Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫المحاضرة الثامنة‪:‬‬

‫إدارة المخاطر (‪)3‬‬

‫تحليل المخاطر وأبعادها االجتماعية‬

‫األبعاد االجتماعية لتحليل المخاطر‬

‫إن القبول الواسع للفلسفة الوضعية والنظرة العلمية للعالم قققوة‬

‫غققير مرئيققة تضققفي المصققداقية على الدراسققات االحتماليققة للسققالمة‬

‫نظققرا ألن الدراسققات تمثققل‬


‫ً‬ ‫وممارسققات إدارة المخققاطر المعاصققرة‪.‬‬

‫مقاربة علمية لتقققدير وتقققييم احتمققاالت وعققواقبق الفشققل في األنظمققة‬

‫المعقدة‪ ،‬فإن بديهياته األساسية تظل مقبولة بشكل عام وتبقى أبعادها‬

‫االجتماعية غير مستكشفة‪ ،‬فتحليل المخاطر كسققلوك اجتمققاعي يخضققع‬

‫لنفس التققأثيرات والقيققود مثققل أي شققكل آخققر من أشققكال السققلوك‬

‫االجتمققاعي‪ .‬وعلى وجققه التحديققد‪ ،‬يُنظققر إلى تحليققل المخققاطر كنشققاط‬

‫‪1‬‬
‫تقوده النخبة‪ ،‬حيث أن مصالح النخبة تشكل الممارسات واالسقققتنتاجات‬

‫نظرا لكققون هققذا‬


‫ً‬ ‫هذا التحليل‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أنه‬

‫المجققال من الدراسققات يعتققبر كسققلوك اجتمققاعي توجهققه النخبققة‪ ،‬فققإن‬

‫قيرا مققع األط قرق‬


‫النتائج التي المستوحاة من تحليل المخققاطر تتعققارض كثق ً‬

‫االجتماعية األوسع لإلدارة و تحليل المخاطر‪.‬‬

‫كما ذكرنا سابقًا‪ ،‬ينبع مجال تحليققل المخققاطر من المخققاوف الققتي‬

‫أثارتهققا التكنولوجيققا النوويققة خالل فققترة الحققرب البققاردة‪ .‬وعققد مفهققوم‬

‫‪ » atomes‬في‬ ‫‪pour‬‬ ‫‪la‬‬ ‫"ذرات من أجققققل السققققالم" « ‪paix‬‬

‫الخمسققينيات من القققرن الماضققي بققأن اإلنجققازات العلميققة المرتبطققة‬

‫بتطوير األسلحة النووية سققتنقل بسققرعة إلى القطققاع العققام في شققكل‬

‫كهربقققاء للجميقققع وتقنيقققات طبيقققة ثوريقققة وغقققير ذلقققك من اإلنجقققازات‬

‫التكنولوجية‪ .‬ولدت الدراسات االحتمالية للسالمة من الجهققود المبذولققة‬

‫‪2‬‬
‫للتأكد من أن خطط التطوير الصناعي للطاقة النووية تضمنت تقييمققات‬

‫السالمة المنهجية‪ .‬كما يجب أن نذكر أن الدراسات االحتمالية للسققالمة‬

‫قد تم إنشاؤه بعد دعوات من الحكومققة‪ ،‬وبعققد ذلققك من قبققل الصققناعة‬

‫حققول التكققاليف المنخفضققة للغايققة المرتبطققة بإنتققاج الطاقققة النوويققة‬

‫ومطالبات بالرضا بشأن سالمة العملية‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬تم اسققتخدامق‬

‫الدراسات االحتمالية للسالمة لضمان سققالمة محطققات الطاقققة النوويققة‬

‫فقط بعد أن اتخذت النخب السياسية قرارها ببنائها‪.‬‬

‫يوجه كل من السلطة السياسية والمشققاريع التنظيميققة والمصققالح‬

‫االقتصققادية‪ ،‬من منظققور تققاريخي‪ ،‬علم تحليققل المخققاطر‪ .‬ويُظهققر علم‬

‫اجتماع العلوم بشكل عققام‪ ،‬باإلضققافة إلى البحث في تطققبيق إجققراءات‬

‫تحليقققل المخقققاطر‪ ،‬الطقققرق المتعقققددة القققتي يتم من خاللهقققا تشقققكيل‬

‫الحسابات العلمية المفترضة وصققياغتها من قبققل قققوى اجتماعيققة أكققبر‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫على المسققققققتوى الكلي (‪ ،)macroscopique‬ومن خالل المصققققققالح‬

‫التنظيميققة والمؤسسققية على المسققتوى المتوسققط‪ ،‬وعلى المسققتوى‬

‫الجققزئي (‪ )microscopique‬من خالل الصققيرورة الققتي تتحققرك بهققا‬

‫المجموعات المنخرطة في مناقشة موضوع هذه الحسابات‪.‬‬

‫دورا في تحليققل المخققاطر المرتبطققة‬


‫ً‬ ‫وقققد لعبت كققل هققذه القققوى‬

‫بالطاقققة النوويققة‪ ،‬وكققل هققذه التققأثيرات واضققحة في عققدد من مشققاريع‬

‫تحليل المخاطر األخرى‪.‬‬

‫يسققتخدم فقققدان األهليققة على نطققاق واسققع في تقققييم عققواقب‬

‫األنشققطة الخطققرة‪ .‬وبالتققالي يمكن أن يقتصققر تحليققل التركيبققات الققتي‬

‫تستخدم تقنيات عاليققة المخققاطر على الجققوانب الداخليققة ويغفققل اآلثققار‬

‫الخارجية المحتملة للفشل‪ .‬ومن نفس المنطلق‪ ،‬يمكن شطب تكققاليف‬

‫‪4‬‬
‫معينققة من تحليالت الربحيققة بهققدف تحديققد أو تسققهيل إدارة المشققاكل‬

‫المتعلقققة بالمخققاطر‪ .‬فالمخققاطر غققير المحللققة هي بحكم تعريفهققا دون‬

‫إدارة‪ .‬فقد تم لفت االنتباه إلى حقيقة أنه في عام ‪ 1986‬عانت طققائرة‬

‫على متن شركة طيران تجارية من عطب في جهاز السوائل المتحركققة‬

‫ممققا أدى إلى خسققائر عديققدة من األرواح البشققرية بعققد تحطمهققا‪ .‬لم‬

‫يتضمن دليل سالمة الطققائرات أي تعليمققات تهققدف إلى إبالغ الطيققارين‬

‫بسلوكهم في مثل هققذه الظققروف ولم يتم تققدريب الطيققارين أب قدًا على‬

‫التعامل مع هذا االحتمال‪ .‬واعتبرت الشركة المصققنعة للطققائرة وشققركة‬

‫الطيران هذا الفشل مستحيالً‪ ،‬وبالتالي لم تُتخذ أي تققدابير للتعامققل مققع‬

‫هذه المأساة‪.‬‬

‫إن مصالح النخبة واألطرق المفروضة في هذا السياق لها من القوة‬

‫ضا من‬
‫التي ال تؤثر فقط على أنشطة تحليل المخاطر فحسب‪ ،‬ولكن أي ً‬

‫‪5‬‬
‫حيث تكوين معارف وأفعال الضحايا المحتملين لهذه األنشطة الخطرة‪،‬‬

‫وغالب ًا ما تكون هذه النخبة في أفضل وضع لتقديم المعلومات المناسبة‬

‫أثناء تحليل المخاطر‪ .‬هذا االتجاه موثق جيدًا في نسبة كبققيرة من عققالم‬

‫التقنيققات الخطققرة‪ .‬فعلى سققبيل المثققال‪ ،‬أجققرى كققل من شققيري كابققل‬

‫وتوماس شريفر بحثا مكثفا عن الققديناميات االجتماعيققة في مدينققة أوك‬

‫ريدج (‪ ،) Oak Ridge‬في والية تينيسي داخققل المختققبر النققووي‪ ،‬أحققد‬

‫المختققبراتق األمريكيققة الثالثققة الققتي تم إنشققاؤها لصققنع القنبلققة النوويققة‪.‬‬

‫فعلى الققرغم من المؤشققرات الواضققحة لمسققتويات التعققرض السققامة‬

‫ونقص آليققات السققالمة في هققذه "المدينققة الذريققة" ‪ ،‬اعتققبرق العديققد من‬

‫العاملين في الصناعة النووية أن عملهم آمن وحققتى وطققني‪ .‬لقققد طققور‬

‫عمال مصنع األسلحة وغيرهمق من سققكان أوك ريققدج العديققد من آليققات‬

‫الرقابة االجتماعية المستخدمة ضد المبلغين عن المخالفققات‪ ،‬باإلضققافة‬

‫إلى طرق معينة‪ ،‬مثل تجاهققل المكالمققات المضققادة أو ردهققا من أولئققك‬

‫‪6‬‬
‫الذين يطالبون بإجراءات أمنية أكثر صرامة‪ .‬تتولد مثل هذه الممارسات‬

‫وتعززها أصققحاب المصققالح الققذين يفضققلون إدارة مققرافقهم في سققياق‬

‫محكم والذين ابتكرواق أساليبهم الخاصة للتعامل مع حالققة أولئققك الققذين‬

‫يشككون في سالمة إنتاج األسلحة النووية‪.‬‬

‫من خالل مالحظاتهققا عن األبعققاد االجتماعيققة لتحليققل المخققاطر‬

‫وإدارتها‪ ،‬ال سيما في دراسققتها الهامققة حققول حققادث المكققوك تشققالنجر‪،‬‬

‫تقدم ديان فوغان (‪ )Diane Vaughan‬الكثققير من الوثققائق عن كيفيققة‬

‫تأثير العوامل المؤسسققية والتنظيميققة والنقابيققة على كققل من تقييمققات‬

‫المخاطر "العلمية" والقراراتق المتعلقققة بإدارتهققا‪ .‬في المنظمققات الققتي‬

‫تقققوم باألنشققطة الخطققرة مثققل إطالقق مكققوك الفضققاء‪ ،‬أصققبحت طققرق‬

‫التفكير وإدارةق المخاطر روتينية للغاية بحيث يتم تجاهل اإلشارات الققتي‬

‫تشير إلى أن األحققداث على وشققك التحققول إلى رعب‪ .‬يمكن أن تكققون‬

‫‪7‬‬
‫مصققدرا رئيسققيًا للحققوادث‬
‫ً‬ ‫المعققايير االجتماعيققة المحيطققة بالسققالمة‬

‫والكوارث‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال تؤخذ المعايير النقابيققة والتنظيميققة في االعتبققارق‬

‫أثناء تحليل المخاطر الرسمية‪.‬‬

‫لقد تم توضيح فكرة أن تحليل المخاطر بشكل أساسققي هققو نتققاج‬

‫اجتماعي بدال ً من كونه نشاطا علميا‪ ،‬من خالل السققلوك العققام للقطققاع‬

‫المالي في السققنوات الققتي سققبقت انهيققار سققوق األوراقق الماليققة لعققام‬

‫‪ . 2008‬إن إنجققازات الهندسققة الماليققة والنمققاذج الرياضققية الققتي ألهمت‬

‫الثقققة في طبقققة المسققتثمرين والمشققرعين إلى حققد االعتقققادق الققديني‪،‬‬

‫جعلت النخب المالية تمهد الطريق لواحققد من أكققبر االنهيققارات الماليققة‬

‫دورا أساسققيًا في‬


‫ً‬ ‫في التققاريخ المعاصققر‪ ،‬بحيث لعبت نمذجققة المخققاطر‬

‫أنشطة البنوك االستثمارية‪ ،‬ومقرضي الرهن العقاري‪ ،‬وصناعة التققأمين‬

‫خالل فترة التضخم المالي‪ .‬حققتى مققع الققتراكمق المتزايققد للحقققائق الققتي‬

‫‪8‬‬
‫تشققير إلى تفكققيرهم الخققاطئ‪ ،‬اسققتمرت النخب والخققبراء في التفققاخر‬

‫بقدرتهم الفائقة على فهم سققلوك السققوق باإلضققافة إلى تحليققل وإدارةق‬

‫المخاطر المالية‪ .‬لم يكن من الممكن أن تسققتمر التضققخم دون تواطققؤ‬

‫متعدد األشكالق يمتققد على كامققل النطققاق المؤسسققي والتنظيميق الققذي‬

‫يضم أنواع ًا مختلفة من البنوك والمقرضين ووكاالت وشققركات التققأمين‬

‫والمنظمين والمسؤولين الحكومققيين‪ .‬إن أنشققطة جميققع هققذه الكيانققات‬

‫وليس التحليالت التي أنتجتها‪ ،‬هي الققتي كققان ينبغي أن تكققون موضققوع ًا‬

‫للتحقيقات التي يفترض أن تفحص صحة النظام المالي العالمي‪.‬‬

‫إن المطالبققات المبققالغ فيهققا من قبققل النخب في السققنوات الققتي‬

‫سبقت هققذا االنهيققار المققالي نابعققة من األيققديولوجيات الققتي تسققتند إلى‬

‫‪9‬‬
‫مزايا العلم وقدرة ما يسمى بالسققوق الحققرة على التكيققف مققع الوضققع‪.‬‬

‫فقققد تم تعزيققز الطبيعققة اإليديولوجيققة العميقققة لالعتقققاد بقققوى السققوق‬

‫الحققرة من قبققل العديققد من االقتصققاديين‪ ،‬وخاصققة مدرسققة شققيكاغو‬

‫ومؤسسها ميلتون فريدمان‪.‬‬

‫بققالرغم من كققون الدراسققاتق االحتماليققة للسققالمة أصققبحت غققير ذات‬

‫ما ما تثققير‬
‫فعالية بشكل خاص عندما ننظر إلى الحاالت األكثر خطورة‪ .‬فدائ ً‬

‫االحتمققاالت الضققعيفة مشققكالت في مجققالق تحليققل المخققاطر‪ ،‬ولكن يُنظققر‬

‫عمو ًم ا إلى هذه المخاوف على أنها مشكالت في تصور المخاطر أو تواصل‬

‫غير ناجع‪ ،‬بدال ً من إعادة انظر في هذه الدراساتق واسققتجوابها‪.‬ق ومققع ذلققك‪،‬‬

‫فإن مجموعة متزايدة من البيانات تميل إلى التعارضق مققع هقذه االدعققاءات‪.‬‬

‫قبل وقت طويل من ظهور الحدث عام ‪ ،2008‬كان علماء االجتماع يجرون‬

‫أبحاث ًاق حول التعامل مققع أسققوأ الحققاالت من قبققل النخب والمنظمققات‪ .‬على‬

‫‪10‬‬
‫سبيل المثال‪ ،‬ترسخ فكرة بأن البشر والمجتمعاتق يجدون صعوبة بالغةق في‬

‫تصور أسوأ السيناريوهات وأن االنزعاج هو طبيعققة ثقافيققة وإدراكيققة‪ .‬ولعققل‬

‫األهم من ذلقققك الممارسقققاتق القققتي تسقققتخدمها الشقققركات والمؤسسقققات‬

‫والمنظمات إلدارة سيناريوهاتق الكوارث واالستجابةق ألولئك الذين يطرحون‬

‫أسئلةق تتعلق بأسوأ الحاالت الممكنة‪ .‬وتصققف هققذه الممارسققات بالكسققوف‬

‫والضباب وإعادة الصياغة‪.‬ق هذه الممارسات‪ ،‬المصققممة لجعققل األسققوأ غققير‬

‫مققرئي‪ ،‬تشققمل النفي والتجنب والتأكيققد على نقققاط القققوة من أجققل إخفققاء‬

‫نقاط الضعف في العملية‪ ،‬وهي ممارسة يتم فيهققا إعققادة تفسققير األحققداث‬

‫السلبية من زاويةق إيجابية‪.‬ق‬

‫‪11‬‬

You might also like