أس المشاكل أو القضايا التي شغلت َّ لعل قضي َة اللفظ والمعنى تبقى على ر ِ ويحتج له ،وبين َمن ال يرى سوى المعنى ً شيئا يدعو لالهتمام ،وبين ثالث على ُّ ٍ اختالف لوجهات النظر بين َمن يتعصب للفظ مذهب الوسط ،محاوًال التوفيق بين الرأي األول والرأي الثاني؛ ال ِمن هؤالء وال هؤالء. أما في َّ النقد العربي القديم ،فيمكن ِق تعود في أول ظهور لها إلى الفر الكالمية؛ من أشاعر ،،ومعتللة وجهميةّ ، فالقضية ُ اء من الشيء الكثير؛ سو ٌ َ شيوعا في الساحة النقدية والعربية ،التي حازت من االهتمام ً القول :إنها تلك المشكلة النقدية األكثر طرف ِ النقاد أو البالغيين. ََ بالحد ،التي كانت مع الفرق َّ تضاربت اآلراء وتقاطعت ،وإن لم يكن الخالف بينهم َ ومن جهة النقاد والبالغيين ،فقد مقلال من شأن اللفظ في ذلك،مقومات العمل األدبي ،وأقوى دعاِئم نجاحه إلى المعنىً ، يرد أهم ِ الكالمية؛ حيث نجد "منهم َمن ُّ َ ّ ومنهم َمن يردها إلى اللفظ ،ومنهم من يسوي بينهما ،وعلى مدار انتقاء اللفظ الالئق الذي يكسب المعنى ً بهاء ورونًقا ،والذي يكون أبلغ في تأدية المعنى المراد من غيره ،دارت آراؤهم في هذا المجال. اللفظ والمعنى في الفكر الغربي القديم( :أفالطون -أرسطو): من باب المنطق اللمني يبقى التراث الفكري الغربي َّأو َل من أثار هذه القضية ،والذي ال شك فيه أن الحديث عن قضية رجح أفالطون ِكَّفة اللفظ والمعنى في التراث الغربي ال يستقيم إال بالرجوع إلى أحد أعالم الفلسفة اليونانية (أفالطون) ،لقد َّ المعنى؛ حيث قال بأسبقية الوعي على الماد" ،،وينطلق في هذا من إيمانه واستناده إلى الفلسفة المثالية ،التي ترى أن الوعي أسبق في الوجود من الماد ،"،فالمعاني واألفكار -حسب أفالطون -هي األسبق ،وهي الحقائق المطَلقة التي ال يرتقي الشك ٍِ المُثل ،في حين أن األلفاظ ال تمثل عنده سوى محاكا ،لما هو موجود في عالم ُ المُثل من أفكار إليها ،وهي الموجود ،في عاَلم ُ ٍ ومعان ،ولهذا السبب ،فاأللفاظ عند أفالطون تبقى ناقص ًة وبعيد ،عن الحقيقة. إن أفالطون يجعل األصل والصور ،في مقابل المعنى واللفظ ،فاللفظ ال ُيمِثّل سوى صو ٍر ،للمعنى األصل ،وعليه فإن األلفاظ ال يمكن أن تصل إلى مرتبة المعاني األصول. أما تلميذه أرسطو ،فقد ذهب إلى التوفيق بين اللفظ والمعنى؛ حيث نقض المعادلة التي تجعل األصل والصور ،في مقابل المعنى واللفظ؛ حيث ذهب إلى أن اللفظ ال يمثل صور ،األصل (المعنى) ،بل أصل كذلك. قضية اللفظ والمعنى في النقد العربي القديم: يتفق معظم الباحثين أن البداية األولى لقضية اللفظ والمعنى كانت مع الجاحظ (ت ،)255وهو ّأول من ألقح ش ارر ،هذه المعركة ،تعصباً للفظ ،ومشايعة للصياغة سواء فيما رآه وقرره ،أو بما نقله وأقحمه من آراء العلماء واألدباء والنقاد ،وهو في كل ذلك يضع األناقة والجود ،والجمال في األلفاظ ،فالمقياس عنده للقيمة األدبية إنما يتقوم في جلالة اللفظ ،وجود ،السبك، وحسن التركيب ألن «المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والقروي ،والبدوي والقروي ،إنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ ،وسهولة المخرج ،وفي صحة الطبع وجود ،السبك». وجاء بعده ابن قتيبة (ت" ،)276الذي أدرك لحمة المعنى واللفظ في إطار الصياغة الواحد ،"،وإن كان يميل بين أر ِ بعة َ أقسا ٍم من الشعر -انطالًقا من ثنائية اللفظ والمعنى -هي: حسن لفظه وجاد معناه. ضرب منه ُ ٌ • ضرب منه حسن لفظه وحال ،فإذا أنت فتَّشته لم تجد ً فائد ،في المعنى. ٌ • ظ ُه عنه. رت ألفا ُ ص ْضرب منه جاد معناه وَق ُ ٌ • ضرب منه َّ تأخر معناه وتأخر لفظه. ٌ • ِ بإتالف عناص ِره العمل األدبي يجب أن يتميَّل بن جعفر (ت ،)337الذي ذهب إلى أن كثير مع قدام َة ِ واألمر ال يختلف ًا َ مساويا للمعنى ،حتى ال يليد عليه وال ينقص عنه ،وهذه هي ظ ِ النصية؛ حيث يقول فيما سماه بالمساوا" :،وهو أن يكون اللف ُ ً أحد ُهما على ِِ ض ُل ُ الب لمعانيه؛ أي هي مساوي ٌة لها ال يف ُ ظه ق و َ رجال ،فقال :كانت ألفا ُ البالغة التي وصف بها بعض الكتاب ً اآلخر". ِ عمود الشعر مكان ًة رئيسة؛ حيث نجدهما على رأس أبواب عمود الشعر السبعة عند ظ والمعنى عند َّنقاد وقد احتل اللف ُ تطور هذه القواعد ،ومعه استوت على سوِقهاُ ، حيث ذكر: ِ المرزوقي (ت ،)421الذي كان آخر ٍ حلقة في َ • شرف المعنى وصحته. • جلالة اللفظ واستقامته. ِ الوصف. • اإلصابة في • المقاربة في التشِبيه. تخير من ِ لذيذ الوزِن. • التحام أجلِاء النظم والتئامها على ٍ • مناسبة المستعار منه للمستعار له • مشاكلة اللفظ للمعنى وشد ،اقتضائهما للقافية حتى ال تكون منافر ،بينهما. ض على العقل الصحيح، كل و ٍ ِ عر َ "فعيار المعنى أن ُي َ ُ احد منهما -أي عيار اللفظ وعيار المعنى -فقال: عيار ّ وقد ذكر َ ووح َشِت ِه". ِ ِ ِ والفهم الثاقب ،فإذا انعطف عليه َجنبتا القبول واالصطفاءُ ،مستأن ًسا ِبَق َرائنه ،خرج و ً افيا ،وإال انتقض بمقدار َش ْوبِه ْ المختار المستقيم". ُ ِ العرض عليها ،فهو االستعمال ،فما سلِم َّ مما ُيهجن ُه عند ُ الطبع و ِّ الرواي ُة و ُ وقال في اللفظ" :وعيار اللفظ األثر اإليجابي في اطالعه على مختلف اآلراء النقدية أما عبدالقاهر الجرجاني ،فقد كان لتأخره زمنيًّا عن كل المذاهب ُ التي قيلت حول هذه القضية؛ حيث اجتمعت لديه آراؤهم ،وأفاد ِمن خبرِتهم ،ولكنه تجاوزهم إلى رأي خاص ،وكانت له في هذا النقاد سابقاً. ٍ مدرسة في النقد ،أدرك فيها ما لم ُي ِ درك ُ المجال أصالة وتعمق ،وكان صاحب طلِح ولعل أكبر ما اشتهر به عبدالقاهر الجرجاني في النقد األدبي هو َعالقة اللفظ والمعنى باإلعجاز القرآني ،التي اص ُ خصوصا في ً أفرزْتها قضية اللفظ والمعنى، عليها فيما بعد (بنظرية النظم) ،هذه النظرية التي كانت بمثابة الخالصة التي َ محورها نظريتَه في النظم التي ربط فيها بين اللفظ والمعنى وبين َ المشرق العربي ،حيث "صاغ َ فلسفتَه البالغية التي جعل ِ النص األدبي". ِ لجمالية في ِ القيمة ا وحدهُ هو مظهر البالغة ومثار النظم َ َ داللة األلفاظ األسلوبية ودالالتها الثانوية ،وجعل ِ النقاد ذهبوا إلى الموافقة أو االتحاد والمشاكلة بين اللفظ والمعنى ،في جل فصح على أن َّإن هذه اإلطالل َة المتواضع َة تُ ِ أكثرِهم هم علماء اللغة؛ ألن األلفاظ هي أساس كل القواعد ُّ اللغوية من نحو ِ المتعصبون له في ِ أنصار اللفظ و حين كان ّ ُ وصرف وبالغة. يتعصب لصالح طرف منهما؛ ذلك َّ يهتم بقضية (اللفظ والمعنى) ،كاهتمام َمن سبقه من النقاد ،ولم وإن حازم القرطاجني لم َّ رجو ،من ومعنى ،)...من أجل الغاية الرئيسة الم َّ ً ظا بأنه َّ أكد في المقابل على أهمية (التناسب) بين أركان العمل الشعري (لف ً َّ أي عمل شعري ،أال وهي إحداث التأثير في المتلقي. متناسبا من مستويات ً تركيبا ً تأكيده على فكر ،التناسب المبدئي ،بكون القصيد، حازم في هذه القضية ُ ولعل أبرز ما أتى به ٌ ٍ مصوغة في ألفاظ تتالحم في نظام جامع لشتات مركب من أغراض. ِ متنوعة ،ترتد إلى ٍ معان وأساليب ّ يمكن أن تتم ألبتة إال من خالل التناسب بين اللفظ والمعنى. ُّ الشك هو أن فكرَ ،التناسب هذه ال ُ والذي ال يرتقي إليه ومن األسس التي تقوم عليها فكر( ،التناسب) عند حازم القرطاجني :مسألة التركيب ُّ اللغوي للصور ،المتخيَّلة ،وال َّ يتحقق نسبا فائق ًة بين معانيه وصوره، مبدعه ً ُ ِ الشعر هو ما أوقع ذلك إال من خالل التناسب المذكور بين اللفظ والمعنىَّ ، فإن أفضل وال َّبد من أن ُيؤِثّر مثل ذلك في المتلقي أكثر من غيره. شافيا ألهم اآلراء النقدية ً تلخيصا ً في َعُّد ُ كتابه (العمد ،في محاسن الشعر وآدابه) ابن رشيق القيرواني (تُ ،)463 أما ُ السابقة التي أثارت هذه القضية؛ حيث يقول" :ثُ َّم للناس فيما بعد آراء ومذاهب: ووكده؛ كقول بشار: • منهم َمن ُيؤِثر اللفظ على المعنى ،فيجعله غايتَه َ ط َر ْت َدما ِ الشمس أ َْو َق َ حجاب إذا ما َغ ِ ض ْب َنا غضب ًة ُمضريَّ ًة َ ...هتَ ْك َنا َ فعِني بها ،واغتُفر له فيها الركاكة واللين المفرط؛ كأبي العتاهية ،وعباس بن األحنف، • ومنهم َمن ذهب إلى سهولة اللفظ ُ ومن تابعهما ،وهم يرون الغاي َة قول أبي العتاهية: َ األكفان ِمن عاجلِ ِ ِ يا إخوِتي َّ َ فيسروا إن الهوى قاتلي ّ ... وخشونت ِه؛ ِ كابن الرومي، ِ وقبح ِه ِ هجنة اللفظ ِ -ومنهم َمن يؤثر المعنى على اللفظ ،فيطلب صحته ،وال يبالي حيث وقع من وأِبي الطيب. وبخصوص موقفه هو -يعني ابن رشيق القيرواني -فقد ذهب إلى مذهب الوسط ،فاللفظ عنده بدون معنى ٌ جسد ميت، والمعنى بدون لفظ روٌح بال جسد ،ولذلك قال: "اللفظ جسم ،وروحه المعنى ،وارتباطه به كار ِ تباط الرو ِح بالجسمِ ،يضعف بضعفه ،ويقوى بقوته ،فإذا سلِم المعنى و َّ اختل يعرض لبعض األجسام من العرج والشلل والعور ،وما أشبه ذلك ،من غير ُ نقصا للشعر وهجنة عليه ،كما بعض اللفظ كان ً بعضه ،كان للفظ من ذلك أوفر حظ ،كالذي يعرض لألجسام من المرض أن تذهب الروح ،وكذلك إن ضعف المعنى واختل ُ قياسا على ما قدمت من أدواء الجسوم يختل إال من جهة اللفظ ،وجريه فيه على غير الواجبً ، ُّ معنى بمرض األرواح ،وال تجد ً ظ مواتاً ال فائد ،فيه ،وإن كان حسن الطالو ،في السمع ،كما أن الميت لم واألرواح ،فإن اختل المعنى ُّ كله وفسد بقي اللف ُ يصح له َّ اختل اللفظ جملة وتالشى لم َّ فع به وال يفيد فائد ،،وكذلك إن شيء في رأي العين ،إال أنه ال ُينت ُ ٌ ينقص ِمن شخصه روحا في غير جسم ألبتة". معنى؛ ألنا ال نجد ً
زيادة المعنى لزيادة المبنى - - مفهومها وضوابطها وأهميتها الدلالية-Increasing Structure for Increasing Meaning - Definition Precepts and Semantic Significance