Professional Documents
Culture Documents
سارة فريح
سارة فريح
سارة فريح
مذكرة ماستر
العلوم الاجامتعية
فلسفة
فلسفة عامة
رمق :أدخل رمق تسلسل املذكرة
اعداد الطالب:
سارة فريح
يوم23/06/2021 :
لجنة المناقشة:
مشرفا جامعة بسكرة أ .مح أ حمدي لكحل
إذ أتقدم بالشكر الجزيل لألستاذ الدكتور "حمدي لكحل" الذي تفضل بقبول
اإلشراف على هذا البحث ،إذ يحصل لي الشرف أنه كان عونا وموجها ومصدر
لإللهام والنجاح واالرتقاء.
كما يحصل لي الشرف أن أتقدم بشكري إلى زمالء الجهود المعطاءة و المبذولة
وذلك لما قدموه لي من يد مساعدة وثناء عظيم طوال فترة بحثي هذا ،إذ أخص
بالذكر الزميل ":صالح لطيفي ،قاسم ،عبد العزيز زكري" ،جزاكم اهلل خير الجزاء
بوركتم زمالئي األعزاء.
أول اسمين نطقت بهما شفتاي ،إلى من أحببتهم حتى سار حبهم في الوجدان ،إلى من
أمرني ربي بطاعتهما واإلحسان ،إلى من عشت الدهر كله لن أوفي حقهما "أمي وأبي"
حفضكما اهلل ورعاكما.
إلى كل أفراد أسرتي :سندي األكبر "وليد وزوجته الكريمة هناء" ،إخوتي" لمياء ،إلهام،
أيمن ،محمد ريان" حفضكم اهلل ورعاكم ،كما لم أنسى الكتاكيت" شهد ،جوري ،جود ،لين".
الصفحة الموضوع
أ–د مقدمة
الفصل األول :مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفلسفي
13-20
اإلنساني
03 تمهيد
07-04 المبحث األول :المدلول اللغوي واإلصالحي للتربية
06-04 المطلب األول :التربية لغة
07-06 المطلب الثاني :التربية اصطالحا
23-08 المبحث الثاني :الفكر التربوي عند اليونان
11-08 المطلب األول :التربية عند أفالطون
15-12 المطلب الثاني :التربية عند أرسطو
01-31 المبحث الثالث :الفكر التربوي في العصر الوسيط
20-15 المطلب األول :التربية عند ابن خلدون
23-20 المطلب الثاني :التربية عند ابن سينا
13-01 المبحث الرابع :الفكر التربوي في العصر الحديث
32-32 المطلب األول :التربية عند جان جاك روسو
23-32 المطلب الثاني :التربية عند جون ديوي
13 خالصة الفصل
31-11 الفصل الثاني :أساسيات التربية عند إدغار موران
23 تمهيد
02-11 المبحث االول :إدغار موران الفكر والشخصية
23-23 المطلب األول :مولده ونشأته
23-23 المطلب الثاني :مصادر فكره
33-23 المطلب الثالث :مؤلفاته
11-02 المبحث الثاني :ماهية التربية عند إدغار موران
34-33 المطلب األول :مفهوم التربية
33-33 المطلب الثاني :مبادئ التربية
33-33 المطلب الثالث :الرهانات التربوية
30-11 المبحث الثالث :دور التربية في المعرفة عند إدغار موران
32-33 المطلب األول :التربية والمبادئ المعرفية المالئمة
35-33 المطلب الثاني :التربية والوعي بالمشاكل الجوهرية في المعرفة
33-33 المطلب الثالث :التربية ومواجهة اال يقينيات
31 خالصة الفصل
77-31 الفصل الثالث :واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران
33 تمهيد
72-37 المبحث األول :رسالة التربية في إصالح النظام الفكري التربوي عند موران
32 المطلب األول :أسس اإلصالح الفكري التربوي
33 المطلب الثاني :دور المربي التربوي
23-35 المطلب الثالث :غايات التربية
71-72 المبحث الثاني :راهنية التربية بين الواقع والمأمول
23-23 المطلب األول :التربية والمواطنة
22-23 المطلب الثاني :التربية ومتغيرات العصر
23-23 المطلب الثالث :التربية العلمية
73-71 المبحث الثالث :تقيــــــــيـــــــــم
23 المطلب األول :أهم النقاط اإليجابية في مشروع إدغار موران التربوي
23-23 المطلب الثاني :أهم االنتقادات الموجهة في مشروع موران التربوي
77 خالصة الفصل
25 خاتمة
32-34 قائمة المصادر والمراجع
الملخص
مقدمـ ـ ـ ـ ـ ــة
مقدم ـ ـ ـ ـ ــة
- 3تمهيد:
لقد برزت أهمية التربية وقيمتها في تطوير الشعوب وتنميتها االجتماعية واالقتصادية وفي زيادة
قدرتها الذاتية مع مواجهة التحديات الحضارية التي تواجهها ،كما نجد أن التربية ضرورية لبناء الدولة ،فهي
عامل مهم في إرساء التماسك االجتماعي واحداث التغير االجتماعي ،ألن للتربية مكانة مهمة في بنية
المجتمع ،فمن الطبيعي أن تكون هناك عالقة وثيقة تربط التربية بالمجتمع ،وبالتالي ال يمكن الفصل
بينهما ،فرقيها يعكس رقي المجتمع ،وتخلفها يعكس تخلف المجتمع ،وكلما كانت التربية قادرة على التعاطي
بإيجابية مع مشكالت المجتمع ،كلما تمكن هذا األخير من التقدم والرقي واالزدهار .فمن هذا المنطلق
يجب أن تأخذ التربية اعتبا ار من هذا الواقع ،وهذا ما نجده في محاوالت إدغار موران Edgar Morinوذلك
من خالل طرحه لإلشكاالت التي تمر بها المجتمعات الغربية والمعاصرة ،والمجتمع الفرنسي خصوصا ،إذ
نجد أن كتابات إدغار موران الفلسفية خاصة التربوية منها تهدف إلى تحرير عقول الناس من اإلدراك
الخاطئ واألهواء الناجعة عن القلق االجتماعي والحضاري ،نحو إقامة جسور معرفية أرحب بين الفكر
والعمل في أبعاده اإلنسانية المثلى و ضمان العيش المشترك ،يعني الشك أن الرهان المعرفي عند إدغار
موران يتقوم على رؤية تربوية في إعادة تصحيح الفهم االنساني اتجاه ما يتهدده من مخاطر.
ونظ ار لألهمية البالغة لهذه األفكار التربوية التي قدمها إدغار موران في عصرنا هذا جاءت الرغبة لتناول
موضوع مكانة التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران ،ومن هذا المنطلق نطرح االشكال التالي:
كيف يمكن أن تساهم التربية في تأسيس مشروع نهضوي يساعد في بناء الحضارة؟ وبعبارة أخرى كيف
يمكن أن تكون التربية سبيل لتحقيق المطامح الحضارية والنهضاوية عند إدغار موران؟.
-0أسئلة الدراسة:
أ
مقدم ـ ـ ـ ـ ــة
ما مدى قيمة وموقع التربية في المشروع النهضوي لدى إدغار موران؟.
ماهي أبرز أهم اآلليات التربوية التي اعتمدها إدغار موران في تأسيس هذا المشروع؟.
– 1أهداف الدراسة:
دراسة مقاربة تربوية معاصرة من خالل الفكر التربوي إلدغار موران إدغار موران.
محاولة الوقوف على أوجه االختالف في المقاربة التربوية بين موران وغيره من فالسفة التربية
القدماء (أفالطون ،أرسطو ،ابن خلدون ،ابن سينا) ،والفالسفة المحدثين(جان جاك روسو ،جون
ديوي) على حد السواء.
السعي إلى الوقوف على أهم معالم الفكر التربوي و العرفاني عند إدغار موران من خالل التطرق
ودراسة عالقة التربية بالفكر المركب عنده.
محاولة الوقوف على التجديد الذي قدمه موران للتربية ،وما مدى أصالة أبحاثه.
-3أهمية الدراسة:
تكمن أهمية دراستنا هذه في معالجة ودراسة مقاربة تربوية معاصرة ،من خالل نصوص وكتابات إدغار
موران ،نظ ار لما قام به من دراسة تحليلية عميقة تقف على المشاكل الحقيقية التي تعترض لإلنسان بصفة
خاصة على مستوى عيشه وأخالقه وقيمه ،وبصفة عامة على المستوى البشري بما يشهده من قلق حضاري
واغتراب اجتماعي وثقافي ،تشهد على ذلك مجتمعات الغوغاء ،وتوتر الصراعات في مختلف أنحاء العالم،
والتي تهدد بقاء هذا االنسان على كوكب األرض.
ب
مقدم ـ ـ ـ ـ ــة
أسباب اختيارنا لدراسة موضوع التربية في المشروع النهضوي لدى إدغار موران تتمثل في:
أ-األسباب الذاتية:
يتمثل اهتمامنا في هذا البحث هو الرغبة في االطالع على الفكر المعاصر ،خاصة الفكر التربوي عند
إدغار موران بوصفه أداة تتجاوز الحدود النظرية نحو تحقيق للفهم الصحيح للفكر والعلم ،وهذا ما يؤمن
االستمرار والتقدم اإلنساني والحضاري ،هذا تحديدا ما لمسناه في مقاربة موران التربوية ،وفق هذا المنطلق
نسعى إلى الدراسة واالهتمام بالبحث التربوي كمحاولة من أجل اثراء الحقل التربوي وكل مايحفز ويدفع
بمزيد من التقدم ،لما يضمن الرفاه اإلنساني والعيش المشترك.
ب-األسباب الموضوعية:
كونه موضوع معاصر يعالج ويمس قضايا ومشاكل المجتمع المعاصر.
-3المنهج المتبع:
اقتض ت منا هذه الدراسة اعتماد المنهج التاريخي التحليلي ،هذا راجع لطبيعة موضوع الدراسة ،وذلك من
خالل تتبعنا لتطور مصطلح التربية لدى بعض الفالسفة ،إضافة لهذا قمنا بتحليل نظرة إدغار مولران
للتربية ومدى فعاليتها في هذا الزمن ،ألن فلسفة التربية لدى موران جاءت كاستجابة لظروف ثقافية
وحضارية وبيئية ،تشهد تأزم وتقاطع مع قيم اإلنسان وأخالقه ،فرضها االستعمار الخاطئ في عدة جوانب.
ج
مقدم ـ ـ ـ ـ ــة
-7معيقات البحث:
واجهتنا مجموعة من الصعوبات والعراقيل التي ال يخلو منها أي بحث أكاديمي نذكر أهمها:
قلة وندرة المراجع (الكتب)التي تتناول دراسات وبحوث إلدغار موران خاصة في الجانب التربوي ،هذا ما
أدى إلى اعتم ادنا أكثر على المجالت والمقاالت ،إضافة إلى هذا صعوبة التعامل مع بعض المصادر.
-8خطة البحث:
لإلجابة عن االشكال المطروح في بحثنا هذا ارتأينا إلى تقسيم خطة هذه الدراسة إلى ثالثة فصول وهي
كالتالي:
الفصل األول بعنوان :مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفلسفي اإلنساني ،وتناولنا فيه تعريف التربية لغة
و اصطالحا ،وبيان أصولها وجذورها عبر العصور ،بدءا بالفكر التربوي عند اليونان ثم الفكر التربوي في
العصر الوسيط ،وأخي ار الفكر التربوي في العصر الحديث.
أما بالنسبة للفصل الثاني بعنوان :أساسيات فلسفة إدغار موران التربوية الذي تطرقنا فيه إلى التعريف
بشخصية إدغار موران ومصادر فكره ،كما تناولنا في هذا الفصل ماهية التربية عند إدغار موران ودور
هذه األخيرة في المعرفة.
كما تطرقنا في الفصل الثالث الذي يحمل عنوان :واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران،
والذي تناولنا فيه رسالة التربية في هذا المشروع وراهنية هذه األخيرة بين الواقع والمأمول ،وأخي ار تطرقنا
لتقييم التربية التي أخذ بها موران في مشروعه التنويري.
د
الفصـل األول
الفصل األول:
مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفلسفي
اإلنساني.
تمهيد.
خالصة الفصل.
مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفـلسفي اإلنساني الفصل االول
تمهيد:
نجد أن التربية مثلها مثل العلوم والمعارف األخرى ،التي بدورها تنشأ وتتطور وتكسب
الحقائق والدقة وتبتعد عن األخطاء والغموض ،لكن في الحقيقة أنه ليس هناك تعريف متفق
عليه في معنى ومفهوم التريبة ،وذلك لتعدد العقول والمفكرين واختالف الفلسفات و األديان
والمذاهب ،مما أدى الى اختالف مفهوم التربية من مجتمع ألخر ومن ثقافة ألخرى بل ومن فرد
آلخر ،فكل له مفهومه الخاص انطالقا من رؤيته الخاصة حول الموضوع المدروس ،وعلى
الرغم من االختالفات في معنى التربية قديما وحديثا ،إال أنها تنطوي على أبعاد مشتركة بصورة
كلية أو جزئية ،ومن هذا المنطلق حاولنا أن نقف على مدلول التربية من جانبين :الجانب
اللغوي ،والجانب االصطالحي ،كذلك حاولنا إبراز وتحديد معالم التربية عبر العصور.
7
مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفـلسفي اإلنساني الفصل االول
بصرف النظر عن اختالف النظرة إلى التربية ،فإنه يجب أن نميز بين التربية كنتيجة وكعملية،
فالتربية كنتيجة تعني ما يحدث للفرد من خالل النمو والتعليم من ألوان المعرفة والمثل العليا،
والنمو الحسي والعقلي واالنفعالي والوجداني واالجتماعي ،وهي كعملية تعني كل المؤثرات
التربوية والثقافية التي يتعرض لها الفرد بصورة منظمة وموجهة من خالل مؤسسات متخصصة
أو بصورة غير منظمة من كل مؤسسات وقوى المجتمع الدينية والمدنية وجميع وسائل االعالم
واالتصال وغيرها من الوسائط والجماعات .1من هذا المنطلق وجب علينا الوقوف على مفهوم
التربية لغة و اصطالحا.
جاء في لسان العرب البن منظور ،ربا :ربا الشيء يربو ربوة ورباء .بمعنى زاد ونمى ،وأربيته
بمعنى نميته.2
وربه ،يربه ،ربا :أي ملكه وطالت مربتهم أي مملكتهم .بمعنى السيادة واإلمرة.3
1أيوب دخل اهلل :التربية ومشكالت المجتمع في عصر العولمة ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،د ط ،3343 ،ص.32
2ابن منظور :لسان العرب ،تحقيق عبد اهلل علي كبير وآخرون ،دار المعارف ،القاهرة ،الجزء ،2د س ،ص .4323
3المرجع نفسه ،ص .4322
8
مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفـلسفي اإلنساني الفصل االول
كلها هذه اآليات الكريمة إشارات للمعنى اللغوي للتربية وتعني الزيادة والنمو المطرح ،واستخراج شيء كامل
أو مستتر ،وزيادته بالرعاية والعناية.4
وقال األصمعي :ربوت في بني فالن ،أربو :يعني نشأت فيهم ،وربيت فالن ،أربيته تربية وتربيته وريبته
وربيته بمعنى واحد.
ويشير هذا المدلول أنها جاءت من الفعل" :يربي" على وزن يخفي ،ومعناها النشأة و الترعرع.
ويقول األعرابي " :فمن يملك سائال عني فإنني :بمكة منزلي وبها ربيت".
وهذا يدل على أن لفظ التربية جاء من الفعل "يربي" وتعني أصلحه وتولى أمره ورعاه ،لهذا فمدلولها اللغوي
5
في اللغة العربية يظهر حول أنها تتمحور حول النشأة والرعاية واإلصالح.
ونقول رب الولد بمعنى وليه ،و يربيه أي يتعهده لما يغذيه وينميه ويؤذيه.1
التربية في اللغة الفرنسية " "Educationوفي اإلنجليزية " "Educationوفي الالتينية .2"Educatic
التربية هي تبليغ الشيء إلى كماله ،أو هي كما يقول المحدثون تنمية الوظائف النفسية بالتمرين حتى تبليغ
كمالها شيئا فشيئا ،نقول :ربيت الولد أي قويت ملكاته ،ونميت قدراته ،وهذبت سلوكه ،حتى يصبح صالحا
للحياة في بيئة معينة ،ونقول تربي الرجل ،ذا احكمته التجارب ونشأ نفسه بنفسه ،ومن شروط التربية
الصحيحة أن تنمي شخصية الطفل من الناحية الجسمية والعقلية والخلقية ،حتى يصبح قاد ار على مؤالفة
الطبيعة ويجاوز ذاته ،ويعمل على إسعاد نفسه وا سعاد الناس ،وتعد التربية ظاهرة اجتماعية تخضع له
الظواهر األخرى في نموها وتطورها.3
ويقدم لنا "الالند" تعريفا للتربية في موسوعته الفلسفية ،ويؤكد على أنها مسار يقوم على تطور وظيفة أو
عدة وظائف ،تطو ار تدريجيا بالدربة على تجريدها واتقانها ،وهي ذات معنيين ،معنى أعم ،والتربية المحددة
بهذا النحو يمكنها أن تنشأ من عمل اآلخر أو من عمل الكائن ذاته الذي يكتسبه ،وبنحو خاص هي
تهذيب الشبان أو التربية سلسلة عملية إجرائية يدرب بها الراشدون الصغار من جنسهم ،ويشجعون لديهم
نمو بعض النزاعات وبعض العادات ،عندما تستعمل الكلمة بمفردها تقال في األغلب على تربية األطفال
من الجنس البشري.4
1عبد المنعم الحنفي :المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة ،مكتبة مدبولى ،القاهرة ،ط ،3333 ،2ص.454
2جميل صليبا :المعجم الفلسفي ،جزء ،4دار الكتاب اللبناني ،بيروت ،4533 ،ص.332
3جميل صليبا :مرجع سابق ،ص.333
4أندري الالند :موسوعة الالند الفلسفية ،المجلد األول ،منشورات عبودات ،بيروت ،ط ،3334 ،3ص .232
10
مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفـلسفي اإلنساني الفصل االول
وللتربية طريقان :األول أن يربى الطفل بواسطة المربي ،والثاني أن يربي نفسه بنفسه ،فإذا أخذت التربية
بالطريق األول كانت عمل موجه يتم في بيئة معينة وفقا لفلسفة معينة ،واذا أخذت بالطريق الثاني كانت
عمال ذاتيا يترك فيه الطفل على سجيته ليتعلم من نشاطه القصدي.1
كذلك التربية هي تنمية الوظائف الجسمية والعقلية و الخلقية ،كي تبلغ كمالها عن طريق التدريب و
التثقيف .وبالتالي فهي علم يبحث في أصول هذه التنمية ومناهجها وعواملها األساسية وأهدافها الكبرى،2
وتعد التربية ظاهرة اجتماعية تخضع لما تخضع له الظواهر األخرى في نموها وتطورها.3
التربية بالمعنى الفردي :هي اعداد الفرد لحياته المستقبلية ،وبذلك فهي تعده لمواجهة الطبيعة ،كما
تكشف بذلك عن مواهب الطفل واستعداداته الفطرية وتعمل على تفتحها وتنميتها وتغذيتها.
التربية بالمعنى االجتماعي :هي تعلم الفرد كيف يتعامل مع مجتمعه ،وتعلمه خبرات مجتمعه
السابقة ،والحفاظ على تراثه ،فهي تحرص على تمكين المجتمع من التقدم ،تدفعه نحو التطور واالزدهار.4
التربية بالمعنى المثالي :تعني الحفاظ على المثل العليا للمجتمع األخالقية واالقتصادية واإلنسانية
النابعة من تاريخ األمة ومن خبراتها ،ومن دينها ،وعن طريق تعاملها وعالقتها باألمم األخرى وعالقات
5
األفراد فيها وغيرها
حظيت التربية اليونانية بنظام تربوي متميزا ،إذ نرى فيه روح التجديد واالبتكار وروح الحرية ،إذ نجد أن
اليونان قد فسحو مجاال واسعا لنمو الشخصية الفردية ،في جميع مظاهرها السياسية منها والخلقية والفنية،
وجعلوا غاية التربية لديهم ،أن يصل اإلنسان الى الحياة السعيدة الجميلة فكان التكوين الروحي للفرد موضع
عنايته وتكامله النفسي ،أو تحقيق االنسجام بين كماله الروحي وكماله الجسدي المثل األعلى لهم.
يرى أفالطون) 332ق م232-ق م) أن التربية هي عملية تدريب أخالقي ،والمجهود االختياري الذي يبذله
الجيل القديم ،لنقل العادات الطبيعية للحياة ،ونقل حكمة الكبار التي وصلوا إليها ،بتجاربهم إلى الجيل
الصغير ،وانها نوع من التدريب الذي يتفق تماما مع الحياة العاقلة حينما تظهر ،1إذ نجد أن التربية عند
أفالطون ترمي إلى إصالح المدينة ،يعني كانت المدينة الفاضلة شغله الشاغل ،والتربية سبيل إلى ذلك
اإلصالح ،2إذ جع ل همه األكثر ،رسم صورة لجمهورية فاضلة قوية متماسكة ،ومن ثم بحث في كيفية
تربية وتهذيب الحكام كموضوع محوري للدراسة ،3وان ما كان يشغل ألفالطون في محاورة الجمهورية في
البحث في الكيفية التي يكون بها حاكم المدينة عادال وفاضال ،وهو يرى أن ذلك ال يتحقق إال من خالل
الرؤية األنطولوجية واألخالقية ،كما أن هذه العدالة ال تحقق إال من خالل أسلوب معين في التربية
والتعليم ،4فأفالطون وضع نظامه التربوي والتعليمي بقصد المحافظة على كيان المجتمع المثالي ،الذي
رسمه في جمهوريته ،لهذا كان نظامه التربوي نظاما محافظا ،والمغزى من هذا حسب أفالطون هو أنه أي
نظام اجتماعي ،البد من ارتباطه بنظام تربوي ،لهذا نجده قد أشار في جمهوريته المثالية ال يمكن أن تستقر
1عبد الحكيم كرم :محاضرات في فلسفة التربية ،دائرة التاريخ والجغرافيا والفلسفة ،المدرسة العليا لألساتذة في اآلداب والعلوم االنسانية،
قسنطينة ،3333 ،ص .43
2أحمد فؤاد األهواني :نوابغ الفكر الغربي ،أفالطون ،دار المعارف ،مصر ،ط ،4445 ،3ص.35
3عبد الحكيم كرم :مرجع سابق ،ص.433
4أحمد المنياوي :جمهورية أفالطون ،دار الكتاب العربي ،القاهرة ،د ط ،3343 ،ص .433
12
مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفـلسفي اإلنساني الفصل االول
إال ولها نظام تربوي يحافظ على طبيعتها وتراثها ،1والتربية التي يتحدث عنها أفالطون ال تخص تربية
وتعليم المجتمع ،إنما هي نهج تعليمي يخص فئة محددة مختارة ومنتقاة ،يعني أن أفالطون يقدم منهاج
لتربية فئة مختارة من المواطنين ، 2ويرى أنه البد من عالج األحوال الفاسدة إال بنظام من التربية ،الذي يبدأ
من الصغر يبصر الناس بما يجب عليهم ،إذ نجده يبسط لتحقيق العدالة نظامين :أحدهما النظام
االجتماعي والشيوع ي ،والثاني نظام التعليم المشترك الذي تقوم به الدولة ،حيث حسبه ال يمكننا إلى تحقيق
النظام االجتماعي إال باتباع نظام خاص من التعليم ،3كما نجد أن التربية عند أفالطون تقوم على إعداد
الجسم والروح معا لبلوغ الجمال والكمال ،ولهذا األساس ركز أفالطون على تنمية الذوق الجمالي لدى
الطفل عن طريق التربية الموسيقية والبدنية ،لهذا يرى أن التربية متكاملة بين الموسيقى والرياضة ،4يقول
أفالطون (:إن التربية الحسنة هي التي تهب للجسد والنفس كل ما يمكنها من جمال وكمال) ،5ما يرى أن
الغرض من التربية هو أن يبلغ العقل والجسم والنفس والخلق الكمال بالعلوم المناسبة ،6ويكون هذا حسب
أفالطون بمروره بمراحل معينة وهي كالتالي :المرحلة األولى يكون فيها تدريب البدن وتعليم الموسيقى،
وذلك من خالل تنمية "الجسم والروح" ،وهذه المرحلة يتم فيها كذلك تنمية عقول األطفال مما ترسخه
الحكايات األسطورية ،وب التالي االتجاه نحو الموسيقى وتربية الجسم يؤهل الطفل إلى ما هو جميل وسام،
والموسيقى هنا هي عبارة عن غاية أخالقية تتوفى تهذيب النفس وتقريبها من الجمال ،وابعادها عن القبح،7
القبح ،7كذلك يرى في هذه المرحلة يجب جلب القوة وتدريب البدن وتعويده على المشقة وتحملها ،يعني زرع
زرع قيم الشجاعة في الجسم ،لكن يرى أن الرياضة البدنية لوحدها قد تؤدي بالطفل إلى الخشونة والميول
إلى العنف ،وبالتالي يجب أن يكون هناك انسجام ،1لهذا يقول(:التريبة هي عملية اعداد العقل السليم،
وبهذا تكون غايتها هي نجاح المجتمع وسعادته واعطاء الجسم والروح كل ما يمكن من الجمال) .2إذ يرى
أفالطون هنا من يجب أن يكون اهال لحراسة المدينة وقيادتها ،ليس مسموحا له إال أن يقود ويحرص نفسه
أوال ،3يعني حسب أفالطون ال يمكن أن يحقق االنسجام والعدالة في الدولة من عجز عن تحقيق ذلك في
نفسه .4أما بالنسبة للمرحلة الثانية وهي مرحلة الرياضيات ومرحلة تهيئة النفس لتأمل المثل ،إذ نجد
أفالطون هنا يربط الهندسة بالعمليات الحربية ،فقدرة القائد على إقامة المعسكرات ،ونشر جيشه وتركيزه،
وأداء التشكيالت أثناء المعركة وأثناء السير ،كل هذا يكون مرتبط بمدى علمه بالهندسة ،5يعني أن
الرياضيات في الجانب ا لعملي تعمل على تهيئة الفرد المسؤول إلنجاز مهام الحرب بشكل منظم و
مضبوط ،وقيادة الجيش والتخطيط للحرب ،كل هذا يتوقف على معرفة الخصائص الهندسية للمكان،
فالرياضيات بهذا المعنى جزء من أدوات المدينة ،ومتعلمها يفعل ذلك بغرض حراسة المدينة والدفاع عنها،
أما بالنسبة للجانب النظري يرى أفالطون هنا أن الرياضيات تتجاوز حيز العمليات اليومية ،لتتحول إلى
رياضيات عقلية ،تهدف الى تعويد العقل والنفس على السمو ،بمعنى ليس وظيفة الرياضيات هي تسهيل
عمليات البيع والشراء ،بل دفع الفرد االرتفاع عن المعطيات الحسية ومعانقة عالم المثال ،يعني أن
الرياضيات ليس هدفا في ذاته ،بل في أعلى صورها وسيلة للنظر العقلي،6أما بالنسبة للمرحلة الثالثة
واألخيرة ،وهي مرحلة التأمل الخالص ،هنا حدد بوضوح دور التربية كعامل بفضله يجد اإلنسان موطنه
الحقيقي المثالي ،فتربية الفكر يمكن أن تبنى على التربية الحساسة لألشياء ،والدراسة الجدلية لآلراء ،لكن
كل هذا ال يؤدي إلى المعرفة الحقيقية ،فالمعرفة لعالم المثال الثابت ال يمكن أن تتحقق إال بمقدار تذكر
الفكر لما كان يعيشه في ذلك العالم ،1فالتربية في هذه المرحلة بالمنظور األفالطوني كما تقول سارة
كوفمان(:تسعى الى وضع العدالة ،والى وضع كل جزء إلى مكانه المخصص له) .فمهمة المربي في هذه
المرحلة أن يساعد المتعلم على تعويض المشاهدة العادية واإلنصات لنداء الحواس المباشرة بتأمل حقائق
األشياء ،2وبهذا نجد أن التربية عند أفالطون تهدف إلى اإلعالء من شأن العقل على األمور الحسية،
وذلك من خالل تنمية الملكة العاقلة المجردة ،إضافة لهذا رفع مكانة الشخصية وتحقيق كمال الذات ،وذلك
عن طريق عملية التطور الروحي ،أيضا تهدف إلى إحاطة الطفل بالمثل العليا الصالحة وتعريفه بالخير
األسمى ،وبناء شخصية تشعر بوال ء عال للمثل السياسية العليا للمجتمع والدولة وتحقيق وحدة الدولة ،وذلك
عن طريق هدم روح الفردية السلبية.3إن الفكرة األفالطونية في التربية والتعليم مرتبطة عضويا بالمجتمع
والمدينة والدولة ،ففي كل مرحلة تعليمية يذكرنا أفالطون ،أن ما يتعلمه الفرد ليس لذاته بل لغرض حراسة
الدولة وتحقيق االنسجام والتكامل وأخي ار تحقيق السعادة والفضيلة ،4وهذه األخيرة من بين أهم األهداف
التربوية وذلك بتنمية روح المواطنة الصحيحة في ذات الفرد ،وهنا يرى أفالطون على التربية أن تتحمل
مسؤولية غرس صفات االعتدال ،والشجاعة والمهارة العسكرية ،وفي الوقت ذاته ،البد من إعداد الشباب
للمعرفة الصحيحة الخاصة بطبيعة الحق المطلق ،وهكذا تكون التربية تمكنت من إعداد المواطن الصالح،5
6
الصالح ،5والتربية والتعليم ال معنى له دون هذا االرتباط العضوي بالشؤون الخاصة والشأن العام.
1بوكدان شيشو دولسكي :التربية والتيارات الفلسفية الكبرى ،تربية الماهية والوجود ،تر .عبد .أ .شمس الدين ،دار الفكر اللبناني ،بيروت ،د
ط ،4553 ،ص .18
2أحمد المنياوي :مرجع سابق ،ص .423
3عبد الحكيم كرم :مرجع سابق ،ص .43
4أحمد المنياوي :مرجع سابق ،ص.422
5محمد جلوب الفرحان :الخطاب الفلسفي التربوي الغربي ،الشركة العالمية للكتاب ،بيروت ،د ط ،4555 ،ص.23
6أحمد المنياوي :مرجع سابق ،ص .422
15
مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفـلسفي اإلنساني الفصل االول
أرسطو( 233ق م233-ق م) تلميذ أفالطون وخليفته في الزعامة الفلسفية ،أشتهر بلقب المعلم األول ،أنشأ
مدرسة خاصة به بالقرب من معبد أبولون اللوقيوني ،لذلك سميت مدرسته باللوقيون ،1كانت نظرته للتربية
أعمق وأوضح من أستاذه المثالي أفالطون ،2فنظر إلى التربية على أنها مرتبطة بكيان الدولة ،وبالكيان
السياسي القائم ،فمن مقومات التربية عنده ،هو تقوية األواصر األسرية خير لألسرة والتربية في الوقت
نفسه ،لهذا ينتقد في كثير من األحيان العنف الشيوعية (شيوعية النساء التي قال بها أفالطون) ،بالتالي
يرى أن الصداقة أو ما نسميه اليوم اإلحسان هي أساس الحياة االجتماعية ومبدؤها ،وهكذا تكون قد
انشغلت التربية الخلقية أرسطو ،ويقرر بضرورة تكوين العادات الخلقية منذ الصغر في كثير من العناية.3
كما نظر أرسطو للتربية على أنها جزء من السياسة ،وأداة ضرورية لخدمتها ولبناء استقرار المجتمع
وصالحه ،وذلك لبلوغ الغاية القصوى ،أال وهي تحقيق السعادة والسالم للمواطنين ،فالتربية عنده تعتبر من
مهام الدولة 4فمتى أجاد فهمها رجل الدولة ،الذي يفسح لتبصره أمدا بعيدا ،تكاد تكون هي النقطة الوحيدة
المهمة ،أو باألقل هي النقطة الوحيدة الكافية ،بفضلها يصير الرجال الذين سعدوا بطبع حسن أكثر كماال
ومواطنين أكثر خي ار ممن سبقوهم ،بل هم أكثر من ذلك ،ينسلون للعالم أوالدا يريدون أن يكونوا خي ـ ار من
آبائهـم ،والى تسيير الدولة نحو االرتقاء في مدارج السعادة والفضيلة ،5فنجد أرسطو ينتصر للتربية العامة
المشتركة ويطري اإلسبارطيين الذين أرادو أن تكون التربية واحدة لجميع الناس ،لهذا نجده يقول( :لما كانت
هنالك غاية واحدة ووحيدة لجميع الناس ،لكل مجتمع مدني ،هي تعليم الفضيلة ،فقد ترتب عن ذلك ،أن
التربية ينبغي أن تكون واحدة لجميع أعضاء المجتمع ....وعلى المشرعين أن يهيئوا هذا للمواطنين).
1نبيل موسى :موسوعة مشاهير العالم ،أعالم علم النفس وعلم التربية والطب النفسي والتحليل النفسي ،الجزء ،3دار الصداقة العربية،
بيروت ،د ط ،3333 ،ص.33
2عبد اهلل عبد الدائم :مرجع سابق ،ص .25
3زيرق دحمان :التربية في الفكر اإلسالمي المعاصر ،محمد الغزالي" نموذجا" ،أطروحة دكتوراه العلوم في علم االجتماع ،جامعة محمد
خيضر ،بسكرة ،3343 ،ص .442
4محمد جلوب الفرحان :مرجع سابق ،ص .25
5أرسطو طاليس :السياسة ،تر :أحمد لطفي السيد ،الدار القومية ،د ب ن ،د ط ،د س ،ص.34
16
مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفـلسفي اإلنساني الفصل االول
فأرسطو يرى أن ال تتدخل الدولة منذ والدة الطفل كما يرى أفالطون ،بل يرى أن تتدخل بعد سن السابعة
فقط لتهذيبه على العادات الفاضلة.1
نظرة أرسطو الفلسفية لإلنسان في التربية ،نجده أنه ذهب إلى أن اإلنسان مكون من نفس وجسم ،2أي
اعتبر أن اإلنسان ذو طبيعة ثنائية ،واعتبر أن النفس جوهر روحاني مفارق ،كان موجود قبل الجسد،
وستظل موجودة بعده ،وأن هذه القوى البنائية ،الحيوانية الناطقة والعاقلة 3تقابل في أقسامها المراحل الثالث
لحياة اإلنسان ،فتظهر في مرحلة النشأة الجسمية أو الطفولة القوى البنائية ،والتي ال تصدر عنها فضيلة
ما ،تعنى هذه المرحلة بغرس القيم والعادات الصالحة في نفوس األطفال ،4أما المرحلة الثانية وهي مرحلة
ظهور الحساسية والغريزة ،أو الجانب اال عقلي للكائن الحي ،وتبدأ من القوى الحيوانية أو النزوعية بالشكل،
وتصدر عنها فضيلة الشجاعة ،ثم بعد ذلك يأتي دور ونشأة القوى الناطقة والطور العقلي ،5هنا دعا
أرسطو أن نتدرج بالتربية ،وفقا لما يناسب التطور الطبيعي لإلنسان دون إهمال ألي مرحلة ،أو تغييب قوى
على حساب قوى أخرى ،وهو يقول في ذلك (:إنه من الواجب أن ال نهمل العقل عندما نكون معنيين بأمر
الحساسية ،وأن ال نهمل النفس عندما نكون منصرفيين إلى الحس).6
ويمكن تقسيم التربية التي نادى بها أرسطو إلى قسمين :تربية جسمية وتربية فكرية خلقية ،بالنسبة للتربية
الجسمية هنا على سبيل المثال نجد أن الرياضة البدنية المنظمة ،تشغل في التربية مرك از عظيما ،ألنها هي
التي يمكن أن تمهد للنفس 7اآللة الفعالة المطيعة من جسم سليم وقوي ،وفق ذلك فإن التربية تمتد باضطرار
باضطرار لتسع الجنسين جميعا ،وال تختلف تربية النساء على تربية الرجال شيئا كثيرا ،يعني حتى النساء
أليس بهن من حاجة أيضا لنفس مستمرة وجسم قوي؟ أليس لحكمة األمهات وسالمة أبدانهن أثر في قوة
أوالدهن وعقولهم؟.1
فا لتربية الجسمية تبدأ قبل والدة الطفل ففي هذه المرحلة يوصي أرسطو العناية بالحامل في مرحلة الحمل،
ويجب على الحكومة وقايتها وتزويدها باالحتياطات الطبيعية ،2أما بعد الوالدة ينصح أرسطو الحكومة أن
تعمل على القضاء على األطفال المشوهين والمرضى ،وتنتهي التربية الجسمية في سن السادسة تقريبا
وتشترك فيها الحكومة واألسرة.3
أما بالنسبة للتربية الفكرية والخلقية ،هنا أرسطو أشار في كتابه األخالق أنه بعد سن الثامنة عشر ،دعا إلى
التركيز على تعليم الفرد الفروسية وخلق صفات النبل والشجاعة ،وبعد سن الواحدة والعشرين فما فوق ،يبدأ
اال هتمام بتدريب العقل على الحكم السديد والتفكير السليم ،من خالل المنطق والسياسة والفلسفة ،4وهنا
وجب تنشئة الفرد على ضبط الشهوات بالعقل والمنطق ،هذا أن الخير والشر ليس في الشهوات نفسها ،بل
في استعمال الشهوات ،فإذا ضبطت الشهوات بالعقل والحكمة ،كانت خي ار والعكس بالعكس فواجب المربي
هو أن يحمل الطفل على التمييز بين الخير والشر واخضاعه للعقل ،5فأرسطو هنا يرى أنه ال يجب في
هذه المرحلة أن يهمل أمر العقل ،فمثال ألعاب الطفل يجب أن تكون تدربا على التمرنات العقلية ،وضرورة
إقصاء العقل من كل العوامل المفسدة ،تلك التي تنشأ من خالل اختالطه بالعبيد ورؤيته لمشاهد غير
خلقية ، 6كذلك يقر أرسطو ككل معاصريه بالثقافة والرياضة والموسيقى ،وأضاف الرسم إال أنه يوجه أكثر
اهتمامه للموسيقى لما لها من مفعول خلقي ،فهو يقر بضرورة تكوين العادات الخلقية منذ الصغر ،وغرض
أرسطو هو البحث عن الوسائل ا لتي تؤدي باإلنسان إلى الخير والكمال المطلق ،إذ رأى أن كمال اإلنسان
وخيره المطلق هو السعادة ،وتتحقق هذه األخيرة بأن يقوم اإلنسان بأعماله الخاصة به كاملة ،ذلك أن هناك
أمور أخرى يشترك فيها مع غيره ،كالنمو واإلحساس والتغذية ،فسعادته إذا في أن يتاح له تحقيق
شخص يته ،والقيام باألمور التي تخصه ،من حيث هو إنسان على وجه كامل ،والمقصود بالكمال هنا ،هو
تأديتها وفق الفضيلة ،فالسعادة ال تتحقق إال إذا اتبع اإلنسان وأن يؤدي األعمال المتعلقة بالتفكير والرؤية
وفقا للفضيلة.1
نجد أن التربية في العصور الوسطى ،إذ نخص بالذكر التربية االسالمية تستمد روحها وفلسفتها وطريقتها
في تكوين الفرد اعتمادا على القرآن والسنة النبوية الشريفة ،إذ نجد أن اإلسالم حث على التعليم ،وأخذ
للتربية مفهوم بأبعاد جديدة ،فلم تعد التربية مجرد إعداد للناشئة في مرحلة عمرية معينة ،وانما أصبحت
عملية مستمرة في مراحل العمر المختلفة ،بمعنى طلب العلم عملية مستمرة ال تتوقف عند حد معين أو سن
معينة ،إذ نجد غرض التربية اإلسالمية في العصور الوسطى ،ليس لغرض ديني محض أو دنيوي محض،
بل لغرض ديني دنيوي معا ،فالتربية في هذا العصر تهدف إلى إعداد الفرد للدنيا واآلخرة ،والى بناء
اإلنسان الصالح ،وليس المواطن الصالح فحسب ،ألنها تنظر إلى اإلنسان الصالح وليس المواطن الصالح
فحسب ،وتنظر إلى اإلنسان من جميع جوانبه ،جسدا وعقال بدقة متناهية ،وذلك لتحقيق التطابق والتكافؤ
بين النظر والعمل.
يرى ابن خلدون (4223م4333-م) أن العلم والتعليم طبيعي في العمران البشري ،ألن اإلنسان إنما يتميز
عن الحيوان بالفكر الذي يهتدي به ليحصل معاشه والتعاون مع أبناء جنسه ،واالجتماع المهيأ لذلك
التعاون ،وأن الحذق في العلم والتفنن فيه واالستيالء عليه ،إنما هو بحصول ملكة في اإلحاطة بمبادئه
وقواعده والوقوف على مسائله ،2كما يرى ابن خلدون أن العلم وحده ال يكفي أن يكون سالح المعلم ،بل
البد من دراسة نفسية األطفال ،ومعرفة درجة استعداداتهم ومواهبهم العقلية ،حتى ينزل إلى مستواهم
الفكري ،ومن ثم يتم االتصال بينه وبين الناشئين ،من هذا يتبين أنه من كالم ابن خلدون ،أن دراسة فن
التربية وطرائق التدريس من أهم ما يعنى به المربي ،1حيث نجد أن ابن خلدون يعالج وضائف العلم
وفضله ،بنفس المنطق الذي انطلق منه الفقهاء ،إذ نظر إلى العلم والتعليم كظاهرة طبيعية في المجتمع
اإلنساني ،له وظائفه على صعيد األفراد والجماعات ،ايضا له نتائجه المترتبة سواء على صعيد العمران
البشري أو التقدم الحضاري لألمم والجماعات ،2فدور العلم في هذا الصعيد حسب ابن خلدون ،يؤدي
وظيفة حياتية معيشية ،كون الصناعات التي هي إحدى وسائل الرزق وكسب القوت ،والصنائع ال بد لها
من العلم ،إذ ينظر إلى تعليم العلم عبارة عن صناعة قائمة بذاتها ،لها غرض اقتصادي معيشي وغرض
فكري إنساني.3
أما بالنسبة ألنواع العلوم ومنازلها المتعارف عليها بين أهل العمران صنفين :علوم مقصودة بالذات
كالشرعيات من التفسير والحديث والفقه والكالم والطبيعيات واإللهيات من الفلسفة ،وعلوم وسيلة آلية ،تلك
العلوم كالعربية والحساب والمنطق في الفلسفة ،وربما كان آلة لعلم الكالم وألصول الفقه ،أما العلوم التي
هي مقاصد ،فال حرج في توسعة الكالم فيها ،أما العلوم التي هي آلة لغيرها ،فال ينبغي أن ينظر فيها إال
من حيث هي آلة لذلك الغير فقط وال يوسع الكالم فيها ،والقرآن هو أصل التعلم وأول ما ينبغي تعلمه
للولدان.4
ومن العوامل التي يعتبرها ابن خلدون ذات أثر في صناعة التعليم اتصال السند ،ويقصد بذلك توافر الرجال
والشيوخ واألئمة الذين يأخذ عنهم العلم ،وذلك أن تحصيل العلم يعتمد على التلقين ،من رجال العلم من
جهة ،ومن المجهود الفردي من جهة ثانية.5
1عبد الغني محمد اسماعيل العمراني :أصول التربية ،دار الكتاب الجامعي ،صنعاء ،ط ،3343 ،3ص.433
2بوبكر عواطي :الفكر التربوي عند ابن خلدون ،جامعة األمير عبد القادر ،قسنطينة ،ص.323
3المرجع نفسه ،ص .323
4عبد اهلل عبد الدائم :مرجع سابق ،ص.332
5رلى نبيه مخلوطة :علم العمران والتربية عند ابن خلدون ،أطروحة ماجستير في اآلداب ،الجامعة األمريكية ،بيروت ،4553،ص .33
20
مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفـلسفي اإلنساني الفصل االول
قسم ابن خلدون العلوم التي يخوض فيها البشر تحصيال وتعليما إلى صنفين :صنف طبيعي لإلنسان
يهتدي به إلى فكره ،وصنف نقلي يأخذه عمن وضعه.
العلوم العقلية:
حسب ابن خلدون هي ثمرة نشاط الفكر البشري وتأمالته ،وهي طبيعية لإلنسان من حيث هو ذو فكر،
ويرى ابن خلدون أن لهذه العلوم العقلية فوائد ،فعلم المنطق مثال يمكننا أن نميز بواسطته الخطأ والصواب،
فيما نلتمسه بحواسنا ،أما علم الحساب فينشأ من عقل يصل اإلنسان بواسطته إلى الصواب ،فيرى ابن
خلدون أن من تعلم الحساب من صغره غلب عليه الصدق والزمه كمذهب ،كذلك الهندسة تفيد إضاءة في
العقل واستقامة في الفكر ،والسبب في ذلك أن براهينها تكون ظاهرة وجلية الترتيب ال يدخلها الغلط ،ويبعد
الفكر بممارستها عن الخطأ.1
العلوم النقلية:
علوم بنقلها اإلنسان عمن وضعها وأسسها و تتوارثها األجيال ،تسعى هذه العلوم إلى شرح العقيدة ،وتنظيم
فرائض الدين وسن القواعد والقوانين الشرعية ،ويقول ابن خلدون أن أصل هذه العلوم كلها الشرعيات من
الكتاب والسنة ،التي هي سنة مشروعة من اهلل ورسوله ،وما يتعلق بذلك من العلوم لإلفادة ،كذلك تشمل علوم
الحديث التي تعنى بإسناد السنة إلى صاحبها ،والكالم في الرواة الناقلين لها ومعرفة أحوالهم وعاداتهم ،ليقع
الوثوق بأخبارهم بعلم ما يجب العمل بمقتضاه من ذلك.2
والعملية التعليمية عند ابن خلدون يجب أن تتبع المبادئ والطرائق التالية:
-التدرج التكراري بما يناسب الطالب والموضوع معا ،وذلك أن يتدرج المعلم مع الطالب ،بتلقينه مسائل من
كل باب ،دون الدخول إلى تفصيالتها ،مراعيا قدرة الطالب وقابليته على فهم ما يلقى عليه ،ثم في مرحلة
الحقة يبدأ المعلم مع زيادة قابلية الطالب الستيعاب أساسيات كل باب ،بالدخول إلى تفصيالت أكثر ،أما في
المرحلة الثالثة يبدأ المعلم يبتعد من العموم ويدخل باإلجماليات ،وال يترك باب وال تفصيل إال وضحه ،وذلك
كله مرتبط باستعدادات الطالب ومتطلبات الموضوع ،1ويجب أن يكون في هذه المرحلة التدرج من السهل إلى
الصعب ،وذلك بتلقين المتعلمين شيئا فشيئا ،وال يترك عويصا وال مبهما وال منغلقا إال أوضحه ،2وهنا يجب
أن يكون هناك جدل وحوار قائم بين المعلم والمتعلم ،حيث ينتقد ابن خلدون طريقة الحفظ في التدريس ،ألن
هذا يخلق طالبا ليس لديهم قدرة على التصرف في العلم واالنتفاع به ،3بالتالي يجب العمل على تقريب
األهداف للطالب وتوظيفها ،أي أن يعرف المتعلم فائدة العلم الذي يتعلمه ،ويعني أهميته في حياته وحياة
مجتمعه ،يعني معرفة المتعلم بقيمة العلم الذي يتعلمه ،وادراكه لفوائده يجعل للعلم معنى في ذهن المتعلم،
ويدفعه إلى تقبله ويساعده على تحمله بطريقة أسرع وأبقى ،4فابن خلدون يقر مراعات المحتوى للتعلم السابق
والتأسيس عليه لتنظيم البنية المعرفية للتعلم ،هنا نؤكد أن ترتبط كل معرفة بما سبقها ،5وتدرج في التعليم من
السهل إلى الصعب ومن المعلون إلى المجهول ،ومن المحسوس إلى المجرد ،فالتعليم حسبه عملية منظمة
متدرجة ،ترتقي من المحسوس إلى المجرد ،فكلما امتلك المتعلم معرفة ما استعد بها لقبول معرفة أخرى ،لهذا
نجد ابن خلدون يقول (:المتعلم إذا حصل ملكة ما في علم من العلوم ،استعد بها لقبول ما بقي وحصل له
نشاط في طلب المزيد) ،6كذلك من المبادئ العملية التربوية عند ابن خلدون ،عدم ارهاق فكر الطالب
وا إلحاطة بطبيعة هذا الفكر ،حيث هنا أدرك ان الفكر اإلنساني ينمو ويتطور تدريجيا ،متأث ار بما يكتسبه
بمعلومات ومهارات ،وما يتعرض له من خبرات وهذه جميعها تتحكم بسالمة النمو ،لذلك البد من مراعات
تلك الطبيعة في المتعلم ،إذ تتهيأ وتزداد استعدادا للفهم بالتدرج ،وكلما اكتسب اإلنسان علم جديدا ازداد
استعداده لتقبل العلوم األخرى ،7وكذلك يرى يجب أن ال يؤتى بالغايات في البدايات ،أي ال يؤتي المعلم
1سناء دراوشة :الفكر التربوي الخلدوني ،مقاربة بين األصالة والمعاصرة ،جامعة النجاح الوطنية ،3343 ،ص.22
2عبد اهلل عبد الدائم :مرجع سابق ،ص .333
3بوبكر عواطي :مرجع سابق ،ص.333
4المرجع نفسه ،ص .332
5سورية قادري واسماعيل سيبوكر :العملية التعليمية وآليات التقويم في الفكر التربوي عند ابن خلدون من خالل المقدمة ،مجلة آفاق
علمية ،العدد ،3345 ،4ص .335
6المرجع نفسه ،ص .434
7سناء دراوشة :مرجع سابق ،ص .22
22
مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفـلسفي اإلنساني الفصل االول
بالتعاريف والقوانين الكلية أول األمر ،بل يبدأ بالجزئيات وينتقل منها إلى الكليات ،ويسلك في ذلك الطريقة
االستقرائية ،فيلقي باألمثلة الكافية ،ثم ينتقل منها إلى التعريف والقواعد ،لذلك يقول(:أول األمر عاج از عن
الفهم بالجملة ،إال في األقل على سبيل التقريب واإلجمال باألمثلة الحسية ،ثم اليزال االستعداد فيه يتدرج
قليال قليال بمخالطة مسائل ذلك الفن وتكرارها عليه ....واذا لقيت الغايات في البدايات وهو حينئذ عاجز عن
الفهم والوعي وبعيد عن االستعداد له) ، 1وهنا االعتماد في أول األمر على األمثلة الحسية ،وذلك أن المبتدئ
في بداية األمر ضعيف الفهم قليل اإلدراك ،وال يعنيه ما يلقى عليه ،إال باألمثلة الحسية ،بالتالي مراعات
مقدرة الطالب ،ومساعدته على الفهم ،فواجب المعلم أن يعطي بحسب قدرات الطالب من المعلومات
ومساعدته على استيعابها ،بالتالي عدم تعريضه للنسيان ،وذلك بتفريق المجالس ،وتقطيع ما بينها ،وال يجوز
على المعلم أن يخلط بين علمين في آن واحد ،2بمعنى عدم االنتقال من فن آلخر قبل فهمه وضرورة عدم
نقل المتعلم إلى الجديد إال من بعد التأكد من فهمه للعلم األول ،ذلك أن هذا األخير يجعل الطالب أكثر
استعدادا وقبوال للعلم والفن اآلخر ،غير هذا يؤدي به إلى العجز على الفهم واإلدراك ،3وما يؤدي إلى هذا
العجز كذلك كثرة االختصارات ،وهذا فساد في التعليم وفيه إخالل بالتحصيل ،والسبب في ذلك أن
االختصارات تسبب خلط على المتعلم ،إذ ال تكون لديه القدرة على استخراج المعاني من األلفاظ المختصرة،
من هنا تكون ملكة التعليم قاصرة على استعمال االختصارات وذلك بسبب قلة التكرار ،ألن الملكة تحصل مع
تكرار الفعل واستعماله ،4كذلك لم يغفل ابن خلدون عن النتائج السلبية عن المتعلم ،فقد رأى أن القهر يسبب
إذالال للنفس ويؤدي إلى اللجوء إلى العادات الذميمة ،بالتالي هو مضرة للمتعلم.5
وهكذا يرى ابن خلدون أن العلم والتعليم طبيعي في البشر ،ومن فكرته هذه نجده ينظر إلى التعليم من زاوية
عمله االجتماعي ،أي مراعات الواقع االجتماعي والثقافي ضرورية من حيث أن المحتوى كلما ارتبط بهما
كان أكثر نفعا ،1واعتبر أن التعليم إحدى الصنائع التي تنشأ في المجتمع ،والعلوم حسبه تكثر حيث يكثر
العمران البشري وتعظم الحضارة ،وأن العناية بالتربية دليل التقدم والرقي والعمران أي أن ابن خلدون لم يتناول
التربية كمسألة فقهية فقط ،وانما ربط التعليم بالعمران البشري والمعاش كذلك ،حيث أكد أنه كلما وجد العمران
والتطور وجد التعلم.2
يعتبر ابن سينا (223ه533-م) أن التربية قضية إنسانية وضرورة مصيرية ،فظلم اإلنسان لإلنسان وسوء
تربيته واالنحراف عن ابتغاء كماله ،وعن فطرته وطبيعته اإلنسانية ،كل ذلك نتيجة لسوء تربية اإلنسان
واالنحراف عن أهداف التربية ،3فيشير ابن سينا هنا إلى ضرورة تفكير المربي في تكوين المثل األعلى
لإلنسان المنظم التفكير ،القوي الشخصية ،النافذ اإلرادة ،القوي الخلق ،السليم الجسم ،المحب لالطالع،
المهذب الوجدان والمخلص لوطنه ،والذي يعتمد على نفسه في كسب عيشه ويعيش لغيره كما يعيش لنفسه،
ومهما كانت أهمية الدور الذي يقوم به اإلنسان في تربية وتعليم نفسه وفي اصالح أحواله وظروفه ،فإنه ال
يستغني عن عوامل التعليم والتربية ،التي تأتي من خارج ذات اإلنسان لتتفاعل مع إمكاناته ومكوناته
الداخلية ،4إذ نجد أن ابن سينا عالج برنامجه التربوي التعليمي من جانبين :جانب اجتماعي ،وذلك بتوجيه
الفرد االتجاه المناسب إلمكانياته ،وتأمين العمل المناسب كي ال يكون معطال ،وليكون منتجا لنفسه
ولمجتمعه ، 5يعني هدفه هنا هدفا عمليا وحياتيا وهو اإلنسان المجتمعي ،وذلك بدعوته إلى إيجاد الصنعة
والمهنة الشريفة والمناسبة لكل فرد ،فنادى بالتعليم عن طريق المباشرة والتربية بالممارسة ،6أما بالنسبة
للجانب الخلقي فهو حريص كل الحرص ،على أن ينشأ الطفل نشأة دينية صحيحة ،ويرى أن التربية الدينية
كفيلة بتحقيق هذه الغاية ،ثم يضيف إلى ذلك شيئا آخرا ،وهو أن ال يعلم الطفل من الشعر إال ما يحقق فيه
جا نب الخير والحث على مكارم األخالق ،فابن سينا على حق في حرصه على المناداة بالتربية الخلقية،
ألن األخالق هي كل شيء والحياة هي األخالق ،1يعني التربية الخلقية المبكرة والموجهة دينا ،غاية
ومنطلق في آن ،2فاألخالق عنده أساس الفضيلة ،وهي هدف التربية ،حيث وجد في الدين وممارسة
طقوسه وتعاليمه خير طريق لتحقيق الفضيلة ،وهذا ما كان سائدا في عصره ،حيث كان الدين أساس كل
تربية وتعليم ، 3وهذا ما يجب أن يتحقق في المدرس ،ذلك كي يكون أهال لتربية األطفال ،كالعقل والدين،
لديه خبرة بتربية األطفال ،كما ينبغي أن يكون حاذقا وقو ار ورزينا غير عابس وال جامد ،مهتما بالنظافة
والنظام ،شاع ار بالواجب عليه نحو تالميذه ونحو مجتمعه ،لهذا نجده يقول(:ينبغي أن يكون مؤدب الصبي
عاقال ،ذا دين بصي ار برياضة األخالق ،حاذقا بتخريج الصبيان ،وقو ار رزينا ،غير كز وال جامد) ،4فمهمة
التربية ليس إلعداد األجيال لقبول التغيرات الكثيفة القادمة ،والتكيف معها فحسب ،وانما السيطرة عليها
واستخراج خير ما فيها مع مقاومة السيء والضار منها ،5ومن األهداف التربوية التي يرمي إليها ابن سينا
نذكر :نمو الفرد نموا كامال من كل الجوانب ،النمو الجسمي ،النمو العقلي والنمو الخلقي ،ثم اعداد هذا
الفرد ليعيش في المجتمع ويشارك فيه بعمل أو حرفة يختارها وفق استعداده ومواهبه هو ،فالتربية عنده لم
تغفل عن النمو الجسمي وكل ما يتصل به من رياضة بدنية وطعام وشراب وثوب ونظافة ،وال يقتصر
عمل التربية على خلق المواطن الكامل ،جسما وعقال وخلقا فقط ،بل ال بد أن نعده لمهنة أو عمل أو حرفة
يشارك بها في عملية البناء االجتماعي ،6أي أن أسلوبه التربوي يهدف ويتطلع إلى وجود أفراد عاملين في
المجتمع غير عاطلين ،فيكون العلم عنده لمنفعة وخير يجنيه الفرد والجماعة ،والخير هو غاية الفلسفة
العملية عنده ،إنما أقرب للتربية البراغماتية أكثر من أي تربية أخرى ،إذ أن طبيعة اإلنسان وتكوينه ال
يتطلبان منه البحث عن الرزق وكسب المعاش ،لتستقيم له الحياة ويحفظ له البقاء ،لذا فهو يدعو إلى تعليم
وتربية تضمن لكل فرد صناعة ،يستطيع الكسب منها بيده ونشاطه ،1اذ يرى ابن سينا ضرورتها في حياة
المجتمع ،وتعد الصناعة والحرف ضربا من التعليم ،يحتاج إلى االعداد المهني والتدريب والتخصص
فيقول (:التعليم والتعلم منه صناعة مثل تعلم النجارة والصياغة ،وانما يحصل على المواظبة على استعمال
تلك الصناعة).2
هكذا وضع ابن سينا منهجا تربويا مستمدا أسسه ودعائمه من الدين ومن واقع عصره ومجتمعه ،ليفي
بمتطلبات مجتمعه ،ويساعده على النهوض والخالص مما هو فيه من اخالل وتعطل وفقدان للقيم ،إنها
تربية اجتماعية بكل معنى الكلمة ،متعددة الجوانب ،وهذا يؤدي غرضا وظيفيا تقتضيه حياة اإلنسان في
محيط تعلمه أو في محيط مجتمعه ،كما يساعد الفرد بالوفاء بمطالب الحياة المادية واالجتماعية ،وما
تقتضيه عالقاته مع بني البشر .3وهكذا كانت فلسفته التربوية تدور حول تنمية الفرد من حيث هو إنسان،
ال من حيث هو عضو في جماعة ،وهدف التعليم هنا هو تنمية القدرة على التفكير ،وتمكين اإلنسان من
الوصول إلى هذه المفاهيم األساسية والمبادئ الخلقية التي يجب أن يتصف بها اإلنسان ،4يعني أن التربية
تبدأ باإلنسان من حيث هو إنسان ،ثم تعمل على إيصاله إلى كماله اإلنساني ،فعملية التربية هي تنمية
شخصية على أن تتمثل كل الجوانب التربوية في انسجام وتكامل ،تتوحد مع طاقة اإلنسان وتتضافر جهوده
لتحقيق هدف واحد تتفرع عنه وتعود إليه جميع الجهود والتصورات وضروب السلوك الشخصي،5وبهذا
تكون التربية عند ابن سينا ،هي االعداد للحياة اآلخرة والحياة الدنيا مستندا في ذلك إلى قوله تعالى "وابتغ
فيما آتاك اهلل الدار اآلخرة وال تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن اهلل إليك "،حيث يؤكد على التربية
الدينية والدنيوية ،إلى جانب تعلم القرآن ومعالم الدين ومكارم األخالق ،1فجميع هذه الممارسات التربوية
محورها اإلنسان ،وتؤول إلى اإلخفاق ما لم تبن على فهم واضح وصحيح لماهية اإلنسان وخصائصه.2
في هذه الفترة أصبحت األفكار التربوية أفكا ار متعلقة بالطفل إلى حد بعيد ،اذ تحولت التربية الحديثة مرك از
للطفل في العملية التربوية ،وأصبحت تهتم به أشد االهتمام ،أي أنها جعلته محور العملية التربوية ،وغايتها
تنمية مواهبه واستعداداته الطبيعية دون ضغط على ميوالته ،بل تعمل على مساعدتها وتقويمها وجعله
طرف فعال ،فالتربية الحديثة وظيفتها تفتح عقول األطفال إلى المعرفة وتحرير لعقله وتهذيب لعواطفه
وأخالقه ،وتحقيقا لكفاءاته العملية في الحياة واعداده لمستقبل أفضل.
يرى جان جاك روسو (4243م4223-م) أن التربية تشبه الزراعة ،ألن الزراعة تنمي النبات ،والتربية
تهذب اإلنسان ،فيولد اإلنسان طفال ويكون ضعيفا ومحروما من كل شيء ،فإنه يحتاج بذلك إلى القوة
والعقل والمعونة ،وكل ما يكون اإلنسان محروما منه منذ والدته يحتاج إلى التربية ،3والغرض من التربية
عنده هو تكوين إنسان متكامل ،يكون على اتصال مباشر ووثيق بمشكالت الحياة ويعمل على التغلب
عليها ، 4أي جعل وظيفة التربية مقصورة على إزالة الصعوبات ،وكل ما يعوق الطبيعة البشرية الخيرة على
النمو الطبيعي ،وهذا ما يطلق عليه روسو بالتربية السلبية ،5و لم يقصد روسو هنا بالتربية السلبية أن ينفي
ينفي ضرورة التربية ،وانما إزالة كل ما يعترض النهوض بالطبيعة اإلنسانية ،إذ رمى بالقول بوجوب وجود
تربية تختلف كل االختالف عن التربية التي كانت شائعة في زمانه ،فقد كان المفهوم السائد عن الطبيعة
اإلنسانية عامة وعن الط فل خاصة ،المتعلق بالتعاليم الدينية والتربوية ،في ذلك الحين يخالف مفهوم روسو
مخالفة تامة ،فقد كان المتفق عليه أن طبيعة اإلنسان شريرة في األصل ،وأن غاية الدين والتربية هو
القضاء على الطبيعة األصلية ،واستبدالها بأخرى يصوغها المربي ،إال أن روسو خالف هذه الفكرة بالمبدأ
التالي :وهو أن تكون التربية األولى سلبية مخضة ،1يعني ضرورة الرجوع إلى التربية الطبيعة في التربية،
ويترك الطفل يربي نفسه بنفسه ،وبذلك ينشأ ح ار جدي ار بأن يكون عضوا في دولة حرة ،اذ ال وسيلة لتربية
الطفل ألجل الحرية إال تربيته بالحرية ،2بمعنى ال تنحصر في تعليم مبادئ الفضيلة والحقيقة ،بل في
تجنب القلب مزالق اإلثم والنفس مهاوي الزلل ،3فالتربية السلبية تقتصر على معاونة الطفل تربية نفسه
بنفسه ،وتجنب كل ما يضيق عليه ويقيده ،4فهي عملية ذاتية حسب روسو ،نابعة عن طبيعة الطفل لذلك
فهو يقول في كتابه اميل(:ليس على التلميذ أن يتعلم ،ولكن عليه أن يكشف الحقائق لنفسه) ،فأهم ما
يصبو إليه روسو أن ينشأ في الطفل الشعور االجتماعي ،كما يؤكد على استقاللية النشء ،فيجب أن
يكون هذا مقترنا بتوجيه خفي ،بحيث تتفق ميول النشء مع ما يريده المعلم ،ففي كتابه اميل يقول(:اتبعوا
مع النشء الطريقة العكسية ،وهي أن يشعر النشء أنه هو صاحب االختيار ،فال توجد استجابة وتكريس
إال بالشعور بأن المرء فيما يتعلمه ،هذا هو التكريس الحقيقي).ويرى أن النشء الذي ينشأ على تلك الطريقة
الحرة هو األصلح لمجتمعه ،5والتربية السيئة التي مصدرها اإلنسان حسب روسو ،ال بد من تعديلها عن
طريق االحتكاك بالحيوانات والنباتات ،وحوادث الطبيعة وقواها احتكاكا مختصا.6
فبرنامج التربية عنده يشتمل على أربع مراحل وهي :حياة الطبيعة ،والحياة العقلية ،والحياة الخلقية ،والحياة
الدينية ،7وهذه المراحل تكون وفق ثالثة عوامل وهي :طبيعة الطفل ثم المعلم ثم الحياة نفسها ،فطبيعة
الطفل هي التي تساعد على نموه الجسمي ،وعلى نمو حواسه وقواه العقلية ،أما المعلم فهو الذي يوجه
ويرشد الطفل إلى ما ينبغي أن يستخدم فيه ذلك النمو الطبيعي ،والحياة هي التي تربينا بما فيها من تجارب
وخبرات ،1ومن هذا المنطلق يرى روسو أن تربية الطفل من الميالد إلى الخمس سنوات ،هذه المرحلة انتقد
فيها التربية التقليدية بشدة ،وعنف ورفض عادة اللفافة ،وتعجب كيف نقيد الطفل منذ والدته باللفافة ،ونقيده
في حياته بالعادات والتقاليد ،فهو يقر بتربية طبيعية وترك الطفل يعيش بحرية ،2كذلك في هذه المرحلة يقر
بأهمية العناية بالجسم ،وضرورة اهتمام األم بنفسها ،وأهمية منح الطفل الحرية ،فهو ال يريد األربطة التي
تشل وتقيد حركاته ،وانما ترك الطفل ح ار حتى يحبو كيف يشاء ،كذلك ضرورة عدم التعجيل في تعلم الطفل
النطق والمشي ،يعني ترك الطفل يعرف كيف يأكل ويتعلم النطق والكالم ،ويتقن المشي بمفرده دون
مساعدة أحد ، 3ومن سن السادسة إلى سن الثانية عشر ،هي من أهم المراحل التي يمر بها اإلنسان في
حياته ،اذ يترك الطفل يعيش في الطبيعة ويستمد معلوماته عن طريق الحواس ومن مالحظاته ،فالمربي
الحقيقي هو الطبيعة وموجوداتها ،ودور اإلنسان مساعدة اإلنسان على فهم دروس الطبيعة ،ودعامة التربية
في هذه المرحلة هي الحواس والمحسوسات ،4كذلك يوجه المربي جهده إلى تكوين الجسم وال يعرض للنفس
للنفس بحال ،احتراما لحقوق الطبيعة الطيبة أصال ،فيحذر أن يكون اصالحها أو تكوينها بالعادات ،فإن
العادة الوحيدة التي ينبغ ي على الطفل أن يتخذها هي أن ال يتخذ عادة ما ،ويجتهد المربي في أن يقصي
عن الطفل جميع المؤثرات المصطنعة ،مؤثرات األسرة والمجتمع والدين ،ريثما يكون نفسه ،واال لم تكن
تربيته طبيعية ، 5وفي هذه المرحلة كذلك يجب أن يتعلم الطفل آالم الحياة ،لذا يجب أن يترك مستقال،
ويتعلم أن الطاعة واجب طبيعي ،ويجب أن ال يناقش الطفل في األخالق ،وانما علينا أن نبعده عن الشر
ونرشده إلى العمل الصحيح والتصرف السليم والنزاهة في العمل ،أما المرحلة من سن الثانية عشر إلى سن
الخامسة عشر يجب أن ال يتعلم الطفل أي لغة وال يدرس إال كتابا واحدا وهو كتاب الطبيعة ،بمعنى يريد
ترك الطفل لوحده يوازن بين األشياء ويقسمها ويعدها ،ألن الكتب حسب روسو هي عذاب للطفولة وألم
لها ،1كذلك يجب على الطفل أن يتعلم ما هو عملي ومفيد له ،أي تعلم مهنة يدوية أو حرفة منسجمة مع
هذه المرحلة ،2ففي هذه المرحلة يتحدث روسو عن تربية الطفل في سن المراهقة ،ويريد في هذه المرحلة أن
نوجه الطفل إلى الطبيعة ونشجعه على البحث واالعتماد على النفس في التعليم ،بمعنى نغرس فيه رغبته
وحاجته الملحة إلى المعرفة واالستزادة من العلم ،ويجب أن يتعلم األشياء عن طريق البيئة المحلية ،3أما
بالنسبة للمرحلة من سن الخامسة عشر إلى سن العشرين ،سماها هذه المرحلة بالتربية األخالقية
والوجدانية ،فهنا ينصب االهتمام عن تربية العواطف واألحاسيس والمشاعر وايقاظ الضمير ،وأن األخالق
مكتوبة في أعماق كل إنسان بشكل طبيعي 4ويجب أن يتعلم أن يكون حبه شامال لجميع الناس حتى أعداء
اإلنسانية ،ويجب احترام الناس جميعا ،وأن يختار لنفسه دين وال يفرض عليه ،5ويتعلم األخالق ألنها تنمي
تنمي فيه روح الشفقة والعرفان الجميل وضبط أهواء النفس.6
فالتربية عند روسو تربية طبيعية ،بمعنى أن تبقى قوى الطفل متحررة دون كبحها ،أي التربية تتحقق بترك
الطفل في أحضان الطبيعة ،بمعنى أن الطفل يحتك باألشياء المحيطة به دون تدخل من الكبار ،والهدف
النهائي من التربية حسب روسو ،هو تحقيق نظام اجتماعي تسوده المبادئ والفضائل المتمثلة في البساطة
كافة ،7إذ نجد أن روسو يرمي إلى اإلعالء من شأن المجتمع
والحرية واإلخاء والمساواة ،ويدركها أعضاء
الطبيعة ،ألن هذه األخيرة يتعلم منها اإلنسان ما يحتاج ،والتربية الصحيحة هي السير وفق قوانينها ،وأن
أساس التربية عنده ال يتمثل في اإلعداد للمستقبل حيث نجده يقول(:إن الطبيعة تتطلب منهم إن يكونوا
أطفاال قبل أن يصبحوا رجاال ،وعلى المربي أن ال يحمل الطفل ما ال طاقة له به ،واال عاش تعيسا)،8
يعني يرى أنه يجب أن تعمل التربية على تهيئة الفرصة للطبيعة اإلنسانية ،تنمو متتبعة قوانين الطبيعة،
وأن أي فساد يظهر ليس بفعل الطبيعة بل بفعل المجتمع ،لذا نادى روسو بتربية الطفل عن المجتمع ،ألن
ضغط هذا األخير يسبب انحراف لنمو قدرات الطفل ويفسدها ،وعلى التربية ليس فقط تجنب هذا الضغط،
ولكن عليها أن تعمل على خلق مجتمع أفضل.1
جون ديوي (4335م4533-م) من أبرز الفالسفة األمريكيين الذين أسسوا لجيل جديد في التربية ،وفعل
مقاربة فلسفية سميت بالتربية التقدمية ،2فالتربية عنده هي ذلك التكوين أو التنظيم الجديد للخبرة ،الذي يزيد
في معناها وفي المقدرة على توجيه مجرى الخبرة التالية ،3أي التربية عنده هي تنظيم مستمر للخبرة ،هدفه
توسيع محتواها االجتماعي وتعميقه ،فلكل مجتمع مبادئه ومثله العليا ،كما أن له مصالحه وطموحاته
وتقاليده ومشكالته ،4يعني مفهوم التربية عنده يتمحور حول الخبرة ،والتي تنتقل بالتربية من جيل إلى جيل
بصورة مستمرة ونامية ،وبطريقة ديمقراطية وعلمية ،فهي عملية نمو أو حياة أو تجديد للخبرة ،تتم في وجود
ديمقراطي يضمن تفاعلها اجتماعيا ويساعد على النمو المستمر ،أي أنها السبيل إلى النمو والتقدم
االجتماعي ،وأساس اإلصالح الذي يرجوه ،أو كما قال (:إنني أعتقد أخي ار أن التربية ينبغي أن يكون
مفهومها في آذان الناس ،أو أنها عملية إعادة بناء الخبرات من جديد وبصفة دائمة مستمرة).5
نجد أن جون ديوي اهتم بالتربية نظريا وعمليا ،حيث دقق في ربط مسألة التربية ببعدها اليومي المعيشي،
أي الحاضر كواقع والمستقبل كضرورة وليس في تقديس الماضي ،وحدد عرض التربية في خدمة اإلنسان
وعلى أنها عملية فردية وجماعية ،الفردية انطالقا من تطوره الجسدي والعقلي ،والجماعية كذات فاعلة في
1داود خليفة ومسيكة خولة :التربية كرهان لتغيير المستقبل ،مجلة التعليمية ،المجلد ،3العدد ،)3343-43-23( ،4الجزائر ،ص .433
2محمد حساني :التربية والديمقراطية "جون ديوي نموذجا،33:33 ،)3342-5-3( ،
https//tarbeyawatakwin.wordpress.com
3جون ديوي :الديمقراطية والتربية ،تر :منى عفراوى وزكريا ميخائيل ،مطبعة لجنة التأليف والترجمة ،القاهرة ،ط ،4533 ،3ص .25
4محمود عبد اللطيف :مرجع سابق ،ص .433
5بن سالمة أ حالم :مرجع سابق ،ص .33
31
مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفـلسفي اإلنساني الفصل االول
المجتمع تؤثر وتتأثر ،1يعني أنها تتسم بالطابع االجتماعي والفردي ،فهي نتاج التفاعل بين الغرائز و
الميوالت الفردية والظروف االجتماعية الراهنة ،وتبدأ بالمشاركة الفعالة للفرد في الشعور االجتماعي ،مما
جعل منها عملية حياة وتجديد اجتماعي. 2
إذ نجد اهتمام جون ديوي بالديمقراطية التربوية هو الضمان لتربية األجيال ،والنهوض بالتعليم في العالم،
فالتربية الديمقراطية تولي أ همية كبرى في تعليم الفرد وتثقيفه ،بوسائل تعمل على تنمية شخصيته ومهاراته
في الحياة ،فهو ينظر إلى الديمقراطية التربوية أسلوب الحياة المجتمعة والخبرة المشتركة المتبادلة وليس
كنظام سياسي ،وحددها في أشكال عدة كالمساواة بين األفراد دون تمييز واقصاء ،تكافئ الفرص على
مستوى التعليم ،حرية األفراد في االعتقاد ،وتوفير تعليم متقدم يستجيب لتطلعات القرن الجديد ،فالتربية التي
أتى بها هي القاعدة التي يأتينا من ورائها منفعة معينة ،وما فيه صالح للمجتمع.3
حاول جون ديوي أن يظهر إفالس التربية القديمة ،ويبرهن عدم صالحها للجيل الحاضر المتميز ،ويقول
باستحالة أن المدرسة وجدت للطفل فقط ،هذا ما أدى به إلى وضع مؤلف المدرسة والمجتمع ،يعني يربط
المدرسة بالحياة وجعلها على أتم اتصال بها ،4فهو آمن أن يكون التعليم متاحا على أساس مساواة األطفال
والكبار ،في جميع األجناس البشرية واألديان والمنزلة االجتماعية ،وال يعاني أحد من مركب الدونية ،بل
ينبغي على الجميع أن يتعاونوا داخل فصول المدرسة والجامعة وأن يطوروا روحا ديمقراطية ،5بالتالي
فالنظرة الحديثة للتربية ال تتم في المدرسة لوحدها ،بل حتى في المنزل والسينما ،الملعب وميدان العمل،
فهي تبدأ قبل الوال دة وتستمر إلى الشيخوخة ،أي أنها تستمل الحياة في مختلف أدوارها وأعمالها ،6إذ نجد
أن جون ديوي دفع المربيين إلى االهتمام بثالثة أمور هامة في تربية النشء وتوجيههم وهي :تعاون
المدرسة والبيت على التربية والتوجيه ،أيضا التوفيق بين أعمال الطفل االجتماعية وبين أعمال المدرسة
واألعمال اإلنتاجية في البيئة 1،أي أن التربية هي التي تعين الجماعات البشرية على استمرار وجودها ،وال
بد أن تكون المدرسة مجتمعا يتم فيه إثراء تجربة التالميذ وتنظيما عن طريق أنشطة مشتركة ،ويجب أن
تكون المدرسة محاكاة أو مجرد نسخة من حياة اجتماعية معاصرة في العالم الخارجي ،إذ ينبغي عليها أن
تبسط المشكالت حتى يستطيع التالميذ أن يفهموها ويتصرفوا بذكاء ،2فجون ديوي يقر بضرورة التعاون
واالتصال ،ووجوب اتصال خبرات التالميذ في المدرسة ،ووجوب جعل األطفال يتعلمون عن طريق خبرتهم
ونشاطهم الذاتي ،ووجوب احترام ميول التالميذ وحاجاتهم وحريتهم في التعبير عن أنفسهم ،وكذلك وجوب
مراعاة الفروق الفردية بين التالميذ ،واعتبار التربية عملية اجتماعية ،والتركيز على التعاون بدال من
التنافس.3
ففي عالم التربية والتعليم نجد أن جون ديوي يدعوا إلى التأكيد على أن المدرسة جزء ال يتج أز من المجتمع،
ويجب أن تكون مجتمع مصغ ار مشذبا من الشوائب التي نجدها في المجتمع الكبير ،ودور المدرسة في
المجتمع هو النظر في الثقافة بمعناها الواسع ،في آدابها وعلومها وفنونها وعاداتها وتقاليدها ونواحيها
المادية ،بحيث أن المدرسة تلعب دورين أساسيين في خدمة المجتمع ،أولهما نقل التراث بعد تخليصه من
الشوائب ،وثانيهما إضافة ما ينبغي إضافته لكي يحافظ المجتمع على حياته ،أي تجديد المجتمع أو
تغييره ، 4كذلك عملية التربية والتعليم ليس عملية اعداد للمستقبل بل عملية حياة ،كذلك أكد على ضرورة
العناية باألعمال اليدوية والمهنية في المنهج المدرسي ،ومبدأ الفعالية في الحصول على الخبرة والتعليم،5
ويمكن تلخيص التربية التقدمية عند جون ديوي إلى:
-التربية ظاهرة في الجنس البشري ،وبمقتضاها يصبح الفرد وريثا لما حصلته االنسانية من حضارة .
-التربية تتم ال شعوريا عن طريق المحاكاة بحكم وجود الفرد في المجتمع ،وبذلك تنتقل الحضارة من جيل
آلخر.
-التربية تقوم على العلم بنفسية الطفل من جهة ،ومطالب المجتمع من جهة أخرى ،فالتربية ثمرة علميين
هامين هما علم النفس وعلم االجتماع.1
-تربية استم اررية يعني هدفها استمرار النمو والمزيد في كل مرحلة ،ألن التربية التي ال تراعي ذلك ال
تتمكن من إنشاء مجتمع جديد.
-تعتبر التربية جديدة المعارف التعليمية ،ليس غايات وانما هي وسائل للنمو و دالة عليها.
-تراعي القيم في تنمية الوجدان ،وتركز على المهارات العملية المختلفة ،يعني هي عملية حياة ،تخالف
الرأي التقليدي في كونها عملية اعداد الطفل للمستقبل.2
1رشيد اإلدريسي :من أجل تصور موسع للتربية والديمقراطية ،األسس والخلفيات واألهداف ،مجلة المدرسة المغاربية ،العدد، 3342،3-2
ص .23
2بن سالمة أحالم :مرجع سابق ،ص .32
34
مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الفـلسفي اإلنساني الفصل االول
خالصة الفصل:
تعتبر التربية عملية موجودة منذ ظهور اإلنسان عبر التاريخ البشري ،إذ نجدها عملية متغيرة مستمرة تتطور
بتطور الحضارات وتطور الفكر اإلنساني ،وهكذا عرفت التربية تنوعا في اشتقاقها اللغوي واختالفا بينا في
تعريفها االصطالحي ،وذلك لما شهدته من تباين واختالف في مفهومها ،ذلك تبعا لتباين واختالف وجهات
النظر فيها عبر العصور.
35
الفصل الثاني
الفصل الثاني
أساسيات التربية عند إدغار موران.
تمهيد
خالصة الفصل.
أساسيات التربية عند إدغار موران الفصل الثاني
تمهد:
يعد إدغار موران من أبرز الفالسفة والمفكرين الذين اهتموا بدراسة التحديات التي تواجه التربية والتعليم
اليوم ،إذ نجد من خالل مشروعه التربوي يسعى للبحث عن مستقبل أفضل للبشرية ،حيث وضع بعض
األسس والمبادئ التي ينبغي أن تكون حاضرة في كل نظام تربوي أو تعليمي ،فنجده تناول مسألة التربية
من خالل بعدها المعرفي في سياق فكري جديد ومركب ،أي أنه يعترف بالطابع المركب للمعرفة واإلنسان،
يعني أن التربية والتعليم عند موران ال تقتصر على كسب المعارف فحسب ،بل تحقيق أبعاد إنسانية تتمثل
في تكوين إنسان جاهز في مواكبة متطلبات العصر ،ومواجهة مشاكله المختلفة وفهم التحديات المعاصرة،
ومعرفة سبل مجابهتها بعيدا عن كل أشكال الجهل والتعصب والكراهية والشعور بالدونية ،وعليه يقر موران
بدور التربية في تجديد الحياة ،وأنه ال سبل للخالص والتقدم والرقي واالزدهار اإلنساني والحضاري دون
االهتمام بالعملية التربوية.
38
أساسيات التربية عند إدغار موران الفصل الثاني
إدغار موران ( :)Edgar Morinعالم اجتماع فرنسي معاصر ولد في باريس 3يوليو ،14534درس
التاريخ وعلم االجتماع والفلسفة ،2يعني أن موران من المفكرين والفالسفة المعاصرين القالئل الذين يجمعون
بين صفة األنثروبولوجي وعالم االجتماع والفيلسوف ،3وفي بداية القرن العشرين هاجرت أسرة موران من
سالونيك في اليونان إلى مرسيليا ثم إلى باريس ،حيث ولد موران هناك وهو من يهود سفارديون ،4عمل في
الصحافة وشغل منصب رئيس بحوث ،خبير في المركز الوطني للبحوث العلمية ( ،)4535 -4533يرأس
حاليا الوكالة األوروبية للثقافة في منظمة اليونسكو ،كرس حياته منذ ثالثين عاما في البحث على منهجية
قادرة على تحدي التعقيد الذي يفرض نفسه حاليا ،ليس على المعرفة العلمية فحسب بل على مشاكلنا
االجتماعية واالنسانية والسياسية ،أسس وترأس جمعية الفكر المعقد APCوالتي تهدف إلى دعم األشكال
المتنوعة للفكر ،والتي تتيح اإلجابة على تحدي التعقيد الذي يفرضه العالم.5
انطوت بحوثه ودراساته على تعدد الحقول اإلنسانية عامال على إلغاء الحدود والحواجز التي تمنع التداخل
بينها ،6في عام 4523انتمى الى حزب الجبهة وهو حزب يساري مناهض للفاشية ،وحصل على إجازة
جامعية في التاريخ والجغرافيا ،ثم على اجازة في الحقوق عام 74533ونحو ثالثين دكتوراه فخرية من أكبر
4لورانس برانسكي :المفكر الفرنسي إدغار موران ،إصالح الفكر هو إصالح اجتماعي وذاتي في آن ،مجلة سيكولوجية الدوافع،3342 ،
ص2
3إدغار موران :النهج ،انسانية البشرية ،الهوية البشرية ،تر :د .هناء صبحي ،هيئة أبو ضبي للثقافة والتراث ،دار الكتب الوطنية،
اإلمارات العربية المتحدة ،ط ،3335 ،4د ص.
3إدغار موران :في الجماليات ،تر :يوسف تيبس ،و ازرة الثقافة والرياضة ،قطر ،د ط ،3345 ،ص .3
4لورانس برانسكي :مرجع سابق ،ص",2
1إدغار موران :النهج إنسانية البشرية ،الهوية البشرية ،مصدر سابق ،د ص .
6عالء كاضم مسعود :ابستيمولوجيا التعقيد عند إدغار موران ،مجلة كلية التربية ،العدد ،22الجزء األول ،جامعة واسط ،3345 ،ص .3
7إدغار موران :المنهج ،األفكار ،مقامها حياتها ،عاداتها وتنظيمها ،جزء ،3تر :د .جمال شحيد ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،د
ط ،3343 ،ص.2
39
أساسيات التربية عند إدغار موران الفصل الثاني
جامعات العالم ،1وعندما غزى األلمان فرنسا عام 4533قام إدغار موران بمساعدة الالجئين وانظم الى
المقاومة الفرنسية واستخدم إسم موران كاسم مستعار بوصفه عضوا في المقاومة الفرنسية ثم انظم الى
الحزب الشيوعي الفرنسي ،4534وأسس مجلة ،)4533 -4533(Argumentsوقام بإصدار كتابه "
"Autocrtiqueعام ،4533كان الكتاب يوضح تمسكه ثم خروجه من الحزب الشيوعي ،2وانخرط في
صفوف المقاومة ضد المحتل النازي ،وعام 4535ابتعد عن الحزب الشيوعي الفرنسي وتم طرده منه
النتقاده النهج الستاليني ،وعام 4533انتمى إلى حزب االتحاد اليسار االشتراكي الذي صار الحزب
االشتراكي الموحد.
اكتشف علم السياسة من خالل مناشير األقليات السياسية ،ومن خالل انخراطه للحزب الشيوعي ،ولكن
سرعان ما ابتعد رويدا رويدا على الماركسية األرثوذكسية طردا مع تحلل عالقات الترابط العضوي التي
كانت قد قامت عقب الحرب العالمية الثانية بين "الستالينية" و "األنتلجنسيا اليسارية " ،وانفصل فيما بعد
عن هذا الحزب ،لكن دون امتناعه من متابعة نشاطه الملتزم ضمن منظمات مثل منظمة لجنة المثقفين من
أجل السلم "" ،ولجنة المثقفين في حرب الجزائر." 3
نجد أن لفكر إدغار موران جذور تعود إلى عمق الفلسفات القديمة ،وذلك لوجود الكثير من الفالسفة
والمفكرين واألدباء الذين أثروا تأثي ار بالغا في فكره ،من هذا المنطلق نجد موران يقول(:فالسفتي ليست كلهم
فالسفة) ، 4اذ نجده تأثر بالمؤسس الروحاني بوذا كذلك السيد المسيح عليه السالم ،والمفاجئ في فكره نجد
فيه زاوية للموسيقار بيتهوفن الذي كان مولعا به ،ألنه حسب رأيه استطاع التعبير من خالل كلماته ،عن
1عبد الواحد حسني :السياسة الحضارية عند إدغار موران من التشخيص الدقيق إلى رسم خارق الطريق ،مجلة آفاق فكرية ،المجلد ،3د
عدد ،)3333-44-4( ،جامعة وهران ،3ص.32
2لورانس برانسكي :مرجع سابق ،ص.2
3جورج طرابيشي :معجم الفالسفة ،دار الطليعة ،بيروت ،ط ،3333 ،2ص.333
4رقية هبال :غايات السياسة في فلسفة إدغار موران ،مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر ،تخصص فلسفة عامة ،قسم العلوم االجتماعية،
جامعة محمد خيضر بسكرة ،4345 ،ص .22
40
أساسيات التربية عند إدغار موران الفصل الثاني
فلسفة عميقة تتسم بالفوضى والنظام كذلك أثرت في حياته ،1إضافة لهذا نجد سبب انفتاحه على الفلسفة،
تأثره بالمفكرين أمثال "جورج ليفيبر " و"فون فوريستر "اللذان تلقى منهما المعرفة التاريخية ،لكن الفضل
األكبر يعود إلى أولئك الفالسفة الذين قدموا له المعرفة التاريخية والبيولوجية واألنثروبولوجية والفيزيائية
والرياضيات ،أمثال الفيلسوف اليوناني "هيروقليطس" ،2فعالقته مع هذا األخير هو أنه كان يتجاوب مع
تساؤالته ويلبي طموحاته ،ووجد موران فيه بشكل ساطع التناقضات األساسية التي ال حل لها وال يمكن
تجاوزها ،إذ يقول موران(:لقد ساعدني هيروقليطس على تحمل مسؤولية التناقضات التي تمزقني،
كالتناقضات بين اإليمان والشك أو بين األمل واليأس ،أو بين العلم والشعر أو بين العقل والجنون) ،يعني
موران تأثر في فكرة أنه ليس هناك لكل حد لحداه ،مثال ليس هناك عقال كله أو جنونا كله ،وانما هناك
خليط وتكامل بين الحدين ،يعني ال نعيش بالعقل فقط وانما بالجنون أيضا.
يقول موران عن هيروقليطس (:عندما تركتني زوجتي تركت لها كل شيء ،الشقة واألثاث وحتى حسابي في
البنك ،ولم آخذ معي إال عشرة كتب من بينهم هيروقليطس) ،3كذلك نجد الفيلسوف باسكال له تأثير بالغ
في فكر موران ،إذ عبر عن اعجابه به بقوله(:أني وجدت فيه ذلك الجن الشيطاني السقراطي ،اإليمان
والشك ،العقل والسحر والخرافة ،فهو رجل علمي عقالني وفي الوقت نفسه رجل دين ساحر ،وبالنسبة له
اإليمان الشك ،الدين والعقل ،عناصر تتصارع وتعيش الواحدة في األخرى) ،وكذلك نجد تأثره بفكة السببية،
يعني في فكرة معرفة الكل ال تكون إال بمعرفة األجزاء ،استحالة معرفة األجزاء دون معرفة مجمل هذه
األجزاء ،وبعد تأثره هذا عمل على تأليف كتابه المنهج.4
وكان لفالسفة فرانكفورت أمثال " :أدورنو"" ،هوركهايمر""،ماركيوز" ،بصمة في فكر موران ،ذلك من خالل
تلقيه لمدخالتهم واالطالع عليها وتأثره بانتقاداتهم الموجهة للحداثة الغربية وباألخص العقالنية الغربية.
1بن يوب هناء :ابستيمولوجيا التركيب عند إدغار موران ،مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر ،قسم الفلسفة ،جامعة 3ماي ،4533قالمة،
،3342ص .43
2المرجع نفسه ،ص .43
3هاشم صالح )3342-44-43( :فالسفة حياتي إلدغار مورانhttps://www,elmalaqtsad.com 08 :50 ،)3334-3-43( ،
4رقية هبال :مرجع سابق ،ص ص .25،23
41
أساسيات التربية عند إدغار موران الفصل الثاني
كذلك اطالعه على أفكار الفيلسوف "مارتن هايدغر " الذي استعانا منه مفهوم عصر كوكبي ،العولمة،
ونقده للتقنية ، 1إضافة لهذا نجد نزوعه إلى اللعب بالكلمات وذلك من خالل مصطلحاته المميزة من بينها
نذكر" :حدود الوعي" و "وعي الحدود" ،وهذا تأث ار بما أبدعه كل من "هيجل و ماركس وهايدغر " في اللعب
بالكلمات.2
هكذا نجد أن فالسفته حسب قوله يساعدونه على الشعور باالنضمام إلى شتى مجاالت الحياة والمعرفة،
فهم بمثابة أنوار تحفزه على البحث عن الحقيقة ،لهذا كان من الصعب علينا أن نسند فكره إلى فلسفة
معينة ،وبهذ ا لم يكن لموران نزعة أو فلسفة أو ميل إلى جانب معين على حساب اآلخر ألنه كان يرفض
تشكيل األفكار والتقوقع فيها ،3فنجد "فرنسوا ليفونيه" يقول عنه (:إن تقديم ادغار موران ليس بمهمة سهلة
باعتباره فريدا من نوعه ...وأعماله تشهد فكر حديث يتوضع بجرأة في واقع عصره وله الفضل في التحرر
من المقوالت الجاهزة) ،4بالتالي هو يدعو إلى اإليمان المطلق باألفكار التي يحتويها أي مذهب ،وذلك
بدليل قوله (:أني أتخلى عن كل أمل في أن يكون لي مذهب وفكر مندمجين فعليا).5
نجد أن لمؤلفات إدغار موران أثر كبير على الفكر المعاصر،6إذ كتب أكثر من 33كتابا في علم
االجتماع واأللسنة والفلسفة والسياسة والنقد الذاتي ،7وترجمت كتبه إلى 33لغة ،إذ نجده نشر اإلنسان
والموت ،الذي كان ثمرة لقاء الماركسية والفينومينولوجيا ،8فبحثه هذا عبارة عن بحث سوسيو أنثروبولوجي
كان يعكس إحدى التيمات الملحة على إدغار موران ،ألن الموت كان يالحق ذهنه منذ وفاة والدته وهو
بعمر العشر سنوات ،يعني موران هنا ربط بحثه هذا وبين متاعب حياته ،1وينطلق بحثه هذا من مفارقة
وهي أن اإلنسان يتشارك مع كافة الكائنات الحية بحيثية أنه فان ،2وفي الخمسينات كتب إدغار موران عن
عن السينما أو اإلنسان الخيالي 4533وعن النجوم ،4532أعيد طبعها عدة مرات ،3حيث يرى أن
السينما تكشف عن البعد التخيلي لإلنسان ،4كما نجده شارك "جون روش" في إخراج فيلم " يوميات صيفية
"الذي قدم في مهرجان كان ) (Cannesالسينمائي الدولي ،5وفي عام 4535كتب النقد الذاتي الذي حلل
وقيم فيه تجربته في النضال داخل صفوف الحزب الشيوعي ،باإلضافة إلى كتاباته ذات المحتوى
السوسيولوجي ،أخضع موران العلم الحديث لمساءلة منهجية جامعة ،هنا أصدر تحت عنوان المنهج أربع
مجلدات متتالية :طبيعة الطبيعة ،4522حياة الحياة ،4533معرفة المعرفة ،4533األفكار .64554
سجل إدغار موران أفكا ار حول السياسة والحب واألحداث الصغيرة في الحياة ،نجد كذلك في أوراقه هذه
مدخال لتأمل أكثر عمقا حول الطبيعة البشرية وحدود المعرفة ،طبعت تحت عنوان Le vif du sujet
وهي تحتوي كبذرة جنينية مشروعا فكريا كبير األهمية ،7كان يحرر مقاالت عديدة حول مواضيع تبدو تافهة
تافهة مثل الدعاية ،األغنية ،الشباب ،علم الفلك ،لكن هذه الدراسات هي وصف اقتحام الحداثة للمجتمع
الفرنسي ،وهي تغيرات يريد اإلمساك بها ،هذا هو غرض ما يسميه إدغار موران سوسيولوجيا الراهن.
وفي عقد الستينات وهي الفترة التي كان موران منخرطا فيها بعدة بحوث ،تبدو في الظاهر مشتتة ،ففي ذلك
الزمن طبع بشكل متالحق روح الزمان 4522والذي وصف فيه الفيلم كمنتج ديالكتيكي ،يمتزج فيه الفن
1فيليب كابان – جان فرنسوا دورتيه :علم االجتماع ،من النظريات الكبرى إلى الشؤون العلمية أعالم وتواريخ وتيارات ،تر :د .إياس
حسن ،دار الفردق ،دمشق ،ط ،3343 ،4ص .325
2المصدر نفسه ،ص .333
3إدغار موران :في الجماليات ،مصدر سابق ،ص .3
4فيليب كابان :مصدر سابق ،ص .334
5إدغار موران :في الجماليات ،مصدر سابق ،ص .3
6جورج الطرابيشي :مرجع سابق ،ص .333
7فيليب كابان :مصدر سابق ،ص .333
43
أساسيات التربية عند إدغار موران الفصل الثاني
بالصناعة واإلبداع واإلنتاج المعياري ،ونشر في سنة 4532بحوثا تحت عنوان "بلوزوفيت " ومنها كانت
الدراسات األنثروبولوجية في المجتمع الفرنسي المعاصر ،وبعدها صدر بحث "آيار " 4533و "الثغرة "و
1
"ضجة أوريان".
يرى موران أن للتربية دور مهم في تكوين الفرد والمجتمع معا ،فهي تهتم بالسلوك اإلنساني وتؤهله إلى
مستوى الحدث التاريخي الذي يناط به البناء الحضاري ،فتحتل التربية في معناها الشاسع وفي تطورها نحو
تحوالت عميقة في أنماط حياتنا ومشاكلنا دو ار مهما عليها أن تلعبه التربية هي قوة مستقبلية ،ألنها واحدة
من األدوات األكثر قوة لتحقيق التغير ،لهذا وجب علينا إزاحة الحواجز التقليدية واعادة تشكيل سياستنا
وبرامجنا التربوية ،علينا أن نصون هذا التوجه إلى أبعد مدى من أجل المستقبل الذي نتحمل أمامه مسؤولية
كبرى ،1والتربية كما يراها موران ال تهدف إلى تبليغ المعارف فحسب ،بل إلى بناء معرفة قادرة على فهم
مشاكل المجتمع والمساعدة على التواصل بين المعارف ،الستيعاب الحياة وايجاد رابط إنساني متين لكل
هذا الزخم ،2وتحقيقا لهذه الغاية السامية على التربية أن تنتبه إلى العناصر األساسية الغائبة في برنامج
التعليم ،وأن تعمل على إحيائها وتفعيلها وتكريسها عن طريق المعلمين واألساتذة الذين بإمكانهم أن يحملوا
على عاتقهم وزر هذه المهمة العسيرة والحضارية ،3معنى هذا أن التربية عند موران تهدف إلى محاولة
توقع المستقبل ومعرفته وال يكون ذلك إال من خالل تنسيق وبلورة رؤية تربوية جديدة ،هذه الرؤية تجعل من
المصير المشترك هدفها األساسي ،فيجب على التربية أن تحمل في عاتقها البعد اإلنساني ،يعني تهدف
إلى تكوين إنسان كوكبي متعايش مع اآلخرين ،أي أن التربية منوط بها أن تتجاوز تكوين المواطن إلى
تكوين إنساني كوكبي ،4وفي نهاية المطاف فإن المنظومة التربوية حسب موران وحدها الكفيلة بمراجعة
واستكشاف الخلل الموجود في المجتمع ،فإصالح التعليم هو إصالح العقول واعادة التفكير في المشاكل
التربوية ،واصالح سياسي واجتماعي شامل ،وفي بناء إنسان متفهم متسامح ومتصالح مع ذاته ومع غيره
في زمن العولمة.5
1إدغار موران :تربية المستقبل ،المعارف السبع الضرورية لتربية المستقبل ،تر :عزيز لزرق ومنير الحجوجي ،دار توبقال للنشر،
المغرب،ط ،3333 ،4ص .42
2خديجة زتيلي :إدغار موران وتعليم فن الحياة في الزمن الراهن ،)3345-33-43( ،الجزائر ،ص.4
https://couua.com 43:33
3المرجع نفسه ،ص .3
4طلعت عبد الحميد وآخرون :الحداثة ما بعد الحداثة ،دراسات في األصول الفلسفية للتربية ،مكتبة األنجلو مصرية ،القاهرة ،د ط،3332،
ص.432
5خديجة زتيلي :مرجع سابق ،ص.3
45
أساسيات التربية عند إدغار موران الفصل الثاني
يرى موران أن هناك مبادئ عدة يتوجب على تربية المستقبل األخذ بها في كل مجتمع وفي كل ثقافة نذكر
أهمها:
فالملفت للنظر هنا أن التربية التي تهدف إلى توصيل المعرفة تظل جاهلة بماهية المعرفة اإلنسانية
وبآلياتها وحدودها وصعوباتها ونزوعها الطبيعي إلى الخطأ والوهم ،كما أنها ال تبذل أي مجهود لتتعرف
بماهية المعرفة ، 1يعني هنا ال يمكن اعتبار المعرفة أداة جاهزة باإلمكان استعمالها دون فحص طبيعتها،
من هنا الضرورة الملحة لمعرفة المعرف كسالح في مواجهة األخطار الدائمة للوقوع في الخطأ والوهم
اللذان ال يتوقفان عن التشويش على العقل اإلنساني ،فمن الضروري أن تقوم في قلب التعليم بإدماج
وتطوير الخصائص الدماغية والذهنية والثقافية للمعارف اإلنسانية ،إضافة إلى تدابيرها النفسية والثقافية
المسؤولة في أحد وجوهها عن نزوعها إلى الوهم والخطأ ،2حيث نجد أن هذا األخير يتقدم في نفس الوقت
الذي تتقدم فيه معارفنا ،بالتالي من الضروري أن يكون لنا وعي باألمور التالية :
-أنه ال يكمن السبب العميق للخطأ في الخطأ بالفعل أو الخطأ المنطقي ،بل في صيغة تنظيم معرفتنا في
شكل نسق من النظريات.
-ترتبط أخطر التهديدات التي تتربص بالبشرية بالتقدم األعمى للمعرفة(أسلحة ح اررية ،نووية ،خلل
بيئي...إلخ).
يعني م وران يريد أن يبين لنا من هذه األخطاء والجهاالت ،أن لها طابع مشترك يكمن في كونها ناجمة عن
صيغة مشوهة لتنظيم المعرفة ،3إذ نجد أن هذه األخيرة معرضة للوقوع في الخطأ والوهم ،ومن واجب
التربية هنا هو مواجهة هذا المشكل التربوي المزدوج ،1فنجد موران في هذا النحو يقول(:أنه الوجود لمعرفة
مهما كان مستواها في منأى عن الخطأ والوهم) ،يعني أن المعرفة ليست منزهة عن الخطأ ،فلم يستطيع
اإلنسان في يوم ما الوقوف على قمة اليقين في المعرفة ،وذلك أنه من طبيعة اإلنسان يخطأ ويصيب،
فعقله لم يعد قدرة مطلقة على اإلحاطة بالمعارف على مدى الزمان والمكان ،لذلك على التربية أن تؤكد في
نفوس المتعلمين والمعلمين أن المعرفة ليست منزهة عن الخطأ ،2كذلك على التربية أن تؤكد على تعليم
حرية التفكير واالنتباه إلى مخاطر الوهم والخطأ وغياب الفهم المتبادل ،3إذ يرى موران أن ذات اإلنسان
المستقبل للمعرفة تؤثر وتتأثر في بناء المعرفة ،وهذا ما يفسر لنا األخطاء التي يقع فيها اإلنسان في إنتاج
المعرفة ،كما أن المعرفة تشتمل على التأويل مما يؤدي إلى إمكانية الوقوع في الخطأ داخل ذاتية الذات
العارفة ،بالرغم من ما نقدمه من مراقبة عقالنية على عملية إنتاج المعرفة ومسارها.4
ك ما يرى موران أن الخطأ ال ينفصل عن المعرفة اإلنسانية ،ألن كل معرفة هي ترجمة تبدأ من الحواس
التي تنقل صورة إلى الدماغ ،فالعقل هنا يقوم بعملية ذهنية فيحدث ما نسميه اإلدراك ،وهكذا فالمعرفة
ليست انعكاس مباشر لألشياء ،بل هي ترجمة واعادة بناء الصور المحسوسة ،يقوم بها العقل البشري
انطالقا من اشارات تلتقطها الحواس وهذا ما يفسر األخطاء العديدة في اإلدراك.5
6
فمهمة التربية على هذا الصعيد هي كشف مصادر األوهام واالخطاء والضالالت التي تتمثل في
األخطاء الذهنية:
هنا موران ينظر إلى الدماغ البشري على أنه آلة مركبة ليست بمقدورها التمييز بين اإلدراك الصحيح
والهلوسة ،بين الخيال والواقع ،بين الذاتي والموضوعي ،إذ يجب علينا أن نعرف أن الخطأ هو المشكل
المركزي والدائم في فهم الكلمة أو الرسالة أو الفكرة عن الشخص المرسل ،في حين أن الخطأ والمعرفة لهما
نفس المصدر ،ألن كل معرفة هي تأويل يحمل في طياته خطر الوقوع في الخطأ أثناء قيام عملية
اإلدراك.1
ونجد أن الذاكرة هي كذلك قد تقع في الشباك العديدة للخطأ ،وكل ذاكرة ال تتجدد بالتذكر محكوم عليها
بالموت ،لكن البد أن نعلم أن كل تذكر قد يحيي الذاكرة بقدر ما قد يقتلها ،فنجد أن فكرنا ينزع بطريقة ال
واعية إلى االحتفاظ بالذكريات اإليجابية ،وتعمل على كبت ومحو ما ال يخدمها ،وهذا ما يؤدي إلى الخلط
الال واعي بين ذكريات وقعت فعال ،وأخرى من خلق الخيال نظن أنها حدثت ،بهذا تكون الذاكرة وقعت في
خطر األخطاء واألوهام ،2وعليه وبعد أن رأينا أن أي معرفة هي ترجمة واعادة صياغة ،وهذا ما يشوش كل
معرفة ،فإن الخطأ والوهم هما المشكلتان اإلدراكيتان المستديمتان للذهن البشري ،وعليه فقد تعرضت
المعرفة البشرية وما زالت تتعرض إلى يومنا هذا إلى أخطاء وأوهام كبيرة من الرغم من أن كل معرفة هي
ترجمة واعادة صياغة ، 3إذن على التربية أن تبين أأن األذهان البشرية حالما تتحرر من الوهم وتعود ثانيا
إلى السقوط إلى وهم آخر ،كما يجب أن تبين أن التيقن من معرفة الحقيقة ال يضمن مطلقا عدم السقوط
في الخطأ والوهم.
األخطاء المعرفية:
يعتقد موران أن السبب األساسي والعميق للخطأ ال يكمن فقط في اإلدراك الخاطئ أو عدم االتساق
المنطقي ،بل يكمن ايضا في نمط تنظيمنا للمعرفة في شكل نظريات وايديولوجيات 4فإن أنظمتنا الفكرية
حسب موران(نظريات ،مذاهب ،ايديولوجيات) ليس فقط معرفة للوقوع في الخطأ ولكنها تقوم أكثر من ذلك
بحماية أخطائها وأوهامها ،بعبارة أخرى أن المنطق الداخلي لكل نسق من األفكار يكمن في مقاومة كل ما
يتالءم معه أو ال يكمن دمجه بداخله ،5يعني أن المذاهب والنظرات معرضة إلمكانية الوقوع في الخطأ
واألوهام ،وذلك لما تأخذه من رفض أي نقد خارجي يحمل خطر زعزعة مبادئها ،وما يتوجب على التربية
هنا تبيين الثقوب المعرفية لطالما كانت من أولى األسباب للعمى المعرفي ،أيضا ما يتوجب على التربية
هو تبيين الوظيفة األساسية للنظرية ،1وهذه األخيرة حسب موران يجب أن:
-أن تتمكن من معرفة ذاتها ،أي أن تعرف تنظيمها و تعارضاتها الداخلية وموقع العتمة الموجود فيها.
-تتمكن من توظيف جهاز مناعتها للكشف عن نزوعها إلى المذهبة والتصدي له.
-أن تتمكن من التعرف على الفضاء العقلي والثقافة والمجتمع ،ألنها تمثل منظومتها البيئية.
2
-أن تتمكن من االنفتاح على ما هو ال نظري وعصي على العقلنة.
نجد أن اإلنسان في الوقت ذاته كائن فيزيائي و بيولوجي ونفسي وثقافي واجتماعي وتاريخي ،وهذه الوحدة
المركبة للطبيعة اإلنسانية هي ما يعبث بها التعليم في مختلف المواد المدرسية ،وبفعل هذا التشتت أصبح
من المستحيل اليوم تعلم ما يعنيه الكائن اإلنساني ،هذا في الوقت الذي صار فيه من الملح جدا بالنسبة
لكل فرد أينما كان ،أن يعي الطابع المركب لهويته ولهويته المشتركة مع اآلخرين ،3بالتالي فإن أهمية
التربية على الشرط اإلنساني هو أن تحظى أهمية قصوى ،ألنه من شأن ذلك أن تبرهن على الكيفية التي
يتشكل بها الوجود اإلنساني من خالل تجميع بين بعدين :البعد اإلنساني والبعد الحيواني ،4إذ يتخذ موران
من مبدأ الشرط اإلنساني المبدأ األساسي في مسألة التعليم ،إذ يرى أن كل تربية مستقبلية ال بد أن تتجه
نحو تعليم أولي وشامل ،يرتكز على ضرورة فهم الوجود اإلنساني ألننا نعيش في مرحلة تاريخية تتسم
بالكونية ،هذه المرحلة نعيشها كمغامرة مشتركة تهم البشر في كل مكان ،هذه هي الحقيقة التي يجب
االعتراف بها في أب عادها اإلنسانية المشتركة ،وفي الوقت ذاته البد من االعتراف بالتعدد الثقافي المميز
لإلنسانية ، 1فعلى تربية المستقبل أن تنمي وعي اإلنسان بوحدته وبطبيعته المركبة ،وأن تجعل من الشرط
اإلنساني موضوعها الطبيعي ،ومن شأن هذه التربية أن تنفي هذه االزدواجية من اإلنسان ،فما ينبغي على
التربية أن تعلم فكرة التنوع البشري دون المساس بفكرة الوحدة.2
فتهتم التربية بالوحدة اإلنسانية بقدر ما تهتم بالتنوع اإلنساني ،فالوحدة ال تتجلى فقط في الخصائص
البيولوجية لإلنسان العاقل ،كما أن التنوع ال يختص فقط بالسمات النفسية والثقافية واالجتماعية للكائن
البشري ،هناك تنوع بيولوجي في قلب الوحدة اإلنسانية بقدر ما هناك وحدة ليس فقط دماغية ،ولكن أيضا
نفسية وذهنية ووجدانية وعقلية ،فالوحدة اإلنسانية تحمل داخلها مبادئ اختالفاتها المتعددة ،فأن نفهم الكائن
البشري هو أن نتمثل وحدته ،فعلى التربية أن تبرز مبدأ الوحدة والتنوع في جميع الحاالت،3إذ نجد موران
يرى أن الشرط اإلنساني مبدأ غائب تماما عن أنظمتنا التعليمية التي تأسست في األصل عن نمط التجزيء
والفصل بين المعارف اإلنسانية ،مما أدى إلى تعذر فهم الكائن اإلنساني ،أي بسبب التبعثر الذي تعرض
له كل ما هو إنساني داخل تخصصات العلوم اإلنسانية والبيولوجية(الدماغ يدرس من طرف البيولوجيا،
والروح تدرس من طرف علم النفس وغيرها) ،مما جعل أن معرفتها تبقى غامضة ،في حين أن الكائن
البشري هو كائن فيزيائي وبيولوجي ،نفسي ،اجتماعي ،ثقافي في اآلن نفسه ،4كما يرى موران أنه ال تتحقق
إنسانية اإلنسان بشكل كامل إال داخل الثقافة ،وال توجد ثقافة بال دماغ بشري ،باعتباره اآللة البيولوجية
المسؤولة عن الفعل واإلدراك والمعرفة والتعلم ،5كما ال وجود للفكر باعتباره القدرة على الوعي والتفكير إال
بالثقافة ،بالتالي هنا نجد أن الفكر البشري يتحقق داخل العالقة بين الدماغ والثقافة ،وما إن يولد الفكر حتى
1فاهم بن عاشور :مبادئ التربية وأبعدها اإلنسانية عند إدغار موران ،مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ،العدد-3-43( ،43
،)3345جامعة وهران ،3ص .52
2فاطمة شرفي :مرجع سابق ،ص .32
3المرجع نفسه ،ص .33
4فاهم بن عاشور :مبادئ التربية وأبعادها اإلنسانية عند إدغار موران ،مرجع سابق ،ص .52
5إدغار موران :تربية المستقبل ،مصدر سابق ،ص .35
50
أساسيات التربية عند إدغار موران الفصل الثاني
يرتد على الدماغ ليحدد طريقة اشتغاله ،هناك أذن ثالوث دائري يجمع بين الدماغ والثقافة والفكر ،حيث هنا
ال غنى ألي طرف آخر على اآلخر ،فالفكر اذن هو نتاج للدماغ الذي يفرز للثقافة التي ال يمكن لها أن
تكون إال للدماغ ،1كما يرى موران أن هناك ثالثية أخرى تساهم في تركيب الكائن البشري وهي حلقة :الفرد
– المجتمع – النوع ،وذلك من أجل الوصول إلى فهم جيد وواضح للشرط اإلنساني ،أي أن اإلنسان عبارة
عن تركيبة ثالثية من المصطلحات المتكاملة ،وليس األفراد داخل النوع فقط ،بل أن النوع داخل األفراد
أيضا ،وليس األفراد داخل المجتمع فحسب بل المجتمع أيضا داخل األفراد ،بفعل غرسه إياهم ثقافته منذ
والدتهم ،ويتمخض المجتمع من التفاعالت بين األفراد ،ويتيح المجتمع لألفراد بتأثيره فيهم من خالل ثقافته،
أن يصبحوا بشر بأتم معنى الكلمة ،2يعني حسب موران أن كل طرف داخل هذه العالقة هو في الوقت
ذاته غاية ووسيلة ،إذ نجد أن الثقافة والمجتمع يسمحان بالتحقيق المركب لألفراد ،والتفاعالت بين األفراد
هي ما يمكن من استمرار الثقافة والتنظيم الذاتي للمجتمع ،فمن المستحيل تمثل التعقيد اإلنساني بفصله
عن العناصر المكونة له ،إذ أن كل تقدم إنساني فعلي يعني وجود تقدم موازي الستقالل الفرد ،وللمشاركة
الجماعية ولإلحساس باالنتماء للنوع البشري ،3بالتالي فإن الكائن البشري هو واحد ومتعدد في اآلن نفسه،
وهذا ما يعبر عن أساس التعقيد اإلنساني ،من هنا فدراسة التعقيد اإلنساني يجب أن يكون أحد أهم مهام
التربية ، 4وأن تعليم الشرط اإلنساني ضروري في كل تربية مستقبلية ،والهدف من ذلك جعل غاية التربية
إنسانية اإلنسانية ،بالتالي القضاء على التمركزية والتعصب والتطرف.5
إن وحدة الكوكب هي الحد األدنى في المطلب العقالني ،المتعلق بعالم ضيق ومترابط األجزاء ،تحتاج هذه
الوحدة إلى وعي واحساس باالنتماء المتبادل والذي من شأنه أن يجعلنا نرتبط بأرضنا بما هي الوطن األول
واألخير ،فمفهوم هذا األخير يتضمن هوية مشتركة بين الناس ويحيل على مصير مشترك بينهم،1إذ نجد
موران يقول(:أن البشر يشتركون منذ اآلن في مشكالت الحياة والموت نفسها ،ويعيشون مصي ار مشتركا)،
ففي هذا الزمن الذي تتالشى فيه الحدود ويتسارع فيه زمن االتصال عن بعد ،ويتضاعف التفجر الشبكي
عبر المعلومات ،فعلى تربية المستقبل هنا أن تدفع بالمعرفة والوعي نحو الشرط اإلنساني المشترك لكل
البشر ،وكذا الوعي بضرورة تنوع الثقافات واألفراد والشعوب ،وأخي ار على التربية أن تدفع نحو تجذر بني
البشر ،بوصفهم مواطني هذه األرض ،بالتالي فإن وحدة الكوكب هي الحد األدنى للمطلب العقالني المتعلق
بعالم ضيق مترابط األجزاء ،2لذلك علينا أن نتعلم كيف "نكون هنا" فوق الكوكب ،ونعني بقولنا "أن نكون
هنا" هو أن نتعلم كيف نعيش ،كيف نتقاسم األشياء بيننا ،وكيف نتواصل وكيف نتوحد في ما بيننا ،هذا
الشي نتعلمه فقط في ومن خالل ثقافتنا الخصوصية ،بينما يتعين علينا من اآلن فصاعدا أن نتعلم كيف
نعيش وكيف نتقاسم األشياء ونتواصل ونتوحد في ما بيننا ،باعتبارنا أناس ينتمون إلى كوكب األرض،
يعني ال يتوجب علينا فقط أن ننتمي لثقافة معينة ،بل علينا أن نشعر بوجودنا ككائنات أرضية.3
كما نجد موران يؤكد على الصفة الكوكبية التي يشترك فيها اإلنسان أال وهي األرضية ،اذ يرى أن الحروب
والزخم التكنولوجي وهيمنة الدول المتقدمة ،جعلت الكون كال بقدر ما مزقت بين أجزائه ونفت الطابع
الشمولي ،فمن هذا المنطلق اعتبر موران أن هناك شيء جامع مانع لإلنسان أال وهو األرض بوصفها
الموطن األولي لإلنسان .فدور التربية حسبه اعادة االعتبار لهذا المنطلق ومحاولة تذويب التناقضات التي
تقود إلى الصراعات ،فالفكرة التي يجب أن تطرحها التربية هي التعايش مع اآلخر ،لكن ليس بإلغاء
الجزئيات وانما بتكاملها 4كذلك ما ينبغي أن تطرحه التربية هو أن نطمح ليس نحو السيطرة على األرض،
بل نحو سبل توفير العيش فيها ونحو تحسينها وفهمها ،بالتالي يجب أن نرسخ ما بداخلنا ما يلي:
-الوعي اإليكولوجي :أي الوعي أننا نعيش مع كل الكائنات الفانية داخل نفس المحيط الحيوي ،واعترافنا
بهذا سيجعلنا نتخلى عن الحلم البروميثيوسي الطامع نحو السيطرة على الكون ،وعكس ذلك أن نعمل على
طموح أكثر للتعايش داخل كوكب األرض.
-الوعي الحواري :وذلك من خالل ممارسة مركبة للتفكير والتي من شأنها أن تسمح لنا في نفس الوقت
بنقد بعضنا البعض.1
فعلينا أن نفكك التفكك الحاصل بتثبيت الترابط ،علينا أن ندعو العقول إلى حكمة التعايش ،إنها حكمة
العيش مع بعضنا البعض ،فعلينا أن نطور فينا الميل نحو الوحدة ،والتمازج والتنوع ،مقابل هذا النزوع نحو
التجانس واالنغالق ،فالتمازج ليس فقط خلق ألشكال جديدة من التنوع انطالقا مما يتيحه اللقاء مع الغير،
بل إنه يصبح داخل السيرورة الكوكبية نتاجا للترابط والوحدة ومنتجا لهما ،ففي هذا العصر الكوكبي يجب
على كل واحد أن يعمل على تنمية هويته المتعددة(هوية عائلية ،محلية ،وطنية ،قارية ،أرضية).2
وهكذا يرى موران أننا ملتزمون على مستوى اإلنسانية الكوكبية على التحضر والتضامن في األرض،
وتحويل النوع البشري إلى إنسانية حقة ،إذ يرى أن هذا هو الهدف األساسي واإلجمالي لكل تربية متطلعة
ال فقط نحو التقدم ،وانما كذلك نحو الحفاظ على بقاء اإلنسانية ،ففي هذا العصر الكوكبي يجب على
الوعي بإنسانيتنا أن يقودنا نحو التضامن والعطف المتبادل لكل واحد اتجاه اآلخر ،بالتالي ما على التربية
أن تتضمن أخالقا متضمنة بالفهم الكوكبي.3
كما يرى موران أ ن ما يعنيه اإلنسان في عصر هذه اإلنجازات الضخمة ال يستهان به ،فأزمات الكون من
شأنها ال تستثني أحد ،لذلك يجب أن تتكاثف الجهود من أجل حياة مشتركة تنعم بالسالمة والطمأنينة ،وهذا
ما معناه تعليم الهوية األرضية والمصير ا لمشترك للناس على كوكب األرض ،فعلى التربية أن ال تغفل إلى
هذه المسألة البالغة األهمية ،كما أن االهتمام بالتاريخ في معناه الصحيح واإلنساني بات ضروريا في الزمن
الراهن ،لدرء الكثير من الصراعات واالستقطابات اإليديولوجية والعنصرية التي انتشرت في السنوات
األخيرة ،فعلى التاريخ أن يستعيد مكانته الالئقة والشرعية في برامج التربية والتعليم.1
وفي نهاية المطاف يرى موران يجب أن يؤدي التعليم دوره المنوط به لتحقيق أهداف المجتمع البشري في
هوية أرضية مشتركة ،ويجب أن يفضي إلى نوع من األنثروبولوجيا األخالقية ،التي يتواجد فيها الفرد
والمجتمع والنوع في نفس الوقت ،والسعي لتحقيق الديموقراطية داخل المجتمعات ،وتحقيق ما يسميه موران
المواطنة األرضية ،إلى جانب ذلك تعمل على مراعاة المصير اإلنساني المشترك ،لذلك وجب على كل
تنمية بشرية حقيقية أن تجمع بين تنمية االستقالل الذاتي الفردي ،وتنمية التضامن االجتماعي وتنمية
الوعي باالنتماء إلى النوع البشري.2
-0تعليم الفهم:
يشكل الفهم وسيلة التواصل اإلنساني وغاياته ،والحقيقة أن التربية على الفهم غائبة كليا عن مختلف أنواع
تعليمنا ،فإن كوكبنا يتطلب أنواعا من الفهم المتبادل في جميع المستويات وعلى مستوى األصعدة ،وبالنظر
إلى أهمية التربية على الفهم على جميع مستويات التربية وكل المراحل العمرية ،يقتضي تطور الفهم
إصالح للعقليات ، 3بالتالي البد أن يكون له نصيب أكبر في المنظومة التربوية ،فثمة فرق بين أن نربي من
أجل تحصيل الفهم في الرياضيات أو مادة تعليمية أخرى ،وبين أن نربي الكتساب الفهم اإلنساني ،وهنا
تتجلى الرسالة الروحية المحضة للتربية في تعليم الناس الفهم و الذي هو الشرط والضامن لتحقيق التضامن
العقلي واألخالقي لإلنسانية.4
إذ يرى موران أن مشكل االفهم مشكل أساسي يتحدد في العالقات اإلنسانية ،ويوجد في قلب العائلة
والعمل والحياة المهنية داخل العالقات بين األفراد والمجتمعات ،إذن هو مشكل يومي يؤدي في األخير إلى
الحقد والعنف بالنهاية الحروب ،1من هنا تحتاج المعرفة االجتماعية إلى بعد فهمي إلدراك دالالت المواقف
واألنشطة التي يعيشها وينجزها ويدركها ويتصورها الفاعلون الفرديون واالجتماعيون ،يعني أن الفهم وحده
من يمكن من تقدير حاجاتهم ورغباتهم ومقاصدهم ،فالفهم هو المعرفة التي ال تجعل فاعال يفهم فاعال آخر
فحسب ،بل أن نفهم ما هو موسوم بالذاتية والعاطفية ،2كما أن التواصل بكل أشكاله في نظر موران ال
يؤدي إلى الفهم ،فالرسالة عندما تكون مفهومة منقولة بشكل جيد من المرسل إلى المتلقي ،فإنه يسمح فقط
بوضوح الخبر ،ونشير هنا أن الوضوح الشرط األول الضروري للفهم ،اذ نجد أن هذا األخير يقوم على
مستويين :األول هو الفهم العقلي الموضوعي ،والثاني هو الفهم اإلنساني الذاتي.3
أ -الفهم العقلي:
يشترط الفهم العقلي الوضوح والتفسير ،فأن نفسر يعني أن نعتبر موضوع المعرفة بمثابة شيء ،وأن نطبق
علية كل الوسائل الموضوعية في المعرفة ،4كما يتميز الفهم العقلي باختالف مضامينه بين الناس في حالة
محاولة فهم أفكارهم ،فقد ال يكون ثمة اتفاق في استيعاب معنى الكالم بين شخصين ،بل قد يحدث سوء
فهم بين صاحب الكالم والمتلقي ،فمن األهمية أن يوضع في الحسبان سياق الكالم ،5ويدلنا كل هذا أن
الفهم يجب أن يختلط من جهة بطرق التحقق(بالنسبة إلمكانات الوقوع في الخطأ أو عدم الفهم) ،ومن جهة
أخرى بإجراءات التفسير فيقول موران في هذا السياق(:إذا كان الفهم هو استيعاب المعاني الموجودة لموقف
ما أو لظاهرة ما ،فإن التفسير هو النظر في الشيء أو الحدث انطالقا من أصله أو طريقته ،إنتاجه أو
أجزائه ،أو عناصره التكوينية أو تشكيله وفائدته وغايته) ،وبهذا فإن الفهم ينطلق بالتفسير انطالقا وثيقا.6
1فاهم بن عاشور :المبادئ التربية وأبعدها اإلنسانية عند إدغار موران ،مرجع سابق ،ص .434
2إدغار موران :المنهج ،معرفة المعرفة ،مصدر سابق ،ص .434
3فاهم بن عاشور :مبادئ التربية وأبعدها اإلنسانية عند إدغار موران ،مرجع سابق ،ص .433
4إدغار موران :تربية المستقبل ،مصدر سابق ،ص.33
5خديجة زتيلي :مرجع سابق ،ص .3
6فاهم بن عاشور :مبادئ التربية وأبعادها اإلنسانية عند إدغار موران ،مرجع سابق ،ص .433
55
أساسيات التربية عند إدغار موران الفصل الثاني
يختلف عن الفهم العقلي فهو يتجاوز حدود التفسير ،فهو يحيل على معرفة الذات للذات ،وهذا ما يلفت لنا
االنتباه إلى الفارق الموجود بين التفسير والفهم ،ففي التفسير نتعاطى مع األفراد بوصفهم موضوعا يحتاج
إلى أدوا معرفية ومنهجية محددة من أجل فهم عقلي لهم ،فالتفسير يظل بعيدا في معناه عن الفهم
اإلنساني ،ألن هذا األخير يتطلب سبل أخرى لتحري الحقيقة ،لتكون قائمة على الذاتية واالنفتاح على
اآلخر والتعاطف والمشاركة الوجدانية من أجل فهم إنساني ،1مثال إذا رأيت طفال يبكي سأفهمه ،ليس
اعتمادا على قياس درجة دموعه ،لكن اعتمادا على الغوص في أعماقي واستخراج كل الشدائد التي عشتها
في طفولتي ،اذ أجعل من الطفل متماهيا معي ،كما أجعل نفسي متماهية معه ،فإننا ال ندرك الغير ادراكا
موضوعيا فقط ،بل إننا ندركه كذلك كذات أخرى نتطابق معا أو نجعلها متطابقة معنا ،فالفهم يتضمن
بالضرورة سيرورة مكون ة من محاولة معرفة الغير ،والسعي نحو التطابق معه ،كما يقتضي بالضرورة
االنفتاح والتعاطف واألريحية ،2لهذا نجد موران يقول(:يصبح جنس اإلنسان إنسانيا تماما ،عندما يتضمن
مفهوم اإلنسان مدخلين :مدخال إحيائيا ،ومدخال نفسيا اجتماعيا ثقافيا ،يتصل أحدهما باآلخر) ،وضمن هذا
السياق يؤكد على غياب جودة الحياة التي يراها في رغد العيش في المعنى الوجودي وليس المعنى المادي
فقط ،فجودة الحياة تكمن في جودة التواصل التي يراها ويعبر عليها بالمؤانسة ،فهذه األخيرة تتضمن مودة
تربط شخصا بآخر ،فيقصد بها المشاركة العاطفية والودودة بين األفراد.3
ولكي يكون هناك فهم بنيات التفكير ،يجب أن نمتلك القدرة على االنتقال إلى بنية متعلقة بتفكير يفهم
مسببات عدم الفهم السائدة بين هذه البنيات اتجاه بعضها البعض ،والتي بإمكانها تجاوزها ،كما أن الفهم
هو في نفس الوقت وسيلة وغاية التواصل اإلنساني ،فال يمكن أن يكون هناك تقدم في مجال العالقات بين
األفراد واألمم والثقافات ،بدون فهم متبادل ،ولفهم األهمية الحيوية للفهم يجب إصالح العقليات ،الذي
يستلزم بطريقة متناظرة إصالح التربية.4
والمتمثلة في تعليم األنتروبو -أخالقية ،والمكونة من ثالث مصطلحات هي :الفرد /النوع البشري /المجتمع/
وهي أخالق تراهن باألساس على تهذيب إنسانيتنا باحترام النوع البشري في اختالفه عنا في سبيل محاولة
التخلص من كل نزعة فردية ،من خالل تجسيد أخالق التضامن والفهم واألخوة والمواطنة والديمقراطية في
سياق التطلع دائما إلى وحدة بشرية كوكبية.1
-األخذ بعين االعتبار الشرط اإلنساني ( الفرد ،المجتمع ،النوع البشري) في إطار وجودنا المركب.
-العمل على جعل وعينا الشخصي ،يصبو نحو اكتمال اإلنسانية داخل أنفسنا.
هكذا فاألنتروبو -أخالقية تتضمن األصل في اكتمال اإلنسانية بما هي وعي ومواطنة كوكبية.2
هنا نجد موران تطرق إلى ثالث مراحل تربوية يرى أنها تحقيق لرهانات الثقافة والحضارة والتي تتمثل في:
أ -المرحلة االبتدائية :في هذه المرحلة من منظور موران يرى أن التربية البد أن تبني الطفل على الفصل
والربط والتحليل والتوليف ،وهذا ما يحقق تعليم الطفل على معرفة الحياة ،حيث أن هذه األخيرة تستدعي
مسارين :مسار داخلي وذلك بما فيه من تربية الطفل على التحليل و النقد الذاتي ،ومسار خارجي وهنا
1عتيقة بلعقوز :التربية من اإلشكاالت المعرفية إلى بناء الهوية األرضية عند إدغار موران ،مجلة العلوم القانونية واالجتماعية ،جامعة
زيان عاشور ،الجلفة ،المجلد ،3العدد ،)333-2-43( ،4ص .432
2إدغار موران :تربية المستقبل ،مصدر سابق ،ص .433
57
أساسيات التربية عند إدغار موران الفصل الثاني
يشير موران أنه من األفضل تدريب األطفال التعامل مع وسائل اإلعالم ،وذلك لهدف اتصالهم بثقافات
أخرى ومعرفة طرق بناء الحقيقة .كذلك البد من فهم طبيعة الطفل ألن هذا أساس كل تعليم ناجح وتربية
سليمة تبنى على عقل تساؤلي ال عقل تقبلي ،وهذا ما يؤدي إلى تكوين طفل محب للمعرفة منفتح على
الحياة.1
ب -المرحلة الثانوية :هنا يقر موران بتعليم ثقافة حوار اإلنسانيات والثقافة العلمية ،أي أنه يلح على أهمية
اآلداب إلى جانب العلوم ،اذ يرى أن هناك أربع مواد البد أن تكون في التعليم الثانوي ،وهي التاريخ وذلك
لدوره الهام في بناء الهوية البشرية الحضارية المعقدة والمركبة ،وأن ينصهر التلميذ في مجال اإلنسانية ألن
هذا يؤدي إلى تطوير المعرفة للواقع البشري ،كذلك نجد مادة الفلسفة والتي يرى أنها هي المعول بها في
تدريس العلوم واإلنسانيات ،أما بالنسبة لمادة الرياضيات يعتبرها نمط تفكير منطقي ،وأخي ار مادة علم نفس
المراهق ،يعني دور التربية هنا الدراية بعالم المراهق وثقافته ،وربط صالت تفاعل معه.2
جـ -المرحلة الجامعية :يرى موران أن التطور العلمي والتكنولوجي ،جعل من الجامعات تسبق الزمن من
أجل مواكبة متطلبات السوق ،كذلك يرى أن المناهج المستخدمة في الجامعات واقعة في الخطأ ،وذلك
الختزالها للتعليم العام وتهميش الثقافة األنسية والتفكك الذي بين االختصاصات ،فعوض من أن تكون
مصدر اال بتكار ،أصبحت ميدان تدريس وتركيم المعارف ،فإصالح الجامعة حسبه يكمن في إعادة تنظيم
الجامعة وأقسامها ،ال وفق االختصاصات المفككة وتنافرها.3
1كمال الساكري :قراءة في كتاب العقل المحكم ،مجلة نقد وتنوير ،العدد ،3334 ،2ص.343
هنا يجب البدء بمعرفة المشاكل الجوهرية للعالم حتى وان كانت مثل هذه المعرفة صعبة ومشكوك فيها،
واال سنظل نعاني من اإلعاقة المعرفية ،وهنا البد من وجوب إصالح الفكر لكي نتمكن من مفصلة وتنظيم
المعارف ،بالتالي يكون تمثل مشاكل العالم ومعرفتها ،ومثل هذا اإلصالح البد أن يكون منظوماتيا وليس
برنامجيا ،وهذه هي قضية التربية األولى ألنها تتعلق بقدرتنا على تنظيم المعارف ،1ألن هناك جهاالت
وأخطاء لها طابع مشترك يكمن في الصيغة المشوهة لتنظيم المعرفة ،عن طريق ممارسة الفصل واالختزال
على المعارف ،فهذه الصيغة المشوهة أدت في النهاية إلى اإلعاقة المعرفية ،في حين أن العصر الكوكبي
يتطلب موضعة كل شيء في السياق والمركب ،وهذا هو مشكل الكون الراهن الذي يتمثل في البحث عن
الحفاظ على السياق والمركب والمتعدد األبعاد ،بالتالي الوصول إلى معرفة صحيحة عن العالم.2
ولكي تكون معرفة ما مالئمة يجب على التربية أن تعمل على ما يلي:
السياق :يرى موران أن كل معرفة تعتمد على معطيات ومعلومة معزولة تظل ناقصة ،بالتالي يجب
موضعة المعطيات داخل سياقها لكي يكون لها معنى ،فكل كلمة تحتاج إلى النص الذي هو سياقها
الخاص كي يكون لها معنى ،ويحتاج النص إلى سياق حتى يكون باإلمكان إنتاجه ،فكلمة حب يتغير
معناها بحسب ما إذا كنا في سياق ديني أو دنيوي ،ولن يكون االعتراف بالحب نفس المعنى بحسب ما إذا
كان من يتلفظ به أو يتعرض لها.3
ويشير كلود باستيان على حد قول موران(:التطور المعرفي لم ينتج أبدا مزيدا من التجريد بقدر ما اتجه نحو
مزيد من موضعة المعارف داخل سياقها ،والسياق هو الذي يحدد شروط دمج المعارف وحدود
صالحيتها)،وفي هذا اإلطار ينبغي النظر إلى العالقة بين أي ظاهرة وسياقها ،والعالقات المتبادلة بين
الكل وأجزائه ،وفي هذا اعتراف بالوحدة في التنوع وبالتنوع في الوحدة ،وهكذا تبتعد المعرفة عن النظرة
االختزالية التي تعزل الموضوع عن طبيعته.1
الشمول (:العالقات بين الكل واألجزاء) :يمثل المجموع الذي يضم أجزاء مختلفة ،ترتبط به إما
بعالقة ارتدادية أو تنظيمية ،مثال مجتمعا معينا هو دائما أكثر من السياق على أنه كل منظم األجزاء ،وال
نشكل نحن سوى جزء منه ،فالكل يشتمل على خصائص ال نجدها في األجزاء المعزولة ،وقد يدمر اشتغال
الكل بعض خصائص األجزاء ،إذ نجد مارسيل موس يقول(:يجب إعادة تشكيل الكل) ،أي يجب بالفعل
إعادة تشكيل الكل للتمكن من معرفة األجزاء ،2فيستحيل معرفة األجزاء دون معرفة الكل وال معرفة الكل
دون معرفة خاصة باألجزاء ،3يعني أن الكل يوجد داخل الجزء الذي يوجد داخل الكل ،فهنا العالقة من
األنتروبو اجتماعية عالقة معقدة ،فمنذ طفولتنا فالمجتمع بوصفه كال يتسرب إلينا من خالل أنواع المنع
ومن خالل أنواع األوامر ،4إضافة لذلك نجد لدى الكائن البشري ولدى كل كائن في هذه الخاصية ،وهي
حضور الكل داخل األجزاء ،فكل خلية تحمل مجموع اإلرث الجيني للجهاز العضوي المتعدد الخاليا ،وكل
فرد يحمل مجموع المجتمع (معرفته ولغته وواجباته وضوابطه) ،إذ يعتبر الفرد جزءا من الكل وفي نفس
الوقت يعتبر الكل جزءا من الفرد.5
ب -المركب:
إن المعرفة المعاصرة تضعنا أمام تحديات ما هو مركب ،بالتالي ال بد من إبراز العالقة بين الوحدة
والتعدد ،يعني من هنا كان من االزم على المعرفة مواجهة كل ما هو مركب ،فالكون واإلنسان موضوعات
1فاهم بن عاشور :دور المعرفي للتربية المستقبلية من منظور إدغار موران ،مرجع سابق ،ص.453
2إدغار موران :تربية المستقبل ،مصدر سابق ،ص .23
3المصدر نفسه ،ص.22
4إ دغار موران :الفكر والمستقبل ،مدخل إلى الفكر المركب ،مصدر سابق.23 ،
5إدغار موران :تربية المستقبل ،مصدر سابق ،ص.22
60
أساسيات التربية عند إدغار موران الفصل الثاني
للفكر تتسم بطابع التعقيد ،وما على المعرفة المعاصرة إال مجابهة هذا التعقيد ،1فمن المهم أن نضع جيدا
في الحسبان أن مستجدات وتطورات عصرنا الكوكبي ،تضعنا أكثر فأكثر أمام تحديات ما هو مركب.
لذلك يتوجب على التربية أن تطور مهارة عامة قادرة على استثمار السياق بطريقة متعددة األبعاد ،وعلى
استثمار السياق الشمولي.2
تعتبر الوحدات المركبة على أنها متعددة األبعاد ،فالكائن البشري كائن بيولوجي ونفسي واجتماعي ووجداني
وعقالني ،كذلك للمجتمع أبعاد اقتصادية وتاريخية وسوسيولوجية ودينية ،فعلى المعرفة المالئمة أن تعترف
بهذا التعدد لألبعاد ودمج معطياته ،وهنا ال يمكن فقط فصل الجزء عن الكل ،كذلك ال يجب فصل األجزاء
عن بعضها.3
نجد أن المعرفة العلمية تبحث دائما على الوحدة البسيطة من أجل تفسير الواقع ،زمن هذا الجانب نجد أن
العلوم دخلت دائرة التخصص ،وهذا ما أدى إلى تشتت العلوم وانفصالها عن بعضها البعض ،حيث أصبح
المنهج العلمي يقصي المجتمع والثقافة من العلم الفيزيائي والبيولوجي ،والعكس أن العلوم اإلنسانية غير
قادرة على إدماج اإلنسان والمجتمع في الفيزياء والبيولوجيا ،وهذا ما أدى إلى الجهل وسوء فهم طبيعة
اإلنسان و المعرفة.4
1فاهم بن عاشور :الدور المعرفي للتربية المستقبلية من منظور إدغار موران ،مرجع سابق ،ص .453
2إدغار موران :تربية المستقبل ،مصدر سابق ،ص .23
3المصدر نفسه ،ص .22
4فاهم بن عاشور :الدور المعرفي للتربية المستقبلية من منظور إدغار موران ،مرجع سابق ،ص .453
61
أساسيات التربية عند إدغار موران الفصل الثاني
فتشكل المعرفة المتخصصة شكال خاصا من أشكال التجريد ،فيتمثل التخصص المجرد في فصل
الموضوع عن سياقه ومجموعه ،وأيضا عن عالقاته وتفاعالته مع محيطه في أفق دمجه داخل بناء
مفاهيمي مجرد متعلق بمبحث مجزأ ،تدمر حدوده بشكل عشوائي نسقية(عالقة الجزء معين بالكل)الظواهر
وتعدد أبعادها ،1اذ يقدم لنا موران مثال عن تخصص معرفي يفصل موضوع دراسته عن سياقه العام ،يعني
أن الموضوع يستحيل معرفته إذا ما عزلناه عن سياقه العام المركب ،فمثال يعتبر االقتصاد الذي هو العلم
االجتماعي األكثر تطو ار من الناحية الرياضية ،والعلم األكثر تأث ار من الناحية االجتماعية واإلنسانية ،ألنه
انفصل عن السياقات االجتماعية والسياسية وغيرها المرتبطة باألنشطة االقتصادية ،وهذا ما يفسر لماذا
أصبح االقتصاديون عاجزين أكثر فأكثر عن فهم وادراك التقلبات المالية ،وعاجزين عن التنبؤ واستشراف
المستقبل االقتصادي ،بهذا المعنى يعتبر العلم االقتصادي المسؤول األول عن الخطأ االقتصادي ،2بالتالي
فإن الخاص يغدو مجردا عن دا يتم عزله عن الكل الذي يدخل في تكوينه ،والشمولي يغدو مجردا عندما ال
يكون سوى كل منفصل عن أجزائه.3
ومن هذا المنطلق تبرز األهمية األساسية للتربية اليوم حسب موران في طرح المشاكل الجوهرية الخاصة
بالمعرفة البشرية ،من ثمة محاولة إبراز عيوب التخصص ،ألن الموضوع مهما كانت طبيعته فهو مركب
متعدد األبعاد ،مما يستلزم الربط بين العلوم المعرفية.4
ب-االختزال والفصل:
يؤدي مبدأ االختزال بطبيعة الحال إلى اختزال كل ما هو مركب في البسيط ،حيث يتم تطبيق المنطق اآللي
والحتمي الخاص باآلالت االصطناعية على المركبات الحية واإلنسانية ،فيقوم مبدأ االختزال بإقصاء كل ما
ال يقبل التكميم والقياس ،5أي أن الفكرة االختزالية تقوم على أساس تفكيك وتحليل المركب إلى أجزاء
ووحدات بسيطة ،بهدف توضيح الغموض الذي كان يلف المركب ،والوصول إلى األمور اليقينية التي يمكن
التأكد منها كلما كانت األشياء بسيطة ،واختزال واستبعاد العناصر الغريبة.1
وبما أن التربية التي تلقيناها اليوم علمتنا الفصل والتجزيء وعدم الربط بين المعارف ،فلقد تحولت هذه
األخيرة إلى مجموع يستعصي على الفهم عندما ننظر إليه ككل ،حيث تمنع عنا رؤية اإلدراكات والتفاعالت
والسياقات والمركبات التي تصل بين المباحث المعرفية ،كما تخفي المشاكل اإلنسانية لصالح المشاكل
التقنية المتخصصة ،2وهكذا تقوم الرؤية االختزالية بتقطيع وتشتيت العالم والكون المركب إلى قطع منفصلة
عن بعضها البعض ،كذلك بتجزيء المشاكل العامة إلى مشكالت جزئية منفصلة ،وفصل كل ما هو مرتبط
واضفاء الطابع األحادي على المتعدد األبعاد ،لتكون في النهاية رؤية قصيرة النظر ،غالبا ما تتحول إلى
رؤية عمياء تؤدي إلى تعذر الفهم والتأمل في مشاكل العالم واإلنسان.3
تأسس العلم الكالسيكي على مبدأ الحتمية العام ،الذي ينص على أن نفس الظروف تؤدي إلى نفس
النتائج ،بالمقابل أقصى هذا المبدأ كل مظاهر االختالل والصدفوية ،ومن ثم حقق تطو ار علميا هائال ،غير
أن هذا التطور كشف بدوره عن االيقين العلمي بعدما ظهرت النظريات الفيزيائية الجديدة ،إذن ثمة وعي
جديد يرى أن العالم اإلنساني تواجهه االيقينيات من كل الجهات ،4هذا ما يستوجب على التربية أن تعترف
بوجود االيقين ،بالتالي تعليم كيفية مواجهة االيقينيات المتعلقة بالمعرفة البشرية ألن هناك حسب موران ما
يلي:
1زكية العمراوي :أوجه التركيب في فكر إدغار موران ،مجلة آفاق فكرية ،المجلد ،3د عدد ،)3334/44/4 (،جامعة أم البواقي،3343 ،
ص .53
2إدغار موران :تربية المستقبل ،مصدر سابق ،ص .34
3فاهم بن عاشور :الدور المعرفي للتربية المستقبلية من منظور إدغار موران ،ص .452
4فاهم بن عاشور :الدور المعرفي للتربية المستقبلية من منظور إدغار موران ،مرجع سابق ،ص .452
63
أساسيات التربية عند إدغار موران الفصل الثاني
-مبدأ االيقين المنطقي :كما عبر عن ذلك باسكال بوضوح عندما قال(:ليس التناقض عالمة على الخطأ،
وليس الالتناقض عالمة على الصواب).
-مبدأ االيقين العقلي :ألن العقالنية إن لم تحافظ على يقظة النقد الذاتي ،فإنها ستفرغ في نوع من التبرير
العقالني.1
-مبدأ االيقين العلم –العقلي :العلم العقلي الذي يستطيع أن ينظم لنا المنظومات الفكرية دون الخوض في
صوابها.2
-مبدأ اال يقين السيكولوجي :إذ يستحيل أن نكون واعيين كليا ،فما يحدث داخل آلية فكرنا والذي يظل
حتفظا دائما بشيء أساسي ال واعي ،من هنا صعوبة اللجوء إلى محك النقد الذاتي ،ذلك أن صدقنا غير
كاف لضمان اليقين ،كما أنه يصطدم بالضرورة بحدود معرفتنا الذاتية.3
فهنا موران ينفي إمكانية القضاء على االيقين ،ألن هذا األمر يوقع مجددا في االيقين العام،بل يكفي للنظم
التربوية الكشف عن االيقين واالعتراف به كمبدأ متجذر في المعرفة البشرية ،إذ نجد موران يقول ( :إن
مبدأ االيقين ومبدأ التساؤل يشكالن أوكسجين كل مسعى إلى المعرفة ،فكما أن األكسجين كان يقتل
الكائنات الحية البدائية ،إلى أن استخدمت الحياة هذا المفسد كمعقم من السموم ،كذلك حال االيقين الذي
يقتل المعرفة التبسيطية ،فيزيل سموم المعرفة المركبة ،فالمعرفة على كل حال هي مغامرة ليست محفوفة
بالمخاطر فقط ،بل تتغذى بالمخاطر)،4فالمعرفة هي إبحار في محيط من االيقينيات المتعددة نذكر منها:
إن األفكار والنظريات ال تعكس الواقع ،بل تترجمه بطريقة غالبا ما تكون غير كافية ومغلوطة ،فإن واقعنا
ليس شيئا آخر سوى ف كرتنا عن الواقع ،بالتالي يتعين علينا أن نكون واقعيين بالمعنى المركب ،بحيث نفهم
ال يقينية الواقع ،وندرك أن ثمة شيء يمكن معرفته ال زال بعد غير مرئي في الواقع ،وهذا يدل على أنه
يجب أن نتعلم كيف نؤول الواقع بوجود شيء اسمه الواقعية.1
يكمن دور إيكولوجيا الفعل في أن يقوم فرد ما بفعل معين كيف ما كان ،حتى يصبح هذا الفعل منفلتا عن
مقاصده ،فيدخل هذا الفعل في عالم التفاعالت ،ووحده المحيط يتحكم فيه في نهاية المطاف ،بحيث يمكن
أن يصبح متناقضا مع مقصده األصلي ،وهذا ما يستلزم علينا مراقبة الفعل ومحاولة تصحيحه .فإن
إيكولوجيا الفعل تعني األخذ بعين االعتبار تعقد الفعل ،وما يحيل إليه من احتماالت ،ومصادفات ومبادرات
وق اررات ،كما يتطلب الوعي باالنحرافات والتحوالت ،2إذن إيكولوجيا الفعل أو علم بيئة الفعل ،ظهر لدراسة
التدخالت المتعددة والمفعول الرجعي الذي يتعرض له الفعل داخل الوسط الذي يدور فيه ،وينفلت من
سيطرة صاحب الفعل ،فيسبب نتائج غير منتظرة ،بل متناقضة أحيانا لتلك النتائج التي كان ينتظرها ،ويقوم
هذا العلم على:
-ال يعتمد الفعل على نوايا الفاعل فحسب ،بل على الظروف الخاصة بالوسط الذي يدور فيه.
وهذا ما يجب على التربية أن تأخذه بعين االعتبار ،وابراز مقاصد الفعل ونتائجه على الذات الفاعلة
واآلخر في كل المستويات .3يعني انطالقا من هذا التصور ،تكون مواجهة الال يقينيات أحد أهم الوظائف
التي على التربية أن تقوم بها ،وتعمل األنظمة التعليمية على إبراز مواطن وأسباب االيقين سواء في
التنظير أوفي الفعل.1
خالصة الفصل:
هكذا هي التربية اليوم من منظور إدغار موران ،فهي تربية فاسدة وتربية عمياء في حق المعرفة اإلنسانية،
لهذا نجد أن التربية عنده تركز وتشير أكثر إلى العمق اإلنساني واعادة االعتبار للبعد اإلنساني.
كذلك يرى أن كل معرفة إنسانية هي معرفة معرضة في خطر الوقوع في الخطأ والوهم ،من هنا فعلى
التربية المستقبلية أن تركز على تمحيص هذه المعارف ،والتي ال يمكن فهمها بمعزل عن سياقها الخاص،
لهذا سعى موران إلى محاربة التجزئة والتبسيط واالختزال المعرفي.
كما حاول موران تأسيس تربية مستقبلية من اعتماد مبادئ مختلفة ،والتي بدورها تسعى إلى إعادة تأسيس
القيم اإلنسانية واإلنسان في حد ذاته ،ففهم هذا األخير يتطلب الوعي بالطابع المركب له ،وما على التربية
إال أن تأخذ بفكرة تعددية األبعاد لإلنسان.
67
الفصل الثالث
الفصل الثالث
واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران.
خالصة الفصل.
واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران الفصل الثالث
تمهيد:
تعتبر التربية حق من الحقوق األساسية لإلنسان ،يعني أن اإلنسان ال تكتمل إنسانيته إال بوجود
التربية ،فهذه األخيرة هي عملية نمو شاملة(نمو جسماني وروحي وعقلي وجداني واجتماعي) ،كل ذلك
يكون بصورة متكاملة متفقة مع المجتمع ،مما يكفل للفرد استق ارره وتطوره للمستقبل األفضل.
70
واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران الفصل الثالث
المبحث األول :رسالة التربية في إصالح النظام الفكري التربوي عند إدغار موران.
يرى إدغار موران أن هناك العديد من المبادئ الكفيلة بمعالم التفكير المستقبلي نذكر أهمها:
-مبدأ التصوير التجسيمي الهولوغرامي :يكشف المفرقة الظاهرة المعقدة ،حيث ال نجد الجزء في الكل
فحسب ،ولكن الكل مسجال في الجزء ،فالمخزون الوراثي مسجل في كل خلية فردية ،والمجتمع حاضر
كذلك في كل فرد باعتباره كال وذلك عبر اللغة والثقافة والمعايير.
-مبدأ الدائرة والحركة االرتجاعية :يسمح بمعرفة المسارات الذاتية التعديل ،فهو يقطع مع مبدأ السببية
الخطية ،فالسبب يؤثر في الفعل والفعل في السبب.
-مبدأ الحلقة التك اررية :يتجاوز مفهوم التعديل إلى مبدأ اإلنتاج والتنظيم الذاتي ،فالعناصر البشرية تنتج
المجتمع في ومن خالل التفاع ل في ما بينها ،والمجتمع باعتباره صاعدا فهو ينتج إنسانية أفراده ،بإعطائهم
اللغة والثقافة.1
-مبدأ االستقاللية(التنظيم البيئي الذاتي):وينطبق بطريقة خصوصية على األفراد الذين ينمون استقالليتهم
ارتباطا بثقافتهم ،وعلى المجتمعات التي تتطور من خالل االرتباط بمحيطها الجغرافي البئي.
-مبدأ إدخال العارف إلى كل معرفة :فكل معرفة هي إعادة بناء وترجمة بواسطة عقل في ثقافة وزمن
محددين.2
-مهمة التبليغ وهذه المهمة تقتضي الكفاءة والموهبة الفنية ،أي أن يكون المربي محترفا يؤدي مهمته
ورسالته بدافع الحب (حب المعرفة وحب المتعلمين).
-كذلك مهمة المربي تفترض بداهة اإليمان ،أي نعني اإليمان بالثقافة واإليمان بإمكانيات العقل البشري.1
-تعليم االنتماء إلى أمة أو مجتمع أو جماعة ،والى تاريخها وثقافتها والى المواطنة.
-تعليم األخالق يعني ال وجود لتربية دون قيم ،فالتعلم ال يخرج في شكله العام عن هذا الوصف ،سواء
كان يخص التهذيب ،أو الموسيقى أو العلوم ،أو كفاءة مهنية أو شخصية ،فهو دائما طموح نحو األفضل.2
-أن يتزود ويزود التلميذ بثقافة من شأنها تمييز الوضع في السياق ،والنظر بشمولية ونقد اإلشكاالت
متعددة األبعاد الشاملة األساسية ،وأن يعد فكره وفكر التلميذ لمواجهة التحديات التي يطرحها على المعرفة
اإلنسانية ،والتركيب المتزايد للمشاكل القائمة والمطروحة.
-أن يتقمص كيفية إعداد فكر التالميذ لمواجهة الال يقينيات التي ال تزال تنمو ،وهذا ليس فقط يجعلهم
يكتشفون التاريخ الال يقيني وغير المتوقع للكون والحياة اإلنسانية ،وانما من خالل تشجيع الذكاء
االستراتيجي والرهان من أجل عالم أفضل ،وتحقيق مرامي التربية من أجل الفهم اإلنساني بين األقرباء وبين
الغرباء.3
1
كمال الساكري :مرجع سابق ،ص.342
2
مخلوف سيد أحمد :الفكر المركب وأساس فلسفة التربية عند إدغار موران ،مجلة آفاق فكرية ،المجلد ،3د.عدد ،كلية العلوم االجتماعية،
جامعة سيدي بلعباس ،)3333/44/4( ،ص.35
3
المرجع نفسه ،ص .33
72
واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران الفصل الثالث
يرى إدغار موران أن للتربية غايات كثيرة البد السعي إليها ،ومن بين هذه الغايات نذكر:
-تطوير القدرة الطبيعية للفكر على طرح المشاكل الجوهرية ،كما علينا موازاة مع ذلك تحفيز االستعمال
اكامل للمهارة العامة ،وال يمكن القيام بذلك على الوجه األكمل ،إال بالممارسة الحرة لملكة الفضول،
بوصفها الملكة األكثر شيوعا وحيوية في مرحلتي الطفولة والمراهقة ،والتي غالبا ما يقوم التعليم بكبتها،
فالتربية هنا هي تحفيز شعلة الفضول ،أي إيقاظها إذ ما فسدت.1
-توفير ثقافة تسمح بتمييز المشاكل المتعددة األبعاد الشاملة والرئيسية ،وتبيين سياقها ومعالجتها.
-تهيئة العقول لوضع التحديات التي يضعها تعقيد المشاكل المتنامي للصعوبة اإلنسانية.
-تهيئة العقول لمواجهة االرتياب الذي ما فتئ بتزايد وتشجيع الذكاء االستراتيجي فيها ،والمراهنة على عالم
أفضل.
-تعليم االنتماء إلى فرنسا والى تاريخها و إلى ثقافتها و إلى المواطنة الجمهورية ،وادخال االنتماء إلى
أوروبا.
-تعليم االنتماء إلى المواطنة األرضية ،من خالل تعليم اإلنسانية في وحدتها األناسية ،وفي تنوعاتها
الفردية والثقافية.3
1
إدغار موران :تربية المستقبل ،مصدر سابق ،ص.23
2
كمال الساكري :مرجع سابق ،ص .342
3
المرجع نفسه ،ص .343
73
واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران الفصل الثالث
-التكوين الذاتي للشخص( تعلم النهوض بالوضع اإلنساني وتعلم كيفية العيش) ،وتعلم كيف يصبح الفرد
مواطنا ،يعرف في الديموقراطية من خالل تضامنه مع وطنه وشعوره بالمسؤولية إزاءه ،وذلك ما يفترض
تجذر الهوية الوطنية بداخله.1
ساهمت التربية في تكوين وتأهيل المتعلم ليصبح مواطن الغد ،مكتسب لقيم التسامح والتضامن والعيش
والتعايش ،2فالتربية على المواطنة تعيد التوازن بين ما هو محلي وبين ما هو كوني ،للتخفيف من سيطرة
قيم العولمة وما ترتب عنها من انهيار للحدود بين الثقافات المحلية والعالمية ،وذلك للمحافظة على الهوية
الوطنية بشكل يضمن االنتماء الذاتي والحضاري للمواطن ،3يعني حسب موران يجب الوعي بأننا أوالد
األرض الوطن ومواطنوها ،ألنها بمثابت بيت مشترك للبشرية ،فإن الوطن األرضي ليس مجردا بفعل خروج
الب شرية منه ،فللبشر جميعا األجداد ذاتهم ،كلهم أوالد الحياة واألرض ،بالتالي يجب التخلي عن المواطنة
العالمية األرضية المجردة ،والتمسك بالمواطنة العالمية األرضية ،مواطنية المواطن الذي ينتمي إلى الكرة
األرضية الصغيرة.4
فالتربية على المواطنة بهدف مواجهة تنامي العنف وتفكك العالقات االجتماعية وصراع المصالح ،بالتالي
تهدف إلى إعداد مواطن صالح قادر على مواجهة متطلبات الحياة المستقبلية والتعايش معها ،5فالتربية من
أجل التمييز والجودة الشاملة أصبحت من األركان الرئيسية للفكر التربوي ،فالعصر القادم في حاجة إلى
مواطنين مؤهلين للعطاء واإلبداع ،لذا فإن كل فرد ال بد أن تتاح له فرصة التعلم إلى أقصى حد ،تؤهل له
قدراته وامكاناته ،فإعداد المواطن يحتاج إلى ترابط ع ضوي بين الفرد والوطن ،وهذا الترابط البد أن يكون
1
المرجع نفسه ،ص.333
2
الصديق الصادقي العماري :التربية على المواطنة وحقوق اإلنسان مشروع تكوين الغد ،مجلة علوم التربية ،العدد ،35د سنة ،ص.24
3
المرجع نفسه ،ص .23
4
إدغار موران :النهج إنسانية البشرية ،مصدر سابق ،ص.333
5
الصديق الصادقي العماري :مرجع سابق ،ص.23
74
واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران الفصل الثالث
بين العقل والوجدان ،وهو أيضا أداة للحماية من كل األفكار واالتجاهات التي تستهدف االحتواء الثقافي،1
فالتدريب على المواطنة يعني تعليم ماذا تعني األمة؟ وماذا تعني الدولة؟ وعلى سبيل المثال فإن تدريس
تاريخ فرنسا سوف يضع التلميذ في موقعه كمواطن بين أفراد أمته وثقافتها ،وكذا بين مجتمعه المصيري
وعبر دراسة تاريخ أوروبا وتاريخ عصر الكواكب ،أي تاريخ عصر األزمنة الحاضرة يمكن التوصل إلى
المواطنة األوروبية ،ثم بعدها يأتي الشعور باالنتماء إلى مواطنة األرض ،كما يجب أن تساهم أساليبنا
التعليمية في ترسيخ كل شاب فرنسي ليكون ملما بتاريخه وثقافته ،2فمن معالم التربية على المواطنة نذكر:
فكلمة وطن تحتوي على ميثولوجيا جد غنية أمومية وأبوية في نفس الوقت حتى في قيمها المعنوية ،لذا
يرى موران التربية على محبة هذا الوطن وهذه األرض األمومية التي خلقنا منها ،وهذه السلطة األبوية
للدولة ،4أي يرى أن الوطن األرضي في الوعي أننا ننحدر من جذع واحد ومن رحم واحد هو األرض،
بالتالي البد لنا الوعي أننا نمتلك هوية واحدة ،وأن الكائنات البشرية تشترك جميعا مع كل تنوعاتها
الثقافية ،5بالتالي نجد أن التربية لدى موران وبعض الدول المتقدمة تهدف إلى:
1
إدغار موران :تحديات القرن الحادي والعشرين ،تواصل المعارف العلمية ،تر :سفير .د .حسن الشريف ،الجزء األول ،الهيئة المصرية
العامة للكتاب ،د ب ن ،د ط ،3334 ،ص .433
2
المصدر نفسه ،ص .33
3
الصديق الصادقي العماري :مرجع سابق ،ص .22
4
إدغار موران :ثقافة أروبا وبربرتها ،تر :محمد الهاللي ،دار توبقال للنشر ،المغرب ،ط ،3332 ،4ص.22
5
إدغار موران :هل نسير إلى الهاوية ،مصدر سابق ،ص .425
75
واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران الفصل الثالث
تسعى الدول التي تتبنى فكرة العولمة إلى بناء اإلنسان القادر على ممارسة أدوار عديدة في ظل هذه
الفكرة ،ومن ثم بدأت المؤسسة التربوية في ترجمة الفكر إلى ممارسات يومية ،وهذا لم يقف على المستوى
النظري فقط ،وانما يؤهل الفرد الكتساب المفاهيم واالتجاهات والقيم والمهارات األساسية الالزمة لعصر
العولمة.
-هويتنا الثقافية التي تميزنا عن غيرنا ،دون أن نغفل إيجابيات الثقافات األخرى.2
-إعداد األبناء للمستقبل في ظل تحديات ومشكالت العصر ،يعني عدم ترك هذا األمر للعفوية
واالرتجال.
-البد أن يكون النظام التعليمي قاد ار على إعداد األبناء ليكونوا قادرين على إنتاج المعرفة والتكنولوجيا
المتقدمة.
بالتالي على السياسة التربوية أن تكون قادرة على االستجابة مع كل ما يجري على الساحة العالمية
للممارسات واالستفادة منها ،بالقدر الذي يتفق مع واقعنا ورؤيتنا لمستقبلنا.3
1
الصديق الصادقي العماري :مرجع سابق ،ص .33
2
إدغار موران :تحديات القرن الحادي والعشرين ،مصدر سابق ،ص .432
3
المصدر نفسه ،ص .433
76
واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران الفصل الثالث
كما نجد الكثير من األنظمة التربوية والتعليمية ،التي قامت بتطوير برامجها الدراسية لمواجهة التحدي الذي
فرضته التطورات والتغيرات المتالحقة في مجاالت الحياة المختلفة ،وبناء اتجاهات تربوية تساير متطلبات
وذلك بمحو األمية التكنولوجية لدى التالميذ ،يعني تربية التلميذ على قدرة التعرف على التكنولوجيا والتعامل
معها واستخدامها بمهارة ،مما يجعلهم قادرين على التعايش مع العصر ،والتعرف على دور هذه التكنولوجيا
في حياتهم المعاصرة والمستقبلية وآثارها على البيئة والمجتمع ،2فالتربية التكنولوجية تركز على االهتمام
بتنمية التفكير العلمي االبتكاري ،والتفكير الناقد لحل المشكالت ،وكنمط حياة في مرحلة التعليم األساسي
من خالل تهيئة الفرصة للتلميذ ،أن يعمل مع اآلخرين وأن يالحظ ويحلل ويكتشف ويجمع المعلومات
ويوظفها ،فهي وثيقة الصلة بالبيئة المحلية واحتياجات الفرد والمجتمع اليومية.3
-0المهارات الحياتية:
وذلك بتعليم األفراد التعامل بثقة واقتدار مع أنفسهم ومع اآلخرين ومع المجتمع ،وذلك باتخاذ الق اررات
المناسبة والصحيحة ،وتحمل المسؤوليات الشخصية واالجتماعية وفهم النفس والغير ،وتكوين عالقات
إيجابية مع اآلخرين ،وتفادي حدوث األزمات والقدرة على التفكير االبتكاري والتفكير الناقد ،وتعليم المهارات
الحياتية يتضمن :اتخاذ القرار ،حل المشكالت ،إدارة المعلومات ،التعاون والتعامل مع اآلخرين ،احترام
الذات واآلخرين.4
1
المصدر نفسه ،ص.435
2
المصدر نفسه،ص .433
3
المصدر نفسه ،ص .434
4
المصدر نفسه ،ص.433
77
واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران الفصل الثالث
تكون التربية العلمية بتنمية جميع جوانب الفرد ( الجسمية ،العقلية ،الوجدانية ،االجتماعية ،السلوكية ) وهي
تربية الطفل علميا من خالل إعداد فرد يتفهم طبيعة العلم وسماته ،يعني أن تكون لديه القدرة على توظيف
المعلومات التي اكتسبها ،مما يعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع ،يعني أن تكون هناك عالقة متبادلة بين
العلم والمجتمع.1
-حدوث تغيير في حقائق ومفاهيم العلم ،حيث أنه من المتوقع أن تزداد نسبية حقائق ومفاهيم العلم ،كما
ستذوب الفواصل المصطنعة بين الفروع المختلفة له ،حيث سيتحقق التكامل مع تلك الفروع وستحدث
تغيرات في المناخ العلمي بوجه عام.2
-استخدام العلم تقنيات تكنولوجية متقدمة للغاية ،اذ من المتوقع أن يختلف سياق العلم في هذا الشأن ،من
خالل استخدام التكنولوجيا المتقدمة في صورة أجهزة تكنولوجية ،وبرامج ومواد تعليمية أكثر تقدما ،بحيث
يكون العلم هنا في خدمة المجتمع ،3حيث نجد أن التربية العلمية تهدف إلى:
-مساعدة األفراد على استشراف آليات العلم والوعي العلمي و التكنولوجي ،وادراك العالقة المتبادلة أو
عالقة التأثير والتأثر بين العلم والمجتمع والعلم والتكنولوجيا.
-مساعدة األفراد على تفهم طبيعة العلم التي تميزه عن طبيعة غيره من الفروع األخرى للمعرفة.4
-غرس االهتمام لدى األفراد بعمليات العلم ،من مالحظة وتفسير للظواهر الحسية والمدركة ،والبعد عن
التفسيرات الخرافية.
1
المصدر نفسه ،ص .433
2
المصدر نفسه ،ص .433
3
المصدر نفسه :ص .433
4
المصدر نفسه :ص .432
78
واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران الفصل الثالث
-االهتمام بالجانب الوجداني في تدريس العلوم ،المرتبط بإكساب االتجاهات والميول واالهتمامات العلمية
وتقدير جهود العلماء والدولة.1
تكمن أهمية التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران ،في كونه مشروع إنساني كوني يهدف إلى
تنمية الكائن البشري في مختلف جوانبه ،الثقافية والنفسية واالجتماعية ،وعلى ذلك يسعى عبر مشروعه هذا
إلى ترسيخ المبادئ والقيم اإلنسانية مثل :التربية ،التعليم ،الحرية ،الثقافة ،حرية المعتقد ،كل هذا في مناخ
ديمقراطي عام لكل ال بشرية ،فيكون هذا المشروع النهضوي التربوي بمثابت مسلسل تنويري متواصل ،وذلك
من خالل كبح التوحش اإلنساني ومحاولة إصالح طرق المنطق والتفكير التي من شأنها تهدد حياة اإلنسان
ووحدته األرضية ،وفي هذا سعى موران من خالل التربية والتعليم إلى تجسيد مشروعه الفلسفي الذي ينشد
سيادة اإلنسان على األرض في إطار السلم العالمي والعيش المشترك ،بما يضمن حسن العالقة التي توسم
اإلنسان باآلخر والعالم ،بمعنى إعادة موران االعتبار للبعد اإلنساني ،جعل من هذا األخير جاهز لمواكبة
متطلبات العصر والتمتع باالستقاللية الذاتية وتنمية عالقاته مع اآلخر ،وهذا ما يؤدي إلى تماسك الشعوب
واندماجها ،إذ تصبح شعوب يسودها التضامن والتعايش السلمي ،هذا ما يؤدي إلى القضاء على ما يسمى
بالنزعة التمركزية.
رغم وجاهة المشروع التربوي والتنويري الذي أسسه موران عبر األساس الفلسفي ،باعتباره فيلسوف مربي وال
غرو في ذلك ،باعتبار أن كل فيلسوف هو باألساس مربي ،يسعى إلى تطبيق نظرياته الفلسفية من خالل
التربية ،إال أن ما يمكن مالحظته هو أن هذا المشروع التربوي التعليمي لإلنسان يبقى كغيره من النظرايات
واألنساق الفلسف ية يسبح في فلك األبراج العاجية ،وبعيد كل البعد عن معايشة الواقع أو إمكانية تطبيقه،
1
المصدر نفسه :ص.433
79
واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران الفصل الثالث
وهذا يؤكده الوجه المقابل لما دعا إليه الفيلسوف موران الذي ينشد العيش المشترك والسلم العالمي ،ويظهر
ذلك من خالل االضطرابات والنزاعات اإلقليمية والدولية ،وكذلك االضطهادات الدينية والسياسية والتي
تتجلى من خالل عودة األصوليات والعرقيات على الساحة العالمية الراهنة سواء كانت هذه األصوليات
مذهبية أو دينية أو سياسية.
إضافة إلى ذلك نجد تزايد المخاطر العلمية التي تهدد الحياة البشرية من خالل تزايد السباق العالمي الدولي
نحو التصنيع والتس لح ،وفي هذا خطر يهدد مجمل كوكب األرض وما عليها ،وهو ما يشهد على ذلك تزايد
االنبعاثات الغازية والسامة والتي أصبحت تهدد حياة اإلنسان البيئية أكثر من أي وقت مضى ،بالتالي
يمكن القول أن مشروع موران التربوي اإلنساني سيبقى مجرد نظريات في عالم متوحش صناعيا واقتصاديا
وأخالقيا ،فلم تستطيع حتى المنظمات واالتفاقيات الدولية السيطرة وكبح هذا الجنون البشري الذي يسير
حسب تقدير موران نفسه نحو الهاوية.
80
واقع التربية في المشروع النهضوي عند إدغار موران الفصل الثالث
خالصة الفصل:
هكذا نجد أن التربية عند إدغار موران تسعى إلعادة االعتبار لمعنى األرض والوطن ،وتكوين مواطن
يتمتع باالس تقاللية الذاتية ،إذ يصبح مواطن قادر على تحقيق تطلعاته وقادر على تحقيق وتنمية عالقاته
في مجتمعه ومع اآلخر ،كما تساهم في بناء فرد صالح محافظ على هويته الوطنية مما يؤدي إلى بناء
مجتمع صلب متماسك ،كما أنها تربية تدعوا إلى تعليم الثقافات من بعضها البعض ،إذ تجعل من األنا
متفتح على اآلخر ،إضافة إلى هذا نجد أن رؤية التربية للعلم هي رؤية تهتم بالجانب الوجداني أكثر منه
جانب معرفي ،كما أنها تهتم بمدى أهمية هذا العلم وما يوفره من خدمة وفائدة للمجتمع.
81
خاتمــــة
خاتمة
خاتمة:
توصلنا من خالل هذه الدراسة إلى جملة من النتائج نلخصها إلى ما يلي:
نجد إدغار موران من خالل مشروعه النهضوي ،جعل من التربية وسيلة لتغيير الواقع والسير نحو
األفضل ،إذ جعل منها تربية تتجاوز وتتخطى التربية الكالسيكية المادية ،فنظرته للتربية تختلف عن
نظرة سابقيه لها.
يرى موران أن التربية تهتم أكثر بالفهم اإلنساني ،بمعنى أنها تربية تهدف إلى األخذ بعين االعتبار
بماهية المعرفة اإلنسانية أكثر منها تبليغ للمعارف ،أو بعبارة أخرى جعل من غاية التربية إنسانية
اإلنسانية.
حاول موران من خالل مشروعه التربوي هذا ،تبليغ الطابع المركب لإلنسان والمعرفة التي يكتسبها.
نجد أن أبرز ما يركز عليه موران في هذا المشروع ،هو تأهيل الفرد والمتعلم االرتباط واالندماج في
المجتمع وتكوينه ليكون مواطن الغد.
يرى موران أنه البد من تضافر وتماسك جميع القطاعات والمؤسسات واالنفتاح بين الشعوب اإلنسانية،
فعل ا لتربية التي يتحدث عنها موران عبارة عن فعل كوكبي يستدعي هوية كوكبية بين الشعوب تقتضي
بث روح المسؤولية.
التربية التي يتحدث عنها موران تربية أخالقية تواصلية بين مختلف الشعوب والمجتمعات ،وذلك بهدف
تحقيق السلم والسالم والتضامن والعيش المشترك.
وفي األخير نستنتج أن للتربية دور رئيسي وأساسي في المشروع النهضوي لدى إدغار موران ،فالتربية التي
يتحدث عنها تربية مستقبلية يرى فيها حل من حلول اإلصالح الراهن والمستقبلي ،وهذا ما سعى إليه
موران ،وهو البحث عن مستقبل أفضل للبشرية.
83
قائمة المصادر
والمراجع
قـائمة المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
أوال .المصـــــادر:
.4إدغار موران :المنهج ،األفكار ،مقامها ،حياتها ،عاداتها وتنظيمها ،تر :جمال شحيد ،الجزء الرابع،
مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،ط.3343 ،4
.3إدغار موران :المنهج ،معرفة المعرفة ،أنثروبولوجيا المعرفة ،تر :جمال شحيد ،الجزء الثالث ،مركز
دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،ط.3343 ،4
.2إدغار موران :الفكر والمستقبل ،مدخل إلى الفكر المركب ،تر :أحمد القصوار ومنير الحجوجي ،دار
توبقال ،المغرب ،ط.3333 ،4
.3إدغار موران :النهج إنسانية البشرية ،الهوية البشرية ،تر :د .هناء صبحي ،دار الكتب الوطنية،
أبوظبي ،ط.3335 ،4
.3إدغار موران :تحديات القرن الحادي والعشرين :تواصل المعارف العلمية ،تر :سفير د .حسن
الشريف ،الهيئة المصرية العلمية للكتاب ،د ب ن ،دط.3334 ،
.3إدغار موران :تربية المستقبل ،المعارف السبع الضرورية لتربية المستقبل ،تر :العزيز لزرق ومنير
الحجوجي ،دار توبقال للنشر ،المغرب ،ط.3333 ،4
.2إدغار موران :ثقافة أروبا بربريتها ،تر :محمد الهاللي ،دار توبقال للنش ،المغرب ،ط.3332 ،4
.3إدغار موران – جان بودريان :عنف العالم ،تر :عزيز توما ،دار الحوار ،سوريا ،ط.4،3333
.5إدغار موران :في الجماليات ،تر :يوسف تيبس ،و ازرة الثقافة والرياضة ،قطر ،د ط.3345 ،
.43إدغار موران :نجوم السنما ،تر :ابراهيم العريس ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،د ط،
.3343
.44إدغار موران :هل نسير إلى الهاوية ،تر :عبد الرحيم حزل ،د د ن ،المغرب ،د ط.3334 ،
85
قـائمة المصادر والمراجع
ثانيا .المراجع:
.4أحمد المنياوي :جمهورية أفالطون ،دار الكتاب العربي ،القاهرة ،د ط.3343 ،
.3أحمد فؤاد األهواني :نوابغ الفكر العربي ،دار المعارف ،مصر ،ط.4445 ،3
.2أرسطو طاليس :السياسة ،تر :أحمد لطفي السيد ،الدار القومية ،د ب ن ،د ط ،دس.
.3أيوب دخل اهلل :التربية ومشكالت المجتمع في عصر العولمة ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،د ط،
.3343
.3بوكدان شيشودولسكي :التربية والتيارات الفلسفية الكبرى ،تربية الماهية والوجود ،تر :عبد.أ .شمس
الدين ،دار الفكر اللبناني ،بيروت ،دط.4553 ،
.3جان جاك روسو :اميل أو التربية ،تر :عادل زعيتر ،مؤسسة هنداوي ،د ب ن ،د ط.3342 ،
.2جون ديوي :الديمقراطية والتربية ،تر :منى عفراوى و زكريا ميخائيل ،مطبعة لجنة التأليف والترجمة،
القاهرة ،ط.4533 ،3
.3جون ديوي :المدرسة والمجتمع ،تر :أحمد حسن الرحيم ،دار مكتبة الحياة ،بيروت ،ط.3343 ،3
.5طلعت عبد الحميد وآخرون :الحداثة ما بعد الحداثة ،دراسات في الصول الفلسفية للتربية ،مكتبة
األنجلومصرية،القاهرة،دط.3332،
.43عبد الغني محمد اسماعيل العمراني :أصول التربية ،دار الكتاب الجامعي،صنعاء،ط.3،3343
.44عبد اهلل عبد الدائم :التربية عبر التاريخ ،من العصور القديمة حتى أواخر القرن العشرين ،دار العلم
للماليين ،بيروت ،ط.4533 ،3
.43عبد اهلل قلي -فضيلة حناش :التربية العامة ،د د ن ،الجزائر ،د ط.3335 ،
.42فيليب كابان -جان فرنسوادورتيه :علم االجتماع من النظريات الكبرى إلى الشؤون العلمية ،أعالم
وتواريخ وتيارات ،تر :د.إياس حسن ،دار الفردق ،دمشق ،ط.3343 ،4
.43محمد جلوب فرحان :الخطاب الفلسفي التربوي ،الشركة العالمية للكتاب ،بيروت ،د ط.4555 ،
.43محمد سلمان الخزاعلة وآخرون :تطور الفكر التربوي ،دار الصفاء ،األردن ،د ط.3343 ،
86
قـائمة المصادر والمراجع
.43محمود عبد اللطيف :الفكر التربوي عند ابن سينا ،الهيئة العامة السورية للكتاب ،دمشق ،د ط،
.3335
.42ملكة أبيض :المقارنة والدولية ،دار الفكر المعاصر ،بيروت ،د ط.4552 ،
.43ويليم كلي رايت :تاريخ الفلسفة الحديثة ،تر :محمود سيد أحمد ،دار التنوير ،بيروت ،د ط.3343 ،
.45يوسف كرم :تاريخ الفلسفة الحديثة ،د د ن ،القاهرة ،د ط.3342 ،
ثالثا .المعاجم و الموسوعات:
المعاجم:
.4ابراهيم مدكور :المعجم الفلسفي ،الهيئة العامة لشؤون المطابع األميرية ،القاهرة ،د ط.4532،
.3ابن منظور :لسان العرب ،تحقيق عبد اهلل علي كبير وآخرون ،الجزء الثالث ،دار المعارف ،القاهرة،
د.سنة.
.2جميل صليبا :المعجم الفلسفي ،الجزء األول ،دار الكتاب اللبناني ،بيروت ،د ط.4533 ،
.3عبد المنعم الحنفي :المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة ،مكتبة مدبولى ،القاهرة ،ط.3333 ،2
الموسوعات:
.4أندري الالند :موسوعة الالند الفلسفية ،المجلد األول ،منشورات عبودات ،بيروت ،ط.3334 ،3
.3عبد األمير شمس الدين :موسوعة التربية والتعليم اإلسالمية ،المذهب التربوي عند ابن سينا ،الشركة
العالمية للكتاب ،بيروت ،ط.4533 ،4
.2نبيل موسى :موسوعة مشاهير العالم ،أعالم علم النفس وعلم التربية والطب النفسي والتحليل
النفسي ،الجزء الثاني ،دار الصداقة العربية ،بيروت ،د ط.3333 ،
87
قـائمة المصادر والمراجع
.4إدغار موران :فهم الشرط اإلنساني ،رهان تربية المستقبل ،تر :عزيز مشواط ،مجلة رؤى تربوية،
العدد ،35د س.
.3الصديق الصادقي العماري :التربية على المواطنة وحقوق اإلنسان ،مشروع تكوين الغد ،مجلة علوم
التربية ،العدد ،35د س,
.2النوي بالطاهر – عاتكة غرغوط :قراءة نقدية لنظرية جان جاك روسو التربية ،مجلة الدراسات
والبحوث االجتماعية ،العدد ،43جامعة الشهيد حمة لخضر ،الوادي.)3343- 43-43( ،
.3بلخضر وحيد :الهوية البشرية المركبة والتعدد الثقافي عند إدغار موران ،مجلة دراسات إنسانية
واجتماعية ،المجلد،5العدد ،2جامعة وهران.)3333-2-43( ،3
.3داود خليفة – مسيكة خولة :التربية كرهان لتغيير المستقبل ،مجلة التعليمية ،المجلد ،3العدد،4الجزائر،
(.)3343-43-23
.3رشيد اإلدريسي :من أجل تصور موسع للتربية الديمقراطية ،األسس والخلفيات واألهداف ،مجلة
المدرسة المغربية ،العدد.3342 ،3-2
.2زكية العمراوي :أوجه التركيب في فكر إدغار موران ،مجلة آفاق فكرية ،المجلد ،3د.عدد-44-4( ،
.)3333
.3سورية قادري -اسماعيل سيبوكر :العملية التعليمية وآليات التقويم في الفكر التربوي عند ابن خلدون
من خالل المقدمة ،مجلة آفاق علمية ،العدد .3345 ،4
.5عبد الواحد حسني :السياسة الحضارية عند إدغار موران ،من التشخيص الدقيق إلى رسم خارق
الطريق ،مجلة آفاق فكرية ،المجلد ،3د .عدد ،جامعة وهران .)3333-44-4( ،3
88
قـائمة المصادر والمراجع
.43عتيقة بلعقوز :التربية من اإلشكاالت المعرفية إلى بناء الهوية األرضية عند إدغار موران ،مجلة
العلوم القانونية واالجتماعية ،جامعة زيان عاشور ،الجلفة ،المجلد ،3العدد.)3334-2-43( ،4
.44عالء كاظم مسعود :ابستيمولوجيا التعقيد عند إدغار موران ،مجلة كلية التربية ،الجزء ،4العدد،22
جامعة واسط.3345 ،
.43فاطمة شرفي :أساسيات التربية عند إدغار موران ،مجلة آفاق فكرية ،د .عدد ،كلية العلوم اإلنسانية
واالجتماعية ،جامعة الجياللي اليابس ،سيدي بلعباس.)3334-44-4( ،
.42فاهم بن عاشور :مبادئ الربية وأبعادها اإلنسانية عند إدغار موران ،مجلة دراسات إنسانية
واجتماعية ،العدد ،43جامعة وهران.)3345-3-43( ،3
.43كمال الساكري :قراءة في كتاب العقل المحكم ،راهنية التحديات والرهانات ،مجلة نقد وتنوير ،العدد
.3334 ،2
.43لورانس برانسكي :الفكر الفرنسي إلدغار موران ،إصالح الفكر هو إصالح اجتماعي وذاتي في آن،
مجلة سيكولوجية الدوافع ،د .عدد.3342 ،
.43مخلوف سيد أحمد :الفكر المركب وأساس فلسفة التربية عند إدغار موران ،مجلة آفاق فكرية ،
المجلد ،3د.عدد ،كلية العلوم االجتماعية ،جامعة سيدي بلعباس.)3333-44-4( ،
.42هبة عادل :التقدم العلمي -التقني وأزمة العالم ،قراءة في فلسفة إدغار موران المستقبلية ،مجلة
اآلداب ،العدد ،44كلية اآلداب ،جامعة بغداد.3343 ،
.43وجدان كاظم عبد الحميد التميمي :مفهوم التربية من وجهة نظر الفالسفة ،مجلة كلية التربية،
الجلد ،3العدد. 3343 ،4
89
قـائمة المصادر والمراجع
.4خديجة زتيلي :إدغار موران وتعليم الحياة في الزمن الراهن ،الجزائر،43:33.)3345-3-33( ،
https://couua.com
.3فاهم بن عاشور :الدور المعرفي للتربية المستقبلية من منظور إدغار موران ،سنة ثالثة دكتوراه،
فلسفة حديثة ومعاصرة ،الجزائر ،د س،32:43.
https://www.asjps.cerist.dz
https//tarbeyawatakwin.wardpress.com
https : //www.elmalaqtsad.com
الرسائل الجامعية:
.4بن سالمة أحالم :أصول فلسفة الدين عند جون ديوي ،مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر ،قسم
الفلسفة ،كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،جامعة محمد بوضياف ،المسيلة.3342 ،
.3بن يوب هناء :ابستيمولوجيا التركيب عند إدغار موران ،مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر ،قسم
الفلسفة ،جامعة 3ماي ،4533قالمة.3342 ،
90
قـائمة المصادر والمراجع
.2رقية هبال :غايات السياسة في فلسفة إدغار موران ،مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر ،تخصص
فلسفة عامة ،قسم العلوم االجتماعية ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة.3345 ،
.3رلى نبيه مخلوطة :علم العمران والتربية عند ابن خلدون ،أطروحة ماجستير في اآلداب ،الجامعة
األمريكية ،بيروت.4553 ،
.3زيرق دحمان :التربية في الفكر اإلسالمي المعاصر ،محمد الغزالي أنموذجا ،اطروحة دكتوراه العلوم في
علم االجتماع ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة.3343 ،
المحاضرات:
.4بوبكر عواطي :الفكر التربوي عند ابن خلدون ،جامعة األمير عبد القادر ،قسنطينة ،دس.
.3سناء دراوشة :الفكر التربوي الخلدوني ،مقارنة بين األصالة والمعاصرة ،جامعة النجاح الوطنية ،مؤتمر
ابن خلدون ،ط.3343 ،4
.2عبد الحكيم كرم :المحاضرات في فلسفة التربية ،دائرة التاريخ والجغرافيا والفلسفة ،المدرسة العليا
لألساتذة في اآلداب والعلوم اإلنسانية ،قسنطينة.3333 ،
91
الملخص
الملخص
وما يميزه في هذا العصر هو اهتمامه،يعتبر إدغار موران واحد من أهم وأبرز رواد الفلسفة المعاصرة
إذ نجد أن التربية التي يدعوا إليها موران تندرج في إطار مشروعه النهضوي الذي يتقوم،بالجانب التربوي
وما يؤسسه هذا المناخ من ثقافة اجتماعية قادرة على استيعاب مختلف القدرات،على النظام الديمقراطي
نحو أبعاد إنسانية أشمل تتمحور نحو االختالف الهووي وحرية المعتقد الديني والسياسي،الفردية والجماعية
ومن خالل مشروعه هذا حاول موران التنظير لنظام،في إطار المشروع الكوني والحضاري للعيش المشترك
وتحقيق أبعاد إنسانية تتمثل في تكوين،كوني يسعى من خالله إلى البحث عن مستقبل أفضل للبشرية
.إنسان جاهز على مواكبة متطلبات العصر ومواجهة مشاكله المتعددة والمتنوعة
Résumé en Français:
Edgar Moran est l’un des pionniers les plus importants et les plus éminents
de la philosophie contemporaine, et ce qui le distingue à cette époque, c’est son
intérêt pour l’aspect éducatif, car l’éducation préconisée par Moran s’inscrit dans
le cadre de son projet de renaissance basé sur le système démocratique, et la
culture sociale établie par ce climat capable d’absorber diverses capacités
individuelles et collectives, vers des dimensions humaines plus globales centrées
sur la différence amateur et la liberté de croyance religieuse et politique dans le
cadre du projet cosmique et civilisationnel de coexistence, et à travers ce projet
Moran a essayé d’examiner un système universel qui cherche A travers elle pour
chercher un avenir meilleur pour l’humanité, et pour atteindre les dimensions
humaines de la création d’un être humain prêt à suivre les exigences de l’époque
et à faire face à ses problèmes nombreux et variés.
Mots-clés: Edgar Moran, Future Education, Uncertainty, Knowledge,
Citizenship.