية من االحتفاظ بالتدفقات الصافية إلعادة
تشكيل رأسمالها وقيامها بعملية التمويل الذاتي ،وذلك بهدف مراقبة مواردها المالية ،وقد اتسم هذا المخطط
بالخصائص التالية):(2
-يعتبر المخطط الرباعي األول ( )17-11أول خطة اقتصادية شاملة في الجزائر وبداية فعلية للتخطيط على
النمط االشتراكي ،فالجماعات المحلية ،الشركات العمومية والو ازرات الوصية بالتنسيق مع كتابة الدولة
للتخطيط يتم ضبط المشاريع االستثمارية وتحدد و ازرة المالية معــدل االستثمار ،وتعتمد عادة معايير في
اختــيار المشاريع مثل القيمـة المضافـة ،الشغل ،التوازن الجهوي ،بينما تستبعد المردودية المالية ألنها في نظر
المخطط تمثل معيا ار برجوازيا.
-كان حجم االستثمارات اإلجمالية تقريبا ثالث مرات حجم استثمارات الخطة الثالثية ،باإلضافة على أنها
اعتمدت على التمويل الذاتي بالدرجة األولى.
-خطة طموحة جدا نظ ار لتحديد معدل نمو سنوي مرتفع يقدر بـ .% 16
-حددت هذه الخطة كهدف معدل نمو سنوي يقدر بـ % 16من الناتج الداخلي الخام.
-تعميم االستقالل االقتصادي عن طريق تدعيم وانشاء الصناعة ،تنويع التعامل مع الخارج والتخلص من
االعتماد على فرنسا واالعتماد على المصادر المحلية في التموين والتمويل بصورة أساسية.
1
- Mohamed Liassine, « les stratégies de développement de l’Algérie », in revue : informations et
Commentaires, N0 124, paris, 2001, p 24.
2
- Mohamed Liassine, op cit, p 25.
123
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
-خلق عالقات إنتاج جديدة وذلك بتدعيم دور القطاع العام في جميع المجاالت واحتكار النشاطات الرئيسية
باإلضافة على فرض رقابة جمركية على التجارة الخارجية وتوجيه االستهالك الداخلي بما يخدم التنمية.
-يبقى التصنيع في هذه الخطة أحد العوامل الرئيسية في عملية التنمية االقتصادية ،حيث استحوذت الصناعة
والطاقة على نسبة %97من مجموع االستثمارات.
-لضمان السير الحسن لتنفيذ المشاريع تم تحديد األولويات في التنفيذ خاصة المشاريع المستقبلية ،لذلك قسمت
المشاريع على نوعين :من الضرورة األولى والتي يجب البداية في تنفيذها ،ومشاريع من الضرورة الثانية
يمكن تأجيل الشروع في تنفيذها.
-أهتم المخطط الرباعي الثاني بالجانب االجتماعي أكثر من سابقيه (الثالثي والرباعي األول) من حيث توفير
مناصب الشغل وزيادة فرصه ،إجبارية التعليم ،مجانية العالج. ...،
-زيادة مبلغ االستثمارات بشكل كبير نتيجة ارتفاع أسعار النفط باعتبار أن المصدر الرئيسي لتراكم رأس المال
هو قطاع المحروقات ،حيث تكثف إنتاج النفط بشكل واسع منتقال من 1129مليون طن سنة 7697إلى 97
مليون طن سنة ،7616وانتقل إنتاج الغاز الطبيعي من 711.111طن إلى 71مليون طن ما بين (-97
،)16كما تطورت االستثمارات العمومية في كثير من القطاعات والفروع ،إذ ارتفع معدل االستثمار الخام من
متوسط %74سنة 7611إلى % 99من الناتج الداخلي الخام ما بين (.) 1( )16-19
-تحقيق معدل نمو للناتج الداخلي الخام بحوالي %99أي بمعدل سنوي يبلغ %7724وهو أعلى من المعدل
السابق للخطة السابقة.
-المساهمة بشكل أوسع في إيجاد المزيد من فرص العمل ،لذا تم تخطيط إنجاز وحدات توفر مناصب عمل
تزيد عن 711.111منصب عمل سنويا.
-برمجـة إنجاز حوالي 411وحدة صنـاعية في هـذه الفترة بهدف إحـالل الـواردات (صنـاعة النسيج ،الصناعات
الكهربائية وااللكترونية.(1))...
-1أحمد هني ،اقتصاد الجزائر المستقلة ،الجزائر :د2م2ج ،7667 ،ص 211
2
- Marc Raffinot et Pierre Jacquemont, le capitalisme de l’état algérien, op cit, p 771.
124
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
لعل الجدول التالي يلخص المخططات الثالث السابقة من حيث الفترات ،األهداف الرئيسية والوسائل وحجم
االستثمار المقرر.
حجم االستثمار
األهداف الرئيسية و الوسائل الفترة المخطط
المخطط(مليار دج)
1
- A.Benachenhou, l’expérience algérienne de planification et de développement (1962-1982), Algérie:
opu, 1982, p 15.
125
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
من خالل المخطط الخماسي األول أرادت الجزائر إحداث تغييرات وتجنب األخطاء السابقة ،فحددت مجموعة من
األهداف وقامت بتوزيع االستثمارات وذلك كما يلي:
إن المحاور الكبرى للمخطط الخماسي األول ترسم سبل السياسة االقتصادية واالجتماعية التي تكفل تنظيم استخدام
المناهج والوسائل والبرامج في المدى المتوسط والبعيد للتنمية االشتراكية في إطار توجيهات الميثاق الوطني بهدف ): (1
-توسيع وتنوع اإلنتاج الوطني وتكييفه مع تطور االحتياجات العامة وهذا إلقامة وتنمية نشاطات اقتصادية
متكاملة.
-بناء سوق وطنية داخلية نشطة وقادرة على تعزيز االستغالل االقتصادي بصورة دائمة بهدف القضاء على
التوترات الناشئة عن المرحلة السابقة.
-التقليل من القيود االقتصادية التي تعرقل حيوية التطور االقتصادي ،ومنه ال يمكن لالستقالل االقتصادي أن
يتقوى إال بشرط التحكم في التجهيزات المستوردة بأسعار مرتفعة بالنسبة لالقتصاد وجعلها مالئمة لتطوير الطلب
الداخلي وتنويعه.
-2توزيع االستثمارات:
إن اإلستراتيجية التنموية التي وضعت لعشرية 7696/7691جعلت المحور الهام لعملية االستثمار فيما يتعلق
باإلعداد للمستقبل ،وذلك ببعث البرامج اإلنمائية الكبرى وتنمية الفالحة واعادة تكوين الموارد الطاقوية وتعزيز الهياكل
القاعدية األساسية ،باإلضافة إلى األعمال المستعجلة الرامية إلى التقليل من التوتر االقتصادي واالجتماعي).(2
ويمكن توضيح توزيع االستثمارات على مختلف القطاعات عبر المخطط الخماسي األول من خالل الجدول الموالي:
-1التقرير العام للمخطط الخماسي األول ،0891/0891وزارة التخطيط والتهيئة العمرانية ،ص .5-0
-2التقرير العام للمخطط الخماسي األول ،7699/7691نفس المرجع ،ص 291
126
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
المصدر :التقرير العام للمخطط الخماسي األول ،0891/0891مرجع سابق ،ص .50
يتضح من الجدول أن المخطط الخماسي األول قد تضمن برنامجين من االستثمارات ،األول يتعلق بمجمل الباقي
تنفيذه في الفترة السابقة ،وتقدر ب 79.5مليار دج من أصل مجموع االستثمارات الباقية 196.9مليار دج ،أي بنسبة
%91271وبنسبة %79279من مجموع االستثمار المسطر ،لذا ينبغي أن يفحص من جديد في عدة مشاريع والذي قد
يؤدي إلى تأجيل أو حذف البعض منها ،مما يؤدي إلى تحسين نطاق عمل المخطط ،والى فعالية األعمال الجديدة.
أما البرنامج الجديد الذي تضمنه المخطط ،أي االستثمارات المخصصة للفترة فقد بلغت حصة الصناعة %132.2
مليار دج من إجمالي االستثمارات الجديدة المقدرة بـ 363.6مليار دج ،أي بنسبة 36.35بلغت فيها نسبة حصة
127
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
المحروقات 49.3مليار دج ،وهذا يدل على أن السياسة الجديدة التنموية أخذت في توجيه االستثمارات نحو الصناعات
األخرى ،عوضا عن ما كانت عليه في الفترة السابقة ،فإنها )المحروقات ( تأخذ حصة األسد من البرنامج المسطر.
نالحظ كذلك من الجدول ) (127أن المخطط أعطى اهتماما للقطاعات األخرى مثل الفالحة والسكن والهياكل
القاعدية االقتصادية والتربية والتكوين ،إال أن الصناعة الزالت تحتل الصدارة في عملية االستثمار ،حيث استحوذت على
قيمة 211.7مليار دج من إجمالي 560.5مليار دج أي بنسبة %38من مجموع االستثمارات ،وهذا يدل على أن
االهتمام الزال مرك از على القطاع الصناعي وتفضيله على بقية القطاعات األخرى.
نفس الشيء بالنسبة للمخطط الخماسي الثاني وذلك من خالل توزيع االستثمارات وتحديد مجموعة من األهداف.
يشكل المخطط الخماسي الثاني مرحلة هامة في مسيرة التنمية االقتصادية االجتماعية للبالد ،حيث يسعى إلى بلوغ
غايتين:
تنظيم مختلف األنشطة التنموية مع مراعاة القيود الخاصة بالمرحلة الراهنة والوسـائل التي يمكن تعبئتها من جهة،
وادراجه في منظور تنموي طويل األجل من جهة أخرى ،خاصة أن صورة جزائر التسعينيات تتوقف على ما أنجزه هـذا
المخطط ،وهـذا األخير نفسه يعتمد على إنجـازات المخطط السـابق ،ويهدف هذا المخطط إجمـاال إلى مايلي):( 1
-تلبية الحاجيات األساسية للسكان المتزايد عددها بوتيرة %71سنويا مع مواصلة النمو بالنسبة لإلنتاج
واالستثمار.
-تدعيم المكتسبات المعتبرة المحققة في مختلف المجاالت خاصة على صعيد تنظيم االقتصاد والفعالية في تسيير
المؤسسات والالمركزية لألنشطة والمسؤوليات.
-تخفيض التكاليف وآجال إنجاز االستثمار في جميع القطاعات والتحديد الصارم والحتمي للجوء إلى الطاقات
الخارجية العاملة في حقل اإلنجاز والخدمات والمراقبة الدائمة لشروط تعبئة القروض الخارجية.
-تحسين فعالية جهاز اإلنتاج والتنمية المكثفة لكافة الطاقات البشرية والمادية المتوفرة والتوزيع التدريجي واألكثر
اتزانا ألعباء التنمية بين الدولة واألعوان االقتصاديين.
-1التقرير العام للمخطط الخماسي الثاني ،7696/7694وزارة التخطيط والتهيئة العمرانية ،ص 29-4
128
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
لتحقيق هذه األهداف العامة يفرض في إطار التخطيط تصوار مع وضع اآلليات المالئمة وتفضيل األدوات ذات
الطابع االقتصادي ،واال حدث انحـراف في التوازنات وظهـرت إختالالت السيما في مجـال التوازنـات الخارجية ،واحترام
تسلسل األولويات ألعمال التنمية.
-2توزيع االستثمارات:
يقتضي برنامج االستثمارات المعتمد بسير محكم لالستثمار في شتى مراحله ،قصد القيام في إطار المخططات
السنوية بالتعديالت الالزمة ،حسب تطور األوضاع االقتصادية الدولية والتوسيع الحقيقي للموارد الخارجية ،والتطور
الذي سيتم في مجال إنتاجية الجهاز اإلنتاجي وفعاليته ،كما يزداد هذا األمر من النفقات أهمية نظ ار لضيق مجال التدخل
خالل الفترة 7696/7694بحيث أن نسبة %44ستخصص إلنهاء البرامج الجاري إنجازها).( 1
ويمكن توضيح توزيع االستثمارات على مختلف القطاعات عبر المخطط الخماسي الثاني من خالل الجدول الموالي:
المصدر :التقرير العام للمخطط الخماسي الثاني ،0898/0895نفس المرجع ،ص .19
يتوزع الحجم اإلجمالي للنفقات االستثمارية خالل الفترة 7696/7694إلى غاية %4929بالنسبة للقطاعات
المنتجة ،والى غاية % 48.4بالنسبة للمنشآت األساسية االقتصادية واالجتماعية والتجهيزات الجماعية.
إن الحصة المالية البالغة 79مليار دج الممنوحة لقطاع الفالحة تمثل %15تقريبا من النفقات اإلجمالية ،وهذا
تعبي ار على األهمية الموجهة خالل فترة المخطط لقطاع الفالحة.
أما القطاع الصنـاعي فخصصت له حصة بلغت 174.20مليار دج أي %31.70من النفقات اإلجمالية المقررة،
في حين أن ثقله في النفقات اإلجمالية يبقى كبي ار سواء بالنسبة للتقديرات أو االنجاز.
إن الحصة الممنوحة للصناعة باستثناء المحروقات تعبر عن األولوية الممنوحة لتوسيع قدرة اندماج االقتصاد وتلبية
الحاجيات بواسطة اإلنتاج الوطني.
في ظـل هذه الظروف القاسية التي مر بها االقتصـاد الجزائري برزت الحـاجة الماسة إلى سياسة تصحيحية،
فاعتمدت الجزائر سياسة تصحيحية ذاتية وعملت على تحرير اآللة االقتصادية من قبضة اإلدارة البيروقراطية واالنتقال
من االقتصاد المخطط إلى االقتصاد الحر أي اقتصاد السوق ،وفي نفس الوقت عملت الجزائر على التقارب وخلق جو
من التعاون مع المؤسسات المالية الدولية )صندوق النقد الدولي والبنك العالمي( بهدف دفع عجلة اإلصالحات المتخذة
واعادة التوازن الداخلي والخارجي وتحسين األداء لالقتصاد الكلي ،خاصة من خالل اتفاقيات االستعداد االئتماني
والتدابير العملية لبرنامج التصحيح الهيكلي )ماي/7664ماي .(7669
لقد واجهت الدولة الجزائرية صعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة فرضت عليها إدخال تغييرات واصالحات عميقة
تسمح بالقضاء على المشاكل المطروحة ،كما أظهر انخفاض عائدات الجزائر من العملة الصعبة عيب أسلوب التنمية
المتبع فإقامة الهياكل وبناء المصانع ال يكفي لوحده إذا لم تكن هناك فعالية اقتصادية تؤكد على االستخدام الحسن
لعناصر اإلنتاج والمحافظة عليها ،فالبد من اتخاذ إجراءات وأدوات تسمح باالنتقال إلى أسلوب التنمية المكثف الذي
يعني االستخدام األمثل للموارد المتاحة ،وذلك يتطلب المركزية في األعمال والسلطات من أجل تحرير المبادرات
وتسريع النشاط ،فانتقلت الجزائر إلى مرحلة جديدة تسمى بـ"اقتصاد السوق".
إن عملية المرور من اقتصاد مخطط )اقتصاد اشتراكي( إلى اقتصاد يعتمد مكانيزمات السوق )اقتصاد السوق(
يطلق على هذه العملية مرحلة االنتقال.
أما االنتقال إلى اقتصاد السوق يمثل عملية اقتصادية اجتماعية تتعهد من خاللها "الدولة" أن تتبنى اقتصاد السوق
كنظام لها ،ولقد ظهرت عملية االنتقال إلى اقتصاد السوق مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينات من القرن الماضي في
بلدان أوروبا الشرقية ،بولندا ،1989المجر وبلغاريا ،1990ألبانيا .1991
أما الجزائر فإن نية الدخول إلى اقتصاد السوق كانت ظاهرة بوضوح كبير في بيان السياسة العامة للحكومة في
ديسمبر 1990أمام المجلس الشعبي الوطني ،وفي رسالة النية والمذكرة اللتين وجهتهما الحكومة )و ازرة االقتصاد
والمالية( في 21أوت 1990وتتمثل خصوصية االنتقال إلى اقتصاد السوق في نقطتين أساسيتين هما:
-1دراوسي مسعود ،السياسات المالية ودورها في تحقيق التوازن االقتصادي ،حالة الجزائر ،1119-7661أطروحة دكتوراه ،الجزائر،
،1119/1111ص 2791-799
131
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
-االنفصال عن نظام اقتصادي أثبت فشله وعدم فاعليته ليس في الجزائر فقط بل في دول العالم.
-تحقيق هذا االنفصال في محيط سياسي متعدد أي ناتج عن انتخابات ديمقراطية متعددة.
وهكذا عملية االنتقال إلى اقتصاد السوق تتطلب دقة وفعالية الخيارات االقتصادية باإلضافة إلى إمكانياتها السياسية
ووعي وتفهم وتأقلم المواطنين مع النظام الجديد.
إن تطبيق نظام اقتصاد السوق ليس باألمر السهل ،وليس من نوع العمليات التي يجري إنجازها بعجالة ،ولهذا عادة
ما تقف أمام تطبيقه صعوبات كبيرة ،منها ما هي اقتصادية ومنها ما هي اجتماعية ألن المعروف عن اقتصاد السوق أنه
حرية تحرك ثالث عناصر إنتاج هي):(1
غير أن الصعوبة التي يصطدم بها هذا النظام الجديد في البلدان التي كانت تعتمد النظام االشتراكي هي خضوع تلك
الحرية لقيود "التوجيه المركزي" ،من حيت توزيع عناصر اإلنتاج بين مختلف االستخدامات أو من حيث توزيع الناتج
الصافي بينها كمداخيل األشخاص.
ولهذا نقل تسيير االقتصاد من نظام "موجه" إلى نظام "حر" البد من إحداث تغييرات كبيرة في العالقات اإلنتاجية
القائمة مع تطلب وقت للتكيف مع العالقات اإلنتاجية الجديدة بهدف إنجاز عملية االنتقال بأقل تكاليف ممكنة.
وأخي ار يمكن القول أن عملية االنتقال تتمثل في التحول من نظام اقتصادي مركزي )موجه( إلى نظام يستند إلى
السوق )حر( من خالل قواعد تسيير السوق ،وتسهيل الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج أي االعتماد على سياسة
اقتصادية كلية من النوع الليبرالي.
اعتمدت الجزائر ابتداء من سنة 1988برنامجا تصحيحيا بغية تحقيق الالمركزية تدريجيا في عملية صنع القرار
وتطوير آليات السوق ،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى إزالة االختالالت التي تعاني منها مالية الدولة والناتجة عن الفترة
السابقة في ظل النظام االشتراكي الموجه ،ويتمثل هذا البرنامج في مجموعة من اإلجراءات والمتمثلة فيما يلي:
-1دراوسي مسعود ،السياسات المالية ودورها في تحقيق التوازن االقتصادي ،حالة الجزائر ،1119-7661مرجع سابق ،ص 2796
132
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
-7.2إصالح القطاعين الزراعي والصناعي:
)1
لقد اتخذ أول إجراء على القطاع الزراعي وذلك بعد أن قامت الحكومة في عام 1987بتقسيم حوالي 3500مزرعة
(حكومية كبيرة إلى تعاونيات خاصة صغيرة ومزارع فردية تتمتع بحقوق استغالل طويلة األجل ،أما في المجال الصناعي
"منحت الدولة" جميع المؤسسات العامة الوطنية تقريبا استقالال من الجهتين القانونية والتشغيلية في عام ،7699وجاء
بعد ذلك قرار برنامج سنة 1990لشطب كمية ضخمة من الديون المعدومة والمستحقة على المؤسسات العامة ،تلك
الديون التي تراكمت على مدى سنوات سادت فيها الضوابط الحكومية المباشرة.
يرتكز نظام األسعار الجديد على نظامين لألسعار هما :نظام األسعار المقننة ونظام األسعار الحرة.
-7.2.2نظام األسعار المقننة :تستطيع "الدولة" عن طريق هذا النظام أن "تتدخل" مباشرة في الحياة االقتصادية
وذلك بهدف تحقيق أهداف السياسة االقتصادية االجتماعية ،وبمعنى آخر أن األسعار الخاضعة لهذا النظام تعتبر
كوسيلة "لتدخل الدولة" ،ويتم تنظيم هذا النوع من األسعار عبر طريقتين:
-يتم اإلعالن عن أسعار المنتجات المضمونة مسبقا أي ضمان سعر أدنى للمنتجين عند إنتاج السلع والخدمات
التي يتطلب إنتاجها بصفة خاصة بهدف الحماية أو التحفيز ،أي أن هذا النوع من األسعار المقننة الهدف منه تشجيع
وتطوير المنتجات األولية ضمن المخططات االقتصادية.
-يتم تحديد الحد األعلى لألسعار على مستوى اإلنتاج وعلى مستوى التوزيع ،يطبق هذا النوع من األسعار على
السلع والخدمات التي تخولها "الدولة أولوية اقتصادية واجتماعية خاصة" بهدف حماية بعض النشاطات االقتصادية أو
الفئات االجتماعية وبالتالي الحد األعلى لألسعار يعتبر) :( 2
وسيلة تدخل الدولة في االقتصاد لتأطير وتطور األسعار عندما يتطلب ذلك بشروط السوق.
-2.2.2نظام األسعار الحرة :ويقصد به حرية األسعار وتطبق على المنتجات التي لها أولوية اقتصادية أو
اجتماعية ويهدف هذا التنظيم من األسعار إلى تمكين مكانيزمات السوق من تنظيم أسعار السلع والخدمات عن طريق
نظام العرض والطلب باإلضافة إلى تنظيم السوق الوطنية والوصول إلى تكامل حقيقي بين المخطط والسوق.
-1محمد بلقاسم حسن بهلول ،الجزائر بين األزمة االقتصادية والسياسية ،مطبعة دحلب ،الجزائر ،7667 ،ص 2141
2
- Youcef Deboub, Le nouveau mécanisme économique en algerie, OPU, 1993, p 99.
133
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
-7.2انسحاب الخزينة من دائرة التمويل:
منذ صدور قانون النقد والقرض 71/61تغيرت العالقة بين الخزينة العمومية والبنك المركزي ،أين أصبحت عالقة
تعاقدية ،لقد جاء في المادة 78من نفس القانون أن قيمة التسبيقات المقدمة للخزينة من طرف البنك المركزي هي نسبة
ال تتعدى %71من اإليرادات العادية للموازنة التي تعود للسنة المالية الفارطة ،والهدف من هذا اإلجراء هو وضع حد
) (
للجوء الخزينة للبنك المركزي بهدف تمويل النفقات العامة ،هذا ما يؤكد تراجع الخزينة العمومية عن التمويل االستثماري
.1
فانسحاب الخزينة من دائرة التمويل ال يعني اعتزالها تماما عن تمويل استثمارات القطاع المنتج ،حيث "تتدخل من
حين آلخر" لتدعيم المشاريع ذات األولوية )تشجيع الصادرات خارج المحروقات مثال( وذلك عن طريق تقديم إعانات
مالية لتسييرها أو تجهيزها كما قد تعفى من بعض الرسوم ،أو حصولها على قروض بمعدالت فائدة منخفضة.
يقصد بالدعم المالي تلك النفقات التي تقع على "عاتق الدولة" بهدف إعادة توزيع الدخل بين أفراد المجتمع ،وذلك عن
طريق توفير السلع والمنتجات بأسعار اقل من تكاليف إنتاجها أو شراءها إذا كانت مستوردة.
إن قضية تحرير األسعار من "طرف الدولة" آثار صعوبات اجتماعية متمثلة في "تخلي الدولة" عن سياسة الدعم
المالي ألسعار المواد ذات االستهالك الواسع ،وقد أحدثت قضية التخلي عن الدعم سخط شعبي وما يتولد عنه من
عوارض خطيرة على االستقرار االجتماعي والسياسي للدولة ألن التخلي عن دعم أسعار المواد الضرورية وذات األولوية
االجتماعية يؤثر كثي ار على مستوى استهالك الشرائح ذات الدخول المنخفضة والمحدودة.
لقد أحست الحكومة فعال بضرورة وضع سياسة اجتماعية جديدة لألسعار وتكون بداية الطريق نحو اإلصالح
االقتصادي و"أظهرت الحكومة" هذا اإلصالح بالحجم التالي:
-سياسة الدعم القائمة ،غير فعالة من ناحية إعادة توزيع الدخل ألن الطبقة الغنية تستفيد هي األخرى من هذا
الدعم.
-المهربون يستغلون فرصة انخفاض أسعار بيع المواد المدعمة لتهريبها عبر الحدود مما يؤثر على االقتصاد
الوطني.
-دعم السلع يشجع على اإلسراف في استعمالها وهذا استنزاف لموارد الدولة.
-يترتب عن دعم السلع خسارة شركات القطاع العام لكونها تبيع منتجاتها بأسعار أقل من تكاليفها الحقيقية.
ولهذا ألغت الحكومة فعال ابتداء من النصف الثاني من سنة 1992دعم أسعار السلع االستهالكية عدى ثالثة منها
الخبز ،الحليب والدقيق.
يعتبر مبدأ استقاللية المؤسسات العمومية أداة رئيسية من أجل رفع مردوديتها االقتصادية والمالية والتخلص من
الوصاية المباشرة لإلدارات المركزية ،وحتى تتمكن المؤسسات من أن تنتقل إلى االستقاللية الحقيقية يجب أن تمر
بتطهير مالي ألغلبية هذه المؤسسات ،التي تعاني من عجز مالي هيكلي في خزينتها مما يؤثر على فعاليتها ونظام
تسييرها ،لهذا كانت سياسة التطهير المالي الحل الوحيد من أجل تسوية المشاكل المالية الناتجة عن المديونية الكبيرة
لهذه المؤسسات اتجاه الخزينة العمومية والبنوك التجارية.
-تصحيح وتفادي كل العيوب الناجمة عن نظام التسيير السابق الذي أثبت فشله.
-تجميع المديونية بهدف التقليل من ثقلها على الحياة اليومية للمؤسسة مع محاولة إحالل الديون الطويلة عن
طريق سياسة الكشوفات المصرفية ألن تطهير وضعية المؤسسات والبنوك يخلق بينها جو من التعاون في شكل
جديد.
ولبلوغ الهدف من سياسة التطهير المالي اتخذت عدة إجراءات نذكر منها):(2
-تكييف سياسات التمويل مع طبيعة النشاطات والبرامج االستثمارية قصد تنويع مصادر التمويل.
-إقامة مخطط وطني للقرض مع ضرورة إعادة النظر في القروض البنكية وطرق التسديد الجديدة )تسهيل التمويل
الذاتي(.
-تحويل جزء من ديـون المؤسسات االقتصادية باتجاه الخزينة العمومية في شكل قروض نهائية وغير مسددة ،مع
إمكانية تحويل الديون القصيرة إلى ديون متوسطة وطويلة األجل.
مما سبق يمكن تحديد ثالثة مراحل لالنتقال من نظام اقتصادي موجه )اشتراكي( إلى نظام اقتصادي يستند إلى
مكانيزمات العرض والطلب )اقتصاد السوق( وهي:
-المرحلة األولى :يتم فيها تحرير األسعار ،فتح األسواق وتحرير االقتصاد ،وتعتبر أصعب مرحلة نظ ار لما تحدثه
من أخطار.
-المرحلة الثانية :وهي مرحلة االستقرار وذلك عن طريق قواعد واجراءات اقتصادية ،وهنا تكمن قوة الدولة في
التحكم وتحقيق التحوالت االقتصادية واالجتماعية بسالسة.
-المرحلة الثالثة :تتمثل في تحديد النموذج االقتصادي الليبرالي الذي يتخذ كنظام اقتصادي جديد للبالد ،كما
يمكن أن يحدد في هذه المرحلة مستوى التنمية المراد الوصول إليه بعد هذه المرحلة األخيرة.
غير أن المنافع المحتملة لعملية التحول واإلصالح هذه لم تحقق في مجملها لعدم دمج مختلف التدابير في إطار
شامل ،ولغياب بعض الخطوات الرئيسية التي ال غنى عنها إلنشاء اقتصاد سوق يتسم بالفعالية ،فعلى سبيل المثال لم
يتضمن إصالح القطاع الزراعي منح عقود الملكية ،مما أعاق قدرة المزارعين من القطاع الخاص على تدابير اإلئتمانات
التجارية).(2
كذلك المؤسسات العامة فقد ظل وضعها المالي صعب بسبب ارتفاع تكلفة تسريح العاملين ،فقد أدى ذلك إلى تراكم
الخسائر التي أمكن مع ذلك تمويلها بقروض من البنوك التجارية.
من هذا الوضع الصعب القتصاد الجزائر" ،انطلقت الدولة" في اتخاذ تدابير وسياسات حازمة وأكثر واقعية مع
مراعاة هدف االنتقال إلى اقتصاد السوق ،ولهذا شرعت الحكومة في تصميم برنامجين اقتصاديين وكالهما يندرجان في
اإلصالح االقتصادي:
يتمثل األول في برنامج االستقرار االقتصادي األول مع صندوق النقد الدولي وهو برنامج قصير األجل
) ،(7664/7669أما الثاني يتمثل في برنامج التصحيح الهيكلي ) ، (7669/7664وهذا ما سنحاول التطرق إليه فيما
تبقى من هذا الفصل.
-1محمد بلقاسم حسن بهلول ،الجزائر بين األزمة االقتصادية والسياسية ،مرجع سابق ،ص 2146
-2محمد بلقاسم حسن بهلول ،نفس المرجع ،ص 2146
136
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
ابتداء من سنة 1987دخلت الجزائر في محادثات مع المؤسسات المالية الدولية )صندوق النقد الدولي والبنك
العالمي( من أجل الحصول على تمويالت تسمح لها بتغطية جزء من احتياجات التمويل الخارجية ،وهكذا مع بداية سنة
1988تشكل أول فوج للتفاوض مع البنك العالمي حول برنامج التصحيح يتمثل في اإلصالح بالتدرج وكان ذلك بسرية
تامة ،باإلضافة إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وقد بدأت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في فيفري 1989في سرية تامة ،والمبادرة كانت من البداية إلى
النهاية في يد الحكومة الجزائرية ،وانتهت في أفريل من نفس السنة ،وقد نتج عن هذه المفاوضات االتفاقيات التالية:
أمضت الجزائر أول اتفاق مع صندوق النقد الدولي في 7696/14/71تحصلت بموجبه على قرض تقدر قيمته بـ
300مليون دوالر في إطار ما يسمى ببرنامج التثبيت أو االستقرار ويعتمد صندوق النقد الدولي هذا النوع من البرامج
لمساعدة الدول على تحقيق االستقرار االقتصادي في المدى القصير لمعالجة عجز ميزان المدفوعات وذلك باستعادة
التوازنات االقتصادية الكلية عن طريق تخفيض الطلب الكلي فهي"تهدف إلى تخفيض حجم االستهالك المحلي والعمل
على تحريك قوى السوق في اتجاه تعزيز اإلنتاج المحلي".
كانت مدة هذا االتفاق سنة واحدة تلتزم خاللها الجزائر بالشروط التالية:
-1بوزيد حميد ،النظام الضريبي الجزائري وتحديات اإلصالح في الفترة ،1119/7661أطروحة دكتوراه ،جامعة الجزائر،1119 ،
ص2711
137
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
وبتدقيقنا في العناصر السابقة ،فإن اغلبها يمس الجانب المالي النقدي ،ويعود هذا إلى طبيعة صندوق النقد الدولي
باعتباره مؤسسة مالية ويبين لنا األدوات األساسية التي يعتمدها في إجراء أي إصالح اقتصادي حيث تكون السياسة
المالية والنقدية هي محور كل إصالح .
إلى جانب هذا فهي تبين لنا األسس الحقيقية التي يحاول صندوق النقد الدولي إرسائها والتي تصب كلها في خانة
نظام اقتصاد السوق ،فمن خالل الشروط السابقة كانت الجزائر مدعوة إلى التحكم الصارم في عرض النقود ،أي في حجم
الكتلة النقدية والتي تعتبر مصد ار لفائض الطلب الذي يرتبط مباشرة باألسعار وسياسة الميزانية ،وكذا معدل الصرف.
أما بالنسبة لعجز الموازنة فالقضاء عليه يكون من خالل تخفيض النفقات العامة ومحاولة الرفع من مستوى
اإليرادات ،وهو شرط يكرس تقليص "دور الدولة في النشاط االقتصادي" من خالل تقشفها في مجاالت اإلنفاق المختلفة
لتمارس بذلك "دور المنظم للنشاط االقتصادي" فقط.
إلى جانب هذا ،فإن تخفيض قيمة الدينار وتحرير األسعار يعني فتح المجال لقوى العرض والطلب في سوق
الصرف وسوق السلع لتحديد قيمة العملة والسلع والخدمات ،وقد اتخذت الحكومة الجزائرية لاللتزام بهذه الشروط عدة
تدابير عن طريق التحكم في حجم الكتلة النقدية نظ ار لفائض السيولة الذي كان يعاني منه االقتصاد الوطني إلى جانب
التخفيض من اإلنفاق الحكومي وكذلك الواردات لمحاولة معالجة عجز ميزان المدفوعات ،كما واصل الدينار انخفاضه
ليرتفع من 8.032دينار مقابل الدوالر إلى 10.95دينار مقابل الدوالر الواحد ،وأدخل نوع من المرونة على األسعار
المحلية التي كانت حتى سنة 1989أسعار إدارية).(1
واستجابة لشروط صندوق النقد الدولي ،أصبح من الضروري إحداث تغيير على مستوى المنظومة التشريعية
لتتماشى والتوجهات الجديدة لسياسة اإلصالح االقتصادي المتبعة ،وبدأت هذه التغييرات بإصدار القانون رقم 71/96
المؤرخ في 7696/11/14المتعلق باألسعار ،والذي يمكن اعتباره خطوة أولية في سبيل إرسـاء قواعد نظام السوق،
وذلك نتيجة تحريره الجزئي لألسعار وتبنيه لمقاييس حساب تكاليف اإلنتاج وحالة العرض والطلب في المنافسة
االقتصادية.
إضافة لهذا ،وإلصالح النظام المالي والبنكي ،تم إصدار القانون 71/61المؤرخ في 7661/19/79والمتعلق
بالنقد والقرض ،والذي بموجبه أصبح البنك المركزي يسمى بنك الجزائر ومؤسسة مستقلة عن الدولة مكلفة بوضع ومتابعة
كما أن هذا القانون حمل في طياته قواعد جديدة لحركة رؤوس األموال مع الخارج وتواجد المؤسسات المالية
واالقتصادية األجنبية في الجزائر ،وذلك كوسيلة لتشجيع االستثمار األجنبي الذي يمكن أن يساعد على خلق ديناميكية
جديدة في االقتصاد ،والمشاركة في التنمية.
من جهة أخرى ،لقد أقر قانون النقد والقرض 71/61بضمان إمكانية إعادة تحويل رؤوس األموال والنتائج
والمداخيل والفوائد ،وذلك بناءا على االتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الجزائر والتي تلتزم باحترامها ،وفي هذا اإلطار
فإن مجلس النقد والقرض يعتبر الهيئة المخولة قانونا بإصدار تراخيص على االستثمار في القطاع المالي واالقتصادي
واعتماد االستثمار األجنبي في الجزائر ،وتم بذلك تصريح السلطات بموجب هذا القانون للسماح بإنشاء البنوك الخاصة،
كما تم إلغاء التخصيص في التعامل مع البنوك التجارية بالنسبة للمؤسسات العمومية ،وأصبحت لها الحرية في التعامل
مع أي بنك).(1
-إمكانية ترحيل خسائر الخمس سنوات األخيرة ،كتحفيز للمؤسسات لالستثمار واإلنعاش ،السيما منها الحديثة
النشأة التي تزداد نفقاتها في بداية النشاط.
-تخفيض معدل الضريبة التي تصيب األشخاص المعنويين من %44إلى %91سنة .7667
-إقرار نظام االهتالك المتناقص الذي يسمح للمؤسسات من خصم مخصصات اهتالك مرتفعة في السنة األولى.
-إعفاء الشركات والمؤسسات العمومية المحلية ذات الطابع التجاري والصناعي من الضريبة على األرباح لمدة
ثالث سنوات ،ابتداء من دخولها حيز االستغالل ،مع تمديد هذه الفترة إلى خمس سنوات في المناطق المراد
ترقيتها.
لجأت الجزائر مرة ثانية إلى صندوق النقد الدولي من أجل تعميق اإلصالحات في المجال االقتصادي ،وتم إبرام
اتفاق ثاني بتاريخ 7667/19/17مدته عشرة أشهر ،وقد تضمنت رسالة النية األهداف العامة التي أبدت السلطات
-تقليص "دور الدولة في الحياة االقتصادية" ،والعمل على ترقية نمو المؤسسات العمومية والخاصة.
-ترشيد االستهالك واالدخار ،والغاء االختالالت والتشوهات الناجمة عن الضبط اإلداري ألسعار السلع والخدمات
وسعر الصرف.
تحصل الجزائر بموجبه على قرض قيمته 350مليون دوالر ،وتضمن هذا االتفاق مجموعة من الشروط:
-تخفيض الفائض في الميزانية قصد توجيهه لتمويل التطهير المالي للمؤسسات العمومية.
-تحرير األسعار.
تشير شروط هذا االتفاق إلى تعديلها لإلصالحات المالية والنقدية مثلما كان في االتفاق األول ،ليشمل إصالح
التجارة الخارجية ،وكذا المؤسسات العمومية عن طريق الخوصصة ،باإلضافة إلى أنه يرمي إلى تحقيق الحرية
االقتصادية ،و"تقليص دور الدولة" تدريجيا عن طريق تحرير التجارة الخارجية وأسعار السلع والخدمات وأسعار الصرف،
وكذا أسعار الفائدة باعتبارها أسس النظام االقتصادي الحر ،إلى جانب الحد من "تدخل الدولة" عن طريق تخفيض
النفقات ورفع الدعم عن السلع األساسية).(1
-1شبايكي سعدان ،معوقات الخوصصة في الجزائر ،مجلة العلوم االجتماعية واالنسانية لجامعة باتنة ،العدد ،1119 ،74ص 2741
140
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
ووفق شروط صندوق النقد الدولي ،اتخذت الجزائر مجموعة من التدابير االقتصادية والمالية ،ففي المجال النقدي
تمت اإلجراءات التالية:
-ارتفاع نسبة إعادة الخصم من %11وهو المستوى الذي عرفته سنة 1989إلى %71سنة 7667ثم %7724
سنة .7661
وفي الجـانب المـالي فقد انتهجت سياسة تقشفية صـارمة للنفقات العامة للدولة بهدف التخفيف من حدة التضخم،
وتقليص"عجز الميزانية العامة للدولة".
كما تم مواصلة عملية انزالق الدينار حتى سبتمبر ،1991ليتم بعد ذلك تخفيض قيمته بنسبة %41حيث انتقل
سعر صرف الدوالر بالدينار من 9دينار لكل دوالر سنة 1990إلى 18.5دينار لكل دوالر سنة ،7661وبالنسبة لنظام
األسعار فقد تم تحريرها أكثر حيث عرفت أسعار بعض السلع األساسية ارتفاعا محسوسا ،كأسعار النقل والمنتجات
الطاقوية نتيجة رفع الدعم عنها ،وتم ذلك مع نهاية جوان 1992حيث تم رفع الدعم عن 18منتوجا أساسيا ،ولم يبق
يخضع لهذه العملية إال أربع منتجات أساسية.
ولمواجهة االنعكاسات السلبية على االستقرار االجتماعي وحماية الفقراء من نتائج تصحيح األسعار الجبرية للمواد
الغذائية ،نتيجة ارتفاع األسعار فقد طبقت الدولة نهاية 1991نظام شبكة اجتماعية عن طريق تقديم عالوات نقدية
لعديمي الدخل ولذوي الدخل المحدود ،حيث أنه بحلول سنة 1993أصبح هذا النظام يغطي أكثر من %91من عدد
السكـان وبلغت تكلفته حوالي %11من الناتج المحلي اإلجمالي سنة .(1)7661
ومن جهة أخرى ،وبهدف الحصول على إيرادات إضافية لمواجهة العجز والتخفيف من عبئ المديونية وتفادي مشكل
إعادة الجدولة ،عمدت الدولة إلى تعديل قانون المحروقات رقم 79/99المؤرخ في 7699/19/76عن طريق القانون
رقم 17/67المؤرخ في 7667/71/19والذي يسمح من خالله للشركات األجنبية باستغالل باطن األرض بمشاركة
سوناطراك بنسبة %74وذلك في سبيل رفع اإلنتاج خاصة بعد إقدام الشركات األجنبية التي تملك تكنولوجيا عالية إلى
جانب قدراتها المالية على االستثمار ،وذلك نظ ار لما تحتاجه عمليات البحث والتنقيب من مبالغ استثمارية ضخمة تفتقر
إليها الجزائر آنذاك.
-1كريم النشاشيبي وآخرون ،الجزائر تحقيق االستقرار والتحول إلى اقتصاد السوق ،صندوق النقد الدولي ،7669 ،ص 291
141
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
أما فيما يتعلق بالمؤسسات االقتصادية العمومية ،والتزاما بشروط صندوق النقد الدولي من خالل االتفاق والمتعلقة
بالخوصصة ،فقد تمت مراجعة وتعديل القانون التجاري الجزائري بالمصادقة على المرسوم التشريعي ،7669/19/14
والذي أصبحت بموجبه المؤسسات االقتصادية العمومية "قابلة لإلفالس" كباقي الشركات الخاصة بعد أن كانت ال
تخضع لهذه العملية كونها تمثل "سيادة الدولة" ،فالمؤسسات العمومية التي يثبت توقفها عن دفع ديونها يمكن أن تتعرض
لعملية التصفية في حالة مطالبة دائنيها بذلك ،ويعتبر هذا المرسوم خطوة أولية لتسهيل عملية الخوصصة ،وذلك بإزالة
الغطاء القانوني الذي كان يحميها من اإلفالس.
كما نشير أنه تم إصدار مرسوم تشريعي آخر رقم 71/67بتاريخ 7667/14/17والمتعلق بسوق القيم المنقولة،
وكان الهدف منه إحداث مكانيزمات جديدة لتمويل وتقييم االستثمارات في إطار سوق مالي يتم فيه تداول األوراق المالية،
وذلك لتسهيل عملية الخوصصة ،وتكون بذلك هذه السوق المالية مصد ار جديدا لتمويل االستثمارات.
من جهة أخرى ،ولتسريع اإلصالحات االقتصادية واحداث ديناميكية جديدة في االقتصاد عن طريق تشجيع
االستثمار الخاص األجنبي والمحلي ،فقد تم إصدار المرسوم التشريعي رقم 71/67المؤرخ في 7667/71/14والمتعلق
باالستثمار والذي تضمن تنظيمات جديدة خاصة باالستثمار ،وكذا مختلف التحفيزات الجبائية المتعلقة به.
شهد االقتصاد الجزائري مع نهاية 1993وبداية 1994أزمة مالية داخلية وخارجية ،وعـدم المقدرة على الدفع ،وثقل
عبئ خدمة الدين كنتيجة النخفاض أسعار البترول ،مما دفع بالسلطات الجزائرية إلى صياغة برنامج شامل للتصحيح
حضي بمسـاعدة صندوق النقـد الدولي ،وترتب على ذلك اللجوء إلى "إعادة جدولة الديون الخارجية" مع االلتـزام بتنفيذ
بـرنامج استقرار في إطار استعداد ائتماني مدته سنة ابتداء من أفريل 7669إلى مارس .7664
وقد عقد اجتماع بين السلطات الجزائرية والدول الرئيسية الدائنة )اليابان ،فرنسا ،إيطاليا ،ألمانيا ،بريطانيا ،الواليات
المتحدة األمريكية ( برئاسة نادي باريس إلعادة جدولة الديون الخارجية المقدرة بـ 17مليار دوالر ،واعادة ترتيب آجال
السداد على مدى ستة عشر عاما منها فترة سماح من الدفع مدتها أربع سنوات مع إعادة جدولة خمسة ماليير دوالر
كمرحلة أولى من الدين الرسمي.
-دفع معدل النمو االقتصادي بغية استيعاب الزيادة في اليد العاملة وخفض البطالة تدريجيا.
-اإلسراع في تحقيق التقارب بين معدالت التضخم السائدة في الجزائر مع المعدالت السائدة في الدول الصناعية.
-استعادة قوة ميزان المدفوعات مع تحقيق مستويات مالئمة من احتياطات النقد األجنبي.
سمح توفير هذه المبالغ من التمويل الخارجي ،بإحداث زيادة في معدل االستيعاب خالل السنة األولى من البرنامج،
وهذا ما دل عليه التحول في ميزان الحساب الجاري من فائض نسبته %76من الناتج المحلي اإلجمالي عام ،7667
إلى عجز نسبته %927من الناتج المحلي اإلجمالي عام .(1) 7669
المطلب الثالث :التدابير العملية لبرنامج التصحيح الهيكلي )ماي /7668ماي .(7669
بعد سلسلة االتفاقات االئتمانية التي وقعتها الجزائر مع صندوق النقد الدولي وتطبيقها ،وقعت الجزائر مع هذا
األخير على برنامجا للتصحيح الهيكلي يمتد على ثالث سنوات من ماي 1995إلى ماي ،1998وهذا العنصر يوضح
"تقلص دور الدولة بنسبة كبيرة في النشاط االقتصادي" ودخول الجزائر مرحلة تمهد لأللفية الثالثة والخاضعة "لعولمة
كبيرة" ومختلف عواملها وتأثيراتها.
وقبل التعرض بالتحليل لهذه التدابير يجب التذكير أن هذه األخيرة أصبحت جزء ال يتج أز من الثقافة العامة لشرائح
واسعة من مجتمعات البلدان المتخلفة بسبب آثارها االجتماعية السلبية.
واذا كان خبراء صندوق النقد الدولي يقرون بقسوة هذه اإلجراءات اجتماعيا فإنهم يعتبرونها بمثابة جرعة الدواء المرة
التي تسبق شفاء المريض ،أي أن هذه اإلجراءات ضرورية وحتمية على اعتبار أن هذه البلدان ال يمكن لها أن تعيش
فوق طاقتها االستيعابية وأن أي تأخر في مباشرة التصحيحات في وقتها المناسب سيجر حتما البلد إلى إجراء تصحيحات
مستقبال بأكثر تكلفة "اقتصاديا ،اجتماعيا وسياسيا").(2
إن مجموعة التدابير المكونة لبرنامج التصحيح الهيكلي يمكن حصرها فيما يلي:
-7سياسة الموازنة:
بما أن خبراء صندوق النقد الدولي يفسرون أزمة البلدان المتخلفة بأنها نتيجة لإلفراط في الطلب الكلي كما سبق
التذكير بذلك بسبب السياسات التوسعية المتبعة فإن سياسات الموازنة العامة في إطار برنامج التصحيح تهدف إلى
التقليص أو القضاء على العجز لخفض معدالت التضخم إلى مستويات مماثلة لتلك الموجودة في البلدان المتطورة وعلى
-رفع الدعم عن منتجات الطاقة )الوقود( الكهرباء وذلك بهدف ترشيد االستهالك.
وذلك من خالل:
-زيادة اإليرادات الضريبية من خالل توسيع الوعاء الضريبي ليشمل أطرافا أخرى من جهة
ومكافحة التهرب الضريبي مع اإلبقاء على معدالت ضريبية منخفضة ويتم ذلك من خالل
إجراء إصالحات ضريبية شاملة.
وتكون عادة هذه التدابير مدعومة بتدابير نقدية صارمة تهدف إلى الحد من كل توسع نقدي يمكن أن ينجز عنه
عودة التضخم النقدي.
-2السياسة النقدية:
-زيادة سعر الفائدة الدائنة والمدينة للحد من القروض المصرفية للقطاع العام من جهة
وتشجيع االدخار من جهة ثانية.
جملة هذه التدابير تهدف عموما لتقوية ميزان المدفوعات وتحرير المعامالت الخارجية ويمكن عرض هذه األخيرة
بصورة عامة بشكل موجز كما يلي):(1
-تخفيض سعر العملة الوطنية وذلك لتقليص الواردات التي تصبح قيمتها أكبر بالعملة المحلية وتشجيع الصادرات
التي تكتسب قدرة تنافسية بفعل هذا اإلجراء حيث تصبح قيمتها بالعملة األجنبية أقل.
-إلغاء األساليب التميزية سواء بين القطاع العام والقطاع الخاص أو بين المستثمرين المحليين والمستثمرين
األجانب.
إذا كانت تلك هي مجموعة التدابير المكونة لوصفة العالج القتصاديات البلدان المتخلفة التي تعاني من إختالالت
داخلية وخارجية كبيرة .فما هي نتائج هذه الوصفة بالنسبة لالقتصاد الجزائري لعالج أزمته الخانقة التي مر به؟.
إن الحركية الجديدة التي ستقوم الحكومة "بإضفائها على عالقاتها االقتصادية الخارجية" تتوقف على حد سواء على
الوسـائل المادية والمالية التي يمكن حشدها على الصعيد الوطني وعلى وسائل شركائها االقتصاديين والتجاريين ،كما أن
حشد االستثمار األجنبي وكذا الوطني هو ،من هذا المنطلق ،معيار جد حساس الستم اررية تطورها االقتصادي
واالجتماعي ،ولمواكبة مختلف التطورات االقتصادية والمتغيرات العالمية في األلفية الثالثة قامت الجزائر بإتباع
برنامجا لإلنعاش االقتصادي 1119/1117وبرنامجا لدعم النمو 1116/1114باإلضافة إلى السعي إلى تأهيل
االقتصاد الجزائري لالندماج في االقتصاد العالمي ومواجهته لمختلف األزمات االقتصادية.
إن برنامج اإلنعاش االقتصادي يمتد على فترة 1119/1117ويتمحور حول األنشطة الموجهة لدعم المؤسسات
واألنشطة اإلنتـاجية الفالحية وأخـرى ،كما خصصت لتعـزيز المصلحة العامة في ميدان الري ،النقل والمنشـآت ،تحسين
المستوى المعيشي ،التنمية المحلية ولتنمية الموارد البشرية.
146
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
وتطبيقا لبرنامج الحكومة ،فإنه يدفع باألنشطة االقتصادية عبر كافة التراب الوطني وعلى وجه الخصوص في
المناطق األكثر حرمانا ،كما ترمي تلك األنشطة إلى خلق مناصب الشغل وتحسين القدرة الشرائية للمواطن الجزائري،
فهي تندرج في إطار مكافحة الفقر .كما ترمي إلى التقليص من عدم التوازن الداخلي وما بين الجهات).(1
إن رسم التصور التنموي لالقتصاد الجزائري في ظروف اقتصادية تتميز بسرعة التغيير ،ينطلق من وصول برنامج
التعديل الهيكلي إلى تحقيق أهدافه فيما يخص التوازنات الكلية لالقتصاد الوطني ،وكذلك تحقيق أهدافه فيما يخص
اإلنعاش واعادة بعث عملية النمو من جديد.
ولقد مكن التعديل من إعادة التوازن لميزانية الدولة في سنة ،1995وحقق فائض في سنة ، 1996كما تم تقدير
معدال سنويا للنمو يساوي %19مع توقع معدل متوسط للنمو يساوي %14في الفترة ما بين 1997و ،2000حيث
دلت التوقعات على تحقيق فائض في الميزان التجاري انطالقا من سنة 1998وهو ما كان سيسمح بمعالجة الديون
بمساعدة نمو الناتج المحلي الخام ،ولكن انخفاض أسعار البترول في تلك الفترة حال دون ذلك ،ومكن العمل ببرنامج
التثبيت من امتصاص إختالالت االقتصاد الوطني ،حيث تم وضع حد للركود االقتصادي من خالل توقيف نسبة تراجع
الناتج المحلي الخام عند ) ،(0.9-ومن أجل تدعيم االستقرار النقدي وتحفيز عملية النمو ،انتهجت الجزائر سياسة
صارمة وضعت من خاللها برنامجا تعديلي للمدى المتوسط مسند باتفاق التسهيل الموسع لتدعيم النمو االقتصادي بقوة.
-زيادة معتبرة في حجم القيمة المضافة التي حققها القطاع الفالحي سنة 1994والتي قدرت بحوالي %74مقابل
نسبة % 929للمحروقات ،ونسبة % 121لقطاع البناء واألشغال العمومية والخدمات ،مع تراجع حاد للقطاع
الصناعي ).(% 729-
-تراجع معدل توسع الكتلة النقدية إلى %7124مقابل توقع قدر بـ %79سن .1994
-مواصلة تعديل صرف الدينار سنة 1995وفق آليات التثبيت المنتهجة من طرف بنك الجزائر.
-تحسن مستوى التنافس الخارجي لالقتصاد الوطني من خالل تحفيز الصادرات واستحداث آليات تأمين مالئمة
لقروض التصدير.
1
- Services du chef du gouvernement , Le plan de la relance économique 2001-2004, les composantes du
programme, p 04.
2
- Services du chef du gouvernement , Le plan de la relance économique 2001-2004, op cit, p 05.
147
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
-تحسين الحماية االجتماعية وتنظيم السوق.
-تنمية محيط محفز للقطاع الخاص وهو ما نص عليه قانون االستثمار لسنة .1993
-إصالح النظام الضريبي والجمركي بما يتوافق مع تحفيز النشاط االقتصادي ،وكذلك جذب االستثمارات
األجنبية.
من خالل هذا البرنامج تم تسطير مجموعة من األهداف يمكن تلخيصها فيما يلي):(1
وفي هذا الصدد نستعرض محتوى البرنامج على مختلف القطاعات وذلك في الفروع التالية:
-7.7.2الفالحة:
يندرج هذا البرنامج في إطار المخطط الوطني للتنمية الفالحية ،ويتمحور حول البرامج ) (PNDAالمرتبطة بـ):(2
-تكثيف اإلنتاج الفالحي شاملة المواد الواسعة االستهالك وترقية الصادرات من المنتجات الفالحية.
-إعادة تحويل أنظمة اإلنتاج للتكفل أحسن بظاهرة الجفاف في إطار إجراء خاص.
-1زرنوح ياسمينة ،إشكالية التنمية المستدامة في الجزائر ،رســلة مــاجستير ،العلوم االقتصادية فرع التخطيط ،جامعة الجزائر،1119 ،
ص 2719
-2عالوي لعالوي وآخرون ،استقاللية المؤسسة العمومية االقتصادية ،جامعة الجزائر ،الجزائر ،2002 ،ص 276
148
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
-حماية األنظمة البيئية الرعوية وتحسين العرض العلفي.
-مكافحة الفقر والتهميش ،السيما عن طريق مشاريع تجريبية للتنمية الجماعية ومعالجة ديون الفالحين.
بالرغم من طاقاته ،فإن هذا القطاع ال يحض بالعناية المستحقة له ،نظ ار لطول الساحل الجزائري ،يمكن القول أن
الصيد مصدر ثروة لم يستغل بكفاية.
إن البرنامج يتضمن أساسا في أول وهلة ) البناء ،التصليح والصيانة البحرية... ،إلخ ( وآخر )التكييف ،التقييم،
التبريد ،النقل... ،إلخ ( لألنشطة اإلنتاجية.
إن إنجاز هذا البرنامج يتطلب إجراءات تأسيسية وهيكلية مرفقة يجب التكفل بها في إطار قانون المالية 1117
وبواسطة آليات أخرى مناسبة.
-تخصيص الموارد للصندوق الوطني المساعد في الصيد التقليدي والصيد البحري ) (FNAPAAالوسيلة
المفضلة لتشغيل وتنفيذ البرنامج.
-إنشاء مؤسسة للقرض من أجل الصيد وتربية المائيات ،بفتح فرع لدى صندوق التعاون الفالحي )، (CNMA
الذي يتمتع بشبكة للصناديق على مستوى مراكز الصيد وتربية المائيات.
-إدخال إجراءات جبائية ،شبه جبائية وجمركية رامية إلى دعم نشاط المتعاملين.
-معالجة ديون المهنيين المتعاقدين من طرف المستفيدين من مشاريع FIDAو 121) CEEمليار دج(.
-إن البرنامج المقترح والمقدر بـ 113مليار دج ،يحدد "نشاط الدولة ودور الدولة" في التكفل باالنشغاالت المحلية
على عدد مستويات" ،التدخل" فيما يخص التحسين النوعي والمستدام لإلطار المعيشي للمواطنين.
-إن البرنامج يتضمن انجاز مخططات بلدية ) (PCDموجهة أغلبها لتشجيع التنمية والتوزيع التوازني للتجهيزات
واألنشطة على كافة التراب الوطني.
-إن المشاريع المرتبطة بالطرق )طرق بلدية ووالئية( ،الماء ) AEPتطهير( والمحيط ،وكذلك الخاصة بإنجاز
البنى التحتية لالتصال تشجع كلها على استقرار ورجوع السكان ،السيما منها المناطق التي مسها اإلرهاب.
معبر عنها بمشاريع رامية إلى تنمية مستدامة على صعيد المجموعات
ا -يستجيب هذا البرنامج لحاجات ملموسة،
اإلقليمية.
إن البرنامج المقترح بالنسبة لهذه الفترة في ميدان الشغل والحماية االجتماعية يتطلب غالف مالي يقدر بـ 16مليار
دج.
فهو يخص برامج األشغال ذات الكثافة العالية لليد العاملة والمتعلقة بالواليات ) (TUP-HUMOالمحرومة.
إن هذه البرامج من شأنها أن تسمح بعرض إضافي لـ 70.000منصب شغل دائم بالنسبة لتلك الفترة لتكلفة قدرها 11
ماليير دج ،أمـا عن النشـاط االجتماعي ،يتعلق األمـر بنشاطات التضامن اتجـاه السكان األكثر ضعفا ) 13ماليير دج(،
إعادة االعتبار للمؤسسات المتخصصة ) 13ماليير دج( ،واكتساب 500حافلة نقل مدرسي للبلديات المحرومة )0.7
مليار دج ( وأخي ار ) 13ماليير دج ( ترمي إلى تأطير سوق العمل).(1
1
- Abd el Hamid Brahimi, L’économie algérienne, OPU, Alger, 2004, p 412.
150
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
في إطار األشغال الكبرى للتجهيز والتهيئة العمرانية قدر الغالف المالي بـ 210.5مليار دج .هذا البرنامج يتشكل
من ثالثة جوانب :التجهيز الهيكلي للعمران ،إعادة إحياء الفضاءات الريفية في الجبال ،الهضاب العليا والواحات والسكن
والعمران.
تهدف إلى تحسين إطار معيشة سكان المراكز الحضارية الكبرى حيث يتمركز الفقر ،وتم تقدير هذا البرنامج بـ
79126مليار دج تتوزع على الشكل التالي:
التخصيص المجاالت
31.3مليار دج البنى التحتية للموارد المائية
باإلضافة إلى تأمين الموانئ والمطارات والطرق ،ويهدف هذا البرنامج إلى تعزيز األمن عبر نقاط دخول الموانئ
والمطارات والطرق بواسطة وسائل الكشف والمراقبة قصد حماية االقتصاد الوطني من الغش والمساس به حيث قدرت
تكلفته بـ 1.7مليار دج). (1
وكذلك االتصاالت مثل مشروع الحظيرة التكنولوجية للمدينة الجديدة سيدي عبد اهلل ،تكلفة هذا المشروع تقدر بـ10
مليار دج.
إن هذا البرنامج ينص على حماية الفضاءات الساحلية على طول الخط الساحلي والمحافظة على مستوى مناطق
الهضاب العليا والجنوب ،واعطاء نفس جديد لألحياء المحرومة على مستوى المراكز الحضرية ،وسمح هذا البرنامج
-1حبارك سمير ،تطور المديونية الخارجية للدول الناميَة حالة الجزائر ،1111/7661مرجع سابق ،ص 2794
151
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
بتحسين ملحوظ في حياة السكان المعنيين وسيكون السبب في خلق مناصب الشغل ،هذا البرنامج يتوزع على الشكل
التالي:
التخصيص المجاالت
6.1مليار دج المحيط
تقدر تكلفة البرنامج بـ 90.3مليار دج ،تم اختيار المشاريع وفقا النعكاسها المباشر على حاجيات السكان ،وكذا
لتقييم اإلمكانيات والقدرات الموجودة )منشآت الصحة والتربية( ،كما احتفظ بالبرامج التي تقدر اإلمكانيات العلمية والتقنية
والتي تقلص من ضغط تدفق الطلبة عند الدخول الجامعي).(1
البشرية
َ تنمية الموارد
توزيع برنامج َ
التخصيص المجاالت
27مليار دج التربية الوطنية
-1أخلف محمد ،االستثمار األجنبي المباشر في الجزائر ،رسالة ماجستير ،علوم التسيير ،جامعة الجزائر ،1114 ،ص 244
152
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
18.9مليار دج التعليم العالي
إن تطبيق برنامج اإلنعاش االقتصادي يتطلب تجنيد موارد هامة ،ومن أجل إنجازه وبأقل تكلفة والحصول على نتائج
مرضية ،وجب تطبيق مجموعة من التعديالت المؤسسية والهيكلية التي سوف تسمح بإنشاء محيط يسهل تطبيق قوى
السوق بصفة فعالة ،وفي هذا اإلطار تم اتخاذ مجموعة من التدابير الجبائية واألحكام المالية والتي يمكن تلخيصها في
الجدول التالي):(1
يتبين لنا من الجدول أعاله ،من أجل الوصول إلى األهداف المسطرة في البرنامج ،ثمة عدة تغييرات وجب التطرق
إليها لجعل المحيط االقتصادي يتالءم مع االقتصاد العالمي ،من أجل ذلك قامت الحكومة بتبني مجموعة من السياسات
المصاحبة لبرنامج دعم اإلنعاش االقتصادي أي تخصيص موارد مالية ترمي إلى تشجيع االستثمار وتحسين عمل
المؤسسة واإلسراع في إجراءات الشراكة وفتح رأس المال ،باإلضافة إلى التحضير لالنضمام للمنظمة العالمية للتجارة
والشراكة مع اإلتحاد األوروبي).(1
تميزت السنوات 1119/1117بإنعاش مكثف للتنمية االقتصادية رافق استعادة األمن عبر ربوع الجزائر وتجسد هذا
اإلنعاش من خالل نتائج عديدة هامة نذكر منها على الخصوص ما يلي:
-استثمار إجمالي بحوالي 46مليار دوالر)أي 3.700مليار دج( ،منها حوالي 30مليار دج )أي 2.350مليار
دج ( من اإلنفاق العمومي.
-نمو مستمر يساوي في المتوسط % 729طوال السنوات الخمس ) بنسبة %929في سنة .(2003
لقد شكلت االنتخابات الرئاسية في 08أفريل 2004منعطفا حاسما في مسار التقويم الوطني الذي عكفت الجزائر
على انتهاجه ،حيث سجل التزام السيد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بمواصلة وتكثيف المسار المتمثل في إعادة
بناء االقتصاد الوطني ،وزيادة على ذلك فقد تم تأكيد هذا االلتزام بالتعليمة الرئاسية التي وجهتها الحكومة فور تنصيبها
من اجل تحضير برنامج تكميلي لدعم النمو.
وفي ظل استم اررية مسار اإلنعاش االقتصادي الجاري ،تعتزم الحكومة تكييف مقاربتها قصد):(1
-استكمال اإلطار التحفيزي لالستثمار عن طريق إصدار نصوص تنظيمية من شأنها أن تتمم قانون االستثمار
وتطوير التدابير الكفيلة بتسهيل االستثمار الخاص الوطني أو األجنبي.
-مواصلة تكييف األداة االقتصادية والمالية الوطنية مع االنفتاح العالمي سواء تعلق األمر بتأهيل أداة اإلنتاج أو
باإلصالح المالي والمصرفي.
-انتهاج سياسة ترقية الشراكة والخوصصة مع الحرص الشديد على تعزيز القدرات الوطنية في مجال خلق الثروات
ومناصب الشغل وترقية التنافسية.
-تعزيز مهمة ضبط ومراقبة الدولة قصد محاربة الغش والمضاربة والمنافسة غير المشروعة التي تخل بقواعد
المنافسة والسوق على حساب المؤسسات الوطنية المنتجة.
إن االصالح في المجال االقتصادي ذو أهمية كبيرة في برنامج دعم النمو ،حيث ينبني على مجموعة من
الركائز تتلخص فيما يلي):(2
إن المراجعة التشريعية والتنظيمية التي سبق إج ارؤها أو الواجب استكمالها في إطار التحضير للشراكة الفعلية مع
االتحاد األوروبي واالنضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة وكذا قانون االستثمار الذي تم مراجعته ،توفر إطا ار قانونيا
مالئما لترقيم االستثمار.
وتعتزم "الحكومة العمل على مضاعفة فعالية الوكالة الوطنية لتطوير االستثمار ) ،(ANDIولجان مساعدة مشاريع
االستثمارات وتحديد موقعها ) ،"(CALPIوستعرف هذه اآلليات االنطالق الفعلي لـ"الشباك الواحد" لصالح المستثمر،
كما ستتطور في آن واحد دور هذه اآلليات في مجال االستثمار والتوجيه لصالح المستثمرين الجزائريين.
-1دليل الجزائر االقتصادي واالجتماعي ،المؤسسة الوطنية للنشر واإلشهار ،2006 ،ص 246
-2دليل الجزائر االقتصادي واالجتماعي ،نفس المرجع ،ص 291
155
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
كما سـ "تسهر" الحكومة على تحسين مستوى جهودها ومواصلتها لجلب االستثمار األجنبي.
فيما يخص العقار الصناعي الذي غالبا ما يشار إليه على أنه عائق أمام ترقية االستثمار ،فقد سبق وأن كان محل
إصالح لتسيير المناطق الصناعية ومناطق النشاط وهو اإلصالح الذي سوف يتم استكماله على المدى القصير.
إن هذا اإلصالح يسمح بتثمين المناطق الموجودة ،وتطوير مناطق جديدة ،وجمع الخدمات الضرورية للمستثمر في
هذه الفضاءات واتاحة هذه الممتلكات في ظل الشفافية ،كما سيتكفل هذا اإلصالح بفائض العقار العمومي على مستوى
المؤسسات العمومية وسيتم إصالحه وتثمينه.
وستعمل "الحكومة" أيضا على استكمال عملية مسح األراضي على المستوى الوطني ،واستكمال مخططات التهيئة
والتعمير عبر الوطن ،وكذا العمل على احترام التشريع المتعلق بتهيئة اإلقليم ،وذلك بغية مضاعفة العرض في مجال
أراضي البناء لفائدة االستثمار في ميادين الترقية العقارية والسياحة.
أما بالنسبة للعقار الفالحي ،فإن "الحكومة" تقترح ضمن هذا البرنامج تشريعا يؤسس لنظام االمتياز الذي سيضبط
بكيفية واضحة حقوق مانح وصاحب االمتياز وواجبات كل منهما ،إن اللجوء إلى منح االمتياز بالنسبة لألراضي الفالحية
التابعة ألمالك الدولة سيسمح بإقامة صلة متينة بين األرض ومستغلها ،وسيفضي إلى حماية هذه الثروة الوطنية من
تحويلها عن طابعها األصلي ،وسيسهل للفالح في نهاية المطاف عملية الحصول على القرض الضروري لتنمية النشاط
الفالحي).(1
وستعكف "الحكومة" بالموازاة مع ذلك ،على تسهيل عملية تسهيل سندات الملكية في إطار القانون ،إلى مالك
األراضي الفالحية الخاصة المنتقلة عن طريق الوراثة ،مع استبعاد إضفاء الطابع القانوني على وضعيات األمر الواقع
فيما يخص الحيازات غير القانونية لألراضي التابعة للدولة ،كما ستفتح الدولة في ظل التشاور ورشة التشريع المخصص
لألراضي الرعوية).(2
-1دليل الجزائر االقتصادي واالجتماعي ،المؤسسة الوطنية للنشر واإلشهار ،مرجع سابق ،ص 299
-2زرنوح ياسمينة ،نفس المرجع ،ص 2766
156
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
إن تطوير االستثمار يتطلب احترام جميع المتعاملين قواعد الشفافية والمقاييس والقوانين ،غير أنه ينبغي أن نالحظ
أن ظهور اقتصاد السوق في بالدنا مؤخ ار صاحبه ظواهر طفيلية وضارة فعقدت الحكومة العزم على محاربتها).(1
وتعتزم "الحكومة" دعم مكافحة االقتصاد غير الرسمي الذي صار مصدر ريع مرده إلى الغش ،يعرقل تطوير
االستثمار ويعرض المؤسسات العمومية والخاصة التي تمارس نشاطها في ظل احترام القانون للخطر.
إن عصرنة المنظومة المالية ورشة مفتوحة ينبغي استكمالها في الوقت الحاضر على ضوء الظروف االقتصادية
الكلية المالئمة أكثر ،وفي سياق المسار الشامل لإلصالحات الذي يتحكم في نجاحها.
-تحسين إدارة البنوك والمؤسسات العمومية للتأمين بما في ذلك الترقية النشيطة للشراكة.
-تعزيز سوق رؤوس األموال وضبطها الفعال ،سواء تعلق األمر بالفروع أو المنتجات ،من أجل حشد مكثف
للموارد الداخلية لتطوير االستثمار ،وتسيير نشيط أكثر لألصول المالية.
-التطوير المؤسساتي للقطاع المالي السيما من خالل إقامة صندوق ضمان القروض لفائدة المؤسسات الصغيرة
والمتوسطة ،وصناديق االستثمارات األخرى.
-التطوير المنظم للموارد البشرية في القطاع المالي سواء تعلق األمر بالبرامج أو بالمؤسسات ،السيما من أجل
التحكم في المهن الجديدة.
-1هدير عبد القادر ،واقع السياحة في الجزائر وآفاق تطويرها ،رسالة ماجستير ،جامعة الجزائر ،1119 ،ص 2111
-2هدير عبد القادر ،نفس المرجع ،ص 2111
157
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
إن النهوض بتنمية مستمرة أو مستدامة ومنصفة يتطلب مجهودات كبيرة وجبارة على جميع المستويات:
-7.2تثمين الثروات الوطنية وتطويرها :من خالل مختلف القطاعات الحساسة التالية:
ستقوم"الحكومة" باستكمال الترتيبات التشريعيـة والتنظيمية والمؤسساتية من أجل جلب االستثمار الخاص الوطني،
والمزيد من االستثمارات األجنبية المباشرة أو االستثمارات في شكل شراكة في قطاعات المحروقات والطاقة والمناجم بما
في ذلك األنشطة مثل تلك الواقعة في المراحل الالحقة إلنتاج المحروقات وأنشطة إنتاج الطاقات المتجددة.
إضافة إلى هذا ستعمل "الحكومة" على تكييف وعصرنة المنشآت األساسية المينائية المعدة لتصدير المحروقات
لتتماشى مع تطور اإلنتاج .وستعمل كذلك على ضبط تسعيرة الكهرباء والغاز ،السيما بالنسبة إلى المناطق والفئات
المحرومة ،وكـذلك احتياجـات النمو والتنمية فـي ميدان االستثمـار وفـي القطاعات االقتصـادية مثل الصناعة ،الفالحة،
السياحة والمؤسسة الصغيرة والمتوسطة.
وستواصل كذلك وبشكل ملموس تشجيع إيصال الغاز وغاز البروبان المميع والطاقات المتجددة وجعله في مستوى
هام عبر البالد.
كما أنه سيتم تطوير سياسة في مجـال تحقيق هوامش الربـح في المنتجات النفطية قصد ترقية االستثمار الوطني،
وأخي ار ستسهر الحكومة على إزالة االحتكارات الفعلية تدريجيا وعلى إيجاد أدوات لضبط أنشطة االحتكار.
إن هذا الميدان الذي يمثل مكمن معتب ار للنمو والتشغيل عرف تقدما معتب ار خالل السنوات األخيرة بفضل المخطط
الوطني للتنمية الفالحية وبفضل الموارد المالية الكبرى التي خصصتها لها "الدولة" ،تحققت حاالت تقدم كبيرة في مجال
اإلنتاج الفالحي واستصالح األراضي واستحداث مناصب العمل.
وكما سبق اإلشارة إلى ذلك ،فإن "الحكومة" تعتزم تزويد الفالحة بتشريع مالئم لتنميتها ،وهكذا ستضل تقدم دعمها
المالي لهذا القطاع مع السهر أكثر فأكثر على استعمال محفز كرصد القروض المصرفية.
-1هدير عبد القادر ،واقع السياحة في الجزائر وآفاق تطويرها ،مرجع سابق ،ص 2117
-2البرنامج التكميلي لدعم النمو فترة ،1116/1114الجزائر ،أفريل 21114
-3محمد بلقاسم حسن بهلول ،سياسة تمويل التنمية وتنظيمها في الجزائر ،مرجع سابق ،ص 2741
158
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
-تحسين نتائج االستثمارات من خالل هيكلة الفروع وتعميم التكوين واإلرشاد.
-تنمية تربية المواشي والدواجن وتنويعها السيما في الهضاب العليا والمناطق الجبلية ،مع السهر على حماية
التراث الجيني.
-الدعم االنتقائي واالنتقالي لعمليات تحول النشاط واعادة توجيه القدرات الفالحية.
-تحسين محيط المستثمرات بواسطة تنمية المؤسسات الصغيرة للخدمات وصناعة التبريد ،وتشجيع التكامل بين
المنتجين والصناعة الغذائية الفالحية ،وترقية منظمات الضبط المهني والمشترك بين المهن ،وتعزيز طاقات
غرف الفالحة ودورها.
-ترقية الصادرات الفالحية السيما المنتجات المحلية والفالحة الحيوية )البيولوجية( وحمايتها عن طريق الترتيب،
التصديق والتنويع.
-تعزيز استحداث مناصب العمل في قطاع الفالحة من خالل دعم اندماج الشباب ذوي الشهادات وكذا اإلدماج
الفعلي للتشغيل الفالحي ضمن ترتيب الحماية االجتماعية.
-تطوير وسائل مكافحة اآلفات الزراعية بما فيها الجراد والطفيليات والوقاية منها ،بما في ذلك رد االعتبار إلى
وسائل العمل الجوي.
وسيرافق إنعاش الفالحة أيضا بمواصلة بذل الجهود في مجال التنمية الريفية ،السيما من خالل:
-دعدم النشاطات المدرة للمداخيل والمستحدثة لمناصب العمل ،واإلنتاج المساهم في تحسين األمن الغذائي
للعائالت.
-برامج تسيير وتنمية الغابات والسهوب التي تستحدث مناصب الشغل وتحافظ على الوسط الطبيعي.
-تعزيز عملية حصول سكان األرياف على الخدمات األساسية ) الماء ،الكهرباء والغاز ( وكذا مواصلة برامج
اإلسكان الريفي.
-تثمين المنشآت األساسية العمومية الموجودة عن طريق الشراكة وعقود التسيير والخوصصة ،لتحسين جودة
الخدمات وادراج الحظيرة الفندقية الجزائرية ضمن الشبكات الدولية للسياحة.
-تشجيع االستثمار في الفندقة من أجل تأهيل القدرات والمواقع والمسالك السياحية الوطنية على مستوى الشواطئ
والصحراء والحمامات المعدنية ،الذي سيدعم بواسطة التصديق على المؤسسات وتصنيفها.
-ترقية وتأطير وكاالت األسفار والترقية السياحية اللذان يكونان مصحوبين بمساهمة عمومية في ترقية المنتوج
السياحي الوطني في الخارج ،عن طريق المعارض والعروض وغيرها من التظاهرات الدولية.
-حث الجماعات المحلية على تثمين عناصر القوة لديها ،التاريخية منها والثقافية والحرفية وغيرها عن طريق
التظاهرات المالئمة.
وعلى مستوى منـاطق جنوب البالد ،فإن ترقية السيـاحة وتشجيعهـا سوف يندرجـان ضمن البرامج التنموية ،وتحقيق
مردودية المنشآت األساسية المنجزة وتحسين الموارد والتشغيل لفائدة السكان.
إن تنمية الصناعات التقليدية التي تشمل العديد من آليات التأطير والدعم ،سيكون عامال ضروريا لمصاحبة
االنطالق الفعلي للنشاط السياحي في اتجاه الزبائن الجزائريين واألجانب ،وستتم مواصلة برنامج العمل الممتد إلى غاية
2010من أجل تطوير الصناعة التقليدية وستساهم الحكومة في دعمها بما في ذلك عن طريق اآلليات المختلفة
لالستثمارات المصغرة).(2
أما ميـدان الصيد البحري ،فلقد ظل منذ سنوات موضوع سياسة هيكلية وتنموية حقيقية أعطت نتائج أولى مشجعة،
وستواصل "الحكومة" انتهاج هذه السياسة وتعزيزها بواسطة) : ( 3
-دعم تكوين الشباب على مهنة الصيد البحري بالموازاة مع تأطير هذه المهنة.
-مواصلة دعم رصد القروض الستحداث األنشطة في ميدان الصيد البحري لفائدة المتعاملين االقتصاديين
والشباب على الخصوص.
سوف تهتم "الحكومة" بهذا الميدان بشكل خاص ،وفي هذا الصدد فإنها ستسهر على):(1
-استكمال عملية فتح المنافسة في مختلف مقاطع سوق االتصاالت السلكية والالسلكية والبريد ،والتشجيع على
تطوير دخول شبكة االنترنت ذات المنسوب العالي.
-استكمال إعادة صياغة اإلطار القانوني من أجل تطوير التجارة االلكترونية والخدمات الحكومية عبر الخط.
-الشروع في فتح رأسمال شركة "اتصاالت الجزائر" لشريك استراتيجي لتحسين مردوديتها واعادة تموقعها كرائد
في السوق.
-اإلسراع في وتيرة عصرنة البريد عن طريق رد االعتبار لشبكته وتوسيعها وادخال اإلعالم اآللي في عملياته.
-الحفاظ على الخدمة الشاملة وتطويرها لتمكين سكان األرياف والمناطق البعيدة عن المراكز الحضرية من
الوصول إليها.
وفي األخير ،تحسين مردودية النشاط في قطاع المواصالت السلكية والالسلكية والبريد بواسطة التدابير المالئمة من
أجل جذب المزيد من االستثمارات والسماح بذلك تحسين الخدمات المقدمة.
وزيادة على ذلك ،فإن الحكومة وهي تواصل تنفيذ إستراتيجيتها في قطـاع البريد وتكنولوجيات اإلعالم واالتصال،
ستعمل على تحديد وانجاز مخطط عمل سريع وحقيقي لتطوير واستعمال تكنولوجيا اإلعالم واالتصال قصد تشييد
مجتمع جزائري لإلعالم.
-حفز االبتكار واإلبداع بفضل توفير المحيط المناسب ،السيما بإنجاز الحظيرة التكنولوجية بسيدي عبد اهلل.
-عصرنة وتكييف برامج التكـوين على هذه التكنولوجيات الجـديدة بتنويع الدروس المقننة في مجال االنترنت،
التسيير واإلدارة ،وذلك على الخصوص بتكثيف شبكة األكاديميات المتخصصة في تكنولوجيا اإلعالم
واالتصال.
إن الموارد المائية تشكل بسبب أهميتها االقتصادية واالجتماعية وبحكم ندرتها أيضا ،مسألة ينبغي للبالد أن ترصد
لها من باب األولوية الوطنية ،وسائلها الخاصة وكذلك دعم الشراكة والتعاون الخارجيين وستسعى "الحكومة" على تطوير
مسعى استراتيجي يتمحور حول ما يلي):(2
-7.2.2حشد الموارد المائية ،استرجاعها وانتاجها :ولتحقيق ذلك يجب القيام بـ):(3
-7.7.2.2بناء السدود:
عمال على تفادي تبديد الموارد المائية ،فإن األولوية المطلقة سوف تولى إلنهاء البرنامج الكبير للسدود وانجازات
التحويل الجارية ،غير أنه قد يمكن برمجة بناء سدود جديدة على ضوء اإلمكانيات قصد تدارك العجز الكبير.
ومن ضمن العمليات الجارية سنذكر على الخصوص االنجازات المتصلة بسد بني هارون والمشاريع الكبرى
للتحويالت انطـالقا من سد تاقصبت نحو العاصمة وانطالقـا من سد الشلف نحو وهران مرو ار بمستغـانم وأرزيو ،وعلى
هامش هذه األولويات سوف يتم تحضير دراسات فيما يخص انجازات جديدة ،طوال التقليص من البرنامج الجاري ،ومنها
إنجاز تحويل المياه من عين صالح نحو تامنراست ،كما ستسهر الحكومة على صيانة السدود الموجودة وحمايتها السيما
بواسطة تشجير المواقع.
سوف يتم تطويـر برنامج حفر اآلبار بمقدار 20.000متر خطي كل سنة ،ما يقابل 80مليون متر مكعب سنويا،
وذلك في آن واحد مع صيانة اآلبار الموجودة.
-7.7.2.2المحاجز المائية:
ستعكف "الحكومة" من أجل سد حاجات الري الفالحي على تأهيل أكثر من 200محجز مائي قيد االستغالل وانجاز
قرابة 300وحدة جديدة ،بوتيرة استكمال الدراسات الضرورية وتوفير اإلعتمادات بالنسبة إلى مجموع برنامج الماء.
سيتم مباشرة برنامج وطني ضمن هذا النشاط سينصب على انجاز 33محطة تصفية وكذا صيانة وتأهيل المحطات
الموجودة ،وستخصص المياه المسترجعة من باب األولوية كحاجات الصناعة وستتواصل عملية بناء شبكة جمع المياه
المستعملة حول برنامج عمل يشمل مجموع 2500كم.
يوجد برنامج هام قيد التحضير إلنجاز محطات كبرى لتحلية مياه البحر عن طريق اللجوء إلى منح االمتياز في
إطار المؤسسات المختلطة بالشراكة مع قطاع الطاقة الذي يساهم برؤوس أموال ،و"ستدرس الحكومة" إمكانية مشاركة
الخزينة في رأسمال الشركات المختلطة إلنجاز وتسيير هذه المحطات قصد تقليص التكلفة النهائية لتحلية المياه) . ( 1
وضمن هذا اإلطار سوف يتم تطوير شبكات المياه وتوزيعها في إطار الشراكة مع متعاملين أجانب لهم شهرة
عالمية ،وسوف يتم استكمال المفاوضات الجارية بخصوص منح امتياز توزيع المياه عبر العاصمة ،كما ستتبع هذه
العملية األولى تدريجيا بعمليات مماثلة بالنسبة إلى المدن الكبرى األخرى.
وفي الميدان الفالحي ،سوف يتم تطوير الري حسب وتيرة نمو هذا المورد ،وسوف تتواصل عملية رد االعتبار
للمساحات المسقية وتوسيعها إلى جانب تأهيل قدرات التسيير للهيئات المكلفة بهذه المساحات ،كما "ستشجع الدولة"
تطوير الري بفضل اتخاذ إجراءات تحفيزية واللجوء إلى تقنيات التقطير االقتصادية).(2
ستواصل "الحكومة" أعمال انجاز المنشآت لحماية المناطق السكانية من الفيضانات ،كما ستعكف على انجاز أشغال
امتصاص آثار صعود المياه في واليتي ورقلة والوادي ،وسيتم التكفل بهذا الملف بشكل استعجالي بحشد المخصصات
المالية الضرورية وبإشراك المتعاملين األكفاء في هذا المجال ومتابعة عملية التنفيذ ،كما أنه سيتم تحسين تسيير
وتكررها).(3
مساحات الري لهذه المنطقة ومتابعته قصد تجنب انتشار ظاهرة صعود المياه ا
إن سياسة تهيئة اإلقليم من شأنها أن توفر على المدى المتوسط تصور التنمية الوطنية واطا ار توجيهيا لألعمال
الواجب إنجازها ،ومن شأنها أن توجه جهد التنمية نحو تحقيق انسجام وتوازن بين المناطق والقضاء على الالمساواة
المتفاقمة.
إن إستراتيجية تهيئة اإلقليم هذه سبق أن كانت محل دراسة إستشرافية تمتد حتى أفق 2020حيث تتوفر لها أدوات
اإلسناد من خالل صندوقين ،أحدهما مخصص لجنوب البالد والثاني لمناطق الهضاب العليا.
وفي هذا اإلطار يجب أن تعزز سياسة البنى التحتية الكبرى واألشغال الكبرى قصد تحسين الظروف المعيشية
والنشاط االقتصادي لهذه المناطق).(4
-1عبد الرحمان تومي ،واقع وأفاق االستثمار األجنبي المباشر من خالل اإلصالحات االقتصادية في الجزائر ،مرجع سابق ،ص 247
-2البرنامج التكميلي لدعم النمو لفترة ،1116/1114نفس المرجع2
-3البرنامج التكميلي لدعم النمو لفترة ،1116/1114نفس المرجع2
-4البرنامج التكميلي لدعم النمو لفترة ،1116/1114نفس المرجع2
164
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
فضال على المشروع الضخم الخاص بالطريق السريع شرق/غرب ،فإن حافظة الدراسات واالنجازات تتضمن ما يلي:
ومن هنا يتعين السهر على التحكم في تكاليف اإلنجاز وتمديد البرمجة حسب أهمية الموارد المرصودة إلنجاز هذه
الورشات.
-توسيع قدرات استيعاب مطارات وهران ،عنابة ،سطيف وبرج باجي مختار وكذا إنجاز مطاري الشلف والبيض.
وسوف تتم مواصلة عملية تحديث األسطول الجوي الوطني وتحسين تسييره من خالل ترقية الشراكة مع متعاملين لهم
شهرة عالمية).(3
في مجال صيانة الموانئ وتوسيعها سيشمل البرنامج على ): (1
كما رأينا سابقا فإن نتائج اإلصالحات التي طبقتها الجزائر منذ سنة 1988كانت محدودة ومكلفة اجتماعيا ،فلو أن
مكنت هذه اإلصالحات الجزائر من تحقيق بعض التوازنات على مستوى االقتصاد الكلي ،فإنها لم تتم بعد على صعيد
النمو واالستثمار بالشكل الكافي ،حيث أنها لم تؤدي إلى تحسين القدرة التنافسية لالقتصاد الوطني ،ومن ثمة كانت هذه
اإلجراءات محدودة على قدرة االقتصاد الجزائري على التكيف مع محيطه العالمي.
لذلك فإن المسألة هنا هي مسألة إدراك طبيعة الوسائل الكفيلة اقتصاديا بمواجهة فعالة لهذه التحديات ،وذلك
بصياغة البدائل الفعالة ،واعداد اإلستراتيجية التي من شأنها تحفيز وتأهيل االقتصاد الجزائري أن يندمج في االقتصاد
الدولي وفق المستجدات األخيرة )من أثار العولمة ونتائجها( بأحسن كيفية.
إن من بين الوسائل الكفيلة بإدماج االقتصاد الجزائري في االقتصاد العالمي االستثمار األجنبي الذي يتطلب
توفير المناخ الالزم له وتأهيل االقتصاد الجزائري لمواكبة متطلبات المنافسة من خالل االهتمام بالمؤسسات الصغيرة
والمتوسطة التي تعتبر الركيزة األساسية القتصاد السوق).(1
جذب االستثمـارات األجنبية ،ومحاولة إرجاع االستثمارات العربية واألجنبية والجزائرية الموجـودة بالخارج ،وذلك
بالعمل على تهيئة بيئة استثمارية مستقرة وثابتة ،منها تبسيط اإلجراءات اإلدارية وتحديد لجنة أو وكالة واحدة لتوجيه
إلى جانب تطوير التشريعات وتقييم هذه االستثمارات ،وبالتالي الرد الموضوعي السريع على أصحاب الملفات
) ( 2
والقوانين المنظمة لعمليات االستثمار األجنبي ،وازالة القيود أمامها محاولين قدر اإلمكان أن تتجه مشروعات هذا
االستثمار إلى المجاالت األكثر أهمية في االقتصاد). (3
ويعتبر األمر رقم 17/17الصادر 11أوت 1117والمتعلق بتطوير االستثمار في الجزائر كخطوة في االتجاه
الصحيح ونحو زيادة فرص الجزائر في استقطاب االستثمار األجنبي ويجـب أن تتلوها خطوات أخرى في هذا المجال). (4
تشجيع إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لما لهذه المؤسسات من أهمية في عملية التنمية االقتصادية
وامتصاص البطالة إلى جانب قيام هذه المؤسسات بإعادة تأهيل وتنمية مواردها البشرية لمواكبة متطلبات التكنولوجيا
الحديثة ،الشرط األساسي لتطور هذه المؤسسات وتطور االقتصاد الجزائري ) .( 5
وكذلك لالندماج في االقتصاد العالمي لبد من إصالحات كبيرة على مستوى الهياكل والقطاعات االقتصادية
المختلفة والتي تعتبر نقطة حساسة جدا يجب أخذها بمحمل الجدية والفعالية.
إن للسياحة غايات من الممكن إدراكها بسهولة ،فهي القطاع األكثر جذبا لالستثمارات األجنبية المباشرة ،وهي
القطاع الذي يمكن أن يسهم في تطوير القطاعات األخرى ،ولذا نرى أن السياحة في بعض الدول تحتل مكانة مرموقة
من بين القطاعات األخرى في االقتصاد انطالقا مما تدره من النقد األجنبي ،وفي الحقيقة إنه كما أريد أن تكون للسياحة
مكانتها الالئقة بها في الجزائر ،فإن الطريق المؤدية إليها ال تزال في بدايتها ،ومع ذلك فالوصول إلى الهدف ليس
مستحيال إذا تكاثفت الجهود واستمرت ،ومن هذا المنطلق نرى من الضروري تقديم بعض الضوابط الواجب تبنيها إلرساء
ثقافة سياحية فعالة ،منها):(1
-تسخير وسائل اإلعالم للتعريف بالكنوز السياحية المتنوعة التي تزخر بها بالدنا.
-وضع إستراتيجيات سياحية ترتكز على المنطق وتنبثق من واقع الجزائر وتنفتح على الثقافات السياحية في العالم
تأخذ أحسنها وتترك أسوأها.
-إنشاء معاهد متخصصة في السياحة تعمل على إرساء ثقافة سياحية لدى القائمين على المرافق السياحية
المختلفة كل في موقعه ولدى المواطنين بواسطة اإلشهار للتمكن من استم اررية الجهود وتجسيد األهداف بتكلفة
أقل وربح أكبر.
-صياغة نموذج لكل منطقة من المناطق السياحية ،بحيث ينفرد كل نموذج عن اآلخر بما يتالءم وطبيعة كل
منطقة وما تزخر به من إمكانيات سياحية.
-إتقان اللغات األجنبية األكثر رواجا في العالم كاللغة اإلنجليزية من طرف المرشدين إلمكانية التحاور والتفاهم
وتجنب الحرج الذي قد ينجر عن استعمال لغة ال يفهمها السائح.
-وجوب التحلي باللياقة األدبية في التعامل مع السياح ،محليين كانوا أم أجانب ،وال يمكن أن يحدث ذلك إال
باالختيار الدقيق ألشخاص اعتمادا على معايير موضوعية.
-اعتماد الصدق في الكلمة والتفاني في العمل والحفاظ على األمانة والرزانة في التعامل.
إصالح المنظومة البنكية ،وذلك بابتعادها عن التسيير اإلداري واتباعها األدوات وقواعد التسيير البنكي المتعارف
عليها دوليا ،فال يعقل أن يبقى 2800ملف طلب قروض مشاريع في البنك الوطني الجزائري معلقة بسبب أن دراسة هذه
الملفات يستغرق أكثر من سنة ). (2
إن الحل األمثل لتطوير النظام المصرفي الجزائري هو بخصخصة البنوك العمومية التي تعرف بالخدمة الرديئة
لغياب المنافسة ،فكما هو الحال اليوم نرى التردد الواضح من طرف الحكومة الحالية في فتح رأسمال بنك القرض الشعبي
الجزائري رغم أن هذا الحل هو األمثل لتطوير القطاع والذي المناص منه.
تقديم الدعم إلى بعض الصناعات ،حيث أن ترتيبات النظام الجديد للتجارة ،تسمح بتقديم أنواع عديدة من الدعم
لبعض الصناعات ،خاصة الدعم المقدم لبرامج البحث والتطوير ،حيث ال تتجاوز نسبة نفقات البحث والتطوير في
الجزائر إلى الناتج الوطني اإلجمالي %127وهي نسبة ضعيفة جدا ،لذلك يجب تشجيع مشاريع البحث والتطوير
أدرج المكاتب أو رفوف مكتبات الجامعات ،بل البد أن تلقى طريقها إلى
واالبتكار ،وأن ال تبقى هذه المشاريع في ا
التطبيق ،وذلك بتوطيد العالقة بين الجامعات ومراكز البحث والمؤسسات واإلدارة االقتصادية ،الشيء الذي يمكننا من
التحكم واستعمال التكنولوجيا الحديثة) .( 3
وذلك بنهج سياسة إعالمية ناجحة ووضع برامج إعالمية كاملة للترويج عن مجاالت وأدوات االستثمار في الجزائر،
وتوفير المعلومات المالية واإلحصائية الالزمة للمستثمرين ،إضافة إلى استعمال بورصة الجزائر كوسيلة لخوصصة
-1سعيد بركات ،الجزائر آفاق 1171التنمية والديمقراطية ،دار النشر غير موجود ،الجزائر ،1117 ،ص 279
-2سعيد بركات ،نفس المرجع ،ص 279
-3موزاي بالل ،االستثمار والتنمية االقتصادية تجربة الجزائر ،رسالة ماجستير ،جامعة الجزائر ،1117 ،ص 2741
169
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
المؤسسات العمومية واالستعانة بالخبرات والتجارب األجنبية وتوفير الكادر المؤهل لتسييرها وتطوير التشريعات والقوانين
المديرة لهذه البورصة لتتالءم مع التطورات العالمية في هذا المجال). (1
من بين األمور المطروحة في الوقت الراهن والتي تظهر درجة االندماج في االقتصاد العالمي االنضمام
للتكتالت االقتصادية ،التي تعطي لالقتصاد قوة في مواجهة مختلف العوامل االقتصادية الخارجية خاصة جانب
المنافسة العالمية لمختلف االقتصاديات.
يجب أن يكون قرار االنضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة الوشيك مبنيا على ما نخسره أو ما نجنيه في حالة
االنضمام أو عدمه ،وأن ال يكون ذلك تحت تأثير ضغط كبار المضاربين ،وأن توظف لصالحها النصوص المعتمدة
حديثا من قبل المنظمة ،مثل إجراءات اإلنقاذ برسم المادة 19لحماية القطاعات الحساسة والضعيفة ،وتدابير الدعم
والتعويض واجراءات مكافحة اإلغراق برسم المادة الرابعة). (2
وبما أن بعض التحديات التي يفرضها النظام الجديد للتجارة الدولية ذات بعد إقليمي ،فإن مواجهتها تفرض أن تكون
السياسة االقتصـادية ذات بعد إقليمي ،وذلك بإنشاء التكتالت االقتصادية والتجـارية الجهوية كاالتحاد المغاربي ،اتحاد
الدول العربية ،الشيء الذي يمكن هذه الدول من زيادة التجارة فيما بينها ،وخلق التكامل االقتصادي بينها بشروط
تفضيلية ال تتوفر في ظل انضمام كل بلد على انفراد إلى المنظمة العالمية للتجارة) .( 3
جاء قرار انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة في واقع األمر كنتيجة حتمية إلجراء سابق يتمثل في التزام
الجزائر بتطبيق برنامج التعديل الهيكلي ،والذي ينص بصريح العبارة على توظيف بعض اآلليات التي تؤثر على عنصر
العرض خصوصا )كالتعديل الجبائي ،الخوصصة ،تشيع االستثمارات ،تحرير األسعار والمبادالت التجارية من والى
والذي يتزامن مع سنة ،1998وهذا يعني انتقال االقتصاد الجزائري إلى جانب االقتصاديات التي تعتمد على آليات
السوق وتحقيق األهداف التالية):(1
باستثناء التوازنات االقتصادية الكبرى المتمثلة في تحرير المبادالت التجارية وتحرير األسعار ورفع الدعم عن مواد
االستهالك والشروع في خوصصة المؤسسة العامة التي كانت محور التنمية في العهود السابقة ،فإن المحللين
االقتصاديين الوطنيين والدوليين يجمعون على أن التوازنات االقتصادية الجزائية وعلى مستوى الجهاز اإلنتاجي تبقى
عالقة وبدون تسوية.
فتحرير المبادالت التجارية في غياب أو ندرة المنتوج الجزائري وما يعانيه من مصاعب على المستويين الكمي
والنوعي ،نجم عنه تدفقات سلعية أجنبية غزيرة إلى األسواق الوطنية والتي تحمل عالمات تجارية متنوعة.
إن هذا التحرر التجاري غير المتكافئ برزت آثاره السلبية على المدى القصير بحيث أصبحت السلع األجنبية بديال
منافسا للمنتجات الوطنية ،وال نندهش إذا قلنا أن كثي ار من المؤسسات اإلنتاجية العمومية والمتخصصة في النسيج
وتحويل المواد الكيماوية وغيرها تعرضت إلى هزات عنيفة أودت بها في النهاية إلى الحل والتصفية أو إلى الخوصصة.
إن انفتاح السوق الجزائرية على الشركات األجنبية قد يؤدي إلى إشراك المؤسسات الجزائرية في امتحان صعب
وبدون تحضير تكون نتيجته في النهاية):(2
مما سبق يتبين لنا أن الجهاز اإلنتاجي لالقتصاد الجزائري وبمختلف مكوناته يفتقد إلى الكفاءة التنافسية أو التنافسية
الدولية التي تؤهله ألن ينافس ويكتسب في األسواق المحلية والدولية.
إن هذه العوامل ساهمت في إنعاش اقتصاديات الدول المتقدمة ومكنتها في المحافظة على تفوقها اإلنتاجي والتوزيعي
وعملت على تطوير قدراتها التنافسية على المستوى الدولي.
إن هذا التحفظ ال يعني البتة الرجوع إلى السياسة االقتصادية التقليدية والتي تكرس "سياسة الحماية وغلق األسواق
واحتكار السلطات العمومية للتجارة الخارجية" ،بل إنه من الضروري توفير الحد األدنى من الشروط والظروف التي تمكن
االقتصاد الوطني من اإلقالع ودفع بقوة جهازي اإلنتاج والتوزيع ألن يقوما بما هو مناط بهما.
فمن أجل تفعيل المؤسسة اإلنتاجية في "النشاط االقتصادي الوطني وتحضيرها لأللفية الثالثة" لمواجهة التحديات
والضغوطات الناجمة عن قرار الجزائر باالنضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة يقتضي بالضرورة توافر جملة من
العوامل):(1
-تشكيل وتوسيع البنية التحتية التي تساعد على األداء اإلنتاجي المتميز للمؤسسة وتساعد على رفع الكفاءة
اإلنتاجية لها )مطارات ،طريق سريعة ،موانئ ،ورش إنتاج قطع غيار.(... ،
-استحداث مكاتب متخصصة في التنشيط الوظيفي للمؤسسات والتي تستخدم احدث تقنيات التسيير المطبقة على
المستوى العالمي.
-ربط المؤسسة بالمكاتب والمخابر التقنية المتخصصة في األبحاث الصناعية والتي تقوم بتسويق نتائج أبحاثها
للمؤسسات اإلنتاجية.
-تشجيع انجاز النشاطات اإلنتاجية وفقا لما اتفق عليه باالنجاز بالباطن والتي تقوم بها مؤسسات متخصصة
تتميز بالكفاءة والخبرة في األداء.
-1سعيد بركات ،الجزائر آفاق 1171التنمية والديمقراطية ،مرجع سابق ،ص 249
172
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
-إلزام المؤسسات بعقود الكفاءة والتي تجبر المؤسسات العامة ألن ترقي نشاطاتها اإلنتاجية والتوزيعية وفقا لما
يتالءم وتحقيق أهدافها بفاعلية كبيرة.
-إلزام عقود الشراكة في اإلطار اإلقليمي والجهوي والقاري الستفادة من الكفاءة والتجربة والتخصص الذي يميز
نشاط وتسيير هذه المؤسسات.
-تشجيع االستثمارات األجنبية المباشرة لما لها من أهمية في توطين التكنولوجيا وخلق فرص عمل وتلبية
االحتياجات االستهالكية واإلنتاجية.
إن هذه اإلجراءات ال يمكن تحقيقها إال في إطار إستراتيجية "حمائية انتقائية" تستفيد منها المنتجات الوطنية لفترة
زمنية محدودة تتمكن من خاللها المؤسسة من اكتساب المناعة الكافية لتجاوز عقبات المنافسة األجنبية.
انعكست تداعيات األزمة المالية العالمية على اقتصاديات الدول ،وتأثرت منها الدول العربية على اعتبار أنها جزء
من منظومة االقتصاد العالمي وتربطها عالقات اقتصادية ،ومن المؤكد أن درجة تأثرها يختلف بين الدول العربية على
حسب درجة إرتباطها واندماجها في اإلقتصاد العالمي ،والجزائر كغيرها من الدول ليست بمنأى من تداعيات األزمة على
األنظمة والسياسات اإلقتصادية والمصرفية ،...وتأثرها بشكل مباشر أو غير مباشر في المدى الطويل أو القصير ،مما
سيؤثر على دورها في النشاط االقتصادي واإلجراءات المتخذة لمواجهة والتحوط من تداعيات األزمة ،فيتجلى "الدور
الجديد للدولة" في التدابير الوقائية لتجنب أثار األزمة المالية العالمية على االقتصاد الجزائري.
مما ال شك فيه أن االقتصاد الجزائري كغيره من االقتصاديات العالمية سوف يتـأثر باألزمة االقتصادية العالمية،
وان كان بنسبة أقل مقارنة بالدول األخرى وذلك لألسباب التالية):(1
-عدم وجود ارتباطات مصرفية للبنوك الجزائرية مع البنوك العالمية بالشكل الذي يؤثر عليها.
-1حفيظ صواليلي ،البترول ساهم في ارتفاع مداخيل الجزائر ،يومية الخبر ،العدد ،5496الصادرة في 10ديسمبر ،2008ص 214
لمزيد من اإلطالع راجع الموقع اإللكترونwww.Elkhabar.com :
173
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
-انغالق االقتصاد الجزائري بشكل نسبي على االقتصاد العالمي ،ذالك أن اإلنتاج الجزائري ال يعتمد على
التصدير باستثناء المحروقات وذلك ما يجعله في مأمن من أي كساد قد يصيب االقتصاد العالمي والكثير من
الدول التي تعتمد على الصادرات قد تتأثر بالركود والكساد في الدول المستهلكة لمنتجاتها.
-اعتماد الحكومة الجزائرية على موازنة بسعر مرجعي يقل كثي ار عن أسعار السوق وهذا ما يجنبها أي انعكاسات
في حالة انخفاض أسعار البترول.
وباعتبار أن الجزائر من الدول العربية المصدرة للبترول والذي ساهم في ارتفاع المداخيل خالل النصف األول من
سنة 2008حسب تقرير البنك العالمي الذي أشار إلى أن الجزائر حققت نسبة نمو هذه السنة بـ %4,9مقابل%3,1
سنة 2007وقدرت نسبة النمو خارج المحروقات بـ %6وهي نتاج النفقات العمومية في قطاعات مثل البناء والخدمات
المتعلقة بالبنى التحتية والهياكل القاعدية ،وأشار تقرير البنك العالمي أن الجزائر تتمتع بوضع مالي مريح إذ قدر
احتياطي الصرف نهاية سبتمبر من سنة 2007بـ 130مليار دوالر بزيادة قيمتها 30مليار دوالر مقارنة بنهاية ،1111
إال أن تراجع األسعار بدأ يشكل بالنسبة للدول النفطية عامل ضغط مستمر وهو ما يتوقع حسبه إلى أن سنة 1116هي
آخر سنة لمخطط دعم النمو االقتصادي الذي جند له أكثر من 150إلى 160مليار دوالر ستنتهي بنسبة نمو متواضعة
تقدر بـ ،%3,8ومع تراجع أسعار البترول إلى أقل من 50دوالر للبرميل واستمرار تدني األسعار وعزوف الرأسمال
األجنبي على االستثمار في الجزائر فمن المتوقع أن تتأثر المشاريع الخاصة بالهياكل القاعدية والبنى التحتية التي تمول
من قبل الدولة تدريجيا فضال عن تأثر المداخيل الجبائية أيضا وهو ما من شأنه أن يؤثر على االقتصاد الجزائري).(1
وعن تأثيرات األزمة المالية على القطاع المصرفي فتشير التقارير االقتصادية بأن الجزائر في منأى من تداعياتها
نظ ار لعدم مخاطرتها في مجال التوظيف المالي ،فضال عن عدم ارتباط بنوك الجزائر بشبكات وتعامالت خارجية رغم
الخسائر المسجلة في أصول البنوك الكبرى والمقدرة من قبل بنك التسوية العالمية بـ 650مليار دوالر وأكثر من 7911
مليار دوالر حسب صندوق النقد الدولي ،وكنتيجة للتسيير الحذر الحتياطات الصرف الجزائرية مع غياب أي استثمار
في أصول ذات مخاطر ،وتفادي خسائر في رأس مال محافظ األصول ،ذلك ساهم في تحقيق نسبة مردودية مقدرة بـ
%4,6عام 2007موازاة مع تخفيض قيمة المديونية الخارجية التي بلغت نهاية نوفمبر 2008ما قيمته 3,9مليار
دوالر ،وأشار محافظ بنك الجزائر إلى أنه تم تقليص التزامات البنوك اتجاه الخارج التي تمثل أقل من %17من مواردها
وتم التركيز على التمويل المحلي بالدينار الجزائري بالنظر لتسجيل فوائض في االدخار تقدر بنسبة %4121في 2007
و %55في 2006و %41في ،2005وقد بلغت قيمة صندوق ضبط الموارد في نهاية نوفمبر 2008نسبة %91من
الناتج الوطني الخام وهو عامل يساهم في امتصاص الصدمات الخارجية الناتجة عن األزمة ،إضافة إلى أن فائض
السيولة النقدية في البنوك الجزائرية قدر بـ 4192مليار دينار أي ما يعادل 58,14مليار دوالر يكفي لتمويل االقتصاد
وتغطية كافة النفقات لمدة تتجاوز السنتين ،وتعتبر توظيفات الجزائر المالية من احتياطاتها والمقدرة بحوالي 11مليار
-1حفيظ صواليلي ،البترول ساهم في ارتفاع مداخيل الجزائر ،مرجع سابق ،ص 214
174
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
دوالر بنسب متواضعة تصل %74على شكل سندات خزينة أمريكية بنسبة ،%729وتوظيفات لدى البنوك من الدرجة
األولى بعيدة عن المخاطرة).(1
ورغم اآلثار غير المباشرة لألزمة العالمية ،إال أنه قد انعكست إيجابا على بعض الجوانب في االقتصاد الجزائري
وتمثلت في النقاط التالية):(2
-انخفاض أسعار العديد من السلع في السوق العالمية :فكما يؤدي نمو االقتصاد العالمي إلى زيادة أسعار السلع
فركوده يؤدي إلى انخفاض أسعار السلع في السوق العالمية ،وباعتبار الجزائر بلد مستورد للسلع فاألزمة نافعة
لالقتصاد على األمد القريب.
-انخفاض تكاليف مواد اإلنتاج قد يخلق دينامكية في االقتصاد ،ومثال انهيار أسعار الحديد ساعدت قطاع العقار
في الجزائر على النهوض بعد تعثره إثر ارتفاع أسعاره في السوق العالمية.
-الركود االقتصادي سيؤدي إلى إفالس الكثير من الشركات والمؤسسات عبر العالم ،وبقاء بعض الشركات
الكبرى يؤدي إلى احتكار السوق العالمية وبالتالي رفع األسعار مجددا.
-2التدابير الوقائية لتجنب آثار األزمة المالية العالمية على اإلقتصاد الجزائري:
بالرغم من أن الجزائر لم تتأثر باألزمة المالية بشكل مباشر إال أنها قد تتأثر بالركود االقتصادي ويمكن أن تبرز
بعض االختالالت في عام 2009رغم احتاللها المرتبة العاشرة حاليا باحتياطي صرف عالمي قدره 140مليار دوالر
أي بعد ألمانيا بـ 150مليار دوالر ،وقبل فرنسا بـ 125مليار دوالر ،لذلك فإنه من األجدر إنشاء "صندوق سيادي"
مكلف بتطوير-بالشراكة مع القطاع الخاص -قواعد تنمية اقتصادية متوازنة ،يكون مدعما بمجلس مراقبة يتكون من
مجموعة من الخبراء واالقتصاديين ،ويعرف الصندوق السيادي على أنه "عبارة عن صندوق للتوظيف المالي يكون ملكا
للدولة ويسير االدخار المحلي ليتم استثماره في توظيفات متعددة من أسهم وسندات" ،ويتواجد 40صندوقا سياديا أهمها
سلطة أبو ظبي لالستثمار الذي أنشأ في 1976بقيمة 943مليار دوالر ،والصندوق الحكومي الشامل للمعاشات
-1حفيظ صواليلي ،فوائض السيولة لدى البنوك تجاوزت 33,5مليار دوالر ،يومية الخبر ،العدد ،5506الصادرة في 11ديسمبر،2008
ص 214
-2حفيظ صواليلي ،نفس المرجع ،ص 214
175
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
النرويجي المؤسس في ،1990وهيئة االستثمار الصيني المؤسس في ،1111ويتطلب إنشاء صناديق سيادية ضرورة
االلتزام بـ):(1
-تسيير المعارف البشرية من خالل تقييم المعرفة ،والتخصص المالي الهندسي ،والتسيير اإلستراتيجي.
فإنشاء صندوق سيادي في الفترة الراهنة سيجعل الجزائر تستفيد من الفرص السانحة خاصة مع تدني قيمة األسهم
في البورصات العالمية ،ونقص السيولة الذي يمنع المستثمرين على االستثمار في السوق المالي ،وهو ما يمكن
االستفادة منه عن طريق قوة الجذب في سوق األسهم من خالل التركيز على النقاط التالية):(2
-تخفيض نسبة تداوالت الصناديق المغلقة األمريكية واليابانية واألوروبية بـ 14من قيمتها.
-انهيار البورصات العالمية قد سجل قيمة سوقية معادلة للقيمة المحاسبية مما يعتبر فرصة استثمارية.
-نسبة نمو أغلبية المؤسسات المقيدة في البورصة تجاوزت السعر مقابل نسبة الفائدة.
-نصف تداوالت األسهم األمريكية واألوروبية واليابانية تتم بسعر مقابل نسب فائدة أقل من عشرة.
-تخفيض نسب الفوائد إلى مستوى يقترب من الصفر من طرف البنك الفدرالي األمريكي ،والبنك المركزي
األوروبي يجعل سوق األسهم أكثر استقطابا لدى المستثمرين في السوق المالي.
-اقتراب أسعار الفائدة إلى الصفر يدعم فكرة تحويل سوق السندات إلى سوق أسهم.
-كافة المعلومات السلبية المرتبطة بسوق البورصة تم إدراجها في التسعيرة الحالية لألسهم.
-1حفيظ صواليلي ،الصناديق السيادية تثير الجدل في الجزائر ،يومية الخبر ،العدد ،5505الصادرة في 21ديسمبر ،1119ص 214
-2حفيظ صواليلي ،نفس المرجع ،ص 214
176
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
من العرض السابق من األهمية أن ننوه إلى أن تبني الجزائر لفكرة إنشاء صناديق سيادية ترتكز نحو االستثمار
المالي وتقوم على الشفافية من شأنه أن يعزز من إصالحاتها المصرفية والتسيير اإلداري لالقتصاد خاصة وأن توظيفاتها
تدنت ويجب توخي الحذر.
خالصة:
لقيت مرحلة االنتقال من االقتصاد االشتراكي إلى اقتصاد السوق منذ أكثر من عشرية في الجزائر صعوبات
عديدة خاصة ذات طابع اقتصادي وايديولوجي.
فقـد اعتمد نظـام االقتصاد االشتراكي على ملكية الدولة لوسائـل اإلنتاج واحتكـارها للق اررات االقتصادية ،باإلضافة
إلى اتخاذ مبدأ التخطيط اإللزامي وتسيير االقتصاد على أساس تعليمات يصدرها المخطط المركزي لتنفّذ من قبل
الو ازرات القطاعية التي تشرف بدورها على المؤسسات االقتصادية.
أن نموذج اقتصاد السوق المرتقب الوصول إليه نجده يؤسس على عدد من القواعد منها :تحرير النشاطات غير ّ
االقتصادية ،وكذلك التمتع بحرية المبادرة ،الشراء ،البيع وحتى االستهالك.
في هذا اإلطار ،تأخذ هذه الدراسة العلمية بعدا ممي از بالنظر إلى الرهانات التي تطرحها مساهمة اقتصاد السوق
سيما خالل المرحلة االنتقالية التي تعيشها الجزائر.
في تطوير القطاع الخاص ال ّ
177
دور ال َدولة الجزائرية في النَشاط الفصل الثالث
االقتصادي
أما الرهان األول الذي تم التوصل إليه من خالل الدراسة فهو يتعلق "بدور الدولة أثناء المرحلة االنتقالية" ،إذ
تجد هذه األخيرة نفسها مدعوة إلى "االنسحاب" من المجال االقتصادي ،لكن في نفس الوقت هي مطالبة بحماية إنتاج
المؤسسات الخاصة الوطنية التي تمتاز بمحدودية قدراتها التنافسية بالمقارنة مع المنتجات التي تغزوا السوق الوطنية
بعد تحرير التجارة الخارجية.
وبالتالي على "الدولة اإلطالع بدور معقد وحساس" ،بما أنها ستكون في آن واحد "حكم ومتدخل" على مستوى
المجال االقتصادي طول الفترة االنتقالية.
ونعتقد أن األولوية تكمن في جمع و توجيه كل "جهود الدولة من أجل تشجيع أكثر للقطاع الخاص" ،وذلك من
خالل تكثيف اإلجراءات التحفيزية المشجعة إلنشاء المؤسسات الخاصة ،باإلضافة إلى العمل على احترام مبدئي
المساواة والشفافية عند التعامل مع المتعاملين الخواص بخصوص طلب القروض من البنوك أو إيداع الملفات إلنشاء
مؤسسات جديدة.
فالدور الذي لعبته "الدولة الجزائرية في النشاط االقتصادي" ،يعتبر دور كبير من أجل دفع التنمية وفق
المتغيرات العالمية والتي أفرزتها العولمة ،ومحاولة منها كذلك جعل االقتصاد الجزائري اقتصاد يعمل وفق المقاييس
الدولية ،ويتأقلم مع مختلف المستجدات العالمية ،فهي إلى يومنا هذا تسعى وتبذل الجهد الكبير لضم االقتصاد
الجزائري لالقتصاد العالمي رغم العراقيل والصعوبات وضعف المبادرة والقرار خاصة من الناحية السياسية ،إال أن
الرهانات مازالت مطروحة.
178
الخ ـاتمة
ارتبطت التحوالت في دور الدولة االقتصادي في الدول المتقدمة بالتحوالت في الوقائع االقتصادية وتحديدا
بظروف الدورة االقتصادية من ناحية والتحوالت في الفكر االقتصادي ،من ناحية ثانية ،فبدأت الدولة محايدة أو
تقليدية ثم تحولت إلى فاعلة وأقل حيادية ،ثم عادت ثانية لتمارس دو اًر أقل فاعلية وأكثر حيادية.
فأثناء فترات االزدهار واالنتعاش االقتصادي تبنت الدول المتقدمة الفكر االقتصادي الليبرالي الذي يدعو إلى
تقليص دور الدولة االقتصادي وبخاصة في مجاالت اإلنتاج والتجارة ،وحصرها في األنشطة التقليدية كاألمن والدفاع،
وجاء هذا التوجه كجزء من الدفاع عن الحرية االقتصادية والمنافسة الكاملة التي تتطلب إنهاء كافة أشكال التدخل
الحكومي والممارسات االحتكارية التي كانت قائمة في مرحلة الرأسمالية التجارية ،حيث لم يكن وارد عند الكالسيك
حدوث األزمات االقتصادية ،فالسوق كانت فاعلة أو ساخنة جدا ،Over heatedوكانت كفيلة بتصحيح أية
إختالالت أو أوضاع خاطئة ،ولكن استفحال األزمات ومظاهر البطالة والركود بعد الثالثينيات قد أثبت بطالن دعاوى
لدور
الكالسيك ،وفتحت المجال لبروز الفكر الكينزي الذي دعا إلى خروج الدولة عن حيادها التقليدي وطالب بتبنيها اً
إنمائي يمتد إلى جميع النواحي االقتصادية واالجتماعية ،ثم تم التراجع عن هذه التوجه في بداية عقد السبعينيات من
القرن العشرين بعد ظهور صدمات العرض التي أعقبت أزمة أسعار النفط ،ودخول االقتصاد الرأسمالي في حالة من
الركود الطويل األجل ،فعادت الهيبة من جديد إلى األفكار الليبرالية ،وهيمنت أفكار مدرسة اقتصاديات العرض بقيادة
فريدمان ،الذي دعا إلى الخصخصة وابتعاد الدولة عن النشاط االقتصادي.
في مقابل ذلك نجد أن التاريخ االقتصادي للدول النامية ،يشير إلى أن حكومات الدول النامية أخذت اتجاها
مغاي ار فبدأت فاعلة ثم تحولت نحو دور أقل فاعلية وأكثر حيادية ،فبلغ التوجه نحو توسيع القطاع العام ذروته في
بداية الستينيات من القرن العشرين ،ثم تراخى تدريجياً لينحصر في بداية الثمانينات كنتيجة الشتداد زخم الخصخصة،
مع تزايد دور الشركات المتعددة الجنسية وأتساع نطاق العولمة.
من خالل هذه الدراسة توصلنا إلى مجموعة من النتائج نستعرضها فيما يلي:
-واجهت حكومات الدول النامية مهمة تحقيق التنمية بعد االستقالل السياسي ،وبسبب حداثة تجـربتها التنموية،
وغياب المناهج واألفكار االقتصادية المستمدة من البيئة المحلية اندفعت نحو تبني الخيارات التي تطرحها نماذج
النمو االقتصادي الغربية ،وأتت خياراتها في معظم األحيان كرد فعل على الضغوط السياسية واالقتصادية الخارجية
أكثر مما أتت كرد فعل على ضغوط البيئة االقتصادية الداخلية ،فأخذت هذه الدول تحاكي السياسات االقتصادية
المطبقة في الدول المتقدمة.
-يجب االستفادة من تجارب الدول األخرى ،على أن تعتمد تلك االستفادة على دراسة متأنية لتاريخ الدول
المتقدمة ،وتحديداً على المراحل التي سعت فيها تلك الدول للخروج من التخلف وتهيئة شروط االنطالق نحو التنمية،
التي تكشف عن وجود دور حيوي للدولة في تحقيق التقدم االقتصادي ،وحماية االقتصاد الوطني ودعم الطبقة
الرأسمالية ،ومساعدتها في عملية تجميع الفائض االقتصادي وتوجيهه إلحداث التراكم الرأسمالي الالزم لعملية التنمية.
871
الخ ـاتمة
-وبناءا على تلك التطورات يمكن القول بأن الدولة تلعب دو اًر أكبر في عملية النمو كلما كان االقتصاد أكثر
تخلفاً ،كما أن التخلف المتزايد أو الدخول المتأخرة من عملية النمو االقتصادي الحديث سيمارس ضغوطاً كبيرة تدفع
بوحدات القطاع الخاص التي تدخل متأخرة إلى السوق إلى االعتماد بشكل متزايد على سلطة الدولة لمساعدتها على
اللحاق بالوحدات األكثر تقدماً.
-وعلى هذا المنوال فإن حاجة االقتصاد إلى التدخل المكثف للدولة يتعلق بالعوامل آالتية:
كلما كان مدى األهداف التي تسعى التنمية االقتصادية إلى تحقيقها واسعاً ،من الناحية الكمية
والنوعية.
كلما زادت العوائق غير االقتصادية أمام عملية التغيير االقتصادي والتصنيع ،والناتجة عن ضعف
مرونة أو جمود البنيان االجتماعي والثقافي والمؤسسي ،ألن هذه العوامل ستنعكس بدورها على الترتيبات
التعاقدية والقانونية ،ودرجة التحضر وخصائصه ،ودرجة الحراك االجتماعي ،وطبيعة البناء الطبقي،
وتركيبة القوى السياسية وحجم المشاركة الشعبية في صياغة وتنفيذ الق اررات التنموية ،ونظام القيم السائد،
ومدى نقدية عمليات التبادل ،ومدى تفاعل تلك العوامل مع بعضها البعض.
-كما أن هناك ارتباط قوي بين مستوى التنمية االقتصادية وبين الفرص المتاحة للقطاع الخاص ،وهذا لممارسة
االختيار والمبادرة الفردية ،إال أنه يؤكد من ناحية أخرى على أهمية دور القيود الداخلية وخاصة قيود "التقنية
والموارد" ،التي ال تترك مجاالً واسعاً الختيار الشكل المؤسسي المالئم لعملية التنمية االقتصادية في الدول النامية.
-ويمكن القول كذلك أن عملية االختيار تجري بصورة تلقائية في االقتصاديات التي يسيطر فيها القطاع الخاص
ونظام السوق ،أما في االقتصاديات التي يسيطر فيها القطاع العام ونظام التخطيط المركزي فإن عملية االختيار
وآليات التصرف بالموارد اإلنتاجية والسياسات االقتصادية تكون في الغالب دالة لتوجهات النظام السياسي ،أكثر من
كونها دالة في المتغيرات االقتصادية.
871
الخ ـاتمة
التدخل الحكومي لتوفير رأس المال االجتماعي ،بما في ذلك الحفاظ على القانون والنظام في
المجتمع ،تحديد االلتزامات القانونية والتعاقدية وتنفيذها ،تقديم التسهيالت التعليمية والصحية ،والقيام
بالوظائف العسكرية والدفاعية .وكلها يجري تجهيزها عادة من قبل وكاالت حكومية.
توفيـر البنية االرتكـازية االقتصادية ،مثـل المصارف المركزيـة والتسهيالت النقدية والمالية ،والطرق
العامة والمرافق العامة األخرى كالماء والكهرباء ووسائل المواصالت واالتصاالت وبخاصة شبكات سكك
الحديد.
تطبيق الرقابة المباشرة وغير مباشرة من خالل إجراءات متنوعة مثل التعريفة الجمركية والضرائب
والدعم وتقنين السلع واالئتمان والرقابة على األسعار.
إقامة بعض المشروعات الحكومية ،التي تتراوح بين إدارة بعض الصناعات أو بعض المشروعات
العامة في صناعات مختلفة ،أو الملكية العامة لبعض أو كل وسائل اإلنتاج.
التخطيط المركزي الذي قد يشتمل على تركز كامل أو جزئي في عملية صنع القرار االقتصادي في
مجلس تخطيط قومي مركزي.
وان كل من الصنف األول والثاني للتدخل الحكومي يمثالن الحد األدنى من وظائف الحكومة ،ويمثالن النمط
السائد في معظم الدول الصناعية المتقدمة ،أما الصنف األخير وهو أسلوب التخطيط المركزي الشامل ،فيمثل الحد
األعلى للوظائف الحكومية.
-وبصورة عامة ،كلما زادت شمولية وسرعة ما توفره الحكومة من الحد األدنى من وظائفها ،قل الضغط أو
الحاجة إلى قيامها بوظائفها في حدها األعلى .فربما يكون االعتماد على الحد األعلى من الوظائف الحكومية دليالً
على فشل الحكومة في توفير الحد األدنى من وظائفها في الماضي والحاضر .ويتحدد النمط األمثل لتدخل الدولة في
النشاط االقتصادي في "إطار األهداف التي تسعى إلى رفع مستويات التنمية االقتصادية والبشرية على أن يصاحب
ذلك توسيعاً لنطاق ممارسة االختيار والمبادرة الفردية".
ويمكن الخروج ببعض النتائج الخاصة بدور الدولة في الجزائر والذي مر بعدة مراحل في ظل متغيرات كثيرة
أثرت وألزمت الجزائر التموكب معها:
-لقيت مرحلة االنتقال من االقتصاد االشتراكي إلى اقتصاد السوق في الجزائر صعوبات عديدة خاصة ذات طابع
اقتصادي و إيديولوجي.
811
الخ ـاتمة
-فقد اعتمد نظـام االقتصاد االشتراكي على ملكية الدولة لوسـائل اإلنتـاج واحتكـارها للق اررات االقتصادية،
باإلضافة إلى اتخاذ مبدأ التخطيط اإللزامي وتسيير االقتصاد على أساس تعليمات يصدرها المخطط المركزي لتنفّذ
من قبل الو ازرات القطاعية التي تشرف بدورها على المؤسسات االقتصادية.
أن نموذج اقتصاد السوق المرتقب الوصول إليه نجده يؤسس على عدد من القواعد منها :تحرير النشاطات -غير ّ
االقتصادية ،وكذلك التمتع بحرية المبادرة ،الشراء ،البيع وحتى االستهالك.
-في هذا اإلطار ،تأخذ هذه الدراسة العلمية بعدا ممي از بالنظر إلى الرهانات التي تطرحها مساهمة اقتصاد السوق
سيما خالل المرحلة االنتقالية التي تعيشها الج ازئر:
في تطوير القطاع الخاص ال ّ
أما الرهان األول الذي تم التوصل إليه من خالل الدراسة فهو يتعلق "بدور الدولة أثناء المرحلة
االنتقالية" ،إذ تجد هذه األخيرة نفسها مدعوة إلى "االنسحاب" من المجال االقتصادي ،لكن في نفس الوقت
هي مطالبة بحماية إنتاج المؤسسات الخاصة الوطنية التي تمتاز بمحدودية قدراتها التنافسية بالمقارنة مع
المنتجات التي تغزو السوق الوطنية بعد تحرير التجارة الخارجية.
يتعلق الرهان الثاني بالمؤسسة والمقاول الخاص ،حيث إذا كانت المؤسسات الخاصة تستفيد من التحرير
الفعلي على مستوى فروع النشاطات االقتصادية التي كانت إلى وقت قريب في حوزة المؤسسات العمومية
فيجب بعث استثمارات جديدة.
فهي تعاني من تقلص حصتها على مستوى بعض فروع النشاط االقتصادي التي كانت تسيطر عليها حتى وقت
قريب قبل دخول المنافسة غير الشرعية للمنتجات القادمة من الخارج.
-كما تبين أن نجاح العالقة بين اقتصاد السوق والقطاع الخاص يبقى مرهونا في الجزائر بالدور الذي يقع على
عاتق ثالث متدخلين رئيسين ممثلين في كل من "الدولة" و"المؤسسات الخاصة الوطنية" ،باإلضافة إلى "الهيئات
الدولية والمؤسسات األجنبية" خالل المرحلة االنتقالية.
818
الخ ـاتمة
التوصيات:
-إن أطروحة ضرورة عدم تدخل الدولة في النشاط االقتصادي إالّ في أضيق الحدود ،وترك األمور لقوى السوق
بوصفها كفيلة بحلها قد أثبتت فشلها في "جميع الدول التي تبنت هذا الفكر" بدءاً بالمتقدمة منها ،بل كانت السبب
وراء العشرات من األزمات التي ال تزال تتعرض إليها هذه الدول والعالم أجمع حتى اللحظة ،ومن الصعوبة بمكان
حصر األدلة على ذلك لكثرتها ،ولكننا نكتفي باإلشارة إلى أحدثها ،وهي أزمة الرهن العقاري عالي المخاطر في
الواليات المتحدة في 0228والتي ألقت بظاللها القاتمة على االقتصاد األمريكي والكثير من دول العالم.
-إن ظاهرة العولمة االقتصادية والتكامل اإلقليمي الذي يعد أبرز إرهاصات النظام االقتصادي العالمي قيد
التشكل أصبح ينطوي على مفهوم جديد "للدولة" ال يقتصر على توفير فرص العمل لألفراد وتشريع القوانين
االقتصادية فحسب ،بل لبد من ابتكار السياسات واالستراتيجيات الكفيلة بمجارات التحديات التي تفرضها العولمة في
كافة المجاالت واقتناء الفرص التي تنطوي عليها ،وقد يشمل ذلك فضالً عن إعادة هيكلة القوانين والنظم والرقابة
واألمن ،توقيع االتفاقيات اإلقليمية والدولية ،وتوفير المجـال للقطاع الخاص لالستفـادة من هذه الفـرص ،ولكن مقابل
ذلك البد للدولة في العمل على كيفية تجنب االختراقات التي يمكن أن تحدثها التجارة واالستثمار العالمي عبر الحدود
مثل غسيل األموال ،بما في ذلك تجنب األزمات المالية واالقتصادية الخارجية التي تنتقل إلى الداخل أو التلطيف من
آثارها.
-إن الليبرالية الجديدة التي نقلتها دول المنطقة عن النماذج الغربية وتسهر على تبنيها دون هوادة تعكس
بالضرورة غياب الرؤية المستقلة لهذه الدول بشأن النموذج األنسب للتنمية ودور القطاع العام في االقتصاد تبعاً
للخصوصيات االجتماعية واالقتصادية والثقافية المحلية ،فلبد لها من إيجاد النموذج األنسب الذي يتماشى ومختلف
خصائصها.
-كما أن المعادلة األساسية تتمثل في إقامة شراكات حقيقية واستراتيجية مع القطاع الخاص بغية التوصل إلى
الق اررات والسياسات الرشيدة واعادة تخصيص الموارد االقتصادية بالقدر والكيفية التي تضمن رفع معدالت النمو
االقتصادي وتحقيق الرفاه االجتماعي لألغلبية الساحقة من أفراد المجتمع.
-يجب على الدولة الجزائرية إعطاء األولوية لجمع وتوجيه كل "جهود الدولة من أجل تشجيع أكثر للقطاع
الخاص" ،وذلك من خالل تكثيف اإلجراءات التحفيزية المشجعة إلنشاء المؤسسات الخاصة ،باإلضافة إلى العمل
على احترام مبدئي المساواة والشفافية عند التعامل مع المتعاملين الخواص بخصوص طلب القروض من البنوك أو
إيداع الملفات إلنشاء مؤسسات جديدة.
811
الخ ـاتمة
-وفي هذا الصدد من المهم أن "تساهم الدولة" أكثر في تشجيع ،تحفيز وتطوير المؤسسات الخاصة الوطنية بدال
من حصر نشاطاتها في التسرع بإدراج مكانيزمات عمل اقتصاد السوق ،لذلك نعتقد أن على المؤسسات الخاصة
اإلسراع في القيام بتأهيل شامل لنشاطاتها تبدأ بطرق التسيير المنتهجة في المؤسسة مرو ار بالتكنولوجية المستعملة
أثناء العملية اإلنتاجية حتى تعزز حظوظها لكسب تحدي المنافسة.
-فقد يساهم االنفتاح على الخارج بالتعجيل في تحرير السوق الداخلية ،باإلضافة إلى إتمام اإلصالحات
التشريعية ،المؤسساتية والتنظيمية التي تعمل على حسن سير اقتصاد السوق ،كما أنه من المتوقع أن تستفيد
المؤسسات الخاصة من إعانات مادية ،مالية وتكوينية تقدمها مختلف الهيئات الدولية في إطار برامج التأهيل ،لكن
من شأن التخفيض من الضرائب الجمركية الحد من دعم اإلنتاج الوطني.
-وانطالقا مما سبق تظهر ضرورة إعداد إستراتيجية شاملة من طرف الدولة تهدف إلى بعث عجلة النمو بشكل
دائم ومرتفع ،آخذة بعين االعتبار جميع الرهانات التي سبق وأن أشرنا إليها ،باإلضافة إلى اآلثار الناجمة عن تطبيق
مختلف اإلصالحات االقتصادية على مستوى كل الميادين والقطاعات االقتصادية منها واالجتماعية كذلك.
آفاق الدراسة:
إن موضوع دور الدولة في ظل العولمة واسع ومتجدد مع تطور مختلف المتغيرات العالمية ،لذا يصعب حصره
ويبقى باب دراسته مفتوحا لمن أراد ،وعليه يمكن طرح بعض المواضيع كآفاق للدراسة:
811
المراج ــع
المــراجـع
.Iالمصحف الشريف:
-01سورة إبراهيم.
-02سورة األعراف.
-03سورة األنعام.
-04سورة الحديد.
-05سورة محمد.
-06سورة الملك.
-07سورة النحل.
-08سورة النور.
-09سورة لقمان.
-10سورة هود.
.IIالكتب:
.5باللغة العربية:
-01إبراهيم شيحا ،الوجيز في النظم السياسية والقانون الدستوري ،الدار الجامعية ،بيروت0222. ،
-02إبراهيم كبه ،دراسات في تاريخ االقتصاد والفكر االقتصادي ،ج ،1مطبعة العاني ،ط ،0بغداد1791. ،
-05برهان محمد نوري ،التطورات االقتصادية الدولية المعاصرة ،مطبعة اليرموك ،بغداد1777. ،
-06جالل صادق العظم ،ما العولمة ،دار الفكر ،ط ،1دمشق.1772 ،
-07جمال داود سلمان وطاهر فاضل حسون ،التخطيط االقتصادي ،دار الكتب للطباعة والنشر ،الموصل1797. ،
-08جوزيف شترار ،األصول الوسيطة للدولة الحديثة ،ترجمة محمد عيتاني ،دار التنوير ،ط1790. ،1
581
المراج ــع
-09جوزيف شومبيتر ،عشرة اقتصاديين عظام ،ترجمة راشد البراوي ،دار النهضة ،ط.1719 ،1
الرجل العادي إلى تاريخ الفكر االقتصادي ،دار ال َشروق ،الطبعة األولى ،القاهرة.1771 ،
-10د .حازم الببالوي ،دليل َ
-11د .حازم الببالوي ،دور الدولة في االقتصاد ،دار ال َشروق ،الطبعة األولى ،القاهرة1779. ،
-12ربيغيـنو بريجنسكـاي ،بين عنصرين :أمريكا والعصر التكنتروني ،ترجمة محجوب عمر ،دار الطليعة بيروت،
.1792
-13سعيد بركات ،الجزائر آفاق 0212التنمية والديمقراطية ،دار النشر غير موجود ،الجزائر.0221 ،
-14د .سعيد سعد مرطان ،مدخل للفكر االقتصادي في اإلسالم ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة األولى ،بيروت1791. ،
-15د .شوقي أحمد دنيا ،النظرية االقتصادية في منظور إسالمي ،مكتبة الخريجي ،الطبعة األولى ،الرياض.1797 ،
-16طارق لحاج ،المالية العامة ،دار الصفاء للنشر والتوزيع ،عمان1777. ،
-17عبد الجبار أحمد عبيد السبهاني ،الوجيز في الفكر االقتصادي الوضعي واإلسالمي ،دار وائل للنشر ،ط ،1عمان،
األردن0222. ،
-18عبد علي كاظم المعموري ،تاريخ االفكار االقتصادية ،ج ،1الميناء للطباعة والنشر ،بغداد0221. ،
-19عبد اهلل عبد الغني ،المشكلة االقتصادية في اإلسالم ،المكتب الجامعي ،اإلسكندرية ،بال تاريخ.
-20عبد اهلل العروي ،العرب والفكر التاريخي ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء -بيروت ،ط .1779 ،20
-21عبد اهلل العروي ،مفهوم الحرية ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء– بيروت ،ط 0220. ،29
-22عبد اهلل العروي ،مفهوم الدولة ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء– بيروت ،ط .0220 ،29
-23د .عدنان خالد التركماني ،المذهب االقتصادي اإلسالمي ،مكتبة السوادي ،الطبعة األولى ،بيروت1772. ،
-24عدنان عباس علي ،تاريخ الفكر االقتصادي ،ج ،1مطبعة عصام ،بغداد1797. ،
-25عرفات تقي الحسني ،التمويل الدولي ،دار مجدالوي للنشر عمان ،األردن.1999 ،
-26عالوي لعالوي وآخرون ،استقاللية المؤسسة العمومية االقتصادية ،جامعة الجزائر ،الجزائر.2002 ،
-27فردريك انجلز ،نصوص مختارة ،ترجمة وصفي ابني ،منشورات و ازرة الثقافة السورية ،دمشق.1790 ،
-28فريد النجار ،البورصات و الهندسة المالية ،مؤسسة شباب الجامعة للنشر ،القاهرة.1777 – 1779 ،
-29كارل ماركس ،رأس المال ،الجزء الثالث ،ترجمة :محمد عيتاني ،مكتبة المعارف ،بيروت1799. ،
-30لبيب شقير ،تاريخ الفكر االقتصادي ،دار الحكمة للطباعة والنشر ،بغداد.1791 ،
581
المراج ــع
-31لينين ،الدولة في الماركسية ،ترجمة فخري لبيب ،دار الثقافة الجديدة ،القاهرة.1790 ،
-33د .محسن أحمد الخضيري ،العولمة "مقدمة في فكر واقتصاد وادارة عصر الالدولة" ،مجموع النيل العربية للنشر،
.0222
-34محمد بلقاسم حسن بهلول ،الجزائر بين األزمة االقتصادية والسياسية ،مطبعة دحلب ،الجزائر.1771 ،
-35محمد بلقاسم حسن بهلول ،سياسة تمويل التنمية وتنظيمها في الجزائر ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر،
.2006
-36د .محمد الدجاني -د .منذر الدجاني ،الحكم واإلدارة ،منشورات جامعة القدس 0222. ،
-37د .محمد الدجاني -د .منذر الدجاني ،السياسة :نظريات ومفاهيم ،منشورات جامعة القدس.0222 ،
-41محمود بن إبراهيم الخطيب ،من مبادئ االقتصاد اإلسالمي ،دار طيبة ،الرياض1797. ،
-42محمود بن إبراهيم الخطيب ،النظام االقتصادي في اإلسالم ،مكتبة الحرمين ،الطبعة األولى ،الرياض1797. ،
-43محمود حسين الوادي -زكرياء أحمد عزام ،المالية العامة والنظام المالي في اإلسالم ،دار الميسرة للنشر والتوزيع،
عمان0222. ،
-44منير إبراهيم هندي،األوراق المالية و أسواق رأس المال ،توزيع منشأة المعارف اإلسكندرية ،مصر.1779 ،
-45د .نعمان أحمد الخطيب ،الوجيز في النظم السياسية ،دار الثقافة للنشر ،بدون مكان النشر.1777 ،
-46وجدي حسين ،المالية الحكومية واالقتصاد العام ،بدون دار نشر ،اإلسكندرية.1799 ،
-47ولتر ستيس ،فلسفة هيجل ،ترجمة إمام عبد الغني ،دار التنوير ،ط ،1بيروت.1791 ،
.2باللَغة األجنبية:
581
المراج ــع
01- Abd el Hamid Brahimi, L’économie algérienne, OPU, Alger, 2004.
02- A.Benachenhou, l’expérience algérienne de planification et de développement (1962-
1982), Algérie: opu, 1982.
03- Aglietta M, Macroéconomie financière - Tome 2 - Crises financières et régulation
monétaire, La Découverte, 1995-2005.
04- Frederic Teulon, Le rôle de L'état Dans L'économie, Seuil, Paris, 1997.
05- John Sloman and Mark Sutclift, Economics for Business, Prentice Hall Europe, 1998.
06- Marc Raffinot et Pierre Jacquemont, le capitalisme de l’état algérien, Paris, 1977.
07- Prager JC Et Villeroy de Galhau F, 1es leçons sur la politique économique, Seuil, 2003,
Chapitre 17.
08- Renato Ruggiero, Whither The Trade System Next, The Uruguay Round and Beyond,
Essay in Honor of Arthur Dankel, Springer-Veriag, Berlin-Heidelberg, 1998.
09- V. P. Ardant, Institutions Politiques et Droit Constitutionnel, 12 Edition, L.G.D.J,Paris
2000.
10- Youcef Deboub, Le nouveau mécanisme économique en algerie, OPU, 1993.
قمة كولون لمجموعة الثماني: في ظل دعم النظام التجاري، اإلتحاد العام غرف التجارة والصناعة والزراعة العربية-01
.1777 ،02 العدد، مجلة العمران العربي،تدعو إلى تخفيف ديون الدول الفقيرة
0221. جانفي، الكويت، سلسلة كتاب العربي، المعرفة وصناعة المستقبل، أحمد أبو زيد-02
مركز، إدارة التنمية في الوطن العربي والنظام العالمي الجديد: تنمية التخلف وادارة التنمية، أسامة عبد الرحمان-03
.1779 بيروت،دراسات الوحدة العربية
العدد، مجلة المستقبل العربي، الرأسمالية العالمية مرحلة ما بعد اإلمبريالية: الكوكبة، إسماعيل صبري عبد اهلل-04
1779. ،000
.1779 دراسة الحالة االجتماعية واالقتصادية لعام، المجلس االقتصادي واالجتماعي، األمم المتحدة-05
1777. ،20 العدد، مجلة التمويل والتنمية، اآلثار اإلجتماعية ألزمة شرق آسيا، أندريا بيكويز-06
588
المراج ــع
-10التقرير العام للمخطط الخماسي األول ،1790/1792و ازرة التخطيط والتهيئة العمرانية.
-11التقرير العام للمخطط الخماسي الثاني ،1797/1791و ازرة التخطيط والتهيئة العمرانية.
-12تمام علي الغول ،منظمة التجارة العالمية وعولمة اإلقتصاد ،مجلة الدبلوماسي األردني ،العدد 1779. ،0
-13جالل أمين ،العولمة والتنمية البشرية ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت1777. ،
-15جميل طاهر ،االختـالالت الهيكلية في المسار االقتصـادي في األقطار العربية وسياسـات صندوق النقد الدولي،
مجلة آفاق اقتصادية ،العدد 1771. ،19-19
-18حفيظ صواليلي ،الصناديق السيادية تثير الجدل في الجزائر ،يومية الخبر ،العدد ،5505الصادرة في 21ديسمبر
.0229
-19حفيظ صواليلي ،فوائض السيولة لدى البنوك تجاوزت 33,5مليار دوالر ،يومية الخبر ،العدد ،5506الصادرة في 00
ديسمبر.2008
-21دونالد ماشيسون ،األزمات المالية في األسواق الناشئة ،مجلة التمويل والتنمية ،FMI ،المجلد ،36العدد ،3جوان
.1999
-22رسالن شرف الدين ،موقع الدولة الوطنية في ظل النظام العالمي الجديد ،مجلة بحوث عربية ،العدد ،0-1دار
الطليعة ،بيروت.1779 ،
-23رمزي زكي ،اإلقتصاد العربي تحت الحصار ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت.1797 ،
-24رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت،
.1799
-25رنا فروهار ،بداية عصر جديد من الرأسمالية العالمية ،مجلة ،NEWS WEEKبدون دار نشر ،بدون بلد10 ،
أكتوبر .0229
581
المراج ــع
-26روالند روبرتسون ،تخطيط الوضع الكوني ،نقال عن السيد يسين ،في مفهوم العولمة ،مجلة المستقبل العربي العدد
.1779 ،009
-27سالم توفيق النجفي ،الفقر وسياسات التكيف الهيكلي في االقتصادات الزراعية العربية :النظرية والتجارب ،مجلة
دراسات إقتصادية ،بيت الحكمة ،العدد ،1ربيع .1777
-28سالم القمودي ،اإلسالم والدولة ،عرض :إبراهيم غرايبه ،جريدة الصباح ،العدد 901في 0221./1/19
-29سعيد النجار ،الحقوق األساسية للبلدان النامية في ظل الجات ومنظمة التجارة العالمية ،األمم المتحدة ،منشورات
األسكوا ،نيويورك1777. ،
-30شبايكي سعدان ،معـوقات الخوصصة فـي الجزائر ،مجلة العلوم االجتماعية واإلنسانية لجامعة باتنة ،العدد ،11
.0221
-31شفيق الطاهر ،العولمة واحتماالت المستقبل ،مجلة دراسات ،العدد األول.0229 ،
-32عادل أبو سنية ،جولة األورغواي ( ،)1771-1791مجلة الدراسات المالية والمصرفية العد 1771. ،1
-33عبد الخالق عبد اهلل ،العالم المعاصر والصراعات الدولية ،سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون
واآلداب ،الكويت.1797 ،
-34عبد علي كاظم المعموري ،العـولمة :محـاولة الرأسمـالية للتكيف مع أزمتها ،دراسات اقتصادية ،بيت الحكمة ،العدد
األول ،السنة الثانية.0222 ،
-35عبد اهلل العروي ،تأصيل علوم المجتمع ،المقارنة والتأويل ،جامعة القاضي عياض ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية،
سلسلة الدروس االفتتاحية ،مراكش.0220 ،
-36عبد اهلل العروي ،التحديث والديمقراطية (حوار) ،مجلة آفاق ،العدد .1770 ،0 – 1
للصحافة والطباعة
الريادة ،جريدة الخليج االقتصادي ،دار الخليج َ
-37عرفان الحسني ،الدولة و االقتصاد بين االنفصام و َ
النشر ،الكويت.0229/29/12 ، وَ
-38فرنسيس فوياما ،انهيار االقتصاد االمريكي ،مجلة ،NEWS WEEKبدون دار نشر ،بدون بلد 10 ،أكتوبر
.0229
-39فريد زكرياء ،وجهة نظر حول عصر بلونبيرغ ،مجلة ،NEWS WEEKدار النشر غير موجودة ،البلد غير
موجود 10 ،أكتوبر .0229
-40فؤاد مرسي ،الرأسمالية تجدد نفسها ،سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت 1772.
511
المراج ــع
-42كارلوس أ ،بريموبر جا ،تدويل الخدمات وتأثيره على البلدان النامية ،مجلة التمويل والتنمية ،العدد (1771. ،)1
-43كافلين رالي ،الغرب والعالم :تاريخ الحضارات من خالل موضوعات ،ترجمة عبد الوهاب المسيري وهدى عبد
السميع ،عالم المعرفة ،الكويت1791. ،
-44كريم النشاشيبي وآخرون ،الجزائر تحقيق االستقرار والتحول إلى اقتصاد السوق ،صندوق النقد الدولي.1779 ،
-45ليث عبد الحسن جواد ،المضامين االجتماعية للعولمة ،مجلة دراسات ،السنة األولى ،العدد الرابع.0229 ،
-46مجلة الدراسات المالية والمصرفية ،صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ،العدد .1770 ،1
-47محمد األطرش ،العرب والعولمة :ما العمل؟ ،مجلة المستقبل العربي العدد 1779. ،007
-48محمد األفندي ،سياسات االستقرار االقتصادي بين الطموحات النظرية واشكاليات التطبيق ،مجلة التجارة السنة ،9
العدد 1771. ،0
-49محمد الرميجي ،العولمة وفخاخها :حتى ال تتحول الرأسمالية إلى حيوان شره ،مجلة العربي ،العدد ،090مارس
1777.
-50محمد عابد الجابري ،العولمة والحرية الثقافية ،مجلة المستقبل العربي ،العدد .1779 ،009
-51محمد فاروق النبهان ،شرعية تدخل الدولة في الشؤون االقتصادية في نظر اإلسالم ،ندوة االقتصاد اإلسالمي في
معهد البحوث والدراسات العربية ،بغداد.1791 ،
-52محمد لخضر بن حسين ،األزمـات االقتصـادية ،فعلها ووظائفها في البلدان الرأسمالية المتطورة والبلدان النامية،
ترجمة أحمين شفير ،المعهد الوطني للثقافة العمالية وبحوث العمل ،الجزائر.1771 ،
-53محمد النوري ،المخاطر الجديدة لالقتصاد الرمزي ،مجلة اإلنسان ،العدد 1771. ،11
-54محمد يوسفي ،بدون عنوان ،مجلة اإلدارة ،المجلد 10العدد 0220. ،10
-57أ .د .نبيل جعفر عبد الرضا ،دور الدولة في الفكر االقتصادي ،جريدة المدى ،الحدث االقتصادي ،مؤسسة المدى
للنشر.0227 ،
َ
العالمية المعاصرة وأثرها على مشاريع األعمال ،مجلَة الكويت
َ التقليدية و
َ نجار أحمد منير ،الخصخصة بين
َ -58
النشر،الكويت.0221 ،
االقتصادية ،بحث مقبول َ
َ
المالية ،الكويت.0220/21/19 ،
َ االقتصادية في القرن ،01ندوة لو ازرة
َ حديات
نجار أحمد منير ،دور التَ َ
َ -59
515
المراج ــع
، المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب، سلسلة عالم المعرفة، فـخ العـولمة، هانس بيتر مارتن وهارالد شومان-60
1779. ،الكويت
عالم، مراجعة وتقديم رمزي زكي، ترجمة عدنان عباس علي: فخ العولمة، هانس بيتر مارتين وهارالد شومان-61
.0221 ، الكويت،071 العدد،المعرفة
.1791 ، بيروت، مؤسسة األبحاث العربية، اإلمبريالية من عصر االستعمار حتى اليوم، هاي ماجدوف-62
: باللَغة األجنبية.2
01- Calvo, Guillermo, Morris Goldstein and Eduard Hochreiter, “Private Capital Flows to
Emerging Markets After the Mexican Crisis”, Institute for International Economics,
Washington, 1996.
02- Kenici Ohmae: The end of Nation-State: The Rise of Regional Economies, The Eree
Press, New York , 1995.
03- kofia Annan, Patnerships for Global Community, Annual Report on The Work for
Organization, New York:U.N, 1998.
04- M.H.Mcluhan, Understanding Media: The Extensions of Man, McGraw. Hill, New
York, 1964.
05- Mohamed Liassine, « les stratégies de développement de l’Algérie », in revue:
informations et Commentaires, N0 124, paris, 2001.
06- Revue d’économie financière,Crise financière : analyses et propositions,N° Hors-série,
Paris, 2008.
07- Ronald E.Muller and Richard J Barnet, global Reach: The Power of The National
Corporation, Simon and Schuster, New York, 1974.
08- Services du chef du gouvernement, Le plan de la relance économique 2001-2004, les
composantes du programme.
09- World Bank: Global Ecomonic Prospects and The Developing Countries, 1995.
10- W. Wallace, Foreign policy and Nation identity in the United Kingdom, International.
Affairs, VOL 67, 1991.
: الرسائل واألطروحات،المذكرات.IV
.0221 ، جامعة الجزائر، علوم التسيير، رسالة ماجستير، االستثمار األجنبي المباشر في الجزائر، أخلف محمد-01
512
المراج ــع
-02بوزيد حميد ،النظام الضريبي الجزائري وتحديات اإلصالح في الفترة ،0220/1770أطروحة دكتوراه ،جامعة
الجزائر.0221 ،
-04حسين علي قاسم االسدي ،مبدأ الوسط في المذهب االقتصادي اإلسالمي ،أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية اإلدارة
واالقتصاد ،جامعة بغداد1779. ،
-05دحماني رشيد ،دور البنك الدولي في تمويل التنمية ،رسالة ماجستير ،جامعة الجزائر1771. ،
-06دراوسي مسعود ،السياسات المالية ودورها في تحقيق التوازن االقتصادي ،حالة الجزائر ،0220-1772أطروحة
دكتوراه ،الجزائر.0229/0229 ،
-07رائد نزار السامرائي ،تحـرير التجـارة الدوليـة وأثـره على تجـارة السلع الـزراعية فـي الوطن العـربي ،أطـروحة دكتـوراه
غير منشورة ،الجامعة المستنصرية ،كلية اإلدارة واالقتصاد.1779 ،
-08الصافي وليد أحمد ،سوق األوراق المالية ودورها في التنمية االقتصادية ،رسالة ماجستير علوم اقتصادية ،معهد
العلوم االقتصادية ،الجزائر.1779 ،
-09زرنوح ياسمينة ،إشكالية التنمية المستدامة في الجزائر ،رســلة مــاجستير ،العلوم االقتصادية فرع التخطيط ،جامعة
الجزائر.0221 ،
-10طالب عبد صالح ،دور الدولة االقتصادي مع التَركيز على التَجربة المصرية ) ،( 1770 – 1710أطروحة
كلية اإلدارة واالقتصاد1779. ،
دكتوراه غير منشورة ،جامعة بغدادَ ،
-11عبد الرحمان تومي ،واقع وأفـاق االستثمـار األجنبي المبـاشر من خالل اإلصالحـات االقتصادية في الجزائر ،رسالة
ماجستير ،جامعة الجزائر0229. ،
-10عمروش رضا ،االقتصاد الجزائري في ظل العولمة :واقع وتحديات ،رسالة ماجستير ،علوم التسيير ،جامعة الجزائر،
.0220
-11عوض محمد ربيع ،إتَجاهات التحول للقطاع الخاص ومتطلبات إقامة سوق لألوراق المالية في اليمن ،رسالة
ماجستير ،كلية اإلدارة واالقتصاد ،جامعة الكوفة.1779 ،
-10منذر عبد القادر الشيخلي ،عجـز الموازنات الحكومية واتجـاهات السيـاسة المـالية في الوطن العربي ،1799-1791
رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية اإلدارة واالقتصاد ،جامعة بغداد.1799 ،
-11موزاي بالل ،االستثمار والتنمية االقتصادية تجربة الجزائر ،رسالة ماجستير ،جامعة الجزائر.0221 ،
511
المراج ــع
-11نـوزاد عبد الـرحمن محمد الهيتي ،الث ـورة العلمية والتكنولوجيـة وانعكـاساتها على اإلقتصـاد الع ـربي ،أطـروحة دكتوراه
غير منشورة ،جامعة بغدادا ،كلية اإلدارة واالقتصاد.1771 ،
-19هدير عبد القادر ،واقع السياحة في الجزائر وآفاق تطويرها ،رسالة ماجستير ،جامعة الجزائر.0221 ،
-02ماجد محمد الفرا ،األزمة المالية واالقتصادية األمريكية وتبعاتها ،من على الموقع االلكتروني:
،www.iugaza.edu.ps/emp/emp_folders/530/financial_crises_in_US.docأطلع عليه بتاريخ:
0227/29/01على الساعة .02:01
-03مريم محمد ،األزمة المالية وآثارها االقتصادية على العالم ،من على الموقع اإللكتروني:
http://news.maktoob.com/article/2114594/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85
،%D8%A9-تاريخ النشر 0229/12/27 :على الساعة.11:11 :
-04نورة عبدالرحمن اليوسف ،أسباب األزمة المالية العالمية ،من على الموقع االلكتروني:
511
قـــائمة الجـــداول
73 إجمالي صافي تدفقات الموارد إلى بلدان العالم الثالث )(2001-2002 )(2.2
111 الريفية
توزيع برنامج الفضاءات َ
)(1.3
X
قـــائمة األشكال البيانية
قائمة األشكال
XI
قائمة اإلختصارات والرموز
XII
رقم
الصفحة فهــرس المحتويــــات
اإلهداء
التشكرات
I فهرس المحتويات.......................................................................................
X قائمة الجداول...........................................................................................
XI قائمة األشكال البيانية واألشكال.........................................................................
XII قائمة االختصارات والرموز............................................................................
أ المقدمة.................................................................................................
10 الفصل األول :اإلطار ال َنظري لدور الدولة في ال َنشاط االقتصادي........................................
10 تمهيد.................................................................................................
10 المبحث األول :مفهوم ومضمون الدولة..............................................................
10 المطلب األول :ماهية الدولة........................................................................
10 -1أصل كلمة دولة............................................................................
10 -2تعريف الدولة..............................................................................
10 -3أصل نشأة الدولة...........................................................................
10 -1.3نظرية العقد...........................................................................
10 -2.3نظرية تطور األسرة..................................................................
10 -3.3النظريات العقدية......................................................................
10 -1.3.3هوبز (من أنصار الحكم المطلق)................................................
10 -2.3.3جون لوك (من أنصار الحكم المقيد).............................................
10 -3.3.3جان جاك روسو................................................................
10 -3.3.3نظرية التطور التاريخي.........................................................
10 النظام..........................................
السلطة و َ
-3الفرق بين مفهوم الدولة ،الحكومةَ ،
10 المطلب الثاني :أركان الدولة (عناصر الدولة)......................................................
01 -1السكان (الشعب)............................................................................
00 -2األرض (اإلقليم)............................................................................
00 -1.2عناصر اإلقليم........................................................................
I
00 -2.2أنواع األقاليم..........................................................................
00 -3السلطة السياسية............................................................................
00 -3االستقالل.................................................................................. .
00 المطلب الثالث :خصائص الدولة...................................................................
00 -1الشخصية المعنوية..........................................................................
00 -2السيادة.....................................................................................
00 -1.2مظاهر السيادة........................................................................
00 -2.2مصدر السيادة وصاحبها..............................................................
00 -1.2.2النظرية الثيوقراطية.............................................................
00 -1.1.2.2نظرية الطبيعة اإللهية للحاكم..............................................
00 -2.1.2.2نظرية الحق اإللهي المباشر................................................
00 -3.1.2.2نظرية الحق اإللهي غير المباشر...........................................
00 -2.2.2نظرية سيادة األمة..............................................................
00 -3.2.2نظرية سيادة الشعب.............................................................
00 المطلب ال اربع :أنواع الدول........................................................................
00 -1الدولة البسيطة..............................................................................
00 -2الدولة المركبة..............................................................................
00 -1.2االتحاد الشخصي......................................................................
00 -2.2االتحاد الحقيقي (الفعلي)...............................................................
00 -3.2االتحاد االستقاللي الكونفدرالي.........................................................
00 -3.2اإلتحاد المركزي......................................................................
01 -1.3.2من الناحية الداخلية..............................................................
01 -2.3.2من الناحية الخارجية............................................................
00 المبحث الثاني :دور الدولة في الحضارات القديمة والعصور الوسطى................................
00 المطلب األول :الحضارات القديمة.................................................................
00 -1دور الدولة في الفكر اليوناني...............................................................
00 -1.1أرسطو...............................................................................
00 -2.1أفالطون..............................................................................
II
00 الرومان....................................................................
-2دور الدولة عند َ
00 المطلب الثاني :دور الدولة في العصور الوسطى )سان توماس األكويني(...........................
00 المبحث الثالث :دور الدولة في ال َنظام االقتصادي اإلسالمي واالشتراكي..............................
00 النظام االقتصادي اإلسالمي.........................................
المطلب األول :دور الدولة في َ
00 النظام االقتصادي اإلسالمي.................................
النظري لدور الدولة في َ
-1اإلطار َ
00 -2اإلطار العملي من خالل التدخل غير المباشر والمباشر للدولة...............................
00 -1.2التدخل غير المباشر للدولة............................................................
00 اإلسالمية........................................................
َ -1.1.2إيرادات الدولة
00 اإلسالمية..........................................................
َ -2.1.2نفقات الدولة
00 -2.2التدخل المباشر للدولة.................................................................
00 النظام االشتراكي...................................................
المطلب الثاني :دور الدولة في َ
00 النظام االشتراكي...........................................
النظري لدور الدولة في َ
-1اإلطار َ
00 -2اإلطار العملي من خالل التخطيط واإلعداد للمستقبل.........................................
00 المبحث الرابع :دور الدولة في الفكر الليبرالي.......................................................
00 المطلب األول :مفاهيم عامة عن الليبرالية..........................................................
00 المطلب الثاني :دور الدولة في الفكر االقتصادي السابق على التقليديين..............................
00 -1دور الدولة في الفكر التَجاري .............................................Mercantilism
00 -2دور الدولة في الفكر الطبيعي ...............................................Physiocrats
00 المطلب الثالث :دور الدولة في الفكر االقتصادي التقليدي )الكالسيك(...............................
00 المطلب الرابع :دور الدولة في الفكر الكينزي......................................................
01 المطلب الخامس :االتجاهات المعاصرة لدور الدولة في الفكر االقتصادي............................
00 المتغيرات الجديدة على الفكر الكينزي...................................................
َ -1أثر
00 النقدية ..............................................................monteratist
-2المدرسة َ
00 سية..........................................................................
المؤس َ
َ -3المدرسة
00 -3مدرسة االختيار العام ....................................................public choice
00 -5الفكر االقتصادي لدور الدولة في ظل العولمة...............................................
00 خالصة.............................................................................................. .
III
00 الفصل الثاني :أثر العولمة على دور الدولة في ال َنشاط االقتصادي......................................
01 تمهيد................................................................................................ .
00 المبحث األول :مفاهيم عامة حول العولمة...........................................................
00 المطلب األول :ماهية العولمة.....................................................................
00 المطلب الثاني :التطور التاريخي للعولمة...........................................................
00 المطلب الثالث :مظاهر العولمة...................................................................
00 -1عولمة التجارة ،تحرير التجارة ........Trade Globalization, Trade Liberalization
01 -2عولمة رأس المال ...............................................globalization capital
00 -1.2رأس المال االستثماري................................................................
00 -2.2رأس المال االئتماني..................................................................
00 -3عولمة الخدمات ...............................................Globalization Services
00 -3عولمة المعلومات واألفكار..................................................................
00 الدولية في ظل العولمة..............................
َ المؤسسات االقتصادية
َ سياسات
المبحث الثانيَ :
00 الدولية.......................................................
َ المطلب األول :المؤسسات االقتصادية
00 مؤسستا بريتون وودز ..................................Brotton Woods Faundations
َ -1
00 -2مجموعة السبع .........................................................Group of seven
01 -3الشركات المتعددة الجنسيات................................................................
00 العالمية..............................................
َ -3جوالت الجات وتأسيس منظمة التَجارة
00 -1.3تحسين فرص الوصول إلى األسواق...................................................
00 -2.3توسيع نطاق الجات...................................................................
00 -1....تجارة الخدمات.................................................................
00 -2.2.3إجراءات االستثمار المتعلقة بالتجارة.............................................
00 -3.2.3حقوق الملكية الفكرية......................Intellectual Property Hights :
00 -3.3تعزيز آليات الجات....................................................................
00 -1.3.3مكافحة اإلغراق................................................................
00 -2.3.3الوقاية..........................................................................
00 -3.3.3االتفاق حول قواعد منشأ السلع..................................................
IV
00 -3.3.3الدعم واإلجراءات المضادة.....................................................
00 -3.3األوجه المؤسسية والقانونية............................................................
00 السياسات االقتصادية...............................................................
المطلب الثانيَ :
00 التكيف االقتصادي.................................................................
-1سياسات َ
00 -1.1التكيف الذاتي.........................................................................
01 الدولية......................................
َ قدية
الن َ
المالية و َ
َ المؤسسات
َ التكيف في ظل
َ -2.1
01 -1.2.1تقييد الطلب الكلي.............................................................. .
00 -2.2.1سياسات التحول.................................................................
00 -3.2.1إدارة العرض...................................................................
00 -2سياسات الخصخصة........................................................................
00 -1..توليد إيراد إضافي للخزانة العامة ..Generation of Revenue for The Treasury
00 -2.2تشجيع الرأسمالية .....................................Promotion of Capitalism
00 -3.2تقليل قوة االتحادات التجارية..........................................................
00 -3.2تقليل التدخل الحكومي في الصناعة....................................................
00 المبحث الثالث :العوامل المحددة لدور الدولة في ظل العولمة........................................
00 السيادة في ظل العولمة.............................................................
المطلب األولَ :
00 المطلب الثاني :دور الدولة والشركات متعددة الجنسيات............................................
010 الدولية.........................
َ قتصادية
َ المؤسسات اال
المطلب الثالث :دور الدولة في العالم الثالث و َ
010 المبحث الرابع :دور الدولة في ظل األزمات المالية..................................................
010 المطلب األول :أسباب األزمات المالية.............................................................
010 -1عدم استقرار االقتصاد الكلي................................................................
010 -2اضطرابات القطاع المالي...................................................................
010 -1.2تحرر مالي غير وقائي................................................................
010 -2.2تدخل الحكومة في تخصيص االئتمان..................................................
010 -3.2ضعف النظام المحاسبي والرقابي والتنظيمي...........................................
010 سياسات سعر الصرف......................................................
-3عدم التحكم في َ
001 المطلب الثاني :سياسات تجنب األزمات المصرفية..................................................
V
000 المطلب الثالث :حاالت عملية......................................................................
000 -1حالة المكسيك..............................................................................
000 -2حالة تايالندا................................................................................
000 الراهنة...........................................
المالية َ
َ المطلب الرابع :دور الدولة في ظل األزمة
000 -1طبيعة األزمة...............................................................................
000 -2أسباب األزمة..............................................................................
000 -3تداعيات األزمة.............................................................................
000 خالصة...............................................................................................
001 الفصل الثالث :دور الدولة الجزائرية في ال َنشاط االقتصادي.............................................
000 تمهيد.................................................................................................
000 األول :دور الدولة الجزائرية في عملية التَنمية من خالل المخططات (...........)0000-0000
المبحث َ
000 المطلب األول :المخطط الثالثي)..........................................................(76-76
000 المطلب الثاني :المخطط الرباعي األول ).................................................(63-67
000 المطلب الثالث :المخطط الرباعي الثاني ).................................................(66-63
000 المطلب الرابع :المخطط الخماسي األول ).................................................(83-87
000 -1األهداف المعلنة للمخطط....................................................................
000 -2توزيع االستثمارات.........................................................................
000 المطلب الخامس :المخطط الخماسي الثاني )...............................................(86-85
000 -1األهداف العامة للمخطط.....................................................................
000 -2توزيع االستثمارات.........................................................................
000 المبحث الثاني :اإلصالحات االقتصادية واالنتقال إلى اقتصاد السوق..................................
000 المطلب األول :االنتقال إلى اقتصاد السوق..........................................................
000 -1ماهية االنتقال إلى اقتصاد السوق............................................................
000 -2اإلجراءات المتخذة في إطار االنتقال إلى اقتصاد السوق.......................................
000 -1.2إصالح القطاعين الزراعي والصناعي..................................................
000 -2.2إصالح نظام األسعار..................................................................
000 -1.2.2نظام األسعار المقننة.............................................................
VI
000 -2.2.2نظام األسعار الحرة.............................................................
000 -3.2انسحاب الخزينة من دائرة التمويل......................................................
000 -3.2التدرج نحو إلغاء الدعم................................................................
000 -5.2التطهير المالي للمؤسسات..............................................................
000 -3مراحل االنتقال إلى اقتصاد السوق...........................................................
000 المطلب الثاني :اتفاقيات االستعداد االئتماني.........................................................
000 -1اتفاق االستعداد االئتماني األولى ......................................................1686
000 -2اتفاق االستعداد االئتماني الثاني .......................................................1661
000 -3اتفاق االستعداد االئتماني الثالث أفريل ................................................1994
000 المطلب الثالث :التدابير العملية لبرنامج التصحيح الهيكلي )ماي /1665ماي .................(1668
000 -1سياسة الموازنة.............................................................................
000 -1.1الضغط على النفقات العامة.............................................................
000 -2.1زيادة اإليرادات العامة.................................................................
000 -2السياسة النقدية .............................................................................
000 -3سياسة التجارة الخارجية وميزان المدفوعات.................................................
000 المبحث الثالث :دور الدولة الجزائرية في األلفية الثالثة..............................................
000 المطلب األول :برنامج اإلنعاش االقتصادي ).........................................(2773/2771
000 -1نظرة عن االقتصاد الجزائري قبل البرنامج...................................................
000 -2برنامج اإلنعاش االقتصادي ).................................................(2773/2771
000 -1.2دعم النشاطات اإلنتاجية................................................................
000 -1.1.2الفالحة.........................................................................
000 -2.1.2الصيد والموارد المائية..........................................................
000 -2.2التنمية المحلية والبشرية................................................................
000 -1.2.2التنمية المحلية...................................................................
001 -2.2.2التشغيل والحماية االجتماعية.....................................................
001 -3.2تعزيز الخدمات العامة وتحسين اإلطار المعيشي........................................
001 -1.3.2التجهيزات الهيكلية للعمران......................................................
000 -2.3.2إحياء الفضاءات الريفية بالجبال ،الهضاب العليا والواحات........................
VII
000 -3.2تنمية الموارد البشرية..................................................................
000 المطلب الثاني :برنامج دعم النمو االقتصادي) .......................................(2776/2775
000 -1اإلصالح في المجال االقتصادي.............................................................
000 -1.1تحسين إطار االستثمار.................................................................
000 -1.1.1ترقية االستثمار وضبطه.........................................................
000 -2.1.1تسوية مسألة العقار..............................................................
000 -2.1مكافحة االقتصاد غير الرسمي........................................................ .
000 -3.1عصرنة المنظومة المالية..............................................................
000 -2النهوض بتنمية مستمرة ومنصفة عبر أنحاء البالد............................................
000 -1.2تثمين الثروات الوطنية وتطويرها......................................................
000 -1.1.2قطاع الطاقة والمناجم...........................................................
000 -2.1.2الفالحة.........................................................................
000 -3.1.2في ميدان السياحة والصناعة التقليدية والصيد البحري.............................
001 -3.1.2االتصاالت والتكنولوجيات الجديدة...............................................
000 -2.2رفع التحدي في مجال الموارد المائية...................................................
000 -1.2.2حشد الموارد المائية ،استرجاعها وانتاجها........................................
000 -1.1.2.2بناء السدود................................................................
000 -2.1.2.2برنامج حفر اآلبار.........................................................
000 -3.1.2.2المحاجز المائية............................................................
000 -3.1.2.2استرجاع المياه المستعملة..................................................
000 -5.1.2.2تحلية مياه البحر...........................................................
000 -2.2.2تسيير الموارد المائية وتوزيعها بشكل عقالني....................................
000 -3.2.2الوقاية من الكوارث المرتبطة بالمياه وامتصاصها................................
000 -3.2سياسة تهيئة اإلقليم....................................................................
000 -1.3.2البنى التحتية الخاصة بالطرق....................................................
000 -2.3.2البنى التحتية للمطارات..........................................................
000 -3.3.2البنى التحتية البحرية............................................................
000 -3.3.2البنى التحتية الخاصة بالسكك الحديدية............................................
VIII
000 المطلب الثالث :تأهيل االقتصاد الجزائري لالندماج في االقتصاد العالمي.............................
000 -1جذب االستثمار األجنبي واالهتمام بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة...........................
000 -2إصالح الهياكل والقطاعات االقتصادية.......................................................
000 -3انضمام الجزائر للتكتالت االقتصادية وتعزيز مكانتها عالميا..................................
000 المطلب الرابع :أزمة 2778والدور االقتصادي الجديد للجزائر.....................................
000 -1آثار األزمة المالية العالمية على اإلقتصاد الجزائري..........................................
000 -2التدابير الوقائية لتجنب آثار األزمة المالية العالمية على اإلقتصاد الجزائري....................
000 خالصة.............................................................................................. .
000 الخاتمة............................................................................................. ....
000 المراجع................................................................................................
الملخص
َ
IX
ملخص:
َ
النشاط االقتصادي ،وذلك في ظل مجموعة
يتمحور هدف الرسالة حول تبيان الدور الذي تلعبه الدولة في َ
التغيرات ،والحال الذي أصبح عليه هذا الدور ومدى أثر العولمة على مجموعة من المعطيات التي ساهمت
من َ
في فرض قواعد جديدة على اقتصاديات كل الدول بما فيها دول العالم الثالث.
كما ارتبطت التحوالت في دور الدولة االقتصـادي في الدول المتقدمة بالتحـوالت في الوقائع االقتصادية،
وتحديدا بظروف الدورة االقتصادية من ناحية والتحوالت في الفكر االقتصادي ،من نـاحية أخرى ،فبدأت الدولة
محايدة أو تقليدية ثم تحولت إلى فاعلة وأقل حيادية ،ثم عادت مرة أخرى لتمارس دو اًر أقل فاعلية وأكثر حيادية.
أن حكومات هذه الدول أخذت اتجاها أن التاريخ االقتصادي للدول النامية ،يشير إلى َ
في مقابل ذلك نجد َ
مغاي ار فبدأت فاعلة ثم تحولت نحو دور أقل فاعلية وأكثر حيادية ،فبلغ التوجه نحو توسيع القطاع العام ذروته
في بداية الستينيات من القرن العشرين ،ثم تراخى تدريجياً لينحصر في بداية الثمانينيات كنتيجة الشتداد زخم
الخصخصة ،مع تزايد دور الشركات المتعددة الجنسية واتساع نطاق العولمة.
بأن الدولة تلعب دو اًر أكبر في عملية النمو كلَما كان االقتصاد أكثر
وبناءاً على تلك التطورات يمكن القول َ
تخلفاً.
المتغيرات العالمية والتي أفرزتها العولمة ،فقد لعبت الدولة الجزائرية دو ار
َ ومن أجل إحداث قفزة تنموية وفق
النشاط االقتصادي ،محاولةً منها جعل االقتصاد الجزائري اقتصادا يعمل وفق المقاييس الدولية ،ويتأقلم كبي ار في َ
مع مختلف المستجدات العالمية ،فرغم العراقيل والصعوبات وضعف المبادرة والقرار خاصة من الناحية
أن
السياسية ،فهي إلى يومنا هذا تسعى وتبذل الجهد الكبير لضم االقتصاد الجزائري لالقتصاد العالمي ،إالَ َ
الرهانات مازالت مطروحة.
َ
المتعددة الجنسية،
َ الكلمات المفتاحية :العولمة ،الدورة االقتصادية ،الفكر االقتصادي ،الخصخصة ،الشركات
المقاييس الدولية.
Résumé :
Le but de cette thèse est la présentation du rôle d’état dans l'activité économique sous un
ensemble de changements aussi bien que montrer la nouvelle situation de ce rôle. De plus, la thèse
montre l'influence de la globalisation sur un ensemble de données qui a contribué à imposer des
règles récentes sur l'économie de tous les états y compris les troisièmes mondiaux.
Les changements dans le rôle économique de l'état dans les pays développés sont en relation
avec les changements dans les événements économiques. Plus précisément, ces changements sont
en relation avec la session économique d'une part et avec les changements de la pensée
économique de l'autre part. L'état était neutre ou traditionnel, puis il a changé pour être efficace et
moins neutre, et plus tard l'état devient encore moins effectif et plus neutre.
Par contraste, l'histoire économique des états en voie de développement montre que leurs
gouvernements sont allés une direction différente parce qu'ils ont commencé comme efficace, puis
changé pour avoir le rôle moins effectif et plus neutre, l’extension du secteur publique prend leur
apogée dans les années soixante, qui a commencé à être étroit dans les années quatre-vingts comme
un résultat de l'étendue de la privatisation et l'augmentation du rôle des sociétés multi-nationalité et
l'expansion de l'étendue de la globalisation.
Selon les développements précédents nous pouvons dire que plus que l'économie est sous
développé, plus que le rôle de l'état dans la maturité serait majeur.
Pour faire un saut dans le développement qui va avec les changements internationaux qui ont
été causés par la globalisation, l'état Algérien a joué un grand rôle dans l'activité économique. Il a
essayé de faire l'économie d'Algérie un économie qui travaille avec les normes internationaux aussi
bien que l'adapter aux nouvelles situations mondiales différentes. Malgré les obstacles, les
difficultés et la faiblesse de l'initiation et la décision surtout dans le côté politique, l'état algérien
concentre ces efforts d'assembler l'économie algérienne avec l’économie internationale, mais les
paris sont encore discutés.
This dissertation aims at emphasising the state’s role in the economic activity in the light of a
set of changes as well as showing the new situation of this role. In addition, the thesis shows the
globalisation’s influence on a set of data which has contributed to imposing recent rules on all
states’ economy including the third world ones.
The changes in the state’s economic role in developed states are related to the changes in the
economic incidents. These relations are with the circumstances of the economic session on the one
hand and with the changes in the economic thought on the other hand. The state was neutral or
traditional, and then changed to be effective and less neutral, and later on the state becomes again
less efficient and more neutral.
In contrast, the economic history of the developing states shows that their governments went a
different direction because they started as effective, then changed to have less efficient and more
neutral role. The sixties were the climax of expanding or enlarging the public sector which began to
be narrow gradually in the eighties as a result of the spread of privatisation and the increase of the
role of the multiple nationality companies and the expansion of the scope of globalisation.
Depending on the former developments we can say that the more the economy is undeveloped,
the more the role of the state in development increases.
In order to make a jump in development which goes with the international changes that were
caused by globalisation, the Algerian state played a great role in the economic activity. The latter
attempted to make the Algeria economy works with the international criteria as well as adapting it
to the different new situations. Despite the obstacles and difficulties, the weakness of initiation and
decision especially from the political side, the Algerian state endeavours and exerts its best efforts
to gather the Algerian economy with the international one till today but bets are still debated.